حزب الله اللبناني في الميزان
وكتبه الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمَّينِ على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
لقد أنشأ الرافضي موسى الصدر حركة أمل الشيعية الرافضية في لبنان في السبعينات ، وكان لها دور كبير في ذبح أهل السنة في لبنان بالاشتراك مع اليهود والمارون وأعوانهم من الباطنية ، وذلك يعرفه القاصي والداني .
ومن أحضان حركة أمل نشأ ما يسمى بحزب الله اللبناني ، الذي صار حسن نصر الله أمينا عاما له فيما بعد .
وقد خُدع كثير من السذّج بشعارات هذا الحزب ، فأيدوه ،ووقفوا بجانبه بحجة أنه صاحب البطولات الخارقة في القضاء على اليهود في جنوب لبنان .
والذي أوحى بإنشاء هذا الحزب الهالك الخميني وآيات قم ، ليكون لهم قدم في لبنان ، ولنشر الرفض في ربوعه.
ودعمت كثير من الدول هذا الحزب وأمدته بالمال وغيره ليكون بديلا عن أهل السنة والجماعة .
وعلينا أن ندقق في الحقائق التالية :
1. عقيدة هذا الحزب هي عقيدة غلاة الرافضة ، فهو يؤمن بجميع أفكار الهالك الخميني ، فهو رمزه الأعلى ، ومن بعده الخامنئي ، الذين يكفرون الصحابة ، ويطعنون بأمهات المؤمنين ، ويؤمنون بالوصية ، والإمامة ، والعصمة ، والتقية ، وهي الأفكار التي طرحها اليهودي عبد الله بن سبأ
2. يقول أنصاره : يا لثارات الحسين وهم ذاهبون لجنوب لبنان ، فهل أهل الجنوب هم الذين قتلوا الحسين رضي الله عنه ؟ أم الذين أرسلوا وراءه ثم قتلوه ؟؟!!!
3. لم يقولوا في يوم من الأيام أنهم يريدون تحرير فلسطين ، بل مزارع شبعا
4. لا يمكن أن يصل حتى رغيف خبز لأهلنا في فلسطين عن طريق جنوب لبنان ، وذلك لإحكام سيطرته التامة عليه ، ومن أراد الاقتراب من الحدود يضرب بنار حزب الله
5. الفلسطينيون يعيشون في جنوب لبنان أسوأ عيشة بسبب حزب الله هذا(1/1)
6. هذا العمل الذي قام به الحزب وهو خطف الجنديين الإسرائيليين ، لا ندري كيف تم ، وهناك غاية كبيرة لقيامه بهذا العمل وبهذا التوقيت ، وذلك لأن أهل السنة يذبحون على قارعة الطريق في بلد الرشيد ، والإخوة في فلسطين يسامون أشد أنواع العذاب ، والكلُّ يتفرجون عليهم كيف يبادون ، فيظهر هذا الحزب بمظهر المحرر والمنقذ ، وأنه الوحيد الذي يعمل على الساحة ، فترتفع أسهم الرافضة التي وصلت إلى الحضيض في العراق ، وكذلك فتصرف إيرانُ أنظار العالم عن برنامجها النووي ، الذي لن ينتفع به المسلمون يوما .
7. أظهرت وسائل الإعلام وخاصة الجزيرة هذا الحزب بأكثر من حجمه بكثير ، وذلك لصرف الأنظار عما يجري في العراق وفلسطين .
كل من كان يؤيد هذا الحزب سابقا أو يلتقي به إما جاهل بعقيدة هذا الحزب وأعماله الخبيثة داخل لبنان ، أو أحمق يُضحك عليه بسهولة ، أو فقد الولاء والبراء ، أو من أتباعه حقيقة
8. الفتاوى التي صدرت لتأييد هذا الحزب ، كلها بعيدة عن واقعه ، وعن عقيدته ، وإن كنا نفرح لمقتل إخوان القردة والخنازير ، على يد أي واحد في الأرض ، ولكن هذا الحزب عندما قام بهذا العمل لم يستشر إلا من يخطط له ، ولم تعلم الأمة بعمله بتاتا ، فكيف نطلب من الأمة مساعدته والدعاء له في أمر لم يكن لها فيه ناقة ولا جمل ؟؟!!!
9. لقد انهالت التهم على الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه لأنه صدع بالحق ، في هذه القضية الجلل ، وقد نظرت في كثير منها ، فليس فيها ردًّا علميًّا واحدا ، سوى ردٍّ لفيصل مولوي ، ولكنه مملوء بالمغالطات والتحريف ، وسوف أفرده ببحث إن شاء الله .(1/2)
وقد جمعت في هذا الكتاب كثيرا مما كتب على النت ، وهو بحمد الله تعالى طيب ودقيق ، وقمت بفهرسته ، وذلك من أجل سهولة الرجوع إليه وقراءته ، حتى لا يغترَّ عامة المسلمين بوسائل الإعلام التي تحت السيطرة التامة من قبل أعداء الإسلام ، فلا يوجد لنا صوت نعبِّرُ فيه عن رأينا بشكل صحيح ، ونرد على أعدائنا سوى النت ، ومع هذا فنحن محاربون في كل مكان ، وعلى كل الأصعدة .
و ما زال استخدام النت في العالم الإسلامي ضعيفا جدا إلى هذا الحين ، وفقهاء الهزيمة يحذرون الناس منه حتى لا يكشفوا على حقيقتهم ، فحسبنا الله ونعم الوكيل
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع به جامعه وقارئه وناشره ، إنه نعم المولى ونعم النصير
قال تعالى :{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) [النساء/83] }
وكتبه الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
25 رجب 1427 هـ الموافق 20/8/2006 م
*****************
مآسي أهل السنة بلبنان في ظل سيطرة حزب الله على الجنوب
مفكرة الإسلام:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكرمان على سيد الخلق محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، ثم أما بعد:(1/3)
نكتب هذه الوريقات إلى أهل الخير والبر والإحسان، الذين ما استسقينا سخاءهم وعطاءهم في أحلك وأصعب ظروفنا إلا وأمطرونا. واليوم اليوم ماذا عسى أن يعبر قلم واصف لمأساتنا ونكبتنا اليومية؟ إن اللغة والكلمة والحرف نراها عاجزةً عن تصوير الإجرام والاعتداء والظلم والبغي اليومي في أهلنا. ويا إخواننا إن سنة الجنوب بلبنان باتوا في شر حالة بعد أن مزقهم العدو وشردهم الطغاة وهجرهم البغاة، فلا طائر الحلم الجميل أوى إلى عشه، ولا القمري طار، ولا سقف الدار مازال مرفوعًا، ولا رب الأسرة موجودًا، ولا رغيف الخبز موفورًا، إنها حضارة الألفية الثالثة المتسلطة على الإسلام وأهله، على الأبرياء الجياع الذين هجروا في ظلام الليل الدامس، تاركين كل ما يملكون نجدة بأرواحهم، موزعين على قرى لبنان ما بين مدارس ومساجد وحدائق ومهاجع وأقرباء وأصدقاء، وكيف بك يا أخي لو رأيتهم وسمعتهم يالله في حاجاتهم وطلباتهم وآهاتهم سوى الله، إذ في الغرفة الواحدة ينام أكثر من عشرين نازحًا جلهم أطفال ونساء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وأصوات الرضع الجياع تتعالى بكاء ليلاً ليس في الصدر ما يغذيه وليس في البيت ما يغنيه، ومرضاهم يدمون القلوب، ويبكون العيون، يموتون ألف مرة قبل وصول جرعة الدواء إليهم، ثم هناك أمراض عدوى بدأت تتفشى في صفوفهم، أما الطعام فليس هناك ما يسد الريق ويقوم الصلب، ناهيك عن تأمين الثوب والهندام والماء والصابون وما يقوم به الواجب.(1/4)
ولقد دخل لبنان -بفضل الله- الكثير الكثير من الإعانات والإغاثات والإسعافات عن طريق المملكة العربية السعودية، ولكنها مع كل أسف وأسى كمن ينفخ في رماد أو يصيح في واد؛ وسدت لغير أهلها، ووزعت على غير مستحقيها، كانت تمر بجوار المهجر السني يشم رائحتها ولا يذوق طعمها.. لماذا؟ لأنها وصلت ووزعت على أيدي حركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وغيرهم، وهؤلاء جميعًا استغلوها لأغراضهم الشخصية ومناصبهم السياسية وكأننا في أيام انتخابات، إذ نرى مغلف الهيئة الداعمة ينزع ويلصق باسم لائحة انتخابية أو حزب أو حركة أو ما شابهها وشاكلها، ثم لا تعطى إلا للمصفق والموالي لهم، ومنهم من يبيعها، ومنهم من يدخرها، ومنهم من يحصصها ويخصصها لذويه، أما جمعياتنا السلفية الخيرية الناهضة بجهدها التطوعي فباتت لا تعرف الإعانات والإغاثات إلا اسمًا وسهماً.
ثم إن قرانا في جنوب لبنان هي التي قصف وهدم معظمها وباتت خاوية على عروشها بعد أن هجر أهلها بقصد، كقرية عيترون والعرقوب وشبعا ودحيرجات وكفر شوبا ومروحين وكفر حمام وقسم من مرجعيون وغيرها كانت قواعد صواريخ حزب الله تضرب من على سطوح بيتها ومن بين أحيائها السنية فلذلك تعمدتها طائرات العدو الغاشم، ناهيك عن ترويع أهلها من قبل الحزب بتضليلهم بمناشير وقنابل صوتية ومنع الصحافة الدخول والتصوير.
ولقد ارتفعت أصوات الذين سرقت بيوتهم ونهبت ثرواتهم وممتلكاتهم، ناهيك عن العبث والتخريب والتحرش بمساجد بعض الصحابة والصالحين.(1/5)
ثم إن المهجرين من الشيعة الرافضة حينما آواهم أهل السنة في قراهم رفضوا الدخول إلى أي مدرسة أو مسجد يحملان اسمًا لصحابي جليل أو زوجة من زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-ورفضوا أيضًا قبول المساعدات التي تحمل اسمًا أو شعارًا لأهل السنة، ومن قبلها منهم تحت وطأة الاضطرار مزق الشعار والاسم متهمًا أن مال المملكة مال خبيث كما ربوا وتعلموا، وهاهم نراهم يسكنون أفضل الشقق ويأكلون أطيب الطعام وكل وسائل الراحة والرفاهية والدعة تؤمن لهم بسبب الإمداد الإيراني لهم، أما أهلنا من السنة فتتقلص أمعاؤهم جوعًا وعطشًا وحرمانًا.
ثم إن أهل السنة لا يضيق عليهم في الجنوب فحسب، بل في كل لبنان، وخاصة بعد أن أخذ توسع الشيعة الرافضة يأخذ مجراه في العقد الأخير من الزمن، فهاهم اشتروا نصف أراضي الجنوب من السنة ابتداءً من الجيه فصيدا وصولاً إلى صور وما بعد صور، وكذلك الأمر في بيروت عند منطقة الأوزاعي ونواحيها وصولاً إلى تلة الخياط وكذا في البقاع بدءًا من شتورا وصولاً إلى الحدود السورية، هذا عدا المساجد التي قاموا باحتلالها بفوهة التهديد والتخويف وبمنطق السلاح، كمسجد النبي يونس في الجيه ومسجد الوردانية في جبل لبنان، ومسجد بيبرس في البقاع والمسجد الأموي الكبير في بعلبك، ولقد أغلقوها حقبة من الزمن مع أن تاريخها العريق يحمل دليلاً واضحًا وساطعًا أنها لأهل السنة والجماعة، كما أن هناك زحفا دعويا لترهاتهم وفرياتهم، وذلك بتغرير الكثيرين من شباب السنة بالدخول في صفوفهم، وذلك بإقناعهم عن طريق الكتب والأشرطة والوقائع الكاذبة المزيفة على كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان، وإما رمي وقذف أمهات المؤمنين كعائشة وخديجة وسبهم علانية، وإما بإغرائهم بمكسب مادي أو وظيفة في الدولة ليدهم الطولى فيها.(1/6)
إن بغضهم وكراهيتهم لأهل السنة يكاد لا يوصف، ويبدو ذلك واضحًا في أيام عاشوراء والآن في أيامنا الحاسمة هذه، حيث يتوعدون عدوهم الثاني عمر وأبو بكر وعثمان وعائشة وخديجة بعد خلاصهم من عدوهم الأول إسرائيل، ويحملون مبدأ 'من ليس معنا فهو ضدنا' وأيضًا مبدأ 'نحن مسلمو لبنان وليس غيرها' و'نحن أتباع وأحفاد علي وفاطمة والحسن والحسين، وإن أي حفيد ينتمي لغيرهم مشكوك في عرقه ونسله ونسبه، وإن أي مال يفدنا نحن غير إيران فهو أيضًا مال مشبوه' وإن إيران هي السند الأساسي لشيعة لبنان وزحفهم، سندٌ مالي وسند عسكري وسند معنوي، فلذلك هم أقوى منا بكثير لأنهم لا يتكلمون إلا بمفهوم القوة والمال والسلاح والعدة والعتاد.
أما نحن أهل السنة والجماعة فعتادنا قليل ومالنا ودعمنا ضئيل، ونكاد لا نرى دعمًا إلا ما رحم رب، وغالبًا ما يكون هذا الدعم في غير أهله كما أسلفنا، فلا يكون إلا كطلقة فارغة جوفاء تحدث دويًا ولا تصيب هدفًا.
فيا أهلنا في المملكة العربية السعودية ويا إخواننا، تربينا في لبنان على الولاء لله والوفاء لكم، وكلنا أمل بكم، وإن انقطعت الأسباب فنحن نؤمن برب الأسباب، وأنتم سببُ ثقتنا وعزنا ومجدنا، بالأمس والتاريخ حافل بمواقفكم الخيّرة والنيرة، نثمن غاليًا جهودكم وحرصكم وسهركم على أهلكم في لبنان، فلم تقصروا جزاكم الله كل خير، واليوم من جديد نستصرخكم فقد مسنا الضر، وبلغنا الذروة، ودفعتنا الحاجة لما نناله في كل يوم بآلة التنكيل والإبادة الإرهابية من قبل العدو الإسرائيلي الغاشم، فشعبنا الصامد الأبي الباسل التليد بما فيه من رجال ونساء وأطفال رضع وشيوخ ركع حتى الجنين في عالم الأرحام يستصرخ عطاءكم وسخاءكم وجودكم ودعمكم لنا يدًا إلى يد وجنبًا إلى جنب، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
أدام الله فضلكم، وجعلكم للإسلام ذخرًا، ولإخوانكم في لبنان سندًا وظهرًا، والحمد لله رب العالمين.(1/7)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركات
*****************
خطاب نصر الله: ما بعد حيفا وما قبل سبتمبر!!
أمير سعيد
موقع المسلم / 7-7-1427هـ
لِيمتْ حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة من قبل كثيرين في العالم العربي لأنهما قد استدعيا جحافل الغزو الأمريكي إلى أفغانستان من خلال عملية تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك ومبنى البنتاجون في واشنطن، حتى بعض المتعاطفين مع تجربة طالبان الأفغانية لم ينظروا بعين الرضا إلى استدعاء الغزاة إلى أفغانستان وإزالة حكم "إمارة طالبان".. حينها دافعت الحركة والتنظيم عن موقفيهما بالقول إن "خطط غزو أفغانستان كانت على طاولة الجنرالات في البنتاجون، وأنهما قد ساهما فقط في حرق الزمن للوصول إلى نقطة الصدام"، وظلت أدبيات الجماعتين فيما بعد تتناولان استدعاء الجنود الأمريكيين إلى أفغانستان على أنه فرصة ذهبية للنيل من الغزاة..
والذين أطربتهم خطابات حسن نصر الله الفترة الماضية والمتمنطقة بنفس اللغة فاتهم أنهم قد دانوا السلوك الطالباني واعتبروه نوعاً من السذاجة السياسية، مع أن الجنديين الأسيرين لا يعادلان برجين عملاقين!!
ولتنشيط الذاكرة كذلك، لازلنا نذكر أن جهوزية خطط الغزو وسرعة رد الفعل قد اعتبرها كثير من المحللين بالأمس دليلاً دامغاً على أن النظام الحاكم سابقاً في أفغانستان بشقيه قد وقع فريسة لاستدراج أجهزة الاستخبارات، لأن سرعة رد الفعل والحديث عن "حرب عالمية ضد الإرهاب" تبلور مشروعها خلال أسبوعين لا أكثر من 11 سبتمبر لا يمكن إلا أن تكون جاهزة من قبل، لكن أياً من أولئك المحللين لن يلتفت إلى حديث وزيرة الخارجية الأمريكية عن "شرق أوسط جديد تتبلور ملامحه الآن" الذي لفت زعيم "حزب الله" إليه على أنه دليل على جهوزية الخطط الأمريكية للمنطقة بما لا يثير شهية أولئك المحللين عن تكرار نغمة الاستدراج تلك.(1/8)
تحدث نصر الله قبل أيام عن بدء مرحلة ما بعد حيفا، وأنه قد تحين ساعة ما بعد ما بعد حيفا، بحسب حسابات الميدان, هذا الميدان الذي قد ينفض سامره بعد أسبوع إلى عشرة أيام بحسب تقديره؛ لكن من دون أن يحدد سقفاً زمنياً ـ بطبيعة الحال ـ للمقاومة ذاتها التي قال عنها أنها تنتمي لحرب العصابات لا "الجيوش الكلاسيكية"، وهو ما مهد بعده بالحديث عن احتمالية سقوط بلدات أخرى أمام جيش قوي ثم إعادة السيطرة عليها وفقاً لمفهوم الكر والفر الذي تمتاز به حركات المقاومة خلافاً للجيوش النظامية، وما قد يفهم التشديد عليه من قبل زعيم الحزب في خطاباته على أنه استباق إعلامي ذكي لأي نقد قد يوجه للحزب على أنه وبعد نحو شهرين من الاحتفال بـ"عيد التحرير للجنوب" قد أسقط أو ربما بطريق إسقاط بلدات الجنوب الواحدة تلو الأخرى في أسابيع وكانت احتاجت لسنوات من قبل لتحريرها.. لم يرد حسن نصر الله أن يبدو ناقضاً غزلاً من بعد قوة؛ فلاذ بمرحلة "ما بعد حيفا"، وهي مرحلة تفرضها الطبيعة الميدانية أكثر مما يحتاجها الخطاب السياسي أو الدعائي, وهي توفر له رغم ذلك زخماً دعائياً كبيراً لاعتبار قواته قد نجحت في إلجاء "الإسرائيليين" للملاجئ فرقاً من صواريخ دقيقة ـ نوعاً ما ـ تستهدف مدناً لأول مرة لم تعرف سماؤها الصواريخ..(1/9)
خطابات نصر الله أرادت التخفيف من وطأة سقوط بلدة مارون الراس لأول الأمر والتأكيد على صمود بنت جبيل لكن عباراته لم تستطع أن تمنع رسالة تسربت إلى عقول مشاهديه بأن زعيم الحزب يتوقع في قرارة نفسه سقوط عدد من البلدات الجنوبية أو نكبات كتلك التي ألمت بقانا بالأمس، وأنه يقابل هذه المشاعر أو يريد أن تقابل مشاهديه بمفهوم للنصر ـ أو بالأحرى لعدم الهزيمة ـ يتمثل في أن استمرار سقوط الصواريخ على بلدات شمال "إسرائيل" وإثارتها للرعب واصطياد الضباط والجنود "الإسرائيليين" في الاشتباكات البرية عين النصر ما دام قد شدد على أن "الحرب المفتوحة" قد فرضت عليه ولم يطلبها، وهو ما من شأنه أن يزيل عن كاهله لدى مستمعيه عبء المسؤولية عن التراجع البري البطيء.
وقد غدا نصر الله "مبشراً" في أحاديثه بقدرة المقاومة على الصمود، موحياً بأن الحزب هو خط الدفاع الأول؛ فإن ذهب اتجه المشروع الصهيوأمريكي نحو المقاومة في فلسطين ثم سوريا ثم إيران, غير أنه كعادته لم يأت على ذكر المقاومة الأبرز في الشرق الأوسط وهي المقاومة العراقية ـ طبقاً لمعطيات بحثية بحتة تأخذ في الاعتبار بالضرورة، عدد عملياتها ووقوفها ضد تحالف قوات أممية ـ من دون أن يقدم تفسيراً لاستبعادها المتكرر من مفهوم المقاومة, لاسيما وهو هذه المرة بالذات كاد أن ينعت "إسرائيل" بأنها مجرد أداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية تستخدمها للنيل من مناوئي مشروع الشرق الأوسط الجديد, فيما زعيمة العالم قد قدمت مشروعها للشرق الأوسط عبر بوابة عراقية ـ وللمفارقة بطريقة عسكرية أيضاً ـ وتصدت لها مقاومة هي خارج حساب الحزب ناهيك عن أفغانستان التي تقاوم فيها جماعات ضد الوجود الأجنبي في بلدها وضد المشروع الأمريكي أيضا!!(1/10)
وإذا كان مفهوماً ـ حزبياً ـ أن يستبعد خطاب زعيمه فصائل المقاومة التي لا تشاطره رؤيته؛ ففي المقابل يمكن تفهم عدم تعاطف البعض مع خطاب زعيم الحزب, ما دام رقم المقاومة قابل للقسمة ومفهومها قابل للتجزئ.
هذا عن المفهوم, أما خلافه؛ فبعض ما قد تحدث عنه زعيم "حزب الله" أو بالأحرى ما أفاد به منقوصاً لحسابات بعضها سياسي والآخر عسكري, مثل توقعه باستمرار المعركة في طورها الحالي ـ من دون استبعاد استمرارها بأطوار أخرى ـ لمدة ما بين 7 ـ 10 أيام, وهو ما قد يفهم على معانٍ مختلفة كرسالة عسكرية في إطار الحرب النفسية للخصم, أو دبلوماسية للوسطاء, أو شعبية للرافد الجماهيري وللمتضررين من التشريد، أو يبقى حبيس نفس نصر الله ومعاونيه. وأهم من هذه حديثه عن أن "إسرائيل" كانت بصدد إشعال فتيل الحرب في سبتمبر أو أكتوبر القادمين ريثما تتمكن من استكمال معلومات استخباراتية، وهي لمحة ذكية تشيح بأوجه المحللين عن توقيت السقف الزمني المضروب لإيران في أغسطس للرد على العرض الأوربي.
وعلى ذكر ذكاء نصر الله؛ فلقد أفلت بعبارته عن "عدم إدراك المقاومة" وعدم قصدها إفشال المخطط المرسوم للمقاومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" من نقد كان سيلاحقه بأن الحزب قد اختار هذا التوقيت بالذات لأسر الجنديين لا لتحرير الأسرى اللبنانيين بل لإفشال مخطط مثلما تتهم إسرائيل في المقابل بأنها شنت حرباً لا من أجل استرداد جندييها بل لتركيع "حزب الله"..
وفي الأخير يبدو كلا الطرفين يقلب أوراقه باحتراف ويسدد سهامه بدقة, ويظل قدَرُ لبنان أن يصبح صهيونياً أمريكياً بحسب نصر الله أو خاضعاً لأطراف أخرى بحسب الدول العربية الناقدة للحزب.. وتظل "إسرائيل" تتحدث عن ضرورة تحقيق السيادة اللبنانية عبر حكومته, والحزب بخطاب زعيمه عن "السيادة اللبنانية" و"الاستقلال".. وتصبح السيادة أيضاً قابلة لعديد التوصيفات كما المقاومة!!
***************(1/11)
فستذكرون ما أقول لكم .. لبنان وحزب الله
د. محمد العبدة
موقع المسلم/ 2-7-1427هـ
إن من أعظم النكبات التي تصاب بها الأمم هي نكبة الغفلة والنسيان ، وأخشى أن تكون الأمة العربية والإسلامية قد نزل بها هذا الداء ،فما أسرع أن تصدق الذين يرفعون الشعارات البراقة الذين يقومون ببعض الأعمال التي تبقي عليهم ولاتهزم عدوا. هل نسي الفلسطينيون ما حل بهم في لبنان
ومن الذي نكبهم فيها؟ ومن الذي كان يتفرج على مجزرة صبرا وشاتيلا ولم يقدم أي مساعدة ، كان الجيش السوري في لبنان ولكنه لم يستطع حتى الدفاع عن نفسه وترك الشعب اللبناني يواجه العدوان والتدمير. كان ذلك عام 1982.
نسي الناس من الذي جرّ المنطقة الى هزيمة 1967 ولا يفكرون ويقارنون من الذي يجر لبنان اليوم إلى الدمار، فإذا اجتمع إلى داء الغفلة والنسيان داء آخر وهو البحث عن البطل الذي تتعلق به الآمال الخائبة فقد صار الأمر(ضغثا على إبالة ) كما يقال.
لقد تعلقت هذه العواطف الفائرة بجمال عبد الناصر وشعاراته وخطبه النارية ولكن ماذا فعل ؟ لقد غادر وترك مصر يبابا ، ثم تعلقوا ـ وياللأسف ـ بالخميني الذي رفع شعار تصدير الثورة الى العالم العربي السني وذهب وهو يتجرع السم وظهر بطلانه وحقده وتعصبه . وتعود الكرة اليوم ـ وياللهول ـ فتتعلق العواطف الفائرة بشيخ يتلقى أوامره من ايران ويشكل حزبه رافعة للنظام السوري المستبد الظالم .
وإذا أضيف الى ذلك عدم القراءة عند هذه الشعوب وأعني قراءة الماضي والحاضر، فعندئذ تسود الديماغوجية وتنقلب الأمور رأسا على عقب ، وعندما تقع المصيبة سيندم الناس على غفلتهم وعلى عواطفهم التي ليس لها أساس من دين أوعقل .(1/12)
يجب أن نوضح هذا الإلتباس المخيف ونفصل بين مقاومة العدو الصهيوني وبين حزب الله الذي لا يقاتل من أجل فلسطين ولكن من أجل أغراض أخرى إنه ليس من المعقول أن تحدث هذه الأحداث فجأة بغير تدبير سابق، وإذا عجز الناس عن التفسير فلا يعني ذلك أن ليس هناك تدبير مبيت لتدمير لبنان ولترجع سورية إلى لبنان ولتختلط الأوراق في المنطقة ويكون لإيران الدور الإقليمي الواسع
إن مقاومة العدو الصهيوني مستمرة و ستطول، و إن الذي بدأها و سيستمر فيها هم أهل السنة، و هم الذين قاوموا المستعمر وأعداء الأمة سابقاً و لاحقاً، في داغستان والمغرب والجزائر وليبيا والسودان وبلاد الشام. وهم الذين يقاومون اليوم في العراق و أفغانستان. إنها مخادعة لا ينتبه لها من يعرف القوم ومخططاتهم في (قم) ولكنه داء الغفلة والنسيان هو الذي يجعل الجماهير في القاهرة ترفع أعلام حزب الله وكأنهم نسوا ما فعلته بهم دولة العبيديين (الفاطميين).(1/13)
لماذا لا يقرأ هؤلاء السذج عن العلاقات الحميمة بين إيران وإسرائيل فقد ذكرت جريدة السياسة في عددها الصادر بتاريخ 24/4/2006 :"عاد إلى إسرائيل في الأسبوع الماضي ثلاثة مهندسين بعد ان عملوا لمدة (20) يوماً في ترميم بنى تحتية قريبة من المنشاة النووية في مدينة بوشهر الإيرانية تضررت من هزات أرضية سابقاً و نقلت صحيفة ) يديعوت أحرنوت) عن أحد المهندسين: لقد أدهشنا حجم الفجوة بين المواجهة العلنية الإسرائيلية الإيرانية ،وعمق التعاون التجاري بين الدولتين ...وأضاف :تم استقبالنا بدفء ولم نشعر بعدوانية للحظة واحدة من قبل مرافقينا ، لماذا لا يقرؤون ما كتب : "أن الأسد لا يملك جيشا قويا ولكنه ببضعة صواريخ وحربا صغيرة يمكن أن يلفت الانتباه إليه. " وفي هذه اليوم 22/7/ 2006 صرح نائب وزير الخارجية السوري أنه مستعد للحوار مع أمريكا حول لبنان ؟! لماذا لا ينظر المغفلون السذّج إلى الأمر من جميع جوانبه ، فحزب الله لم يدن تحالف الشيعة في العراق مع العدو المحتل .
ولماذا لم يسمع هؤلاء بأن أهل المقاوم العراقي يفرحون إذا أمسكت به القوات الأمريكية ويحزنون إذا أمسكت به ميليشيات الشيعة أو الشرطة الداخلية لأنه عند الأمريكان سيسجن ويخرج بعدئذ وأما عند الميليشيات فسيعذب عذابا عذابا فظيعا ثم يقتل .
كيف يكون حريصا على فلسطين من يقمع شعبا بأكمله كالنظام السوري، وكيف يكون حريصا على فلسطين من يتعاون مع أمريكا لقهر الشعب العراقي والأفغاني كإيران. كيف نفسر هذا المدح الكبير من قبل أمين عام حزب الله للنظام السوي ويقدم هدية لمسؤول المخابرات السوري في لبنان رستم غزالة ، وهذا الأخير هو الذي ولغ في دماء اللبنانيين وكرامتهم .(1/14)
هل يجب أن تكون أفعالنا وأقوالنا كلها ردّات فعل لمواقف الآخرين ، هل إذا وقفت بعض الدول موقفا يجب أن نكون في الطرف الأخر ولو كان خطأ ، إننا لا ندافع هنا عن الدول ولكننا ندافع عن الحق أن يطمس في هذه الغوغاء وهذه الديماغوجية السياسية . هل إذا قال الغربي سواء كان فردا أو دولة شيئا صحيحا فيجب أن نقول بعكسه حتى لا نحسب عليه، إن هذا خطل في الرأي وضعف في التفكير.
لا يمكن لحزب الله الذي تموله إيران (300 مليون دولار في السنة ) وتمده بالأسلحة عن طريق سورية لا يمكن أن يتخذ قرارا بمفرده ، وهل يصدق أحد ما قاله حسن نصرالله من أن سورية وإيران لا تعلمان بالأمر؟ وأما قوله : لم نضرب حتى الآن فهذا يشكل علامة استفهام كبيرة ، لماذا لم يضرب ويضرب لبنان كله ولماذا تضرب قيادات حماس وفي كل مكان ، أسئلة لا تخطر ببال السذج من الناس فالنتيجة هي أنه لا بد من بقاء الحزب شوكة في خاصرة لبنان ومساعدا لسورية وعائقا أمام المد السني الذي يعلم الغرب علم اليقين أنه هو المقاوم للاستعمار دائما .
ماذا نقول لأصحاب الأقلام وكتاب الصحف وللذين يخرجون علينا في الفضائيات في كل يوم وكل ساعة وللذين يدعون العلم والثقافة الذين يضللون الناس ويخدعوهم بتمجيد أزلام إيران التي تريد دوراً كبيرا في المنطقة ( وهذا بلاء كبير ) إن الشعوب تتأثر بتهليلكم ونواحكم وكأنكم تريدون أن يعيش هذا الشعب في بلبلة دائمة .
وماذا نقول للدول الغافلة عن الأحلام الإيرانية هل تريدون أن ينماع العرب ويذوبون أمام المد الصفوي كما يذوب الملح في الماء ؟
****************
من مفردات الحرب ومخلفات "الحزب"
أمير سعيد
موقع المسلم/ 24-6-1427هـ(1/15)
لا أود أن أفتح جدلاً حول أعداد قتلى حزب الله في هذه الحرب الدقيقة وأعداد قتلى الجيش اللبناني وهوية الأسيرين الدرزيين, وما أريد الحديث عن الجسور التي بناها الراحل رفيق الحريري, كل ما يساور النفس من شكوك حول تفجير هذه الحرب وجدواها ومبتغاها ينبغي أن يظل حبيس النفس حتى تضع الحرب أوزارها, إذ ليس من العدل أن تقرأ الخريطة وهي بعد لم تزل مرسومة بخطوط الرصاص, فالحبر لا ينبغي في هذه الحالة أن يسبق الرصاص.
وليس الرجم بالغيب هو درب من دروب الحذق المعرفي, فمعظم المعلومات حول هذه الحرب لا نزعم أنها قد خرجت من أروقة الحكم في تل أبيب وواشنطن وطهران ودمشق, ولم تتسلل من شفاه جنرالات الاستخبارات الإقليمية والدولية..
إنما ما يمكننا الحديث عنه الآن هو محض اجتهادات أو لمحات موحية أو مقاربات لفهم مخلفات هذه الحرب ومفرداتها, وأيضاً كيفية تعاطي الأمة مع القضية, وفي صدر ذلك مسألة معالجة الأزمات وفقهها والإلمام بأهدابها اتقاءً للشرود الفكري أو الانسياق العاطفي.(1/16)
وما ينبغي أن نرى الثمرة ولا نشاهد جذر النبتة أو نتتبع ساقها على الأقل, وساق النبتة يسوقنا إلى البداية حيث تشكل "حزب الله" أوائل الثمانينات كفصيل لبناني يرفع شعار المقاومة, بدعم من سوريا وإيران, والذي يتتبع تأريخ نشأة الحزب واحتضان الحرس الثوري الإيراني له ودعمه مالياً بميزانية ضخمة (تقدرها بعض المصادر الغربية بنحو 100 مليون دولار سنوياً من دون أن تملك أي جهة دليلاً على صحة الرقم وإن أثبتت الشواهد ضخامة الدعم), وتقديم سوريا الدعم اللوجيستي وتأمين خط ساخن عسكري بين طهران وجنوب بيروت عبر الطريق الرئيسي الحالي والسابق والذي تسيطر عليه دمشق حتى وقت قريب, ـ وينظر للحزب على هذا النحو, تتجه به عين الإعجاب إلى طهران ودمشق اللتين استطاعتا تجهيز هذا الحزب ليكون ذراعهما الطويلة, هذا الإعجاب الذي يفرط العاطفيون حينما يمنحونه لحسن نصر الله وحزبه ويغدقون عليهما من كلمات الثناء والإعجاب كما لو كانوا إزاء فصيل مقاوم "عصامي".. حزب الله حقق إنجازاً عسكرياً وتنظيمياً وحركياً وشعبياً بمساندة هائلة من حلف طهران ـ دمشق ويبقى كل هذا الإنجاز منسوباً لفاعليه وتبقى هذه القوة التي أنشئوها وفية لأرباب نعمتها ومحركيها الحقيقيين, ولا يعيبهم بالمرة أن يسعوا إلى تحقيق أهدافهم السياسية عبر أوراق كثيرة منها حزب الله, فهذا حذق سياسي ومهارة تطبيقية, وهو أمر محمود لفاعليه قياساً إلى طموحات إيران وسوريا, بيد أن القياس إلى أهداف الأمة وطموحاتها وما إذا كانت قوة حزب الله هي قوة مضافة إلى رصيد الأمة أم مطروحة منه فهذا أمر آخر ومخالف تماماً للحسابات المختلطة والعاطفية المتأرجحة..(1/17)
محمود لإيران وسوريا أنهما لا تهزلان فيما يتعلق بأمنهما القومي وهما قد سعتا إلى تكوين ذراع عسكرية محكمة التنظيم شديدة الترابط, فيما لم تقم الأمة الإسلامية السنية والعربية بمثل ما قامت به هاتان الدولتان أو بالأحرى نظاما هاتين الدولتين, ولا يعني هذا الإعجاب أننا نشاطرهما الأهداف والسياسة والعقيدة, ولا أن نعتبر ما يقومان به منسحباً على المعلن من الأهداف, فشخصياً لا أستبعد أن تنجلي الأزمة اللبنانية بكل حزونها وجراحها في يوم ما ثم أصحو في اليوم التالي لأسمع إعلان طهران عن نجاحها بتخصيب اليورانيوم بنسبة عالية تسمح باستخدامه كوقود نووي أو إعلانها عن تجربة نووية أهم ألف مرة لدى الحلف الطائفي من أفراد لبنانيين قليلين ما زالوا يقبعون في السجون الصهيونية, ودعوني أعقد بعض المقارنات وأطرح عدداً من التساؤلات بهدوء هنا من دون أن أثير نقعاً في وجه الحالمين برفع الأعلام والهتاف لـ"المقاومة".(1/18)
• بعد العديد من المجازر التي نفذها الكيان الصهيوني الغاصب على الأهل في غزة والضفة وتحمل الأطفال لقسم كبير من الفاتورة البشرية إضافة إلى كوادر وقيادات فلسطينية مقاومة أبرزها (القائد العسكري للجان المقاومة الشعبية) العقيد جمال أبو سمهدانة, ومن أجل تحريك قضية 10 آلاف أسير, وبعد أن نقضت "إسرائيل" الهدنة بينها وبين الفصائل الفلسطينية وفرضت حصاراً اقتصادياً محكماً على الحكومة الفلسطينية, وعمدت إلى التوغل في كل من الضفة والقطاع, سعت حركة حماس الفلسطينية إلى الإعلان عن إلغاء الهدنة ومن ثم نفذت عملية "الوهم المتبدد" النوعية من أجل تحرير الأسرى الفلسطينيين. وفي المقابل وإذ كانت الجبهة اللبنانية هادئة سعى حزب الله إلى تسخين الجبهة عبر أسر الجندي الصهيوني بعملية "الوعد الصادق" النوعية أيضاً, والإعلان عن مطلبها بتحرير الأسرى اللبنانيين والعرب في السجون "الإسرائيلية", والذين تشير صحيفة السفير اللبنانية(14 مايو 2001) إلى أنهم لا يجاوزوا بضعة عشرات من اللبنانيين. وبحساب رياضي يسير يتضح أن لبنان دفع ـ حتى اللحظة ـ 10 "شهداء" و40 جريحاً عن كل أسير لبناني (نحو 300 قتيل لبناني و1000 جريحاً), فيما دفعت فلسطين شهيداً عن كل 100 أسير, والمقارنة جديرة بالتأمل, بل والتحقيق.(1/19)
• لا يكاد يجادل أحد في أن الدولة السورية وجنرالاتها في لبنان هم حكامها الحقيقيون إلى أن صدر القرار الأممي 1559, وكان الطريق الواصل من طهران وحتى الجنوب اللبناني مؤمناً ومعبداً لإيصال الدعم اللوجيستي, ومنذ إطاحة ميشيل عون وسمير جعجع لم تبق في الحقيقة أية عوائق تكبح الطموح السوري في لبنان, وكان الجميع مدركاً أن بوسع غازي كنعان وغيره من جنرالات سوريا تعيين هذا الوزير ـ أو من يعلوه منصباً ـ أو إطاحته, ومع إمساك طهران ودمشق بمعظم خيوط اللعبة في لبنان لم تشأ تجهيز جيش لبناني لا طائفي قوي في لبنان, ووضع البيض العسكري كله في سلة حزب الله, ليس على سبيل المصادفة أو الحمق, وهما لوما أرادتا أن تجعلا "المقاومة" غير رسمية وغير مقيدة بقواعد اللعبة السياسية الرسمية فقد كان بإمكانهما توسيع نطاق المقاومة وتشجيع كل الفصائل الوطنية في لبنان وعدم الاقتصار على حزب طائفي واحد يمنع غيره من مشاركته "شرف المقاومة", ومن هنا يبدو المهللين حول صمود الحزب يتجاهلون هذه الحقيقة رغبة في أحسن الأحوال في رؤية مشهد عزة حيث الأنظمة ذليلة في السائد والشعوب تنسحب عليها أو تتبعها وتواطئها ذلة وانكساراً, ويتشبث الكثيرون من المتحمسين بأي صورة تعكس نوعاً من رد الفعل الشجاع على الاعتداءات الصهيونية, ونحن لا ننكر أن رجال الحزب شجعان ويتصدون ببسالة دفاعاً عما يعتقدونه ويحيون من أجله, والذي قد يتقاطع مع مصالح الأمة الإسلامية أو يتعاكس معها, لكنه على أي حساب لا يتعمد هذا التقاطع, وإلا فما علينا إلا أن نعود إلى مجزرة جنين وإلى الاجتياح الصهيوني (السور الواقي) وإلى العديد من الملاحم الفلسطينية والتي شهد برودة لافتة للجبهة اللبنانية حينها. • هل يمكن أن يكون ثمن تخفيف الوطأة عن فلسطين هو تدمير لبنان؟ هذا سؤال هادئ لابد وأن يضيع وسط قعقعة السلاح ويطأطئ الرأس, لأنه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"!!(1/20)
• هل أتت عملية "الوعد الصادق" لتدعم "الوهم المتبدد" أم لتخطفها؟ هناك الآن مطلب لحركة حماس الفلسطينية دعت فيه الإعلاميين عبر بيان نشرته في موقع المركز الفلسطيني للإعلام (19/7) إلى "إبداء أكبر قدر ممكن من التوازن المهني والموضوعي حيال تغطياتها الصحفية والإعلامية للشأنين اللبناني والفلسطيني، وعدم الانصراف إلى متابعة الشأن اللبناني الأكثر سخونة على حساب الشأن الفلسطيني، مؤكدة أن الإقلال من تغطية ورعاية الشأن الفلسطيني، والانشغال بجبهة الصراع الشمالية مع لبنان، كفيل بإغراء الاحتلال ودفعه نحو تصعيد عدوانه بحق الشعب الفلسطيني ومقدراته الوطنية.", ولاشك أن الحركة قد أدركت خطورة غياب الإعلام نسبياً عما يجري في غزة والضفة (لاسيما مع مجازر غزة وتوغل الصهاينة في البلدة القديمة بنابلس).
• إذا بلغ عدد الأسرى السوريين في السجون الصهيونية 14 أسيراً, فكم يبلغ تعداد المعتقلين السياسيين في السجون السورية, وأيهما أيسر على السوريين وذراعهم اللبناني في منحه نعمة تنسم هواء الحرية؟
• هذه "حرب الرسائل" وكل هدف يضرب فيها يحمل رسالة معينة, وحين كشف الحزب عن مدى صواريخه وتعمد ضرب أهداف بحرية وعسكرية بدقة واحتراف؛ فإنه يكون قد أرسل رسالة هامة لواشنطن وتل أبيب يقول فيها لا تنزعجوا من طول مدى صواريخ شهاب المتطورة في إيران فلدينا صواريخ أقل مدى يمكنها الوصول إلى تل أبيب بطرق مختصرة جداً في الجنوب اللبناني, فعالجوا القضية بروية واحترام كبير للخصم الذي يمكنه فعل الكثير واللعب بكافة أوراقه دفعة واحدة إذا ما استدعى الأمر, وأمنكم في القبول بطموحاته النووية دون استفزاز لفيالقه هنا أو هناك, لأن الأفضل أن نتعامل كأنداد على أن نتعامل كخصوم متناحرين, لقد انطلق السهم النووي الإيراني ولن يعود إلى قوسه, وعلى الغرب أن يدرك هذه الحقيقة.(1/21)
وغير تلك الأسئلة والمقارنات, ثمة ما هو أهم منها فيما يخص نظرتنا للأحداث وتعاطفنا أو عدم تعاطفنا مع هذا الطرف أو ذاك:
فأولا: لا يعني سرورنا وابتهاجنا بتلطخ وجه العسكرية الصهيونية بالتراب أن ننتقل كلية إلى معسكر لا يتفق معنا في ثوابتنا وأصولنا التي نستمسك بها, وإذا كان المثال هنا مغايراً للواقع الآن إلا أننا نسوقه للتقريب فقط: هل فرح المؤمنين بغلبة الروم على الفرس الذي قال عنه القرآن "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" كان مانعاً لهم أن يقفوا بوجه الإمبراطورية الرومانية العاتية المتسلطة؟ إن الأمر في الحقيقة حينها لم يتعد قدراً من المفاضلة بين أعداء لا تنقل بهجة النصر أحدهم إلى مصاف الحلفاء. وفارق أن تفرح بالفعل وأن تفرح لفاعله.
ثانيا: قد جرى العرف الجماهيري أن تتعاطف الشعوب بقوة مع الطرف المنتصر أو الذي يبدي مقاومة عالية في الصراع ولا ينكسر بسهولة, وتفتر حماستهم كلما خارت قوى "بطلهم", وهذا قد يكون مفهوماً من الجماهير لكنه غير مقبول من النخبة السياسية والقيادات الشعبية والحزبية والقوى الإسلامية والوطنية التي انجرف معظم سيلها ليتحدث عن "قائد الأمة" و"السيد" و"مجاهدي حزب الله", من دون أن تعالج هذه الأسباب التي جعلتهم مكبلين وغيرهم مطلق اليد والسراح , ومن دون أن يعون حقائق الصراع وأدواتهم وأوراقه ومعطياته.(1/22)
ثالثا: يخطئ دوما من يظن أن عليه أن يختار بين موقفين أحدهما يرتمي بأحضان إيران وحزب الله, وآخر ينساق وراء المتخاذلين أيا كانت مسمياتهم, فالموقف العربي الرسمي الخانع وعجزه وانكفائه على سلامه الاستراتيجي أو تحويله ملف الأزمات من الجامعة العربية الميتة إلى مجلس الأمن المتواطئ لا يقدم أي مبرر لمتخندق في جحره الذليل, ومن جهة أخرى لا يعني تهييج الحزب لعش الدبابير الصهيوني في زمن يخدم طهران أكثر مما يخدمنا أن ندخل في سرداب الحزب منتظرين خروج مهدييه أو منصاعين وراء كلمات "السيد" مقتفين آثاره.
رابعا: وصول الصواريخ الإيرانية إلى حيفا وعكا وصفد والهجوم على القيادة الشمالية الصهيونية وتدمير دبابة الميركافا "الإسرائيلية" وتغيير معادلة الصراع بين الحزب والكيان الصهيوني هو حافز كبير للمقاومة الفلسطينية لأن تحذو حذو الحزب عسكرياً ـ لا عقائدياً ـ في تطوير ما في جعبتها من أسلحة, وما يقوم به الحزب الآن في الجنوب ينبغي أن يدرس عسكرياً لإفادة المقاومة السنية منه في فلسطين والعراق, ومبشر لهاتين المقاومتين أنهما من الناحية الاستراتيجية على الطريق الصحيح, وأن الطريق الشاق له علامات منيرة ويوشك من يقطع به الأميال أن يتمه ما دام متحلياً بالصبر والمصابرة والمرابطة.(1/23)
خامسا: ليس هناك مبرر لأن ننسى الأهل في لبنان من مساعينا الحميمة لوقف هذه الحرب المجنونة التي يدفع ثمنها الأطفال والنساء والمدنيين من كافة الطوائف وتهدد حياة الآمنين الذين نفزع لرؤية صورهم والتي يحاول الصهاينة تخويف الإعلام العربي حتى لا يرصد جرائمها التي تنفذها آلتهم الحربية الغاشمة, والتي تنفرد بقتل المدنيين من دون حزب الله الذي سعى لعسكرة المعركة قدر الإمكان, لكن الكيان الصهيوني لا يعرف للحرب أي حدود أو قواعد أخلاقية, بل ورط أطفاله هم فيها إذ طلب إليهم التوقيع على الصواريخ التي تصيب الصغار في لبنان أكثر مما تصيب الكبار, وتنحرف عن الحزب إلى الجيش اللبناني والمدنيين, ولذا لابد من تفعيل دور الهيئات العاملة على تجفيف دموع الثكالى واليتامى والمكلومين ومد يد العون للأهل في لبنان, والضغط على الحكومات العربية والدولية من أجل العمل على وقف هذه الحرب الطاحنة وتجنيب الأهل في لبنان ويلاتها.
وإجمالاً, فعند الحرب لا نملك إلا نتعاطف مع الأهل في لبنان ونسعى لوقف الاعتداءات الصهيونية الغاشمة ونتمنى لو كان الحزب قد أفسح السبيل لغيره ليقاوم هذا العدو الغاشم في الوقت الأنسب الذي يخفف الضغط على المقاومة الفلسطينية ليخدمها لا ليوظفها ويجير نضالها لصالحه, وقد كان الأجدر بمن ملكوا زمام الحكم بلبنان لعقود أن يسعوا لقيام جيش لبناني قوي يملك إرادته ويستقل عن مصلحة هذا الطرف أو ذاك وينفذ معاركه في الظرف الذي يلائمه هو ويتسق وأهدافه الوطنية
*********************
حزب الله..والمساحات الخالية في الذاكرة العربية..والتغيير القادم
ربيع الحافظ
موقع المسلم/ 1/7/1427هـ
يبدو أن قابليتنا نحن العرب على النسيان الجماعي لا تحدها حدود، ولا يساوي هذه القابلية عندنا سوى دور العاطفة في الحكم على الأمور.(1/24)
إسرائيل لا تحتاج إلى مبررات لاقتراف جرائمها، هذه حقيقة مزمنة، وجريمة شاطئ غزة هي أحدث ما في الذاكرة، وما تفعله اليوم في لبنان، تفعل مثله في فلسطين كل يوم دونما استفزاز. والأنظمة العربية، فاقدة للمصداقية وعاجزة عن الدفاع عن قضايا شعوبها. هذه حقيقة مزمنة أيضاً.
أليست هذه هي الأسباب التي دفعت حزب الله، حسبما يقول، إلى حمل السلاح والقيام بالدور المتروك؟
إلى هذا الحد، لا يبدو الأمر عسيراً على الفهم، في أجواء إهمال الدولة العربية لواجباتها وغطرسة الاحتلال.
لكن الحقيقة المزمنة الأخرى، هي الطبيعة غير المزمنة لفعاليات حزب الله، التي تنطفئ عاماً، وتشتعل يوماً، لتعود وتنطفئ من جديد. ومع ذلك فان انعكاساتها العميقة على المجتمع والدولة والجوار العربي، تعطي الحق للجميع لمناقشتها.
لو كان لفعاليات الحزب صفة الديمومة كالمقاومة العراقية وشقيقتها الفلسطينية؛ لو كانت فعلاً ينسجم مع العنوان؛ لو عرف لماذا تبدأ حينما تبدأ، ولماذا تنطفئ، لو أنها حق مباح لكامل الطيف اللبناني ـ ولا نقول العربي ـ الذي يتوق إلى المقاومة؛ لو أنها تتحرك بقرار يشترك فيه الآخرون المعنيون، وليست مفاجآت تصلهم من المذياع.
لو أنها هذه وتلك، لهانت الأموال والأنفس والبنى التحتية والاقتصاد، ولما نبس أحد ببنت شفة، كما هو حادث في العراق وفلسطين، اللتان لا يعزّ فيهما شيء ما دامت الأرض تحت الاحتلال.
لكنها فعاليات متقطعة، تنطق باسم اللبنانيين وهم ممنوعون منها ومحجوبون عنها، وتنطق باسم العرب والمقدسات، وفلسطين ليست على أجندتها (الاستراتيجية وليس الإعلامية)، وواقع الحال يشير إلى أنها فعاليات حدود شريطية، مداها الآيديولوجي والعسكري أقصر مما تبلغه صواريخ الحزب، يحرم من قرارها اللبنانيون، ويطالبون بتسديد فاتورتها، بدمائهم وأقواتهم وأمنهم، ولا يحصد أوسمتها سوى حزب الله وإيران وسوريا.(1/25)
الأهم من ذلك، أنها لا تأتي إلا متزامنة مع ظروف سياسية، ومع الحاجة إلى أوراق جديدة لفك أزمة أو تحريك جمود في المواقف، وإلا فالحزب كما يقول أمينه العام السابق صبحي الطفيلي، خفر حدود، يحرس حدود إسرائيل الشمالية، التي هي أكثر حدودها أمناً، رغم أنها الوحيدة التي تقع تحت سيطرة مليشيات شعبية وليس جيشاً نظامياً.
أي أن هدنة الحزب مع إسرائيل تنظمها تفاهمات مع الدولة العبرية، لكن فعالياته لا تضبطها مشورة مع الدولة اللبنانية.
وقد ألمح حسن نصر الله أكثر من مرة منذ بدء القتال الحالي، إلى أن قواعد اللعبة قد تغيرت، أي أنه هناك بالأساس لعبة وقواعد، لكن التغير الذي تحدث عنه نصر الله ليس على الإطلاق، فمصفاة حيفا وتل أبيب اللتان تقعان ضمن مدى صواريخ الحزب "حيّدتا" (اللفظ لحسن نصر الله) ولم تقصفا حتى هذه اللحظة.
وقد كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس قد طلبت من إيران الضغط على حزب الله بعدم قصف الهدفين، وهو الحلقة الأهم في هذا الصراع.
ما قاله الطفيلي وطالبت به رايس وسعت ما أجله طهران، شهدت به إسرائيل لحزب الله، فقد امتدحت جريدة هآرتز في 6/7/2006 الأمين العام للحزب بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية، وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي، وهو اليوم يتعقل فلا يضرب المنشات الحيوية لإسرائيل كما صرح بذلك.
مطلب رايس له أكثر من دلالة، منها: فهو مؤشر لا يحتمل الخطأ على المكان الحقيقي لغرفة عمليات حزب الله، وأن قنوات أمريكا مع إيران مفتوحة على الدوام، رغم الملف النووي، ورغم كل ما يقال، وأن هامش التفاهم قائم وفاعل، وفقاً لعقلية البازار الإيرانية، التي تسير مع الزبون إلى آخر خطوة، ما دام في النهاية كسباً يرتجى من الصفقة.
تساؤلات(1/26)
هل كانت قيادة حزب الله تتوقع حجم الرد الإسرائيلي على عملية خطف الجنديين الإسرائيليين؟ فالقتلى بلغوا المئات، والدمار الذي أحدثته الحرب الأهلية في 15 عاماً عاد في أسبوع، وهجرة اللبنانيين والعرب والأجانب والاستثمارات من لبنان ستكون نهائية هذه المرة. وفي المقابل ليس على قائمة مطالب حزب الله أكثر من وقف إطلاق نار، وتبادل للأسرى. مسئولو الحزب حرصوا على تجنب الإجابة على هذا السؤال، ولكن أمام هذه المعادلة غير المتوازنة من الخسائر الهائلة (المتحققة) والمطالب (غير المضمونة)، لا يمكن أن يكون الجواب سوى "لا".
السؤال الآخر: هل الحرب المفتوحة مع إسرائيل، كما وصفها حسن نصر الله، هو تماماً ما سعى وخطط له الحزب؟ مسؤولو الحزب أكدوا أن الحرب المفتوحة كانت خياراً إسرائيلياً رد عليه الحزب بالمثل. وما يعضد قول المسؤولين، هو أن الحرب المفتوحة لم تكن يوماً خياراً استراتيجياً أو آيديولوجياً أو عسكرياً لحزب الله، على مر مسيرة الحزب مع إسرائيل.
إذا كان الأمر ليس مفاجأة، ولا حرباً مفتوحة من اختيار الحزب، فماذا يكون؟
والسؤال الطبيعي والتلقائي: أمَا وقد بدأت الحرب المفتوحة، فهل ستتحول إلى حرب تحرير طويلة الأمد مثلاً؟ أم أنها ستنتهي كسابقاتها بوقف إطلاق مفاجئ، تحدد موعده إسرائيل، متبوعاً باتفاقية أمنية جديدة، بتفاهمات إقليمية هذه المرة لا علاقة لها بمصالح الأرض التي يدور عليها القتال، ولا يكون قد تبقى لدينا سوى الخرائب؟
إن أهم رسالة يبعث بها حزب الله إلى العالم الخارجي عبر مقاومة مزاجية، هي رسالة مؤداها أنه دون غيره من يحمل المسؤولية ويرفع السلاح وسط تخاذل الآخرين، وما ذاك إلا من واقع المذهب الذي يعتنقه، الذي ينبغي أن يكون مذهب المرحلة الراهنة، وما سواه مذاهب خائرة.(1/27)
هذه الرسالة لها رواج كبير في الشارعين العربي والإسلامي، وقليل من يعلم، أو يريد أن يعلم، أن الشاب اللبناني المسلم السني، أو الفلسطيني على أرض لبنان، أو الحركات الإسلامية والوطنية، تُردّ رغبتهم في المقاومة، أفراداً وجماعات، بل إن هذا الشاب لا يأمن على نفسه في مناطق نفوذ الحزب إن هو قرر الذهاب لهذه الغاية.
قليل من يدرك، أو يريد من يدرك، أن الحزب يقف سداً منيعاً أمام مقاومة يشد إليها الرحال من جميع أطراف لبنان، ولا نقول أنحاء الوطن العربي أو العالم، كما الحال في العراق، الذي تطوى الصحاري وتقطع الأنهر والوهاد للوصول إليه.
محور ( إيران - سوريا - حزب الله )
أما الرسالة الثانية، فهي اقتران اسم المقاومة اللبنانية، التي هي حكر على الحزب، بعناوين المقاومة الرئيسية في المنطقة، وتحديداً مقاومة الشعب الفلسطيني، فلا تذكر حماس إلا ذكر، وذكرتا معهما إيران ودمشق، ويترسخ في الأذهان عنوان كبير اسمه "محور المقاومة في المنطقة" طهران - دمشق - حزب الله + غزة.
هذا المحور مرشح لملء فراغ سياسي في المنطقة، أو هكذا تسعى طهران. وهو محور حقيقي، وليس دعائياً، وهو بخلاف محاور كمجلس التعاون الخليجي، فإن بين أطرافه الحقيقية (إيران - حزب الله - سوريا) من القواسم التاريخية والطائفية، والرؤى المستقبلية المشتركة، ما يمكنه من التماسك والاستمرار. كما تجتمع بين أطرافه مقومات البنية القوية، من كثافة بشرية، وثروات طبيعية ومائية، بالإضافة إلى الاتصال الجغرافي بين أجزائه الذي حصل بسقوط العراق.
على الرغم من وجود هذا المحور نظرياً، منذ سني الحرب العراقية - الإيرانية، إلا أنه دخل مرحلة التنفيذ الفعلي على الأرض بسقوط العراق.(1/28)
يمكن القول أن دخول المحور الثلاثي حيز التنفيذ، وانفتاح الممر الجغرافي من خراسان شرقاً إلى شواطئ المتوسط غرباً، مثل بداية عملية إعادة تكوين للتركيبة السياسية في المنطقة، هي الأولى منذ سايكس - بيكو، ونشوء دائرة نفوذ سياسي جديدة، بزعامة غير عربية، موازية للمنظومة العربية الآفلة.
ثمة تشابه بين المنطقة العربية في ظل انهيار المنظومة السياسية العربية، وانفراط العقد العربي، ودولة إيران من جهة. وبين أوربا الشرقية في أعقاب انهيار المنظومة الاشتراكية، وأمريكا من جهة أخرى. ففي كلتا الحالتين منظومة إقليمية منهارة، ودول تبحث عن مدار سياسي جديد، ودولة كبيرة تتربص للتوغل في منطقة التخلخل وملء الفراغ السياسي لصالحها.
كان حلف الناتو هو بوابة دخول أوربا الشرقية في المنظومة الأمريكية، والتسليم الطوعي للبلاد للجيش الأمريكي، وهي بداية تختلف عن عملية الالتحاق بمنظومة كالاتحاد الأوربي. وتصح مقولة: أن نظم أوربا الشرقية تسير بالبوصلة الأمنية والسياسية الأمريكية، وتأكل على الطاولة الأوربية، لكنها بداية المستميت، الباحث عن موقع سياسي إقليمي ودولي. ثم كشفت بعد وقت قصير سجون الـ "سي آي إي" السرية على أراضي هذه الدول، طبيعة الاصطفاف الجديد، وحجم التوغل الأمني الأمريكي في هذه الدول على حساب مجالات التعاون الأخرى المفترضة. المثال الأقرب لهذه الصورة هو اقتحام إيران للعراق بمؤسستها الأمنية اطلاعات (المخابرات الإيرانية) وإخضاع باقي مرافق الحياة الدينية والأمنية والاقتصادية والتعليمية وغيرها في العراق الجديد لمؤسساتها الأخرى.(1/29)
توقيع سوريا لاتفاق التعاون العسكري مع إيران، ودنوها المنتظم من المدار السياسي والاقتصادي الإيراني، ووثوقها بالآصرة السياسية الفارسية الفاعلة على المسرح السياسي الإقليمي والعالمي، للعب دور الجامعة في المنطقة، على حساب الآصرة العربية المنحلة، يبرز المعالم الأولية للاصطفاف السياسي الجديد في المنطقة.
الحضور الإيراني في سوريا لن يتوقف عند الجانب العسكري، فستتبعه "إطلاعات" وباقي مؤسسات المجتمع المدني الإيراني، التي ستتغلغل في زوايا المجتمع السوري. وما فعلته سوريا، غيرها أولى به، من الدول الأصغر، والكيانات الانفصالية الطازجة و"الفدراليات"، التي ازدهرت بعد سقوط العراق.
هل هذا اكتمال لدورة التاريخ، وعودة للمنطقة وشعوبها إلى تبعية الممالك العربية الغساسنة والمناذرة لنفوذ الامبراطورية الفارسية؟ من أحد الوجوه نعم. ولكن ثمة فارق، وهو أن وثنية الدولة الفارسية يومئذ، قصرت الهيمنة على الجوانب السياسية والمالية في حياة رعاياه العرب، وأبقتها على مسافة من حريات العبادة والطبائع الاجتماعية عندهم (أياً كانت تلك الطبائع والعبادات). لكن طائفية الدولة الإيرانية المعاصرة، وسطوها على دور الدولة الإسلامية الشاغر، وصناعتها من مذهب الأقلية بوصلة للأغلبية، وارتكازها على مفاهيم القومية الفارسية، ومعاداتها لكل ما هو ليس فارسياً، سيعني مخاضاً ثقافياً عميقاً، وإحكاماً للقبضة على حياة المجتمع العربي، وهو ما لا تبدو المجتمعات العربية على استعداد لمواجهته.
في المقابل نجد محور (الرياض - الكويت - عمان - القاهرة ) المنبثق من أطلال النظام السياسي العربي، وكانت عمان قد حذرت من نشوء هلال شيعي في المنطقة، لكنه جهد قليل متأخر، وربما مفاجئ للشارع العربي، نظراً لعدم انسجامه مع ثقافة قومية أو قطرية فرضتها الدولة العربية الحديثة على هذا الشارع ورسختها على مدى تسعة عقود.(1/30)
الأهم، هو أن التحذير لا يحمل مشروعاً، ولا يتخذ من الشعوب شريكاً له، ولم يسند إلى مؤسسات متخصصة لنقل مهمته من صيغة إعلامية إلى صيغة طوارئ ميدانية. لذا لا يتوقع أن يكون تحذيراً فاعلاً في مواجهة المحور الآخر، الذي يحظى ببرنامج ثقافي وفكري وإعلامي متكامل ومتطور وإمكانيات هائلة.
مع هذا كله، تبقى إيران ومحورها وآيديولجيتها في وضع أخلاقي وفكري حرج أمام الشارع العربي، لاسيما بعد حرب احتلال العراق، وانكشاف شراكة طهران والمرجعيات الشيعية في المشروع الأمريكي الإقليمي. وتبقى الحاجة قائمة لديه لإعادة تأهيل أخلاقي وآيديولوجي وبناء للمصداقية.
الوجه الآخر للعقبة الأخلاقية، هو أن أطراف المحور الثلاثة تمثل أقليات مذهبية، ولغت جميعها في دماء الأغلبية؛ بدءاً بالنظام السوري الذي سحق مدينة حماة، وهمش سنّة لبنان. وحركة أمل التي نكبت الفلسطينيين في مخيمات بيروت، التي خرج من عباءتها حزب الله، وحمامات الدم الإيرانية مع سنة العراق وعربه، وشراكتها المعلنة في إسقاط دولتين جارتين مسلمتين تحت احتلال أجنبي، هما أفغانستان والعراق، ودور المرجعية الشيعية في التمهيد السياسي للاحتلال ثم التقعيد الفقهي لإدارته وحكوماته.
أمام هذه المعطيات تمثل حماس بما ترمز إليه من معاني الجهاد والمقاومة والتضحية والصمود، حجر الزاوية في هيكل إعادة المصداقية للمحور. وبالأدق، هي الوقود الذي سيستهلكه صاروخ المحور في عملية الانطلاق، ولن تكون حماس (المحاصرة عربياً ومالياً والمستغلة إيرانياً) بتكوينها المذهبي والفكري، ومنطلقاتها وغاياتها المختلفة كلياً عن المحور، سوى جزء المركبة الفضائية التي يرمي به نظام الملاحة إلى الأرض ثانية حال استواء المركبة في مدار التحليق الحر.(1/31)
حاجة الغرباء على عروبة المنطقة ومذهبها العام إلى حماس ماسة، لكن منافسة حماس ـ خلال فترة زواج المتعة السياسي ـ على رصيدها في المقاومة، ومصداقيتها المحلية والعربية والعالمية، ومكانتها في الإعلام، ونجاح مذهبها السياسي والفقهي في إدارة شؤون شعبها، نقول: منافسة حماس في هذه المضامير مجتمعة هو حاجة ماسة أخرى، وهذه هي مهمة حزب الله، الذي يبقى أداة إيران لحجب الشمس، وخلط الأوراق كلما دعت الحاجة.
* * *
يقول المثل الشعبي: راحت السكرة وجاءت الفكرة. لكننا نبدو نحن العرب غير قادرين عن الخروج من السكرة.
سقطت الصواريخ على مدن الكيان الصهيوني، نعم. إسرائيل هرعت إلى الجدر والقرى المحصنة، نعم. غبطة في الشارع العربي، نعم.
ولكن ما من أحد من شعوب الأرض أعلم منا نحن العرب، أن هذا جميعه سينتهي، طال الزمن أو قصر، مثلما انتهى في المرات السابقة، وأن العواطف ستخبو، ولن يبقى حولنا سوى الخرائب واليتم والتشرد.
ضرب حزب الله ضمن عملية الرتوش الأخيرة ( الانسحاب عشرة كيلومترات إلى الوراء، مبادلة تل بجبل، استرداد مزرعة، اقتسام مصدر مياه، تحديد الترسانة العسكرية) للصيغة النهائية لخريطة الشرق الأوسط الجديد، ومنها تحديد نفوذ الشركاء، ليس تناقضاً مع السياق الآنف الذكر. فبين المعسكرين الأمريكي والإيراني ـ الذي يشكل حزب الله نتوءه في بلاد الشام ـ مساحات وفاق تام، ومساحات خلاف، وقد تجلت الأولى في أوضح صورها في المراحل الرئيسية من عملية إعادة تشكيل المنطقة، بدءاً بإسقاط أفغانستان تحت الاحتلال الأمريكي، ثم العراق، ودور إيران المباشر والجراحي فيهما، وهو دور لا تنفيه طهران بل تعلنه، وقبلها "إيران ـ غيت" مع إسرائيل.(1/32)
جيوب الاختلاف والتنافس الذي يلي الانتصار هو الوجه الأصعب، وهو الذي يحرص كل طرف على الخروج منه بأحسن النتائج، في صورة أقرب ما تكون إلى اختلاف السراق على السرقة بعد اقتحام المنزل. وهذه الجيوب قد تكون نفطاً أو أرضاً أو تقنية نووية أو نفوذاً سياسياً أو منفذاً بحرياً، أو شيئاً آخر لا يقصد لذاته، وإنما ورقة لكسب أمر قد لا يكون منظوراً.
الصراع على الجيوب، هو الذي سيحدد نوع الصواريخ التي يطلقها حزب الله على إسرائيل، وأهدافها ومداها وكثافتها، وشروط قبول وقف إطلاق النار. أما دمار لبنان الذي تحقق منذ اليوم الأول، فهو العربون الذي يفتتح به "البازار" وتنطلق به عملية خذ وهات.
أخذاً بالاعتبار ما قاله الطفيلي وأكدته صحيفة هآرتز، مضافاً إليه الضعف الأمني للدولة اللبناية، فإن الاستئصال الأمني الكامل لحزب الله لن يصب في المصلحة الأمنية لإسرائيل، فزوال الحزام الأمني العازل الذي يشكله الحزب بين إسرائيل وباقي لبنان، الذي حفظ السلام في الجليل الأعلى، يعني عودة التماس الجغرافي مع قطاعات الشعب اللبناني والفلسطينيين، التي تختلف مع مدرسة الحزب السياسية والمذهبية، ومع رؤيته إلى طبيعة الصراع مع إسرائيل، وهو الأمر الذي احتلت من أجله إسرائيل جنوب لبنان في عام 1982، وأوجدت جيش لبنان الجنوبي، ذو الأغلبية الشيعية، الذي لم يثبت فاعلية في حماية مناطقها الشمالية من عمليات المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية التي كانت تنشط قبل وصول حزب الله وتوقفت تماماً بمجيئه.
يمكن القول أن وصول حزب الله كان الحقبة التي انتهت عندها المقاومة الآيديولوجية، العالمية التكوين، التي خاضت صراع وجود وليس حدود، واستقبلت المقاتل الإسلامي والوطني على حد سواء، اللبناني والفلسطيني، العربي وغير العربي، الرجل والمرأة، لتحل محلها مقاومة التراشقات الحدودية، التي تشعلها ردود الأفعال، وتطفئها الصفقات السياسية، ويستأثر بها فصيل واحد.(1/33)
الحدث الذي يختصر الأمر كله في المنطقة التي يدور على أرضها القتال اليوم، ويضعها حساباتها في إطار أكثر وضوحاً، هو استقبالها للجيش الإسرائيلي الغازي في عام 1982 بأذرع مفتوحة، الذي اعتبرته جيش التحرير، ونثرت الورود على دباباته الذاهبة للقضاء على المقاومة الفلسطينية والوطنية اللبنانية.
النتيجة هي خروج الجبهة اللبنانية من الصراع الأيديولوجي، وخروج الصراع من بُعده العربي والإسلامي، وتوقفه عند خط الحدود الدولي. وهو ما عنته صحيفة هآرتز في معرض تقييمها لدور الحزب في إدامة السلام في الجليل الأعلى.
على المدى البعيد نسبياً، فإن زوال حزب الله بالكامل يعني ـ من المنظور الإسرائيلي ـ تحول لبنان إلى منطقة أمنية رخوة، وقبلة لفصائل المقاومة الإسلامية التي تجوب العالم بحثاً عن نقطة تماس مباشرة مع ما تعتبره العدو الحقيقي، وما تعده أيضاً تجسيداً لخطابها السياسي، الذي ينتقده خصومه على أنه ينشط بعيداً عن جغرافية المواجهة الحقيقية، وهو ما فعلته بعد سقوط العراق، وتواجه دوراً من قبل المليشيات الشيعية المحلية والوافدة شبيه بدور حزب الله الذي تحدثت عنه صحيفة هآرتز، وفي ذلك إضاءة أخرى على خلفيات موقف حسن نصر الله من المقاومة العراقية.
لا أدق في هذا السياق مما ذكره كاتب لبناني مسيحي عن طبيعة المدرستين بالقول: "نضال حزب الله قروي، ونضال الآخرين (السنة) قاري". بعبارة أخرى، ستبقى حاجة إسرائيل قائمة إلى حزام أمني طائفي يعزلها عن محيط الأغلبية ذات المنطلقات والرؤى المختلفة.(1/34)
ليس من المستبعد وجود تنسيق بين دول عربية وإسرائيل لضرب حزب الله، للتخلص من ظاهرة التمرد على الدولة العربية العاجزة التي يمثلها حزب الله بأجندات خارجية. لكن الخسارة الكبرى والضحية النهائية لهذا التنسيق، إن وجد، هم العزل من النساء والشيوخ والأطفال، وهو لبنان الذي خرج لتوه من دمار الحرب الأهلية، وعادت إلى محياه البسمة، ليدخل مرة أخرى في دمار مماثل. هذه هي الخسارة، وهؤلاء هم الضحية، وليس أحداً آخر.
* * *
نحن سكارى إلى حد الثمالة بمنظر صواريخ حزب الله التي تسقط على مدن الكيان الصهيوني، وعاجزين عن استرداد الوعي ولو للحظات لنواجه فيها أنفسنا بسؤال بسيط:
ألسنا في عالم ألف تعاضد قوى التحرر، وإن تباينت المنطلقات والغايات؟ فضلا عن قيم العرب والمسلمين في التعاضد والتآزر. فبما يفسر موقف حسن نصر الله المعلن والمناوئ للمقاومة العراقية، التي يفترض أنها تحارب عدواً مشتركاً هو أمريكا وإسرائيل؟ سوى أنها تحارب في نفس الوقت مشروعاً إيرانياً شعوبياً، يمثل حزبه نتوءه في بلاد الشام؟
الذاكرة الجماعية العربية
واحرّ قلباه، ما أقصر ذاكرتنا الجماعية. لم ينقض عام بعد على تلك التصريحات، التي صنف فيها حسن نصر الله المقاومة العراقية إلى فريقين: فريق الجنرالات الصداميين التكفيريين الذين يريدون العودة بالبلاد الى الحكم السابق، وفريق عملاء الأمريكان، بل إنه أقام علاقة وثيقة بين الاثنين، دون ذكر ولو بكلمة واحدة للمقاومة الحقيقية، التي وضعت العصي في دواليب المشروع الأمريكي، وقلبت النظريات العسكرية، وابتدعت فنوناً جديدة في حروب المقاومة، وهي تواجه أكبر جيوش الأرض، وهي المحاصرة براً وبحراً وجواً.(1/35)
وبرر نصر الله الانتظار والتروي قبل اتخاذ موقف من الاحتلال، مثلما برر اعتماد المقاومة السلمية، وهاجم بشدة مقاطعة الانتخابات، وتبنى جميع العناوين التي يسوّقها الاحتلال الأميركي، مرسخاً بحرفية خط السيستاني، ولم يأتِ على ذكر دور الموساد، وسوّق بحماس المطلب الأميركي في مشاركة العراقيين في الاستفتاء على دستور الاحتلال، الذي لا يعترف بحق المقاومة ويرسخ تفكيك العراق إلى كانتونات طائفية.
واحرّ قلباه، كيف يُنسى هذا كله في عجالة كهذه؟ أين الذاكرة الجماعية من ساحة المقاومة الحقيقية، التي تواجه جيوش الدنيا، لغاية واضحة، ولا تضع الرصاصة في الجيب الأيمن، ومسودة وقف إطلاق النار في الجيب الأيسر؟ أم أين الذاكرة من صمود عشرين عاماً من مقاومة الشعب الفلسطيني المحاصر، وصواريخ تصنع في المطابخ؟ خط الدفاع الأخير
كيف تنشغل الذاكرة الجماعية بمناوشات حدودية، من غير الواضح لماذا تبدأ، ولماذا تتوقف، بل قد بدأ الحديث عن توقفها. وكيف يتحول إنسان في النظرة الجماعية، بين يوم وليلة، من منظّر لآليات مشروع الاحتلال الصهيو ـ أمريكي، مبرر لها ومجاهر بها، إلى زعيم للأمة يطلق اسمه على المواليد الجدد!
السياق هنا ليس عن العواطف، فلا تشكيك بمشاعر الشعوب العربية والإسلامية، وإنما سياق المصير، فالصين وروسيا واليابان وألمانيا وغيرهم تبدو أكثر عمقاً في نظرتهم إلى المقاومة في العراق، وتعتبرها خط دفاعها الأخير الذي سيحسم مصائرها في القرن الجديد أمام عربدة الامبراطورية الأمريكية، وعلى هذا الأساس تتصرف وتحسب.(1/36)
لن نقول: إن الصواريخ التي سقطت على إسرائيل لن تترك ندباً نفسية مزمنة عند المستوطن اليهودي، مثلما سببت الصواريخ العراقية في حرب عام 1991، ولا أنها لم تقدم برهاناً على تفاهة الدولة العبرية، وأنها ساقطة بالمفهوم العسكري، وأنها لن يكون لها انعكاسات سلبية على الهجرة اليهودية من وإلى فلسطين. لكنها صواريخ لن تغير واقعاً فكرياً مزمناً قائما على الأرض، لأنها صواريخ موسمية، ولا تنطلق من فكرة، فلن ترتطم بفكرة في الطرف الآخر، بل ينتهي مشوارها بارتطامها بالأرض وهذا ما يحدث.
نحن العرب ـ لاسيما النخب منا ـ بحاجة إلى مراجعة حقيقية لطرائق تفكيرنا، واتخاذ مواقفنا في لحظات المصير وزحمة العواطف، فقد كانت العاطفة والسطحية، والسذاجة أحياناً، سمة الندوات التحليلية والحوارية وبرامج الإثارة السياسية في الفضائيات العربية منذ بدء الأحداث.
شجرة العائلة
ليس هذا مكان الرجوع إلى الوراء والبحث عن أدوار أمين عام حزب الله السابقة، وموقعه في حركة أمل التي نكبت الفلسطينيين أكثر مما تفعل إسرائيل اليوم، والتي كان ضمن صفوفها قبل قيام حزب الله.
ولكن حزب الله يبقى اليوم الحليف الاستراتيجي لأمل. وأمل هي التي أنشأها آية الله موسى الصدر، الإيراني الذي منح الجنسية اللبنانية، الذي شق المؤسسة الدينية الإسلامية في لبنان إلى سنية وشيعية قبل ثلاثة عقود، معلناً بشكل رسمي انطلاق المسلسل الطائفي المأساوي الحالي. وأمل هي التي أفردها السيستاني بزيارة خاصة في طريق رحلته "المرضية" الغامضة إلى لندن، والسيستاني هو المرجع الروحي الأعلى لمليشيات بدر وصولاغ في العراق، وهذه المليشيات هي التي نقلت حرب أمل على مخيمات الفلسطينيين من أطراف بيروت إلى أطرف بغداد، حيث تتداخل خيام فلسطينيي العراق اليوم مع مخيمات إخوتهم السنة العرب في الصحراء، وحزب الله هو الذي خرج من عباءة أمل، وإيران وولاية الفقيه هي مرجعية حزب الله.(1/37)
شبكة من الخيوط المتداخلة تبدأ وتنتهي عند إيران. الطريق المختصر إلى هذه قلب هذه الشبكة، هو ما قاله إبراهيم الأمين، أحد مسؤولي حزب الله على إتهام: أنتم جزء من إيران، فأجاب: "نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران" (جريدة النهار 5/3/1987).
أما الزواج الكاثوليكي بين الحزب وبين النظام السوري الطائفي، الذي هدم المدن فوق رؤوس ساكنيها، وقصف السجون بالطائرات على رؤوس نزلائها، وسحق الفلسطينيين في لبنان، وسلم الجولان، فهو الشق الآخر للحقيقة.
السؤال: كيف يستقيم أن تكون إيران ـ الأب الروحي لحزب الله ـ شريان حياة لأمريكا وإسرائيل في العراق، وسماً مميتاً لهما في لبنان؟ أيهما هو الموقف الحقيقي؟ أم أن كليهما حقيقي؟ لأنه لا تعارض بين الأثنين؟!
وكيف يستقيم أن يحمل حزب الله بندقية المقاومة بيد، وبوقاً بالأخرى، وينعت المقاومة العراقية بأعلى الصوت بالتكفير والعمالة للأمريكان؟ ثم لا يقول كلمة واحدة ـ بنفس البوق ـ عن مظالم المسلمين في سوريا المجاورة، التي يصف نظامها بالشقيق، ويصمت عن حراستها لجبهة الجولان ولصناعة الاصطياف الإسرائيلية فيها؟ أم أن البندقية والبوق وجهان لظاهرة صوتية واحدة؟
هذه هي شجرة عائلة النظام الطائفي الإقليمي، التي تلتف حول المنطقة التفاف السوار حول المعصم، ولا تختلف في طريقة عملها وتواصلها عن "الأواني المستطرقة" (الآلة المختبرية)، التي إن سكب الماء في إحداها ارتفع في الأخريات، وإن سُحب انخفض.
هل انجلى شيء من الضباب؟ هل أصبحت مواقف وتصريحات السيد نصر الله ذات مدلولات أكبر؟
هذه البقع ـ في ذاكرتنا ـ العاجزة عن الإمساك بالمعلومات، هي وراء ظاهرة "السكرة ـ الفكرة"، التي تتسم بها شخصيتنا العربية، (عامتنا وخاصتنا)، وهي سبب الإفاقات القصيرة المتقطعة، والإغماءات الطويلة، والعشى السياسي، وعمى الألوان، الني تكاد تفقدنا القدرة على التمييز.(1/38)
هذه البقع "غير المأهولة" في ذاكرتنا، هي المساحات الخصبة، سهلة الغرس، التي تتساقط عليها أمطار حزب الله وإيران، وكل من له مطمع ومصلحة في منطقتنا، فيها يزرعون ومنها يحصدون.
ولكن سيظل الدرس، كما قالت كاتبة عربية تعيش الهم العربي ـ وهي مسيحية ـ في سياق الحديث عن مسيرة حزب الله: "العقلية الطائفية لا يمكن ان تفرز خطاً صحيحاً، حتى وان صح فيه جزء، وكل ارتباط بما هو خارج الأمة لا يمكن ان يصب في مصلحتها".
وحزب الله، بشخص أمينه العام، وتحالفاته المحلية، وارتباطاته الخارجية، وأجندته، ترسيخ بأفقع الألوان لهذه العقلية. انتهى.
* * *
بالإضافة إلى ما ذكر آنفاً نقول:
ليس في السياسية صواب مطلق أو خطأ مطلق، ولكن الحقائق المتعاضدة والتسلسل المنطقي الذي اعتمده هذا التحليل يجعله صواباً يحتمل الخطأ.
فإذا كانت الأولى، فإن حزب الله يكون قد جنى على لبنان وقدمه قرباناً لمصالح إيران الإقليمية. وإذا كانت الأخرى، فيكون هو القربان، الذي جنى على نفسه وعلى لبنان في آن واحد، بقبوله بدور الذراع لإيران، وأدوار الوكالة التي لا تخدم المحيط الذي يوجد فيه، لتبيعه إيران ضمن صفقة إقليمية شاملة، وتتركه للدمار مقابل مكافأة أكبر، أقرب إليها وأبعد عن إسرائيل، هي العراق.
بهذا السيناريو تصبح الدولة العبرية على بعد 500 كيلومتر عن أقرب كيان عربي ذو اعتبار عسكري، فمصر التي تفصلها سيناء المنزوعة السلاح غرباً، والعراق المنزوع الأسنان وتحت الضمانات الإيرانية شرقاً، وسوريا وشهادة حسن السيرة والسلوك للاثة عقود ونيف من حفظ السلام في الجولان شمالاً. وإلى حين صدور الخريطة الجديدة للمنطقة بتقسيماتها الجديدة، نبقى مع هذا السيناريو.(1/39)
بهذه الهندسة، تكون سفينة المقاومة الفلسطينية الوحيدة المبحرة، على بعد مئات الكيلومترات عن أقرب الشواطئ، والتي يؤمّل إغراقها في عرض البحر بعيداً عن أنظار خفر السواحل، وخارج مدى فرق الانقاذ، ليسدل الستار على آخر أشكال المقاومة في المنطقة.
إنه الشرق الأوسط الكبير.
موقف كهذا ليس مستغرباً على إيران من وجهين:
الأول: انتظام مصالحها السياسية بشكل طبيعي وتاريخي في إطار مصالح القوى السياسية الدولية في المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام، منذ الانقلاب السياسي الصفوي الذي نقلها إلى المذهب الشيعي.
الثاني: نوازعها القومية والشعوبية، فلن يشفع لشيعة لبنان العرب ـ عندما تحين اللحظة السياسية المناسبة لها ـ حبٌ لآل البيت أو حداد على الحسين (ض)، ولهم في ذلك أسوة في إخوتهم شيعة الأحواز العرب، الذين تعاملهم إيران معاملة إسرائيل ليهود الشرق، وكذلك في العشائر الشيعية العربية في العراق المبعدة عن القرار الديني والسياسي لصالح الفرس المستوطنين في العراق، وفي شيعة أذربيجان، الذين اصطفت إيران ضدهم في نزاعهم مع الأرمن، لا لشيء سوى أنهم أتراب
*******************
أسلحة حزب الله .. بالأرقام
علي حسين باكير
الإسلام اليوم/27-6-1427هـ
1- صاروخ الكاتيوشا: هي صواريخ روسية بالأساس تعود إلى حقبة الاتحاد السوفيتي السابق ، و تشمل سلسلة من الأنواع التي يمكن إطلاقها بوساطة راجمة أو بوساطة منصة ثابتة يدوياً أو حتى من دون الحاجة إلى وجود مشّغل اعتماداً على التوقيت الذي يمكن ضبطه للانطلاق في وقت لاحق. و لا أهمية إستراتيجية أو عسكرية كبرى لهذه الصواريخ - رغم قدرتها التدميرية - بقدر ما هو الرغبة في احداث هلع أو انهيار نفسي لدى الطرف الآخر. و يمتلك حزب الله اللبناني حوالي (13) ألف صاروخ منها أو أكثر معظمها ضمن مدى (12- 25) كلم.(1/40)
2- صاروخ (رعد): هو صاروخ إيراني الصنع تمّ إنتاجه في العام 2004 بعد إخضاعه لعدد من التجارب وفق تصريح سابق لوزير الدفاع الإيراني علي شامخاني آنذاك. وهو صاروخ يعمل على الوقود السائل، و تبلغ نسبة دقته في إصابة الأهداف 75%. يمتلك حزب الله اللبناني صاروخ (رعد1) و هو صاروخ ذو مهمة تدميريّة و يستطيع حمل رأس متفجر بوزن (100) كلغ. و قد تمّ استخدامه لأول مرّة في هذه المعركة.
3- صاروخ فجر: هو صاروخ إيراني الصنع بدعم صيني و كوري شمالي، و يتم إطلاقه من قواعد و عربات متحركة يمتلك حزب الله منه سلسلة (فجر3) الذي يبلغ مداه حوالي (45) كلم و (فجر4) و (فجر5) الذي يبلغ مداه حوالي (75) كلم. تقديرات العام 2004 تشير إلى أنّ الحزب يمتلك حوالي (500) صاروخ من هذه الصواريخ التي تتيح له القدرة على الوصول إلى حيفا.
4- صاروخ (زلزال): هو صاروخ بالستي, كانت إيران قد عرضته مؤخراً في عرض عسكري في العام 2005 إلى جانب صاروخ (شهاب6). يعمل الصاروخ زلزال واحد على الوقود الصلب، و يبلغ مداه حوالي (150) كلم، و يستطيع الوصول إلى (تل أبيب) ممّا يجعله في منظومة الصواريخ المتطورة جداً، و التي قلّما يمكن لجماعات مقاومة مسلحة امتلاكها ما لم يكن هناك قوّة كبيرة تدعمها و تؤمّن الغطاء المطلوب لها لتزويدها بها, و بسحب بعض التقديرات فإن الحزب يمتلك منها ما بين العشرة و العشرين صاروخاً. و هناك من يطرح إمكانية وجود صاروخ (زلزال2) لدى الحزب، و هو صاروخ يبلغ مداه حوالي (200) كلم، و هو يُستخدم لضرب المواقع المهمة المتعلقة بالمدن و الاتصالات و بالمواقع الحيوية؛ لأن باستطاعته حمل رؤوس تحتوي على مواد متفجرة قد تصل إلى (600) كلغ. لكنّ المشكلة في هذه الصواريخ هي أنّها لا تصيب أهدافها بدقّة و ذلك لأنها لا تحتوي على أجهزة تحكم ذاتية تمكنها من تحديد الأهداف.(1/41)
هذا و يمتلك الحزب صواريخ قصيرة المدى شبيهة بالطراز الأول و من تطوير سوري. المشكلة التي تعاني منها إسرائيل تكمن في الصواريخ القصيرة المدى, فباستثناء صاروخ (زلزال2) على ما أعتقد, لا تستطيع منظومة الدفاع الإسرائيلية اعتراض الصواريخ الأخرى التي تسقط عليها، و ذلك لأنّ هذه الصواريخ شبه بدائية، و تطير على علو منخفض، و تأتي على شكل رشقات أو دفعات, لذلك فإنّ منظومة (Patriot) أو منظومة (Arrow) الصاروخية الدفاعية الاعتراضية غير فعّالة في مثل هذه الحالات.
الأسلحة التي أغرقت البارجة
1- صاروخ (C-801): هو صاروخ صيني الصنع مضاد للسفن موّجه بواسطة الرادار و وزنه حوالي (750) كلغ، و يبلغ مداه حوالي (40) كلم، و هو مجهّز برأس متفجّر يبلغ وزنها (100) كلغ. أمّا النسخة المتطورة منه، و هي (C-802) فمداها يصل إلى (120) كلم، و تحمل رأساً متفجرة بوزن (180) كلغ و مزوّد بأجهزة تشويش تمكّنه من الهروب من الصواريخ المعترضة بنسبة 98%, و هو صاروخ يمكن إطلاقه من الطائرات, والسفن, والغواصات, و العربات أو القواعد الثابتة على اليابسة, و هو من أفضل الصواريخ الصينية بل العالمية المعترضة و المضادة للسفن. و قد كانت إيران تسعى إلى الحصول على (150) صاروخ من هذا النوع من الصين، لكنّها حصلت على نصف هذا العدد.
في العام 96 و 97 حصلت إيران -على الرغم من الاعتراض الأمريكي- على حوالي (70) صاروخاً من هذه النوعية، و نشرت عدداً كبيراً منها على الجزر في الخليج العربي.
و السؤال المطروح هنا: كيف تمكّن هذا الصاروخ من إصابة سفينة حربية إسرائيلية متطوّرة؟
هناك عدّة أسباب صبّت في مصلحة إصابة الصاروخ للسفينة الإسرائيلية و منها:(1/42)
أ - إنّ الإسرائيليين استهتروا، و لم يعملوا على تشغيل نظام الرصد و المراقبة الذي يعمل على رصد صواريخ كهذه و على تشغيل الدفاعات الصاروخية الموجودة على السفينة آلياً للتصدي لأي هجمات قادمة, و بالتالي تمّت مباغتتهم و إصابة السفينة مباشرة.
ب - استخدام الحزب المناورة عبر إطلاق صاروخين, أحدهما على مستوى عالٍ و الآخر على مستوى منخفض فوق سطح الماء, على أمل أنّه إذا كانت الرادارات تعمل يقوم الصاروخ الأول المرتفع بإشغال الدفاعات التابعة للسفينة في وقت يكون الصاروخ الثاني المنخفض في طريقه لإصابة الهدف. و لعلّ هذا ما يفسّر تناقل بعض وسائل الإعلام إصابة سفينة مصرية بصاروخ. فإن لم يكن الإسرائيليون هم من أطلق صاروخاً عليها وهذا وارد جدا , فإنّه لا بد و أن يكون الصاروخ الأول المرتفع الذي تمّ إطلاقه بداية هو من أصاب السفينة.
و قد طرحت بعض وسائل الإعلام أيضاً حصول هجوم عبر طائرة استطلاع محمّلة بمواد متفجرّة أصابت السفينة. و في حال كان هذا الخبر صحيحاً أم لا, فإنّه لا بد و أنّهم يشيرون إلى طائرة الاستطلاع التي يمتلكها الحزب و تُسمّى (مرصاد1).
2- طائرة (مرصاد1): وهي طائرة استطلاع بدون طيار أعلن الحزب تصنيعه لها قبل مدة فيما يرى البعض أنها من صنع إيراني وقد استخدمها الحزب مرّتين في الأعوام القليلة الماضية. و هي قادرة على ضرب أهداف مدنية أو عسكرية في " العمق" الإسرائيلي إذا ما تمّ استخدامها كطائرة انتحارية خاصّة أنها تستطيع حمل متفجرات زنتها بين (40 و50) كلغ, و لا سيما أنّ الدفاعات الجوية لا تستطيع رصد طائرات استطلاع بطيئة كهذه و تطير على علو منخفض.
منظومة الدفاع الجوي لحزب الله(1/43)
أعلن حزب الله اللبناني منذ أيام عن إدخال منظومة جديدة من الدفاع الجوي إلى المعركة لم يتم الإعلان عن اسمها, و أقدّر أنّ هذه المنظومة تقع ضمن احتمالين هما إمّا عبارة عن صواريخ (Stinger) الأمريكية الصنع، و إمّا صواريخ روسية الصنع.
1- صاروخ (Stinger): هو صاروخ أرض- جو أمريكي الصنع, يعمل على ارتفاع منخفض من خلال إطلاقه من على الكتف. يُستخدم هذا الصاروخ في عدد محدود من الدول نظراً لأهميّته الإستراتيجية في مواجهة الطائرات لاسيما العامودية منها بالإضافة إلى الحربيّة. و قد اكتسب هذا الصاروخ شهرته و أهميّته العالمية عندما استخدمه المجاهدون في أفغانستان ضدّ الاحتلال السوفيتي؛ إذ كان العنصر الأكثر فعالية في هزيمة أكبر جيش في العالم في ذلك الوقت. فقد استطاع المجاهدون آنذاك إسقاط حوالي (250) طائرة حربية سوفيتية بوساطته و بنسبة نجاح تبلغ 80% على الرغم من تدريبهم المحدود عليه. و يبدو أنّ إيران قد نجحت بعد سقوط نظام طالبان إثر احتلال أمريكا لأفغانستان في الحصول على عدد من هذه الصواريخ من الداخل الأفغاني، بالإضافة إلى حصولها على عدد مشابه من هذه الصواريخ من مخازن الجيش العراقي عند احتلاله من قبل أمريكا, و لا بد أنّه قد تمّ تمرير عدد منها لحزب الله.
2- صاروخ (Igla): هو صاروخ أرض- جو روسي الصنع, يُطلق عليه أيضاً اسم (SA-18)، و هو من فصيلة صواريخ (سام) المضادة للطائرات, و يُطلق من على الكتف أيضاً. يمتلك هذا الصاروخ رأساً متفجرة بوزن (2) كلغ, و يبلغ مداه حوالي (5) كلم بارتفاع أعلاه (3.5) كلم. و كانت سوريا حصلت على هذه الصواريخ من روسيا في السنوات القليلة الماضية، و هناك معلومات عن إمكانية حصول الحزب عليها في العام 2002-2005. و قد استخدم تنظيم القاعدة هذا النوع من الصواريخ - نسخة قديمة (SA-7-) في هجوم شنّه على طائرة إسرائيلية في كينيا في نوفمبر من العام 2002.(1/44)
تبقى الإشارة إلى أنّ تلفاز المنار التابع للحزب عرض خرائط فضائية دقيقة لمواقع عديدة مهمّة و حساسة جداً في حيفا، ممّا يثير التساؤل حول مصدر حصوله على مثل هذه الصور التي أرّجح أن تكون إمّا عبر شركات خاصّة مختصّة ببيع الصور الفضائية "مع أني أشك بذلك" وإما عبر (Google) التي توفّر هكذا صور "لا أعرف إذا كانت إسرائيل مدرجة عليه", و إمّا عبر القمر الصناعي الإيراني (سينا واحد)، و هو قمر صناعي روسي الصنع تقول طهران إنّه مخصص للأبحاث العلمية, فيما تأكّد مصادر أخرى أنّه قادر على التجسس على منطقة الشرق الأوسط بأكملها بما فيها إسرائيل، و على تصوير الأماكن بدقة ووضوح حتى ارتفاعات (50)م.
********************
قراءة في الأهداف الحقيقية، لقيام حزب الله بِخَطف الجنديَّيْن
د.محمد بسام
موقع المسلم - 21/6/1427
في بداية رؤيتنا هذه، لابد من التوضيح بأنّ "إسرائيل" ليست إلا كياناً صهيونياً دخيلاً في منطقتنا العربية والإسلامية، وهذا الدخيل ينبغي أن يقاوَم بكل السبل الممكنة، حتى تحرير فلسطين العربية المسلمة.. كل فلسطين، من البحر إلى النهر.. وإنّ الكيان الصهيوني هذا، ليس إلا خليةً سرطانيةً زرعها الغرب في قلب العالَم العربي والإسلامي، لتحقيق أهدافه في استمرار التجزئة والفرقة والتشتّت والاحتقان، والحيلولة دون بروز دولةٍ موحَّدةٍ قويةٍ حضاريةٍ مدنيةٍ ذات مرجعيةٍ إسلامية.. وإننا على اقتناعٍ تامٍ بأنّ المشروع الصهيوني يسير إلى زوال، نتيجةً حتميةً لطبائع الأشياء، ولاستمرار سُنَنِ الله _عز وجل_في أرضه.(1/45)
كل ما يصيب الكيان الصهيوني من مصائب، وكل ما ينال جنودَه المغتَصِبين من أذىً وسوء.. كل ذلك يُفرِحنا ويُرضينا، ويجعلنا أرسخ اقتناعاً بأنّ هذا الكيان المسخ، ليس إلا أكذوبةً ضخّمها تخاذل الأنظمة العربية والإسلامية، وتواطؤها، والاكتفاء بشعاراتها المزيّفة التي تدعو إلى العمل على تحرير الجولان وفلسطين.. ويأتي في طليعة هؤلاء المتاجرين، النظامان الباطنيان في المنطقة، وأذنابهما من حَمَلَة المشروع الصفوي الشعوبي، الذين يُتاجرون بقضية المسلمين الأولى والأقدس حسبما تقتضيه مراحل تنفيذ مشروعهم الصفوي الفارسي المذهبي، الذي بدأ يأخذ مساراً تنفيذياً متسارعاً منذ بدء اجتياح العراق، واحتلاله أميركياً صفوياً صهيونياً، وذلك قبل أكثر من ثلاث سنوات!..
دخول الحزب في لعبة تشجيع الميليشيات الصفوية العراقية وتدريبها، وهي نفس الميليشيات التي تقوم بعمليات إبادة الفلسطينيين وأهل السنّة في العراق!
قبل أشهرٍ عدة، أُعلِنَ في دمشق عن انطلاق تحالفٍ استراتيجيٍ إيرانيٍ-سوري، ضمّ إليه حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية.. وقبل ذلك كانت اللعبة الصفوية الإيرانية مع النظام السوري.. قد بدأت معالمها تتضّح على أرض العراق المحتلّ، بالتناغم مع المحتَلّ الأميركي، والتقاطع معه، بل التواطؤ الواضح معه.. مع احتفاظ كل جهةٍ من الجهات المتواطئة على أحلامها التاريخية في بناء نفوذها وسيطرتها على منطقتنا العربية والإسلامية.. ويمكن أن نشير هنا إلى خطورة الأحلام الفارسية الصفوية، التي يتواطأ معها النظام السوري وحزب الله والحركات الشيعية العراقية، من منطلقٍ طائفيٍ مذهبيٍ خالصٍ شديد الوضوح.. فتحوّل هذا التحالف المشبوه الجديد إلى مشروعٍ سرطانيٍ شديد الخبث، يفوق خطرُهُ على أمتنا العربية والإسلامية خطرَ الكيان الصهيوني نفسه.. وكان من أهم مظاهر هذا المشروع الشعوبي الصفوي:(1/46)
1- حملات التطهير العرقي والمذهبي ضد أهل السنة العرب في العراق، التي اشتدّت في الأشهر الأخيرة، مترافقةً مع حملات التهجير الواسعة لهم من مناطق جنوبيّ العراق، وإطلاق الدعوات لتقسيم العراق على أساسٍ طائفيّ، مع استمرار تحريض المحتل الأميركي على شن حملات الاعتقال والأسْر والقتل والتدمير والمداهمات والتنكيل والتصفية، ضد أهل السنة العراقيين، وضد مساجدهم ومؤسّساتهم وأحزابهم وحركاتهم!..
2- التغلغل الفارسي الصفوي في العراق، بتعاونٍ كاملٍ مع المرجعيات الشيعية العراقية، خاصةً ذات الأصل الفارسي منها.. وذلك استخباراتياً وعسكرياً واقتصادياً وسياسياً ودينياً، بمباركةٍ أميركيةٍ ودعمٍ عسكريٍ ولوجستيٍ مهمٍ من قِبَل القوات المحتلة، إلى درجةٍ بدا معها العراق خاضعاً لاحتلالٍ فارسيٍ صفويٍ بالدبابة الأميركية!..
3- التغلغل الشيعي الفارسي في سورية، واشتداد حملات التشييع في صفوف الشعب السوري المسلم السني، وتجنيس الفرس والعراقيين الشيعة، بمنحهم الجنسية السورية من قِبَل النظام الأسدي الحاكم.. وقد تجاوزت أعدادُهُم المليونَ حتى الآن، ويقيم معظمهم في منطقة (السيدة زينب) وما حولها في دمشق!..(1/47)
4- بروز عمليات التزوير الفاضحة، للتركيبة الديموجرافية للشعب السوري، ولعل أشدها وضوحاً، تلك الدراسات الوهمية التي نشرتها المخابرات الطائفية السورية، عن أنّ المجتمع السوري هو مجتمع أقليات، وأنّ أهل السنة لا تتجاوز نسبتهم 45% من مجموع الشعب السوري، وأنّ هؤلاء منقسمون على أنفسهم!.. في محاولاتٍ وقحةٍ لتزوير التاريخ والجغرافية والديموجرافية السورية، مع أنّ الشعب السوري يتكوّن بغالبيته الساحقة من أهل السنة، وهذه إحدى الحقائق البدهية في سورية.. لكن أولئك القائمين على تنفيذ المشروع الصفوي الفارسي، يظنون أن تزويرهم للتركيبة الديموجرافية في العراق، على حساب أهل السنة الذين ما يزالون يشكّلون الغالبية هناك.. يظنون أنهم يستطيعون القيام بنفس الدور التزويري في سورية أيضاً.. شاهت وجوههم!..
5- التواطؤ الكامل والتآمر الخالص مع القوات الأميركية المحتلة، ولعل أبرز ذلك ما أصدرته المرجعيات الدينية الفارسية العراقية من فتاوي، تُحَرِّم مقاومة المحتل، وتُطلق الأبواب مُشرعةً لذبح أهل السنة في العراق، ووصفهم بالإرهابيين، من خلال أضخم مؤامرةٍ لتزييف الحقائق، وتشويه المبادئ الإسلامية والوطنية، التي تدعو لمقاومة المحتل وجهاده حتى يتم التحرير الكامل للأوطان والإنسان.. وما يزال هؤلاء يلعبون أدوارهم الخبيثة المستمَدَّة من دور (الطوسي وابن العلقمي) وغيرهما، مع جيوش المغول والتتار ضد الأمة الإسلامية، في أواخر عهود الخلافة العباسية!..
6- اشتداد حملات الاعتقال التي ينفّذها النظام السوري الأسدي، ضد عرب (الأحواز) الإيرانيين، الذين لجأوا إلى سورية منذ عشرات السنين تحت شعارات القومية العربية التي يتدثّر بها حكام سورية، وتسليم بعض الشخصيات القيادية الأحوازية المعارِضة إلى مخابرات النظام الإيراني (خليل عبد الرحمن التميمي، وسعيد عودة الساكي، وغيرهما من القيادات الأحوازية العربية)!..
* * *(1/48)
كان لابد لهذا المشروع الصفوي من غطاءٍ مقبولٍ لدى شعوب المنطقة المسلمة، ولابد من تسريع خطاه وتمكينه من اللعب بعواطف الجماهير والشعوب العربية والإسلامية.. وليس هناك أفضل من قضية فلسطين واللعب بها.. من غطاءٍ تتوارى تحته النوايا الحقيقية لأصحاب هذا المشروع الشعوبي الخطير.. ولم يتأخّر عُتاة هذا المشروع في لعب لعبتهم بقضية المسلمين الأولى، التي -للأسف- انخدع بها أول مَن انخدع، بعض الحركات الإسلامية، التي انخرطت من حيث تدري أو لا تدري في تنفيذ هذا المشروع الشعوبي الاستيطاني الخطير، تحت شعاراتٍ زائفةٍ لم تنطلِ حتى على كثيرٍ من بسطاء الرأي العام العربي والإسلامي.. فتحوّلت تلك الحركات إلى ورقةٍ بيد أصحاب المشروع الأصليين، يحرّكونها حيثما أرادوا، وكيفما شاؤوا، وفي الوقت الذي يحدّدونه حسبما تقتضيه مصلحة مشروعهم الخبيث!..
إذن، كانت هناك حاجة إلى اللعب بورقة القضية الفلسطينية الأقدس عند العرب والمسلمين، وفي نفس الوقت، مَدّ اليد البيضاء إلى العدوّ الصهيوني، ما استوجب على أركان المشروع الصفوي الفارسي اتباع الوسائل التالية:
1- إطلاق الرئيس الإيراني أكثر من مرةٍ شعاراً تجارياً فارغاً متهافتاً، بالدعوة إلى إزالة "إسرائيل"!..(1/49)
2- الإعلان عن تحالفٍ إيرانيٍ سوريٍ مع بعض المنظمات الفلسطينية ذات السمعة العطرة بين الشعوب العربية والإسلامية، والإعلان عن تقديم مساعداتٍ ماليةٍ إليها في محنتها.. هذه المساعدات التي هي كالعادة غير موجودةٍ إلا في أذهان المتاجرين، وهي مساعدات لم تصل إلى أصحابها حتى الآن، ولن تصل في أي يومٍ من الأيام، لأنها ستبقى في إطار المتاجرة: [.. قال وزير الخارجية الإيراني (منوشهر متكي) في مؤتمر صحافي في طهران أمس: إنّ إجراءات المساهمة بخمسين مليون دولار لا تزال في مرحلة صنع القرار (بعد أربعة أشهر من الوعد).. ولم يتم سداد المبلغ الذي تحدثت عنه]!.. (نشرة المختصر في 11/7/2006م، نقلاً عن البيان).. فالمساعدات الإيرانية المزعومة، ليست إلا شعاراتٍ ووعوداً زائفة، لأن ما يحرّك الصفويين الفرس هي النزعة الشعوبية الطائفية، التي تقضي بعدم تقديم أي عونٍ للحركات الإسلامية الفلسطينية السنيّة مهما كانت الظروف!..(1/50)
3- عَقْد لقاءاتٍ مريبةٍ للنظام السوري مع الصهاينة، التي بدأت بالمصافحة بين بشار الأسد ورئيس الكيان الصهيوني (كاتساف) أثناء جنازة بابا الفاتيكان، ثم تلتها التصريحات الصهيونية المتكرِّرة بأن النظام السوري هو خيار صهيوني ينبغي دعمه، والتصريحات الكثيرة لأركان النظام السوري بالرغبة في التفاوض مع الصهاينة.. مع قيام النظام نفسه بأشد حملات التطهير الوطني في تاريخه، ضد المواطنين السوريين من مختلف الاتجاهات الوطنية، والتآمر على التعليم الشرعي الإسلامي السني مع تشجيع أوكار التعليم الديني الشيعي الصفوي ومَدّها بكل الاحتياجات المعنوية والمادية، وبدء نسج علاقاتٍ مشبوهةٍ واضحة المعالم مع الصهاينة، كان آخرها اجتماع السفير السوري في لندن مع (استيل جيلستون) رئيسة الاتحاد الصهيوني في بريطانية (أخبار الشرق بتاريخ 12/7/2006م)، واستقدام حاخامٍ صهيونيٍ أميركيٍ ليلقي خطبةً في أحد أكبر جوامع حلب (الخليج الإماراتية بتاريخ 11/7/2006م).
4- تغلغل الموساد الصهيوني في العراق، بدعمٍ من الحكومة العراقية العميلة للاحتلال، وبتنسيقٍ مع ما يُسمى بالحرس الثوري الإيراني والميليشيات الصفوية الشيعية في العراق.. للقيام بعمليات اغتيالٍ للعلماء والضباط العراقيين السابقين والشخصيات الإسلامية السنيّة المؤثرة، وللقيام بأعمالٍ إرهابيةٍ إجراميةٍ شنيعةٍ بحق أهل السنّة في العراق، من اختطافٍ وتصفياتٍ وتعذيبٍ وقتلٍ على الهوية!..(1/51)
لقد اتحد الطائفيون لتنفيذ مخطّطهم الخاص، وأعلنوا عن هذا الاتحاد بتحالفٍ استراتيجيّ، وتقاسموا الساحات والأدوار، لإنجاز مخطَّطٍ واحدٍ متكاملٍ في الساحات الثلاث: العراق، وسورية، ولبنان.. لذلك أصبحت ممارسات أي جهةٍ من جهات هذا التحالف، لا تندرج إلا ضمن المشروع الكلي المتكامل، لتحقيق الأهداف الصفوية الشعوبية الخطيرة، في المنطقة الممتدة بدايةً، من إيران إلى لبنان، بما فيها العراق وسورية!.. لذلك، وبناءً على وحدة الحال والمخطّط والأهداف وتكامل الأدوار بين النظام الإيراني الشعوبي الفارسي، والنظام الأسدي السوري، والحركات الشيعية اللبنانية.. بناءً على ذلك فحسب، يمكن محاكمة الممارسات، ودراسة اتجاهها، وهل هي تصبّ في مصلحة الأمة العربية والإسلامية.. أم في مصلحة تنفيذ المخطط الصفوي الفارسي الشعوبي، للسيطرة على أوطاننا ومنطقتنا وشعوبنا وثرواتنا، وللقيام بحملات التطهير العرقي والطائفي ضد أهل السنّة في هذه المنطقة، ثم الانطلاق منها إلى منطقتي الخليج العربي وشمال إفريقية، للإطباق عليهما تماماً، ضمن أهدافٍ توسّعيةٍ خطيرة، تعيد أمجاد الصفويين والفاطميين، للسيطرة على بلاد العرب والمسلمين!..(1/52)
ما معنى أن يغضب بشار الأسد في دمشق من الحكومة اللبنانية، فينسحب من تلك الحكومة خمسة وزراء شيعيون من حزب الله وحركة أمل.. ينسحبون من الحكومة ويجمّدون نشاطهم فيها؟!.. وما معنى أن يهتف الهتّافون في مؤتمر اتحاد المحامين العرب الذي انعقد في دمشق قبل أشهرٍ عدة.. يهتفون لحزب الله، ويرفعون عَلَمَه الحزبيّ الخاص في المؤتمر.. ولا يكون للبنان الدولة ظهور واضح ولا لحكومته ولا لِعَلَمِهِ الوطني؟!.. ولماذا يرفع (حسن نصر الله) صورة الفارسي (الخميني) فوق رأسه في مقرّ مكتبه؟!.. وقبل ذلك ما معنى جواب أحد قيادات حزب الله على سؤالٍ صحفيٍ في عام 1987م: [هل أنتم جزء من إيران]؟!.. الجواب: [بل نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران]!.. (النهار اللبنانية بتاريخ 5/3/1987م).. على هذا الأساس إذن، وعلى هذه القراءة للواقع الذي يجري على الأرض حقيقةً دامغة.. ينبغي أن تُحَاكَمَ الأمور والأحداث الأخيرة التي فجّرها حزبُ الله ومَن وراءه من أركان الحلف الاستراتيجيّ الصفويّ الشعوبيّ.. ضد الكيان الصهيوني!..
* * *
إنّ هدف المشروع الصفوي الفارسي الشعوبي، هو السيطرة على العالَمَيْن العربي والإسلامي بَدءاً من إخضاع منطقة الهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق)، وذلك باجتياحها ديموجرافياً ومذهبياً وتبشيرياً صفوياً وسياسياً وأمنياً وثقافياً واستيطانياً.. ويقوم هذا المشروع المشبوه على أركانٍ خمسة، هي:(1/53)
1- التواطؤ والتآمر مع القوى الغربية بزعامة أميركة إلى أبعد مدىً ممكن، لاجتياح بلادنا واحتلالها، وإفساح المجال لها ومساعدتها في السيطرة على أوطان المسلمين، والقيام بدورٍ خبيثٍ لا يقل خطورةً عن دور (ابن العلقمي) حين تواطأ مع هولاكو لاجتياح بلاد المسلمين.. وكل العالَم يعرف أنّ إيران كان لها الدور الأعظم في التواطؤ مع أميركا لاحتلال أفغانستان.. ثم العراق، والمسؤولون الإيرانيون صرّحوا بذلك بوضوح، بل افتخروا بذلك: (تصريح إيراني رسمي/محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني السابق: لولا إيران لما احتلت أميركا العراق.. ولولا إيران لما احتلت أميركا أفغانستان).. وذلك لإضعاف أهل السنّة، ثم الانقضاض عليهم تحت مظلة المحتل الأميركي!..
2- اللعب بالورقة المذهبية الشيعية، وإشعال فتيل الحرب الطائفية، والقيام بعمليات التطهير العرقي والطائفي، والعمل على تجزئة بلادنا، وتهجير أهل السنّة العراقيين من المحافظات التي يتداخلون فيها مع أبناء الشيعة، مع قيام المرجعيات الشيعية بدورٍ مُفسِد، بالتحريض على أهل السنّة وعلى مؤسساتهم التعليمية والدينية (الشيرازي يدعو خلال خطبةٍ مفتوحةٍ إلى تدمير مساجد أهل السنة، وقد قاموا فعلاً بتدمير مئات المساجد أو احتلالها وتحويلها إلى حسينياتٍ ومراكز شيعيةٍ صفوية)!..
3- اغتيال الكفاءات السنيّة العلمية والعسكرية والدينية، وممارسة كل الجرائم بحقهم، لترويعهم وتهجيرهم والتشفي منهم!..
4- الاجتياح الديموجرافي الشيعي الصفوي، كما يحصل في سورية بشكلٍ خاص، تحت تغطيةٍ كاملةٍ يقدّمها النظام السوري الحاكم، وكما يحصل بشكلٍ أو بآخر في لبنان والأردن، فضلاً عن العراق.. إضافةً إلى حملات "التبشير" الشيعي في صفوف أهل السنة!..(1/54)
5- افتعال الصدامات الكاذبة مع العدو الصهيوني، واستفزازه ليقوم بتدمير بلادنا، ثم لتخلو لهم الأجواء للّعب بأوراقهم الصفوية، وتسهيل تحقيق أهدافهم الشرّيرة، تماماً كما فعلوا ويفعلون في أفغانستان والعراق حالياً!..
إن المشروع الصفوي الشيعي يشبه المشروع الصهيوني في معظم وجوهه، لكنه أشد خطراً من المشروع الصهيوني، فهو مشروع استيطاني قومي فارسي مذهبي متطرّف.. لا يقبل أصحابه بأقل من إبادة المسلمين من أهل السنة إبادةً تامة.. وهو مشروع يحمل أحقاداً تاريخيةً ضخمة، ويقوم على خزعبلاتٍ دينيةٍ مذهبية، ركنها الأساس: تشويه الدين الحنيف، وإشاعة الأباطيل والخرافات عن الإسلام، ونشر الفساد المذهبي القائم على نشر ما يعرف لديهم بمصحف فاطمة، وزواج المتعة، وتأليه الأئمة، وشتم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحريف القرآن الكريم والسنّة المطهّرة، وتكفير المسلمين من أهل السنّة.. لذلك كله فهو أخطر من المشروع الصهيوني اليهودي، وأخطر من المشروع الغربي الأميركي الاستعماري.. وإن كان من الواجب على العرب والمسلمين مقاومة المشروعَيْن الصهيوني والأميركي.. فإن دواعي مقاومة المشروع الصفوي الفارسي الشعوبي أشد وأقوى!..
إنّ الساحات الأربعة التي اختارها الطائفيون الصفويون بدايةً لتحقيق أهدافهم، يسير فيها مخطَّطهم حالياً بالشكل التالي:
1- في الساحة الإيرانية: عمليات "تطهيرٍ" واسعةٍ لأهل السنة في إيران، مع قَمعهم والتنكيل بهم، واستباحتهم مع أموالهم وأعراضهم ومساجدهم (طهران كلها ليس فيها مسجد لأهل السنة)!..(1/55)
2- في الساحة العراقية: تكامل بالأدوار مع المحتل الأميركي، وتدمير العراق ومحاولات تجزئته، وتسليط سَفَلَة الميليشيات الشيعية على أهل السنة، والقيام بأضخم عملية "تطهيرٍ" وتهجيرٍ ضد أهل السنة، مع اتباع عمليات إبادةٍ منظَّمةٍ ضدهم، وتزوير النسب المئوية لسكان العراق، بنشر الأكاذيب والدراسات المزيّفة التي تزعم أن الشيعة هم الأغلبية، مع اجتياحٍ فارسيٍ شيعيٍ استيطانيٍ للعراق لقلب نسبة الأغلبية السنية (52%) لصالح الأقلية الشيعية!.. ولابد أن نذكر في هذا المجال، شدة الحملات الشعوبية المسلّحة ضد إخواننا الفلسطينيين الذين يعيشون في العراق، من مداهماتٍ وقتلٍ واعتقالٍ ونهبٍ وانتهاك أعراضٍ ومصادرة بيوت السكن.. إلى درجة أنّ الفلسطينيين في العراق باتوا يعانون أكثر مما يعانيه إخوانهم تحت سوط الاحتلال الصهيوني، ويتمنّون أن يعودوا إلى فلسطين حتى تحت وطأة الاحتلال الصهيوني!..
3- في الساحة السورية: يقوم النظام السوري الحليف الاستراتيجي لإيران، بحملات اعتقالٍ وتصفيةٍ واسعة النطاق ضد الشعب السوري، ويحاصر المؤسسات التعليمية الإسلامية، مع إفساح المجال لمؤسّساتٍ شيعيةٍ وليدةٍ مشبوهة.. مع أنّ الشيعة في سورية لا وجود لهم.. كما يقوم النظام بتغطية أعمال التبشير الشيعي في صفوف المسلمين السوريين، وبتجنيس الوافدين الشيعة من إيران والعراق وتوطينهم في سورية، والتضييق على عرب (الأحواز) اللاجئين إلى دمشق.. كما يقوم النظام بمدّ اليد للصهاينة والأميركيين، وبحملات القمع والبطش بحق أبناء الشعب السوري، وبجعل سورية قاعدةً للتآمر على لبنان والأردن، وباستخدام الورقة الفلسطينية لصالح الحلف الشعوبيّ الشرّير!..(1/56)
4- في الساحة اللبنانية: لَعِبُ حزب الله وحركة أمل الشيعية بورقة المقاومة المزيَّفة، للمحافظة على السلاح في أيديهما، ولخلط الأوراق السياسية في لبنان لصالح أركان الحلف الصفوي الفارسي.. وقيامهما بـ"التبشير" الشيعي، واستفزاز "إسرائيل" لضرب لبنان كلما دعت حاجة أطراف المشروع الصفوي، مع محاولاتٍ مستمرةٍ لضرب وحدة لبنان، وتشكيل دولةٍ شيعيةٍ داخل الدولة اللبنانية!..
حين ننظر إلى المنطقة من إيران إلى لبنان وفلسطين، علينا أن نستجمع ما ذكرناه آنفاً من هذه الصورة المتكاملة لما يجري في الساحات الأربعة، وذلك لرسم المشهد الواضح الحقيقي، عن أهداف أي فعلٍ يقوم به أركان المشروع الصفوي الشعوبي في أي ساحةٍ من تلك الساحات، وعلى هذا الأساس يجب أن ننظر إلى عملية حزب الله العسكرية الأخيرة، التي تم فيها خطف جنديَّيْنِ صهيونيَّيْن وقتل سبعة جنود.. فصورة الوضع قبل تنفيذ هذه العملية كانت على الشكل التالي:
1- اشتداد عمليات التطهير الإجرامي العرقي والمذهبي، التي تقوم بها الميليشيات الصفوية العراقية في العراق، بما في ذلك عمليات إبادةٍ وحشيةٍ ضد السكان الفلسطينيين، وعمليات تهجيرٍ لأهل السنة من جنوبيّ العراق (البصرة لم يبقَ فيها إلا 7% من أهل السنة بينما كانوا أكثرية منذ عشرات السنين، ونسبتهم كانت 40% قبيل الاحتلال الأميركي)!.. فضلاً عن انكشاف زيف شعارات الرئيس الإيراني (نجاد) الداعية لإزالة "إسرائيل" من الوجود!..
2- المقاومة الفلسطينية، وهي سنيّة بطبيعة الحال، خطفت كل الأضواء بأنها الوحيدة في ساحة الصدام مع الكيان الصهيوني، وذلك بعد عملية (الوهم المتبدّد) وخلال عدوان (أمطار الصيف).. إذ وصل الكيان الصهيوني إلى طريقٍ مسدودٍ لتحقيق أهدافه ضد الشعب الفلسطيني وفصائله المقاوِمة!..(1/57)
3- انكشاف تواطؤ حزب الله ضمن تواطؤ حليفه الإيراني.. مع الاحتلال الأميركي ضد المقاومة العراقية، ودخول الحزب في لعبة تشجيع الميليشيات الصفوية العراقية وتدريبها، وهي نفس الميليشيات التي تقوم بعمليات إبادة الفلسطينيين وأهل السنّة في العراق!..
4- بداية انتكاساتٍ لحملات التشييع في سورية ولبنان، انعكاساً لانكشاف مواقف أركان الحلف الصفوي الشعوبي الداعم للصهاينة وللاحتلال الأميركي المرفوض شعبياً.. ثم بروز بوادر الاصطدام على النفوذ بين المشروعَيْن: الأميركي، والفارسي الصفوي.. في العراق!..
5- بداية تصلّب العود اللبناني الوطني، الذي ينعكس سلباً على النظام السوري بعد دحره من لبنان.. واشتداد ارتباك النظام السوري مع اقتراب توجيه الاتهامات الدولية الجازمة ضده، لتورّطه في اغتيال الرئيس (رفيق الحريري) رحمه الله..
كان لابد من فعلٍ يحرف الأضواء والأنظار عما يجري في العراق بحق أهل السنة والفلسطينيين على أيدي الصفويين الشعوبيين، ولابد من خطف الأضواء من المقاومة الفلسطينية السنيّة التي كشفت عجز الجيش الصهيوني، ولابد من استعادة الثقة بعمليات "التبشير" الشيعي في المنطقة، ولابد من إعادة الاعتبار لأكذوبة (نجاد) بدعوته لإزالة "إسرائيل" ومقاومة الكيان الصهيوني، ولابد من التغطية على تواطؤ حزب الله بالعمل ضد المقاومة العراقية، ولابد من خلط الأوراق في لبنان لصالح الفوضى التي هدّد بنشرها رئيسُ النظام السوري بشار الأسد.. لابد من كل ذلك ولو على حساب لبنان.. كل لبنان، الرسمي والشعبي.. ولو أدى العبث واللعب إلى تدميره!..
فلذلك.. ولتحقيق كل هذه الأهداف.. قام حزب الله -ثالث ثالوث المشروع الصفوي الفارسي- بعمليته أو مغامرته الأخيرة ضد الكيان الصهيوني!..(1/58)
هل نحن ضد عمليةٍ تنالُ من العدوّ الصهيوني؟!.. لا.. مطلقاً، نحن مع كل عملٍ يؤذي الكيان الصهيوني الغاصب ويُضعفه ويضع من هيبته!.. لكننا لا نقبل أن تندرج هذه العملية في مسلسل تحقيق أهداف المشروع الأخطر من المشروع الصهيوني في بلادنا، ولا نقبل أن يتاجر القائمون بهذه العملية بقضية فلسطين، في نفس الوقت الذي يذبحون فيه الفلسطينيين ويستبيحون أرواحَهم ودماءهم وأعراضَهم وأموالَهم في بغداد.. ولا نقبل مطلقاً أن يعبث الصفويون بأمن سورية ولبنان في سبيل تحقيق أهدافهم الدنيئة.. ولا نقبل أبداً أن يتم تدمير لبنان وتقتيل أبنائه وأطفاله ونسائه، بتحريضٍ واستفزازٍ يمارسه أصحاب المشروع الصفوي الفارسي وينفّذه أصحاب المشروع الصهيوني.. ولا نقبل أن يقومَ الصفويون الجدد بالترويج لأنفسهم زوراً وتزييفاً، بأنهم أصحاب مشروعٍ مقاوِم، بينما هم يمالئون المشروعَيْن الأميركي والصهيوني على رؤوس الأشهاد وفي وضح النهار.. ولا نقبل في أي وقتٍ من الأوقات أن تنحرف الأنظار عن جرائم الصفويين بحق أهلنا وشعبنا المسلم في العراق.. ولا نقبل أن تُستَخدَم مثل هذه العمليات المشبوهة، في كسب الوقت لبناء القنبلة النووية الإيرانية الصفوية، التي ستُستَخدَم لخدمة المشروع الشرّير ضد العرب والمسلمين، وضد أوطانهم وثرواتهم وأموالهم وأعراضهم!..(1/59)
فتِّشوا في أوراق التاريخ كله، فلن تجدوا ما يفيد بأن إيران الفارسية قد دخلت معركةً أو حرباً مع الصهاينة.. أو حتى مع (الشيطان الأكبر) أميركا؟!.. لن تجدوا في التاريخ حَرفاً واحداً يفيد بذلك، بل سنجد أن إيران التي افتضح أمرها باستيراد السلاح الصهيوني والأميركي أثناء الحرب مع العراق (فضيحة إيران جيت).. هي نفسها إيران التي تقود الحلف الصفوي التوسّعي الاستيطاني "التبشيري" الجديد، وهي نفسها إيران التي تمالئ أميركا وتُعينها على استمرار احتلالها للعراق، وهي نفسها التي تتدخّل بالشئون الداخلية والشعبية السورية، وهي نفسها التي تُسخِّر النظام السوري لتصفية خيرة أبناء شعبه وشعب الأحواز، وهي نفسها التي تستخدم حزب الله في استجرار تدمير لبنان وتهديد أمنه واستقراره، وهي نفسها التي ما تزال عَينُها على الخليج العربي، وهي نفسها التي تحتل الجزر الإماراتية العربية الثلاث، وهي نفسها التي تسعى لتحويل الحركات الفلسطينية إلى ورقةٍ ولعبةٍ تلعب بها متى أرادت على حساب أمن المنطقة العربية والإسلامية كلها!..
لو كان أقطاب الحلف الصفوي الشعوبي الجديد القديم جادّين بمقاومة المحتل الصهيوني، فلماذا تبقى جبهة الجولان هادئةً وادعةً حتى الآن؟!..
لو كان حسن نصر الله وحزبه يهدفون إلى تحرير الأسرى اللبنانيين، فلماذا لا يقوم بمطالبة حليفه النظام السوري، بإطلاق سراح مئات المعتَقَلين والأسرى اللبنانيين الوطنيين الشرفاء من السجون السورية؟!..
لو كان أقطاب هذا الحلف الصفوي صادقين في شعاراتهم المتهافتة التي يروّجونها، فمَن هم الذين استقبلوا القوات الصهيونية بالورود والزهور وحبات الأرز.. عندما اجتاح الجيش الصهيوني جنوبيّ لبنان الشيعي في يونيو من عام 1982م؟!.. ومَن هم الذين استقدموا الجيشَ الأميركي الصهيوني حليفَ الصهاينة إلى العراق، واستقبلوه بنفس الطريقة، وما يزالون يتحالفون معه حتى ساعة كتابة هذه السطور؟!..(1/60)
لو كان حزبُ الله حريصاً على لبنان والدولة اللبنانية، وعلى اللبنانيين وأرواحهم ووحدتهم.. فلماذا يقوم بعمليته الاستفزازية الأخيرة دون علم الحكومة اللبنانية ، التي أصدرت بياناً مساء يوم الأربعاء في 12/7/2006م، قالت فيه: (لا علم للحكومة اللبنانية بهذه العملية التي قام بها حزب الله)؟!.. فكيف يقوم الحزب بعمليةٍ يعرف تماماً أنّ عواقبها ستمسّ لبنان كله، ما يتطلّب التنسيق الدقيق مع الحكومة اللبنانية الرسمية المسؤولة، لاتخاذ الإجراءات العسكرية والسياسية اللازمة لمواجهة العواقب الوخيمة المتوقَّعة على لبنان؟!.. ثم مَن يتّخذ قرار المواجهة ثم ينفِّذ هذه العملية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.. أحِزب الله وحكومَتا سورية وإيران.. أم الحكومة اللبنانية والدولة اللبنانية المستقلة ذات السيادة الكاملة على أراضيها؟!..
لو كان أصحاب عملية (الوعد الصادق) صادقين حقاً، بأنّ عمليتهم كانت للتخفيف عن أهلنا الفلسطينيين الذين يتعرّضون للعدوان الصهيوني في غزة، فلماذا يستبيحون أهلنا الفلسطينيين في بغداد، بشكلٍ أبشع وأشد إيلاماً ووحشيةً وامتهاناً وتنكيلاً؟!..
على العرب والمسلمين، حُكّاماً ومحكومين.. أن يستوعبوا حقائق المشهَد السياسي والأمني والمذهبي الحالي، ويستوعبوا خطورته الشديدة على الأمتَيْن العربية والإسلامية.. ثم أن يتخذوا الإجراءات اللازمة كلها، لمقاومة المشروعَيْن الخبيثَيْن: الصهيوني الأميركي، والصفوي الفارسي الشعوبي الأشد خبثاً وخطورةً، وتهديداً لوجودنا وديننا وحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أوطاننا وأجيالنا!..
*********************
قراءة مغايرة لمجريات ما حدث بين حزب الله وإسرائيل
علي حسين باكير
الشرق القطرية / 17-7-2006(1/61)
في هذا المقال سنقدّم لكم -وفق وجهة نظري الخاصّة- التصوّر الذي كان قائما لدى حزب الله عندما أقدم على عمليّة أسر الجنود الإسرائيليين وكيف تغيّر هذا السيناريو تبعا للأحداث المتتاليّة مغيّرا معه قواعد اللعبة كلّيا بين حزب الله وإسرائيل، و المفاجآت المنتظرة.
تصوّر حزب الله لوضع إسرائيل قبل عملية "الوعد الصادق"
من المعروف انّ حزب الله يتمتّع بدعم إقليمي كبير من سوريا وإيران وبالتالي فهو له غطاء سياسي خارجي وله دعم مالي يفوق 200 مليون دولار حسب بعض المصادر وله دعم عسكري كبير من ناحية الأسلحة الحديثة والمتطورة التي ترده من إيران، و فوق كل ذلك يتمتع حزب الله برؤية سياسية وإستراتيجية جيّدة وملتزم بقواعد اللعبة مع الأطراف الثلاثة إسرائيل وإيران وسوريا التي لم يسبق له ان خرج عنها مطلقا، والتي تقتضي قيامه بعمليات عندما تقتضي الحاجة فقط وليس خوض حرب وجود مع الكيان الصهيوني.
الحزب كان يرى انّ الوضع الداخلي الإسرائيلي متأزم وهي منخرطة في معركة الاعتداء على غزّة ومشغولة بها ومستنزفة داخليا ومتخبّطة سياسيا وعندها مأزق في اتّخاذ القرارات، خاصّة بعد العملية النوعيّة للفصائل الفلسطينية "الوهم المتبدّد". ومن هذا المنطلق رأى الحزب انّ الوقت الآن هو أفضل وقت لتنفيذ عملية سريعة وخاطفة يتحقّق عبرها تسجيل عدّة نقاط داخلية وخارجية لصالح الحزب ولصالح الداعمين له، منها:
1- إعادة إحياء شعبية حزب الله على الصعيد الداخلي من خلال تبنيه قضيّة الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، وهي بالطبع قضية وطنيّة سيتّحد كل الشعب اللبناني عليها وسيتّخذون موقفا ايجابيا منها، و بالتالي استخدام هذه الشعبية التي سيحصل عليها كورقة ضغط في التفاوض على طاولة الحوار اللبنانية لتحقيق العديد من المكاسب دون ان يظهر انّ حزب الله متعنّت ومعزول داخليا وخارجيا.(1/62)
2- الحصول على دعم شعبي واسع في العالم الإسلامي واستغلاله في محو الصورة السيئة التي نشأت عن امتناع شيعة العراق عن مقاومة الاحتلال الأمريكي وانخراطهم في إطار حملة دنيئة لتصفيّة المقاومة العراقية الإسلامية والوطنيّة بالإضافة إلى التجمّعات السنيّة المعزولة إقليميا ودوليا بسبب انتماء المقاومة لها.
3- إظهار التضامن او التقاطع مع غزّة وما يجري فيها وبالتالي الحصول على دعم عربي شعبي كبير وإظهار حالة الضعف العسكري الإسرائيلي.
4- الرد غير المباشر على مسألة التهديد الإسرائيلي لسوريا عندما أعلنت الطائرات الحربية الإسرائيلية قبل ما يقرب من أسبوع تحليقها فوق القصر الرئاسي للرئيس بشّار الأسد في قلب وعمق سوريا مع إمكانية إعادة إدخال سوريا إلى لبنان سياسيا او عمليا من خلال إمكانية إقحامها في دور ما في مسألة التفاوض على الجنود والأسرى.
5- توافق العملية مع دخول خافيير سولانا في اجتماع مع الإيرانيين بخصوص البرنامج النووي الإيراني مع علم الجميع انّ الاجتماع لم يكن ليتوصل إلى أي شيء ممّا يعني انّه سيكون هناك تصعيد ضدّ إيران، فجاءت هذه العملية ضمن هذا السياق أيضا.
تغيير إسرائيل لقواعد اللعبة بعد عملية "الثمن الرادع"
انطلاقا من المعطيات التي شرحناها أعلاه، فإنّ الحزب كان يتوّقع أن يكون الرد الإسرائيلي على خطف جندييه محدودا نظرا لانغماس إسرائيل في الداخل والمشاكل الكثيرة التي تعاني منها، كما توقّع الحزب في أسوأ الأحوال ان تقوم إسرائيل بقصف انتقامي محدود ينتهي بدعوة جميع الأطراف إلى بدء مفاوضات من أجل تبادل الأسرى، و لذلك فهو ابلغ إسرائيل علنا انّ نيّته هي عدم التصعيد وأنّ القواعد يجب أن تكون محصورة في هذه اللعبة فيما يتعلّق بالتفاوض حول الأسرى فقط.(1/63)
الذي حصل فيما بعد والذي لم يكن يتوقّعه الحزب في رأيي، هو انّ إسرائيل قرّرت ضرب لبنان ضربة قاصمة وشرسة وغير مسبوقة منذ التزام الجميع بقواعد اللعبة المتبادلة مباشرة، دون إمهال أي طرف من الأطراف الإقليمية والدولية أي وقت للتحرك وفي نيّتها تحقيق عدد من الأهداف ما بين تكتيكية وإستراتيجية منها:
أولا: إعادة الاعتبار إلى الآلة العسكريّة الإسرائيلية وقوّات الجيش وإحياء الروح لدى الجنود المنهارين لديها، وإحياء عقيدة الردع الإسرائيلية التي منيت بهزائم كبيرة في الداخل الفلسطيني واللبناني.
ثانيا: الإعلان لذوي الأسرى الإسرائيليين والشعب انّ إسرائيل لا تسكت على اختطاف جنودها وبالتالي رفض التفاوض على إطلاق سراحهم مقابل الأسرى في سجونها، لأنّ ذلك من شأنه أن يكرّس سنّة اختطاف جنود إسرائيليين ومبادلتهم بمطالب تضّر بمصلحة إسرائيل العليا وفق وجهة نظرهم الخاصة.
ثالثا: محاولة استغلال نتائج هذه الحملة على لبنان وتجييرها لمطالبة بالإفراج السريع وغير المشروط عن الأسرى من جنودها لدى حزب الله والضغط على الحكومة لإنهاء وتجريد حزب الله من سلاحه، بعد تأليب الرأي العام المحلي والدولي ضدّه.
وفي هذا الإطار تحرّكت الحكومة الإسرائيلية على ثلاثة محاور:
سياسيا: من خلال تحميلها الحكومة اللبنانية المسؤولية نقل وتصعيد الملف دوليا من خلال مجلس الأمن أو من خلال القوى الدولية وعلى رأسها أمريكا، وبالتالي تبرير استهداف كل ما يتعلّق بها ويتبع لها، فحزب الله ليس لديه مراكز ثابتة ومعروفة ليتم قصفها وبالتالي سيكون من الأسهل قصف مواقع حيوية تابعة للدولة اللبنانية.(1/64)
اقتصاديا: تحميل الحكومة اللبنانية خسائر اقتصادية ضخمة من خلال ضرب الأهداف الحيوية والمرافق الإستراتيجية وتعطيل وشل الاقتصاد اللبناني السياحي والخدماتي لفترة طويلة على أمل أن يحدث هذا ضغطا شعبيا متململا من الخسائر مضادا لحزب الله يدين تصرّفه غير المحسوب ويعجّل بسحب سلاحه.
عسكريا: من خلال قصف جوي موسّع وبحري مركّز، وبتوغّل برّي عسكري عبر فرق خاصة اذا اقتضى الأمر وقصف سلسلة من الأهداف الحيوية والإستراتيجية ومنها: الجسور، ومحطّات الكهرباء ومحطّات الهاتف والمياه والمطارات إضافة إلى أماكن حيوية أخرى سواء تابعة للجيش اللبناني -في حال شكّلت تدخلاته ضغطا- أو على مواقع الأحزاب والمخيمات الفلسطينية في لبنان.
والهدف من التحرك الإسرائيلي هذا وضع ضغط كبير على الحكومة اللبنانية سياسيا واقتصاديا وعسكريا عبر عملية "الثمن الرادع"، وذلك في محاولة لدفعها تطبيق القرار الدولي 1559 ونزع سلاح حزب الله وبتّ أمره نهائيا مع تخطّي مسألة الأسرى والجنديين لانتهاز الفرصة والقضاء على حزب الله وجعل حزب الله ولبنان والشعب اللبناني يدفعون ثمنا باهظا يفوق في قيمته أي انتصار ممكن لحزب الله ان يحصل عليه اذا ما وقع تبادل للأسرى.
حزب الله يدرك أبعاد القضيّة متأخرًا
أدرك حزب الله متأخرا أبعاد الخطّة الإسرائيلية مع مرور الوقت، فحاول فرض قواعد جديدة مقبولة وخطوط حمراء بينه وبين إسرائيل داخل هذه العملية للعب ضمنها وفي إطارها، كان من بينها اعتماد الإستراتيجية التالية:
1- عدم ابتداء الحزب بأية عمليات ضدّ الجيش الإسرائيلي على أمل أن يعود الإسرائيليون عن مخطّطهم وألا يتم استفزازهم.
2- محاولة ضبط النفس ومواكبة أي تصعيد إسرائيلي برد مساو ومواز من حيث الفعالية النفسية.
3- فرض خط احمر والالتزام بعدم التعرض لحيفا طالما انّ الإسرائيليين ملتزمون بعدم ضرب الضاحية الجنوبية.(1/65)
الذي حصل، هو انّ إسرائيل خرقت كل القواعد أيضا وتخطّت كل الخطوط الحمراء ممّا أذهل حزب الله الذي لم يتوقع تصرّف إسرائيل هذا، خاصّة أنّه سبق والتزم وإياها خلال سنوات طويلة بخطوط وقواعد معروفة.
هذا الذهول الذي أصاب الحزب رافقه عدم تماسك في الجبهة الداخلية اللبنانية على المستوى الحكومي والشعبي مع حرب نفسيّة كبيرة وضرب إسرائيل لكل شيء يمكن تصوّره في لبنان، الأمر الذي قصم ظهر حزب الله وشلّه تماما وهو الأمر الذي لم يكن احد في العالم ليتوقعه خاصّة مع تواجد حملة دولية مقبولة لإدانة التصرف الإسرائيلي من قبل كل من فرنسا، روسيا، الصين، البرازيل، سويسرا ألمانيا وغيرها من الدول التي أدانت الرد الإسرائيلي بهذا الشكل.
الحدث كان يتمثّل بالموقف السعودي الذي صدم الجميع أصدقاء وأعداء، لدرجة أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت غبطتها بالموقف السعودي هذا الذي وصفته بأنّه قمّة الاعتدال.
ما وراء الموقف السعودي غير العادي
باعتقادي انّ الموقف السعودي الذي أعلنت المملكة فيه عن تحميلها لحزب الله ضمنا مسؤولية التصعيد الذي حصل من خلال قيامه بمغامرة قد تجرّ المنطقة بأسرها إلى الأهوال، الأمر الذي استغلّته القيادة الإسرائيلية كغطاء للتصعيد ضدّ لبنان، إنما قد يعود في حقيقة الأمر إلى احد الاحتمالات التالية:
1- إمّا انّ المملكة قد استجابت لوجهة نظر حلفائها اللبنانيين الموجودين في السلطة في لبنان بحكم الأكثريّة والذين سبق واشرنا إلى أن هناك شرخا كبيرا بينهم وبين حزب الله، بحيث كان الموقف السعودي تعبيرا عن وجهة نظرهم وغطاء لهم ودعما خاصّة انّ المملكة قد ملّت استنجاد الآخرين بها بعد اشتعال الحريق ودون استشاراتها مسبقا بمفاعيل أي عمل على الساحة اللبنانية.(1/66)
2- وإمّا أن تكون السعودية قد استسلمت تماما للضغوط الأمريكية والغربية مع معرفتها عدم قدرتها على انجاز شيء فعّال ينقذ لبنان والفلسطينيين فتذرعّت بقضّية المغامرة وما إلى ذلك.
3- وإمّا قد تكون السعودية رأت في هذا الحدث فرصة للانتقام من إيران وتصفية حساباتها معها وتوجيه ضربة غير مباشرة لها عبر بوابة حزب الله ردّا على عجز المملكة عن فعل أي شيء في العراق إزاء الاختراق الإيراني الواسع له والتلاعب به وبهويته وسفك اتباعها فيه لدماء السنّة والعمل على تطهيرهم.
حزب الله بين الانتحار والاستشهاد
أمام هذه الوقائع التي تتمثّل بانشقاق داخلي في لبنان وانكشاف غطاء وظهر حزب الله عربيًا بعد الموقف السعودي، و تجاوز إسرائيل لكافة الخطوط الحمر بعد ضوء اخضر أمريكي بحقها في الدفاع عن نفسها، و بعد تمادي إسرائيل وإعلانها الاستمرار "عكس المتوقع" في حملتها إلى النهاية او الامتثال لـ ثلاثة شروط أساسية:
1- إعلان تطبيق لبنان فورا للقرار 1559 القاضي بتفكيك حزب الله ونزع سلاحه.
2- إرسال الجيش إلى الجنوب ليحل محل قوات حزب الله وينتشر هناك على طول الخط الأزرق.
3- إعادة الجنود الأسرى دون قيد أو شرط.
في هذا الإطار رأى حزب الله وقيادته التي أصبحت ملاحقة تحت قائمة الاغتيال والذي يخوض للمرّة الأولى منذ إنشائه معركة ضدّ إسرائيل دون الوجود السوري في لبنان والذي كان يؤمّن على الأقل الغطاء السياسي له، انه ليس له الاّ خياران لم يكن يتوقعهما من قبل على الإطلاق نظرا لعدم اعتقاده بوصول الوضع إلى ما وصل إليه في هذه اللحظة، و الخياران هما:(1/67)
1- إماّ القبول بشروط إسرائيل وهذا يعني عمليا خسارة كل شيء وتسليم الأسرى الجنود مجانا بعد ان تمّ تدمير لبنان وقتل المدنيين واستباحة جميع الخطوط الحمر وكل قواعد اللعبة ممّا يشير إلى انتهائها وبالتالي ممّا يعني انتحار حزب الله عمليا وانتهاءه إلى الأبد عبر تفكيكه وضياع جميع انجازاته السابقة هباء.
2- وإماّ الذهاب بعيدا وإعلان المعركة مفتوحة على قاعدة "عليّ وعلى أعدائي يا رب" وهو الخيار الذي أعلن عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ظاهرة تكاد تشبه ما تعوّد قادة تنظيم القاعدة على فعله عبر الشرائط والتسجيلات الصوتيّة وهو ما يعني تحلّله من كونه أداة سياسية وذراعا إقليمية وانتهاج أسلوب القاعدة المفتوح في الحرب على أمريكا، ولكن هذه المرّة على إسرائيل مهما تكن النتائج، فإمّا ان يكون وأما لا يكون على هذه القاعدة.
أمّا فيما يتعلّق بأسلحة حزب الله التي قال انّها ستشكّل مفاجأة ، فأتوقع شخصيا ونظرا لمتابعتي الملف التسلحي لإيران وعلاقته بحزب الله أن تكون هذه الأسلحة التي لم تعرف إلى الآن والتي لم يعلن عنها هي:
1- فيما يتعلّق بتدمير السفينة الحربية الإسرائيلية، فعلى الأرجح انّ الصاروخ الذي تمّ استخدامه هو صاروخ من نفس نوع صواريخ "Exocet" فرنسية الصنع التي استخدمت في حرب الفوكلاند التي دمّرت البارجة HMS Sheffield ومعها سفينة أخرى، و الأكثر دقّة انّه قد يكون صناعة إيرانية معدّلة عن صواريخ Moskit الروسية الصنع أو VA-111 (SHKVAL)، وهو طوربيد مضاد للسفن أسرع من الصوت والأسرع من نوعه في العالم ومصنّف في خانة الأسلحة "الانتقامية". يتميز هذا الطوربيد بسرعته الفائقة التي تبلغ 4 او 5 أضعاف سرعة الطوربيدات الأخرى في العالم ويبلغ مداه حوالي 7 إلى 10 أميال وهي المسافة التي كانت تقف فيها السفينة الإسرائيلية.(1/68)
2- امّا بالنسبة إلى المنظومة الدفاعية الجويّة التي نقلت مصادر في حزب الله انّها ستدخل المعركة لأول مرّة ورفضت الكشف عن اسمها، فأرجّح أنها صواريخ Stinger الأمريكية التي تطلق من على الكتف والتي كانت حاسمة في إيقاع الهزيمة بأكبر جيش في العالم إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان، فقد حصلت إيران على عدد من هذه الصواريخ من أفغانستان بعد سقوط نظام طالبان اثر الاحتلال الأمريكي لها وعلى عدد آخر مشابه لهذه النوعيّة من مخازن العراق العسكرية بعد سقوط بغداد بيد الأمريكيين، ولا شكّ انّ إيران قامت بتمرير هذه الأسلحة إلى حزب الله. ودخول هذه الصواريخ المعركة مع إسرائيل قد لا يقل أهمّية عن النتائج التي حقّقها "ستينجر" في أفغانستان.
3- امتلاك الحزب لصواريخ يبلغ مداها حوالي 150 كلم او أكثر لم يتم استعمالها من قبل وقد يطلق عليها اسم زلزال-1 وهي قادرة على الوصول إلى العاصمة تل أبيب وأبعد من ذلك أيضا، الى جانب صواريخ فجر- 5 الإيرانية الصنع التي يبلغ مداها حوالي 75كلم.
4- امتلاك طائرات استطلاع (مرصاد-1) وسلسلتها وهي قادرة على ضرب أهداف مدنية او عسكرية في " العمق" الإسرائيلي وهذه الطائرة يمكنها ان تحمل متفجرات زنتها بين 40 و50 كيلوغراما، و هي من تطوير إيراني خالص مع تكنولوجيا عالية.
فهل ستساعد هذه الأسلحة النوعيّة التي لا تمتلك جيوش بعض الدول مثلها وبفاعليتها، على إحداث انقلاب في سيناريو الأحداث لصالح حزب الله وبالتالي إعادة اللعبة إلى إطارها الصحيح؟ امّ سنشهد استشهادا لحزب الله وتكون هذه النهاية؟! هذا ما سنتابعه من خلال مجريات الأحداث القادمة خلال الأيام القليلة القادمة
*****************
من هو حسن نصر الله وما حزب الله ؟
شبكة الدفاع عن السنة
شبكة الدفاع عن السنة - 5/9/1426هـ(1/69)
يغفل الكثير من أبناء المسلمين حقيقة المجرم الرافضي (عدو الصحابة وأمهات المؤمنين) حسن نصر الله ، وذلك في خضم الانتصارات الوهمية والمتفق عليها مع ما يسمى اليوم بدولة إسرائيل.
ونتج عن هذا الخلط التلميع الدائم والمستمر لحزب الله وكأنهم جند الله المنتظرون حتى يقول أحد الناس عن حسن نصر الله زعيم حزب الله الشيعي: ((إنه صلاح الدين في القرن العشرين)) .
هذه السنون الخداعة التي نعيش فيها جعلت من المبتدعة المتطرفين في بدعتهم قادة وأبطالا تصاغ لهم الأمجاد كاذبة وتهتف لهم الجماهير .
فمن هو حسن نصر الله وما حزب الله الذي ينتمي إليه وما علاقته بمنظمة أمل الشيعية ؟
حسن عبد الكريم نصر الله (خوميني العرب) من مواليد 21 أغسطس 1960، عين مسؤولا عن حركة أمل في بلدة البازورية في قضاء صور، وسافر إلى النجف في العراق عام 1976م لتحصيل العلم الديني الإمامي، وعين مسئولا سياسيا في حركة أمل عن إقليم البقاع وعضوا في المكتب السياسي عام 1982م، ثم ما لبث أن انفصل عن الحركة وانضم إلى حزب الله ، وعين مسؤولا عن بيروت عام 1985 ، ثم عضوا في القيادة المركزية وفي الهيئة التنفيذية للحزب عام 1987 ، واختير أمينا عاما على أثر اغتيال الأمين العام السابق عباس الموسوي عام 992 ا م مكملا ولاية سلفه ، ثم أعيد انتخابه مرتين عام 1993 1995م .
وردت هذه الترجمة لنصر الله في مقدمة حواره مع (مجلة الشاهد السياسي ، العدد 147 .. .. .. 3 / 1 / 1999 م ) .
من فم قادة حزب الله ندينهم ، فهم شيعة اثنا عشرية أسيادهم علماء قم وإيران : حتى لا يُزيف الواقع ويُلمع المبتدعة من الشيعة من رجال حزب الله .(1/70)
لما قيل لحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله : إن دور حزبه لن ينتهي ؟ لأنه حزب مستورد من الخارج (سوريا أو إيران) فقال : ( لنكن) واضحين ونحكي الحقائق، الفكر الذي ينتمي إليه (حزب الله) هو الفكر الإسلامي ، وهذا الفكر لم يأت من (موسكو) أيام الاشتراكية ولا من لندن أو باريس، إذن نحن لم نستورد فكرا ، وإذا كان من يقول : إن الفكر إيراني .
أقول له : إن هذه مغالطة ؟ لأن الفكر في إيران هو الفكر الإسلامي الذي أخذه المسلمون إلى إيران ، وحتى هذا الفكر خاص بعلماء جبل (عامل) .
اللبنانيون هم الذين كان لهم التأثير الكبير في إيران على المستوى الحضاري والديني في القرون السابقة ، أين هو الاستيراد ؟ هذا الحزب كوادره وقياداته وشهداؤه لبنانيون ) .
وقال الناطق باسم حزب الله ـ ذاك الوقت ـ إبراهيم الأمين : ( نحن لا نقول : إننا جزء من إيران ؟ نحن إيران في لبنان ، ولبنان في إيران ) .
ويقول حسن نصر الله : ( إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام ، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب ! وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون ، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه ، كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا ) .
وقد عين مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي الشيخ محمد يزبك عضوا ثوريا لحزب الله والمدرس بحوزة الإمام المنتظر ببعلبك ، وحسن نصر الله أمين عام الحزب ( وكيلين شرعيين ) عنه في لبنان في الأمور الحسبية والوجوه الشرعية ، فيستلمان عنه الحقوق ويصرفانها في مصالح المسلمين ويجريان المصالحات الشرعية ، ويعينان الوكلاء من قبلهما .
صلة نصر الله بمنظمة أمل :
منظمة أمل هذه أنشأها موسى الصدر وله من الصلة الوثيقة بالخميني ما له .
يقول نبيه بري : (إن حركة أمل ليست حركة دينية ، وميثاق الحركة الذي تمت صياغته في عام 1975م من قبل 180 مثقفا لبنانيا معظمهم من المسيحيين !! يدعو إلى إلغاء النظام الطائفي) .(1/71)
في 8 / 10 / 1983 م ، أعلن المفتي الجعفري عبد الأمير قبلان باسم المجلس الشيعي الأعلى ما يلي : ( إن حركة أمل هي العمود الفقري للطائفة الشيعية ، وإن ما تعلنه أمل نتمسك به كمجلس شيعي أعلى ، ومن ثم فإن ما يعلنه المجلس الشيعي تتمسك به الحركة ) .
جاء هذا التأييد للحركة بعد الانشقاق الذي خرجت به " أمل الإسلامية " ( حزب الله فيما بعد ) وبعد الحضور الفعلي " لحزب الله " على أرض الصراع .
وكان حسين الموسوي وهو نائب رئيس حركة أمل قد أعلن عن انشقاقه عن منظمة أمل وأعلن " أمل الأمل الإسلامية " التي تحولت فيما بعد إلى حزب الله.
وها هي الشعارات تخدر المغفلين من أبناء هذه الأمة :
مع أنه أتى في ميثاق حزب الله أنه : ( يجب إزالة إسرائيل من الوجود ) .
ويدعو لتوحد العرب والمسلمين ـ كما يقولون ـ لتحرير فلسطين كلها ( من النهر إلى البحر ) إلا أنه في الخطاب لذي ألقاه حسن نصر الله في بنت جبيل عقب الانسحاب الإسرائيلي ، والذي حضره مائة ألف جنوبي ، أشار نصر الله إلى أن حزب الله لن يشارك في أي عمل عسكري ضد إسرائيل لهدف تحرير فلسطين !!
وقد تكرّس التزام حزب الله بضوابط الصراع مع إسرائيل
في تفاهمي يوليو تموز 1993م ، ابريل نيسان 1996م
حيث تعهد الحزب بعدم ضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة بداية ، وهو أمر كان الحزب يؤكد التزامه به ، معتبرا أن إطلاق صواريخ ( الكاتيوشا ) على المستعمرات الإسرائيلية في الجليل ليس سوى رد فعل على الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين .(1/72)
يقول حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله : ( إننا حريصون على علاقة طيبة مع " أمل " ونحن نعمل على تطوير هذه العلاقة ، وهناك لجنة ثنائية من أحد قادة " أمل " مع أخيه في حزب الله ينظرون في كل الأمور المشتركة سياسية وعسكرية ، وسياستنا تقول : إن الموضوعات التي نتفق عليها نتعاون معا ، وما نختلف عليه لا يؤدي الخلاف في وجهة النظر إلى نزاع ، حتى الخلافات تم تنظيمها ، والطابع العام لعلاقتنا الإيجابية والتنسيق والتعاون ، وقبل أسابيع حضرت لقاء مع الرئيس ( بري ) لتثبيت هذه الصيغة وتفعيلها) .
الدكتور محمد علي الجودي مفتي جبل لبنان في مجلة فجر الإسلام العدد الأخير يشتكي إلى الله من ظلم وتجبر حزب الله في استيلائه على مساجد السنة ، فبعد أن تكلم عن انتصارات حزب الله في قرى الجنوب على الجيش الاسرائيلي
يقول : ( هذا الانتصار على ما يبدو دفع بعض شباب حزب الله لمحاولة السيطرة على مساجد أهل السنة والجماعة في الجنوب وفي جبل لبنان ، فقد تكررت المحاولات ، وآخرها محاولة السيطرة على مسجد النبي يونس في الجية .
وفي بلدة الجية يتعاون حزب الله مع حركة أمل ، مع الشيخ عبد الأمير قبلان على اغتصاب أوقاف السنة ، حيث اصدر المجلس الشيعي الأعلى قراراً بتأليف لجنة لأوقاف الشيعة في الجية ، ثم ادعت هذه اللجنة على المديرية العامة للأوقاف الإسلامية السنية في بيروت بأنها صاحبة حق في أوقاف الجية ، وهي عبارة عن أربعة عشر ألف متر مربع تقع على شاطئ البحر ، وقد أقيم عليها مسجد النبي يونس ومدرسة رسمية تابعة لهذه الأوقاف ومدرسة ثانوية .. ومقابر ..(1/73)
والقضية تعرض أمام القضاء اللبناني ، في الوقت الحاضر حيث وضعت إشارة على هذه العقارات ومن خلال هذه الإشارة يحاول المتعصبون من المنتمين الى اللجنة الشيعية إيذاء أهل السنة في أوقافهم وفي مسجدهم ، حيث كان أهل السنة يعملون على ترميم وبناء مسجدهم من جديد ، فرفع هؤلاء قضية بحجة تخريب المسجد ، وعملوا على إيقاف عمليات الترميم ...
وهكذا تحولت القضية الى قضية مذهبية لجأ فيها شيعة الجية الى استفزاز اهل السنة والجماعة بوضع مكبرات الصوت على سطح المسجد وإعلان الآذان الذي يتضمن كلمة (وأن علياً بالحق ولي الله) لأول مرة في تلك البلدة تجاوزوا حدود اللياقة والأدب في تناول مركز الإفتاء والأوقاف ، وأخذوا يكيلون الألفاظ البذيئة ويعبرون عن مشاعر الحقد والكراهية بأسلوب سوقي يعمل على إثارة الفتنة والضغينة بين المسلمين ..
ورغم تدخل عدة شخصيات مسؤولة كبيرة لإطفاء هذا الحريق ، وسحب القضية ، فان اللجنة الشيعية من ورائها حزب الله وحركة أمل ، والمجلس الشيعي الأعلى ممثلاً بالشيخ عبد الأمير قبلان يستمرون جميعاً في السير قدماً نحو استلاب حقوق السنة ، وتزوير التاريخ ، تنفيذا لرغبات شباب طائش في الجية .
صحيح أن مديرية الأوقاف الإسلامية السنية تملك جميع المستندات العقارية والتاريخية التي تثبت حقها التاريخي في تولي أوقاف النبي يونس في الجية ، ولكن الأمر يتفاقم بسبب محاولات الاستفزاز الدائمة التي تحاول أن تثير المشكلات مع شباب الجية من أهل السنة والجماعة لسبب ولغير سبب ؟! انتهى كلام الدكتور المفتي .
أما خيانة منظمة أمل الشيعة :
فمؤسس هذه المنظمة هو موسى الصدر الإيراني ( الذي يطالب به الآن حسن نصر الله من القذافي) ، تلميذ الخميني وتربطه أقوى الصلات به، فابن الخميني أحمد متزوج من بنت أخت موسى الصدر، وابن أخت الصدر مرتضى الطبطبائي متزوج من حفيدة الخميني ..(1/74)
وأكثر الجهات التي كان الصدر يتعاون معها ، النظام النصيري في سورية ، ولقد استصدر مرسوماً حكومياً أصبح نصيريو الشمال اللبناني بموجبه شيعة ، وعين لهم مفتياً جعفرياً !! وعندما هلك والد حافظ الأسد استدعى الصدر ، ولقنه الكلمات التي تلقن لموتاهم وهم في حالة النزع ..
وبعد المجزرة التي ارتكبها الموارنة في الكرنتينا ، هب المسلمون في لبنان .. وتمكنت القوات الوطنية من احتلال شتورا وزحلة وزغرتا والدامور والسعديات ، وسقط معظم لبنان بأيديهم ، وحاصروا الصليبيين في عقر دارهم ، وبدأت مدافع جيش لبنان العربي تدك قصر بعبدا لولا تدخل منظمة الصاعقة النصيرية وفرار سليمان فرنجيه من قصره .. وبات مؤكداً أن لبنان ستحكم من قبل القوات الوطنية .
ولحظة دخول الجيش النصيري إلى لبنان استبدل موسى الصدر وجهه الوطني الإسلامي بوجه باطني استعماري ، وقام بالدور التالي :-
أمر الضابط إبراهيم شاهين فانشق عن الجيش العربي ، وأسس طلائع الجيش اللبناني الموالية لسورية ، كما انشق الرائد أحمد المعماري في شمال لبنان وانظم للجيش النصيري ، وكان جيش لبنان العربي أكبر قوة ترهب الموارنة ، فانهار لأنه ما كان يتوقع أن يأتيه الخطر من داخله ، من قاسم شاهين وغيره .. وأمر الصدر منظمة أمل فتخلت عن القوات الوطنية وانضم معظم عناصرها لجيش الغزاة .
وبدأ الصدر بمهاجمة منظمة التحرير ، بحجة اتهام المنظمة بالعمل على قلب النظم العربية الحاكمة وعلى رأسها النظام اللبناني ، ودعا الأنظمة إلى مواجهة الخطر الفلسطيني .. وكانت ضربة الصدر للفلسطينيين مؤلمة مما جعل ممثل المنظمة في القاهرة يصدر تصريحاً يندد فيه بؤامرة الصدر على الشعب الفلسطيني وتآمره مع الموارنة والنظام السوري .(1/75)
وما من معركة خاضها جيش لبنان العربي والقوات اللنبانية الفلسطينية إلا ووجدوا ظهورهم مكشوفة أمام الشيعة ، فمثلاً خاضوا معركة قرب بعلبك والهرمل فاتصل سليمان اليحفوفي المفتي الجعفري هناك بالجيش النصيري وسار أمامه حتى دخل بعلبك فاتحاً على أشلاء المسلمين .
وما اكتفى الصدر بهذا القدر من الأعمال بل أوعز إلى قيادة أمل بأن لا يقاوموا الموارنة في حي النبعة والشياح ، وهذا يعني أنه سلم مناطق الشيعة في بيروت للموارنة ، وتركهم يقتلون ويأسرون كيفما يشاؤون ، وهو الذي كان يقول : السلاح زينة الرجال ، وأنهم رجال التأثر ، وأن ثورتهم لم تمت في رمال كربلاء ..
وما اكتفى موسى الصدر وشيعته بالتعاون مع حكام سورية ، وإنما أخذوا يطالبون بوقف العمل الفدائي وإخراج الفلسطينيين من الجنوب ، ومن أجل ذلك وقعت مصادمات ونظم الشيعة إضراباً عاماً في صيدا وطالبوا بإخراج المنظمات المسلحة من الجنوب .
وفي شهر رمضان المبارك من عام 1405هـ أعلنت منظمة أمل الشيعية حرباً على سكان المخيمات الفلسطينية في بيروت .. واستخدموا في عدوانهم كافة الأسلحة .. واستمر عدوانهم شهراً كاملاً ، ولم يتوقف إلا بعد استجابة الفلسطينيين ورضوخهم لكل ما يريده الحاكم بأمره في دمشق - حافظ الأسد - ووكيل أعماله في بيروت نبيه بري .
كانت البداية أول ليلة في رمضان ليلة الاثنين 20/5/1985م اقتحمت ميلشيات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا ، وقامت باعتقال جميع العاملين في مستشفى غزة ، وساقوهم مرفوعي الأيدي إلى مكتب أمل في أرض جلول ، ومنعت القوات الشيعية الهلال والصليب الأحمر وسيارات الأجهزة الطبية من دخول المخيمات ، وقطعوا إمدادات المياه والكهرباء عن المستشفيات الفلسطينية .(1/76)
وفي الساعة الخامسة من فجر الاثنين 20/5/1985م بدأ مخيم صبرا يتعرض للقصف المركز بمدافع الهاون والأسلحة المباشرة من عيار 106ملم ، وفي الساعة السابعة من اليوم نفسه تعرض مخيم برج البراجنة لقصف عنيف بقذائف الهاون ، وانطلقت حرب أمل المسعورة تحصد الرجال والنساء والأطفال ، وأصدر المجرم نبيه بري أوامره لقادة اللواء السادس في الجيش اللبناني لخوض المعركة وليشارك قوات أمل في ذبح المسلمين السنة في لبنان ، ولم تمض ساعات إلا واللواء السادس يشارك بكامل طاقاته في المعركة وقام بقصف مخيم برج البراجنة من عدة جهات.
ومن الجدير بالذكر أن أفراد اللواء السادس كلهم من الشيعة ، وشاركت القوات الكتائبية المخيمات الفلسطينية بالقذائف المدفعية والصاروخية ، وبادرت قيادة الجيش اللبناني ممثلة في ميشيل عون ولأول مرة منذ شهر شباط 1984م إلى إمداد اللواء السادس بالأسلحة والذخائر .
وفي 18/6/1985م خرج الفلسطينيون من حرب المخيمات التي شنتها أمل ، خرجوا من المخابئ بعد شهر كامل من الخوف والرعب والجوع ، والذي دفعهم لأكل القطط والكلاب ، خرجوا ليشهدوا أطلال بيوتهم التي تهدم 90% منها و 3100 بين قتيل وجريح و 15 ألف من المهجرين أي 40% من سكان المخيمات .
إن الفضائع التي ارتكبتها أمل بحق الفلسطينيين الآمنين في مخيماتهم يندى لها الجبين عاراً ، ويعجز القلم عن وصفها ، أما وقد آن أوان كشف الأسرار .. فإليك بعضها .. منها : -
1- قتل المعاقين الفلسطينيين كما ذكر مراسل صحيفة ريبوبليكا الإيطالية وقال : إنها الفضاعة بعينها .
2- قتل عدد من الفلسطينيين في مستشفيات بيروت ، وقال مراسل صحيفة صندي تلغراف في 27/5/1985م إن مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق .
3- نسفوا أحد الملاجئ يوم 26/5/1985م وكان يوجد به مئات الشيوخ والأطفال والنساء في عملية بربرية دنيئة .(1/77)
4- ذبحوا ممرضة فلسطينية في مستشفى غزة ؛ لأنها احتجت على قتل جريح أمامها .
5- وذكرت وكالة ( إسوشيتدبرس) عن اثنين من الشهود أن ميلشيات أمل جمعت العشرات من الجرحى والمدنيين خلال ثمانية أيام من القتال في المخيمات الثلاثة وقتلتهم .
6- وقال الشاهدان أنهما رأيا أفراد أمل واللواء السادس يقتلون أكثر من 45 فلسطينياً بينهم جرحى في مستشفى غزة وحوله .
7- وتصيح سيدة فلسطينية وهي تتفحص صف الجثث الطويل ( اليهود أفضل منهم) ، وأخرى تغطي بعضاً من وجهها وتبحث في قافلة القتلى عن شقيقها .. تستدير فجأة وتصرخ : إنه هو ولكن الديدان تنخر في جسده .. وجثث وجثث يرتع فيها الذباب .
8- وذكرت وكالات الأنباء الكويتية في 4/6/1985م والوطن في 3/6/1985م أن قوات أمل اقترفت جريمة بشعة ، حيث قامت باغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا و على مرأى من أهالي المخيم .
9- وردد مقاتلوا أمل في شوارع بيروت الغربية في مسيرات 2/6/1985م احتفالاً بيوم النصر ، بعد سقوط مخيم صبرا : لا إله إلا الله العرب أعداء الله . وقال مسلح من أمل : إنه على استعداد للاستمرار في القتال مهما طال الزمن حتى يتم سحق الفلسطينين في لبنان .
وماذا بعد هذا هو حزب الله الرافضي يقوم بالاستيلاء على مساجد السنة في لبنان وللأسف أن كثير من المغفلين من أبناء جلدتنا فرحوا بانتصارات حزب الله واعتبروه فتحاً عظيماً للإسلام والمسلمين وما علم هؤلاء المساكين أن هذا الحزب يخدم مخططات إيران الرافضية في بلاد المسلمين وما حزب الله في لبنان إلا بوابة إيران إلى البلدان العربية ومن يمول حزب الله غير قيادتهم في إيران !(1/78)
قال حسن نصر الله هذا الكلام عن " أمل " بعد ذبحها للفلسطينيين وأهل السنة . " وبهذا يتضح أنه لم يكن هناك إبعاد كبير " لحركة أمل " بقدر ما هو زحزحة من الصورة " العسكرية " والمواجهة إلى الساحة " السياسية " واستبقاؤها لأدوار أخرى تتوافق والمتغيرات السياسية لإيران وملفاتها في لبنان ..
هذا هو حزب الشيطان الذي يتشدق به البعض من أهل السنة من الذين جهلوا حقيقة حسن نصر الله وعلاقاته الوطيدة مع من ذبح الفلسطينيين من أهل السنة .. حيث يزعم كذبا بأنه ينافح عن قضيتهم ويناصرهم..
إن قضية حسن نصر الله لا تحتاج إلى كثير بحث.. فهو رافضي جعفري ينتهج من شتم الصحابة ولعنهم له دينا وقربة إلى الله ..
فعجبا لمن أيده ووقف بجانبه وهو من اشد أعداء الصحابة والمؤمنين ..
وما هذه الأحداث الأخيرة إلا خيانة واضحة اتفق بها مع الصهاينة وقد قال بصريح العبارة بأنه يحترمهم ويكن لهم التقدير .
فكيف لهذا العدو المهدد لأمن إسرائيل يسرح ويمرح في طول البلاد وعرضها يظهر على شاشات التلفزيون والفضائيات بل ويحدد أماكن الاجتماعات العامة مسبقا ولا يُنال منه ؟
فلا تغتر أخي المسلم بهذا الخبث الرافضي الذي يريد أن يمتلك قلوب المسلمين بشعارات وهمية فتاريخ منظمة أمل الأسود شاهد على هذا الإجرام المنظم على أهل السنة .
**********************
الدمار للبنان والشهرة لحزب الله
د. محمد العبدة
المسلم -21/6/1427
في أوقات سابقة وبسبب أحداث معينة كان البعض يسألني عن الفتن التي تحل بالمسلمين وما هو المخرج منها، وكان جوابي: إن ما تذكرونه ليس من الفتن لأن الحق فيها واضح والباطل واضح والفتنة هي عندما تلتبس الأمور على الناس فلا يدرون أين الصواب وأين الخطأ، وعندما تفجأهم الأحداث وتتملكهم الحيرة. إن ما يجري اليوم في لبنان هو من هذه الأحداث وهو من الفتن.(1/79)
وقبل أن أوضح السبب وأبين اختلاط الأمر على الناس في هذه الحادثة لابد أن نقول: إننا مع مقاومة العدو الصهيوني في كل مكان وكل زمان بل كل مسلم يرى هذا حتى لا يزايد علينا المغرضون أو العاطفيون السذج، كما ان ما نقوله ليس مجاراة لدولة من الدول ولكنه تبيان للحقيقة كما نعتقدها.
فمن المعلوم أن حزب الله هو الذراع الطويلة لايران والنظام السوري، فهل ما يقوم به من أعمال هو خالص لأجل فلسطين أم لخدمة أهداف سياسية تريدها ايران وسورية؟. إن ايران وعملاءها يمزقون العراق ويذبحون أهل السنة فهل هذا لمصلحة فلسطين؟ والنظام السوري الذي ذبح الفلسطينيين في تل الزعتر يعمل لمصلحة فلسطين؟ وهل حماية الحدود في الجولان فلم تطلق رصاصة واحدة خلال أربعين سنة هو لمصلحة فلسطين واما احتضانه لحماس فلأن (حماس) تعتبر ثروة بالنسبة له يبرهن بها على قوته وأنه لاعب رئيس في المنطقة. ومن الملاحظ أنه كلما كانت حماس في الداخل تميل إلى تسوية وحل المشكلة مع العدو كان خالد مشعل وبضغط من ايران يطلق التصريحات النارية فتفشل هذه المساعي،ذلك لأن إيران لها مخططاتها الخاصة بها في المنطقة العربية.(1/80)
كيف نوفق بين تظاهر ايران بالحرص على القضية الفلسطينية وهي التي ساعدت امريكا في احتلال أفغانستان والعراق، يقول (بريمر) حاكم العراق السابق في مذكراته:(شجع السيستاني أتباعه على التعاون مع الائتلاف منذ التحرير) وأكد بريمر أنه كان على اتصال دائم بالسيستاني للاستفادة منه في السيطرة على الشعب العراقي وكان الوسطاء بينه وبين السيستاني موفق الربيعي وحسين الصدر وعادل عبد المهدي. وربما يقول قائل: كيف نوفق بين خدمة ايران لأمريكا وبين تشجيعها لحزب الله في ضرب اسراءيل؟ والجواب: إن ايران لها أهدافها الخاصة أيضا وعندها مشاكلها مثل قضية المفاعل النووي وهي تريد الهيمنة على العراق وتريد حصة من البترول وعندما تحرض حزب الله على ضرب اسرائيل فإنما تريد خلط الأوراق، وأن تقول لأمريكا نحن نستطيع قلب الطاولة فلا بد من اعطائنا حصتنا في المنطقة، والنظام السوري يفكر في الرجوع مرة ثانية الى لبنان عن طريق حزب الله الذي اكتسب شهرة بعد هذه الأحداث ولا أحد يستطيع أن يطالب بنزع سلاحه منه كما هو متداول في جلسات الحوار اللبناني، ومن يتكلم على حزب الله سيوصم بالخيانة والتخاذل، والنظام السوري عنده مشكلة في قضية التحقيق في مقتل الحريري، وأمريكا الان تطلب منه أن يساعدها في إسكات حزب الله، وبذلك يكون أدخل نفسه كطرف يحسب حسابه في المنطقة وأنه قوة إقليمية يجب ألا تهمل، وأنه يستطيع تخريب المنطقة كما هدد قبل أشهر رئيس النظام.
إنها فتنة:(1/81)
كيف نقنع الناس أن ما يقوم به حزب الله تدمير للبنان مقابل خدماته لايران ولا يجد غضاضة في ذلك، وإذا لم تصلح حكومة السنيورة هذا الخراب فستطالب بالاستقالة وهو المطلوب من سورية، وكانت صحيفة (هارتز) بتاريخ 6/7 / 2006 قد امتدحت الأمين العام لحزب الله بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي وها هو اليوم يتعقل فلا يضرب المنشات الحيوية لاسرائيل كما صرح بذلك.
إنها فتنة:
كيف نقنع ليس عموم الناس بل المثقفين الذين لا يقرأون التاريخ، أنها لعبة ايرانية سورية، فالدكتور بشير نافع يكتب عن الفارق الكبير بين الوضع العربي الاسلامي لحزب الله والتيار الصدري وبين جماعة المجلس الأعلى..!!؟
والتيار الصدري الذي يمدحه الدكتور بشير هو الذي يهدم المساجد في العراق ويذبح أهل السنة كما صرح المتحدث باسم هذا التيار وستكشف الأيام من هو الحريص على فلسطين وعلى كل الأراضي الإسلامية المحتلة من قبل الأعداء
**********************
حزب الله.. وطنية ملتبسة وأجندة اغترابية؟!
رجا طلب
الرأي الأردنية/ 17-7-2006(1/82)
باختصار يمكننا القول تعليقًا على المشهد اللبناني "لقد انتصرت طهران"، وعندما نقول لقد انتصرت طهران فلأننا نعلم أنها الرابح الوحيد من هذه الحرب على لبنان وغزة وهي المخطط الحقيقي لإشعالها من أجل إعادة خلط الأوراق في المنطقة من خلال إبقاء الحرب المفتوحة مع إسرائيل على مصراعيها حتى آخر فلسطيني أو آخر لبناني كما هي النكتة المؤلمة التى يتداولها السياسيون في كواليسهم، فالدور الإقليمي لإيران تعاظم بصورة كبيرة بعد سقوط النظام العراقي السابق وتشكل نظام سياسي جديد في العراق أصبحت فيه إيران مسيطرة بصورة أكثر بكثير مما تسيطر عليه واشنطن،والدور الإقليمي الإيراني يقوم على التمدد السياسي والعسكري من خلال أدوات سياسية وعسكرية تنفذ نظرية تصدير الثورة وتعتمد الحرب ضد إسرائيل والحرب المفتوحة معها وسيلة نحو تحقيق هذا الدور، وفي هذا الإطار نرى أن حركة حماس ومعها حزب الله هما من ابرز هذه الأدوات التى تنفذ الأجندة الإيرانية المشار إليها، وفي الحرب المفتوحة الآن بين إسرائيل من جهة وحليفتها طهران من جهة ثانية وهما حماس وحزب الله نرى أن إيران حققت ثلاثة أهداف هامة وهي :(1/83)
أولا : إعادة المنطقة برمتها إلى أجواء الحرب الحقيقية وهو الهدف الذهبي الذي من خلاله تستطيع تنفيذ كامل مخططها الإقليمي، والمتمثل بعنصرين أساسيين الأول، استكمال عناصر السيطرة على العراق من خلال تنفيذ برنامج التطهير الطائفي ضد العرب السنة بهدوء، وإشغال دول جوار العراق العرب عن هذا المخطط الخطير الذي ينفذ برعاية المخابرات الإيرانية الفاعلة في العراق ومن خلال بعض الفصائل والتنظيمات والمليشيات الشيعية العراقية، أما العنصر الثاني فهو لفت الانتباه عن البرنامج النووي الإيراني الذي يعد من الناحية العملية ورقة ترهيب وتهديد لدول الجوار الخليجية بالدرجة الأولى، والعنصران معا العنصر العراقي الداخلي والعنصر النووي يشكلان قوة مضافة جديدة لإيران في منطقة الخليج العربي ودوله الحليفة للولايات المتحدة والغرب والمتناقضة مع طهران حيال الكثير من القضايا
ثانيا : جر إسرائيل إلى حرب مع حلفائها في لبنان وفلسطين بغية استنزاف إسرائيل عسكريا من ناحية وجعل استقرار الوضع الأمني الإسرائيلي ورقة مساومة في يدها في مواجهة النفوذ الأميركي في المنطقة.
ثالثا : محاولة تقوية الدور السورى في لبنان والمنطقة من جديد بعد تراجعه وضعفه منذ صدور القرار 1559 عام 2004 وتداعيات اغتيال رفيق الحريري في شباط عام 2005 وبخاصة لجهة إضعاف القوى المناهضة لإيران وسوريا في المعادلة السياسية اللبنانية وتحديدا قوى الرابع عشر من آذار والتي أصبحت فعليا واقعة تحت المطرقة الإسرائيلية وسندان حزب الله وسلوكه العسكري الذي اختطف بموجبه الدولة والشعب اللبناني.(1/84)
وعمليا فان طهران تملك الآن وبحكم أجندتها وفاعليتها الجيو سياسية تملك ورقة الأمن الخليجي ببعديه النووي الشيعي كما أنها تملك الورقة العراقية بكل تعقيداتها بمشاركة أميركية غير توافقية فيها البعض من التناقض والتعارض ، بالإضافة الى الورقة السورية وبطبيعة الحال الورقة العسكرية الفلسطينية الممثلة بحماس والورقة العسكرية اللبنانية عبر حزب الله وبالتالي ورقة الأمن الإسرائيلي وإمكانيات العبث به عبر أدواتها المشار إليها.(1/85)
لذا من الصعب قراءة مجريات الأحداث منذ الخامس والعشرين من الشهر الماضي أي منذ اختطاف الجندي الإسرائيلي من قبل حماس، وصولا إلى عملية اختطاف الجنديين الإسرائليين من قبل حزب الله بمعزل عن الأجندة الإقليمية الإيرانية...، ففلسطينيا توصل الحوار الوطني بشأن وثيقة الأسرى إلى توافق كامل بين جميع الفصائل، وهو توافق كان قادرا على ترتيب البيت الفلسطيني على المدى الاستراتيجي، وجاءت العملية الحمساوية بالاشتراك مع لجان المقاومة الشعبية التى تطاردها تساؤلات وطنية فلسطينية بشأن مرجعيتها وأجندتها السياسية، لتهدم البيت الفلسطيني كله على ساكنيه، والوضع لدى حزب الله في لبنان ليس بعيدا عما جرى في الحالة الفلسطينية، فالحوار اللبناني الداخلي بشأن القضايا العالقة على الأجندة اللبنانية بعد حالة الفرز السياسي التى أعقبت اغتيال الحريري كان مازال متواصلا وبخاصة بشأن مستقبل سلاح حزب الله والقرار 1559 الذي طالب في بنده الثالث بتجريد المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية من سلاحها والمقصود كما هو معروف مليشيا حزب الله وسلاح الفصائل الفلسطينية، ومع أن هذا الحوار من الناحية العملية لم يتوصل الى نتائج حاسمة تحديدا بشأن سلاح حزب الله ومصيره وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كافة الأراضي اللبنانية إلا انه كان ناجحا في وقف حالة الاحتراب الداخلي اللبناني ـ اللبناني وبخاصة بين الأغلبية التي يقودها سعد الحريري وبين الأقلية البرلمانية ـ الحكومية الممثلة بحزب الله وحركة أمل وعون، ولهذا فان عملية حزب الله نفذت وفق رؤية لا علاقة لها بالمصلحة اللبنانية بل نفذت لأهداف إيرانية بحتة هي :
الأول : إعادة ربط الملف الفلسطيني بالملف اللبناني بعد أن تم فصله سياسيا في أعقاب الطائف عام 1989، وأوسلو عام 1993، وعسكريا بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام2000.(1/86)
ثانيا : إعادة إنتاج المقاومة في لبنان ممثلة بحزب الله كقوة رئيسية بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان وبدء المعارضة اللبنانية لسلاح حزب الله.
.... نجحت إيران في خلط الأوراق وإعادة المنطقة إلى المربع الأول وتورط العرب ودمر لبنان ودخلت إسرائيل حربا لم تكن تريدها، ضربت فيها معظم مدنها الساحلية الشمالية، ورغم كل ذلك يصر حزب الله الذي تهكم على العقلانية التي تحدثت عنها السعودية ومصر والأردن والكويت والإمارات والبحرين، على انه يمثل مشروعا تحرريا وبأجندة لبنانية، وهو أمر يتناقض تماما مع كل تلك الواقع، فهو حزب لبناني.. صحيح ولكن بأجندة إيرانية.
*******************
مساءلة حزب الله بعد عملية "الوعد الصادق"
خالد حسن
مجلة العصر/ 12-7-2006
لا أملك الجرأة ولا الحقائق الدامغة لأصف حزب الله بـ"الأكذوبة"، ولا أظن أن هذا مما تصرف فيه الأوقات والاهتمامات، نعم حدث في السابق ما يرسخ القناعة بأن حزب الله أداة وظيفية أكثر منه حركة مقاومة مستقلة القرار والتفكير والرؤية والإستراتيجية، وحتى العملية الأخيرة من خطف جنديين إسرائيليين وقتل 7 آخرين لا يمكن قراءتها خارج سياقها الإقليمي، وأنها من الأوراق التي تستخدمها إيران وسوريا في محاولة لترتيب وضع معين أو انتزاع مبادرة الفعل وخلط الأوضاع، لكن ليس من الحق ولا من العدل أن نبخس مقاومة حزب الله حقها، ونتجاوز في توصيفها ونعتها، مع الإقرار بأنها أقرب إلى الأداة الوظيفية التي تستخدم في أوقات الحاجة.
توقيت العملية، حمال أوجه، يرتبط بملف إيران النووي وحصار سوريا وأزمة القتل بالهوية في العراق والوضع في غزة وحسابات حرب المواقع في لبنان.(1/87)
لكن، ما لا يمكن فهمه، حتى يدفع حزب الله الشبهة عن فعله "المقاوم"، كيف يمكن قراءة العلاقة الحيوية والإستراتيجية بينه وبين عصابات القتل بالهوية في العراق دون أسميها، لأنها معلومة ليس فقط عند حزب الله، بل حتى عند الأمريكان ودول الجوار وأهل السياسة والإعلام؟ لنفترض أن حزب الله يتبرأ مما يجري، من الفعل وليس من الجهات، لكن كيف نبرر صمته؟ الأمين العام للحزب صرح بأنه لن يسلم الجنديين إلا بالتفاوض حول تبادل الأسرى، وعلى رأسهم عميد السجناء سمير القنطار، وهو موقف صلب وثابت، التزاما بما كان قد وعد به بالأمس وحققه اليوم، لكن ماذا فعل لوقف مسلسل التصفية الطائفي الذي يتولى كبره شركاؤه في خطوط الدفاع عن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" وفي حماية المرشد الأعلى؟
يعني لا يمكننا هضم الصمت المريب لحزب الله وأمينه العام إزاء ما تقترفه فرق الموت التابعة للقوى السياسية الشيعية، ببساطة لأنه لا يمكن الجمع ولا التوفيق بين عملية "نوعية" انتصارا للأسرى اللبنانيين والفلسطينيين، كما نص الحزب، وبين الخذلان للموتى العراقيين من السنة على أيدي الميلشيات الشيعية المغالية، ليس باعتبارهم سنة، وإنما لجرم الفعل وخطورته ومآلاته. قد يكون الحزب تحرك لاحتواء الموقف الشيعي في العراق، لكن لا أثر لمساعيه، وربما وصلت إلى طريق مسدود شبيه بما وصلت إليه التدخلات الإيرانية حسب ادعاء تسخيري أمام ملتقى اتحاد العلماء المنعقد في اسطنبول، لكن من يصدق هذا الادعاء، خاصة وأن إيران متهمة بإسناد هذه العصابات بالسلاح والمال والعناصر وربما الخطط.(1/88)
وربما يتضايق البعض من هذا الجمع الذي لا تتحمله عملية "الوعد الصادق" التي نفذها عناصر من حزب الله اللبناني، غير أن ما يحدث في العراق من عملية تطهير طائفي كشفت عن حقائق ووقائع لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها أو تبرئة طرف شيعي معين، فهم شركاء في الولاء والثورة، والعراق فضح أطرافا وخططا وبعث من جديد الحذر والتوجس من التوجهات الشيعية في المنطقة. وأمامنا الحقائق والوقائع، وإذا أجاز حزب الله لنفسه حسم الموقف مما يجري في العراق باتهام الموساد و"التكفيريين" من السنة، فلا أظن أن عاقلا ومتابعا للأوضاع تقنعه هذه الدعاوى في التعامل مع ملف التطهير السني في العراق، فليس الدم السني العراقي أقل شأنا من سجن سمير القنطار، وليس الاجتياح الإسرائيلي لغزة بأكثر جرما من الاجتياح الطائفي ضد تجمعات الفلسطينيين في بغداد!
******************
حزب الله .. النشأة والتطور
الجزيرة نت/ 16-7-2006
فرض حزب الله نفسه بقوة على الساحة السياسية اللبنانية على مدى أكثر من عشرين عاماً، وقد اكتسب شرعيته المحلية والإقليمية عن طريق المقاومة العسكرية للوجود الإسرائيلي خاصة بعد اجتياح بيروت عام 1982، وكلل الحزب عمله السياسي والعسكري بإجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو/ أيار من العام الماضي.
من هو حزب الله.. وما الظروف التي صاحبت نشأته.. وما مكوناته ومؤسساته الداخلية وما طبيعة علاقته بإيران وسوريا.. ثم ما مصيره بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان؟؟
ظروف النشأة
سبق الوجود التنظيمي لحزب الله في لبنان والذي يؤرخ له بعام 1982 وجود فكري وعقائدي يسبق هذا التاريخ، هذه البيئة الفكرية كان للشيخ حسين فضل الله دور في تكوينها من خلال نشاطه العلمي في الجنوب. وكان قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة آية الله الخميني دافعا قويا لنمو حزب الله، وذلك للارتباط المذهبي والسياسي بين الطرفين.(1/89)
وقد جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير/ شباط 1985 أن الحزب "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة".
معظم أفراد الحزب هم من اللبنانيين الشيعة المرتبطين مذهبياً بإيران، حيث يعتبرون آية الله علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية واحداً من أكبر المراجع الدينية العليا لهم، ويعتبر الشيخ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله الوكيل الشرعي لآية الله علي خامنئي في لبنان. هذا الارتباط الأيدولوجي والفقهي بإيران سرعان ما وجد ترجمته المباشرة في الدعم السريع والمباشر من الجمهورية الإسلامية وعبر حرسها الثوري للحزب الناشئ.
تشكل الحزب في ظروف يغلب عليها طابع المقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي الذي اجتاح لبنان عام 1982، ولذلك فالحزب يبني أيدولوجيته السياسية على أساس مقاومة الاحتلال. وكانت أولى العمليات الناجحة التي قام بها الحزب وأكسبته شهرة مبكرة في العالم العربي، قيامه بنسف مقر القوات الأميركية والفرنسية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1983، وقد أسفرت تلك العملية عن مقتل 300 جندي أميركي وفرنسي.
توجهات الحزب
يهتم الحزب -كما يقول الشيخ حسن نصر الله- بمصير ومستقبل لبنان، ويساهم مع بقية القوى السياسية اللبنانية في إقامة مجتمع أكثر عدالة وحرية، ويهدف إلى إقامة دولة إسلامية في لبنان. ويهتم بالقضايا العربية والإسلامية وبخاصة القضية الفلسطينية.
البناء التنظيمي*
رغم عامل السرية الذي يحرص الحزب عليه في أغلب نشاطاته، فإن ذلك لم يمنعه من الإعلان عن وجود بعض الهياكل التنظيمية التي تنظم عمل الحزب، منها على سبيل المثال:
- هيئة قيادية.
- مجلس سياسي.
- مجلس تخطيطي.
- كتلة النواب.
- مجموعات تنفيذية.
- هيئات استشارية.(1/90)
ويتخذ القرار داخل تلك الهيئات بأغلبية الأصوات، ويعتبر مجلس شورى الحزب أعلى هيئة تنظيمية حيث يتكون من 12 عضواً تسند إليهم مسؤولية متابعة أنشطة الحزب الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية.
أمناء الحزب
يعتبر الشيخ محمد حسين فضل الله المؤسس الحقيقي لحزب الله، حيث كان لنشاطه الدعوي الكبير وسط صفوف الشيعة في الجنوب أكبر الأثر في سرعة تعاطفهم مع الحزب الذي ظهر إلى الوجود عام 1982 وأعلن عنه رسمياً في عام 1985.
أما الأمين العام الأول لحزب الله فهو الشيخ صبحي الطفيلي الذي تولى هذا المنصب في الفترة من عام 1989 حتى عام 1991، ثم أجبر على الاستقالة بعد إعلانه من جانب واحد العصيان المدني على الحكومة اللبنانية الأمر الذي رفضه الحزب، وتولى منصب الأمين العام الشيخ عباس الموسوي خلفاً له، لكنه لم يستمر أكثر من تسعة أشهر، فقد اغتالته إسرائيل في عام 1992 ليقود الحزب من بعده الشيخ حسن نصر الله الذي لايزال يشغل هذا المنصب حتى الآن.
المؤسسات الخدمية
كانت للخدمات التي نشط الحزب في تقديمها للجماهير وبخاصة في الجنوب اللبناني أكبر الأثر في زيادة شعبيته، فقد نشط الحزب في إقامة المدارس والجمعيات الخيرية التي تعنى بأسر الجرحى والشهداء، ومن هذه المؤسسات على سبيل المثال:
- مؤسسة "جهاد البناء" التي تأسست عام 1988 وتضم العديد من المهندسين والفنيين والعمال وتتخصص في حفر الآبار وإعداد الدورات التدريبية في مجال الزراعة والبيطرة.
- الهيئة الصحية الإسلامية ولها فروع عدة بلغت 47 فرعاً تنتشر في البقاع والجنوب بالإضافة إلى بيروت.
- جمعية القرض الحسن التي تأسست عام 1982 بهدف تقديم القروض غير الربوية للمحتاجين.
- جمعية الإمداد الخيرية الإسلامية التي تأسست عام 1987 وتعمل على مساعدة الأسر على الاكتفاء ذاتياً، ورعاية الأيتام والعجزة والأرامل.
- مؤسسة الشهيد ومهمتها الاهتمام التربوي والتعليمي بأسر الشهداء.(1/91)
- المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم والتي يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1993 وتهتم ببناء المدارس في مختلف المناطق اللبنانية وتحرص على أن تكون أولوية الالتحاق في تلك المدارس لأولاد الشهداء.
- هيئة دعم المقاومة الإسلامية التي تجمع التبرعات للمقاومة وتعقد الندوات وتقيم المعارض لزيادة الوعي بأهمية المقاومة.
وللحزب مؤسسات رياضية وثقافية واعلامية مهمة مثل مركز الإمام الخميني، وجريدة العهد، وتلفزيون المنار الذي نجح في جذب قطاع عريض من المشاهدين، وقد عرض بالصورة الحية عمليات حزب الله العسكرية ضد إسرائيل.
الفكر والبرامج
يميز حزب الله في تحركاته السياسية على الساحة اللبنانية بين الفكر والبرنامج السياسي، فيرى أن الفكرة السياسية لا تسقط إذا كان الواقع السياسي غير موات لتطبيقها، كما هو الحال بالنسبة لفكرة إقامة دولة إسلامية في لبنان. يقول حسن نصر الله "نحن لا نطرح فكرة الدولة الإسلامية في لبنان على طريقة الطالبان في أفغانستان، ففكرة الدولة الإسلامية في لبنان حاضرة على مستوى الفكر السياسي، أما على مستوى البرنامج السياسي فإن خصوصيات الواقع اللبناني لا يساعد على تحقيق هذه الفكرة، فالدولة الإسلامية المنشودة ينبغي أن تكون نابعة من إرادة شعبية عارمة، ونحن لا نستطيع إقامتها الآن لحاجتها إلى حماية".
حزب الله وسوريا(1/92)
تميزت العلاقة بين حزب الله وسوريا بخصوصية واضحة منذ أن اتخذت سوريا قراراً بالدخول إلى لبنان لوضع حد للحرب الأهلية أواسط السبعينيات من القرن الماضي، فبينما نجحت سوريا في نزع أسلحة الفصائل اللبنانية المتصارعة وحل المليشيات العسكرية، أبقت على الأسلحة بحوزة حزب الله الذي لم يكن طرفاً في الحرب الأهلية، بل كان مجال نشاطه متركزا في منطقة الحزام الأمني الذي أقامته إسرائيل في جنوب لبنان، وزاد من خصوصية تلك العلاقة رغبة سوريا في استعمال ورقة حزب الله كعامل ضغط على إسرائيل للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية في أية مفاوضات تجرى بينهما فيما يتعلق بهضبة الجولان المحتل، ولا ينفي حزب الله تلقيه مساعدات مختلفة من سوريا.
ويرى حزب الله أن الوجود السوري في لبنان ضروريا لكل من لبنان وسوريا في ظل التهديدات المستمرة للبلدين من جهة ولحفظ التوازن السياسي الذي بين الطوائف اللبنانية. ولذلك نظم الحزب في مايو/ أيار 2001 مظاهرة ضخمة تجاوز عدد المتظاهرين فيها المائة ألف متظاهر رداً على تظاهرة للرافضين الوجود السوري في لبنان.
حزب الله وإيران
العلاقة بين حزب الله وإيران يتداخل فيها البعد السياسي والديني، فاللبنانيون الشيعة الذين يمثلون كوادر حزب الله تربطهم بالمرجعيات الدينية الإيرانية روابط روحية عميقة، ويعتبر مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي أكبر مرجعية دينية بالنسبة لهم. ويسمى أمين عام حزب الله حسن نصر الله الوكيل الشرعي لآية الله خامنئي
العمليات العسكرية(1/93)
تميز حزب الله عن غيره من الأحزاب السياسية في الساحة اللبنانية بعملياته المسلحة التي جعلته يخرج بمنطلقاته السياسية والعقائدية التنظيرية إلى حيز التطبيق العملي، وأكسبته شرعية وشعبية لدى الشارع اللبناني. ويعتبر الحزب أن تلك العمليات بالإضافة إلى كونها عامل قلق أمني للإسرائيليين، فإنها تمثل كذلك وكما يقول الشيخ حسن نصر الله رداً عملياً على المشروع السلمي للتطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي يتبناه بعض المثقفين العرب.
كبَّدت العمليات العسكرية الناجحة لحزب الله الجيش الإسرائيلي خسائر سنوية بلغت ما بين 22 و23 قتيلاً، وعددا كبيرا من الجرحى والأسرى. وتشير مصادر حزب الله إلى أن متوسط العمليات العسكرية التي شنها في الفترة من 1989 وحتى 1991 بلغت 292 عملية، وفي الفترة بين عامي 1992 و1994 بلغت 465 عملية، أما في الفترة بين 1995 و1997 فقد بلغت تلك العمليات 936، وكان نصيب المقاومة الإسلامية - الجناح العسكري لحزب الله - 736 عملية.
أما المصادر الإسرائيلية فتشير إلى أن إسرائيل فقدت في عام 1988 وحده 36 جنديًا وجرح لها 64 آخرون، وخطف منها جنديان. وفي الإجمال كانت حصيلة القتلى الإسرائيليين على مدى 18 عاماً حوالي 1200 قتيل.
وقد بدأت إسرائيل خطواتها الأولى باتجاه الانسحاب نتيجة لهذه العمليات الفدائية في وقت مبكر، فكان الانسحاب الأول الكبير في عام 1985، ثم تلاه انسحابات أخرى لاحقة كان أبرزها كذلك الانسحاب من منطقة "جزين" اللبنانية. وخلقت داخل المجتمع الإسرائيلي تياراً شعبياً قوياً يطالب بالانسحاب من "المستنقع اللبناني"، وكان من أشهر الحركات المطالبة بالانسحاب "الأمهات الأربع".(1/94)
استخدم حزب الله في عملياته العسكرية ضد إسرائيل أسلوب حرب العصابات والعمليات الاستشهادية، والتي في الأغلب تستعمل الكمائن والعبوات الناسفة والمدافع بالإضافة إلى صواريخ الكاتيوشا التي اشتهر الحزب باستعمالها ضد المستوطنات الإسرائيلية.
وتميزت أعمال المقاومة العسكرية لحزب الله بالدقة في تحديد الأهداف والمفاجأة وتأمين خطوط الانسحاب، وساعدهم في كل ذلك جهاز استخباراتي مدرب.وكانت أشهر عمليات الحزب وأنجحها هي معركة "أنصارية"عام 1997 عندما استدرجت طائرة هيلوكبتر على متنها ستة عشر مقاتلا من القوات الإسرائيلية الخاصة وأبادتهم جميعا.
الحزب والحياة السياسية
لحزب الله حضور في الحياة السياسية اللبنانية منذ توقيع اتفاق الطائف عام 1990 الذي أيده مع التحفظ على بعض بنوده. ويقف الحزب في صف المعارضة، وقد فاز في أول انتخابات برلمانية يشارك فيها في عام 1992 بـ 12 مقعداً وهو أكبر عدد من المقاعد تفوز به كتلة حزبية منفردة. كما شارك في انتخابات عام 1996، ويمثله حالياً ثمانية نواب تميز أداؤهم البرلماني بالجدية عبر طرح البرامج الجديدة وتقديم الدراسات المتعمقة عن القضايا التي يناقشونها. ويسعى إلى تشكيل قوة ضغط سياسية، ولذلك فللحزب حضور فاعل ومشاركة في انتخابات النقابات وبخاصة نقابتي المهندسين والأطباء، والاتحادات الطلابية والمهنية والعمالية.
وسعى الحزب عبر أدائه السياسي إلى تطبيق الإسلام عن طريق الحوار والإقناع، ويرفض أسلوب العنف وسيلة للوصول إلى السلطة، ويدعو كذلك إلى التواصل بين الحضارات ويرفض الصدام الحتمي بينها، ولذلك نشط في إقامة حوارات بينه وبين الشخصيات الروحية المسيحية، وسعى إلى التنسيق مع التيارات اليسارية والقومية، ولا يمانع الحزب في المشاركة بالحكومة.
الحزب بعد الانسحاب(1/95)
ثارت تساؤلات كثيرة بشأن مستقبل حزب الله بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، وهل سيتجه نحو إلقاء السلاح وحل جناحه العسكري أم لا؟ وقد أجاب الحزب على هذه الأسئلة الكثيرة عبر رفضه التخلي عن عمليات المقاومة المسلحة إلا إذا تحرر كل التراب الوطني اللبناني ويقصد بذلك مزارع شبعا التي لا تزال خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وإطلاق سراح الأسرى العرب من السجون الإسرائيلية ومن بينهم الشيخ عبد الكريم عبيد والشيخ الديراني.
ويملك الحزب من العمل السياسي والاجتماعي ما يفوق العمل العسكري ويستطيع الاكتفاء بالعمل السياسي إذا قرر ذلك، ويبدو أنه مستمر في العمل العسكري حتى توقع سورية اتفاقا مع إسرائيل.
*****************
مسرحية حزب الله و مجازر السنة في بغداد !
أحمد زيدان
شبكة نور الإسلام
سيخرج علينا بعض الأكثر ملكيين من الملوك أنفسهم ، وتحديداً من بعض مثقفي السنة المتعاطفين حزب الله والسياسة الإيرانية بشكل عام ، سيخرج علينا هؤلاء ليدللوا على ما دبجوه وسودوا صحائفهم سابقاً من أن حزب الله يقف صامداً في وجه الصهيونية وغيرها من الألفاظ التي سئمت شعوبنا الإصغاء لها ، بينما نرى ونسمع ما يجري في عاصمة الرشيد ، ونسمع ما يقوله ويصرح به رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري ، طبعاً للتأكيد الضاري ليس عضواً أو زعيماً في تنظيم القاعدة أو الزرقاوي ، فالضاري شخصية اعتبارية ، صمتت طويلاً حتى جهرت وكشفت عن تورط إيراني في قتل مائة ألف من السنة في العراق .(1/96)
هذا الكلام ترافق مع تصريحات صالح المطلق من جبهة التوافق السنية ، إذ أكد على أن الدور الإيراني في العراق أكبر وأخطر من دور قوات الاحتلال الأميركية ، وناشد دول الجوار إلى التدخل المباشر والفوري قبل أن يلتهم الحريق الجميع ، بالتأكيد مثل هذه التحذيرات تترافق مع مجزرة قامت بها مليشيات الصدر ، وتقوم بها بشكل يومي مليشيات بدر ، وتهديدات بدأت تتسرب عن جعل بغداد شيعية مائة بالمئة ، بطرد أهل السنة منها ، ومثل هذا لم يعد خافياً ، في ظل تحذيرات قوى سنية فاعلة ومعتدلة من مخطط جهنمي لتهجير أهل السنة من بغداد .
إذن ما الذي يريده حزب الله اللبناني الذي صمت طويلاً أولاً على عدم شن هجمات على الإسرائيليين ، وهو الذي تحفظ حتى الآن على إدانة الاحتلال الأميركي للعراق، وكأن الأمر لا يعنيه ، بل دأب في كل مناسبة وغير مناسبة على النيل من المقاومة بطريقة أو بأخرى، وكأن المقاومة حكراً وماركة مسجلة له ولأشباهه فقط .
الذي دفع حزب الله للقيام بمثل هذه الهجمات والأعمال ، هو ما تتعرض له سوريا وإيران، وما يبغيانه من المساومة مع القوى الدولية أولاً ، وأميركا ثانياً في ملفات أخرى، وإلا فكيف نفسر ما نقله صبحي الحديدي قبل أيام عن أحد المسئولين الإسرائيلين السابقين في مقال له نشره في القدس العربي ؛ إذ نقل عن المسئول الإسرائيلي السابق، على إسرائيل إيجاد نصر الله في غزة للتعامل معه .(1/97)
إن حزب الله، والشيعة وإيران بشكل عام يرون أنفسهم يخسرون على مستوى العالم الإسلامي في ظل الاتهامات الموجهة إليهم لما يجري في العراق وأفغانستان، وغيرها من مناطق العالم الإسلامي ، وبالتالي لا بد من مفرقعات في بعض الأحيان تنقذ ماء الوجه أولاً، وتنقذ السياسة الأميركية في العراق وأفغانستان، وتعيد إلى الواجهة الصراع العربي أو الإسلامي - الصهيوني، والابتعاد عن حقيقة الصراع والمواجهة بين الأميركيين والعالم الإسلامي، خصوصاً في ظل الدعم الإيراني والشيعي اللامحدود للاحتلال الأميركي في كل من العراق وأفغانستان، وإلا فكيف نفسر أيضاً ، تراجع التهديدات الإسرائيلية في الهجوم على غزة بسبب خطف الجندي الإسرائيلي على أيدي المجاهدين هناك ، إننا نفسره على توجيه الغضبة السنية والإسلامية من غضب على الاحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان، إلى الغضب على إسرائيل والصهيونية ، وهذا ما يفسر إقدام حزب الله على قتل وخطف جنود إسرائيليين في هذا الوقت بالذات الذي يواجه فيه المشروع الأميركي حالة انسداد حقيقية ، كما لا يخفى أن ذلك جاء بعد توقيع اتفاق عسكري إيراني ـ سوري ، أزعج السعودية ومصر
**********************
عمليّة حزب الله .. ترسيخ لقواعد إيران
نايف ذوابه
الإسلام اليوم - 19/6/1427هـ
أخيراً نجحت سوريا ومعها إيران في جر إسرائيل إلى المعركة في الزمان والمكان المحددين اللذين تريدانهما، وكفى بذلك نجاحاً وإمساكاً بزمام المبادرة!!(1/98)
أما تصريح الرئيس الإيراني بأن ضرب إسرائيل لسوريا سيلقى رداً قاسياً من إيران فإن هذا يعني لإسرائيل أن عليها ألاّ يُجنّ جنونها، وتسوق حماقاتها على المنطقة؛ لأن العاقبة ستكون وخيمة ليس فقط على إسرائيل وحدها بل على أمريكا التي ترتهن إيران لها في العراق نحو مائة وثلاثين ألف جندي أمريكي هم رهن إشارة إيران لشيعة العراق بإعلان حرب مقدسة عليهم، وهذا سوف يجعل منهم صيداً سهلا للشيعة الذين لو تحركوا لتغيّرت قواعد اللعبة في العراق والمنطقة كلها، وهكذا أصبحت إيران بهذه المستجدات عنصراً فاعلاً في أحداث الشرق الأوسط، بل فاعلاً حقيقياً؛ فهي لم تستطع فقط سحب البساط من تحت أقدام الإسرائيليين وانتزاع زمام المبادرة منهم في توجيه الأحداث، بل هناك أمر لا يقل خطورة وهو سرقة الأضواء من المملكة العربية السعودية في قيادة العالم الإسلامي لقيادتها الأحداث بشكل "يبدو إيجابياً" في منطقة الشرق الأوسط، قيادةً تغسل عار سكوت إيران على احتلال العراق ومساعدتها في غزو أفغانستان، فضلاً عن دور سلبي قد لا يستطيع سنة العراق والمنطقة نسيانه إلا بمثل هذه الأعمال المضيئة -كما يبدو للعيان- التي تقوم بها على الصعيد الشعبي، وذلك بإدماء أنف إسرائيل وتكبيل أيدي الأمريكان في هذه الأحداث.
لبنان هو الخاصرة الأضعف؛ لذلك اختير منطقة التفجير ونقطة انطلاق لإشعال المنطقة لتحريك المياه الراكدة. وحتى تؤتي الأعمال العسكرية أكلها السياسية فلا بد من أن تدخل سوريا المعركة لتبدأ العملية السياسية بقوة بعد أن تصمت المدافع وتُثخن جراح كل الأطراف بما فيها إسرائيل.
هل قام حزب الله بهذه العملية بنفسه؟
طبعاً لا يمكن أن يكون هذا؛ فحزب الله مرتبط بإيران وسوريا، ويستمد منهما دعماً معنوياً وتسليحياً، وهو لا يستطيع أن يقوم بهذه العملية دون التنسيق مع إيران وسوريا لخطورة تداعيات هذه العملية.(1/99)
وقد استطاع حزب الله في هذه العملية أن يتفوق على الساسة الإسرائيليين وتوقعاتهم؛ فجاءتهم المفاجأة التي تعقد اللسان من حيث لا يتوقعون، وهاهم يتصرفون بطريقة ردود الفعل فاقدين لزمام المبادرة، ويستدعون الاحتياط من أجل حشده على الجبهة اللبنانية، أو من أجل تعزيز قدراتهم لضرب سوريا التي هي في أحسن ظروف الاستعداد لها كنظام يريد الحفاظ على دوره في المنطقة، ولو من خلال اللعب لعبة الروليت الروسية الخطرة، مع قدر أو هامش من الأمان الذي يضمنه لحكام سورية الوضع الدولي الذي يمسك بخيوط اللعبة في المنطقة، ونقصد به أمريكا على وجه التحديد، والتي تحرص على ضرورة عدم خروج الأحداث عن السيطرة وهذا واضح بدعوة الرئيس بوش ووزيرة خارجيته رايس بالطلب من إسرائيل التحلي بضبط النفس في الرد العسكري، وقد جاء الجواب في غاية الانفعال من مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة برفض الطلب الأمريكي..!!
أمريكا لا تريد لقطار الأحداث أن يخرج عن السكة مهما حصل من تصعيد؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى خروج المنطقة كلها عن سيطرة الغرب، و حينئذ تتوالى قلاع الدمينو في السقوط، وهذا ما يؤذن فعلاً بانبلاج فجر حقيقي في المنطقة...!!
حسن نصر الله والحرب المفتوحة ..!!
بعد أن استطاع حزب الله تدمير بارجة إسرائيلية تقل خمسة وثلاثين عسكرياً إسرائيلياً، فُقد منهم أربعة، ثم أعلن حزب الله انتشال اثنين منهم في كسب جديد لعملية (الوعد الصادق) التي اختطف بها الحزب جنديين إسرائيليين ليفاوض عليهما لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين - وجّه الأمين العام لحزب الله رسالة إلى إسرائيل يقول فيها: "حرب مفتوحة... أردتموها حرباً مفتوحة؟ نحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة ومستعدون لها... إلى حيفا وإلى ما بعد حيفا"!!(1/100)
ولا تخفى نبرة التحدي لأمين حزب الله لإسرائيل التي حّولت الجسور في لبنان إلى أنقاض، وقصفت الضاحية الجنوبية بما فيها مقر الأمين العام لحزب الله، وكما يُقال فقد ثبت خطأ المثل المشهور "الكف لا يمكن أن تلاطم مخرزاً"، فإذا بالكف تؤلم وتوجع الإسرائيليين!! وها هي صواريخ حزب الله تدك صفد ونهاريا وتصيب خزانات الوقود فيها، وطالت صواريخ حزب الله مدينة طبرية السياحية، وعلى إثر ذلك بدأ السواح بالرحيل عن المدينة، كما دكّت صواريخ حزب الله عدة مرات مقر القيادة العسكرية الإسرائيلية في شمال فلسطين في جبل الجرمق، كما يهدد حزب الله بقصف مدينة تل أبيب، وقد صرح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بقدرة حزب الله على قصف تل أبيب وحذر من قيامه بذلك.
وخلاصة القول فإن إسرائيل تتخبط في عنجهيتها وغرورها الذي أدمى أنفها وجرح كبرياء جيشها من قوة هي مليشيات، لا تملك طائرات ولا صواريخ متطورة.\
الوعد الصادق تموز 2006 وحرب تشرين 1974(1/101)
إن سخونة الأحداث وفورة الحماس في المنطقة والإحساس بالثأر ورد الاعتبار لا ينبغي أن تغيّب عن أذهان السياسيين والمحللين مقارنة ومقاربة بين حرب تشرين 1974 وهذه الحرب؛ فحرب تشرين التي أدمى الجيش المصري فيها أنف إسرائيل وجعلت قواتها تتراجع إلى الخنادق الخلفية التي تدافع بها عن وجودها، وجعلتها تستنفر طاقتها النووية، وتضعها تحت درجة التأهب القصوى؛ تلك الحرب التي كانت حرباً تحريكية تكتيكية أرادتها أمريكا حتى تدمي أنف إسرائيل حينئذ، ثم قامت بمدها بكل أنواع الأسلحة حتى لا تنهار، تلك الحرب التي قالت غولد مئير -وهي تلمم جراحها- من غدر كسينجر اليهودي بها قائلة: "المشكلة أننا نقرأ من اليمين وكسينجر يقرأ من اليسار"!! بمعنى أن العبرية كلغة سامية تُقرأ من اليمين لكن كسينجر -على الرغم من يهوديته- فِإن ولاءه كان لأمريكا وأوقع بإسرائيل. وهكذا كانت حرب تشرين حرباً موجعة لإسرائيل؛ فقد استطاعت أمريكا أن تدخل إسرائيل العملية السلمية بعد أن أدمت أنفها وجرحت كبرياءها..
فهل هذه الحرب التي يخوضها حزب الله بالنيابة عن سوريا، وبحماية ودعم من سوريا وإيران هي أيضاً "حرب تحريكية تكتيكية" الغاية منها وضع حد للغرور والصلف الإسرائيليين حتى تنصاع إسرائيل للإرادة الأمريكية، والكف عن العبث والغطرسة في المنطقة والجلوس إلى مائدة السلام بشروط مقبولة كما حصل في حرب تشرين..؟!
هذا ما أتوقعه، وهذا ما ستفصح عنه الأيام القادمة الحبلى بالمفاجآت..!
********************
حزب الله الأكذوبة التي صدقناها !!
محمد سليم العبادلة
بسم الله الرحمن الرحيم
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(1/102)
وقت كانت القوات الصهيونية تجتاز الحدود اللبنانية فيما عرف آنذاك بحملة سلامة الجليل [حزيران - يونيو 1982] كانت التجمعات البشرية الشيعية الموجودة في قرى الجنوب اللبناني تجمع الورود لنثرها على قوات التحرير - كما أطلقوا عليها آنذاك - من البطش والإجرام السني الوهابي - التهمة الجاهزة دومًا - وفي تلك الأيام كانت المرجعية الدينية قد تحولت من العراق في النجف إلى قم في إيران كنتيجة لسقوط نظام الشاه وسيطرة خميني على الحكم في إيران, فأصبح شأن شيعة لبنان بيد خميني يحركه كيفما يشاء خدمة لمصالح التشيع الصفوي الفارسي[1].
- بالأمس قال الشيخ حارث الضاري في اجتماع الجمعية العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المنعقد في إسطنبول وهو يهتف بصوت عال وقد بدا الألم الممزوج بالغضب واضحًا على وجهه بأن ضحايا أهل السنة في العراق قد وصل عددهم إلى 200 ألف!! 100 منهم قتلوا على أيدي القوات الأمريكية والمائة الأخرى على أيدي الميليشيات الصفوية بقيادة عزيز الحكيم ومقتدى الصدر وبأوامر مباشرة من إيران, وكان رد محمد علي تسخيري رئيس ما يسمى بمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية - كان يجلس بجانبه - أن إيران حاولت مع مقتدى الصدر لوقف هذه الاعتداءات ولكنها لم تفلح في ردٍ يحتوي على نقطتين؛ أولهما أنه اعترف اعترافًا صريحًا بتورط ميليشيات جيش المهدي في هذه الجرائم, وثانيهما أن إيران لن يكون لها أي دور في إيقاف هذه المذابح؛ لأن هذا ما ترنو إليه دون شك.(1/103)
- في بصرة الفاروق رضي الله عنه أصبح الوجود السني يكاد لا يذكر - أقل من 7% - وعلى أبواب مدينة سامراء تجري عملية حشد مليونية لعناصر عبرت الحدود من إيران للهجوم على المدينة وتفريغها تمامًا من أهل السنة تحت ذريعة بناء ضريح ما يعرف بالإمام علي الهادي وأخيه العسكري[2], وسنة سامراء يطلبون المدد من الدول العربية ولا مجيب, وعصابات المهدي وبدر تعيث فسادًا في بغداد؛ تقتل الأبرياء وتحرق المساجد وتستولي على المنازل وتوطن الغرباء الإيرانيين في أكبر عملية إبادة جماعية يشهدها القرن الواحد والعشرين[3].
لماذا تحرك حزب الله في هذا الوقت بالذات؟!(1/104)
في خلال الأسابيع الماضية التي شهدت ما سمي بمشروع المصالحة الوطنية في العراق والتي بدا فشلها ظاهرًا وبدت عورات الحكومة الصفوية واضحة أكثر فأكثر بعد فضيحة اغتصاب ماجدة العراق عبير الجنابي وبعد دعوة الرئيس الإيراني منذ أيام قليلة مجددًا لإزالة الكيان الصهيوني وتفكيكه لوحظ أن كلا الأمرين 'مشروع المصالحة الوطنية' و'دعوة الرئيس نجاد لإزالة إسرائيل' لم يلقيا أي نجاح أو اهتمام سياسي وإعلامي على الأقل بعكس ما لاقته دعاوى المشاركة في الانتخابات العراقية والعملية السياسية المترتبة عليها في بداية العام الحالي, ودعوة الرئيس الإيراني من قبل لمحو 'إسرائيل' وما صاحب ذلك من تداول إعلامي وإخباري واسع, وتزامن كل هذا مع عملية الوهم المتبدد البطولية التي زلزلت أركان 'إسرائيل' وأُعلن فيها فصيل جيش الإسلام, ذلك الفصيل الجديد الذي لم يكشف عنه إلا القليل من خلال متحدث باسمه, إلا أن ملامح السلفية الجهادية اتضحت من خلال ما قاله الناطق المخول حول موقفه من قضية فلسطين ونبذهم لكل الاتجاهات غير الإسلامية كالوطنية والقومية, ما يعني أن عدو الشيعة اللدود قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يكون عاملاً مؤثراً في القضية الفلسطينية - حصان طروادة المفضل لديهم - ما حدا بحكماء الصفويين أن يوكلوا حزب الله نيابة عنهم لكي يقوم بعملية الجنوب اللبناني وخطف الجنديين 'الإسرائيليين', في محاولة أخرى للتأثير على الجماهير المذبذبة التي انقسمت بين خجول تائه لما يرونه من ازدواجية إيران في التعامل مع قضايا المسلمين, وبين من لفظهم بعد أن اكتشف حقدهم الدفين على الإسلام والعروبة, ولم يكن هناك أنسب من حزب الله ليقوم بهذا الدور لكي يتسنى لهم أمور عديدة نستعرضها بإيجاز ألا وهي:
[1] التغطية على جرائمهم الهمجية بحق أهل السنة في العراق:(1/105)
[2] كبح جماح أية عملية فدائية قد تدور في مخيلة التنظيمات الفلسطينية في لبنان على ضوء تطورات الأحداث في غزة.
[3] والأهم من ذلك هو مشاغلة مشاعر الأمة الإسلامية وشل قدرتها على تحديد موقف ثابت من التشيع الصفوي لحساب المشروع الإيراني الجاري تنفيذه في العراق على أيدي عصابات إيران في بلاد الرافدين لتهيئة الأجواء لقيام دولة شيعية صفوية تكون شوكة في حلق الأمة العربية والإسلامية, وقاعدة لنشر مذهبها في أخطر بقاع الأرض وأكثرها ثراءً على الإطلاق, وهذا ما ستكشف عنه الشهور القادمة.
ختامًا:
لا يمكننا أن ننكر بأي حال من الأحوال قدرة حزب الله العسكرية على تنفيذ عمليات على الحدود مع 'إسرائيل', ولا أن نتعامى عن مهارة مقاتليه المدربين جيدًا من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني, تلك العناصر التي تعيث فساداً الآن وأثناء كتابة هذه السطور في بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية وتقتل الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال على الهوية, وتغتصب النساء وتفجر المساجد وتدنس المصاحف, ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن ننظر إلى الأمور بعين واحدة, وأياً كانت النتائج المترتبة على أسر الجنديين في الجنوب اللبناني والتي ستؤثر على عقول البسطاء وربما تجعل العديد ممن اتخذ موقفاً حذراً من الحزب بعد سقوط بغداد يعيد التفكير مجدداً في موقفه من الحزب ذلك الموقف الذي تمظهر بشدة في السنوات القليلة المنصرمة على ضوء موقف الحزب المعادي للمقاومة في العراق, إلا أن لدينا رسالة إسلامية واضحة لابد أن نتبناها.(1/106)
وفي النهاية لدينا سؤالان نتوجه بهما لنائب الأمين العام لحزب الله 'نعيم قاسم'[4] صاحب العلاقة المميزة مع السيد محمد علي تسخيري, والمسئول عن مكتب التنسيق بين حزب الله وما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق؛ والأول هو 'هلا توسطت لدى منظمة بدر لوقف اعتداءاتها على أهل السنة في العراق؟' والثاني 'لماذا لا تمدون إخوانكم من أهل السنة في مزارع شبعا المحتلة بالسلاح لكي يشاركوا معكم في مقاومة الصهاينة من باب تلميع الأوجه على الأقل؟'
______________________________________
[1] قيل لأحد قادة الحزب وهو إبراهيم الأمين 'أنتم جزء من إيران'، فكان رده: 'نحن لا نقول إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران' - المصدر جريدة النهار 5 - 3- 1987
[2] نقلاً عن مفكرة الإسلام الحائزة على جائزتي 'أحسن صحفي للتغطية الإعلامية المتميزة' و'الأخبار الدقيقة بالعراق' من نقابة الصحفيين العراقية.
[3] نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريراً عن مراسلها في العراق يصف فيه ما يحدث ببغداد هذه الأيام هو عملية إبادة جماعية لأهل السنة, مشبهاً الوضع في العراق بما كان يحدث في البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي [نقلاً عن عكاظ السعودية].
[4] تهجم نعيم قاسم على المقاومة العراقية قبل أيام نافياً وجودها على الإطلاق, متهماً إياها بقتل المدنيين والأبرياء
*****************
من المستفيد من إشعال النيران في جنوب لبنان؟
المحرر السياسي لمجلة العصر
مجلة العصر- 31/5/2006(1/107)
قصف بالصواريخ، مواجهات مباشرة بين المقاومة في لبنان الذراع العسكري لحزب الله وعناصر المقاومة الفلسطينية من الجبهة الشعبية -القيادة العامة-، ورد فعل إسرائيلي قوي عن طريق قنبلة القرى اللبنانية وبعض مواقع حزب الله والقيادة العامة... كل المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل كانت ساحة المواجهات العنيفة ليوم الأحد 28 مايو، مخلفة ذعرا كبيرا لعشرات الآلاف من الإسرائيليين، وضحايا من الجانب اللبناني والفلسطيني.
الصحف الإسرائيلية واللبنانية وجهت أصابع الاتهام إلى سوريا وإيران. والحالة اللبنانية جعلت إسرائيل تتابع الوضع عن كثب، وتدرس خياراتها لمواجهة "الحرب الساخنة حينا، الباردة أحيانا" أمام حدودها الشمالية، فالساحة اللبنانية تحت الرقابة الإسرائيلية، والجنوب الإسرائيلي تحت رقابة حزب الله، وكل المكونات "المتراكمة" قابلة للاشتعال في أي لحظة.
لاشك، أن حزب الله أصبح حالة سياسية لا يمكن تجاوزها. فهو ليس مثل الأحزاب اللبنانية الأخرى، لأن ظهوره ارتبط بالغزو الإسرائيلي الذي كان يسرح طولا وعرضا داخل لبنان، في أوج حربه الداخلية بين الفرقاء أبناء الوطن الواحد، وتدخل القوى الكبرى الإقليمية في شئونه الداخلية.
ولا يخفى على المتتبع، أن الحزب لديه شعبية كبيرة تجاوزت الوسط اللبناني الشيعي، لتصل إلى كل شرائح المجتمع اللبناني السني والنصراني والدرزي وغيره، بعد أن تمكن من دحر الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان وطرده.
يبقى حزب الله، الحزب الوحيد الذي يملك سلاحا وعناصر مقاتلة وعقيدة حربية، وخطة قائمة على الردع "الزلزالي" لمجابهة القوة العسكرية الهائلة التي يملكها العدو الصهيوني، واستمر في تلقي الدعم السياسي والمادي والعسكري "اللوجيستيكي" من سوريا وطهران.(1/108)
وقد يكون صحيحا قول الذين يتهمون "حزب الله" من قوى المعارضة اللبنانية، خاصة قوى (14 مارس) وإدارة البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية، كونه آلة في يد القوى المخابرية السورية والحرس الثوري الإيراني، لكن، مع اختلاف الموازين لصالح إسرائيل، تلعب سوريا حربا بالوكالة من خلال دعم المقاومة لتحرير "مزارع شبعا" المحتلة، وبالتالي الحصول يوما ما على انسحاب إسرائيل من "الجولان" السوري المحتل.
واليوم، تسعى سوريا لاستعمال حزب الله كوسيلة ضغط ضد كل الذين كانوا سببا في انسحابها "المهين" من لبنان تطبيقا للقرار الأممي 1559 (الخاص بسحب القوات السورية ونزع سلاح الميليشيات). وقبل حزب الله هذه المهمة، بأن يكون جسرا لسوريا لتحقيق أهدافها "الشرعية" في مقاومة الكيان الصهيوني.
كما يشير استمرار الأزمة السياسية في لبنان رغم انسحاب سوريا منذ أكثر من سنة، إلى تعقيدات الملف اللبناني السوري، التي تعكس صورة جلية للصراع "الشرق أوسطي" بين القوى المتصارعة والمتورطة في لبنان (أمريكا، فرنسا، إسرائيل، إيران، وسوريا)، وقدرة دمشق من خلال فعالية سياستها في احتواء جزء مهم من المعارضة اللبنانية المعادية لإسرائيل وللتدخل الأمريكي في الشأن اللبناني.
سوريا، توجه إلى الرأي العام اللبناني، والإسرائيلي، والعربي، والدولي رسالتين واضحتين وقويتين: الأولى: الخروج من لبنان بقرار أممي، لا يعني بأي حال من الأحوال، أن سوريا لم تعد تستطيع التأثير في الملف اللبناني المتأزم، خاصة بعد اغتيال رفيق الحريري، أو توظيف تناقضاته، أو دعم قوى على حساب قوى أخرى، أو تحريك "الدافع الأمني" لدى قوى حليفة ومؤثرة، كحزب الله أو حركة أمل أو أحزاب قومية، ترى أن لبنان على أبواب "فتنة" سياسية أكثر منها طائفية قد تشعل النار في البلاد والعباد..(1/109)
وقد أجمع الكثير من المتابعين للشأن اللبناني، ودبلوماسيين عملوا في لبنان، أن الرؤية التي اعتمدتها واشنطن وباريس للضغط على سوريا أخطأت في هدفها، الذي كان يقوم على إحراج سوريا داخليا بعد سحب قواتها بالشكل الذي ظهر على شاشات التلفزيون، وإضعاف حزب الله الذي كان يعتمد على الدعم السوري السياسي والعسكري.
دمشق، استفادت كثيرا من هذا الوضع، رغم غيابها "المباشر" عن الساحة اللبنانية، نظرا لامتلاكها أوراق ضغط فاعلة وإستراتيجية أحسنت استخدامها في الزمان والمكان الضروريين.. ورقة المقاومة في لبنان، الذراع العسكري القوي لحزب الله، حركة أمل الشيعية، الورقة الفلسطينية الموالية لها، الممثلة في الجبهة الشعبية -القيادة العامة- لأحمد جبريل، والمخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب اللبناني، والسلاح المتوفر بداخلها، والتجمعات واللقاءات والتيارات الإسلامية"، ومنها السنية" والقومية واليسارية التي تضم أيضا موالين لها، المنددين بالتدخل الأمريكي المباشر في الوضع اللبناني.
هؤلاء يعيدون إنتاج ما كان موجودا في العهد السوري، من التأثير في توازنات الأحزاب، والطوائف، وأركان الدولة اللبنانية، فكان انسحابها "الميداني" تكتيكيا وليس إستراتيجيا، ليبقى النفوذ على حاله ووفق الشرعية الدولية.
الرسالة الثانية، التي تريد سوريا توجيهها إلى القوى الإقليمية المتورطة، أن لبنان أصبح ساحة للمواجهة الإقليمية، لكن هذه المرة في صالح دمشق، وأن الأوراق التي تملكها حاليا بعد خروجها من لبنان، لا تزال قائمة، وكأن شيئا لم يتغير. وهذا ما دفع إسرائيل إلى الاعتراف بأن سوريا وكذلك إيران بأيديهما القدرة على إشعال "الشرق الأوسط" بالضغط على "زر" حزب الله..(1/110)
ومن جانب آخر، فإنه من خلال نقل التكنولوجيا العسكرية إلى حزب الله، تبحث إيران عن توسيع مجالات تأثيراتها الإستراتيجية ضد إسرائيل، ونقل الأسلحة يتم عبر سوريا، وأصبح حزب الله يلعب دور العميل في خدمة المصالح السورية والإيرانية.
وقد نجحت سوريا في إعادة تكرار السيناريو نفسه حيال القرار 1680، والذي اعتمدته إزاء القرار 1559 مع بعض الاختلافات البسيطة في الشكل والتحفظات من توقيته. القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي رقم 1680، شكل اعترافا جديدا بعجز الولايات المتحدة وفرنسا عن إحداث تقدم أو تغيير ما في الوضع الداخلي اللبناني.
واشنطن دخلت مع سوريا في لعبة سياسية، تحسن دمشق إجادتها ببراعة وتناسبها، سياسة المماطلة والتأجيل والرهان على الوقت، وهي العوامل التي سعت واشنطن وتل أبيب، وبدرجة أقل باريس ولندن، إلى الالتفاف عليها بالضغط على سوريا لتعويض الجمود الداخلي، من خلال إصدار قرارات دولية تدعم سيادة لبنان واستقلاله ووحدة ترابه وتكريس حقوقه، لئلا تنجح دمشق في توظيفها على نحو يخدم سياستها وحلفائها في لبنان.
ويبقى القول، أن المصادمات الأخيرة، التي كانت الأهم منذ سنة 2000، تحمل الكثير من المعاني والحسابات في هذه المرحلة، لأن معطيات الرد تغلبت على المصالح الإقليمية، خاصة بعد التدخل المباشر للأمم المتحدة وبعض الدول المؤثرة في المنطق
***********************
حزب الله.. الحقيقة الكاملة بالأرقام
عبد الله الحميدة
شبكة القلم، 18/05/2006
هل قام حزب الله بما لم تقم به الجيوش العربية ...؟.
هل حزب الله يضع في حساباته تحرير كامل التراب الفلسطيني بما فيه القدس الشريف ...؟.
هل الحزب يعمل لخدمة القضية الفلسطينية ... أم ينطلق من مصالح طهران ودمشق ...؟.
هل ما ذكره البعض من أن الحزب لا يستطيع أن يثبت أنه قتل أكثر من 1 إسرائيلي هل هذا كلام منطقي ...؟.
ماذا يعرف المثقفون العرب والإسلاميون عن حقيقة هذا الحزب ...؟.(1/111)
وما هي خلفياته ..؟.
هذا التقرير سيحاول الكشف عن الكثير ... فلنقرأه.
حركة أمل :
من الضروري قبل الدخول في الحديث عن حزب الله ينبغي أن نعرج على بعض المعلومات ولو بشكل سريع عن حركة أمل لأن الحزب خرج من رحِم هذه الحركة ... فهاهي الحركة في سطور .
نشأت الحركة عام 1973م بعد انفجار في معسكر لحركة ( المحرومين ) [ مما يشكك في أهداف الحركة أصلاً ] قتل فيه 35 ،ويرجح ( صبحي الطفيلي ) أن البدايات كانت عام 1969م ،دعمت الحركة في البداية من ليبيا ولكن الدعم الأكبر جاء من إيران ولها ممثل في طهران هو ( إبراهيم أمين ) بل إن الحركة بايعت الخميني، كما قامت حركة فتح [ عن حسن نية ] بتدريب الحزب في بداياته ،وفي عام 1982م انشطر الحزب إلى قسمين قسم ( نبيه بري ) وقسم ( حزب الله ) الذي سنتحدث عنه بعد قليل ،الحركة مسئولة عن أحداث ( صبرا وشاتيلا ) بالاشتراك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي والتي وقعت عام 1983م وقتل فيها ما يزيد على 4 من الرجال والنساء والأطفال بل حتى المرضى في المستشفيات من الفلسطينيين وقد اشترك في المذبحة عدد من أفراد الجيش الذين يمثلون نفس التيار وقد سَلِم منهم المسيحيون و النصيريون ولم يسلم منهم المسلمون ،وقد ارتكبوا المجازر في بيروت الغربية ،ويوجد جزء منهم في جيش ( لحد ) المسيحي الذي تعاون مع الاحتلال الإسرائيلي وقد كُلفوا بحراسة ( شبعا ) التي منع المسلمون فيها من حمل السلاح.
ولعلنا نقف مع أهم رجال الحركة:(1/112)
موسى الصدر : إيراني ولد هناك عام 1928م له صلة قرابة بالخميني كما ذكر الأخير ذلك بنفسه في كلمة أمام بعض الوفود، يدعي أن لبنان موطن أجداده قدم إليها عام 1955م ثم عام 57 ثم في عام 6،وألقى بعض الخطب في بعض الكنائس، شارك في تأسيس عدد من الجمعيات كـ ( بيت الفتاة ) و ( جمعية البر والإحسان ) و ( جمعية التمريض ) وهو رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ،وقام بنقل وجهة نظر الثورة الإيرانية لعدد من البلدان كالجزائر والمغرب وإيطاليا، أسس حركة أمل التأسيس الحقيقي عام 75 ،وقبل ذلك وبشكل سري أسس حركة ( المحرومين ) واعتبر جميع أبناء جنسه أعضاء في حركة أمل ولا داعي لتسجيل أسمائهم وفي عام 78 سافر إلى ليبيا للقاء الزعيم معمر القذافي ومنذ ذلك الحين اختفت أخباره فمن مُرِجح أنه لا يزال في سجون القذافي ومنهم من رجح أنه قتل وقد حاول الخميني جاهداً فكاكه ولم يستطع ،له كتب منها : الإسلام ومشكلة الطبقية .
نبيه مصطفى بري : ولد في سيراليون عام 1938م ، ودرس في الكلية الجعفرية في صور أما دراسته العليا ففي جامعة ( السوربون ) في باريس، شارك [ إعلامياً ] في حركة ( المحرمين )،وفي عام 66 شارك في كاليفورنيا باتحاد الطلبة المسلمين تحت قيادة ( مصطفى جبران )، انتخب عام8 كرئيس لحركة أمل وإلى اليوم ومنذ عام 84 تولى عدد من الوزارات في الحكومة اللبنانية كوزارة العدل ووزارة الموارد المائية والكهربائية ووزير الجنوب وكذلك تولى وزارة الإسكان ووزارة الدولة وترأس كتلة التحرير، وهو رئيس مجلس النواب اللبناني عام 92 وأعيد انتخابه عام 96 ثم في عام 2 أعيد كذلك انتخابه ولا يزال إلى الآن .
كذلك من رجال الحركة : مصطفى الديراني،ولمعرفة المزيد عن الحركة يمكن الرجوع إلى كتاب ( أمل والمخيمات الفلسطينية ) [ لعبد الله الغريب ] ويقول البعض : أن هذا الاسم مستعار والكتاب إنما هو للشيخ: محمد سرور زين العابدين .
حزب الله :(1/113)
نشأ عام 1982م بعد انفصاله عن حركة أمل وكان أمينة الأول ( صبحي الطفيلي ) وسنشير إليه فيما بعد والحزب يهدف إلى إقامة جمهورية إسلامية في لبنان على غرار جمهورية إيران،وأهم الداعمين للحزب سوريا وإيران خصوصاً الأخيرة حيث يقدر أبناء الطائفة في لبنان 23 % والعلاقة والكتابات التاريخية تثبت ذلك حيث استقدم (إسماعيل) شاه إيران علماء من جبل عامل كـ ( علي العاملي ) وغيره،وكما في منطقة البقاع والجنوب،والحزب عضو في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وله أنصار في الأوساط الأخرى كحركة ( التوحيد ) لـ [ سعيد شعبان ].
يقول المرشد الروحي لحزب الله ( محمد حسين فضل الله ) : إن علاقة حزبه مع قادة إيران قوية ... ورأيي ينسجم مع الفكر الإيراني ... ويسير في نفس سياسته.
وقد أقامت إيران ما يقارب أربع مراكز لتدريب الحزب منها: معسكر في الزبداني وآخر في بعلبك، واعترف صبحي الطفيلي بتدريب إيران لهم عام 82 .
تقدر مساعدات إيران بـ 5 ملايين دولار شهرياً ويقول آخرون أنها 12 مليون ومنهم من يقدرها بـ 3,5 ،ويذكر أن المساعدات عام 91 بلغت 5 مليون وعام 92 وصلت إلى 2 ويؤكد البعض أنها 12 أما في عام 93 فهي 16 وفي عهد رفسنجاني 28 مليون دولار ، أما سوريا فيتركز دعمها بالسلاح .
أما عدد المقاتلين فيصل إلى12 ألف ويقول البعض أنهم 2 ألف ويبالغ آخرون بأن عددهم 4 ألف ولعل المقصود بهم القادرين على حمل السلاح وإن لم يكونوا مسلحين باستمرار .
هذا وقد وضعت إيران 15 من [ الباسدران ] الحرس الثوري للتدريب والإشراف، كما أن الحزب يرفض خروج القوات السورية الحامية له، ولذا فبعد اتفاق الطائف في عام 1989م و الذي أجمع عليه جميع الفرقاء خرج الحزب في مظاهرات وهو يرفع اللافتات وقد كتب على بعضها : ( الوهابيون رجس من عمل الشيطان . سننتقم من الوهابيين ... )(1/114)
وقد قام الحزب بعدد من العمليات في الداخل والخارج ،وهو يستهدف المصالح الغربية والخليجية فقد استهدف الكويت بعدد من العمليات التفجيرية أحدها استهدف الشيخ جابر الصباح وقد نجا بأعجوبة وعمليات إرهابية أخرى كعملية اختطاف الطائرة الكويتية وغيرها،وهم متهمون بالضلوع في أحدث حج 6/ 147 هـ والتي راح ضحيتها ما يزيد على 2حاج شهيد،كما يتهمهم البعض بتهريب أسلحة إلى إحدى بلدان الخليج وتدريب بعض المقاتلين للقيام بعمليات إرهابية ولكنها أحبطت.
أما عملية استهداف المارينز في بيروت والمظليين الفرنسيين فقد نفى الطفيلي مسئولية الحزب عنها كما في مقابلته مع الجزيرة الفضائية في 23/7/24 ،كما نفى الديراني مسئولية الحزب عن عملية السفارة الأميركية في بيروت .
والحزب وإن كان ذا صبغة عسكرية فله تعليقات سياسية تتعلق بالشأن الفلسطيني وأحياناً قليلة يعلق على بعض الأحداث كما في مسألة ارتفاع أسعار الوقود في لبنان وكما في عملية اغتيال الحريري ورفض خروج القوات السورية .
والآن نقف مع الشخصيات المهمة والتاريخية للحزب :
صبحي الطفيلي : ولد عام 1947م ،أبرز حلفاء إيران في المنطقة ولكنه انقلب عليها في الأخير ،درس الفقه في العراق في فترة الستينات إلى منتصف السبعينات ثم هرب من سطوة صدام إلى حوزات [ قم ] ثم إلى طهران وعاد إلى لبنان عام 79 ،يسمى شيخ الجائعين في منطقة البقاع أسس عام 82 حزب الله وانتخب كأول أمين عام للحزب عام 89 ،وهو ملاحق من السلطات اللبنانية منذ عام 98 بتهمة الاعتداء عليها ،يوصف دعمه للفلسطينيين بأنه خطابي ،وهو من المعارضين للحريري ويتهمه بمحاولة نزع سلاح الحزب.
محمد حسين فضل الله : ولد في النجف عام 1935م وقدم إلى لبنان عام 66 وكان بروزه عام 83 كقائد عام للحزب وإن لم يصرح بذلك ،يوصف من قِبل البعض بالاعتدال والموضوعية مع الآخر ويوصف من قِبل آخرين بالتلاعب والمراوغة،وقد خدم العِلم الإمامي.(1/115)
حسن نصر الله بن عبد الكريم نصر الله : ولد في بيروت عام 196م ،وفي الحرب الأهلية عاد إلى الباروزية مسقط رأس العائلة ،وفي عام 76 سافر إلى النجف ودرس هناك لمدة سنتين والمدة الرسمية للدراسة 4 أو 5 سنوات وتأثر بعباس الموسوي البقاعي ،ثم جاء إلى بعلبك ودرس في مدرسة عباس الموسوي التي تعتمد مناهج النجف وأصبح مسئولاً تنظيمياً لحركة أمل في منطقة البقاع ،وشارك في تنظيم حزب الله من عام 82 إلى عام 89 وفي أواخر الثمانينات سافر إلى [ قم ] ونسج علاقات مع إيران وسوريا ويرى أن متانة العلاقات بين البلدين ستخدم الحزب ويرى أن إيران هي الوحيدة التي تطبق الإسلام الصحيح ،وفي عام 92 تزعم الحزب بعد انتخاب مجلس الشورى له بالإجماع بعد مقتل عباس الموسوي على يد إسرائيل ويصف نفسه في موقعه على الانترنت بأنه الوكيل الشرعي للإمام ( الخامنئي ) في لبنان ، أعيد انتخابه عام 93 و95 ولا يزال إلى الآن ،وهو يرى أن قدوته موسى الصدر الذي مر بنا ،لحسن نصر الله 4 أولاد البكر منهم ( هادي ) اغتيل على يد إسرائيل .
من شخصيات الحزب كذلك : حسين خليل،راغب حرب ،نعيم قاسم .
قناة المنار : إن الحديث عن حزب الله يجرنا لزاماً للحديث عن قناة المنار فما هي هذه القناة ؟ إنها الناطق باسم الحزب وهي قناة مرئية باشرت إرسالها الأرضي عام91 م والفضائي عام 2م ،تصف نفسها بأنها موضوعية وتدعوا إلى الحوار والتعاون وتقول أنها تبتعد عن الإثارة ولعل هذا يتناقض مع ما تبثه من احتفالات عاشوراء التعبوية ،مُنِع بث القناة في فرنسا بعد مسلسل ( الشتات ) الذي يتحدث عن الحركة الصهيونية وقال مدير الأخبار ( حسن فضل الله ) : بأنه سيكون هناك أكثر مراقبة للبرامج ولن يعود مثل هذا الخطأ،وكانت هذه دعاية مجانية من يهود فرنسا للقناة وبالتالي للحزب كما يرى ذلك ( باسل النيرب ) في مقال له،والملاحظ عليها أنها لم تغط أخبار العراق كما يجب .(1/116)
والغريب ما قاله ( محمد مرتضى حسين ) : في شبكة أخبار النجف : أن المنار تدافع عن المسيحي أميل لحود وعن رفيق الحريري ولا تدافع عن نبيه بري لأن ولائه غير كبير لإيران ،وهو يدعو القناة لترك العراق للعراقيين .
الجدير بالذكر أن المذيعات في القناة يظهرن وهن يرتدين الحجاب الذي يسمى الإسلامي بالإضافة إلى الخلفيات الموسيقية،كما يقرأ فيها عدد من الأدعية الإمامية كدعاء الثغور ودعاء كميل وغيرها .
أخي القارئ الكريم :
نحن لا ننكر أن لحزب الله دور في المقاومة ولكن يجب أن تأخذ إطارها الإعلامي الصحيح دون تضخيم ولا ننسى أن للبنانيين الآخرين مقاومة وكذلك الفلسطينيين المقيمين في لبنان، والسبب في عدم اشتهارهم هو عدم وجود حزب يمثلهم.
إنه حتى لبعض المسيحيين و الدروز مقاومة.
بل يحق للجيوش العربية أن تدعي أنها قاومت ، ألم يقاوم الجيش العراقي في عام 48 ؟ ألم يتصد للقوات الإسرائيلية وهي تحاول احتلال دمشق عام 73 ...؟ ومثله الجيش المصري ... و ما ذنب الجيوش العربية إذا كان قادتها قد أخطئوا تقدير الأمور ...؟ وهل نقارن الأرض التي يدعي الحزب انه حررها بأرض سيناء ...؟.
إليك هذه الأسئلة والإجابة عليها :
هل الحزب يهدف إلى تحرير كامل التراب الفلسطيني ؟
باختصار ... لا ... بل فلسطين ليست من أهدافه ... إنه يستهدف لبنان فحسب وهذا جيد لولا أنه أدعى مسبقاً أنه سيحرر القدس ،فبعد الانسحاب الإسرائيلي لم يقم بعمليات اختطاف أو إسقاط طائرات أو هجوم على مواقع دفاعية بل هو دُكت مواقعه ..إذاً المسالة ضجيج إعلامي ،وفي مقابلة مع قناة الجزيرة سُئل حسن نصر الله متى ينزع سلاح المقاومة هل بعد تحرير مزارع شبعا أم هضبة الجولان أم فلسطين كلها ..؟ فقال: لن نكشف كل الأوراق ... لنترك هذا للمستقبل ... ،ولقد قال نصر الله في تجمع حضره مائة ألف في الجنوب بعد الانسحاب : إننا لسنا مسئولين عن فلسطين ... كما ذكرت ذلك صحيفة النهار اللبنانية .(1/117)
وفي الجزيرة أيضاً سُئل ( نواف الموسوي ) مسئول العلاقات الدولية في الحزب : عن مدى استعداد الحزب للحوار مع الولايات المتحدة ؟ وذلك بعد استقبال الحزب لعدد من المسئولين السابقين في بريطانيا وأمريكا فلم يعترض على مبدأ الحوار وتحفظ على الإدارة الأمريكية الحالية وهذا رغم محاولات اللف والدوران .... وأترك للقارئ التعليق .
هل الحزب يعمل لمصالح إيران وسوريا ؟
هذا واضح من تصريحات المسئولين في كل الأطراف ... والمعطيات على الأرض تدل على ذلك و أشرنا سابقاً إلى الدلائل المتعلقة بالموضوع ولكن يبقى أن يعلم القراء الفضلاء .. أن إيران لم تدعم الحزب من أجل فلسطين كما تدعي وإنما من أجل التوافق المذهبي وليكون لها موطئ قدم في العالم العربي.
لقد قام المرشد خامنئي بتعيين ( محمد يزبك )عضواً شورياً في الحزب بل ذكرت بعض المصادر أن نصر الله نفسه عُين من إيران،ولا أدل على ذلك من ضغط إيران على الحزب ليفرج عن الرهائن الغربيين [ لاحظ أن معظم الرهائن من الغربيين وليسوا من الإسرائيليين ] لتحقيق مصالحها في التقارب مع الغرب كما في عملية اعتقال ( عبد الكريم عبيد ) .
أليس من المستغرب بأن أغلب العمليات المنسوبة للحزب والتي سقط فيها العشرات من القتلى والجرحى كانت موجهة ضد أهداف غربية وليست إسرائيلية ؟،كما نجد أن الحزب أثار الحكومة السورية ضد المقاتلين القادمين من العراق لتعتقلهم وذلك بسبب انتقادهم لرموز الحزب في العراق ، ولقد صرح السفير السوري في واشنطن حينها ( وليد المعلم ) : أن الحزب إنما هو للمقاومة ولكنه لن يقف عقبة في طريق السلام .
من يفسر لنا بعض المواقف والتصريحات التي تثير أكثر من علامة استفهام ؟(1/118)
- في عملية تبادل الأسرى ومنهم ( سمير القنطار ) والتي حدثت في العام الماضي كان من شروطها منع المقاومة الفلسطينية من اتخاذ جنوب لبنان مركزاً لها ،والمفرج عنهم استثني منهم العسكريون والأردنيون والمقدسيون وسكان أراض 48 وأهالي الجولان وأصحاب الأحكام العالية .. ولم يفرج إلا عن من لا تتعدى أحكامهم سنتين ومن قاربت محكوماتهم على الانتهاء .. ومن هم تحت لواء الحزب،وحتى بعض العمليات التي قد تحصل على قلتها وضعفها تثير الشك من ناحية التوقيت [ كأوراق ضغط سياسية بيد إيران وسوريا ] .
يقول ( سلطان أبو العينين ) أمين سر حركة فتح في لبنان : لقد أحبط حزب الله أربع عمليات للفلسطينيين خلال أسبوع وقدمهم للمحاكمة،ويتابع: نعيش جحيم منذ ثلاث سنوات ومللنا الشعارات والجعجعة ويضيف: أن هناك اتفاق أمني بين الحزب وإسرائيل بعدم إطلاق النار وذلك بعد عملية الانسحاب و أن هناك احتكار للمقاومة، وقد أكدت ذلك وكالات الأنباء .
ويرى الطفيلي أن المقاومة الفعلية انتهت مابين عامي 94 و 96 بعد أن تم إبرام صفقات تفاهم .
ولنقف مع تصريحات من الوزن الثقيل للطفيلي :
- فقد اعترف في مقابلة مع الشرق الأوسط بأن هناك تواطؤا بين إيران وإسرائيل عن طريق حزب الله لمنع تسلل الفدائيين وحراسة الحدود وتحويل الحزب إلى حزب سياسي .
- وفي مقابلة مع إخبارية العربية قال: إن الحزب هو الذي يحرس المستوطنات اليهودية .
لقد وضعت أمامك أخي القارئ العزيز جزء أعرفه من كُل لا أعرفه .. أضع أمامك بعض ما أطلعت عليه من قرابة 2 كتابة وبحث كان من أبرزها كتابات الشيخ محمد سرور في مجلة السنة وكتابات (عبد المنعم شفيق) وبالذات كتابه [ حقيقة المقاومة ].
فأرجو المعذرة إن حصل تقصير .
******************
اتفاق نصر الله - عون ... وحسابات الربح والخسارة
الطاهر إبراهيم
مجلة العصر 19/2/2006م(1/119)
منذ أن تسلم ''حسن نصر الله'' زعامة حزب الله، وهو يتابع نجاحاته في قيادة الحزب على مستوى لبنان، وفي خوض غمار المعارك مع إسرائيل في جنوب لبنان. فكان يوازن كما لو أنه يمسك العصا من منتصفها لبنانيا، وللناس الظاهر والله يتولى السرائر.
ولقد توج حسن نصر الله انتصاراته بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وهو يجر أذيال الفشل والهزيمة بعد احتلال دام أكثر من عقدين.
ولا يختلف كثير من الناس حول الاعتراف بحسن مقاربة ''نصر الله'' للشأن اللبناني، منذ أن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وحتى صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559، الذي أكد على ضرورة تحول ''حزب الله'' إلى حزب سياسي وحل فصائله المسلحة. فقد بدأت مقاربات ''نصر الله'' للشأن اللبناني، وارتفعت حدة نبراته بعد أن أُرغم النظام السوري على سحب وحداته العسكرية في 26 نيسان 2005 من لبنان، وبدأ يشعر كأن الانسحاب كان المقدمة الطبيعية لفرط الكيان العسكري لـ''حزب الله''.
ويحسن أن نشير إلى أن بعض المحللين يعتبر أن الشيخ ''نصر الله'' كان الحاكم الفعلي في لبنان في ظل الهيمنة السورية، وأنه لم يكن بحاجة إلى الاحتكاك بباقي القوى اللبنانية طالما أن ساحة الجنوب اللبناني مقصورة على حزبه وبعيدة عن المساجلات الداخلية في ظل تلك الهيمنة.
بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق ''رفيق الحريري''، شعر ''نصر الله'' أن محيط الدائرة التي كان يتحرك داخلها بدأت تضيق. ومع أن الكثيرين، حتى من خصومه، كانوا لا يشكّون ببراءة حزبه من دم الحريري، ولكنهم في نفس الوقت كانوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية، التي يعتقد أنها تتحرك بدعم من حلفائه السوريين وممثلهم ''رستم غزالي'' المقيم في ''مجدل عنجر'' قرب الحدود السورية اللبنانية.(1/120)
ولقد اعتبر البعض أن غلطة الشاطر كانت عندما تحالف الشيخ ''حسن نصر الله'' مع العماد ''ميشيل عون''، خصوصا وأنها جاءت بعد المظاهرة التي اعتدي فيها على كنائس في حي الأشرفية وأُحرقت فيها السفارة الدانماركية. ولكن لماذا اعتُبِرَ التحالف الذي أقامه ''نصر الله'' مع عون غلطة شاطر؟
حتى وقت قريب، كان الذين يناصبون النظام السوري العداء في لبنان من قوى 14 آذار، ما يزالون متفقين على أن موضوع سلاح المقاومة في الجنوب هو شأن لبناني داخلي، رغم ما جاء بشأنه في القرار 1559. وحاول أكثر من فصيل من تلك القوى أن يفصلوا بين موقفهم من التدخل السوري في لبنان وعلاقتهم مع ''حزب الله''.
ولكن الأمر تغير الآن، بعد أن شعر أولئك أن هذا التحالف موجه نحوهم لإضعاف موقفهم من قضية إزاحة رئيس الجمهورية ''إميل لحود'' من قصر ''بعبدا''، فجاء الرد سريعا عندما أعلن الناطق باسم تجمع ''البريستول'' أن سلاح حزب الله لم يعد يحظى بإجماع وطني.
وأنا كمراقب غير لبناني ومحايد، أعتقد أن كثيرا من قلوب قوى 14 آذار كانت حبلى، غير أنها كانت تحافظ على شعرة معاوية، فجاء تحالف ''حسن نصر الله'' مع ''عون'' ليعطيها ضوء أخضر، لتتحلل من التزامها الأدبي تجاه سلاح المقاومة. وكانت قبل ذلك لا تريد خرق شبه الإجماع الذي كان مناوئو سورية يلتزمون به تجاه هذا السلاح.
بل نستطيع أن نؤكد أن حسابات قديمة، كانت بعض مكونات الشعب اللبناني لا تريد فتحها، وكانت من قبل تعتمل في الصدور، فجاء تحالف ''نصر الله'' مع ''عون'' ليهيجها بعد أن تبين للجميع أنه لا قواسم مشتركة ،إطلاقا،تجمع بين المتحالِفَيْن إلا المصلحة الفئوية الضيقة، وأنه لا بأس على قوى 14 آذار أن تفتح صفحات مصالحها الفئوية الخاصة بها.(1/121)
فما هي المصالح التي اعتقد ''عون'' و''نصر الله'' أنه يمكن أن يجنياها من هذا التحالف في مواجهة تجمع قوى 14 آذار؟ رغم أن التناقضات التي تفرق بينهما أكثر مما تجمع، فقد أراد كلا المتحالفَيْن - كل حليف لحساباته الخاصة به في هذه القضية- حرمان الأكثرية النيابية من أكثرية الثلثين اللازمة لإخراج لحود من قصر بعبدا>
فالجنرال ''عون'' كان يريد بورقة الثلثين أن يساوم عليها كي تقبل الأكثرية ترشيحه لرئاسة الجمهورية إذا ما أسقط ''لحود''. أما الشيخ ''نصر الله''، فإسقاط ورقة الثلثين تعني له أشياء كثيرة، لعل منها المناورة في أمور تتعلق بسلاح المقاومة أولا، وبحليفه ''لحود'' ثانيا، وقبل ذلك وبعده، ليقول للجميع: بأنه ما يزال اللاعب الأهم على الساحة اللبنانية، وفي يده الكثير ليقوله وليعمله، ومع ذلك فإنه ما يزال يتطلع إلى عودة التنسيق بين كل الكتل النيابية التي يريد منها الكثير.
ماذا خسر حسن نصر الله بهذه الخطوة ؟
إذا كان ''عون'' يعتقد -وهو مخطئ في اعتقاده- أنه رابح كيفما هبت الريح، فإن ''نصر الله'' خسر بهذه الخطوة من حيث يدري ولا يدري. فقد أضاع من يده إجماعا -ولو سكوتيا على أدنى تقدير- حول مشروعية سلاح المقاومة، مع أن حليفه السوري حتى الآن ما يزال لا يعترف بلبنانية مزارع ''شبعا'' التي يعتبرها ''نصر الله'' سببا كافيا لشرعنة هذا السلاح.
ومع أن زعيم تيار المستقبل يؤكد بأن سلاح المقاومة خيار لا يجوز المساس به، كما أشار إلى ذلك مندوب ''سعد الحريري'' في المهرجان الأخير، فقد عمل ''نصر الله'' على تخويف الآخرين من حرب أهلية، عندما اعتبر أن ''الكلمات التي قيلت يوم 14 آذار تعني أن الجميع ذاهبون إلى حرب أهلية، الجميع فيها خاسر''، وهذا تهديد مقنّع لا يمكن أن يقبله تيار المستقبل أو يسكت عنه إلى ما لا نهاية، خصوصا وأن بعض حلفائه الآخرين نفضوا أيديهم من خيار المقاومة.(1/122)
على أن الأمر اللافت للنظر أكثر من غيره في الاحتفال الذي أقامته قوى الأكثرية النيابية يوم 14 شباط ''فبراير'' الجاري في ذكرى استشهاد ''رفيق الحريري''، كانت كلمة ''أسعد هرموش'' ممثل ''الجماعة الإسلامية'' التي تمثل خط الإخوان المسلمين في لبنان. وربما لم ينتبه الكثيرون إلى هذه الكلمة، غير أن الشيخ ''حسن نصر الله'' لم تفته إيحاءاتها.
فإذا كان تيار ''المستقبل'' يمثل في شقه المسلم توجه السنة السياسي، فإن ''الجماعة الإسلامية''، أولا وأخيرا، تمثل التوجه السني المذهبي، وهو يقابل المذهب الجعفري مذهب أهل الشيعة في لبنان، ولا يخفى على أحد ماذا يعني ذلك.
ما أردت أن أقوله هو أن نظام حافظ الأسد بعد أن كسر شوكة ''حركة التوحيد'' التي كان يقودها في ''طرابلس'' الشيخ ''سعيد شعبان'' التي كانت متحالفة مع الفلسطينيين بقيادة ''أبو جهاد''، فإن الجماعة الإسلامية وجدت نفسها مضطرة للتحالف القسري مع النظام السوري. ومع ذلك فقد كانت أرباح هذا التحالف تذهب كلها لصالح النظام السوري، ولا تنال الجماعة منه شيئا. وقد تمثل ذلك بأن عمل النظام السوري على إسقاط مرشحي الحركة في الانتخابات التي جرت في صيف عام .
والعالمون ببواطن الأمور هذه، يعرفون أن اللهجة المرتفعة للأستاذ ''هرموش'' في ذكرى استشهاد ''الحريري'' في 14 شباط ''فبراير'' كانت صدى لما كان يعتمل في صدور أعضاء الجماعة الإسلامية في لبنان، وأنها إيذان بعزم هذه الجماعة بالوقوف ضد النظام السوري، وهذا ما يعرفه الشيخ ''حسن نصر الله'' حق المعرفة.(1/123)
ولعله من تتمة هذا الموضوع، أن وشيجة الإسلام التي تربط بين ''حزب الله'' وبين الجماعة الإسلامية، رغم اختلاف المذهبين، لم تحفز الشيخ ''نصر الله'' لكي يخفف ضغط النظام في سورية على الإخوان المسلمين السوريين أشقاء الجماعة الإسلامية، الذين حكم عليهم ''حافظ أسد'' بالإعدام بموجب القانون /49/ لعام 1980، مع أن هذا القانون يصطدم مباشرة مع عقيدة ''نصر الله''. ولكن على ما يظهر أن الحلف السياسي أقوى من الوشيجة العقائدية عند كثير من الذين يرفعون راية الإسلام، إلا ما رحم ربي
*******************
أمين عام حزب الله اللبناني كلنا مسجونون في مقراتنا ووحده السفير الأميركي يجول في لبنان
غسان شربل
صحيفة الحياة 18-19/1/2006م
سألت سياسيين في لبنان عن احتمال عودة الوزراء الشيعة عن اعتكافهم ليمكن ترميم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة فردوا: لماذا لا تسأل السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ "حزب الله". سألتهم عن احتمال اندلاع مواجهة في الشارع بسبب الانقسام حول الموقف من سورية وملفات اخرى وتلقيت منهم الرد نفسه الذي تكرر حين حاولت الاستفهام عن مستقبل الوضع في جنوب لبنان والقرار 1559 لمجلس الأمن، وسلاح المقاومة بعد استكمال التحرير. المفتاح موجود لدى نصر الله، قالوا. ولم يترددوا في الإشارة الى ان العلاقات الإقليمية لـ"حزب الله"، تحديداً تحالفه مع سورية وإيران، تنذر بإبقاء لبنان "اسيراً لسنوات طويلة".
رائحة خوف في لبنان. خوف من الاستنفار الطائفي والمذهبي، ومن شلل عام ينذر بكارثة اقتصادية، أو بما هو أسوأ.
لم يعد رئيس الجمهورية قادراً على لعب دوره. واضح ان الألغام الطبيعية والمفتعلة تعوق قدرة الحكومة على متابعة الملفات الصعبة، بدءاً من التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وصولاً الى الهموم اليومية للمواطن العادي.(1/124)
حملت الأسئلة والمخاوف الى مكتب السيد حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية، وكان هذا الحوار الذي تنشره "الحياة" على حلقتين، وهنا نص الأولى:
سماحة السيد، هل نحن عشية حرب اهلية جديدة في لبنان؟
- (ضاحكاً) تبدأ الحوار من مكان صعب.
> اجواء البلد تشجع على طرح هذا السؤال...
- تسألني عن الحرب الأهلية. أعوذ بالله من ذلك. انا طبعاً استبعد هذا الأمر. صحيح ان الأوضاع في لبنان تشهد توترات حادة في الآونة الأخيرة ولكن أتصور ايضاً انه يوجد من العقل والحكمة والضمانات ما يجعلنا بعيدين عن وضع سيئ من هذا النوع.
> هل يمكن ان يرى "حزب الله" نفسه مضطراً الى اطلاق الرصاصة الأولى في قتال داخلي؟
- مستحيل ان يطلق "حزب الله" رصاصة في قتال داخلي. هذا اولاً. ثم ان "حزب الله" يسعى في شكل دؤوب وجدي وحازم كي لا يقع في مؤامرة تحويل وجهة سلاحه، وهو يرفض ذلك في شكل مطلق.
> ما هي مشكلة "حزب الله" حالياً، هل هو مطالب بالتنازل عن جزء من دوره الإقليمي كي يتمكن من ان يكون جزءاً من الوفاق الداخلي؟
- المشكلة القائمة في لبنان حالياً ليست مشكلة "حزب الله" بالتحديد. انها مشكلة لبنان. أي لبنان نريد؟ الى اين نريد ان نذهب بلبنان؟ مستقبل لبنان وخياراته الاستراتيجية، السياسات التي يجب ان تحكم الوضع الداخلي والعلاقات الخارجية اللبنانية؟ هذه هي المسألة. لـ "حزب الله" وجهة نظر قد لا تتفق مع بعض القوى الموجودة اليوم في السلطة، وقد تتفق مع وجهات نظر قوى سياسية اخرى. المسألة لا ترتبط بدور "حزب الله" بقدر ما ترتبط بهذه الخيارات الأساسية والاستراتيجية.
> هل يمكن تفصيل ذلك اكثر؟(1/125)
- اليوم هناك نقاش في لبنان هل اسرائيل عدو ام ليست عدواً؟ هل تشكل تهديداً استراتيجياً للبنان ام لا؟ هل انتهت الأطماع الإسرائيلية في لبنان ام لا؟ كيف نتعاطى مع الخروق الإسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية؟ كيف نسترجع بقية الأرض المحتلة؟ كيف نسترجع الأسرى والمعتقلين؟ هناك نقاش كبير حول هذه المسائل. هذا بالنسبة الى الملف الإسرائيلي. هناك نقاش ايضاً حول الملف الفلسطيني. السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها، الحقوق المدنية للاجئين، مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان، توطين، عودة، تهجير. هناك نقاشات.
الملف الثالث هو العلاقة مع سورية. النظرة الى سورية ومستقبل العلاقة معها، المصالح الوطنية اللبنانية في هذه المسألة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
هناك ايضاً العلاقات الدولية. هل خرجنا، كما يقول الأخوة في 14 آذار، من الوصاية السورية لندخل كما يقول الأخوة في 8 آذار في وصاية اميركية - فرنسية على لبنان؟ ما هي حدود التدخل الأميركي والفرنسي في لبنان؟ ما هي النظرة الى المساعدة التي يقدمها الأشقاء العرب من المملكة العربية السعودية الى مصر الى جامعة الدول العربية؟ هذه مسائل خلافية. هناك من يرفض أي شكل من اشكال التعريب او المساعدة العربية إلا اذا كانت تخدم مشروعه، لكنه يرحب بأي تدخل اميركي او فرنسي.
في الملف الداخلي هناك ايضاً أسئلة كبيرة حول السياسات: الإصلاح الإداري والمالي والسياسي وملفات الفساد وهل تقتصر على "بنك المدينة" ام هي أوسع. هذا نقاش. هناك من يحصر الفساد بملف "بنك المدينة" ولا استعداد لديه لمناقشة ان الديون تبلغ 40 بليون دولار واين صرفت الأموال.
> فتح هذه الملفات ألا يشكل إحراجاً لكم؟
- لا، نحن ليس لدينا أي إحراج.
> على الأقل لحلفاء أو أصدقاء؟(1/126)
- لا مشكلة لدينا. وهناك مشروع الدولة وتطبيق بقية بنود الطائف. لبنان اذاً في مخاض. هناك نقاش حول امور كثيرة. من التبسيط الشديد القول ان لا مشكلة في لبنان سوى مشكلة "حزب الله" ودوره، وكيف نعالج هذه المشكلة. موضوع "حزب الله" جزء من هذا المخاض الكبير لأن "حزب الله" قوة اساسية في البلد وله وجهات نظر في كل هذه المسائل، وفي الحد الأدنى يدّعي انه مخلص لوطنه وشعبه وللمصالح الوطنية اللبنانية، وحريص على وحدة البلد وتجنب أي فتنة داخلية وحريص على السلم الأهلي وبناء الدولة والمشروع الحقيقي الداعي الى بناء الدولة على اسس صحيحة. من هذا الموقع فإن "حزب الله" بما يمثل ومن يمثل لديه آراء قد تتفق وتختلف مع آخرين فتنشأ خلافات وصدامات.
قصة 8 آذار
> ألا تعتقدون انه كان في استطاعة "حزب الله" ان يتصرف بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بطريقة اخرى تخفف وطأة الأجواء السائدة؟ هل كانت تظاهرة 8 آذار في ساحة رياض الصلح ضرورية؟
- تماماً. كانت ضرورية جداً اذا عدنا الى المناخ الذي كان سائداً في ذلك الوقت.(1/127)
هناك مجموعة من القوى السياسية التي صار اسمها لاحقاً 14 آذار، أو قوى المعارضة طبعاً "حزب الله" لم يكن من قوى الموالاة، لم يكن عضواً في الحكومة ولم يكن منح حكومة الرئيس عمر كرامي الثقة. ولكن هو ليس في موقع المعارضة التي كانت قائمة في ذلك الحين. المناخ الذي كان سائداً، الاتهام لسورية. والقول أن سورية هي التي قتلت الرئيس الحريري هو اتهام ومحاكمة وحكم. وبناء عليه حصلت الضغوط التي ادت الى خروج القوات السورية بالطريقة التي خرجت بها. وسرت في الشارع اللبناني موجة شديدة من التحريض السياسي والإعلامي والنفسي لم تستهدف النظام فقط في سورية بل أيضاً الشعب السوري. واستطيع بكل جرأة أن أصف تلك الحملة بأنها اتصفت في بعض الأحيان بمسحة عنصرية في بعض وسائل الإعلام وبعض الخطابات. ونحن لمسنا لمس اليد ان هذا التحرك سيؤدي الى صنع عداء مستحكم بين الشعبين اللبناني والسوري، وأنا لا أفترض ذلك بل لمسناه، لدينا طلاب لبنانيون في الجامعات السورية وهناك كثيرون من اللبنانيين الذين يذهبون الى سورية ويعيشون فيها ولمسوا ذلك من الانسان العادي، حتى من الذين يعارضون النظام في سورية. هذا لمصلحة من؟ كان لا بد من عمل ما يعبر فيه اللبنانيون عن شكرهم وامتنانهم حيال كل ما قدمته سورية للبنان مع تحفظهم عن الأخطاء التي ارتكبتها في لبنان. وهو ما قاله الرئيس بشار الأسد في خطابه. وتظاهرة 8 آذار جاءت بعد خطاب الرئيس الأسد الذي تحدث عن أخطاء. بين 8 آذار و14 آذار، ماذا جرى؟ كلانا طالب بالحقيقة وبالتحقيق في اغتيال الرئيس الحريري ونريد وحدة وطنية والسلم الاهلي وبناء الدولة واتفاق الطائف. نحن لسنا مختلفين على هذه الأمور. لكن هناك من يقول شكراً لسورية وهناك من يشتم سورية ويحاكمها من دون دليل، ويبني جداراً من الكره بين شعبين لا يمكن أن ينفصلا عن بعضهما بعضاً. في تقديرنا، الإنصاف والعدل يقضيان بألا تحاكم أحداً قبل ادانته. المصلحة(1/128)
الوطنية اللبنانية تقضي ألا يكون هناك عداء بين الحكومتين والشعبين، وبالدرجة الأولى بين الشعبين. فالحكومات تأتي وتذهب، أما الشعوب فباقية ولا نريد ان نصل الى مرحلة يتأصل هذا الحقد فيرثه جيل بعد جيل. من هنا الحاجة إلى 8 آذار. هذا في الاعتبار السوري.
أما في الاعتبار الداخلي، حركة 8 آذار في الشارع قامت باستيعاب نفسي كبير ومهم جداً لحالة احتقان، أي بتعبير آخر، خطاب المعارضة لم يكن يستهدف فقط النظام في سورية بل استهدف أيضاً العديد من القوى السياسية في لبنان، وبلغة تحريضية قاسية جداً جداً. هذه القوى لها امتداداتها في الشارع وطبعاً جزء من هذا الخطاب تناول حتى المقاومة. لهذه القوى جمهور عريض كان يستمع الى هذه الخطابات، يوماً تلو الآخر وشهراً تلو الشهر، وكان يتعبأ. في المقابل هناك شارع يتعبأ ولا بد من حركة تعيد ضبط هذا الشارع وتوازنه النفسي ليعبر عن نفسه وعن وجوده وعن شعاراته، فيقول أنه غير ضعيف وانه لا يمكن حذفه وشطبه. في رأينا توقيت 8 آذار كان مهماً لاستيعاب الشارع الآخر، لابقاء الخصام القائم في اطار السياسة والاعلام من دون ان ينسحب الى صدامات في الشارع. وفي رأيي لولا 8 آذار كان يمكن للصدام أن يندفع الى الشارع وهذا طبعاً خط أحمر بالنسبة إلينا، ولا نريد ان يصل لبنان الى هذه المرحلة. وفي كلا الاعتبارين اللبناني الوطني واعتبار مصالح لبنان وعلاقة الشعبين اللبناني والسوري، كان لا بد من حركة 8 آذار.
> أين نحن اليوم في موضوع اعتكاف الوزراء الشيعة؟ هل توقف الحوار؟(1/129)
- حتى الآن حصلت محاولتان للتوافق. المحاولة الأولى في الرياض والتي في الحقيقة لم يتدخل فيها الأشقاء السعوديون وانما كانت الرياض الظرف المكاني، باعتبار ان الاخ الشيخ سعد الدين الحريري لا يستطيع ان يأتي الى لبنان، والاتصال بالواسطة أو بالهاتف غير مجد. طلب أن يذهب مندوبون من "حزب الله" وحركة "امل" اليه، وبالفعل ذهب مندوبان، وكانت لقاءات لمدة 48 ساعة وحوارات، وهو تشاور مع حلفائه في لبنان عبر الهاتف وتم التوصل الى اتفاق. وهذا الاتفاق الذي أنجزه هؤلاء اللبنانيون باركته المملكة العربية السعودية، ولكن بمجرد ان عاد الأخوة على ان يتم اعلان الاتفاق في اليوم التالي، بدأ اطلاق النار على هذا الاتفاق من بعض حلفاء الشيخ سعد، تحديداً السيد الاستاذ وليد جنبلاط. وفوجئنا في الوقت الذي اجتمعت كل وسائل الاعلام في منزل رئيس الحكومة دولة الرئيس فؤاد السنيورة، بأن دولة الرئيس يبلغ وسائل الاعلام أنه لا يمكنهم السير قدماً بهذا الاتفاق بسبب تحفظ بعض حلفائهم. في اليوم الثاني جاء عدد من الوزراء على قاعدة التشاور مع رئيس الوزراء وبدأت حملة اعلامية شديدة على الاتفاق الذي تم التوصل اليه، تارة بأن هذا اتفاق تم خارج لبنان كأن اتفاق الطائف تم في لبنان، أو كأن مدينة الطائف تقع في جبل لبنان، وتارة بأن هذا الاتفاق سيؤدي الى اتفاق قاهرة جديد. عملياً اجهض الاتفاق وبقينا بضعة ايام نتحاور ثم أعيد التواصل. رئيس الوزراء قدم صيغة ناقشناها واجرينا عليها بعض التعديلات البسيطة وتفاهمنا. واستطيع أن اقول اتفقنا. ولكن كي أكون دقيقاً قال الرئيس السنيورة هذا جيد، هذه ايجابية لكنني اريد أن أشاور حلفائي. وكان الرئيس نبيه بري ذهب الى المملكة لأداء فريضة الحج والتقى الشيخ سعد في جدة، على ان يذهب دولة الرئيس السنيورة ويحصل لقاء هناك. الصيغة التي تم التفاهم عليها مع الرئيس السنيورة والتي كان من المفترض أن تبقى ضمنية لمزيد من النقاش(1/130)
والتشاور، ابرزها بعد يومين الاستاذ وليد جنبلاط في أحد لقاءاته في المختارة كنص امام وسائل الاعلام، وبدأ يخطب ويعلق عليها. عملياً كنا ننتظر رداً من الرئيس السنيورة حول الاتفاق الجديد، وحتى الآن لم يأت بجواب. امس عندما كان السنيورة يجري اتصالات بالرئيس بري والاستاذ وليد جنبلاط من أجل استيعاب الجو الاعلامي والتصعيد الأخير، سألنا الرئيس السنيورة اين اصبحنا في الموضوع الأساسي، قال انتظروا أياماً ان شاء الله نحن نتواصل. لم نأخذ جواباً في شأن الاتفاق الثاني ولا استطيع أن اتحدث بتفاؤل لأن الذين اجهضوا الاتفاق الأول قد يجهضون الثاني، وهم يريدون تصعيد الامور واعتقد بأن هناك من يعمل جاهداً لئلا يحصل اتفاق بين "حزب الله" وحركة "أمل" من جهة و "تيار المستقبل" من جهة ثانية.
> بأي غرض؟
- منذ الخلاف الذي حصل في مجلس الوزراء الاستثنائي الذي عقد يوم الاثنين الذي حصلت فيه حادثة اغتيال النائب جبران تويني، ونحن تحفظنا عن توسيع عمل لجنة التحقيق الدولية لأسباب ترتبط بأمن لبنان. الادلة التي قالها الأخوة لم تكن مقنعة بأننا لو وسّعنا لجنة التحقيق سيضبط الوضع الأمني في لبنان وتقف الاغتيالات، فقلنا لهم ان غالبية الاغتيالات جرت بعد تشكيل لجنة التحقيق. وهذا يعني ان الحكومة تعلن عجزها وفشلها عن ضبط الامن في لبنان. وهذا أمر خطير وسيئ للبنانيين وللمستثمرين في لبنان أو الذين يريدون الاستثمار فيه. أما المحكمة الدولية التي طرحت في شكل طارئ، فكانت نقطة على جدول أعمال يوم الخميس. فقلنا لهم جيد، اليوم هو يوم الاثنين ويمكن أن ننتظر الى الخميس ومن المفترض ان نستمع منكم الى صيغة المحكمة الدولية، لأنني اؤكد انه حتى اليوم لم يقدم اي نص ولو صغير لأي وزير، يقول ما هي المحكمة الدولية.
> هل صحيح أنكَ أعطيت موافقة مبدئية على المحاكمة الدولية، واقترحتَ موسكو مقراً لها؟(1/131)
- لا، هذا غير صحيح ولم أسمع بقصة موسكو. ولكن عندما حدثت المشكلة مع الضباط السوريين، لجهة التحقيق معهم، واقترح السيد ميليس اجراءه في مونتيفيردي، أنا كنت من الاشخاص الذين قالوا في بعض الجلسات الداخلية، ماذا نريد نحن؟ هل نريد أن نصل الى الحقيقة أم أن نحرج بعضنا بعضاً؟ هل نريد أن نعرف الحقيقة أم أن نحرج سورية؟ اذا كان المطلوب التحقيق مع الضباط السوريين فليحصل في أي مكان تطمئن اليه سورية، وعلى سبيل المثال موسكو أو القاهرة، وهذا رأي شخصي. أما بالنسبة الى المحكمة الدولية، فقلت لهم نعم نحن من حيث المبدأ نتحفظ، فنحن لا نعرف لمن ستصغي هذه المحكمة، ولكن إن أعلمتمونا عن طبيعة المحكمة وآلياتها ومرجعيتها والقانون الذي ستعتمده قد نتجاوز التحفظات. لذلك كان مفترضاً ان يزورني النائب بهيج طبارة يوم الاثنين او الثلثاء ليعرض علينا الصيغ المفترضة أو المقترحة، لنبت الامر في جلسة يوم الخميس. اصروا في جلسة الاثنين الاستثنائية على ان يصوت مجلس الوزراء على طلب محكمة دولية من دون أن نفهم ما هي هذه المحكمة. فاعترضنا على هذه الطريقة، وخرجنا من الجلسة وعلقنا عضويتنا في مجلس الوزراء. منذ ذلك الحين، لم ننقطع عن الحوار، لم نصعّد اعلامياً ولا سياسياً ولم نهاجم أحداً. كنا نُسأَل لمَ خرجتم؟ وكنا نشرح ونقول أعطونا وقتاً واعطونا نصاً، ولكن منذ ذلك الحين والسيد وليد جنبلاط يشن هجوماً يومياً.
> لم؟
- يجب أن تسأله.
الوساطة بن جنبلاط والأسد
> كنتم قمتم بوساطة مع الرئيس الاسد بخصوص وليد جنبلاط، في 2005. لمَ تعثرت؟(1/132)
- جيد أن نتحدث عن هذه الوساطة. اولاً انا عندي من المشاغل والهموم الكثير الكثير. في السنة الاخيرة قبل استشهاد الرئيس الحريري، قامت علاقة جدية وودية بيني وبينه. قال لي السيد وليد جنبلاط يا أخي الامور تغيرت في دمشق كنا نلتقي العماد حكمت الشهابي وهو الآن خارج البلد، وكنا نلتقي السيد عبد الحليم خدام وهو الآن غير معني. وأنا أذهب والتقي بفلان وفلان وفلان ولا اعرف ان كان هؤلاء ينقلون ما أقول لهم الى الرئيس بشار الاسد. فأنا اريد منك اذا أتيحت فرصة للتواصل بينك وبين الرئيس الاسد، ان نحدد بالضبط قناة الاتصال. عرضت الموضوع على الرئيس بشار فقال لا مشكلة. الذين يتواصل معهم هم معنيون ومسؤولون، ولكن اذا اراد أن يتواصل في شكل خاص عن غير طريق عنجر، أنا مستعد لتقبل أي رسالة وأي موضوع، أنا مستعد لتقبل ذلك عن طريق فلان، وحدد أحد المسؤولين.
> فلان سوري؟
- طبعاً، من دمشق. أي اذا توجه وليد بك الى دمشق واراد ان يقابل فلاناً يمكنه ذلك في أي وقت. لسوء الحظ أن هذا الأمر حصل في الاسبوع الذي استجد فيه موضوع التمديد للرئيس اميل لحود، وأقول استجد لأنه بحق استجد. المناخ لم يكن مناخ تمديد للرئيس لحود ثم تحول الى قرار تمديد، أو توجه تمديد.
> هل ساهمتم في قرار التمديد؟(1/133)
- كنا ورقة بيضاء. لم يكن لدينا مانع من التمديد. لم نصر عليه ولم نمانعه. لذا كنا دائماً نتعاطى بأن هذا الخيار مفتوح وقابل للنقاش. فصار التمديد، بالتالي عندما بدأ العهد الرسمي للولاية الجديدة، حان وقت تشكيل حكومة جديدة. لأول مرة، وخلافاً لكل الحكومات السابقة، كان رأينا أن يشكل الرئيس الحريري الحكومة الجديدة. وأنا شجعته وهو كان متردداً بعض الشيء. بل عملنا لدى الاخوة السوريين لتوضيح أن الظرف والمصلحة بعد التمديد، يقضيان بأن يشكل الرئيس الحريري الحكومة. لكن الحريري كان يقول لي: انا لديّ مشكلة في أن أشكل حكومة من دون وليد جنبلاط. وفي ظل المناخ الصعب بين جنبلاط والسوريين سيكون صعباً تشكيل حكومة، فأريدك أن تساعدني بموضوع جنبلاط وعلاقته مع السوريين. طلب مني الرئيس الحريري في ذلك اليوم موعداً عاجلاً والتقيته في الضاحية الجنوبية، وقال: يجب ان تتدخل اليوم فوراً. وكان جنبلاط يومئذ شن هجوماً على السوريين، وفي اليوم التالي لزيارة الرئيس الحريري لي، كان مقرراً عقد لقاء لقوى سياسية وأحزاب في الكومودور ضد وليد جنبلاط، وفي الليلة ذاتها كان وليد جنبلاط ضيف حلقة "كلام الناس" على شاشة "ال بي سي". سألت الرئيس الحريري لمَ اليوم، فقال والتعبير له: "لأنهم غداً في الكومودور سيسلخون جلده وليلاً هو سيهاجم حتى النهاية، بالتالي أي فرصة لتصحيح العلاقات مع سورية، لن تكون متاحة. وأنا فكرت طوال ليل أمس، ولم أنم لحظة، وتوصلت الى أنك انتَ من يستطيع معالجة الوضع. واتمنى أن تتحدث الى وليد بك وتطلب منه تهدئة الأمور". اتصلت بوليد بك، وتحدثت اليه وقلت له أتمنى أن تتروى وتهدأ وأنا سأعالج الامر غداً. وبالفعل في الليلة ذاتها، أجريت الاتصالات اللازمة لتهدئة الاجواء لليوم التالي في الكومودور. كما خفف وليد جنبلاط هجومه وقال على الشاشة: انا ملتزم مع السيد حسن، وكررها ثلاث أو أربع مرات. دخلت أنا اذن في الوساطة. والامر لم(1/134)
يكن معقداً. كل ما كان مطلوباً ترتيب لقاء بين الرئيس الاسد ووليد جنبلاط ليجلسا ويتفاهما.
في البداية كان الرئيس بشار الاسد منزعجاً من تعاطي الرجل معهم، ولكن نتيجة محاولات متكررة أبدى الرئيس الاسد ايجابية في استقبال جنبلاط في ذلك الحين. وهذه المرة الاولى التي أكشف فيها هذا الموضوع. ارسل الاسد يقول لي بالنهاية جنبلاط تهجم علينا وعلى النظام وأكثر من تعرض للهجوم ممثلنا في لبنان، العميد رستم غزالي فإن استطعت رتِّب الموضوع، ولو من باب اللياقة، ليلتقي وليد جنبلاط برستم غزالي، وعندئذ أهلا وسهلاً به في دمشق. وأنا اعتبرت الامور ممتازة. ارسلت الى وليد بك، وكان يوم سبت، ولا أذكر التاريخ، لكنه قبل اغتيال الحريري وقبل اعتزاله الحكومة. الاثنين كان هناك مؤتمر البريستول. السبت أرسلت أحد الأخوة الى المختارة، واتصلت به هاتفياً فقلت له هناك مستجدات، وأتمنى أن تستقبل الاخ وتستمع اليه وتعطيني جواباً. ذهب الاخ الحاج حسين خليل وقال له نتيجة لوساطة السيد، الجو في سورية جيد وايجابي، والرئيس بشار جاهز وسنرتب مواعيد فتذهب أنت والسيد معاً، لكن السيد يرى أنه من باب اللياقة، ولم نقل أن هذا شرط الدكتور بشار، إما أن يدعونا رستم غزالي الى الغداء فنمر به في طريقنا الى الشام، أو يدعوك السيد الى الغداء انت ورستم غزالي فننهي هذا الجو ونلتقي بعدها الاسد. فقال له دعني أفكر وأشاور. اتصل الحاج حسين من المختارة وقال لي هذا ما حدث، فقلت له حسناً فليبق الامر بيننا فان لم يقبل لنعرف كيف نعالج الموضوع لاحقاً. واذا بوليد جنبلاط يفشي ما حدث في مؤتمر البريستول. فهمت في تلك اللحظة انه ليست لوليد جنبلاط أي نية جدية للتصالح مع السوريين، حتى قبل اغتيال الرئيس الحريري، وان السيد وليد جنبلاط اخذ خياره بالصراع مع هذا النظام. ومع ذلك، اعتقد بأن ما قاله في البريستول كان مسيئاً إليّ شخصياً كوسيط، وللرئيس الحريري المتحمس للوساطة(1/135)
وللسوريين أنفسهم. كان واضحاً، وانا أشهد بأن كل هذا الجو كان قبل اغتيال الرئيس الحريري، وابدى الرئيس بشار الايجابية المطلوبة لتجاوز المشكلة مع وليد جنبلاط، لكن وليد جنبلاط كان مصراً على الذهاب الى الصدام مع النظام في سورية. بعد اغتيال الرئيس الحريري صارت الأمور أصعب. لم يعد ممكناً الحديث عن وساطة. نعم، كنا أنا وآخرون نبذل جهوداً شخصية وليست بطلب من أحد لترتيب الأمور وترطيب الاجواء، لكن الامور كانت صعبة.
> هل حصلت في تلك الفترة موافقة على استقبال وليد جنبلاط من قبل مسؤولين سوريين ولكن من دون اللقاء مع الأسد؟
- هذا جرى لاحقاً بعد استشهاد الرئيس الحريري، والهجوم الكاسح الذي شنه وليد جنبلاط. صار الرئيس الاسد يتحفظ. لكنه لم يمانع في أن يلتقي معه مسؤولون آخرون.
اللجنة السورية
> يقول جنبلاط ان الانقسام الحالي هو على الموقف من النظام السوري وليس من الشعب السوري، واسمح لي ان اقول أكثر: ثمة من يقول أن لدى "حزب الله" برنامجاً لإعادة النفوذ السوري الى لبنان.
- (ضحك) أولاً هذا ادعاء بلا دليل. ثانياً لو أخذنا "حزب الله" ماذا استفاد من الوجود السوري في لبنان، ولن اقول منذ ثلاثين سنة فقبل 1982 لم يكن "حزب الله" موجوداً. من 1982 الى اليوم الذي خرجت فيه القوات السورية ماذا استفاد "حزب الله" من الوجود السوري، وماذا استفاد وليد جنبلاط؟ وآخرون وآخرون وآخرون؟
لنتحدث عن فترة وجود سورية في لبنان. اولاً وجودنا في ادارات الدولة، لم يكن لنا أي وجود. بالعكس اغلقت أمامنا الادارات الرسمية. اما المناطق التي كان لنا فيها نشاط ونفوذ معنوي وشعبي فكانت تزداد حرماناً وفقراً. نحن لم نستفد بالوظائف ولا بالمشاريع والانماء والسلطة، ولا أي شيء كما استفاد آخرون. لذلك كل من اراد ان يحاكم تلك الحقبة، ليست لدينا مشكلة معه، بل سنكون مرتاحين لأننا خارجها.(1/136)
نعم، الوجود السوري في لبنان كان يعني لنا شيئين: اولاً هو عامل رئيسي في تأمين الاستقرار الداخلي، بسبب هشاشته. ثانياً كان هذا الوجود يشكل حضناً حامياً للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي. بالتالي، أنا موقفي من سورية خاضع لاعتبارات وطنية واستراتيجية وليس خاضعاً لحسابات شخصية أو حزبية أو مصلحة آنية. أنا لم أكن مع سورية في لبنان لأنها كانت تجد لي وظائف في ادارات الدولة، ولا لأنها كانت تؤمّن لي مشاريع او تعطيني موازنة أو وزراء أو نواباً. وهم يعلمون هذا. بالعكس، اللجنة السورية التي كانت تدير الشأن اللبناني حتى العام 2000 كانت تتعمد تجاهل "حزب الله" في المعادلة الداخلية اللبنانية.
> لماذا؟
- لأمر يرتبط بهم، لا أعلم.
> عفواً تعني اللجنة السورية التي ضمت خدام والشهابي وغازي كنعان؟
- نعم اللجنة السورية. اذاً، انا اعتباراتي استراتيجية. أنا أتحدث عن الامن والاستقرار في لبنان، وعن حماية المقاومة. اليوم أنا لا اعمل لا لاعادة القوات السورية الى لبنان ولا لإعادة الاستخبارات السورية إليه، ولا لإعادة النفوذ السوري. وللمناسبة، شئنا أم ابينا نحن وغيرنا، لسورية نفوذ في لبنان لا يستطيع أحد أن يستأصله، بحكم ما يُقال عن واقع التاريخ والجغرافيا وشبكة المصالح وتشابك العلاقات العائلية والاجتماعية.
هناك هدف آخر نعمل له. نحن نرفض محاربة سورية من لبنان، ونرفض تورط اللبنانيين بأي مشروع لاسقاط النظام في سورية. وهذا خطر على سورية ولبنان. لاسباب وطنية لبنانية، نعتبر أن أي حرب سياسية أو امنية أو اعلامية فضلاً عن عسكرية، يريد بعضهم ان يجر لبنان إليها، هي على خلاف المصالح الوطنية اللبنانية بصرف النظر عن الموضوع القومي والعروبي وموضوع اسرائيل والوضع الاستراتيجي في المنطقة، لأنها حرب خاسرة بكل المعايير والموازين. وما نقوله اليوم ان هناك في لبنان من يريد اسقاط النظام في سورية.
> مثل مَن؟(1/137)
- كثيرون ومنهم وليد جنبلاط الذي يدعو القوات الاميركية الى احتلال سورية وازالة النظام كما ازالت النظام العراقي السابق. وهذا واضح، وهو دعا المعارضة السورية الى الاستعانة بالخارج. ميزة وليد جنبلاط أنه يقول ما يريد، هناك آخرون يعملون ولا يقولون. لا تسألني مَن، فعندما يقولون أقول لك. في رأينا هذا خطر على لبنان. اليوم المشكلة معنا أن بعضهم يريدنا أن نكون جزءاً من حربه المعلنة على سورية ونحن نرفض ذلك. ليست المشكلة انهم لا يريدون النفوذ السوري ونحن نريده. هذا غير صحيح.
> أي انك تعارض عودة النفوذ السوري الى لبنان؟
- اذا كان النفوذ سيركّب حكومة ويأتي بنواب ويتدخل بالتفاصيل، نعم أعارضه. وأنا أعتقد بأن الرئيس بشار الأسد عندما تحدث عن أخطاء، وعن استراتيجية جديدة كان يقصد ذلك. لذا عندما قلت في احدى المقابلات ان سورية لا تريد أن تعود الى لبنان كما كانت عليه في الماضي، كنت أعني واعرف ذلك.
> هل تعتقدون فعلاً بأن سورية تخلت عن حلم ادارة لبنان؟
- في ما يتعلق بالرئيس بشار الأسد، اعتقد ذلك.
> لكن هناك من يقول ان سورية تريد إما أن تدير لبنان وإما أن يكون لبنان مضطرباً كي يظهر أن اللبنانيين عاجزون عن ادارة شؤونهم.(1/138)
- أنا لا أوافق على ذلك، وأقول للبنانيين هؤلاء تعالوا لنرتب الأمور مع سورية. طبعاً من دون أي لبس، لئلا يكون هناك أي لبس في كلامي فلتستمر لجنة التحقيق الدولية وليستمر التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الى أن تظهر نتائج التحقيق. ميليس نفسه قال قبل مغادرته قد نحتاج سنة أو سنتين، وفي حال المحكمة الدولية لا نعلم كم سيطول الامر، في هذا الوقت نرتب الأمور مع سورية ونأخذ فرصة كلبنانيين لنرى ان كان في استطاعتنا ادارة بلدنا او لا، وإن كان السوريون سيسمحون لنا بإدارتها ام لا. فلنجرب ذلك قبل توجيه الاتهامات. ولكن، اليوم يوجه هذا الاتهام الى سورية، ويستفاد من لبنان كمقر للتآمر على سورية، اعلامياً وسياسياً ودولياً. اصبحت سورية في شكل أو في آخر في موقع الدفاع عن النفس. حتى الذين تناقشهم يقولون لا، نحن في موقع الدفاع وهجومنا دفاعي. فلنوقف هذا الهجوم ولنجلس ولنسعَ. المسعى الأخير في جدة بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بشار الاسد هو محاولة لترتيب الامور بين لبنان وسورية، بما يريح لبنان، وما يريح سورية وما يعطي فرصة لاستكمال التحقيق. قبل أن يعرف أحد ماذا جرى في هذا اللقاء، بدأ اطلاق النار من لبنان، طبعاً بلهجة أقل مما تعرض له الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. أنا لديَ احساس بأن في لبنان من لا يريد أن يحصل أي تفاهم مع سورية تحت أي اعتبار من الاعتبارات، وبعض هؤلاء أشد الناس خوفاً من كشف الحقيقة في اغتيال الرئيس الحريري.
> يقال ان الحقيقة ثقيلة على أطراف كثيرة. على سورية وربما على "حزب الله". ما هو ردك؟(1/139)
- وربما تكون أيضاً ثقيلة على بعض قوى 14 آذار. بمعنى انه لو ظهرت الحقيقة وتبين أن لا علاقة لسورية باغتيال الرئيس الحريري، ماذا يعني هذا؟ يعني أن كل البنيان السياسي والنفسي والاجتماعي وكل ما بني على اساس اتهام سورية سينهار في لحظة واحدة. عندما تنتهي المحكمة أو التحقيق الى فرضية، وانا لا أحكم، مثلاً أن لا علاقة لسورية بالاغتيال، أليس هناك من يخاف...
> هل تعتقد بأن ليست لسورية علاقة؟
- ليس هناك أي دليل حتى هذه اللحظة.
> عندما يشار الى دور سوري في اغتيال الرئيس الحريري تسألون عن الدليل، وليس هناك أي دليل حتى الآن؟
- نعم، وأنا طبعاً لا أعتقد بأن لسورية أي علاقة في مقتل الرئيس الحريري وأعلم ان هذا الكلام يزعج البعض، لكنها قناعاتي.
> من تتهم باغتيال الحريري؟ لم تثبت أي علاقة لاسرائيل لا في تحقيق القضاء اللبناني ولا تحقيق اللجنة الدولية؟
- لم يجر تحقيق لا في القضاء اللبناني ولا في اللجنة الدولية حول فرضية علاقة اسرائيل. لم يعتقل أحد في لبنان ممن له علاقة باسرائيل وتدرب في اسرائيل، وله خبرة في التفجيرات والاغتيالات وعمليات خاصة، لم يتم توقيف أي شخص، بل تم التعاطي مع اسرائيل على انها يمكن أن تساعدنا وتزودنا المعلومات.
> فرضية أن تكون لـ "القاعدة أو للأصوليين علاقة، ما تعليقك؟
- هذه فرضية قائمة وممكنة.
> هل ازدادت احتمالاتها في الفترة الأخيرة؟
ليست لديّ معلومات خاصة عن التحقيقات التي جرت مع مجموعة "القاعدة" سوى ما نشر في وسائل الاعلام. ولكن، بمعزل عن هذه التحقيقات، أعتقد بأنه من جملة الفرضيات القائمة.
> وهل هي أكثر ترجيحاً من فرضية اسرائيل؟
- لا أملك أدلة ومعطيات، لا يمكنني أن أقول شيئاً.
> معروف أن "حزب الله" يمتلك ماكينة أمنية، فهل صحيح ما يشاع من أن السيارة التي استخدمت في محاولة اغتيال مروان حمادة فُخخت في الضاحية؟(1/140)
- هذا رائج أم تم ترويجه؟ السيد وليد جنبلاط رمى هذا الموضوع الى الاعلام.
> ولكن هل هي معلومات، أم أنها مجرد كلام؟
- أنا سمعت عن هذا الموضوع في الاعلام. ليس لديّ أي شيء خاص اولاً. ثانياً من يقول أن السيارة فخخت في الضاحية فليأتِ بشاهد، او بدليل. ثالثاً ليست لنا سلطة في الضاحية الجنوبية، ولا نراقب من يدخل ومن يخرج. هناك مواقف سيارات قدر ما تشاء، ومواقف شاحنات، وهناك مناطق صناعية بكاملها، تشهد حركة مرور كثيفة. وأنا أقول لك ما يجري بين هاتين البوابتين اللتين تجتازهما للدخول الى هنا، هذا هو المربع الامني. وأنا مسؤول عما يجرى هنا، أما ما يجرى في الضاحية، فلا يمكنني القول أنني مسؤول عن كل ما يجري فيها. اغتيل اثنان من خيرة رجالنا في عمق الضاحية الجنوبية وبعبوات ناسفة، فلنفرض جدلاً أن أحداً ما جاء وفخخ السيارة في الضاحية ما علاقة "حزب الله"؟ الذي قيل لي ليس ان السيارة فخخت في الضاحية، بل ان لوحتها صنعت في أحد محال صب اللوحات في الغبيري. والتحقيق في هذا الامر ليس من مهماتنا بل من مهمة القوى الامنية. بامكان أي كان أن يأتي بسيارة ويصنع لها لوحة ليس في الغبيري فقط بل في حارة حريك، الى ماذا يدل ذلك؟
> يشهد البلد اغتيالات، ولها وقع سياسي والناس كلهم يتساءلون أليست لدى "حزب الله" معلومات، او الا يتهم أحداً.
- لأتهم أنا بحاجة الى معلومات، ومن أين تأتي؟ من اختراق تشكيل معين اذا كان هو مَن نفذ العملية. أتحدث فنياً. حسناً اذا كان المنفذ أي حزب لبناني أنا لا أملك نفوذاً داخل هذه الاحزاب. لا أملك أحداً في "الكتائب" ولا "القوات" ولا "الحزب الشيوعي" ولا القومي، ليس لديّ عمل معهم. ولنفترض أنه تنظيم "القاعدة". أنا ليس لديّ عمل أيضاً مع "القاعدة". عملي محصور باسرائيل و "جيش لبنان الجنوبي" والشبكات ذات العلاقة المباشرة باسرائيل.
> وهل تجزم بأن لا علاقة لـ "حزب الله" بكل هذه الاغتيالات؟(1/141)
- لا أقبل أصلاً بأن يوجه الينا أحد أصابع الاتهام. أجزم طبعاً، لكنني بداية لا أقبل الاتهام. نحن أكبر متضرر مما جرى في لبنان. تصور أنني أنا الذي كنت أجري المقابلات وأتحدث بلبنان وفلسطين والأمة، صرت أدخل في متاهات تفخيخ السيارات والانقسامات الطائفية من شيعة وسنة ودروز وموارنة... الخ.
> مَن استدرج المقاومة الى هذا الجدل الداخلي؟
- هذا الذي يجعلنا نقول ان عملية اغتيال الرئيس الحريري عملية مشبوهة جداً جداً ويجب التوقف قبل توجيه الاتهام لأي كان، لأن حجم الاستهداف كبير، وهو بحجم الرئيس الحريري نفسه. لو مثلاً اغتيل كادر حزبي او نائب في البرلمان هل يقال ان هذا استهداف للبنان والمنطقة؟ لا، بل يكون استهدافاً لهذه الجهة، أما بقتل الرئيس الحريري فالاستهداف للبنان والمنطقة. أي ان هناك من يحمل مشروعاً للمنطقة. من جملة العناصر الاساسية المحققة لهذا المشروع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. اليوم اذا أخذنا التداعيات بعد 14 شباط. لا استقرار ولا أمن ولا طمأنينة ولا وضع اقتصادياً جيداً. والدولة تنتقل من أزمة الى أزمة. لكن هذا كله سهل. الاسوأ أن كل الحساسيات والاحقاد والضغائن الطائفية والمذهبية أعيد احياؤها من جديد. وفي الشارع اللبناني انقسامات حادة جداً. بدأتَ بسؤال هل نحن على مشارف حرب أهلية، وهو سؤال محق، فالناس متخوفون ولما كنا وصلنا الى هنا لولا اغتيال الرئيس الحريري. اذ أن من نفذ هذا الاغتيال ويُتبعه باغتيالات أخرى يهدف الى تخريب لبنان، واحداث فتنة طائفية ومذهَبية وتفتيت لبنان. هذا هو هدف الاغتيالات. فغداً يشعر المسيحي أن الدولة غير قادرة على حمايته فيعيش في كانتون والدرزي أيضاً، والشيعة يتقوقعون في مناطقهم والسنة كذلك، هذا ان لم يحملوا السلاح في وجه بعضهم بعضاً. وهذا خطر جداً.(1/142)
> هناك كلام مفاده ان في حال حُرّرت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وأُطلق الاسرى، وأوقفت اسرائيل اعتداءاتها، ما المبرر لهذه الترسانة؟ هل ترسانة المقاومة بتصرف الطائفة الشيعية؟
- عندئذ يمكننا أن نقيم حواراً جدياً ونسأل ماذا سنفعل بهذا السلاح.
> حُكِي عن مشروع لقاء مع العماد عون، فهل سيبقى مشروعاً؟
- في الوقت الراهن الاعتبارات الامنية مؤثرة. أنا ليس لديّ أي تحفظ أن أذهب الى الرابية في أي لحظة. ليس لدي بروتوكول. هناك بعض الاشخاص الذين لديهم بروتوكول. أما أنا فلا أملك مشكلة بروتوكولية أو سياسية لأن أزور أحداً، ولكن عندي مشكلة أمنية، وكلنا اليوم مسجونون في البلد. بالمناسبة أنا مسجون في حارة حريك، وكلما أردت أن اذهب الى مكان يجب اتخاذ اجراءات كثيرة، لذا لا أخرج. ووليد جنبلاط مسجون في المختارة والعماد عون سجين الرابية، الرئيس نبيه بري يزور بعض الدول أحياناً، لكنه أيضاً محتاط وحذر، سعد الحريري مهجّر من البلد في شكل أو بآخر. الملاحظة الطريفة أن الوحيد الذي يملك حرية الحركة ويتجوّل في لبنان ذهاباً واياباً ويلتقي كل الشخصيات بكل ارتياح هو السفير الاميركي. فهو يذهب الى المختارة والرابية وعين التينة والسراي من دون أي مشكلة، لكنه طبعاً لا يذهب الى اليرزة او بعبدا بسبب العماد لحود (ضاحكاً).
قصة الوصاية
> يحكى كثيراً عن تضخيم قصة الوصاية الاميركية والفرنسية فيما لم يكن هناك أي اعتراض من جانبكم على الادارة السورية اليومية للشؤون اللبنانية، حتى ان هناك من يقول ان "حزب الله" شارك في الحكومة ليفجر الامور في اللحظة المناسبة، لحظة الوصول الى المحكمة الدولية. ففي اليوم الذي خرج الوزراء اتخذ القرار بمحكمة ذات طابع دولي، وتوسيع التحقيق. ما رأيك بهذه القرارات؟(1/143)
- أنا غير موافق على المقدمة. شاركنا في الحكومة بعدما قيل لنا اننا شركاء وسنتفاهم على الامور الاساسية، ولدينا فرصة لنبني البلد. هذه هي الحيثية الاساسية وعلى اساسها شاركنا في الحكومة. فنحن لم نشارك في الحكومات السابقة لأننا لم نكن مقتنعين بالطريقة التي تدار بها الامور، لذا لم نكن نعطي ثقتنا. وكان يطلب منا ولم نقبل. لم أهاجم السوري، صحيح، لأن علاقتي به استراتيجية. أما على المستوى الداخلي فكنت أعبر عن قناعاتي بالطريقة السياسية المتعارفة. فعندما تشكل سورية الحكومة وأقوم أنا فأحجب الثقة، ماذا أكون فعلت؟ وعندما دخلنا الحكومة شاركنا بهذه الخلفية. حتى لجنة التحقيق الدولية التي تحفظنا عنها منذ البداية، وطالبنا بلجنة عربية سعودية لبنانية، صوّتنا للتمديد لها (اللجنة الدولية) مداراة لاخواننا وشركائنا. عندما وصلنا الى توسيع لجنة التحقيق وتعرضت الاعلامية مي شدياق لمحاولة اغتيال، طرح الوزير مروان حمادة توسيع اللجنة لتشمل كل الجرائم. وفي ذلك الوقت اصدر الحزب التقدمي الاشتراكي بياناً رفض فيه توسيع اللجنة. اتصل الاخوان في "تيار المستقبل" بنا وقالوا هذا ليس طرحنا، اذا طرح الموضوع في مجلس الوزراء نتمنى ألا تصوتوا معه. وهذا منسجم مع قناعاتنا. وعندما وقعت حادثة جبران، طرح الموضوع مجدداً، فقلنا سابقاً قيل لا نريد ان نوسع لتبقى اللجنة مختصة بالرئيس الحريري كي لا تطول فترة عملها عشرين سنة، والآن نضيف مهاماً؟ "شو عدا ما بدا؟"، هذا طبعاً اضافة الى ملاحظتنا بأن هذا اعلان عجز، والخ.(1/144)
أما (في موضوع) المحكمة الدولية فطلبنا مهلة الى يوم الخميس، فرفضوا. واعتبرنا ان خروجنا هو بالدرجة الاولى اعتراض على المبدأ، وهو الآن موضوع السجال. انا شاركت في الحكومة، ومنحتها الثقة على اساس اننا شركاء فتبيّن أننا لا نتفاهم ولسنا شركاء ولا نستحق حتى أن نعطى مهلة ثلاثة أيام لنتشاور بماهية المحكمة ذات الطابع الدولي. واذا لم نكن شركاء، لماذا نبقى اذاً في هذه الحكومة؟ وتفادياً لمزيد من السلبية، لم نقدم استقالتنا لان هذا قد يأخذ البلاد نحو جو مشحون كثيراً.
> لكن هناك شيئاً من الجمود حالياً. هل من توجه نحو الاستقالة؟
- لا. باب الحوار لم يقفل بعد. نحن بانتظار اجابات الرئيس السنيورة.
> هل افتقدت الرئيس الحريري في هذه الظروف؟ ولماذا؟
- طبعاً. فبالنتيجة لكل شخص شخصيته وتجربته، وهذا ليس تقليلاً من أهمية أحد. يعني أنا لا أقلل من أهمية الشيخ سعد ولا الرئيس السنيورة أو أي من الاخوان في "تيار المستقبل". حتى الشيخ سعد لا يقول أنه مثل والده. لا شك في ان تجربة الرئيس الحريري وشخصيته وقدرته على الاستيعاب والمبادرة، كلها مميزة. ولو أنه كان موجوداً في أزمة كهذه لتغيَّر الكثير من الامور أو تعالج بسرعة. وتجربتي معه، على رغم اننا مررنا بمرحلة خلاف حاد، أثبتت انه على درجة عالية من المرونة، وامتصاص الاشياء واستيعابها حتى في أشد المواقف.
> ما أهم ما ميز رفيق الحريري؟ وهل كان يشكو لك خلافاته مع السوريين؟
- القدرة على التحمل وعدم اليأس. كان يشكو لي من السوريين وغير السوريين.
> غير السوريين مثل مَن؟
- لن أذكر أسماء، فهم اليوم رفاقه ولا يجوز أن نتحدث عنهم. فللمصادفة أن من شكا منهم سابقاً هم اليوم في 14 آذار. فمن يرفعون راية الرئيس الحريري اليوم الحقوا به أذى كبيراً في حياته، وكانوا يقولون عنه ما لا يقل عمن اختلفوا معه لاحقاً والمصنفين الآن خصوماً له.
> هل تعرفت عن قرب الى سعد الحريري؟(1/145)
- طبعاً الفرصة التي أتيحت بعد استشهاد الرئيس الحريري، وفترة الانتخابات وتشكيل الحكومة، جرت لقاءات عدة. وأنا اقدر، وهذا اعتقادي الشخصي، لو أن الشيخ سعد الحريري موجود في لبنان، لتمت معالجة الكثير من الامور في شكل أفضل. فأنا أقدّر انه من تواصلي المباشر معه والذي سبق سفره الذي طال، نشأ نوع من المودة والثقة وكنا ربما "نمون" على بعضنا بطريقة ما لمعالجة الامور. فالبعد مشكلة، وأنا لا استطيع أن أتحدث على الهاتف لأسباب أمنية، وفي كل الأحوال التواصل بالواسطة شكل من أشكال الخلل.
> هل موضوع الرئاسة مطروح؟
- لا.
> أي هل نحن باقون حتى نهاية ولاية الرئيس لحود على الوضع ذاته؟
- على ما يبدو.
> هل تلتقي الرئيس لحود؟
- لا
> هل ما يمنع؟
- ظروف الحركة فقط، لكن هناك تواصلاً دائماً من خلال نوابنا ووزرائنا.
> اذا طُرح حل من نوع اختصار ولاية الرئيس لحود لتنفيس هذا الاحتقان، هل يوافق عليه "حزب الله"؟
- معالجة الوضع الآن بخطوات جزئية، لا تنفع وقد تعقّد الامور أكثر، فأي معالجة يجب أن تكون شاملة. مثلاً الرئيس الحص تقدم بمبادرة، فيها طرح كامل وتقترح استقالة الرئيس وحل المجلس النيابي، انتخابات مبكرة، رئيساً جديداً وحكومة جديدة. هذه مثلاً صيغة قابلة للنقاش.(1/146)
الرئيس لحود نفسه يقبل النقاش إذا قدمنا له مشروعاً متكاملاً. هو لا يقول انه غير حاضر للنقاش في المطلق، بحسب انطباعي الخاص. وفي المنهج الذي تناولته سابقاً، أرى مثلاً أن مسألة السلاح الفلسطيني لا تعالج إذا أخذنا موضوع المواقع خارج المخيمات أو مسألة الحقوق المدنية أو غيرها كجزئيات منفصلة. لا تمكن معالجة الأمور بهذه الطريقة. نحن الآن في حاجة إلى وضع الملف الفلسطيني كاملا على طاولة النقاش، وان يحصل حوار بين الحكومة اللبنانية وبين الفلسطينيين في لبنان حول كل هذه المواضيع: السلاح خارج المخيمات، وضع المخيمات، حقوق المدنيين ومستقبل وجودهم. نحن اللبنانيين معنيون بهذا الموضوع.
> هل سبب لكم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات إحراجاً ما؟
- نحن نقول أن المسألة في حاجة إلى حل. لم نقل ان هذا السلاح يجب أن يبقى. لكننا نرفض القول انه تجب إزالة هذا السلاح بالقوة عبر إرسال الجيش اللبناني، لأن ذلك يؤدي إلى وقوع معركة. مع احترامنا لهذا السلاح نرى انه لا يستأهل وقوع مشكل كبير في البلد من أجله، فالمواقع في الجبال مخفية ومنعزلة. نحن نقول فلتبدأوا الحوار مع الفلسطينيين، وهم جاهزون للحوار ولا يرفضونه. من أفشل الحوار ليس الفلسطينيون بل اللبنانيون. كان الحوار جارياً معهم، عندما أرسلوا (الحكومة) إليهم الجيش بلا سبب.
> هل ما زال هناك إمكان لحصول لقاء بينك وبين النائب وليد جنبلاط؟(1/147)
- طبعاً، حتى لو تخاصمنا أو اعتبرنا انه ظلمنا وتجرأ علينا وأساء إلينا. في النهاية نحن في لبنان محكومون بالجلوس مع بعضنا بعضاً وبالتفاهم لحل مشاكل البلد، ولا أحد يستطيع تجاهل الآخر. وقول جنبلاط إن قوى 14 آذار وحدها تقرر مصير لبنان من أخطائه التاريخية. هذا أعادنا إلى العزل، ولا اعني عزل الشيعة، فتقرير ميليس أشار إلى أن (المتظاهرين في) 8 آذار كانوا مليوناً، وهم يثقون بتقرير ميليس، ويعتبرون أن شهادته لا ترد. وعندما يقول جنبلاط أن قوى 14 آذار وحدها تقرر مصير البلد، فهو بذلك يعزل مليون شخص كانوا في الساحة، عدا عن أولئك الذين لم يتمكنوا من الحضور.
قناعتنا أن لبنان لا يقوم على ثنائيات ولا على ثلاثيات، لا على طوائف كبرى ولا وسطى ولا صغرى. لبنان في حاجة إلى الجميع، وعلى الجميع أن يتفاهموا. وإذا انطلقنا من هنا، يجب أن نتكلم مع بعضنا بعضاً، حتى لو أخطأ في حقي أو أخطأت في حقه، جنبلاط أو غيره.
> إذا طرحت فكرة لقائك مع سمير جعجع، هل هناك موانع؟
- أهلاً وسهلاً، ليس هناك أي موانع.
> هل خطر في بالك أن تشجع سعد الحريري على العودة إلى البلد، أو أن تسهل عودته وتبدد مخاوفه؟
- أحب ذلك، لكنني لا اجرؤ على دعوته. لست الجهة القادرة على تأمين أي شكل من أشكال الحماية له أو لغيره. مثلما حصل عندما قال وليد بيك انه يطلب الحماية مني، أنا لست قادراً. أنا أحمي نفسي و"كثر خير الله". أنا أقول أن هناك جهات مشبوهة تعمل على الساحة اللبنانية لتفكيكها.
> هل هي جهات إسرائيلية؟
- الله أعلم. أي استخبارات دولية أو إسرائيلية أو مجموعات لا نعرف طريقة تفكيرها. في ساحة من هذا النوع، أنا أتمنى وأرجو وأفضل وأرى من المصلحة الوطنية أن يكون الشيخ سعد موجوداً في بيروت، لكنني لا أستطيع تحمل مسؤولية توجيه نداء إليه ليعود.
مخاوف من الفتنة
> هل أنت خائف من فتنة سنية - شيعية، وهل تجد ان هناك من يدفع في هذ
الاتجاه؟(1/148)
- نعم، أرى ان هناك دفعاً في هذا الاتجاه.
> هل عندك مخاوف من أمر كهذا في الشارع؟
- هناك احتقان في الشارع، وواحد من أسباب عتبنا على جنبلاط تصريحاته اليومية التي تؤدي إلى هذا الاحتقان. مثلاً، عندما يتحدث عني، يقدمني على أنني أدافع عن القتلة، وعلى أنني ضد كشف الحقيقة ومحاكمة قتلة الرئيس الحريري. ما الذي يفعله هنا؟ انه يحرض السنة ضدي وضد الشيعة. هو يقول انه لا يقصد التحريض، لكن كلامه يقود إلى ذلك.
ما الذي فعله عندما قال إن سلاح المقاومة هو سلاح الغدر؟ هو حرض كل من يحب المقاومة ويدعمها ضدي وضد من يدافع عني، ويقول انه لا يقصد التحريض، لكنه "خرب الدنيا وأقامها". وعندما يلمح (جنبلاط) الى سيارات مفخخة، هو يحرض الدروز على الشيعة في قصة مروان حماده، ويحرض المسيحيين على الشيعة في قصة التفجيرات التي وقعت في مناطقهم. وعندما يتكلم عن نص له علاقة بالمقاومة، هو نفسه الوارد في البيان الوزاري مع إضافة عبارة أن المقاومة ليست ميليشيا، يستنتج أن هذا اتفاق قاهرة جديد، ويحرض المسيحيين على "حزب الله" والشيعة. وكذلك عندما يحرض اللبناني على الفلسطيني أو السوري، ويطالب الجيش بالذهاب إلى الجنوب.(1/149)
لذلك أقول نعم، هناك مناخ سيئ جداً. مثلاً، نحن ما دخلنا نحن بحادثة الناعمة؟ إذا تكلمنا طائفياً، ما هي علاقة الشيعة في الحادثة؟ لا شيء. حصل الإشكال بين شرطيين من البلدية وبين شباب من "الجبهة الشعبية - القيادة العامة"، وهم فلسطينيون غير شيعة وحصل تراشق ناري. أحضروا 25 شاباً وقطعوا الطريق الدولية لأربع ساعات واحرقوا الدواليب، في حين انتظر عشرات آلاف المواطنين على جانبي الطريق عشية العيد، ولم تحرك القوى الأمنية ساكناً. هذا كله بسيط. أن يهتف الشبان الذين أحضرهم وليد جنبلاط مطالبين بالزرقاوي وخدام وصدام، ويشتموني ويشتموا الرئيس بري. يشتموني بسيطة، أما أن يشتموا الرئيس بري! لكن ماشي الحال. ما علاقتنا بالموضوع؟ نحن نقول إننا لا نقبل أن يعالج السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بالقوة، لأننا حريصون على الأمن والاستقرار ونعتبر الفلسطيني أخاً لنا وجندي الجيش اللبناني أخاً لنا. لكن، ثمة أشخاص لا يجدون مشكلاً في قتال الجيش اللبناني مع الفلسطيني، لأن الفلسطيني وابن الجيش اللبناني لا يعنيان لهم شيئا. أما الخطر فهو أن نسمع هتافات تطالب بالزرقاوي، لأن ذلك يعني انهم يطالبون بالتفجيرات، بتفجير حسينيات وكنائس ومساجد وسنة وشيعة وأكراد... هل هكذا نبني البلد؟
"القاعدة" في لبنان
> الزرقاوي أعلن أن الصواريخ التي أطلقت من الجنوب، كانت بتوجيه من أسامه بن لادن. ما هي معلومات "حزب الله" عن الموضوع؟
- ليست لدي معلومات خاصة، لكن لا استبعد ذلك.
> هل الأمر سهل إلى هذا الحد؟(1/150)
- في الجنوب نحن مقاومة ولسنا سلطة. هناك جيش وقوى أمنية في الجنوب. حتى في مناطق الشريط المحرر، لا يوجد أي عسكري أو مسلح من "حزب الله". هناك حواجز للجيش اللبناني ولقوى الأمن الداخلي. وبالتالي نحن موجودون على الحدود في نقاط غير علنية، حتى إذا جاء الإسرائيلي ليعتدي على بلدنا، نواجهه. هذا هو الأمر. أما ما يحصل في هذه الضيعة أو المدينة أو الوادي، فأنا لست مسؤولا عن الأمن. وبالتالي يمكن لأي أحد أن يأتي إلى أي بستان - والجنوب واسع - ويضع صاروخين في صندوق ويصلهما بالبطارية الموقتة ويرحل، وبعد ساعة ينطلق الصاروخ.
> ألا تجد أن الأمر خطير؟
- نعم هو خطير وغير مقبول.
> إذا ما العمل؟
- لا يوجد حل لهذا الموضوع. حتى لو كان الجيش مرابطاً على الحدود. ففي المناطق التي انطلقت منها الصواريخ كان الجيش موجوداً، لكنه لم يستطع عمل شيء. الحل هو في ضبط الوضع الداخلي.
> هل ثبت أن "القاعدة" هي التي نفذت العملية؟
- ممكن، لكنني لا أستطيع التحديد. أنا اعرف ان في مخيم عين الحلوة بعض الأشخاص المبايعين للزرقاوي. ونحن نعتبر هذه العملية خطأ، لأننا نعتبر أن الكاتيوشا يستخدم في الاستراتيجية الدفاعية. إذا اعتدى علينا الإسرائيلي نرد عليه بالكاتيوشا، لكن الكاتيوشا ليس سلاح عملية جهادية. سلاح العملية الجهادية هو مهاجمة موقع أو آلية أو دورية أو زرع عبوة، هذا هو تاريخ المقاومة. نحن لم نستخدم الكاتيوشا إلا في حال رد الفعل. أما أن نطلق الصواريخ من دون سبب، فهذا مخالف لاستراتيجيتنا ولا نوافق عليه.
> هل تشعرون بإمكان حصول صدام بين "حزب الله" و"القاعدة" في المرحلة المقبلة؟
- من المفترض أن هذا الأمر مستبعد.
لبنان والنووي الإيراني(1/151)
> يبدو الرئيس احمدي نجاد كأنما ينقل إيران إلى موقع الهجوم. هناك سؤال يقول: إذا أفقنا ذات يوم على طائرات تقصف المفاعل النووي الإيراني، فإن "حزب الله" سيمطر اسرائيل بكمية من الصواريخ وسيشعل الجبهة. ما رأيك في هذا السيناريو، والى أي مدى يمكننا ربط الساحة اللبنانية بالمفاعل النووي الإيراني؟
- هذه أسئلة افتراضية، لكنني اسأل هل نحن معنيون بطمأنة إسرائيل إلى هذا الحد. ومن هنا لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لأنني لو أجبت بالإيجاب لفتحت على نفسي مشكلاً منذ الآن. وإذا أجبت بالنفي سيكون ذلك تطميناً لإسرائيل.
> هناك من يعتقد بأن "حزب الله" يحمّل لبنان أثقالاً وأعباء تفوق قدرته عبر هذه العلاقة الاستراتيجية مع سورية وإيران. هذا التحالف يدعم المقاومة، لكن هذه المعركة تعوق انضمام الحزب إلى صيغة استقلال واستقرار، ما هو رأيك؟
- فليشرحوا لنا ما هي هذه الأعباء.
> هناك أشخاص يستنتجون أن الدور الإقليمي لـ "حزب الله" يمنعه من تقديم تنازلات في الداخل اللبناني وربما يحول دون استكمال عناصر الاستقلال والاستقرار؟
- ما هي التنازلات المطلوبة في الداخل لمصلحة الوطن ولم يقدمها "حزب الله". "حزب الله" موجود في الجنوب كمقاومة. ويقوم بين فترة وأخرى بعملية تذكيرية ليقول أن مزارع شبعا ما زالت محتلة، وهناك موضوع الأسرى الذي يحتاج إلى حل والخروقات الإسرائيلية التي نتعاطى معها بمسؤولية. الحزب موجود كعامل توازن حتى لا يعتدي الإسرائيلي على لبنان بحجة وغير حجة. ودوره هو حماية لبنان في ما خص الصراع العربي- الإسرائيلي. طبعاً في الإعلام والسياسة نقف مع الانتفاضة الفلسطينية، لكن كلنا مع الانتفاضة وليس "حزب الله" فقط. جزء كبير من الفضائيات العربية والإعلام العربي مع الانتفاضة مثلنا ويدعمها. هذا هو الحد الأدنى، أن تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في الإعلام والسياسة سواء كان معك سلاح أم لا.
الفيتو الإيراني(1/152)
> هل هناك مصلحة عربية في تحول إيران دولة كبرى في المنطقة؟ مثلا، هل يتوجب على الرئيس السنيورة إذا أراد تشكيل حكومة أن يعالج إضافة إلى الفيتو السوري (في حال وجوده) آخر إيرانياً؟
- هذا الموضوع مرتبط بفهم الناس لإيران. نحن موجودون في لبنان، وشئنا أم أبينا ينظر الناس إلينا كقوة لإيران أو كشكل من أشكال النفوذ. إذا كان ذلك صحيحاً أم خطأ بحث آخر. نحن لبنانيون وإدارتنا لبنانية وقيادتنا لبنانية. ندخل إلى الحكومة أو نخرج منها عندما نريد ذلك. وإيران لا تتدخل في شيء لا معنا ولا مع الحكومة اللبنانية، مع العلم انه إذا أرادت إيران أن تمارس نفوذها بناء على هذه النظرية فهذا هو الوقت، على اعتبار أن "حزب الله" اليوم، من دون نقاش، اكبر حزب سياسي في البلد، بغض النظر عن عدد النواب لأن هذا له علاقة بقانون الانتخاب، أو هو على الأقل من اكبر الأحزاب السياسية وقوة لا يستهان بها على كل صعيد، وهو محسوب على إيران. ليقدموا لنا مثلاً واحداً على تدخل إيران في الساحة الداخلية أو أمراً واحداً احتاج الرئيس السنيورة أو غيره أن يذهب إلى إيران لمعالجته. هذا واقع قائم. أنا لم أجد حتى اليوم أن إيران تتصرف بهذه الطريقة. حتى في العراق هي لا تقوم بهذا الأمر. من يتصور أن هناك قوى سياسية عراقية تنفذ أوامر إيرانية مخطئ. هناك علاقة متينة بيننا وبين إيران، لكن هذا أمر ومسألة أن إيران تستفيد من احترامنا لها للتدخل في شؤوننا أمر آخر، وهذا لم يتم. الائتلاف العراقي الموحد كتلة برلمانية كبيرة ومن حقه ترشيح رئيس وزراء، هل يتصور أحد أن إيران تقول للائتلاف أن يسمي (ابراهيم) الجعفري ولا يسمي (عادل) عبد المهدي أو غيره؟ هذا لم يحصل.
> من الملاحظ أن إيران تستكمل جمع الأوراق: خالد مشعل يذهب إلى هناك ليعلن التحالف، ورمضان شلح ليس محتاجاً ليذهب ليكون متحالفاً؟(1/153)
- الفصائل الفلسطينية قرارها مستقل. هل تنفذ أوامر إيرانية؟ اسألوها لتؤكد ما قلته. حتى التليفونات مراقبة.
> هل يمكن أن نصل إلى حد أن نختار بين الحقيقة وبين الاستقرار؟
- في رأيي ليس هناك تناقض بين الأمرين.
> حتى لو وصل التحقيق القضائي إلى أن الفاعل ينتمي إلى جهاز معين؟
- إذا كشف التحقيق الفاعل، ففي الحد الأدنى سيكون هناك إجماع لبناني ضد الفاعل. وعندما يكون هناك إجماع لبناني حقيقي، لن يتمكن أحد من المس بالاستقرار. استقرار لبنان يتهدد في ظل انقسامات اللبنانيين وخلافاتهم.
> هل يستحق استقرار لبنان وسورية وتجاوز هذه الأزمة أن نبحث عن مخرج لا عن الحقيقة؟
- لم يطرح أحد فكرة البحث عن مخرج. نريد الحقيقة. وأنا من الأشخاص الذي يصرون على كشف الحقيقة ليس اقل من سعد الدين الحريري. وأنا أقول إن هذه الحقيقة عندما ستكشف ستترك انعكاسات كبرى على لبنان والمنطقة.
> هل ترى أن سياسة الرئيس الإيراني مستفزة إلى حد ما؟
- في الموضوع الإسرائيلي فقط، أما في الموضوع النووي فالسياسة نفسها ما زالت متبعة كما في زمن السيد محمد خاتمي. وهذه السياسة في الموضوع النووي محل إجماع داخلي في إيران.
في الموضوع الإسرائيلي أزعجت السياسة الإيرانية البعض في المنطقة وأحرجت البعض الآخر. وفي رأيي أن (محمود) احمدي نجاد قال ما يجول في خاطر ومشاعر 1.4 بليون من المسلمين في العالم. وأقدر انه لما تحدث عن موضوع المحرقة وفكرة اخذ إسرائيل إلى كندا أو ألمانيا أو الاسكا، فقد عبر عما يجول في ضمير بليون و390 مليون مسلم، والبقية سأسيء الظن بهم وأقول إن كلام نجاد أزعجهم. أما الأكثرية ففرحوا واعتبروا انه يعبر عن مشاعرهم وقناعاتهم التي لا يمكنهم التعبير عنها نتيجة الظروف الدولية والإقليمية والأنظمة والحكام. فما هي المشكلة من خطاب نجاد ضد إسرائيل؟ هل يضر ذلك بالعرب؟ اعتقد أننا نستفيد.
*******************(1/154)
بعض أصول قواعد اللعبة بين إسرائيل و حزب الله
حسن الرشيدي
سؤال يتبادر إلى الذهن دائما لماذا كلما اقترب موعد صفقة ما بين حزب الله و إسرائيل تتوتر الأجواء على الحدود بين الفريقين ؟ فقد أعلن حزب الله في بيان أن وحدة كوماندوس إسرائيلية تقدمت من موقع رويسة العلم في مزارع شبعا المحتلة نحو الجانب اللبناني من الخط الأزرق وبعد دخولها المناطق المحررة وقعت في كمين متقدم وأطلق المقاومون عندها النيران باتجاه القوة الإسرائيلية. ودار اشتباك استمر بعض الوقت. وأحصى المقاومون سقوط إصابات مباشرة في صفوف القوة الإسرائيلية. وأشار حزب الله إلى أنه بعد ذلك حصلت مواجهات بالمدفعية والرشاشات الثقيلة وأن المقاومة أطلقت أكثر من خمسين قذيفة على موقع رويسة العلم ومواقع إسرائيلية أخرى في المنطقة. وأشار إلى أن الإسرائيليين أطلقوا النار بشكل عشوائي في محيط كفرشوبا وأصابوا مزرعة للماشية وجدراناً عدة للدعم وأعمدة التيار الكهربائي. وقال مراسل القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي إن قوة من وحدة إيغوز الخاصة التابعة للواء غولاني وقعت في كمين من عبوات ناسفة عدة أثناء عودتها من محاولة لفحص ما كانت خلية لحزب الله قد فعلته في المنطقة أمس الأول. وفور انفجار العبوات فتح حزب الله نيرانا شديدة باتجاه القوة استخدم فيها قذائف الهاون والصواريخ المضادة للدروع الأمر الذي قاد بالنتيجة إلى سقوط القتيل والجرحى الأربعة عشر. وقد واجهت عملية إنقاذ القوة مصاعب كبيرة لأنها جرت تحت النيران. وقد استمر الاشتباك حوالي ثلاث ساعات بعدها فقط تمكنت المروحيات من نقل الجرحى إلى المستشفيات.(1/155)
وادعى قائد الجبهة الشمالية الجنرال بني غينتس أنه لولا ذلك لكانت الخسائر أكبر في صفوف قواته. وأضاف غينتس أن الوحدة قامت بالتمشيط بحثا عن فعاليات فهمنا أنها تمت في الطرف الآخر ضدنا حول موقع غلاديولا. والخط الأزرق غير محدد على الأرض هناك. كما أن المسافة هي بضع عشرات من الأمتار. وبالفعل كانت نشاطات قواتنا على مقربة من الموقع وهناك أصيب رجالنا. وشدد على أن الخط الأزرق يبعد عشرات الأمتار فقط عن الموقع. وأضاف أنه لو كنا نرغب في العمل شمالي الخط الأزرق لشعر لبنان بذلك جيدا. وتابع إننا عازمون على مواصلة تنفيذ المهمات الدفاعية وهذا الحادث لن يردعنا.
وكانت إسرائيل قد اتهمت حزب الله أمس الأول بإرسال خليتين في محاولة للاقتراب من الموقع وأن القوات الإسرائيلية أطلقت نيرانها عليهما. وقال غينتس، في تعقيبه على العملية، إن حزب الله نفذ في الأيام الأخيرة سلسلة من العمليات ضد الجنود والمدنيين الإسرائيليين في القطاعين الشرقي والغربي من الجبهة. وشدد على أنه برغم مقتل الجندي وإصابة الآخرين، فإن من الجائز أن هذا العمل حال دون حدوث عملية أشد خطرا.(1/156)
و لكن الأخطر ما جاء في تصريح المراسل العسكري للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي روني دانييل، أن الميل العام هو ميل للتصعيد وأن أحدا لا يعرف أين تتجه الأمور. وادعى أن الجيش الإسرائيلي يبذل جهده من أجل عدم توسيع الجبهة. وقال إن نشاط حزب الله في لبنان وفلسطين لا يمكن احتماله لوقت طويل. وشدد على أن خطر حزب الله يكمن في امتلاكه قدرات استراتيجية خلقت قوة ردعية. وحدد هذه القدرات بأنها تنتشر على ثلاث دوائر: الأولى، ضيقة ومحاذية للحدود وينتشر فيها أفراد حزب الله بأسلحة خفيفة ومدافع هاون وقاذفات مضادة للدروع. والثانية، وتقع شمالي الأولى، وينشر فيها حزب الله ثلاثة عشر ألف صاروخ من أنواع مختلفة يصل مداها إلى اثنين وعشرين كيلومترا، وهي تهدد المستوطنات الشمالية. ثم الدائرة الثالثة وينشر فيها حوالي خمسمائة صاروخ يبلغ مداها سبعين كيلومترا وأكثر. وتغطي هذه الدائرة منطقة واسعة في إسرائيل الأمر الذي يوفر لحزب الله نوعا من الردع يتيح له العمل في شبعا وغزة والضفة على حد سواء، وهو يعتقد أن هذه المعادلة تحتاج إلى تحطيم وأنه في حال التصعيد ستدفع سوريا ولبنان ثمنا باهظا. ولكن المراسل السياسي في القناة العاشرة أوضح أن ما يجري هو سيناريو معروف سلفا. وألمح إلى أن التصعيد جاء أصلا من الجانب الإسرائيلي. إذن هو سيناريو معروف سلفا !!! و لكن ما هو أبعاد هذا السيناريو ؟(1/157)
دائما ورقة التصعيد في جنوب لبنان ذات ثلاث رءوس لا تخرج عن أحدهم : إسرائيل و حزب الله و سوريا .. والتصعيد دائما في هذه المنطقة المحصورة سياسيا و جغرافيا بين هذه الأطراف الثلاثة يكون هو تنفيس عن احتقان سياسي أو ضغط يعيشه أحد هذه الأطراف و يفرغ طاقته و يستعرض أوراقه و مجال قوته في هذه المنطقة الرخوة نسبيا . سوريا تمر بمأزق كبير غير مرئي تفجير دمشق و اضطرابات الأكراد و ضغوط أمريكية قد تؤدي هذا الشهر إلى فرض عقوبات جديدة عليها و تتحدث مصادر صحفية أن سوريا قامت في الأيام الأخيرة و بشكل سري بسحب عدد من الوحدات العسكرية من لبنان و هذا يفسر سر زيارة قائد الجيش اللبناني مؤخرا إلى سوريا ربما لتنسيق هذه الخطوة و يفسر مراقبون أن التصعيد في جنوب لبنان هو إيعاز سوري لذراعه العسكري و هو حزب الله لإثبات أن الدور السوري يمكنه من قلب الطاولة إذا شاء . و هناك من جانب حزب الله صفقة تبادل الأسرى التي لم يبت فيها شارون بعد برغم الأنباء عن نضوج طبخة التسوية بوساطة ألمانية ويصر حزب الله إتمام الصفقة كما يريد و منها إطلاق سراح سمير القنطار و التي أقسم حسن نصر الله من قبل على إطلاق سراحه و أصبحت مصداقية زعيم الحزب على المحك أمام الرأي العام الحريص حزب الله على دغدغته و استغلال شعوره و خاصة أن حزب الله ملتزم من جانبه بالشروط الإسرائيلية و أهمها منع المقاومة الفلسطينية من اتخاذ الجنوب منطلقا لها و يجئ التصعيد ليستعجل حزب الله إسرائيل و يثبت لها قدرته على المناورة و القيام بعمليات مقلقة .
أما إسرائيل فشارون في مأزق عميق بعد أن أفشل غلاة اليمينيين في حزب الليكود خططه الموجهة لغزة و أصبح هم جيشه الآن انتظار ضربة حماس التي سترد بها على اغتيال قادتها و كلما مر الوقت أصبح الانتظار أصعب و لا خطط لتحريك الموقف المتأزم . إذن جميع الاحتمالات واردة و قد تكون جميعا و قد تكون أحدها
********************(1/158)
حزب الله في الإستراتيجية الإيرانية الجديدة
عبد الحق بوقلقول
في مقال كتبه محرر الشئون الإستراتيجية في جريدة معاريف الإسرائيلية، عمير ريبورت، تحت عنوان "المواجهة الكبرى تقترب" جاء فيه: "في مرحلة من المراحل، آجلاً أو عاجلاً، ستشن إسرائيل هجوماً كبيراً ضد حزب الله".
الحقيقة أن الكل بات يدرك الآن أن موازين القوى التي فرضت حدا من "توازن الرعب" على جانبي الخط الأزرق -التسمية التي تطلقها الأمم المتحدة على الحدود بين لبنان وأراضي الـ 48 المحتلة- تغيرت بشكل كبير، وهذه التغيرات مردها من غير شك التحولات العميقة التي شهدتها الساحة اللبنانية نفسها بعد انسحاب الوحدات العسكرية السورية، وما رافق ذلك من جملة ضغوط هائلة على الحكومات التي سقطت الواحدة تلو الأخرى بفضل إصرار "المجموعة الدولية".
حزب الله في الحسابات السورية:
لن نكشف سرا حينما نقول إن نظام البعث في سورية جعل من حزب الله منذ سنوات طويلة ورقة ذات دور مؤثر في الساحة اللبنانية أولا ثم في إطار المواجهة العسكرية غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، بما أنه لم يكن في مقدور الأولى أن تدخل في مواجهة صريحة مع إسرائيل بالنظر إلى التفوق الواضح للدولة العبرية من الناحية العسكرية على الأقل، وبالتالي فإن نظام حافظ الأسد، ومن بعده ابنه بشار الماسك بزمام السلطة منذ أكثر من خمس سنوات، عمل على إيجاد حد أدنى من التوازن على جانبي الحدود من خلال تموين مقاتلي الحزب بأسلحة تعد إستراتيجية في مثل هذا النوع من الصراع، وتحديدا صورايخ الكاتيوشا التي كان لها الدور الفعال في تهديد كامل للشمال الإسرائيلي.(1/159)
لقد تغير هذا الواقع الآن، ولم يعد لهذه العمليات في نظر "الشرعية الدولية" أي مبرر منذ إقدام إسرائيل على الانسحاب من معظم الجنوب اللبناني، من غير أن ننسى الإشارة هنا إلى عدم وضوح وضعية مزارع شبعا التي ما تزال إسرائيل تسيطر عليها، والتي يبدو وأنها سوف تخضع للتحكيم الدولي وفقا لآخر المستجدات.
وإن هذه التطورات مجتمعة جعلت قيادة حزب الله تدرك أن ثقلها العربي كقوة طلائعية منحتها مواجهتها المباشرة للكيان الغاصب، شرعية إقليمية على الأقل، تقتضي البقاء في حالة عداء عملي أزلي مع إسرائيل، مما يعني الحفاظ على حد أدنى من المواجهة التي كانت وما تزال مثلما قلنا، سببا رئيسا في القوة التي يحظى بها الحزب داخل الخارطة السياسية الشرق أوسطية على وجه عام.
إن التطورات التي فرضتها التحولات الأخيرة ونعني بها هنا، الانسحاب السوري الكامل من لبنان تحت ضغط القرار الأممي 1559، أفرزت تأثيرا أثقل كاهل الحزب وزاد من حجم التحديات التي تواجه مستقبله، بأن ركز نظر الغرب -بدلا من أن نقول المجموعة الدولية حتى يتوضح المعنى بشكل أدق- وأعطى ذرائع جديدة لهؤلاء للتركيز على موضوع نزع أسلحة هذه "الميلشيا" كإجراء قانوني أممي تحت غطاء الحرص على السيادة الدستورية في بلد لن نغالي كثيرا حينما نقول إنه يقع تحت طائل دستور هو من أغرب دساتير العالم.
من هنا جاء الفرصة التي ما كان على الحزب تجاوزها، والتي تمثلت في تطور راديكالي على مسرح المنطقة وتغير مراكز القوى في دولة هي أساسا تمثل المرجعية السياسية قبل المذهبية في الفكر الشيعي الذي تنبني عليه أبجديات حزب الله، وهذه الفرصة المواتية هي في الواقع صعود نجم محمود أحمدي نجاد إلى رأس الحكم في طهران، وكل ما يعنيه هذا التغير من تداعيات في إيران ذاتها، ومن ثمة، في كل تلك النقاط الدائرة في فلك طهران.
أحمدي نجاد والفرصة التاريخية:(1/160)
من الواضح أن حزب الله سوف يلعب في الأشهر، أو السنوات القادمة على الأقل، دورا ترجيحيا لصالح إيران، والكل أدرك أن الزيارة التي قام بها أمينه العام حسن نصر الله إلى طهران خلال مراسيم تنصيب الرئيس الجديد هناك جاءت لتعزز فرضية هذا المنحى الجديد في المنطقة.
إن تنقلات قائد الحزب كانت تتم عادة في ظل إجراءات من التكتم الشديد بسبب ما قد يعنيه فقدان هذا الأخير في هذا الظرف الحساس على التوازن داخل الحزب أساسا، بالنظر إلى ثقل الأمين العام، ومن غير أن ننسى تلك التصدعات العميقة التي سوف تظهر لو أنه اختفى كلية، ونعني هنا بكل تأكيد شخصية صبحي الطفيلي، إلا أن هذه المخاطر لم تكن لتمنع نصر الله هذه المرة أن يحضر المراسيم البروتوكولية لتنصيب أحمدي نجاد في طهران من 1 إلى 8 آب/أغسطس الماضي، وهي المناسبة التي لم يشأ الأمين العام أن يفوتها قبل أن يضع مجموعة من التطورات قيد التنفيذ، لأن حضور مراسيم كهذه لا تتطلب عادة مكوثا مطولا.
أولا، يجب علينا أن نذكر أن السيد حسن نصر الله سيكون من غير شك أول المبتهجين بهذا الوافد الجديد إلى رأس الجمهورية في طهران، لأن الاثنين كانا منذ سنوات طويلة صديقين حميمين بما أن كليهما كان، وفقا لمصادر أوروبية، في بلد آسيوي لغرض التدرب على العمل الاستخباراتي قبل أن يلتقيا مجددا بعد ذلك بعشر سنوات في لبنان، وبعد أن أصبح نصر الله أمينا عاما لحزب الله منذ 1992 ووصول محمود أحمدي نجاد من إيران لأجل الإشراف على "مؤسسة الشهداء" إحدى أهم أذرع إيران الخارجية.(1/161)
وحتى إن كانت إيران تضخ سنويا ما قيمته 25 مليون دولار في خزائن الحزب، رغم أن هذه الأرقام نستقيها من مصادر أوروبية، مما يعني وجوب التحفظ إزاءها، إلا أن السيد نصر الله مثلما قلنا لم يكن أساسا ملزما بالبقاء في إيران لفترة ثمانية أيام كاملة، لو أنه حضر إلى هناك لأجل المجاملات الدبلوماسية التي تقتضيها الأعراف السياسية، مما يعني أن الزيارة كانت مناسبة مثلى لإجراء مفاوضات مع كبار القيادات في إيران ولبحث الوضع في العراق المجاور، بما أن كلتا الجهتين يهمها من الناحية العملية، استمرار التدهور الأمريكي هناك، لأن هذا الوضع هو وحده، الكفيل بجعل واشنطن تراجع حساباتها ألف مرة قبل الإقدام على مشاريع توسيع مفاهيم من طراز "حرية العراق".
قراءة في مستقبل دور الحزب:
من الواضح أن إيران و معها حزب الله هي في مقدمة القوى التي يهمها الفشل الأمريكي سياسيا قبل الشق العسكري، مما يستلزم بصورة آلية، العمل على توسيع رقعة الفوضى في العراق، وبالتالي حرص كليهما، على تقوية وتركيز العمليات التي تهدف إلى تقويض الجهد الأمريكي والعراقي معه، وإنزال أقصى الخسائر بتلك القوات حتى تختلط الحالة بشكل أكبر مما هي عليه الآن.(1/162)
إن ما تناقلته الأخبار بأن بعض العمليات التفجيرية الأخيرة في العراق، والتي استهدفت قوافل عسكرية أمريكية تمت بواسطة قنابل تشبه إلى حد ما تلك التي كانت تستعمل ضد الوحدات العسكرية المحتلة في جنوب لبنان، يجعلنا نتصور أننا أمام مصادفة غريبة جدا يصعب تفسيرها، فهل يعني هذا أن حزب الله صار يبذل خبرته الطويلة في هذا المجال، خاصة وأن هذه التفجيرات صارت تستهدف الأمريكان في الجزء الغربي من العراق، ذلك الجزء البعيد عن الحدود الإيرانية. وهو ما قد يرجح احتمال التنسيق بين الإيرانيين وحزب الله لترتيب هجمات عسكرية ضد قوى الاحتلال بقرب الحدود السورية، وبالتالي على مسافة قريبة بشكل لافت من معسكرات حزب الله في البقاع على وجه التحديد.
إن تأكيد مثل هذه الفرضية شيء غير يسير، ولكن نفيها أيضا يتطلب تفسيرا معقولا آخر يمكننا من خلاله فهم ما يجري على وجه الدقة، لأن الجميع الآن بات يدرك أن أرض العراق صارت مرتعا لكل العمليات، إذ لن نضيف شيئا حينما نلاحظ أن هذا التمرد، مثلما تسميه الصحف الأمريكية، يمضي من غير أن يعرف له أحد وجهة محددة، في حين أنه كان يفترض أن تكون هنالك جهة سياسية واضحة تمثله وتؤطره بدلا من ترك حبل الغارب هكذا، لا يحقق تقدما إلا وتلازمه بعض الشبهات.
لا شك في أن إسرائيل تلعب دورا محوريا في تعفين الوضع وإثارة حالات الاحتقان التي تهدف إلى إشعال الوضع برمته ودفعه نحو الانفجار في اتجاه الحرب الأهلية بين مختلف أطياف المجتمع العراقي، وهذا أمر كان متوقعا، ولكن الذي لم يكن أحد يتوقعه قبل اليوم على الأقل، هو ألا تهتم كل دول الجوار سوى بتعزيز نفوذه
***************
قراءة في مستقبل حزب الله اللبناني
علي حسين باكير(1/163)
يعيش حزب الله الآن مرحلة صعبة جدّا قد تحكم عليه بأن يصبح مجرّد حزب سياسي لبناني شأنه شأن باقي الأحزاب على الأرض اللبنانيةّ و هو ما سيجرّده من ذراعه العسكري الذي اكسبه شهرة تعدّت حدوده و قدراته و أدخلته في معادلات إقليمية و دولية كبيرة.
هذا و قد لاحظنا من خلال قراءاتنا سواء لمواقف الكتّاب أو الناس العاديين في الوطن العربي و خارج لبنان, أن هناك صورة مختصرة و نمطيّة عن حزب الله تسوقها العاطفة و تغيب عنها الواقعية من خلال اجتزاء الأحداث ورؤيتها من منظور منفصل عن سياقها التاريخي, ودونما النظر إلى الخلفيات والأبعاد المحيطة لنشأة هذا الحزب وحدود الأدوار المنوط به, وهو ما يجافي ويغالط طبيعة التحليل السياسي المنطقي و ربما يعود جزء من ذلك أيضا إلى تعقيد المشهد الداخلي اللبناني الذي يصعب فهمه بشكل واضح على العديد من الناس أو المراقبين من الخارج. و من هذا المنطلق نسعى لإعطاء فكرة دقيقة وواضحة عن حزب الله من المنظور الداخلي اللبناني و ربطها بالجانب الإقليمي و الدولي كي تتضّح صورته بشكل جلي أمام المتابعين و المهتمّين بشأن الحزب و مصيره في المستقبل في ظل التحولات الإقليمية و الدولية الراهنة و التي تنعكس بقوة على الساحة اللبنانية.
حزب الله الماضي:
* نشأة حزب الله:
خلافا للاعتقاد السائد, فانّ حزب الله كتنظيم سياسي جاء بعد ولادة الذراع العسكري بمعنى أن الانطلاقة العملية للحزب كانت عام 1982 , فيما ولد الحزب السياسي بعد ذلك بثلاث سنوات أي في العام 1985. و من المغالطات الشائعة أن حزب الله كان مسؤولا عن عملية التفجير التي ضربت مقر قوات المارينز الأمريكيين و الفرنسين و التي أدت الى انسحاب القوات الامريكية من لبنان, و قد اكّد الامين العام الاوّل لحزب الله صبحي الطفيلي مرّات عديدة انّهم لم يقوموا بهذه العملية و انّ احدى الجهات سبقتهم الى هذا الشرف العظيم !(1/164)
على العموم لقد جاءت ولادة الحزب في ظروف حروب خارجية و داخلية عنيفة شهدها لبنان, و قد كان لايران الدور الأبرز في ولادة الحزب اثر انتهاء دور حركة أمل الشيعية و بعد ان تورّطت في مجازر كبيرة في حق الفلسطينيين في لبنان و الذين كان البعض يعتبرهم جيش السنّة في لبنان, و لم تعد حركة امل بشقّها العسكري قادرة على ترويج الخط الايراني, فكان لا بد من انشاء حزب آخر ينقل ايران الى المنطقة و يربطها بالقضية الفلسطينية و يسمح لها بموطئ قدم و يجعلها على صلة مباشرة بالأحداث فكان ان تمّ انشاء حزب الله.
* علاقة حزب الله بايران:
لا نغالي ان قلنا انّ حزب الله هو حزب ايراني في لبنان , ففي البيان التأسيسي للحزب و الذي جاء بعنوان "من نحن و ما هي هويتنا؟" عرّف الحزب عن نفسه فقال: "...انّنا أبناء أمّة حزب الله التي نصر الله طليعتها في ايران, و أسست من جديد نواة دولة الاسلام المركزيّة في العالم ...نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثّل بالولي الفقيه الجامع للشرائط و تتجسد حاضرا بالامام المسدّد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظلّه مفجّر ثورة المسلمين و باعث نهضتهم المجيدة..", و قد عبّر إبراهيم الأمين (قيادي في الحزب) عن هذا التوجّه عام 1987 فقال "نحن لا نقول إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران".
و يجب على المتابعين ان يرصدوا هذا الشق جيدا كي يفهموا فيما بعد اين تكمن مفاتيح حزب الله, خاصّة انّ العديد من الناس لا يعلمون انّ الامين العام الحالي لحزب الله حسن نصر الله هو الوكيل الشرعي لعلي الخامنئي, بمعنى انّه ظلّه في لبنان و هذا يتعلّق بنظرية الولي الفقيه و التي تفرض على اعضاء الحزب و مناصريه في لبنان اتّباع مرشد الجمهورية الايرانيّة في كل توجيه يقوله.(1/165)
على أية حال عملت ايران على الاهتمام بالحزب اهتماما كبيرا و على تنصيع سيرته و الحرص على مثاليتها للاستفادة منها فيما بعد, و تكفّلت ايران بالدعم المالي للحزب و الذي كان العامل الأوّل في اجتذاب المقاتلين الى صفوفه وجاء في كتاب الحروب السرية:"بلغت الأجرة الشهرية للمقاتل خمسة آلاف ليرة لبنانية، وهي أعلى أجرة تقاضاها مقاتل في لبنان عام 1986، لدرجة أن مقاتلي أمل راحوا بهدف الكسب يهجرون صفوف الحركة للانخراط في حزب الله".
و بدى فيما بعد انّ هناك توزيعا للأدوار الشيعية في لبنان, ففيما تقوم "أمل" بتمثيل الشيعة سياسيا و الحفاظ على حقوقهم, يتولى حزب الله الأعمال العسكرية بعيدا عن السياسة و الشؤون الداخلية, و منعا من التطاحن على المغانم و المكاسب الداخلية و خوفا من تشوّه صورة الحزب و عدم الاستفادة منها فيما بعد, قامت ايران بالتكفّل بجميع احتياجات الحزب المالية و التي بلغت عام 1990 بثلاثة ملايين دولار ونصف المليون حسب بعض التقديرات, وخمسين مليون عام 1991، وقُدِّرت بمائة وعشرين مليوناً في 1992، ومائة وستين في عام 1993, وتشير بعض المصادر إلى ارتفاع ميزانية ''''''''حزب الله'''''''' في عهد رفسنجاني إلى 280 مليون دولار. هذه الميزانيّة الكبيرة جعلت الحزب يهتم فقط بالاوامر التي تملى عليه دون التّدخل في نزاعات داخلية ضيّقة و ساعدته على توسيع قاعدته المقاتلة و الشعبية فاشترى ولاء الناس و حاجتهم و ضمن ولاؤهم و اخلاصهم له فهم منه و هو منهم.(1/166)
و هكذا بدأت تظهر تباعًا المؤسسات الصحية والاجتماعية والتربوية، فمؤسسة "جهاد البناء" تضم مهندسين وفنيين وعمالاً، مهمتها منذ 1988 مسح الأضرار الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية، وترميم وإعادة بناء ما تهدم من منازل، إلى حفر الآبار والملاجئ والمساهمة في بناء المستوصفات والمدارس، وإعداد الدورات التدريبية الزراعية. كما قدمت خدمات بيطرية في الجنوب والبقاع عبر مركز الطب البيطري التابع للمؤسسة، وتوزيع حوالي 120 ألف نصبة مثمرة .
وكذلك فعلت "الهيئة الصحية الإسلامية" في مجال الخدمات الطبية في حالتي الحرب والسلم منذ إنشائها في 1984، فعملت على نشر مراكزها ومستوصفاتها ومستشفياتها في المناطق الفقيرة؛ بحيث بلغ عدد فروعها في بيروت والبقاع والجنوب حوالي47 فرعًا. أما جمعية "مؤسسة القرض الحسن" فتأسست في 1982 وهدفها إحياء القروض غير الربوية وتقديمها للمحتاجين".
وتعمل "جمعية الإمداد الخيرية الإسلامية" التي تأسست في 1987 من أجل "الوصول إلى اكتفاء العوائل ذاتيًا، ورفع مستواها التربوي والعلمي ورعاية العجزة وكفالة الأيتام". وتهدف "مؤسسة الشهيد" إلى الاهتمام التربوي والتعليمي والاجتماعي بأسر الشهداء من خلال متابعة أوضاعهم وهم في داخل أسرهم عبر العلاقة المتواصلة مع المؤسسة والعاملين فيها.أما المؤسسة "الإسلامية للتربية والتعليم" فحديثة العهد نسبيًا إذ يعود تأسيسها إلى عام 1993، وقد عملت أيضا على تأسيس المدارس في معظم المناطق اللبنانية لرعاية أبناء الشهداء وتعليمهم، وإعدادهم إعدادًا عقائديًا إسلاميًا.(1/167)
كما شجعت المقاومة ودعمت هيئات أهلية مؤيدة لها كهيئة "دعم المقاومة الإسلامية" التي قامت بحملات لجمع التبرعات، والتبرع بالدم، وعقد الندوات، وإقامة المعارض في المناطق المختلفة في لبنان للتعريف بأهداف المقاومة، وجمع التبرعات لها، وتبليغ رسالتها وحشد التأييد لها، وخصوصًا في أوقات العدوان، أو في أثناء العمليات النوعية الكبيرة التي تقوم بها ضد قوات الاحتلال.
هكذا بات الحزب جزءًا من المعادلة الاجتماعية- السياسية في لبنان، وتجنب بذلك أن يبقى حالة عسكرية خاصة أو معزولة. و قد ساعد هذا الخيار الاجتماعي السياسي لحزب الله على بلورة سياسات "التكيف" التي اعتمدها في مواجهة التحولات السياسية الداخلية من دون أن تبدل أولويات الحزب في المواجهة الدائمة لجيش الاحتلال.
و يمكن تلخيص المنافع المتبادلة بين الحزب و ايران في انّها تكمن بالنقاط التالية:
أولا: يقوم الحزب بتصدير مفاهيم الثورة الايرانية بكافّة مضامينها الدينية و الاجتماعية الى البيئة اللبنانيّة و تلتزم ايران مقابل ذلك بجميع الاعباء المالية و المترتبات التي يتطلبها هذا العمل.
ثانيا: تقوم ايران بتأمين السلاح و العتاد الكامل لحزب الله لتحرير جنوبه (ليس مقاتلة اسرائيل) و ذلك ضمن معادلة داخلية محدودة لا يمكن تجاوزها الاّ بالخطابات و الاستعراضات و الكلام, و الهدف من ذلك أن يلقى حزب الله شهرة كبيرة في العالم الاسلامي تمهّد الطريق له لتصدير مفاهيم الثورة الايرانية من تحت البساط و دون ايّة مشاكل او حزازيات, و الهدف اعطاء ثقل لايران في المنطقة العربية و العمل على اختراقها تمهيدا للسيطرة عليها في المستقبل.(1/168)
ثالثا: يؤمّن وجود حزب الله بذاته و كونه تابعا لايران موطئ قدم للسياسة الايرانية التي تسعى الى استغلال مسألة معاداتها لاسرائيل الى ابعد حدود على الرغم من بعدها الجغرافي, و يعتبر حزب الله صلة الوصل في الموضوع, و يشكل ورقة عالية للمساومة على أي وضع من الاوضاع المصيرية التي تتعلق بإيران في أي وقت من الاوقات على اعتبار انّها تستطيع تفجير الوقت عندما تريد و تهدأته عندما تريد ايضا. بالاضافة الى ادوار اخرى متحركة تفرضها كل مرحلة من المراحل سنتحدث عنها لاحقا.
* علاقة حزب الله بسوريا:(1/169)
أمّا عن علاقة الحزب بسوريا, فهي علاقة قويّة جدا ما كان الحزب ليستطيع ان يقف على قدميه على كافة الصعد المادية و العسكرية و السياسية و ان يستفيد من المساعدات التي تعطيها ايّاها ايران لو كانت سوريا معارضة للخط الايراني. اذا انّ سوريا كانت بمثابة الختم الذي يتيح للتأشيرة الايرانية الدخول الى الأراضي اللبنانيّة. و قد سعت سوريا للاهتمام بحزب الله اهتماما خاصّا و هيأت له جميع المتطلّبات لاحتكاره العمل العسكري و استثنته من تطبيق بند اتّفاق الطائف القاضي بحل المليشيات العسكرية و سحب سلاحها و أمّنت له الدعم السياسي و الغطاء الاقليمي و ساهمت في تدريب العديد من عناصره. و اعتبر هذا الدور امتداد للتحالف السوري الايراني, حيث رأت سوريا في ايران حليفا استراتيجيا خاصّة اثر العداء المستحكم بين البعث السوري و البعث العراقي, و من الطرائف في هذا الموضوع انّ الخميني و انصاره من حزب الله كانوا يعتبرون البعث العراقي كافرا في حين انّ البعث السوري كان من اقوى حلفائهم!! و حرصت على الاهتمام بالحزب بسبب المعرفة المسبقة ايضا للنظام السوري بمدى التغلغل الإيراني في لبنان الذي شكل عمقا استراتيجيا لسوريا, ومن ثم كان الحرص السوري على مد الجسور مع شيعة لبنان وحصوله على فتوى من موسى الصدر بانتماء ''''''''الحركة العلوية النصيرية'''''''' للمذهب الإمامي الشيعي, وهو ما يعنى قدرا من الشراكة المذهبية مع إيران من ناحية ومع شيعة لبنان من الطرف الآخر. و قد قامت سوريا بعد ذلك بداية بمحاربة المجاميع المسلحة الفلسطينية عند دخولها الى لبنان و نزع سلاحها، ثم قامت بضرب خناق على جميع الاحزاب السنّية التي تمتلك السلاح و اغتالت العديد من العلماء من بينهم المفتي حسن خالد كما يقول العديد من المراقبين, وكان ذلك قد أحدث صدمة كبيرة لدى الجماعات السنّية دفعتهم للانكفاء في ظل افتقارهم الى أي دعم من أي جهة و المحاولات المتعددة لعزلهم(1/170)
عن فلسطين و عن دعم المقاومة الفلسطينية, في حين قامت سوريا في المقابل بتمجيد حزب الله و الترويج لصورته في صفوف السنّة السوريين و اللبنانيين لكي يبتعدوا عن نموذج الاخوان المسلمين الذين ارتكبت القوات السورية مجازر ضخمة في حقّهم من قبل و لارسال رسالة مفادها ان شاهدوا كيف يسمع و يطيع الحزب الشيعي ما نمليه عليه فلماذا انتم تختلفون عنه؟!
على العموم كانت سوريا تريد ورقة في مواجهة اسرائيل بطريقة غير مباشرة تجنّبها خوض حرب خاسرة معها و تمكّنها من التفاوض بشروط أفضل, و لكن الأهم من هذا و ذاك ان تكون هذه الورقة شيعية, لانّ الورقة الشيعيّة يمكن التحكّم بها من خلال مرجعيتها و لأنّها لا تتصرّف من تلقاء نفسها و هذا ما لا يتوفّر في أي جماعة سنّية لاختلاف العقائد و الاهداف, فالجماعات السنّية التي تجاهد هي غير معنيّة بمصالح الأنظمة و اهتماماتها و صلحها مع اسرائيل و لا تلتزم بالتالي بأي قرار خارجي يملى عليها, و ليس هدفها نشر مذهبها او الترويج له او لأي دولة بقدر ما هو مقاتلة العدو و تحرير الأرض. و هكذا وجدت سوريا ضالّتها في حزب الله.
و يمكن تلخيص المنافع السورية المتبادلة مع حزب الله في:
أوّلا: تأكيد و تنمية التحالف بين سوريا و ايران من خلال دعم حزب الله, اذ انّ الدعم السوري لحزب الله يؤكّد متانة العلاقة مع ايران و الالتزام بخطّها.
ثانيا: يعتبر حزب الله ورقة مهمّة جدا في العلاقة بين سوريا و اسرائيل ان كان لجهة تحسين شروط المفاوضات حول السلام الشامل او اعادة الاراضي المحتلّة او لجهة تجنّب مواجهة عسكرية بين اسرائيل و سوريا , حيث يستطيع الحزب توجيه ضربات لاسرائيل دون أن تكون الأخيرة قادرة على الرد على سوريا لعدم وجود أي دليل حسي يخوّلها القيام بالانتقام من سوريا. (تغيّرت المعادلة و اطر اللعبة بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان)(1/171)
ثالثا: يضمن الحزب بالمقابل وصول المساعدات عبر سوريا , كما انّه يضمن قيام السوريين بتذليل ايّة عقبات او اعتراضات داخليّة في لبنان على توجّهه على اعتبار انّ للوجود السوري تأثير كبير على كافّة الفرقاء في لبنان.
رابعا: يوفّر وجود حزب الله في لبنان عناء قيام سوريا بفتح جبهة لديها على صعيد المقاومة في الجولان مثلا لأنّ الذين سيقاومون حينها لن يهتمّوا كما شرحنا لأهداف النظام كما انّ الرد الاسرائيلي سيكون على الجيش السوري حينها و ليس على المقاومين.
بالاضافة الى منافع اخرى كل في مرحلتها.
حاضر حزب الله:
بعد حوالي خمس سنوات من انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان, لا بدّ لنا من قراءة ثانية لما تبدو عليه الامور و للمجرى الذي سلكته, و اذ انّنا لا ننكر دور حزب الله في الحاق الخسائر ببعض الجنود الاسرائيليين الاّ أنّه لا بدّ لنا من القول انّ الانسحاب لم يتم بسب هذه الخسائر و الاّ لو كان الأمر كذلك لانسحبت اسرائيل من قطاع غزّة منذ زمن بعيد ذلك انّ خسائرها البشرية و الاقتصاديّة في قطاع غزّة تفوق ما اصاب الاسرائيليين في جنوب لبنان أضعافا مضاعفة. لا نريد ان نبخس القوم حقّهم و لكن نتساءل, لو كانت هجمات حزب الله وحدها هي السبب, اذا لماذا لم تنسحب اسرائيل من مزارع شبعا ايضا على الرغم من انّ حزب الله يصل الى هذه المنطقة ايضا و اصاب بعض الاسرائيليين فيها؟! ايّا كان الأمر فما بعد الانسحاب الاسرائيلي ليس كما قبله.
* حزب الله بعد الانسحاب الاسرائيلي:
لقد كان الانسحاب الاسرائيلي انجازا كبيرا و لكنّه في نفس الوقت خلق واقعا جديدا على اساس انّ الاسرائيليين كانوا يحاولون من خلال هذا الانسحاب اعادة رسم معالم اللعبة الجديدة و خطوطها و قد نجحوا في ذلك الى حد بعيد, كانت اللعبة الجديدة تقتضي تحقيق العديد من الاهداف منها:(1/172)
أولا: قيام اسرائيل بسحب ذريعة احتلال الجنوب من تحت بساط حزب الله الذي ازعجها كثيرا, فالانسحاب يعني انّه لم يعد هناك من مبرر لوجود الحزب طالما انّه يقول انّ دوره ينحصر في تحرير أرضه.
ثانيا: ادخال العمق السوري في المعادلة الجديدة من خلال القول بأنّ أي هجوم من حزب الله من الآن و صاعدا سيقابله رد اسرائيلي على المواقع السورية في لبنان أو في العمق السوري ان اقتضى الأمر و هذا ما حصل فعلا فيما بعد.
ثالثا: التمهيد للخروج السوري من لبنان على اساس انّ كل من الطرفين كان يتمسك بخروج الآخر كمقدمة لخروجه هو, كما أنّ الانسحاب الاسرائيلي يتيح للقوى الكبرى و خاصّة امريكا مصداقيّة اكبر عند ضغطها على سوريا للخروج من لبنان , و هذا ما حصل بالفعل في عام 2005.
و في الحقيقة فقد بدى واضحا أنّه و منذ انسحاب القوات الاسرائيليّة من جنوب لبنان في مايو / أياّر من العام 2000 أنّ اطار اللعبة المصاغة اقليميّا بين سوريا و ايران من جهة و اسرائيل من جهة أخرى و المسموح لحزب الله التحرك ضمنه قد بدأ يضيق شيئا فشيئا ممّا همّش من دور الحزب و فعاليته و صيته الدعائي الذائع الانتشار , و اضطّره الى تقليص عملياته المؤثرة لصالح اخرى أكثر دعاية. فبدأ الحزب من بعد الانسحاب الاسرائيلي بالاعتماد على ما يسمّى "الخبطات الاعلاميّة". و نعطي على كلامنا هذا شاهدين مهمّين:(1/173)
الأوّل: موضوع تبادل الأسرى مع اسرائيل, فمن كان يتابع قضيّة تبادل الأسرى السابقة و التي تصب في نفس الاتجاه المتّبع, رأى عند انتهاء اتمام الصفقة انّها كانت مجرّد "ضوضاء اعلاميّة" لم يستفد الشعب الفلسطيني منها أي شيء, و كل ما هناك انّ الحزب أراد تسليط الأضواء عليه من جديد بعد أن سبق و فقدها و أصبح نسيا منسيا, فقد أصدر نادي الأسير الفلسطيني آنذاك بيانا أوضح فيه انّ معظم السجناء الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم كانت مدّة أحكامهم ستنقضي في غضون أقل من شهر و بعضهم عدّة أيّام, و انّ الباقي تمّ اطلاق سراحه لانّ السجون الاسرائيليّة كانت تعاني من ازدحام شديد, و قد أبدى النقّاد عندها انزعاجهم من استغلال الحزب لهذه العمليّة و تصويرها على انّها انتصار لحسابه, فيما تمّ الكشف فيما بعد انّ عددا من الجثث التي استلمها الحزب على أساس انّها رفاة لشهداء لبنانيين كانت في حقيقة الامر رفاة شهداء فلسطينيين و عندها بدت اسرائيل هي المنتصرة في هذه الصفقة.(1/174)
الثاني: طائرة الاستطلاع "مرصاد 1 " و التي لا تخرج بدورها عن هذا الاطار الذي بدأ الحزب يعتمد عليه, و التي لم تكن سوى فقّاعة دعائية لاخفاء امور اخرى بعيدا عمّا يجري في ساحات العراق و فلسطين. فيما كان التوقيت للعملية آنذاك يتزامن مع اتّخاذ الناس وجهة نظر معيّنة تجاه الشيعة بناءا على موقفهم في قبول الاحتلال في العراق و عدم انخراطهم في المقاوة المسلّحة, و المباركة الايرانيّة للاعضاء المعينين من قبل أمريكا في مجلس الحكم و الموافقة على الخطط الامريكيّة في المنطقة , و كون الحزب أداة ايرانيّة و أمينه العام وكيلا شرعيّا في لبنان لمرشد الثورة الايرانيّة السيّد علي الخامنئي, كان لا بد من القيام بهذه الخطوة لتلميع الصورة التي أخذت عن الشيعة وقتها في العالم العربي و للتغطية على التعاون الايراني الأمريكي و التنسيق الحاصل بينهما في تلك المرحلة, في وقت كانت فيه الجيوش الامريكيّة تنكّل بأهلنا في الفلّوجة و الموصل و غيرها من مناطق المقاومة الشرسة في حين كانت المراجع العليا للطائفة الشيعيّة قد دخلت في سبات عميق دون أي تعليق ممّا أثار سخط العديد من الجهات في داخل العراق و في خارجه أيضا للموقف الشيعي ممّا يجري على أيدي القوّات الأمريكيّة خاصّة بعد ان تمّ الاعلان في عدد من التقارير انّ أكثر من 80% من الحرس الوطني الذي يشارك في المجازر الامريكيّة في الفلوجة هم من أتباع المرجع الشيعي السيستاني و الميليشيات الشيعيّة الأخرى , و حيث باركت ايران (الحليف لحزب الله اللبناني) عبر الرئيس الايراني خاتمي ما يجري من تحرك للحكومة العراقية و القوّات الامريكية فيما يسمّى محاولة ضبط الأوضاع, فما كان من حزب الله الاّ ان حاول لفت و شد الأنتباه عبر عمليّة "مرصاد 1" و تلميع الموقف الشيعي في الفترة الراهنة و التخفيف من السلبيات الظاهرة فيه عبر المشاركة فيما يسمى يوم القدس العالمي.(1/175)
هذا فيما بات التوقيت الذي يعتمده الحزب لتحقيق "خبطاته الاعلامية" يشير أكثر فأكثر الى أنّ الحزب يفتقد الاستقلاليّة في القرارات المتّخذة, و أنّه مجرّد أداة أو ورقة ايرانيّة بدأت تفقد الكثير من فعاليّتها بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان و اعلان امريكا الحرب على ما يسمّى الارهاب, و من الأمثلة على عدم قدرة الحزب على الرد فعليّا و عمليا على أي عملية اختراق اسرائيليّة بريّة و بحريّة و جويّة للأجواء اللبنانيّة او على أي تهديد اسرائيلي لحلفاء الحزب "سوريا و ايران" هو وقوف الحزب مكتوف الأبدي حين كانت الطائرات الاسرائيليّة تقصف المواقع السوريّة في لبنان او عندما قصفت تلك الطائرات مواقع تبعد فقط عدّة كيلومترات عن العاصمة دمشق في منطقة "عين صاحب".
* حزب الله و القضية الفلسطينية:(1/176)
بطبيعة الحال, فانّ حزب الله من المنظور اللبناني هو حزب طائفي, بمعنى انّه يهتم بشؤون طائفته فقط و قد حرص حزب الله قدر الامان على عدم اظهار هذا الوجه الى المسلمين في الخارج حفاظا على صورته النمطية في عقليّتهم التي تعتمد العواطف, و عمد الى جعل تركيزهم على مسألة خروج الإسرائيليين من جنوب لبنان و على اخفاء مدى قوّة الروابط مع ايران و على اخفاء وجهه الطائفي التي يحمله معه, و خير دليل على كلامنا انّه مثلا يحرص على ان يخلو "الآذان" في فضائية المنار من جملة "علي وليّ الله", فيما يضمّنها الآذان على المنار الأرضية, كما انّه يحرص على عدم تناول رموز السنة في مختلف العصور بسوء على فضائيته , و لكنه على ارضيّته لا يوفّرهم, و فيما يدعو الى الاخوة و الاتحاد مع المسلمين و نبذ الطائفية, يقوم كوادره بتوزيع كتيبات فاخرة خاصّة في الجامعات و التجمّعات و هي مختومة بختم (التعبئة التربوية حزب الله) تحتوي على شتائم و الفاظ نابية و لعان بحق رموز السنّة التاريخيين و ذلك جهارا نهارا دون رادع و خاصّة في مناسباتهم, و امثلة كثيرة لسنا بصدد ذكرها. لكن نقول انّه في كل المواضيع لا بدّ للحزب من استغلال اسم القضيّة الفلسطينيّة و التذكير بأنّ الحزب سيقف دائما الى جانب الانتفاضة الفلسطينية. الى انّ جاء اعلان الامين العام بشكل واضح في خطابه في 25 ايار 2005 و الذي كشف فيه للمرّة الاولى عدد الصواريخ التي يمتلكها حزب الله في اطار التهديد و الوعيد و الويل و الثبور لاسرائيل حين اشار الى انّ شمال فلسطين كلّها تقع تحت مرمى صواريخه, الاّ انّه استدرك لاحقا بالقول انّ الصواريخ دفاعيّة, و هذا ما يشير الى انّ المسألة دعائية و هو ما دأب حزب الله الى فعله منذ انّ غيّر الانسحاب الاسرائيلي من وظائفه, فترداد مسألة القضية الفلسطينية هو لابتزاز اسرائيل و الزامها على البقاء في اطار اللعبة, و الدليل انّ الحزب يعلم تماما انّ الاتفاقيات(1/177)
التي وقعها مع اسرائيل و منها "اتّفاقية نيسان" لجمته و فصلت الارض الفلسطينية عنه و حرّمت شمال "اسرائيل" على قذائف و صواريخ حزب الله, لدرجة ان اتّهمه البعض اثر تحوّل موقفه منذ الانسحاب الاسرائيلي بأنّه حامي لحدود اسرائيل و مدافع عنها و هذا ما جاء على لسان الامين العام الأوّل لحزب الله صبحي الطفيلي الذي قال: "لو كان أناس غير حزب الله على الحدود -يقصد الفلسطينيين و اهل السنّة- لما توقّفوا عن قتال اسرائيل مطلقا, و الآن اذا ارادوا الذهاب يعتقلهم الحزب و يسلّمهم الى الامن اللبناني و تقولون لي انّه لا يدافع عن حدود اسرائيل!!" و تزامن هذا الكلام الخطير مع مقال للعميد سلطان أبو العينين أمين سر حركة فتح في لبنان, نشرته جريدة "القدس العربي" في 5/4/2004 بعنوان: " حزب الله يحبط عمليات المقاومة الفلسطينية من الجنوب" قال فيه: " حزب الله قال سنكون إلى جانبكم عند المحن، ولكننا منذ ثلاثة أعوام نعيش الشدائد ولم نعد نقبل شعارات مزيفة من احد. ففي الأسبوع الأخير أحبط حزب الله أربع محاولات فلسطينية علي الحدود و قامت عناصر حزب الله باعتقال المقاومين الفلسطينيين وتقديمهم للمحاكمة, وأكد العميد أبو العينين أن الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في أيار تم ضمن ترتيبات أمنية واتفاق امني بأن لا تطلق طلقة واحدة علي شمال فلسطين من جنوب لبنان، وهذا الاتفاق يطبق منذ الانسحاب الإسرائيلي، فلم يتمكن أي مقاوم من اختراق الحدود الشمالية وجرت أكثر من محاولة من جميع الفصائل الفلسطينية وجميعها ضبطت من حزب الله وقدمت إلى المحكمة" و أضاف " أن حزب الله يريد المقاومة كوكالة حصرية له وحصرا في مزارع شبعا، ولا ينتظر أحدا من حزب الله أن يقوم بقصف شمال فلسطين بالصواريخ وأنا شاهد علي ما يجري. وأشار إلى أن سيطرة حزب الله علي المقاومة من الجنوب اللبناني نابعة من اتفاقيات وترتيبات أمنية، أي اتفاقيات مع إسرائيل بواسطة طرف(1/178)
ثالث، وقال: علي الشعب الفلسطيني أن لا يعول لا علي حزب الله ولا علي حزب الشيطان، بل عليه الاتكال علي نفسه فقط لان لحزب الله أولوياته ومواقفه السياسية، وهو يريد أن يقاتل بآخر فلسطيني منا علي ارض فلسطين ونحن نريد من حزب الله موقفا صريحا وواضحا".
مستقبل حزب الله:
ليست المرة الأولى التي يطرح فيها مستقبل حزب الله على بساط البحث، ففي كل مرّة يحدث فيها تطوّر اقليمي او دولي يخصّ لبنان او ايران او سوريا, يتم طرح موضوع حزب الله و مستقبله, خاصّة انّ مصير الحزب ليس مرهونا بالساحة اللبنانية وحدها كما سبق و رأينا, فهو له امتدادت خارجية و قراره ليس داخليا محضا و له مرجعية الولي الفقيه. و على العموم فقد كان طرح مصير حزب الله في ثلاث مرات سابقة هي:
الأولى: مع ظهور احتمالات التسوية السلمية على المسار السوري الإسرائيلي في وايت بلنتيشن في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون, حيث طرحت قضية الحزب بسبب علاقته مع سورية وتوظيفه في إطار الإستراتيجية السورية تجاه إسرائيل.
الثانية: أثناء إعلان إسرائيل عزمها الانسحاب من جنوب لبنان, حيث طرحت تل أبيب شروطا تتعلق بتسوية أوضاع الحزب, وذلك في إطار المسار اللبناني الإسرائيلي, لكن القضية لم تحسم نتيجة لانسحاب إسرائيل الانفرادي دون اتفاق مع الحكومة اللبنانية.
الثالثة: في منتصف التسعينيات مع حدوث توتر في العلاقات السورية الإيرانية, حيث كانت هناك علاقات قوية لسورية مع الولايات المتحدة التي كانت تضغط في اتجاه وقف دعم دمشق للحزب باعتباره منظمة تهدد أمن إسرائيل.
الرابعة: بعد اغتيال الحريري و انسحاب القوات السورية, حيث بدأت تطرح قضية الحزب بشكل متصاعد داخل وخارج لبنان .
لكنّ المستقبل و ان كان من الصعب علينا التنبؤ بما سيحمله, الاّ انّه بالضرورة قد لا يخرج عن ثلاث سيناريوهات لوضع الحزب مستقبلا فيما يخص الاصرار على نزع سلاحه وفق القرار 1559.(1/179)
* السيناريو الأوّل: نزع سلاحه عبر مساومات داخلية:
و يفترض هذا السيناريو ان يتّفق معظم الفرقاء اللبنانيين على أن ينزع حزب الله سلاح اعتمادا على عدد من الحجج منها:
أولا: انّ اتّفاق الطائف قد نصّ صراحة على سحب سلاح جميع الميليشيات اللبنانية (بما فيها تلك التي كانت تقاوم الاحتلال ايضا مثل امل و الشيوعي و غيرهم) و انّ استثناء حزب الله من هذا النص كان بقرار سوري و بدعم ايراني, و حيث انّ القوات السورية انسحبت و انّ الجميع متمسك بتطبيق اتّفاق الطائف فانّه يجب على حزب الله ان يسلّم سلاحه.
ثانيا: بما انّ الجميع يطالب بدول ذات سيادة و استقلال, فمنعا للتدخلات الخارجية التي قد تنجم عن قيام الارادة الدولية بتطبيق باقي بنود القرار 1559 القاضي بسحب سلاح حزب الله ضمنيا, فانّه من الضروري فتح ملف حزب الله الآن بعيدا عن الالتفات للضغوط الخارجية, لأنه مسألة تمس سيادة ومستقبل لبنان, فلا يعقل أن يظل الجناح العسكري للحزب , ويظهر أنه دولة داخل الدولة, وأن الديمقراطية والسيادة تقتضي إزالة جميع صور التسلح غير الرسمي, وأن الجيش اللبناني والشرطة هي الجهة الوحيدة فقط التي ينبغي لها أن تحتكر القوة, وتستخدمها في حماية النظام الداخلي وفرض القانون, والدفاع عن سيادة واستقلال لبنان.
ثالثا: لا يمكن لحزب الله من الآن و صاعدا ان يكون ممثلا داخل الحكومة و ان يكون لديه جناح مسلّح, لأنّ ذلك سيثير حساسيات الطوائف الاخرى فحزب الله في النهاية جزء من المجتمع اللبناني و حتى لو تجاهلنا تصرفاته و بيئته , فاّنه يبقى في النهاية طائفيا و هذه هي واقع الحال في لبنان, لذلك انّ اصر على حصّته عليه ان يتخلى عن سلاحه.(1/180)
و يتوافق هذا السيناريو مع مغريات امريكية بالدرجة الاولى و فرنسية فيما بعد بأن يتم اعطاء حزب الله دورا سياسيا كبيرا في لبنان على غرار الاحزاب الشيعية في العراق مقابل ان يقوم بالتخلص من اسلحته او يجد لها مخرجا ملائما. لكن يبدو انّ المشكلة في هذا السيناريو انّ الفرقاء اللبنانيين الذي كانوا يطالبون بنزع سلاح حزب الله توزعوا بين مؤيد و معارض نتيجة مساومات و تحالفات داخلية مصلحية, فضاع الهدف الأساسي او اجّلوه على ان لا يتورطوا هم به ليتركوا فيما بعد للمجتمع الدولي ان يقرر.
على العموم و في جميع الاحوال يبدو انّ هذا السيناريو صعب التحقيق الى الآن, او قد يتم تدريجيا و على دفعات.
* السيناريو الثاني: نزع سحاب حزب الله عبر انسحاب اسرائيلي من شبعا:
في حال فشل السيناريو الأوّل فهناك معلومات تقول ان امريكا قد تلجأ الى سيناريو آخر تقنع بواسطته اسرائيل بأن تنسحب من مزارع شبعا بغض النظر عن صاحب الحق و الملكية فيها سواء كانت سوريا ام لبنان, و بذلك تنتفي حجّة حزب الله بأنّه يقاوم من اجل دفع اسرائيل الى الانسحاب من مزارع شبعا و بذلك يفقد حزب الله مبررات وجوده.(1/181)
و هذا السيناريو يستخدم في حال اتّفقت القوى اللبنانية على ان تتجنب الخوض في مسألة سلاح حزب الله و بالتالي تجنيبه مفاعيل القرار الدولي و إفشال مخططات تفكيك حزب الله, و الخيار الوحيد أمام اسرائيل و القوى الدولية في حال استمرت الحكومة اللبنانية بتأكيد لبنانية مزارع شبعا و التحفظ على قول الامم المتحدة بهذا الخصوص و في حال قامت سوريا بتقديمها اعترافا خطّيا بلبنانية مزارع شبعا (على الرغم من انّ سوريا كانت قد صرّحت رسميا في مرات عديدة سواء عبر وزير الخارجية فاروق الشرع او عبر وليد المعلم او عبر مندوبها في الأمم المتّحدة أنّ مزارع شبعا لبنانية) أن تقوم اسرائيل بالانسحاب من مزارع شبعا كحل اخير للموضوع و بالتالي تسقط حجةّ وجود أراضي لبنانية محتلة و عليه لا يبقى هناك أي مبرر شرعي و قانوني لوجود حزب الله كمنظمة عسكرية مقاومة.
هذا فيما سيتزامن الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا مع تسليمها لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان ، وقيام الأمم المتحدة بالإجراءات المطلوبة لتحديد هويتها وتسليمها إلى أصحابها مع إعلان دولي بأن الأراضي اللبنانية كلها أصبحت محررة. و بالتالي توسيع مهام قوات الطوارئ الدولية لتصل إلى حدود مراقبة الوضع على كامل المساحة الجغرافية من منظار الأمم المتحدة وبدعم دولي كامل والبدء في مرحلة إنقاذ الاقتصاد اللبناني والعمل على تحضير مشاورات دولية غير معلنة لتنشيط الاستثمار في لبنان.(1/182)
لكنّ المشكلة في هذا السيناريو انّ اسرائيل ما لم تكن متأكدة من أنّ الدولة اللبنانية ستحكم سيطرتها على مناطق الحدود اضافة الى قوات الأمم المتحدة فانّها لن تقوم بالانسحاب من شبعا, لأنّه في حال سحب سلاح حزب الله و انسحاب اسرائيل فانّ المنطقة ستتعرض لفراغ قد يتيح للمقاتلين الفلسطينيين في لبنان بدء عمليات مسلحة ضد اسرائيل, و لذلك فانّ بقاء حزب الله في هذا الوضع افضل فهو يتكفّل في ضبط اللعبة و عدم دخول أي جهة اخرى على الخط من لبنان خاصّة اذا كانت من السنّة الغير ملتزمين بأي لعبة او اطار سياسي و المستعدين للتصعيد حتى الانفجار.
*السيناريو الثالث: صفقة امريكية - ايرانية تنهي وضعه العسكري:
لا طالما خلط الكثيرون بين الشعارات التي يجري تداولها بين ايران و امريكا فأطلقوا الأحكام على اساسها و استنتجوا انّ البلدين في حرب غير معلنة, و الحقيقة تقول انّ هناك تعاون غير معلن يصل الى حد التحالف في بعض المواضيع و يغيب في مواضيع اخرى, و لن نعيد شرح الموضوع و التعاون الايراني مع الامريكيين في افغانستان و العراق و غيرها من الملفات و المواضيع. و لكن نقول انّ امكانية حصول صفقة ايرانية- امريكية قد يحصل بنسبة عالية جدا, و المناوشات التي تحصل بين البلدين من حين الى آخر ما هي الاّ اسلحة في سلّة الضغوط التي يلجا اليها كل بلد لزيادة مكاسبه, و في النهاية تتم القسمة بينهم.
و ليس من المستبعد بناءا على ذلك أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بعقد صفقة مع إيران, تقدم واشنطن بموجبها تنازلات لطهران فيما يتعلق بملف برنامجها النووي وعدم إحالته لمجلس الأمن الدولي, مقابل أن توقف إيران دعمها القوي, خاصة اللوجستي, لحزب الله وبالتالى يؤدي ذلك لإضعافه وسهولة الضغط عليه باتجاه نزع أسلحته.
* ماذا عن أمريكا و مغازلة الشيعة؟!(1/183)
هناك من يرى انّه من مصلحة امريكا و اسرائيل في الوقت الراهن الابقاء على حزب الله ,لأنّه يشكّل عامل و صمّام امان للحدود اللبنانية الاسرائيلية خاصّة في وقت تتصاعد فيه ما يسمى بالقوى الجهادية السلفية التي لا تقيم أي معيار للتوازنات الاقليمية او المحلية او الداخلية و التي لا تخشى شيئا في سبيل دك امريكا و اسرائيل, و يعتمد هؤلاء في تحليلهم على انّ عدد من الامور في نظرتهم هذه تجاه حزب الله و منها:
أولا: بالنسبة لهم , الحزب يسيطر على مناطق تواجده بالكامل و بالتالي فانّ اطرا اللعبة معروف بينه و بين اسرائيل و لا يسمح لأي احد بالتدخل فيه و من بينهم من يدعي انّهم حلفاؤه و هم الفلسطينيون (كما سبق و اشرنا اعلاه اعتقل الحزب العديد من المقاتلين الفلسطينيين) و بالتالي فانّ التعامل مع الحزب واضح, على عكس ما سيتركه انسحابه من هذه المناطق.
ثانيا: أنّ الحزب "براغماتي", بمعني انّه يقبل الحوار و التفاوض و التبادلات حتى لو كان خاسرا بها كما حصل في تبادل الاسرى الشهير بين اسرائيل و حزب الله على الرغم من انّ الحقيقة قد اظهرت انّ اسرائيل هي التي استفادت من هذا التبادل الاّ انّه تمّ تصوير العكس. و لو ترك الأمر لغير حزب الله من المجموعات التي قد تستغل وجود أي ثغرة للقيام بعملياتها, لما تفاوضوا و لا قبلوا كل انواع الحوار , و بالتالي هذه ميزة لحزب الله علينا استغلالها. (هكذا يطرحون وجهة نظرهم).
ثالثا: أنّ الحزب اعلن في عدّة مرات و بشكل واضح انّه لا يتدخل في الشؤون خارج اراضي لبنان و انّ مهمته هي تحرير ارضه و ليس تحرير فلسطين كما كان يزعم من قبل, و كان هذا الاعتراف صريحا و واضحا في خطاب نصر الله الاخير في 25 ايار 2005. بينما ايّ من الاحزاب الاسلامية غير مستعدة عن التضحية بحقها في فلسطين و تحريرها من الاحتلال الصهيوني الغاشم.(1/184)
و ينادي اصحاب هذا التوجه الى التقارب مع شيعة العالم لأنّ التعامل معهم يتم على اساس المصالح و ليس المبادئ, و انّ الشيعة على الرغم من شعاراتهم الاّ انّهم في حقيقة الامر متعاونون جدا و منفتحون.
ويعتبر الباحث السياسي أغسطس نورتون, وهو صاحب مؤلفات عدة عن "حزب الله" والحركات الشيعية، أن "توجه الادارة الى التعامل مع الأقلية الشيعية في العالم الاسلامي" انطلاقا من "علاقتها برئيس الحكومة العراقية ابراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة الاسلامي في العراق الذي ارتبط اسمه بتفجير السفارة الأميركية في الكويت عام 1983"، مرده ان واشنطن "بدأت تعي التغييرات السكانية في المنطقة وأن الشيعة يشكلون نصف المسلمين في الدول الممتدة من لبنان الى باكستان". ويصنف نورتون الذي أمضى أواخر التسعينات في لبنان، الجبهة اللبنانية بأنها "الثالثة ضمن استراتيجية التقرب من الشيعة بعد العراق وايران، وتحديدا في مرحلة ما بعد الانتخابات العراقية".
و على هذا الاساس فقد يجري تبديل في الاستراتيجية و يصبح حزب الله حليفا كما اصبح حزب الدعوة و فيلق بدر حلفاء للولايات المتّحدة في العراق بعد ان كانوا يدعون عليها بالويل و الثبور من ايران, سبحان مغيّر الأحوال فلا تتفاجؤا ان حصل ذلك!!
و على اية حال, فان مستقبل الحزب مرتبط بالمتغيرات الاقليمية و الدولية , وهو ليس مسألة داخلية كما يحب البعض ان يصفه , و قد رأينا مدى التشابك و التداخل في مختلف القاضايا و الأمر مفتوح في النهاية على كل الاحتمالات
**************
الوجه الجديد لحزب الله
حسن الرشيدي(1/185)
لا تزال الولايات المتحدة تبحث عن النموذج الأصلح الذي تراه جديرا بتسلم زمام الأمور في الشرق الأوسط فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر باتت الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة تقوم على ركائز منها استبدال المحافظة على استقرار الأنظمة الموجودة في الشرق الأوسط بتغيير هذه النظم فقبل أحداث 11 سبتمبر كانت نصيحة اللجنة التي شكلها بوش لرسم خياراته الإستراتيجية و أولويات السياسة الأمريكية تدور حول ضرورة الفصل بين التوجهات الإستراتيجية الثلاث : النفط و الإرهاب و الصراع العربي الإسرائيلي لأنه لابد أن يظل كل منهم مستقلا بذاته وبعيدا عن الآخر: الخليج وما حوله ناحية ، وفلسطين وما حولها ناحية أخرى ، و الإرهاب كوجهة ثالثة لأن المزج بين الثلاثة يخلق تفاعلات تنشأ عنها شحنات خطر يصعب تقديرها.
يضاف إلى ذلك أن الفصل بين هذه النطاقات هو الضمان لإحكام السيطرة على إدارة كل واحد منهما في حدوده المعينة وفي إطار المحسوب.
أما بعد أحداث بعد 11 سبتمبر فقد تنامي الاتجاه داخل الإدارة الأمريكية لجعل موضوع مكافحة الإرهاب في سلم أولويات هذه الإدارة لاستعادة الهيمنة المفقودة و تنفيذ أجندات مؤجلة فقد شكلت تلك الأحداث صدمة أمنية نالت من هيبة أمريكا وشكلت إطارا عاماً لرسم السياسة الخارجية بل والداخلية وأعادت رسم أولويات الإدارة الأمريكية الحالية.(1/186)
لقد شكلت أحداث سبتمبر إطارا نظرياً وفكرياً جديداً يتم الاسترشاد به في رسم السياسية الخارجية الأمريكية وبعلاقات أمريكا بأشخاص المجتمع الدولي، وعليه فقد قسم بوش الدول إما معنا أو ضدنا وبذلك فقد أعاد للعلاقات الدولية أطر الحرب الباردة بما تضمنته تلك التصورات من تأزيم للعلاقات الدولية وتفجير الصراعات الدولية وهيمنة ظاهرة الصراع الدولي على مظاهر التعاون في العلاقات الدولية، كما أسهمت تلك النظرة بتأجيج حده التوترات الدولية لاسيما في البؤر المشتعلة أصلا والتي أهمها على الإطلاق بؤرة الصراع العربي الإسرائيلي.
و نتج عن التفكير الأمريكي في تغيير إستراتيجيتها باستبدال النظم التي خرج منها الذين ضربوا الولايات المتحدة بأخرى و لكن ما هو البديل ؟و من هنا جاء التفكير في البديل الأكثر شعبية داخل العالم الإسلامي و هي الحركات الإسلامية .
و مع بداية الفترة الثانية لحكم الرئيس الأمريكي جورج بوش بدا أن الحلم الأمريكي في العراق توقف و أثبت عجزه أمام ضربات المقاومة السنية و ازدادت وتيرة محاولة تدجين الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط لتتناغم مع الأهداف الأمريكية و من هنا كان ذلك أحد الأسباب التي جعلت حزب الله يدخل على الأجندة الأمريكية .
أما السبب الآخر فيتمثل في بعد آخر في الإستراتيجية الأمريكية و هو نظرتها الجديدة في تعاملها مع الأقليات في الوطن العربي و خاصة الشيعة بقصد تحجيم الأغلبية السنية و التي في الغالب تقاوم النفوذ الأمريكي و سعيها للهيمنة.
و في هذا الإطار جاء مقال هيلينا كوبان في دورية بوستون ريفيو عدد أبريل و مايو 2005 تحت عنوان (الوجه الجديد لحزب الله ) و الملاحظ أن هذا المقال جاء بعد رحلة قامت بها الكاتبة إلى بيروت و لبنان و التقت فيها بالعديد من المسئولين في حزب الله و خارج الحزب لتعد في النهاية تقريرا للإدارة الأمريكية يمكنها من وضع إطار جديد في تعاملها مع هذا الحزب الشيعي.(1/187)
وتقول كاتبة المقال إنها قامت خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين بالعديد من الزيارات لمقر جماعة حزب الله في ضاحية بيروت التي تتكون من ثلاث بلديات كبرى تتاخم حدود العاصمة اللبنانية من الحدود الجنوبية، وتعتبر مركزًا للشيعة في لبنان وتضم عددًا من المنظمات والفصائل الشيعية القوية مثل حزب الله وجماعة الرفاهية الاجتماعية التي يترأسها الزعيم الشيعي محمد حسين فضل الله البالغ من العمر 69 عامًا، وقد شهدت هذه المنطقة احتجاز العديد من الرهائن الأمريكيين والغربيين في أواسط وأواخر حقبة الثمانينيات على يد الفدائيين الشيعة الذين يرتبطون بنوع ارتباط مع جماعة حزب الله، وتوجد في شارع ضاحية بيروت عدة مكاتب تابعة لجماعة حزب الله تحمل اسم زعيم الحزب الأول الشيخ راغب حرب الذي اغتالته إسرائيل عام 1984.
وتتذكر الكاتبة فترة عملها في لبنان أواخر السبعينيات عندما كانت منطقة ضاحية بيروت عبارة عن أكواخ واسعة، وتكاد تنفجر من الازدحام بسبب التدفق الهائل لمئات الآلاف من الشيعة الجدد الوافدين، حيث كان العديد من الشيعة في لبنان يهربون إليها بسبب فقر المناطق التي يعيشون فيها على غرار منطقة بعلبك في شرقي لبنان، بينهم قدم الآخرون إلى ضاحية بيروت هربًا من القتال الإسرائيلي الفلسطينيّ الشرس في منطقة إميل جبيل التي تسكنها أغلبية شيعية جنوب لبنان، والبعض الآخر مرحلون من شرق وجنوب لبنان بعدما مارست الميليشيات المسيحية عمليات تطهير عرقي خاصة في عامي 1975 و1976.
وتقول الكاتبة إن منطقة ضاحية بيروت اليوم تختلف بشكل كبير حيث تنتشر فيها العمارات السكنية ذات الطوابق المرتفعة، والقليل من النساء في الشوارع يرتدين الحجاب الكامل بينما ترتدي أغلبية النساء أوشحة الرأس.(1/188)
وتضيف الكاتبة قائلة: "في السبعينيات قضيت الكثير من الوقت أطوف على مكاتب كبار المسئولين في مختلف القوى السياسية اللبنانية وحتى الفصائل والفئات الفلسطينيّة، وقد كانت المقابلات الصحفية مع المسئولين في ذلك الوقت غير سهلة على الإطلاق للدرجة التي لا تكون متأكدًا معها مما إذا كنت ستنجح في توجيه كل الأسئلة التي تحملها في جعبتك وتحصل على أجوبة شافية عليها أم لا، وفي تلك المرحلة لم يكن هناك وجود لمكاتب حزب الله التي يمكن الاتصال بها".
وتؤكد الكاتبة أن الأوضاع الآن تغيرت تمامًا، حيث تقول: "في أول زيارة لي لمكاتب حزب الله في الخريف الماضي، رحب بي محمد عفيف رئيس قسم العلاقات الإعلامية والعضو بالمكتب السياسي حزب الله المكون من أحد عشر شخصًا، وهو الذي رتب لي سلسلة من اللقاءات الصحفية، وقد كان جميع من اجتمعت معهم من مسئولي الحزب من الرجال، رغم أنني أعلم أن هناك نساء يعملن في مكاتب أخرى تابعة للحزب، ولم يكن هناك أحد ممن التقيت بهم يمكن اعتباره من رجال الدين، بل كان جميع من التقيت بهم يرتدون الزي الغربي الطراز لكن بدون رابطة عنق - مثل المسئولين الإيرانيين - وهم لم يصافحوني أبدًا وكانوا يحاولون مساعدتي ولكن بشكل حذر للغاية، وكان يبدو واضحًا أن هذا هو نمط سلوكهم بعد أن تعرض العشرات من زعماء وكوادر حزب الله للاغتيال من قبل إسرائيل على مدار العشرين عامًا الماضية، وهم لا يعرفونني ولم يسبق لهم أن رأوني أو سمعوا عني".
وتضيف الكاتبة: "هناك شخص يرمز له بحرفي زد .إتش وفقًا لطلبه كان يعتبر مصدر موثوق على مقربة من حزب الله، وقد تحدث معي حول إستراتيجية حزب الله الخاصة بالعمل السياسي في ظل نظام ديمقراطي يحكم لبنان .(1/189)
و يجيب زد إتش عن موضوع خطير يتعلق بعدم رغبة حزب الله حتى الآن في السيطرة على إحدى الحقائب الوزارية في الحكومة، بقوله: نحن نؤمن بأن مشاركة أي حزب سياسي في الحكومة يجب أن تعني تأثير حقيقي لهذا الحزب على أسلوب عمل الحكومة، لكن في لبنان لا يمكنك ان تتابع تنفيذ برنامج حزبك إذا دخلت الحكومة لأن الحكومات في لبنان تتشكل انطلاقًا من الائتلافات التي تتم، في أي مكان آخر يمكنك أن تدخل بحزبك في الحكومة على أساس برنامج محدد وتتحرك وفقًا لهذا البرنامج لكن في لبنان لا يمكنك ذلك، كما انه يوجد بعد آخر يتمثل في تطلعات الجماهير بمعنى أن حزب الله يمثل شريحة كبيرة من المواطنين اللبنانيين وهؤلاء الناس لديهم طموحات وآمال ولو وافق حزب الله على أخذ حقيبة وزارية في أية حكومة وواجهته حقيقة عدم تمكنه من تلبية مطالب مؤيديه فإنه سيخسر من مصداقيته وشعبيته لأن لبنان فيها الفساد منتشر في كل مجال، ونرى أنه من المحتم تجديد كافة المؤسسات لكنها مسألة صعبة للغاية وستستغرق وقتًا، وإضافة إلى ذلك هناك حقيقة أن الهيكل السياسي في لبنان مازال طائفيًا إلى حد بعيد، وبالتالي فإن الناس ينقادون ليس وفقًا للمصالح والمعايير الموضوعية وإنما وفقًا للعواطف والمشاعر الطائفية، ورؤيتنا تقول إن السياسيين في لبنان يقودون الناس بنفس منهج العشيرة القديم أو التعامل القبلي الذي يقوم على مراعاة المصالح الطائفية بدلا من خدمة الوطن كوحدة واحدة، لكل هذه الأسباب فإننا ننأى بأنفسنا عن الدخول في أية حكومة في الوقت الحالي، حتى إن تحملنا السلبيات التي تواجهنا بسبب هذا الخيار.(1/190)
أما بالنسبة للبلديات فقد قال زد إتش: "لقد حاولنا إصلاح المؤسسات البلدية، وفي بعض الأماكن نجحنا، كما حاولنا تعلّم كيفية التعامل مع الائتلافات التي يمكن ان تشكلها أطراف وقوى أخرى، حتى نتمكن في النهاية من تقديم مستوى جيد من الخدمات للمواطنين، وكان نصب أعيننا أنه من الهام جدًا إدراك دور البلديات والمجالس المحلية في خدمة كل مواطن بغض النظر عن دينه أو المنطقة التي ينتمي إليها، وفي مفهومنا أفضل الناس أنفعهم للناس، ومن ثم فقد اعتمد الناس على أعضائنا وكوادرنا في رفع مستوى الخدمات والقضاء على الفساد".
و تلاحظ الكاتبة أن زد إتش طوال حديثه معها الذي طال لثلاث ساعات كاملة لم يستشهد بأي مصدر ديني وهو نفس ما فعله بقية مسئولي حزب الله الذين التفت بهم، وأشارت إلى أن المناقشات كانت سياسية بحتة وهو ما أعطاها انطباعًا بان هؤلاء الناس يرغبون بصدق في الاندماج داخل نظام حكم مدني يراعي المساواة ويخضع لسيادة القانون بدلا من الانصياع لحكم الدين.(1/191)
أما غالب أبو زينب عضو المكتب السياسي لحزب الله والمسئول عن علاقات الحزب بالجاليات غير الشيعية في لبنان فإنه يشدد على أن الشيعة يمثلون نصف سكان لبنان تقريبًا و هذه مغالطة من جانب المسئول الشيعي و لم تحاول الكاتبة التشكيك في تلك الفرضية المزعومة ويشير إلى أن وظيفته الخاصة بتنسيق العلاقات بين حزب الله وبقية الجاليات غير الشيعية في لبنان تعتبر من الأهمية بمكان، وقال غالب: "نحن عشنا في لبنان وسنعيش فيه جميعًا، كوحدة واحدة ورغم الأزمات التي حاقت بالبلاد في أكثر من مرحلة إلا أن الحقيقة أن هذه الأزمات كانت بسبب ظروف خارجية"، لكنه انتقد في الوقت نفسه الأدوار التي لعبها الموارنة حيث قال: "نهاية الحرب الباردة سمحت لنا بالعودة إلى الأوضاع الطبيعية، لكن هذا لم يضع حلولاً لكل مشاكلنا، لأن الموارنة مثلا رأوا أن اتفاق الطائف يمثل هزيمة كبيرة لهم، ولقد ظهر مدى إحباطهم عندما حلت بالبلاد أزمات اقتصادية وكساد في التسعينيات حيث حدثت هجرة كبيرة من جانب المسيحيين والمارونيين إلى خارج البلاد، كما أنهم قاطعوا الانتخابات البرلمانية في الفترة بين عامي 1992 و1996.
وأوضح مسئول حزب الله أن هذه الهجرة التي قام بها المسيحيون كان لها نتائج معقدة على مستقبل المشروع السياسي لحزب الله، وقال غالب: "إذا نظرت إلى حقيقة المواطنين اللبنانيين وتعدادهم فستجد أن المسلمين أكثر من المسيحيين بقليل، لكن 30 بالمائة من المسيحيين على الأقل المسجلين كمواطنين لهم حق التصويت موجودين خارج البلاد، وهم بالفعل يخشون من امتلاك طرف واحد لإدارة نظام التصويت وهذا ما يجعلنا نشعر بوجود عقبات أمام طموحنا السياسي".(1/192)
وقال غالب أبو زينب: "على أية حال، حزب الله لم يكن ينوي اتخاذ أية إجراءات لإجبار أي من المواطنين على اختيار نظام معين للتصويت، لأننا ندرك جيدًا أنه من اجل الوصول إلى ديمقراطية حقيقية فينبغي أن يكون كل شخص مقتنع بأنه سيحقق منفعته، وليس مدفوعًا بمشاعر الخوف والإكراه، لو تم تطبيق نظام الأقلية والأغلبية في الوقت الحالي من المرجح جدًا أن تتفجر الأوضاع ونحن لا نريد لهذا أن يحدث".
و تتناول الكاتبة في مقالها العلاقات الشيعية الإسرائيلية بدء من حركة أمل حتى حزب الله عندما غزت إسرائيل لبنان أولاً في يونيو من عام 1982، وجدت القوّات الإسرائيلية أن الكثيرين من الشيعة يرحبون بها بعد أن شعروا بالندم على الترحاب الذي أعطوه لمنظمة التحرير الفلسطينية، خاصة وأن القوات الإسرائيلية كانت قد أخذت حزب أمل الشيعي الذي كان يمثل القوة الشيعية الأكبر في لبنان في ذلك الوقت في صفها وعندما دخلت قوات إسرائيل في الجنوب لم تواجه أية مقاومة، بل إن بعض الشيعة ساعدها على التقدم، لكن كلما كانت القوات الإسرائيلية تقترب من ضاحية بيروت كلما كان الرفض لها يزداد وبدأت عند ذلك المقاومة الشيعية الجدية، لكن القوات الإسرائيلية ربحت معركتها مع هذه المقاومة وأجبرت في النهاية مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية على الرحيل خارج لبنان، ودخل زعيم حزب أمل نبيه بري التحالف الحاكم بقيادة أمين الجميل شقيق الراحل بشير الجميل الذي كانت كل من تل أبيب وواشنطن تعدانه لرئاسة لبنان.(1/193)
غير أن أعدادًا صغيرة من شيعة الجنوب تحدت قيادة حزب أمل الشيعي وقاوموا تقدم القوات الإسرائيلية منذ البداية، وعملوا على تصعيد المواجهات مع القوات الإسرائيلية التي غزت مدنهم وقراهم في الجنوب، وفي نوفمبر عام 1982 فجر مهاجمون محليون موقع قيادة الجيش الإسرائيلي وأسفر ذلك عن مقتل 75 من القوات الإسرائيلية وعملائها في الداخل من الجماعة التي أسمت نفسها جيش جنوب لبنان، وبعدها بدأت جماعات شيعية صغيرة تهاجم الأهداف ذات الصلة بالولايات المتحدة في بيروت، على اعتبار أن واشنطن لم تكن تخفي دعمها لإسرائيل، وقد شنت هذه الشبكات الشيعية الصغيرة في بيروت هجمات تدميرية مذهلة ضد القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية وضد السفارة الأمريكية التي استهدفت مرتين، ثم نجحت هذه الجماعات في اختطاف مواطنين أمريكيين وغربيين عديدين، واغتالت رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت واختطفوا عددًا من طائرات الركاب أيضًا.
وكانت كل تلك الشبكات تتلقى الدعم الكامل من الجالية الشيعية التي مقرّها في بعلبك، التي كانت تعتبر منطقة رئيسية لم ينجح الإسرائيليون في دخولها، وظلت من الناحية الفعلية تحت سيطرة جارتها سوريا، كما كانت بعلبك كذلك مقرًا لألف وخمسمائة من الحرس الثوري الإيراني الذي أرسله خميني إيران إلى لبنان بعد الغزو الإسرائيلي للمساعدة على تكوين مقاومة لبنانية ضد الاحتلال.
أما الشّيخ راغب حرب الإمام المعادي لإسرائيل فقد كان ينتمي لقرية جيبشيت الجنوبية الكبيرة وأصبح زعيم المقاومة الشيعية الجنوبية، وفي فبراير من عام 1984، وبينما حركة المقاومة ما زالت تشتعل قامت القوات الإسرائيلية بقتل راغب حرب، وبعدها اجتمع مؤيدوه وأتباعه وأصدروا رسالة مفتوحة تتضمن تشكيل جماعة جديدة باسم "حزب الله"، وكان زعيمها الأول الشيخ صبحي طفيلي.(1/194)
وفي عام 1996 شنّ الجيش الإسرائيلي مرة أخرى العديد من الهجمات القوية جدا لم تحدث منذ الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وسمى هذه الهجمات باسم "عملية عناقيد الغضب"، وقد بدت هذه الضربات حاسمة واستخدم فيه الإسرائيليون المدفعية وقاذفات القنابل وطالت منطقة جنوب لبنان بأكملها، وقد أعرب شيمون بيريز رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت عن قناعته بأن توجيه مثل هذه الضربات بمثابة رسالة للبنانيين بأن العقاب سينالهم باستمرار طالما سمحوا لنشاطات حزب الله وأية نشاطات أخرى معادية لإسرائيل، وبأن بيروت ليس أمامها من خيار سوى تفكيك حزب الله وإجباره على التوقف، لكن ونظرًا للممارسات السياسية لحزب الله طوال الأعوام التي سبقت عناقيد الغضب فقد كان المجتمع اللبناني بكامل صفوفه وطوائفه ملتف بشدة حول حزب الله، حتى إن التقارير المؤكدة أشارت إلى قيام النساء المسيحيات من الطبقات المتوسطة في شرق بيروت بنزع مجوهراتهن ومصوغاتهن وإلقائها في صندوق للتبرعات تهدف لتشجيع ودعم حزب الله، الذي امتدت حملة دعمه وتأييده في كل مناطق لبنان.
وقد استمر الإسرائيليون في اعتدائهم "عملية عناقيد الغضب" طوال أسبوعين كاملين، لكن في النهاية اتضح لهم أنه من المستحيل أن ينجحوا في تحقيق هدفهم، كما ان الضغوط الدبلوماسية تواصلت بقوة على تل أبيب واضطر بيريز في النهاية إلى الموافقة على وقف إطلاق النار وفقًا لشروط اعتبرتها إسرائيل مذلة ومهينة للغاية، حيث لم تتنازل تل أبيب عن مطالبتها بتفكيك حزب الله فحسب وإنما تم التوقيع على اتفاق بين لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وسوريا يسمح في خلاصته لحزب الله بالتوسع أكثر ومواصلة الانتشار وتفعيل تحركاته العسكرية طالما أنها لا تطال سوى القوات الإسرائيلية داخل أراضي لبنان.(1/195)
و تنقل الكاتبة عن دانيال سوبيلمان محلّل شؤون الاستراتيجي في صحيفة هآرتس اليومية الإسرائيلية و من أكثر المراقبين الذين يشعرون بضرورة البقاء في حالة من الحذر حيال ما يجري في الجنوب حيث كتب في أغسطس من عام 2003:
(عندما يبرز تساؤل عن السبب وراء عدم الاكتراث بالمخاوف التي أبداها "أمان" (جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية) من احتمالات ان يؤثر انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان على استقرار الحدود الشمالية لإسرائيل؟ فإن الإجابة تتمثل في أن حزب الله وعلى الرغم من انه لم يوقف أنشطته الفدائية طوال العامين الماضيين إلا أنه أثبت بشكل أكيد أنه تنظيم منضبط مسئول إلى حد ما يدرك جيدًا مدى الالتزامات المفروضة عليه في ظل المعطيات المطروحة على الساحة، وأنه قادر على حماية الاستقرار والسعي نحو عدم التصعيد، حتى إن حسن نصر الله بنفسه أكد مؤخرًا في خطاب له هذا المعنى.
و في موقف أكثر خطورة يقول المحلل الإسرائيلي: "في أواخر شهر مارس وفي أوائل شهر أبريل من عام 2002 وقعت بعض الحوادث الأكثر خطورة وجدية في منطقة مزارع شبعا، حيث أطلق مقاتلو حزب الله قذائف الهاون والكاتيوشا بشكل كثيف وظلوا يهاجمون باستمرار في منطقة مزارع شبعا، صحيح أنه لم تقع إصابات في صفوف الإسرائيليين لكنها كانت المرة الأولى التي تجرؤ فيها صواريخ حزب الله على السقوط في منطقة الجولان السورية، وقد تزامن ذلك مع تصاعد التوترات في الأراضي الفلسطينية، كما ان حسن نصر الله في الثامن من مارس طلب من البلدان المجاورة السماح بمرور التجهيزات العسكرية التي يمكن تساعد الفلسطينيين في كفاحهم وانتفاضتهم ضد إسرائيل، وفي مناسبات عديدة أكد نصر الله أن الوقت قد حان للتحرك بالفعل وليس مجرد الكلام".(1/196)
لكن في 12 أبريل من عام 2002 زار وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي بيروت حيث طالب الحكومة اللبنانية وحسن نصر الله بضرورة التعقل وضبط النفس لتفويت الفرصة التي ترغب فيها إسرائيل باستغلال الموقف ومهاجمة لبنان من جديد، وفي اليوم التالي لهذه الزيارة كتب سوبيلمان مقالا بعنوان.. "حزب الله يغمد سيفه" جاء فيه: "في مارس من عام 2002 اتضح أنه ليس مقاتلي حزب الله وحدهم هم من يتلهفون على إشعال الحدود اللبنانية الإسرائيلية وإنما الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين بلبنان كانوا أيضًا حريصين على حدوث ذلك، لكن عندما وافق حزب الله ومن يساندونه في لبنان وسوريا وإيران وافقوا على العودة إلى السياسة الأكثر تعقلاً لمنع تصعيد التوتر في جنوب لبنان ضاعت الفرصة على الفلسطينيين".
بل إن التقارير التي صدرت مؤخرًا تبين أن مقاتلي حزب الله لعبوا دورًا هامًا في مساعدة الحكومة اللبنانية على كبح جماح الجماعات الفلسطينية التي أرادت أن تستغل مخيمات اللاجئين في جنوب لبنان لشن هجمات ضد إسرائيل، والحقيقة أن مثل هذه المعلومات تعطي دلالات غاية في الأهمية والحساسية لأنها تؤكد أن جماعة حزب الله ورغم خطاباتها التي تتسم بالتشدد لكنها في الوقت الحرج تعرف جيدًا كيف تتصرف وتستطيع أن تنفذ إرادتها التي عادة ما تصب في مصلحة لبنان الوطنية الداخلية وكذلك للحفاظ كذلك على قوتها الرادعة لا يمكن استخفافها للدخول في دائرة ليست دائرتها.(1/197)
و تتساءل الكاتبة عن أن المعادلة الصعبة الآن هي كيفية التوفيق بين مواقف حسن نصر الله المعلنة من معاداة إسرائيل على طول الخط وفي الوقت نفسه انضباط حزب الله والتزامه بقواعد اللعبة السياسية التي تحدث عنها سوبيلمان وآخرون من خلال الواقع الذي حدث في جنوب لبنان؟ والإجابة قد تكون في أنه على طول حدود لبنان الجنوبية مع إسرائيل، ظل كل من حزب الله وإسرائيل حذرين من تصعيد المواجهات لكن الانسحاب الإسرائيلي الذي نجم عن سوء تقدير لحقيقة قوة الردع الإسرائيلية في التعامل مع حزب الله قد أدى إلى تغييرات في سلوكيات حزب الله نفسه، وأصبحت الخطابات الرسمية من قادة الحزب تسير في اتجاه ، والحدود المرسومة دوليًا تعني شيئا آخر وتحكم وفقًا لمعايير مختلفة.
والحقيقة أن نصر الله قد يحثّ حماس على ان تحافظ على كل الخيارات مفتوحة في غزة، على الرغم من أنه لم يفعل هذا على طول الحدود اللبنانية عندما تصدى لإسرائيل، بل إن مقاتلي حزب الله تدخلوا أكثر من مرة لمنع الفلسطينيين الموجودين في لبنان من انتهاك الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وفي عام 2002 عارض نصر الله النداءات الموجهة إليه حتى من العديد من الأصوات العربية بأن يقوم حزب الله بالإدلاء بدلوه في الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين ولو من خلال استخدام مقاتليه كوسيلة تأمين لنقل الجرحى والمصابين بعد الضغوط التي فرضتها إسرائيل على غزة والضفة الغربية.و لقد لاحظ العديد من الباحثين الخفة والمرونة السياسية التي اتسمت بها زعامات حزب الله في التحرك التكتيكي سواء على صعيد التعامل مع إسرائيل أو في الداخل اللبناني من خلال تطويل ومتابعة تنفيذ برنامج سياسي واقعي على حد وصف الكاتبة .(1/198)
و من خلال هذه المقال يبدو ان الكاتبة التي أتت لمحاولة استكشاف حزب الله و محاولة إدخاله في الحظيرة الأمريكية لتوافق مع الإستراتيجيات الأمريكية في المنطقة قد توصلت إلى الحقائق الآتية و التي استنتجناها من خلال مقالها الطويل و يتلخص في عدة نقاط :
1. حزب الله متوغل في الدولة اللبنانية و داخل الطائفة الشيعية بالتحديد
2. له قدرات خاصة في التحالف و التعايش مع جميع الطوائف و القوى اللبنانية المختلفة
3. براجماتي و يبدو ملتزما بالاتفاقات التي عقدتها إسرائيل معه
4. لا تهمه الشريعة أو حتى القواعد الإسلامية في التعامل
و يبدو أن هذه المؤهلات تمكن الولايات المتحدة من استخدامه بصورة ما في تعاملها مع المنطقة وهذا ما سنشهده في الأيام القادمة.
**********************
حسن نصر الله و الأجندة الإيرانية
حامد عبد الرحمن
حوّل نصر الله مهرجان حزب الله في الذكرى الخامسة لما أطلق عليه تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، في 25 أيار (مايو) عام 2000، الذي أصبح عيداً رسمياً في لبنان منذ انسحاب إسرائيل من الجنوب، إلى صوت سياسي شعبي ضد البند المتعلق بنزع سلاح الميليشيات في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559، أكد خلاله انه لو فكر أحد ان ينزع سلاح المقاومة فسنقاتله قتال الكربلائيين الاستشهاديين. و أضاف : نحن نقول للذين يأتون إلى لبنان ويطلبون منه نزع سلاح المقاومة، ان كل ضماناتكم وعهودكم لا تساوي الورق الذي تكتبون عليه.
وملأ عشرات الآلاف من مناصري حزب الله ملعباً ضخماً في مدينة بنت جبيل الجنوبية أخذوا يهتفون له في محطات خطابه الرئيسة ويلوّحون بأعلام الحزب الصفر والخضر وبالعلم اللبناني ويصرخون: هيهات منّا الذلّة.(1/199)
وأدخل نصر الله موضوع سلاح المقاومة بنداً رئيساً في تحالفات الحزب الانتخابية، مؤكداً ان تحالفاته سياسية في الأساس تستند إلى موقف القوى السياسية من مسألة احتفاظ المقاومة بسلاحها. و أكد نصر الله التحالف مع "تيار المستقبل" بزعامة سعد الدين الحريري. وروى وقائع جديدة عن حواراته مع رئيس الوزراء الراحل قبل أسبوع من اغتياله في 14 شباط (فبراير) الماضي أكد له، في حضور شهود أحياء، أنه لن ينفّذ البند المتعلق بسلاح المقاومة في القرار الرقم 1559 إلى اليوم الذي تتحقق فيه تسوية شاملة في المنطقة.
وأضاف نصر الله: "لا يطرح علينا أحد طروحات سخيفة تعطل فاعلية المقاومة وكأن المشكلة ان لدينا مدفعاً أريد الحفاظ عليه مادياً". وقال ان "هناك تسوية تقول ان يجمع سلاح المقاومة ويوضع في المخازن، وإذا تعرّض لبنان لعدوان، نفتح المخازن ونحضر السلاح وندافع عن البلد. هذا استغباء للناس، فأهمية المقاومة ليس في إنها تملك سلاحاً في مخازنها، بل أهمية المقاومة إنها الآن جاهزة على سلاحها ومدافعها وصواريخها".
وروى اقتراحاً آخر طرح على المقاومة في شأن نزع سلاحها قائلاً: الفكرة الثانية كانت ان نترك السلاح الفردي والمتوسط، أي كلاشنيكوف وأم 16 ومتفجرات، لكن المدافع البعيدة المدى والصواريخ غير مقبولة. تسلمون السلاح الثقيل وتتركون السلاح الخفيف. هذا الاقتراح الذي اقترحه احد السفراء الأجانب فضيحة لأنه يعني إنهم لا يريدون حل الميليشيات بل حفظ أمن إسرائيل. فليبق سلاح الميليشيا معكم إما السلاح المقاوم الذي يضع إسرائيل في حالة رعب فيجب نزعه.(1/200)
وتحدث عن الذي يستهين بصواريخنا كماً ونوعاً، وأقول للمشككين: في الحد الأدنى كل شمال فلسطين المحتلة، بمستوطناتها ومطاراتها وموانئها وحقولها ومصانعها ومزارعها، هي تحت أقدام وأيدي أبنائكم في المقاومة الإسلامية. هم يريدون ان يأخذوا من لبنان هذه القوة، وقوة هذه الصواريخ ليست في عددها، وهم يتكلمون عن 12 ألف صاروخ، لكن بالإذن من الإخوة في القيادة وأنا أعرف إنهم سيحاسبونني في ما بعد، لدينا أكثر من 12 ألف صاروخ.
وأكد نصر الله "قيمة وقوة هذه الصواريخ عندما تكون في أيدينا، ان الصهاينة لا يعرفون عددها ولا مكان تموضعها، وهم يقاتلون قوة مخبأة قد تفاجئهم في يوم من الأيام بهذا العدد الضخم من الصواريخ. لكن هذه الصواريخ مخبأة لأهداف دفاعية". وتابع: "نحن لا نريد جرّ المنطقة إلى حرب وليست سياستنا إحداث حرب إقليمية. نحن نريد ان نحمي بلدنا لا ان ندمره ولأجل ذلك سنحتفظ بسلاحنا". وتابع: "في معالجة هذا الملف قلت نحن جاهزون لأي نقاش داخلي وأي معالجات تحفظ فاعلية المقاومة وقدرتها على الردع، وتفصيله يترك للنقاش. هناك كلام عن نزع سلاح المقاومة، ما أريد ان أقوله ان أي تفكير بنزع سلاح المقاومة هو جنون. نحن في لبنان أحرص الناس على السلم والاستقرار والوحدة الوطنية ولم نعتد على أحد ولكن لو فكر أحد ان ينزع سلاح المقاومة سنقاتله قتال الكربلائيين الاستشهاديين، لأننا نعرف ان أي خطوة من هذا النوع هي عمل إسرائيلي ومصلحة إسرائيلية وسنعتبر ان أي يد تمتد إلى سلاحنا يد إسرائيلية سنقطعها، لكن، بمعزل عن هذه الأدبيات، ان نأتي في لبنان ونقول هذا شأن لبناني وتعالوا لنناقش ونبحث، نحن منفتحون على هذا إلى أبعد حدود، في دائرة المصلحة اللبنانية".(1/201)
و هذا الخطاب جاء كعادة نصر الله يتسم بالطابع الديماجوجي أي الدعائي و الذي يتوعد فيه أعداء الحزب بالويل و الثبور على نمط الخطاب الناصري في الخمسينات و الستينات في تهديد إسرائيل و أمريكا و هاتان الدولتان بالذات تعلمان مدى الصلة بين عبد الناصر و إسرائيل و أمريكا و أن الخطاب لا يزيد عن مواقف لخداع الجماهير و إلهائها عن المواقف الفاعلة و الحقيقية و المرء حقيقة يتعجب من لكن نصر الله يبدو أنه أذكى و أكثر خبثا من عبد الناصر فخطاباته تتضمن عادة إشارات هامة .
و ما يعنينا في هذا المقام ما صرح به نصر الله: وأكد ان المقاومة تملك أكثر من 12 ألف صاروخ للدفاع عن لبنان ضد إسرائيل.
فما الذي يعنيه نصر الله بتلك الإشارة ؟
أولا يجب عينا فهم أن حزب الله قد تم تأسيسه من قبل إيران و ذلك لخدمة الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة وعلى الرغم من أنها لا تخضع بالكامل للسيطرة السورية، فإن هذه المنظمة تعمل بصورة لصيقة مع السوريين وبمساعدة الإيرانيين.
و يقول حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله: إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام, والدولة التي تناصر المسلمين والعرب وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا.
وفي أكتوبر من عام 1986 ـ بعد أربع سنوات من تكوين الحزب ـ راح قادته يعدون في طهران، دستور الجمهورية الإسلامية اللبنانية المقبلة. ومما جاء في هذا الدستور: ينبغي تأليف حكومة إسلامية في لبنان كشرط لازم لوضع حدٍ للحرب الداخلية فيه.
هذا كله يعني أن هذا الحزب يعتبر أداة في أيدي الساسة الإيرانيين يستغلونه في خدمة إستراتيجيتهم فهم الذين أنشئوه و مولوه وأمدوه بالرجال و السلاح .(1/202)
و إيران الآن في مرحلة صراع جدي مع الغرب عموما في محاولة منها لاقتناص فرصة تملك سلاح نووي و هي غير جادة في مفاوضاتها مع الغرب بخصوص وقف برنامجها النووي بل هي تريد الوقت لتتمكن معه من الوصول إلى اللحظة التي لا يستطيع أحد بعدها وقف هذا البرنامج و رحلة الشد والجذب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل تضرب بجذورها في عمق تاريخي يمتد عدة عقود، من حيث الكم، ويراكم بضعة تجارب مهمة في إدارة التنافس والصراع، من زاوية الكيف. وما يجرى الآن هو حلقة جديدة في سلسلة النبذ المتبادل في العلن، والتقارب الحذر في الخفاء، بين طهران وواشنطن، والذي مر بفترات من التأرجح بين تبادل خطاب سياسي شديد اللهجة والتهديد الذي يقترب بالأمور إلى حافة الهاوية. ولا تعنى اللغة السياسية السائدة بين الولايات المتحدة وإيران، حاليا والتي تتراوح بين التهديد السافر والمبطن وصولا إلى المناورة والتضاغط ومحاولة التماس عند نقاط محددة، أن المواجهة العسكرية بين الجانبين قد باتت على الأبواب، أو أنها مسألة حتمية. ومهما تردد عن أبواب مغلقة بين الجانبين فإن معطيات الواقع تشير بجلاء إلى أن هناك نوافذ للحوار السياسي بينهما ستظل مفتوحة، خاصة عبر أطراف أوروبية، أو حتى من خلال التعاطي المتبادل مع التصريحات التي تخرج من طهران وواشنطن، ناهيك عن القنوات السرية، التي لم تسد طيلة السنوات المنصرمة، وساهمت، إلى جانب عناصر موضوعية أخري، في تأجيل وصول الاحتقان السياسي وتناقض المصالح الإستراتيجية بين إيران والولايات المتحدة إلى حافة الهاوية.(1/203)
ومن ثم لا تخرج لغة التهديد الأمريكية الراهنة لإيران عن كونها محاولة لتكثيف الضغوط على صناع القرار في طهران بحيث يقدمون تنازلات أو حتى موائمات للولايات المتحدة في البرنامج النووي الإيراني وقضية علاقة طهران المزعومة برموز لتنظيم القاعدة. وتأتى المسألة العراقية في مقدمة هذه الملفات وتليها مباشرة علاقة إيران بحزب الله اللبناني، ثم المصالح النفطية الإيرانية في منطقة بحر قزوين، التي باتت مقصدا لشركات النفط الأمريكية العملاقة.
و الولايات المتحدة ليس لديه ما يفعله سوى التهديد نظرا للمصالح المتشعبة له مع النظام الإيراني و الحاجة إليه لضبط كثير من المشاكل التي يغرق فيها و بالذات الولايات المتحدة في المنطقة و خاصة المستنقع العراقي و إسرائيل كذلك يهمها وقف برنامج إيران النووي مع إبقاء إيران قوة كبرى في المنطقة و هذا لا يتأتى في نظرهم و من خلال تصريحاتهم الرسمية إلا بعمليات و غارات تستهدف البرنامج النووي الإيراني و لذلك عملت إيران ووفقاً لتقارير على تزويد حزب الله بعشرات من الصواريخ من طراز الفجر 5 و6، والتي يبلغ مداها 75 كيلومتراً و 125 كيلومتراً على التوالي، مما يجعلها تصل إلى جميع مناطق شمال إسرائيل. وفي منتصف عام 2004، أشارت تقارير في إسرائيل إلى أن إيران زودت حزب الله بصواريخ أكثر تطوراً من طراز الفجر التي يبلغ مداها 225 كيلومتراً، ويستطيع بالتالي الوصول إلى ضواحي تل أبيب .
و من هنا جاءت إشارات نصر الله المتعمدة بوجود ما يقرب من 12 ألف صاروخ لديه يصل مداه إلى إسرائيل و تكون هذه بمثابة رادع لإسرائيل عن القيام بأي هجوم محتمل ضد إيران لوقف برنامجها النووي.
*****************
الشيعة فقط يريدون سوريا !!!
حسن الرشيدي(1/204)
مع توتر الأوضاع السياسية في لبنان و التي رافقت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري تبلور المشهد السياسي اللبناني إلى فئتين رئيسيتين فالطائفة الشيعية تقف في خندق واحد مع النظام النصيري في سوريا بينما تجتمع بقية الطوائف سنة و موارنة و دروز في تكتل واحد يهدف إلى خروج القوات السورية في العلن و الهمس سرا بنزع سلاح حزب الله و هو الميليشيا الوحيد الطائفية الباقية في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية و التي سمح لها النظام السوري بالاحتفاظ بأسلحتها بحجة الوقوف في وجه إسرائيل .
و الفسيفساء اللبنانية أكثر تعقيدا من هذا فداخل كل طائفة دائما من ينابذ و يترك مواقف طائفته لينضم إلى فريق آخر و لكن ما يعنينا هو التوجه العام للطائفة .
و نقلت صحيفة القدس العربي تصريحات البروفيسور الإسرائيلي ''ايال زيسر'' خبير سوريا ولبنان في معهد ديان التابع لجامعة ''تل أبيب''، بأن كل طرف سيستغل اغتيال رفيق الحريري لكسب نقاط وأرباح علي جميع الصعد.
وأضاف أن كل طرف سواء كان أمريكيًا أو سوريًا أو إسرائيليًا يستطيع بسهولة أن يتهم الطرف الثاني ويثبت أنه صاحب المصلحة العليا في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق.
وأرى أن الشيعة في لبنان سيربحون من زوال الحريري عن الساحة السياسية لأنه جسد قوة ووحدة السنة ولا يوجد شخص أو قيادي قوي يحل مكانه, فهم الطرف الأكثر استفادة من عملية الاغتيال.
و لا يندهش المرء من موقف الشيعة المخالف لإجماع الطوائف اللبنانية بالانضمام إلى النصيرين في سوريا فتاريخ الشيعة في لبنان يؤيد هذا التوجه الدائم كما أن الظروف الإقليمية و الدولية تشجعه .(1/205)
و باستعراض تاريخ الحرب بين الطوائف اللبنانية عند اندلاعها في عام 1975 أثر مذبحة عين الرمانة و التي أقامها الموارنة للفلسطينيين فاندلع قتال ضاري تحالف فيه الفلسطينيين و السنة في لبنان مع الدروز و الشيعة ضد الهيمنة المارونية المتحالفة بصورة واضحة مع اليهود و دولتهم في إسرائيل و تكون جيش لبنان العربي الذي تمكن في فترة وجيزة من إخضاع معظم لبنان لسيطرته و قد كان أهل السنة داخل لبنان وخارجه يتعاطفون ويتعاونون مع منظمة التحرير، ويُعتَبرونَ عمقاً لها، أما غير أهل السنة من الشيعة و الدروز فيمد يده إليهم عندما تكون له مصلحة، وينأى بنفسه عنهم عندما تكون لهم معه مصلحة.(1/206)
فتحت منظمة التحرير صدرها للشيعة في جنوب لبنان، وكان لها صلات وثيقة مع رئيس المجلس الشيعي الأعلى موسى الصدر، والصدر مواطن إيراني أرسله مدير الأمن العام الإيراني الجنرال بختيار إلى لبنان بمهمة ظاهرها ديني دعوي مع أنه لا يعد من علماء الشيعة، وباطنها سياسي طائفي، والذين انتدبوه لهذا الغرض سهلوا له طريق الوصول إلى القصر الجمهوري، وإقامة علاقات مريبة مع رئيس الجمهورية فؤاد شهاب وبطانته [أقطاب النهج]، وخلال فترة قصيرة تمكن الصدر من الحصول على الجنسية اللبنانية بموجب مرسوم جمهوري، وأنشأ عدداً كبيراً من المدارس والنوادي والجمعيات والحسينيات، في سائر أنحاء مناطق الشيعة، وجعلها مركزاً لأنشطته. وفي عام 1969 أنشأ الصدر المجلس الشيعي الأعلى، وأصبح رئيساً له، وكان ذلك بعد وصوله بعشر سنين، وكان للسنة والشيعة مجلس واحد قبل هذا التاريخ [1969].وفي عام 1973 شكل الصدر منظمة أمل، واسمها قبل الاختصار "أفواج المقاومة اللبنانية"، وما كانت هذه المنظمة لتنشأ لولا احتضان منظمة فتح لها، وفتح مراكزها لتدريب الشيعة المنتمين إليها. وفي هذا العام 1973 ساءت علاقة الصدر مع أجهزة الأمن الإيراني، فانتقل إلى صفوف المعارضة، وأخذ أصدقاؤه في فتح يدربون أتباع الخميني، وكان مصطفى شمران مسؤولاً عن هذه الأنشطة، ويساعده الدكتور صادق الطبطبائي، وصادق قطب زاده، وعباس زاني "أبو شريف"، ومعظمهم تولوا مناصب وزارية أيام حكام الخميني و أن دحرت القوات الفلسطينية والقوات اللبنانية الوطنية الكتائبيين وحلفاءهم الموارنة تدخل الجيش السوري بقوات قوامها 30,000 جندي ودحر القوات المشتركة ـ الفلسطينية واللبنانية ـ بعد أن تخلى كمال جنبلاط عن الفلسطينيين ووقف الشيعة إلى جانب القوات النصيرية .(1/207)
و في عام 1982 توجهت القوات السورية يساندها مليشيات أمل و الدروز لمحاصرة طرابلس و إخراج قوات عرفات منها و بعد أن خرجت من طرابلس و تسلمت قوات حركة التوحيد السنية اللبنانية بزعامة الشيخ سعيد شعبان زمام الأمور في طرابلس سرعان ما اندلع قتال ضاري بين سنة طرابلس في جهة و الشيعة و الدروز و النصيريين من جهة أخرى . و في عام 1986 نظمت ميليشيات أمل بمساندة سورية مذابح للفلسطينيين في مخيمي صابرا و شاتيلا .
و هكذا فالتاريخ يثبت علاقة الطرفين اللبناني الشيعي و النصيري السوري و تحالفهما لضرب السنة و حماية إسرائيل .
و يبقى أن المتغيرات الإقليمية و الدولية تظلل بسحابها على هذه العلاقة و تزيدها قوة و متانة فالحلم بإعادة دولة الشام كما كانت عليه في القرون السالفة أمر ظل يداعب حكام دمشق؛ حيث بواسطة هذا الدور تلعب سوريا دوراً إقليمياً ليس داخل نطاقها الحدودي الضيق، ولكن يمتد ليشمل لبنان والأردن، ومن ثم حاول النظام السوري امتلاك أوراق سياسية تكون بمثابة أداة يتم بها الاعتراف به بمقتضاها بدوره المتنامي، ولعل المثال الأبرز في ذلك تحالفه مع أمريكا ضد العراق في حرب الخليج الثانية، وبمقتضاه قبض تفويضاً أمريكياً دولياً لحسم الأمور لصالح سورية في لبنان، وهو ما حدث عندما تدخلت القوات السورية وأخرجت العماد ميشيل عون من قصر الرئاسة وأطاحت به دون أن يثير تدخلها احتجاجاً دولياً كما جرت العادة في مثل هذه الأمور. وداخل الورقة اللبنانية توجد ورقة حزب الله، ويمثل حالياً الورقة الوحيدة تقريباً التي تمنح سوريا القدرة على موازنة القوى مع إسرائيل؛ ففي اليوم التالي للقصف الإسرائيلي لعين الصاحب قتل ضابط إسرائيلي على الحدود مع لبنان.(1/208)
إن ثمة قراءة للواقع تقول إن الضغوط الأمريكية على سورية هي مجرد تكتيك لإفهام النظام أن قواعد اللعبة قد اختلفت ويقول توني بلير رئيس الوزراء البريطاني: لا يوجد قائمة، وسوريا ليست في القائمة، لكن على سوريا أن تفهم خطورة الموقف؛ وهذا ما أكده أيضاً خوسيه ماريا أزنار رئيس الوزراء الأسباني السابق ، فصرح بأن سوريا ستظل دولة صديقة لأسبانيا، ولن تكون هدفاً لعمل عسكري، وأنا مقتنع أن النزاع في العراق لن يمتد إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.
فأميركا على اقتناع تام بأن الدور السوري الإقليمي الذي يخدم مصالحها في لبنان والمنطقة لم يعد قائماً ولا ملائماً؛ لأن المنطقة - حسب وجهة النظر الأميركية - دخلت منعطفاً إقليمياً ودولياً هاماً مغايراً بدأ منذ إعلان الإدارة الأميركية الحرب على ما يسمى بالإرهاب ولم ينتهِ بالنصر العسكري الأميركي على العراق؛ مع الرغبة الأميركية بفرض حلٍ للقضية الفلسطينية يلائم خططها في المنطقة، ويتناسب مع النزعة العدوانية الاحتلالية للحليف الإسرائيلي.. وهذا ما يفرض على أميركا وإسرائيل تجريد سورية من الورقة اللبنانية وبما تحتويه من أوراق فرعية: (حزب الله، وسوق العمل اللبناني الذي يشغله حوالي مليون عامل سوري، وعمولات الشخصيات السورية ذات النفوذ من أرباح الشركات اللبنانية) وذلك تمهيداً للدخول في عملية السلام بين سورية وإسرائيل بموقفٍ سوريٍ ضعيف. ولعل أميركا وإسرائيل لن تعثرا على أفضل من هذه الظروف السياسية القائمة في المنطقة للضغط على سورية؛ ولهذا كانت المطالب الأميركية المقدمة إلى سورية قاطعة وحازمة على رأسها ضرورة الانسحاب من لبنان. و هذا يفسر جانبا من أسرار التحالف السوري النصيري مع اللبناني الشيعي .
********************
طائرة حزب الله .. أسمع جعجعة ولا أرى طحنا !!
حسن قطامش
طائرة حزب الله .. أسمع جعجعة ولا أرى طحنا !!!(1/209)
كما عودنا حزب الله اللبناني بإطلاق مفرقعات إعلامية من حين لآخر ، أعلن الحزب مؤخرا عن قيام طائرة استطلاع بدون طيار ( تابعة للحزب ) بالتحليق في الأجواء الإسرائيلية ثم العودة سالمة إلى أرض الوطن اللبناني دون أن تتعرض لها إسرائيل بسوء وسط ذهول وهلع ورعب وارتباك أصاب جميع الإسرائيليين !! .
وقال نبيل قاوون مسئول حزب الله في جنوب لبنان أن الطائرة شكلت ضربة لمعنويات الجيش الإسرائيلي وأوجدت ثغرة كبيرة في دفاعاته، وفي المقابل رفعت من معنويات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين وأكدت أنها قادرة على أن تتطور وتعزز من قدراتها في مواجهة العدو المدجج بالسلاح !!
وقد جاء الإعلان عن ذلك بعد ( التهديد القاسي ) الذي وجهه أمين عام حزب الله حسن نصر الله من أن الحزب لن يقف مكتوف الأيدي أمام الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية ... ولنقف مع الحدث للتأمل :
1- ما أكده تاريخ الحزب منذ بدياته أنه ليس ( سيد قراره ) بل هو ( خادم للأسياد ) في إيران وسورية وهذه القاعدة لا بد من استصحابها دائما عند تفسير مواقف حزب الله وتصريحات أمينه العام .(1/210)
2- عند النظر للوقت الذي أعلن فيه عن تحليق الطائرة نجده يتزامن مع التحذير الإيراني من خطورة التعرض لمنشآتها النووية ، وأنها قادرة على الرد ، وأنها قادرة على تصنيع كميات كبيرة من صارخ شهاب 3، ثم الإعلان الأخير من مصدر عسكري إيراني في الحرس الثوري أن حزب الله اللبناني تسلم في8 أغسطس 2004 الماضي طائرات استطلاع بدون طيار من نوع مهاجر التي تنتجها إيران والتي استخدمها أخيرا الحزب فوق الحدود الشمالية لإسرائيل. وقال المصدر الذي يتولى مهام رفيعة في الحرس وسبق أن قضى عدة أشهر في لبنان لتدريب عناصر الحرب الالكترونية في الحزب أن طائرات من هذا النوع أطلقت فوق العراق لرصد تحركات القوات الأمريكية . وأشار المصدر إلى أن طائرة مهاجر 4 التي أطلق عليها حزب الله اسم المرصاد 1 تحمل 3 كاميرات ورادار ديجيتال ونظام إرسال الكتروني وتستطيع التحليق على ارتفاع 6 آلاف قدم وتصل سرعتها القصوى إلى 120 كيلومترا في الساعة.
فالحزب إذن ليس إلا أداة لتحيق السياسات الإيرانية في مناوشاتها ( الكلامية ) المفتوحة مع إسرائيل منذ انطلاق ( ثورة الآيات ) في إيران ، والتي أيضا نسمع جعجعتها ولا نرى لها طحنا .
3- جاء حجم الرد ( العملي ) لحزب الله على الخروقات الإسرائيلية غير متناسب مع ( الأصوات العالية ) التي سمعناها ، فالرد على انتهاك الأجواء المستمر والمتواصل لطائرات حربية إسرائيلية يكون بإسقاط طائرة حربية ، بإطلاق قذائف مدفعية ، بعمليات استشهادية ، وليس بتحليق طائرة ( شبه ورقية ) سرعان ما تحطمت عند عودتها بسبب خلل فيها .
4- ليس للحزب ولا من يدعمه - حتى الآن - القدرة على الرد لا على الخروقات بل على القصف والضربات المباشرة كالتي وجهت لقواعد الصواريخ السورية في قلب لبنان وغيرها .(1/211)
5- مازال حزب الله يغرد بأنشودته الشاذة والنشاز بأن ما يقوم به هو دعم للمقاومة الإسلامية في فلسطين !! ورغم أن كثير من الناس اتضحت لهم الأكذوبة ، لكن الحزب ما يزال يكذب ويكذب ويكذب حتى يصدق الناس كذبته ، ولنذكر القراء بما قاله سلطان أبو العينين مسئول حركة فتح في لبنان من أن حزب الله ( منع ) و ( اعتقل ) و ( حاكم ) و( سجن ) مقاتلين فلسطينيين حاولوا القيام بعمليات ضد اليهود عن طريق الحدود اللبنانية وقال إننا ( نسمع ) عن دعم حزب الله للمقاومة .. ولكننا لسنوات لم نر شيئا .
وأخيرا صرح الأمين العام لحزب الله بأن الطائرة قادرة على ( الضرب ) في العمق الإسرائيلي !! لن نكذب نصر الله ولكننا بانتظار سماع دوي الانفجارات الحقيقية .. وليست الكلامية .
********************
نكسة نصر الله
مجلة الشراع : 2/8/2004م(1/212)
وهكذا كلما أبدع السيد حسن نصر الله - الذي نحب ونحترم - وحزبه في أمر من أمور المقاومة ضد العدو وإظهار الكرامة العربية، وأثار إعجاب الدنيا بفعله.. عاد وانغمس في الحسابات الداخلية اللبنانية ليبدو واحداً من الذين يرسمون ويشكلون كل يوم مأساة الشعب اللبناني ووطنه، مع الفارق النوعي الكبير شكلاً ومضموناً في انه وهو القادم من ميدان وجبهة الفخر والعزة يرمي نفسه في أتون الغارقين في الذل والعبودية للسلطة وأصحابها والمال وأهله.. والجميع الى جهنم وبئس المصير، فضلاً عن الفارق بينه صاحب القضية والمضحي من اجلها وبين الآخرين المعتاشين من لحم القضية وما هي الا لحوم المواطنين اللبنانيين. استشهد البطل غالب عوالي بمؤامرة صهيونية من الألف الى الياء، حتى لو كانت بعض تفاصيلها مكتوبة محلياً في لبنان. وهذا الاستشهاد هو جزء من المعركة المفتوحة التي يمثلها القتال ضد العدو والذي لم يبق في ميدانه سوى حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد في فلسطين وبعض المنظمات الفلسطينية الوطنية واليسارية وعلى رأسها حركة فتح. استطاع حزب الله بمقاومته وقرار قائده الشجاع السيد حسن نصرالله ان يرد خلال 24 ساعة بقتل جنديين للعدو الصهيوني فلم تذهب دماء الشهيد العوالي هدراً.. مع الفارق بين خسارته الكبيرة بالنسبة للمقاومة وخسارة صهيونيين معتديين. هذا في الفعل المقاوم.. اما في الفعل السياسي الداخلي فقد بدا ان السيد نصرالله يريد ان يصفي حسابات داخلية لبنانية ما من مرة دخل اليها سابقاً إلا وخرج منها منهكاً لم يلق احداً يؤيده فيها، لكأن الانتقام من فعله المقاوم يجيء من ذاته وعلى حسابه، موفراً على غيره جهداً يبذل لانهاكه، او لكأن اعداده العظيم للفعل المقاوم امنياً وعسكرياً وتضحيات هائلة انسته الاعداد الجيد لاي معركة سياسية داخلية، حتى بدا ان الحزب والسيد القائد الذي يجيد مقاومة العدو يفشل دائماً في ادائه كل شأن داخلي. ونخشى يا سيد(1/213)
المقاومين ان يكون كلامك عن ان مقاومة الفساد في لبنان اصعب كثيراً من مقاومة العدو الصهيوني (وكم مرة كتبنا لك بذلك) هو اشارة الى عجز داخلي لم تعدّ له العدة او تأخيراً له ضمن ترتيب اولوياتك بحيث تقتل الصهيوني الذي ما زال يهدد الارض والانسان في لبنان كما كل الوطن العربي وتعفو عن سلاطين وطننا الصغير لبنان الذين يأكلون الحرث والزرع والشجر والحجر.. فضلاً عن البشر. ماذا في كلام السيد نصرالله السياسي الداخلي بعد استشهاد البطل غالب عوالي: - رسالة واضحة حملها السيد الى اللبنانيين بأن هناك كباراً كباراً يحمون العملاء ويقصد كل العملاء، ويفصل اكثر ليقول العملاء الذين قاتلوا في جيش المحكوم قضائياً بالتعاون مع العدو الصهيوني انطوان لحد، وان هؤلاء الكبار كانوا يتصلون بالقضاء العسكري لتخفيف احكام كانت ستصدر ضد هؤلاء المتعاملين مع العدو الصهيوني او هم في خدمة العميل انطوان لحد وتشكيلاته العسكرية العميلة للعدو نفسه. ولأنك يا سيد المقاومين في موقع العارفين بالأمور فنحن نوافقك الرأي ونصدقك.. واسمح لنا ان نصدقك القول هنا ونحن نورد لك ما يلي:(1/214)
1- ان عدداً من الذين تقول عنهم عملاء للعدو الصهيوني يا سيد اصبحوا جزءاً من حركتك الحزبية - أي حزب الله - لا بل ان عدداً كبيراً منهم رشحهم حزبك لمواقع اختيارية وبلدية في عدد من قرى الجنوب لمنافسة مرشحين آخرين وطنيين او مستقلين او ابناء قرى وبلدات لا علاقة لهم بأي عمل سياسي او حزبي او أي انتماء إلا قريتهم او بلدتهم. والأنكى من ذلك يا سيد حسن ان هؤلاء العملاء السابقين جرى حملهم والاشادة بهم باعتبارهم رموزاً للمقاومة واتهم حزبك كل من يعارضهم او ينافسهم او يقترع ضدهم بأنهم اعداء المقاومة وعملاء لاسرائيل!؟. ان عدداً من هؤلاء يا سيد حسن اذاقوا المر لابناء بلداتهم وقراهم عندما كانوا في صفوف جيش لبنان الجنوبي، وها هم يتسيدون مواقع المسؤولية بعد فوزهم في لوائح حزبكم في اللوائح البلدية والاختيارية. اسأل المسؤولين في حزبك عن هذه اللوائح والمعركة الانتخابية البلدية والاختيارية لتجد من يقول لك.. وقد سمعنا الكثير المضحك المؤسف الكاذب.. ان هؤلاء العملاء - كانوا عملاء مزدوجين يتعاملون مع المقاومة مثلما يتعاملون مع اسرائيل. وستجد يا سيد حسن ان بعضهم كان مكلفاً - حسب تبريرات مسؤولي حزبك - بالانخراط في صفوف العميل لحد بتكليف شرعي أي والله هكذا يهزأون بالتكليف الشرعي حتى بات ممسحة لمحو عمالة العملاء ونذالة الأنذال وخسة الخسيسين.. هكذا بتكليف شرعي يتم انتخاب العملاء بالامس. وبتكليف شرعي يتم اسقاط الشرفاء في القرى لمجرد انهم نافسوا لوائح حزبك في عدد من القرى والبلدات العاملية وعلى حدود فلسطين المحتلة من العدو الصهيوني. نحن لسنا في وارد الدفاع عن الخاسرين او السؤال عن خلفياتهم السياسية او الحزبية - ولسنا في وارد الدفاع عن الذين تتهمهم ((كباراً)) بأنهم يتدخلون لمنع استصدار احكام قوية او مديدة للعملاء.. ولكننا نريد تذكيرك يا سيد المقاومين بأن جزءاً اساسياً من العملاء كانوا من ابناء القرى والبلدات(1/215)
المحتلة ضمن الشريط والبعض على خطوط التماس، والبعض هرب من قريته او مدينته في الداخل الى الشريط المحتل. وهذا يعني ان جزءاً كبيراً من العملاء هم لبنانيون مسلمون وفي اغلبيتهم من الشيعة وبعض الدروز وأقلية لا تذكر من السنّة، كما بينهم مسيحيون من مختلف الطوائف. فمن هم الكبار الذين تدخلوا لإنقاذ العملاء وعدد كبير منهم من الشيعة. اتعرف لماذا نسألك يا سيد المقاومين وعلناً ! لان الاعتقاد ساد بأن عدداً من الزعماء المسيحيين فقط هم الذين تدخلوا لإنقاذ العملاء من طوائفهم.. وهذا الالتباس في أذهان البعض اعاد الامور الى نقطة الصفر في التأجيج الطائفي والمذهبي.. ليتلقف المسألة وزير الداخلية الصغير بما كان يستدعي ان تمثلا معاً امام النيابة العامة للإدلاء بشهادتيكما عن معلومات تملكانها هي بمثابة إخبار يقتضي التحرك القضائي للتحقيق فيه. نقطة اخرى يا سيد المقاومين وهي التشكيك ليس في مؤسسة القضاء عامة بل وخصوصاً في القضاء العسكري ومن خلفه مؤسسة الجيش التي تولت محاسبة هؤلاء، ومن هو المتعاون الاول - ايجاباً هذه المرة - مع المؤسسة العسكرية غير المقاومة، لا بل من تعاون جدياً مع المقاومة في معركة الحماية حتى التحرير الا المؤسسة العسكرية بقيادة اميل لحود اولاً ودائماً ثم ميشال سليمان ثانياً؟ هل تريد يا سيد المقاومين اثباتاً على ان دود الخل منه وفيه؟ إذن دعنا نتحدث عن كارثة طائرة كوتونو او (بوسطة الخضار الطائرة) وانت سيد العارفين بما حصل لها وبعدها وحتى الآن.(1/216)
يا سيد حسن: سقط في هذه الكارثة نحو 90 شهيداً لبنانياً معظمهم من الشيعة ابناء جبل عامل، وصاحب هذه الطائرة هو احمد الخازم وولداه درويش ومحمد.. وأحمد هذا كان عميلاً للاستخبارات الصهيونية مرتبطاً بضابط صهيوني برتبة عقيد يحمل اسم بسام، وقد هرب هذا الخازم بعد التحرير ثم عاد الى لبنان بواسطة من جماعة حركة امل وسلم الى مخابرات الجيش اللبناني التي اعتقلته لفترة ثم ذهب وفد امني من حركة امل الى وزارة الدفاع لإخراجه بعد عدة ايام ليصبح تحت حمايتها (هذه التفاصيل تعرفها اجهزة الامن في لبنان كلها كما يعرفها كثير من أطر حركة امل). اسمع يا سيد.. فهذا جزء من الرواية .. الجزء الآخر من الرواية يبدأ حين حصلت كارثة بوسطة الخضار وتبين ان جشع اصحابها ومن وراءهم في بيروت من المطار الى ما يعلم الله.. كان السبب في سقوطها والشهداء التسعين تقريباً، فوصل الى لبنان من مطار كوتونو في بنين درويش الخازم ليحصل على اوراق التأمين الخاصة بالطائرة ليحملها الى لندن ليقبض التعويض. كان درويش الخازم الجريح الذي شاهده العالم كله عبر المرئية جالساً شبه عار على شاطىء بنين فوق محفظة كبيرة حريصاً على المجيء الى لبنان والشهداء لم يدفنوا، وبعضهم ما زال طعاماً للسمك وآخرون تحت ركام البوسطة الطائرة.. ليحمل اوراق التأمين ليقبض ماله. فماذا حصل؟.. من مطار بيروت دخل الخازم مستشفى الرسول الاعظم تحت حماية وحراسة حزب الله، ومن المستشفى اجرى الاتصالات اللازمة لتأمين اوراق التأمين، وخرج من المستشفى تحت جنح الظلام، وتحت حراسة حزب الله مباشرة الى المطار ليطير الى دبي ومنها الى لندن ليستقر الآن في كوناكري يدير اعماله، باحثاً في كيفية قبض التأمين. دماء الشهداء التسعين لم تجف، ودرويش الخازم احد اصحاب الطائرة التي سقطت نتيجة جشع درويش ووالده العميل الصهيوني ((المتوّب)) وشقيقه ومن معه طلقاء وبدعم من حزب الله وحركة امل. ومع هذا لم نقرأ.. لم(1/217)
نسمع.. لم نشاهد موقفاً جدياً صلباً يطالب بالتحقيق الفعلي لا من امل ولا من حزب الله للمطالبة فقط بكشف الحقيقة. نواب حزبك يا سيد حسن يزورون وزير الأشغال نجيب ميقاتي للبحث في تزفيت طريق وتخليص معاملة ولم نقرأ مرة واحدة تصريحاً لأحدهم عن الطلب من الميقاتي المسؤول وزارياً عن الطيران والمطار التحقيق مثلاً في دور مديرية سلامة الطيران المدني والتقرير الذي أعده الخبير الكندي الذي يتقاضى عشرة آلاف دولار شهرياً والذي أشار إلى عطل يمنع الطائرة المنكوبة من الطيران سابقاً وسؤال الخبير الكندي نفسه عن الرسائل التي وجهها للقضاء ولم يجبه أحد عليها.. أم ان الطريق عند نوابك أهم من الذين يسيرون عليها من البشر؟ رحم الله الشهيد غالب عوالي.. فما رأيك يا سيد حسن بالتسعين شهيداً لبنانياً آخر ومعظمهم من جنوبي لبنان أي جبل عامل؟ الشهيد عوالي سقط ضحية العدو الصهيوني. الشهداء اللبنانيون التسعون سقطوا ضحية الفساد؟ لعلك يا سيد محق في ان العدو قتل قيادياً بطلاً والفساد قتل تسعين.. الفساد أقوى يا سيد.. الفساد أقوى.
2- في خطبتك الشهيرة تحدثت يا سيد عن امتداد العملاء من الحدود إلى الحدود، أي من حدود لبنان مع فلسطين جنوباً إلى حدود لبنان مع سوريا شمالاً وشرقاً ولم يبق إلا البحر عرضة لكل حدود القوة ومن يمتلكها للسيطرة على شواطئنا إذا كان هذا صحيحاً في التعبير المجازي فإن مفاعيله السياسية تعني ألا قدرة لأية قوة في لبنان على حماية أحد، طالما قدرة العملاء على الانتشار وصلت إلى هذا الحد.(1/218)
فكيف حماية الداخل وحماية المواطن؟ نخشى - كما كثيرون - ان تكون دعوتك يا سيد هنا توسعة لرقعة المقاومة في الداخل وهي رقعة الجزر الأمنية التي بدأت بمربع محدد في الضاحية بدأت تباشيره تظهر في جعل منطقة سوق معوض مثلاً امتداداً لهذا المربع.. وقد برزت مظاهره الأمنية بعد اغتيال البطل عوالي في انتشار أقلق الناس والتجار بما يعنيه من توسعة مفهوم ساحة المنازلة في أماكن ظنت الناس انها نجت أو خرجت منها. ونخشى يا سيد أن يكون الحديث عن توسعة مدار انتشار المقاومة مدنياً خطوة أكثر من احترازية لأية دعوة ما زالت خجولة لنشر الجيش في الجنوب إلى منعه من التواجد أيضاً في أماكن أخرى. ان هذا التحييد مرة أخرى للجيش قد يكون أكثر من إساءة إلى معنوياته وإلى معتقده وإلى قيادته وإلى وطنيته وعروبته ليصبح أحد الأسهم الموجهة له في استحقاقات داخلية أبرزها الآن يا سيد رئاسة الجمهورية. أليس هذا ما حصل في حي السلم وأنت يا سيد تعلم دور الجميع فيه.. ومراوح الاستهدافات التي كادت تشمل الجميع. وبمناسبة حي السلم يا سيد المقاومين، وجاء موقفك وموقف حزبك إحدى النكسات التي لحقت بالمقاومة،هل سألت يا سيد نفسك لماذا تعمد البعض تدمير وتخريب أكشاك الهاتف العادي في منطقة الضاحية خلال أحداث 27/5/2004 أو الخميس الدامي، وهل كان تدمير أكشاك الهاتف لمصلحة مكاتب التخابر الدولي التي يطال منها حزب الله نصيب الأسد من مبلغ يضيع على الدولة اللبنانية والمواطن اللبناني بما يعادل ربع مليار نعم ربع مليار دولار سنوياً يا سيد المقاومين. ألا يكفي هذا الشعب المنهوب الساكت عن نهبه جشع وفجع سياسييه في كل مرافق الدولة المسلوبة المنكوبة؟هل سألت نفسك يا سيد عن هذا الاحتقان الشعبي الذي خرج بشبه انتفاضة تلقائية عفوية، قبل أن يتم توظيفها أو سرقتها وتنظيم التخريب فيها، وتكاد تصل إلى معاقل رئيسي مجلسي النواب والوزراء اللذين سارعا إلى استدعاء قوى الجيش(1/219)
والأمن والاتصال بالأجهزة السورية لحماية عين التينة وقريطم من غضب الجائعين؟يا سيد المقاومين،كلما أجدت في فعل المقاومة ضد العدو، أضعت فرصة حقيقية لمقاومة الفساد.. ونحن والله نرى ان الأدعى والأهم والأعجل والأكثر أجراً عند الله مواجهة الفساد في الداخل.. إنما بغير هذا الأسلوب الذي لم تنجح فيه حتى الآن. فمقاومة الفساد تحتاج حتى تنجح إلى توظيفها لمصلحة الشعب اللبناني والمصلحة اللبنانية وفقراء لبنان.. ولوجه الله..
******************
حزب الله اليوم والأمس
صبحي الطفيلي
مقابلة مع صبحي الطفيلي ج1
قناة الجزيرة - زيارة خاصة : 23/7/2004م
سامي كليب: مرحبا بكم أعزائي المشاهدين إلى حلقة جديدة من برنامج زيارة خاصة، ضيفنا كان الأمين العام الأول لحزب الله اللبناني واختلف معه لاحقا وكان أحد أبرز حلفاء إيران في لبنان فبات يصفها بعدوة التشيع في العالم أم الدولة اللبنانية فتلاحقه بتهمة الاعتداء عليها، هنا يعرف في منطقة البقاع اللبناني بشيخ الجائعين، إنه الشيخ صبحي الطفيلي.
صبحي الطفيلي: بسم الله الرحمن الرحيم أهلا وسهلا بكم وبالجزيرة وبدورها الكبير جدا والمهم جدا والذي نسأل الله أن يبقى دورا مهما وألا تخضع للضغوط التي تتعرض لها، نحن نعرف من نفتش ومن لا نفتش وأنتم ممن لا يفتشون.
سامي كليب: شكرا لك.
صبحي الطفيلي: أهلا وسهلا.
العنف في المنطقة العربية(1/220)
سامي كليب: بالفعل لم يخضعنا رجال الشيخ صبحي الطفيلي لأي تفتيش أو تحقيقات خلافا لما عليه الشأن عادة حين نلتقي رجالا ومسؤولين مثله ممن تولوا مسؤوليات أمنية كبيرة، فالشيخ صبحي الطفيلي الملاحق من قبل السلطات اللبنانية ليس من النوع الذي يحيط نفسه بهالة أمنية كبيرة رغم أن إسرائيل كانت خطفت بعض رفاقه وأما بالنسبة لملاحقة الدولة له والتي سنعرف أسبابها لاحقا فيبدو أنها لم تصل إلى حد اعتقاله لأن الشيخ الذي أسس حزب الله ثم اختلف مع قادته لا يزال يتمتع بغطاء شعبي وسياسي يمنع الاعتقال وحين زرته في إحدى ضواحي مدينة بعلبك الخاضعة عمليا للنفوذ السوري جاء أحد مرافقيه بسيارته العسكرية يقودني إلى منزل أحد أصدقائه مما يوحي بأن الشيخ صبحي الطفيلي يضع رغم ذلك كل الاحتمالات في ذهنه ويعرف أنه في لبنان تتغير السياسات ويرتفع الغطاء السياسي حين تتغير الظروف والمصالح والشيخ صبحي الطفيلي الذي تربى سياسيا ودينيا وأيديولوجيا في العراق وإيران بدأ حديثه بالتعليق على ما يحصل في السعودية ذلك أن زيارتنا له كانت تزامنت مع عملية احتجاز الرهائن في الخبر تماما كما أن الحديث معه جاء بعد أيام قليلة على مقتل متظاهرين لبنانيين في الضاحية الجنوبية لبيروت ذات الغالبية الشيعية، فماذا عن السعودية أولا.(1/221)
صبحي الطفيلي: الحديث عن هذا الأمر يطول جدا وذو شجون لكن باختصار نحن نعرف أن هناك تيارات في شبه الجزيرة العربية وفي السعودية قديمة قليلا ما أخذت منحى عسكري منحى أمني، لكن في الفترة الأخيرة كملاحظ لست على إطلاع واسع كملاحظ أن الأميركيين ضغطوا على السلطة السعودية كي تستعمل القوة مع المعارضين وأظن أن ما يحصل هو ردة فعل، بمعنى آخر أن النظام السعودي أدخل المجتمع السعودي في صراع دموي كان بالغنى عنه وأن ما يفعله المسلحون المعارضون للنظام هو ردة فعل على الهجوم السعودي المنحني أمام الإرادة الأميركية، هم يسعون حثيثا لاسترضاء الأميركيين وللقتال يعني ولأن يكونوا خطوط دفاع عن الأميركيين، اليوم الجيش السعودي والأمن السعودي والحقيقة يشكل ساتر بين الذين يقصدون ضرب الأميركيين وبين الأميركيين يعني هم خطوط نار أولى لنكن صادقين في هذا الأمر والأميركان كما تعرف خططوا بهدوء ولسنوات طويلة لهذا الوجود المتمادي المدعوم المطلوب، كلنا نعرف من الذي دعم صدام من الذي آزر صدام من الذي سلح صدام من الذي أوحى لصدام بالهجوم على الكويت وبالتالي من الذي خلق هذه الحالة الخليجية التي تتوسل للأميركيين بالحضور وبالدفاع عن المنطقة، كلنا يعرف أن هذا الأمر هو أمر أميركي لكن للأسف ما عندنا سلطات لا في السعودية ولا في غير السعودية تستطيع أن تجرؤ وتدافع عن نفسها عن بلادها عن أرضها عن شعبها بل بالعكس تتسابق السلطات في بلادنا لخدمة هذا الغازي العدو الذي لا يرحم.
سامي كليب: طيب شيخ صبحي طفيلي يعني هناك مسألتان في هذه القضية أولا يعني واضح أنه لا السعودية مرتاحة ولا النظام السعودي مرتاح مما يجري ولا شك أن هناك رغبة ضمنية لدى المسؤولين السعوديين في أن يرتاحوا من كل هذا الوجود الأميركي ومما يحصل عندهم وهنا السؤال هل هم فعلا راغبون بهذا الوجود أم أنهم غير قادرين على إخراج الأميركي لكي نعطي السعودية حقها أيضا؟(1/222)
صبحي الطفيلي: في العالم العربي للأسف ليس لدينا أنظمة تستطيع أن تقول لا وأغلب الأنظمة هي تسعى لاسترضاء الأميركيين ولتقديم الخدمات حتى يروا ابتسامة الأميركي ابتسامة الرضى، السعودية بالتأكيد السعوديين السلطة السعودية بالتأكيد هي ترغب في الاستقرار الأمني لا أحد يرغب أن يزعج سلطته ويتمنوا في أعماق أنفسهم لو أن الأميركيين قرروا بملء أرادتهم أن ينسحبوا من البلاد لكن هذا الأمر لن يتم ولن يجرؤ السعوديين على أن يطلبوا هذا الأمر من الأميركيين.
سامي كليب: حاليا أيضا ونحن نصور هذه الحلقة يعني كان مضى على الأقل يومان مما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث تظاهر الناس من أجل تخفيض سعر الوقود البنزين تحديدا وأطلق حصلت مشادات وأطلق الرصاص وقتل ما لا يقل عن ستة أشخاص وجرح كثيرون، يعني طبعا هذا يذكر بأحداث سبقت وتشابهت إلى حد بعيد في الضاحية الجنوبية حتى حين كنت مسئولا كبيرا آنذاك، ما الذي يحصل برأيك هل مثل هذا العمل يمكن أن يكون حادثا عابرا فعلا أو خطأ؟
صبحي الطفيلي: لا، لا أعتقد أن الأمر خطأ أو حادث عابر بمعنى غير مقصود، لبنان بلد يعاني مشكلة كبيرة لبنان على رأسه سلطة لا تنضبط بالقوانين، تمارس كل أنواع الظلم والسرقة والنهب وهم يعرفون ويقرون بذلك لو أنت تسمع وسائل الإعلام شتائمهم لبعضهم يقروا بذلك ليس في لبنان سلطة في لبنان عصابة بكل معنى الكلمة، أنت تعرف أنه بعد شهور هناك استحقاق رئاسة جمهورية في لبنان وهناك تجاذبات منهم مع التمديد ومنهم ضد التمديد ومنهم مع انتخاب وإلى نهاية، بتقديري أن الذي أطلق الدعوة للاعتصام كان يهدف إلى شيء استغلت هذه الدعوة لتطويرها إلى أزمة سياسية أمنية من قبل بعض الجهات بالدولة اللبنانية ليس كما نحاول أو يحاول البعض أن نرميها خارج الحدود اللبنانية لا أعتقد أن الأمر..
سامي كليب: بمعنى آخر لا علاقة لسوريا طبعا بما يحصل.(1/223)
صبحي الطفيلي: أكثر من ذلك أكثر من ذلك أيضا، بتقديري هناك لبعض المسؤولين في لبنان مصلحة في توتير الأمور في إرباك الخصوم السياسيين في النظام أعتقد أنه دم في هذه المناسبة من المواطنين قد يشكل صدمة أو إعاقة لجهود بعض الناس.
سامي كليب: هل نفهم من كلامك شيخ صبحي الطفيلي أن الأمر مقصود؟
صبحي الطفيلي: نعم مقصود.
مسؤوليات حزب الله في الأحداث الجارية
سامي كليب: أود أن أسألك أيضا لا نطيل الحديث عن هذا الموضوع ما هي مسؤولية حزب الله فيما جرى أيضا؟
صبحي الطفيلي: أسهل مكان يقتل الناس في الضاحية والمسؤولون عن هذه المناطق عادة يسهل تمرير القتل والدماء والدم في هذه المنطقة رخيص لأنه لا حامي ولا ناصر نقول ببساطة، من هنا اختيرت الضاحية للقتل لأنه لو كان القتل في مكان آخر لما مر بهذه السهولة وطوي بهذه الطريقة خطرا يرمي هنا وخطرا يرمي هناك، هناك في لبنان مسؤولون رسميون قرروا القتل وقتلوا عن عمد وسبق إصرار هذا الأمر هكذا ببساطة الجندي لا يطلق النار ومن شاهد وراقب يعرف أن هناك قرارا بالقتل، دولة تقتل شعبها دولة تتهرب من مسؤولياتها تلك هي مصيبة كبرى.
سامي كليب: طبعا الشيخ نصر الله الأمين العام لحزب الله وجه أصابع الاتهام مباشرة لأميركا هل تعتبر؟
صبحي الطفيلي: الأميركان، الأميركان أعداء لكن هذه وسيلة لبنانية متبعة قديما دائما، دائما حينما تحدث مصيبة فنحاول أن نهرب منها يعني نمدح كل الأطراف القائمة نحافظ على علاقاتنا مع كل الناس ونلقي باللوم وباللائمة على الآخرين، لا أعتقد أن مستمعا يمكن أن يعني ينساق ويتابع هذه الرواية التي وردت أمس.
سامي كليب: طيب هذه الدولة أيضا بتعاطيها مع حزب الله كان هناك علامات استفهام لا تزال حتى الآن غامضة مثلا بثلاثة عشر أيلول من العام 1993 قمتم بتظاهرة قام الحزب بتظاهرة ضد اتفاقية غزة وأريحا وما إلى ذلك قمعت التظاهرة وسالت دماء كثيرة كان الأمر مقصود برأيك لضرب حزب الله؟(1/224)
صبحي الطفيلي: أيضا الأمر كما كان بالأمس، من يشاهد الأشرطة أشرطة المسجلة يرى بوضوح هناك قرار بالقتل وكان تساقط الناس واضح أنه مقصودين بالقتل والقنص كما كان القتل بالأمس قنص، بعالمنا ليس فقط في لبنان في عالمنا الشرقي الإسلامي الدم ليس محترم خاصة دم الشعوب نقتل مائة مائتين ثلاثة خير إن شاء الله أو أرقام يعني بنظر الأنظمة في بلادنا الشعب ودماء الشعوب منهم ليست أغلى من الحشرات أقولها بوضوح وبصراحة ليست بأغلى من الحشرات المهم الحاكم يبقى في السلطة.
سامي كليب: برأيك أنه كان فيه قرار بإنهاء حزب الله آنذاك؟
صبحي الطفيلي: ليس إنهاء وإنما..
سامي كليب: ضعف.
صبحي الطفيلي: تقليص طموح حزب الله وتقليص لمجالات أفكاره وما شابه ذلك أنه عليك أن تنضبط بحدود مؤدب مطيع وهذا ما حصل بات حزب الله مطيعا مؤدبا.
سامي كليب: إنك في مرات عديدة اتهمت رئيس الحكومة رفيق الحريري بأنه يريد فعلا نزع سلاح حزب الله حتى في توصيفاتك طبعا المباشرة قلت أنه مفوض سام في لبنان.. مفاوض سام؟
صبحي الطفيلي: ليس فقط الحريري هناك رغبة لدى كافة الأطراف في لبنان بنزع سلاح حزب الله وإلغاء دور المقاومة والحقيقة الفضل الأول والأساسي والوحيد اللي إذا هذه البندقية الباقية التي يمكن أن تطلق النار على العدو الإسرائيلي بين حين وآخر الفضل لبقائها للسوري، نعم الحريري هو مع وقف المقاومة ولحود مع وقف المقاومة وكل العالم مع وقف المقاومة ولكنه لحود يعتبر بأن سوريا ترغب في المقاومة وفي بقائها وهو من مصلحته أن يؤيد النهج السوري في لبنان بدقة هكذا، نحن نشكر يعني كل من يدعم المقاومة إن كان لحود وإن كان حريري وإن كان أي إنسان لكن هذا لا يتنافى مع الحقيقة.(1/225)
سامي كليب: طبعا الموضوع عن المقاومة يقودنا إلى الوضع الحالي لحزب الله حضرتك ابتعدت عن الحزب رغم أنك في تصريحات كثيرة كنت تقول إنه الحزب ما في انتساب وبطاقة وما إلى ذلك يعني يدخل في الحزب يدخل مدى الحياة ولكنك ابتعدت بسبب يعني وفق توصيفاتك الرسمية وإعلاناتك الرسمية إنه مشاركة الحزب في السلطة واتهمت نواب الحزب بالبرلمان بأنهم أصبحوا أسرى كالنواب الآخرين، يعني أود أن تختصر لنا ما هو ما هي مآخذك عن حزب الله حاليا لماذا تقف في الخط الآخر ضد المشاركة في السورية؟
صبحي الطفيلي: مختصر الدولة دائما جزء أساسي في هالمعارضة حينما تكون عندنا معارضة شريفة مراقبة دقيقة كثير من أخطاء الدولة تتقلص وتسقط وتذوب حينما لا تكن هناك معارضة تتفشى الرذيلة والفساد، الحزب دخل في الدولة وصار جزءا من جوقة التصفيق والتزمير والتهليل والتكبير والمدح والثناء يعني لا أعتقد أنه في لبنان أحد أو في خارج لبنان أحد يقول أن عندنا دور مهم داخل النظام وفي مؤسسات البرلمان ولا شيء، نحن مش أكثر ليسوا أكثر إخواننا ليسوا أكثر من جهة تغطي وتتستر على شنائع الدولة وأفعالها ومنكراتها وهذا ما لا يجوز شرعا وهذا يعتبر خيانة لأهلنا وغدر بهم.
سامي كليب: نعم بس شيخ صبحي الطفيلي يعني هناك التخوين لحزب الله يعني في بعض التصريحات إنك حتى قلت إنه تفاهمات حدود 1994..
صبحي الطفيلي: هلا خونت أه قلت خيانة لأهلنا نعم.
سامي كليب: طب يعني في تخوين حتى في الصراع مع إسرائيل إنه حتى قلت إنه اتفاق نيسان 1996..
صبحي الطفيلي: هذا موضوع آخر.
سامي كليب: إنه كان نهاية المقاومة وشرعية للمستوطنات وحماية للحدود الإسرائيلية.
صبحي الطفيلي: نعم صحيح.
سامي كليب: على إنه حزب الله وكأنك تتهم حزب الله وكأنه يحمي حدود إسرائيل.(1/226)
صبحي الطفيلي: نعم مش أتهم وهل هناك من يشك بذلك، الإسرائيليون من بعد ما انتزعوا ما عرف بتفاهم نيسان اللي اعترف حزب الله من جهته أنه بمنأى بالامتناع عن ضرب الأهداف الفلسطينية اليهودية في فلسطين إنه هو مقاومة لبنانية داخل الأرض اللبنانية إذا هناك جنود إسرائيليون في لبنان هو له حق أن يقاتلهم أما ليس له حق أن يقاتل داخل فلسطين يعني موضوع تحرير فلسطين وما شابه ذلك موضوع شطب من الخريطة وهنا كانت المصيبة يعني هنا كانت الكارثة، أراد الإسرائيلي أن ينسحب من لبنان من سنة 1996 قبل ذلك كان هو طرح هذا الأمر بطرق معينة بالثمانينات ورفضناه.
سامي كليب: طرح عليكم كحزب؟
صبحي الطفيلي: مو مباشرة من خلال بعض القنوات.
سامي كليب: بأي شروط؟
صبحي الطفيلي: لا، لا جاء بعض الناس يعني تحت عنوان صحفيين وغير صحفيين وما شابه ذلك أنه يا أخي يمكن أن ينسحب الإسرائيليون إذا أخذوا ضمانات أنكم إذا وصلتم للحدود ما يسير في مشاكل بينكم وبينهم وكان جوابنا في حينها أنه حينما دخلوا لم يستأذنوا أحدا وعليهم أن يخرجوا دون استئذان من أحد أو تفاهم مع أحد واليوم باستثناء مزارع شبعة من الحدود للمياه منطقة محروسة آمنة أكثر من الحدود الفلسطينية المصرية والحدود الأردنية الفلسطينية والحدود السورية الفلسطينية وهذا ما يشكر عليه الأميركيون حزب الله.
سامي كليب: شأن حزب الله..
صبحي الطفيلي: فأنا أعتبر بأن حزب الله.
سامي كليب: نعم.(1/227)
صبحي الطفيلي: حزب الله أنا أميز بين شبابنا المساكين الطيبين الطاهرين اللي أعدوا أنفسهم للموت وللجهاد في سبيل الله وللذين لا حول لهم ولا قوة أنا متأكد أن الكثير منهم يبكي دما وألما لهذه النهاية التي وصل إليها، لكن هنا نحن هذه المقاومة بتاريخها الجليل بدمائها الطاهرة اليوم تلعب دور مخزي تلعب دور يشكل عمليا حماية للعدو الإسرائيلي وأنا لا أريد منهم شيء وأنا طالبتهم مرارا قلت لهم بوضوح ممكن لا تستطيعوا متابعة الحرب على العدو الإسرائيلي لكن ابتعدوا عن الحدود ليحرس الحدود غيركم.
سامي كليب: شيخ صبحي الطفيلي يعني من يسمع كلامك اليوم عن حزب الله يبدو له الأمر وكأنك تضع حزب الله في مرتبة الذين يقدمون خدمات لأميركا ومن خلالها لإسرائيل أيضا من خلال حماية الحدود يعني هل وصل الأمر فعلا إلى هذه الدرجة؟
صبحي الطفيلي: هاي الحقيقة.
سامي كليب: طيب الحزب حين يسأل عن هذا الأمر يقول إنه قدم تضحيات كبيرة لأنه حتى أمين عام الحزب الحالي الشيخ نصر الله يعني قدم ابنه هادي في سبيل المقاومة وحرر لبنان وطبق القرار425 بقيت مزارع شبعة يقاوم فيها ما هو المطلوب أكثر؟(1/228)
صبحي الطفيلي: حزب الله ليس مقاومة لبنانية حزب الله مقاومة إسلامية حزب الله هدفه تحرير القدس وفلسطين قبل تحرير لخيام وبنت جبيل ومجرى عيون والنبطية، لبنان اللي حزب الله اليوم يقول أنا مقاومة في حدود لبنان أنا ملتزم بتفاهم نيسان الذي يمنعني من قتال العدو الإسرائيلي داخل أرض فلسطين، حزب الله يقول أنا أضرب في مزارع شبعة في بعض الأحيان حينما يضرب لأنها أرض لبنانية يقول له الإسرائيلي هذه أرض سورية ليس لك حق أن تضرب فيها حتى ليست فلسطينية ويعتبر أن لأنها سورية ليس له حق أن يضرب ضمن التفاهم فهناك تفاهم هل ينفي هذا أحد وحزب الله يقول أنا ألتزم به هل ينفي هذا أحد هذا التفاهم يقول يمنع على حزب الله أن يضرب في الأرض الفلسطينية ما معنى هذا هل هناك فلسفة معينة لإخراج الأمور من دائرتها الطبيعية متجهة نحو حماية الحدود الشمالية لفلسطين يعني أنا إذا أنا أو أنت أو إنسان يحمل البندقية ويريد أن يقاتل العدو الإسرائيلي اليوم يذهب إلى الحدود من يمسكه من يعتقله أليس شبابنا الطيبون الطاهرون المساكين.
سامي كليب: حصلت حالات؟
صبحي الطفيلي: كثير.
سامي كليب: هل الحزب مالكا لقراره فعلا اليوم؟
صبحي الطفيلي: ماذا تقصد بمالك لقراره؟
سامي كليب: يعني هل الحزب لو قرر الاستمرار بالمعركة والمقاومة.
صبحي الطفيلي: ممكن لا يستطيع أنا قلت، أنا قلت..
سامي كليب: يعني هناك فرق، شيخ صبحي اسمعني يعني هناك تمييز بين رغبة قيادات الحزب ومقاومي الحزب بالاستمرار يعني لا أشك ولا لي لحظة ربما يعني الشيخ نصر الله يريد المقاومة حتى تحرير القدس ولكن هل هو مالكا لقراره؟(1/229)
صبحي الطفيلي: وأنا كذلك وأنا مثلك لكن هذه الرغبة كم أقدر على الحفاظ عليها كم أقدر على الائتمان عليها هذا موضوع آخر، الحزب قد لا يستطيع الاستمرار وأنا قلت إذا لا تستطيعون الاستمرار ربما لو كنت مكانهم لا أستطيع الاستمرار ربما أنا مثلا أخير ما بين حرب داخلية مثلا أو وقف المقاومة مثلا، انسحبوا لتكن مهمة حراسة الحدود على يد غيركم وليس على يدكم هنا المشكلة هنا الداء وبالمناسبة لو أن غير شباب حزب الله هم اللي على الحدود كانت كان الأمر مختلف كان كثير من الناس يستطيعون اختراق الحدود والقيام بعمليات ضد العدو الإسرائيلي لكن الحزب بما لديه من كفاءة ومن إمكانيات وسمعة وكذا إلى النهاية هو الأقدر على الحماية هنا المصيبة وهنا الكارثة ابتعدوا عن الحدود قليلا ولو خمسمائة متر لا شأن لكم بمن يدخل ويخرج نحن جاهزون لقتال العدو الإسرائيلي حينما نستطيع أن نقاتل دون أن نزج في فتن داخلية ممكن يكون هذا صواب وممكن أصفق لهم وأرحب بهذا الأمر لكن اليوم الأمر ليس كذلك اليوم نحن نحمي الحدود نحن نحرس وهذه هي المشكلة.
تاريخ حزب الله ونشأته(1/230)
سامي كليب: الشيخ صبحي الطفيلي الذي يفتح النار اليوم على قيادة حزب الله كان هو نفسه أول أمين عام لهذا الحزب الذي ظهرت بذوره الأولى في إيران وكان الشيخ صبحي الطفيلي أيضا على رأس الحزب حين وقع الصدام مع التيار السياسي والأمني الأخر الكبير في الضاحية الجنوبية وفي الطائفة الشيعية اللبنانية أي حركة أمل ولذلك فإن الحديث معه مع الشيخ المتمرد اليوم يعود بنا إلى فكرة تأسيس الحزب ودوره تاريخيا، فالوثائق الغربية تشير إلى أن الفكرة تعود إلى عام 1969 حين بدأ حزب الدعوى في النجف بالتفكير بتفعيل خلايا له في لبنان ويقال إن الشيخ صبحي الطفيلي والأمام موسى الصدر الذي تتهم الطائفة الشيعية ليبيا بإخفائه إضافة إلى عدد من المشايخ الآخرين كانوا قد اجتمعوا في منزل العلامة محمد باقر الصدر بالعراق وتباحثوا في هذا الأمر.
صبحي الطفيلي: أنا يعني تفاصيل بهذه الدقة يعني قبل 35 عام لا أعتقد ذاكرتي نشطة لهذه الدرجة لكن بالتأكيد تلك الفترة ما كان فيه ثورة إسلامية ما كان في يعني تلك الفترة كنا نعمل بإطار حزب الدعوى..
سامي كليب: صحيح.
صبحي الطفيلي: أي حديث أو لقاءات أو مساجلات كانت في هذا الإطار إطار عمل إسلامي أو إطار عمل جهادي ضد العدو الإسرائيلي ونشاط كثير متواضع لا أريد أن أقول أنه نشاط كبير لكن أنا أتحدث عن بداية 1982 كانت هذه مناخات مرحلة ما قبل 1992 أنا كنت كنا في زيارة إلى الجمهورية الإسلامية في حينها وفي طريقنا إلى إيران سمعت أن هناك غزو للبنان بعد يوم أو يومين اتضح أن هذا الغزو واسع النطاق، التقيت ببعض المسؤولين الإيرانيين حينها واتفقنا على عمل لإقامة مقاومة وتحدثنا عن مجيء بعض الاخوة الإيرانيين من الحرس الثوري..
سامي كليب: كان السيد على الخميني بين الذين التقيت بهم؟(1/231)
صبحي الطفيلي: لا، لا كان بعض المسؤولين معنيين بالعمل الميداني ثم قطعت زيارتي إلى إيران وعدت بعد خلال أسبوع إلى هنا وبدأنا الإعداد لتلك المرحلة، طبعا أخوتنا في حزب الدعوى في حينها أخوتنا في تجمع علماء المسلمين في البقاع في حينها أخوتنا في حركة أمل لأنه جزء كبير من حركة أمل كانت لنا علاقات جدا مهمة بهم كل هؤلاء حاولنا..
سامي كليب: طبعا أيام السيد موسى الصدر؟
صبحي الطفيلي: طبعا في أيام تأسيس حركة أمل أنا كنت في لبنان خلال السنيتين وكانت لي صلات مع سماحة السيد رحمه الله ومع كثير من معاونيه المتدينين كان بين معاونيه متدينين وغير متدنين..
سامي كليب: تقول السيد رحمه الله عن الإمام موسى الصدر؟
صبحي الطفيلي: إيه.
سامي كليب: رحمه الله لماذا؟
صبحي الطفيلي: أتعتقد بعد هو حي؟
سامي كليب: لا أدري ولكن هناك مطالب حتى الآن من الدولة اللبنانية ومن قيادات شيعية بأنه لا يزال في ليبيا ويعتقدوا أنه ربما لا يزال حي.
صبحي الطفيلي: هذا عمل صحيح يجب أن يقولوا هذا ويجب أن يطالبوا لكن أحكي أنا قناعتي أنا حسب ما تسرب في حينها أن القذافي قتله خلال أيام قليلة.
سامي كليب: تسرب كيف يعني كان عندكم معلومات؟(1/232)
صبحي الطفيلي: من بعض الناس اللي لهم ارتباطات بليبيا قالوا أنه قتل في حينها وكأنهم يمهدون إلى التصرف على أساس أنه قتل، في تلك الفترة كانت لنا صلات جدا كبيرة كانت لنا علاقات جدا مهمة خاصة مع التيارات المتدينة في حركة أمل فجينا إلى لبنان وبدأنا في تأسيس طبعا وكانت مرحلة قاسية جدا المؤسسات السياسية انهارت، المؤسسات التنظيمية العسكرية انهارت، الحركات الفلسطينية واللبنانية انهارت، كلها أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية كل شيء مدمر الجيش السوري في لبنان ضرب ضربة قوية جدا لم يبقى شيء، الأعلام البيضاء ترفرف على الأسطح وعلى البنايات وفي الشوارع استسلاما للإرادة الإسرائيلية الأميركية وحينما طرحت بعد عودتي بضرورة المقاومة يعني كاد الناس يعني يفعلون أشياء غريبة ماذا تقول أنت ماذا تفعل طبعا..
سامي كليب: تماما كما حصل مؤخرا مع الأميركي في العراق يعني؟
صبحي الطفيلي: مثلا، مثلا طبعا كانت لنا رؤية يعني أنت كانت لنا رؤية واضحة كنت أحدثهم كانوا يقولون أنت ستموت بعد أيام، أنا مقتنع بأن الهزيمة العربية سنة 1948 سنة 1956 سنة 1967 سنة 1973 هي ليست هزيمة أمام العدو الإسرائيلي، لا الحقيقة أن الذي يحمي الكيان الإسرائيلي هي الأنظمة العربية وليس الجندي الإسرائيلي وأن هذه الهزائم ليس لقصور عند الجندي العربي وأنه هو غير قادر على استخدام الأسلحة وأنه لا يملك الشجاعة وأن هذا كلام.
سامي كليب: بما في ذلك عهد الرئيس عبد الناصر جمال عبد الناصر؟
صبحي الطفيلي: نعم، نعم كنت أريد من جملة الأهداف أريد أن أثبت للأمة أن هذه المقولة التي أقنعتنا بضرورة الاستسلام للإرادة الإسرائيلية الأميركية هذه مقولة كاذبة من خلال بضع شبان في لبنان يحملون أسلحة بسيطة ومتواضعة ليواجهوا فيها آلة العسكر الإسرائيلية الرهيبة والغلبة وفعلا هكذا..(1/233)
سامي كليب: شيخ صبحي طفيلي يعني اسمح لي بالمقاطعة سأتركك تتابع عن كيفية قيام حزب الله ولكن هذه النقطة تحديدا حول عهد الرئيس جمال عبد الناصر يعني كنتم في تلك الفترة طبعا في إطار حزب الدعوى والرئيس عبد الناصر دفع حياته يعني ثمنا دفع أيضا من مقدرات مصر ومن شعبها ومن جيشها الكثير في محاربة إسرائيل وفتح الجبهة مع إسرائيل وقاد دولا عربية كثيرة وراءه ربما لم تكن كثيرة جدا آن ذاك يعني كيف يمكن أن تضعه في مصاف الأنظمة الأخرى؟
صبحي الطفيلي: لا إشكال أن هناك يعني فوارق لكن لا تنسى أنت أن مصر سنة 1967 ما قاتلت وأن الجيش المصري سحق قبل أن يتحرك من يتحمل مسؤولية أنا أو أنت أو الرئيس عبد الناصر الرئيس عبد الناصر يتحمل المسؤولية.
سامي كليب: بس هذا خطأ عسكري وليس..
صبحي الطفيلي: لا ليس خطأ عسكري ليس خطأ عسكري.
سامي كليب: كان مقصود؟(1/234)
صبحي الطفيلي: كان في إهتراء في النظام السياسي المصري كانت مصر صح شعاراتها فلسطين وتحرير فلسطين وما شابه ذلك لكن في الحقيقة اهتماماتها كانت في عالم أخر وهذه مسألة مهمة نحن لا نريد أن نخدع أنفسنا ونخدع أهلنا، نصف مليون جندي مصري يفاجأ بهزيمة كاملة قبل أن تصل أيديهم إلى السلاح، تدمر المطارات ما مقولة انه انتظرناهم من الشرق جاءونا من الغرب، أنظام سياسي لدولة كبيرة مهمة ذات شأن وأنا أذكر بالضبط مؤتمر الرئيس عبد الناصر قبل الغزو أظن ب 12 ساعة أظن ويقول أنه أبلغه السفير الروسي بأنه لا تكن البادئ، في حينها هو قال ننتظر هجوم على ما أظن ربما تخالفني الذاكرة بس هذا في ذهني أنه أنتظر الهجوم الإسرائيلي خلال 24 ساعة أو أكثر أو أقل وفعلا هكذا حصل، أنت تنتظر هجوم إسرائيلي ثم تفاجئ، تفاجئ بماذا يسحق لا وهو قال بعد ذلك أنه لم يبقى ولا جندي ما بين القناة قناة السويس اللي عليها الجنود الإسرائيليين وبين القاهرة، مأساة يتحمل مسئوليتها هو وهذه مسألة لا نستطيع أن نرميها على عامر أو غير عامر، عامر يتحمل مسؤولية أنه نفس النظام وهنا موضوعنا كارثة، كارثة كبيرة وقعت على رأس الأمة ولازلنا نتخبط بها نتيجة لما حصل عام 1976.
سامي كليب: طب على كل حال يعني طبعا عهد الرئيس عبد الناصر بحاجة إلى حلقات كثيرة ولا يمكن أن لا نتهم ولا أن نفسر ما الذي حصل بدقائق، في العودة إلى موضوع تأسيس حزب الله إذاً جئت إلى لبنان وبدأت حالة تعبئة إذاً بحيال أو باتجاه قيام حركة لمقاتلة إسرائيل؟
صبحي الطفيلي: فبدأنا نحن في تلك الفترة إعداد إخوانا والناس من حولنا لمقاومة العدو الإسرائيلي فبدأنا في حينها الاستعدادات ثم جاء الأخوة الإيرانيون اللي ساعدونا في التدريب جزاهم الله خير طبعا جزاه الله خير الإمام الخميني وبدأت المراحل الأولى للتأسيس وكانت مرحلة صعبة أنت تنظم تسلح تقاتل دفعة واحدة..(1/235)
سامي كليب: سماحة الشيخ صبحي طفيلي أن عم أتفضل أنه وصل الإيرانيون لتدريب مقاتليكم آن ذاك يعني نحن عام 1982 منذ ذاك جاء الإيرانيون لمساعدتكم صحيح؟
صبحي الطفيلي: صحيح بحزيران عام 1982 بعد الغزو الإسرائيلي أظن بأسبوعين أو ثلاث.
سامي كليب: طبعا كانوا يمروا عبر طريق سوريا؟
صبحي الطفيلي: أكيد.
سامي كليب: طيب الوصول إلى بيروت يعني كان هناك احتلال ودبابات إسرائيلية؟
صبحي الطفيلي: لا الإيرانيون ما وصلوا إلى بيروت الإيرانيون ما كان دورهم في البداية في بداية الفكرة، فكرة قدوم الإيرانيين إلى لبنان كانت الحرب لازالت قائمة فقرروا إرسال جنود لكن تعرف أنت خلال أسبوع انتهت المواجهات بين الجيش السوري وبين الإسرائيليين.
سامي كليب: صحيح.
صبحي الطفيلي: نعم بقيت بقي القتال في بيروت وصارت بيروت منقطعة عن باقي المناطق فحين وصل الإيرانيون إلى البقاع كانت الجبهة في البقاع متوقفة وبدا وجودهم غير عملي يعني لهذا انسحب جزء كبير منهم ورجع إلى إيران وبقي جزء بسيط منهم للعب دور دعم والتدريب للراغبين في قتال العدو الإسرائيلي.
سامي كليب: يعني بفهم من حضرتك أنه في البداية جاءت أعداد كبيرة للقتال؟
صبحي الطفيلي: نعم جاء بآلاف.
سامي كليب: بآلاف لا يزالون حتى اليوم يدعمون حزب الله؟
صبحي الطفيلي: لا، لا منذ زمن بعيد هما رحلوا منذ زمن بعيد يعني حتى الكثير من الاختصاصيين والمدربين أعتقد أن كما ما تعرف أنت اللبنانيون ليس بحاجة إلى مدربين مفترض هذه الفترة فترة وجيزة وبعدين تصبح الجبهة مستغنية بالمدربين المحليين.
سامي كليب: أستشهد منهم أشخاص؟(1/236)
صبحي الطفيلي: بالقصف الإسرائيلي على جل المنطقة اللي كان فيها التدريب في حينها نعم استشهد حوالي 16 واحد وفي فترات لاحقة سقط بعض الشهداء حينما كانت تستهدف مناطق التدريب وبدأنا في البداية قلنا تدريب الناس قبل أن نؤسس أي تشكيلات سياسية قبل أن نؤسس أي تشكيلات سياسية بعدين بدأنا نفكر كيف نبني الهرم، عادة الناس تبني من فوق المؤسسات نحنا بنينا من تحت بنينا قاعدة بعدين صرنا نشوف إنه بحاجة إلى مكتب سياسي خلينا نسوي مكتب سياسي بحاجة إلى مكتب إعلامي خلينا نسوي مكتب إعلامي والله بحاجة إلى أن يكون لدينا شورى تعالوا نسوي شورى وهلم جرا.
سامي كليب: ويبدوا أن هذا البدء بهذه الخطوات السياسية فيما بعد هي التي دفعت أيضا الإمام الخميني إلى الاهتمام مباشرة بالحركة الإسلامية في لبنان وفق ما قرأت؟
صبحي الطفيلي: الإنجازات اللي تحققت يعني في لبنان تحققت إنجازات كبيرة يعني الهزيمة الأميركية في لبنان والسريعة ارتباك العدو الإسرائيلي سقوط النظام اللبناني اللي لعب في شباب حزب الله والمقاومة الإسلامية دور أساسي طبعا هناك أطراف أخرى لعبت دورا مهما لكن كذلك المقاومة الإسلامية لعبت دور أساسي كبير خلى هناك إحساس وشعور لدى الأمام الخميني وغيره من المسؤولين في إيران أن هذه أرض خصبة الاهتمام بها لا يذهب عبثا بل هو منتج..
سامي كليب: طب شيخ صبحي طفيلي يعني طبعا أنا أقدر كل الظروف الأمنية وأن لم تشاء أن تجيب على بعض الأسئلة أترك لك الحرية ولكن آنذاك طبعا فجر مقر المارينز الأميركي فجر مقر المظليين الفرنسيين حصلت عمليات كثيرة ضد غربيين في لبنان مثل هذه القرارات كيف كانت تتخذ يعني كانت تتخذ محليا في لبنان أم تنسق أمنيا أيضا مع إيران وما إلى ذلك؟(1/237)
صبحي الطفيلي: أولا خلينا نكون واضحين أنا لا أهرب من الحقيقة نحن دعونا لقتال الأميركيين في لبنان ونحن ضد الأميركيين وإذا جاء الأميركيون إلى لبنان اليوم أنا أول من يقاتل بل أن أدعو إلى قتال الأميركيين في العراق وفي أفغانستان طبيعي حقي أن أدافع عن أهلي عن بلدي عن أمتي عن المسلمين لو كنت أنا من فجر المارينز سأقول لك أنا فجرت المارينز لكن أنا لا أحب أن أسرق جهود ودماء الآخرين نحن نعم شاركنا في قتال الأميركيين هناك أميركيون قتلوا في لبنان من الجيش الأميركي طبعا قتلوا في لبنان بأوامر منا يعني كنا طلبنا من شبابنا قتال الأميركيين لكن مسألة المارينز يعني تفجير مقر المارينز أتمني أن يكون لنا شرف ذلك لكن للأسف يعني هذا الشرف لم نوفق إليه.
سامي كليب: طب مين؟
صبحي الطفيلي: في ناس أكيد في ناس هما اللي نفذوا هما اللي مارسوا هما اللي استشهدوا هما اللي لهم حق أن يعلنوا عن أنفسهم ليس لي الحق أن أعلن أنا من هم.
سامي كليب: يعني كما قلت لك شيخ صبحي طفيلي أترك لك الموضوع الأمني لتصرفك ولكن هل هم مثلا من رجال الحركة الإسلامية في لبنان من تيار إسلامي أخر؟
صبحي الطفيلي: هم لبنانيون أغضبهم الاحتلال للبنان وجدوا من واجبهم أن يفعلوا شيئا وشاركوا وكانت جزء من مشاركتهم هذه المشاركة.
سامي كليب: وليس من حزب الله إذاً؟
صبحي الطفيلي: نعم لسنا مسؤولين عن هذا الفعل لم نأمر أحدا بتنفيذ هذه العملية، لو أمرنا كنت لأفتخر أمامك وقلنا نحن ضربنا عملنا لأنه يومها كانت القاصمة للأميركيين.
سامي كليب: ولا المظليين الفرنسيين؟
صبحي الطفيلي: هي مع بعضهم الاثنين قلنا مع بعضهم.
سامي كليب: أه صحيح عملية خطف الأجانب؟
صبحي الطفيلي: هنا نحن ضدها، ضدها بامتياز من بدايتها وسأذكر هنا لك بعض التفاصيل.
سامي كليب: تفضل.(1/238)
صبحي الطفيلي: أذكر في البداية أن بداية خطف، خطف رهائن اعتبرنا أن هذا يسيء إلى الإسلام ويسيء إلى شيبة الإمام الخميني ويعطي صورة مشوهة ونحن بحاجة أن الشعوب تنظر إلينا وتنظر للإمام الخميني من موقع الطهارة والقدسية لا من موقع خطف واختطاف وبيع جثث وما شابه ذلك، لهذا طرحنا موضوع ضرورة الخروج من هذا المأزق طبعا نحن كحزب الله عم بتحدث يعني ذلك أن الخاطفين ليس لهم علاقة بنا وإلا أمرناهم الخاطفون أناس آخرون كنا نسعى طبعا هم كانوا يستفيدون من مناخنا كانوا يستفيدون من وجود الحالة الإسلامية وما شابه ذلك أي عمل أمني يريد أن يستفيد من مناخات معينة، هنا أذكر بدقة أن القيادة السورية كانت أيضا تعمل جاهدة على إطلاق سراح هؤلاء وكانت تتصل بنا وكان هناك ضابط ارتباط سوري بيني وبين القيادة السورية ينسق الجهود أو يعني يتابع في هذا الأمر بعد جهود مضنية انتزعنا موافقة على إطلاق سراح المخطوفين خلال أسبوع..
سامي كليب: طب وين كان وعند مين؟
صبحي الطفيلي: من بعض الناس معروفين الأميركان بيعرفوا عند مين كانوا.
سامي كليب: بس تابعين لتنظيم سياسي معين يعني؟(1/239)
صبحي الطفيلي: مؤسسة يومها كان في كثير من الشلل ومؤسسات صغيرة عشرة أنفار عشرين نفر كذا ويجدون من يدعهم هذه مسألة معروفة في لبنان، انتزعنا موافقة في حينها أنه خلال أسبوع يطلق سراح الأجانب جاءني الضابط السوري أنا ما أحببت أن أقول له خلال أسبوع قلت ربما لم يصدقوا أو ربما هناك عراقيل لا داعي أن ألزم نفسي بأسبوع قلت أنا أقول شهر قلت له إنشاء الله من هنا إلى شهر الأمور يعني هكذا أعطينا جوابا أنا لا أريد أن أقول أن السوري كان يصدق أنه ليس لنا علاقة ليس لديه دليل أن يصدق، المهم الملفت أن بعد ذلك بفترة أيام وجيزة يعني من بعد ما أبلغت أنا هذا الضابط السوري وأبلغ قيادته شيء طبيعي مفترض القيادة تكون أبلغت يعني ما عندي معلومات بس أنا أقول شيء طبيعي المفترض القيادة السورية تكون أبلغت الأميركان تقول أنه أخذنا وعدا أو كلاما خلال فترة وجيزة سوف يطلق السراح، دخل الأميركيون على الخط واتصلوا بالإيرانيين ووعدوهم بمعدات عسكرية مهمة جدا لمعركتهم مع صدام وكان الإيرانيون بحاجة جدا لبعض قطع الغيار وما شابه ذلك في مقابل رهينة، بعض الإيرانيين اعتبروا أن هذه مسألة جدا مهمة لما تذهب بلاش..
سامي كليب: تبنوها؟
صبحي الطفيلي: فأنا أفسر أن الأميركي كان لا يريد إطلاق الرهائن وإلا لولا هذا الاتصال كان الرهائن أطلقوا بسهولة حينما عرض الأميركي مغريات لجبهة عسكرية مفتوحة ودماء وأوضاع متأزمة الإنسان بيكون عم يقاتل في وضع صعب يتشبث بالطحلب فإذا في إمكانية أن استفيد من هذه الرهائن من خلال إعطائهم رهينة وأخذ بعض المعدات من هنا بدأت تتطور سلبية فأنا أقول بصراحة أن الأميركي هو لم يرغب بإطلاق سراح الرهائن كان يعتبرهم مكسب لتشويه الصورة إعلاميا لمد قنوات لفعل كثير من الأمور معروفة على المستوى الأمني وهذا تبين لاحقا حينما بدأت المفاوضات مع الإسرائيليين لإطلاق هؤلاء الرهائن..(1/240)
سامي كليب: تقول أنه ربما الأميركيون يعرفون من الذي خطف تماما حضرتك يعني يبدو لي أنك تعرف من هو الطرف وتفاوضت معه الدليل ولكن الأميركي يقول أيضا ولا أدري أن كنت سمعت بأحد مسؤولي (CIA) سابقا في لبنان هو روبيرت بيير وضع كتابين وفي أحد كتبه تحدث عن مطول عن موضوع لبنان قال عمليا أنه حزب الله هو الذي خطف وسمى يسمي دائما هو شخص اسمه عماد مغنية أنه وراء العديد من العمليات التي نفذت ضد الأميركيين وهنا السؤال يعني هل فعلا عماد مغنية هو أحد أطراف حزب كان آنذاك وقام بهذه..
صبحي الطفيلي: أولا من قام هذا موضوع أخر أما عماد مغنية كان له علاقة بحزب الله يعني عماد مغنية لم يكن له علاقة بحزب الله حتى ما بعد التسعين ربما لاحقا انتسب لحزب الله أو لا موضوع أخر أما أنه خلال هذه الفترة الطويلة هو ليس له علاقة بحزب الله.
سامي كليب: مر اليوم حوالي عشرين عاما على هذه القضية ما الذي يمنعك اليوم من تسمية طرف الذي خطف آنذاك مسألة أمنية؟
صبحي الطفيلي: ولماذا أقدم خدمات للأميركيين يعني حتى ندخل الجنة بها يعني؟
سامي كليب: أنا احترم رأيك، آنذاك شيخ صبحي طفيلي قلت في حديث لصحيفة السفير اللبنانية في 24 تشرين الأول 1985 حددت من هم أعداء حزب الله وقلت الأتي أن أميركا بالدرجة الأولي هي العدو الأساسي لأنها دائرة الشر وقائدة الطغيان والفساد والكفر وقلت أيضا أنه أولى مهامنا هي مواجهة هذا الفرعون الجديد ومواجهة الصهيونية هل لازلت عند رأيك؟
صبحي الطفيلي: أكيد والأيام هذه والأحداث هذه التي نشاهدها في هذه الأيام تثبت هذا الأمر الذي تحدثنا عنه منذ عقدين تقريبا..(1/241)
سامي كليب: اللافت أيضا يعني طبعا نحن نعود ما يقارب العشرين عام إلى الخلف أنه قلت أيضا في نفس الحديث أنه مسيحيي لبنان هم رأس حربة العالم المسيحي أي جزء من أمة غير الأمة التي يسكنون فيها ووجهت طبعا انتقادات قوية جدا ضد ما كان يسمي آنذاك بالمارونية السياسة هل أيضا لازلت عند هذه القناعة اليوم؟
صبحي الطفيلي: لا، التعميم ما بعرف كأنه دقيق أو لا فإذا كان في تعميم بيكون غير دقيق الغرب..
سامي كليب: لا عفوا بس الكلام يعني موجود في أحد التصريحات.
صبحي الطفيلي: نعم أنا لم أنفي الكلام أنا قلت تعميم كل المسيحيين ما بعرف كأنه ورد عندك كل المسيحيين؟
سامي كليب: لا إن مسيحيي لبنان هم رأس الحربة.
صبحي الطفيلي: أه خليني أكون واضح لك، الغرب خلال أطوار التاريخ الماضي حاولوا أن يستخدموا نصارى لبنان رأس حربة بعض نصارى لبنان كانوا يتجاوبون مع هذه الرغبات وهذا التجاوب كان يضيق ويتسع على حسب المد والجذر في هذه المسألة، من هنا دعوتي كانت دائما لمسيحيي لبنان تعالوا لنقطع الصلة صلة النوع من العلاقة مع الآخرين حتى نتعايش ونشكل بلد واحد، لا يمكن لي أن أتعايش معك أنت مواطني وأنا مواطن لك في الوقت اللي أنا أذني تسمع صوتا لمن يريد أن يغزو بلدي وأنا أسهل له هذا الغزو.
سامي كليب: سؤال عن السيد محمد حسين فضل الله يعني قدم غالبا ما قدم على أنه المرشد الروحي كما كنت تسمع ونسمع لحزب الله، إلى أي مدي كان للسيد محمد حسين فضل الله فعلا هذه الصفة حين كنت زعيما للحزب؟
صبحي الطفيلي: سماحة السيد أخ أحترمه وأجله كثيرا وهو مجاهد ومن أبرز العاملين في لبنان والمبلغين له أيادي بيضاء على جل اللبنانيين وعلى غير اللبنانيين أيضا هو لم يكن له أي موقع لا مرشد ولا غير مرشد في دائرة حزب الله لا قديما ولا حديثا وهذا لا ينقص من شأنه شيئا.(1/242)
سامي كليب: عند هذا الحد توقف حديثنا مع الشيخ صبحي طفيلي للحلقة الأولى وشربنا معه الشاي البقاعي في منزل صديقه على أمل أن يطلعنا في الحلقة المقبلة على أسباب خلافه مع حركة أمل الشيعية واتهامه إيران بأنها عدوة التشيع في العالم وصولا إلى موقفه من شيعة العراق، فإلي اللقاء في الأسبوع المقبل.
حزب الله اليوم والأمس .. مقابلة مع صبحي الطفيلي ج2
قناة الجزيرة - زيارة خاصة : 30/7/2004م
سامي كليب: مرحبا بكم أعزائي المشاهدين إلى حلقة جديدة من برنامج زيارة خاصة، نستكمل في هذه الحلقة الثانية حديث الذكريات مع الشيخ صبحي الطفيلي أول أمين عام لـ حزب الله اللبناني سوف يشرح لنا في هذه الحلقة خصوصا لماذا باتت إيران برأيه عدوة التشيع في العالم وما هو موقفه تحديدا من شيعة العراق لماذا يتهم بعضهم بالعمالة لأميركا؟ الشيخ صبحي الطفيلي في هذه الحلقة الثانية والأخيرة من برنامج زيارة خاصة.
سبب الصدام مع حركة أمل الشيعية
تماما كما في الحلقة الأولى كذلك في هذه الحلقة الثانية مع الشيخ صبحي الطفيلي مؤسس حزب الله اللبناني جرى اللقاء في منزل أحد مؤيدي هذا الشيخ المُلاحَّق من قبل الدولة اللبنانية بتهمة تهديد أمن الدولة وقتل عسكريين وذلك حين قاد في منطقة بعلبك ثورته الشهيرة التي عُرِفت بثورة الجياع وهو لم يبرئ إيران والقيادة الحالية لحزب الله من الضغط لإلغاء دوره وبعد أن اتهم في الحلقة الماضية حزب الله بأنه بات حاميا لحدود إسرائيل سنرى في هذه الحلقة طبيعة موقفه من إيران وشيعة العراق ولكن في البداية نعود في حديثنا مع الشيخ صبحي الطفيلي إلى سبب صدامه السابق مع حركة أمل الشيعية التي كانت تتقاسم مع حزبه النفوذ في معظم المناطق الشيعية اللبنانية.(1/243)
صبحي الطفيلي: طبعا كان يسقط لنا قتلى تحرشات هنا وهناك إطلاق نار على مسجد على حسينية على كذا، أذكر كنت في بيروت قبل الحرب التي دارت بين أمل وحزب الله جاءني بعض شبابنا من الجنوب تصدت لهم بعض العناصر على جسر القاسمية كان عندنا أذكر مسيرة مظاهرة احتفال ما بصور وبعض الناس نازلين من بيروت ومن النبطية وعلى جسر القاسمية وقعت إصابات فيهم كثيرة فجاءني بعضهم ولا زالت الدماء عليه يصرخ في وجهي إلى متى تمنعونا من الدفاع عن أنفسنا؟ أنتم خونة، طبعا هو حقه غاضب مجروح إخوانه تمزقت أجسادهم قلت له لن أسمح أذكر هذا لن أسمح بالقتال الداخلي لن تسمعوا مني كلمة تمنحكم فرصة الدفاع عن أنفسكم وأنا حي هذا أمر لا تفكروا فيه وفعلا صبرنا وصبر مفيد وصبر صح إلى النهاية هذه كانت قناعتنا، كنت أدرك أن هناك رغبة من بعض الأطراف ممكن في أوساط حركة أمل ترغب فتح شر ممكن توقف هذا الزحف كان هناك بعض الأطراف فوجئنا نحن وهنا يعني مسائل جدا مهمة يأتي وقتها نتحدث عنها ليس الآن، هناك بعض الأطراف دخلت على الخط وأدخلت حزب الله في معركة ضد أمل يعني أمل مهيأة أُرغِمنا على الدخول في معركة مع أمل أرغمنا.
سامي كليب: يعني لو كنت أنا مكان أي مشاهد سيفهم أنه هناك عملاء داخل حزب الله دفعوا الحزب للحرب ضد أمل.
صبحي الطفيلي: هناك أطراف أنا أقول هناك أطراف لا أرى من المصلحة ذكر الأسماء والأدوار اليوم لا أرى من المصلحة ذكر الأسماء والأدوار وليسوا خفيين وكل الناس يعرفوهم وهم كانوا على رأس يعني أحدهم قال لبعض أصحابنا إذا لا تشاركون في القتال أنا أستأجر أكراد للقتال، استطعت أن أنهي النزاع الشيعي الشيعي بين أمل وحزب الله فرضت وأقول فرضت وبوضوح صُلحا يلتزم به الجميع أطلقت المقاومة من جديد اللي حررت جنوب لبنان وأسست لعلاقات شيعية بين أمل وحزب الله لا زالت تعيش إلى اليوم.(1/244)
سامي كليب: طيب تقول إنك استطعت ونجحتم إلى ذلك لا شك إنه كان دورك كبير ولكن نلاحظ آنذاك أيضا إنه العامل الإيراني ساهم بدرجة كبيرة يعني وجاء مبعوثون من قِبل الدولة الإيرانية الجمهورية الإسلامية وذهب نبيه بري أيضا إلى إيران يعني إيران دخلت بكل ثقلها من أجل تصحيح هذا الخلل هل كان دور إيجابي آنذاك؟
صبحي الطفيلي: لا أنا عم بأتحدث عن دوري أنا كان دوري أساسي في تلك الفترة باعتبار أنا على رأس الحزب..
سامي كليب [مقاطعاً]: ولكن ليس الوحيد.
صبحي الطفيلي [متابعاً]: أما السوريين كان لهم دور كبير أنا كان همي الخروج من الحرب، أذكر دعانا الرئيس حافظ الأسد إبان المشكل قِيل لي بأنه الرئيس حافظ الأسد يريد أن يراكم ذهبنا إلى دمشق..
سامي كليب: هذه بالفترة التي جاء فيها محمد علي بشارة الدكتور الإيراني ولا؟
صبحي الطفيلي: لا قبل ذلك ومن هناك ذهبنا إلى كان هو على الساحل باتجاه اللاذقية مع اللواء علي دوبك أظن والتقينا الرئيس هناك، في حينها..
سامي كليب: حضرتك والأستاذ نبيه بري؟
صبحي الطفيلي: لا نحن..
سامي كليب: حزب.(1/245)
صبحي الطفيلي: كحزب والرئيس حافظ الأسد وكان اللواء علي دوبك، أذكر في حديثي معه هو قال لنا أثناء الحديث إنه أنا أسست أمل وهو كانت في ذهني أحسست أن في ذهنه إشكالات يعني حول بعض ممارستنا وفعلا كانت بعض ممارستنا لا تُفهَّم يعني يحق له أن يسأل أو يتساءل فكنت في صدد الحقيقة وللإنصاف هو توفى الآن ونحن أنا لست أمين عام حزب الله ولا شيء لكن للإنصاف أنا كنت أرغب أن أعطيه حقيقة ما نؤمن به لأنه فعلا هكذا نؤمن قلت له لا تنافي بيننا وبين أمل في لبنان ما فيه تنافي يعني ليس هناك تنافس على أمر حتى نقتتل عليه أو نتصارع دونه أو نتغالب عليه، أمل هي لا تطرح نفسها على أساس أنها هي المقاومة، أمل هي الممثل نحن في لبنان شئنا أم أبينا ممثلين للشيعة ممثلين للسُنة ممثلين للموارنة في الحكومة هي تستلم التمثيل الشيعي في النظام..
سامي كليب: ولكنها كانت مقاومة أيضا.
صبحي الطفيلي: ليس بمفهومنا نحن للمقاومة..
سامي كليب [مقاطعاً]: يعني شيخ صبحي طفيلي اسمح لي بس بالمقاطعة يعني نتذكر نحن المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس نبيه البري على ظهر الدبابات الإسرائيلية التي سيطر عليها مقاتلو حركة أمل يعني كانت مقاومة واضحة آنذاك.
صبحي الطفيلي: لا أريد أن أدخل بتنافس مع أحد يعني الأستاذ نبيه بري ما طرح يوما أنه هو مقاومة لتحرير القدس، شاركت أمل بالمقاومة سقط لها الكثير من الشهداء.
سامي كليب: يعني حتى اسمها أفواج المقاومة اللبنانية.
صبحي الطفيلي: أمل بشكل أساسي هي الجناح الذي يمثل الشيعة في السلطة، نحن ليس عندنا هواية أن نكون في السلطة.
سامي كليب: هذا قبل دخول حزب الله إلى البرلمان؟(1/246)
صبحي الطفيلي: نعم نحن أولاً مقاومة ثم نحن في الشأن الداخلي معارضة ويعني لن ننافس أمل على وزارة لن ننافس أمل على إدارة لن ننافس أمل على مناصب لهذا ولابد أن يكون في لبنان من يشارك في السلطة، نحن بالداخل معارضة ونحن مع العدو الإسرائيلي مقاومة وأذكر في حينها..
سامي كليب: لا فقط بالعودة إلى كلام الرئيس الأسد بعد أن شرحت له موقف حقيقة حزب الله ماذا كان رده؟
صبحي الطفيلي: فعلا أساريره تغيرت أذكر جيدا وأحسست أن هناك مشكل زال من ذهنه وقال للواء علي يا علي روح نفذ شوف الشباب يقصد الشباب يعني اللجنة السورية المتابعة للوضع في لبنان روح ونفذه خرجت من عند الرئيس الأسد وأنا مطمأن أن يعني الرئيس خلينا نقول بدقة الرئيس بات مطمأن لنا أكثر يفهمنا أكثر واثق منا أكثر هذا الذي خرجت فيه من سوريا.
سامي كليب: كانت بداية المبايعة لسوريا بدل إيران آنذاك؟
صبحي الطفيلي: لا كان فيه مشكل فيه دم في لبنان وأمل مدعومة من سوريا حزب الله مدعوم من إيران ونحن نتذابح في الداخل وأريد أنا حقيقة أن أوصل قناعتي إلى سوريا أني لست ضدكم وليس حزب الله ضدكم وليس حزب الله ضد أمل بل بالعكس هناك أبواب واسعة للتعاون والتفاهم هذا ما أريد أن أوصله ليست مسألة مبايعات وغير مبايعات نحن لا نبايع إلا الله نحن مع إيران ومع الإمام الخميني، أي إنسان أمشي معه يجمعني وإياه الفكرة لا تجمعني وإياه التبعية أبدا ولا أقبل أن أكون تابعا لمخلوق.
سامي كليب: ولكن يقال إنه الحزب لم يكن قادرا على تنفيذ أي عملية دون استشارة مسبقة من سوريا؟
صبحي الطفيلي: ليس صحيح ليس صحيح أبدا.
سامي كليب: حتى البعض يتحدث إنه كانت تُطرح لوائح الأسلحة التي ستستخدم أيضا؟
صبحي الطفيلي: في زماننا لا.
سامي كليب: في الوقت الحالي؟
صبحي الطفيلي: اسأل الآخرين.(1/247)
سامي كليب: لكن تصريحات عديدة على مأساويتها طبعا ولكنها في بعض المرات تدعو إلى الابتسام مثلا وصفك للرئيس نبيه بري بأنه ديك والباقون دجاج يعني.
صبحي الطفيلي: مليح عم بمدحه.
سامي كليب: بس من كنت تقصد بالدجاج؟
صبحي الطفيلي: والله ناسي بأي مناسبة هذا الكلام.
انتقادات لاذعة لدور إيران
سامي كليب: الشيخ صبحي طفيلي نسي مناسبة هذه الكلام عن خصمه السابق ورئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري أو ربما يريد تناسي ذلك وفي الحالتين لم يعد للأمر أهمية اليوم فالأهم هي علاقة شيعة لبنان بإيران والعراق والشيخ صبحي الطفيلي الذي كان الحليف الأبرز لإيران في لبنان خلال توليه زعامة حزب الله بات اليوم يناصرها العداء وينتقد دورها بشكل لاذع أكان في أفغانستان أم لبنان أو العراق.
صبحي الطفيلي: الإيرانيون في أفغانستان ماذا كان دورهم؟ هم يقولون يطالبون الأميركان أن يُعطى دور للإيرانيين في العراق كما أعطي دور لهم في أفغانستان وإنه هذا نسقنا وترتبت الأمور في أفغانستان تعالوا لنفعل الشيء نفسه في العراق هذا ليس كلامي هذا كلام المسؤولين الإيرانيين، أميركا ماذا تريد؟ من هي أميركا؟ لماذا جاءت للعراق؟ قالوا أنه فيه أسلحة وهم يعرفون ما فيه أسلحة وكانوا يتسابقون مع الأمم المتحدة قبل أن تعلن الأمم المتحدة إنه ما فيه أسلحة قالوا له علاقات بابن لادن ليس له علاقات بابن لادن أنا لا أدافع عن صدام، صدام أساسا هو حشرة أميركية..
سامي كليب [مقاطعاً]: سنتحدث شيخ صبحي طفيلي مطولا عن الشأن العراقي فقط سؤال عن موضوع إيران.(1/248)
صبحي الطفيلي: لا هنا أنا أريد.. أنا استطلت في هذا الأمر لأقول أن الأميركي لم يأت للمنطقة لا لديمقراطية ولا لحقوق الإنسان ولا للعدالة ولا لأنصاف ولا لمحاربة إرهاب جاء محتلا غازيا مستبيحا آكلا لكل شيء، أنت الإيراني تقول لهذا أن تعالى نتعاون ما هو دورك؟ منسق تتوسل بالغازي تعالي أصير في خدمتك، هذا الدور لا يمكن لعاقل أن يقبل به ولا بأي وجه من الوجوه، طبعا ما كان ليكون حزب الله في جنوب لبنان حاميا للحدود لولا الموقف الإيراني أيضا.
سامي كليب: لا طبعا نحن نسألك عن إيران شيخ صبحي الطفيلي نظرا لعلاقتك الوطيدة سابقا بإيران ما الذي تغير إذاً بإيران حتى تصبح منسق الشؤون الأميركية تغير النظام؟
صبحي الطفيلي: في أيام الأمام الخميني طيب الله نفسه الطاهرة إيران كانت تدافع عن المستضعفين في العالم إيران كانت تدافع عن المظلومين الأمام الخميني ما كان يروح واحد إلى إيران إلا ويقول له دافع عن شعبك أنصر أهلك قف في وجه الظالم اليوم ليس كذلك، أنا كنت أتمنى لو أن المجتمع الإسلامي العالم الإسلامي في أيام الأمام الخميني ما أنصاع وطاع وسمع لأميركا للأسف الشديد أميركا استطاعت أن تجيش صدام وجيوش العراق وأموال الخليج وأبواق الدعاية وحتى اللحى والعمائم تحت (كلمة غير مفهومة) سُنة شيعة لمحاربة صوت يدافع عن الإسلام، أنا أتذكر اليوم ما يحاوله الأميركان من خلال الشيعة يريد أن الأميركي يريد أن يجعل الشيعة في إطار مشروعه يخدمون مشروعه أن هناك تيار أصولي سُني وإنتوا شيعة ليس لكم علاقة تعالوا نتعاون كما فعلوا بالثمانينات أن هناك تيار شيعي أصولي خطر على المنطقة تعالوا نتعاون نحن الأميركان وأنتم في المنطقة للقضاء على هذا التيار وسمع الكثيرون من غير المسؤولين السياسيين هذا الصوت النشاز الأميركي وانصاعوا له للأسف الشديد..
سامي كليب: من يعني.. ما الذي تغير في إيران؟(1/249)
صبحي الطفيلي: أذكر لك مسألة نحن كان عندنا إجماع في شورى حزب الله عام 1992 أن لا ندخل في الانتخابات النيابية درسنا الموضوع وجدنا أنه نحن من مصلحتنا ألا نشارك في هذه الانتخابات ضمن قواعد تفكيرنا وكنا في جلسة موجودين أحد شباب الأعضاء الأساسيين في الحزب عم بيتحدث ضمن هذا التوجه إنه نحن لن ندخل هذا كذا تعرف يوجه الكلام أنه ليس من مصلحتنا المشاركة قال له إيراني في المجلس لكن رأي فلان الإيراني ليس كذلك أن رأيه مشارك رأسا هذا المسؤول اللبناني مائة وثمانين درجة غير وبدأ يتحدث عن ضرورة المشاركة وهنا كانت كالصاعقة على رأسي أنت لست دمية يا ولد لما تقبل لنفسك أن تكون دمية من يكون هذا الإيراني هذا الإيراني ما شأنه؟ أنت تطيع القرار الذي أُتخِذ حتى سألت أحدهم وأحدهم كبير جدا قلت له لما غيرت وبدلت بتعبيرنا اللبناني حدا دعس على إيجرك قال إيه نعم دعسوا على إجري، أنا مشكلتي لا أقبل أن أحد يفرض هكذا يعني موقعه يسمح له أن يفرض هذا لأسباب.
سامي كليب: رابين قال عنك تصريح لمسؤول إيراني آنذاك إنه قلت له حين تكون مصلحتكم وقناعتي على نقيض أختار قناعي ولا أقبل أن أصبح عميلا.
صبحي الطفيلي: أكيد أنا لا أقبل أن أكون عميلا لأحد أنا مع الإيرانيين شريك ومع السوري شريك ومع اللبناني شريك قضية أنا لا أقبل أن تُملئ عليا أشياء خارج دائرة قناعتي هاي حياتي أنا لا أريد أن أعبث بها.
سامي كليب: طيب بمعني آخر أنه إيران هي التي ضغطت على حزب الله ليتلبنن ليصبح أكثر عقلانية؟
صبحي الطفيلي: نعم أكثر.. لا عاقل كان حزب الله ليصبح أقل عقلانية ليصبح يعني أقل نقاء.
سامي كليب: شيخ صبحي في الموضوع الإيراني أنت قلت في حديث لصحيفة الشرق الأوسط على ما اعتقد إنه إيران باتت أيضا خطرا على التشيع في العالم؟(1/250)
صبحي الطفيلي: هذا قلته قبل تفجيرات كربلاء قبل تفجيرات الكاظمية وأتمنى أن يسمعني الشيعي والسُني بعالمنا لأنه نحن في مأساة العالم الإسلامي في مأساة وعلى كل عاقل أن يفكر مليا كيف يمكن لنا أن نُخرِج أمتنا وبلادنا من هذه المصيبة الكبيرة، اليوم هناك محاولة أميركية لأن يلعب الشيعة دور لصالح أميركا في المنطقة وهناك جهات سُنية تراقب وتعتبر هذا الدور دور عمالة للكفر وجريمة ضد الإسلام وبالتالي الشيعة يلعبون دورا قذرا، هنقول الأمور بوضوح هذا الأمر قد يتفاقم ويصل إلى درجة يصبح قتل الشيعي وقتل الأميركي سيان عند شريحة واسعة من المسلمين ويصبح إذا صدق الناقلون وإن كنت أشك بذلك ويصبح أنه قتل الناس في كربلاء في يوم عاشوراء أو في الكاظمية أمر من ضروريات العمل لتحرير الأمة الإسلامية من الوجود الأميركي وهذه مصيبة هذه، أولا على المسؤولين الشيعة وعلى رأسهم إيران أن يبعدوا أنفسهم عن القطار الأميركي لأنه مثلا أعطيك فكرة في أفغانستان كان فيه شيعة كان فيه خمسة مليون ستة مليون كم سيبقى الأميركي في أفغانستان سيرحل في يوم من الأيام إذا رحل الأميركي عن أفغانستان وبأجواء أن الشيعي كان في خدمة الأميركي..
سامي كليب: سترتد عليه.
صبحي الطفيلي: ألا تعتقد أنهم سيبادون؟
سامي كليب: طبيعي.
صبحي الطفيلي: من يتحمل المسؤولية أليست السياسة الإيرانية وكذلك في الخليج وكذلك في الحجاز وكذلك في لبنان وكذلك في أي مكان يمكن في إيران شريحة شيعية واسعة يمكن أن تحمي نفسها لكن نحن في أصقاع الدنيا ليس كذلك ولا يعني هذا يجب علينا أن نمتنع عن العمل مع الأميركان خوفا على أنفسنا لا الأميركان أعداء الأمة أعداء الإسلام يجب على كل مسلم لأي فئة انتمى أن يدافع عن دينه وعن أمته وعن بلده يجب علينا أن نقاتل وبضراوة وبكل قوة الغزو الأميركي لعالمنا الإسلامي..
سامي كليب: طب اليوم قسم من الشيعة لا بأس به في العراق يقاتل الأميركيين.(1/251)
صبحي الطفيلي: هذه نعمة هذه رحمة هذه بركة أتمنى أن تتسع وأن تنتشر وتستوعب الجميع وألا يقف أحد ضدها لكن أنت تسمع أيضا البيانات من بعض الشيعة ضدها وتطويقها بل بعضهم دعا إلى خروجها من النجف وهذه مأساة، أميركي جاء من أقصى الدنيا يُسمح له بالوجود في العراق وعراقي نجفي يُطالب بالخروج من النجف لا إله إلا الله ما هذه المصيبة؟
سامي كليب: لا شك إنه العراقيين يسمعوك ويحضرون هذه الحلقة هل لك أن تعطينا بعض الأسماء التي تود الإشارة إليها بالبنان؟(1/252)
صبحي الطفيلي: أنا أقول بصراحة إيران تمسك بأكثر خيوط العمل السياسي العراقي الشيعي على إيران إذا كانت لا تستطيع أن تساعد العراقيين في الجهاد وتحرير بلادهم ألا تمنعهم عن هذا الفعل وألا تحول دون ذلك وأنا أستنكر شديد الاستنكار دعوة بعض المسؤولين الإيرانيين الأميركان للتعاون في العراق وأعتبر هذا ضرب من ضروب العدوان على أمة المسلمين هذا أولى، على القيادات في النجف وفي غير النجف أقول وبصراحة مشروع التعاون مع الأميركان يا حالمين سيفشل وسيتبرأ كل منكم من دوره القذر الذي لطخ به جبينه في التعامل مع الأميركان من الآن اعلموا أن طريق المقاومة هو الطريق الباقي والمقاومون هم الباقون في العراق وعليه استدركوا والتحقوا بركب الجهاد والمجاهدين وقاتلوا الأميركيين وأنا متأكد وأنا أضمن لهم أيها العراقيون أن العراق يُحرر من الأميركيين خلال سنوات قليلة جدا أقصر مما تظنون، في لبنان لم يكن أحد يصدق أننا نستطيع أن نهزم الأميركيين أذكر كنت أقول لبعض شبابنا إذا قُتل بضعة أنفار من الأميركيين سيفرون قولوا لإخواننا في بيروت يكثروا الضغط على الأميركيين كانت المنطقة مقطوعة بالإسرائيليين أحدهم كان يبلغ بعض شبابنا من خلال الجبل هذا الكلام التقطه الأميركيون في حينها وقالوا أنه فيه أوامر تقول كذا وكذا وفعلا بعد فترة وجيزة هرب الأميركيون هربوا بكل معنى الكلمة بكل معنى الهروب ومن العراق سيهربون حتما سيهربون وحتما سنبني دولة محررة وبالمناسبة أنا لست يائسا ولست قانطا أنا مطمئن إلى أن فلسطين ستُحَرر أكيدا.
سامي كليب: طب خلينا في موضوع العراق.
صبحي الطفيلي: وسيُحَرر العراق أكيدا.
رأي الطفيلي في فصائل المقاومة العراقية(1/253)
سامي كليب: حين كنت أجري هذا الحوار مع الشيخ صبحي الطفيلي أحد قادة الطائفة الشيعية في لبنان حدثني الشيخ المؤسس لحزب الله اللبناني ونحن جالسين على الأريكة والسجادة العربيتين عن تاريخ شيعة المنطقة والعراق وعن سبب العلاقة الدينية والفقهية مع إيران وكان الحديث معه متزامنا مع الأسئلة المطروحة حول مصير بعض فصائل المقاومة العراقية التي يقودها الزعيم الشيعي الشاب السيد مقتدى الصدر تماما كما أن أسئلة غيرها كانت تدور حول الدور الحقيقي للزعيم الشيعي الآخر السيد علي السيستاني فسألت الشيخ صبحي الطفيلي أولا عن رأيه بمواقف السيستاني التي كانت سياسية أكثر مما دعمت المقاومة.
صبحي الطفيلي: أنصحه أن يبتعد عن الأميركيين وأنصحه أن يشجع العمل الجهادي ويمول العمل الجهادي ويدعم المجاهدين أنصحه لوجه الله.
سامي كليب: الصدر يقود المقاومة اليوم؟
صبحي الطفيلي: الصدر الحقيقة يعني هو صح معارض وله مواقف جريئة وشجاعة لكنه أُرغِم على الدخول في معركة عسكرية ولا أعتقد كان معدا نفسه لهذا الأمر وسألت بعض الناس قالوا نعم هو كذلك يعني هو ما كان في هذا الوارد والأميركان بسياستهم أدخلوا الأمور في هذا المجال.
سامي كليب: هناك خطر كبير على بعض العتبات المقدسة على الأماكن المقدسة في العراق طبعا يعني هناك المركز الأساسي والثقل الأساسي للشيعة في العالم ما الذي يمنع رجال المقاومة اللبنانية من التوجه إلى العراق والدفاع عن هذه العتبات؟(1/254)
صبحي الطفيلي: يجب على المسلمين جميعا أن يواجهوا الغزو الأميركي في العراق وفي خارج العراق من يستطيع أن يدخل العراق عليه أن يدخل ومن يستطيع أن يواجه بالكلمة عليه أن يواجه بالكلمة من يستطيع أن يوجه بالموقف كذلك هنا حرب تحتاج إلى كل الإمكانيات تحتاج إلى كل الوظائف عسكرية وأمنية وإعلامية وثقافية وإلى النهاية وعلى الجميع من المُعمم في محرابه إلى المقاتل في معركته على الجميع أن يقوم بمهمته لتحرير العالم الإسلامي من الغزو الأميركي.
سامي كليب: حاولت أن ترسل رجالا إلى هناك؟
صبحي الطفيلي: للإنصاف أول شيء العراقيين ما بأعتقد إنهم بحاجة لرجال أساسا الإسرائيليين هنا يعني على بعد أمتار يعني لما تأخذ يدك إلى غير مكانها.
سامي كليب: طبعا الحالة الإسلامية في العالم اليوم تعيش مخاضا عسيرا حين نقول اليوم إسلام نقول إرهاب مباشرة أولا أود أن أسألك طبعا هذا الحديث يُجرى معك بعد فترات طويلة من الاعتداءات على الولايات المتحدة الأميركية أو الهجمات كما تسميها ما رأيك بشخص أسامة بن لادن؟
صبحي الطفيلي: أنا أكيد لا أعرفه وسمعت باسمه من خلال الحديث الإعلامي عنه فرجل أجهله لكن ما سمعته منه وهو يتحدث بوسائل الإعلام وخاصة من خلال قناتكم ليس في أفكاره شائبة أفكاره سليمة يعني ومنطلقاته إسلامية، هذا الذي أستطيع أن أقيم به هذا الرجل هذا المقدار أكثر من ذلك ليس عندي إطلاع.
سامي كليب: عمليات القاعدة أو التي تنسب إلى القاعدة.(1/255)
صبحي الطفيلي: طبعا إلى اليوم الأميركان رغم الضجيج ونسب الأمور إلى القاعدة في واشنطن وفي نيويورك إلى اليوم هي لم تقدم أحدا للمحكمة بهذا الشأن ومن قُدِم بُرِئ لهذا أستطيع أن أقول ما فيه إثبات هذا أولا، الأمر الثاني يعني يجب أن لا نخاف من الحقيقة يجب أن ننطق بالحقيقة الواضحة لا يرغمنا باطل أميركا على نسيان حقنا، عندنا بالشرع الشريف إجماع الفقهاء منذ العصر الأول للإسلام إلى يومنا هذا إذا هاجم غزا الكفر أو هاجم الكفار ديار المسلمين وتترسوا بأطفال المسلمين ونساء المسلمين يعني افترض دبابتنا أو دبابات العدو وضعوا عليها أطفالنا ونسوانا وصرنا بين خيارين إما أن نضرب فنصيب أهلنا ونقتل أطفالنا ونسائنا أو نمتنع فيحتلوا بلادنا يجب مو جائز يجب ضرب العدو حتى ولو قُتِل أطفال ونساء المسلمين، هذا فقه وليس فقه فقط يعني كل الشرائع الأرضية تسُن هذا أيضا حينما تدافع عن نفسك كذلك، نحن لم نذهب إلى أميركا نعتدي عليها أميركا ذهبت إلينا واعتدت علينا، من جاء باليهود من كل الدنيا وجعله في فلسطين يذبحون أطفالنا ويقتلون ويدمرون كل شيء؟ من سلّح صدام ليفتك بالمسلمين في إيران؟ من جاء إلى أفغانستان وذبح الناس في الصومال في السودان الحرب عشرين عاما في السودان من يسلّح جماعة الجنوب؟
سامي كليب: كان النهار قد انتصف ونحن نجري هذا الحوار مع الشيخ صبحي الطفيلي في البقاع والحديث مع مؤسسي حزب الله والقيادي الشيعي اللبناني استمر حول مائدة الغداء التي كانت مناسبة لحديثنا معه عن ثورة الجياع التي قادها قبل سنوات في منطقة بعلبك والتي انتهت بقطيعة وملاحقات من قِبَّل الدولة ضد الرجل الذي يرى أن بدفاعه عن حقوق المحرومين إنما يصحح خلل هذه الدولة، قام الشيخ الطفيلي بثورة الجياع الشهيرة معتبرا أن الحكومة تغرق لبنان بالديون منذ عام 1992 ووصل الأمر إلى ذروته عام 1997 فقامت الثورة وسقط القتلى ولُوحِق الشيخ المتمرد.(1/256)
صبحي الطفيلي: في حينها ما وجدت من المناسب أن أتفرد في هذا الأمر وقلت تفردي وكأنه يعني أنا أمين عام حزب الله سابق متفردا في هذا الأمر إذاً ماذا سيكون دور الحزب؟ قلت أحسن شيء خليني أطالب الحزب إن هو يقوم بالمهمة أفضل فقلت لهم وألحيت عليهم لفترة بالأخير أبلغوني أنه النواب سيتولون هذا الأمر وكنت أعلم أنهم لن يتولوا هذا الأمر لمعرفتي بالعقلية التي تدار بها الأمور لكن أيضا حتى لا يقال لم تصبر طويلا لم تمهل الناس إلى أن جاءت سنة 1997 وصار فيه ضغوط شديدة كل ما جئت إلى بعلبك كان باعتبار منطقتنا الأساسية في بعلبك كان تأتيني بعض الوفود وتضغط وبصراحة يقولون نحن طلبتم دما أعطينكم طلبتم شبابا أعطينكم صدقنا معكم لم نخنكم لما تخونونا لما تتخاذلون عنا لما بعتونا؟ أنا لست كذلك أنا لست ممن يخون أحدا نزلت إلى بيروت التقيت بالإيرانيين واللبنانيين تحدثت معهم مليا بالأخير أبلغتهم أنني قررت أن أتحرك ودعوت الناس إلى الحضور إلى المسجد وأبلغت قيادة حزب الله قلت لهم دعوت الناس للحضور اليوم الفلاني إما أن تذهبوا ولكم عليّ أن أكون في الباب وألا أخرج حتى لا يظن أحد أنني أسعى إلى مكان تحت الشمس وإما أن نذهب سويا ونتعاون وإما أن ننسق تبقوا أنتم وأنا اذهب فإن كان خيرا لكم وإن كان شرا أنا أتحمل قالوا انتظرنا نبلغك القرار بعد يومين أو ثلاثة أبلغوني بالحرف الواحد قالوا أذهب وحدك ونحن لسنا معك وسنعمل بمعنى ضدك.
سامي كليب: لأخرجك قليلا من الجواب الدبلوماسي قلت سابقا إنه إيران هي التي أعطت الضوء الأخضر.(1/257)
صبحي الطفيلي: هنا يعني ليس هناك في الدنيا غير إيران تستطيع أن تقول أنا اضمن لكم عدم ردة الفعل الشيعية افعلوا ما شئتم بل أكثر من ذلك هناك مسؤول سوري التقى مسؤولا إيرانيا قبل هذه الحادثة وكان المسؤول الإيراني يهدد بوقف الدعم للمقاومة وكأنه يريد أن يُحمِل السوريين مسؤولية ما جرى الحقيقة ليست كذلك المسؤولين السوريين ليس لهم علاقة بالأمر.
سامي كليب: طيب لماذا تشكل خطرا على إيران؟
صبحي الطفيلي: هم يعتقدوا أن الشريحة الشيعية ممكن أن أستقطبها أنا بتحركاتي وعليهم هذا دكانهم لا يريد أن يشاركهم فيه أحد عقلية الدكاكين ليست مسألة إنه يعني فقراء ومساكين وحق ومظلومين وناس شعب مسحوق أنت في لبنان تعرف أن الحد الأدنى ثلاثمائة ألف ليرة هذا لمن يستطيع أن يصل إلى الحد الأدنى.
اتهامات موجهة للطفيلي وقرار بالاعتقال
سامي كليب: حضرتك مُلاحَّق من قبل الدولة بتهمة الاعتداء على أمن الدولة والتسبب في قتل عسكريين ومدنيين بسبب طبعا ما حصل في خلال ثورة الجياع من الذي يحميك اليوم من الاعتقال سوريا؟
صبحي الطفيلي: أولا هذا القرار سياسي مقصود فيه إسكاتي إنه نحن نلاحق الناس نؤذي الناس إذا تابعت نشاطك وأنا لا أريد أن أؤذي أحدا أنا أريد أن أنفع الناس لا أريد أن أضرهم ومن هنا كان يعني سكوتي أنا لأني لا أريد أن أضر أحد..
سامي كليب: ولكن قرار الملاحقة قائم القرار القضائي يعني يمكن لأي سلطة أن تأتي وتنفذه ما الذي يحميك ومن الذي يحميك؟
صبحي الطفيلي: لا هم الموضوع ما هم يعرفوا أنني برئ ويعرفوا أنه ليس عليّ شيء ويعرفوا إنهم هم المجرمون لكن كل ما في الأمر هم يريدون إسكاتك فاستخدموا القوة والسلاح والرصاص والدمار لإسكاتك وهذا ما يريدون.
سامي كليب: حاولوا اعتقالك؟
صبحي الطفيلي: لا.(1/258)
سامي كليب: يقول لا ويدرك الشيخ صبحي الطفيلي أن قرار اعتقاله هو أمر سياسي كبير وأن الدولة اللبنانية لن تقدم عليه إلا بضوء أخضر سوري في منطقة بعلبك الخاضعة عمليا للنفوذ السوري أما بالنسبة لإيران التي رفعت يدها عن القضية بعد أن حاولت تهميش الشيخ صبحي الطفيلي فهي ربما لا تحبذ كثيرا اليوم تدخله في قضية دينية وفقهية حساسة جدا تتعلق بولاية الفقيه فبمعارضته الحالية لهذه الولاية إنما يعارض أيضا أن تكون إيران مرجعية للشيعة فالشيخ يعتبر اليوم أن ولاية الفقيه غير ملزمة.(1/259)
صبحي الطفيلي: لا مو بس ليست ملزمة لا الولاية للأمة وليست لشخص لا فقيه ولا غير فقيه ممكن أن يكون ممكن للأمة أن تختار فقيها ليتولى شؤونها وممكن أن تختار غيره الفقاهة أو عدم الفقاهة ليست الشرط في هذا الميدان أضف إلى أن الأمة قد تختار طريقة أخرى قد تختار رئاسة قد تختار وزارة قد تختار فقيها لخمس سنوات مو لطول العمر يعني ممكن الآن باعتبار الأمر أمر الأمة، الأمة تشخص مصلحتها أن يكون النظام رئاسي أو النظام برلماني مصلحتها أن تكون الولاية لعشر سنوات أو لخمس سنوات أو ما شابه ذلك ألا تتكرر ولاية الحاكم لمرتين أو لثلاث مرات هذا حسب.. طالما أنه أمر الأمة هذا نحن نتحدث فقه ونحن علينا أن نلتزم بحدود الشرع الشريف لا أن اخترع فقها من عندي واسميه إسلام لا ليس الأمر كذلك ومن هنا النظام مثلا في السعودية حينما يقال نظام إسلامي من أين هو؟ النظام وُجِد بالغلبة وبالقهر الأمة ما هو دورها في تعيين الحكام وفي عزلهم وما شابه ذلك؟ ولاية الفقيه ليس عليها دليل شرعي لا من القرآن ولا من السُنة وهي فكرة ظهرت متأخرة يعني في القرون الأخيرة في الوسط الشيعي وهي أقرب إلى البدعة منها إلى الاجتهاد لأنه حينما لا يكون لها أساس فقهي لا من القرآن ولا من غيره فكيف يمكن أن تسميه اجتهادا أضف إلى أنه القرآن الكريم والسُنة الشريفة توجه الأمور نحو صيغة أخرى وهي صيغة الشورى وأن الأمر للأمة، مسألة مهمة جدا أيضا حينما أراد الإمام الخميني أن يطبق أو أن يُسن النظام الإيراني ويجعل موقع لولاية الفقيه لم يجد صيغة إلا صيغة العودة للشعب من يُنصِب الفقيه في إيران اليوم بالقانون مجلس الخبراء مجلس الخبراء من ينصبه تنصبه انتخابات إذاً الأمر يعود للشعب الشعب يعين مجلس الخبراء ومجلس الخبراء يعين الولي الفقيه فإذاً القرار قرار للشعب وعليه من يعزل الفقيه المفترض يعزله مجلس الخبراء اللي هو وكيل عن الشعب فإذاً الشعب يعزل والشعب ينصب إذاً(1/260)
ولاية الفقيه ليس كما حتى بالقانون الإيراني ليس كما يُنظِر له بعض الفقهاء في اجتهاداتهم أنه تعيين من الإمام أو ما شابه ذلك لا القرار الأساسي حتى بالدستور الإيراني القرار الأساسي للشعب.
سامي كليب: اليوم يعترض الشيخ صبحي الطفيلي على ولاية الفقيه ولكن لماذا كان يقبلها حين كان الأمام الخميني بمثابة الفقيه الأول أو ليس في تعاطي قادة الشيعة اللبنانيين مع الأمام الراحل شيء يوحي وكأنهم رفعوه فعلا إلى مرتبة القداسة العليا؟
صبحي الطفيلي: لا استغفر الله هو رجل متدين وصادق مع نفسه ومع ربه ونحن نحترمه وكنا نعتبر أن له ولاية من هذا الباب من باب أنه إنسان صادق في خدمة الإسلام والمسلمين، مرة قال لي أحدهم في إبان وجود الأمام الخميني كنت أحاوره أحد العلماء قال أنا أقول لك أن الأمام الخميني سيصالح العدو الإسرائيلي قلت وأنت ستطيعه قلت أنا إذا كنت أطيعه لأنه يقاتل العدو الإسرائيلي أما حين يصالحه ولا أعتقد ذلك فلا أحترمه أنا أحترمه لأنه الصادق المخلص الأمين المجاهد المدافع عن الإسلام والمسلمين.
سامي كليب: من هو وريثه حاليا بإيران برأيك سياسيا يعني بمعنى طبعا السياسي وليس الروحي للكلمة؟
صبحي الطفيلي: الوريث القانوني هو الخامنئي باعتباره أنه هو القائم مكانه..
سامي كليب: أه طبعا عرفت قصدي بالمعنى المبدئي للكلمة يعني.
صبحي الطفيلي: أما من وريث الخط أنت تقول هكذا الحقيقة ليس هناك رجلا مشهورا يمكن أن يقال أنه هذا هو الوريث.
سامي كليب: بمن فيهم علي خامنئي؟
صبحي الطفيلي: بالتأكيد النهج الذي اعتمده السيد خامنئي غير النهج الذي أعتمده الأمام أكيد.
سامي كليب: حاليا طيب يعني طبعا سيسأل المشاهد إنه حضرتك تركت حزب الله البعض قال قلت البعض قال ضُغِط عليك وكذا ونحن نعرف إنك حضرتك أخذت القرار منعا لمزيد من التدهور في العلاقات الشيعية الشيعية أو لأسباب داخلية داخل الحزب يعني ما الذي دفعك إلى ترك حزب الله؟(1/261)
صبحي الطفيلي: أولا حزب الله، الله سماه حزبه أو حزب الله هو أولئك الذين ينتمون إلى الله فهذا الحزب لا يمكن لمسلم أن يستقيل منه.
سامي كليب: حركة أمل حاولت تغتالك لما كنت أمين عام الحزب؟
صبحي الطفيلي: صارت محاولة ما تبنوها محاولة يعني متواضعة لا تقصد شخصا وإنما تقصد كنا في طريق ما صارت محاولة لم يتبناها أحد.
سامي كليب: حضرتك حاولت تغتال نبيه بري رئيس حركة أمل؟
صبحي الطفيلي: لا بالعكس أنا خلصته مرة.
سامي كليب: كيف؟
صبحي الطفيلي: إبان الصراع بينا وبين أمل الشديد جاءني من همس في أذني أن سيارة تتجه وهي على بعد مئات الأمتار من مكان وجود نبيه وهناك دقائق بين أن تنفجر وتسحق من في المكان ومعهم نبيه، الحقيقة نحن ليس من مصلحتنا نحن نريد أن نوقف الدم لا نريد أن نكثر من سفك الدماء أسرعت بسرعة إلى وضع حد لهذا الموضوع وأمرت من كان على صلة مباشرة بالموضوع أن يرجع وأنقذته، أذكر أنه قال لي أنا ما كنت موجود أحدهم كان في مجلس مع نبيه ربما كان نبيه يعتب عليّ في بعض الأمور فقال له رجل من الإيرانيين قال أتعلم أن من أنقذك هو الشيخ الذي تعتب عليه يعني لولا الشيخ كنت أنت الآن مثلا ربما كنت في مكان آخر.
سامي كليب: شو كان رده؟
صبحي الطفيلي: بالتأكيد كان مرتاح.
سامي كليب: نبيه بري من على رأس حركة أمل ورئيس البرلمان اللبناني هل خدم الطائفة الشيعية في لبنان؟
صبحي الطفيلي: خدم أنصاره خدم أنصاره يعني هو ما حصل عليه من الدولة دفعه لأنصاره والوظائف لأنصاره بهذا المقدار خدمهم أينعم.(1/262)
سامي كليب: حين كنت اقرأ الوثائق حول تاريخ الشيخ صبحي الطفيلي وسيرته السياسية والدينية والأمنية وجدت كلاما كان قد قاله لزوجته قبل أكثر من ثلاثين عاما قال لها آنذاك إني لن أعدك بمنزل زوجي هانئ وإنما قد أقدم لكِ حياة شقاء وتشرد ولكني قلق من أن أموت على فراشي وأن يحرمني الله من الاستشهاد في سبيله ولعله كلما ركب في سيارته هذه وخلفه مرافقوه يدرك أنه قد لا يصل إلى منزله سالما حتى ولو أنه لم يحقق أمنيته بالشهادة.
********************
هل يحتل حزب الله الجنوب بعد تحريره ؟!
حسن صبرا
مجلة الشراع : 24-5-2004م(1/263)
في جلسة افتتاحية للمؤتمر القومي - الاسلامي الذي عقده ((مركز دراسات الوحدة العربية)) في بيروت عام 2000 يومها جلس امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الى يسار رئيس الحكومة يومها الدكتور سليم الحص، وكان نصر الله هو البطل الذي يقود رجاله لتحقيق نصر مبين على العدو الصهيوني ويخرجه من الاراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي يوم 24/5/2000. في هذه الجلسة كان السيد نصر الله نجماً ترنو اليه القلوب وتشرئب له الاعناق وتكاد عيون الحضور وكثيرون منهم قد تجاوزوا السبعين او الثمانين حولاً، تدمع وهي تراقب هذا الشاب العربي الذي حقق لهؤلاء جميعاً نصراً عزيزاً عصياً عاشوا العمر لتحقيقه بعد ان عاشوا الكرامة شباباً مع جمال عبد الناصر في صد العدوان الثلاثي وفي صمود بورسعيد وجلاء الاستعمارين البريطاني والفرنسي عن قناة السويس بعد تأميمها عام 1956، وشهدوا عصر الوحدة العربية وقيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا تحت قيادته عام 1958 وعاشوا ثورة الجزائر وانتصاراتها ثم استقلالها تحت قيادة احمد بن بلة، عام 1962، وعاشوا نهضة مصر وتقدمها العلمي والاقتصادي ومكانتها العالمية واقتربوا كثيراً من تحقيق مشروع حقيقي للوحدة والتقدم ونكاد نقول.. فلسطين عام 65 حتى كان عدوان 67 انتقاماً من كل هذه الانجازات وبطلها.. الذي صمد وخاض حرب الاستنزاف عامي 69 - 70 الى ان رحل البطل وكانت التداعيات شريطاً مأساوياً عاشوه الى ان شهدوا دور نصر الله ورجاله.. من جديد.. نجم الجلسة نصر الله تسلم منصة الكلام ليبدأه بإشادة بالرئيس سليم الحص اذهلت الحضور بما تضمنته من عواطف الكلام وبعده السياسي وهو يقول انه كان يمني النفس ان يأتي يوم يجلس فيه على يمين سليم الحص.. وها قد اتى. ترك كلام نصر الله عن الحص اثراً عميقاً في نفوس رئيس الحكومة والحاضرين طبعاً وبان لبعض السياسيين اللبنانيين الذين حضروا هذه الجلسة (وهم قلة)) ان(1/264)
حلفاً سياسياً بدأت ملامحه تظهر بقوة بين رئيس الحكومة سليم الحص وحزب الله يواجه رئيس الحكومة السابق يومها رفيق الحريري الذي عقد مع رئيس حركة امل نبيه بري حلفاً كاثوليكياً لا فكاك منه.. والذي كان (وما زال) ينال من حزب الله تعارضاً واعتراضاً سياسياً ومبدئياً ومصلحياً.. في كل القضايا المثارة محلياً واقليمياً ودولياً على عكس التوافق والود الذي جمع دائماً بين الحص وحزب الله الذي عبر عنه امينه العام في هذه الجلسة. لكن ظن هؤلاء السياسيين اللبنانيين خاب بسرعة وفي اقل من اربعة اشهر حين تحالف حزب الله نفسه مع رفيق الحريري انتخابياً في اسقاط سليم الحص سقوطاً مدوياً في انتخابات عام 2000 ترك اثراً سلبياً في نفس الرجل جعله يعلن اعتزاله العمل السياسي دون ان يتخلى عن عمله الوطني المستمر.. وربما شكل موقف حزب الله منه في هذه الانتخابات احدى الصدمات التي هزت الصورة التي رسمها الرجل الصادق في نفسه عن الحزب.. وغيره. هكذا يظهر حزب الله في حالة انفصام شخصية بين نضاله وتضحياته العظيمة في مواجهة ومنازلة العدو الصهيوني حتى ايقاعه الهزيمة به، وبين حركته السياسية المصلحية التي تدير الظهر حين تدعو الحاجة لأية سلوكية اخلاقية او تعامل مبدئي او التزام ضميري فيكتشف المتابع لهذا الحزب انه امام خطين لا يلتقيان رغم موازاتهما:
1- خط المقاومة الذي اجمع اللبنانيون عليه حتى تحقيق النصر بطرد العدو الصهيوني من الاراضي المحتلة في مايو/ايار 2000.(1/265)
2- خط المصلحة الحزبية التي تعمل تحت شعار ميكيافيللي برع حزب الله في تنفيذه وهو ((الغاية تبرر الوسيلة)) وعندما كان الحريصون على مبدئية المقاومة يظهرون اعتراضاً او رفضاً اوقلقاً او حزناً على هذا التناقض الذي يعيشه حزب الله كان الرد دائماً: ((نحن ضحينا من اجل الوطن.. وبتنا دائنين للمواطنين وعليهم ان يردوا الدين الينا)) وكان هذا الدين الذي اراده الحزب من المواطنين مرسوماً في مخيلته جوائز ترضية يعتبر ان من حقه ان يحصل عليها في كل الاستحقاقات كالانتخابات مثلاً حتى انه كان يجابه الناس فيها بالتساؤل الممزوج بالمرارة: ((كيف يجرؤ فلان على ان يرشح نفسه ضد مرشح المقاومة التي ضحت وقدمت وحررت الارض))؟ وكان هذا التساؤل في وجه الناس مثار سخرية وتندر حتى يجيء الرد من الناس للحزب: ((هل كنت تظن ان اللبنانيين هم الذين احتلوا جنوب بلادهم وبقاعها الغربي حتى تطلب من الناس ان تقدم لك جوائز الترضية؟)). ((وهل كل من يترشح ضد مرشح لحزب الله (المقاومة) هو عدو للمقاومة؟ وهل يرشح حزب الله عناصره لمقاتلة اسرائيل في المواقع الانتخابية سواء كانت نيابية او بلدية او اختيارية او نقابية او جامعية طلابية؟)).أليس المرشحون الآخرون ابناء الوطن وبعضه خاض عملاً وطنياً وسياسياً قبل نشوء حزب الله نفسه؟واذا سلمنا جدلاً بأن مرشحي حزب الله هم مرشحو المقاومة ضد اسرائيل فهل يرضى حزب الله ان يجعل كل صوت ضد المقاومة في الانتخابات هو صوت اسرائيلي؟وهل هذا يعني انه سيقاتل هذا الصوت بالطريقة نفسها التي قاتل فيها الاسرائيلي؟ ودائماً هل هذا يعني ان الحزب الذي ينال مرشحه 10% من اصوات الناخبين في دائرة ما سيصنف الـ 90% الباقين انهم اعداء المقاومة والقضية وحلفاء اسرائيل؟والمضحك المبكي هنا ان بعض مرشحي حزب الله في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية مشبوه بالتعامل مع العدو الصهيوني وسجل بعضه العدلي اسود لكثرة الارتكابات(1/266)
اللااخلاقية والسرقات والصكوك بلا ارصدة وبعضه لم يترك زجاجة الخمر الا بعد ان اصبح ذا موقع داخل الحزب فتقدم نائباً لموقع انتخابي يواجه خصماً متديناً ذا حضور اخلاقي فعلاً لم يشب سلوكياته شائبة في حياته. ان اصرار الحزب على جعل التصويت لمرشحيه في الانتخابات على درجاتها تصويتاً للمقاومة يحمل اكبر الاساءة للمقاومة نفسها، لأنه حشر الناس وأحرجها ليخرجها ضد المقاومة بشخص المرشح الذي قد لا يكون مناسباً ليمثلها، والذي يستفز المرشحين الآخرين وأنصارهم بسلوكياته التي يعرفها أبناء دائرته، ثم انه إذا كان للحزب مرشح واحد من أصل عشرة مرشحين آخرين فهذه دعوة لكي يعادي المرشحون التسعة الآخرون ليس مرشح المقاومة بل المقاومة نفسها فضلاً عن حزب الله أساساً. ثم ان سلوكيات مسؤولي الحزب في الانتخابات على درجاتها، نيابية وبلدية واختيارية ونقابية، ومهنية وجامعية، يشوبها شوائب لا ترضي من يحمل اسم الله شعاراً له والله يدعو دائماً إلى العمل الصالح ملازماً للإيمان لتوكيد عبودية البشر له. فما هي هذه السلوكية التي تتيح لمسؤول حزب الله في منطقة ما أن يقسم على القرآن الكريم لعشرين مرشحاً عن مقاعد اختيارية في بيروت مثلاً انه سيعطيهم صوته، ويقسم المرشحون الآخرون بالمقابل كل على حدة أنهم سيعطون أصوات جماعاتهم لمرشح أو مرشحي حزب الله ثم تكون النتيجة كارثة على المرشحين الآخرين بعد ان يكتشفوا انهم أعطوا كل ما يملكون تأثيراً على الأصوات لمرشحي حزب الله ولم يحصل أحدهم إلا على صوت واحد هو لمسؤول حزب الله فقط الذي أقسم اليمين أما حزبه فلم يقسم معه على القرآن الكريم!! ما هذا التحايل وأين هو القسم على القرآن الكريم، وهل يغفر الفوز بمقعد اختياري لمرشح حزب الله ذنب مسؤوله أمام الله وهو يكذب بحنث اليمين على كتابه العزيز! بئس المقاعد والكراسي والمناصب أمام الخنوع والخضوع والركوع أمام العزيز الجبار ورضاه وقبوله عمل الإنسان(1/267)
عندما يكون صالحاً. وما هي هذه السلوكية التي تجعل حزب الله يأتلف مع القوات اللبنانية وهو يتهمها ليلاً نهاراً بأنها عميلة لإسرائيل وهل يملك هذا الحزب ان يوزع صكوك الغفران لمن يشاء وساعة يشاء؟ في وقت يوزع فيه هو نفسه الاتهامات ضد كل من يتحالف مع القوات بأنه يتحالف مع عملاء إسرائيل؟!!حلال لحزب الله أن يتحالف مع القوات إذا كان في الأمر مصلحة انتخابية له. حرام على غيره أن يتحالف مع القوات نفسها لأنها عميلة لإسرائيل؟! صباحاً يهاجم حزب الله جماعة ميشال عون لأن الرجل متآمر مع أميركا لمحاسبة سوريا وهو الذي يتهمه بقصف الأمنين في الضاحية وبيروت بالمدفعية خلال ما سمي بحرب التحرير، ثم يركض الحزب وعمائمه البيضاء والسوداء وجببه الداكنة دائماً ليلاً للقاء جماعة ميشال عون للاتفاق معهم على خوض معركة انتخابية مشتركة في حلف غير مقدس ضد أبناء حارة حريك مثلاً لكسب مقعد أو مقاعد أو رئاسة بلدية هذه البلدة المكتظة.
أمرضعة اليتامى من كد.. ليتك لم تزني ولم تتصدقي.(1/268)
صباحاً يهاجم حزب الله رفيق الحريري وحكومته مسقطاً عليها اتهامات الإفقار والتجويع والسير في فلك الشرق أوسطية وخدمة المصالح الأميركية والصهيونية. مساء يركض الحزب وعمائمه البيضاء والسوداء وجببه الداكنة دائماً، لملاقاة رفيق الحريري لعقد صفقة معه يدخل بموجبها مرشح للحزب لائحة الحريري النيابية أو البلدية أو الاختيارية أو الطالبية أو المهنية.. ما هذا الحزب الذي يعتبر كرسي المخترة أقوى من المبدأ وعضوية البلدية أهم من الدين، ونائباً بالزائد أبقى من الضمير؟.. دائماً الضمير هو الحزب.. هكذا قال لينين... والضمير هو المصلحة، هكذا يتصرف حزب الله. ما هذا الحزب الذي يلزم محازبيه بما يسمى تكليفاً شرعياً في انتخاب إيلي حبيقة وهو يوزع على محازبيه أنفسهم كراساً يعتبر فيه ان إيلي حبيقة هو بطل مجازر صبرا وشاتيلا، عميل إسرائيل، عدو المسلمين والشيعة؟!!!عندما يستقبل مئات آلاف المواطنين اللبنانيين المسيحيين بطريرك الموارنة مار نصرالله بطرس صفير بعد عودته من الولايات المتحدة الأميركية التي كان مسؤولوها رفضوا استقباله رسمياً خلال زيارته الرعوية التي أطلق فيها كلاماً وطنياً كعادته.. جيّش حزب الله عشرات آلاف غيرها للنزول إلى الشارع للتطاول على البطريرك الماروني في إسقاط غريب ضده بالتواطؤ مع أميركا ضد سوريا. وعندما يحتاج حزب الله أصوات المسيحيين في بلدية صور لكسب مقاعد لمرشحيه أو لإسقاط لائحة حركة أمل ونبيه بري تركض عمائم حزب الله وجببه الداكنة إلى الصرح البطريركي للإشادة بالقلعة الوطنية في بكركي وسط استهجان صاحب الدار الذي لما يغب عن أذنيه هتافات جماعات الحزب ضده رداً على دعوات مواطنيه المستقبلين من زيارة رعوية!!
انفصام شخصية؟
مرض التكاذب اللبناني المشهود له بين السياسيين؟عطش السلطة ومذاق المقاعد والمناصب؟(1/269)
ثم ما هذا الحزب الذي يملأ الدنيا ضجيجاً إعلامياً بالحديث عن الوحدة الإسلامية ويطلق العنان في الوقت نفسه لعمائمه البيضاء والسوداء وجببه الداكنة الألوان في الحسينيات طعناً بكل رمز إسلامي توحيدي كان حول الرسول محمد منذ 1400 سنة.. ثم يشعل حرائق الفتنة في لافتات سوداء في شوارع بيروت في عاشورائه.. ثم يجعل منابر الحسينيات القليلة في العاصمة تحت سيطرته أبواق تحريض مذهبي رخيص استجداء لبكائيات وندب ولطم تنفر ولا تقرب، تسيء ولا تحمد، تفرق ولا توحد. عشرات بل مئات الأمثلة التي عاشها ويعيشها اللبنانيون خاصة المسلمين الشيعة منهم في الجنوب والبقاع والضاحية وبيروت وجبيل مع سلوكيات هذا الحزب، والتي تظهر انفصام شخصية أثقلت سلوكياتها واحدة من الصفحات الناصعة في تاريخ هذه الأمة العربية، فبات لزاماً على كل قيادي ناضج ونظيف في هذا الحزب ان يساهم في انضاج الحزب نفسه وبالتالي تنظيفه من هذه السلوكيات حرصاً على سمعة حصل عليها بالدم والعرق وبقية التضحيات وها هو نفسه يذريها أدراج الرياح كرسياً من هنا وانتهازية من هناك.
******************
رفقاً بشيعة العراق يا قناة المنار ( رؤية شيعية)
محمد مرتضى حسين
شبكة أخبار النجف - 26-5-2004م(1/270)
عجباً تسمع وعجاباً ترى في قناة المنار (اللبنانية ، الإيرانية ، القومية، البعثية ، الإسلامية) فهي لبنانية الى حد العظم في الدفاع عن الجمهورية اللبنانية ورئيسها المسيحي السيد اميل لحود وعن رئيس وزرائها السني دولة الرئيس رفيق الحريري لكن عين الرضا طوت كشحاً عن الشيعي دولة الرئيس نبيه بري لانه خارج نطاق الولاية الإيرانية التي دافع عنها حزب الله بالدماء اللبنانية . واما كونها إيرانية فهو واضح كقول العربي الأصيل كالشمس في رابعة النهار بل هم ملكيون اكثر من الملك فلوقيس ولاء حزب الله في لبنان بولاء الشعب الإيراني كله لرجحت كفتة الحزب العربي على كفة الشعب الإيراني ولم نستخدم كما هو ظاهر صيغة للمبالغة وان شم القارئ الكريم رائحة المبالغة ولكن هناك آلف دليل ودليل وذلك عندي إن طالبته قدم . واما كونها قومية فهي في مواقفها على حد قول العربي الأصيل أشهر من نار على علم ، فلقد تركت أذان الله اكبر حرصا على الوحدة العربية وخوفاً من أن تخدشها مقولة الحق التي يعرفونها ويخفونها وذلك عليهم سهل يسير بل تراهم يسنًدون للعرش العروبي المتمثل بصدام حسين عندما بدأ يترنح وهو في طريقه الى السقوط وبدأت قناة المنار تتسابق مع مثيلاتها الجزيرة والعالم والعربية وسحر في استضافة أبطال المقابر الجماعية أمثال ناجي صبري الحديثي وغيرهم وذلك عليهم سهل يسير بل تراهم يطرحون مشروع المصالحة الوطنية مع صدام حسين ليس تلميحاً ولا تمريرا من خلال مقالة بل تصريحاً بملء الفم وعلى لسان سماحة السيد حسن نصر الله وبذلك يتناسون انهار الدماء وأفواج اليتامى والأرامل على مدى عقد من السكوت العربي المخزي حد النتن وكأنها شيء لم يكن . بربك لمصلحة من كل هذا الدفاع المستميت ؟(1/271)
واما كونها بعثية فهو ليس ادعاء غريب فلقد أصبحت هذه القناة محل تندر الشارع العراقي بكونها تابعة لحزب الله العربي الاشتراكي التي أصبحت المنار الذي يهتدي به فلول النظام الدموي من البعثتين المجرين أمثال أبى درع مدير أمن الكاظمية سابقاً وبطل الفلوجة لاحقاً وأبي تموز العز قائد خلايا المجاهدين في سوريا والسلفيين الحاقدين أمثال الزرقاوي الظاهر أبي مصعب ،والزرقاوي الباطن حازم الضاري والجهلة المارقين أمثال الشيخ المعتوه سيد احمد البغدادي ، ووريث حقد أبيه وميله المدعو شيخ جواد الخالصي . واما كونها إسلامية فذلك ليس عليه غبار فالمظاهر الإسلامية ظاهرة للعيان فارتداء الحجاب الإسلامي ضمن الضوابط الشرعية والامتناع عن لبس ربطة العنق وقراءة الأدعية كدعاء الثغور ودعاء كميل ، ولكن لمن يقرا دعاء الثغور للإمام زين العابدين (ع) ؟ أللسلفين الحاقدين المارقين أم لخلايا المجاهدين من بقايا البعثتين ؟لمن يقرا دعاء كميل أللمجرمين القتلة وعصابات السطو المسلح وأفواج السلب والنهب التابعة لجيش المهدي ؟ أم لمن تسلل من خلف الحدود من اجل مساندتهم ؟
ولكن التمس لاخيك عذرا فنقول لكم كما قال مولى الثقلين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : (ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه) كفاكم تبعية اذهبوا الى شبعا وحرروها وتركوا لنا العراق فليس لكم ولا لمن تبعتموهم نصيب والسلام على من اتبع الهدى .
********************
صفقات حزب الله وإسرائيل: تحليل للدوافع
بازتاب (الصدي)
بازتاب ( الصدى ) 29 / 1 / 2004(1/272)
اتفق كل من حزب الله اللبناني وإسرائيل على تبادل 4 عسكريين أسرى تابعين للنظام الصهيوني لدى حزب الله اللبناني بـ435 أسيرًا لبنانيًا وفلسيطينًا وعربيًا، مما أثار استفسارات عديدة بشأن أبعاد ونتائج هذا الحدث الهام ودور الدول والحكومات خاصة الحكومة اللبنانية في هذا الشأن. وقد لعبت الحكومة اللبنانية في التوصل إلى هذا الاتفاق دورًا إعلاميًا فقط خاصة إذا نظرنا إلى أنها لا تنتهج سياسة المواجهة مع النظام الصهيوني. وقد صرح غازي العريضي وزير الثقافة اللبنانية في حوار تليفزيوني قائلاً: بالرغم من أن الحكومة لم تشارك بشكل مباشر في المباحثات من أجل تبادل الأسرى إلا أن حزب الله قد نسق بشكل كامل مع الحكومة في هذا المجال، ولتفسير سبب عدم مشاركة الحكومة اللبنانية في مفاوضات تبادل الأسرى قال: ان الحكومة لم تتدخل مباشرة في هذا الصدد منذ أن تم أسر الجنود الإسرائيليين من جانب حزب الله. لكن ميشيل سماحة وزير الإعلام اللبناني أكد أن الحكومة كان لها دور في المباحثات وأنها اطلعت على تفصيلاتها، وبعد إعلان التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تبادل الأسرى ذكر المسئولون اللبنانيون وعلى رأسهم الرئيس إميل لحود أن هذا الحدث يعد بمثابة نجاح كبير على المستوى الداخلي والخارجي، وفي إطار تهميش دور حزب الله وصفوا ذلك الحدث بأنه يتوازي مع تحرير جزء كبير من الجنوب اللبناني عام 2000. وفيما يتعلق بإطلاق سراح سمير القنطار أقدم أسير لبناني لدى النظام الصهيوني تعلل النظام بالقوانين التي تمنع إطلاق سراح أي شخص ارتكب جرائم ضد الإسرائيليين؛ لذا لم يتكرر وضع اسمه ضمن قائمة من تم إطلاق سراحهم خاصة وأن القنطار قام بعمليات داخل إسرائيل، لذلك حالت هذه المسألة دون تنفيذ تبادل باقي الأسرى، واتفق الطرفان حزب الله والنظام الصهيوني على أن يتم إطلاق سراح هذا الأسير اللبناني في المرحلة الثانية من الاتفاق أي بعد مرور شهرين أو ثلاثة على الأكثر.(1/273)
إن تسليم المسئولين الإسرائيليين بهذا الأمر، يعد في الواقع تسليمًا بمنطق حزب الله الذي يصر على ضرورة إطلاق سراح سمير القنطار، يمتلك حزب الله أدوات الضغط على النظام الصهيوني من أجل إطلاق سراح القنطار، ويعتبر أسر الجنود الإسرائيليين أحد هذه الأدوات، كذلك من المحتمل أن يطلع حزب الله المسئولين الإسرائيليين بمعلومات عن رون آراد الطيار المفقود وعن الجنود الإسرائيليين القتلى في لبنان ويمكن أن تهيئ هذه القضية المجال لإطلاق سراح القنطار والأسرى الآخرين. بناءً على ذلك فإن عدم تسليم القنطار في المرحلة الأولى للاتفاق لا يعني تجاهله أو تغيير موقف حزب الله، بل يعني أن إسرائيل سوف تجبر في النهاية على تسليمه. ويعتبر كلا الطرفين نفسه رابحًا في هذه الصفقة، فمن وجهة نظر حزب الله فإن تبادل الأسرى يعد بمثابة نجاح كبير للحزب والنموذج الذي ينتهجه في المقاومة، وقد نجح الحزب خلال مباحثات معقدة على مدى ثلاثة أعوام في الحصول على مطالبه من الصهاينة، كما تمكن من الظهور على الساحة كنموذج للمقاومة التي أجبرت الإسرائيليين على إطلاق سراح 400 أسير فلسطيني من جملة أعداد معتقلي الانتفاضة، فجعل النضال في الأراضي المحتلة أكثر فاعلية وجعل الشعب الفسطيني أكثر طموحًا في مواصلة طريقه، كذلك يعد تسليم النظام الصهيوني بمبادلة الأسرى مع حزب الله بمثابة اعتراف غير رسمي بهذا الحزب، بوصفه قوة مناضلة وسلطة سياسية لا تدافع فقط عن إقليمها بل إنها لا تتوانى عن إطلاق سراح أسراها والأسرى العرب، وهذا الأمر يمكن أن يبطل دعاوى النظام الصهيوني القائمة على الطابع الإرهابي لمنظمة حزب الله، هذا في حين أن المسئولين الإسرائيليين يصفون استعادة عسكرييهم الأسرى وجثث قتلاهم بأنه نجاح إلى حد ما. القضية الأخرى التي تشغل المسئولين الإسرائيليين، خاصة أريئيل شارون هي قضية رون آراد الطيار الإسرائيلي الذي اختفى منذ عام 1986 بعد سقوط طائرته خلال(1/274)
قصف الجنوب اللبناني، ويزعم شارون أنه تمكن من إجبار حزب الله على الإدلاء بمعلومات في هذا المجال بعد ما يقرب من عقدين على سقوط طائرة آراد.
إيران والصفقة:
أثيرت أقاويل كثيرة حول علاقة إيران بالصفقة التي تمت بين حزب الله وإسرائيل، خاصة في ظل الادعاءات التي أطلقها النظام الصهيوني حول وجود رون آراد في إيران، ولهذا السبب أجريت اتصالات بين الوسيط الألماني في الصفقة أرنست أولارف وبين المسئولين الإيرانيين الأربعة المختطفين في لبنان منذ عام 1982، من العوامل التي دفعت إيران للقيام بدور تجاه عملية تبادل الأسرى خاصة أنه تم التأكيد في هذه المرحلة على ضرورة الحصول على معلومات خاصة بالدبلوماسيين الأربعة، كما أن ارتباط حزب الله بالجمهورية الإسلامية الإيرانية والمساعدات المعنوية الإيرانية لهذا الحزب، كان عاملاً آخر وراء ارتباط إيران بصفقة تبادل الأسرى. وقد تحدث السيد حسن نصر الله خلال مؤتمر صحفي في بيروت عن هذا الموضوع قائلاً: لم تكتف إيران بالإطلاع فقط على هذه القضية، بل إنها هيأت المجال أمام إطلاق سراح الأسرى بموافقتها على عملية التبادل. من غير المتوقع إطلاق سراح مروان البرغوثي مسئول حركة فتح في إطار قضية تبادل الأسرى، لأن إسرائيل تعتبر البرغوثي ورقة مهمة لا ينبغي الاستغناء عنها، وبشكل عام فإن هذ التبادل لا يقوي مكانة حزب الله في داخل لبنان فقط، بل إن هذا النهج من المباحثات غير المباشرة والصعبة التي قام بها الحزب على مدى السنوات الثلاث الماضية مع النظام الصهيوني يمكن أن يصبح نموذجًا للآخرين، وخاصة الفلسطينيين، وقد اعتبرت حركتا المقاومة الفلسطينية الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي، الصفقة بأنها نجاح كبير، في حين أيد أحمد قريع رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، عملية تبادل الأسرى. على الصعيد الإسرائيلي، يريد شارون استعادة ماء وجهه على الساحة الدولية لذلك وافق على عملية تبادل الأسرى، أما بالنسبة(1/275)
لأهداف الحكومة الألمانية من الوساطة بين حزب الله والنظام الصهيوني، فيبدو أن هدفها له جوانب إنسانية في الغالب كما أن إجراءات مثل الوساطة سيكون لها نتائج سياسية واقتصادية مناسبة لبرلين، وفضلاً عن الباعث الإنساني الألماني، ففي إطار الاتفاق القادم بين لبنان والنظام الصهيوني، سيتم إطلاق سراح شخص ألماني يدعى استيفان سميراك الذي قبع في السجون الإسرائيلية بتهمة التجسس لصالح حزب الله. وفي إطار الاتفاق القادم أيضًا سوف يطلق النظام الصهيوني سراح 23 سودانيًا وليبي واحد بالاضافة إلى 403 أسرى فلسطينيين، لقد تم أول اتفاق لتبادل الأسرى عام 1991 بوساطة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، وبموجب هذا الاتفاق تسلمت لبنان 67 أسيرًا و9 جثث لشهداء لبنانيين في مقابل رفاة جندي إسرائيلي. وفي المرحلة الثانية وبوساطة ألمانية عام 1996 تسلمت الحكومة اللبنانية 45 من الأسرى في مقابل رفاة جنديين إسرائليين و17 شخصًا من القوات شبه العسكرية التابعة لأنطوان لحد، وفي المرحلة الثالثة وبوساطة فرنسية عام 1998 تسلم حزب الله 60 أسيرًا و40 جثة لمقاتلين لبنانيين في مقابل رفاة ثلاثة جنود إسرائيليين
******************
حزب الله يحبط عمليات المقاومة الفلسطينية من الجنوب
سلطان أبو العينين
القدس العربي 5-4-2004م
يقولون سنكون إلى جانبكم عند المحن..
ولكننا منذ ثلاثة أعوام نعيش الشدائد ولم نسمع سوي شعارات
الناصرة ـ القدس العربي :
قال العميد سلطان أبو العينين أمين سر حركة فتح في لبنان أن حزب الله اللبناني أحبط في الأسبوع الأخير أربع عمليات كانت المقاومة الفلسطينية قد خططت لتنفيذها ضد إسرائيل من الجنوب اللبناني انطلاقا إلى الحدود الشمالية مع الدولة العبرية. وأضاف أبو العينين أن عناصر حزب الله قامت باعتقال المقاومين الفلسطينيين وتقديمهم للمحاكمة.(1/276)
وفي معرض رده علي سؤال فيما إذا كان الظرف الآن مناسبا لقيام الفصائل الفلسطينية بالرد علي الجرائم الإسرائيلية، أو القيام بعمليات يراد منها تخفيف الضغط علي الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة علي ضوء بعض العمليات التي قام بها حزب الله علي الحدود الشمالية، قال العميد أبو العينين دعنا نكون صريحين الدعم للشعب الفلسطيني كما سمعنا سابقا لا يكون بهذه الطريقة أبدا، كافة الحدود الفلسطينية عليها حمايات عربية ومغلقة أمام أي مقاوم فلسطيني.
تقديم الدعم من حزب الله لا يتم فقط من مزارع شبعا، ولا يكون بالتالي الفلسطيني علي أخيه الفلسطيني، إنما يكون من خلال البوابة الفلسطينية، حزب الله قال سنكون إلى جانبكم عند المحن، ولكننا منذ ثلاثة أعوام نعيش الشدائد ولم نعد نقبل شعارات مزيفة من احد .
وأضاف أبو العينين في تصريحات نشرت في صحيفة كل العرب أن الحكومة اللبنانية وحزب الله لا تعطيان الفصائل الفلسطينية المسافة اللازمة للمقاومة من جنوب لبنان. وتساءل لماذا يجب أن يكون النضال من الجبهة اللبنانية فقط وأين الجبهات العربية الباقية، فهي مغلقة بما فيها اللبنانية ضمن ترتيبات أمنية غير معلنة، ففي الأسبوع الأخير أحبطت أربع محاولات فلسطينية علي الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية، وقدمت العناصر الفلسطينية إلى المحكمة من قبل حزب الله .(1/277)
وأكد العميد أبو العينين أن الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في أيار تم ضمن ترتيبات أمنية واتفاق امني بأن لا تطلق طلقة واحدة علي شمال فلسطين من جنوب لبنان، وهذا الاتفاق يطبق منذ الانسحاب الإسرائيلي، فلم يتمكن أي مقاوم من اختراق الحدود الشمالية وجرت أكثر من محاولة من جميع الفصائل الفلسطينية وجميعها ضبطت من حزب الله وقدمت إلى المحكمة . وفي رده علي سؤال آخر أن حزب الله يريد حصر المقاومة في مزارع شبعا المحتلة قال العميد أبو العينين أن حزب الله يريد المقاومة كوكالة حصرية له وحصرا في مزارع شبعا، ولا ينتظر أحدا من حزب الله أن يقوم بقصف شمال فلسطين بالصواريخ وأنا شاهد علي ما يجري. وأشار إلى أن سيطرة حزب الله علي المقاومة من الجنوب اللبناني نابعة من اتفاقيات وترتيبات أمنية، أي اتفاقيات مع إسرائيل بواسطة طرف ثالث، وقال: علي الشعب الفلسطيني أن لا يعول لا علي حزب الله ولا علي حزب الشيطان، بل عليه الاتكال علي نفسه فقط لان لحزب الله أولوياته ومواقفه السياسية، وهو يريد أن يقاتل بآخر فلسطيني منا علي ارض فلسطين ونحن نريد من حزب الله موقفا صريحا وواضحا حول منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها الشرعية مع أننا لسنا بانتظار اعتراف بالرئيس عرفات من احد فهو يستمد شرعيته من الشعب الفلسطيني بأطفاله وشيوخه ونسائه، ونحن لسنا بحاجة إلى دروس وعبر من احد.
أما بالنسبة لصفقة تبادل الأسري التي خرجت إلى حيز التنفيذ في أواخر كانون الثاني (يناير) بين الدولة العبرية وحزب الله، قال العميد أبو العينين أن حزب الله أراد من صفقة تبادل الأسري تقديم ورقة سياسية للبنانيين لكي يضمن نتائج سياسية في لبنان ليحصدها سياسيا في الانتخابات البرلمانية
********************
انتقادات نصر الله للأردن خلفها موقف إيراني
صالح القلاّب
الشرق الأوسط : 8507-14 مارس 2002(1/278)
بقيت العلاقات الأردنية ـ الإيرانية، التي انهارت تماماً بعد ثورة الإمام الخميني في عام 1979، تتأرجح بين التردي والتحسن منذ استئنافها في مطلع تسعينات القرن الماضي، ووصل التردي ذروته في الأسابيع الأخيرة، عندما وجه أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله، الذي يعتبر "باروميتر" طهران في المنطقة، انتقادات للأردن لمنعه تهريب صواريخ "كاتيوشا" إلى الضفة الغربية عبر الأراضي الأردنية. وحقيقة ان تصريحات نصر الله هذه، لا يمكن أن تؤخذ كمؤشر على العلاقات الأردنية ـ اللبنانية الراهنة، فهي علاقات متينة وراسخة، ولقد بادر الأردن وألقى بكل ثقله في اتجاه انعقاد القمة العربية الدورية الثانية في بيروت، وفي موعدها، عندما جرت محاولات لنقل مكان هذه القمة إلى عاصمة أخرى، ولتأجيلها بحجة أن هناك مستجدات طارئة وظروفاً غير ملائمة. لا توجد أية إشكالات بين الأردن ولبنان، ولقد بقي الأردنيون يتعاطون مع هذه الدولة الشقيقة على أنها الأقرب وعلى ضرورة استعادتها لدورها المميز الذي افتقدته على مدى عقدين متلاحقين من الزمن، نتيجة التداخلات الداخلية والإقليمية والدولية التي أدت إلى تلك الحروب المدمرة التي ندعو الله أن يكون رحيلها إلى الأبد. لم يدّخر الأردن جهداً قبل مؤتمر الطائف الشهير وبعده لتأكيد استقلالية لبنان وسيادته وضرورة وضع حد للتدخل في شؤونه الداخلية، وبالمقدار ذاته فقد ساند الأردن بكل إمكاناته نضال الشعب اللبناني لاستعادة أرضه المحتلة في الجنوب، ونظر بإعجاب وتقدير إلى ما كان يقوم به حزب الله في هذا المجال. وحتى بالنسبة لمعتقلي حزب الله الذين كانت الأجهزة الأمنية الأردنية قد اعتقلتهم بعد ضبطهم، يحاولون تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية، فقد استجابت عمان لمساع كان قام بها رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وبادرت إلى الإفراج عنهم قبل نحو ثلاثة أيام فقط من تصريحات حسن نصر الله الآنفة الذكر.(1/279)
إذن المسألة ليست مسألة علاقات أردنية ـ لبنانية، كما أنها أيضاً ليست مسألة غيرة على القضية الفلسطينية، فموقف الأردن إزاء هذه القضية يأتي في مقدمة المواقف العربية، إنها في الحقيقة مسألة العلاقات الأردنية ـ الإيرانية، فالشيخ حسن نصر الله عندما وجه تلك الانتقادات للأردن فإنه تحدث باسم طهران وبلسانها مع أنه كعادة العرب جميعهم لم يجد ما يمرر من خلاله ما أراد تمريره سوى فلسطين والقضية الفلسطينية. وبالتأكيد فإن الشيخ حسن نصر الله بموقعه كقائد لحزب ينظر إليه الأردنيون، رسمياً وشعبياً، بكل التقدير والاحترام، يعرف مغبَّة وخطورة السماح بتهريب سلاح كصواريخ "الكاتيوشا" إلى الضفة الغربية عبر الأراضي الأردنية، فهذا إعلان حرب على إسرائيل، والأردن الملتزم بالموقف العربي الرسمي العام، ويسترشد بحكمة وحنكة الأشقاء السوريين، لا يمكن أن يسمح لا لحزب الله ولا لإيران بدفعه إلى مواجهة عسكرية مع الدولة الإسرائيلية في هذا الوقت وفي مثل هذه الظروف، وبينما العرب كلهم وبدون استثناء اعتبروا السلام خياراً استراتيجياً لهم ولم يتغير هذا الموقف بعد. ليس من عادة الأردن أن يقول شيئاً ويتصرف بطريقة مغايرة، والموقف الأردني من القضية الفلسطينية واضح وثابت، فهو مع السلطة الوطنية ومع ياسر عرفات كرئيس شرعي منتخب، وهو مع الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وللأردن مستشفيان عسكريان ميدانيان في رام الله ونابلس، وعلاقات الأردن الخارجية، بما في ذلك علاقاته مع الولايات المتحدة، موظفة لمساندة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.. ثم هناك أمور كثيرة لا ضرورة للحديث عنها وبخاصة أن علاقة الأردنيين بالفلسطينيين تتجاوز حدود الإطار القومي وتصل إلى حدود الشعب الواحد. لقد قامت الدنيا ولم تقعد عندما انكشف أمر سفينة الأسلحة التي قيل إنها إيرانية والتي كانت في طريقها إلى غزة، ولقد نفت إيران أية علاقة لها بهذه السفينة،(1/280)
واعتبرت أن ذلك مجرد اتهامات باطلة تأتي في إطار الحملة الأميركية ـ الإسرائيلية عليها. وهنا فإننا لم نذكر أن الشيخ حسن نصر الله قال شيئاً مخالفاً لوجهة النظر الإيرانية هذه. إن موافقة الأردن على ادخال صواريخ "كاتيوشا" إلى الضفة الغربية عبر حدوده وأراضيه يعني إعلان الحرب على إسرائيل، وهذه مسألة لا يقدر الأردن عليها طالما أن العرب بهذا الوضع وطالما أن دولة بحجم وثقل الشقيقة سوريا ترفض أن يُحدد لها، لا حزب الله ولا إيران ولا أي كان، زمان ومكان المعركة ويقحمها في مواجهة في غير أوانها. هناك معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل، على غرار معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، ولذلك فإن تعقيدات الوضع وخطورته تدفع الحكومة الأردنية للالتزام بهذه المعاهدة وتدفع الأجهزة الأمنية الأردنية إلى السيطرة على حدود بلدها، ومداخله ومخارجه، لمنع أي تسلل يعتقد الأردنيون أن هدفه زعزعة استقرار الأردن وليس اسناد السلطة الوطنية. عندما يسعى اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى تهجير في اتجاه الأردن ليكون وطنهم البديل لوطنهم الأساسي فلسطين، وقد قال الشيخ حسن نصر الله هذا في تصريحاته التي ضمنها انتقاداته الظالمة للأردن، فإن تهريب صواريخ "كاتيوشا" إلى الضفة الغربية عبر الأراضي والحدود الأردنية، لا يمكن أن يخدم في هذا الظرف وفي هذه المرحلة إلا هذا المخطط الإسرائيلي... ثم ان الأردن يرى أن وصول بضعة صواريخ "كاتيوشا" إلى الضفة الغربية يضر بالفلسطينيين أكثر مما يفيدهم، فإعطاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي طابع الحرب الكلاسيكية ـ التقليدية في ظل الموازين والمعادلات القائمة، سيوفر الحجة المطلوبة للإسرائيليين لسحق الشعب الفلسطيني والضغط عليه بكل ما تملكه إسرائيل من عوامل الضغط لحمله على مغادرة وطنه كما حصل في عام 1948 وعام 1967. ويرى الأردن أيضا ان الأسباب التي تمنع حزب الله من مواصلة قصف القرى والمستوطنات والمدن في شمال(1/281)
إسرائيل هي نفسها التي تجعل الأردن ملزماً بمنع صواريخ حزب الله، سواء كانت إيرانية أم غير إيرانية، من اجتياز أراضيه وحدوده للوصول إلى الضفة الغربية لتقصف بعد ذلك المدن الإسرائيلية وتتحول المواجهة من مواجهة بين شعب أعزل وبين جيش احتلال إلى حرب تقليدية كلاسيكية لن تكون نتيجتها وعلى الإطلاق لا في مصلحة العرب ولا في مصلحة الأردن ولا في مصلحة الفلسطينيين. وعود على بدء، فإنه لا بد من التساؤل عما بين الأردن وإيران حتى تتردى العلاقات على هذا النحو وحتى يعتقد كثير من الأردنيين أن آخر متفجرة استهدفت الأمن الأردني ليست بعيدة عن الأصابع الإيرانية، ويعتقدون ان تصريحات الشيخ حسن نصر الله تأتي في هذا الإطار..
بعد انتصار الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه وصلت العلاقات الأردنية ـ الإيرانية إلى مستوى قطع التمثيل الديبلوماسي، واستمرت هذه العلاقات متوترة جدا، لأن الأردن كمعظم الدول العربية انحاز إلى العراق في حرب الثمانية أعوام، ولأنه أيضاً كغالبية الدول العربية اتخذ موقفاً رافضاً لاحتلال الجزر العربية أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى. لكن مع بدايات عقد التسعينات من القرن الماضي ومع التحولات الداخلية التي طرأت على إيران وجعلتها تتخلى، وإن بصورة تدريجية وخطوة خطوة، عن استراتيجية "الثورة الدائمة"، بدأت العلاقات الأردنية ـ الإيرانية بالتحسن وانتقلت في أعوام قليلة من مرحلة الغزل الصامت إلى الزواج الشرعي المعلن، فاستعيدت العلاقات الديبلوماسية بعد أكثر من عشرة أعوام من القطيعة، وبادر الأردنيون إلى إغلاق مكاتب حركة "مجاهدي خلق" في عمان وإبعاد مسؤوليها وإلغاء كل التسهيلات التي كانت ممنوحة لهم على الأراضي الأردنية.(1/282)
كان من الممكن أن تصبح هذه العلاقات نموذجية ومثالا للعلاقات بين دولتين مسلمتين لو أن تطلّع إيران ليكون لها موطئ قدم في الضفة الغربية وقطاع غزة يؤهلها لأن تكون طرفاً رئيسياً في معادلة الصراع في الشرق الأوسط، لم يدفعها إلى السعي لاختراق الساحة الأردنية وإقامة شبكة لمخابراتها، إن تحت "يافطة" حزب الله أو أي من فصائل المعارضة الفلسطينية. لم تكن ردة الفعل الأردنية عنيفة، وحاول الأردن حل الأمور بالتفاهم والطرق الديبلوماسية وبأساليب هادئة، ولقد اكتفى بمجرد لفت النظر عندما تجاوز السفير الإيراني، المفترض أنه سفير بلاده لدى البلاط الملكي، صلاحياته وشارك في مهرجان في هيئة تظاهرة تحد، أقامه "الاخوان المسلمون" ضد رغبة الحكومة الأردنية، ورغم أن تعليماتها نصت على رفض طلب إقامة ذلك المهرجان. بقي الأردن يغلّب عوامل اللقاء على عوامل الافتراق من جديد، ولذلك ومع ان الحكومة الايرانية أحاطت السفير الأردني، وهو قائد كبير سابق في حزب جبهة العمل الإسلامي وفي جماعة الاخوان المسلمين، بظروف كظروف أبو عمار في رام الله، إلا أن الأردنيين بقوا يصرون على التهدئة. وعندما حاولت جهات معينة في طهران استغلال كلام غير صحيح نُسب إلى الملك عبد الله خلال زيارته الاخيرة الى واشنطن، بادر أكثر من مسؤول اردني إلى إيضاح الأمور والتأكيد على أن ما أشيع لا صحة له، وأن الأردن يعتبر إيران دولة شقيقة لا يجوز لا للولايات المتحدة ولا لغيرها التدخل في شؤونها الداخلية. هذ هو الموقف الأردني، ولذلك فقد أرسل الأردن قبل أيام وفداً إلى طهران برئاسة وزير الصناعة والتجارة صلاح البشير، لعقد اجتماع للجنة الأردنية ـ الإيرانية المشتركة، لكن كما يبدو، فإن إيران التي عبرت تصريحات الشيخ حسن نصر الله عن موقفها الحقيقي خير تعبير، لا تزال مصرة على اختراق الساحة الأردنية بهدف إيجاد موطئ قدم لها في الضفة الغربية وقطاع غزة للَعْبِ دور في معادلة الشرق(1/283)
الأوسط يتناسب مع مكانتها وحجمها في المنطقة. لا يرفض الأردن أن تكون إيران طرفاً في معادلة الشرق الأوسط، وهو يعتبر أن هذه دولة إسلامية صديقة وشقيقة، لكنه يرفض رفضاً قاطعاً أي اختراق لساحته الداخلية، كما انه يرفض رفضاً قاطعاً وضعه في ظروف ومواقع ضد مصلحة شعبه وضد المصلحة الفلسطينية العليا، لذلك فإنه سيبقى يتصدى لكل محاولات تهريب أسلحة وصواريخ "كاتيوشا" عبر أراضيه وحدوده إلى الضفة الغربية حتى وإن غضبت إيران وغضب غيرها، وحتى وإن أدلى الشيخ حسن نصر الله في صباح كل يوم بتصريح على غرار تصريحه الآنف الذك
********************
القاعدة و حزب الله .. وإيران
أبو أحمد مصطفى
الشرق الأوسط: 9026-15 أغسطس 2003(1/284)
المعلومات التي تتداولها الصحف العربيَّة والغربيَّة عن وجود عناصر قياديَّة من تنظيم "القاعدة" في إيران ليست جديدة ولا غريبة. فالمصلحة الإيرانيَّة للجناح المتشدِّد في طهران تقتضي التمسُّك بكلِّ ورقة يمكن مساومة الولايات المتحدة والدول الخليجيَّة عليها، وهو ما تفعله أجهزة المخابرات الإيرانيَّة التي لا تخضع لسيطرة الرئيس خاتمي، وهو الذي يعاني من تصرُّفاتها الداخليَّة والخارجيَّة، وفي الوقت نفسه تدين بولائها للمؤسَّسة الدينيَّة. إيران اليوم ليست مختلفة عن إيران الشاه في طموحاتها وخيالاتها الإمبراطوريَّة القديمة، ولا في المثابرة للحصول على مواقع للتأثير في الأوضاع في الخليج العربي خاصَّة، والعالم الإسلامي عامَّة. الخطأ الذي ترتكبه طهران هو أنَّ من يديرون شؤونها لم يستوعبوا حتَّى هذه اللحظة أنَّ النظر إلى العالم اليوم لا يتمُّ عبر أدعية "المنتظر" وتنظيرات فقهاء لا يعلمون من شؤون العالم الحديث أكثر ممَّا تركته كتب التراث في رفوفها منذ قرون خلت. وجود القيادات المتبقِّية من تنظيم "القاعدة" في إيران، على الرغم من الخلافات الفقهيَّة العميقة في أصول الدين كافَّة والنظرة إلى الدنيا، برهان على العقليَّة الحاكمة في طهران التي اعتادت المساومة والابتزاز في تعاملاتها وتصرُّفاتها. صفقة إيران ـ الكونترا، واستضافة إرهابيِّين هاربين، وتمويل تنظيمات عربيَّة بالسلاح والأموال، ليست إلاَّ عناوين لازدواجيَّة طهران، وبُعدها عن الأخلاقيَّات التي تروِّج لها عند الدهماء. المفاوضات السريَّة ـ المعلنة بين قم و"الشيطان الأكبر" في العديد من القضايا التي تتراوح ما بين التأثير الإيراني على جزء من العراقيِّين الشيعة، ودعم "حزب الله" في لبنان، والمفاعل النووي، وقبل ذلك التفاوض على تسليم عناصر "القاعدة" الذين قادتهم سذاجتهم إلى الفخ الإيراني، هذه المفاوضات لا تحظى باهتمام الفضائيات التي يمولها الحرس الثوري(1/285)
الإيراني. وتصريحات الرئيس الإيراني الأخيرة تشير إلى أنَّ الأمر لا يحتاج إلى موافقته أو إطلاعه على مجرياتها. وحدهم "الثوريُّون والفقهاء" العرب هم الذين يصدِّقون ما تذيعه طهران عن عدائها لتنظيم "القاعدة". ربما كان ذلك صحيحا في الماضي، لكن الحاضر له حسابات وبرامج أخرى لا علاقة لها بالحبِّ والكراهية، فهذه وتلك من سجايا العرب التي لا تجد لها وقعًا في دهاليز طهران. العرض الإيراني بمحاكمة الإرهابيِّين أمام محاكمها يثير سؤالاً هامًّا: بأيَّة تهمة ستحاكمهم طهران، وهم الذين استجاروا بالجمهوريَّة الإسلاميَّة فأصبحوا كالمستجير من الرمضاء بالنار! في الواقع، الأمر لا يتعدَّى محاولات ابتزاز واضحة تريد أجهزة الحكم في إيران أن تستغلَّها لتمرير قضايا تستخدم فيها هؤلاء الأغبياء لما يعود عليها بالنفع الوفير.
ثم هناك القرار الذي اتَّخذه مجلس الأمن القومي الإيراني بالسماح للشركات الإيرانيَّة بالعمل مع الشركات الأمريكيَّة في بغداد، والذي يبدو انه يندرج تحت بند "فقه المصلحة" الذي تمارسه طهران، وتندِّد بكلِّ من يعمل به. إيران تمنح نفسها الحقَّ في توزيع الاتِّهامات عبر وكلائها في المنطقة، وتمارس من الأعمال مع ما يناقض فتواها. والثراء الذي أتخم المؤسَّسة الدينية و"الحرس الثوري" كما كان الحال مع "حزب البعث" العراقي وأجهزة المخابرات في بغداد، ناتج عن فساد واضح في القيم السائدة وعدم الاحتكام إلى نصوص ثابتة يمكن بمقتضاها محاسبتهم بها.(1/286)
"حزب الله"، يمثِّل أحد أجنحة السياسة الإيرانيَّة في المنطقة، وهو يعمل ويتحرَّك ويصرخ ويقاتل بوقود إيرانيَّة شيعيَّة لا علاقة لها بحسابات العالم العربي نفسه ومصالحه. وعلى ما يبدو فان قيادة "حزب الله" موقنة بأنَّ وقت سداد الفواتير المتراكمة يقترب أكثر فأكثر، وأنَّ ما يحدث لعناصر "القاعدة" لا بد أن يدركها يوم لا ينفع منتظر ولا وليٌّ ولا فقيه. وربَّما تدرك قيادات "حزب الله" الآن مدى التغيير الذي أحدثته حرب العراق وسقوط النظام البعثي فيها، ووجود الجيش الأمريكي على مرمى حجر من شريانهم الحيوي في قم. ومحاولات "حزب الله" الأخيرة لإعادة الحرارة إلى الجبهة مع إسرائيل لا هدف منها سوى منح "الحرس الثوري" والمؤسَّسة الدينيَّة الإيرانيَّة أوراقًا إضافيَّة للمساومة عليها مع واشنطن من دون النظر إلى الآثار التي يحدثها مثل هذا التصرُّف الصبياني البعيد عن الحسابات العربيَّة الخالصة. المحزن أنَّ لغة إيران تغيَّرت في ظاهرها، ولكن مضامينها ونياتها تجاه المنطقة لم تتبدَّل. لذا، يحتم الواجب أن نعي الأمر وألاَّ ننساق وراء شعارات برَّاقة وكلمات مخادعة وابتسامات صفراء، وأن نكون حريصين على مصالحنا، كما يفعل أهل طهران حين يتظاهرون احتجاجاً على احتلال اسرائيل لأراضٍ عربيَّة، ويغضُّون أبصارهم عن احتلالهم لأراضٍ عربيَّة وسط الخليل
******************
حزب الله .. والمصلحة القومية
أبو أحمد مصطفى
الشرق الأوسط: 8928-9 مايو 2003(1/287)
ترتكز عقيدة "حزب الله" على الفكر الديني للمذهب الشيعي، وعلى ارتباط وثيق بالقيادة الدينيَّة الإيرانيَّة تمويلا وتنظيما وتسليحا، وبالتالي، فإنَّ فكر القوميَّة العربيَّة لا وجود له في تفكيره أو أهدافه المستقبليَّة. لذلك فعقيدته تشمل مجموعات كبيرة لا رابط قوميا بينها، بل قاسمها المشترك فكر مذهبيٌّ شيعي. كذلك فإن "حزب الله" تنظيم مسلَّح تسليحا جيدا لا يمكن أن تكون موارده من تبرعات أعضائه، الذين هم في غالبيتهم ليسوا من الطبقات الميسورة التي يمكن أن تسدِّد فواتير مشترياته العسكريَّة التي يتحدَّث عنها قادته باعتزاز، أضف إلى ذلك ما يدفعه "حزب الله" من مبالغ شهريَّة رواتب للعديد من أنصاره المتفرِّغين ضمانا لولائهم، وطاعتهم لقيادة الداخل والخارج. انني اعتقد أنَّ ما قدَّمته إيران لـ"حزب الله" لم يكن نابعا من قناعة القيادة الإيرانيَّة الدينيَّة بفكرة لبنان الواحد، أو تحرير الجنوب اللبناني، أو دفاعا عن الحقوق العربيَّة المغتصبة. ومن يدَّعي غير ذلك يستخفُّ بالعقول التي لا تفتقر إلى التفكير السوي والتحليل الواقعي. فهدف إيران هو إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة العربيَّة تستطيع من خلاله أن تكوِّن نفوذا لها يساعدها على التدخل في الشؤون العربية وقضاياها السياسية. وحتى تتمكن من تحقيق ذلك، ولو بطريقة غير مباشرة، وجدت في "حزب الله" ذي العقيدة الدينية ذات المرجعيَّة الخارجية الوسيلة المثلى للوصول إلى المياه العربية الدافئة. لم تحاول إيران إلاَّ في السنوات القليلة الأخيرة أن تقيم علاقات سليمة مع الحكومات العربية، وفضَّلت التعامل مع تنظيمات تسيطر عليها وتمولها. وهذه بدورها لا تخفي ولاءها والتباهي بصور قادة وزعماء لا يمتون إلى الوطن أو المنطقة بصلة، وتتباهى برفع صور زعامات خارجيَّة في مكاتبها وفي أرجاء المناطق التي يسيطر عليها "حزب الله" في وطن يدَّعي النضال لـ "تحريره". ولعلَّ الذاكرة تسعف بعضنا(1/288)
باستعادة منظر وزير الخارجيَّة الإيرانيَّة يعلن من بيروت أنَّه طالب "حزب الله" بضبط النفس حتى لا تتذرع إسرائيل بتهديداته الإعلاميَّة التي أحدثت وقرا في سمعنا لضرب العمق الإسرائيلي. الإعلان الإيراني من لبنان، يدل على عدم قدرة الحكومة اللبنانيَّة على ضبط حزب يُفترض أنَّه يخضع للقوانين اللبنانيَّة التي طبِّقت على بقية الأحزاب التي تخلى عنها الراعي الأجنبي، وتركها في العراء لتوافق أوضاعها مع المعطيات المستجدَّة على الساحة اللبنانيَّة. وحده، "حزب الله" تمَّ استثناؤه من مبادئ السيادة الوطنيَّة التي يمثلها جيش يتبع الحكومة، ومن أهمِّ مؤسَّساتها. وحده "حزب الله" لا تنطبق عليه شروط العمل السياسي التي تؤكِّد على الولاء الوطني أولا وأخيرا. لا يجوز مع هذه المبادئ الحديث عن توكيلات شرعيَّة لمرجعيات خارجيَّة دينيَّة أو سياسيَّة. والكل يعلم لماذا! أولى لمن يريد سلامة الوطن وأمن المواطن أن يحكِّم العقل بدلاً من شطحات ذاتيَّة لا يكون مآلها بأحسن ممَّن لم يعتبر ومن بعده الطوفان، فلات ساعة مندم! وضع الأمور في نصابها، وإحقاق الحقوق التي تضمن وجود وطن يكون الولاء أولا وأخيرا له لا يتعدَّى الرجوع إلى اتفاقية "الطائف" التي أقرَّها الجميع حرصًا على لبنان إنسانا وأرضا واستقلالا، لا ميليشيات ولا ولاء خارجي ولا تمويل مصادره تبعث على الريبة والشكوك. يدَّعي "حزب الله" بأنَّ ميليشياته تمثل مقاومة وطنية، وتلك حجَّة لم تعد تصلح في ظلِّ الأوضاع الإقليميَّة والدوليَّة الحاليَّة. ومن المفترض على الحزب، إن كان حريصا على سلامة لبنان وسيادته قولاً وفعلاً، ألاَّ يوجِّه الإهانة للجيش اللبناني، بإعفائه من أولى مهمَّاته وأسماها، ألا وهي حماية حدود الوطن. أمَّا الادِّعاء بأن هذه الميليشيات هي للدفاع عن الوطن، فذلك قول لا ينخدع فيه من أتى الله بقلب سليم. فمن يدفع ثمن الفاتورة، كما يقول المثل، يحدِّد النغمات ومن(1/289)
يعزفها، أو ساعة "المعركة" التي لن تقع إلاَّ بمشيئة الراعي الممول. الحالة التي يعاني منها لبنان لا يمكن أن تسمح بوقوعها دولة فيها مؤسسات وحكومة شرعيَّة. إنَّه وضع مثل أوضاع دول افريقية كثيرة سقطت فيها الدولة وصار الأمر فيها متروكا لكل حامل سلاح وصاروخ وذخيرة. المخرج سهل وبسيط، حمايةً للبنان وصونا لحقوق أبنائه، وهو سيادة القانون، وتلاشي الميليشيات مهما كانت نوازعها وأهدافها. تعدُّدية الحكم قوامه أحزاب سياسية بولاء مطلق للوطن، لا بميليشيات سلاحها بيدها وذخيرتها بيد مموِّل خارجي. فعندما يكون الولاء للوطن، تصان كرامة المواطن، وتلتقي المصالح القوميَّة على نهج قويم فيه متسع للجميع بمن فيه "حزب الله".
******************
هل سيثأر حسن نصر الله للشيخ ياسين !؟
حسن الرشيدي
في أعقاب العملية الإجرامية و التي قامت فيها طائرة أباتشي بإطلاق صواريخها على الشيخ أحمد ياسين زعيم حركة حماس فأوقعته شهيدا أطلقت عناصر من حزب الله اللبناني صواريخ وقذائف هاون على قوات إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا وقالت الشرطة اللبنانية إن الطائرات الحربية الإسرائيلية ردت بشن غارة على ضواحي قرية كفار شوبا اللبنانية. وأعلن حزب الله مسئوليته عن الهجوم في بيان له مشيرا إلى أن سرايا الشهيد الكبير القائد أحمد ياسين قصفت مواقع العدو الصهيوني في مزارع شبعا بكافة الأسلحة الصاروخية والمباشرة وأصابتها إصابات مباشرة. وأضاف البيان أن الحزب قصف ستة مواقع إسرائيلية. وفي وقت سابق أعلنت الشرطة اللبنانية أن حزب الله أطلق أكثر من 65 صاروخا وقذيفة هاون باتجاه ستة مواقع للجيش الإسرائيلي في قطاع مزارع شبعا. وقالت إن مدفعية الميدان الإسرائيلية أطلقت أيضا قذائف من عيار 155 ملم على هذه المنطقة.(1/290)
و عند معاينة صور القصف كما صورتها كاميرات التلفاز العالمية نجد أن هذه الصواريخ قد أطلقت على مواقع خالية من أي وجود للقوات الإسرائيلية و أكدت هذه المعلومات كل من حزب الله و إسرائيل حيث لم يذكرا في أي من بياناتهما خسائر في الأرواح أو المعدات . وكان الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله قال في لبنان إن إسرائيل ستدفع ثمنا فادحا لاغتيالها الشيخ ياسين. بالطبع هذه التصريحات الجوفاء التي لا تعني شيئا بالنسبة للفلسطينيين و معاناتهم و التي تعاملوا معها على أنها نوع من الديماجوجية المفرطة فتاريخ حزب الله الحقيقي يذخر لا نقول بمواقف اللامبالاة بالقضية الفلسطينية و لكن نقول بضرب هذه القضية و المشاركة في محاولات تصفيتها ، و من أراد الأدلة فعليه بكتاب حقيقة المقاومة قراءة في أوراق الحركة السياسية الشيعية في لبنان ، لعبد المنعم شفيق .. كما أن الشيعة قد عبروا عن فرحتهم بهذا الاغتيال عبر منتدياتهم و مواقعهم على الإنترنت من أمثال ما ذكر بالنص عندما طالب أحدهم بتمجيد اليهود لأنهم اغتالوا كما زعم ناصبي ! و قال آخر :لقد مات أحمد ياسين سارق أموال الشعب العراقي .
و لكن ما يعنينا في هذا المقام في تصريحات حسن نصر الله الأخيرة أنها تحقق للحزب عدة رسائل يريد إيصالها بهذه الأفعال و التصريحات :(1/291)
الرسالة الأولى : هو إن إظهار التأييد الزائف للفلسطينيين بصورة مستمرة يعطي للحزب المكانة الكبيرة داخل المجتمعات الإسلامية السنية مما يساعد على تمدد الفكر الشيعي داخل هذه المجتمعات و الجميع يعلم تأثير هذه الشعارات على بعض الشباب و العامة الساذجين و كيف أن كثيرا منهم ينخدعون بتلك التصريحات النارية و ما أمر عبد الناصر ببعيد و كيف استحوذ على قلوب الجماهير العربية في الستينات بإطلاقه مثل هذه الشعارات و هو الذي حمى الحدود الإسرائيلية من هجمات المقاومة و كيف ساعد على ضربها في أكثر من موضع و الغريب أن قسم كبير من الشيعة و على رأسهم الخميني يكنون تقديرا لعبد الناصر !! و في الواقع فإن بعض من المنتسبين لأهل السنة قد تحولوا إلى التشيع بتأثير رفع تلك الشعارات الجوفاء .
الرسالة الثانية: الذي توجهها تصريحات نصر الله بالانتقام من قتلة الشيخ ياسين ثم ضرب مزارع شبعا هي رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة بأن الحزب لا يزال لديه أوراق يلعب بها في المنطقة و أن استثناؤه غير مفيد في أي مشاريع موجهة للمنطقة مثل مشروع الشرق الوسط الكبير أو العمل على تصفية ذراعه العسكري كما ينادي بذلك صقور الإدارة الأمريكية .
الرسالة الثالثة: التي بعث بها حزب الله هو على الصعيد الإسرائيلي وهو أن تأييد حزب الله العلني للفلسطينيين ناتج من احتلال مزارع شبعا التي يريدها حزب الله من اليهود ليكتمل انتصاره المزعوم في جنوب لبنان و أن الانسحاب الإسرائيلي سيقضي على أي تأييد شيعي للفلسطينيين حتى و لو كان عن طريق الشعارات .
الرسالة الرابعة : هي إلى الحليف السوري الذي ينسق حزب الله معه جيدا و مضمون هذه الرسالة أنه لا يزال على عهده معه في مواجهة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على النظام السوري و التي من ضمن مطالبها تفكيك الدور العسكري لحزب الله و تحييده في دور سياسي .
*******************
حزب الله والانتصار المزيّف(1/292)
محمد سرور زين العابدين
مجلة السنة - محرم 1425 هـ - مارس 2004م
عاد حزب الله إلى الأضواء بعد نجاح صفقة تبادل الأسرى بينه وبين إسرائيل [29/1/2004]، وعاد الحديث عن الحزب العربي البطل الذي يرفض دائماً التفكير الطائفي الضيق، ويقدم الدليل بعد الدليل على أنه عربي النزعة، إسلامي المحتوى، وقد أصر في هذه الصفقة على أن يكون المفرج عنهم من بلدان عربية مختلفة: لبنان، وسورية، وفلسطين، والسودان، والمغرب، وليبيا، وفضلاً عن هذا وذاك فهم بين شيعي، وسني، وغير ذلك من طوائف وأديان.
هكذا شأن الناس في بلادنا تتغير مواقفهم لا أقول بين يوم وآخر بل بين ساعة وساعة أخرى. فقبل الإعلان عن صفقة تبادل الأسرى كان الناس يتحدثون عن تعاون شيعة العراق مع القوات الأمريكية، وكان المجاهدون العرب الذين سلموا من القتل أو الأسر يذيعون أخبار غدر شيعة العراق بهم وبإخوانهم سنة العراق ... ثم راح هؤلاء ينبشون كتب التاريخ، يستخرجون منها خيانة ابن العلقمي والطوسي وأمثالهما، وماذا فعل هؤلاء بمن أحسنوا إليهم ووثقوا بهم من غير أبناء طائفتهم، وبشكل أخص الخليفة الذي اتخذ منهم وزراء ومستشارين له ... ثم يقارنون بين الأمس واليوم.(1/293)
كانت غالبية المجاهدين العرب من السوريين، ومن مختلف مدنها وقراها، وكان عدد الشهداء بينهم كبيراً، ولكل شهيد قصة لابد وأن تقترن بغدر الشيعة، والناس في كل صقع من سورية يروجون هذه القصص، وقد يُضاف إليها ما ليس منها، فتغدو في منتهى البشاعة والاشمئزاز ... والخطورة في هذه المسألة أن التنفير لم يعد قاصراً على شيعة العراق. فلقد فُتح ملف: إيران وحزب الله والشيعة على مختلف بلدانهم وفرقهم ... فالأحزاب الشيعية العراقية [المتأمركة] تأتمر بأمر آيات إيران، وهؤلاء ينسقون سراً وعلناً مع الأمريكان، وحزب الله بين مؤيد لما يحدث وساكت عن قول كلمة الحق ... ومرجعهم الأكبر [السيستاني] يفتي بعدم شرعية الجهاد...يا للعجب!! الشيطان الأكبر يحتل العراق ويسقط بغداد ... ويهز العالم الإسلامي ... ثم لا يكتفي هؤلاء بالقعود عن الجهاد، وإنما يتعاونون معه، ويرضون بحكمه وطغيانه، ويقترفون إثم الخيانة والغدر، فأي مجال بعد ذلك لحسن الظن بهم؟!.يقول الرواة السوريون: ضاق حزب الله ذرعاً بهجوم المجاهدين العائدين من العراق عليه وعلى مراجعه في كل من إيران والعراق، لاسيما وأن هذا الهجوم وقف سداً بوجه مشاريعهم في تشييع أهل السنة ... فاستعان قادة حزب الله بالقصر الجمهوري بالذات، وطالبوا الرئيس بوضع حد لهؤلاء المشاغبين (!!) وتذكيرهم بأنهم مازالوا يعيشون في السجن الكبير الذي بناه الوالد الهالك. أصدر الرئيس أوامره المشددة باعتقال رموز المجاهدين، من مختلف المحافظات، وهذا الذي حدث، وبعد مضي أكثر من ستة أشهر لا يعرف أهل المعتقلين مصير أبنائهم، وإن كانوا يظنون بأنهم في فرع فلسطين، وهو من أسوأ فروع المخابرات. هذه واحدة من المعاناة من حزب الله، أما الثانية فبعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 م تكشفت أمور:(1/294)
منها: أن الشيعة في جيش لحد كانوا أكثر من النصارى ورغم التكتم الشديد على أخبارهم، فقد كان تعاطف الحزب معهم واضحاً. ومنها: أن الحزب تحول إلى حارس لأمن إسرائيل في شمالي فلسطين، رغم أن إسرائيل لا تزال تسيطر على مزارع شبعا، ومن سوء حظ أهالي هذه المزارع أنهم من أهل السنة، وأنهم حسب الاتفاقات الداخلية والخارجية المشبوهة ممنوعون من التسلح والجهاد من أجل تحرير أرضهم.
ولينظر من شاء إلى المقابلة الصحفية التي أجرتها صحيفة الشرق الأوسط قبل أشهر قليلة مع أمين حزب الله السابق - صبحي الطفيلي - لقد أثبت فيها تواطؤ إيران مع إسرائيل، وبحكم تبعية حزب الله لإيران، فهو الذي يحفظ أمن إسرائيل، ويمنع تسلل الفدائيين من أية جهة كانت. وإذن فقد تحول حزب الله إلى حزب سياسي لبناني، وإن كان الدعم الإيراني السوري يمنحه ميزات لا يحظى بها أي حزب لبناني آخر، ومهما أُعطي من دعم فهو لا يرضى بأن يكون مجاله محصوراً داخل لبنان، لقد أرادت له إيران أن يكون الحزب العربي الأول، وأن يكون حديث العرب كلهم، وأن يسرق الأضواء من المجاهدين الحقيقيين الذين هزوا الكيان الصهيوني في فلسطيننا الحبيبة، وهزموا شارون وحزبه ... رغم كل وسائل الإجرام التي استحدثوها، وأن يسرق الأضواء كذلك من المجاهدين العراقيين الذين ضربوا أروع الأمثلة في البذل والفداء والتضحية. هذه هي الأجواء التي صُنِع فيها انتصار حزب الله، ولكن الدلائل كلها تشير إلى أنه انتصار مزيف، فالأطراف المعنية كانت قد أعلنت عن فشل المفاوضات ... ثم نشرت وسائل الإعلام خبر عملية قام بها حزب الله ضد القوات الإسرائيلية، وردت إسرائيل على العملية باعتداء محدود على الجنوب اللبناني، وكانت العملية مع الرد عليها مثار شك!! لأن عملية حزب الله جاءت بعد هدوء طويل، ومن ثم فقد كانت عديمة الجدوى ... والرد الإسرائيلي لم يكن يتناسب مع غطرسة المجرم شارون، وقدرة قوات جيشه على توجيه ضربة موجعة لحزب(1/295)
الله، لاسيما وأن الظروف الدولية مناسبة لتنفيذ التهديدات التي يتوعد بها شارون النظام السوري ولبنان. ومن جهة أخرى فإن أمريكا تتوعد سورية منذ سقوط بغداد، والنظام السوري ترتعد فرائصه، ويرسل الوساطة تلو الأخرى لكل من واشنطن وتل أبيب، ويقول في السر ما ينكره في العلن، فقبل هذا الانتصار المزيف بحوالي ثلاثة أسابيع نشرت المجلة الأمريكية (جينس) المتخصصة في الشؤون العسكرية ما يلي:
"إن الولايات المتحدة تدرس احتمال مهاجمة حزب الله في وادي البقاع في شرقي لبنان، وأن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد يدرس استفزاز سورية لخوض مواجهة عبر مهاجمة قواعد حزب الله، وأضافت المجلة:
إنه من شبه المؤكد أن مثل هذا الهجوم سيقود إلى مواجهة مع القوات السورية، وهذه المواجهة تستهدف - كما يرى وزير الدفاع الأمريكي إنهاء دعم دمشق للمجموعات الفلسطينية المناوئة لإسرائيل، والتخلي عن أسلحة الدمار الشامل، وسحب القوات السورية من لبنان، وسحق حزب الله. لكن هناك سبب للاعتقاد بأن إيران والولايات المتحدة تتجهان إلى نوع من التفاهم التكتيكي نتيجة الدبلوماسية الخفية، لذلك أخذت طهران تخفض دعمها للنظام البعثي في دمشق ...".
وهذا الذي قالته المجلة تردده الدوائر الصهيونية والأمريكية منذ أكثر من عام ... فكيف يهددون بسحق حزب الله، ثم يعتدي الحزب على إسرائيل في زمن الهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم، وليس على المنطقة العربية وحدها، ثم يصنعون له هذا النصر المزيف، ويعيدون له الأضواء التي فقدها؟! إن أقوال هؤلاء تخالف أفعالهم، وحزب الله ليس عدوهم الحقيقي، وإنما عدوهم الذي يخشونه أشد الخشية: القوات السنية (من فلسطينيين ولبنانيين) التي أُخْرِجَت من جنوب لبنان بموجب مؤامرة متعددة الأطراف. وعدوهم شعبنا الفلسطيني المجاهد وفي طليعته حركتا حماس والجهاد.(1/296)
وعدوهم أهل السنة في العراق الذين رفضوا الإذعان لمنطق القوة والهيمنة والغطرسة، وحملوا السلاح دفاعاً عن دينهم وأعراضهم وأوطانهم. وعدوهم أهل السنة في كل مكان ... وهؤلاء جميعاً تتنكر لجهادهم الحكومات العربية المستسلمة لأمريكا، وتمنع عنهم جميع أنواع الدعم والمساعدة، ولا يجدون من أي منها بعض ما تقدمه إيران لحزب الله، ورغم الجوع والخوف فهم ماضون في جهادهم، صابرون على شظف العيش، ينتظرون الأجر والثواب في يوم ليس فيه طغيان ولا ظلم: ?يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ? [غافر:16].
وإني لأجزم أن هذه الصفقة وفي هذا الظرف بالذات ما كانت لتتم لو كان الطرف الآخر حركة حماس أو أي حركة أخرى من حركات أو أحزاب أهل السنة. ومن المفيد أن ننتقل إلى المقارنة بين حجم الصفقة، والبعد الإعلامي الذي حظيت به.
أما حجم الصفقة: فقد وعد حزب الله بأن الصفقة ستشمل اللبنانيين والفلسطينيين والعرب عامة، وكان يُصرِّ على ذلك، غير أن النتائج كانت مخيبة للآمال والوعود ... فالمفرج عنهم كانوا بين من يقضون فترات اعتقال أقل من عام، ومحكومين بالسجن لمدة عامين أو قريب من هذا، ومن أمضى فترة سجنه ولم يبق له إلا أشهر قليلة.
ومن جهة أخرى فقد استنثني من الإفراج العسكريون، ومن كان من أصل أردني أو مقدسي، أو من سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، أو من سكان الجولان المحتل، كما استثني أصحاب الأحكام العالية، والنساء والمرضى.
أما البعد الإعلامي: وصفت بعض وسائل الإعلام زعيم حزب الله حسن نصر الله بأنه صاحب أقوى "كاريزما" على الأرض العربية، ومثل ذلك كثير، أما هو - أعني نصر الله - فقد خطب في جموع حاشدة، وكان مما قاله:
- "إن النصر ليس مستحيلاً رغم قوة العدو الجبارة، وإن المقاومة ممكنة دائماً وقادرة على إرباك العدو وإجباره على التراجع".(1/297)
- "إن حزب الله بعد التبادل هو عينه حزب الله قبل التبادل بل أشد عزماً وأقوى إيماناً ويقيناً وتصميماً على طريق المقاومة".
- "لم نتوقف عن المقاومة، ومقاتلونا استهدفوا الأسبوع الماضي، وقبل أيام قليلة من الإعلان عن إنجاز اتفاق المبادلة، جرافة إسرائيلية توغلت أمتاراً قليلة في جنوب لبنان. نحن نفاوض ونضرب الجرافة، هذا شيء وهذا شيء آخر. في الميدان من يعتدي على بلدنا سنواجهه وسيدفع الثمن".
- "أرضنا ما زالت تحت الاحتلال، ومازال لدينا أسرى وإسرائيل ما زالت تعتدي علينا براً وبحراً وجواً، ولبنان في دائرة تهديداتها بسبب ودون سبب".
ثم بلغت حماسة "نصر الله" أوجها فقال وهو يخاطب الغوغاء:
"أعاهدكم بأنهم سيأتون بهم (بالإسرائيليين) في المرة المقبلة أحياء. في المرة الماضية جاؤوا بالجنود الثلاثة أمواتاً لكننا سنأتي بسواهم أحياء" .
ثم وجد المجال مناسباً لتحقيق مكسب لحزبه على حساب حركة أمل فقال مخاطباً الرئيس الليبي معمر القذافي:
"حزب الله يدعو ا لرئيس الليبي معمر القذافي إلى الكشف عن مصير الإمام موسى الصدر ... يجب أن تقبل أنك مسؤول عن قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ... يجب أن تمتلك الشجاعة لتقول كل الحقيقة، وأنت تعرفها جيداً، وأن تعمل على إغلاق هذا الملف المؤلم المزمن مهما كانت التبعات" .
ومما لا يخفى على المطلعين أن حزب الله فصيل إيراني يؤدي دوراً مهماً في أوساط العرب، ولهذا فلقد كان الحضور الإيراني الرسمي في حفل استقبال الأسرى ملفتاً للنظر، وقال مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في رسالة إلى حسن نصر الله أمين عام حزب الله:(1/298)
"أهنئكم أنتم والمجاهدين في حزب الله والشعب اللبناني ولاسيما عائلات الأسرى بالإضافة إلى الشعب الفلسطيني للإفراج عن المئات من أبناء الإسلام من سجون النظام الصهيوني القمعي ... وإنها لإشارة جديدة إلى أن النظام الصهيوني يمكن أن يمنى بالهزيمة بعزم المجاهدين المسلمين وإيمانهم الحقيقي، وآمل أن يتم الإفراج عن كل الأسرى الآخرين" .
وقال الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني:
"لم تشهد إسرائيل مثل هذا الإذلال في تاريخها على الإطلاق، وإننا نشهد اليوم مشاهد الفرح في بيروت، والحداد في إسرائيل، وكل ذلك يدل على أن المقاومة مجزية، وأن حزب الله انتصر من جديد على إسرائيل" .
أما في فلسطين المحتلة فقد اختلطت مشاعر الحزن بالفرح، فأهالي الذين لم يفرج عنهم صدموا لأنهم كانوا يتوقعون شيئاً ووجدوا شيئاً آخر، [وهؤلاء هم الأكثرية]، أما أهالي الذين أفرج عنهم فقد ساروا في مظاهرات وهم يهتفون:
"ياحزب الله على الحدود علمهم خطف الجنود".
فهل تتناسب هذه الصفقة المتواضعة مع الضجة الإعلامية الضخمة التي رافقتها؟!.
وهل كان قادة الشيعة وآياتهم صادقين مع أنفسهم عندما زعموا بأن إسرائيل لم تشهد إذلالاً في تاريخها مثل هذا الإذلال؟!، ومما هو جدير بالذكر أن مثل هذه المقولة كانت ترددها فضائيات الشيعة في كل من إيران ولبنان، والفضائيات الأخرى المتحالفة معها أو المبهورة بإعلام حزب الله، كما كان يرددها خطباء الجمعة الشيعة، وغير ذلك من وسائل إعلامهم. ومن جهة أخرى فقد أبرزت أجهزة الإعلام العالمية هذا الحدث، وكان وراء إبرازه أكثر من إشارة استفهام.
أما عن الصفقة فقد بيّنا فيما مضى أنها متواضعة، وأن إسرائيل التي تحكمت بنتائجها وليس حزب الله.(1/299)
وأما انسحاب إسرائيل في عام 2000 م فقد أكدنا في بحث نشرناه في حينه بأن الانسحاب لم يكن هزيمة لإسرائيل [وإن كنا لا ننكر بأن حزب الله قاتل وقدم ضحايا، وكبد العدو خسائر بغض النظر عن حجمها]، وإنما جاء الانسحاب وفق حسابات إسرائيلية قصدت من ورائها حرمان سورية من استغلال مسألة احتلال الجنوب. أما لماذا جاءت الصفقة في هذا الوقت بالذات؟!.فلابد لنا للإجابة على هذا السؤال من الإشارة إلى الحلف الأمريكي الشيعي الذي ترسخ بعد سقوط بغداد، واحتلال أمريكا للعراق، وكثافة الوجود الإسرائيلي الإيراني في عراقنا المنكوب. أما الوجود الإسرائيلي فرغم التكتم الشديد الذي تمارسه القوات الأمريكية في العراق، فالعراقيون وغيرهم يعلمون بكثافة الوجود الإسرائيلي، وتعدد أوجه نشاطهم، فمن بينهم فرق المخابرات (الموساد) التي مضى على وجودها في شمالي العراق أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وهؤلاء يتتبعون نشاط المجاهدين، ويزرعون الجواسيس، ويدربون الأمن العراقي، ويقدمون خبرتهم لرجال المخابرات الأمريكية.
ومن بينهم خبراء عسكريون، يقومون بتدريب فرق القناصة الذين يتترسون فوق المنازل والدوائر الرسمية، كما يدربون القوات الخاصة ... ومن آثار الخبراء العسكريين الإسرائيليين السيئة إقناعهم للأمريكان بتطبيق الأسلوب الذي يتبعه الجيش الإسرائيلي مع الفلسطينيين: كهدم المنازل، وتشريد عائلات المشتبه بهم.
ومن بينهم خبراء اقتصاديون يشرفون على التبادل التجاري بين العراق المحتل وإسرائيل، ويشترون الأراضي، ويؤسسون الشركات بالتعاون مع شخصيات في مجلس الحكم المحلي أو مجلس الوزراء.(1/300)
ومن بينهم خبراء في الوزارات والمؤسسات العامة: كالصحة والتعليم وغير ذلك. ومن بينهم خبراء ومختصون بالآثار العامة، وآثار اليهود العراقيين بخاصة. ومما يجدر ذكره أنه كان لليهود وجود فعال في العراق قبل عام 1948 وقيام الكيان الصهيوني في فلسطين. وإلى جانب الوجود الإسرائيلي وجود إيراني، ومن الطبيعي أن يكون أشد كثافة وأكثر فاعلية من الوجود الإسرائيلي، فبالإضافة إلى (فيلق بدر) وهو فرع من فروع الحرس الثوري، فقد تسلل إلى العراق آلاف من قوات "القدس" ومن الاستخبارات الإيرانية في ثياب مدنية، وكرجال دين في النجف وكربلاء وبغداد، ومن بينهم خبراء ومستشارون لقوات مقتدى الصدر ... هذه القوات الإيرانية وإن كانت منتشرة في مختلف مناطق العراق، فأمرها في الجنوب العراقي لا يخفى على أحد، ويقول العراقيون: الأمريكان وحلفاؤهم يحكمون الجنوب العراقي في النهار، والإيرانيون يحكمونه في الليل. وهذا لا يعني أن الحكم في النهار للأمريكان وحدهم. فكيف يتسنى لعاقل الاعتقاد بأن هذا الوجود الإيراني (مع امتداداته الشيعية في العراق) الإسرائيلي جاء عفوياً ومن غير ترتيب وتنسيق مع القوات الأمريكية المحتلة؟! أو كيف يُظن أن أعضاء مجلس الحكم لا يعلمون شيئاً عن هذا الوجود الإسرائيلي، ولا يتعاملون معه مباشرة؟!.
لا يمكن أن يكون ذلك كذلك، ونكتفي فيما يلي بذكر المثالين التاليين:
المثال الأول: "نقلت وسائل الإعلام (26/2/2004) عن مصادر إسرائيلية أن شركة الوقود والمحروقات الإسرائيلية (سونول) تقوم منذ أكثر من عشرة أيام بتزويد وبيع النفط ومشتقاته للعراق. وقالت المصادر أنه تم توقيع الاتفاقية بين الشركة وهيئة إعمار العراق والتي تعرف باسم (السومو) قبل عدة أسابيع، وذلك بعد مفاوضات طويلة شارك فيها ممثلون عن الشركة الإسرائيلية ومسؤولون عراقيون".(1/301)
المثال الثاني: مفكرة الإسلام [28/12/1414 الموافق 19/2/2004] أكد الأمين العام لهيئة علماء المسلمين السنة في العراق الشيخ حارث الضاري، صحة ما تردد عن شراء (إسرائيليين) أراضي في العراق بأسماء عربية، وجاء ذلك في مؤتمر صحفي عندما سئل الضاري عما تردد عن توجه (إسرائيليين) إلى العراق وشرائهم أراضي وعقارات، فأكد أن هذه المعلومات صحيحة، وقد اشترى (الإسرائيليون) أراضي في العراق بأسماء عربية وإسلامية، بحسب ما ذكرته صحيفة (الرأي العام)، وكانت مصادر تركمانية قد كشفت عن وجود مخطط أمريكي صهيوني في شمال العراق يهدف إلى إخضاع منطقة الشرق الأوسط لنفوذهما وتوطين الآلاف من العائلات اليهودية في شمال البلاد. وقالت المصادر التركمانية: إن (إسرائيل) فرضت وجوداً لها على أراض تصل مساحتها 200 كيلومتر مربع في منطقة تبدأ من الحدود السورية مع شمال العراق، وتمتد باتجاه الشرق إلى حدود إيران مروراً بمنطقة تلعفر والموصل، وأضافت المصادر: إن الهدف من الشراء هو توطين أكثر من 150 ألف يهودي في المنطقة التي تعتبر نفس حدود (الدولة الكردية) على حد وصف المصادر الكردية)(1/302)
إن التعاون بين هذه الأطراف الثلاثة قائم على قدم وساق في كافة المجالات: الأجنبية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والصحية وغير ذلك، ويسعون جميعاً إلى إخراج العراق من محيطه العربي، وإقامة دويلات طائفية وعرقية يربط فيما بينها كيان عراقي مركزي أوهى من بيت العنكبوت، لا هم له إلا فض الخلافات بين هذه الدويلات التي ستتحول إلى حروب دامية. ومن أجل ذلك فقد كان أول قرار اتخذوه تسريح أفراد الجيش ومعه قوات الأمن العراقية، ثم أصبحت البلاد فوضى يسرح ويمرح بها المجرمون وقطاع الطرق، إن إيران وإسرائيل ومن ورائهما أمريكا يعرفون مكانة ودور الجيش العراقي في مختلف العهود، وأنه كان حقاً حارس البوابة العربية الشرقية بل والغربية، ومن ذا الذي ينسى دوره في حرب 1973، ومنعه لإسرائيل من احتلال دمشق؟ ومن ذا الذي ينسى مرابطته في الأردن منذ عام 1967؟ لقد انتقم الشعوبيون من هذا الجيش البطل بعد سقوط بغداد، ثم جاءوا بقوات بدر الإيرانية وقوات البشمركة الكردية العلمانية وقوات الاحتلال. ومن أجل ذلك فهم يريدون للعراقيين الخنوع والاستسلام للشعوبيين الجدد، ويحاولون بشتى الوسائل القضاء على كل مقاومة ضد طغيانهم، ومما يعرفه العالم أجمع وبعد مرور عشرة أشهر أن أهل السنة وحدهم دون غيرهم هم الذين رفعوا راية الجهاد في سبيل الله ... صحيح أن قصب السبق كان للسنة العرب وهم مركز الثقل، ولكن لا بد من التأكيد على أن الجهاد جمع ما بين السنة العرب والأكراد والتركمان، وأنه شمل العراق كله، وليس مصطلح (المثلث السني) الذي ابتدعوه. ومن أجل القضاء على المقاومة فقد ارتكبوا مجازر بشعة، وصنعوا سجوناً أكبر وأضخم من سجون صدام حسين حشدوا بها الآلاف من الأحرار، وبرع الإيرانيون وأنصارهم من العراقيين في الاغتيالات، وما من منطقة في الجنوب العراقي إلا وقد تعرض فيها دعاة من أهل السنة للاغتيال.(1/303)
أطراف الصفقة: تقول المصادر الألمانية أن أطراف الصفقة هم: أمريكا، وإيران، وإسرائيل، وسورية، وحزب الله، وسنتحدث فيما يلي عن الوسيط الألماني، وعن أهم أطراف الصفقة:
الوسيط الألماني: تحتفظ ألمانيا بعلاقات قوية مع كل من إيران وإسرائيل، أما إسرائيل فتثمن لألمانيا مساندتها إياها داخل الاتحاد الأوربي، ويندر أن تتخذ موقفاً إيجابياً لمصلحة الفلسطينيين كتلك المواقف التي تتخذها فرنسا وبريطانيا وبلجيكا، ودول أوربية أخرى. أما إيران فبينها وبين ألمانيا تعاون لا يشبهه أي تعاون بينها وبين بقية الدول الأوربية، وينفرد الألمان بخبرة ومعرفة واسعة بالطريقة التي يفكر بها الإيرانيون لاسيما وأن الرئيس الإيراني خاتمي وعدد من المراجع الشيعية أقاموا في ألمانيا، وكانت لهم صلات قوية مع المسؤولين الألمان قبل ثورتهم 1979 وبعدها. ومن أوجه التعاون العديدة بين البلدين مسألة الرهائن، فمنذ أواخر الثمانينيات عمد حزب الله إلى خطف السياح الغربيين الذين يتوافدون على لبنان ثم تختفي آثارهم في بلد كان الحكم فيه لرجال العصابات، وحزب الله لا يعترف بعمليات الخطف، وأمام هذا الوضع الدقيق المعقد كانت الدول الغربية تلجأ لألمانيا وتطلب منها العون والمساعدة.(1/304)
وكان الألمان بعد قبولهم الوساطة يتحركون بسرية كاملة، ويجرون مفاوضات مع كل من سورية (أيام حافظ الأسد)، ومع إيران، ثم تقودهم هذه الاتصالات إلى الدخول بمفاوضات مع حزب الله، وبعد جهود مضنية يتم الإفراج عن الرهائن مقابل بديل تلتزم به دولة المخطوفين تجاه إيران، أما المخطوفون فيلتزمون بعد الإفراج عنهم بأن لا يدلوا بمعلومات عن الجهة التي سجنتهم، ولا عن التعذيب الذي تعرضوا له ... والأمم المتحدة ومعها الولايات المتحدة يباركون جهود الألمان بطريقة أو بأخرى على ما حققوه من إنجاز عظيم. في هذه المفاوضات بين حزب الله وإسرائيل شارك طاقم ألماني رفيع المستوى برئاسة رئيس الاستخبارات العامة الألماني "أوغست هانينغ"، وهذا له معنى بالغ الأهمية، فالمفاوضات لا تجري بين حكومة وحكومة أخرى، وإنما بين حكومة وحزب جرد حكومته من صلاحياتها، وتركها تجري وراءه، وتبارك جهوده والعالم راض بذلك. ألمانيا التي تتوسط لدى حزب الله في لبنان، وتعلن في نهاية المرحلة الأولى من هذه المفاوضات عن استعدادها لاستقبال قادة حزب الله في ألمانيا للاتفاق معهم على تشكيل اللجان المختصة من أجل استئناف مفاوضات المرحلة الثانية، والتي ستكون أشد صعوبة من المرحلة الأولى ... ألمانيا هذه تكيل بمكيالين، فهي مع حركات وأحزاب أهل السنة من أكثر الدول الأوربية تشدداً معهم، ولا تتردد في تسليم المشتبه بهم لأمريكا، وهذا ما ترفضه بريطانيا حليفة أمريكا لأنها تحترم أحكام قضاتها. إيران: مما يعلمه القاصي والداني أن حزب الله بلبنان، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق مؤسستان إيرانيتان تتلقى من طهران التعليمات المختلفة كما تتلقى الدعم المالي الكامل، وهذا ما يميزها عن الحركات والأحزاب الشيعية في كل من لبنان والعراق، وهذا يعني أن ألمانيا لابد لها من استئذان إيران لتفاوض فرعها حزب الله، ومن غير هذا الاستئذان لا يمكن للحزب أن يفاوض أحداً، وهذا ما قاله(1/305)
حسن نصر الله في تصريح له:
"الإيرانيون لم يعقدوا العملية، وكان في مقدورهم أن يطلبوا منا عدم المضي بها، لكنهم قالوا لنا: افعلوا ما ترونه مناسباً، وما يسهل عملية التفاوض".قالوا لهم: افعلوا ما ترونه مناسباً من أجل نجاح الصفقة، لأنهم يريدون أن يحققوا نصراً يسترون به فضائحهم في العراق، وخيانتهم للإسلام والمسلمين، ولقد ساعدهم حلفاؤهم الأمريكان والصهاينة على تحقيق هذا النصر المزيف ... وقال قادة طهران: لم تتعرض إسرائيل في تاريخها لمثل هذا الإذلال؟!.
مرة ثانية وثالثة نقول: كيف يكون الأمريكان والإسرائيليون حلفاء في العراق، وأعداء في لبنان؟! وكيف يكون العرب السنة هم الأعداء الألداء للحلف الدنس، ثم تتغير الصورة في لبنان وفلسطين ويصبح الإسرائيليون والأمريكان هم العدو؟!.
يا هؤلاء لقد خدعتم العرب السنة [1] أكثر من مرة، ولكن لن تستطيعوا ذلك في كل مرة، لقد عم غدركم، وانكشفت أكاذيبكم، وهتكت أستاركم، وجددتم لنا ذكرى خيانة الطوسي وابن العلقمي، وغيرهم من أعلامكم المعروفين بالخيانة والغدر في مختلف مراحل تاريخنا. يا هؤلاء: الناس في كل مكان يتابعون أخبار تعاونكم مع الأمريكان في واشنطن ولندن وجنيف من أجل تسهيل احتلالهم للعراق وتسليم الحكم فيه للشيعة. ولقد سمع هؤلاء الناس تصريح نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية محمد علي أبطحي الذي أدلى به في ختام مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية سنوياً بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء (15/1/2004).
قال الأبطحي: إن بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق، وأكد أنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة ... ثم استدرك قائلاً: لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة"[2].(1/306)
وفي (9/2/2002) نقلت جريدة الشرق الأوسط عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني قوله في خطبته بجامعة طهران (8/2/2002):
إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنه لو لم تساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني ... وتابع قائلاً: يجب على أمريكا أن تعلم أنه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أمريكا أن تسقط طالبان"[3].
وماذا بعد تصريحات القيادة العليا لحزب الله (حكام طهران)، عن تعاونهم مع الشيطان الأكبر ضد المسلمين الأفغان، ثم عن تعاونهم معه (أمريكا) من أجل احتلال العراق. وننتظر في وقت آخر أن يتحدث هؤلاء القادة عن تعاونهم مع الهند ضد باكستان، ومع الروس [أثناء احتلالهم لأفغانستان] ضد المسلمين الأفغان. أما حلفهم الدنس مع اليهود والأمريكان ضد المسلمين السنة في العراق، فلن ننتظر حتى يتحدثوا عنه. لقد تحدثنا عن تعاونهم مع الإسرائيليين إبان حربهم مع العراق، وعن تعاونهم المستمر مع الأمريكان منذ بداية ثورتهم عام 1979، ومن المستغرب أن الأمريكان والأوربيين صاروا يصفونهم بالباطنية أي يبطنون خلاف ما يظهرون، ويتعاملون معهم بهذه الطريقة.
بين حزب الله والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية: يتمتع حزب الله بصلاحيات واسعة في لبنان لا يتمتع بها أي حزب لبناني، فما سمي بتفاهم نيسان بين الحزب وإسرائيل عام 1996 كان يرعاه كل من أمريكا وفرنسا بالتعاون مع إيران وسورية. وفي هذا دليل على أن هذه الصلاحيات عالمية فضلاً عن كونها محلية، فلبنان تحت الضغط السوري الإيراني تنازل عن سيادته، ولم يكن دوره في تفاهم نيسان 1996 أكثر من وسيط بين الحزب والدول الأجنبية.(1/307)
ورئيس الوزراء الحالي رفيق الحريري هو الذي قام بهذه الوساطة. ومن جهة أخرى فإن معظم قادة حزب الله (ومنهم حسن نصر الله) كانوا أعضاء بل مسؤولين في حركة أمل عندما ارتكبت مجزرة المخيمات الفلسطينية.
والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية كذلك يتمتع بصلاحيات واسعة في العراق، فهو من جهة مدعوم من قوات الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية المنتشرة في العراق، ومن جهة أخرى فهو مدعوم أيضاً من قوات الاحتلال الأمريكي وحلفائها، ولا أدل على ذلك من كون فيلق بدر هو الكيان العسكري الوحيد المسموح له من قبل الأمريكان في غير كردستان العراق، فلماذا هو دون غيره مع أن الأمريكان يعلمون أنه من قوات الحرس الثوري الإيراني، وليس له من العراق إلا الاسم؟! وفي الوقت الذي يطالب المحتلون ومجلس حكمهم العراقي دول العالم الدائنة للنظام السابق بشطب الديون، يطالب رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وعضو مجلس الحكم المحلي عبد العزيز الحكيم بإلزام العراق بدفع مئة مليار دولار لإيران مقابل ما لحقها من أضرار بسبب الحرب الذي شنها نظام صدام ضدها، ومن المفارقات أن هذا الطلب تقدم به الحكيم عندما كان رئيساً لمجلس الحكم المحلي. أما فيلق بدر فقد نفذ بعد انتقاله من إيران إلى العراق اغتيالات واسعة، استهدفت شيوخ قبائل، وبعثيين سابقين، ودعاة مؤثرين، ولكن أبرز من استهدفهم فيلق بدر الفلسطينيين في بغداد مع أنهم سكنوا العراق واندمجوا مع مواطنيها منذ عام 1948 م، ومن الملفت للنظر أن الحي الفلسطيني كان مستهدفاً من قبل إيران خلال حربها مع العراق، فلقد تعرض لعدد من الغارات، وإن تجديد استهدافهم، وإخراجهم من المنازل التي يسكنونها منذ عشرات السنين لأسباب تافهة لدليل على موقف شعوبي لئيم، وأنهم في أعمالهم هذه يسيرون على خطى أبناء طائفتهم (حركة أمل) في لبنان، وجرائمها المعروفة ضد سكان مخيمي صبرا وشاتيلا، وأمام هذه الاعتداءات المتكررة من فيلق بدر، فلقد(1/308)
اضطر الأمريكان إلى اتخاذ الموقف التالي:
"القوات الأمريكية تحذر فيلق بدر من المساس بأمن الفلسطينيين في العراق ... كشفت التحقيقات التي أجرتها القوات الأمريكية لمعرفة مصدر قذيفتي الهاون اللتين أطلقتا على منطقة البلديات شمال بغداد فجر عيد الأضحى الماضي، أنهما أطلقتا من معسكر تابع لفيلق بدر الذي اعترف مسؤوله بأن مجنداً يعاني من أمراض نفسية وعصبية كان وراء هذه العملية، وقال مترجم عراقي يعمل لدى القوات الأمريكية أن القوات الأمريكية أجرت تحقيقاً موسعاً حول الحادث الذي وقع في منطقة البلديات التي تسكنها غالبية فلسطينية فجر عيد الأضحى وأودى بحياة 6 فلسطينيين وإصابة 52 بحروح. وأوضح أن القوات الأمريكية وجهت لوماً شديداً إلى فيلق بدر حيث أنكر في البداية مسؤوليته عن الحادث، إلا أن الأدلة الدامغة التي قدمتها القوات الأمريكية أرغمت المسؤولين في الفيلق على الاعتراف بهذا العمل" [4].
وهذا من الأمريكان تناقض مشين، فعند احتلالهم للعراق هددوا فيلق بدر إن دخل العراق كجيش، ثم أذنوا له بالدخول، كما أذنوا له بحمل السلاح، وتركوه يعيث في أرض العراق قتلاً ونهباً، ثم ها هم يحذرونه إن تكرر عدوانه على الحي الفلسطيني، فلينزعوا السلاح منه إن كانوا جادين، وليعاملوا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية كغيره من الأحزاب المشاركة في الحكم.(1/309)
الولايات المتحدة الأمريكية: من يتابع أخبار التهديدات الأمريكية المتتالية لسورية ولبنان يدرك بأن الحرب لا محالة واقعة، وأنهم - كما وعدوا - سيوجهون ضربات قاضية لحزب الله في البقاع قرب الحدود السورية، ثم يستدرجون القوات السورية إلى معركة فاصلة، وأنه قد آن الأوان لمحاسبة حزب الله على سياسة خطف رعايا الدول الغربية التي مارسها خلال أكثر من عقد ونصف، ومحاسبة سورية على مراوغتها واحتضانها للمنظمات الإرهابية العربية والعالمية خلال عدة عقود - على حد قول الأمريكان - ... لكن واقع الحال ليس كذلك، فالأمريكان مثل إيران يقولون شيئاً ويفعلون خلافه، وفيما يلي بعض الأمثلة نستعرضها على عجل:
- أمريكا هي من رتب احتلال سورية للبنان عام 1975 م، وكلفتها بوضع حدٍ للفوضى التي عصفت باستقراره، وتم ذلك بالتنسيق الكامل مع إسرائيل التي حددت خطاً أحمر للقوات السورية في لبنان لا يجوز لها تجاوزه [نهر الأولي].
- وسورية هي من تحالفت مع الشيعة بقيادة إمامهم موسى الصدر، ومع الموارنة ضد القوات الوطنية والسنية من فلسطنيين ولبنانيين، وما زالوا يوجهون لهم الضربات القاتلة في معارك غير متكافئة حتى كسروا شوكتهم وأجبروهم على الخروج من لبنان ... ثم جاءت إيران بحزب صنعته على عجل ودربت عناصره قوات حرس الثورة الإيرانية، وصار من أهم مهماته منع أهل السنة من فلسطينيين ولبنانيين من القيام بعمليات فدائية، ولم تكن أمريكا بعيدة عن جميع هذه الترتيبات، وفي تصريحات ومذكرات المتقاعدين من مسؤوليهم أدلة مفحمة على أنها كانت وراء كل ذلك.(1/310)
- أمريكا فرضت حصاراً خانقاً على العراق مات بسببه أكثر من مليون من الأطفال والنساء والشيوخ، وفرضت حصاراً على ليبيا وأفغانستان، وعلى الحركات الجهادية السنية.. فلماذا لم تفرض حصاراً على سورية ولبنان وحزب الله مع أنه وكما قالت فيما مضى مارس سياسة الخطف والابتزاز لأكثر من عقد ونيف؟!، وعلى العكس فهي تحتفظ بعلاقات مباشرة وقوية مع سورية منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970، كما تحتفظ بعلاقات مميزة مع حزب الله، ولكنها على الأغلب عن طريق وسيط.
- شيعة إيران والعراق حلفاء لأمريكا في احتلالها لأفغانستان والعراق، وهذا ما صرح به زعماؤهم في البلدين، ولو علم الأمريكان بأن الشيعة لن يقفوا معهم لما استطاعوا احتلال العراق بمثل هذه السهولة ... وإذا كان هذا هو حال إيران مع أمريكا فحزب الله تابع وليس متبوعاً، وهو لا محالة يؤدي دوراً يخدم مصالح التحالف الدنس، ولكن هذا الدور لابد وأن يغلف بغلاف البطولة والنصر والفداء.
خلاصة القول: أمريكا وحلفاؤها يريدون إسلاماً شيعياً في دول ما يسمى بالشرق الأوسط، ويحذرون أشد التحذير من "الوهابية"، والوهابية في مصطلحها الحديث - أي بعد أحداث سبتمبر 2001 - تعني أهل السنة والجماعة على مختلف مذاهبهم وبلدانهم، وهذا المصطلح بالذات تردده دوائر الشيعة.
- أمريكا تتباكى على الشيعة في السعودية ونسبتهم لا تتجاوز 2% وتسكت عن حقوق أهل السنة في إيران ونسبتهم لا تقل عن 20%.
- أمريكا تردد مقولة الشيعة بأن نسبة الشيعة في العراق 70%، وبريمر يصر على ذلك، ولقد حاول أحد أعضاء مجلس الحكم المحلي إقناعه بعدم صحة هذا القول وأن السنة أكثر عدداً من الشيعة فلم يقتنع وتمسك بموقفه.
- أمريكا تريد للطائفة النصيرية أن تستمر بحكم سورية، وفي هذا الاستمرار ضمان لمصالحها، ومصالح إسرائيل، ولا تريد أن يعود أهل السنة ولو كانوا علمانيين لأن هذه العودة تعني وقف ما يسمونه مسيرة السلام مع إسرائيل.(1/311)
- أمريكا تريد استمرار مرابطة قوات حزب الله في جنوبي لبنان، لأن هذه المرابطة تعني عدم عودة العمليات الفدائية التي كانت تقلق إسرائيل ... ولكنهم يريدون من الحزب التخلي عن العلاقات التي تربطه بالمنظمات الفلسطينية ولو كانت شكلية، كما يريدون منه انضباطاً أكثر، وقد تكافؤهم إسرائيل مرة أخرى بالتخلي عن مزارع شبعا تمهيداً للسلام المنتظر.
- وأمريكا تريد من سورية أن تستجيب لمطالبها، ومن هذه المطالب المتعددة تغيير شكل الحكم مع بقاء سيطرة الطائفة، وسوف يستجيب النظام السوري لكل ما يريدون عندما يدرك بأنه لا سبيل إلى المراوغة.
اللهم هيء لنا من يوحد صفنا، ويبصرنا بكيد عدونا، ويرفع راية الجهاد فيها ...
---------------
[1] - ذكرت السنة العرب لأنني أتحدث عن الوضع في كل من لبنان والعراق، وإلا فهم يخادعون ويعادون السنة في كل مكان سواء كانوا عرباً أم عجماً.
[2] - موقع مفكرة الإسلام (6/1/1425 الموافق 26/1/2004) وللإخوة القائمين على هذا الموقع جهود طيبة في فضح مؤامرات الشعوبيين، وتعاونهم مع أعداء الإسلام، فجزاهم الله خيراً، وأسأله تعالى لهم مزيداً من التوفيق والسداد.
[3] - المصدر السابق.
[4] - جريدة الشرق الأوسط 27/2/2004.
*****************
نصر الله .. رؤية حزب الله لخارطة الطريق
قناة الجزيرة - لقاء خاص 08-05-2003(1/312)
مشاهدينا المحترمين، سلام الله عليكم، أحييكم على الهواء مباشرة من مكان ما من لبنان، بالفعل هذه المرة من مكان مامن لبنان، وربما يكون هذا الأمر طبيعياً، ففي هذا الزمن العربي باللسان العبري الأميركي، بات كل شيء ممكناً ومتوقعاً، لكن أيضاً دافعاً لإعادة ترتيب الأوراق، الزلزال العراقي كان ضخماً، والمنتصر الأميركي عسكرياً لم يتأخر في دفع قاطرته بسرعة المنتصر منطقياً سعياً للاستثمار السياسي والميداني، لما حققه بآلته الحربية. وزير الخارجية (كولن باول) لم يتأخر في زيارة دمشق وبيروت طارحاً لدى البعض إملاءات تلامس التهديدات، ولدى بعضٍ آخر مطالب حازمة، وكالعادة حزب الله هو في قلب الحدث وفي الدائرة. صحف إسرائيلية اعتبرت صمت أمين عام حزب الله في هذه الآونة موقفاً في حد ذاته، علَّه يعكس ارتباكاً وإما توثباً، وفي الحالتين حيرة، وبعض الأصدقاء رأى أن خروج الأمين العام عن صمته أمر مبكر تنكباً للحرج وللإحراج، وبالتالي تجنباً للحيرة، السيد حسن نصر الله إذا تحدث الآن حير، وإذا صمت أيضاً حير، لكنه آثر الكلام كي لا يحيرنا فنحتار، فنحن الرأي العام إذا احترنا حيرنا، إذن السيد حسن نصر الله آثر الكلام عن الزلزال العراقي وتداعياته العراقية والإقليمية، وعن حزب الله والتحديات، وعن سوريا وإيران وأميركا وطبعاً عن فلسطين، وكل ذلك عشية الذكرى الثالثة لتحرير جنوبي لبنان وبقاعه الغربي.
مرحباً بكم سماحة السيد حسن الله.. حسن نصر الله وشكراً على تفضلكم بهذه المقابلة، أود أن أنوه فقط للسادة المشاهدين أنكم تستطيعون الاتصال على الهاتف الذي ستجدونه مسجلاً على الشاشة، لكن بعد هذا الموجز، سماحة السيد كنا سنبدأ مع الملف العراقي وزلزال العراق، ولكن ورد خبرٌ عاجل الآن عن (شارون)، شارون يقول إنه مستعد لإجراء مفاوضات مع سوريا لكن من دون شروط مسبقة، ماذا تفهمون من هذا الكلام وفي هذا التوقيت بالتحديد؟
حسن نصر الله:(1/313)
بسم الله الرحمن الرحيم، للوهلة الأولى باعتبار هو خبر عاجل، أنا أتصور بأن هذا يأتي في سياق تحسين صورة شارون في العالم، وإنه رجل سلام ومستعد للتفاوض ولمعالجة الأمور بالوسائل السلمية، ولكن في نفس الوقت أتصور هذا يأتي في سياق استمرار الضغوط على سوريا، لأن الحديث عن عودة إلى المفاوضات بدون شروط مسبقة هي نقطة الخلاف الدائمة، كانت مع القيادة السورية سابقاً، لأن موقف سوريا المعتاد هو العودة إلى المفاوضات من حيث انتهت، الحديث عن عودة إلى المفاوضات بدون شروط مسبقة أتصور أنه قد يأتي في سياق ضغط معين.
غسان بن جدو هل تعتقدون بأن هذا مرتبط بنتائج زيارة كولن باول؟ قطعاً شارون سمع كلاماً عن زيارة باول.
حسن نصر الله يعني أنا أعتقد دائماً بوجود تنسيق أميركي إسرائيلي في العمق، وأحدهما يكمل الآخر.
المطالب الأميركية لسوريا ولبنان حول حزب الله:
غسان بن جدو إذن حتى أبدأ معكم في هذا الملف وبشكل أساسي، كولن باول كان هنا في المنطقة زار دمشق وزار بيروت، طبعاً علاقاتكم وثيقة جداً مع الدولة اللبنانية، هناك احتضان كامل للدولة لهذه المقاومة، علاقاتكم علاقة حلف مع.. مع سوريا، ما هي المطالب الأميركية التي أبلغكم إياها السوريون واللبنانيون عن حزب الله؟
حسن نصر الله لا يمكنني أن أتحدث عن إبلاغ رسمي لكن تعرف لبنان بلد مفتوح، والأمور تقال بشكل علني وأيضاً تكتب في وسائل الإعلام، ويوجد الكثير من الأصدقاء واللقاءات، لذلك حتى ما يمكن أن أقوله في هذه.. في هذه المقابلة ليس له طابع الإبلاغ الرسمي أو الحديث الرسمي لأنه يعني هذه كملاحظة في البداية.
غسان بن جدو لكن معذرة سيدي، ألا تعتبر في هذا خلل؟ يفترض أنكم في جزء يعني.. ويفترض أن السوريين واللبنانيين يريدونكم.(1/314)
حسن نصر الله لا.. لا هناك.. هناك.. هناك قنوات طبيعية للتواصل، يعني أنا بس بدي أعلق على إبلاغ رسمي، لكن هناك قنوات للتواصل، قنوات للإطلاع هذا متيسر يعني، في النهاية نحن هنا يعني على الأقل منذ سنة 1982، نخوض معركة واحدة، ونواجه مصيراً واحداً، ومتواجدين أو متواجدون في ساحة واحدة، فمن الطبيعي أن يكون هناك هذا النوع من التواصل والقنوات والإطلاع، طبعاً كولن باول حمل مطالب في ملفات عديدة، من هنا تريد أن تبدأ، هناك مطالب تتعلق بالملف العراقي، هناك أمور تتعلق بسوريا كسوريا، هناك ملف.. الملف الفلسطيني، وهناك الملف اللبناني.
غسان بن جدو أقصد الملف اللبناني وحزب الله تحديداً.
حسن نصر الله وهي الملفات يعني مطالب طويلة عريضة يعني.
غسان بن جدو نعم نحن نتحدث عن ملف لبنان وحزب الله.(1/315)
حسن نصر الله في موضوع لبنان ما يعني ما أطلعنا عليه أنه تم التركيز على بعض العناوين الأساسية، العنوان الأول هو عنوان سلاح المقاومة، سلاح حزب الله، والعنوان الثاني هو وجود القوات السورية في لبنان، بالتأكيد تم التطرق إلى موضوع المطالبة بنشر الجيش في الجنوب، وهذا طبعاً كانت الإجابات حوله وضاحة جداً، لأن الجيش موجود في الجنوب، وعلى مقربة من الحدود، يعني إذا فيه نقاش هو نقاش أن الجيش اللبناني موجود على الشريط الشائك، أنا لا أتصور أنه في دول العالم حتى في الدول المستقرة أنهم يضعون ثكنات جيوشهم أو مواقع جيوشهم على الشريط الشائك، عادة تكون هناك ثكنات ومواقع بعيدة عن الشريط الشائك أحياناً كيلو مترات، عشرات الكيلو مترات، نعم المعابر الحدودية هي تكون تحت سيطرة الجيش، الآن الوضع في جنوب لبنان هكذا، يعني المعبر الحدودي الوحيد المتاح اللي تحدث عنه (روكسل) لأنه قوات طوارئ دولية تدخل وتخرج من هناك وهو تحت سيطرة الجيش اللبناني، الجيش اللبناني موجود على مقربة من الحدود، على مقربة من الشريط الشائك، وأن هناك ثلاثة ألوية للجيش اللبناني في جنوب لبنان، هذه القصة...
غسان بن جدو بس على.. ما أعتقد سماحة السيد أن القصد بشكل أساسي هو أن الجيش اللبناني ينتشر وبالتالي تسحب قوات المقاومة وسلاحهم حتى يؤمِّنوا الحدود الإسرائيلية..
حسن نصر الله أنا.. طبعاً أنا بدأت بالحديث عن هذه النقطة لأقول أن ليست هذه النقطة المركزية، النقطة المركزية تتعلق بوجود المقاومة، سلاح المقاومة، قدرة المقاومة، هيكلية المقاومة، بتعبير آخر قوة المقاومة، اللي هو أصل وجودها، الحديث تجاوز يعني هنقول هذا من تداعيات سقوط بغداد، تجاوز الحديث عن الجيش يكون على الحدود أو إبعاد حزب الله عن الحدود، برأيي الشخصي هذه المسألة أصبحت من الماضي يعني، بالنسبة للأميركيين والإسرائيليين أو الحديث عن...(1/316)
غسان بن جدو وهي بالنسبة لكم لا تقدم و لا تؤخر.. طلبها الآن؟
حسن نصر الله خلينا بنوصل.. خلينا بنوصل، أو مثل الحديث عن تجميد العمليات، هذا أيضاً بالنسبة لهم صار من الماضي، هم الآن يريدون أن يعالجوا أصل المسألة، وهي مسألة أصل وجود قوة للمقاومة في لبنان وليس فقط في جنوب لبنان، يعني المسألة ليست مسألة إبعاد عن الحدود، من يكون على الحدود؟ الجيش اللبناني أو حزب الله، النقاش تعدَّى هذه المراحل كلها إلى مرحلة ممنوع أن يكون هناك في لبنان مقاومة مسلحة لديها قدرة عسكرية على مواجهة العدوان، المطلوب تحويل حزب الله إلى حزب سياسي كبقية الأحزاب السياسية التي إذا حصل عدوان على لبنان لم يكن لها حول ولا قوة، يعني بشو؟ بالخطابات يعني نواجه العدوان الإسرائيلي!! هذه هي النقطة المركزية. العنوان المركزي الثاني هو وجود القوات السورية، فيما يتعلق بالعنوان الثاني أجوبته واضحة لأن القوت السورية متواجدة بطلب من الحكومة اللبنانية، ينظم وجود هذه القوات اتفاق الطائف المعترف به دولياً، وبالتالي هذه المسألة هي شأن ثنائي بين لبنان وسوريا، وهناك قانون ينظم وجود هذه القوات، وأيضاً حاجة لبنان لوجود هذه القوات وبقائها في لبنان، هذا الأمر يعني أعتقد في النقاشات سواءً في دمشق أو في بيروت كان قابلاً للأخذ والرد. المسألة الرئيسية هي مسألة المقاومة، وسلاح حزب الله، لأنه هلا التركيز على عنوان سلاح حزب الله، أنا لا أريد أن أركز على عنوان سلاح حزب الله، لكن أنا أقول مقامة يعني.. لأنه.. لأنه..
غسان بن جدو يعني تعتبرون المطلب الأميركي هو استئصال المقاومة في لبنان؟
حسن نصر الله لأنه حزب الله بدون سلاح وليس مقاومة هو حزب سياسي، عرفت كيف؟ يعني الموضوع ليس موضوع التنظيم والرجال والأشخاص، أشخاص بلا سلاح يعني هم ليس لا حول لهم ولا قوة يعني بيعلموا مظاهرة، بيعملوا...
غسان بن جدو يعني سماحة السيد الآن المطلوب أميركياً..(1/317)
حسن نصر الله لكن لا يستطيعون أن يقاتلوا.
غسان بن جدو ما مطلوب أميركياً الآن استئصال المقاومة أم تجميدها إلى حين؟ حتى نتفق على ترتيب الأوراق بعد ذلك.
حسن نصر الله أنا معلوماتي أن المطلوب هو إنهاء المقاومة في لبنان ونزع سلاحها، هلا طبعاً أنا هون بدي أحب أقول لك بالمنهجية، من شان وسائل الإعلام العربية، السياسيين العرب، الشعوب العربية، ألا نذهب نحن في نقاشاتنا أيضاً إلى المكان الذي يريدنا الأميركيون أن نذهب إليه، لأن الآن عندما يطرح هذا الموضوع على المستوى اللبناني أو العربي أو العالمي تنقلب الأمور رأساً على عقب، يعني يصبح ما هي المشكلة أيها الأخوة في لبنان، في العالم العربي؟ المشكلة هي سلاح حزب الله، المشكلة هي حماس، هي الجهاد الإسلامي، هي الفصائل الفلسطينية المقاومة في داخل فلسطين المحتلة، المشكلة هي مكاتب فلسطينية في سوريا، أو تهمة لسوريا بامتلاك أسلحة دمار شامل أو ما..، خلاص هاي المشاكل بدي العالم كله اليوم من أميركا لاتحاد أوروبي إلى روسيا إلى الصين إلى جامعة دول عربية، إلى الأخصام والأصدقاء والمحللين إنه تروا يا لبنان ويا سوريا ويا لبنانيين ويا فلسطينيين فيه متغيرات كبرى بالمنطقة وأنتم مشكلة، تعالوا نشوف نتعاطى مع هذه المشكلة...
غسان بن جدو لكن هذا الأمر طبيعي، اللاعب الأساسي والكبير هو أميركا، التي تحدد الأوراق.(1/318)
حسن نصر الله ليس.. ليس الطبيعي.. المشكلة.. المشكلة.. هذه تعمية على المشكلة الحقيقية، يعني هو الآن كل المناخات الإعلامية والسياسية وكأنه لا يعني احتلال بلبنان ما فيه واحتلال بالجولان ما فيه، رهائن لبنانيين خطفوا من بيوتهم في سجون العدو الإسرائيلي ما فيه، معتقلين فلسطينيين وعرب في السجون الإسرائيلية ما فيه، احتلال إسرائيلي لفلسطين ما فيه، يعني أتخيل 67 منيح، طيب اليوم أنا قبل ما أجي أقعد أنا وإياك تقريباً منذ التحرير إلى الآن الخروقات الإسرائيلية، الاعتداء على السيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً تجاوز 7 آلاف خرق، فده مش مشكلة، المشكلة إنه أنت عندك بندقية في جنوب لبنان، تريد أن تستكمل تحرير بلدك، تريد أن تستعيد أسراك، تريد أن تدافع عن بلدك المهدد حتى عندما تريد أن تأخذ بعضاً من حقك القانوني في مياه الوزَّاني، يهددك شارون شخصياً بشن الحرب على لبنان، المطلوب نزع هذه البندقية.
غسان بن جدو لكن الكلام.. سماحة السيد الكلام ليس عن الحق والباطل الآن، الكلام الآن عن الأمر الواقع الذي تفرضه أميركا وهذه التداعيات. موقف حزب الله من المطالب الأميركية بنزع سلاح المقاومة .. سماحة السيد، كنا نتحدث عن أن ما يحصل الآن هو أمر واقع، اللاعب الأساسي هو الولايات المتحدة الأميركية، أحببنا أم كرهنا، والتي تحرك المائدة كما تشاء. الآن إذا عدنا إلى ملفنا بشكل أساسي هناك ضغوط حقيقية وضخمة على سوريا، ينبغي أن لا ننكر هذا الأمر، وهناك ضغوط على الدولة اللبنانية هذا الملف الذي تتفضل الآن بذكره ما يتعلق بنزع سلاح حزب الله أو بنشر الجيش في الجنوب وبالتالي سحب قوات المقاومة، ما هو موقفكم منها بالتحديد؟ انطلاقاً من الضغوط الحقيقية على سوريا والدولة اللبنانية من الجميع؟
حسن نصر الله أولاً موضوع نشر الجيش قلت هذا تحصيل حاصل، الجيش موجود.
غسان بن جدو ما يتعلق بنزع سلاحكم إبعادكم من الجنوب.(1/319)
حسن نصر الله وأنا أتمنى هذه النقطة أن يتم يعني تجاوزها يعني حتى من قِبَل بعض المحللين أو الإعلاميين وحتى من قِبَل الأميركيين أنفسهم يعني، وهم بيعرفوا إنه الجيش موجود في الجنوب وعلى مقربة من الحدود اللبنانية، وعلى مقربة من الشريط الشائك أيضاً، أنا أدعو..
غسان بن جدو لكن.. هناك بعض أوساط لبنانية تطرح هذه القضية بشكل أساسي.
حسن نصر الله أنا أدعو بعض هذه الأوساط اللبنانية إلى الذهاب إلى الجنوب وزيارة الجنوب والتأكد من وجود الجيش اللبناني في الجنوب وعلى مقربة من الشريط الشائك.
غسان بن جدو ماذا عن نزع سلاحكم أو سحب (سلاحكم)؟
حسن نصر الله موضوع.. بالنسبة لنا طبعاً هذا الأمر ليس بوارد، المقاومة هناك أسباب أدت إلى وجود المقاومة، وبالتالي نحن هنا عندما نتحدث عن المقاومة وحتى عندما يأتي الأميركيون يتحدثوا عن المقاومة، وهذا أمر غريب يعني، هم جاءوا وقدموا سلسلة مطالب قد تصل إلى 9 أو 10 مطالب، طيب ما هو المقابل؟ بدي أحكي معاك الليلة سياسية واقعية، مش أنت عم بتطالب بالواقعية، وتداعيات سقوط بغداد، طيب نحكي سياسة واقعية وبراجماتية وإلى آخره، المطلوب من سوريا ولبنان أن يسلموا كل شيء، أن يتخلوا عن كل شيء، أن يفعلوا كل شيء مقابل لا شيء، مقابل ألا نضربكم بالعصا.
غسان بن جدو أما.. هو ليس قليلاً في هذا الزمن.(1/320)
حسن نصر الله وأنا عندي نقاش أصلاً، لو فعلت سوريا ولبنان والشعب اللبناني وحتى الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، لو قاموا بإنجاز كل المطالب الحازمة التي تطلبها اليوم الولايات المتحدة الأميركية من الجميع، ليس هناك أيضاً.. أيضاً ما يضمن الأمن والأمان، من قال بأن هذه ال 10 مطالب أو 9 مطالب هي مطالب هي آخر الخط يعني، قد ستأتي مطالب ومطالب ومطالب، أنا أقول على المستوى الواقعي، إذا جئت تقول لي فلان هو آتٍ ليقتلك، ولكن بعد أسبوع، بعد شهر، بعد ثلاثة أشهر هل من المنطق أن أحمل مسدس وأطلق النار على نفسي وأنتحر لأن فلان سوف يأتي بعد أسبوع أو بعد شهر ليقتلني، ومن قال أنه إذا جاء بعد أسبوع أو بعد شهر ليقتلني سوف يتمكن من قتلي، هذا أيضاً فيه نقاش. بالمنطق العقلي الواقعي لا يجوز لنا أن نستسلم بمجرد أن ترفع العصا، ويقال لنا حققوا كل هذه المطالب، على كل حال منطق لبنان وسوريا في هذا الموضوع، هناك منطق مطروح يعني وأنا سمعته من المسؤولين السوريين واللبنانيين، هم يتحدثون عن معالجة هذا النوع من المسائل في إطار منا يسمونه بالحل الشامل والعادل أو التسوية الشاملة.
غسان بن جدو طيب سماحة السيد موقفكم من هذه القضية أصبح واضحاً، أنتم يعني تقولون بكل حسم الليلة إن مسألة سحب سلاحكم من جنوب لبنان لتخليق المقاومة أمر غير وارد، هذا واضح، لكن أنا قلت إن الضغوط الأميركية على الدولة اللبنانية وسوريا ضغوط ضخمة، هل أنتم بصراحة مطمئنون إلى أن الموقف السوري وموقف الدولة اللبنانية يمكن أن يصمد طويلاً؟
حسن نصر الله على كل حتى الآن كان هذا الموقف قويًّا، في السابق مررنا بظروف صعبة جداً يعني ستقول لي إنه الظروف الحالية كمان أصعب، ولكن..
غسان بن جدو أصعب بكثير.
حسن نصر الله أصعب بكثير ولكن ما عشناه في الماضي كان أيضاً على درجة عالية جداً من الصعوبة، لم تكن أموراً سهلة.
غسان بن جدو هل أنتم مطمئنون؟(1/321)
حسن نصر الله كانت دمشق تهدد بالقصف يعني من قبل العدو الإسرائيلي في بعض المراحل، وكانت التهديدات الإسرائيلية لسوريا يومية يعني، في أيام المقاومة وقبل التحرير وبعد التحرير والأصوات الإسرائيلية تتتالى في المطالبة بمعاقبة سوريا لأنها لم تنزع سلاح حزب الله، أو لأنها تؤيد حق المقاومة في لبنان، حتى الآن أنا أقول هناك صمود لبناني وسوري، ويجب أن نعمل ليستمر هذا الصمود، هذه مسؤولية لبنان وسوريا والشعب اللبناني والشعب السوري والشعوب العربية والأمة بكاملها. المطلوب هو أن نحصن هذا الموقف لا أن نستقبل.. لا أن نستبق الأمور.
غسان بن جد طيب هل أنتم مطمئنون إلى أن هذا الأمر يصمد؟
حسن نصر الله نعم.. أنا مطمئن بدرجة كبيرة.
غسان بن جدو واضح سماحة السيد أنكم أيضاً وإن كنتم أحياناً ترفضون عدم الحديث عن الواقع بشكل كبير مخافة أن تغفلوا عن المبادئ والثوابت، لكن في حركتكم واضح أنكم تولون عناية كبيرة جداً للأمر الواقع، سيما وأننا نلاحظ بأن الجبهة في الجنوب في شبعا هادئة جداً، وأنا الآن لا أستطيع أن أصدق سماحة السيد إذا سألتك وأجبتني بأن العمليات الآن متوقفة لأن الظروف الميدانية لا تساعد وكما كنا نسمع في السابق، نحن نعتقد أن الآن هناك قرار سياسي من قبل حزب الله بتجميد هذا الأمر وإلا فاسمح لي على هذه العبارة ستكون بندقيتكم آنذاك مجنونة متهورة، لا عقل وعقلانية، إلى متى ستبقى بندقيتكم عقلانية وعاقلة بهذا الشكل وتهدِّئ جبهة الجنوب؟ هل.. متى يمكن أن تعتقدوا أن الظروف ممكن أن تتغير؟(1/322)
حسن نصر الله طبعاً، افتراض العقل والعقلانية هي في ألا تفعل شيئاً هذا فيه نقاش، تجربتنا في المقاومة كانت دائماً تجربة تعتمد على التخطيط والحسابات الدقيقة والواقعية والميدانية والسياسية في السابق باعتبار أن الانتشار الاحتلال الإسرائيلي كان واسعاً، كانت الظروف الميدانية هي الأصل في العمليات، ولكن هناك نوع من العمليات بالتأكيد كان خاضعاً لقرار القيادة السياسية في حزب الله، الآن نحن لا نقول أن الظروف ميدانية، منذ التحرير إلى الآن هذه الأدبيات لم نستعملها، لأنها غير واقعية، الآن قرار العمليات في مزارع شبعا هو قرار لا تأخذه القيادة العسكرية في المقاومة وإنما تأخذه القيادة السياسية في حزب الله والتي تزاوج فيه بين مختلف المعطيات والحسابات الدقيقة، نحن في السابق أيضاً حتى في ظل تواجد كبير للاحتلال كنا نتحكم بتوقيت العمليات بشكل دقيق وكبير، حجم العمليات، نوع العمليات، توقيت العمليات، مكان العمليات كله كان محسوباً، ولأن مقاومتنا لم تكن مقاومة عاطفية وانفعالية وإنما كانت مقاومة عقلية وعلمية ومخططة ومحسوبة تمكنت في نهاية المطاف أن تحقق إنجازاً كبيراً وتاريخياً في آيار 25/2000.
غسان بن جدو لم أطالبكم بتاريخ.. تاريخ هجري أو ميلادي، ولكن هو سؤال استراتيجي، متى يمكن أن ينزع حزب الله سلاحه أو يسلمه بالتحديد متى؟ هل عندما تحرر شبعا؟ تحرر الجولان؟ تحرر فلسطين؟ ينتهي الصراع العربي الإسرائيلي؟ أم ماذا بالتحديد؟
حسن نصر الله فلنترك هذا الأمر للمستقبل، أظن هذا أقوى لسوريا ولبنان ولنا أيضاً، دعنا في هذه الليلة لا نكشف كل الأوراق.
غسان بن جدو أنا لا أطالبك بكشف كل الأوراق، ولكن نتحدث عن استراتيجية عامة، متى نستطيع أن نقول إن حزب الله يعتبر بأن.. بأن استراتيجيته المقاومة قد انتهت توقفت؟(1/323)
حسن نصر الله أنا أعتبر.. بالتأكيد لا يمكن فصل الأمور ببساطة عن بعضها البعض في المنطقة، يعني أنا قرأت مثلاً للبعض يقول أن حزب الله هو يتجاوز حدود الوطن، نحن لا نتجاوز حدود الوطن، حتى على المستوى الفكر الإسلامي يعني والفقه الإسلامي، يمكن أن يتسالم شعب ما على وطن وعلى حدود وطن واعتراف بحدود هذا الوطن ومصالح هذا الكيان والاعتراف بمصالح هذا الكيان، ولكن عندما يكون هذا الوطن مهدد أيضاً بفعل أوضاع في المنطقة، هذا أمر يجب أن نأخذه بعين الاعتبار.
غسان بن جدو ربما نفصل هذا الكلام. سماحة السيد، عام 1982 لبنان كان في وضع محزن جداً، اجتياح لجنوب لبنان، اجتياح للبنان بالكامل، هناك قوات المارينز، هناك إحباط لإخراج قوات منظمة التحرير من لبنان، بعبارة موجزة كان هناك حال هزيمة بكل ما للكلمة من معنى؟ انطلق حزب الله في تلك.. في تلك الآونة، الآن الوضع أيضاً صعب لعلكم أو بعضكم يقول لي إنه طالما مرت صعوبات، الآن أيضاً صعوبات، لكن هناك معطىً الذي أود أن أركز عليه في.. في هذه الآونة، المعطى الإقليمي وقتذاك كان حاضراً لكم بشكل كبير، بصراحة هل أنتم مطمئنون إلى هذا الحاضر الإقليمي وتحديداً سوريا وإيران؟(1/324)
حسن نصر الله أنا أشرت إنه هناك التزام من موقع الحق ومن موقع القانون أيضاً من قبل هذه الجهات، هذا أمر مُعلن أيضاً، هذا أمر مُعلن لم يتغير فيه شيء على الإطلاق وهو أمر أيضاً منطقي، وأنا أقول لك حتى بمنطق المفاوضات، بالنسبة لسوريا ولبنان، سوريا ولبنان إذا بعدين كما يقال بعد خارطة الطريق بدنا نفتح المسار السوري واللبناني، هل يذهب.. يذهبان إلى المفاوضات وقد تخليا عن كل عناصر القوة لديهما؟ هذا أمر غير عاقل يعني وغير منطقي، هذا ما تريد أن تفرضه الإدارة الأميركية على سوريا ولبنان، كما تريد أن تفرضه على الفلسطينيين في إطار خارطة الطريق يعني، لأنه انزعوا أسلحتكم دمروا مقاومتكم وتقاتلوا فيما بينكم ثم تعالوا إلى طاولة المفاوضات لنرَ السيد شارون هل يقبل أن يعطيكم كذا أو لا يعطيكم.
غسان بن جدو طب هل أنتم مطمئنون إلى الدعم الإيراني الموقف الإيراني سيما وإن إيران أعلنت أخيراً أنها ليست في وارد مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية اليوم تحديداً وزير الخارجية كمال خرازي قال: إن إيران تسعى إلى تحسين علاقاتها مع جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية؟(1/325)
حسن نصر الله أنت اعتمدت على الشريط اللي من تحت، أنا معلوماتي إنه لم يقل السيد خرازي هذا التعبير، يمكن العودة إلى.. دائماً إيران تتحدث عن شروط عندما تتحدث عن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية ولها شروطها المعروفة والتي لم تتبدل منذ سنوات طويلة، نحن لا نتحدث يعني عن.. عن مواجهة، أن المطلوب مواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية أو المطلوب مواجهة بين سوريا والولايات المتحدة الأميركية، سوريا تقول أو لبنان يقول: أنا يا أخي أولى حزب لبناني وهم مقاومة لبنانية، وموجودون على الأراضي اللبنانية ويقومون بأنشطتهم على أرض لبنانية، وسبب وجودهم هو العدوان الإسرائيلي على لبنان ومسألتهم ممكن أن تعالج في إطار التسوية الشاملة، بالنهاية الأداء السياسي المطروح ليس حيطان مقفلة وإنما يقال أن هناك مجال لمعالجة هذه الأمور ولكن في إطار أوسع.
غسان بن جدو هكذا، أنتم هل في وارد التوسع؟
حسن نصر الله نحن.. نحن..
غسان بن جدو توسيع دائرة مقاومتكم إلى فلسطين، إلى العراق، إلى غيرهما؟
حسن نصر الله نحن هنا في لبنان، قاتلنا على الساحة اللبنانية، على الأرض اللبنانية، أعلنا بوضوح أننا ندعم الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في فلسطين، وهذا أمر معلن وواضح، ولنا شرف قبول هذه التهمة من قبل الأميركيين والإسرائيليين، ومعركتنا الحالية مازالت قائمة مع العدو الصهيوني الذي يحتل أرضنا، ويواجه المنطقة كلها بالتهديد.
رؤية حزب الله للوجود الأميركي في العراق والمقاومة العراقية
غسان بن جدو لكن ثمة هواجس أميركية واضحة من أن حزب الله قد يشجع بذور مقاومة للاحتلال الأميركي في العراق، هل أنتم في وارد هذا الأمر أم لا؟
حسن نصر الله الهواجس الأميركية كثيرة، يعني ليست فقط في العراق، هم يتحدثون..، هم عندما يتحدثون عن حزب الله يتحدثون كأنه قوة نووية يعني ويمكن ليدها أن تصل إلى أي مكان في العالم، وتضرب حيث تشاء قيادة حزب الله.(1/326)
غسان بن جدو طب لنترك الهواجس الأميركية، هل أنتم في وارد دعم أي بذور مقاومة في العراق، أم لا؟
حسن نصر الله هذا الأمر أولاً يرتبط بإرادة الشعب العراقي، يعني خلينا نشوف نبحث عن مقاومة عراقية في الأول، وبعدين نسأل عن القوى الأخرى والشعوب والحكومات والحواضن، من هو حاضن ولديه استعداد أن يدعم وأن يقف، وأن يساند، وما شاكل، وإن كنت أنا طبعاً أنا قلت نحن نحترم خيارات الشعب العراقي، ونعرف أنه عاش ظروف صعبة خلال 30 عاماً، والآن هو خرج من مرحلة قاسية، وهو الذي بإمكانه أن يحسم خياره ويتخذ قراره، وأنا لا أستطيع أن آخذ قرار بالنيابة عن الشعب العراقي، وإن كان سنن التاريخ وطبيعة الأمور تقول: أن الشعوب التي تحتل أرضها مآلها إلى المقاومة.
غسان بن جدو لكن السيد حسن نصر الله رمز أساس للمسلمين، واسمح لي بالقول للشيعة بشكل كبير، وحزب الله أصبح نموذجاً في العالم العربي، وعندما يتحدث الأمين العام لحزب الله يعني لا يتحدث لا عن تمنيات ولا عن أن يترك، نحن الآن نريد أن نحلل معك، أو نتخذ موقف معك في هذا المشهد العراقي ما بعد، هل أن العراق تعتبره الآن محتلاً من القوات الأميركية؟ وهل تتمنى أو تطالب الشعب العراقي بأن يتكيف مع هذا.. مع هذا الواقع أم يقاوم؟
حسن نصر الله بكل وضوح العراق هو تحت الاحتلال، ما حصل في العراق هو احتلال أميركي عسكري غير مشروع على الإطلاق، و..، وبكل المعايير والموازين هو غير قانوني وغير شرعي، ويتعاطى معه كاحتلال.
غسان بن جدو وبالتالي؟(1/327)
حسن نصر الله الآن الشعب العراقي كيف يريد أن يتصرف مع هذا الاحتلال؟ طبعاً للشعب العراقي ظروفه، توقيته يمكن أن هذا الشعب يحتاج إلى فرصة من الزمن حتى يقتنع بعضه في الحد الأدنى أو جزء كبير منه أن ما يجري على أرضه هو احتلال، بعض العراقيين مازال يصدق بأن الأميركيين جاءوا فعلاً لإنقاذه ولتحريره، وأنهم سيرحلون بعد شهر، أو ستة أشهر، أو سنة، أنا أعتقد أن الوقت والظروف، والأطماع الأميركية، والسياسات الأميركية، والأخطار الأميركية سوف تضع الشعب العراقي أمام حقيقة واضحة أن ما جرى هو احتلال وسيطرة وهيمنة على نفطه، وخيراته، ومصيره، ومستقبله، وستتهاوى أحلام الديمقراطية ووعود الحرية، و احترام إرادة الشعب العراقي، وهذا الشعب سوف يلجأ عاجلاً أم آجلاً إلى خيار المقاومة، لأنه هذا شعب تاريخه هيك.
غسان بن جدو طيب لو أن السيد..
حسن نصر الله لكن البعض الآن هو يستعجل يعني نجلس هنا في بيروت أو في أي مكان من العالم ونقول الشعب العراقي الذي عانى كل هذه المعاناة الطويلة نريد منك مقاومة غداً، بالنهاية الشعب العراقي الآن هو بدأ بشكل من أشكال المقاومة، نفس هذه المظاهرات والشعارات، وما حصل في بغداد في.. في أماكن أخرى، في كربلاء لا لأميركا.. لا لبوش، لا لكذا، هي بداية مقاومة سياسية ومدنية، حتى في لبنان كان هناك دعوات من علماء كبار يعني على الساحة اللبنانية إلى أن تكون شكل المقاومة في البداية هي المقاومة المدنية يعني..
غسان بن جدو طيب يبدو أنك سماحة السيد بالفعل -كما قلت في المقدمة- أنت مصر الآن اليوم على أن تصيبنا بالحيرة، لكن نحن مصرون على أن نصاب بالحيرة، لو أن السيد حسن نصر الله كان في العراق المنهك بهذا الواقع بهذه الظروف ماذا يختار؟ وإلى ماذا يدفع؟(1/328)
حسن نصر الله يعني أنا غير ملم بالكثير من المعطيات، هناك في الحقيقة أمور كثيرة، الآن نسمعها لم نكن نسمع بها عن واقع العراق، لأنه كان يعيش خلف الأسوار، يعني لمدة 30 عاماً، لكن أنا أؤمن بالمقاومة أنا أقول لك: الأصل عندي المبدأ عقيدتي وإيماني، وديني وإسلامي، وثقافتي.. وتاريخي، وتاريخ أمتي يقول لي: عندما تكون أرضك محتلة خيارك الطبيعي والمنطقي هو المقاومة، متى تبدأ المقاومة؟ بتشوف ظروفك حينئذٍ.
حسن نصر الله أنا كنت أتحدث قبل الموجز، وقلت أنه في الحقيقة هذا الصراع لا يمكن تجزئته، الواقعية تقول أن تجزئة هذا الصراع هو أمر غير منطقي، في الحد الأدنى منذ عشرين سنة بكل الأحوال في الحد الأدنى ارتبط مصير لبنان وسوريا ببعضهما البعض، وإن كان المنطقي هو مصير، هو ارتباط مصير شعوب هذه المنطقة وحكومات هذه المنطقة ببعضها البعض، حزب الله هو مقاومة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا الصراع لا يمكن تفكيكه، تفكيكه هو ورقي نظري وغير ميداني.
غسان بن جدو أما السؤال الثالث ما يتعلق بالخلاف بين الرئيس الحريري والرئيس لحود، هل تعتقد كما يقول هو أن جوهر الخلاف هو عن المقاومة؟
حسن نصر الله الآن بين الرئيس.. الرئيس لحود والرئيس الحريري في موضوعات عديدة هناك خلافات، ومعروفة في لبنان، لكن أتصور إن الموقف الرسمي المتبانى عليه..
غسان بن جدو متفق عليه.
حسن نصر الله والمتفق عليه وهذا أيضاً قاله الرئيس الحريري في الكويت، ونشر اليوم في وسائل الإعلام، الإجماع الرسمي اللبناني على أن قضية المقاومة في لبنان هي مسألة مرتبطة بوضع المنطقة والتسوية الشاملة. تداعيات الملف العراقي على حزب الله
غسان بن جدو طيب سماحة السيد بعد الزلزال العراقي، وبعد زيارة كولن باول والمطالب، هل هناك شيء مرحلي تكتيكي تغير أو تطور لدى حزب الله في هذه المرحلة بالتحديد؟(1/329)
حسن نصر الله يعني تارة نقول أن هناك متغيرات، ونحن لا نعترف بالمتغيرات، لأ، هناك متغيرات كبيرة حصلت يعني..
غسان بن جدو وجدية.
حسن نصر الله وجدية.
غسان بن جدو وخطرة.
حسن نصر الله وهناك.. هناك، فيك توصفها بكل شيء يعني.. يعني.. يعني احتلال أميركا العراق، العراق ليس بلداً عربياً صغيراً يعني هو ليس جزيرة في.. في المحيط الهندي يعني، هو في قلب العالم العربي والإسلامي، ووجود الولايات المتحدة الأميركية بجيوشها وقواعدها وأساطيلها في الخليج، وفي البحر المتوسط، وفي العراق، وفي العديد من دول الخليج، وفي أماكن مختلفة في المنطقة هذا متغير كبير جداً، ومهم جداً، وخطير جداً، نحن نعترف بالمتغيرات، ولكن هل هذه المتغيرات تعني أن تعيد النظر في حقوقك، في مصيرك؟ يمكن أن مثلاً هذا الأمر يؤثر على بعض التكتيك، على بعض الخطاب، على بعض اللغة، على بعض الأداء، على بعض الأمور الشكلية والثانوية في الصراع، ولكن لا يمكن أن يؤثر على جوهر الصراع.
غسان بن جدو هل أن الولايات المتحدة الأميركية ستنجح في رسم خريطة المنطقة من جديد بعد العراق أم لا كما بشرت بهذا الأمر؟ أم برأيك ستغرق فيما يسمى بالمستنقع العراقي؟(1/330)
حسن نصر الله الولايات المتحدة الأميركية كانت في الماضي قوية وجبارة، هي ليست فقط الآن قوية وجبارة، وذهبت إلى أماكن كثيرة في العالم، وغرقت في الوحل، وخرجت تجر ذيول الخيبة، الآن أميركا هذه هي قوية وجبارة، و جاءت إلى أماكن جديدة وإلى مستنقعات جديدة، دائماً سياسة الولايات المتحدة الأميركية كانت سياسة فرض الشروط وفرض الأمر الواقع، وهي لم تتعاطى بدبلوماسية مع أحد حتى مع أصدقائها حتى مع حلفائها، هي لم تتعاطى الدبلوماسية في يوم من الأيام، اليوم هناك صعوبات حقيقية تواجه الولايات المتحدة الأميركية، ولا يجوز أن يتعاطى أحد، يعني كما حصل في لبنان، سنة 1982 أنه القوات الإسرائيلية اجتاحت جزء كبير من الأرض اللبنانية، وعندنا قوات مارينز، وعندنا حرب أهلية، وعندنا ألف مصيبة، وعندنا جامعة دول عربية غائبة، وعندما دول عربية تعطي نفط للإسرائيليين لتقصفنا به الطائرات الإسرائيلية، ثم نقف هنا لنقول بمنطق الواقعية أن لبنان دخل في العصر الإسرائيلي والأميركي ولا يمكن الخروج منه، حتى ما نحكي نظرياً، هذا لبنان أضعف بلد عربي، أصغر بلد عربي، وبدون دعم عربي حقيقي هو تمكن أن يخرج، وسريعاً من العصر الإسرائيلي والأميركي، الآن الأميركان أنفسهم يتخبطون في العراق، هم يتحدثون أنهم يمشون كالعميان، هم يقولون أننا فوجئنا بكذا وكذا وكذا حتى ما أدخل بالتفاصيل، يوم بيحطوا (غارنر)، ثاني يوم بيجيبوا حاكم مدني..
غسان بن جدو (بريمر).(1/331)
حسن نصر الله يوم يجيبوا جنرال متقاعد، يوم ثاني يوم بيجبوا دبلوماسي، الموضوع في العراق لن تكون الأمور سهلة كما يتمنى الأميركيون ويشتهي الأميركيون، والأمور أيضاً في المنطقة، أميركا أنا أقول لك: الآن تقول لي: أميركا تستطيع أن تجتاح أي بلد عربي بقوتها وجبروتها العسكري، أقول لك: نعم، أنا لا أنكر هذا، ولا أكابر في هذا الأمر، ولكن عندما تحتل البلاد العربية، ويبدو هذا الأمر بشكل واضح لشعوب هذه البلدان أن ما يجري هو احتلال، ونخرج من الصدمة، والمصائب القديمة يعني، ونخرج من وهم أن الأميركيين جاءوا منقذين لنا في العراق أو في غير العراق، حينئذٍ سوف تبدأ الرمال متحركة.. سوف تبدأ الرمال بالتحرك تحت أقدام هؤلاء المحتلين، وهؤلاء الغزاة، وهؤلاء المستعمرين، هم لن يستطيعوا بهذه البساطة أن يفرضوا خارطة الطريق على شعب فلسطين، هم لن يستطيعوا ببساطة أن ينزعوا من سوريا ولبنان عناصر القوة، ويجردوهم من كل إمكانياته، الأمور ليست هذه البساطة يعني، وأميركا يجب أن أؤكد عليه لم تتحول إلهاً تقول للشيء كن فيكون، أميركا يوجد فيها الكثير من نقاط الضعف ونقاط العجز، وأنا أقول لك، عندما تبدأ في يوم من الأيام مقاومة مسلحة جدية حقيقية على مستوى عالي من التضحية والاستعداد للاستشهاد في أي بلد عربي في مواجهة قوات احتلال أميركية أو غير أميركية سوف نكتشف ضعف الأميركيين، كلنا شاهدنا بأم العين، وسمعنا في الأيام الأولى عندما حصلت مقاومة في أم قصر وفي الفاو، كيف تبرأ وزير الدفاع تبع هاي القوة العظمى من جنرالاته، وصار النقاش إنه مين حط هاي الخطط العسكرية السياسيين أو العسكريين، بيقف يقول (تومي فرانكس).. حقاً.
غسان بن جدو لكن بالأخير انتصروا.. انتصروا..(1/332)
حسن نصر الله ما فيه مشكلة، عندما ووجهوا ارتبكوا، القوة العظمى في العالم ارتبكت من بوش إلى كولن باول، إلى زعيم البنتاجون، إلى الجنرالات الكبار، عندما حصلت مقاومة متواضعة في أم قصر والفاو والناصرية والبصرة، إذا بدءوا يواجهون مقاومة جدية وفعلية، عندما نتحدث عن لبنان مثلاً أنا أقول لك: هنا في لبنان في مواجهة أي غازي وأيًّا يكن هذا الغازي، أنا ما عم بأحكي عنتريات فيه ماضي التجربة، ما عم بأحكي إنه بالمستقبل هنعمل هيك، نحنا بالماضي عملنا هيك، أي غزو لهذا البلد، أي عدوان على هذا البلد سيواجه بمقاومة ما حصل في أم القصر والفاو والبصرة والناصرية ونزاح أمام المقاومة التي ستنتظرهم في لبنان..
غسان بن جدو لكن ينبغي ألا نقبل..
حسن نصر الله عندما يكون هناك مقاومة وخسائر سوف نكتشف عظمة هذه القوة الجبارة، هل تتحمل المجتمع الأميركي والإدارة الأميركية خسائر بشرية كبيرة؟
غسان بن جدو لكن لا نستطيع أن ننكر سماحة السيد بأن هناك انهزاماً عربياً رسمياً كبيراً، هناك إحباط الآن لدى النخب العربية والرأي العام العربي خاصة بعد ما حصل في.. في العراق؟
حسن نصر الله بالنسبة لي الانهزام العربي هذا ليس جديد، الجديد هو انكشاف بعض صور هذا الانهزام، وإلا هذا الانهزام قديم يا أخي منذ عشرات السنين، وبالتالي الواقع أن هناك انهزام رسمي..
غسان بن جدو كأنك مرتاح لهذا الانكشاف الآن؟
حسن نصر الله لأ، الآن يتاح لبعض الناس، بالنسبة لكثير من الناس كان مفهوماً هذا الانهزام منذ سنوات طويلة، طيب يعني في سنة 1982 حتى ما نحكي عن الانتفاضة، عندما حصل العدوان الإسرائيلي والاجتياح الإسرائيلي للبنان، ماذا فعل العرب؟
غسان بن جدو سماحة السيد، الأخ رضوان سألك عن مصير الأسرى الفلسطينيين وإمكانية تبادل الأسرى مع الإسرائيليين، أين وصل هذا الملف بالمناسبة؟(1/333)
حسن نصر الله نحنا بشكل علني قلنا أنه ملتزمون بهذا الأمر، والمعتقلون والأسرى الفلسطينيون هم في صلب مسؤوليتنا، لم نتخلَّ عنهم، كل المفاوضات الماضية، الإخوة اللي إلهم أحكام عالية هم في الأولويات، أثناء المفاوضات السابقة عرضت بعض الأراقم من المعتقلين الفلسطينيين، ولكن لأن كان عندنا إحساس بأن هذه الأعداد بمعزل عن إنه هذا إعداد كافي أولاً، لم تضم أولويات أشخاص لهم أحكام عالية، لم نتوصل إلى نتيجة. أنا أريد أن أطمئن أخي رضوان أنه هذه جزء من مسؤوليتنا والتزامنا المعلن في أكثر من مناسبة، والأمور هي عم بتأخذ وقت بسبب هاي الصعوبات يعني..
غسان بن جدو لا توجد اتصالات الآن، توقفت؟
حسن نصر الله يعني عادة بيصير.. خلينا نقول: جولة مفاوضات، جلسات عديدة، نصل إلى طريق مسدود، نفترق لمدة من الزمن، ثم تعاود المفاوضات، الآن ما فيه يعني شيء محدد، لكن المطلب اللي هو بده يطمئن عليه، أنا بأؤكد له إنه هذا أنفذ جزء من التزامنا الأكيد. العروض الأميركية لحزب الله وكيفية رده عليها
غسان بن جدو طب سماحة السيد، عفواً في هذه.. في.. في هذا المخاض الموجود في المنطقة، هل هناك من وسيط ما أبلغكم رسالة صريحة أو همساً من قبل الولايات المتحدة الأميركية في الفترة الأخيرة؟
حسن نصر الله لا.
غسان بن جدو إطلاقاً.
حسن نصر الله يعني هذا حصل بعد 11 أيلول، ولكن أنا أظن أن أجوبة حزب الله بعد 11 أيلول كانت كافية لإفهام الأميركيين بأن هؤلاء جماعة غير مستعدين للمساومة على مبادئهم.
غسان بن جدو ما الذي طلب منكم سماحة السيد؟
حسن نصر الله بعد 11 أيلول؟
غسان بن جدو بشكل صريح وواضح..
حسن نصر الله بشكل سريع أيضاً من شان الوقت..
غسان بن جدو: صريح وسريع نعم.
حسن نصر الله لأنه أنا وأنت حكينا كثير، وهذا على كل الحال يكشف مصداقية الولايات المتحدة الأميركية، هم عرضوا علينا أنه نحن حاضرون أن نشطب اسمكم من لائحة الإرهاب
غسان بن جدو واحد.(1/334)
حسن نصر الله وأن.. خليني أقول لك المقابل، أن نشطب اسمكم كحزب الله من لائحة الإرهاب، وأن نشطب أسماء من يدعون أنهم ينتسبون إلينا من لائحة الإرهاب، وأن يعترفون بدورنا السياسي، وأن يعترفوا بدورنا السياسي، وأن يدعموا مشاركتنا في الحياة السياسية اللبنانية، ونحن مشاركين بالحياة السياسية اللبنانية، وأن يقدموا لنا مساعدات اقتصادية ومالية لمؤسساتنا وللمناطق المحرومة، ولإعادة إعمار المناطق التي تم تحريرها، إذن هناك إغراء أمني سياسي مالي ومعنوي، في المقابل المطلوب أن تتخلى عن المقاومة، أن تخرج من الصراع العربي الإسرائيلي، إذا اعتدي على لبنان، أنت مالك شغل، إذا شو بيصير على الفلسطينيين أنت لا يجوز أن تمد لهم يد العون، موضوع سوريا أنت مالك عليها، يعني واحد: الخروج من الصراع العربي الإسرائيلي..
غسان بن جدو باختصار شديد..
حسن نصر الله وإنهاء المقاومة، اثنين: التعاون الأمني، يعني بدهم نشتغل معاهم مخابرات على حركات إسلامية أخرى، وبدهم نتعاون نحن وإياهم فيما يسمونه هم مكافحة الإرهاب، وهاي العقلية الأميركية، يعني الآن مجاهدي خلق اللي هم منافقين يعني، في العراق هم محطوطين على لائحة الإرهاب، لكن الأميركي يجلس معهم، ويحافظ على معسكراتهم ودباباتهم ومدافعهم، ولكنه لا يطيق مكاتب إعلامية مثلاً في دمشق لفصائل فلسطينية أخرى يضعها على لائحة الإرهاب، إذا هؤلاء يضعون أنفسهم في تصرف الأميركي لخدمة أهدافه يعفو عنهم ويقدم لهم المساعدة، نحن معروضة علينا.. أنا أقول لك بصراحة عرضت علينا الدنيا السياسية والمالية والأمنية وسلامة الدنيا، في مقابل أن نتخلى عن مقاومة، وأن نخرج من هذا الصراع، وأن نتحول إلى متعاونين في مكافحة الإرهاب الذي يحظى بتأييد دولي، الأمر ليس وارد بالنسبة لنا على الإطلاق..(1/335)
غسان بن جدو يبدو أنكم أضعتم الفرصة سماحة السيد، لأنه الولايات المتحدة الأميركان قوة عظمى وفي قلب منطقتنا، ولن تعرض عليكم هذا الأمر من جديد..
حسن نصر الله لا.. هون عوامل الفرق بيننا وبينهم.. نحن لا نشتغل سياسة، نحن.. نحن جماعة..
غسان بن جدو ضاعت الفرصة..
حسن نصر الله نحن لا.. لا..
غسان بن جدو ضاعت الفرصة..
حسن نصر الله نحن جماعة نؤمن بأن هذه الحياة الدنيا لهو ولعب، وأن هذه الدنيا محدودة وفانية، وهي دار الامتحان والاختبار، المهم أن أربح آخرتي بالدرجة الأولى، إذا بأقدر أربح الدنيا والآخرة سأفعل، ولكن نحن حتى شهدائنا الذين مضوا وقاتلوا واستشهدوا، نحن بالدرجة الأولى طلاب آخرة، وبالتالي أنا لست حاضراً أن أبيع ديني وعقيدتي وآخرتي من أجل رضا الأميركيين أو من أجل صك أمان يعطيني إياه الأميركيون في لبنان أو في غير لبنان..
غسان بن جدو حتى في هذه الآونة..
حسن نصر الله حتى في كل زمان.
غسان بن جدو هل تعتقد بأن إيران تغيرت.. نحو أن تتغير خاصة وانه في ظل هذا.. هذه الضغوط؟
حسن نصر الله أنا أعتقد وبحسب متابعتي أن إيران تثبت على مبادئها وثوابتها، قلت لك أي دولة.. أي حركة.. أي مجتمع أمام الظروف الصعبة التي يواجهها قد يلجأ إلى تغيير في بعض التكتيكات أو اللغة أو الخطاب أو الأمور الثانوية، أما في الأمور الجوهرية إذا كان لديه التزام مبدئي وعقائدي هو لا.. لا يتصرف في مبادئه، وشاهدي على هذا أن موقف الإمام السيد خامنئي في صلاة الجمعة الذي قال بوضوح أننا وقفنا على الحياد معهم، وهم لهم رؤيتهم يعني..
غسان بن جدو في الحرب الأميركية على العراق.
حسن نصر الله في الحرب بين الولايات المتحدة الأميركية وصدام، ولكننا لسنا على الحياد، ما قال لن نكون على الحياد، لسنا على الحياد في صراع الشعب العراقي مع المحتلين، يعني هو يتحدث بوضوح عن وقوفه إلى جانب الشعب العراقي في صراعه مع المحتلين..(1/336)
غسان بن جدو جميل جداً، كيف يمكن أن تقف إيران مع (...) حسب..
حسن نصر الله بالوقت الذي هناك يعني تداعيات كبرى وخطيرة في المنطقة، الإعلان عن هذا الموقف هو بحد ذاته طبعاً تعبير معنوي وسياسي كبير جداً.. جداً جداًعن ثبات إيران على هذا الموقف في الحقيقة، وإلا هو كان يستطيع أن يمارس هذا الدعم دون أن يعلن عن في خطبة الجمعة وصلاة الجمعة.
غسان بن جدو عفواً سيادة.. سماحة السيد عفواً يعني ما الذي يعنيه عدم الحياد الإيراني يعني ألا يمكن أن يكون مجرد شعار، تسجيل موقف لا أكثر ولا أقل؟
حسن نصر الله لا، سماحة السيد والقائد الإمام الخامنئي حفظه الله هو شبَّه على كل حال أن هذا الموقف هو شبيه بموقف.. الجمهورية الإسلامية لم تكن على حياد في صراع الشعب اللبناني مع المحتلين، الجمهورية الإسلامية لم تكن وليست على الحياد في صراع الشعب الفلسطيني مع المحتلين، ما تستطيع أن تقدمه أو تفعله الجمهورية الإسلامية في هذا الصراع هي تقوم به وتنجزه يعني، وهذا ليس شعارات، نحن نعرف والفلسطينيين يعرفون بحسب التجارب الماضية أنه هذا ليس كلاما بكلام..
غسان بن جدو نعم، هناك سؤال مهم طرحه السيد خالد من السعودية، هل ستستمرون في المقاومة إذا تخلَّى عنكم من يدعمونكم الآن؟
حسن نصر الله طبعاً نحن أملنا..
غسان بن جدو من وصفتهم أنا بالغائبون.. بالحاضرون الغائبون...
حسن نصر الله نحن أولاً توكلنا.. توكلنا كبير على الله -سبحانه وتعالى- وهو هذا الأصل منذ البداية يعني، أملنا كبير بمن وقف إلى جانبنا، ثقتنا بهم كبيرة، لكن المقاومة هي مسؤوليتنا، وسنستمر بها حتى في أصعب الظروف.
غسان بن جدو لأ واقعياً..(1/337)
حسن نصر الله ولو تخلى عنا من تخلى، طبعاً لما بتقول لي إنه والله لم يعد بالإمكان لم يعد فيك دم ولا رمق حياة ولا تستطيع أن تطلق النار، إذن أنت تكلفني بما لا يطاق، طالما أنني موجود لو تخلى عني من تخلى، والذي أعتقد أنه لن يتخلى، نحن نعتبر أن وظيفتنا هو أن ندافع عن شعبنا وعن أمتنا وعن قضيتنا، وأن نعمل لتحرير أرضنا ومقدساتنا وأسرانا، ولن نتخلى عن هذه المسؤولية أيًّا تكن الظروف التي تحيط بنا..
غسان بن جدو المرشد خامنئي أعلن بأنه لن يقف على الحياد بين الشعب العراقي والمحتل، حزب الله سيقف على الحياد أم لا.
حسن نصر الله خلي هلا الشعب العراقي يأخذ قرار، وأنا أقول لك شيء أي شعب.. أي شعب يقرر أن يقاوم المحتلين، على جميع العرب، وعلى جميع المسلمين بل على جميع الأحرار وعلى جميع الشرفاء في العالم أن يدعمهم.
غسان بن جدو وحزب الله سيدعمهم؟
حسن نصر الله حزب الله جزء من العرب والمسلمين والشرفاء والأحرار في العالم، لكن متى وكيف وما هي الإمكانات، أحياناً الزمان والمكان والظروف بالتأكيد لها علاقة أساسية، في الموضوع، لكن أقول لك الأمر يرتبط بالدرجة الأولى بالشعب العراقي، طبعاً أنا أريد هنا أن لا يحمل أحد حزب الله أكثر من طاقته، يعني البعض يريدنا أن نكون موجودين في لبنان وفلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وفي الشيشان وفي..، هذا أمر فوق الطاقة، اللي -سبحانه وتعالى- لا يكلف نفساً إلا وسعها، لكن نحن موقفنا المبدئي نقول يجب دعم أي شعب مظلوم ونصرة أي شعب مظلوم يتعرض للطغيان والاحتلال.
غسان بن جدو أود أن نبقى في الملف الإيراني، الرئيس محمد خاتمي سيكون بينكم هنا في بيروت قريباً، بصراحة سماحة السيد ما الذي تتوقعونه أو تنتظرونه من خاتمي، هل تنتظرون بالفعل أن يدعوكم إلى المرونة، إلى الواقعية، إلى بعض التهدئة، عقلنة ما أسميه بالبندقية والمقاومة إلى آخره أم لا؟(1/338)
حسن نصر الله على كل حال أيام قليلة وستسمع سماحة السيد خاتمي ماذا يقول، وهو سيتوجه بأكثر من خطاب سياسي وحتى شعبي، أنا أقول لك نفس زيارة سماحة السيد خاتمي في هذه الظروف، في هذه الأجواء التي يتعرض فيها لبنان وسوريا للتهديد وللضغط الإسرائيلي والأميركي هي زيارة ذات دلالات كبيرة جداً، وتعبر عن تضامن إيران ووقوف إيران إلى جانب سوريا ولبنان.
غسان بن جدو سماحة السيد، أبقى في الجانب العراقي حقيقة الآن هناك من يخشى.. هناك من يخشى مع هذا المد الموجود الآن شعبياً.. هذا المناخ الحرية الشعبي الكبير، سمعنا في البداية أن هناك إمكانات لوحدة حقيقية بين السنة والشيعة، لكن بدأنا نسمع بعض الهواجس من خشية.. من فتنة شيعية.. شيعية سنية، هل أنت من الذين تتملكك هذه الهواجس والخشية أم لا؟
حسن نصر الله لأ، يعني إذا خُلِّي الشعب..
غسان بن جدو لا توجد مؤامرة.. مؤامرة لفتنة بين الشيعة والسنة..
حسن نصر الله إذا خُلِّي الشعب العراقي ونفسه، تاريخياً العلاقة بين الشيعة والسنة في العراق هي علاقات جيدة وممتازة وعلاقات تعاون وانفتاح حتى سبقت الكثير من البلدان العربية والإسلامية، وهذا أمر معروف، ولا يوجد حساسيات شيعية وسنية، وأنا أقول لك بكل صدق شيعة العراق لم يتعاطوا مع نظام صدام، وما مارسه نظام صدام، على أن هذا نظام سني أو قمع سني، كما تحاول بعض وسائل الإعلام الأجنبية أن تحرد في هذا الاتجاه، لأن القمع لحق الجميع..
غسان بن جدو وبعض فصائل المعارضة تحدثت عن هذه القضية..(1/339)
حسن نصر الله ولكن هناك قمع، ولكن لا يمكن أن نقول قمع سني، القمع لحق الجميع الشيعة والسنة والأكراد، طب الأكراد شو هم شيعة أو سنة، الأكراد هم أيضاً سنة، الشعب العراقي كان له مشكلة مع نظامه، ليس هناك مشكلة شيعية سنية، ليس هناك مشكلة عربية كردية على المستوى الشعبي، هلا خلينا بالشيعة والسنة، أنا أتصور أن وعي العراقيين وكونه شعب مثقف وحضاري وسباق في العمل الإسلامي وفي الحركة الإسلامية وفي النشاط الوطني والقومي، هذا يشكل تحصين كبير جداً، الشعارات التي انطلقت في مسيرات الأيام الأولى تعبر عن هذا المعنى، لقاء العلماء أيضاً يعبر عن هذا المعنى، نعم ما يجب أن نحذر منه هو الأميركيون والإنجليز وأياديهم المحلية، والإنجليز لهم خبرة يعني الآن الشعار المطروح فرق تسد إذا أرادوا أن.. أن يحكموا..
غسان بن جدو (مارتن إنديك) قالها بصراحة بالمناسبة..
حسن نصر الله أن يحكموا السيطرة على العراق، رهانهم هو العمل على تفتيت وتمزيق الشعب العراقي كما هو الحال في كل أنحاء العالم. دعوة حزب الله إلى المراجعة النقدية للنخب العربية والتيارات السياسية
غسان بن جدو نعم، سماحة السيد أنت في المرحلة الأخيرة القريبة دعوت إلى مراجعة نقدية للنخب العربية والتيارات السياسية، هل أن حزب الله قام بمراجعة نقدية أيضاً، هل في وارد أن يقوم بمراجعة نقدية؟ أنتم جزء من هذه النخب والطبقة السياسية؟
حسن نصر الله نحن دائماً نقوم بمراجعة نقدية.
غسان بن جدو ما الذي قمتم به أخيراً؟(1/340)
حسن نصر الله طبعاً نحن لم نرتكب أخطاء، يعني في الآونة الأخيرة في أدائنا السياسي قد تكون هناك بعض الأخطاء التفصيلية، لكن في المسار العام كل التقييمات التي قمنا بها كانت تزيد قناعتنا في المسار العام، ونحن لسنا يعني متشددين لقناعتنا، بالعكس نستمع إلى نقد الآخرين لنا، وعندما نكتشف في مساراتنا العامة وسياستنا العامة أننا نرتكب أخطاء سنقوم بتصحيحها، ونحن لا نكرر على هذا الصعيد.
غسان بن جدو هل قمتم بمراجعة، نقدية في الهيكلية في التنظيم بالخطاب بالرؤية بالاستراتيجية، في نهاية المطاف فيه شيء ضخم حصل في المحتوى؟
حسن نصر الله نحن يا أخي نقوم بهذا العمل بشكل رؤيتي كل 3 سنوات، الآن ما حصل في رأينا قلت لك نعم من حولنا حصلت متغيرات كبيرة وخطيرة جداً، الذي حصل أننا جلسا وقيمنا ما جرى ووصلنا إلى الاستنتاج التالي، يجب العمل في هذه المرحلة على تعزيز الوحدة الوطنية أكثر، يجب تعزيز التواصل، يجب بعث الأمل من جديد، مواجهة الإحباط، اللي بعض الإخوة سألوا عنه، يجب أن نقدم الواقع، نحن لا نريد أيضاً أن نتحدث عن أوهام وعن سراب يجب أن نتماسك أكثر، يجب أن نرفع من جهوزيتنا النفسية والثقافية والروحية والعسكرية والسياسية في مواجهة التحدي. أنا أقول لك ما قمنا به هو شد الأحزمة ورفع مستوى الاستنفار والجهوزية، لأن المرحلة المقبلة هي ليست مرحلة استسلام بالنسبة لنا على الإطلاق، بل نراهن أن صمودنا في لبنان وأن صمود الكثير من الإخوة في سوريا في لبنان في فلسطين بمعزل عما يمكن أن يجري في داخل العراق، بمعزل عن التطورات المهمة التي بدأت أيضاً تحصل في أفغانستان، هذا الصمود وهذا الثبات سوف يعيد الأمل من جديد، وسوف يضرب حالة الإحباط، ولكن.. ولا يجوز أن نتوقع الأمور أن يعني تخطيطات أميركية لعشرات السنين، نحن نريد أن نزيل الإحباط خلال أيام....(1/341)
غسان بن جدو كجزء من هذه المراجعة ألستم نادمين على موقفكم من الحرب الأميركية على العراق؟
حسن نصر الله أبداً.
غسان بن جدو أنتم وقفتم ضد هذه الحرب، وخطابكم الإعلامي كان واضحاً حتى أنه قال وصف ما يحصل بأنه عدوان أميركي عل العراق، ألستم نادمين مطلقاً؟
حسن نصر الله نعم.. نعم، نحن.. نحن كنا ضد هذه الحرب ومازلنا ضد هذه الحرب، طبعاً بالتأكيد نحن لم نكن مع نظام صدام حسين، ولم ندافع عن نظام صدام حسين في كلمة واحدة، لم ندافع، وأنا في خطابي في إحدى المرات...
غسان بن جدو لكنكم وصفتم ما حصل بأنه عدوان؟
حسن نصر الله نعم، هو عدوان، في أفغانستان أنا نفس الشيء، نحن لم نكن مع حركة طالبان، نحن لدينا ملاحظات كبيرة جداً على أداء حركة طالبان، وعلى نموذج طالبان، ولكن كنا ضد الحرب الأميركية على أفغانستان وصنفناها، بأنها عدوان، أميركا لم تأتِ لتحرير الشعب العراقي، أميركا جاءت لاحتلال العراق والسيطرة على نفط العراق وإعادة رسم خريطة المنطقة تمهيداً للسيطرة على العالم، وبالتالي هنا لا تستطيع أن.. أن تكون مؤيداً لهذه الحرب، أو ساكتاً عنها، في الحد الأدنى يجب أن تكون ضد هذه الحرب.
رؤية حزب الله لخارطة الطريق
غسان بن جدو سماحة السيد أختم معك إذا سمحت بالملف الفلسطيني الوقت داهمنا كثيراً، هناك الآن مشروع داخل الساحة الفلسطينية اسمه خريطة الطريق، شُكِّلت حكومة جديدة، هناك مخاوف وتهديدات ضد فصائل المسلحة هناك في داخل الساحة الفلسطينية، هل تعتقد بشكل صريح أن الفلسطيني الآن.. السلطة الوطنية الفلسطينية دخلت في مرحلة المناورة واستيعاب الصدمة الكبيرة التي حصلت في المنطقة من خلال خارطة الطريق، أم بالعكس تعتبر أن ما يحصل خطر على المشروع الفلسطيني؟(1/342)
حسن نصر الله كل إنسان حريص على فلسطين وعلى الشعب الفلسطيني وعلى مصير الشعب الفلسطيني هو قلق، يعني كما أن الآخرين في العالم اليوم يتطلعون إلى ما يجري على سوريا ولبنان والضغوط الأميركية بقلق وبخوف وبحرص، كذلك نحن نتطلع إلى ما يجري في فلسطين بقلق وبحرص وبخوف، بمعنى أن هذه الحكومة الجديدة والغريب أن الأميركيين يتحدثون عن الديمقراطية ويفرضون شكل حكم ويتحدثون عن الديمقراطية ويفرضون رئيس حكومة، ويتحدثون عن الديمقراطية ويفرضون وزراء محددين، هذا على جنب يعني، ثم يأتون ليفرضوا طريقة حل، أنا ما أخشى منه أن ترتكب هذه الحكومة أخطاء قاتلة، وما هو معروض عليهم في الخارطة هو أخطاء قاتلة، يعني الآن مطلوب منهم أن يجمعوا السلاح، وأن يضربوا البنية التحتية للمقاومة، أن يوقفوا العنف والإرهاب كما يسمى، وأن يحفظوا أمن الإسرائيليين أن ينزعوا بندقية الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تمتلئ فيه الأرض الفلسطينية بالدبابات الإسرائيلية، في الوقت المستوطنات تعج بالمسلحين، وبسلاح نوعي أيضاً موجود في المستوطنات وهم يعرفون أنهم عاجزون عن حماية شعبهم، يعني الشرطة الفلسطينية بحسب التجربة الماضية بما تملكه من سلاح هي أعجز عن أن تدافع عن مدينة أو عن مخيم، شوي هذه السلطة مطلوب أن تنزع سلاح المقاومين أولاً، أن تضرب البنية التحية ثانياً، أن تفعل وأن تقدم وأن تنهي كل شيء في مقابل العودة إلى ما كنا عليه قبل بدء الانتفاضة، يعني ذهب الشهداء وذهبت التضحيات والبيوت المدمرة، ونعود إلى ما كنا عليه قبل بدء الانتفاضة، ثم نجلس، والاستحقاقات الأولية هي استحقاقات أمنية وبعد ذلك سنرى مفاوضات الوضع النهائي، يعني هل يتوقع أهل السلطة أنهم سيعرض عليهم أفضل مما عرض عليهم في كامب ديفيد قبل احتلال العراق وسقوط بغداد، أنا أتصور أن تداعيات سقوط بغداد يجب أن تدعوهم إلى الحذر أكثر، وبالتالي عدم التفريط بقوتهم، هم مثل يعني المعروف...(1/343)
غسان بن جدو لكنهم يريدون استثمار سياسياً ما جنوه أو ما زرعوه عسكرياً.
حسن نصر الله خارطة الطريق ليست..
غسان بن جدو يعني أي عمل عسكري ينبغي أن يكون له ثمن سياسي.
حسن نصر الله أنا قرأت خارطة الطريق أكثر من مرة، وقرأتها قبل أن أأتي إلى مقابلتك المحترمة، لم أجد في خارطة الطريق ثمن سياسي، في خارطة الطريق: أيها الفلسطينيون اضربوا مقاومتكم، أوقفوا انتفاضتكم، انزعوا أسلحتكم، عاقبوا مجاهديكم، القوا أسلحتكم، التزموا.. احموا أمن المستوطنات الإسرائيلية والإسرائيليين، في المقابل سيقوم الإسرائيلي بالانسحاب من بعض المدن ومن بعض المناطق ليعود إلى حدود ما قبل الانتفاضة، وبعد ذلك نجلسكم على الطاولة ونقول لكم سنناقش في كذا وفي كذا وفي كذا، نعم هم موعودون بدولة مؤقتة، بدولة ذات حدود مؤقتة، وهذا لم يسمع به أحد.
غسان بن جدو وفصائل المقاومة الفلسطينية ألا تعتقد أن الخيارات أصبحت ضيقة أمامهم كثيراً مع كل ما يحصل في الداخل؟
حسن نصر الله أنا يا أخي لأختم طالما الوقت صار ضيق، أنا أقول ليس أمام.. ليس أمام الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني وشعوب المنطقة وبقية الحكومات الشريفة في هذه المنطقة ليس أمامها سوى الصمود والمقاومة، البديل المطروح هو استسلام، افعلوا هذا وإلا نضربكم بالعصا، المطروح ليس مفاوضات، المطروح ليس نقاش، ليس حوار، المطروح إما أن تستسلموا، إما أن تقتلوا بعضكم بعضاً، أو أن نقتلكم، الخيار المنطقي العقلي الواقعي البراجماتي هو أن نصمد ونقاوم وهذه الدنيا هي ليست في يد أميركا هي في يد الله، وإذا كان هناك شعوب لها إرادة تستعيد إرادتها وعزمها، تستطيع أن تغير.(1/344)
غسان بن جدو ويدي في يدك نختم هذا اللقاء، شكراً لك يا حسن نصر الله (أمين عام حزب الله) على هذه المقابلة، مع شكري البالغ إلى فريق (الجزيرة) كاملاً في الدوحة وسيِّما إسلام حجازي، بخيت الحمد، وحسين شهاب، شكراً جزيلاً لفريق.. للفريق هنا مع المخرج سليمان أبو زيد، وشكر خاص جداً لقناة (المنار) التي قدمت لنا كل التسهيلات الممكنة من أجل إنجاز هذه المقابلة، مع تقديري لكم غسان بن جدو، في أمان الله.
******************
ضرب أمريكا لحزب الله (لبنان)
محمد عبد الله العلي
موقع حسينية الحاج أحمد بن خميس ( الشيعي )
جائت تصريحات نائب وزير الدفاع الأمريكي ريتشارد آرميتاج مؤخراً ضد حزب الله (لبنان) كناقوس بلا ملامِح واضحة، رغم أنه جاء ضمن سياقات الحرب الأمريكية المستمرة ضد الإرهاب (حسب التفسير الأمريكي) في العالم، كما أنها تأتي مختلفة عن سابقتها من تصريحات لمسؤولين في الإدارة الأمريكية والتي كانت تصدر بضميمة واضحة لقضية الصراع العربي الصهيوني في المنطقة، بالرغم من أن تصريحات آرميتاج الأخيرة لا يمكن فصلها عن مجمل الضغوط التي كانت ولا زالت تُمارس ضد لبنان وسوريا وإيران لكبح جماح حزب الله وعسكريته النشِطَة ضد الكيان الصهيوني؛ إلاّ أنها تحمل بُعداً أكبر وأوسع مما كان في السابق .(1/345)
آرميتاج قال بأن " بيننا وبين حزب الله دم " ويجب تصفية تلك الحسابات، والدم الذي يعنيه نائب الوزير هو ما كان من تفجير السفارة الأمريكية في بيروت في نسيان إبريل 1983 ونسف ثكنات جنود البحرية الفرنسية والأمريكية في تشرين أول من ذلك العام ونسف مقر المارينز، وانتهاءاً بموجة اختطاف الرهائن التي بدأت في العام 1984 إبان الحرب الأهلية بلبنان في ثمانينات القرن الماضي والذي يُتهم حزب الله بأنه كان وراء تلك الأعمال، والموضوع في اعتقادي أولاً وأخيراً مرتبط بإيران كدولة ضمن مجموعة من الدول الإقليمية الرافضة لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة، فبعد إخفاق الأمريكان في حشد تأييد دولي واسع لضرب العراق، بدأت المؤشرات تتجه نحو محور الشر الثاني كما سماه الرئيس بوش نهاية العام الماضي، خصوصاً وأن فتح المواجهة مع إيران مناسبة لإحداث جبهة جديدة في المنطقة تلبي الغرض من إشغالها وإرباكها والمنطقة عموماً لا سيما وأنه بات من المؤكد للأمريكان والصهاينة بأن ترك الإيرانيين هكذا في التوسع العسكري والتقني وتجسير العلاقات الخارجية وإقامة تحالفات متماسكة مع دول لا تتماهى والسياسة الأمريكية الخارجية وإطلاق يد الكي!(1/346)
ان الصهيوني في المعادلة الشرق أوسطية من شأنه أن يهدد مصالحهم الإستراتيجة في المنطقة على المدى البعيد وبالتالي فإن تقليم أظافر البعبع الإيراني بات هو الحل الأنجع بالنسبة لهم رغم الخسائر المُتوقعة التي قد يتكبدونها نتيجة ذلك الخيار، وهذه نظرة الجنرال أنتوني زيني قائد القوات المشتركة السابق في الخليج، لذا فإن الأمريكيون يدركون بأن حزب الله يمثل الآيدلوجية الثورية الإسلامية الإيرانية في أوجها وتمثل هذه الإيدولوجية الإطار المرجعي للحزب، كما أن إيران تمثل الدعم المادي الرئيسي له، وبالتالي فإن الدخول لإيران عن طريق حزب الله ممكن وبامتياز، وقد بدأت خيوط المعركة تُحاك منذ فترة من قبل الولايات المتحدة والكيان الغاصب وبدأت حملة التحريض ضد الحزب وإلحاقه بخطر تنظيم القاعدة، فقد صرح وزير الدفاع الصهيوني بنيامبن بن إليعازر بأن " تنظيم القاعدة بدأ يغلغل في صفوف حزب الله في لبنان وإذا كانوا سيعملون معاً فإن ذلك ليس من مصلحة العالم الحر " كما قال أحد العسكريين الصهاينة بأن " التهديد الإيراني لإسرائي ليس بجديد وأن حكام طهران يدرسون الموضوع منذ عشرة أعوام " ووصف العلاقة بين إيران وحزب الله " بأنه!
ا تهديد إستراتيجي لإسرائيل " وأنه "أوعز إلى الجيش والدوائر الأمنية الأخرى بوضع تلك العلاقة في صدارة أهداف المخابرات" الصهيونية .
كانت المحاولات الأمريكية الصهيونية تتحدد أولاً ومع بداية الحرب على الإرهاب في أن تقدم إيران (وقبل أن تُضرب عسكرياً) معلومات استخباراتية عن أكثر من جهة غير أفغانستان تعتبرها الولايات المتحدة أهدافاً مهمّة في حملتها ضد الإرهاب .
إيران ولبنان :(1/347)
فالولايات المتحدة تدرك أن إيران ومنذ انتصار الثورة الإسلامية فيها في فبراير شباط 1979م ومن خلال رصيدها الثوري وجاذبيتها الإسلامية وبقياداتها الدينية الكاريزمية استطاعت النفوذ في الكثير من البقع الجغرافية والتنظيمات الإسلامية، كما أن وجود مكتب دعم حركات التحرر في قوات حرس الثورة الإسلامية ( الباسدران ) - منذ عام 1982 حتى 1986 قبل أن يُحَل بأمر من الإمام الخميني - قد وفّرَ لإيران كمّاً نوعياً من المعلومات الدقيقة عن مفاصل تلك الحركات ومخابئها وفضاءاتها السرية وخصوصاً في لبنان .
فمنذ الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982 بدأ النفوذ الإيراني في التغلغل إلى لبنان على المستوى العسكري والسياسي والاستخباراتي والثقافي، وبالتحديد في سهل البقاع، القاعدة الشيعية الكبرى في العالم بعد العراق، حيث دخل - عن طريق سوريا (الحليف الاستراتيجي لإيران في منطقة الهلال الخصيب) - أكثر من 2000 عنصر من لواء محمد رسول الله وهي نُخبة النخبة في قوات الحرس الثوري المدرّبة تدريباً عالياً بعنوان مساعدة الجنوبيين في التصدي للغزو الإسرائيلي، وبدأت التنظيمات اللبنانية الإسلامية الراديكالية تتماهى مع الأنموذج الإيراني وتُسلّم له بالكامل حتى أصبحت بمثابة الظل والصدى الأمين للسياسة الخارجية الإيرانية في لبنان؛ تَمَظَهَر ذلك بالخصوص في حزب الله لبنان الذي أسس برعاية شخصية من الإمام الخميني وبُنِي بناءً مُحكَماً على أيدي رجالات التيار المتشدد في أجنحة النظام الإسلامي في إيران المتمثل آنذاك في جماعة روحانيون مبارز، كما انسحب الأمر كذلك على تنظيمات سرية أخرى .(1/348)
إن النظر بإمعان في التخطيط الأمريكي الصهيوني ضد إيران وحزي الله يُخرِجُنا باستحقاق ونتيجة أكيدة وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة وبكل قوة في توسيع دائرة حربها ضد ما يسمى بالإرهاب - بالتفسير الأمريكي - وخصوصاً ضد النَفَس الإسلامي القوي في إيران (نموذجية الدولة والتشكيلات الأهلية) ولبنان (المتمثل في قيادات وتشكيلات حزب الله التنظيمية ومشروعه المدني) ، خصوصاً بعدما أعادت تجربة (أدائية الجمهورية الإسلامية) و(الحزب) الأمل للكثير من التنظيمات الإسلامية وحتى غير الإسلامية ممن رَكَنَت إلى الظل بعد أن انتابها اليأس السياسي والعسكري .
لذا فإن الولايات المتحدة تريد أن تفتح تلك الملفات عن طريق المخابرات الإيرانية التي كانت ناشطة في أتون تلك الأحداث ، كما أن أمريكا تعرف أنها عندما أرادت أن تُغلِق ملف الرهائن في العام 1990 لم تستطع إلاّ بتدخل إيراني مباشر، كما أن الولايات المتحدة تخشى من تلك التنظيمات التي باغتتها بأعمال عِدائية مُوجِعَة ثم توارت عن الأنظار وكأنها أشباح الليل من غير أن تُكتَشف خيوطها المعقدة لحد الآن قد يأتي وقت تخرج فيه على السطح من جديد، خصوصاً أن ذلك الأمر وارد في حال تعرضت إيران لهجوم أمريكي أو إسرائيلي في المستقبل .
هل الحرب الأمريكية الإيرانية قادمة :
واستمرت سياسة الترهيب الأمريكية لثني الحكومة الإيرانية عن سياساتها المتباينة مع الولايات المتحدة في الكثير من الملفات الساخنة والحيوية؛ بدءًا بعملة السلام في الشرق الأوسط ودعم إيران للحركات التحررية الفلسطينية واللبنانية التي تعتبرها الولايات المتحدة حركات إرهابية وانتهاءً بترتيب الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في أفغانستان .(1/349)
وهنا ربما لا أتجاوز إذا قلت بأن الولايات المتحدة ستكون مصابة في رشدها إن هي أقدمت على ضرب إيران ذلك أنها ومثلما تحاول إقناع نفسها بأنها الآن في القمة وحدها بعد انزلاق الاتحاد السوفيتي منها، وأنها الآن غير أمريكا التي أذاقها مربوعي القامة الفيتناميون ويلات الحرب وغزارة الدم وطول النحيب، وغير أمريكا التي قَضّت مضاجعها الجماعات اللبنانية الراديكالية في عقد الثمانينيات بتفجيرات مُرعِبة حَدَتْ بالرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان لأن يسحب قواته عاجلاً بتفويض من الكونغرس قائلاً بأن هذه الجماعات " تطلب الموت كما يطلب الأمريكيون الحياة " إلاّ أن الولايات المتحدة يجب أن تعي بأن إيران هي أيضاً ليست كالسابق، فإيران ذلك البلد الواقع على سفوح القارة الآسيوية بدا وكأنه مارد تعافى من جروح الماضي .
إن المُراقِب الجاد للوضع الإيراني بعد مرور عقدين ونيف على الثورة الإسلامية يقف على ملفات اقتصادية وسياسية وعسكرية مذهلة لهذا البلد الذي كان يُوسَم حكامه استهزاءً حتى الوقت القريب بـ "الملالي" !!، كما أن العمل بإرادة خرافية على إنجاز تلك الملفات بامتياز يُنبأ بأن ساسة إيران هم على عكس ما كانت تستنتجه وتروج له الدراسات الإستخباراتية الغربية ونتائجها الحتمية المُحَصّلَة سلفاً بأنهم أناس تربوا على حصير حلقات الدروس الدينية، وامتهنوا الخنوع والجمود العقلي، وبالتالي هم غرباء بأعلى منسوب عن الحراك السياسي وفن إدارة الأزمات، وإن ما تحتاجه السياسة الخمينية الدينية والأطر الفلسفية للوعاء المنظومي لكيان الدولة الجديد لكي تبور سوى بعضاً من الوقت، وأمام كل ذلك فإن أي تحرك عسكري أحمق تنوي الولايات المتحدة القيام به ضد هذا البلد يجب أن يعي الأمور التالية :(1/350)
(1) أن إيران بنت ترسانتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية بإِحكام مستعينة في ذلك بعقول علماء سوفيت التقطتهم بعد أن سأِموا حياة الهامش والفاقة، علماً بأن تلك العقول كانت ولوقت ليس ببعيد تنتج أعتى أسلحة إمبراطورية الشر - كما سمّاها ريجان - وقد قامت إيران فيما بعد بشراء التكنولوجية السوفيتية الوافدة وفرّختها في عقول الإيرانيين لتكون في مأمن من أي طارئ، وبالتالي فإن الآلة العسكرية الإيرانية ليست آلة عادية يمكن التعامل معها بحرب محدودة وبأقل الخسائر، فالدراسات تشير إلى أن إيران بدأت -وبأيدي وطنية مُستَنسَخَة- في تصنيع :
مقاتلات إف 4 وإف 5 وإف 7 والطوافة شاباوز 2-75 التيq يبلغ مدى اكتفائها 500 كيلومتر ويمكن أن تحلق على ارتفاع 12600 قدم (3800 متر )
كما أنها بدأت في تصنيع الصواريخ المتطورة شهاب 3q متوسط المدى ( 1300 كم ) والذي يعمل على الوقود الصلب، وشهاب 4 الذي يصل مداه إلى 3000 كم، كما تعتزم حالياً القيام بتطوير الصاروخ الكوري الشمالي " تايبو دونغ 1 " ليصل مداه إلى 5000 كم ويدخل الخدمة في سنة 2005 - 2006م، بالإضافة إلى منظومة صواريخ زلزال "1" و"2" و"3" المتطورة وكذلك صاروخ صيّاد "1" المضاد للطائرات الذي تمّ اختباره في مناورات الحرس الثوري بجنوب طهران في العام 1999م .
كما أن إيران تزودت حتى الثمالة من مقاتلات مينج 29 وسوخوي 27 ودبابات ت 80 وأنظمة دفاع جوي صاروخي مضاد للطائرات .(1/351)
علماً بأن الاستجداء الأمريكي لروسيا بوقف تعاونها العسكري مع إيران وإيقاف العمل في محطة بوشهر النووية لم يلق أي آذان صاغية في الكرملين الذي أكد بأن تعاونه العسكري ذلك ينسجم بشكل كامل مع التعهدات الدولية لكل من موسكو وطهران، بل زاد على ذلك بعد زيارة وزير الطاقة النووية الروسي يفغيني اداموف أن تمّ التوقيع على اتفاقية التسريع في عملية بناء المحطة المذكورة، وإجراء دراسات حول بناء محطات جديدة في إيران تتبلغ قيمتها الإجمالية 780 مليون دولار، تلاه الإتفاق الأخير نهاية العام 2001 والتي تبلغ قيمته الـ 1200 مليون دولار .
بالإضافة إلى أن الطريقة المُعقدة ( والمُغَذَّية عقائدياً) في بناء الجندي الإيراني يجعل منه ذراعاً مُرهِقة في الحرب، يستطيع ممارسة كل أنواع القتال القاسي بدءًا من الخطط العسكرية التقليدية المعروفة وانتهاءً بالعمليات الانتحارية الإستشهادية، وكان قول الرئيس العراقي للسفيرة الأمريكية في بغداد ابريل جلاسبي قبيل بدء عملية عاصفة الصحراء بأن " الإيرانيين لو اندلعوا في المنطقة لما استطاعت الجيوش الأمريكية أن تصدهم وتوقفهم إلاّ باستخدام القنابل النووية " دالاً على ذلك، وتتمثل تلك بالخصوص في قوات حرس الثورة الإسلامية (الباسداران) والذي يبلغ تعداد منتسبيه المليون ونصف المليون جندي، بالإضافة إلى قوات التعبئة الشعبية (البسيج) والتي تخضع لقيادة الحرس مباشرة ويبلغ عدد مقاتليها الأربعة ملايين متطوع يتوزعون على 30 ألف قاعدة عسكرية موزعة في جميع أنحاء إيران، بالإضافة إلى الجيش النظامي البالغ تعداده حوالي الـ 700 ألف جندي .
وقد قامت إيران بإخضاع تلك القوات مجتمعة لدورات عسكرية مكثفة في الاتحاد السوفيتي والصين وكوريا الشمالية، كما أنها قامت بإدخالها في مناورات عسكرية متتالية من أجل الحفاظ على جهزويتها .(1/352)
(2) تبقى إيران بلداً معترفاً به دولياً وغير خارج عن القانون، ولم يثبت إلى الآن أنه قام بعمل إرهابي من بعيد أو من قريب، بل إن إيران أخبر من غيرها في مجال الإرهاب؛ فقد حصد الأخير منها رئيساً للجمهورية وآخر للوزراء والعديد من كوادرها الأوائل وقادتها الروحيين، كما أن إيران تحتضن عشرات السفارات والقنصليات الدبلوماسية لدول صديقة على أرضها، بالإضافة إلى أن لديها مقاعد عدة في منظمات دولية مُختلفة .
(3) تتصاهر إيران وأوربا وجنوب آسيا في العديد من المشاريع الاقتصادية الضخمة والتي لا يمكن المساومة عليها أو التفريط بها، وتتصدر ألمانيا من أوربا ذلك؛ حيث توجد أكثر من 400 شركة ألمانية بقطاعات مختلفة على أرض إيران، كما أن 12% من واردات إيران الإلكترونية تأتيها من ألمانيا، وقد تمّ توقيع اتفاقية إطار لقروض بقيمة 1,1 مليار مارك بين مصرف "دوتشة بنك" ممثلاً عن مجموعة مصارف دولية وبين الشركة الوطنية الإيرانية للكيماويات لتنفيذ مشروع ضخم يشمل إقامة أكبر منشأة لتصنيع الإثيلين عالمياً؛ وكان معدل التبادل التجاري بينهما في العام 1999م 3,1 مليار مارك، كما أن إيران تدرك بأن الاقتصاد العالمي ليس خاضاً بالضرورة لعصا الولايات المتحدة فهناك 1000 شركة تمتلك نصف الإنتاج العالمي، وهي شركات رأسمالية براجماتية بحتة تلهث وراء الربح ضاربة عرض الحائط كل أصول السياسة كما فعلت ذلك شركة توتال الفرنسة العملاقة، وبالتالي فإن أي ضربة أمريكية لإيران لن تكون بمعزل عن تلك الرساميل الاقتصادية الحيوية والهامة .
(4) قامت إيران ببناء علاقات حديدية مع الكثير من الدول التي تتطلع لاستقلالية نوعاً ما عن السياسة الأمريكية كالصين وروسيا والهند والنمور الآسيوية، وبهذا يكون ظهر إيران محمياً من الخلف والشمال، بالإضافة إلى أن تحرك تلك الدول في حال ضُرِبت إيران سيكون في اتجاهات لا ترضي المارد الأمريكي .(1/353)
(5) بدأت إيران في استغلال الخلاف الأمريكي من جهة والأوربي الأممي من جهة أخرى في الكثير من الملفات الحيوية ( الخليج وقضية الشرق الأوسط ) وخصوصاً قضية العراق وإيران نفسها، فالولايات المتحدة لازالت تتسلى بسياسة الاحتواء المزدوج DUAL CONTANINMENT الفاشلة أما أوربا فقد تجاوزت حتى سياسة الحوار النقدي CRITICAL DLALOJUE الذي بدأته في مطلع التسعينيات إلى فضاءات أوسع، إضافة إلى أن مواقف حكومة اليمين الفرنسية -المتحررة من النفوذ الأمريكي نوعاً ما - من ملفات عدة في الشرق الأوسط أهمها قضية المقاومة الإسلامية في لبنان (ومنها مصافحة جاك شيراك لنواب حزب الله في البرلمان اللبناني إثناء عقد اجتماعات المنظمة الفرانكفونية في بيروت) بدأ يفك من القبضة الأمريكية، يضاف إلى ذلك أن هناك ثمان دول أوربية تختلف مع الولايات المتحدة في تعريف الإرهاب، وكان لقاء السفير البريطاني في بيروت بأمين عام حزب الله - بطلبٍ من الأول - في أتون الضغوط الأمريكية على الحزب له دلالات واضحة، كما أن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لإيران قبل شهور عدة وتصريحاته المُزكّية لها؛ بيّن مدى التباين الأممي مع الولايات المتحدة في سياستها العدائية، حيث صرّح سيادة الأمين العام فيما يخص اتهام أمريكا لإيران بأن الأخيرة تتدخل في الشؤون الأفغانية وتؤوي عناصر من تنظيم القاعدة على أراضيها، بأنه ليس لديه " أي معلومات مستقلة " تدل على تدخل إيراني في أفغانستان، وبأن " الإيرانيين لا يُحبون تنظيم القاعدة ولا يؤيدونه فكرياً ولا دينياً ولا سياسياً " وأضاف " سيكون شيئاً غريباً أن يؤيدونه فجأة " ، وزاد " نحن بحاجة إلى الخبراء الإيرانيين المتخصصين في عدة مجالات، وإيران لديها علاقات تجارية قديمة مع أفغانستان، ولديها خبرة في إعادة تأهيل الطرقات " وأشاد بتعهد إيران في مؤتمر الدول المانحة باليابان تقديم مساعدات تُقدّر بـ 560 مليون دولار(1/354)
لإعادة إعمار أفغانستان، وشكرها على إيوائها لأكثر من مليوني لاجئ منذ السنوات العجاف التي مرّ بها الشعب والأفغاني وإلى الآن .
(6) بدأت إيران في تحسين علاقاتها مع دول الخليج التي تحدهم بـ 3200 كم إلى درجات متقدمة خصوصاً مع المملكة العربية السعودية وهي علاقات تقلق الولايات المتحدة إلى حد كبير .
ومن خلال المعطيات الجديدة في المنطقة فإن دول الخليج غير مستعدة لأن تكون كبش فداء في حال نشوب حرب أمريكية إيرانية، كما أن مواقف المملكة العربية السعودية من إيران هي مواقف لافتة وإيجابية جداً فقد دخلت المملكة في سجال مفتوح مع دولة الإمارات العربية المتحدة عندما أثارت الأخيرة مواقف معينة من قضية الجزر الثلاث، يضاف إلى ذلك تصريحات سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي في زيارته الأخيرة لإيران، بأن القوة العسكرية لإيران هي " قوة للمسلمين " وهذا أيضاً له دلالته.
(7) كما أن أمريكا يجب أن تقرأ نفسا جيداً وعلى العالم أن يعرف ذلك وأن يفيق من حالة الانبهار التي يعيشها تجاه النموذج الأمريكي، فأمريكا أكبر مدين في العالم حيث وصلت ديونها ( الداخلية والخارجية ) في بداية التسعينيات 4000 مليار دولار ( 4 تريليون دولار ) و تشير تقارير صندوق النقد الدولي بأن حجم الدين الأمريكي واصل سنة 2010 إلى درجة أن فوائده وحدها سوف تزيد عن حجم الناتج الإجمالي الأمريكي في تلك السنة، كما أن بها 30 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، و 21 مليون أمّي، وهي أرقام مخيفة لدولة تريد أن تجعل من نفسها قيمومة على العالم أو أن تدخل في حروب هنا وهناك .(1/355)
إن المُدرك لحقيقة التباين اللآيدولوجي والمعرفي والسياسي بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية يستطيع أن يتوصل إلى مبرر بقاء "أزلية العداء" بين الدولتين، والتي بدورها لا تعني أبداً انسحاق لخطوط معرفية وفكرية وإنسانية بين دين الإسلام ودين المسيحية اللذان تمثلهما إحدى الدولتين لأن مفهوم الدولة السياسية في الغرب ليس خاضعاً لمقاييس الدين المسيحي أو حتى لنفوذه، بل هي منظومة براجماتية تنهل من القواعد الفلسفية للرأسمالية الليبرالية الجشعة وما العلاقة بينهما إلاّ علاقة رسمية، وإن تصريح الرئيس بوش بأن الحرب القادمة هي حرب صليبية ما هو إلاّ استغلال وتوظيف وإقحام سيئ للعبارات والمفاهيم .
لذا فلم تفلح الولايات المتحدة في إقناع إيران بالدخول إلى حلفها ضد ما يسمى بالإرهاب، كما لم يفلح وفد الترويكا الأوربية .
كما رفضت إيران رفضاً قاطعاً القائمة المرسلة إليها من الولايات المتحدة والمتضمنة أسماء لبنانيين وفلسطينين تريد اعتقالهم، لقد كان موقف إيران من الطلب الأمريكي آنف الذكر موقفاً حاسِماً وجريئاً وسريعاً كذلك من جميع القيادات الإيرانية وبشتى أطياف السياسة الإيرانية والتشكيلات الحزبية، بدءاً بمرشد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي الذي أعلن في مناسبة أسبوع الدفاع المُقَدّس أن إيران " لن تساهم في أي تحرك تقوده أمريكا " لأن أمريكا " ليست صالحة وغير صادقة " للقيام بتلك الحملة، وأضاف أن إيران " مستعدة لتقديم العون لهذا التحرك العالمي في إطار الأمم المتحدة شريطة أن لا تخضع لنفوذ أمريكا وغيرها من الدول الكبرى " .
كما وصف الرئيس محمد خاتمي الرئيس الأمريكي بـ "المتغطرس "(1/356)
للأسف أن الولايات المتحدة لم تدرك إلى الآن أن السياسة الإيرانية لا تُدار فقط بتقدير المصالح بل أن هناك ضوابط قِيَمِيّة تحكمها، كما أنها -أي السياسة الإيرانية- ورغم ذلك لم تُحَكّم رغباتها الأيدلوجية على حساب مصالحها المباشرة وهي السياسة التي كانت تتبعها الأنظمة الاشتراكية في الماضي التي أنفقت الكثير على مشاريع أيدلوجية حتى أفلست .
لقد نَبّهت إيران مراراً إلى أن التعريف الأمريكي للإرهاب غير دقيق وغير صحيح، فهو ينطلق من منطلقات محورية في السياسة الأمريكية البرجماتية بصورة صرفة، وبالتالي أدى ذلك إلى تأزيم المفهوم .
إذ لم تكن الأفعال والمفاهيم الأصلية أو الصناعية خاضعة يوماً لمقاييس السياسة الفردية والمصلحة الشخصية بل إنها محكومة بالقيم الإنسانية التي تؤكد مطلقية المفهوم في دائرة الصواب فقط، ولا يمكن أن توظف المفاهيم عنوة لتمرير السياسات البرجماتية على حساب الشعوب والثروات .في النهاية قد نخلص إلى أن ضرب أمريكا لإيران بحجة مكافحة الإرهاب ستكون الكبوة المُقعِدَة لعنجهية المارد الأمريكي وعصبيته اللامبررة
********************
ما رأي الشيخ نصر الله برفض (بحر العلوم) اعتبار اميركا محتلة وبهتافه لبوش
موقع العرب اليوم
كل التقدير والاحترام لجهاد وصمود حزب الله لانه مثل تجربة وطنية اسلامية في التصدي للاحتلال الصهيوني لارض لبنانية, ولولا دماء شهداء المقاومة الاسلامية وصدق عزيمتهم لما اصبح لحديث السيد حسن نصر الله هذه المكانة والتقدير, ولما اصبحت خطاباته تحظى بالاهتمام, فالامة متخمة بالخطباء لكنها تحتاج الى حالات منتجة تتخللها بعض الخطابة.(1/357)
خطاب الشيخ نصر الله مساء الاحد والذي بثته الفضائيات حمل محاولة "منطقية" لتفسير مواقف بعض الفئات السياسية والمرجعيات في العراق, وكان واضحا ان الشيخ يحاول استخدام مخزون الاحترام لتجربة حزبه لتبرير منطق تمارسه بعض المرجعيات والفئات الشيعية في العراق, حيث اعتبر مواقف الجميع في العراق "اجتهادات" باستثناء من تربوا في رعاية الادارة الاميركية, وحاول تسويق لجوء بعض القوى الدينية الشيعية الى غير خيار المقاومة على انه اجتهاد, وان هذا لا ينقص شيئا من صدقها في رفض الاحتلال الاميركي.
وحين يصنف موقف اي فئة على انه اجتهاد فهذا يعطيه مشروعية وقوة, فمن يمارس المقاومة ويقدم نفسه شهيدا يمارس اجتهادا, ومن يجلس في بيته يحث اتباعه على الهدوء والصمت والاكتفاء بالمسيرات مجتهد, ومن يدعو الى تأسيس جيش لحماية الحوزة مجتهد, وهكذا فالامر خاضع لحسابات كل طرف وارتباطاته, فالاجتهاد ممكن لكن بشرط ان لا يتعارض مع القاعدة الشرعية بأنه "لا اجتهاد في موضع النص", ولهذا فلا يجوز ان يختبئ اي عالم او حزب او شخص وراء فكرة الاجتهاد ليترك الاحتلال يتكرس في بلاده.
وربما لا يخطر على بال الشيخ نصر الله وهو يعدد الاجتهادات انه يعطي شرعية لمن يرى امكانية تحرير بلاده عبر ممارسة ضغط سياسي على الولايات المتحدة, وهؤلاء يمثلهم بعض من شاركوا في مجلس الحكم الانتقالي, ونسي ايضا ان القبول بهذا "الاجتهاد" مناقض لمنطق حزب الله وقوى اسلامية وقومية عديدة رفضت فكرة الحل السياسي لحل القضية الفلسطينية, فاذا كنا نقبل "اجتهاد" من يرى في مجلس برعاية بريمر وسيلة لاقامة حكومة عراقية مستقلة فان اتفاق اوسلو بكل تداعياته يفترض ان يقبل ايضا باعتباره اجتهاد, كما ان المقاومة المسلحة اجتهاد ايضا.(1/358)
وربما ما لم يحب الشيخ نصر الله ذكره موقف حزبه من مجلس حكم بريمر, وكنا ننتظر ان نسمع منه رأيا في المشاركة بمجلس تحت سيطرة اميركية وهدفه تسويق الاحتلال والهتاف بحياة بوش وبلير, وكان متوقعا من الشيخ وهو يمثل تجربة جهادية متميزة ان لا يغمض عينيه عن موقف من المشاركة في هذا المجلس, وان يتحدث بوضوح عن كل الفئات والمراجع التي قبلت المشاركة في هذا المجلس.
واذا كنا نقبل ما قاله نصر الله عن خطورة التقسيم الطائفي في العراق, فاننا نشير الى ان من فتح الباب لهذا من حرص على تقديم بعض مناطق العراق بصبغة طائفية, وتحدث بلغة المراجع, ونفذ استعراضات للقوة ليقول ان الشيعة هم اصحاب الحضور والاغلبية.
كما ان من يتحدث عن عزمه تشكيل جيش شيعي لحماية الحوزة هو من يعزز الفرز, اما من يمارسون المقاومة فلم يعلنوا انهم سنة او انهم يمثلون طائفة, فكل ما يفعله المقاومون انهم يقتلون جنود الاحتلال ويمارسون فريضة شرعية وواجبا وطنيا في مواجهة الاحتلال الاميركي.
ولعل الشيخ نصر الله قد نسي في غمرة حرصه على تبرير مواقف بعض المراجع في العراق ان يعطي للمقاومة اي قيمة ولم يوجه لهؤلاء اي تحية واكتفى بمحاولة تبرير تقاعس الاخرين ووصفه بالاجتهاد, وبدا وكأنه معني بالدفاع عن المراجع الشيعية في العراق بعدما فشلت في تبرير مواقفها, فرأت في ما يحظى به حزب الله من مكانة مخزونا يمكن استغلاله لتبرير مواقفها, لكن هذه المحاولة قد لا تؤتي أكلها بل ربما تنعكس سلبا على حزب الله الذي ينتظر الناس من اهل العراق نموذجا مشابها لنموذجه الجهادي لا ان يتحول قادة حزب الله الى مدافعين عن علماء شيعة العراق.(1/359)
حزب الله وامينه العام بصورته الايجابية هو الذي خصص جزءا كبيرا من خطابه للحديث حول الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني وتحدث بقوة مدافعا عن حقهم في الحرية مهددا بالعمل لضمان توفر فرص للضغط على اسرائيل للدخول في مفاوضات تضمن الافراج عن هؤلاء الاسرى, لكننا لا نحب ان نرى الشيخ وهو يمارس عملا "رسميا" في تبرير مواقف بعض المراجع في العراق, ونشفق عليه من الحرج وهو يظهر وكأنه يمارس فعلا اجباريا, ولو انه تمهل حتى الليل لسمع "سماحة السيد بحر العلوم" احد مراجع الشيعة في العراق على احدى الفضائيات يرفض اعتبار القوات الاميركية قوات احتلال ويرى فيها قوات صديقة جاءت لمساعدة الشعب العراقي على ازالة النظام, لكن "البحر" يصر على تشكيل محاكم لعناصر النظام السابق, فماذا يقول الشيخ نصر الله في مرجع نشيط في مجلس بريمر لا يرى في قوات اميركا احتلالا ويجعل اولويته محاكمة مؤيدي نظام ذهب.
لعل الصواب جانب من ارادوا استثمار رصيد حزب الله في تبرير افعال علماء شيعة العراق, فهم لم يحصلوا على مايريدون لكنهم الحقوا ضررا بتجربة كريمة لحزب الله في مقاومة المحتل.
*******************
حزب الله .. ارتباك في الموقف بشأن الوضع في العراق
الجزيرة نت(1/360)
تتحدث مصادر قريبة من حزب الله اللبناني عن ارتباك في موقف الحزب بشأن الوضع في العراق. وثمة تباين في الرأي بين قادة هذا الحزب بشأن الموقف من المقاومة العراقية السياسية والعسكرية للاحتلال الأميركي، وإذا ما كان من المفترض تأييدها أم لا؟ وينجم هذا الارتباك عن كون هذه المقاومة متهمة بأنها "سنية" وأن "فلول صدام" هي التي تقف وراءها، فضلا عن خضوع المقاومة العراقية لحصار إعلامي وسياسي من أطراف عربية أساسية تتبع الولايات المتحدة، ناهيك عن إيران التي تدير الآن مفاوضات سرية شاقة مع ممثلي الإدارة الأميركية. وتقارن هذه المصادر ظروف الارتباك الراهن في موقف حزب الله مع الظروف التي سبقت غزو واحتلال العراق، عندما اقترح نصر الله صيغة "مؤتمر طائف" عراقي يجري مصالحة وطنية بين المعارضة العراقية والنظام السابق، مما يعزز الجبهة الداخلية في مواجهة خطة الغزو الأميركية.وتقول هذه المصادر إن اقتراح نصر الله كان ملائما تماما في تلك الظروف، ليس لأنه يثبت موقفا سياسيا تاريخيا مع الوطن ضد الغزاة وحسب وإنما لانحيازه الحاسم إلى جانب الشعب العربي وخياراته القومية. وتشير المصادر إلى أن نصر الله وحزبه قد تعرضوا في حينه إلى حملة سياسية شرسة، أدارتها أطراف كثيرة من بينها بعض أطياف المعارضة العراقية التي ركبت الدبابات الأميركية وذلك تحت عنوان عدم التدخل في الشأن العراقي. وتزعم هذه المصادر أن بعض الأوساط الإيرانية وبعض الشخصيات الشيعية الكويتية لم تكن بعيدة عن هذه الحملة. ومع أن التطورات اللاحقة قد تجاوزت اقتراح الطائف العراقي، فإن الأحداث الخطيرة الجارية في العراق ما زالت تتطلب من حزب الله اتخاذ موقف أشد وضوحا. فقد زال النظام الدكتاتوري وحل الاحتلال الأميركي بدلا عنه، كما انكشف دور بعض أطراف المعارضة العراقية باعتبارها مجرد عود ثقاب أشعل الحرب الأميركية على العراق وسمح لإسرائيل ببسط نفوذها (الأمني والتجاري حتى(1/361)
اللحظة) على ضفاف دجلة والفرات، على حد قول المصادر نفسها. وعند هذه النقطة، تقول المصادر القريبة من حزب الله إن الآراء داخل الحزب تتباين بين موقفين:
الأول: يقول إن الشيعة لابد من أن يكونوا جزءا من بنيان الدولة التي يتم تشكيلها الآن في العراق، وإن كان هذا التشكل يتم بفضل وفعل الاحتلال. وهذا الرأي وإن كان لا يراهن على المقاومة العراقية فهو لا يعاديها، لكنه أميل إلى الموقف الإيراني ذي الدوافع "البراغماتية القومية".
والثاني: يقول إن الرهان على المقاومة العراقية ونضوج مشروعها الوطني يجب أن يكون هو الموقف الأساسي لأن الولايات المتحدة بسياستها المعروفة لا يمكن أن تجلب إلا الويلات والخراب للمسلمين برمتهم العرب منهم وغير العرب. ويقول مطلعون وثيقو الصلة إن قراءة هذا "الارتباك" بشأن موقف حزب الله من المقاومة العراقية السياسية والعسكرية للاحتلال الأميركي، توجب ملاحظة الإشارات التي وردت في حديث السيد حسن نصر الله في حفل تأبين آية الله محمد باقر الحكيم، وما أظهرت من ترجيح للرأي الثاني. فقد اتهم نصر الله إسرائيل بتدبير حادث التفجير في مقام الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في النجف، والذي سقط ضحيته السيد باقر الحكيم و83 شخصا آخر. وتقول هذه المصادر إنه رغم تعدد الروايات بشأن المسؤولية عن حادث تفجير النجف، فإن ترجيح نصر الله للمسؤولية الإسرائيلية عن هذه المجزرة -وهو ترجيح قائم على معلومات مصادر عربية وأوروبية رفيعة المستوى- ليس موقفا تكتيكيا يراد منه استمالة بعض الجمهور العربي أو العراقي، وإنما هو تعبير عن اتجاه عربي عام بدأ يعترف بأهمية المقاومة العراقية ويقدر تأثيرها الإقليمي والدولي
*******************
حزب الله... المرحلة
وليد أبي مرشد
جريدة الشرق الأوسط 18 مايو 2003- العدد 8937(1/362)
"النصر" الأميركي السهل في العراق انهى حربا كان سلاحها المباشر العصا لتبدأ الولايات المتحدة حربا أخرى في الشرق الاوسط سلاحها العصا والجزرة معا، إذا اعتبرنا تصريحات ـ وأحيانا تهديدات ـ وزير الخارجية الاميركي كولن باول عناوين المرحلة المقبلة في المنطقة ولكن أن تبقى "جزيرتان" فقط خارجتين، ولو نسبيا، عن الهيمنة الاميركية المباشرة في المنطقة، إحداهما شرقي العراق (ايران) وثانيتهما غربيه (سورية ولبنان)، واقع جيو ـ سياسي لا ترتاح اليه واشنطن، وبالتالي واقع يستدعي تكيّف "الجزيرتين" مع ما يصفه كولن باول بالتحولات الاستراتيجية الجديدة في المنطقة. لأن الولايات المتحدة اصبحت اليوم دولة شرق اوسطية بقدر ما هي دولة أطلسية (وربما أكثر ايضا إذا ازداد الخرق الاميركي ـ الاوروبي اتساعا)، بات لزاما على "الجزيرتين"، إذا اختارتا التعايش سلميا مع "الجارة" الاميركية في العراق، إزالة كل "النتوءات" التي تحول دون هناء هذا التعايش، وفي مقدمتها المنظمات والحركات المصنفة في واشنطن "ارهابية". من هذا المنظور قد يجوز اعتبار الاعتقالات الاخيرة في بيروت لعصابات ارهابية كانت تخطط لاغتيال السفير الاميركي ومهاجمة اهداف أجنبية وما رافقها من تأكيدات على التعاون السوري ـ اللبناني الاستخباراتي في الكشف عنها... دفعة أولى من فواتير "حسن النية" يسددها البلدان لحساب الهواجس الامنية الاميركية. إلا أن هذه الفواتير تبقى مسكنات لا دواء للهواجس الاميركية... طالما انها لم تتعامل مع مصدري "القلق" الرسمي الابرز في واشنطن: منظمات الرفض الفلسطينية و"حزب الله". ضبط المكاتب الاعلامية للمنظمات الفلسطينية في دمشق لم يكن يوما قضية بدليل مسارعتها هي الى الاعراب عن استعدادها لاغلاق هذه المكاتب بعد زيارة باول لدمشق وبيروت. أما "حزب الله" اللبناني... فشأن آخرعلى اعتباره حزبا تتبنى ذراعه السياسي اللعبة البرلمانية ويتقيد بها منذ سنوات، الامر(1/363)
الذي يجعل مطالبة واشنطن بـ"تفكيكه" تجاوزا لابسط مفاهيمها الديمقراطية. يبقى إذن التعامل مع جناحه العسكري... ربما تندرج في هذا الاطار أحد أهداف زيارة الرئيس الايراني محمد خاتمي الأخيرة الى كل من لبنان وسورية، فالزيارة توخت، من جهة ، ابلاغ واشنطن وحدة موقف "الجزيرتين" حيال حركات المقاومة الوطنية للاحتلال الاسرائيلي، ومن جهة أخرى الايحاء "لحزب الله" اللبناني بالبدء جديا في عملية إعادة بناء صورته وفق تقنيات تجربة اعلامية سياسية يسميها الاميركيون Image Building. من هنا جاءت عودة الرئيس خاتمي في بيروت الى التركيز على الهوية "اللبنانية" لحزب الله وعلى قراره المستقل، وهما الصفتان اللتان سبق لوزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، أن ابرزهما في تأكيده، قبل اسبوعين تقريبا، على أن الحزب جزء لا يتجزأ من النسيج السياسي اللبناني. ومع التسليم بأن المرجعية الايرانية لـ"حزب الله" هي المؤسسة الدينية التي يمثلها المرشد الاعلى علي خامنئي، فان تأييد المؤسسة السياسية في ايران لنظرة الحكومة السورية الى الاولوية "اللبنانية" لقرارات "حزب الله" يعطي هذا الموقف ثقلا معنويا مطلوبا في هذه المرحلة البالغة الحساسية في المنطقة. وفي هذا السياق قد لا تكون مجرد صدفة أن يتزامن مع زيارة خاتمي الى بيروت اعلان الحزب أن من "الخطأ" فتح الجبهة الجنوبية كيفما كان وفي اي ظرف كان "ودعوته الى "حوار" مع الغرب "لعله يوصل الى نتيجة بعيدا عن الاملاءات الفوقية".وإذا قُرئت هذه المعلومات على خلفية انتشار قوى الامن اللبنانية على طول الحدود الجنوبية مع اسرائيل (باستثناء جبهة مزارع شبعا) منذ ما قبل اندلاع الحرب الاميركية على العراق، قد يصح الاستنتاج بأن لبنان سيشهد عملية "اعادة بناء" جذرية لحزب الله ـ إن لم يكن عملية اعادة صياغته
*********************
مرّة أخرى.. حزب الله والقضية الفلسطينية
أبو أحمد مصطفى(1/364)
جريدة الشرق الأوسط 4 يونيو 2003 العدد 8954
يبدو ان الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ حسن نصر الله مولع بالفرقعات الاعلامية، والسيطرة على عقول الدهماء وانتزاع اعجابهم، لكن العجيب، وغير المستهجن في تصريحات الشيخ نصر الله انه يتحدث تارة كسياسي، وتارة اخرى كوكيل معتمد للحوزة العلمية في قُم، وبالتالي تصبح كلماته ممثلة لتلك الجهة التي يرعى شؤونها في لبنان، ويحاول ان يمتد بنفوذه الى اي قطر عربي آخر يسمح له بذلك. الشيخ حسن نصر الله يهاجم القمة القادمة في شرم الشيخ لانه مطمئن بان الحكومة السورية غير مدعوة لها، وبهذا لن تزعج كلماته احدا في دمشق. والاعجب كذلك هو تطاوله على قيادات عربية لا يمكن التشكيك في نواياها وسعيها لخدمة القضية الفلسطينية منطلقة بذلك من مصلحة عربية خالصة لا تمليها توجهات مذهبية صادرة عن جهة لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية سوى التصريحات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع. يعتقد الشيخ نصر الله ان القيادات التي ستلتقي في شرم الشيخ لا تدرك ما يدركه هو معتمدا على "معلومات" واردة اليه من مرجعيته. أليس من المعيب ان يوجه امين حزب الله اتهاماته الى قيادات عربية تمثل اقطارا عربية بالتهاون في عملية السلام؟ اليس حريا به ان يطلعنا على تلكم "الحسابات الدقيقة"، لنكون نحن جميعا ايضا معه في معركة مصيرية تتطلب جهد كل مواطن، او على الاقل اطلاع القادة العرب عليها ليتداركوا امورهم، او لكي لا يقعوا فريسة لشارون او امثاله اذا كان حقا يريد صالح الامة وخير الوطن؟! اما اثارة عواطف المستضعفين في كل خطبه العصماء، والتلميح بان امين عام "حزب الله" لديه معلومات لا يمتلكها سواه، ويعتمد حسابات لا تتاح لغيره، فهو هراء خطابي قد يقنع به مريديه، ولكنه قطعا لن يفلح مع سواد الناس الذين تتملكهم الحيرة وربما اكثر من محاولة الاقتناع بغيبياته المهدية وحقائق الواقع الدامغة. لا ادري ان كانت الحكومة السورية(1/365)
مرحبة فعلا بتغيبها عن خارطة الطريق كما يوهمنا الشيخ حسن نصر الله، ام انها غير ذلك كما صرح وزير خارجيتها. لكن يبدو ـ في نظر الامين العام ـ ان المعلومات والحسابات التي يمتلكها الحزب اكبر وادق من معلومات الحكومة السورية تحديدا والحكومات العربية قاطبة. الغريب ان الامين العام يتجنب الحديث عن الاتهامات الموجهة الى ايران لحمايتها عناصر قيادية من تنظيم "القاعدة"، للمساومة عليهم في مرحلة متقدمة، لكن الضغط الامريكي مصحوبا بالتواجد الفعلي على الحدود، جعل القيادة الايرانية تكشف عن لعبتها المفضلة في الغموض والتصريحات المتضاربة، لتتراجع في نهاية الامر، وتقر بوجود عناصر من هذا التنظيم، وتعلن انها تريد التأكد من هويتهم! (قصة "ابو نضال" في بغداد، ما تزال عالقة بأذهاننا، عندما اعلن رئيس المخابرات العراقية آنذاك انهم لم يعلموا بوجوده ضيفا عليهم الا بعد مرور سنوات!) الواقع ان الشيخ حسن نصر الله هو مثال حي للخلط بين امر الدين وامر السياسة، فتارة يلبس عباءة المفتي، وتارة يخلعها ويتحول الى سياسي محترف، ويحار المرء في كيفية التعامل بها مع امثال هؤلاء.. فانتقاد من يتزعم تنظيما يدعي انه يمثل "حزب الله" في بلد ما ورطة، وعدم توجيه انتقاد الى ممارساته، يكسبه حقا لا يستحقه، ويتمكن به من مهاجمة من يشاء عالما ان لا احد يجرؤ على مناقشته او الرد عليه، لانه يحيط نفسه بـ"سياج الله" الذي يقيه من اظهار حقيقة مآربه ومقاصده التي لا تنطلي الا على مريديه او المستضعفين الذين يجب ان يبقوا كذلك ليكونوا مادته ووسيلته لغاية لا علاقة لهم او لأبنائهم بها. اما الشأن الفلسطيني الذي يحلو العبث فيه واللهو في سيرته، فذلك مادة اخرى! فالفلسطينيون ادرى بشؤونهم واحق ان يتحدثوا هم عن حقوقهم، ولا يجوز لكائن ان يدعي حرصه المجاني على مستقبلهم، ولهم من الكفاءة والخبرة والتاريخ النضالي الطويل والكفاح المستمر ما يؤهلهم ان يتولوا شؤونهم(1/366)
بأنفسهم. وربما كان جل مصاب الفلسطينيين ونكباتهم انهم غيبوا عن تمثيل انفسهم، وأُجبروا على ترك دورهم لعرب آخرين، الامر الذي كانت نتيجته وبالاً لا يزالون يدفعون ثمنه باهظا. ان من يريد ان يعينهم من القادة العرب لتحقيق بداية جادة لنيل حقوقهم، يستحقون الثناء على ما يحاولون، اما العويل والصراخ والنحيب فلن يجدي فتيلا، ولن يعيد لهم حقا مغتصبا. وحدهم الفلسطينيون فقط يقررون من يريدون ان يشاركهم في محاولاتهم لانتزاع كيان يعيشون فيه، بدلا من المخيمات التي يسهم "حزب الله" في التأكد من ان سكانها لا يجدون اساسيات الحياة الكريمة داخلها، بحجة عدم توطينهم في لبنان. لقد جرب الفلسطينيون طريق الانتفاضة مرة اخرى، ودعمهم "حزب الله" بالجهد الخطابي فقط، بينما امدهم آخرون بالمال لتعويض ما فقدوه نتيجة عناد بعض قياداتهم ووهمها بانها لن تحصل على حقوق الشعب الفلسطيني الا عن طريق دماء اطفاله وشبابه. دعونا نحاول طريقا آخر قد يقود الى دولة فلسطينية معترف بها، بدلا من حالة الضياع والدمار اليومي التي يتيه فيها الفلسطيني. عندئذ سنتذكر ان "حزب الله" وغيره من الاحزاب ذات المرجعيات الخارجية لم تقدم لـ"اخوانهم في الدين" شيئا سوى الخطب الرنانة، بينما ابقتهم في بؤس المخيمات، لتأتي الدولة الفلسطينية وتخلصهم من واقعهم الذي انهكه الحصار العربي تماما كالحصار الاسرائيلي
*******************
لقاء مع: صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لـ حزب الله
الشرق الأوسط
صحيفة الشرق الأوسط : 25-9-2003- العدد 9067(1/367)
صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لـ"حزب الله" لـ"الشرق الاوسط": إيران خطر على التشيع في العالم ورأس حربة المشروع الأميركي والمقاومة في لبنان "خطفت" وأصبحت حرس حدود لإسرائيل الشيخ الطفيلي في أول حديث صحافي منذ تواريه: أنا مستعد لأكون وزيرا للعدل أو مسؤولا عن القضاء الذي سيتولى محاسبة سارقي المال العام * موضوع التشيع السياسي والتسنن السياسي هو صناعة الأميركي، حتى لو عين شيعيا فهذا الشيعي سيكون خادما له ولا يخدم الإسلام
بيروت: ثائر عباس:(1/368)
في مبنى "حسينية" قديم في بلدة بريتال (جنوب مدينة بعلبك) كان اللقاء مع الامين العام السابق لـ"حزب الله" اللبناني الشيخ صبحي الطفيلي الذي غاب عن الانظار منذ العام 1997 اثر سلسلة اشكالات ومشكلات مع "حزب الله" والدولة اللبنانية، وبعد "اختلاف في وجهات النظر" مع ايران دفع ثمنه خروجه من الحزب الذي كان احد مؤسسيه وأول امنائه العامين. وقد توجت هذه "الاختلافات" باشتباك قتل فيه احد ضباط الجيش والنائب السابق الشيخ خضر طليس الذي كان يعتصم مع الطفيلي وعدد من انصاره في حوزة دينية تابعة لـ"حزب الله" ليصبح بعدها الطفيلي مطلوباً للقضاء اللبناني وليشكل خلال ست سنوات قضاها "حاضراً غائباً" حالة غريبة نظرياً، لكنها طبيعية لبنانياً. فهو بقي طوال الفترة معروف المكان من انصاره واعدائه. ورغم بعض المضايقات التي تعرض لها، الا ان اي محاولة لم تجر للقبض عليه. خلال فترة غيابه، كانت للشيخ الطفيلي طلات بين الحين والآخر، فتياره شارك بقوة في انتخابات العام 2000 في البقاع، كما كانت له طلة اعلامية في العام 2002 عبر تلفزيون "ام. تي. في" الذي اقفل لاحقاً. وهو يقول انه اتهم ـ بسبب تلك المقابلة ـ بانجاح مرشح المعارضة في الانتخابات الفرعية التي اجريت في قضاء المتن الشمالي، غبريال المر، الذي ابطلت نيابته لاحقاً. وقد دفع الطفيلي ثمناً لطلاته هذه متنقلاً في "اقامته الجبرية" من سيىء الى اسوأ لجهة الاوضاع التي يعيشها، حتى انتهى به المطاف في مبنى الحسينية. والشيخ الطفيلي شخصية لها وزنها في الشارع البقاعي كما لها تأثيرها الواضح. وهو المعروف بتشبثه، الذي يقارب العناد، بمواقفه. وهو اقتنع بالاطلالة عبر "الشرق الأوسط" لأن لديه "وجهة نظر" يريد الادلاء بها بعدما "وصلت الاوضاع في المنطقة الى ما وصلت اليه من ترد". اما نحن فكنا نسعى للسبق الصحافي مع شخصية تمتلك الكثير من المعلومات عن الكثير من القضايا الشائكة التي عايشها اميناً(1/369)
عاماً لـ "حزب الله" الذي كان رأس الحربة في اخراج اسرائيل من الاراضي اللبنانية. ومع اختلاف "الرغبات" كان التقاء على الحوار الصحافي الذي شارك فيه مراسل "الشرق الأوسط" في البقاع حسين درويش وشمل عناوين محلية واقليمية، ادلى فيها الشيخ صبحي الطفيلي بدلوه موجهاً انتقادات لاذعة للدور الايراني الذي اعتبره "خطراً على الشيعة في لبنان والمنطقة".
استقبلنا "الشيخ"، كما يختصر انصاره حديثهم عنه، في ما وصفه بـ"الصالون" وهو يشبه الغرفة ومساحته تقارب العشرة امتار مربعة، منتعلاً خفاً بلاستيكياً وفوق رأسه صورة كبيرة لـ"رفيق دربه"، آية الله الخميني، والى جانبه رشاش من طراز كلاشنيكوف.
سألناه: ما الذي جعلك تختفي عن الساحة ولماذا قرار العودة الآن؟ وما هو وضعك القانوني؟
فأجاب: "اذا كان لا بد من تكريم احد في لبنان، فهو انا. فقد اسست المقاومة التي اخرجت العدو الاسرائيلي من ارضنا المحتلة، ووقفت الى جانب قضايا الناس وما زلت". لقد بدأت حركتي التي سميت "ثورة الجياع" عام 1997 بعدما رأيت ان الوضع الاقتصادي ينذر بأكبر الاخطار والناس لم تعد قادرة على الاحتمال. وقد حاولت القيام بتحرك لاجبار الدولة على النظر الى قضايا البقاعيين واللبنانيين عموماً، ودعوت الجميع الى مؤازرتي او على الاقل الحياد، لكني فوجئت بورثة الخميني (حزب الله) يقفون الى جانب سارقي المال العام وناهبي ثروات الدولة والمعتدين على الشعب ضد شعبنا وامهات الشهداء والفقراء. وذلك بذريعة ان دعم المقاومة لا يجعلهم قادرين على الخوض في المواضيع الاقتصادية والحياتية. وهذا منطق سخيف، والاسخف منه ان لا مقاومة الآن. فأين نصرة الضعيف والمسحوق؟ وللمفارقة ان بعض المسؤولين الايرانيين - في مواجهة حركتي - وعدوا بأن لديهم مشاريع ستنفذ خلال ستة اشهر وستغير اوضاع المنطقة بشكل كبير، لكن السنوات مرت وهذه المشاريع لم تبصر النور.
اذاً، تعتبر ان المقاومة انتهت؟(1/370)
وهل ذلك موضع نقاش؟ لقد بدأت نهاية هذه المقاومة مذ دخلت قيادتها في صفقات كتفاهم يوليو (تموز) 1994 وتفاهم ابريل (نيسان) 1996الذي اسبغ حماية على المستوطنات الاسرائيلية وذلك بموافقة وزير خارجية ايران. لكن هذا التفاهم اعتبر انتصاراً للبنان لأنه حيد المدنيين اللبنانيين ايضاً واعترف بشرعية المقاومة، مع ان عمليات للمقاومة تحصل في مزارع شبعا بين الحين والآخر هذا التفاهم الهدف الاساسي منه تحييد المقاومة وادخالها في اتفاقات مع الاسرائيليين، كما ان العمليات الفولكلورية التي تحصل بين حين وآخر لا جدوى منها لأن الاسرائيلي مرتاح، وهل هناك فرق بين الاسرائيلي في مزارع شبعا والاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة؟ هذا اعتراف بالاحتلال، انا ارى ان الخيام (بلدة حدودية لبنانية) هي مثل عكا وحيفا. وما يؤلمني ان المقاومة التي عاهدني شبابها على الموت في سبيل تحرير الاراضي العربية المحتلة، تقف الآن حارس حدود للمستوطنات الاسرائيلية، ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الاسرائيليين يلقون القبض عليه ويسام انواع التعذيب في السجون.
اي سجون؟
لقد حدثت اكثر من حالة، وقد سلم الذين قاموا بمحاولاتهم الى السلطات اللبنانية التي اخضعتهم للتحقيق والتصنيف.
الا توافق التفسيرات القائلة بأن المقاومة تتخذ هذا الاجراء لامتصاص الضغوط التي تواجه لبنان وسورية اقليمياً ودولياً من اجل وقف عملياتها؟(1/371)
انا لست ضد تحين الفرص، فهذا من الحكمة. لكن ما يحصل هو غير ذلك. انت تقول بانتظار الفرصة. وانا اقول ان انتظار وضع دولي مؤات ليس من الحكمة بشيء لأن هذه الضغوط لن تتوقف ولن يأتينا اي وقت مؤات. وانا اوجه كلامي الى ابنائي في المقاومة لأقول لهم ان ما تفعلونه حرام وخدمة للعدو وخيانة للقضية. القوا سلاحكم وارحلوا او تمردوا واطلقوا النار على عدوكم ولا تجعلوا احداً يخدعكم تحت عنوان اي فتوى او ولاية فقيه، فلا فقيه في الدنيا يأمرني بأن اخدم عدوي. انا آسف كيف ان المقاومة التي صنعناها بدماء شهدائنا تختطف وتحول الى خدمة اعدائنا.
متى كانت لحظة التحول في الموقف الايراني حيالك، وهل كان لايران دور في ابعادك عن مركز القرار في الحزب؟
رغم كل ما حصل معي، كنت حريصاً على ابعاد وضعي الشخصي عن الوضع العام، كما لم اتناول ايران وشخصياتها القيادية رغم كل الاحداث الماضية والحالة الشخصية. كنت حريصاً على ان لا ادخل اي قضية عامة في اطار وضعي الشخصي. لكن بعد التحول الذي حصل في الموقف من المقاومة وتحول ايران الى منسق للشؤون الاميركية في المنطقة رأيت ان اخرج عن صمتي.
نعود الى لحظة التحول في ما يتعلق بالمشروع الذي كنتم تمثلونه في "حزب الله" والذي يحمل عناوين عدة منها عدم المهادنة والمواقف الحادة، بالاضافة الى ارتباط اسم الحزب في تلك الفترة بملفات خطيرة مثل خطف الرهائن وغيرها.
ـ الحديث عن ملف الرهائن الغربيين له وقته. ونحن نؤكد ان لا علاقة لنا به. اما في شأن التحول الذي تتحدث عنه فهو يتلخص بأمرين، الاول ان هناك سياسة في ايران بدأت تبرز بعد رحيل الامام الخميني، وكان واضحاً ان هذه السياسة ستصطدم بفهمنا للاسلام. والامر الثاني ان هناك اشخاصاً بطبيعتهم لا يحبون التزلف.
تقصد انت؟(1/372)
ـ قلت مراراً للايرانيين انه عندما تصطدم مصلحتهم مع قناعتي سأغلب الاخيرة، ولن اكون ابداً عميلاً لايران ولسياستها، انا اخوكم وشريككم لا اكثر ولا اقل. لكن في كل العالم، الاقوياء لا يرغبون بالشركاء، بل يفضلون الضعفاء الذين يدينون لهم بالولاء الاعمى. انا لا احب ان يداس على قدمي لاتحرك في اي اتجاه. وهل من بين فقهاء المسلمين من يقول بجواز نصر وتأييد الظلم على الفقراء والمسلمين؟ ولهذا عندما لا تستطيع ان تتماشى مع النظام يصار الى ابادتك بالقوة وبالوسائل المتاحة.
لكن الحزب تميز بعدك بنغمة لبنانية.
من يقول في لبنان ان ايران لا تتدخل كاذب. القرار ليس في بيروت وانما في طهران.
حتى خلال ولايتك؟
نعم، حتى خلال ولايتي كان لـ(القيادة) المركزية في ايران موقعها في القرار. لكن حينها كان هناك انسجام في المواقف والقرارات. ولم نكن نعتبر ان القرارات تملى علينا، بل هي قناعاتنا. وحين يأتي امر من الامام الخميني او غيره ممن يعينهم يقول لنا قاتلوا اسرائيل، فنحن لا نعتبره امراً بل هو من قناعاتنا.
هل كان رحيل الخميني بداية الفراق مع ايران؟
لنقل: بداية التباين.
واين كان الموقف السوري حينها؟
عندما وجد السوري ان اسرائيل غارقة في المستنقع اللبناني، اراد ان يحشرها، فمنع السلطة اللبنانية من ارسال الجيش الى منطقة جزين التي انسحبت منها. وعندما انسحبت من الجنوب ابقى مزارع شبعا نقطة ضغط عليها، وكأن السوري يريد ان يلتف، ولو بطريقة متواضعة، على تفاهم ابريل (نيسان)، لكن الايراني كانت له حسابات اخرى، واذكر في حينه ان وزير الخارجية الايراني اطلق تصريحات منسجمة مع الرغبة الاميركية بتهدئة الجبهة واضطر لاحقاً الى سحبها.
قلت انك تشعر بالخطر ازاء الوضع الداخلي العراقي، فما السبب؟(1/373)
بعد مصرع الاخ آية الله محمد باقر الحكيم، لفتني وجود توجه لدى الاعلام العربي للحديث عن دور طائفي في اغتياله وقبل رفع الانقاض، وكأنما هناك محاولة لافهام الناس ان عدوهم ليس الاميركي، بل السني عموماً. وهذا ليس صحيحاً على الاطلاق. وانا من موقعي الديني اقول ان موضوع التشيع السياسي والتسنن السياسي هو صناعة السلاطين والدول. الاميركي حتى لو عين شيعياً فهذا الشيعي سيكون خادماً له ولا يخدم الاسلام. والاسلام ليس عشائر سنية وشيعية، بل دين وحدة وهو يتعرض الآن للخطر ولا يجوز لأي امرىء ان يفكر بمصالحه الضيقة.
نلاحظ لديك عدم رضى عن الموقف الشيعي العراقي، فإلى ماذا ترد هذا الموقف؟
الشارع الشيعي في العراق، مثل اي شارع آخر تتحكم به عوامل كثيرة قبل ان يتحكم به عقله. القرى والمدن الشيعية في جنوب لبنان استقبلت الاسرائيلي بالورود والارز جراء بعض الممارسات التي قامت بها فصائل فلسطينية، لكن هذه القرى نفسها بعد سنتين كانت في طليعة المقاومة. ولهذا اعتقد ان الوضع في الساحة الشيعية سيتحول بعد أمد غير طويل. لكن المشكلة في السياسيين، ذلك ان معظم التيارات الدينية السياسية منضوية تحت راية التيار الايراني المتواطئ مع الاميركيين. وهو الذي يأمر القيادات السياسية الشيعية بقبول مجلس الحكم وان تكون اعضاء فيه.
الا ترى تعارضاً في ما تتحدث به عن التواطؤ الايراني وبين الضغوط التي تمارس اميركياً وغربيا على ايران؟(1/374)
حتى لا نخدع انفسنا، اقول لا شك في ان هناك حواراً اميركياً ـ ايرانياً بدأ قبل غزو العراق. وان وفداً من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية المؤيد لايران زار واشنطن لهذه الغاية. والتيارات الايرانية في العراق هي جزء من التركيبة التي تضعها الولايات المتحدة في العراق. حتى ان احد كبار خطباء الجمعة في العاصمة الايرانية قال في خطبة صلاة الجمعة انه لولا ايران لغرقت اميركا في وحل افغانستان. فالايرانيون سهلوا للاميركيين دخول افغانستان ويسهلون بقاءهم الآن. اما القول عن اعتقال سفير سابق هنا او حديث عن سلاح نووي هناك فهو يدخل من باب السعي الاميركي لتحسين شروط التعاون الايراني. التشيع يستخدم الآن في ايران لدعم المشروع الاميركي في افغانستان. ومن هنا اقول لكل الشيعة في العالم ان ما يجري باسمهم لا علاقة له بهم. وهذه اعمال المتضرر الاكبر منها الاسلام والتشيع.
اتقول ان هناك خطراً على التشيع من ايران؟
نعم، لأنه يمكن ان بعض القوى تريد ان تثبت سلطانها. وانا مطمئن الى انه سيأتي اليوم الذي يهزم فيه الاميركي، وعندها سيكون هناك غضب على كل من سار في مشروعه. وقد تجري انتقامات وتصفيات يذهب ضحيتها شيعة الاقليات لأن ايران دولة قوية تستطيع ان تحمي نفسها. نحن بما نمثل من تشيع حقيقي نعلن صراحة وبوضوح اننا نرفض اي سياسة من ايران وغيرها بدعم الغزو الكافر لبلادنا. ونعتبر هذا الفعل عملاً عدوانياً على امتنا. ولا يجوز لهذا الشعب الطيب الذي اتى بالامام الخميني ان يكبل ويمنع من القيام بواجباته. واتوجه الى كل المسلمين في العالم لأقول لهم ان اي عمل يدفعكم للتناحر يخدم العدو.
نلاحظ ان حركتكم "ثورة الجياع" انكفأت بعد ملاحقتكم قضائياً، فهل انتهت؟(1/375)
في البداية حاولت السلطة اظهار حركتنا على انها خلاف داخلي في "حزب الله"، ثم ظنوا انهم يستطيعون استيعابنا، لكنهم شعروا بجدية المشكلة وفتشوا عن وسائل لاحباطنا، الى ان جاء الضوء الاخضر الايراني فقمعت الحركة وضربت. نحن كنا نقصد من حركتنا حماية الفقراء وانقاذهم ولهذا حين استخدمت السلطة السلاح، وجدت ان لا فائدة من الاستمرار في المواجهة. اما العودة الى التحرك فهي لا تعني شيئاً الآن لأن الدين العام اصبح مشكلة بلا حل، بينما في حينها كان الانقاذ ممكناً. الحل الآن هو واحد ان يُجمع (بضم الياء) الذين نهبوا اموال الدولة وتسترد منهم او يرموا في السجن. وانا مستعد لأكون وزيراً للعدل او مسؤولاً عن القضاء الذي سيقوم بهذه الحملة. وانا اعرف ان الاموال المنهوبة اكبر بكثير من الدين العام فهي تبلغ نحو 60 ملياراً من الدولارات.
وفي نهاية الحديث سألنا الشيخ صبحي الطفيلي عما يتوقعه لوضعه بعد خروجه الى العلن مجدداً،
فقال ضاحكاً: "ربما اذهب الى الجرود. ثم استدرك: عندما تزوجت قبل نحو 35 عاماً قلت لزوجتي اني لن اقدم لها عشاً زوجياًً هانئاً، بل ربما اقدم لها حياة شقاء وتشرد. وانا اقلق، اكثر ما اقلق، من الموت على فراشي وأن يحرمني الله من الاستشهاد في سبيله".
سيرة ذاتية:
ـ ولد الشيخ صبحي ملحم الطفيلي في بلدة بريتال (جنوب مدينة بعلبك) في نهاية العام 1947.
ـ درس الفقه في العراق من اوائل الستينات الى اوساط السبعينات عندما خرج هرباً من العراق بسبب ملاحقة النظام العراقي له بتهمة الانتماء الى حزب الدعوة.
ـ مكث فترة في لبنان وعاد الى ايران لمتابعة الدرس والتدريس في حوزات قم، حتى انتصار الخمينيين على نظام الشاه حيث شارك في التحركات المناهضة لهذا النظام وتعرض للاستجواب والتوقيف.
ـ عاد الى لبنان نهائياً عام 1979 وساهم عام 1982 في تأسيس "حزب الله" وكان ابرز اعضاء مجلس الشورى الذي كان يقود الحزب.(1/376)
ـ عام1989 انتخب كأول امين عام للحزب واستمر في موقعه حتى العام 1991 عندما خرج من الحزب.
ـ عام 1997 اطلق "ثورة الجياع" احتجاجاً على تردي الاوضاع الاقتصادية والحياتية في البقاع. وانشأ مجلساً للاعيان (يوازي البرلمان) وهدد بمنع الوزراء والنواب من زيارة المنطقة.
ـ عام 1998 اعتصم وانصاره في حوزة دينية تابعة لـ"حزب الله" في بلدة عين بورضاي (جنوب بعلبك). وانتهى الامر بمعركة قتل فيها ضابط في الجيش وبعض انصار الطفيلي، لتبدأ الملاحقة القضائية بحقه.
***************
علماء جبل عامل في بلاد فارس: لماذا هاجروا وماذا قدموا؟
سالم مشكور
يعلم جميع الايرانيين ان بلادهم كانت سنية المذهب رسمياً، وانتقلت الى المذهب الشيعي في عهد الصفويين ليصبح مذهب الغالبية العظمى في ايران. لكن الاوساط العلمية والبحثية الايرانية، قلما اتجهت حتى الان صوب البحث في دور علماء جبل عامل في لبنان، في نشر المذهب الشيعي وحيثيات هذا الدور، والظروف التي مهدت له وساعدته، وكيف تصرف هؤلاء العلماء الذين قدموا، او استقدمهم الصفويون، الى ايران، وماذا كانت علاقتهم بالحكومة.
ربما سبب هذا "الاهمال" "نفسي" يتلخص في شدة اعتزاز الايرانيين بحضارتهم والنظر اليها على انها مصدر اثراء، وليست عنصرا متلقيا، وتاليا لا يحبذ هؤلاء الخوض في ما انتقل الى ايران من الخارج واصبح جزءا من هوية بلدهم وحضارته.
يشمل هذا الموقف حتى الباحثين المتدينين الذين يصرّ بعضهم على النظر الى الفتح الاسلامي لبلاد فارس على انه "غزو عربي" حاول اطاحة حضارتهم، ويفخر بعضهم بأن الايرانيين استطاعوا الاحتفاظ بهويتهم الحضارية بعد اضافة العقيدة الاسلامية اليها، لتصبح "الايرانية" و"الاسلام" مكونين لهذه الهوية.(1/377)
من بين الجهود العلمية الجادة القليلة في ايران حول دور علماء جبل عامل في التاريخ الايراني كتاب "هجرة علماء الشيعة في جبل عامل الى ايران" للباحث الايراني مهدي فرهاني منفرد، الصادر بالفارسية عن منشورات "امير كبير" وهي احدى دور النشر الجادة والعريقة في سوق النشر الايرانية.
يقول المؤلف في مقدمته، ان عدم اهتمام الباحثين بهذا الموضوع رغم اهميته، شجعه على الخوض فيه، رغم ما لقيه من صعوبة كبيرة في الوصول الى مصادر فارسية عنه، مما جعله يكتفي ببعض المذكرات والبحوث غير المنشورة اضافة الى الكتب المترجمة عن العربية، لكنه استطاع رغم هذه المصاعب، تقديم عمل علمي أغنى المكتبة الايرانية في جانبها المتعلق بتاريخ ايران وحضارتها.
ينقسم الكتاب الى مقدمة وخمسة فصول. خصص الفصل الاول للبحث في جذور التصوف في ايران وظهور الحركة الصفوية، فيما بحث الفصل الثاني في حيثيات النهضة العلمية وتاريخ التشيّع في جبل عامل والعوامل الثقافية والسياسية والاقتصادية لتلك النهضة، معرجاً على حياة محمد بن مكي الجزيني المعروف بالشهيد الاول. اما الفصل الثالث فيخوض في اسباب هجرة علماء الشيعة من جبل عامل الى ايران ويفصّل الفصل الرابع في العلاقة بين علماء جبل عامل المهاجرين والدولة الصفوية، واسلوب تعاطي الحكام الصفويين مع هؤلاء المهاجرين.
اما الفصل الخامس والاخير، فيخوض في الآثار السياسية والمدينية والعلمية والادبية لهجرة علماء جبل عامل الى ايران.(1/378)
في القدمة (ص10) يقول المؤلف ان الصفويين الذين استخدموا قوة السيف في اجبار الايرانيين على الانتقال من المذهب السني الى المذهب الشيعي، ادركوا ان الامر يحتاج الى تعميق التشيّع من خلال بناء فقهي وفكري متين، وهذا ما دعا الشاه اسماعيل الصفوي الى توجيه انظاره صوب جبل عامل، حيث كان العلماء الذين تربّوا علي يد "الشهيد الاول" فقام بدعوتهم للهجرة الى ايران لاداء المهمة، فكان دورهم اشد تأثيراً من علماء الشيعة الذين هاجروا من العراق والبحرين. وفي عهد الملك الصفوي طهماسب، اصبحت استمالة علماء جبل عامل للتوجه الى ايران من السياسات الاساسية للحكومة هناك. وهكذا استمرت هجرة العلماء العامليين منذ ذلك الحين، وحتى سقوط الحكم الصفوي.
الصوفية والصفوية في ايران:
يقول الكاتب في الفصل الاول ان الهجوم المغولي على ايران، اشاع الخراب والدمار والظلم والمعاناة في المجتمع الايراني، مما دفعه الى الانهيار الروحي والاخلاقي وهو ما وفّر قاعدة مناسبة لنمو ظاهرة ترك الدنيا والنظر الى الحياة نظرة تشاؤمية، اعادت الحياة الى التصوف، ذي الجذور العريقة في ايران، فبدأ ينتشر ثانية. فتكاثرت مراكز المتصوفة (الخانقاه) وتعددت المدارس الصوفية.
وفي تلك المرحلة اصبح التصوف جسرا بين التسنّن والتشيّع في ايران، وعمل، لعوامل عدة، على توفير القاعدة المناسبة لانتشار المذهب الشيعي.
النهضة العلمية الشيعية في جبل عامل:
يقول المؤلف ان "المؤرخين يجمعون على ان البذرة الاولى للفكر الشيعي في جبل عامل، جاءت على يد ابي ذر الغفاري الذي نفاه الخليفة الثالث عثمان بن عفان الى هذه المنطقة، حيث اقام في قرية الصرفند وقرية اخرى، اقام فيهما مسجدين اتخذا اسمه ليصبحا في ما بعد مركز انطلاق المذهب الشيعي وتوسعه في جنوب لبنان.(1/379)
اما عوامل استمرار المذهب الشيعي في جبل عامل وديمومته، فيرى المؤلف ان احدها كان ان "وجود النظام الاقطاعي في هذه المنطقة والبعد النسبي لجبل عامل عن مراكز السلطة وقلة مصادر الثروة الاقتصادية في هذه المنطقة، جعل حكام المدن الكبيرة لا ينظرون الى سكان هذه المنطقة كمصدر تهديد سياسي لهم، لهذا لم يفكروا في بسط سلطتهم المباشرة عليها، الامر الذي اتاح للاقطاع المحلي ادارة شؤون المنطقة بنفسه" (ص62).
ويتحدث الكاتب في هذا الفصل عن العلامة محمد بن مكي بن محمد بن حامد الجزيني، المعروف بـ"الشهيد الاول"، كمنظّر وقائد للنهضة العلمية الشيعية في جبل عامل. ويحاول الكاتب ايجاد سبيل لاثبات ان "الشهيد الاول" كان قد طرح موضوع ولاية الفقيه، في ثنايا فتاواه وافكاره، وحيث لم يجد نصاً صريحاً او فصلا خاصاً في هذا الصدد في اي من مؤلفات الجزيني لجأ الى الاستنتاج بأن بعض فتاوى "الشهيد الاول" لا يمكن ان تأتي الا في اطار ولاية الفقيه. وتاليا فانه كان "يتصرف كنائب عن الامام المهدي المنتظر. اذ كان يعتبر ان عملية جمع الخمس والزكاة هي من واجبات نائب المهدي".
الجزيني يرفض الذهاب الى ايران:
يقول المؤلف (ص74) ان "الشهيد الاول" رفض دعوة من علي مؤيد، آخر حكام مجموعة السربداران، الذين اقاموا حكومة في خراسان خارجة عن حكم المغول. وكان مؤيد يؤمن بالمذهب الشيعي ويعمل بجهد لترسيخ اسس هذه العقيدة، فعمد الى دعوة العلماء والفقهاء الشيعة من المناطق كافة، للمجيء الى خراسان لترسيخ البعد الفقهي للمدرسة الصوفية المعروفة انذاك وفي هذا السياق، بعث برسالة ومعها نسخة من القرآن الكريم، الى "الشهيد الاول" يدعوه فيها للقدوم الى خراسان، ليستمد الشيعة هناك من علمه وفضله.
يقول المؤلف ان محمد بن مكي الجزيني (الشهيد الاول) امتنع عن تلبية الدعوة، لكنه ارسل له كتابه "اللمعة الدمشقية" ليكون دليلاً فقهيا يستند اليه الشيعة في خراسان.(1/380)
اما لماذا امتنع الشهيد الاول عن تلبية هذه الدعوة؟ فيقول المؤلف (ص76): "ان محمد بن مكي الجزيني كان يقود حركة كبرى، ولم يكن بامكانه تركها والذهاب الى خراسان، فقد بدأ حركة وكان عليه مواصلتها وبذلك جرى تجميد مشروع علي مؤيد لتعميق التشيع في خراسان. الا ان هذا المشروع، اعيد احياؤه بعد مئتي عام تقريبا، وعلى نطاق اوسع على يد حكومة شيعية اخرى، اي الصفويين فتجددت الدعوة الى اتباع "الشهيد الاول" والسائرين على خطه الفكري للذهاب الى ايران وترسيخ اسس البناء الشيعي ودعم الحكومة الصفوية".
لماذا هاجر علماء جبل عامل الى ايران؟
في الفصل الثالث يبحث المؤلف في اسباب الهجرة العاملية الى ايران في اطار عوامل عدة. بعضها يختص بايران، وتحديدا بالحكم الصفوي الذي كان يسعى للوصول الى حالة انسجام فكري داخل المجتمع الصفوي والتحكم بالحماسة الثورية لاتباع هذه الدولة.
يقول المؤلف (ص89): بعد ان استقر الحكم للصفويين وتمكنوا من القضاء على منافسيهم، كان همهم هو كيفية السيطرة على روح القتال والمواجهة لدى اتباعهم. والانشغال باصلاح هيكلية الادارة واقرار النظام وحكم القانون في المجتمع والاهتمام بالاقتصاد. ومن هنا كان الصفويون بحاجة الى تدعيم اركان حكمهم عبر كسب شرعية دينية تمكّنهم من بسط سلطتهم في شكل كامل.
وفي المقابل كان هناك نقص كبير في رجال الدين واهل الرأي الشيعة، بحيث لم يكن في بعض المدن احد يمكنه ان يسد حاجة الناس في الشؤون الفقهية، كما كان هناك نقص كبير في الكتب الدينية الشيعية. وغياب هذه الكتب انسحب على المدارس الرسمية ايضاً عند ذاك كانت غالبية علماء الدين السنة، اما قتلوا على يد اسماعيل الصفوي واما هاجروا من ايران.
بمجيء الحاكم الصفوي طهماسب الاول، بدأ التفكير ثانية باستقدام علماء الدين من جبل عامل، لاناطة امور الفقه الجعفري بهم.(1/381)
اما في ما يتعلق بظروف الشيعة في جبل عامل، فيشير المؤلف الى عوامل ساعدت في هجرة هؤلاء مثل المضايقات التي كانوا يتعرضون لها على يد السلطة العثمانية وحكومات الشام و"بعد النهضة العلمية لجبل عامل، التي جعلت من هذه المنطقة موقعاً علمياً وثقافياً ومركزاً اساسيا للشيعة، اصبحت ضمن اهداف الحكومات السنية التي كانت تحارب الوجود الشيعي. وفي العام 1517م وعند وصول السلطان سليم الاول الى حلب، وتغلبه على السلطان المملوكي قانصو الغوري، احكم العثمايون سيطرتهم على الشام واستمروا ثلاثمئة عام، واكملوا خلالها سياسة المماليك في ايذاء الشيعة في هذه المنطقة. وكانت محاربة علماء الشيعة وخصوصا علماء جبل عامل، من الاهداف الاولى للحكم العثماني الذي مارس عمليات الاعتقال والقتل واغلاق المدارس" (ص93).
"في عهد سليم الاول اصدر الشيخ نوح الحنفي مفتي البلاط العثماني فتوى بوجوب قتل الشيعة وعلى اساس تلك الفتوى، قام السلاطين العثمانيون باعدام الكثير من العلماء والفقهاء الشيعة في حلب وجبل عامل ومناطق اخرى. وقد كتب الشيخ حسين العاملي، الى استاذه "الشهيد الثاني" معتبراً هجرته كهجرة الرسول الاكرم (ص) كون سبب الهجرتين الضغوط الآتية من جانب الاعداء. وبالفعل فقد أدت تلك الضغوط على الشيعة من جانب الحكومات السنية في الشام الى توسيع نطاق الهجرة، ليس فقط الى ايران، بل الى مناطق اخرى مثل الحجاز والعراق والهند" (ص64).
لكن لماذا هاجر غالبية العامليين الى ايران؟
يجيب المؤلف بالقول: "رغم ان الشيخ حسين بن عبد الصمد الجباعي الحارثي يكتب لابنه الشيخ البهمائي، قائلاً انه لن يجد في ايران لا الدين ولا الدنيا، الا ان الحقيقة هي ان ايران كانت مهداً لطالبي الدين، كما هي لطالبي الدنيا" (ص94).(1/382)
الى ذلك يرى المؤلف انه كان هناك اسباب اقتصادية دفعت العامليين للهجرة الى ايران، اذ "كان المهاجرون عموماً يجدون في ايران ظروفا اقتصادية مؤاتية. والذين تجاوبوا مع الحكومة الصفوية وتضامنوا معها، كانوا يحصلون على عطايا وهدايا، على شكل املاك واموال نقدية وعينية" (ص94).
وكانت الحصيلة ان 97 من علماء جبل عامل هاجروا الى ايران، ولم يعد منهم الى جبل عامل سوى سبعة فقط. علماء جبل عامل والصفويون لعب علماء جبل عامل المهاجرون دورا مهما في ايران على الصعيدين السياسي والديني ويقسم المؤلف هؤلاء العلماء فريقين:
الاول: دعم الصفويين وانسجم مع نهجهم ولم يكتف بذلك، بل استخدم اساليب متعددة لاثبات شرعية الحكم الصفوي كممثل للشيعة عبر الاحاديث والخطب والكتب، التي دافع فيها عن الصفويين وخاض مواجهة ضد معارضيهم.
الثاني: ابتعد عن الحكم، ولم يتوان كلما سنحت الفرصة عن التصدي للجوانب الدينية السلبية، والظلم الذي كان يمارسه الصفويون. فلم يتأخر هؤلاء عن كشف الممارسات السلبية لملوك الصفويين دون اي خوف (ص101).
وهذا ما يفصله المؤلف في الفصل الرابع، الذي يبدأه بنبذة عن موقف الشيعة من السلطة والتعاون مع الحاكم محاولاً ايجاد اساس فقهي لموقف علماء جبل عامل الذين تعاونوا مع الصفويين. وهنا يشير الى رسالة بعنوان "مسألة في العمل مع السلطان" للشريف المرتضى المتوفى عام ،1044 والذي عمل مع عدد من خلفاء العباسيين. وفي تلك الرسالة يجيز المرتضى عمل العلماء مع السلاطين في ظل ظروف خاصة. وكذلك كان موقف علماء كبار مثل العلامة خواجه نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي والذين عملوا مع الايلخانيين المغول وهولاكو، وهو ما استند اليه المحقق الكركي للرد على الذين انتقدوا عمله مع الصفويين (ص102).(1/383)
يقول المؤلف "من آثار العصر الصفوي هناك شواهد عدة على ان علماء ذلك العصر تعاونوا مع الحكم، استنادا الى التزام... ويقول العديد من المفكرين، ان علماء الشيعة رأوا ان الملك الصفوي يحكم باسم الائمة والتشيع الامامي الاثني عشري، ويعمل على احترام شعائر المذهب، فبادروا الى التعاون السلمي معه دون ان يعني ذلك اعترافاً بالشرعية الكاملة للحكم، لأنهم يعتبرونه في كل الاحوال، غاصباً لحق الامام الغائب في الحكم. الا ان هذا الغصب لا يصدر عن سوء نية واستغلال لذلك يمكن غض الطرف عنه" (ص103).
لكن المؤلف يدحض هذا الاستنتاج مستدلا على ذلك بالهجوم الافغاني واطاحة الدولة الصفوية، مما اثار تساؤلات حول شرعية الحكم. وجرى الحديث عن ان هؤلاء "اغضبوا حق ملوك الصفويين من الحكم". ويرى الكتاب ان وجود مثل ذلك "الالتزام" كان يستدعي انهياره في عهد ملوك فاسدين وظالمين مثل الشاه سليمان والشاه سلطان حسين، "الا اننا نرى ان التعاون بين علماء الدين والحكم ترسخ اكثر" (ص103).
وحول علماء جبل عامل المهاجرين الى ايران الصفوية يقول المؤلف: "فقهاء جبل عامل، ورثوا عن اساتذتهم تقليدا يقول انهم حراس الشريعة ونواب الامام المعصوم، اضافة الى واجبات العلماء الاخرى... و"الشهيد الاول" كان يجيز للفقيه التعاون مع السلطان اذا ما طلبه الاخير لادارة الشؤون الشرعية والقضاء الا في حالات اصدار حكم بالقتل" (ص104).
وكثر الحديث في العصر الصفوي، عن دور الفقيه الجامع للشروط في شؤون الحكم وتوسيع هذا الدور، وذلك على يد علماء جبل عامل. وقد سعى ملوك الصفويين بعد اسماعيل الاول الى تقديم الدعم السياسي للفقيه الجامع للشروط، واعتباره نائبا للامام الغائب، مما كان يعني ان الملك هو ايضا نائب للامام الغائب (ص106).(1/384)
وفي ذلك العصر يتحدث المؤلف عن القاب منحت لبعض علماء جبل عامل في ايران، مثل "مجتهد الزمان" و"خاتم المجتهدين" . وكانت قدرة من يصبح خاتم المجتهدين ونفوذه، يرتبطان بعاملين اساسيين: الاول، قوته السياسية وميزاته الشخصية والثاني، مدى قوة الشاه الصفوي الذي يتولى العرش آنذاك. فالمحقق الكركي، احد ابرز علماء جبل عامل المهاجرين الى ايران، تمتع بنفوذ وصلاحيات منقطعة النظير في عهد الملك طهماسب فكان "خاتم المجتهدين" الذي لم يكن يضاهيه احد من العامليين او الايرانيين في قوته وسعة نفوذه.
والمحقق الكركي هو احد كبار علماء العصر الصفوي هاجر من جبل عامل الى العراق ثم الى ايران تلبية لدعوة من الشاه اسماعيل الصفوي الاول عام 1504م. واصبح بعد وفاة الاخير، نائبا عاما للامام المهدي، وصاحب صلاحيات مطلقة، اقتصادية وسياسية ودينية في الدولة الشيعية الجديدة، الى درجة ان الشاه طهماسب كان يعتبر نفسه نائبا له ايضا. واخذ الكركي، على طريقة الشهيد الاول، بارسال ممثلين عنه الى المناطق الايرانية المختلفة. وقد مكّنه موقعه في الدولة الصفوية من تقديم اجتهادات عديدة في الشؤون الدينية، الى درجة ان احد الكتاب من غير الشيعة اطلق عليه، بسبب فتاواه التجديدية اسم "مخترع الشيعة" (ص108).
محاولات عديدة كان يبذلها علماء عامليون في ايران، منهم الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي لتدعيم سلطة الحكم الصفوي. فقد كتب الاخير رسالة الى الشاه طهماسب تضمنت اضافة الى الاشارة سردا لعدد من الاخبار التي تتحدث عن اطاعة الملك العادل. بل التي "توجب الدعاء والطاعة لهذه الدولة المنورة" (ص128).(1/385)
وفي مقابل علماء جبل عامل المتعاونين مع الحكم الصفوي، يتحدث المؤلف عن علماء عامليين وقفوا موقفا مختلفاً من السلطة الصفوية، تراوح بين رفض دعوات الصفويين لهم للهجرة الى ايران، والهجرة ولكن العودة بعد مشاهدة الاوضاع "المؤسفة" للدولة الصفوية، وظل البعض منهم في ايران، مستغلا كل مناسبة لاظهار الامتعاض من الوضع السائد. اما القسم الرابع فقد خاض معارضة، نظرية وعملية للحكم الصفوي واركانه (ص129).
ويتحدث المؤلف هنا عن كثير من علماء الشيعة الذين فضلوا البقاء في ظل الدولة العثمانية يتحملون الاذى والتضييق على الموقع المرموق الذي كانوا سيحصلون عليه في ظل الدولة الصفوية. ولم يكتفِ بعضهم بالتخلي عن امتيازات التبعية للصفويين بل دفع لقاء ذلك ثمناً باهظاً من اجل الحفاظ على استقلاله.
ومن هؤلاء يورد المؤلف نموذج "الشهيد الثاني" (1505 - 1561) الفقيه والمفكر الشيعي البارز، وصاحب العلم والتقوى الذي كان يمكنه الحصول على مقام سام دينيا وسياسيا في ظل الصفويين الا انه زهد بكل تلك الامتيازات. واكتفى بحياة الفقر والتقشف... حتى قتل على يد العثمانيين (ص130). والى الشهيد الثاني، يذكر المؤلف الشيخ حسن (ابن الشهيد الثاني) والشيخ محمد السبط، وغيرهم ممن رفضوا العيش في ظل الصفويين وفضلوا تحمل الصعوبات والضغوط، على رفاهية العيش في الدولة الصفوية.
تأثير الهجرة العاملية في الساحة الايرانية:
ويفصل المؤلف في التأثيرات التي تركتها هجرة علماء جبل عامل الى ايران، على الساحة الايرانية على الصعد الدينية والعلمية والادبية.
1- تأثير الهجرة دينياً:
يعتبر المؤلف ان اكثر نتائج الهجرة العاملية عمقا هو انتشار الفقه الشيعي في ايران كلها تقريبا، بعدما كان محدوداً في بداية عهد الصفويين في مدن صغيرة ومعدودة مثل ساوة وقم وري ورامي (ص158).(1/386)
ومن جهة اخرى، ادى النشاط الشيعي العاملي في ايران الى انتعاش المدرسة الاخبارية، التي نهضت لمواجهة ظاهرة العلماء المجتهدين والتي كانت تدعو الى الاكتفاء بالالتزام بالاحاديث والروايات الواردة عن الائمة الاثني عشر دون تأويلها او شرحها. ويعتبر المؤلف ان تنامي تلك المدرسة اعاد النشاط والحيوية الى فئة علماء الدين الشيعة الايرانيين، بعدما كادت تضمحل. كما ان المحصلة النهائية للنقاشات جاءت ترسيخا لمقام المجتهدين من خلال مفهوم المجتهد الجامع للشروط الذي رسخه المحقق الكركي.
اما التأثير الآخر للهجرة العاملية، فيراها المؤلف في تحجيم الحركة الصوفية في ايران بعدما كانت تلك الحركة، الارض الخصبة التي عمل فيها الصفويون واقاموا دولتهم.
ويتحدث المؤلف عن نشاط الشيخ الحر العاملي، في محاربة الصوفية والذي تجلى في كتابه "الاثني عشرية في رد الصوفية" والذي اورد فيه الف حديث عن ائمة الشيعة في رفض الصوفية.
لكن التأثير الاكبر للهجرة العاملية الى ايران يراه المؤلف في نقل علماء جبل عامل لمفهوم تبوؤ علماء الشيعة مناصب رسمية رفيعة والتأثير من خلالها على ملوك الصفويين. وقد ساهم هؤلاء العلماء في تربية جيل من الفقهاء الايرانيين الذين مارسوا الشأن السياسي في الدولة الصفوية بعد ذلك. وهو ما يجسد ما قام به العامليون من اغناء الفقه الشيعي في ابعاده السياسية. لكن المؤلف يشير الى نقطة جديرة بالاهتمام وهي ان قيادة التيار الديني الفقهي في العصر الصفوي كانت للعنصر العربي (علماء جبل عامل) فيما كانت الحركات الدينية والصوفية بقيادات ايرانية، ويعتبر ذلك رد فعل من رجال الدين الايرانيين الذين تعرضوا للتحجيم على يد علماء الدين العرب (ص166).
2- التأثير العلمي والادبي:(1/387)
ساهم علماء جبل عامل في نقل الكثير من مصادر العلوم الدينية والفقه الشيعي الى ايران، التي كانت في عهد الشاه اسماعيل الصفوي، تعاني من نقص في علماء الدين والمصادر العلمية.
وقد ساهم هؤلاء في وضع العديد من الكتب في مجالات الفقه، وعلم الكلام والتفسير والعلوم الاخرى، كما قام المحقق الكركي بتدريس الكثير من الفقهاء والمحدثين، واعدادهم، وهم الذين قاموا بدورهم بتدريس اعداد كبيرة من العلماء الآخرين.
وقد انتشرت المدارس الدينية في ظل الهجرة، وحمل بعض المدارس اسماء العلماء المهاجرين العامليين مثل مدرسة الشيخ لطف الله الميسي.
واللافت ان هؤلاء المهاجرين اهتموا بعلوم عصرية مثل الطب والرياضيات والتاريخ وكذلك الادب الفارسي، مثل الشيخ حسين بن شهاب الدين العاملي الكركي الذي كان فيلسوفاً كبيراً وكاتباً وشاعراً وله رسالة في النحو والمنطق اضافة الى كتاب في علم الطب.
اما الشيخ البهائي (توفي عام 1620م) فكان من ابرز الوجوه العلمية العاملية المهاجرة وقد وضع كتباً عديدة في الادب والرياضيات.
ومن معالم الدور الثقافي والعلمي لعلماء جبل عامل في ايران، اقامة مكتبة "آستان قوس رضوي" الضخمة في مشهد (خراسان). كما ساهمت الهجرة العاملية في تأليف العديد من الكتب الشيعية باللغة العربية ونشرها.
ويشير المؤلف هنا (ص169) الى ان علماء جبل عامل كانوا يضعون كتبهم ورسائلهم باللغة العربية، مما جعل انتعاش اللغة العربية من سمات تلك الحقبة، وكانت العربية لغة التدريس، مما ادى الى تراجع اللغة الفارسية لدى طلبة العلوم الدينية.
حساسية ايرانية - عربية:(1/388)
يختم المؤلف الفصل الخامس والاخير من كتابه بالقول انه نتيجة لهجرة العامليين الى ايران، ظهرت ردود فعل عنصرية لدى الايرانيين حيال الهجرة العربية، خصوصا ان المهاجرين العامليين كانوا كثيري التأكيد على اصولهم ومسقط رأسهم مثل الحر العاملي الذي يتحدث في مقدمة كتابه "امل الامل" عن افضلية وطنه على باقي الاوطان ويسوق ثمانية اسباب لذلك. وكذلك كان يفعل الشيخ البهائي الذي كان يذكر بالخير وطنه جبل عامل وفضائل والديه في تلك الديار ويقول "منذ ان جئنا الى ديار العجم وشربنا من مائها، سلبت منا كل تلك الفضائل".
في المكتبة العربية، كتاب للشيخ جعفر المهاجر عن الهجرة العاملية ونتائجها، الا ان كتاب مهدي فرهاني يعرض للموضوع من منظار ايراني وبذلك فهو يكمل المشهد.
انه كتاب علمي، موضوعي، يغني المكتبة الفارسية، وكذلك العربية شرط ان يترجم الى لغة الضاد.
****************
قناة المنار : مسلسل الشتات كان خطأ مؤسفا !!
باسل النيرب
أخذ موضوع منع بث قناة المنار من فرنسا كثير من الجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية، ومتخذاً كل يوم بعداً وحيزاً لا بأس به من أروقة الإعلام كونه قضية إعلام حر ودولة حريات.
ولكن المدقق في خفايا المنع يجد أمامه الكثير من التساؤلات التي تقدم نفسها من خلال أقوال من وصفوا بأنهم القائمين على القناة أو المدافعين عنها.
بداية القصة جاءت بعد أن رفع المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في فرنسا أمام مجلس الدولة في 12 تموز الماضي، دعوى تطالب بتعليق بث "المنار" متهماً القناة بمعاداة السامية، لا سيما إثر عرض مسلسل "الشتات"، ومتهما النفَس العام لـ القناة في نشراتها الإخبارية أو في برامجها الحوارية والأعمال الدرامية التي تختار أن تعرضها أنها قناة مقاومة.(1/389)
وهنا الوقفة الأولى فمسلسل "الشتات" المتهم الأول في الموضوع يتناول تاريخ الحركة الصهيونية وهي ليست أحداث مصطنعة بل أحداثه مستوحاة من كتاب بروتوكولات حكماء صهيون، فالمنار بكل ما تمثله من ثقل إعلامي لم تستطع أن تتحمل هذه المسؤولية في عرض هذا المسلسل التاريخي بعد أن عرضته كاملاً فسارع مدير الأخبار في قناة المنار حسن فضل الله إلى الاعتذار عن هذا النوع من البرامج الخادش لمشاعر الساميين اليهود قائلاً: " بالنسبة إلى تجربتنا في ما يتعلق بمسلسل الشتات فإننا سنكون أكثر مراقبة لهذا النوع من البرامج في المراحل اللاحقة، كما أن هذا المسلسل كان حالة خاصة بُثّت ومرّت، وليس بالضرورة أن كل برامجنا تحاكي فعلاً لغة هذا المسلسل أو طريقته"، وأكد المدير العام للمحطة في حديث لصحيفة ليفغارو الفرنسية أن بث المحطة لمسلسل الشتات "كان خطأً مؤسفاً"
والوقفة الثانية عندما نفى مسؤولون آخرون في المحطة أن تكون المنار قد دعت لاستخدام أحد أشكال المقاومة وهي التفجيرات ضد القوات الأميركية، لكنهم استشهدوا بأقوال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي تساءل "ماذا يتوقع الأميركيون؟ هل كانوا يعتقدون بأن العراقيين سوف يستقبلونهم بالورود؟ بالطبع سيكون هناك تفجيرات انتحارية".
والوقفة الثالثة مع ما يسمى قاموس المحطة، فإسرائيل عند القائمين على المحطة كيان غاصب ومحتل ومقاومة الاحتلال الصهيوني مقاومة مشروعة، ومصدر المحطة من مشاهد مصورة عند حدوث العلميات الاستشهادية هو التلفزيون العبري وهذه يشترك بها الكثير من المحطات.
وبعد هذه الوقفات الثلاث يحق لنا التساؤل لماذا الاعتذار عن هذه الحقائق التاريخية، والكثير من المحطات تعرض الشتات وغيره، والكتاب الذي أخذ منه قصة الشتات موجود في الأسواق ويباع هنا وهناك فلماذا أسف حزب الله على هذا المسلسل الجاد!!(1/390)
أما موضع التفجيرات التي تستهدف الغزاة في العراق وفلسطين في حق طبيعي للمقاومة ولا يمكن أن ينكرها إلا جاحد أو متعاون مع أهداف أمريكا وإسرائيل في المنطقة، وبخصوص الدليل الإعلامي المستخدم للمصطلحات في الصراع العربي الإسرائيلي فيبدوا أن بعض المؤيدين للقناة لم يشاهدوا كيف تعمل قناة مثل الشارقة أو أبوظبي في الاستخدام الدقيق للمصطلحات فما زلت إسرائيل عندهم كيان غاصب ومحتل وما زالت هناك أراضي محتلة وقتل واغتيال يومي لأبناء فلسطين.
إن ما يقوم به يهود فرنسا ليس إلا دعاية مجانية تخدم القناة وحزب الله بالدرجة الأساسية حين تصنفه كحزب مقاوم، وإلا لماذا لم تحاكم تلك جماعات الضغط اليهودية محطات تقوم بعرض وتكرار عرض مسلسل "التغريبة الفلسطينية" الذي صور العديد من المشاهد الفاضحة ضد إسرائيل وخاصة عند قتل وحدات "الهاجانا" للأطفال الرضع في القرى على مرأى من بعض أهاليهم!! كما أن مجمل الحوار القائم في المسلسل عكس ثقافة الإرهاب الصهيونية السائدة عالميا وأبرز البعد الإنساني للقضية الفلسطينية، وليس الحديث فني هنا بقدر ما هو توضيحي، فالقصة واقعية عن القضية الفلسطينية.
وأخيراً إن الحديث عن دراسات أمريكية وإسرائيلية من أن محطة المنار تمثل ما وصف بأنه "مشعل الكراهية" فما هو إلا لذر الرماد في العيون والتاريخ وصفحاته لن تنسى مواقف القائمين على المنار والإعلام الشيعي عموماً في أزمة العراق وغيرها من التغطيات الخجولة وهو تحتاج منا إلى رصد ومتابعة دقيقين.
*****************
لماذا تصفق الغوغاء لقتلة أهل السنة؟!!
تأملات :الوطن العربي :الثلاثاء 21 رجب 1427هـ - 15أغسطس 2006م
راشد أمية عباس العثماني(1/391)
مفكرة الإسلام: لم يظهر معنى الغوغاء في يوم من الأيام كما ظهر على حقيقته في هذه الأسابيع العجاف التي يحصدها أهل السنة ضياعًا وغباءً وتبعية ودمارًا وشتاتًا وإسقاطًا للهوية؛ فالغوغاء هم الذين قتلوا أمير المؤمنين الشهيد المظلوم عثمان ذي النورين, ومعلوم أنه كان كافًّا ليده ولسانه ولأيدي ولاته وألسنتهم، فاهتبل الزنديق عبد الله بن سبأ حالة الورع والحرص على دماء المؤمنين ووحدتهم وسلامة هويتهم التي كان يسوس فيها الأمة أمير المؤمنين عثمان, اهتبل ذلك اليهودي الرافض للخلافة الراشدة تلك الفرصة متلبسًا بزعمه الكاذب محبة آل البيت ليحمي نفسه ويبعد الشبهة عن مخططاته الجهنمية, فاستفاد من ذلك الوضع الآمن لنشر دعوة الرفض تحت راية ما يسمى بالوصية وحق المعصوم وآل البيت، ولكن لم يُسأل عن أي بيت كان يتحدث!!
أهو بيت النار المجوسية التي أطفأها الصحابة الكرام؟!!
أم بيت المدراس الذي يعلم اليهودية؟!! أم بيت رفض القرآن والسنة؟!!
أم بيت التآمر على كل ذلك؟!!
وإن كانت الحقيقة أن كل ذلك ثابت في منهجه الخبيث الذي كان يدين به ومن ثم أورثه لتلامذته الرافضة أعداء السنة النبوية ومكفري الصحابة.
وكما نجح ابن سبأ في تهييج غوغاء الكوفة والبصرة ضد الخلافة الراشدة نجح نجاحًا أكبر في تهييج غوغاء مصر, كل ذلك تحت شعارات كاذبة زائفة، قاد بها جموع الغوغاء من وراء الكواليس حتى تسوروا على أمير المؤمنين بيته وهو يتلو كتاب الله فقتلوه, حتى سالت دماؤه الشريفة على قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137], وقد كفاه الله تعالى حيث لم يمت أحد من تلك الغوغاء التي خرجت على عثمان الشهيد إلا قتلاً.(1/392)
واليوم بعد أن كشف الناس عورات الرافضة الحاقدين في العراق وفي إيران ولبنان وسوريا وغير هذه البلاد, فعلموا خيانتهم وتواطؤهم مع اليهود والصليبين في قتل خيار أهل السنة كما فعلوا في سوريا في مدينة حماة وحلب وجسر الشغور وتدمر وغير ذلك وفي طرابلس الشام وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا وفي الفلوجة والرمادي وبغداد والبصرة والمحمودية وبعقوبة وأبو غريب والقائم وغير ذلك من بلدان السنة المطهرة، عندما كشف كل ذلك سخّر الدهاقنة ثعلبهم لافتعال هذه المواجهة التي دمرت بلدًا بكامله, عامة ما فيه من مصالح للناس بني على أيدي أهل السنة وبأموال أهل السنة وإخوانهم المؤمنين، بينما موارد حزب الله خاصة لطائفته.
- فيا من تصفقون لقتلة الراشدين ماذا جنى المسلمون من مقتل عثمان؟! الذي صفق له أجدادكم من الغوغاء السبئيين.
- ألم يسيلوا الدم ويغمدوا السيوف في صدور بعضهم لكي يهنأ ابن سبأ ومعه مجوس هذه الأمة؟! ونكالاً من الله لمن لم ينصر السنة؟!
- ألم يعملوا بعد ذلك على قتل علي ومعاوية وعمرو رضي الله عنهم في يوم واحد, وهو السابع عشر من رمضان سنة 40 من الهجرة؟!
- وما الذي تغير حتى تركعوا خانعين لمن يدرب فرق الموت التي تهتك أعراض السنة وتسفك دماءهم وتسرق أموالهم وبيوتهم ومساجدهم ومدارسهم ووظائفهم في العراق.
- وكيف يقاتلون اليهود في لبنان وهم مع ذلك يُقبّلون أحذيتهم ويركعون بين أقدامهم في العراق؟!!
- يا غوغاء السنة.. يا من تصفقون للرافضة في لبنان وفي مقدمتكم الفضائيات الماكرة ومن اعتاد الهرولة إلى اتباع كل ناعق, ماذا يجني أهل السنة من انتصار الرافضة؟! هل أنتم خير من عثمان أم الفاروق في كتبهم ومجالسهم وعقائدهم؟! فلماذا استباحوا دماءهما ولماذا يزورون قاتل الفاروق في كاشان ويترحمون عليه؟! وهل تعتقدون أنهم يرحمونكم لو تمكنوا منكم؟!
- هل تاب هذا الرافضي الذي تصفقون له من قذف أمكم بأنها زانية؟! أم أن هذا لا يعنيكم؟!(1/393)
- هل تعلمون أنهم يعتبرونكم كفارًا إن لم تبايعوا وكيل صاحب الزمان الخامنئي الذي بايعه سامريكم هذا الذي استحمركم لتخدعوا أمتكم؟!
- هل تاب الرافضي في لبنان عن ترديد دعاء صنميْ قريش ولعن الصحابة.. لعن الله من يلعن الصحابة ومن يصفق له ومن يحبه ومن يدعو له أو يتألم له؟!
- هل آمن أن القرآن الذي تقرءونه هو القرآن الحق الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟!
- ما بال السنة عند اليهود حالهم في جمعياتهم وأحزابهم وعباداتهم خير من حالهم عند تلامذة ابن سبأ في سوريا وإيران والعراق؟!
- لماذا يعد أحبابكم النصيريون في سوريا الصلاة جريمة لأهل السنة في الجيش؟! ولماذا لا يسمحون ببناء المساجد في الثكنات وغيرها من المواقع الحكومية؟!
- لماذا يعملون على تشيع الغوغاء في سوريا ببذل الرواتب والتوظيف والتسليح لمن يتشيع ويرفض القرآن والسنة ويشتم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
- لماذا يعد النصيريون حكام سوريا الذين تنحنون لهم أذلاء أي تجمع لأهل السنة جريمة لا تغتفر بينما هم يتجمعون على طائفتهم وينصرون ويسلحون حزب الله الطائفي؟!!
- لماذا يتسلح حزب الله في لبنان ولا يسمح لأهل السنة بحمل أي نوع من السلاح بما في ذلك من يسكن منهم على الحدود مثل أهل مرواحين السنة وأهل البستان وإخوانهم؟!!
- لماذا يقتل هؤلاء الرافضة الذين تصفقون لهم الفلسطينيين اللاجئين في العراق؟!!
- لماذا يقتلون كل من اسمه عمر أو عثمان أو بكر أو خالد أو عمرو أو معاوية وكل من يتسمى باسم الصحابة في العراق لمجرد اسمه؟!
- لماذا يعادي الرافضة في البحرين والسعودية والإمارات وغيرها من دول الخليج حكوماتهم وأوطانهم وأهل السنة فيها ويتآمرون عليهم ويوالون رافضة إيران؟!
- لماذا يعبث السيستاني الإيراني بوحدة العراق وأمنه وهو آمن مُكرم في إعلامكم ومجالسكم الآثمة بينما أي عربي أو سني يتحدث عن أهله وإخوانه في العراق يعدون ذلك إرهاباً؟!(1/394)
- وهل كف صاحبهم في لبنان عن إمدادهم بالمتدربين والمدربين وكل ما يحتاجونه للتصدي لأهل السنة؟!
والأسئلة كثيرة, وكلها تؤكد أنكم لو كنتم في زمان ابن سبأ لشاركتم في قتل الشهيد عثمان رضي الله عنه؛ لأنكم لا بصيرة لكم ولا فرق عندكم بين مسيلمة الكذاب وأبي بكر الصديق رضي الله عنه, بل لأنكم غوغاء.
- كم دمر الرافضة واغتصبوا من مساجد منذ أن بايعوا بريمر على إبادة السنة؟! وكم قتلوا من أهل السنة الأطهار؟!
- لماذا شعارهم المحبب اقتل سنيًا تحظى بشفاعة الحسين؟!
- ولماذا يدينون بشعار غش السنة تدخل الجنة؟!
- ولماذا لا يسمحون لمليونين من أهل السنة بإقامة مسجد في طهران بينما لليهود معابدهم؟!
- ألم تعلموا يا غوغاء السنة قولهم في أهل السنة: خذ مال الناصب السني حيث وجدته وادفع إلينا الخمس. تهذيب الأحكام ج 4/122.
- وقولهم: إن الناصب هو ما يقال له عندهم سنيًا شاء أم أبى. المحاكم النفسانية 147. ولذلك يقولون: إمام النواصب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
- وقولهم: ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب, إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا.
ألم تشاهدوا راياتهم فوق مساجد السنة التي اغتصبوها في العراق مكتوب عليها: نصرت يا قائم آل كسرى؟!!
- إنكم لا تجهلون دور الرافضة في الحرب على القرآن والسنة وأهلهما, إن الرافضي الباطني الذي تمكن من خداعكم واستحماركم وأنتم تصفقون وترقصون له وهو يقتل إخوانكم ويشتم أعراضكم غير مكشوف خطره وحقده لكثير ممن يميلون مع الريح أينما مالت.
- أنتم الذين تزعمون أنكم سياسيون ولديكم شيء من الدين وقد فعل بكم ما فعل, فما بال عامة الناس الذين خدعتموهم لينحنوا لقاتلهم؟! وما ذنبهم؟! ومن المسئول أمام الله تعالى عن تضليلهم؟!!
هداكم الله إلى السنة...
*************
علاقة العقيدة بالقضايا السياسية...تعقيب على الدكتور محمد الأحمري(1/395)
تأملات :الوطن العربي :الاثنين 20 رجب 1427هـ - 14أغسطس 2006م
عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية
mailto:aalharfi@hotmail.com
مفكرة الإسلام: طرح المفكر الكبير الدكتور الأحمري وجهة نظره حول موضوع علاقة العقيدة في مجريات الأحداث السياسية ،وكان طرحه قاسيا جدا على مخالفيه ،وكنت أحب للدكتور لو طرح رأيه بشكل أوسع وأرفق ،وما كان الرفق في شيء إلا زانه ،وهناك تفاصيل أختلف فيها مع الدكتور،وليس هذا محل ذكرها.
ومن وجهة نظري أن العقيدة محرك للقضايا السياسية ـ كما ذكر الدكتور ـ ولكنني أراه محركا قويا ،بل محركا قويا جدا ،ولكنه ليس الوحيد ،فقد يقع النزاع لأسباب دنيوية بحته أو عقدية بحته أو لكليهما.
أما تحريك الإسلام للقضايا السياسية فهذا لا شك فيه لأن السياسة جزء من الإسلام ، وكذلك العقيدة مؤثرة في الأديان والمعتقدات الأخرى ، فمن تابع مجريات الأحداث في صربيا وما حدث من حروب تطهير عرقي ضد المسلمين يظهر له الجانب العقدي بشكل واضح ،وكذا ما حدث في جزر الملوك في اندونيسيا.
وكذا ما يجري الآن في الشيشان ،وكذا الحرب الصليبية التي قادتها أمريكا ـ وما زالت تقودها ـ ضد المسلمين ،وقبل هذا زرع اليهود في قلب العالم الإسلامي،ففي كل هذه الأحداث السياسية كان هناك جانب عقدي حاضر وقوي ، ولكن ثمة أسباب أخرى.
فمثلا لو حكمت الشيشان مجموعة صوفية خرافية ،ووضعت روسيا يدها على مقدرات البلاد من خلال العملاء العسكريين الشيشانيين لانتهت الحرب مباشرة ـ هذا ما أحسبه ـ فقد تركت روسيا شيوعية الذبح ولو لفترة.
فالحرب هنا ليست عقدية صرفة ،وأيضا الجانب العقدي حاضر وقوي،فهم لا يريدون أهل السنة أبدا.
وفي المقابل لو تم هذا في البوسنة أو ألبانيا لما توقفت صربيا عن الهجوم الدموي على المسلمين.
ففي حالة روسيا هناك سبب ديني [عقدي] ودنيوي ،أما في صربيا فهو محرك ديني عقدي بحت.(1/396)
وعلى هذا يمكن قياس كثير من الأحداث التي مرت بالأمة وما زالت ،وفي الحدث الحالي - أعني حرب لبنان - هناك محرك عقدي قوي موجود ،وهناك أسباب أخرى حاضرة.
قرار الحرب تمت دراسته وإصداره في طهران ،وصدر قرار الرد من واشنطن ،فكلا الدولتين لا يمكن أن يقاتل الآخر لوجود المصالح المشتركة ضد السنة ـ العدو المشترك ـ في أفغانستان والعراق ،وخوف خوض الحرب النووية .
فحزب الله عميل إيراني ،ولا شك عندي في هذا ،وما دعوى الأسرى إلا غطاء فقط.
لكن لعل الحزب لم يتصور هذا الرد الوحشي البربري ،وحسب أن إسرائيل قد تكتفي بضرب بعض المواقع.
ويمكن أن نذكر بعض الأسباب فمنها : أن هناك مناطق نفوذ لحزب الله محتلة ،وهناك أسرى شيعة معتقلون ،وهناك تحركات إسرائيلية قريبة من الحدود،وأيضا هناك رغبة في إشغال العالم عن السلاح النووي الإيراني ، وتخفيف الضغط على أمه الرءوم سوريا التي تواجه ضغط عالمي 'خاصة من أمريكا وفرنسا' بدعوى تورطه بقتل الحريري ،وإشغال العالم عن ذبح أهل السنة في العراق ،ورغبة في تصدير الثورة لمناطق أخرى بواسطة الدعاية بأن 'حزب الله' هو المقاوم الوحيد للمحتل اليهودي.
كما كانت هذه دعاية لجمال عبد الناصر ،وصدام حسين،والخميني [مقاومة الاستكبار] ،وكان لكل هؤلاء علاقة قوية مع من يزعم العداء معه ، وكسب الدعاية بين أهل السنة الأيتام على موائد اللئام.
ومن الجهة الأخرى نجد أن الحكومة الإسرائيلية متورطة سياسيا بسبب الانتفاضة وخلو المكان بعد شارون ،فلابد من عمل بطولي ،وضرب حماس لا يكفي ،ولابد من جدار عازل من جهة لبنان وبشرط أن يكون داخل الحدود اللبنانية ،وجنرالات الجيش لهم أطماع مالية أيضا ،وهناك حقد ديني ،وغضب عارم من الأحزاب المتطرفة،ومن شاهد أولمرات وهو يضع الطاقية السوداء ويقرأ من التوراة أثناء الكلمة التي وجهها بمناسبة الحرب في لبنان يعلم الأثر العقدي.(1/397)
واشتعلت الحرب المدمرة ،وليس لنا فيها ناقة ولا جمل ،ونحن أكثر من خسر .
الموقف من الأحداث:
هناك عداء عقدي مستحكم بين السنة والشيعة منذ أن قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان لابن السوداء [ ابن سبأ ] دور بارز في هذا ،ثم تلا ذلك الفتنة الكبرى بين الصحابة رضي الله عنهم ،ثم مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما ،ومنذ ذلك الوقت وآيات الرافضة يشعلون نار الحقد في قلوب أتباعهم ،وقد تسامع الناس بكثير من الخطب والمقالات التي تؤجج الحقد ،ولكن ليس راء كمن سمعا ،فقد شاهد القاصي والداني الحقد الصفوي الرافضي يظهر في العراق ،فقد ذُبح السنة بالهوية ،وقد قابلتُ عراقيا كرديا ،حكا لي قصصا وأخبارا ،عن طرق ذبح الرافضة للسنة ،ولولا أنني سمعت غيرها من غيره لما صدقتها ،ولكن بلغ الأمر حد التواتر.
أقول: المتابع لتلك الأحداث يعلم أن الأوامر تصدر لفيلق بدر من خامنئي [ولي الفقيه] ،وهو نفسه الذي يُقسِمُ به أعضاء حزب الله [قَسَمْ لانضمام للحزب]،فكيف نتعاطف معهم ،أو حتى نتناسى الخلاف ؟!!.
وفي المقابل لابد أن نضع في الحسبان أن إسرائيل لم تفّرق بين السنة والشيعة بل ولا النصارى في قصفها للبنان ، وقتلت الجميع بلا استثناء.ولا يستبعد أن توسع دائرة القصف ولن يمنعها إلا ثبات المقاومة في فلسطين ولبنان .
لكن كل هذا لا يجعلنا نترك الخلاف أو نتناساه أو حتى ننحَّيه في الوقت الراهن، لكن 'قد' ندعمهم سياسيا 'معنويا' أو ماديا ؛ مع الحذر الشديد من تبعات ذلك فهم يتبعون لدولة شعوبية حقودة ذات أطماع توسعية ظاهرة'تصدير الثورة'.(1/398)
وفي المقابل فإسرائيل دولة نووية قوية ،وعدوة لنا منذ الأزل البعيد ،فقد سبوا ربنا جل وعلا وقتلوا أنبياءنا ،فعداؤنا معهم ديني موغل في التاريخ ،ودنيوي أيضا باحتلال أرضنا وقتل إخواننا ،وأما مسألة الأطماع التوسعية فهي محل بحث ونظر عندي ،فمن جهة حفظنا من الصغر إسرائيل من النهر إلى البحر ،وشاهدنا احتلال الجولان السوري ،وسيناء المصري ،والجنوب اللبناني وما زالت صرخات المتطرفين تطالب بتحقيق نبوءات التوراة ،وفي المقابل شاهدنا الجدار العازل 'التقوقع' والهرب الجماعي من إسرائيل ،والضعف الاقتصادي بل التهاوي للاقتصاد الإسرائيلي ، وسمعنا الصرخات المتتابعات بالرضوخ للواقع وقبول ما وقع تحت أيديهم.
أما حالنا نحن معاشر السنة في لبنان ومصر وفلسطين والسعودية وباقي الأراضي كحال قافلة اختلفت على سرقتها عصابتان ،فهم يقتتلون وكل يطمع في الغنيمة ، ففوز أحدهما خطر علينا.
وقبل الختام لابد من التأكيد أن الرافضة لم يقيموا دولة إلا على أنقاض دول أهل السنة ،ولم يقاتلوا الصليبيين ولا غيرهم عبر التاريخ ، ولهم السبق في الخيانة والغدر وآخرها تصريح كل من محمد على ابطحي نائب الرئيس الإيراني وهاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص النظام بالخدمات التي قدمتها إيران لأمريكا لتسهيل احتلال أفغانستان والعراق ،وفي التاريخ عبرة وعظه لمن تأمله .
وحال إخواننا أهل السنة في إيران مشهور لا يحتاج بيانا .
وأنبه الدكتور الفاضل أن الذي يقود إيران هم العلماء فكل خياناتهم محسوبة عليهم بخلاف أهل السنة.
أقول مرة أخرى وأخيرا: قد يخرج أصحاب القرار بفكرة دعم حزب الله ليس حبا فيه بل اتقاء لشره وشر إسرائيل.
تنبيه :(1/399)
وقفت على تعقبين جيدين في الجملة الأول نشر في موقع مفكرة الإسلام بعنوان خطل العقل.. وتغييب الأمة عن الوعي للأستاذ طالع دخيل الله المطرفي ،والآخر نشر في موقع المسلم بعنوان : وقفة مع مقال الدكتور محمد الأحمري: التحليل العقدي . للأستاذ إبراهيم الأزرق
****************
عقيدة حسن نصر الله في الخميني
السلام على من اتبع الهدى .....
إلى الأخوة الطيبين في هذا المنتدى الراغبين بالحق وأهله والنابذين المنافقين وأهلهم ..إليكم هذا النقل المتواضع عن بعض هذيان نصر الله وإقراره أنه مؤمن بالزنديق الخميني ::
كلمات لحسن نصر الله تظهر عقيدته الخبيثة وتظهر علاقته بالخميني وهدفه من المقاومة
يقول في كلمة له بعنوان "الإمام الخميني في قلوبنا":
((الذين يريدون تصفية المقاومة، الذين يريدون تسليم الأرض والمياه والمقدسات لبوش وشارون هم الذين يدمرون هذه الأمة، أما الذين يدافعون عن هذه الأمة بأرواحهم ودمائهم وفلذات أكبادهم هؤلاء هم أهلها وأصحابها الحقيقيون. سنبقى للامام (الخميني) أوفياء، لطريق الامام وفكر الامام ونهج الإمام وعزم الإمام، ولن يكون أمامنا سوى الانتصار الذي وعدنا به الإمام منذ بدايات الطريق)).
ويقول في خطاب عاشوراء ص59-61:
((إذا أردنا الآخرة فآخرتنا مع ولي أمرنا نائب الحجة ( عج) وأزيدكم إذا أردنا عز الدنيا وشرفها وكرامتها فلن ننالها إلا مع ولي الأمر حتى هذه المقاومة الكبيرة التي نعتني بها والتي هي الشيء الوحيد في هذا العالم العربي الذي نرفع رأسنا به ونعتز به وبوجوده لولا رجل اسمه روح الله الخميني لما كان لها وجود في لبنان ، وبعده لولا رجل اسمه علي الحسيني الخامنائي لما استمرت المقاومة))
أولا- إليكم نزر يسير من كفر وزندقة الخميبي الهالك الذي يعبده نصر اللات والعزى :
1-الخميني الهالك يسلك في التشيع مسلك الغلاة ( غلاة الروافض )(1/400)
و مما يدل على ذلك أنه يعتمد مقالة الغلاة في تفضيل الأئمة على أنبياء الله و رسله ، فيقول : ( إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب و لا نبي مرسل .. و قد ورد عنهم (ع) أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب و لا نبي مرسل ) . انظر الحكومة الإسلامية ص 52.
و يقول الخميني الهالك عن الغائب المنتظر : ( لقد جاء الأنبياء جميعاً من أجل إرساء قواعد العدالة لكنهم لم ينجحوا حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية .. لم ينجح في ذلك و إن الشخص الذي سينجح في ذلك هو المهدي المنتظر ) . من خطاب ألقاه الخميني الهالك بمناسبة ذكرى مولد المهدي في 15 شعبان 1400 هـ ويقول أيضاً في خطاب ألقاه في ذكرى مولد الرضا الإمام السابع عند الشيعة بتاريخ 9/8/1984م : ( إني متأسف لأمرين أحدهما أن نظام الحكم الإسلامي لم ينجح منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا ، وحتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستقم نظام الحكم كما ينبغي ).
بل ويتهم الخميني النبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ الرسالة كما ينبغي يقول في (كتاب كشف الأسرار ص 55 ) : ( و واضح أن النبي لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر الله به وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك ، ولما ظهرت خلافات في أصول الدين وفروعه ).
وقال أيضاً :
في كتاب كشف الأسرار صفحة 154 :( و بالإمامة يكتمل الدين والتبليغ يتم ).
و يصف أئمتهم بقوله ( لا يتصور فيهم السهو والغفلة ) . الحكومات الإسلامية ص 91.
و يقول الخميني ( تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن ) . الحكومة الإسلامية ص 113.
و ينسب لهم صفة الألوهية فيقول: (فإن للإمام مقاماً محموداً و خلافة تكوينية تخضع لولايتها و سيطرتها جميع ذرات الكون).(1/401)
أما الأنبياء فيصفهم بالعجز فيقول: (و نقول بأن الأنبياء لم يوفقوا في تنفيذ مقاصدهم و ان الله سبحانه سيبعث في آخر الزمان شخصاً يقوم بتنفيذ مسائل الأنبياء). يقصد بهذا الشخص إمامهم الغائب (الأعور الدجال).
2- قوله بتحريف القرآن:
و الخميني الهالك يترحم على الملحد المجوسي صاحب كتاب فصل الخطاب ويتلقى عن كتابه مستدرك الوسائل و يحتج به. انظروا إلى الكفر الصريح في الكلام الآتي ذكره من كتاب كشف الأسرار للخميني الهالك:
( إن الذين لم يكن لهم ارتباط بالإسلام والقرآن إلا لأجل الرئاسة والدنيا ، و كانوا يجعلون القرآن وسيلة لمقاصدهم الفاسدة ، كان من الممكن أن يحرفوا هذا الكتاب السماوي في حالة ذكر اسم الإمام في القرآن و أن يمسحوا هذه الآيات منه و أن يلصقوا وصمة العار هذه على حياة المسلمين ). كشف الأسرار ( ص 114 ).
هذا هو إمام الرافضة الذي يمجدونه ويعتقدون فيه العصمة يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتقد فيهم أنهم يمكن أن يحرفوا القرآن الكريم !!
3 - تكفيره الصحابة و كل أهل السنة:
والخميني الهالك يكفر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم و ينعتهم بالنواصب بل و يأخذ بالرأي المتطرف من آراء قومه في ذلك و هو معاملتهم كالحربي حيث يقول : ( والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخمس به ، بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد ، و بأي نحو كان و وجوب إخراج خمسه ) . تحرير الوسيلة ( 1 / 352 ). و النواصب عندهم هم أنت أيها القارئ السني و أنا و أهل السنة جميعاً كما بينّا في بحث سابق.
و يقول أيضاً: (وأما النواصب و الخوارج لعنهما الله تعالى فهما نجسان من غير توقف) تحرير الوسيلة-الخميني.(1/402)
و لا يتورع عن التبرؤ من الصحابة و اتهامهم بالكفر و الردة فيقول ( ولولا هذه المؤسسات الدينية الكبرى لما كان هناك الآن أي أثر للدين الحقيقي المتمثل في المذهب الشيعي ، وكانت هذه المذاهب الباطلة التي وضعت لبناتها في سقيفة بني ساعدة وهدفها اجتثاث جذور الدين الحقيقي تحتل الآن مواضع الحق ) كشف الأسرار- للخميني ص 193. هو يقول أنّه على دين يخالف دين الصحابة! فهو إذاً على غير دين الإسلام!
بل إنه يعتبر القضايا الفرعية كهيئات الصلاة سبباً للتكفير: (التكفير هو وضع إحدى اليدين على الأخرى نحو ما يضعه غيرنا وهو مبطل عمدا و لا بأس به في حالة التقية). تحرير الوسيلة -الخميني.
و لا يقتصر التكفير على أهل السنة بل يتعداه إلى فرق الشيعة الأخرى الذين لا يسبون الصحابة: (غير الإثنى عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب و معاداة و سب لسائر الأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون و أما مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب). تحرير الوسيلة -الخميني.
4 - رفضه لعبادة الله سبحانه و تعالى:
( إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناء شامخا للعبادة والعدالة والتدين ، ثم يقوم بهدمه بنفسه ، ويجلس يزيداً ومعاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس ، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه ) كشف الأسرار-ص 123.
يعني الخميني يعلن بصراحة أنه لا يعبد الله تعالى الذي لم يلبي طلباته و أمانيه. هذا الخطاب يتحدث عن الله - سبحانه و تعالى - وهو خال من الأدب والتقديس والتنزيه. و انظر كيف يوجب على الله ما يشاء و ما يريد! ألا قاتل الله أئمة الكفر والضلال.
ثانياً : اعتقاده تأثير الكواكب والأيام على حركة الإنسان :(1/403)
إن الخميني الهالك يزعم أن هناك أياماً منحوسة من كل شهر يجب أن يتوقف الرافضي فيها عن كل عمل ، وإن لانتقال القمر إلى بعض الأبراج تأثيراً سلبياً على عمل الإنسان فليتوقف الرافضي عن القيام بمشروع معين حتى يتجاوز القمر ذلك البرج المعين .
وهذا اعتقاد كفري مخرج من الملة كما هو معلوم عند من درس ولو ذرة من التوحيد !!
ومما يشهد لهذا الاتجاه الكفري ما جاء في تحرير الوسيلة حيث يقول : ( يكره إيقاعه " يعني عقد الزواج " والقمر في برج العقرب ، وفي محاق الشهر ، وفي أحد الأيام المنحوسة في كل شهر وهي سبعة : يوم 3 ، ويوم 5 ، ويوم 13 ، ويوم 16 ، ويوم 21 ، ويوم 24 ، ويوم 25 ( وكذلك من كل شهر ) ) . تحرير الوسيلة ( 2 / 238 ) .
هذا هو معتقد الخميني الهالك في الكواكب وهو الكفر بعينه باتفاق السنة و الشيعة.
ويروى عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في نهج البلاغة (و هو أصدق كتبهم): <<أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار...>>. نهج البلاغة (1/157).
ثالثاً : حقيقة الشرك عند الخميني :
اذا كان شرك المشركين ليس بشرك عند الخميني فما هو ياترى الشرك عنده ؟
يقول : ( توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامي بأنه شرك ، و الحاكم أو السلطة فيه طاغوت ، و نحن مسؤولون عن إزالة آثار الشرك من مجتمعنا المسلم ، و نبعدها تماماً عن حياتنا ) . الحكومة الإسلامية ص 33 - 34 .
هذا هو مفهوم الشرك عنده وهو أن يتولى على بلاد المسلمين أحد من أهل السنة فحاكمها حينئذ مشرك وأهلها مشركون .ولذلك نرى الشرك ومظاهره في بلاد الرافضة من الطواف حول القبور وتقديم القرابين لها واعتقاد النفع والضر في الأموات !
رابعاً : الغلو في التصوف ( أو القول بالحلول والاتحاد ) :(1/404)
و تتمثل نظرة الخميني لصورة التصوف في أوضح مظاهرها في كتابه ( مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية ) ، و إليكم بعضاً من هذا الكتاب و ما فيه:
1 - قوله بالحلول الخاص :
يقول الخميني عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : ( خليفته ( يعني خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم ) القائم مقامه في الملك والملكوت ، المتحد بحقيقته في حضرت الجبروت واللاهوت ، أصل شجرة طوبى ، وحقيقة سدرة المنتهى ، الرفيق الأعلى في مقام أو أدنى ، معلم الوحانيين ، ومؤيد الأنبياء والمرسلين علي أمير المؤمنين ) . مصباح الهداية ص 1.
انظر إلى قوله هذا الذي هو بعينه قول النصارى الذين قالوا باتحاد اللاهوت بالناسوت ، ومن قبل زعمت غلاة الرافضة أن الله حلَّ في علي ولا تزال مثل هذه الأفكار الغالية والإلحادية تعشعش في أذهان هؤلاء الشيوخ كما ترى . و من هذا المنطلق نسب الخميني الهالك إلى علي قوله : ( كنت مع الأنبياء باطناً ومع رسول الله ظاهراً ) . مصباح الهداية ص 142 . و يعلق عليه الخميني قائلاً : ( فإنه عليه السلام صاحب الولاية المطلقة الكلية والولاية باطن الخلافة .. فهو عليه السلام بمقام ولايته الكلية قائم على كل نفس بما كسبت ، ومع الأشياء معية قيومية ظلية إلهية ظل المعية القيومية الحقة الإلهية ، إلا أن الولاية لما كانت في الأنبياء أكثر خصهم بالذكر ) . مصباح الهداية ص 142 .
أنظروا كيف يعلق الخميني على تلك الكلمة الموغلة في الغلو و المنسوبة زوراً لأمير المؤمنين بما هو أشد منها غلواً و تطرفاً فهو عنده ليس قائماً على الأنبياء فحسب بل على كل نفس . و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ويقول تحت قوله تعالى ( يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) قال : ( أي ربكم الذي هو الإمام ) . مصباح الهداية ص 145. و هذا الكلام تأليه صريح لعلي رضي الله عنه و لو كان علي موجوداً لأحرقهم بالنار و لقتلهم أشد قتلة كما فعل بأسلافهم.(1/405)
2 - قوله بالحلول والاتحاد الكلي :
و تجاوز الخميني مرحلة القول بالحلول الجزئي ، أو الحلول الخاص بعلي إلى القول بالحلول العام ، و انظروا ماذا يقول بعد أن تحدث عن التوحيد و مقاماته حسب تصوره : ( النتيجة لكل المقامات و التوحيدات عدم رؤية فعل و صفة حتى من الله تعالى و نفي الكثرة بالكلية و شهود الوحدة الصرفة .. ) . مصباح الهداية ص 134 . ثم ينقل عن أحد أئمته أنه قال : ( لنا مع الله حالات هو هو ونحن نحن ، وهو نحن ، ونحن هو ) . مصباح الهداية ص 114 . ثم يعلق بقوله : ( وكلمات أهل المعرفة خصوصاً الشيخ الكبير محي الدين مشحونة بأمثال ذلك مثل قوله : الحق خلق ، والخلق حق ، والحق حق ، والخلق خلق ) . ثم نقل جملة من كلام شيخه وإمامه ابن عربي ( النكرة ) الملحد الهالك ، وقال : ( لا ظهور ولا وجود إلا له تبارك وتعالى والعالم خيال عند الأحرار ) . مصباح الهداية ص 123 . و الخميني الهالك تراه يستدل كثيراً على مذهبه بأقوال ابن عربي الملحد الوجودي والذي يصفه بالشيخ الكبير ( مصباح الهداية ، ص 84 ، 94 ، 112 على سبيل المثال لا الحصر )
و بهذا يتبين لنا أن الخميني قد ورث عقيدة الحلول من أئمته ابن عربي و القونوي و كلاهما من دعاة وحدة الوجود و من الصوفية الغلاة و قد أفتى كثير من أهل العلم بكفر ابن عربي حتى ألف فيه مؤلف للإمام برهان الدين البقاعي بعنوان (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي).
خامساً : دعوى النبوة :
أفرزت لوثات التصوف و خيالات الفلسفة عنده دعوى غريبة خبيثة و كفراً صريحاً حيث رسم للسالك أسفاراً أربعة :
( ينتهي السفر الأول إلى مقام الفناء وفيه السر الخفي والأخفى .. ويصدر عنه الشطح فيحكم بكفره فإن تداركته العناية الإلهية .. فيقر بالعبودية بعد الظهور بالربوبية ) كما يقول انظر مصباح الهداية ص 148 .(1/406)
وينتهي السفر الثاني عنده إلى أن ( تصير ولايته تامة ، وتفنى ذاته وصفاته وأفعاله في ذات الحق وصفاته وأفعاله ، وفيه يحصل الفناء عن الفنائية أيضاً الذي هو مقام الأخفى ، وتتم دائرة الولاية ) . مصباح الهداية ص 148 - 149 .
أما السفر الثالث فإنه ( يحصل له الصحو التام ويبقى بإبقاء الله ، ويسافر في عوالم الجبروت والملكوت والناسوت ، ويحصل له حظ من النبوة وليست له نبوة التشريع وحينئذ ينتهي السفر الثالث ويأخذ في السفر الرابع ) . مصباح الهداية ص 149 .
وبالسفر الرابع ( يكون نبياً بنبوة التشريع ) . مصباح الهداية ص 149 .
انظروا إلى الكفر الصريح في كلام الخميني الهالك و الإلحاد المكشوف ، كفر بالنبوة وبالأنبياء و خروج عن دين الإسلام . و قد ذكر ( أن الفقيه الرافضي بمنزلة موسى و عيسى ) . انظر الحكومات الإسلامية ص 95. و قد قال أحد مسؤلي إيران : ( إن الخميني أعظم من النبي موسى وهارون ) . و قد قارن الرافضي المعاصر ( محمد جواد مغنية ) بين الخميني الهالك ونبي الله موسى مقارنة سيئة توضح مدى تقديمهم الخميني و حبه على أنبياء الله تعالى .
و موسى عليه السلام أكرم و أعظم من أن يقارن بصفوة الصالحين فكيف يفضل عليه الخميني الهالك ، و لكنه منطق الغلاة الذين فرغت قلوبهم من حب الأنبياء و أشبعت بحب الخميني و الأئمة حتى قدموهم على أنبياء الله و العياذ بالله من سوء العاقبة . انظروا بعين البصيرة إلى كلام الخميني الهالك الذي ليس فيه ذرة علم بل هو فلسفة ورثها أباً عن جد من إمامه و شيخه ابن عربي ( النكرة ) الملحد الوجودي !!
سادساً: الاتجاه الوثني:
في كتابه كشف الأسرار ظهر الخميني داعياً للشرك ومدافعاً عن ملة المشركين حيث يقول :
تحت عنوان ( ليس من الشرك طلب الحاجة من الموتى ) .(1/407)
قال : ( يمكن أن يقال إن التوسل إلى الموتى وطلب الحاجة منهم شرك ، لأن النبي والإمام ليس إلا جمادين فلا تتوقع منهما النفع والضرر ، والجواب : إن الشرك هو طلب الحاجة من غير الله ، مع الاعتقاد بأن هذا الغير هو إله ورب ، وأما طلب الحاجة من الغير من غير هذا الاعتقاد فذلك ليس بشرك !! ، ولا فرق في هذا المعنى بين الحي والميت ، ولهذا لو طلب أحد حاجته من الحجر والمدر لا يكون شركاً ، مع أنه قد فعل فعلاً باطلاً . ومن ناحية أخرى نحن نستمد من أرواح الأنبياء المقدسة والأئمة الذين أعطاهم الله قدرة . لقد ثبت بالبراهين القطعية والأدلة النقلية المحكمة حياة الروح بعد الموت ، والإحاطة الكاملة للأرواح على هذا العالم ) . كشف الأسرار ص 30 .
انظروا إلى هذا الكلام الكفري ، الذي يعتقد صاحبه أن دعاء الأحجار والأضرحة من دون الله ليس بشرك إلا إذا اعتقد الداعي أنها هي الإله والرب. و هذا باطل من القول وزورا ، بل هو الشرك الأكبر بعينه الذي أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لإبطاله وهو بعينه شرك المشركين الذين جاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سابعاً: نهب الخميني لأموال الناس:
الجدير بالذكر أن جريدة كيهان لندن الإيرانية الرسمية ذكرت أن خامنئي قال في خطبةٍ على قبر الخميني: إن الإمام الراحل صرف مائة مليون تومان من أمواله الشخصية على المحتاجين ، ومن جهة أخرى إن الخميني كما ادعى كان قد أرسل قائمةً بأمواله في حياته لرئيس القضاء الأعلى ، ويذكر فيها أسماء إخوته من عائلات بسند يده و هندي زاده.(1/408)
و للعلم فإن أمه قد تزوجت أربع مرات وأخوته المذكورون هم من غير أبيه - لكن لا يوجد في الفهرس المذكور المنشور في "كيهان لندن" 1% من الحقيقة المذكورة ، ولذا نحب أن نعرف من هو الكاذب أهو خامنئي أم خميني لما قدم صورة من أمواله الشخصية؟! ومن طرف آخر نشرت الإذاعة الإيرانية في حياته أنه قدم مائة مليون تومان إلى الحكومة قرضاً ، ولا شك أن الأموال الشخصية لا تشمل الملايين التي يملكونها ويتصرفون فيها مما يحصدونه من الخمس ، وأما في الظاهر يعيش مراجعهم كالزهاد وحساباتهم وجيوبهم مليئة بالملايين التي أتت من أكناف الأرض من الشيعة المُضحى بهم باسم الخمس لإمام الزمان وهذا هو فقرهم وزهدهم المدَّعى.
ثامناً: شذوذات الخميني:
قال الخميني :
1 - " ماء الاستنجاء سواء كان من البول أو الغائط طاهر "
2 - " صلاة الجنازة تصح من الجنب "
3 - " المشهور و الأقوى جواز وطء الزوجة دبرا " يعني اللواط بها .
4 - " لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ، و أما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة و الضم و التفخيذ فلا باس بها حتى في الرضيعة "
5 - " لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمة و بنت الأخت على الخالة إلا بإذنهما . و يجوز نكاح العمة و الخالة على بنتي الأخ و الأخت "
6 - في المتعة : " يجوز التمتع في الزانية " ، " يجوز أن يشترط عليها و عليه الإتيان ليلا أو نهارا و أن يشترط المرة والمرات مع تعيين المدة بالزمان "
--- من كتاب تحرير الوسيلة جـ2 من صفحة 241 إلى 291 ---
*************
أحداث لبنان... التاريخ يعيد نفسه!!!
(رؤية تاريخية للوجود الشيعي والنصيري في لبنان... والموقف الشرعي من الأحداث الأخيرة)
أبو عبد الرحمن هشام برغش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛(1/409)
فإذا كان هناك من حديث اليوم؛ فلا يسع المتحدث أن يتناول غير موضوع الساعة الذي يشغل الأمة اليوم، وهو العدوان الصهيوني الغاشم على إخواننا في لبنان وفلسطين.
وإن كان أكثر المتحدثين في هذه القضية قد تناولوها من زاوية واحدة ومن جانب واحد؛ ينطلق من عاطفة مجردة مغيبة عن عبرة التاريخ، وقبل ذلك بعيدة عن المنطلقات العقدية والشرعية التي ينبغي أن تهيمن على الرؤى والمواقف.
فكل حدث يمثل صورة يختلف الناس حولها بحسب زاوية نظرهم لها وبحسب الجزء الذي يقع عليه نظرهم منها.
منذ سنوات وحزب الله يقصف الصهاينة فيقتل منهم ويأسر آخرين، ويضحي الحزب بقائده السابق عباس الموسوي، ويُقتل أيضًا هادي نصر الله ابن القائد الحالي, وقاتل حزب الله العدو الصهيوني، وألحق به ضربات موجعة، وكسر كبرياءه وغطرسته، وحرم المواطنين اليهود في شمال فلسطين الأمن والأمان طيلة عقد ونصف من عمر الزمن.
وحرر الحزب جنوب لبنان لتكون أول أرض عربية تحرر من الصهاينة بالقوة، وها هو الآن يقصف حيفا ونهاريا وعكا بالصواريخ وهو ما لم تجرؤ عليه أي حكومة أو أي زعيم عربي، ودك الحزب أربع عشرة منطقة صهيونية بعشرات الصواريخ فأصاب500 مبنى في الكيان الصهيوني، مما دفع مليون صهيوني للنوم في الملاجئ وهجر مدنهم وقراهم طلباً للأمن مما يعطل الكثير من القدرات الإنتاجية، كما أنّ هذه الحرب تكلّف الخزينة الحكومية الصهيونية يومياً ما بين 100-150 مليون دولار، كمصاريف حربيّة فقط، وحوالي 1,6 مليار دولار خسائر أسبوعية.(1/410)
هذا هو الجزء الأبرز ظهوراً في الصورة وهو حق ومن العدل ذكره والفرح بمصاب العدو وبتحرير جزء من الأرض كما فرح المسلمون بنصر الروم على الفرس لأن الروم أهل كتاب والفرس مشركون: (( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ)) . (الرُّوم: 1-5) .
هذا إضافة لما حصل بعد عملية الوعد الحق من "تخفيف" الهجوم الصهيوني على غزة، وتشتيت الجهد اليهودي وتوسيع دائرة المعركة.
وقد قال الله عز وجل: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) .
لكن من الخطأ عدم النظر لباقي أجزاء الصورة ليكتمل التصور الصحيح للحدث.
وهل فرح المؤمنين بغلبة الروم على الفرس الذي قال عنه القرآن "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" كان مانعاً لهم أن يقفوا بوجه الإمبراطورية الرومانية العاتية المتسلطة؟!
إن الأمر في الحقيقة حينها لم يتعد قدرًا من المفاضلة بين أعداء لا تنقل بهجة النصر أحدهم إلى مصاف الحلفاء. فهناك فرق بين أن تفرح بالفعل وأن تفرح لفاعله.
وإذا كنا نعترف بقتال حزب الله للجيش الصهيوني المحتل، فإننا نريد أن نضع هذا القتال في إطاره الصحيح دون زيادة ولا نقصان، وفصله عن هذا الإطار تشويه لتاريخنا الحديث، ومسخ للحقيقة، واستهتار بعقول أبناء أمتنا.
وفي مثل هذا الحدث لا ينفك الجانب السياسي عن العقدي كما يرتبط فيه الواقع بالتاريخ لأننا بإزاء حزب عقائدي بجذر تاريخي يمارس الحرب والسياسة.(1/411)
وإن من أعظم النكبات التي تصاب بها الأمم هي نكبة الغفلة والنسيان، وأخشى أن تكون الأمة العربية والإسلامية قد نزل بها هذا الداء،فما أسرع أن تصدق الذين يرفعون الشعارات البراقة الذين يقومون ببعض الأعمال التي تُبقي عليهم ولا تهزم عدوًا.
ونتناول هذا الحدث من خلال ثلاثة محاور:
الأول: وهو حزب الله نشأته وتاريخه وحقيقة أهدافه.
المحور الثاني: حقيقة انتصار حزب الله عام 2000م وآثاره.
المحور الثالث: التاريخ يعيد نفسه.
المحور الرابع: الموقف الصحيح من الحدث الأخير من وجهة نظرنا.
المحور الأول: حزب الله؛ نشأته وتاريخه وحقيقة أهدافه:
أ- المرحلة التي سبقت تأسيس الحزب:
عندما انسحبت القوات الصهيونية من جنوب لبنان عام 2000، والذي جاء قبل موعده المحدد، كان مناسبة استثمرها قادة الطائفة الشيعية من العرب والعجم استثمارًا نادر المثال، لاسيما وأن القوم يعرفون كيف يستغلون مثل هذه المناسبات.
لقد دعوا إلى مهرجانات خطابية في كل دولة ومدينة، بل في كل حي من الأحياء، ومن أهم ما قيل بهذه المناسبة: الحديث الذي أدلى به الأمين العام لحزب الله اللبناني لإحدى الفضائيات العربية التي يستمع إليها عشرات الملايين من الناطقين بالعربية، ويبدو أن نصر الله قد أعد حديثه إعدادًا جيدًا، وعرف كيف يدغدغ عواطف المستمعين، كما عرف كيف يغمز الآخرين، والآخرون بالتأكيد ليسوا من أبناء طائفته.
تفاعل الناس، كل الناس مع القائد المنتصر، وأسبغوا عليه ألقابًا وأوصافًا ما سمع بمثلها صلاح الدين بطل حطين، ومحرر القدس من رجس الصليبيين، وأقول: ما سمع بمثلها صلاح الدين مع علمي بأن الشيعة يكرهونه غاية الكره، لكنني لا أعرف أن عندهم بطلاً مثل صلاح الدين أو أقل لنشبه نصر الله به، وذلك لأن للقوم موقفًا سلبيًا من الجهاد كله ليس هذا موضع الحديث عنه، وإن كان طلاب العلم من السنة والشيعة يعرفونه.(1/412)
ويمكن القول: إنه لم يُعرف حدث معاصر أيده الحكام والمحكومون من الأوربيين الشرقيين والغربيين، والعرب، واليهود كهذا الحدث، ولكل فلسفته في هذا الشأن:
فاليهود تخلصوا من ورطة كلفتهم عددًا كبيرًا من الضحايا، كما كلفتهم بلايين الدولارات.
والأوربيون - على مختلف دولهم - يحرصون على استقلال لبنان، ولا يتم هذا الاستقلال إلا إذا خرجت القوات العسكرية التي احتلته، ولهذا فهم يطالبون بخروج القوات العسكرية السورية بعد الصهيونية.
ومعظم أجهزة إعلام الحكومات العربية بالغت في نفاقها لحكومتي سورية ولبنان اللتين تدعمان حزب الله.
وأحزاب الشيطان وأعوانه وجدوا في هذا الحدث مادة خصبة للهجوم المسف على دعاة وجماعات أهل السنة .. هؤلاء - على حد زعمهم - الذين لا يعرفون إلا ترويع الآمنين، والتآمر على سلامة المواطنين، وإثارة النعرات الطائفية، وزرع الخوف والإرهاب في كل مكان تطؤه أقدامهم.
وكثير من الجماعات والهيئات الإسلامية السنية، أقاموا المهرجانات والاحتفالات وأرسلوا برقيات التأييد والتهنئة لقادة حزب الله مشفوعة بأسمى آيات التبجيل والتعظيم .. وإن تعجب فاعجب لقول أحد قادة هذه الجماعات لحسن نصر الله: إنك مجدد هذا العصر، وآخر يقول: إنك قدوة لشباب الإسلام .. يحدث هذا وملايين الناس يستمعون، وحق لأتباع هؤلاء القادة الذين ابتليت بهم أمتنا في آخر هذا الزمان أن يقولوا: هذا والله هو الإسلام [الشيعي] وهؤلاء هم الرجال والقادة والعلماء!!
ولم يتعظ هؤلاء من تسرعهم وأسلافِهم في تأييد ثورة الخميني، وقد اكتووا من طعنات وغدر الشيعة بهم، ووقوفهم إلى جانب أعدائهم!!
وفي مثل هذه الساعات الحرجة والمواقف المختلطة تختلط المفاهيم وتتبعثر الأوراق ويضيق فريق منا ذرعًا من حوارنا معهم، ويردون علينا قائلين:(1/413)
هل تريدون منا أن نقول: لا، لم يقاتل الشيعة في جنوب لبنان، ولم يقدموا ضحايا، وبالتالي: لم ينتصروا، ولم يرغموا الجيش الصهيوني على مغادرة لبنان قبل الموعد المقرر؟!.
ونقول لهؤلاء: مهلاً يا إخواننا: إننا ما أردنا ولا نريد بخس الناس حقوقهم، وندرك جيدًا أن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نقول الحق كما أمرنا بالعدل في أمورنا كلها، وحاشا لله أن ننكر أن حزب الله قاتل العدو الصهيوني، وألحق به ضربات موجعة، وكسر كبرياءه وغطرسته، وحرم المواطنين اليهود في شمال فلسطين الأمن والأمان طيلة عقد ونصف من عمر الزمن ... وكما يحدث الآن...
وإذا كنا نعترف بقتال حزب الله للجيش الصهيوني المحتل، فإننا نريد أن نضع هذا القتال في إطاره الصحيح دون زيادة ولا نقصان، وفصله عن هذا الإطار تشويه لتاريخنا الحديث، ومسخ للحقيقة، واستهتار بعقول أبناء أمتنا.
ومن أجل وضع الأمور في إطارها الصحيح: دعونا نبدأ القصة من أولها:
أولاً لابد من التأكيد على حقيقة هامة وهي أنه وعلى مر تاريخ الصراع بين المسلمين واليهود على بيت المقدس قديمًا وحديثًا لا نعرف للشيعة مشاركة في هذا الجهاد المبارك، بل ومن المؤسف أن شيوخهم في هذه المراحل كانوا مشغولين بتأليف الكتب التي يتهجمون فيها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وأما عن بداية الوجود الفلسطيني في لبنان فيرجع إلى عام 1948؛ حيث التجأ عدد كبير من الفلسطينيين إلى لبنان بعد الهزيمة التي منيت بها الجيوش العربية في عام 1948، واستوطنت الغالبية العظمى منهم في بيروت وجنوب لبنان، ثم تضاعف هذا العدد بعد حرب أيلول 1970 بين منظمة التحرير والجيش الأردني، وانتقال عدد كبير من أعضاء المنظمة إلى لبنان، وما كانت لبنان لتقبل هؤلاء الوافدين الجدد لولا ضغط دول الجامعة العربية من جهة، وتعاطف أهل السنة حكامًا ومحكومين داخل لبنان من جهة أخرى.(1/414)
وتزايدت العمليات الفدائية التي تنطلق من الجنوب اللبناني ضد العدو الصهيوني بعد عام 1970، ولم تكن معدومة قبل هذا التاريخ، وكانت العلاقات بين الجيش وقوات الأمن اللبنانية من جهة، ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى دائمة التوتر، لكنها لم تكن كذلك مع معظم رؤساء الوزارات اللبنانية.
وكان أهل السنة داخل لبنان وخارجه يتعاطفون ويتعاونون مع منظمة التحرير، ويُعتَبرونَ عمقًا لها، أما غير أهل السنة فيمد يده إليهم عندما تكون له مصلحة، وينأى بنفسه عنهم عندما تكون لهم معه مصلحة.
ثم فتحت منظمة التحرير صدرها للشيعة في جنوب لبنان، وكان لها صلات وثيقة مع رئيس المجلس الشيعي الأعلى موسى الصدر، والصدر مواطن إيراني سيأتي التعريف بسيرته ونشأته قريبًا.
وفي عام 1969 أنشأ الصدر المجلس الشيعي الأعلى، وأصبح رئيسًا له، وكان ذلك بعد وصوله بعشر سنين، وكان للسنة والشيعة مجلس واحد قبل هذا التاريخ [1969].
وفي عام 1973 شكل الصدر منظمة أمل، واسمها قبل الاختصار "أفواج المقاومة اللبنانية"، وما كانت هذه المنظمة لتنشأ لولا احتضان منظمة فتح لها، وفتح مراكزها لتدريب الشيعة المنتمين إليها.
وفي هذا العام 1973 ساءت علاقة الصدر مع أجهزة الأمن الإيراني، فانتقل إلى صفوف المعارضة، وأخذ أصدقاؤه في فتح يدربون أتباع الخميني.
وأغرت حركة أمل منظمة فتح فقدمت خدمات جليلة لثوار الخميني قبل وصولهم إلى الحكم، وبعد توليهم الحكم سارعت أمل إلى مبايعة الخميني إمامًا للمسلمين، ثم جددت هذه البيعة عام 1982، أما منظمة فتح فما كانت تدري أنها تستميت في تدريب ومساعدة قاتليها.(1/415)
وخلاصة القول: أن الإيرانيين الشيعة الوافدين إلى لبنان هم الذين أسسوا حركة أمل، وما نبيه بري- وهو الذي تولى قيادة حركة أمل فيما بعد والذي تولى كبر جريمة ذبح سنة لبنان - ما هذا إلاّ تلميذ ضمه أستاذه مصطفى جمران وزير الدفاع الإيراني ، والذي كان يتولى الإشراف على فروع منظمة أمل قبل الثورة الإيرانية- فضمه إلى تنظيمه الذي أسسه في "كاليفورنيا" عام 1966 وسماه "رابطة الطلبة المسلمين"، ولم يكن للأستاذ وتلميذه قبل هذا التاريخ توجهات إسلامية.
المؤامرة:
كان تفاعل أهل السنة في لبنان مع منظمة فتح تفاعلاً كبيرًا، وكل من كان يزور لبنان ويتفقد مدنه وقراه ومخيماته، لابد وأن يلمس آثار هذا التفاعل في خطب العلماء ودروسهم، وعلى ألسنة الطلبة في معاهدهم وجامعاتهم، وفي تصريحات السياسيين [من المنتسبين للسنة] رغم اختلاف ميولهم.
أما غير أهل السنة فمواقفهم كانت عدائية، وإن كانت أساليبهم مختلفة، فمنهم من ركب موجة الجبهة الوطنية [ومنظمة التحرير عضو في هذه الجبهة] ثم انقض عليها أو تخلى عنها في أحرج الأوقات، ومن الأمثلة على ذلك: دروز جنبلاط، وشيعة موسى الصدر، ومنهم من جاهر بعداوته منذ البداية، وحاولت فتح أن تستميلهم ففشلت، ومثالنا على ذلك نصارى لبنان وبالأخص الموارنة.. وما زالت الاحتكاكات تتطور بينهم وبين المنظمة إلى أن وصلت الأمور إلى حرب أهلية بعد مجزرة "عين الرمانة" في 13/4/1975 م.
وفي 5/6/1976 دخلت القوات السورية إلى لبنان، وكان أسد يوهم كل طرف من أطراف الصراع في لبنان بأن هذا التدخل لمصلحته، كما كان يردد داخل سورية بأنه ما غامر ولا تدخل إلا لإنقاذ المقاومة الفلسطينية.
فهل فعلا كان تدخل الأسد لإنقاذ المقاومة الفلسطينية والوطنية؟، وهل هو من أصحاب المغامرات الذين يتدخلون ولو أدى هذا التدخل إلى حرب مع الكيان الصهيوني؟.(1/416)
الذين يعرفونه يؤكدون أنه ليس من أصحاب المغامرات، وليس واردًا البتة أن يزج بنفسه في حرب مع الكيان الصهيوني بسبب حفنة من المشاغبين الفلسطينيين.
وهو في مسألة تدخله في لبنان، لم يتدخل إلا بعد مضي أكثر من عام على حرب دموية مدمرة، وبعد حصوله على تفويض من جامعة الدول العربية، بل قدمت له هذه الدول مساعدات مغرية مقابل قبوله التدخل في لبنان، ومن جهة أخرى، فقد طالبت جهات لبنانية كثيرة بتدخله، وفي مقدمة هؤلاء: السلطة، والموارنة، والشيعة، وآخرون غيرهم.
ومع ذلك لم يغامر أسد لأن الكيان الصهيوني لم يأذن له: حيث صرح وزير حرب الكيان الصهيوني شمعون بيريز لصحيفة معاريف [8/1/1976] بأن إسرائيل لن تبقى مكتوفة الأيدي، في حال حدوث أي تدخل سوري في لبنان.
وجاء التدخل الأمريكي بعد هذا التصريح؛ حيث نقلت وكالة اليونايتدبرس من واشنطن [يوم 27/1/1976] ما يلي:
"إن وزارة الخارجية الأمريكية أكدت بأنها تقوم بنقل الرسائل من إسرائيل إلى سورية، حول الوضع في الجنوب اللبناني، وقال فردريك براون المتحدث باسم الوزارة في تصريح للصحفيين: إننا على اتصال مع حكومات سورية وإسرائيل ولبنان، وإننا نراقب الوضع عن كثب. واعترفت الصحف الإسرائيلية بأن اتصالات من هذا النوع قد جرت، وأوضحت أن سورية أكدت لمسئولين أمريكيين، أن وجود قواتها في الجنوب إنما يستهدف المقاومة واليساريين اللبنانيين".
وتحدث كيسنجر أمام لجنة الاعتمادات بالكونجرس فقال: "إن الولايات المتحدة تلعب دورًا رئيسيًا في لبنان، وإننا شجعنا المبادرة السورية هناك، إن الوضع يسير لصالحنا ويمكن رؤية خطوط تسوية".
وبمثل هذا القول، قال المتحدث بلسان البيت الأبيض [رونالد نيسين]، والمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية.(1/417)
وتغير موقف الكيان الصهيوني بعد الدور الذي لعبه المسئولون الأمريكان (والذي لا نعلم عنه إلا القليل) بين كل من سورية ولبنان والكيان الصهيوني، فوزير الحرب - بيريز - الذي كان يعارض التدخل أصدر تصريحاً لوكالات الأنباء في 2/6/1976 قال فيه:
"التدخل السوري موجه ضد ياسر عرفات وحلفائه، والقوات السورية دخلت الشمال والوسط وليس الجنوب".
وقال موشيه دايان: "إن على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب حتى لو غزت القوات السورية بيروت واخترقت الخط الأحمر، لأن غزو القوات السورية للبنان، ليس عملاً موجهًا ضد أمن إسرائيل" [وكالة الصحافة الفرنسية 5/6/1976].
وأعلن رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين في تصريح نقلته إذاعتهم: "إن إسرائيل لا تجد سببًا يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان. فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين، وتدخلنا عندئذٍ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة بالنسبة لنا".
الكيان الصهيوني لا يلقي القول على عواهنه عندما تقول على لسان وزير حربها: إن هدفنا هو نفس هدف دمشق بالنسبة للمسألة اللبنانية، وأوربا وأمريكا لا يوافقون على التدخل السوري إلا إذا قامت الأدلة القطعية عندهم التي تؤكد أنه ضد منظمة التحرير ولمصلحة حلفائهم.
إذن فقوات الأسد لم تدخل إلى لبنان لإنقاذ المقاومة من الهلاك والهزيمة الماحقة كما كان يدعي أمام المواطنين في سورية وفي بعض المحافل العربية، وإنما لتنفيذ المخطط الذي جاءت تصريحات اليهود والأمريكان والموارنة لتفضحه.
ولمزيد من الإيضاح لهذه الحقيقة ننتقل إلى الحديث عما جرى على أرض الواقع بلبنان بعد التدخل السوري:
- فقد شق نظام أسد منظمة التحرير، فمنظمة الصاعقة وجهت بنادقها إلى صدور رفاقهم في منظمة التحرير، ثم شق فتح، ثم الجبهة الشعبية - جورج حبش -.(1/418)
- ثم شق الحركة الوطنية، فخرجت منها حركة أمل ومنظمة البعث وآخرون، وحسب تدبير مسبق أوعز موسى الصدر- والصدر مواطن إيراني أرسله مدير الأمن العام الإيراني الجنرال بختيار إلى لبنان عام 1958 بمهمة ظاهرها ديني دعوي مع أنه لا يعد من علماء الشيعة، وباطنها سياسي طائفي، والذين انتدبوه لهذا الغرض سهلوا له طريق الوصول إلى القصر الجمهوري، وإقامة علاقات مريبة مع رئيس الجمهورية فؤاد شهاب وبطانته، وخلال فترة قصيرة تمكن الصدر من الحصول على الجنسية اللبنانية بموجب مرسوم جمهوري، وأنشأ عددًا كبيرًا من المدارس والنوادي والجمعيات والحسينيات، في سائر أنحاء مناطق الشيعة، وجعلها مركزاً لأنشطته.
وفي عام 1969 أنشأ الصدر المجلس الشيعي الأعلى، وأصبح رئيسًا له، وكان ذلك بعد وصوله بعشر سنين، وكان للسنة والشيعة مجلس واحد قبل هذا التاريخ [1969]. - إذن فأول من سعى للتمايز والاستقلالية لأغراض حزبية طائفية هم الشيعة-.
وفي عام 1973 شكل الصدر منظمة أمل، مع العلم أن هذه المنظمة لم تكن لتنشأ لولا احتضان منظمة فتح لها، وفتح مراكزها لتدريب الشيعة المنتمين إليها- فأوعز موسى الصدر لضباط الشيعة العاملين في صفوف جيش لبنان العربي، فانفصلوا عنه، وكان انفصالهم وهم الذين يتولون مسؤوليات مهمة فيه ويعرفون أدق أسراره، ضربة قاتلة لهذا الجيش الذي كان يُعد أملاً من آمال الحركة الوطنية، وكان قد تمكن قبل دخول القوات السورية من السيطرة على معظم الأراضي والمواقع اللبنانية.
- وانتصرت القوات السورية الغازية على القوات الوطنية والفلسطينية في كل من البقاع، وعكار، وجبل وصيدا، وفرضت الحصار المحكم على البر والبحر والجو، ومنعت الأسلحة والمؤن من الوصول إلى قوات الحركة الوطنية.(1/419)
- وقد وقعت معارك بين الدروز والموارنة، وبين الشيعة والموارنة، لكنها كانت قليلة، ولها أسبابها، أما العدو المشترك طوال هذه الحرب فهم أهل السنة اللبنانيون والفلسطينيون، وتناوب على حربهم: اليهود، والقوات النصيرية، والموارنة، وحركة أمل بدعم قوي من الشيعة، والدروز، وكانت بعض هذه القوى تتعاون وتنسق فيما بينها، وقد يكون هذا التنسيق علنيًا ميدانيًا، وقد يكون غير مباشر عن طريق وسيط آخر، وأقوى الوسطاء وأكثرهم فاعلية الأمريكان عن طريق مبعوثهم الدائم في المنطقة.
وهذه هي لغة الأرقام:
- انفرد الموارنة باحتلال وتدمير المخيمات التالية: الكرنتينا، وجسر الباشا، وبرج حمود، وكانوا يتلقون الدعم من الكيان الصهيوني، ومن الجيش اللبناني.
- انفردت القوات النصيرية باحتلال البقاع، وعكار، والجبل، وصيدا، وما كان ذلك ممكنًا لولا انشقاق الشيعة وعملاء النظام السوري عن المقاومة والحركة الوطنية.
- دفع النظام النصيري عملاءه الفلسطينيين أمثال المنشقين من فتح وأحمد جبريل لمواجهة إخوانهم في مخيمي البداوي ونهر البارد، فسقط المخيمان في نهاية عام 1983، وكانت الخسائر في الأموال والأرواح فادحة، كما أن عملاء سورية كانوا واجهة وستارًا للقوات السورية الغازية.
- حاصرت قوات الموارنة مخيم تل الزعتر في أواخر يونيو من عام 1976، وثبت سكان المخيم ثباتًا مشرفًا، وسقط المخيم في 14/8/1976، وكانت القوات الصهيونية والنصيرية متورطة في هذه المجزرة، أما القوات الصهيونية فقد كُشف النقاب عن تورط وزير حرب الكيان الصهيوني شمعون بيريز في جلسة من جلسات الكنيست، أما تورط القوات السورية فتحدث عنه ضباط عرب كانوا مشاركين فيما سمي بقوات الردع العربية.(1/420)
- شاركت في الهجوم على طرابلس في الأسبوع الأخير من الشهر التاسع عام 1985 كل من القوات الآتية: القوات النصيرية، وميليشيا النصيريين في حي [بعل محسن] أو الحزب العربي الديموقراطي، والحزب السوري القومي، والحزب الشيوعي، ومنظمة حزب البعث، وساهمت القوات اللبنانية في هذه الحرب؛ إذ منعت نقل المحروقات والطحين إلى طرابلس، وسقطت المدينة في 6/10/1985 بعد معارك دامية.
- أما مذبحة صبرا وشاتيلا؛ فقد جاءت بعد مقتل بشير الجميل، ومع أن قاتله نصراني وقومي سوري، وسورية أسد هي المحرض، إلا أن فلسطينيي صبرا وشاتيلا هم من تعرض لانتقام القوات اللبنانية؟!.
كانت هذه القوات تقتل الشباب والشيوخ والأطفال، وكانت القوات اليهودية تحميها، وهذا ما شهد به العالم، وشهدت به معارضة حكومة بيجن، وعلى إثرها أبعد شارون عن وزارة الحرب.
ثم هاجمت قوات أمل الشيعية مخيمي صبرا وشاتيلا، وارتكبت فيهما مجازر أبشع من التي ارتكبها اليهود والقوات اللبنانية، فحتى المرضى في مستشفى غزة لم يسلموا من المجزرة، ومما زاد من هول المذبحة وبشاعتها، انضمام اللواء السادس في الجيش اللبناني لحركة أمل بأوامر مباشرة من نبيه بري؛ لأن أفراده وقيادته من الشيعة، وليقرأ من شاء الفظائع التي ارتكبتها قوات أمل في صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في كتاب أمل والمخيمات الفلسطينية، ص: 89 - 109.
وقد قام القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية بإذاعة تقرير حول المجازر التي ارتكبتها قوات أمل، وبعد نشر هذا التقرير وجهت المنظمة التي تطلق على نفسها اسم "الجهاد الإسلامي" تهديدًا لمراسلي الصحف الأجنبية، فاضطرت هيئة الإذاعة البريطانية إلى سحب مراسليها الثلاثة خوفًا على حياتهم.
ومنظمة "الجهاد الإسلامي" إنما هي ستار كان حزب الله يتوارى خلفه عند بداية تأسيسه، وهذا ما سوف نتحدث عنه إن شاء الله قريبًا.
* * *(1/421)
و لقد شهد العالم أجمع (عربه وعجمه) أن هدف القوات السورية والقوات الصهيونية من دخول لبنان هو إخراج المقاومة، وكانت هذه القوات تنسق فيما بينها في اجتماعات سرية أو عن طريق وسيط.
فقد صرح العقيد القذافي أن: "ليبيا تقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وتعارض التدخل العسكري السوري في لبنان، لقد حذّرنا سورية من تصرفها هذا، وإذا كانت سورية تريد السلام الآن على حساب الفلسطينيين، وتريد تصفية المقاومة الفلسطينية، فلا يمكننا أن نلزم الصمت، ونعتقد أن من الخيانة الوطنية محاولة تصفية المقاومة الفلسطينية، وإننا نأمل أن تعيد سورية النظر في موقفها".
وقال عبد السلام جلود: "هناك مؤامرة عربية ودولية ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان، وقد وقع الاختيار على النظام السوري لتنفيذ هذه المؤامرة".
وهذه الشهادة جاءت من نظام صديق وحليف لسورية في تلك المرحلة، وهناك جهات عربية وإعلامية أخرى هاجمت النظام السوري واتهمته بتنفيذ مخطط مشبوه ضد القضية الفلسطينية.
وفي 8/9/1976 نشرت التايم اللندنية مقالاً تحت عنوان: إسرائيل تشارك في حرب لبنان سرًا جاء فيه:
"إن التفاهم غير المعلن بين إسرائيل والنظام السوري، بسحب قواته العسكرية المتواجدة في الجبهة، ونقلها تدريجياً إلى لبنان وإلى الحدود مع العراق".
وأضافت المجلة: "إن هذه التدابير قد وضعت الإسرائيليين في الجانب الذي يقف فيه النظام السوري بعد تدخله الفعلي إلى جانب قوى اليمين، والذي يتحدد بالأساس، بتصفية الفدائيين الفلسطينيين، تمهيداً لفرض تسوية سلمية لمشكلة الشرق الأوسط، وتقوم إسرائيل بفرض حصار بحري على عدة موانئ لبنانية يسيطر عليها الوطنيون وخاصة مينائي صيدا وصور لمنع وصول الأسلحة إلى الوطنيين والمقاومة. لقد استطاعت إسرائيل بعملها هذا الحصول على سيطرة فعلية، على شريط من الأرض جنوب لبنان يمتد حتى نهر الليطاني.(1/422)
"وقالت المجلة: إن عدداً من أركان النظام السوري الحاكم حضروا الاجتماع الموسع الأخير، بين شمعون بيريز والقوى اليمينية في جونية، حيث شجع المباحثات بيريز على إمضاء ليلة على سفينة الشحن التي أقلته إلى لبنان".
لقد كان التدخل الصهيوني سريًا في لبنان عام 1976، ثم بدأ يميل شيئًا فشيئًا إلى العلنية حتى جاء الاجتياح الصهيوني إلى لبنان في: 4/6/1982، وفرضت القوات الصهيونية حصارًا على بيروت الغربية لم تشهده من قبل، وما رفعوا الحصار حتى خرجت المقاومة من لبنان، وعندما كان بعض الفلسطينيين [الذين احتفظوا بعلاقات لا بأس بها مع أسد ونظامه] يطلبون من أسد التدخل لرفع الحصار عنهم، كان يقول لهم: "إنه ليس هناك كيان فلسطيني، وليس هناك شعب فلسطيني، بل سورية وأنتم جزء من الشعب السوري، وفلسطين جزء لا يتجزأ من سورية، وإذن نحن المسئولون الممثلون الحقيقيون للشعب الفلسطيني" [ ينظر: هذه وصيتي لكمال جنبلاط، ص: 105].
أما ما قاله الأسد لمبعوث عرفات فهو: "أريد أن تهلكوا جميعًا لأنكم أوباش".
بقي أن نقول إن خسائر أهل السنة في لبنان لم تكن قاصرة على خروج المقاومة، و لا على المذابح التي تعرض لها الفلسطينيون في مخيماتهم؟!.
لم يكن الأمر كذلك، فالدبابات النصيرية التي كانت تجوب شوارع صيدا تحصد أرواح المدنيين، وتقصف واجهات المحلات التجارية، وتوقع خسائر مذهلة في مبنى المستشفى الكائن في ضاحية من ضواحي صيدا الجنوبية، وقد كان المعتدون يعلمون أن صيدا لبنانية وليست فلسطينية، ومعظم سكانها من السنة.
وطرابلس التي استباحها النظام النصيري لبنانية سنية وليست فلسطينية، وكذلك بيروت الغربية التي اقتصر حصار الكيان الصهيوني عليها وحدها، دون أن يتعرض سكان بيروت الشرقية لأي أذى.(1/423)
وبينما كانت بيروت الغربية تضمد الجراحات التي خلفها الحصار اليهودي، وتظن أن الغمة قد فُرِجَتْ إذ بها تفاجأ باجتياح قوات أمل الشيعية وقوات جنبلاط لحماها، ويرتكب الغزاة الجدد من الفظائع التي لم يرتكبها اليهود من قبل، ثم يقع صراع بين طرفي الغزاة أيهم يسيطر على مساحة أكبر وأهم.
ولم يسلم كبار العلماء من طغيان النظام النصيري حيث أقدمت قواتهم على اغتيال مفتي لبنان رحمه الله، مع أن الرجل كان مسالماً، ثم اغتالت الشيخ صبحي الصالح وهو الرجل الثاني في المؤسسة الإسلامية السنية، ولم يكن للشيخين الفاضلين أدنى صلة بالسلاح وحملته، لكنه الحقد الباطني ضد أهل السنة.
ومع خروج المقاومة الفلسطينية أجبروا القوات اللبنانية السنية على مغادرة لبنان .. وهناك آلاف من شباب أهل السنة المتمسكين بدينهم، العاملين من أجل رفع راية الإسلام، استطاعوا الفرار من لبنان هائمين على وجوههم لا يدرون أين يضعون عصا الترحال، ومن لم يحالفه الحظ في الهروب، كان مصيره السجن في سورية!!.
وبخروج القوات السنية من الفلسطينيين واللبنانيين، طُوي شعار تحرير فلسطين، كل فلسطين من البحر وحتى النهر، ورفعت كل دولة عربية تحرير ما احتلته الدولة اللقيطة عام 1967 م، وحيل بين الشعوب ونصرتها لإخوانهم المستضعفين في فلسطين المحتلة.
إننا لا نستغرب غدر الموارنة، ولا خبث وكيد الباطنيين، لكننا نستغرب ضحالة فكر وعلم المغفلين من أهل السنة الذين يفصلون الحدث عن ماضيه، ويصفقون للذين قد قتلوا بالأمس أطفالهم، وبقروا بطون أخواتهم، وتناسوا تعاون هؤلاء!! مع اليهود، ووقوفهم صفًا واحدًا يتزعمه الأمريكان، هدفه استئصال الوجود السني من لبنان ليأمن الكيان الصهيوني وينام قرير العين.
ب- نشأة حزب الله وظهوره:(1/424)
مع إطلالة عام 1982 م كانت حركة أمل الشيعية التي تأسست عام 1973 قد أدت الدور المطلوب منها، واستنفدت أغراضها، ولم تعد صالحة في عهد الخميني وثورته الإسلامية، ويعود ذلك لأسباب كثيرة أهمها:
1 - ارتباط مؤسس هذه الحركة - موسى الصدر - بأنظمة مشبوهة: منها: نظام شاه إيران ومخابرات [السافاك]. وكما سبق فإن هذه المخابرات هي التي أرسلته عام 1958 إلى لبنان، لتجميع صفوف الشيعة، ومقاومة المد الناصري في لبنان وبقية الدول العربية.
2 - لم تعد حركة أمل مقبولة خارج إطار معظم الشيعة في لبنان، وخاصة بعد تحالفها مع قوات النظام النصيري، وبعد أن تبيّن للجميع أنها كانت تنسق مع القوات الغازية قبل دخولها إلى لبنان.
3- أنها أصبحت مرفوضة عند أهل السنة وبعض الشيعة، وعند معظم الحركات الوطنية خارج لبنان، وليس من مصلحة إيران أن تتبنى ورقة محروقة، لأن طموحاتها في لبنان واسعة وتحتاج إلى ترتيب جديد.
هذه الطموحات الجديدة يحدثنا عنها حجة الإسلام فخر روحاني - سفير إيران في لبنان - في مقابلة أجرتها معه صحيفة اطلاعات الإيرانية في نهاية الشهر الأول من عام 1984، يقول روحاني عن لبنان:
"لبنان يشبه الآن إيران عام 1977، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة، وأحد أهم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية، فسوف يتبعه الباقون".
ونقلت صحيفة النهار اللبنانية [11/1/1984] عن السفير نفسه - روحاني - قوله: "لبنان يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية".
* * *
وإذا كان لبنان بوابة إيران إلى البلدان العربية والإسلامية .. وإذا كان هذا الحزب الجديد سيكلف بمهمات أكبر من حجم لبنان .. وإذا كان الحزب الجديد لن يتمكن من منافسة منظمة أمل إلا إذا كان مدعومًا دعمًا قويًا من إيران .. إذن لابد وأن يتولى الخميني بنفسه هذه المهمة، وهذا الذي حدث:(1/425)
منذ الاجتياح الصهيوني للبنان 1982 بدأت قوات الحرس الثوري الإيراني تتسلل إلى لبنان عن طريق سورية وبالتنسيق معها، وأقامت هذه القوات مخيمين لتدريب الشيعة: الأول في الزبداني، وهي بلدة سورية على حدودها مع لبنان، والثاني في بعلبك اللبنانية، وكانت القوات السورية تشارك في التدريب، وفي تنظيم دخول قوات الحرس الثوري إلى لبنان بدون تأشيرة، وهل يستطيع الأمن اللبناني محاسبة السوريين عن مثل هذه الأمور؟!.
و على هامش "المؤتمر الأول للمستضعفين" اجتمع الخميني بعدد من علماء ودعاة الشيعة الذين شاركوا في هذا المؤتمر، وكان من بينهم: محمد حسين فضل الله، صبحي الطفيلي، وممثل حركة أمل في طهران إبراهيم أمين، وتدارس معهم الخطوات الأولى اللازمة من أجل إنشاء هذا الحزب الجديد.
عاد الوفد إلى لبنان، وكثَّف من اتصالاته مع وجهاء وعلماء الطائفة الذين لم يشاركوا في لقاء طهران، ثم تكرر لقاؤهم بالخميني، ووضعوا وإياه الخطوط العريضة لحزب الله. يقول أحمد الموسوي في مقال له بمجلة الشراع: "من أنتم .. حزب الله ":
"ثم استكملت الخطوط التنظيمية الأولى باختيار هيئة قيادية للحزب ضمت 12 عضواً هم: عباس الموسوي، صبحي الطفيلي، حسين الموسوي، حسن نصر الله، حسين خليل، إبراهيم أمين، راغب حرب، محمد يزبك، نعيم قاسم، علي كوراني، محمد رعد، محمد فنيش.
وكان مركز قيادة الحزب الفعلية لا الشكلية هو السفارة الإيرانية، ومن الأطراف التي كانت تشارك في اجتماعات قيادة الحزب وفي اتخاذ القرارات، سفير إيران السابق في دمشق - محتشمي - وقائد الحرس الثوري في لبنان.
ويجتمع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية اجتماعات دورية في طهران، وبحوزتهم عدد من معسكرات التدريب موزعة بين إيران وسورية ولبنان، ففي إيران لهم أربعة معسكرات، وفي سورية اثنان: معسكر السيدة زينب، ومعسكر الزبداني، وفي لبنان: معسكر الشيخ عبد الله، ومعسكر الدركي، وكلاهما في بعلبك".(1/426)
فنحن إذن أمام تنظيم عالمي يرعاه الخميني أو من يمثله، والمنظمات التي يتألف منها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية تؤدي مهمة مزدوجة: الأولى محلية، والثانية عالمية، والقيادة طهران الآيات.
وبعد تفجير مقري المارينز ووحدة المظليين الفرنسيين، وجه حزب الله البرقيات التالية للخميني:
"إن شعبكم المسلم في لبنان والمرتبط بولايتكم يرفع إلى مقامكم أسمى التبريكات والتهاني لمناسبة انتصار حماة الإسلام .. نرفع إليكم التهاني ببركة حركتكم الشعبية المتصاعدة في لبنان وفي بيروت حيث الضربة الحيدرية والخمينية لمقري قيادتي القوات الأمريكية والفرنسية".
وأما عن العملية نفسها التي استهدفت المارينز في بيروت والمظليين الفرنسيين فقد نفى الطفيلي أمين عام الحزب وقتها مسئولية الحزب عنها كما في مقابلته مع الجزيرة الفضائية في 23/7/2004،كما نفى الديراني مسئولية الحزب عن عملية السفارة الأميركية في بيروت - فالقوم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ويستغلون أمثال هذه الأحداث لتحقيق مكاسب جماهيرية من الشعوب التي لا تحركها إلا العاطفة.
وخلال أشهر قليلة، وُلِدَ وترعرع في لبنان حزب يعتبر من أكبر وأغنى الأحزاب اللبنانية على الإطلاق بما فيها حزب الكتائب الذي مضى على تأسيسه أكثر من خمسين عامًا .. كيف حدث ذلك؟!.
الذين يثيرون مثل هذا السؤال يعرفون الجهود المضنية التي يبذلها كل من أراد أن يشكل حزبًا سياسيًا، فهو من جهة لا بد له من صياغة مبادئ مقنعة لهذا الحزب، ومن جهة أخرى لا بد له من إقناع الناس بجدوى هذه المبادئ، وقدرتها على منافسة الأحزاب الأخرى، وقد يمر عقد أو عقدان، دون أن يتطور هذا الحزب، ويحتل مكان الصدارة في ميادين الأنشطة السياسية.(1/427)
لكن هؤلاء الذين يثيرون مثل هذا السؤال يجهلون أن الإمامية - الاثني عشرية - هم أقرب ما يكونون إلى الحزب، فمراجعهم من الآيات يتولون مركز قيادة الطائفة، والمتمسكون بدينهم من أبناء الطائفة هم قاعدة هذا الحزب، وحتى غير المتمسكين بدينهم لبعضهم دور داخل هذا التنظيم، أما المناهج والأهداف، والتستر خلف شعارات براقة تستقطب الجماهير [التقية]، فللقوم باع طويل في هذا المجال، وخبرة عريقة عمرها هو عمر التاريخ الإسلامي.
وعندما جاءت الأوامر والتعليمات من آية الله روح الله الخميني، قال معظم شيعة لبنان سمعًا وطاعة للإمام وحكومته، فكم نتمنى أن يكون عند المنظرين الفلاسفة ممن ينعقون بما لا يعرفون معلومات كافية عن عقائد الشيعة وآياتهم وطبيعة تكوينهم .. وكم نتمنى أن يدركوا أهمية المرجعية في نشأة وتطور الطوائف والأحزاب والجماعات، ولو أدركوا ذلك لوفروا على أنفسهم هذه الأوقات والجهود التي يهدرونها، وجعلوا القضية الأولى في مسيرتهم الدعوية هي قضية المرجعية.
أما التمويل المادي لحزب الله فقد تكفلت به قيادتهم في إيران، ويقول المختصون بالشأن الإيراني أن هذه المساعدات بلغت في بداية رئاسة رفسنجاني الثانية حوالي [280 مليون دولار]، وهذا غير السلاح والعتاد الحربي الذي كان يشحن لهم عن طريق سورية، ومن الأرقام الأخرى التي تذكر [12 مليون] في الشهر، ويقول علي نوري زاده: بلغت المساعدات عام 1993 [160 مليون].
وجاء في كتاب الحروب السرية:
"بلغت الأجرة الشهرية للمقاتل خمسة آلاف ليرة لبنانية، وهي أعلى أجرة تقاضاها مقاتل في لبنان عام 1986...".
ولو نظرنا إلى الجانبين: الاقتصادي والاجتماعي في حزب الله لوجدنا أنفسنا أمام دولة وليس أمام حزب: فمن المؤسسات التعليمية إلى المؤسسات الصحية، إلى مؤسسات البناء والتجارة، وغير ذلك كثير.(1/428)
مع العلم أن مساعدة إيران للفلسطينيين لازالت محدودة جدًا، بل صرح أحد قادة الفصائل الفلسطينية أنهم لا يصلهم دولار واحد من إيران، وأن هذه التصريحات الإيرانية هي لدغدغة مشاعر الجماهير وللاستهلاك المحلي فقط، و لتحقيق مكاسب إعلامية وسياسية؛ وكمثال على ذلك ما وعدت به إيران حكومة حماس؛ حيث قال وزير الخارجية الإيراني في مؤتمر صحفي في طهران: (إنّ إجراءات المساهمة بخمسين مليون دولار لا تزال في مرحلة صنع القرار (بعد أربعة أشهر من الوعد).. ولم يتم سداد المبلغ الذي تحدثت عنه)!
ج- المرحلة الأولى من مسيرة الحزب:
تأكد عندنا فيما مضى أن حزب الله مؤسسة إيرانية في ثوب لبناني، وهذا يعني أنه لا بد لنا من استعراض الأوضاع العامة في إيران لنتعرف من خلالها على أهداف هذا الحزب في مرحلته الأولى.
كانت إيران في عام 1982 [وهو العام الذي تأسس فيه الحزب] تخوض حربًا شرسة مع العراق، وكانت الكفة قد بدأت تميل لمصلحة العراق، ولم يكن ذلك متوقعًا، لأن عدد سكان إيران ثلاثة أمثال عدد سكان العراق، ونسبة الشيعة العراقيين تتجاوز 40% قليلاً، وكثير من هؤلاء سيكونون "طابورًا خامسًا" لمصلحة إيران، وكان شاه إيران قد ترك للآيات جيشًا قويًا، وأسلحة متطورة.
إيران كانت تعتقد أن العراق ما كان ليتفوق عليها لولا الدعم المادي الذي كان يتلقاه من دول الخليج، وبشكل خاص من السعودية والكويت، وهذا الاعتقاد صحيح لأن دول الخليج كانت مهددة من إيران التي رفعت شعار تصدير الثورة منذ تولي الآيات زمام الحكم، وكانت تدافع عن نفسها من خلال المساعدات التي تقدمها للعراق.
وإذن: فإن أهداف الحزب في مرحلته الأولى لن تتجاوز ما يلي:
1 - تصدير الثورة الإيرانية للبنان، ومر معنا فيما مضى مقابلة حجة الإسلام فخر روحاني سفير إيران في بيروت، وقوله الذي نقلته عنه النهار: "لبنان يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية".(1/429)
وهذا الهدف - تصدير الثورة- توليه إيران عناية خاصة وتقيم لأجله الحروب، ولولا تصدير الثورة لما وقعت حرب إيران مع العراق، وإن ادعى الإيرانيون بأن العراق هي التي بدأت هذه الحرب.
2 - توجيه ضربات موجعة لكل من السعودية و الكويت لدعمهما العراق في حربه ضدها.
وبالفعل ففي 12/12/1983 هزت الكويت سبعة انفجارات: ثلاثة منها وقعت في مصالح أمريكية، وثلاثة أخرى في مؤسسات كويتية هي: الشعيبة الصناعية، ومبنى المراقبة والتحكم الآلي التابع لوزارة الكهرباء والماء، وبرج المراقبة في مطار الكويت الدولي، والانفجار السابع أمام مقر السفارة الفرنسية في حي الجابرية السكني.
وفي عام 1985 تعرض الأمير الشيخ جابر الأحمد لمحاولة اغتيال عندما اعترضت الموكب سيارة مفخخة في عملية انتحارية لم يكتب لها النجاح، ونجا الأمير من الموت بأعجوبة.
- وأما السعودية فقد حاولوا إثارة الفتن أثناء حجهم إليها و ابتدعوا في حجهم ما أسموه "مسيرة الوحدة" والبراءة من الشيطان، وكان الحجاج الإيرانيون يحملون معهم الأسلحة وهكذا حولوا موسم الحج إلى ساحة حرب، ففي عام 1987 سقط عشرات القتلى، وامتلأت مستشفيات ومستوصفات مكة بالجرحى.
* * *
هذه بعض الأعمال الإرهابية التي نفذها حزب الله في المرحلة الأولى التي أعقبت تأسيسه، وكانت البيانات التي تصدر بعد كل عملية تنسب إلى: منظمة الجهاد الإسلامي، أو منظمة العدالة الثورية، أو المقهورون في الأرض، وكلها أسماء وهمية ليس لها أصل، يقول صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لحزب الله: "تضم الجهاد الإسلامي كل الذين يريدون التستر خلف اسم ما دون الإعلان عن هويتهم".(1/430)
ومن جهة أخرى فقد كان الغرب والشرق يعلم أن حزب الله هو الذي ينفذ هذه العمليات نيابة عن إيران، وكانت بعض الدول الغربية تضطر إلى التفاوض مع إيران بشكل سري، من أجل إطلاق سراح المخطوفين، ولعل كثير من المتابعين ما زالوا يذكرون فضيحة "إيران جيت" التي كشفها جناح آية الله حسين المنتظري عن طريق مجلة الشراع اللبنانية، وتعرض صاحبها لمحاولة اغتيال بسبب نشره لأسرار هذه الصفقة بين إيران - الثورة الإسلامية - وبين الشيطان الأكبر.
إيران كانت تدعي أن الأمريكان هم العدو رقم (1) للإسلام والمسلمين، وأنه لا مجال لأي لقاء أو تفاهم أو حوار بينهما، وأمريكا التي تتشدد في مقاطعة إيران زعيمة الإرهاب في العالم، ثم يكتشف العالم قضية الطائرة الأمريكية التي هبطت في مطار طهران، وهي محملة بقطع الغيار، وعلى متنها وفد من كبار المسئولين في البيت الأبيض، أرسلهم الرئيس الأسبق "ريجان" للتفاوض مع نظرائهم من مساعدي الخميني.
ولسائل أن يسأل: ما هي علاقة حزب الله بالأعمال الإرهابية التي وقعت في الكويت وفي السعودية؟!.
والجواب: حزب الله هو العضو الأهم في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وهذا المجلس هو الذي كان ينظم العمليات الإرهابية في الجزيرة وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، وفي جميع هذه العمليات كان يجري اعتقال لبنانيين من أعضاء الحزب.
ومن جهة ثانية (وهذا هو الأهم) فقد كان يجري تدريب المنظمات الشيعية الإرهابية في لبنان، وكان حزب الله ينظم عمليات تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى إخوانهم في الجزيرة العربية، ففي عام 1987 اكتشف حكام الخليج (12) ألف قطعة سلاح بين بنادق كلاشينكوف، وقواذف صواريخ آر بي جي، ورشاشات ثقيلة ومتوسطة، واحتجت كل من السعودية والكويت والإمارات عند حافظ الأسد لأن بعض ضباط أمنه كانوا متورطين مع حزب الله في هذه العملية..
د- المرحلة الثانية من مسيرة الحزب:(1/431)
حدثت أمور مهمة على الساحتين اللبنانية والعربية، من أهمها:
1 - أنهى المؤتمر اللبناني الذي عُقد في مدينة الطائف السعودية، حالة الفوضى، وعادت الدولة لتبسط نفوذها على الأرضي اللبنانية غير الخاضعة للاحتلال.
ولم يكن حزب الله راضيًا عن مؤتمر الطائف لأنه قطع الطريق على قيام جمهوريتهم الإسلامية في لبنان، ولهذا فلقد عمت مظاهراتهم التي تهاجم السعودية والوهابية مختلف المدن التي ينتشرون فيها، وإذا كانت السعودية قد ضغطت على الفرقاء اللبنانيين من أجل نجاح المؤتمر، فما علاقة ذلك بالإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته التوحيدية الإصلاحية؟!.
أجل، لا بد أن يبرز الحقد الرافضي الباطني على ألسنة القوم، وعلى جميع مواقفهم وأفعالهم، وما تخفي صدورهم أعظم وأخطر.
2 - وافقت إيران الخميني على إنهاء حربها مع العراق، وهذا يعني خروجها من هذه الحرب مهزومة.
إذن: لا بد وأن يكون الهدف الجديد متناسبًا مع ما جد من أمور مهمة، كما لا بد وأن تشارك أطراف ثلاثة في رسمه: إيران وسورية والحزب.
فسورية التي تحتل معظم الأراضي اللبنانية من مصلحتها أن تحارب الكيان الصهيوني بقوات حزب الله، لتجبرها على الانسحاب من الجولان، وعقد معاهدة سلام معها، ومن مصلحتها أيضًا ألا تعود قوات المجاهدين السنة إلى جنوب لبنان، لأن عودتها تشكل خطرًا على النظام النصيري في دمشق، وفضلاً عن هذا وذاك، فإن دعم حزب الله يضمن عودة القوات السورية إلى بيروت، التي أجبرت على الابتعاد عنها بعد اجتياح قوات الصهاينة لبيروت وجنوب لبنان.
وإيران لا تزال تصر على تصدير الثورة، لكنها سلكت طريقًا آخر يختلف عما كان عليه الحال أيام الخميني، فأسلوب المواجهة الذي اتبعه إمامهم فشل وعاد عليهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.(1/432)
أما الأسلوب الجديد الذي سلكه رفسنجاني فليس فيه أي استفزاز للعرب، وعلى العكس فإنه يعتمد على الشعارات التي يفتقدها جمهورنا، ومن هنا جاءت دعوتهم إلى تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية، ورفع راية الجهاد في سبيل الله، ومساعدة الهيئات والجماعات السنية التي ترفع هذا الشعار، وبالتالي لا تستطيع الحكومات العربية والأجنبية تجاهل إيران ودورها في معاهدات السلام العربية مع الكيان الصهيوني، وسيبقى لبنان بوابة إيران إلى البلدان العربية، وسيبقى حزب الله الجهة الوحيدة المنتدبة من أجل تحقيق أهداف إيران وطموحاتها.
حصر حزب الله جل اهتماماته في مقاومة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، وعادت سورية إلى بيروت كما كانت وأشد.
ومن الصلاحيات الجديدة والمتعسفة التي مارسها النظام نزع سلاح الأحزاب والميليشيات إلا سلاح حزب الله، وإغلاق فضائيات الأحزاب إلا "تلفاز حزب الله"، ومنعت الجماعات الإسلامية السنية والأحزاب الوطنية من الجهاد في الجنوب اللبناني، وكانت هذه الجماعات قد أدت دورًا مهمًا في مقاومة الاحتلال، وأوقعت خسائر فادحة في جيش العدو المحتل، باعتراف الكيان الصهيوني نفسه كما سيأتي في حقيقة انتصار حزب الله عام 2000م، وقدمت عددًا كبيرًا من الشهداء، فلماذا يمنعون من الجهاد في سبيل الله؟!
ألأنهم من أهل السنة؟!، وإذا كان قادة حزب الله وزعماؤهم في طهران يدعون أن ثورتهم لجميع المسلمين؛ فلماذا هذا التعصب الطائفي ضد بقية فصائل المسلمين؟!!
وبلغ دعم إيران للحزب أوجه في هذه المرحلة، فقد جاء في تقرير وجهه أحد الدبلوماسيين الأوربيين إلى حكومته في مطلع صيف 1986، وكشف فيه أبعاد اللعبة السورية، ما يلي:(1/433)
"تقوم طائرات الشحن الإيرانية من طراز بوينج 747 بالإقلاع والهبوط ثلاث مرات في الأسبوع، على طرف مدرج مطار دمشق، ناقلة حمولات غامضة، فالبضائع التي تفرغ عبارة عن أسلحة خفيفة مرسلة إلى [حراس الثورة] الذين يشرفون على تدريب أتباع حزب الله في معسكر زبداني بالقرب من دمشق، أو في المعسكرات الكائنة في منطقة بعلبك. أما البضائع المحملة فهي مدافع هاون وصواريخ مضادة للطيران من طراز سات. كذلك يحفل ميناء اللاذقية بنشاط من هذا النوع".
وهذا الدعم الذي كان حزب الله يتلقاه من سورية وصنيعتها - الحكومة اللبنانية - ومن إيران، لا يمنعنا- كما سبق في أول كلامنا- من إعادة القول: لقد قاتل الحزب قوات الاحتلال الصهيوني قتالاً ضاريًا، وكان القادة نماذج حية لجنود الحزب، فالأمين العام الأسبق عباس الموسوي، قتل وهو يتفقد المواقع في فبراير 1992، والأمين العام الحالي حسن نصر الله فقد ابنه في إحدى المعارك، وأثبت الحزب أنه من حيث التدريب والإعداد في مستوى المهمة التي انتدب لها.
ومما يجدر ذكره أن النجاحات التي حققها من أجل تحرير الجنوب جعلت الناس ينسون أو يتناسون أعماله الإرهابية التي كانت في وقتها حديث العالم كله، وكذلك ينسون أو يتناسون الأهداف التي أنشئ لأجلها الحزب ودوره الخطير في تصدير الثورة الإيرانية و دعم المشروع الرافضي الإيراني في المنطقة، ومع تحسين صورته في أعين الناس فقد تحسنت صورة إيران.
المحور الثاني: حقيقة وحجم انتصار حزب الله في الجنوب اللبناني عام 2000وآثاره:(1/434)
يقول الكاتب اليهودي (آريه ناؤور) [معاريف: 26/5/2000]: "عندما بدأت حرب لبنان- أي سنة 1982- سميت [حملة سلامة الجليل] وكان يفترض بالحملة أن تستغرق 48 ساعة، على عمق 40 كيلومترًا، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن لمجموعة من كبار الضباط على مشارف بيروت: أنتم تعرفون جيدًا أنني ما كنت سأصادق على حملة تنطوي على عدد كبير من الإصابات تزيد على بضع عشرات من جانبنا، وبعد وقت قصير من ذلك ارتفع عدد ضحايانا إلى 500، فأغلق بيجن على نفسه في بيته ولم يجد ما يواسيه، ولشهامته- وهل في اليهود شهم!!- لم يتهم أحدًا، وفي آخر مرة يظهر فيها أمام مركز الليكود قال: إنه يجري في لبنان مأساة، ومنذئذٍ ارتفع عدد ضحايانا ضعفين وأكثر..".
وهنا بثور سؤال: من الذي أوقع هذا العدد الكبير من قتلى اليهود الذين بلغوا [500]، كما يقول الكاتب اليهودي [آريه ناؤور] ؟!
أما حزب الله فلم يكن قد ظهر إلى الوجود عام 1982، و أما حركة أمل فقد كانت تقف في الطرف المعادي للذين أحسنوا إليها - منظمة التحرير -، فلم يبق إلا أهل السنة من الفلسطينيين واللبنانيين، وما كانت القوات النصيرية بقادرة على منعهم لأنها قابعة على الحدود السورية اللبنانية.
هذه هي مسألة اجتياح الكيان الصهيوني للأراضي اللبنانية .. وهذه هي أهداف حملة سلامة الجليل،حيث تلاقت مصلحة الموارنة اللبنانيين مع الكيان الصهيوني؛ فبشير الجميل أراد من وراء هذه الحملة إخراج منظمة التحرير وقوات الجيش السوري من لبنان، وبيجن أراد عقد اتفاقية سلام مع لبنان تنهي حالة الحرب.
إلا أن موقف بشير الجميل بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية تغير من الكيان الصهيوني، و اعتذر عن عقد اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني لأن الوقت غير مناسب، ووعد بالعمل من أجل تهيئة الأجواء التي تسمح بذلك، وصُدِمَ بيجين أكثر من موقف الزعيم الماروني بيار الجميل - والد بشير الجميل - الذي أكد تمسكه بالموقف العربي العام.(1/435)
وتعارضت المصالح الصهيونية مع المصالح المارونية، وسقطت نظرية الزعيم اليهودي "بن جوريون" الذي كان ينادي بدولة مارونية في لبنان تتحالف مع الكيان الصهيوني ضد الإسلام السني العربي، وبعد أن فقدت إسرائيل أي أمل بالموارنة، فقد راحت تبحث عن مخرج لها من ورطتها منذ عام 1982.
ولهذا لم نستغرب أن يعلن باراك عن تعهده بالانسحاب من لبنان فور فوزه بالانتخابات الصهيونية ، ووعد أن يكون ذلك بعد عام واحد، أما لماذا كان الانسحاب قبل شهرين من الموعد المحدد؛ فلأن الكيان الصهيوني أراد تفويت الفرصة على النظام السوري للاستفادة من ورقة ضغط كانت بيده؛ حيث كان حافظ الأسد يعلق آمالاً عريضة على جبهة حزب الله مع الكيان الصهيوني، وإذا طالبت حكومة باراك المسئولين اللبنانيين بتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة كان الرد السوري واللبناني: الانسحاب من لبنان والجولان صفقة واحدة لا تتجزأ، وبعد تكرار هذا الرد، أرادت حكومة باراك سلب سورية هذه الورقة الوحيدة التي تستخدمها في الضغط على الكيان الصهيوني، وجاء اتخاذ هذا القرار بعد فشل مفاوضات واشنطن، وفشل لقاء الأسد مع كلينتون في سويسرا.
وفوجئت سورية بقرار الانسحاب، وحاولت استغلال عدم انسحاب الكيان الصهيوني من مزارع "شبعا"، فجاءت التهديدات الصهيونية بأنها ستعتبر سورية مسئولة عن أي هجوم يشنه حزب الله بعد الانسحاب، وستهاجم البنية العسكرية السورية في لبنان، وأنها ستضرب الجسور المقامة على طريق دمشق بيروت السريع، ومنشآت سورية رئيسة في بيروت ووادي البقاع [عن رويتر 24/5/2000].(1/436)
فما كان من الأسد إلا التراجع!! وسكت الجميع عن مزارع "شبعا" والتي يقدر عدد سكان هذه المنطقة بحوالي (70 ألفاً) وهم من أهل السنة.. ثم تغيرت المواقف، وصارت أجهزة إعلام حزب الله وكل من حكومة: لبنان وسورية وإيران، تتغنى بهذا النصر الكاسح الذي حققه الحزب، وقال نصر الله فيما قاله: إن عصر الهزائم العربية قد انتهى، وعاد السكان إلى قراهم. وتولى حزب الله حفظ الأمن في الجنوب فلم تطلق رصاصة واحدة باتجاه الجليل.
هذه هي حقيقة هذا الانتصار الذي حققه حزب الله ومن يقف وراءه آنذاك.. وهذه صفحات موجزة تحكي المأساة التي صنعها الثنائي الإيراني النصيري في لبنان.. وهذه هي مأساة أهل السنة في هذا البلد المنكوب المحتل.
ثمار الانتصار العظيم !!!:
وأما عن ثمار هذا الانتصار العظيم بالنسبة للأمة والمقاومة ؛ فيحدثنا عن بعضها سلطان أبو العينين أمين سر حركة فتح في لبنان؛ حيث يقول: لقد أحبط حزب الله أربع عمليات للفلسطينيين خلال أسبوع ، وقدمهم للمحاكمة .
ويقول أيضا: نعيش جحيما منذ ثلاث سنوات ، ومللنا الشعارات والجعجعة!!!.
وكان ذلك التصريح بعد ثلاث سنوات من الانتصار العظيم!!
وسيأتي ذكر مزيد الآثار العظيمة لهذا الانتصار العظيم قريباًً.
وأما على المستوى الصهيوني؛ فيحدثنا عن ذلك القوم أنفسهم حيث امتدحت جريدة هآرتز في 6/7/2006 الأمين العام للحزب بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية، وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي...!!(1/437)
وأما على مستوى المشروع الطائفي الرافضي؛ فسبق ذكر بعض هذه الآثار وكيف أن كثيراً من الجماعات والهيئات الإسلامية السنية قد أقاموا المهرجانات والاحتفالات وأرسلوا برقيات التأييد والتهنئة لقادة حزب الله مشفوعة بأسمى آيات التبجيل والتعظيم .. وسبق ذكر قول أحد قادة هذه الجماعات لحسن نصر الله: إنك مجدد هذا العصر، وقول آخر له: إنك قدوة لشباب الإسلام .. يحدث هذا وملايين الناس يستمعون!!
فكيف يكون أثر هذه المواقف و تلك التصريحات وغيرها كثير في تقديم وتصدير المشروع الرافضي وعقيدته؟!!
ألا يحق لأتباع هؤلاء القادة الذين ابتليت بهم أمتنا في آخر هذا الزمان أن يقولوا: هذا والله هو الإسلام [الشيعي] وهؤلاء هم الرجال والقادة والعلماء!!
المحور الثالث: التاريخ يعيد نفسه:
واليوم يعيد التاريخ نفسه لطبيعة متلونة لذلك الحزب وبطولة موهومة ينتصب لها دومًا في ظل تغييب الأبطال الحقيقيين عن الميدان.
إنها الطبيعة المتلونة لفعاليات حزب الله، التي تنطفئ عامًا، وتشتعل يومًا، لتعود وتنطفئ من جديد، ومع ذلك فإن انعكاساتها العميقة على المجتمع والدولة والجوار العربي، تعطي الحق للجميع لمناقشتها.
لو كان لفعاليات الحزب صفة الديمومة كالمقاومة العراقية وشقيقتها الفلسطينية؛ لو كانت فعلاً تنسجم مع العنوان؛ لو عرف لماذا تبدأ حينما تبدأ، ولماذا تنطفئ، لو أنها حق مباح لكامل الطيف اللبناني ـ ولا نقول العربي ـ؛ لو أنها تتحرك بقرار يشترك فيه الآخرون المعنيون، وليست مفاجآت تصلهم من المذياع.
لو أنها هذه وتلك، لهانت الأموال والأنفس والبنى التحتية والاقتصاد، ولما نبس أحد ببنت شفة، كما هو حادث في العراق وفلسطين، اللتان لا يعزّ فيهما شيء ما دامت الأرض تحت الاحتلال.(1/438)
لكنها فعاليات متقطعة، تنطق باسم اللبنانيين وهم ممنوعون منها ومحجوبون عنها، وتنطق باسم العرب والمقدسات، وفلسطين ليست على أجندتها [الاستراتيجية وليس الإعلامية]، وواقع الحال يشير إلى أنها فعاليات حدود شريطية، مداها الآيديولوجي والعسكري أقصر مما تبلغه صواريخ الحزب، يحرم من قرارها اللبنانيون، ويطالبون بتسديد فاتورتها، بدمائهم وأقواتهم وأمنهم، ولا يحصد أوسمتها سوى حزب الله وإيران وسوريا.
الأهم من ذلك، أنها لا تأتي إلا متزامنة مع ظروف سياسية، ومع الحاجة إلى أوراق جديدة لفك أزمة أو تحريك جمود في المواقف، وإلا فالحزب كما يقول أمينه العام السابق صبحي الطفيلي، خفر حدود، يحرس حدود إسرائيل الشمالية، التي هي أكثر حدودها أمنًا، رغم أنها الوحيدة التي تقع تحت سيطرة مليشيات شعبية وليس جيشًا نظاميًا.
أي أن هدنة الحزب مع إسرائيل تنظمها تفاهمات مع الدولة الصهيونية، لكن فعالياته لا تضبطها مشورة مع الدولة اللبنانية.
وقد ألمح السيد نصر الله أكثر من مرة منذ بدء القتال الحالي، إلى أن قواعد اللعبة قد تغيرت، أي أنه هناك بالأساس لعبة وقواعد، لكن التغير الذي تحدث عنه نصر الله ليس على الإطلاق، فمصفاة حيفا وتل أبيب اللتان تقعان ضمن مدى صواريخ الحزب 'حيّدتا' [اللفظ للسيد نصر الله] ولم تقصفا حتى هذه اللحظة.
وقد كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس قد طلبت من إيران الضغط على حزب الله بعدم قصف الهدفين، وهو الحلقة الأهم في هذا الصراع:
ما قاله الطفيلي وطالبت به رايس وسعت من أجله طهران، شهد به الكيان الصهيوني لحزب الله، فقد امتدحت جريدة هآرتز في 6/7/2006 الأمين العام للحزب بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية، وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي، وهو اليوم يتعقل فلا يضرب المنشات الحيوية لإسرائيل كما صرح بذلك.(1/439)
وقال حسن نصر الله في تجمع حضره مائة ألف في الجنوب بعد الانسحاب: إننا لسنا مسئولين عن فلسطين .. كما ذكرت ذلك صحيفة النهار اللبنانية .
وسبق كلام ( سلطان أبو العينين ) أمين سر حركة فتح في لبنان: لقد أحبط حزب الله أربع عمليات للفلسطينيين خلال أسبوع وقدمهم للمحاكمة، ويتابع: نعيش جحيمًا منذ ثلاث سنوات ومللنا الشعارات والجعجعة.
ومطلب رايس له أكثر من دلالة، منها: فهو مؤشر لا يحتمل الخطأ على المكان الحقيقي لغرفة عمليات حزب الله، وأن قنوات أمريكا مع إيران مفتوحة على الدوام، رغم الملف النووي، ورغم كل ما يقال، وأن هامش التفاهم قائم وفاعل، وفقًا لعقلية البازار الإيرانية، التي تسير مع الزبون إلى آخر خطوة، ما دام أن في النهاية كسبًا يرتجى من الصفقة.
وهنا يتبادر سؤال طبيعي وتلقائي: أمَا وقد بدأت الحرب المفتوحة، فهل ستتحول إلى حرب تحرير طويلة الأمد مثلاً؟ أم أنها ستنتهي كسابقاتها بوقف إطلاق نار مفاجئ، يحدد موعده الكيان الصهيوني، متبوعًا باتفاقية أمنية جديدة، بتفاهمات إقليمية هذه المرة لا علاقة لها بمصالح الأرض التي يدور عليها القتال، ولا يكون قد تبقى لدينا سوى الخرائب؟
رسائل حزب الله التي يبعثها عبر هذه المزاجية المتلونة:
أيا كانت الإجابة على السؤال السابق فإن هناك مجموعة من الرسائل أراد حزب الله بعثها من خلال مغامرته الأخيرة وهي:
الرسالة الأولى: وهي أهم رسالة وأخطرها يبعث بها حزب الله إلى العالم الخارجي عبر مقاومة مزاجية، هي رسالة مؤداها أنه دون غيره من يحمل المسؤولية ويرفع السلاح وسط تخاذل الآخرين، وما ذاك إلا من واقع المذهب الذي يعتنقه، الذي ينبغي أن يكون مذهب المرحلة الراهنة، وما سواه مذاهب خائرة.(1/440)
هذه الرسالة لها وللأسف رواج كبير في الشارعين العربي والإسلامي، وقليل من يعلم، أو يريد أن يعلم، أن الشاب اللبناني المسلم السني، أو الفلسطيني على أرض لبنان، أو الحركات الإسلامية والوطنية، تُرَدّ رغبتهم في المقاومة، أفرادًا وجماعات، بل إن هذا الشاب لا يأمن على نفسه في مناطق نفوذ الحزب إن هو قرر الذهاب لهذه الغاية.
قليل من يدرك، أو يريد أن يدرك، أن الحزب يقف سدًا منيعًا أمام مقاومة يشد إليها الرحال من جميع أطراف لبنان، ولا نقول أنحاء الوطن العربي أو العالم، كما الحال في العراق، الذي تطوى الصحاري وتقطع الأنهر والوهاد للوصول إليه.
والرسالة الثانية: والخطيرة أيضًا فهي اقتران اسم المقاومة اللبنانية، التي هي حكر على الحزب، بعناوين المقاومة الرئيسة في المنطقة، وتحديدًا مقاومة الشعب الفلسطيني، فلا تذكر حماس إلا ذكر، وذكرتا معهما إيران ودمشق، ويترسخ في الأذهان عنوان كبير اسمه 'محور المقاومة في المنطقة' طهران - دمشق - حزب الله + غزة.
هذا المحور مرشح لملء فراغ سياسي في المنطقة، أو هكذا تسعى طهران. وهو محور حقيقي، وليس دعائيًا، فإن بين أطرافه الحقيقية [إيران - حزب الله - سوريا] من القواسم التاريخية والطائفية، والرؤى المستقبلية المشتركة، ما يمكنه من التماسك والاستمرار.
كما تجتمع بين أطرافه مقومات البنية القوية، من كثافة بشرية، وثروات طبيعية ومائية، بالإضافة إلى الاتصال الجغرافي بين أجزائه الذي حصل بسقوط العراق.
على الرغم من وجود هذا المحور نظريًا، منذ سني الحرب العراقية - الإيرانية، إلا أنه دخل مرحلة التنفيذ الفعلي على الأرض بسقوط العراق.(1/441)
وكما يقول الأستاذ ربيع الحافظ المحلل السياسي المعروف: يمكن القول إن دخول المحور الثلاثي حيز التنفيذ، وانفتاح الممر الجغرافي من خراسان شرقًا إلى شواطئ المتوسط غربًا، مثل بداية عملية إعادة تكوين للتركيبة السياسية في المنطقة، هي الأولى منذ سايكس - بيكو، ونشوء دائرة نفوذ سياسي جديدة، بزعامة غير عربية، موازية للمنظومة العربية الآفلة.
فثمة تشابه بين المنطقة العربية في ظل انهيار المنظومة السياسية العربية، وانفراط العقد العربي، ودولة إيران من جهة. وبين أوربا الشرقية في أعقاب انهيار المنظومة الاشتراكية، وأمريكا من جهة أخرى؛ ففي كلتا الحالتين منظومة إقليمية منهارة، ودول تبحث عن مدار سياسي جديد، ودولة كبيرة تتربص للتوغل في منطقة التخلخل وملء الفراغ السياسي لصالحها.
وتوقيع سوريا لاتفاق التعاون العسكري مع إيران، ودنوها المنتظم من المدار السياسي والاقتصادي الإيراني، ووثوقها بالآصرة السياسية الفارسية الفاعلة على المسرح السياسي الإقليمي والعالمي، للعب دور الجامعة في المنطقة، على حساب الآصرة العربية المنحلة، يبرز المعالم الأولية للاصطفاف السياسي الجديد في المنطقة.
والحضور الإيراني في سوريا لن يتوقف عند الجانب العسكري، فستتبعه المؤسسة الأمنية الإيرانية وباقي مؤسسات المجتمع المدني الإيراني، التي ستتغلغل في زوايا المجتمع السوري. وما فعلته سوريا، غيرها أولى به من الدول الأصغر، والكيانات الانفصالية الطازجة و'الفدراليات'، التي ازدهرت بعد سقوط العراق.(1/442)
في المقابل نجد محور [الرياض - الكويت - عمان - القاهرة ] المنبثق من أطلال النظام السياسي العربي، وكانت عمان قد حذرت من نشوء هلال شيعي في المنطقة، وهو الذي أيدته مصر بالحديث عن ولاء الشيعة العرب لإيران على حساب دولهم، لكنه جهد قليل متأخر، وربما مفاجئ للشارع العربي، نظراً لعدم انسجامه مع ثقافة قومية أو قطرية فرضتها الدولة العربية الحديثة على هذا الشارع ورسختها على مدى تسعة عقود.
الأهم، هو أن التحذير لا يحمل مشروعًا، ولا يتخذ من الشعوب شريكًا له، ولم يسند إلى مؤسسات متخصصة لنقل مهمته من صيغة إعلامية إلى صيغة طوارئ ميدانية؛ لذا لا يتوقع أن يكون تحذيرًا فاعلاً في مواجهة المحور الآخر، الذي يحظى ببرنامج ثقافي وفكري وإعلامي متكامل ومتطور وإمكانيات هائلة.
بل إن الدول العربية قد ساهمت في خدمة المشروع الإيراني بتسهيلها وسكوتها عن العدوان الأمريكي على العراق فأخلّت بتوازن استراتيجي تفتقده المنطقة حاليًا فأصبح العراق خاضعًا لاحتلالٍ فارسيٍ صفويٍ بالدبابة الأميركية!.. في حين دفنت الدول العربية رؤوسها في الرمال مثل النعام.
مع هذا كله نقول: ليس الطريق ممهداً أمام إيران ومحورها ؛ نظراً في وضع أخلاقي وفكري حرج أمام الشارع العربي، لاسيما بعد حرب احتلال العراق، وانكشاف شراكة طهران والمرجعيات الشيعية في المشروع الأمريكي الإقليمي. وتبقى الحاجة قائمة لديه لإعادة تأهيل أخلاقي وآيديولوجي وبناء للمصداقية.(1/443)
الوجه الآخر للعقبة الأخلاقية، هو أن أطراف المحور الثلاثة تمثل أقليات مذهبية، ولَغت جميعها في دماء الأغلبية؛ بدءاً بالنظام السوري الذي سحق مدينة حماة، وهمش سنّة لبنان. وحركة أمل التي نكبت الفلسطينيين في مخيمات بيروت، التي خرج من عباءتها حزب الله، وحمامات الدم الإيرانية مع سنة العراق وعربه، وشراكتها المعلنة في إسقاط دولتين جارتين مسلمتين تحت احتلال أجنبي، هما أفغانستان والعراق، ودور المرجعية الشيعية في التمهيد السياسي للاحتلال ثم التقعيد الفقهي لإدارته وحكوماته.
أمام هذه المعطيات تمثل حماس بما ترمز إليه من معاني الجهاد والمقاومة والتضحية والصمود، حجر الزاوية في هيكل إعادة المصداقية للمحور. وبالأدق، هي الوقود الذي سيستهلكه صاروخ المحور في عملية الانطلاق، ولن تكون حماس [المحاصرة عربيًا وماليًا والمستغلة إيرانيًا] بتكوينها المذهبي والفكري، ومنطلقاتها وغاياتها المختلفة كليًا عن المحور، سوى جزء المركبة الفضائية التي يرمي به نظام الملاحة إلى الأرض ثانية حال استواء المركبة في مدار التحليق الحر.
حاجة الغرباء (مع عروبة المنطقة ومذهبها العام) إلى حماس ماسة، لكن منافسة حماس ـ خلال فترة زواج المتعة السياسي ـ على رصيدها في المقاومة، ومصداقيتها المحلية والعربية والعالمية، ومكانتها في الإعلام، ونجاح مذهبها السياسي والفقهي في إدارة شؤون شعبها، نقول: منافسة حماس في هذه المضامير مجتمعة هو حاجة ماسة أخرى، وهذه هي مهمة حزب الله، الذي يبقى أداة إيران لحجب الشمس، وخلط الأوراق كلما دعت الحاجة.
الحصاد المر!!:
لقد راحت السكرة وجاءت الفكرة. لكننا نبدو نحن العرب والمسلمين غير قادرين عن الخروج من السكرة.
سقطت الصواريخ على مدن الكيان الصهيوني، نعم. الكيان الصهيوني هرع إلى الجدر والقرى المحصنة، نعم. غبطة في الشارع العربي، نعم.(1/444)
ولكن ما من أحد من شعوب الأرض أعلم منا نحن العرب والمسلمين، أن هذا جميعه سينتهي، طال الزمن أو قصر، مثلما انتهى في المرات السابقة، وأن العواطف ستخبو، ولن يبقى حولنا سوى الخرائب واليتم والتشرد.
وضرب حزب الله ضمن عمليته الرتوش الأخيرة [ الانسحاب عشرة كيلومترات إلى الوراء، مبادلة تل بجبل، استرداد مزرعة، اقتسام مصدر مياه، تحديد الترسانة العسكرية] للصيغة النهائية لخريطة الشرق الأوسط الجديد، ومنها تحديد نفوذ الشركاء، ليس تناقضًا مع السياق الآنف الذكر.
فبين المعسكرين الأمريكي والإيراني ـ الذي يشكل حزب الله نتوءه في بلاد الشام ـ مساحات وفاق تام، ومساحات خلاف، وقد تجلت الأولى في أوضح صورها في المراحل الرئيسة من عملية إعادة تشكيل المنطقة، بدءًا بإسقاط أفغانستان تحت الاحتلال الأمريكي، ثم العراق، ودور إيران المباشر والجراحي فيهما، وهو دور لا تنفيه طهران بل تعلنه، وقبلها 'إيران ـ جيت' مع الكيان الصهيوني.
جيوب الاختلاف والتنافس الذي يلي الانتصار هو الوجه الأصعب، وهو الذي يحرص كل طرف على الخروج منه بأحسن النتائج، في صورة أقرب ما تكون إلى اختلاف السراق على السرقة بعد اقتحام المنزل. وهذه الجيوب قد تكون نفطًا أو أرضًا أو تقنية نووية أو نفوذًا سياسيًا أو منفذًا بحريًا، أو شيئًا آخر لا يقصد لذاته، وإنما ورقة لكسب أمر قد لا يكون منظورًا.
الصراع على الجيوب، هو الذي سيحدد نوع الصواريخ التي يطلقها حزب الله على الكيان الصهيوني، وأهدافها ومداها وكثافتها، وشروط قبول وقف إطلاق النار.
أما دمار لبنان الذي تحقق منذ اليوم الأول، فهو العربون الذي يفتتح به 'البازار' وتنطلق به عملية خذ وهات.(1/445)
أخذًا بالاعتبار ما قاله الطفيلي وأكدته صحيفة هآرتز، مضافًا إليه الضعف الأمني للدولة اللبنانية، فإن الاستئصال الأمني الكامل لحزب الله لن يصب في المصلحة الأمنية للكيان الصهيوني، فزوال الحزام الأمني العازل الذي يشكله الحزب بين الكيان الصهيوني وباقي لبنان، الذي حفظ السلام في الجليل الأعلى، يعني عودة التماس الجغرافي مع قطاعات الشعب اللبناني والفلسطينيين، التي تختلف مع مدرسة الحزب السياسية والمذهبية، ومع رؤيته إلى طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي احتل هذا الكيان الغاصب من أجله جنوب لبنان في عام 1982، وأوجد جيش لبنان الجنوبي، ذا الأغلبية الشيعية، الذي لم يثبت فاعلية في حماية مناطقها الشمالية من عمليات المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية التي كانت تنشط قبل وصول حزب الله وتوقفت تمامًا بمجيئه.
الحدث الذي يختصر الأمر كله في المنطقة التي يدور على أرضها القتال اليوم، ويضع حساباتها في إطار أكثر وضوحًا، هو استقبال لبنان لجيش الكيان الصهيوني الغازي في عام 1982 بأذرع مفتوحة، والذي اعتبرته جيش التحرير، ونثرت الورود على دباباته الذاهبة للقضاء على المقاومة الفلسطينية والوطنية اللبنانية.
والنتيجة هي خروج الجبهة اللبنانية من الصراع الآيديولوجي، وخروج الصراع من بُعده العربي والإسلامي، وتوقفه عند خط الحدود الدولي. وهو ما عنته صحيفة هآرتز في معرض تقويمها لدور الحزب في إدامة السلام في الجليل الأعلى.(1/446)
على المدى البعيد نسبيًا، فإن زوال حزب الله بالكامل يعني ـ من المنظور الصهيوني ـ تحول لبنان إلى منطقة أمنية رخوة، وقبلة لفصائل المقاومة الإسلامية التي تجوب العالم بحثًا عن نقطة تماس مباشرة مع ما تعتبره العدو الحقيقي، وما تعده أيضًا تجسيدًا لخطابها السياسي، الذي ينتقده خصومه على أنه ينشط بعيدًا عن جغرافية المواجهة الحقيقية، وهو ما فعلته بعد سقوط العراق، وتواجه دورًا من قبل المليشيات الشيعية المحلية والوافدة شبيها بدور حزب الله الذي تحدثت عنه صحيفة هآرتز، وفي ذلك إضاءة أخرى على خلفيات موقف السيد نصر الله من المقاومة العراقية.
لا أدق في هذا السياق مما ذكره كاتب لبناني نصراني عن طبيعة المدرستين بالقول: 'نضال حزب الله قروي، ونضال الآخرين [السنة] قاري'. بعبارة أخرى، ستبقى حاجة الكيان الصهيوني قائمة إلى حزام أمني طائفي يعزلها عن محيط الأغلبية ذات المنطلقات والرؤى المختلفة.
ومع هذا فليس من المستبعد وجود تنسيق بين دول عربية والكيان الصهيوني لضرب حزب الله، للتخلص من ظاهرة التمرد على الدولة العربية العاجزة التي يمثلها حزب الله بأجندات خارجية، لكن الخسارة الكبرى والضحية النهائية لهذا التنسيق، إن وجد، هم العزل من النساء والشيوخ والأطفال، وهو لبنان الذي خرج لتوه من دمار الحرب الأهلية، وعادت إلى محياه البسمة، ليدخل مرة أخرى في دمار مماثل. هذه هي الخسارة، وهؤلاء هم الضحية، وليس أحدًا آخر.
وهذه الجماهير السادرة بل و أكثر الإسلاميين لازالوا سكارى إلى حد الثمالة بمنظر صواريخ حزب الله التي تسقط على مدن الكيان الصهيوني، وعاجزين عن استرداد الوعي ولو للحظات لتواجه فيها نفسها بسؤال سهل: ألسنا في عالم أُلف فيه تعاضد قوى التحرر، وإن تباينت المنطلقات والغايات؟ فضلا عن قيم العرب والمسلمين في التعاضد والتآزر؟!!(1/447)
فبم يفسر موقف السيد نصر الله المعلن والمناوئ للمقاومة العراقية، التي يفترض أنها تحارب عدوًا مشتركًا هو أمريكا وإسرائيل؟ سوى أنها تحارب في نفس الوقت مشروعًا إيرانيًا شعوبيًا، يمثل حزبه نتوءه في بلاد الشام؟
الذاكرة الجماعية العربية والإسلامية !!:
ما أقصر ذاكرتنا الجماعية!!لم ينقض عام بعد على تلك التصريحات، التي صنف فيها السيد نصر الله المقاومة العراقية إلى فريقين: فريق الجنرالات الصدَّاميين التكفيريين الذين يريدون العودة بالبلاد إلى الحكم السابق، وفريق عملاء الأمريكان، بل إنه أقام علاقة وثيقة بين الاثنين، دون ذكر ولو بكلمة واحدة للمقاومة الحقيقية، التي وضعت العصي في دواليب المشروع الأمريكي، وقلبت النظريات العسكرية، وابتدعت فنونًا جديدة في حروب المقاومة، وهي تواجه أكبر جيوش الأرض، وهي المحاصرة برًا وبحرًا وجوًا.
وبرر نصر الله الانتظار والتروي قبل اتخاذ موقف من الاحتلال، مثلما برر اعتماد المقاومة السلمية، وهاجم بشدة مقاطعة الانتخابات، وتبنى جميع العناوين التي يسوّقها الاحتلال الاميركي، مرسخًا بحرفية خطَ السيستاني، ولم يأتِ على ذكر دور الموساد، وسوّق بحماس المطلب الأميركي في مشاركة العراقيين في الاستفتاء على دستور الاحتلال، الذي لا يعترف بحق المقاومة ويرسخ تفكيك العراق إلى كانتونات طائفية.
يتساءل المرء متعجبًا مشدوهًا مصدومًا: كيف يُنسى هذا كله في عجالة كهذه؟ أين الذاكرة الجماعية من ساحة المقاومة الحقيقية، التي تواجه جيوش الدنيا، لغاية واضحة، ولا تضع الرصاصة في الجيب الأيمن، ومسودة وقف إطلاق النار في الجيب الأيسر؟ أم أين الذاكرة من صمود عشرين عامًا من مقاومة الشعب الفلسطيني المحاصر، وصواريخ تصنع في المطابخ؟ خط الدفاع الأخير.(1/448)
كيف تنشغل الذاكرة الجماعية بمناوشات حدودية، من غير الواضح لماذا تبدأ، ولماذا تتوقف، بل قد بدأ الحديث عن توقفها. وكيف يتحول إنسان في النظرة الجماعية، بين يوم وليلة، من منظّر لآليات مشروع الاحتلال الصهيو ـ أمريكي، مبرر لها ومجاهر بها، إلى زعيم للأمة يطلق اسمه على المواليد الجدد!
السياق هنا ليس عن العواطف، فلا تشكيك بمشاعر الشعوب العربية والإسلامية، وإنما سياق المصير، فالصين وروسيا واليابان وألمانيا وغيرهم تبدو أكثر عمقًا في نظرتهم إلى المقاومة في العراق، وتعتبرها خط دفاعها الأخير الذي سيحسم مصائرها في القرن الجديد أمام عربدة الامبراطورية الأمريكية، وعلى هذا الأساس تتصرف وتحسب.
لن نقول: إن الصواريخ التي سقطت على الكيان الصهيوني لن تترك ندبًا نفسية مزمنة عند المستوطن اليهودي، مثلما سببت الصواريخ العراقية في حرب عام 1991، ولا أنها لم تقدم برهانًا على تفاهة الدولة الصهيونية، وأنها ساقطة بالمفهوم العسكري، وأنها لن يكون لها انعكاسات سلبية على الهجرة اليهودية من وإلى فلسطين. لكنها صواريخ لن تغير واقعًا فكريًا مزمنًا قائمًا على الأرض، لأنها صواريخ موسمية، ولا تنطلق من فكرة، فلن ترتطم بفكرة في الطرف الآخر، بل ينتهي مشوارها بارتطامها بالأرض وهذا ما يحدث.
نحن العرب والمسلمين ـ لاسيما النخب منا ـ بحاجة إلى مراجعة حقيقية لطرائق تفكيرنا، واتخاذ مواقفنا في لحظات المصير وزحمة العواطف، فقد كانت العاطفة والسطحية، والسذاجة أحيانًا، سمة الندوات التحليلية والحوارية وبرامج الإثارة السياسية في الفضائيات العربية منذ بدء الأحداث.(1/449)
ولضعف ذاكرة جماهيرنا ونخبنا فإننا نعود ونذكر بما أشرنا إليه عن التاريخ الميمون والسيرة العطرة لسيد المقاومة الجديد- كما يسميه البعض- وموقعه في حركة أمل التي نكبت الفلسطينيين أكثر مما يفعل الكيان الصهيوني اليوم، والتي كان ضمن صفوفها قبل قيام حزب الله، وعلاقته اللصيقة والوثيقة والمعلنة بخميني إيران وتصريحه بهذه التبعية والمرجعية.
إن فهم الطبيعة المتلونة لذلك الحزب واستفاقة من الثمالة ولو يسيرة من شأنها أن تجيب عن تساؤلات وتناقضات في واقع هذا الحزب كثيرة؛ سندرك كيف يستقيم أن تكون إيران ـ الأب الروحي لحزب الله ـ شريان حياة لأمريكا والكيان الصهيوني في العراق، وسمًّا مميتًا لهما في لبنان؟ وأيهما هو الموقف الحقيقي؟ أم أن كليهما حقيقي؟ لأنه لا تعارض بين الاثنين؟!
سندرك كيف يستقيم أن يحمل حزب الله بندقية المقاومة بيد، وبوقًا بالأخرى ينعت فيه المقاومة العراقية بأعلى الصوت بالتكفير والعمالة للأمريكان؟ ثم لا يقول كلمة واحدة ـ بنفس البوق ـ عن مظالم المسلمين في سوريا المجاورة، التي يصف نظامها بالشقيق، ويصمت عن حراستها لجبهة الجولان ولصناعة الاصطياف الصهيونية فيها؟ أم أن البندقية والبوق وجهان لظاهرة صوتية واحدة؟
لعله قد انجلى شيء من الضباب؟ وأخذت مواقف وتصريحات السيد نصر الله مدلولها الصحيح وحجمها الحقيقي و أبعادها الموضوعة لها.
لعل العاطفة الهوجاء للجماهير المندفعة تضع قدمها في الطريق الصحيح، وينجلي عن ساستها ونخبها العشى السياسي، وعمى الألوان، الني تكاد تفقدها القدرة على التمييز.
ومع رؤيتنا هذه للأحداث والأهداف؛ فإننا نؤكد أنه ليس في السياسية صواب مطلق أو خطأ مطلق، ولكن الحقائق المتعاضدة والتسلسل المنطقي الذي اعتمده هذا التحليل يجعله صوابًا يحتمل الخطأ.(1/450)
فإذا كانت الأولى، فإن حزب الله يكون قد جنى على لبنان وقدمه قربانًا لمصالح إيران الإقليمية، وإذا كانت الأخرى، فيكون هو القربان، الذي جنى على نفسه وعلى لبنان في آن واحد، بقبوله بدور الذراع لإيران، وأدوار الوكالة التي لا تخدم المحيط الذي يوجد فيه، لتبيعه إيران ضمن صفقة إقليمية شاملة، وتتركه للدمار مقابل مكافأة أكبر، أقرب إليها وأبعد عن الكيان الصهيوني، هي العراق.
وموقف كهذا ليس مستغربًا على إيران من وجهين:
الأول: انتظام مصالحها السياسية بشكل طبيعي وتاريخي في إطار مصالح القوى السياسية الدولية في المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام، منذ الانقلاب السياسي الصفوي الذي نقلها إلى المذهب الشيعي.
الثاني: نوازعها القومية والشعوبية، فلن يشفع لشيعة لبنان العرب ـ عندما تحين اللحظة السياسية المناسبة لها ـ حبٌ لآل البيت أو حداد على الحسين، ولهم في ذلك أسوة في إخوتهم شيعة الأحواز العرب، الذين تعاملهم إيران معاملة الكيان الصهيوني ليهود الشرق، وكذلك في العشائر الشيعية العربية في العراق المبعدة عن القرار الديني والسياسي لصالح الفرس المستوطنين في العراق، وفي شيعة أذربيجان، الذين اصطفت إيران ضدهم في نزاعهم مع الأرمن، لا لشيء سوى أنهم أتراك.
وبهذا السيناريو تصبح الدولة الصهيونية على بعد 500 كيلومتر من أقرب كيان عربي ذي اعتبار عسكري، فمصر التي تفصلها سيناء المنزوعة السلاح غربًا، والعراق المنزوع الأسنان وتحت الضمانات الإيرانية شرقًا، وسوريا وشهادة حسن السيرة والسلوك لثلاثة عقود ونيف من حفظ السلام في الجولان شمالاً، وإلى حين صدور الخريطة الجديدة للمنطقة بتقسيماتها الجديدة، نبقى مع هذا السيناريو.(1/451)
وعندئذ تكون سفينة المقاومة الفلسطينية الوحيدة المبحرة، على بعد مئات الكيلومترات عن أقرب الشواطئ، والتي يؤمّل إغراقها في عرض البحر بعيدًا عن أنظار خفر السواحل، وخارج مدى فرق الإنقاذ، ليسدل الستار على آخر أشكال المقاومة في المنطقة. إنه الشرق الأوسط الكبير.
ويبقى احتمال ثالث وهو أن تكون طهران قد أخطأت هذه المرة في حساباتها وتقديراتها وأنها استعجلت حتفها بظلفها؟ فتكون لطمة يوجهها الشيعة لأنفسهم كما تعودوا في كل عاشوراء؟
فتكون هذه الحرب هي" الحرب التي قد تنهي كل الحروب في لبنان وتنقلها إلى إيران"، كما خلص إليه عدد من المسئولين والباحثين الغربيين في تحليلهم.
وأما المحور الرابع: من هذه المحاضرة وهو بيت القصيد منها هو الإجابة عن هذا السؤال: ما الموقف الصحيح من هذه الأحداث؟:
للإجابة عن هذا السؤال الهام لابد أولاً من التأكيد على عدة أمور:
الأول: أن هناك قدرًا متفقًا عليه بين الجميع.
الثاني: أن هناك قدرًا هو محل اختلاف غير سائغ.
الثالث: أن هناك قدرًا هو محل اختلاف سائغ.
أما القدر المتفق عليه: فهو أننا مع كل عملٍ يؤذي العدو اليهودي الغاصب ويُضعفه ويضع من هيبته!.. وينالُ من العدوّ اليهودي ونفرح به..
ومن المتفق عليه أيضًا: أن من دين المؤمن وأخلاق المسلم نصرة المظلومين والسعي في فكاك المأسورين وعون المحتاجين في كل مكان وزمان، فإن الله تعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى في رفع الظلم والوقوف مع المظلومين، وما ثناؤه على حلف الفضول إلا مثال لذلك.
وهذا الأمر يقوم به المسلم دون غفلة منه عن طبيعة الأحداث ومؤدياتها ومعرفة بحقيقة المشاركين فيها وطبيعة أدوارهم.(1/452)
وعليه، فلا شك في وجوب الوقوف في وجه المعتدي الظالم وردعه والأخذ على يديه، والوقوف مع المنكوبين والمستضعفين في فلسطين ولبنان والعمل على دعمهم ومساندتهم وإغاثتهم بما يمكن، بعيدًا عن المزايدات الحزبية الرخيصة ، والمتاجرة بمشاعر الأمة وعاطفتها الجياشة، والاندفاعات العشوائية غير الشرعية ، والعواطف الهوجاء.
وهنا يتبادر سؤال هام يخطر ببال كثير من الشباب، وربما سأله البعض لمن لا يحسن الإجابة عليه، ومن ثم تحدث عواقب وخيمة، على الشخص والدعوة والأمة كلها دون تحصيل أية مصلحة في الغالب تتناسب مع هذه المفاسد: وهذا السؤال هو:
هل السفر للجهاد حيث كان فرض عين؟
فالجواب: أولا لابد أن نعرف أنه من المتقرر في كتب الفقه أن الجهاد فرض عين إذا دهم العدو بلدًا من بلاد المسلمين (أي فرض عين على أهل تلك البلدة) فإن لم يكفِ أهل تلك البلدة لدفع العدو، امتد الوجوب إلى البلدة التي تليها أو تجاورها، فإن لم يكْفوا وجب الجهاد على من يلي تلك البلاد، حتى يعم الوجوب المسلمين في كل الأرض، إذا لم يمكن دفع العدو بما دون ذلك من البلدان.
وهذا الحكم لا مجال لإنكاره، فهو مدون في مذاهب الفقهاء، ولكن كلامنا يتعلق بنقاط يجب تأملها عند كيفية تطبيق ذلك في واقعنا، حتى يتوافق عملنا مع علة هذا الحكم وحكمته؛ إذ هو حكم أريد به تحقيق النصرة ودفع العدو الصائل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هو كغيره من فروض الأعيان، بمعنى أنه لا يخرج عن مناط التكليف وهو القدرة.
وليس العجز محصورًا في العجز البدني عن المقاتلة، بل يشمل أسباب العجز، غير المتعلقة بالعجز البدني عن المقاتلة، كالعاجز عن الوصول إلى ساحة الجهاد؛ لانقطاع الطريق، أو حصول الهلكة فيه قبل الوصول إلى ساحة الجهاد.(1/453)
ولا يقال: إن الجهاد مبني على هلكة النفس والمال في سبيل الله، لأن تلك المقالة إنما تنطبق على الممارسة العملية في ساحة الجهاد، من جهة المعلوم ضرورة من سقوط شهداء في المعركة، وذلك غير مانع للجهاد؛ بل هو من ثمرات الجهاد المباركة؛ إذ المسلم يرجو منه إحدى الحسنين النصر أو الشهادة، أما الهلكة بدون الجهاد؛ كما لو كانت الطريق للجهاد منقطعة، أو مؤدية للهلاك.
فطلب الهلكة في ذلك ليس مما انبنى عليه وجوب الجهاد؛ بل ذلك من مسقطات الإثم عمن لم يجد الطريق الآمن، على نحو إسقاط الله تعالى الإثم عمن لم يهاجر؛ لعدم تمكنه من طريق آمن للهجرة، لما هو فيه من استضعاف وقلة حيلة.
وهذه نقطة هامة، لأن الفقهاء حين نصوا على حالة كون الجهاد فرض عين، إنما تحدثوا عن الأصل العام في الحالة الطبيعية؛ التي لا يحول فيها حائل بين العبد وبين الجهاد، ولم يتحدثوا عن الاستثناءات في حق بعض الأشخاص؛ الذين تلم بهم بعض الأعذار، التي لا يستطيعون معها الجهاد، والتي منها عدم الاهتداء إلى طريق للجهاد، أو وجود من يمنعه من سلوكه.
ومن ثم نعلم أن ما يمارسه البعض من ضغوط على الشباب، بمطالبتهم بالسفر، وإيجابه عليهم كلما وقع جهاد في بلد من البلدان، بناء على تلك النصوص الفقهية، دون اعتبار لحال العجز والتعرض للهلكة، ووجود الموانع، لهو نوع من الاستدلال في غير محله، ينشأ عنه تعرض الشاب للتمزق النفسي، بين شعوره بالعجز، وشعوره بالإثم، في آن واحد؛ لأنه فهم أنه آثم بتركه الجهاد، وفي نفس الوقت يشعر بوجود الخطر المانع له من السفر للجهاد، فإما أن يترك السفر للجهاد، مع تألمه وتأنيب نفسه ليل نهار، بسبب ما دمغه به المنكرون عليه، من الإثم والتخاذل إلى غير ذلك، وإما أن يلقي بنفسه إلى الهلكة، في مجرد السفر مع غلبة ظنه وقناعته بالتعرض للأذى أو الهلاك، دون أن يصل للجهاد، لكنه يفعل ذلك، لينجو من وصمة الإثم والعار، بقعوده عن الجهاد.(1/454)
ثم إذا وقع المحذور، ووجد نفسه في العذاب والأغلال، وهو ما توقعه من قبل، دارت في نفسه صراعات، وهل كان ما فعله هو الصواب أم كان الأفضل التأني؟، وهل كان الجهاد سيقوى به بالفعل، أم كان سفره غير مفيد للمجاهدين؟، وهل كان السفر مع التعرض للهلكة واجبًا عليه بالفعل، ووجب على جميع أمثاله، أم أن الحكم يختلف من شخص لآخر، ومن حال لحال، ولا يعمم حكم واحد على الجميع؟.
إلى آخر تلك الهواجس والتساؤلات، والحوارات والأحاديث، التي تدور وتتصارع داخل النفس، وتحدث فيها من التعب والضنى والتمزق ما تحدثه، لا سيما إذا أوذي بسببه أهلُه وجيرانُه وأصحابُه، من رجال ونساء.
هذا فيما يتعلق بالموانع وحالة العجز، أما ما ذكرناه أولاً مما قرره الفقهاء في تعين الجهاد، واتساع دائرة الوجوب من بلدة لأخرى، حتى يتم دفع العدو والتغلب عليه، فإنما أرادوا به تحقيق النصرة لمن وقع عليهم الاعتداء، والتمكن من دفع العدو الصائل، ولا يليق أن ينفك الحكم عن علته، أو أن يكون غير محقق للمقصود، وهذا نقوله بسبب تغير صور الجهاد وآلاته، وما يحتاجه المجاهدون، وما يمكن به حسم المعركة، وما لا يمكن، إلى غير ذلك مما تتغير به موازين القوى.
فالحكم الذي قرره الفقهاء، يمكن، على سبيل المثال، تطبيقه وتحقيق المقصود منه، إذا خوطبت به دول وحكومات مجاورة لبلد الجهاد، تتبنى قضية الإسلام؛ بحيث يتوفر لأهل البلدة المحتلة ما يمكنهم به دفع العدو بالفعل؛ إذ الغالب في هذا الزمان قيام الحروب على آليات حديثة، أكثر من قيامها على تكثير عدد الأفراد بدون تحصيل تلك الآليات.(1/455)
وذلك بخلاف حروب العرب قديمًا، حين أتتهم رسالة الإسلام؛ إذ كان عمادها المواجهة المباشرة بين الأشخاص، وكل شخص معه سلاحه أو سيفه الشخصي، دون انقسام المجتمع إلى مدنيين وعسكريين، ودون وجود جيوش نظامية، مخصصة للقتال، ومجهزة بصفة مستمرة، بأحدث التجهيزات؛ التي تفوق في قوتها القوة البدنية المجردة، للجموع الغفيرة من الأفراد.
ولهذا نجد أن الناحية العددية كانت الأساس في حسابات القوى في القديم، والسبب الأساس في إلحاق الهزيمة بالخصم، وهذا يمكن تصوره في الحروب الأرضية بالأيدي والسيوف أو الأسلحة النارية ونحوها، أما لو تصورنا مئات المسلمين على الأرض، معهم أسلحة يدوية، ولا يواجهون العدو مباشرة، وإنما تحل بهم قذائف تبيدهم، يتحكم في إطلاقها من بُعد بضعة أفراد؛ ففي تلك الحال، لا يصح أن ينحصر تصورنا للقيام بفرض العين في حشد مزيد من الأفراد، في المنطقة المهاجَمة أو المعتدي عليها.
فالشاهد والمقصود من سوق تلك الصور أو الأمثلة، التنبيه إلى ضرورة فهم الأحكام، وما نص عليه الفقهاء فهمًا دقيقًا متأنيًا، دون تعجل أو اندفاع أو تعميم، يخرج بها عن مقاصدها وعللها وحكمها، أو يؤدي لتحمل وزر فتوى معيبة أو خاطئة من متعجل، يلزم بها شخصًا معينًا بما لا يلزمه، أو يوجب عليه ما لم يوجبه عليه الله ورسوله.
هذا هو القدر الأول المتفق عليه فرحنا بما يصيب العدو الصهيوني، و نصرتنا للمظلوم بكافة سبل النصر المتاحة وفق الضوابط السابقة.
وأما القدر الذي هو محل اختلاف غير سائغ: فهو التهوين من شأن الانحراف العقدي الخطير للشيعة الرافضة.(1/456)
وإغفال الانحراف العقدي الخطير لهذه الفرقة، واعتقادهم بتحريف القرآن ونقصانه وأن القرآن الصحيح غائب مع مهديهم المنتظر، وما تحمله عقيدتهم المنحرفة من حقد دفين وتطاول قبيح على الصحابة الكرام وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها واتهامها صراحة والعياذ بالله بالفاحشة، وسيخرج مع خروجه، ناهيك عن دورهم الخطير والخبيث عبر التاريخ القديم والحديث في التآمر على أهل السنة مع أعدائهم من التتار واليهود والصليبيين، وما سقوط بغداد عنا ببعيد.
من الاختلاف غير السائغ: التعامل مع هذه القضية الخطيرة مع تغييب ثوابت العقيدة وقواطعها وتخدير مشاعر الجماهير الهائجة المتحمسة وإيهامهم أن تحرير الأقصى أنما هو على يد صلاح الدين الجديد سيد المقاومة!!!
هذه الأوهام والأحلام التي يكذبها الواقع والتاريخ بل ولسان حال ومقال صلاح الدين المزعوم نفسه!!!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "كانوا من أعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديما على بيت المقدس حتى استنقذه المسلمون منهم)
وأول عمل أظهر صلاح الدين الأيوبي وعرّف الناس به: هو القضاء على الدولة العبيدية الرافضية في مصر.
وقد عرف حقيقتهم حق المعرفة شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال عنهم قبل سبعمائة سنة في كتابه العظيم: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة: " وكذلك إذا صار اليهود دولة في العراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم، فهم دائمًا يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى، ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم." (منهاج السنة 3/378)
واليوم ... وبعد مرور 700 عام على هذه الكلمات نسمع ونشاهد واقعها في العراق ..(1/457)
وقد تبجح قادتهم أنه لولا مساعدة إيران لما سقطت بغداد وكابول ومنهم رفسنجاني وأبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية الذي أدلى به في ختام مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية سنويًا بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء (15/1/2004).
قال الأبطحي: إن بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق، وأكد أنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة ... ثم استدرك قائلاً: لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة".
وليت شعري كيف حال أولئك الذين هللوا لمجدد العصر كما سماه بعض الجهلاء ذلكم الخميني الذي ظن السذج أن قيام الجمهورية الإسلامية الفارسية على يديه هو أول خطوات تحرير القدس!!
فكان ما جناه أهل السنة على يديه من الاضطهاد والتشريد والتهجير والتقتيل أضعاف أضعاف ما لاقوه على يد الشاه، وحتى لم يعد للسنة مسجد واحد في طهران، على الرغم من أنها تضم على مرأى ومسمع من الحكومة الإيرانية اثني عشر كنيسة، وأربعة معابد يهودية وعددا من معابد المجوس عبدة النار؟
ثم كيف نثق بهم ومهديهم المزعوم سيكون له - حسبما نصت كتبهم - ثلاثة أعمال رئيسة هي:
أ - يضع السيف في [[العرب ]] ويسالم اليهود والنصارى .
ب -يهدم البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف ليبني بدلا عنهما في كربلاء والنجف
جـ - يقيم حكم آل داوود وسليمان ويلغي العمل بالقرآن كما ذكر ذلك الكليني.
إننا عندما نصرح بتلك الحقائق التي ربما يسمعها البعض لأول مرة أو سمع بها دون أن يتصور مدى بشاعتها وخطورتها- نقول: إننا عندما نصرح بذلك يجب أن نفرق بين محتوى خطاب هذا الحزب الرافضي الذي هو من سلالة القوم وحامل عقيدتهم و لوائهم الجديد وبين حقيقته:(1/458)
فما يحمله هذا الخطاب من استنفار للأمة وإحياء مفاهيم الجهاد، وعدم الاعتراف بأسطورة قوة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، وإثبات شيء من ذلك عن أرض الواقع وغير ذلك من معان هي لاشك صحيحة، كذلك فإنه من الظلم إنكار أن هذا الحزب وقيادته وأفراده يضحون لأجل فكرتهم وهدفهم وأنهم أذاقوا العدو الصهيوني خسائر فادحة؛ بل بإمكانه أن يثخن في العدو الصهيوني أكثر من ذلك بما لديهم من صواريخ أشد وأقوى لكنه يجنبها ويحيدها كما صرح نصر الله، وبالطبع هذا حتى لا تنقطع حبال الود كلية و يبقى هناك خط للرجعة، وهو ما أثنت عليه رايس والكيان الصهيوني نفسه.
نقول: كل ذلك لا ننكره بل ينبغي تفعيله والاستفادة منه في إطاره الصحيح والعمل على إزالة الإحباط الذي أصاب الأمة، وهي ترى ذلك التضخيم والتهويل الإعلامي من قوة العدو الصهيوني وآلته، فهاهي ذا ترى بأم عينها كيف أن مجموعة صغيرة لا تبلغ قوتها ولا ترسانتها من الأسلحة معشار ما تملكه أي دولة أخرى - كيف استطاعت أن تدخل هذا الكيان الملاجئ وتصيبه بالرعب؛ وهي التي تحارب لأجل عقيدة باطلة وأهداف طائفية ومشروع فارسي؟!!.
لكن هذا المحتوى شيء والحقيقة التي لا تنفك عن التاريخ القديم والحديث شيء آخر.
أما التاريخ القديم: فسجل الرافضة فيه واضح وضوح الشمس ولم يكن يجادل عنهم أحد كاليوم.(1/459)
وأما التاريخ الحديث: ففتِّشوا في صفحاته كله، فلن تجدوا ما يفيد بأن إيران قد دخلت معركةً أو حربًا مع اليهود .. أو حتى مع أميركا؟! بل سنجد أن إيران التي افتضح أمرها باستيراد السلاح اليهودي والأميركي أثناء الحرب مع العراق .. هي نفسها إيران التي تقود المشروع الرافضي في المنطقة، وهي نفسها إيران التي تمالئ أميركا وتُعينها على استمرار احتلالها للعراق، وهي نفسها التي تُسخِّر النظام السوري لتصفية خيرة أبناء شعبه، وهي نفسها التي تستخدم حزب الله في تدمير لبنان وتهديد أمنه واستقراره، وهي نفسها التي ما تزال عَينُها على الخليج العربي، وهي نفسها التي تحوّل الحركات الفلسطينية إلى ورقةٍ ولعبةٍ تلعبها متى أرادت على حساب أمن المنطقة العربية والإسلامية كلها ..!
لو كان هؤلاء الرافضة جادّين في مقاومة المحتل اليهودي، فلماذا تبقى جبهة الجولان هادئةً وادعةً حتى الآن؟!.
أفيليق بعد هذا ..أن يغتر أقوام بهذا الحزب الرافضي ..ويصفق له بحماس ؟!! وتاريخهم الأسود شاهد على إجرامهم المنظم ضد أهل السنة.
أيليق أن نقبل أن تكون هذه العملية وسيلة لتحقيق المشروع الرافضي، وأن يقومَ الرافضة بالترويج لأنفسهم زورًا وبهتانًا، بأنهم أصحاب المقاومة الباسلة، بينما هم يمالئون الأعداء على رءوس الأشهاد ؟!!
أو أن يتاجر الرافضة بهذه العملية بقضية فلسطين، وفي ذات الوقت يذبحون إخواننا الفلسطينيين في بغداد ..ويستبيحون أرواحَهم ودماءهم وأعراضَهم وأموالَهم ؟!!.
وأما ذلك القدر من الخلاف السائغ فهو: بعد الاتفاق على وجوب نصرة إخواننا المستضعفين المظلومين في فلسطين ولبنان وخطورة العقيدة الرافضية ومشروعها في بلاد السنة؛ ووجوب الحذر والتحذير منها، يبقى بعد ذلك مساحة من الاختلاف المعتبر في بعض المسائل المتعلقة بنصرة المقاومة بجميع فصائلها السنية والشيعية:(1/460)
فيبقى هذا -في رأينا- من مسائل الاجتهاد المرتبطة بالمصالح والمفاسد المتحققة أو التي يغلب على الظن وقوعها؛ فقد يرى البعض في المشروع الرافضي الخطر الأكبر على الإسلام والمسلمين وأن هذا الاختلاف صوري ومؤقت من باب اختلاف السراق على الغنيمة، فهذا قد يسعه أن يرفض دعم حزب الله بأي صورة من صور الدعم ولو بالدعاء، مع التأكيد على القدر المتفق عليه من وجوب نصرة المستضعفين والمظلومين وردع الظالمين بجميع سبل الردع المتاحة. وأن المقاومة التي يشرف المسلم بالانتساب إليها ويسعى إلى دعمها والوقوف خلفها وتأييدها، هي المقاومة التي تنطلق من أسس واضحة ومنطلقات شرعية صحيحة تسعى لطرد المحتل وعودة الأرض لأصحابها ولإعلاء كلمة الله، وتسعى لتطبيق شريعته دون أن يكون لها تعلقات مشبوهة وارتباطات مريبة بوعي منها أو بلا وعي.
وقد يرى البعض الآخر- بعد الاتفاق على خطر الرافضة ومشروعهم الخبيث في الأمة وأهدافهم الحقيقية من تحريك الأحداث - قد يرى هذا الفريق بعد ذلك أن من مصلحة الأمة كسر شوكة العدو الصهيوني أولاً.
وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن رجل يفضل اليهود والنصارى على الرافضة؟
فأجاب:"الحمد لله، كل من كان مؤمنًا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو خير من كل من كفر به وإن كان فى المؤمن بذلك نوع من البدعة، سواء أكانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم، فإن اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام، والمبتدع إذا كان يحسب أنه موافق للرسول صلى الله عليه وسلم لا مخالف له لم يكن كافرًا به، ولو قدر أنه يكفر فليس كفره مثل كفر من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم".
وأخيرًا فإنه ليس من العدل ولا من الحكمة أن يحشر الناس في زاوية ضيقة وأن يخيروا بين خيارين لا ثالث لهما، فإما أن تكون مع هذا الطرف أو مع ذاك، فتستبدل عدوًا بعدو، وخصمًا بآخر.(1/461)
والمسلم، وإن كان يفرح بكل ما يقع في العدو الصهيوني من خسائر وجراحات ونكايات، فلا يلزم من هذا أنه يؤيد كل الأطراف المقاومة في لبنان، أو يقف معها في خندق واحد ويشاركها مشروعها وأهدافها.
كما أن انتقاده المقاومة وبيانه لحقيقتها وحديثه عن أخطائها ومثالبها لا يعني أبدًا أنه يقف مع العدو الصهيوني أو يسكت على جرائمه ويغض الطرف عنها، أو يسوغ له عدوانه الذي يقع في حقيقة الأمر على الشعب اللبناني الأعزل كله، وعلى كافة مناطقه وفئاته.
وبعد؛ فإن الأمة جميعها مطالبة بالعودة إلى ربها ودينها؛ فإننا لا نشك في أن اشتداد البلاء, وتعاظم المحنة إنما هو بسبب ذنوبنا ومعاصينا؛ لذا فإن على الأمة، أفرادًا وجماعات ودولا، أن تعود إلى ربها, وتتوب إليه، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، قال تعالى: ?وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير?.
ثم لتعلم الأمة ولتوقن تمامًا أن تحرير بيت المقدس الذي فتحه عمر رضي الله عنه لن يكون أبدًا على يد من يسب عمر ويطعن فيه!!.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
اللهم رب جبريل وميكال وإسرافيل اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
نسأل الله أن يحفظ إخواننا المستضعفين في كل مكان وأن يرفع عنهم الضر وكيد الكائدين وعدوان المعتدين وظلم الظالمين وأن يعجل بنصره لعباده المؤمنين وأن يخذل الكافرين وأعوانهم في كل مكان.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
******************
احذروا حسن نصر الله وشيعته
د. عبد العزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيقول الله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: 153(.(1/462)
ويقول تبارك وتعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} (النساء : 115) . وحذر سبحانه من كتمان الحق ولبسه بالباطل لتضليل الناس فقال عز وجل: {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة : 42)
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله)) [1]
وقال أيضاً: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدَّق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة ؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة [2]
وهذه الآيات والأحاديث من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى تعليق.
والآيات والأحاديث الواردة في وجوب التمسك بما في كتاب الله عز وجل والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفهم الصحابة رضي الله عنهم كثيرة ومتنوعة، تارةً بالأمر بالتمسك بهما والانطلاق منهما في الولاء والبراء والمواقف والموازين، وتارة بالتحذير من اتباع ما سواهما من آراء الرجال وأهل الأهواء والشبهات في الولاء والبراء والمواقف والموازين.
وإن ما يجري اليوم من أحداث في بلاد الشام، من قتال بين اليهود ومن يسمون أنفسهم حزب الله أو المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان؛ لهو من الفتن والابتلاءات التي يختبر الله عز وجل فيها عقائد المسلمين ومدى ارتباطهم بموازين الكتاب والسنة وبما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.(1/463)
ولقد سقط في هذه الفتنة فئام كثير من الناس، وغرهم ما يسمعونه أو يرونه من مواجهات عنيفة مع اليهود يتزعمها الرافضي (حسن نصر الله وشيعته) وانخدع بذلك الذين يجهلون أو يتجاهلون حقيقة التوحيد والولاء والبراء في الإسلام وحقيقة عقيدة (حسن نصر الله وشيعته الرافضة).
ولأن الفتنة بهذا الحزب الرافضي الصفوي شديدة وكبيرة، كان لا بد لكل قادر من أهل العلم أن يتصدى لها ويكشف اللبس عن الأمة ويبين حقيقة القوم وما يدعون له ويهدفون إليه، ورضي الله عن عمر بن الخطاب حين قال: لست بالخَبِّ ولا يخدعني الخب أي: لست بالمخادع ولا يخدعني المخادع، ويعلق ابن القيم رحمه الله تعالى على هذه المقولة فيقول: (فكان عمر رضي الله عنه أورع من أن يَخدَع، وأعقل من أن يُخدع) (الروح: 244)
ولكي ندرك خطورة ما يجري في وسائل الإعلام الماكرة من تلبيس وتضليل تجاوز خطره شريحة العوام إلى كثير من المثقفين بل وبعض المتدينين والدعاة؛ نطلع على ما يجري اليوم من قلبٍ للحقائق فيما يتعلق بالجهاد والمجاهدين، حيث نرى من يصف المجاهدين الذين يتصدون للكفرة الغزاة في بلاد الرافدين وأفغانستان والشيشان بأنهم إرهابيون ومفسدون!! بينما يرون القتال في جنوب لبنان بقيادة نصر الله الرافضي مقاومةً مشروعة وجهاداً في سبيل الله تعالى.. سبحانك هذا بهتان عظيم! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق والذي منه)) :إن وراءكم سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين... ((الحديث.
ولكشف ما يجري من تلبيس وفتنة على المسلمين بما يسمى حزب الله وأمينه الرافضي حسن نصر الله أسوق الوقفات التالية:
الوقفة الأولى(1/464)
في ضوء الآيات والأحاديث التي سقتها آنفاً، يتبين لنا ضرورة أن يكون مصدر التلقي في الفهم والعقيدة والمواقف وتقويم الأفكار والرجال هو هذا الميزان والقسطاس المستقيم المستقى من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذان من تمسك بهما وجعلهما النور الذي يمشي به في الناس فلن يضل أبداً، ولن تتقاذفه مضلات الفتن ذات اليمين وذات الشمال، وإني لأعجب من قوم معهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة رضي الله عنهم.. كيف يتخلون عن ذلك كله ويستبدلون به العواطف وتلبيس الملبسين وأهواء الرجال؟!..
كالعيسِ في البيداء يقتلها الظما والماءُ فوق ظهورها محمولُ
والآن لنزن هذا الرجل المفتون وحزبه المغبون بميزان الكتاب والسنة ميزان التوحيد والشرك وميزان الهدى والضلال، لكي نعرفَ حقيقة هذا الرجل وحزبه.. هل هو على الحق الذي يحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ أم على الباطل الذي يدعو إليه الشيطان وحزبه؟! وبالتالي نعرف حقيقة جهاد هذا الرجل وحزبه وحقيقة عدائه لليهود.. هل هو في سبيل الله تعالى ؟ أم في سبيل الطاغوت ؟! فأقول وبالله التوفيق:
إن الله تعالى إنما أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن الكريم والنور المبين ليعبد الله وحده لا شريك له وعقد على ذلك الولاء والبراء.. الولاء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين الموحدين، والبراءة من الشرك والمشركين، وشرع الدعوة إلى التوحيد والتحذير والبراءة من الشرك، وأقام من أجل ذلك سوق الجهاد في سبيل الله تعالى، حتى لا تكون فتنة ـ أي شرك ـ ويكون الدين لله وحده لا شريك له .
فهل واقع ما يسمى (حزب الله) وأمينه (حسن نصر الله) هو ما دعا إليه القرآن وجاهد من أجله الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام؟!
إن الجواب على هذا السؤال يتطلب معرفة عقيدة هذا الرجل وحزبه وانتمائهم وحقيقة أهدافهم
من هو حسن نصر الله؟(1/465)
ولد حسن نصر الله في 21/ أغسطس /1960 في لبنان. وسافر إلى النجف في العراق عام 1976 لتحصيل العلم الديني الجعفري، وعين مسؤولاً سياسياً في حركة أمل عند إقليم البقاع، وعضواً في المكتب السياسي عام 1982 ثم ما لبث أن انفصل عن الحركة وانضم إلى حزب الله وعين مسؤولاً عن بيروت عام 1985 ثم عضواً في القيادة المركزية وفي الهيئة التنفيذية للحرب عام 1987 ثم اختير أميناً عاماً على إثر اغتيال الأمين العام السابق عباس الموسوي عام 1992 مكملاً ولاية سلفه، ثم أعيد انتخابه مرتين عام 1993 و 1995 م.
وردت هذه الترجمة في مقدمة حواره مع مجلة الشاهد السياسي العدد 147 في 3/1/1999 م [3]
ومن هذه الترجمة المختصرة للرجل يتبين لنا أنه شيعي رافضي محترق، يدين بالمذهب الإثني عشري الجعفري السائد في إيران، ينصره ويدعو إليه، ولذا اشتهر (بخميني العرب) لأنه يريد إقامة دولة الرفض في بلاد العرب كما أقامها الخميني الهالك في بلاد الفرس، يقول مفتي جبل لبنان السني: (حزب الله بوابة إيران إلى البلدان العربية.
ويبقى التعريف بالرجل ناقصاً حتى نعرف أصول المذهب الإثني عشري الجعفري الذي يفتخر بالانتماء إليه والجهاد من أجل التبشير به ونشره..
يقوم هذا المذهب على أصول كفرية شركية لم تعد خافية على من له أدنى متابعة لكتب القوم في القديم والحديث، وكذلك من يتابع مواقعهم وما سجل عليهم من الوثائق المسموعة والمرئية في حسينياتهم ومناسباتهم السنوية[4] ومن أخطر أصول هذه النحلة التي ينتمي إليها حسن نصر الله وحزبه ما يلي:
1- اعتقادهم العصمة في أئمتهم الإثني عشر، وغلوهم فيهم حتى عبدوهم من دون الله، وصاروا يحجون إلى قبورهم ويطوفون بها ويستغيثون بمن فيها، ويعتقدون أنهم يعلمون الغيب وأن ذرات الكون خاضعة لتصرفهم كما صرح بذلك الخميني في (الحكومة الإسلامية).(1/466)
2- اعتقادهم بتحريف القرآن ونقصانه وأن القرآن الصحيح غائب مع مهديهم المنتظر، وسيخرج مع خروجه وهم اليوم يقرءون القرآن الذي بين أيدي المسلمين حتى يخرج قرآنهم وذلك بأمر من علمائهم وآياتهم.
وقد يقول قائل : إنهم ينفون ما ينسب إليهم من القول بتحريف القرآن فنقول: إن هذا مثبت في كتبهم والتي هي مرجعياتهم ككتاب (الكافي) للكليني وكتاب الطبرسي (فصل الخطاب) وهما إمامان معتبران عند الرافضة، فإذا كانوا ينفون ما ينسب إليهم فليصرحوا ببراءتهم ممن يقول بتحريف القرآن الوارد في هذين الكتابين وغيرهما، وليحكموا بكفر من قال بهذا.. وهذا ما لم ولن يقولوه .!
3- سب الصحابة رضي الله عنهم وتكفيرهم وخاصة سادتهم وشيوخهم كأبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما وكذلك زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم الصديقة عائشة رضي الله عنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أنهم يكفرونها ويقذفونها بالزنا.. قاتلهم الله أنى يؤفكون!.
4- توليهم في تاريخهم القديم والحديث لليهود والنصارى ومظاهرتهم لهم على أهل الإسلام، ومساعدة الغزاة لتمهيد الطريق لهم إلى غزو بلاد المسلمين، وما أخبار ابن العلقمي وممالأته للتتار في غزوهم للعرق بخافية على أحد، وكذلك ما قاموا ويقومون به في هذا الزمان من التعاون مع الغزاة الأمريكان في احتلال العراق وأفغانستان، وما زالوا عيوناً للغزاة وحماةً لهم ومظاهرين لهم في قتل أهل السنة وتصفيتهم.(1/467)
وهذه الأعمال والمعتقدات الآنفة الذكر لم تعد سراً وفي طي الكتمان كما كانوا يخفون من قبل، بل إنها أصبحت مفضوحةً سواء باعترافهم أنفسهم، أو بما حُصل عليه من الوثائق الدامغة التي تدمغ تقيتهم وتبين كذبهم.. هذا واقع الشيعة الرافضة الإثني عشرية التي ينتمي إليها ( حسن نصر الله وحزبه المخذول ) فهل بقي عذر لمن انخدع واغتر بالشعارات الكاذبة التي يرفعها هذا الرجل وحزبه؟! وأنه يدافع عن الأمة! ويقاتل اليهود نيابة عنها! ويضرب عمق الدولة اليهودية! ويجاهد في سبيل الله!!..
إن هذا الرجل بهذه المعتقدات الشركية التآمرية لو تمكن ( لا قدّر الله ) فإنه سيقيم دولة الرفض والتشيع التي تقوم على الشرك الأكبر وسب الصحابة رضي الله عنهم وتكفير أهل السنة وبالتالي استئصالهم وإبادتهم كما هو الحاصل في العراق اليوم: ((كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ)) (التوبة : 8(
ومع ذلك يوجد في أبناء المسلمين من يثق به ويعول عليه ويتمنى أن ينتصر!.. فمتى نفيق من غفلتنا يا قوم ؟ ومتى يكون ميزاننا في الولاء والبراء والحب والبغض وفي تقويم المواقف والرجال هو كتاب ربنا عز وجل ؟! ومتى نتخلص من موازين العواطف والشعارات الزائفة والدجل والتلبيس ؟ ..!
الوقفة الثانية
يقول بعض الناس: إن هذا الرجل وحزبه هو الذي ثبت اليوم أمام اليهود بعد أن خنع الجميع دولاً وأحزاباً، وهو الآن يلحق ضرراً شديداً بالعدو باعتراف اليهود أنفسهم، فكيف نعاديه وهو يضرب عدو الأمة ؟! ألا نفرح بإلحاق الضرر باليهود؟!. وهذه شبهة وفتنة لا شك، لكنها لا تنطلي إلا على من ينظر للأمر بنظرة سطحية وعاطفة متسرعة، متجاهلاً أصول القوم وعقائدهم وأهدافهم.
ولتفصيل الجواب على هذه الشبهة أقول وبالله التوفيق:(1/468)
أولاً: إن أي ضرر يلحق باليهود في رجاله وعتاده يفرحنا بلا شك، لكنه لا يغرنا وينسينا ثوابتنا ، وننساق مع عواطفنا لنقول: إن من يضرب اليهود فهو أخونا وولينا!.. بل نفرق بين من يجاهد في سبيل الله تعالى ويريد نشر التوحيد والسنة كإخواننا المجاهدين في فلسطين فهذا نتولاه ونفرح بنصره، وأما من كان على غير التوحيد وعنده أهداف مبيتة، فلا نتولاه ولا ننصره، وإن كنا نفرح بضربه للعدو حتى يضعف، كما نفرح بضرب العدو له حتى لا يتمكن وينشر الشرك والرفض في الأرض، ولسان حالنا يقول: اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرج الموحدين من بينهم سالمين، وإذا قلنا: إننا نفرح بضرب العدو للرافضة؛ فإننا نقصد رموزهم ومواقعهم ولا نقصد العامة من المسلمين من الأطفال والنساء والأبرياء، فإن هذا يحزننا ولا يفرحنا.(1/469)
ثانياً: هناك مؤامرة كبيرة في المنطقة ، ولعبة ماكرة تديرها إيران وسوريا اللتان تدعمان (حسن نصر الله وحزبه) وهما اللتان دفعتا به لهذه المواجهة، ومفاد هذه المؤامرة وملخصها: ((أن هناك مشروع صفوي شعوبي كبير يراد تنفيذه في المنطقة، وقد بدأ يأخذ مساراً تنفيذياً متسارعاً منذ بدء اجتياح العراق واحتلاله أمريكياً وصفوياً وصهيونياً، فقبل أشهر عدة أُعلن في دمشق عن انطلاق تحالف استراتيجي إيراني سوري ضم إليه حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية، وتتواطأ معهم الحركات الشيعية العراقية من منطلق طائفي مذهبي، فتحول هذا التحالف المشبوه الجديد إلى مشروع سرطاني شديد الخبث، يفوق خطره على أمتنا الإسلامية خطرَ الكيان اليهودي نفسه، ولكي يكون لهذا المشروع الخبيث غطاء مقبول لدى شعوب المنطقة المسلمة، فلا بد من تسريع خطاه وتمكينه من اللعب بعواطف الجماهير المسلمة، وليس هناك أفضل من قضية فلسطين واللعب بها وعليها وفيها حتى تتوارى خلفه النوايا الحقيقة لأصحاب هذا المشروع الصفوي الخطير الذي مر بنا أهم أصوله الاعتقادية الكفرية العدوانية آنفاً، وخلاصة أهداف هذا المشروع الخطير هو السيطرة على العالمين العربي والإسلامي بدأً من إخضاع منطقة الهلال الخصيب ( بلاد الشام والعراق ) وذلك باجتياحها (ديموغرافياً) ومذهبياً وتبشيرياً صفوياً ..
ثالثاً: أما لماذا جاءت هذه المواجهة بين (رافضة لبنان) واليهود في هذا الوقت فلعدة اعتبارات عند القوم أهمها:(1/470)
1- اشتداد عمليات التطهير الإجرامي العرقي والمذهبي، التي تقوم بها الميليشيات الصفوية العراقية في العراق، بما في ذلك عمليات إبادة وحشية ضد السكان الفلسطينيين، وعمليات تهجير لأهل السنة من جنوبيّ العراق (البصرة لم يبق فيها إلا 7% من أهل السنة بينما كانوا أكثرية منذ عشرات السنين، ونسبتهم كانت 40% قبيل الاحتلال الأمريكي) !.. فضلاً عن انكشاف زيف شعارات الرئيس الإيراني (نجاد) الداعية لإزالة إسرائيل من الوجود !.. وجهاد الشيطان الأكبر (أمريكا) !! في الوقت الذي أثبت أهل السنة أنهم هم المجاهدون الصادقون الذين يقاومون الغزاة في أفغانستان والعراق والشيشان، وكذلك المقاومة الفلسطينية وهي سنية بطبيعة الحال خطفت الأضواء بأنها الوحيدة في ساحة الصدام مع الكيان الصهيوني، وذلك بعد عملية (الوهم المتبدد) وخلال عدوان (أمطار الصيف).. إذ وصل الكيان الصهيوني إلى طريق مسدود لتحقيق أهدافه ضد الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة!.. وهذا كله أدى إلى فضح الرافضة الصفويين وأنهم عملاء للغزاة المحتلين وخطف الأضواء عنهم، فكان لا بد من عمل يعيد لهم اعتبارهم ويغطي على فضائحهم.
2- انكشاف تواطؤ حزب الله ضمن تواطؤ حليفه الإيراني.. مع الاحتلال الأميركي ضد المقاومة العراقية ودخول الحزب في لعبة تشجيع الميليشيات الصفوية العراقية وتدريبها، وهي نفس الميليشيات التي تقوم بعمليات إبادة الفلسطينيين وأهل السنة في العراق ..!
3- بداية انتكاسات لحملات التشييع في سورية ولبنان، انعكاساً لانكشاف مواقف أركان الحلف الصفوي الشعوبي الداعم للصهاينة وللاحتلال الأميركي المرفوض شعبياً.. ثم بروز بوادر الاصطدام على النفوذ بين المشروعين: الأميركي، والفارسي الصفوي.. في العراق ..!(1/471)
لذا كان لا بد من فعل يحرف الأضواء والأنظار عما يجري في العراق بحق أهل السنة والفلسطينيين على أيدي الصفويين الشعوبيين، ولا بد من خطف الأضواء من المقاومة الفلسطينية السنية التي كشفت عجز الجيش الصهيوني، ولا بد من استعادة الثقة بعمليات التبشير الشيعي في المنطقة، ولا بد من إعادة الاعتبار لأكذوبة ( نجاد ) بدعوته لإزالة إسرائيل ومقاومة الكيان الصهيوني، ولا بد من التغطية على تواطؤ حزب الله بالعمل ضد المقاومة العراقية، ولا بد من خلط الأوراق في لبنان لصالح الفوضى التي هدد بنشرها رئيس النظام السوري بشار الأسد.. لا بد من كل ذلك ولو على حساب لبنان.. كل لبنان. الرسمي والشعبي.. ولو أدى العبث واللعب إلى تدميره ..!
فلذلك.. ولتحقيق كل هذه الأهداف.. قام حزب الله ـ ثالث ثالوث المشروع الصفوي الفارسي بعمليته أو مغامرته الأخيرة ضد الكيان الصهيوني!..(1/472)
هل نحن ضد عملية تنال من العدو الصهيوني؟!.. لا.. مطلقاً، نحن نفرح بكل عمل يؤذي الكيان الصهيوني الغاصب ويضعفه ويضع من هيبته!.. لكننا لا نقبل أن نُخدع ولا نقبل أن تندرج هذه العملية في مسلسل تحقيق أهداف المشروع الأخطر من المشروع الصهيوني في بلادنا، ولا نقبل أن يتاجر القائمون بهذه العملية بقضية فلسطين، في نفس الوقت الذي يذبحون فيه الفلسطينين ويستبيحون أرواحهم ودماءهم وأعراضهم وأموالهم في بغداد.. ولا نقبل مطلقاً أن يعبث الصفويون بأمن سورية ولبنان في سبيل تحقيق أهدافهم الدنيئة.. ولا نقبل أبداً أن يتم تدمير لبنان وتقتيل أبنائه وأطفاله ونسائه، بتحريض واستفزاز يمارسه أصحاب المشروع الصفوي الفارسي وينفذه أصحاب المشروع الصهيوني.. ولا نقبل أن يقوم الصفويون الجدد بالترويج لأنفسهم زوراً وتزييفاً، بأنهم أصحاب مشروع مقاوم، بينما هم يمالئون المشروعين الأميركي والصهيوني على رؤوس الأشهاد وفي وضح النهار.. ولا نقبل في أي وقت من الأوقات أن تنحرف الأنظار عن جرائم الصفويين بحق أهلنا وشعبنا المسلم في العراق.. ولا نقبل أن تستخدم مثل هذه العمليات المشبوهة، في كسب الوقت لبناء القنبلة النووية الإيرانية الصفوية، التي ستستخدم لخدمة المشروع الشرير ضد العرب والمسلمين، وضد أوطانهم وثرواتهم وأموالهم وأعراضهم!..(1/473)
فتشوا في أوراق التاريخ كله، فلن تجدوا ما يفيد بأن إيران الفارسية قد دخلت حرباً أو معركة مع الصهاينة.. أو حتى مع (الشيطان الأكبر) أميركة؟!.. لن تجدوا في التاريخ حرفاً واحداً يفيد ذلك، بل سنجد أن إيران التي افتضح أمرها باستيراد السلاح الصهيوني والأميركي أثناء الحرب مع العراق (فضيحة إيران غيت).. هي نفسها إيران التي تقود الحلف الصفوي التوسعي الاستيطاني التبشيري الجديد، وهي نفسها إيران التي تمالئ أميركة وتعينها على استمرار احتلال العراق، وهي نفسها التي تستخدم حزب الله في استجرار تدمير لبنان وتهديد أمنه واستقراره، وهي نفسها التي ما تزال عينها على الخليج العربي، وهي نفسها التي تحتل الجزر الإماراتية العربية الثلاث، وهي نفسها التي تحول الحركات الفلسطينية إلى ورقة ولعبة تلعبها متى أرادت على حساب أمن المنطقة العربية والإسلامية كلها!..[5]
الوقفة الثالثة
وأخصص هذه الوقفة بما ندفع به الإحباط واليأس عن نفوسنا وعن المسلمين، وذلك بالقول بأنه وإن كانت الأحداث موجعة ومدلهمة لكن لعلها مؤذنة بانبلاج الصبح، وذلك لما نشهده من انفضاح مستمر ومتزايد لسبيل المجرمين والمنافقين، وبيان لموقف الموحدين وثباتهم وصدقهم، وهذا أمر حتمي يسبق نزول نصر الله تعالى.. أي أن محق الكافرين وتمكين المؤمنين الصادقين؛ لا بد أن يسبقه فترة ابتلاء وتمحيص يتميز فيها المؤمنون الصادقون عن الكافرين والمنافقين ومن في قلبه مرض، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وهذا هو الذي يحدث الآن وقبل هذا التميز لا ينزل نصر الله عز وجل.(1/474)
وشيء آخر يبث الأمل في النفوس ولا يجعلها في رعب وخوف من المجرمين وكيدهم ألا وهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} الأنفال(36).
ولعل في هذه الأحداث التي أراد الرافضة أن تخدم مشروعهم الصفوي التوسعي في المنطقة أن ينقلب الأمر عليهم، وتكون بداية النهاية لهم والسحق لمشروعهم الإجرامي الكبير، وسنة الله عز وجل أن البقاء للحق وأهله، والباطل ذاهب زاهق، قال سبحانه: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} ((الأنبياء: 18))
وقال سبحانه: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} الرعد (17)
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل الحق وأنصاره وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر والحمد لله رب العالمين .
-----
(1)أخرجه مالك في الموطأ في القدر باب النهي عن القول بالقدر بلاغاً وقال الأرناؤوط في جامع الأصول 1 /277 لكن يشهد له حديث ابن عباس عند الحاكم 1/93 بسند حسن فيتقوى به
(2) رواه ابن ماجه ( 4036 ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3261 ).
(3) انظر لمعرفة المزيد عن ( حزب الله ) كتاب: ( حزب الله رؤية مغايرة ) للأستاذ: عبد المنعم شفيق.
(4) انظر موقع ( البينة ) في الشبكة العنكبوتية لترى الأدلة والوثائق الدامغة على أصولهم الشركية وتكفيرهم وسبهم للصحابة رضي الله عنهم.(1/475)
(5) نقلاً عن المقال الرائع (تعانق المشروعين الأمريكي والصفوي في العراق والمنطقة وأهداف حزب الله) د. محمد بسام يوسف باختصار وتصرف يسير في 21/6/1427هـ
***************
استغاثة عاجلة من سنة لبنان من جحيم الشيعة في الجنوب
عام :العالم العربي والإسلامي :الثلاثاء 21 رجب 1427هـ - 15أغسطس 2006م آخر تحديث 12:05م بتوقيت مكة
مفكرة الإسلام [خاص]: في ظل سيطرة الشيعة على جنوب لبنان، وفي ظل انشغال العالم أجمع بالحرب على لبنان، تناسى المسلمون أهلهم من السنة بجنوب لبنان، الذين عانوا الأمرين من القصف الصهيوني على معظم مناطقهم، بل باحتماء الشيعة بهم وإطلاقهم الصواريخ من مساكنهم، وحتى عندما وصلت المساعدات الإنسانية من الدول العربية لم يصل لهم منها إلا الفتات في ظل سيطرة الميليشيات الشيعية على الجنوب ومحاولة حزب الله تلميع نفسه في تلك المنطقة وتوزيع المساعدات الإنسانية إلى أبناء طائفتهم دون غيرهم، وهو ما دعا أئمة السنة في الجنوب إلى استصراخ العالم الإسلامي لنجدتهم والنظر إلى معاناتهم المتكررة والمستمرة قبل العدوان الصهيوني وبعده.
وهذا نص خطاب جاء إلى 'مفكرة الإسلام' رأينا نقله كاملاً لكي يقف المسلمون على حقيقة أوضاع أشقائهم في جنوب لبنان:
'بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، ثم أما بعد:(1/476)
نكتب هذه الوريقات إلى أهل الخير والبر والإحسان، الذين ما استسقينا سخاءهم وعطاءهم في أحلك وأصعب ظروفنا إلا وأمطرونا. واليوم اليوم ماذا عسى أن يعبر قلم واصف لمأساتنا ونكبتنا اليومية.. إن اللغة والكلمة والحرف نراها عاجزةٌ عن تصوير الإجرام والاعتداء والظلم والبغي اليومي في أهلنا. ويا إخواننا إن سنة الجنوب بلبنان باتوا في شر حالة بعد أن مزقهم العدو وشردهم الطغاة وهجرهم البغاة، فلا طائر الحلم الجميل أوى إلى عشه ولا القمري طار ولا سقف الدار مازال مرفوعًا ولا رب الأسرة موجودًا ولا رغيف الخبز موفورًا، إنها حضارة الألفية الثالثة المتسلطة على الإسلام وأهله، على الأبرياء الجياع الذين هجروا في ظلام الليل الدامس، تاركين كل ما يملكون نجدة بأرواحهم، موزعين على قرى لبنان ما بين مدارس ومساجد وحدائق ومهاجع وأقرباء وأصدقاء، وكيف بك يا أخي لو رأيتهم وسمعتهم يالله في حاجاتهم وطلباتهم وآهاتهم سوى الله، إذ في الغرفة الواحدة ينام أكثر من عشرين نازحًا جلهم أطفال ونساء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وأصوات الرضع الجياع تتعالى بكاء ليلاً ليس في الصدر ما يغذيه وليس في البيت ما يغنيه، ومرضاهم يدمون القلوب، ويبكون العيون، يموتون ألف مرة قبل وصول جرعة الدواء إليهم، ثم هناك أمراض عدوى بدأت تتفشى في صفوفهم، أما الطعام فليس هناك ما يسد الريق ويقوم الصلب، ناهيك عن تأمين الثوب والهندام والماء والصابون وما يقوم به الواجب.(1/477)
ولقد دخل لبنان بفضل الله الكثير الكثير من الإعانات والإغاثات والإسعافات عن طريق المملكة العربية السعودية ولكنها مع كل أسف وأسى كمن ينفخ في رماد أو يصيح في واد؛ وسدت لغير أهلها ووزعت على غير مستحقيها، كانت تمر بجوار المهجر السني يشم رائحتها ولا يذوق طعمها.. لماذا؟ لأنها وصلت ووزعت على أيدي حركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وغيرهم، وهؤلاء جميعًا استغلوها لأغراضهم الشخصية ومناصبهم السياسية وكأننا في أيام انتخابات، إذ نرى مغلف الهيئة الداعمة ينزع ويلصق باسم لائحة انتخابية أو حزب أو حركة أو ما شابهها وشاكلها، ثم لا تعطى إلا للمصفق والموالي لهم، ومنهم من يبيعها ومنهم من يدخرها ومنهم من يحصصها ويخصصها لذويه، أما جمعياتنا السلفية الخيرية الناهضة بجهدها التطوعي فباتت لا تعرف الإعانات والإغاثات إلا اسمًا وسهمًا.
ثم إن قرانا في جنوب لبنان هي التي قصف وهدم معظمها وباتت خاوية على عروشها بعد أن هجر أهلها بقصد، كقرية عيترون والعرقوب وشبعا ودحيرجات وكفر شوبا ومروحين وكفر حمام وقسم من مرجعيون وغيرها كانت قواعد صواريخ حزب الله تضرب من على سطوح بيتها ومن بين أحيائها السنية فلذلك تعمدتها طائرات العدو الغاشم، ناهيك عن ترويع أهلها من قبل الحزب بتضليلهم بمناشير وقنابل صوتية ومنع الصحافة الدخول والتصوير.
ولقد ارتفعت أصوات الذين سرقت بيوتهم ونهبت ثرواتهم وممتلكاتهم، ناهيك عن العبث والتخريب والتحرش بمساجد بعض الصحابة والصالحين.(1/478)
ثم إن المهجرين من الشيعة الرافضة حينما آواهم أهل السنة في قراهم رفضوا الدخول إلى أي مدرسة أو مسجد يحملان اسمًا لصحابي جليل أو زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ورفضوا أيضًا قبول المساعدات التي تحمل اسمًا أو شعارًا لأهل السنة، ومن قبلها منهم تحت وطأة الاضطرار مزق الشعار والاسم متهمًا أن مال المملكة مال خبيث، كما ربوا وتعلموا وهاهم نراهم يسكنون أفضل الشقق ويأكلون أطيب الطعام وكل وسائل الراحة والرفاهية والدعة تؤمن لهم بسبب الإمداد الإيراني لهم، أما أهلنا من السنة فتتقلص أمعاؤهم جوعًا وعطشًا وحرمانًا.
ثم إن أهل السنة لا يضيق عليهم في الجنوب فحسب، بل في كل لبنان، وخاصة بعد أن أخذ توسع الشيعة الرافضة يأخذ مجراه في العقد الأخير من الزمن، فهاهم اشتروا نصف أراضي الجنوب من السنة ابتداءً من الجيه فصيدا وصولاً إلى صور وما بعد صور، وكذلك الأمر في بيروت عند منطقة الأوزاعي ونواحيها وصولاً إلى تلة الخياط وكذا في البقاع بدءًا من شتورا وصولاً إلى الحدود السورية، هذا عدا المساجد التي قاموا باحتلالها بفوهة التهديد والتخويف وبمنطق السلاح، كمسجد النبي يونس في الجيه ومسجد الوردانية في جبل لبنان، ومسجد بيبرس في البقاع والمسجد الأموي الكبير في بعلبك، ولقد أغلقوها حقبة من الزمن مع أن تاريخها العريق يحمل دليلاً واضحًا وساطعًا أنها لأهل السنة والجماعة، كما أن هناك زحفًا دعويًا لترهاتهم وفرياتهم، وذلك بتغرير الكثيرين من شباب السنة بالدخول في صفوفهم وذلك بإقناعهم عن طريق الكتب والأشرطة والوقائع الكاذبة المزيفة على كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان، وما رمي وقذف أمهات المؤمنين كعائشة وخديجة وسبهم علانية، وإما بإغرائهم بمكسب مادي أو وظيفة في الدولة ليدهم الطولى فيها.(1/479)
إن بغضهم وكراهيتهم لأهل السنة يكاد لا يوصف ويبدو ذلك واضحًا في أيام عاشوراء والآن في أيامنا الحاسمة هذه، حيث يتوعدون عدوهم الثاني عمر وأبو بكر وعثمان وعائشة وخديجة بعد خلاصهم من عدوهم الأول إسرائيل، ويحملون مبدأ 'من ليس معنا فهو ضدنا'، وأيضًا مبدأ 'نحن مسلمو لبنان وليس غيرها'، و'نحن أتباع وأحفاد علي وفاطمة والحسن والحسين وإن أي حفيد ينتمي لغيرهم مشكوك في عرقه ونسله ونسبه، وإن أي مال يفدنا نحن غير إيران فهو أيضًا مال مشبوه'، وإن إيران هي السند الأساسي لشيعة لبنان وزحفهم سندٌ مالي وسند عسكري وسند معنوي، فلذلك هم أقوى منا بكثير لأنهم لا يتكلمون إلا بمفهوم القوة والمال والسلاح والعدة والعتاد.
أما نحن أهل السنة والجماعة فعتادنا قليل ومالنا ودعمنا ضئيل ونكاد لا نرى دعمًا إلا ما رحم ربك، وغالبًا ما يكون هذا الدعم في غير أهله كما أسلفنا، فلا يكون إلا كطلقة فارغة جوفاء تحدث دويًا ولا تصيب هدفًا.
فيا أهلنا في المملكة العربية السعودية ويا إخواننا، تربينا في لبنان على الولاء لله والوفاء لكم، وكلنا أمل بكم وإن انقطعت الأسباب فنحن نؤمن برب الأسباب وأنت سببُ ثقتنا وعزنا ومجدنا، بالأمس والتاريخ حافل بمواقفكم الخيّرة والنيرة، نثمن غاليًا جهودكم وحرصكم وسهركم على أهلكم في لبنان فلم تقصروا جزاكم الله كل خير، واليوم من جديد نستصرخكم فقد مسنا الضر وبلغنا الذروة ودفعتنا الحاجة لما نناله في كل يوم بآلة التنكيل والإبادة الإرهابية من قبل العدو الإسرائيلي الغاشم، فشعبنا الصامد الأبي الباسل التليد بما فيه من رجال ونساء وأطفال رضع وشيوخ ركع حتى الجنين في عالم الأرحام يستصرخ عطاءكم وسخاءكم وجودكم ودعمكم لنا يدًا إلى يد وجنبًا إلى جنب، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
أدام الله فضلكم وجعلكم للإسلام ذخرًا ولإخوانكم في لبنان سندًا وظهرًا،
والحمد لله رب العالمين(1/480)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته'
وكان البيان قد تناقلته مجموعة من المنتديات نقلاً عن 'مفكرة الإسلام' بعدما نشرته ضمن ملف صحفي عن الشيعة، ونظرًا للحاجة الماسة إليه ولأهميته فتقرر إفراده بخبر مستقل.
********************
الشيعة الروافض.. الخطر القادم
مجلة التوحيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فهذه سلسلة مقالات تحذر من الشيعة وخطرهم على الأمة وتكشف زيف عقائدهم، وذلك من خلال مؤلفاتهم وكتب شيوخهم، حتى يفيق المخدوعون وتستبين سبيل المجرمين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولا يخفى على أحد خطرهم وخصوصًا ما يطالعنا به الواقع من مدّ شيعي خبيث تستخدم القوى الكافرة من أعداء الإسلام في ضرب أهل السنة في بلاد المسلمين باتفاق أو بغير اتفاق لكن النتيجة واحدة.
والمتتبع للأحداث والراصد لها يلحظ هذا جيدًا، لذا صار من الواجب تحذير الأمة من أصحاب تلك العقيدة المنحرفة الباطلة والتي يُدفع بها في وجه الأحداث دفعًا، وتختلق من الانتصارات المزعومة ما يُغري العوام، هذا فضلا عن بث سمومهم عبر في الفضائيات وعلى الشبكة العالمية.
ونتناول في هذا العدد الحديد عن عقائدهم الفاسدة في صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنقول مستعينين بالله عز وجل:
موقف الشيعة من الصحابة -رضي الله عنه-م: لقد امتلأت كتب الشيعة المعتمدة مثل: "الكافي" و"البحار" و"الاختصاص" و"رجال الكشي" سبًا وطعنًا ولعنًا وتكفيرًا للصحابة الكرام -رضي الله عنه-م ولم يستثنوا إلا ثلاثة وهم: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.
وقد وردت روايات عندهم في تعيين هؤلاء الثلاثة:
فعن أبي جعفر (ع) -يعنون عليه السلام- كان الناس أهل ردة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ثلاثة فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: "المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرف الناس بعد يسير". [شرح الكافي 21/123-223](1/481)
حملة شيعية ضارية على الشيخين أبي بكر وعمر-رضي الله عنهما-
وركز الشيعة حملتهم على أبي بكر وعمر -رضي الله عنه-ما: ففي "روضة الكافي": "أن الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". [شرح الكافي (21/323)]
وقال شيخهم نعمة الله الجزائري: "قد وردت في روايات الخاصة: أنَّ الشيطان يُغَل بسبعين غِلاً من حديد جهنم، ويساق إلى الحشر، فينظر ويرى رجلاً أمامه تقوده ملائكة العذاب وفي عنقه مائة وعشرون غلا من أغلال جهنم، فيدنو الشيطان إليه ويقول: ما فعل الشقي حتى زاد عَلَيَّ في العذاب وأنا أغويت الخلق وأوردتهم موارد الهلاك؟ فيقول عمر للشيطان: ما فعلت شيئًا سوى أني غصبت خلافة علي بن أبي طالب". [الأنوار النعمانية (1/18-28)]
وعَقَّب على هذه الرواية فقال: "والظاهر أنه قد استَقَلَّ سبب شقاوته ومزيدَ عذابه ولم يعلم أن كل ما وقع في الدنيا إلى يوم القيامة من الكفر والنفاق واستيلاء أهل الجور والظلم إنما هو من فعلته هذه". [الأنوار النعمانية (1/18-28)]
وقال في أبي بكر -رضي الله عنه-: "نُقل في الأخبار أن الخليفة الأول قد كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وصنمه الذي كان يعبده زمن الجاهلية معلق بخيط في عنقه ساتره بثيابه وكان يسجد، ويقصد أن سجوده لذلك الصنم إلى أن مات النبي -صلى الله عليه وسلم- فأظهروا -كذا- ما كان في قلوبهم". [الأنوار النعمانية (2/111)](1/482)
وروى الكليني في الكافي (ج8 رقم 325) عن أبي عبد الله في قوله تعالى: ?وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ? [فصلت:29] قال: هما، ثم قال: وكان فلان شيطانًا وأنت تسأل من المقصود ب(هم) يجيبك المجلسي في مرآة العقول ج62/884 في شرحه للكافي في بيان مراد صاحب الكافي بـ "هما" قال: هما أي: أبو بكر وعمر والمراد بفلان عمر أي الجن المذكور في الآية عمر وإنما سمى به لأنه كان شيطانًا إما لأنه كان شرك شيطان لكونه ولد زنا أو لأنه في المكر والخديعة كالشيطان وعلى الأخير يحتمل العكس بأن يكون المراد بفلان أبا بكر.
ويروون في تفسير العياشي (1/121) البرهان - (2/802) الصافي (1/242) عن أبي عبد الله أنَّه قال في قوله تعالى: ?وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ? [البقرة:168]. قال: (وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان) أي أبو بكر وعمر.
ويروون في تفسير العياشي (2/553) والبرهان (2/174) والصافي (3/642) عن أبي جعفر في قوله تعالى: ?وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُد? الكهف:51]. قال: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم أعزَّ الدين بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام) فأنزل الله ? وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُد? [الكهف:51].
وعند قوله سبحانه: ?فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ? [التوبة:12]. يروون في تفسير العياشي (2/38) والبرهان (2/701) والصافي (2/423) عن حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: دخل علي أناس من البصرة فسألوني عن طلحة والزبير فقلت لهم كانا إمامين من أئمة الكفر.(1/483)
ويفسرون الجبت والطاغوت الواردين في قوله سبحانه: ?أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيل? [النساء: 15]. يفسرونهما بصاحبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووزيريه وصهريه وخليفتيه أبي بكر وعمر -رضي الله عنه-ما. انظر تفسير العياشي (1/372) والصافي (1/954) والبرهان (1/773).
وفي قوله سبحانه: ?أَوْ كَظُلُمَاتٍ? [النور:40] قالوا: فلان وفلان في بحر لجي يعنى نعثل من فوقه موج طلحة والزبير ظلمات بعضها فوق بعض [النور: 04] معاوية.
قال المجلسي في بحار الأنوار (32/603) المراد بفلان وفلان أبو بكر وعمر، ونعثل هو عثمان.
بعض التصريحات في تكفير وسبهم الصحابة
وقال العلامة زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم ج3 ص921 ما نصه "عمر بن الخطاب كان كافرا يبطن الكفر ويظهر الإسلام".
وقد أفرد العلامة زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم ج3/ 161 - 861 فصلين الفصل الأول سماه: فصل في أم الشرور عائشة أم المؤمنين وفصل آخر خصصه للطعن في حفصه -رضي الله عنه-ما سماه" فصل في أختها حفصة".
وعلق العلامة المجلسي في مرآة العقول ج52 ص151 على رواية طويلة بالكافي ج8 رواية رقم 32 ومنها "وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم.... وأمات هامان، وأهلك فرعون".
قال المجلسي الرواية صحيحة والمقصود في أمات هامان: أي عمر وأهلك فرعون: أي أبا بكر ويحتمل العكس ويدل على أن المراد هذان الأشقيان".[حقيقة الشيعة للموصلي]
إمام الضلالة الخميني يتطاول على أبي بكر وعمر(1/484)
ويقول إمام الضلالة الخميني في كتابه كشف الأسرار ص621: "إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن ومن تلاعب بأحكام الإله، وما حللاه وحرماه من عندهما وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي وضد أولاده ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين".
ويقول ص721 بعد اتهامه للشيخين بالجهل "وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى والأفاقون والجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موقع الإمامة وأن يكونوا ضمن أولى الأمر".
وذكر المفسر العياشي في تفسيره والمفسر الكاشاني في الصافي والبحراني في البرهان أن عائشة حفصة -رضي الله عنه-ما سقتا السم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك عند هذه الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم [آل عمران: 441].
قال الملقب عند الشيعة بعمدة العلماء والمحققين محمد نبي التوسيركاني في (كتابه لآلئ الأخبار ـ مكتبة العلامة ـ قم ج4 ص29). ما نصه: "اعلم أن أشرف الأمكنة والأوقات والحالات وأنسبها للعن عليهم ـ عليهم اللعنة ـ إذا كنت في المبال فقل عند كل واحد من التخلية والاستبراء والتطهير مرارًا بفراغ من البال. اللهم العن عمر ثم أبا بكر وعمر ثم عثمان وعمر ثم معاوية وعمر ثم يزيد وعمر ثم ابن زياد وعمر ثم ابن سعد وعمر. اللهم العن عائشة وحفصة وهندًا وأم الحكم والعن من رضى بأفعالهم إلى يوم القيامة".(1/485)
فهذه جوانب من مواقف الشيعة المخزية من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسادات الأمة من حملة الدين الأوائل، الذين اختارهم الله تعالى ورضي عنهم، وجعل تعالى حبهم دينا وإيمانًا وبغضهم كفرًا ونفاقًا، وأوجب علينا موالاتهم جميعًا، بذكر محاسنهم وفضائلهم، والسكوت عما شجر بينهم لسابق فضلهم وكريم فعالهم وصدق تضحيتهم ومقامهم عند ربهم عز وجل، ولعلّ القلوب تذوب حزنًا وأسفًا على تلك الطعون القبيحة من هؤلاء الأقزام في سادات الأمة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه..
أفيقوا يا دعاة التقريب
فتلك عقيدة الأبعدين يا من تدعون إلى التقريب، وهل تجاهلتم جهود السابقين التي بذلت لتحقيق تلك الغاية الموهومة دون جدوى؟ أم غركم كلام المعاصرين عنهم حول الدعوة إلى التقريب وتجنيب الخلافات الطائفية المذهبية، وهم قوم إفك وأئمة كذب عقيدتهم التقية، يؤمنون أنه "لا إيمان لمن لا تقية له". ويمارسونها على أنها دين، فيظهرون خلاف ما يبطنون فاعتبروا يا أولي الأبصار..
هؤلاء هم الشيعة وهذا هو معتقدهم في خيار خلق الله بعد الرسل، هؤلاء الذين تصفق لهم الجماهير الساذجة والمغرر بها من قبل بعض الدعاة الذين انخدعوا بثوراتهم وشعاراتهم الزائفة الفارغة، حتى أن بعضهم سخّر نفسه بوقًا يحث الناس إلى التقارب معهم ومساندتهم بل والاقتداء بهم، وإذا كان هؤلاء هم الشيعة وموقفهم المخزي من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإليك أخي القارئ حديثا من نور القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة عن المنزلة الرفيعة والمكانة السامية لخير قرون الدنيا.
منزلة الصحابة -رضي الله عنهم-(1/486)
للصحابة -رضي الله عنهم- منزلة عظيمة في دين الإسلام، فهم خير من سار على هذه الأرض بعد النبيين -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، شرَّفهم الله -عزَّ وجل-، وأعلى منزلتهم بصحبة حبيبه ونبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وجعلهم الله -عزَّ وجل- الأمنة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، الحافظين لسنة نبيه، المبلغين لدينه، الناصرين للوائه -لواء التوحيد- المدافعين عن حياضه، تواترت النصوص في تزكيتهم، ومدحهم، والثناء عليهم، والشهادة لهم بالإيمان، فمن ذلك قول الله تعالى: ?مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم? [الفتح:29].
هل قصد الله تعالى في هذه الآية فقط الذين سماهم الشيعة أم جميع الصحابة؟
قال ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: "وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور" [زاد المسير (4/402)]
وقال الله تعالى: ?لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيب? [الفتح:18]
قال أبو محمد ابن حزم -رحمه الله تعالى-: "فمن أخبرنا الله عز وجل أنَّه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم أو الشك فيهم البتة". [الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/841)](1/487)
وقد تقدم قول الروافض من الافتراء والكذب والسب للصحابة -رضي الله عنهم-، وصدق عليهم قول عائشة الصديقة -رضي الله عنها-: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسبوهم). [أخرجه: مسلم في كتاب التفسير (4/7132) رقم (2203)]
وردّ ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ردًّا مفصلاً على أكاذيبهم، وبيَّن أنَّ: "الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- أعظم حرمة، وأجلّ قدرًا، وأنزه أعراضًا، وقد ثبت من فضائلهم خصوصًا وعمومًا ما لم يثبت لغيرهم". [منهاج السنة النبوية (5/741)]
وذكر أنَّ: "كل ما في القرآن من خطاب المؤمنين والمتقين والمحسنين، ومدحهم والثناء عليهم، فهم أول من دخل في ذلك من هذه الأمة وأفضله، كما استفاض عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه أنه قال: خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". [منهاج السنة النبوية 2/94 - 05]
"وخيار هذه الأمَّة هم الصحابة، فلم يكن في الأمَّة أعظم اجتماعًا على الهدى ودين الحق، ولا أبعد عن التفرق والاختلاف منهم". [6/663]
"فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة، من الإيمان والإسلام، والقرآن، والعلم والمعارف، والعبادات، ودخول الجنة، والنجاة من النار، وانتصارهم على الكفار، وعلو الكلمة، فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة، الذين بلّغوا الدين، وجاهدوا في سبيل الله، وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة -رضي الله عنهم- فضل إلى يوم القيامة". [6/673]
والصحابة أعلم الأمة وأفقهها وأدينها، ولهذا أحسن الشافعي -رحمه الله- في قوله: هم فوقنا في كل علم وفقه ودين وهدى، وفي كل سبب ينال به علم وهدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا. أو كلامًا هذا معناه.(1/488)
وقال أحمد بن حنبل: أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما أحسن قول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال: أيها الناس من كان منكم مستنًّا فليستن بمن قد مات، فإنَّ الحي لا تؤمن عليه الفتن، أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
وقال حذيفة -رضي الله عنه- يا معشر القراء، استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم، فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقًا بعيدًا، وإن أخذتم يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا".
"والصحابة الذين كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وأن القرآن حق، هم أفضل من جاء بالصدق وصدَّق به بعد الأنبياء".
"وهم الذين جاهدوا المرتدين، كأصحاب مسليمة الكذاب، ومانعي الزكاة وغيرهم، وهم الذين فتحوا الأمصار، وفارس والروم، وكانوا أزهد الناس".
ومن طعن في الصحابة فقد طعن في دين الله وشرعه لأن الصحابة هم شهودنا مع كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
عن أحمد بن محمد بن سليمان التستري قال: سمعت أبا زرعة يقول: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".(1/489)
ومن زعم أنهم ارتدوا فلاشك في كفره وزندقته، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "من زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا نفرًا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسًا أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضًا في كفره، لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا، فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وأن هذه الآية التي هي كنتم خير أمة أخرجت للناس [آل عمران:011]. وخيرها هو القرن الأول كان عامتهم كفارًا أو فساقًا، ومضمونها: أنَّ هذه الأمة شر الأمم وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ولهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق".
الطعن في الصحابة الكرام طعن في دين الإسلام
وبيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن حقيقة مراد الطاعن في الصحابة الكرام -رضي الله تعالى عنهم- ما يلي:
أ- الطعن في الدين:
قال ابن تيمية: "وذلك أنَّ أول هذه الأمة هم الذين قاموا بالدين تصديقًا وعلمًا، وعملا وتبليغًا، فالطعن فيهم طعن في الدين، موجب للإعراض عما بعث الله به النبيين، وهذا كان مقصود أول من أظهر بدعة التشيع، فإنما كان قصده الصد عن سبيل الله، وإبطال ما جاءت به الرسل عن الله؛ ولهذا كانوا يظهرون ذلك بحسب ضعف الملة، فظهر في الملاحدة حقيقة هذه البدع المضلة، لكن راج كثير منها على من ليس من المنافقين الملحدين، لنوع من الشبهة والجهالة المخلوطة بهوى، فقبل معه الضلالة، وهذا أصل كل باطل".
وقال أيضًا: "وأما الرافضة فيطعنون في الصحابة ونقلهم، وباطن أمرهم: الطعن في الرسالة".
ب- القدح في الرسول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-:(1/490)
قال ابن يتيمة بعد أن ذكر خصوصية أبي بكر وعمر وعثمان ـ -رضي الله عنه-م ـ في الصحبة، وقربهم من النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرًا أو باطنًا، في حياته وبعد موته. وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته. فإن كانوا على غير الاستقامة، مع هذا التقرب، فأحد الأمرين لازم: إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم. وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما قيل:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة .... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة، فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته وأكابر أصحابه، ومن قد أخبر بما قد سيكون بعد ذلك، أين كان عن علم ذلك؟! وأين الاحتياط للأمة حتى لا يولى مثل هذا أمرها؟ ومن وُعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟!.
فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول، كما قال مالك وغيره: إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول، ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين، ولهذا قال أهل العلم: إنَّ الرافضة دسيسة الزندقة".
وقال في موضع آخر: ".. وضلَّت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية، وغيرهم من الزنادقة الملاحدة المنافقين، وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث، كأئمة العبيديين، إنما يقيمون مبدأ دعوتهم بالأكاذيب التي اختلقتها الرافضة، ليستجيب لهم بذلك الشيعة الضُلال، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة، إلى القدح في علي، ثم في النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم في الإلهية، كما رتبه لهم صاحب البلاغ الأكبر، والناموس الأعظم. ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد".
قال تعالى: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [الحج: 64]. والحمد لله رب العالمين.(1/491)
http://www.quranway.net/index.aspx?function=item&id=933
****************
الميليشيات الشيعية وإبادة أهل السنة 1-4
الميليشيات الشيعية وإبادة أهل السنة 1/4
علي القيسي
موقع المسلم
منذ احتلال بغداد إلى هذا اليوم دأبت قوى سياسية وأحزاب متمثلة في مجلس الحكم والحكومات العراقية المتعاقبة -على القيام بعمليات تهجير جماعية على أساس طائفي وعرقي تركزت في بدايتها على مناطق محددة من العراق.
وقد كان التهجير على أساسين: 1.أساس عرقي. 2. أساس طائفي.
التطهير العرقي:
لقد شمل التطهير على الأساس العرقي المناطقَ المحاذية للمناطق الكردية في شمال وشرق بغداد، مثل مناطق ديالى (45 كم) شمال شرق بغداد، حيث قامت مليشيات البيشمركة (وهي مليشيات تابعة للحزبين الكرديين الرئيسيين في شمال العراق) بمهاجمة قرى وتهجير أهلها قسرا في جلولاء وخانقين والقرى التابعة لها، والواقعة بالقرب من الحدود الإيرانية مثل قرى مناطق كفري وكلار وغيرها، محافظة كركوك (300 كم) شمال بغداد، حيث قامت نفس المليشيات بتهجير العوائل العربية من قرى تابعة لقضاء الحويجة وناحية الرياض ومنطقة الكانتي ومناطق عرفة والدوز والتون كبرى.
أما في الموصل فقد قامت تلك المليشيلت بحملات تطهير عرقي شملت مناطق قضاء الحمدانية وقضاء تلكيف وقضاء شيخان وسنجار وفايدة، ولازالت هذه المليشيات مستمرة في الضغط على كل مناطق الموصل وخصوصا مناطق الساحل الأيسر ومخمور والعدنانية وسحيلة وكوزكيران ومنطقة الزاب، ورافق ذلك نشر خارطة لكردستان الكبرى تضم مساحة تقدر بضعف مساحة كردستان الأصلية.
التطهير الطائفي:(1/492)
يعد التطهير الطائفي في العراق من أبشع أنواع الانتهاكات التي حدثت في التاريخ لحقوق الإنسان، حيث يقوم هذا التطهير بأسلوب وحشي، وبأشراف وتدبير من مليشيات الأحزاب التي تمثل الأجهزة الأمنية في الحكومة العراقية، وتركز ذلك على أساسين: الأول: بدأ بعد الاحتلال مباشرة، تركز في مناطق جنوب العراق وجنوب شرق العراق وغربه، حيث دأبت تلك المليشيات على القيام بعمليات عسكرية مسنودة من القوات الأمريكية بمهاجمة أقضية وقرى ونواحي، يرافق ذلك حملة إعلامية شرسة تقوم بها فضائيات تابعة لتلك المليشيات والأحزاب مثل قناة العراقية المنار الرايه العربية والفرات والفيحاء وغيرها من القنوات وأكثر من خمسين صحيفة، حيث تقوم تلك القنوات والصحف بنفث سموم طائفية واختلاق أزمات وهمية وأول ما بتدأت تلك العملية في قضاء المدائن، حيث قامت مليشيا مايسمى بحزب الله فرع العراق بجلب أكثرمن 500 من مناطق الأهوار الإيرانية المحاذية للحدود العراقية، ومن أناس يطلق عليهم تاريخيا" أنه من سكان الأهوار الأصليين وإسكانهم في إحدى المعسكرات التابعة للجيش العراقي السابق، ومعهم مجاميع من شباب بأعمار تتراوح بين الثامنة عشر والثلاثين من العمر، ومنهم من يتكلم الإيرانية، وقد رصدت جمعيتنا عن وجود شخص إيراني يلقب بعدي الإيراني تسير معه حماية، ويحظى بدعم من الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية بالتحكم بهؤلاء الناس القادمين.(1/493)
ومن هنا أصبحت المدائن مادة إعلامية دسمة لتلك الفضائيات المسومة، حيث تقوم تلك القنوات بعرض اعترافات منتزعة تحت التعذيب على برنامج تشترك فيه كل تلك الفضائيات، ويسمى برنامج الإرهاب في قبضة العدالة، يظهر فيه المعتقلون وآثار التعذيب واضحة عليهم، ويُدْلُون باعترافات تشمل قرى وعشائر، وقد تعود من يسمع اسمه في تلك الاعترافت هو إنذار بالرحيل مدته ثلاثة أيام، وبعدها تقوم تلك المليشيات التي ترتدي زي الأجهزة الحكومية بمداهمة القرى والدور، واعتقال كل من تطاله أيديهم، ونهب الأموال والسيارات، وكل ماخف حمله وغلى وزنه. لايفوتنا أن نذكر أن المدعو "ليث كبة" قد ذكر في مؤتمر صحفي قائلا: " إن برنامج الإرهاب في قبضة العدالة هو عمل غير قانوني، ويدعو للطائفية والفتنة. وقد وصل عدد العوائل التي هجرت من المدائن والقرى المحيطة بها إلى أكثر من 2000 عائلة، ولم يجد المدعو عدي الإيراني أي حرج من الإعلان في مكبرة الصوت أثناء الهجوم على المدائن أن هذه المدينة إيرانية، ومايثبت ذلك هو وجود الآثار الإيرانية فيها ( طاق كسرى، ومرقد الصحابي سلمان الفارسي ) والتي لاتزال تلك المليشيات ترفض تسليمه إلى ديوان الوقف السني، وحين صدر إعلان رسمي من الحكومة في ذلك قبل أكثرمن أسبوعين أعلنت تلك الفضائيات وعلى لسان ناطق باسم الداخلية العراقية -عن وجود أسلحة ومتفجرات في ذلك المرقد، وماحدث في المدائن حدث في عدة مدن عراقية محيطة ببغداد، مثل جرف الصخر اللطيفية والمحمودية والأسكندرية وقرى 7 نيسان التابعة لمنطقة النهروان جنوب مدينة بعقوبة، ووصل عدد العوائل المهجرة إلى الآلاف.(1/494)
الأساس الثاني الذي تم عليه التهجير هو العمل على إيجاد فيدرالية تضم محافظة ديالى وسامراء ومدينة الصدر ومنطقة غرب القناة باتجاه بغداد الجديدة مركز مدينة بغداد، حيث شنت حملة مداهمات قبل ثلاث أشهر في ديالى، وقد رصدت جمعيتنا اعتقال أكثر من 800 شخص خلال 24 ساعة على أساس طائفي، وشملت الاعتقالات حتى موظفين في المحافظة. وكان الهدف هو الجوامع وأئمة المساجد وكل أبناء السنة الذين يترددون على المساجد. حيث تعد المساجد في المناطق الريفية ومناطق المحافظات هي المركز الاجتماعي والديني المؤثر فيها، يرافق ذلك حملات إعلامية شرسه من قبل الفضائيات المذكورة أعلاه، وحين اقتربت الانتخابات السابقة اشتدت تلك الحمله شراسة، وبدأت بالتوسع والضغط على مناطق بغداد الجديدة، وقضاء الشعب المكتض بالسكان، وكافه المناطق الممتده شرق القناة. وقد أعلن على لسان العديد من القوات المداهمه في مناطق ديالى وسامراء والمناطق المحيطه بها -أن هناك نية لإقامه فدراليه يشرف عليها ما يسمى بجيش المهدي يمتد إلى الحدود الإيرانية حيث قام أفراد ما يسمى بجيش المهدي بطرد قوه حماية النفط في موقع آبار نفط (النفط خانه) واستلام مسئولية الحراسة منهم. وبعد الانتخابات أظهرت تلك المناطق رفضًا واضحًا لانتخاب الأحزاب المرتبطة بها تلك المليشيات، مما دعاهم إلى إلغاء أكثر من 7000 صوت في محافظة ديالى ومحاصرة قرى ومنعها من التصويت وإجبار قرى أخرى للسير أكثر من 10 كم سيرا على الأقدام للوصول إلى صناديق الانتخابات.(1/495)
أما في قضاء تلعفر فقد صور القضاء إعلاميا أنه يبعد عن الحدود السورية بضع كيلومترات، في حين أن هذا القضاء يبعد عن الحدود السورية أكثر من 100كم، وأنه مقر للإرهابيين، في حين أن أصل المشكلة في هذا القضاء هي وجود مقر لحركة من غلاة الشيعة يطلق عليهم العلوية أو النصيرية، وبعد ثلاث سنوات من عمليات تهجير واعتقال وترهيب لأهل السنه في هذه المناطق التي ذكرناها، وأخرى كثيرة لم يفلح المغرضون في شق النسيج الاجتماعي في تلك المناطق رغم المعلومات المضللة التي تنقل إلى قوات الاحتلال للقيام بحملات عسكرية وقصف وتطويق، وحين لم ينجحوا في ذلك افتعلوا عملية تفجير مسجد مرقدي الإمامين الهادي والعسكري، حيث تعد تلك العملية والتي تشير كل الدلائل على الدور البارز لمليشيات الأحزاب المرتدية لزي الشرطة فيها حتى انطلقت عمليات القتل والتهجير والترهيب على أشدها وخصوصا في فدرالية جيش المهدي أو فدرالية الصدرين كما يحلو لهم تسميتها، وتعد عملية المشتاح في سامراء والقرى المحيطة بها الا الخاتمة لإقامة تلك الفدرالية، وتعد المذبحة التي ارتكبت في منطقه الضلوعية، والتي طالت أطفال ونساء تلك المنطقة الدليل على عملية إرهاب الدولة لتهجير الناس، وفي نفس الوقت واظبت الفضائيات المسمومة على بث صور تظهر زوار أربعينية الحسين ( رض ) في فنادق النجف وكربلاء على أنهم مهجرين، وقام جيش المهدي بالتنسيق مع ما يسمى بلجنة شهيد المحراب بإنشاء مخيمات، وجلب عوائل فيها مقابل 100 ألف دينار عراقي لكل عائلة يوميا، ووعود بتوزيع قطع أراضٍ عليهم. وتقديم عروض لمراسلي المحطات الفضائية والصحف الأجنبية سخيه، مع ضمانات من وزارة الداخلية لتصوير تلك المخيمات. أما الجهة التي وصل عدد المرحلين منها إلى عشرات الآلاف فحين أعلنت إحدى الفضائيات القريبة منها، وصورت عمليات القتل والتهجير بشكل مباشر ( فضائية بغداد ) تعرضت لقصف وحملة اغتيالات طالت مقدم البرنامج نفسه.(1/496)
إن عمليات التهجير مستمرة حتى الساعة، ومساء أول أمس وفي تزامن عجيب قامت مليشيات الأحزاب مدعومة بالمئات من مرتدي السواد بالتهديد من خلال مكبرات الصوت في بغداد الجديدة وتلعفر والكثير من المناطق المحيطه في بغداد، ونؤكد هنا أن قوات الاحتلال الأميركية مشتركة في عمليات التطهير الطائفي والعرقي من حيث تعلم أو لا تعلم، حيث إذ ما أن تقوم مليشيات الأحزاب بتهديد ومهاجمة القرى والمناطق التي يراد تهجيرها ولم يستطيعوا ذلك -تقوم قوات الاحتلال بالتدخل على اعتبار تلك المناطق ساخنة أو مثلث موت أو طريق موت، وحين هاجمت مليشيات الأحزاب قرى تابعة لقضاء شهربان بغرض تهجير أهلها وإسكان عوائل نازحة من إيران، وحين تصدى أبناء عشائر تلك المناطق وهي عشائر العزة والندوات والدينية والقيسية انسحبت تلك المليشيات وأتت بعد ساعات مدعومة بالطائرات والدبابات الأميركية، ولديها معلومات تقول: إن أهل هذه المناطق قاموا بقتل ضابط أميريكي قبل ذلك بفترة.
وتعد عملية تدمير وتهجير أربع قرى في قضاء الخالدية وإعلان منتسبي الشرطة الذي أقاموا معسكرا فيها -أنهم سوف يجلبون عوائلهم من أخطر ما يحدث في العراق. وضع حقوق الإنسان في كربلاء شهادة إحدى منظمات حقوق الإنسان في محافظة كربلاء 28 / 5/ 2006 •(1/497)
أشارت جريدة كربلاء بعددها المرقم 34 بتاريخ 20 - 5 - 2006 إلى قرار مجلس المحافظة بحل اللجنة الأمنية في المحافظة من تلقاء أنفسهم بعد شعورهم بعدم قدرتهم على منع ووقف الاغتيالات الليلية بالأخص التي تنفذها سيارات الدولة. وقد أثنى مجلس المحافظة على هذا القرار الجريئ من قبل الأعضاء، وتم تشكيل لجنة جديدة تضم في أغلبها أعضاء مستقلين. إن هذا الخبر يعكس الأزمة الأمنية الحالية في كربلاء بعد تفاقم الانتهاكات في حقوق الإنسان التي وصلت فيها حوادث الخطف والاغتيال في شهر أيار (السادس) وحدها إلى 22 حالة خطف وقتل, وأغلب الذين تم اغتيالهم هم من مراتب الشرطة الذين استمروا في وظيفتهم بعد احتلال العراق. كما أن تأييد المخابرات الإيرانية للمليشيات داخل المحافظة تحول باتجاه تأييد ودعم مليشيات جيش المهدي ومكتب الصدر على حساب المجلس الأعلى ومليشيا بدر؛ لكون الأخير قد كثرت فضائحه وانكشف أمره, وصار تقسيم القوى الأمنية الرسمية حسب ما يلي:
1. قوات مكافحة المخدرات - قوة مكافحة الجرائم الكبرى - قوى استخبارات الداخلية: هذه جميعها تتبع الآن لمليشيات بدر، وهي التي تقوم بأعمال الاغتيالات والقمع واحتجاز المواطنين وتأجيج الصراع الطائفي في المدينة، كما حدث في حادثة مقالع الرمل في منطقة أم الخنازير بمحافظة كربلاء، واغتيال كل من يعتقد أنه ذو ارتباطات بالنظام السابق، ومن دون أي محاكمة أو أي إجراءات قانونية.
2. قوات مغاوير وزارة الداخلية: وهذه تتبع لمكتب الصدر، والذي أصبح الآن يلاقي الدعم المباشر من المخابرات الإيرانية, وهو من المشجعين والمشتركين في فرق الموت بعد حوادث تفجيرات سامراء، والتفجير قرب الصحن الحسيني الشريف في بداية الأسبوع الأول من شهر أيار الماضي
الميليشيات الشيعية وإبادة أهل السنة 2 /4
علي القيسي
موقع المسلم(1/498)
يعد المدعو (منصور حقيقة بور) من أخطر قادة ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني بالعراق، وقد ظهر اسمه بعد حادثة تفجير سامراء، حيث نسبت له واستنادا إلى مصادر موثوقة في النجف -عملية تخطيط وتنفيذ تفجير مرقد الإمامين في سامراء, حيث كان يعتمد على نخبة من رجال الميليشيات، ويعد من أبرز الحاضرين للقاء بيت الحنانة في النجف، الذي حضره قيادات من فيلق بدر وجيش المهدي ممثلين لأكثر من 32 ميليشيا اتفقوا فيه في شهر رمضان الماضي وبعد الصدام الذي وقع بين جيش المهدي وفيلق بدر والذي تم بوساطة الجعفري رئيس الوزراء آنذاك وكان من الحاضرين البارزين في هذا الاجتماع المدعو أحمد الجلبي الذي دائما يطرح نفسه على أنه منسق بين القوات الأمريكية والبريطانية في العراق، ويطالب بألا يتم أي اتصال معهم من أي جهة من الميليشات أو الأحزاب المحسوبة على إيران إلا عن طريق مكتبه، كما حضر الاجتماع المدعو مهدي الأصفي مسئول مكتب آل البيت العالمي، والذي يمثل مكتب علي الخامنئي في النجف، ويتخذ من أحد الدور الفخمة في منطقة خان المخضر مقرا له، وبالتحديد بيت المدعو نجم الجيلاوي.(1/499)
وقد كان للمدعو حقيقة بور -وهو من أخطر قادة الحرس الثوري كما أسلفنا- الدور الفاعل والمؤثر في عملية إحراق وتدمير مئات المساجد في العراق، وقتل المئات من مصليها وأئمتها وخطبائها, وقد تحدثت لنا إحدى الصحفيات المنتدبة للعمل من بغداد إلى أحد المحطات الإذاعية في كربلاء، حيث ذكرت أنها وأثناء قيامها بتحقيق صحفي عن مرقد العباس والحسين في كربلاء وأثناء المرحلة النهائية في التحقيق الصحفي -فوجئت بأنها منعت من قبل ما تسمى بقوة حماية ما بين الحرمين والتابعة لجيش المهدي من إكمال تحقيقها الصحفي وبعد أن اظهرت لهم مستمسكات ووثائق تثبت أنها شيعية، وأنها حصلت على موافقة الشرطة والمجلس البلدي في المحافظة، وأصرت على مقابلة الشخص المسئول عن منعها تم اصطحابها إلى أحد الفنادق، والذي كان محاطا -حسب قولها- بحراسة مشددة من ميليشيات وشرطة، وبعد تفتيشها تفتيشا دقيقا وانتظارها طويلا فوجئت أن الشخص الذي دخلت عليه، وكان يرتدي -والكلام لها- بدلة أنيقة جدا، ويجلس في مكتب فخم، ومؤثث بتأثيث راقٍ جدا، ويجلس على مكتب فيه حوالي عشرة أجهزة اتصال سلكية ولا سلكية وموبايلات، ومن الغريب أن هذا الشخص كان يتكلم الفارسية، ويجلس إلى جواره مترجم عراقي، وبعد أن طلب منها التكلم عن قصتها أجابها أن هذه المحطة نثق بها في كربلاء، ولكن كونها أتت من بغداد فهو لا يعرف عنها شيئا، وفي اتصال سريع حضر مندوب من المحطة وأبدى أسفه الشديد، وكان واضحا عليه الارتباك لكونه لم يعلم صاحب المكتب عن أمرها، وقد أكد له -وهو يحلف بالعباس والحسين- أن الخطأ ليس خطأه، وأنه أرسل كتابًا عن موضوعها قبل خمسة أيام من ذلك، وقد علمت أن هذا الذي يجلس خلف المكتب يمثل سكرتيرا أو مديرا لمكتب المدعو منصور حقيقة بور، وكون برنامجها الصحفي الذي تعده يتكلم عن العتبات المقدسة بالعراق، فقد فوجئت أثناء ذهابها إلى النجف بنفس المعاملة في كربلاء، ولاحقا في مدينة الكاظمية في(1/500)
بغداد، وتقول: إن أكثر ما غاظني هو أن الصحفيين الإيرانيين من فضائية العالم ودنكر والعشرات من وسائل الإعلام الإيرانية لهم حرية الدخول والتجول والتصوير في أي من هذه الأماكن، تعد الخلافات الأخيرة التي ظهرت بسبب تصريحات انتقادية من المدعو علي الكوراني، وهو رجل دين إيراني يقيم في لبنان، وتعد هذه التنصريحات التي كشفت عن مدى التخلف والانحراف الذي وصل إليه هؤلاء، حيث طالب الكوراني وفي لقاء مع إحدى المحطات الفضائية الإيرانية المدعو محمود الحسني البغدادي بدليل يثبت أنه يلتقي بشكل منتظم مع المهدي المنتظر، ونوه عن وجود صلة قربى مزعومة جديدة بين محمود البغدادي والمهدي المنتظر كونه زوج أخته، وعد ذلك خطرًا كونه يعطي ولاية الفقيه المحمود، وأنه أعلا من حتى الخامنئي، وتهجم عليه بعنف، مما حرك أتباع البغدادي، وقاموا بمهاجمة القنصلية الإيرانية في كربلاء والبصرة، ونتج عن ذلك عمليات قتل وتعذيب وخطف لأتباع البغدادي، وتطويق لمقراته خصوصا في كربلاء، كما يعد التداخل الأخير بين الميليشيات والذي ظهر واضحًا أثناء زيارة وزير خارجية إيران إلى كربلاء والنجف، حيث ظهرت خلافات بين الميليشيات من خلال تسابقهم وإعلانهم أن كلا منهم كان الأحرص على حماية "متقي"، وقد قام عدد من منتسبي تلك الميليشيات بعمليات دهم واعتقال وقتل لأبرياء بحجة أنهم كانوا يحضرون لعمليات اغتيال ضد وزير خارجية إيران، في محاولة منهم للفوز برضا أسيادهم، والحصول على الغنائم، والتي راح ضحيتها الأبرياء من العراقيين الذين ليس لهم لا ناقة ولا جمل في تلك الأحداث، وإزاء قيام وحدة من عناصر الأمن العراقي مدعومة بقوات أمريكية باعتقال (الشيخ) عقيل الزبيدي رئيس المجلس المحلي بمحافظة كربلاء، بعد اعترافات لأحد ضباط شرطة المدينة اتهم فيها الزبيدي بقيادته لفرق موت تنفذ عمليات خطف واغتيالات لبعثيين سابقين غير مشمولين بقانون اجتثاث البعث ومعارضين للحكومة(2/1)
العراقية الحالية في بغداد وكربلاء والنجف والديوانية الواقعة وسط العراق، فيما عثرت عناصر الأمن العراقي علي مخزن كبير للأسلحة في منزل الزبيدي، يحتوي علي قاذفات ضد الدبابات، ورشاشات متوسطة، ومدافع هاون، وكميات كبيرة من العتاد والقنابل اليدوية، ولا يزال مصير محافظ كربلاء وخمسة من أعضاء المجلس غامضا بعد شائعات تتردد في كربلاء والأقضية التابعة لها بأن جميع هؤلاء مطلوبون للتحقيق في قضايا تتعلق بفرق الموت، وقضايا فساد حول إهدار المال العام ومن الأسباب الأخرى أن تلك الميليشيات وبعد ما قامت به من أعمال إجرامية أدت الدور المطلوب منها، ولم يبقَ لها سوى دور واحد ومهم وهو إتمام عمليات التهجير لتغيير طبيعة العراق الجغرافية والسكانية، ويعد ما يسمى بجيش المهدي المنفذ الفاعل الذي ومنذ ستة أيام من تاريخ إعداد هذا البيان أخذ يركز إلى جانب عمليات القتل على الهوية والخطف على عملية ترحيل عوائل شيعية تسكن في مناطق معينة من بغداد والمناطق المحيطة بها تركيزا شديدا، إذ سجل ترحيل أكثر من 150 عائلة من منطقة أبي غريب وبالتحديد من ناحية النصر والسلام التي تقع مقابل مقبرة الكرخ، حيث أنذر مكتب الصدر في تلك المنطقة العوائل الشيعية بالرحيل خلال 24 ساعة، وإلا سيلاقون ما لا يحمد عقباه، وحين تمت مراجعة مكتب الصدر في تلك الناحية أبلغوا المكتب أنهم لا يشعرون بأي خطر في تلك المنطقة، وأن هناك تآلف ومودة مع أهالي تلك الناحية، وأنهم أصحاب مصالح ومحلات ومطاعم، عندها أبلغوهم رسميا بالتوجه إلى مكتب الصدر في الشعلة للقاء المدعو مازن الساعدي، وأن الأمر قد أتاهم من جهات عليا، وما عليهم إلا أن يذهبوا هناك ويستلموا مبلغا وقدره مليون دينار، وأن هذا هو إنذار نهائي لهم، وإذا لم ينفذوا فسوف يقوم المدعو مازن الساعدي بمعاقبتهم أشد العقاب، وأنهم سيفاجئون حين وصولهم إلى مكتب الشعلة بأخبار سارة لهم، وعند ذهابهم إلى مكتب الشعلة بعد(2/2)
أن تحمل مكتب الناحية أجور سيارات الحمل التي تقلهم فوجئوا بأن المبلغ قد انخفض من مليون إلى مائتي ألف، أما المفاجأة السارة فكانت عبارة عن دور خالية تابعة لما يسمونهم النواصب، أي اهل السنة في مناطق مختلفة من بغداد أهمها الشعلة وحي الجوادين ومنطقة الرحمانية التي تقع قرب الشعلة، وقد قالوا لهم نصًا: إن هذه البيوت مليئة بالأغراض والأثاث وأجهزة التبريد ، وأنها ملكًا لهم، وقد فوجئ هؤلاء أن هناك مفارز ترتدي زي الشرطة، ومع كل مفرزة سيارة من جيش المهدي، وهم يحملون قوائم فيها عناوين الدور، ويحملون مطارق لتكسير أبواب تلك الدور وإسكانهم فيها، وبسبب كثرة العوائل والدور والمضايقات بسبب الخطة الأمنية فقد فوجئت العوائل المتجمعة قرب مكتب الشعلى أن هنالك أمرا بالتحرك ليلا، حدث ذلك في ليلة التاسع عشر من الشهر الجاري، وقد لوحظ أن هناك سيارات شرطة كتب عليها شرطة أمانة بغداد، وأن معهم كتابا من أمانة بغداد تخولهم بالتحرك ليلا بالقيام بحملات تنظيف من أجل بغداد أجمل وأنظف، علما بأن بغداد قد أصبحت تعج ساحاتها الجميلة بأكياس القمامة والزبالة، والتي لا تجد من يجمعها حتى نهارا، وأورد إليكم نص تصريح صدر هذا اليوم 12/6/2006 من أمانة بغداد 21/6 /2006 :
باشرت أمانة بغداد بتقديم الخدمات البلدية في عدد من مناطق العاصمة ليلا، فيما ستنفذ خلال الأيام القليلة المقبلة أعمال تطوير أرصفة أحد عشر شارعًا رئيسًا في عموم المدينة.(2/3)
وقال مصدر مسئول في الأمانة بتصريح صحفي: إن دوائر بلدية الصدر الأولى والثانية والكاظمية والكرادة والشعب والشعلة و9 نيسان بدأت بإجراء عمليات التنظيف بوجبة ليلية تبدأ من الساعة العاشرة مساءً حتى فجر اليوم التالي؛ لرفع النفايات وتنظيف الشوارع والأزقة وسقي المزروعات، فضلا عن تقديم الخدمات البلدية الأخرى، مشيرا إلى أن هذه التجربة ستعمم على الدوائر البلدية الأخرى حال تحسن الظرف الأمني في مناطقها بغية النهوض بالواقع الخدمي في جميع مناطق العاصمة. وناشد المصدر المواطنين كافة والجهات الأمنية والمنظمات الجماهيرية ابداء المساعدة لملاكات الأمانة الذين يعملون لخدمتهم.(2/4)
من جانب آخر، أكد المصدر أن الأمانة ستنفذ خلال الأيام القليلة المقبلة أعمال تطوير أرصفة شارعي الكرادة داخل وخارج، وشوارع النواب في الكاظمية والفاو في تقاطع بلدية الرشيد والربيعي في زيونة، فضلا عن شارعي الرشيد والسعدون وشوارع راغبة خاتون والكمب و14 رمضان وعدن، مشيرًا إلى أن الأمانة طالبت دائرتي بلديتي الصدر الأولى والثانية بتقديم جداول كميات لإجراء تطوير أرصفة شارعي الفلاح وأبي ذر. واوضح أن هذه الأعمال ستتم بموجب القرار 184 لسنة 1997 المتضمن قيام أصحاب العقارات في هذه الشوارع بدفع جزء من تكاليف العمل، ونعود الآن إلى موضوعنا الأساسي والذي ابتعدت عنه كثيرا وهو قصة حاج حقيقة بور حيث قرر المدعو بور أن يقوم بجلب فوج من الحرس الثوري الإيراني بشكل علني ورسمي هذه المرة، رافق ذلك إعلان الناطق الرسمي باسم الحكومة الإيرانية عن وجود نية لزيارة الرئيس الإيراني نجاد إلى العراق وشخصيات إيرانية رفيعة المستوى، ونورد إليكم نص التصريح الذي أعلن على النواقع التابعة للميليشيات المرتبطة بإيران، قال مسئول اللجنة المركزية الإيرانية لإعادة بناء العتبات المقدسة في العراق منصور حقيقة بور أمس: إن 80 مشروعاً فنياً وإنمائيا لإعادة بناء هذه العتبات يتم تنفيذها حالياً.(2/5)
ونسبت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إلى بور قوله: إن 2700 من الكوادر الماهرة والمتخصصة تقوم بإنجاز هذه المشاريع، فيما قال مسئول آخر: إن حوالي 3 مليارات تومان هي مجموع التبرعات من سكان محافظة إيرانية للمساهمة في بناء هذه العتبات. وقال بور أمام ملتقى أعضاء لجان إعادة بناء العتبات المقدسة المنعقد في رفسنجان جنوب شرق إيران: إن هذه المشاريع الإنمائية قد بدأت منذ ثلاثة سنوات في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء. من جانبه قال مسئول لجنة إعادة بناء النجف علي رضا فداكار: إن سكان محافظة كرمان جنوب شرق إيران تبرعوا إلى الآن بـ 20 مليار تومان من السلع والأموال لإعادة بناء العتبات بالعراق
الميليشيات الشيعية وإبادة أهل السنة 3/4
علي القيسي
موقع المسلم
لا يختلف اثنان من المتابعين للشأن العراقي على ضلوع جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر بالأعمال الانتقامية التي طالت أهل السنة ومساجدهم، حتى اعتبر ذلك التشكيل الشيعي الأكثر فتكًا بأهل السنة بعد أحداث تفجير الضريح الشيعي المزعوم، وعده الكثير من أهل السنة في العراق العدو الأول لأهل السنة قبل فيلق بدر المعروف.(2/6)
قد بلغت آخر إحصائية أجرتها دائرة الوقف السني أن 122 مسجدًا لأهل السنة تم تدميرها من قبل جيش المهدي، فيما كانت الأربعون الأخرى على يد فيلق بدر، وقتل من أهل السنة 245 شابًا على يد عناصر ذلك الجيش بعد تعذيب للجثث لم يشهد له العراق مثيلاً من قبل، مما شكل صدمة للكثيرين من أبناء السنة في العراق، الذين كانوا يعتبرون جيش المهدي أو مقتدى الصدر نفسه وطنيين وعراقيين. وللوقوف على الموضوع أجرى منتسبو جمعيتنا في بغداد وكربلاء والنجف والسماوة والبصرة -عددًا من اللقاءات والحوارات مع عدد كبير من المواطنين والمسئولين، أهمها كان لقاء مع أبرز قادة جيش المهدي وهو الشيخ 'محمد النجفي' الذي طرد من قبل مقتدى الصدر في نهاية عام 2005 دون أن يتضح السبب آنذاك. النجفي البالغ من العمر 40 عامًا، وهو من كبار قادة جيش المهدي خلال معركة النجف الأخيرة، والذي اضطر اليوم إلى ترك النجف واللجوء إلى بغداد بعد طرده منها من قبل عناصر جيش المهدي، نترك الحديث له ليطلعنا عما خفي عن الإعلام حيث يقول:
'في البداية كان جيش المهدي عراقيًا أصيلا، لا غبار عليه، صاحب طابع وطني معروف، واليوم هو جيش إيراني لا غبار عليه، واستلم قياداته ضباط مخابرات من جهاز 'إطلاعات' الإيراني وبدأ الصرف والتمويل والتدريب عليه داخل وخارج العراق، حتى بدأ ينافس فيلق بدر بشكل كبير. وسياسته اليوم تسير وفق ما تريده إيران من مقتدى الصدر، ودب المرض في هيكله وأصبح عضالاً. كل المساجد التي أحرقت وكل المسلمين السنة الذين قتلوا وعذبوا واعتقلوا هم على يد جيش المهدي، وكل القوات التي انتشرت في بغداد والمحافظات التابعة لجيش المهدي كانت تحوي إيرانيين مدربين. لقد انخرط ووافق الصدر على أن يكون تحت عباءة إيران، بعد أن شاهد التهميش، وصل إلى صدره الجاهل 'حسب وصفه'.(2/7)
اليوم جيش المهدي يتسلم شهريًا ملايين الدولارات من إيران لقاء موافقته على أن يكون طوعًا بين أيديهم، أنا أقول لك أمرًا: إن أغلب عناصر الحرس الثوري الإيراني عدا القادة أمثال حاج منصور حقيقت بور ونجف صمدي القائد الميداني لجيش المهدي والمدربين والمختصين في الاتصالات والمخابرات والباسدران، ومن لبنان من يرسلهم الكوثراني مسئول شئون العراقيين هناك، وانسحبت من العراق بعد أن اتفقوا مع الصدر بأن يكون جيش المهدي أيديهم وأعينهم في العراق. وما يخص علاقتهم مع الأمريكان والبرطانيين متروكة إلى أحمد الجلبي هو ينسق الأمور بينهم في كل أنحاء العراق، وأزيدك من الشعر بيتًا، سبع شخصيات سنية بارزة من الذين قتلوا على يد جيش المهدي هم أصلاً من المطلوبين للمخابرات الإيرانية. أهمهم الذي قتل بعد أحداث التفجير مباشرة، اللواء الركن الطيار المعروف 'محمد العزاوي' أول طيار عراقي دك جزيرة خرج الإيرانية عام 1984. وكان من المطلوبين لإيران، وعليه مكافأة مادية تم تخصيصها بعد سقوط بغداد لكل من يقتل العزاوي، واليوم العزاوي قتل على أيدي جيش المهدي وسط بغداد عن طريق مجموعة من أفراد جيش المهدي، ويرأسهم شخص اسمه سعدي الوحش. والصدر وُعد من قبل إيران بعدة أمور: منها تولي أتباعه من جيش المهدي حكم العراق، والتمويل المادي غير المحدود، وتوفير السلاح بشكل كبير لهم، حتى عاد اليوم جيش المهدي من ناحية التجهيزات والأسلحة أكثر بكثير من قبل معركة النجف. وما دعوته للسلطات السعودية ببناء قبور أهل البيت إلا من إيران ـ وأنا كنت حاضرًا بها ـ لسبب بسيط هو أن إيران لا تتمتع بعلاقات طيبة مع السعودية، وتخشى من ردة الفعل السعودية إذا تدخلت إيران بشئونها. فقاموا بدفع مقتدى الصدر لإصدار تصريحات حول السعودية، أولها: مطالبته ببناء القبور، والثاني: تحدثه عن مظلومية الشيعة في السعودية، وذلك يوم 9 كانون الثاني من هذا العام، أعتقد أن جيش المهدي(2/8)
اليوم أصبح أكثر خطرًا على العراق وأهل السنة خاصة من فيلق بدر؛ لسبب بسيط هو أن عددًا من زعماء السنة لا يزالون مصرين على تقريب جيش المهدي والصدر إليهم، وعقد اجتماعات بينهم. كما أن لجيش المهدي خبثًا سياسيًا ظهر جليًا في الأحداث الأخيرة، وهو ما ترسمه وتخطط له إيران حسب معلوماتي الأكيدة، فإن جيش المهدي يبلغ تعداده اليوم 14 ألف عنصر بعدما كان أكثر من 21 ألفًا، لكن الباقيين الآن لهم مرتبات محترمة من إيران، ولهم مخصصات وسفرات دورية وبشكل منتظم إلى إيران ولبنان وسوريا، والقائد الفعلي لجيش المهدي اليوم هو 'نجف صمدي' ضابط مخابرات إيراني، ويسكن اليوم في النجف، أرجو أن يعامل أهل السنة؛ بل والعراقيين الوطنيين سنة وشيعة جيش المهدي على أنه الجيش الإيراني.(2/9)
وعن محاصرة منزل الشيخ الضاري، وقد ذكرتم أن فيلق بدر وعناصر حكومية هي من تحاصر المنزل، لكن في الحقيقة إن جيش المهدي هو من هاجم منزل الشيخ الضاري؛ لأن فيلق بدر معروف في 'أبو غريب' ولا يتمكن من دخولها بسهولة، فتم إرسال جيش المهدي، أنا متأكد من كلامي هذا كما أراك اليوم أمامي. هذا كل ما لدي، وهو ليس بالقليل على ما أظن. وعن شهود عيان كانوا قد شهدوا صولات وجولات جيش المهدي على مساجد السنة وأهلها يقول السيد 'أبو علي' وهو من أهالي مدينة الصدر، شيعي، وعضو في الحزب الشيوعي العراقي، أكتفى بذكر كنيته لأسباب أمنية: إن جيش المهدي قتل من أهل السنة في مدينة الصدر أكثر من 50 مواطنًا بينهم كبار سن وصبيان، ومثل بجثث بعضهم شر تمثيل، وعلق أحدهم أمام عيني بكلابات في منطقة القصابين تستخدم لتعليق الخرفان بعد ذبحها للسلخ، وهو مؤذن جامع المنطقة التي أسكن بها. كان على السنة أن يتذكروا أن القوم الذين غدروا وخذلوا الإمام الحسين، ثم بكوا عليه بعد مقتله، قادرون على أن يغدروا بالعراقيين من أهل السنة البسطاء. اليوم استفحل أمرهم، واشتد عودهم، وللأسف فإن الأمريكان أثبتوا أنهم أغبى من الغباء نفسه. على العراق اليوم إذا أراد أن يستعيد أمنه واستقلاله أن ينظف العراق من أمثال هؤلاء على ما أظن. وفي النجف جنوب العراق أكبر مدن الشيعة، ومركز المرجعية الشيعية، ذكر مراسل مفكرة الإسلام هناك أن منزل السيستاني في شارع المثنى أصبح خلال فترة الاعتداءات اليومية على أهل السنة مرتعًا لقياديي فيلق بدر وجيش المهدي، وكأن منزل السيستاني أصبح غرفة عمليات مشتركة، يتم فيها التخطيط لذبح أهل السنة، فيما يقول 'حسين فلجان' من أهالي النجف: 'لم نشاهد علي السيستاني يخرج على شاشات التلفاز منذ عامين، باستثناء تمارضه وذهابه إلى لندن، لكننا شاهدناه بعد تفجير قبة الإمام علي الهادي في شاشات التلفاز وهو يجتمع مع بقية المرجعيات، ويتداول في الرد وكأن(2/10)
الكعبة هي التي فجرت، وكان المصور ـ والله يشهد علي يوم الدين ـ هو مصور إيراني، وكادر التصوير كله إيراني، وأنا مسئول عن كلامي هذا، وأهل النجف كلهم يعلمون ذلك جيدًا، أعتقد أن التفجير والاعتداء على أهل السنة هي خطة إيرانية سستانية صدرية والسنة أبرياء منها. أرجو أن تذهب إلى شارع الكوفة القديم، وتشاهد المنشورات المعلقة على الجدران التي تصور فيها مساجد السنة المحترقة وقتلى السنة، وقد كتب عليها أحفاد الحسين يثأرون من النواصب من جديد، وأخرى تقول 'محرقة السنة' في تقليد لمحرقة اليهود. اذهب وستراها بأم عينك. ولعل البعض المتابع للوضع في العراق المصدق لكلام الساسة العراقيين المعينين من قبل الاحتلال -يرى أن عمليات القتل انتهت أو خفت على أهل السنة، ولكن الحقيقية غير هذا تمامًا، حيث ذكر طبيب لجمعيتنا في بغداد أن مستشفى الطب العدلي المركز الرئيس في العراق يتسلم يوميًا أكثر من 30 جثة لأهل السنة، يقتلون على أيدي عناصر جيش المهدي أو فيلق بدر أو مغاوير الداخلية، ناهيك عن قتلى الاحتلال. مع تشريد لأهل السنة بلغ حتى يوم 10/3/2006 ، 1050 عائلة سنية تسكن الآن في الخيم، سنعمل على تصوير حياتهم في المخيمات ونقلها للناس. ويبقى السؤال المطروح دومًا ما بين شيعة العراق وإيران وقوات الاحتلال، ماذا سيبقى من عاصمة الرشيد؟؟
الميليشيات الشيعية وإبادة أهل السنة 4/4
علي القيسي
موقع المسلم
لقد رصدت جمعيتنا (جمعية ضحايا سجون الاحتلال الأمريكي) عدداً كبيراً من الانتهاكات التي حصلت بحق العراقيين منذ تأسيس جمعيتنا وحتى الآن. ولكن ما حصل من الانتهاكات بحق العراقيين الأشهر التي تلت التفجير الذي حدث في مدينة سامراء في صبيحة يوم 22 / فبراير/ 2006 حيث فاقت تلك الانتهاكات في وحشيتها ما حدث لما سبق ذلك منذ الاحتلال وحتى الآن. نلخص طبيعة تلك الانتهاكات بالفقرات الآتية:(2/11)
•…الانهيار الكامل لمصداقية الأجهزة الأمنية العراقية لوزارة الداخلية، بسبب ما قامت به من اشتراك واضح وعلني وموثق في التداعيات التي تلت حادثة تفجير سامراء، حيث أظهرت تلك الأجهزة بأنها عبارة عن ميليشيات دينية متطرفة متعصبة، بعيدة كل البعد عن الحيادية، متجاوزة كل القوانين الوضعية المنصوص عليها في الدستور العراقي، والقوانين الدولية والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان.
•…اعتقال أكثر من عشرة الآف10000 شخص، وجد العشرات منهم مقتولين، بل وهناك من تم تنفيذ الإعدام بهم حال إلقاء القبض عليهم. وأكثر ما أثار القلق لدى الناس هو العثور على جثث لأشخاص تم اعتقالهم قبل هذا الحادث.(2/12)
•…تتكون الأجهزة الأمنية من عدد من الميليشيات، نذكر منها: 1. ميليشا قوات بدر. 2. ميليشيا جيش المهدي (مكون من 5 مكاتب، وقيادة موحدة من قبل المدعو نجف صمدي من الحرس الثوري الإيراني). 3. ميليشيا يد الله. 4. ميليشيا ثأر الله. 5. ميليشيا بقية الله. 6. منظمة العمل الإسلامي. 7. ميليشيا حزب الفضيلة. 8. ميليشيا المؤتمر الوطني ( التابعة لأحمد الجلبي ). 9. ميليشيا حزب الدعوة. 10. ميليشيا حزب الدعوة فرع العراق. 11. ميليشيا كتائب القصاص. 12. ميليشيا تجمع الشبيبة الإسلامية. 13. ميليشيا مرتبطة بمكتب آل البيت العالمي! 14. ميليشيا جمعية آل البيت (جمعية إنسانية). 15. ميليشيا القصاص العادل. 16. ميليشيا جمعية مكافحة الإرهاب. 17. ميليشيا جمعية الصداقة الأمريكية - العراقية. 18. ميليشيا تجمع شهيد المحراب. 19. ميليشيا حسينية البراثا (تابعة لعضو الجمعية الوطنية العراقية جلال الصغير) مركز قيادة متكامل فيه محكمة وتحقيق ومقبرة (ويلقب بجمهورية براثة الإسلامية). 20. ميليشا حزب الله (فرع العراق - جماعة كريم ماهود). 21. ميليشيا حزب الله (التابعة للمدعو حسن الساري). 22. ميليشيا غسل العار (تقوم بقتل من يعتقدون بأنهم ممن تحولوا في مذهبيتهم). 23. كتائب أشبال الصدر. 24. كتائب ثأر الحسين. 25. ميليشيا المرجع محمود البغدادي (الصرخي الذي يدعي بأنه يلتقي بشكل منتظم مع المهدي المنتظر!!). 26. كتائب مالك الأشتر. 27. لجنة الكوثر لإعادة إعمار العتبات العراقية وإسنادها" وبقيادة عميد الحرس الثوري الإيراني ((حاج منصورحقيقت بور)) 28. كتائب الدماء الزكية 29. جيش المختار. 30. مليشيات حزب العمل الإسلامي المتكونة من ثلاث ميليشيات هي: أ - ميليشيا حزب العمل الإسلامي المقر(محمد تقي المدرسي). ب - ميليشيا الطليعة. ت - ميليشيا الفتح.(2/13)
•…أن تكون أجهزة أمنية أكثر من 32 (اثنين وثلاثين) وبسبب وجود تنافس وتضارب في المصالح بين تلك الميليشيات من حيث أن مراجع كل منهم يريد العمل وفق فتواه، لما يجعله ليكسب رضى الجهة المرتبط بها. تعد مراجع تلك الميليشيات مختلفة من حيث الاجتهاد الديني، فلكل منهم اجتهاده الديني الذي يختلف عن الآخرين، حيث تجد في مفرزة واحدة لمنتسبي وزارة الداخلية تضم عناصر من العديد من تلك الميليشيات، ولكلٍ اجتهاده في التعامل مع ما يحدث في الشارع، والتعامل مع الناس عند مداهمتهم. وكمثال على ذلك فبعض الاجتهادات التي تعمل على أساساتها تلك الميليشيات تحلل السرقة والاغتصاب والقتل وسفك الدماء وهدم الدور وعلى أساس طائفي.
ملاحظات هامة:
1. لقد كان لما تسمى (حركة غيارى الشيعة) الدور البارز في تداعيات الأيام التي تلت حادثة تفجير سامراء، علما بأن تلك الحركة تعد من الحركات التكفيرية عند الشيعة، ولهم بيان يصفون فيه مقتدى الصدر وأتباعه بأبشع الأوصاف والاتهامات المخجلة.
2. لقد رصدت مكاتب جمعيتنا وجود إيرانيين لا يجيدون النطق بالعربية، حيث كانوا يستعينون بالبعض من منتسبي الأجهزة الأمنية الذين يجيدون الإيرانية للقيام بعملية الترجمة لهم.
3. وجود عناصر لبنانية تتكلم باللهجة اللبنانية الواضحة مع تلك الميليشيات أثناء ممارسة عملها في المداهمات والتخريب والقتل.(2/14)
4. وجود تنسيق عالي مع المترجمين العاملين مع قوات الاحتلال الأمريكية من قبل تلك الميليشيات التي ترتدي بزات الشرطة العراقية، فقد رصدت إحدى مكاتب جمعيتنا وفي منطقتي الدورة والأعظمية -حوادث عجزت فيها مفارز تلك الميليشيات من الوصول إلى أهدافها، بسبب تدخل الحرس الوطني، مما دفع بأشخاص مميزين من تلك المفارز يحملون أجهزة اتصال خاصة للاتصال بمترجمين معروفين في تلك المناطق مع قوات الاحتلال؛ لطلب النجدة وتصوير الوضع على أنهم تعرضوا لهجوم من قبل إرهابيين في تلك المناطق؛ لتسهل عليهم عملية الحصول إلى الإسناد الجوي من قبل قوات الاحتلال الأمريكية في تلك المناطق وصولا لأهدافهم الطائفية. وللأسف فقد كانت قوات الاحتلال وبحق ألعوبة بيد تلك الميليشيات ضمن مفارز وزارة الداخلية.
5. رصدت مكتب جمعيتنا في منطقة المدائن قيام ميليشيا جيش المهدي بتسلم المسئولية كاملة من مقرات الشرطة والتصرف بالمعتقلين من خلال شهادة أحد المعتقلين المطلق سراحه مقابل رشوة -بأن جيش المهدي استلم تلك المقرات استلاماً بكتب رسمية، حيث جرى جرد أسماء الموقوفين والسيارات للتصرف بها من قبل جيش المهدي. ويلاحظ وقوع مشادات كلامية بين منسبي جيش المهدي ومن سلمهم تلك المعتقلات بخصوص التخصيصات المالية لإطعام السجناء.
6. هناك الكثير من الشهادات التي تظهر وجود دور لمغاوير الداخلية في حادث سامراء، وخاصة بعد العلم بأن اليوم الذي وقع فيه الحادث كان يوم تسليم الملف الأمني من قبل قوات الاحتلال للحرس الوطني.
7. التصريح المرتبك والمتناقض لوزير الداخلية (بعد الحادث) من حيث بيان عدد الحراس الذين في حماية الضريح والمهاجمين، والوقت الذي تمت فيه الجريمة، وهنا أرفق إليكم نسخة من بيان وزارة الداخلية لذلك.
8. استهداف مكاتب أحزاب وجهات مشتركة في العملية الانتخابية ومعروفه باعتدالها.(2/15)
9. ماحدث في البصرة من قيام مئات المسلحين بتطويق مقر الحزب الإسلامي لساعات طويلة ودخول سجن الموانئ وإعدام 11 (أحد عشر) شخصاً من جنسيات مختلفه من المعتقلين.
10. رصد دخول الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من إيران من الشلامجة في منطقتي البصرة وبدرة وغيرهما من المنافذ الحدودية.
11. ترافق الحادث مع الضغوط والتجاذبات للملف النووي الإيراني، ونلاحظ بأنه كان لجيش المهدي الدور الواضح فيه، وفي نفس اليوم ذهب الصدر إلى إيران وأخذ يصرح من هناك!! والوضع في لبنان وسورية له شأن في ذلك، حيث صرح مسئول حزب الله (حسن نصر الله) وقال: نعم بأن هنالك ترابطاً وتواصلاً بين حزب الله وإيران وسوريا والعراق.
12. وقوف قوات الاحتلال موقف العاجز والمتورط والمنهار أمام ردود الفعل بعد الحادث، ولم يحرك ساكناً أمام من كان يراهم يحملون الأسلحه المتوسطة والخفيفة مما زاد الهوة بينه وبين الشعب العراقي.
13. لايشك أحد في العراق بأن الحادث مبيّت والقصد منه إثارة الفتنة الطائفية، وهو حادث قريب من حوادث سبقته مثل التفجيرات في المناسبات الدينية وخاصة حادثة جسر الأئمة التي كان للشرطة دورٌ واضحٌ فيها.
14. حادثة التفجير في سامراء حدثت بعد التصريحات للسفير الأمريكي ووزير الخارجية البريطاني حول العملية السياسية والانتخابات في العراق، وبعد الدعوات لضرورة تشكيل حكومة يتولى المسئولية الأمنية فيها من هم بعيدين عن الطائفية والمليشيات.
15. الفضائح والانتهاكات في السجون العراقية السرية والمعلنة، والتفهم الذي أصبح واضحاً للوضع الإنساني المتدهور في العراق من قبل الأمم المتحده والرأي العام والقوات الأمريكية.
16. قيام تلك الميليشيات بشراء أكثر من ألف سيارة وبشكل سريع ومكلف قبل يومين من الحادث.
ملاحظة:(2/16)
بات الأمر واضحاً للشعب العراقي بأن الفجوة التي بين الشعب والأجهزة الأمنية صارت كبيرة جداً، ولن يتم إيجاد الحل الشامل لتلك المعضلة إلاّ بتدخل مباشر وحاسم -طرف محايد لتشكيل وتدريب أجهزة أمنية ليست بالطائفية ولا العرقية، ويشترك فيها أفراد من كل أطياف الشعب العراقي؛ لكي تنتهي مسألة الولاء للطائفة أو للعرق، ولا يكون هنالك أعلى من الولاء للوطن الواحد، حيث يكون القانون هو الأعلى والفيصل. ولا يخفى عليكم بأن العشائرية هي الصبغة الطاغية على التركبية الاجتماعية للمجتمع العراقي، فالكثير من العشائر والمدن والقرى فقدت الكثير أبناؤها من خلال مداهمات وهجومات تلك الأجهزة الأمنية، حيث وبعد التأكد من خلال تصريحات لمسئولين حكوميين في الحكومة العراقية ومسئولين في قوات الاحتلال عن وجود فرق للموت تمارس عملية القتل والتصفية والخطف والتهذيب والابتزاز، مما قاد إلى فقدان الثقة بين العراقيين وتلك الأجهزة الطائفية.
بروز جيش المهدي:(2/17)
برز جيش المهدي على الساحة العراقية من جديد بعد أحداث تفجير المسجد المذهب في سامراء في 22 شباط (فبراير) الماضي 2006م، ولكن هذه المرة ليست كبروزه في مايو 2004 في معركته مع القوات الأمريكية حينما اكتسب تأييداً جماهيرياً كبيراً، بل ظهر هذه المرة كأبرز ميليشيا طائفية تحارب أهل السنة، وتعتدي عليهم في مناطق نفوذها. فبمجرد الإعلان عن تفجير أضرحة الشيعة(1) انتشرت عجلات مدنية تحمل المقاتلين الشيعة في بغداد خاصة ومدن عراقية أخرى، وبدأت عمليات حرق المساجد وقتل أئمتها والمصلين فيها أو اختطافهم وتعذيبهم والتمثيل بهم سراً وعلانية... وكذلك عامة أهل السنة حيثما انفردت بهم تلك القوات... فجاء تحرك (جيش المهدي) وباقي الميليشيات الشيعية في تناغم سابق التخطيط وبمنتهى الإتقان مع ذلك الحدث الجلل. وشهادات الشهود المؤكدة أن من قام بالعملية هم عناصر من قوات حكومية، وبالتحديد مغاوير الداخلية الذين ينتمون أصلاً إلى فيلق بدر (الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) تلك القوات التي تأسست على يد الائتلاف الشيعي الحاكم. ويعمل جيش المهدي الذي أُعلن عن تشكيله أثناء صلاة الجمعة في الكوفة من قِبَل زعيمه (مقتدى الصدر) بعد الاحتلال بستة أشهر بنظام السرايا التي لا تتجاوز غالباً الخمسين مقاتلاً من عامة الشيعة الذين ينضمون إليه عن طريق هيئات تشكلت في الحسينيات والجوامع التابعة للتيار الصدري، وهم يعملون متطوعين بلا مخصصات مالية ثابتة معتمدين فقط على نظام العطايا وما يوزع عليهم من الخُمْس؛ أضافة إلى تقديمهم في فرص العمل لدى الدولة، وخاصة في أجهزة الأمن من شرطة وقوات الأمن كجزء من الاتفاقات المعقودة بين التيار الصدري وبين حكومة الائتلاف الشيعي. ومن أبرز تلك السرايا سرية الشيخ محمد الصدر في مدينة الصدر، وسرية الشيخ مصطفى الصدر في بغداد الجديدة، وسرية الشيخ مؤمل الصدر في منطقة الشعب وحي أور، وسرية(2/18)
الشيخ علي الكعبي وسرية الشيخ حسين السويعدي وكلها في بغداد، وهي في معظمها أسماء لمن يعتبرهم التيار الصدري شهداءه إبان حكم نظام صدام حسين، ويكون عدد أفراد السرية غالباً متعلقاً بقوة الزعيم الشيعي الذي يقودها، وحجم المساحة الجغرافية أو السكانية التي يتولاها، وقد تتعدد السرايا في المنطقة الواحدة، كما هو الأمر في مدينة الصدر في بغداد. ولم يكن لجيش المهدي تجهيز بالسلاح من قِبَل القيادات، بل كان المقاتل منهم يأتي بسلاحه الشخصي، وبعد تسليمهم إلى الأمريكان مقبل ثمن معتمدين على بعض العشائر الشيعية في جنوب ووسط العراق التي استولت على كمية كبيرة من أسلحة الجيش العراقي السابق، مما قلل من المتاجرة ببيع هذه العشائر السلاح المتوسط والثقيل للمجاهدين السنة خاصة في جنوب العاصمة بغداد، إلا أن الأمر تغير تماماً عندما توافق الصدريون مع إيران التي زودتهم بشتى أنواع الأسلحة، ولكن بالطريقة التي تضمن تفوق فيلق بدر (الأكثر ولاء لها) دائماً من ناحية التسليح. ثم كانت المواجهة التي خاضها جيش المهدي مع قوات الاحتلال الأميركي في النجف وبغداد ومدن جنوبية أخرى، وانتهت خلال شهرين بهدنة بين الطرفين برزت بعدها قوة جديدة داخل الجيش اصطُلح عليها بـ (فرسان الهدنة) ثم جرى المصطلح بين الصدريين على كل السرايا التي تتصرف بطريقة لا ترضي جماهيرهم، وأصبح مسمى (فرسان الهدنة) أشارة إلى أن القوة تلك ليست مرتبطة تماماً بالتيار الصدري، بل مدعية لذلك فحسب، ولكن زعيم الجيش (مقتدى الصدر) لزم الصمت، ولم يتدخل لمنع هذه السرايا من الاستمرار في العمل باسم (جيش المهدي) وقد أخذت بالتوسع مدعومة من الدولة وأحزاب شيعية أخرى وقوى خارجية، حتى أضحت أقدر من باقي سرايا (جيش المهدي) على كسب المقاتلين والانتشار في المناطق السنية مستفيدة من تسهيلات قدمتها أجهزة الدولة الأمنية، وهي السرايا التي يحاول زعماء التيار الصدري ومنهم (مقتدى الصدر)(2/19)
اتهامها بالاشتراك في الحرب الطائفية ضد أهل السنة!
وكان الانتقال الأخطر لـ (جيش المهدي) في الشتاء الماضي، عندما خرج ملايين الشيعة في مظاهرات حاشدة تلبية لنداء الزعيم (مقتدى الصدر) مطالبة الحكومة العراقية بتوفير الخدمات الأساسية للمواطن العراقي، وأمهلت الحكومة 72 ساعة لتلبية طلباتها، إلا أن المتظاهرين انسحبوا بعد أن أذعنت الحكومة للشروط غير المعلنة، التي تم الاتفاق عليها مع زعيم التيار، بتوفير آلاف الوظائف لجماهيره، وزج قيادات وأفراد جيش المهدي في قوات الشرطة والحرس الوطني ومغاوير الداخلية، وعلى الأخص قوات حفظ النظام التي تميزت بمسميات دينية شيعية، ومنذ ذلك التاريخ والتيار الصدري يتفانى في خدمة الحكومة والحفاظ على مصالحها، وقد أحال حسينياته إلى ثكنات عسكرية ومفارز لسيارات الشرطة والأمن. وحسب معلومات مؤكدة للأمم المتحدة فإن (جيش المهدي) تقاسم مناطق النفوذ في العراق وبغداد خاصة مع الحكومة المؤقتة، وكان ضمن مناطق سيطرته الشريط الشرقي للعاصمة بغداد فيما يسمى شرق القناة؛ حيث تقع مدينة الصدر المعقل الرئيس لـ (جيش المهدي) والثكنة العسكرية الأكبر له، وقد تحولت كل الحسينيات والجوامع التابعة للتيار الصدري إلى ثكنات علنية لـ (جيش المهدي) وكذلك لسيارات الشرطة العراقية وقوتي مغاوير الداخلية وحفظ النظام. وكان من أهم المواقف التي افتُضح فيها (جيش المهدي) ممارساته الطائفية ضد أهل السنة؛ فهناك (فِلمٌ مصور) يظهر فيه زعيمه مقتدى الصدر وهو يأمر بتوجيه قواته إلى مدينة (تلعفر) ضمن قوات الجيش العراقي، ويقصد تحديداً الحرس الوطني؛ حيث استبيحت المدينة عن بكرة أبيها بمساندة من القوات الأميركية التي بدأت أول عمل مشترك هناك مع (جيش المهدي) إلا أن الصدر تدارك الأمر، وكذَّب هو ووكلاؤه الشريط المصور، وتقبَّل عامة المسلمين السنة التكذيب حينها لموافقته رغباتهم غير الطائفية في التعايش مع الشيعة، حتى كذبت(2/20)
أحداث ما بعد سامراء تلك الآمال وأظهرت (جيش المهدي) وقيادته على حقيقة حالهم. وبعد التصعيد ضد أهل السنة ومقدساتهم من قِبَل (جيش المهدي) أقامت بعض سرايا الجيش العراقي مفارز في الطرف الغربي لمدينة الصدر لصعوبة التغلغل داخل المدينة لقلة وجود الصدريين بين أفراد الجيش العراقي، وتمكنت من إلقاء القبض على أكثر من ثلاثمائة مقاتل شيعي عامتهم من جيش المهدي، ومع ذلك تم التكتم على الموضوع، ثم توالت إعلانات وزارة الدفاع عن إلقاء القبض على فرق موت أخرى؛ إلا أن أي نتيجة للتحقيق لما تعلن بعد؛ بينما تأكد إطلاق سراح كثيرين منهم. وكان التيار الصدري قد دخل على استحياء الانتخابات النيابية الماضية ضمن قائمة الائتلاف برغم خصومته المعلنة مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وفيلق بدر وعبد العزيز الحكيم شخصياً، لكنه ارتقى في ولائه لحزب الدعوة الذي تربطه به علاقة تاريخية، تعتمد على تنحية فكر الصدر الثاني وهو الخصم اللدود للتيار الشيعي الصفوي، والعودة إلى الصدر الأول مؤسس التيار الصدري وحزب الدعوة معاً، حتى أصبح الصدريون الدعامة الرئيسة لرئيس الوزراء السابق (إبراهيم الجعفري) والمطالبين بقوة لاستمراره لكونه أكثر من حقق لهم رغباتهم الطائفية، وسهل على غلاة الشيعة تحقيق أحلام الأجداد في تقتيل أهل السنة تحت مسمى (الوهابية) واستباحة بيضتهم بطريقة غوغائية بشعة، فكانوا السبب الرئيس وراء أزمة تأخر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، واستمرار حالة الفوضى الأمنية، وتأخير العمل بالنظام الأمني الجديد، واستمرار مسلسل القتل اليومي لأهل السنة، مما أسهم في تراجع ترشيحه رئيساً للوزراء، وجاء البديل (جواد المالكي) وهو القائد العسكري لميليشيا حزب الدعوة. وقد شملت التحولات في موقف الصدريين توطيد العلاقة مع إيران إلى حد التهديد بالدفاع عنها عسكرياً لو أنها تعرضت لخطر أميركي محتمل كما جاء على لسان (مقتدى الصدر) وشمل هذا التطور مد(2/21)
إيران جيش المهدي ـ السيئ التسليح ـ بأحدث الأسلحة وأشدها فتكاً، وقد تسلم (جيش المهدي) فعلياً شحنات من الأسلحة المتطورة والعادية، شملت القاذفات والرشاشات الثقيلة والصواريخ المضادة للطائرات، واتخذ الجيش من حسينياته مقرات لها. وفي هذا التطور تكون القوى الشيعية الغالية قد اجتمعت بطريقة لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، ولكنه اجتماع غير منضبط، ولا يمكن ضمان استمراره؛ فبين الحوزتين (الفارسية) و(العربية) أو ما يسمى بالحوزتين (الصامتة) و(الناطقة) من الخصومة الشيء الكثير من تاريخ مليء بالدماء والثارات والاختلاف على الحقوق الشيعية (الخُمْس) ومردودات السياحة الدينية، والدخول المتأتية من الأضرحة والمزارات ما لا يمكن أن يذوب نهائياً في ليلة وضحاها، ولو للمصلحة المشتركة في الحرب على أهل السنة!! لكن هذا الاجتماع خطير جداً برغم كل المعوقات والمنغصات؛ فالمساعدات الشيعية تجتمع إلى قيادات تلك التيارات من كل حدب وصوب؛ وقد تفانى شيعة المنطقة الشرقية في السعودية وغيرهم في البحرين والكويت وغيرهما في دفع هذه الميليشيات ودعمها بالقوة السياسية والمال، وفي المقابل فإن شباب شيعة تلك الدول حصلوا من هذه الميليشيات ـ شبه الحكومية ـ على فرصة نادرة في التدريب على السلاح والإعداد العسكري، في حركة دءوبة لوصل الشرق بالغرب والشمال بالجنوب؛ لاستثمار الفرصة التاريخية التي فتحت الباب أمام شيعة المنطقة لإثارة القلق والاضطرابات في كل دول جوار العراق.
********************
انتصار حزب الله
انتصار حزب الله (الحلقة الأولى)
محمد سرور زين العابدين
المرحلة التي سبقت تأسيس الحزب
انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي [1]، والذي جاء قبل موعده المحدد، كان مناسبة استثمرها قادة الطائفة الشيعية من العرب والعجم استثماراً نادر المثال، لاسيما وأن القوم يعرفون كيف يستغلون مثل هذه المناسبات.(2/22)
لقد دعوا إلى مهرجانات خطابية في كل دولة ومدينة، بل في كل حي من الأحياء، ومن أهم ما قيل بهذه المناسبة: الحديث الذي أدلى به الأمين العام لحزب الله اللبناني لإحدى الفضائيات العربية التي يستمع إليها عشرات الملايين من الناطقين بالعربية، ويبدو أن نصر الله قد أعد حديثه إعداداً جيداً، وعرف كيف يدغدغ عواطف المستمعين، كما عرف كيف يغمز من قناة الآخرين، والآخرون بالتأكيد ليسوا من أبناء طائفته.
تفاعل الناس، كل الناس مع القائد المنتصر، وأسبغوا عليه ألقاباً وأوصافاً ما سمع بمثلها صلاح الدين بطل حطين، ومحرر القدس من رجس الصليبيين، وأقول: ما سمع بمثلها صلاح الدين مع علمي بأن الشيعة يكرهونه غاية الكره، لكنني لا أعرف أن عندهم بطلاً مثل صلاح الدين أو أقل لنشبه نصر الله به، وذلك لأن للقوم موقفاً سلبياً من الجهاد كله ليس هذا موضع الحديث عنه، وإن كان طلاب العلم من السنة والشيعة يعرفونه.
ولا أعدو الحقيقة عندما أقول: لا أعرف حدثاً معاصراً أيده الحكام والمحكومون من الأوربيين الشرقيين والغربيين، والعرب، واليهود كهذا الحدث، ولكل فلسفته في هذا الشأن:
فاليهود تخلصوا من ورطة كلفتهم عدداً كبيراً من الضحايا، كما كلفتهم بلايين الدولارات.
والأوربيون - على مختلف دولهم - يحرصون على استقلال لبنان، ولا يتم هذا الاستقلال إلا إذا خرجت القوات العسكرية التي احتلته، ولهذا فهم يطالبون بخروج القوات العسكرية السورية بعد الإسرائيلية.
وأجهزة إعلام الحكومات العربية بالغت في نفاقها لحكومتي سورية ولبنان اللتين تدعمان حزب الله.
وأحزاب الشيطان وأعوانه وجدوا في هذا الحدث مادة خصبة للهجوم المسف على دعاة وجماعات أهل السنة.. هؤلاء - على حد زعمهم - الذين لا يعرفون إلا ترويع الآمنين، والتآمر على سلامة المواطنين، وإثارة النعرات الطائفية، وزرع الخوف والإرهاب في كل مكان تطؤه أقدامهم.(2/23)
وكثير من الجماعات والهيئات الإسلامية السنية، أقاموا المهرجانات والاحتفالات في قليل من الدول التي تسمح بمثل هذا النوع من الأنشطة، وأرسلوا برقيات التأييد والتهنئة لقادة حزب الله مشفوعة بأسمى آيات التبجيل والتعظيم .. وإن تعجب فاعجب لقول أحد قادة هذه الجماعات لحسن نصر الله: إنك مجدد هذا العصر، وآخر يقول: إنك قدوة لشباب الإسلام .. يحدث هذا وملايين الناس يستمعون، وحق لأتباع هؤلاء القادة الذين ابتليت بهم أمتنا في آخر هذا الزمان أن يقولوا:
هذا والله هو الإسلام [الشيعي] وهؤلاء هم الرجال والقادة والعلماء!! ترى ألم يتعظ أصحابنا من تسرعهم في تأييد ثورة الخميني، لا سيما وأن كلاً منهم ناله طعنات من غدر الشيعة بهم، ووقوفهم إلى جانب أعدائهم، وفي جلساتهم المغلقة يقولون الكثير ويشكون بمرارة مما يجعلنا نشعر أحياناً أنه لا فرق بين مواقفنا ومواقفهم، لكنهم لا يقولون شيئاً يغضب الشيعة في العلن، ويا ليت حظنا عندهم مثل حظ الشيعة.
اعتدنا في مثل هذه الساعات الحرجة أن يضيق أصحابنا ذرعاً من حوارنا معهم، ويردون علينا قائلين:
هل تريدون منا أن نقول: لا، لم يقاتل الشيعة في جنوب لبنان، ولم يقدموا ضحايا، وبالتالي: لم ينتصروا، ولم يرغموا الجيش الإسرائيلي على مغادرة لبنان قبل الموعد المقرر؟!.
مهلاً يا إخواننا: إننا ما أردنا ولا نريد بخس الناس حقوقهم، وندرك جيداً أن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نقول الحق كما أمرنا بالعدل في أمورنا كلها، وحاشا لله أن ننكر بأن حزب الله قاتل العدو الصهيوني، وألحق به ضربات موجعة، وكسر كبرياءه وغطرسته، وحرم المواطنين اليهود في شمال فلسطين الأمن والأمان طيلة عقد ونصف من عمر الزمن.(2/24)
وإذا كنا نعترف بقتال حزب الله للجيش الإسرائيلي المحتل، فإننا نريد أن نضع هذا القتال في إطاره الصحيح دون زيادة ولا نقصان، وفصله عن هذا الإطار تشويه لتاريخنا الحديث، ومسخ للحقيقة، واستهتار بعقول أبناء أمتنا، ومن أجل وضع الأمور في إطارها الصحيح دعونا نبدأ القصة من أولها:
- منذ أن أذن الله لنا بالجهاد سلَّ سلفنا الصالح - رضوان الله عليهم - سيوفهم وانطلقوا في مختلف أرجاء الأرض ينشدون إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وكان فتح فلسطين على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه من ثمار هذا الجهاد المبارك.
وعرف المسلمون طوال مراحل التاريخ كيف يحافظون على المسجد الأقصى، وليس بيننا من يجهل سيرة البطل صلاح الدين الأيوبي، الذي استطاع تحرير الأقصى من رجس الصليبيين بعد استعمار نكد دام مائة عام، والرافضة من أشد أمم الأرض كرهاً لهذين القائدين العظيمين: عمرو بن العاص، وصلاح الدين الأيوبي.
- بعد الحرب الكونية الأولى دخلنا في صراع مرير مع الإنكليز الذين احتلوا فلسطين واستعمروها، ومع اليهود الذين سهلَّ لهم الإنكليز أمر إقامة وطن قومي لهم في أرضنا المباركة.
كان علماؤنا الأفاضل يقودون الأمة في مسيرة جهادها التي أخذت أشكالاً مختلفة، ونذكر من بين هذه الأسماء: الشيخ الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ورئيس الهيئة العربية العليا، والشيخ كامل القصاب، والشيخ عز الدين القسام، ثم الشيخ حسن البنا، والشيخ مصطفى السباعي، والشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ محمد محمود الصواف رحمهم الله وأسكنهم فسيح جنانه.(2/25)
- ولا نعرف للشيعة مشاركة في هذا الجهاد المبارك، بل ومن المؤسف أن شيوخهم في هذه المراحل كانوا مشغولين بتأليف الكتب التي يتهجمون بها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ويسّفون في شتم أبي هريرة رضي الله عنه، وأقرب مثال على ذلك ما كتبه علامتهم في جبل عامل عبد الحسين شرف الدين، أما إيران الشاه فكانت على علاقة وثيقة مع إسرائيل، ومعظم آيات الشيعة كانوا من المؤيدين للشاه.
أستثني من ذلك مشاركة علامتهم في العراق - كاشف الغطاء - وربما أسماء قليلة غيره في المؤتمرات التي صارت تعقد في الخمسينيات من أجل فلسطين، وهذه المشاركة شيء آخر غير الجهاد.
- التجأ عدد كبير من الفلسطينيين إلى لبنان بعد الهزيمة التي منيت بها الجيوش العربية في عام 1948، واستوطنت الغالبية العظمى منهم في بيروت وجنوب لبنان، ثم تضاعف هذا العدد بعد حرب أيلول 1970 بين منظمة التحرير والجيش الأردني، وانتقال عدد كبير من أعضاء المنظمة إلى لبنان، وما كانت لبنان لتقبل هؤلاء الوافدين الجدد لولا ضغط دول الجامعة العربية من جهة، وتعاطف أهل السنة حكاماً ومحكومين داخل لبنان من جهة أخرى.
- تزايدت العمليات الفدائية التي تنطلق من الجنوب اللبناني ضد العدو الصهيوني بعد عام 1970، ولم تكن معدومة قبل هذا التاريخ، وكان الجانب النصراني في لبنان ضد العمل الفدائي، ومن الأدلة على ذلك استقالة رئيس الوزراء رشيد كرامي (24 نيسان 1969) احتجاجاً على اشتباكات الجيش المدعوم من رئيس الجمهورية شارل الحلو مع منظمة التحرير، وفي 23/11/1969 جرى توقيع اتفاق القاهرة بين العماد أميل البستاني قائد الجيش اللبناني وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير. وقد أجاز هذا الاتفاق لمنظمة التحرير استخدام منطقة العرقوب لشن حرب عصابات ضد إسرائيل.(2/26)
وجملة القول كانت العلاقات بين الجيش وقوات الأمن اللبنانية من جهة، ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى دائمة التوتر، لكنها لم تكن كذلك مع معظم رؤساء الوزارات اللبنانية.
- مما يجدر ذكره أن قوة منظمة التحرير تتمثل بحركة فتح، وحركة فتح لم تكن شيئاً لولا دعم الإسلاميين لها، ومعظم الذين شاركوا في إنشائها كانوا من الإخوان المسلمين أو من اتجاهات إسلامية أخرى، ونذكر من بينهم: خليل الوزير، آل الحسن [خالد، وعلي، وهاني]، محمد يوسف النجار، توفيق النتشة.
وإذا كان الفساد قد نخر عقول وقلوب قادة فتح إلا من رحم ربي منهم، وهم قليل، ففي قواعدهم رجال صالحون قُتِلَ كثير منهم بعمليات فدائية، ومن جهة أخرى فقد قبلت فتح أن تكون غطاء لجناح إسلامي[2] يعمل بشيء من الاستقلالية، وكان وجود هذا الجناح في الجنوب اللبناني سبباً من أسباب توتر العلاقات، بين فتح ونظام الحكم في دمشق، الذي كان يتهم هذا الجناح بتنفيذ عمليات ضد النظام النصيري.
وخلاصة القول: فقد كان أهل السنة داخل لبنان وخارجه يتعاطفون ويتعاونون مع منظمة التحرير، ويُعتَبرونَ عمقاً لها، أما غير أهل السنة فيمد يده إليهم عندما تكون له مصلحة، وينأى بنفسه عنهم عندما تكون لهم معه مصلحة.(2/27)
- فتحت منظمة التحرير صدرها للشيعة في جنوب لبنان، وكان لها صلات وثيقة مع رئيس المجلس الشيعي الأعلى موسى الصدر، والصدر مواطن إيراني أرسله مدير الأمن العام الإيراني الجنرال بختيار إلى لبنان بمهمة ظاهرها ديني دعوي مع أنه لا يعد من علماء الشيعة، وباطنها سياسي طائفي، والذين انتدبوه لهذا الغرض سهلوا له طريق الوصول إلى القصر الجمهوري، وإقامة علاقات مريبة مع رئيس الجمهورية فؤاد شهاب وبطانته [أقطاب النهج]، وخلال فترة قصيرة تمكن الصدر من الحصول على الجنسية اللبنانية بموجب مرسوم جمهوري، وأنشأ عدداً كبيراً من المدارس والنوادي والجمعيات والحسينيات، في سائر أنحاء مناطق الشيعة، وجعلها مركزاً لأنشطته.
وفي عام 1969 أنشأ الصدر المجلس الشيعي الأعلى، وأصبح رئيساً له، وكان ذلك بعد وصوله بعشر سنين، وكان للسنة والشيعة مجلس واحد قبل هذا التاريخ [1969].
وفي عام 1973 شكل الصدر منظمة أمل، واسمها قبل الاختصار "أفواج المقاومة اللبنانية"، وما كانت هذه المنظمة لتنشأ لولا احتضان منظمة فتح لها، وفتح مراكزها لتدريب الشيعة المنتمين إليها.
وفي هذا العام 1973 ساءت علاقة الصدر مع أجهزة الأمن الإيراني، فانتقل إلى صفوف المعارضة، وأخذ أصدقاؤه في فتح يدربون أتباع الخميني، وكان مصطفى شمران مسؤولاً عن هذه الأنشطة، ويساعده الدكتور صادق الطبطبائي، وصادق قطب زاده، وعباس زاني "أبو شريف"، ومعظمهم تولوا مناصب وزارية أيام حكام الخميني[3].
قصارى القول: الإيرانيون الشيعة الوافدون إلى لبنان هم الذين أسسوا حركة أمل، وما نبيه بري إلاّ تلميذ ضمه أستاذه مصطفى جمران إلى تنظيمه الذي أسسه في "كاليفورنيا" عام 1966 وسماه "رابطة الطلبة المسلمين"[4]، ولم يكن للأستاذ وتلميذه قبل هذا التاريخ توجهات إسلامية.(2/28)
وأغرت حركة أمل منظمة فتح فقدمت خدمات جلى لثوار الخميني قبل وصولهم إلى الحكم، وبعد توليهم الحكم سارعت أمل إلى مبايعة الخميني إماماً للمسلمين، ثم جددت هذه البيعة عام 1982[5][5]، أما منظمة فتح فما كانت تدري أنها تستميت في تدريب ومساعدة قاتليها.
المؤامرة:
قلت فيما مضى: تفاعل أهل السنة في لبنان مع منظمة فتح تفاعلاً كبيراً، وكل من كان يزور لبنان، ويتفقد مدنه وقراه ومخيماته لابد وأن يلمس آثار هذا التفاعل في خطب العلماء ودروسهم، وعلى ألسنة الطلبة في معاهدهم وجامعاتهم، وفي تصريحات السياسيين [من المنتسبين للسنة] رغم اختلاف ميولهم.
قد يقال لأحدهم: أما ترى انحياز قادة منظمة التحرير للاتجاه اليساري العلماني، فيجيبك: بلى، ولكن فتح [6] تختلف عن المنظمات الأخرى التي لا تشكل ثقلاً في القرار الفلسطيني، ومن جهة أخرى فقضية فلسطين عندنا فوق كل اعتبار.
أما غير أهل السنة فمواقفهم كانت عدائية، وإن كانت أساليبهم مختلفة، فمنهم من ركب موجة الجبهة الوطنية [ومنظمة التحرير عضو في هذه الجبهة] ثم انقض عليها أو تخلى عنها في أحرج الأوقات، ومن الأمثلة على ذلك: دروز جنبلاط، وشيعة موسى الصدر، ومنهم من جاهر بعداوته منذ البداية، وحاولت فتح أن تستميلهم ففشلت، ومثالنا على ذلك نصارى لبنان وبالأخص الموارنة.. وما زالت الاحتكاكات تتطور بينهم وبين المنظمة إلى أن وصلت الأمور إلى حرب أهلية بعد مجزرة "عين الرمانة" في 13/4/1975 م.(2/29)
وفي 5/6/1976 دخلت القوات السورية إلى لبنان، وكان أسد يوهم كل طرف من أطراف الصراع في لبنان بأن هذا التدخل لمصلحته، كما كان يردد داخل سورية بأنه ما غامر ولا تدخل إلا لإنقاذ المقاومة الفلسطينية، ففي خطاب ألقاه بدمشق في 20/7/1976 في اجتماع مجلس المحافظين قال: "في يوم من الأيام انهارت جبهة المقاومة [الفلسطينية] والأحزاب الوطنية، وأرسلوا إلينا الصرخات ونداءات الاستغاثة.. إلى أن يقول: وتبين لنا أن الجهد السياسي وتقديم السلاح لم ينقذ الموقف، إذاً ليس أمامنا إلا أن نتدخل بشكل مباشر. كنا أمام خيارين آنذاك: إما ألاّ نتدخل فتسقط المقاومة في لبنان، وإما أن نتدخل فننقذ المقاومة، ونتعرض لاحتمال الحرب مع إسرائيل.. ثم قال: إنه تدخل تحت عنوان جيش التحرير الفلسطيني، وتبعته قوات من الجيش السوري"[7].
هل تدخل الأسد لإنقاذ المقاومة الفلسطينية والوطنية؟، وهل هو من أصحاب المغامرات الذين يتدخلون ولو أدى هذا التدخل إلى حرب مع إسرائيل؟.
حافظ أسد ضابط طيار، والطيار دقيق في حساباته، ومن جهة أخرى فالذين يعرفونه يؤكدون بأنه ليس من أصحاب المغامرات، وليس وارداً البتة أن يزج بنفسه في حرب مع إسرائيل بسبب حفنة من المشاغبين الفلسطينيين.
وهو في مسألة تدخله في لبنان، لم يتدخل إلا بعد مضي أكثر من عام على حرب دموية مدمرة، وبعد حصوله على تفويض من جامعة الدول العربية، بل قدمت له هذه الدول مساعدات مغرية مقابل قبوله التدخل في لبنان، ومن جهة أخرى، فقد طالبت جهات لبنانية كثيرة بتدخله، وفي مقدمة هؤلاء: السلطة، والموارنة، والشيعة، وآخرون غيرهم.
ومع ذلك لم يغامر أسد لأن إسرائيل لم تأذن له:
صرح وزير حرب إسرائيل شمعون بيريز لصحيفة معاريف [8/1/1976] بأن إسرائيل لن تبقى مكتوفة الأيدي، في حال حدوث أي تدخل سوري في لبنان. وجاء التدخل الأمريكي بعد هذا التصريح:
نقلت وكالة اليونايتدبرس من واشنطن [يوم 27/1/1976] ما يلي:(2/30)
"إن وزارة الخارجية الأمريكية أكدت بأنها تقوم بنقل الرسائل من الكيان الصهيوني إلى سورية، حول الوضع في الجنوب اللبناني، وقال فردريك براون المتحدث باسم الوزارة في تصريح للصحفيين: إننا على اتصال مع حكومات سورية وإسرائيل ولبنان، وإننا نراقب الوضع عن كثب. واعترفت الصحف الإسرائيلية بأن اتصالات من هذا النوع قد جرت، وأوضحت أن سورية أكدت لمسؤولين أمريكيين، أن وجود قواتها في الجنوب إنما يستهدف المقاومة واليساريين اللبنانيين".
وتحدث كيسنجر أمام لجنة الاعتمادات بالكونغرس فقال:
"إن الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في لبنان، وإننا شجعنا المبادرة السورية هناك، إن الوضع يسير لصالحنا ويمكن رؤية خطوط تسوية".
وبمثل هذا القول، قال المتحدث بلسان البيت الأبيض [رونالد نيسين]، والمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية.
وتغير الموقف الإسرائيلي بعد الدور الذي لعبه المسؤولون الأمريكان بين كل من سورية ولبنان وإسرائيل، والذي لا نعلم عنه إلا القليل، فوزير الحرب - بيريز - الذي كان يعارض التدخل أصدر تصريحاً لوكالات الأنباء في 2/6/1976 قال فيه:
"التدخل السوري موجه ضد ياسر عرفات وحلفائه، والقوات السورية دخلت الشمال والوسط وليس الجنوب".
وقال موشيه دايان: "إن على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب حتى لو غزت القوات السورية بيروت واخترقت الخط الأحمر، لأن غزو القوات السورية للبنان، ليس عملاً موجهاً ضد أمن إسرائيل" [وكالة الصحافة الفرنسية 5/6/1976].
وأعلن رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين في تصريح نقلته إذاعتهم:
"إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان. فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين، وتدخلنا عندئذٍ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة بالنسبة لنا".(2/31)
إسرائيل لا تلقي القول على عواهنه عندما تقول على لسان وزير دفاعها: إن هدفنا هو نفس هدف دمشق بالنسبة للمسألة اللبنانية، وأوربا وأمريكا لا يوافقون على التدخل السوري إلا إذا قامت الأدلة القطعية عندهم التي تؤكد أنه ضد منظمة التحرير ولمصلحة النصارى.
أما نصارى لبنان، فالنصيريون حلفاء لهم منذ القديم، وكان هذا الحلف يبرز بشكل واضح عندما يكون المسلمون في حالة ضعف، فبعد الحرب العالمية الأولى كان النصيريون يطالبون بالانضمام إلى لبنان لأنهم لا يثقون بالمسلمين، وجاء الرفض من بعض أطراف حلفائهم الموارنة ومن فرنسا التي خشيت من الإنكليز وحلفائهم في سورية ولبنان [الدروز، وبعض النصارى كالبروتستنت، وبعض المسلمين المثقفين ثقافة غربية إنجليزية]. ورغم بقاء جبال النصيرية ضمن سورية، فقد بقيت علاقات وثيقة بين العوائل المارونية والعوائل النصيرية، وكانت فرنسا مرجع الطرفين. وإذا كانت العلاقات بين الموارنة والنصيريين قديمة، وترعاها فرنسا وسيدة الجميع أمريكا (!!)، فليس من المستغرب أن يطلب زعماء الموارنة من النظام النصيري بدمشق التدخل ضد منظمة التحرير والقوى الوطنية، ففي 9/8/1976 أعلنت وكالات الأنباء الخبر التالي: "وصل كميل شمعون زعيم الوطنيين الأحرار وزير الداخلية اللبناني إلى دمشق على متن طائرة هيلكوبتر للتباحث مع حلفائه السوريين، ولتنسيق العمل العسكري في لبنان ضد المقاومة والقوات التقدمية، وأعلن شمعون أنه يثق ثقة كاملة بالرئيس السوري، أما بيار الجميل فقد صرح في بيروت أن سورية هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تفرض السلام في لبنان". وهناك تصريحات كثيرة صادرة عن الموارنة سبقت هذا التصريح وتؤدي نفس المعنى، ومن جهة أخرى فإن المبعوث الأمريكي الذي كان ينسق ما بين دمشق وإسرائيل كان يلتقي بزعماء الموارنة، فيطلعهم على ما يجري، ويستمع إلى وجهة نظرهم وينقلها إلى الأطراف المعنية.(2/32)
لننتقل إلى الحديث عما جرى على أرض الواقع بلبنان بعد التدخل السوري لنرى:
هل دخلت قوات أسد إلى لبنان لإنقاذ المقاومة من الهلاك والهزيمة الماحقة كما كان يدعي أمام المواطنين في سورية وفي بعض المحافل العربية، أم كان يريد تنفيذ المخطط الذي جاءت تصريحات اليهود والأمريكان والموارنة لتفضحه؟!، وسأتوخى الإيجاز قدر الاستطاعة، كما سأتوخى تغطية الأحداث منذ دخول القوات السورية، وحتى خروج المقاومة الفلسطينية والوطنية من لبنان.
- شق نظام أسد منظمة التحرير، فمنظمة الصاعقة وجهت بنادقها إلى صدور رفاقهم في منظمة التحرير، ثم شق فتح، ثم الجبهة الشعبية - جورج حبش -.
- شق الحركة الوطنية، فخرجت منها حركة أمل ومنظمة البعث وآخرون، وحسب تدبير مسبق أوعز موسى الصدر لضباط الشيعة العاملين في صفوف جيش لبنان العربي، فانفصلوا عنه، وكان انفصالهم وهم الذين يتولون مسؤوليات مهمة فيه ويعرفون أدق أسراره، ضربة قاتلة لهذا الجيش الذي كان يُعد أملاً من آمال الحركة الوطنية، وكان قد تمكن قبل دخول القوات السورية من السيطرة على معظم الأراضي والمواقع اللبنانية.
- انتصرت القوات السورية الغازية على القوات الوطنية والفلسطينية في كل من البقاع، وعكار، وجبل وصيدا، وفرضت الحصار المحكم على كل من البر والبحر والجو، ومنعت الأسلحة والمؤن من الوصول إلى قوات الحركة الوطنية.
- وقعت معارك بين الدروز والموارنة، وبين الشيعة والموارنة، لكنها كانت قليلة، ولها أسبابها، أما العدو المشترك طوال هذه الحرب فهم أهل السنة اللبنانيون والفلسطينيون، وتناوب على حربهم: اليهود، القوات النصيرية، الموارنة، أمل بدعم قوي من الشيعة، الدروز، وكانت بعض هذه القوى تتعاون وتنسق فيما بينها، وقد يكون هذا التنسيق علنياً ميدانياً، وقد يكون غير مباشر عن طريق وسيط آخر، وأقوى الوسطاء وأكثرهم فاعلية الأمريكان عن طريق مبعوثهم الدائم في المنطقة. وهذه هي لغة الأرقام:(2/33)
- انفرد الموارنة باحتلال وتدمير المخيمات التالية: الكرنتينا، جسر الباشا، برج حمود، وكانوا يتلقون الدعم من إسرائيل، ومن الجيش اللبناني.
- انفردت القوات النصيرية باحتلال البقاع، وعكار، والجبل، وصيدا [كما رأينا فيما مضى]، وما كان ذلك ممكناً لولا انشقاق الشيعة وعملاء النظام السوري عن المقاومة والحركة الوطنية.
- دفع النظام النصيري عملاءه الفلسطينيين أمثال المنشقين من فتح وأحمد جبريل لمواجهة إخوانهم في مخيمي البداوي ونهر البارد، فسقط المخيمان في نهاية عام 1983، وكانت الخسائر في الأموال والأرواح فادحة، كما أن عملاء سورية كانوا واجهة وستاراً للقوات السورية الغازية.
- حاصرت قوات الموارنة مخيم تل الزعتر في أواخر حزيران من عام 1976، وثبت سكان المخيم ثباتاً مشرفاً، وسقط المخيم في 14/8/1976، وكانت القوات الإسرائيلية والنصيرية متورطة في هذه المجزرة، أما القوات الإسرائيلية فقد كُشف النقاب عن تورط وزير الدفاع شمعون بيريز في جلسة من جلسات الكنيست الإسرائيلية، أما تورط القوات السورية فتحدث عنه ضباط عرب كانوا مشاركين فيما سمي بقوات الردع العربية. قال الملازم محمد خليل من القوات الليبية:
"إنها مؤامرة تستهدف المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان، وكما نرى بأعيننا تفاصيل المعركة سياسياً وعسكرياً نقول: إن الذين ينفذونها كثيرون، وإن النظام السوري متورط فيها". [ولينظر من شاء شهادة آخرين في كتاب أمل والمخيمات الفلسطينية، ص: 43].
- شاركت في الهجوم على طرابلس في الأسبوع الأخير من الشهر التاسع عام 1985 كل من القوات الآتية: القوات النصيرية، ميليشيا النصيريين في حي [بعل محسن] أو الحزب العربي الديموقراطي، الحزب السوري القومي، الحزب الشيوعي، منظمة حزب البعث، وساهمت القوات اللبنانية في هذه الحرب إذ منعت نقل المحروقات والطحين إلى طرابلس، وسقطت المدينة في 6/10/1985 بعد معارك دامية.(2/34)
- مذبحة صبرا وشاتيلا: جاءت بعد مقتل بشير الجميل، وإذا كان قاتله نصراني وقومي سوري، وسورية أسد هي المحرض، فما علاقة فلسطينيي صبرا وشاتيلا حتى يتعرضوا لانتقام القوات اللبنانية؟!.
كانت هذه القوات تقتل الشباب والشيوخ والأطفال، وكانت القوات اليهودية تحميها، وهذا ما شهد به العالم، وشهدت به معارضة حكومة بيغن، وعلى إثرها أبعد شارون عن وزارة الحرب.
هاجمت قوات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا، وارتكبت فيهما مجازر أبشع من التي ارتكبها اليهود والقوات اللبنانية، فحتى المرضى في مستشفى غزة لم يسلموا من المجزرة، ومما زاد من هول المذبحة وبشاعتها، انضمام اللواء السادس في الجيش اللبناني لحركة أمل لأن أفراده وقيادته من الشيعة، وليقرأ من شاء الفظائع التي ارتكبتها قوات أمل في صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في كتاب أمل والمخيمات الفلسطينية، ص: 89 - 109.
قام القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية بإذاعة تقرير حول المجازر التي ارتكبتها قوات أمل، وبعد نشر هذا التقرير وجهت المنظمة التي تطلق على نفسها اسم "الجهاد الإسلامي" تهديداً لمراسلي الصحف الأجنبية، فاضطرت هيئة الإذاعة البريطانية إلى سحب مراسليها الثلاثة خوفاً على حياتهم.
ومنظمة "الجهاد الإسلامي" ستار كان حزب الله يتوارى خلفه عند بداية تأسيسه، وهذا ما سوف نتحدث عنه إن شاء الله في الحلقة القادمة.
..........................
لقد شهد العالم أجمع (عربه وعجمه) أن هدف القوات السورية والقوات الإسرائيلية من دخول لبنان إخراج المقاومة، وكانت هذه القوات تنسق فيما بينها في اجتماعات سرية أو عن طريق وسيط، فليبيا بذلت جهداً مضنياً من أجل إنقاذ المقاومة، ومكث رئيس وزرائها عبد السلام جلود وقتاً طويلاً يتنقل بين دمشق ولبنان محاولاً التوسط، وحل الخلاف بطريقة سلمية، لكنه وجد أبواب دمشق مغلقة، وها هو ورئيسه يتحدثان عما توصلا إليه من نتائج:(2/35)
قال معمر القذافي: "ليبيا تقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وتعارض التدخل العسكري السوري في لبنان، لقد حذّرنا سورية من تصرفها هذا، وإذا كانت سورية تريد السلام الآن على حساب الفلسطينيين، وتريد تصفية المقاومة الفلسطينية، فلا يمكننا أن نلزم الصمت، ونعتقد أن من الخيانة الوطنية محاولة تصفية المقاومة الفلسطينية، وإننا نأمل أن تعيد سورية النظر في موقفها".
وقال عبد السلام جلود: "هناك مؤامرة عربية ودولية ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان، وقد وقع الاختيار على النظام السوري لتنفيذ هذه المؤامرة".
وهذه الشهادة جاءت من نظام صديق وحليف لسورية في تلك المرحلة، وهناك جهات عربية وإعلامية أخرى هاجمت النظام السوري واتهمته بتنفيذ مخطط مشبوه ضد القضية الفلسطينية.
وفي 8/9/1976 نشرت التايم اللندنية مقالاً تحت عنوان: إسرائيل تشارك في حرب لبنان سراً جاء فيه:
"إن التفاهم غير المعلن بين إسرائيل والنظام السوري، بسحب قواته العسكرية المتواجدة في الجبهة، ونقلها تدريجياً إلى لبنان وإلى الحدود مع العراق".
وأضافت المجلة: "إن هذه التدابير قد وضعت الإسرائيليين في الجانب الذي يقف فيه النظام السوري بعد تدخله الفعلي إلى جانب قوى اليمين، والذي يتحدد بالأساس، بتصفية الفدائيين الفلسطينيين، تمهيداً لفرض تسوية سلمية لمشكلة الشرق الأوسط، وتقوم إسرائيل بفرض حصار يجري على عدة موانئ لبنانية يسيطر عليها الوطنيون وخاصة مينائي صيدا وصور لمنع وصول الأسلحة إلى الوطنيين والمقاومة. لقد استطاعت إسرائيل بعملها هذا الحصول على سيطرة فعلية، على شريط من الأرض جنوب لبنان يمتد حتى نهر الليطاني.
"وقالت المجلة: إن عدداً من أركان النظام السوري الحاكم حضروا الاجتماع الموسع الأخير، بين شمعون بيريز والقوى اليمينية في جونية، حيث شجع المباحثات بيريز، على إمضاء ليلة على سفينة الشحن التي أقلته إلى لبنان".(2/36)
كان التدخل الإسرائيلي سرياً في لبنان عام 1976، ثم بدأ يميل شيئاً فشيئاً إلى العلنية حتى جاء الاجتياح الإسرائيلي إلى لبنان في: 4/6/1982، وفرضت القوات الإسرائيلية حصاراً على بيروت الغربية لم تشهده من قبل، وما رفعوا الحصار حتى خرجت المقاومة من لبنان، وعندما كان بعض الفلسطينيين [الذين احتفظوا بعلاقات لا بأس بها مع أسد ونظامه] يطلبون من أسد التدخل لرفع الحصار عنهم، كان يقول لهم: "إنه ليس هناك كيان فلسطيني، وليس هناك شعب فلسطيني، بل سورية وأنتم جزء من الشعب السوري، وفلسطين جزء لا يتجزأ من سورية، وإذن نحن المسؤولون الممثلون الحقيقيون للشعب الفلسطيني" [هذه وصيتي لكمال جنبلاط، ص: 105].
أما ما قاله أسد لمبعوث عرفات: "أريد أن تهلكوا جميعاً لأنكم أوباش".
ثمة سؤال لا نشعر أننا أعطينا الموضوع حقه دون الإجابة عليه: هل كانت خسائر أهل السنة قاصرة على خروج المقاومة، وعلى المذابح التي تعرض لها الفلسطينيون في مخيماتهم؟!.
لا، ليس الأمر كذلك، فالدبابات النصيرية التي كانت تجوب شوارع صيدا تحصد أرواح المدنيين، وتقصف واجهات المحلات التجارية، وتوقع خسائر مذهلة في مبنى المستشفى الكائن في ضاحية من ضواحي صيدا الجنوبية، أقول: إن المعتدين يعلمون أن صيدا لبنانية وليست فلسطينية، ومعظم سكانها من السنة.
وطرابلس التي استباحها النظام النصيري لبنانية سنية وليست فلسطينية، وكذلك بيروت الغربية التي اقتصر حصار إسرائيل عليها وحدها، دون أن يتعرض سكان بيروت الشرقية لأي أذى.
وبينما كانت بيروت الغربية تضمد الجراحات التي خلفها الحصار اليهودي، وتظن أن الغمة قد فُرِجَتْ إذ بها تفاجأ باجتياح قوات أمل وقوات جنبلاط لحماها، ويرتكب الغزاة الجدد من الفظائع التي لم يرتكبها اليهود من قبل، ثم يقع صراع بين طرفي الغزاة أيهم يسيطر على مساحة أكبر وأهم.(2/37)
ولم يسلم كبار العلماء من طغيان النظام النصيري حيث أقدمت قواتهم على اغتيال مفتي لبنان رحمه الله، مع أن الرجل كان مسالماً، ثم اغتالت الشيخ صبحي الصالح وهو الرجل الثاني في المؤسسة الإسلامية السنية، وجدير بالذكر أن الشيخين الفاضلين ليس لهما أدنى صلة بالسلاح وحملته، لكنه الحقد الباطني ضد أهل السنة.
ومع خروج المقاومة الفلسطينية أجبروا القوات اللبنانية السنية [وإن كان قادة هذه القوات ليسوا من السنة في شيء] على مغادرة لبنان: كالمرابطين، وجماعة شاكر البرجاوي، وغيرهم وغيرهم.. وهناك مئات إن لم أقل آلاف من شباب أهل السنة المتمسكين بدينهم، العاملين من أجل رفع راية الإسلام، استطاعوا الفرار من لبنان هائمين على وجوههم لا يدرون أين يضعون عصا التسيار، ومن لم يحالفه الحظ في الهروب، كان مصيره السجن، وما أكثر السجون في سورية، وما أشد بشاعتها.
وبخروج القوات السنية من الفلسطينيين واللبنانيين، طُوي شعار تحرير فلسطين، كل فلسطين من البحر وحتى النهر، ورفعت كل دولة عربية تحرير ما احتلته إسرائيل عام 1967 م، وأُغلِقَ بابُ الجهاد بوجوهنا، ولكن إلى حين إن شاء الله، فإيماننا بانتصارنا على اليهود، وتحرير قدسنا قوي لا تهزه العواصف، ولا توهنه نوائب الدهر.
إننا لا نستغرب غدر الموارنة، ولا خبث وكيد الباطنيين، لكننا نستغرب ضحالة فكر وعلم المغفلين من أهل السنة الذين يفصلون الحدث عن ماضيه، ويصفقون للذين قد قتلوا بالأمس أطفالهم، وبقروا بطون أخواتهم، وتناسوا تعاون هؤلاء!! مع اليهود، ووقوفهم صفاً واحداً يتزعمه الأمريكان، هدفه منعنا من الجهاد، بل تشويه صورة الجهاد، وتسمية الأمور بغير مسمياتها.
ما زال في جعبتنا شيء نقوله لهؤلاء المغفلين من أهل السنة، وسيكون حديثنا في الحلقة القادمة عن حزب الله الشيعي: كيف ولماذا نشأ؟!، ومن الذين صنعوه، وما هي حقيقة الانتصار الذي حققه، والله الهادي إلى سواء السبيل.(2/38)
المصدر: مجلة السنة - العدد 97
-------------------------
[1] - شهر أيار من عام 2000 م.
[2] - كانوا يسمون: حركة الجهاد الإسلامي، وليس لهم علاقة بالجماعات التي تسمى بهذا الاسم في الوطن العربي، وقدم هؤلاء الإخوة بطولات منقطعة النظير عند الاجتياح اليهودي للبنان عام 1982 م.
[3] - من المصادر التي اعتمدت عليها: وجاء دور المجوس، الجزء الأول، وكتاب إيران في ربع قرن للدكتور موسى الموسوي وهو إيراني شيعي وخبير بأمر القوم، وكتاب الحروب السرية في لبنان لأنطوان بصبوص وآني لوران.
[4] - الحروب السرية في لبنان، ص: 264.
[5] - أمل والمخيمات الفلسطينية.
[6] - ليست هذه قناعتي، وأنا أعرض ما كان يقوله الناس.
[7] - المسلمون في لبنان، محاضر اجتماعات قمة عرمون خلال الحرب الأهلية، للشيخ حسن خالد رحمه الله، دار الكندي، بيروت: 1978.
****************
انتصار حزب الله (الحلقة الثانية)
محمد سرور زين العابدين خلاصة الحلقة الماضية
1 - لم تنقطع مقاومة أهل السنة [مؤمنهم وفاسقهم] لأطماع اليهود في مختلف السنوات التي تلت الحرب الكونية الأولى، وكان علماؤنا يقودوننا في ميادين التضحية والفداء، كما كان شبابنا وشيوخنا يتسابقون إلى حمل السلاح، وبذل المال والمهج والأرواح في سبيل الله.
2 - إخراج المقاومة من لبنان كان نتيجة مؤامرة شارك في تنفيذها والتخطيط لها داخلياً: الشيعة، والموارنة، والدروز، وخارجياً كل من: أمريكا، وإسرائيل، وسورية الأسد، وفرنسا، وعملاء هذه الأنظمة داخل لبنان، ومما يجدر ذكره أن القوات النصيرية دخلت لبنان بتفويض من معظم الدول العربية.(2/39)
3 - لم تقتصر المؤامرة على إخراج المقاومين الفلسطينيين وحدهم، وإنما شملت أهل السنة من فلسطينيين ولبنانيين وجنسيات أخرى، ولم يفرق المتآمرون بين المؤمن والفاسق من السنيين، كما أن الإخراج لم يكن بطرق سلمية، وإنما بحرب مدمرة وغير متكافئة، وكان من آثار هذا الدمار قتل علمائنا وأطفالنا ونسائنا وشيوخنا العجز.
4 - اختفى شعار تحرير فلسطين، كل فلسطين ولو بشكل تدريجي بعد إخراج المقاومة السنية من لبنان، واستبدل بتحرير جنوب لبنان، أما العرب في غير لبنان، فرفعوا شعار تحرير القدس والضفة الغربية والجولان.
* * *
ملحوظتان:
الأولى: شكا بعض الإخوة من طول هذه الحلقة - أي الأولى - وقالوا: من يصبر على قراءتها فقد لا يصبر على قراءة الحلقة التي تليها، وأضافوا: أما كان من الأفضل اختصار هاتين الحلقتين ببضع صفحات وفي عدد واحد؟!.
وإنني إذ أشكر هؤلاء الإخوة الأفاضل على ما بذلوه من جهد في قراءتهم للحلقة الأولى، فإنني أعتذر إليهم عن عدم قدرتي على تنفيذ رغبتهم لأسباب متعددة:
منها: أن هذا الموضوع شائك، ومتعدد المداخل، ويكثر فيه الجدل، ومن جهة أخرى فهذا الذي كتبته قد راعيت فيه الاختصار قدر الاستطاعة.
ومنها: أن الذين كانوا يلحّون علينا في السؤال عن انتصار حزب الله معظمهم من الشباب، وهذا يعني أن بعضهم ما كان قد ولد عندما وقعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وبعضهم الآخر ما كان قد بلغ سن التمييز.
ومنها: كثرة المغفلين من أبناء جلدتنا الذين يَفْصِلونَ انتصار حزب الله عن إطاره العام، ويعتبرونه فتحاً عظيماً للإسلام والمسلمين، ويستغربون ما نكتبه في هذا المجال.. هؤلاء - وبغض النظر عن نواياهم - يخدمون مخططات الرافضة في بلادنا.(2/40)
وإذا كان القارئ يبذل جهداً مضنياً في القراءة، فهل فكر بالجهد الذي أبذله في تحضير المادة، ثم في كتابتها؟!، ولو كنت أرى أنه من الممكن جمع الموضوع كله ببضع صفحات لما أرهقت نفسي وأرهقت القراء معي.. وعلى كل حال فهذا هو قدرنا نحن الذين نعيش في عصر المختصرات والوجبات السريعة.
الثانية: كنت قد توسعت في الكتابة عن بعض هذه المعلومات التي وردت في هذا البحث، ولهذا فقد آثرت عدم ذكر المصادر في كثير من الأخبار التي عرضتها، لأن ذكر المصادر يزيد من عدد الصفحات، ويدعو إلى الملل، ولكنني والحمد لله أحتفظ بتوثيق كل خبر ذكرته.
نشوء الحزب:
مع إطلالة عام 1982 م كانت حركة أمل الشيعية التي تأسست عام 1973 قد أدت الدور المطلوب منها، واستنفدت أغراضها، ولم تعد صالحة في عهد الخميني وثورته الإسلامية، ويعود ذلك لأسباب كثيرة أهمها:
1 - ارتباط مؤسس هذه الحركة - موسى الصدر - بأنظمة مشبوهة: منها: نظام شاه إيران ومخابرات [السافاك]. ومن المعروف أن هذه المخابرات هي التي أرسلته عام 1958 إلى لبنان، لتجميع صفوف الشيعة، ومقاومة المد الناصري في لبنان وبقية الدول العربية. ومنها: ارتباطه مع نظام النهج في لبنان [فؤاد شهاب] الذي منحه الجنسية، كما منحه أيضاً ترخيصاً بإنشاء المجلس الشيعي الأعلى، وكان هدف الطرفين: النهج والصدر إضعاف شوكة أهل السنة في لبنان. ومنها: صلاته المتينة مع نظام القذافي الذي كان يقدم له مساعدات مالية مغرية، وكانت هذه المساعدات سبباً في إقدام القذافي على قتله، لأنه - أي القذافي - شعر أن الصدر تمرد عليه، ووقف في خندق المعادين للقوى الوطنية في لبنان.
2 - لم تعد حركة أمل مقبولة خارج إطار معظم الشيعة في لبنان، وخاصة بعد تحالفها مع قوات النظام النصيري، وبعد أن تبيّن للجميع أنها كانت تنسق مع القوات الغازية قبل دخولها إلى لبنان [كما رأينا في الحلقة الماضية].(2/41)
3 - انتقال قيادة الحركة بعد غياب موسى الصدر إلى أشخاص، لا يعدون من علماء الشيعة مثل: حسين الحسيني، ونبيه بري، وزاد الطين بلة أن الأخير - بري - صار يدعو صراحة إلى علمانية الحركة، ويريد أن يكون الارتباط بإيران وآياتها محدوداً، وليس فيه تبعية مطلقة.
إن حركة أمل، وإن كانت شيعية في شكلها ومضمونها، وحققت للطائفة إنجازات كبيرة على جميع المستويات، وقدمت لثوار الخميني خدمات جلى.. مع كل هذه الاعتبارات فقد أصبحت مرفوضة عند أهل السنة وبعض الشيعة، وعند معظم الحركات الوطنية، وليس من مصلحة إيران أن تتبنى ورقة محروقة، لأن طموحاتها في لبنان واسعة وتحتاج إلى ترتيب جديد.
هذه الطموحات الجديدة يحدثنا عنها حجة الإسلام فخر روحاني - سفير إيران في لبنان - في مقابلة أجرتها معه صحيفة اطلاعات الإيرانية في نهاية الشهر الأول من عام 1984، يقول روحاني عن لبنان:
"لبنان يشبه الآن إيران عام 1977، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة، وأحد أهم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية، فسوف يتبعه الباقون".
ويضيف قائلاً:
"لقد تمكنا عن طريق سفارتنا في بيروت من توحيد آراء السنة والشيعة حول الجمهورية الإسلامية والإمام الخميني، والآن غالبية خطباء السنة يمتدحون[1] الإمام الخميني في خطبهم".
"وسئل عن نبيه بري فقال: إنه عضو في السي، آي، إيه [المخابرات الأمريكية]، وكان انتخابه رئيساً لمنظمة أمل بحماية السفارة الأمريكية.
ويتابع حديثه عن أمل:
"أمريكا تدعم عملاءها مباشرة أو عن طريق التابعين لها، وإلا فكيف يمكن تفسير قيام الجزائر بدفع خمسين مليون دولار لمنظمة أمل؟ ما هي علاقة الجزائر؟ بلد سني[2] في شمال أفريقيا يقوم بدعم الشيعة في لبنان، ظاهرة فريدة وحسنة.. ولكن أنا أعرف بأن أمريكا وراء دعم الجزائر للشيعة" اهـ.(2/42)
ونقلت صحيفة النهار اللبنانية [11/1/1984] عن السفير نفسه - روحاني - قوله: "لبنان يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية".
قلت: حجة الإسلام فخر روحاني من السفراء المعدودين في إيران، وقد أدلى بهذه التصريحات بعد انتهاء عمله في لبنان، ولكنه كان يعني ما يقول، وعندما سألت إطلاعات رئيس الوزراء في تلك الفترة "مير حسين موسوي" عن هذه التصريحات أيدها، وأشاد بسعة معلومات روحاني، وعمق خبرته في الشأن اللبناني، أما وزارة الخارجية فكانت طبيعة عملها تقتضي مجاملة الحكومة اللبنانية وعدم الاصطدام معها، ومثل هذه التناقضات محسوبة وكثيرة بين أوساط المسؤولين الإيرانيين.
...................
وإذا كان لبنان بوابة إيران إلى البلدان العربية.. وإذا كان هذا الحزب الجديد سيكلف بمهمات أكبر من حجم لبنان.. وإذا كان الحزب الجديد لن يتمكن من منافسة منظمة أمل إلا إذا كان مدعوماً دعماً قوياً من إيران.. إذن لابد وأن يتولى الخميني بالذات هذه المهمة، وهذا الذي حدث:
منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 بدأت قوات الحرس الثوري الإيراني تتسلل إلى لبنان عن طريق سورية وبالتنسيق معها، وأقامت هذه القوات مخيمين لتدريب الشيعة: الأول في الزبداني، وهي بلدة سورية على حدودها مع لبنان، والثاني في بعلبك اللبنانية، وكانت القوات السورية تشارك في التدريب، وفي تنظيم دخول قوات الحرس الثوري إلى لبنان بدون تأشيرة، وهل يستطيع الأمن اللبناني محاسبة السوريين عن مثل هذه الأمور؟!.
ولابد لنا هنا من تسجيل الملحوظات التالية:(2/43)
كان المسلمون العرب من أهل فلسطين، والجزيرة العربية، ومصر، وبلاد الشام، والمغرب العربي يسعون من أجل دخول لبنان، والانضمام إلى القوات التي تدافع عن بيروت الغربية، وعن الجنوب المحتل.. كان هؤلاء الأحرار يطرقون جميع الأبواب، وهم لا يريدون غير إغاثة أطفال المسلمين ونسائهم، وغير الموت في ساحة الوغى، وكان النظام النصيري لا يسمح لأي من هؤلاء بمجرد المرور من سورية إلى لبنان.. أخبرونا بالله عليكم أيها المغفلون من أبناء قومنا: لماذا يغلق هذا النظام الخبيث الأبواب بوجه كل ما هو سني، ويفتحها على مصراعيها أمام كل ما هو شيعي؟!.. أجيبوا أيها المعجبون بحزب الله، وبكل ما هو شيعي خميني:
لماذا يرفض هذا النظام اللحية السنية ويقبلها إذا كانت شيعية؟!.
على هامش "المؤتمر الأول للمستضعفين" اجتمع الخميني بعدد من علماء ودعاة الشيعة الذين شاركوا في هذا المؤتمر، وكان من بينهم: محمد حسين فضل الله، صبحي الطفيلي، وممثل حركة أمل في طهران إبراهيم أمين، وتدارس معهم الخطوات الأولى اللازمة من أجل إنشاء هذا الحزب الجديد.
عاد الوفد إلى لبنان، وكثَّف من اتصالاته مع وجهاء وعلماء الطائفة الذين لم يشاركوا في لقاء طهران، ثم تكرر لقاؤهم بالخميني، ووضعوا وإياه الخطوط العريضة لحزب الله. يقول أحمد الموسوي في مقال له بمجلة الشراع: "من أنتم.. حزب الله (2)":
"ثم استكملت الخطوط التنظيمية الأولى باختيار هيئة قيادية للحزب ضمت 12 عضواً هم: عباس الموسوي، صبحي الطفيلي، حسين الموسوي، حسن نصر الله، حسين خليل، إبراهيم أمين، راغب حرب، محمد يزبك، نعيم قاسم، علي كوراني، محمد رعد، محمد فنيش.(2/44)
ولم يكن هؤلاء وحدهم نواة التأسيس لحزب الله، إنما كان معهم عشرات من الكوادر والشخصيات الإسلامية الأخرى من حركة أمل، وحزب الدعوة، وقوى ومجموعات تبلورت شخصيتها الإسلامية السياسية مع الثورة الإسلامية وقائدها الإمام الخميني، وكوادر أمنية أخرى ما زالت أسماؤها طي الكتمان".
فمن هذه الشخصيات التي بقيت أسماؤها طي الكتمان، ولم يعلن عنها؟!، تقول كثير من المصادر المختصة: كان من بين هذه الأسماء رئيس المجلس الشيعي الأعلى محمد مهدي شمس الدين، ومحمد حسين فضل الله، ولقد جاء في كتاب الحروب السرية في لبنان: "يتولى الخميني أعلى المسؤوليات في لبنان، ونظراً لبعده عن لبنان، يفوض صلاحياته التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى نائبه محمد مهدي شمس الدين الذي يرأس لجنة ولاية الفقيه"، وهناك أسماء أخرى يحافظون على سريتها، ويحرصون على عدم ارتباطها العلني بحزب الله، ومن الأمثلة على ذلك الأسماء التي كانت تحمّلها أجهزة المخابرات العربية والغربية مسؤولية الأعمال الإرهابية كخطف الرهائن والطائرات.
وهناك أنصار للحزب في أوساط أهل السنة مثل الشيخ سعيد شعبان وحركته - التوحيد - وتجمع العلماء، ومنظمة الجهاد الفلسطينية، حتى أن بعض هؤلاء كان يتهم بالتشيع.
ومركز قيادة الحزب الفعلية لا الشكلية هي السفارة الإيرانية، ومن الأطراف التي كانت تشارك في اجتماعات قيادة الحزب وفي اتخاذ القرارات، سفير إيران السابق في دمشق - محتشمي - وقائد الحرس الثوري في لبنان.
حزب الله اللبناني عضو في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الذي تأسس في طهران عام 1981، أما بقية الأعضاء فهم: الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، ومنظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، حزب الدعوة العراقي، وحركة العمل الإسلامي العراقية، وحركة أمل الإسلامية - حسين الموسوي - وهذه الحركة جزء من حزب الله، أما المحافظة على اسم آخر فكان من قبيل التقية.(2/45)
ويجتمع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية اجتماعات دورية في طهران، وبحوزتهم عدد من معسكرات التدريب موزعة بين إيران وسورية ولبنان، ففي إيران لهم أربعة معسكرات، وفي سورية اثنان: معسكر السيدة زينب، ومعسكر الزبداني، وفي لبنان: معسكر الشيخ عبد الله، ومعسكر الدركي، وكلاهما في بعلبك.
فنحن إذن أمام تنظيم عالمي يرعاه الخميني أو من يمثله، والمنظمات التي يتألف منها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية تؤدي مهمة مزدوجة: الأولى محلية، والثانية عالمية، والقيادة طهران الآيات[3].
وخلال أشهر قليلة، وُلِدَ وترعرع في لبنان حزب يعتبر من أكبر وأغنى الأحزاب اللبنانية على الإطلاق بما فيها حزب الكتائب الذي مضى على تأسيسه أكثر من خمسين عاماً.. كيف حدث ذلك؟!.
الذين يثيرون مثل هذا السؤال يعرفون الجهود المضنية التي يبذلها كل من أراد أن يشكل حزباً سياسياً، فهو من جهة لابد له من صياغة مبادئ مقنعة لهذا الحزب، ومن جهة أخرى لابد له من إقناع الناس بجدوى هذه المبادئ، وقدرتها على منافسة الأحزاب الأخرى، وقد يمر عقد أو عقدين، دون أن يتطور هذا الحزب، ويحتل مكان الصدارة في ميادين الأنشطة السياسية.
لكن هؤلاء الذين يثيرون مثل هذا السؤال يجهلون أن الإمامية - الاثني عشرية - هم أقرب ما يكونون إلى الحزب، فمراجعهم من الآيات يتولون مركز قيادة الطائفة، والمتمسكون بدينهم من أبناء الطائفة هم قاعدة هذا الحزب، وحتى غير المتمسكين بدينهم لبعضهم دور داخل هذا التنظيم، أما المناهج والأهداف، والتستر خلف شعارات براقة تستقطب الجماهير [التقية]، فللقوم باع طويل في هذا المجال، وخبرة عريقة عمرها هو عمر التاريخ الإسلامي.(2/46)
وعندما جاءت الأوامر والتعليمات من آية الله روح الله الخميني، قال معظم شيعة لبنان سمعاً وطاعة للإمام وحكومته، فكم نتمنى أن يفهم المنظرون الفلاسفة من أصحابنا معلومات كافية عن عقائد الشيعة وآياتهم وطبيعة تكوينهم.. وكم نتمنى أن يدركوا أهمية المرجعية في نشأة وتطور الطوائف والأحزاب والجماعات، ولو أدركوا ذلك لوفروا على أنفسهم هذه الأوقات والجهود التي يهدرونها، وجعلوا القضية الأولى في مسيرتهم الدعوية هي قضية المرجعية.
أما التمويل المادي لحزب الله فقد تكفلت به قيادتهم في إيران، ويقول المختصون بالشأن الإيراني أن هذه المساعدات بلغت في بداية رئاسة رفسنجاني الثانية حوالي [280 مليون دولار]، وهذا غير السلاح والعتاد الحربي الذي كان يشحن لهم عن طريق سورية، ومن الأرقام الأخرى التي تذكر [12 مليون] في الشهر، ويقول علي نوري زاده: بلغت المساعدات عام 1993 [160 مليون]، وجاء في كتاب الحروب السرية:
"بلغت الأجرة الشهرية للمقاتل خمسة آلاف ليرة لبنانية، وهي أعلى أجرة تقاضاها مقاتل في لبنان عام 1986، لدرجة أن مقاتلي أمل راحوا بهدف الكسب يهجرون صفوف الحركة للانخراط في حزب الله، وهذا الأخير يجني موارده أيضاً من الزكاة ومن ابتزاز الأموال من التجار المسيحيين أو من الذين لا يلتزمون بالتعاليم الإسلامية [الحلاقون والخياطون وأصحاب الملاهي] وكذلك من خطف الرهائن، فضلاً عن ذلك جاء في تقرير دبلوماسي فرنسي أن حزب الله في البقاع قد استولى على الأراضي المسيحية فيها لنشر زراعة الخشخاش"[4].
فعلى الذين يحلو لهم أن يقارنوا ما بين حزب الله والأحزاب السنية الإيرانية أن يضعوا في حسبانهم تركيبة الطائفة الشيعية من جهة، وحجم الدعم الذي كانت إيران تقدمه لفرعهم في لبنان، ومن الأمثلة على ذلك أن عدد الخبراء والمدربين الإيرانيين الذين كانوا يتولون رعاية تنظيم شؤون حزب الله في لبنان يزيد عن الألفين.(2/47)
أما أحزاب أهل السنة، فلا تلقى من الحكومات العربية إلا الكبت والاضطهاد والتنكيل، وحرمانهم من الأنشطة الإعلامية والسياسية والاقتصادية والثقافية، والمساعدات التي تقدمها هذه الأنظمة تكون من نصيب الجهات التي تحاد الله ورسوله والذين آمنوا، فأين هذا من ذاك؟!.. إننا لو نظرنا إلى الجانبين: الاقتصادي والاجتماعي في حزب الله لوجدنا أنفسنا أمام دولة وليس أمام حزب: فمن المؤسسات التعليمية إلى المؤسسات الصحية، إلى مؤسسات البناء والتجارة، وغير ذلك كثير.
المرحلة الأولى من مسيرة الحزب:
تأكد عندنا فيما مضى أن حزب الله مؤسسة إيرانية في ثوب لبناني، وهذا يعني أنه لابد لنا من استعراض الأوضاع العامة في إيران لنتعرف من خلالها على أهداف هذا الحزب في مرحلته الأولى.
كانت إيران في عام 1982 [وهو العام الذي تأسس فيه الحزب] تخوض حرباً شرسة مع العراق، وكانت الكفة قد بدأت تميل لمصلحة العراق، ولم يكن ذلك متوقعاً، لأن عدد سكان إيران ثلاثة أمثال عدد سكان العراق، ونسبة الشيعة العراقيين تتجاوز 40% قليلاً، وكثير من هؤلاء سيكونون "طابوراً خامساً" لمصلحة إيران، وكان شاه إيران قد ترك للآيات جيشاً قوياً، وأسلحة متطورة.
إيران كانت تعتقد أن العراق ما كان ليتفوق عليها لولا الدعم المادي الذي كان يتلقاه من دول الخليج، وبشكل خاص من السعودية والكويت، وهذا الاعتقاد صحيح لأن دول الخليج كانت مهددة من إيران التي رفعت شعار تصدير الثورة منذ تولي الآيات زمام الحكم، وكانت تدافع عن نفسها من خلال المساعدات التي تقدمها للعراق.
وكان العراق يتلقى الدعم العسكري - أعني الأسلحة وقطع الغيار - من فرنسا بالدرجة الأولى، ثم من أمريكا، وكان للسعودية دور في إقناع الأمريكان بتقديم هذا الدعم لأن الخليج مهدد بالسقوط إن انتصرت إيران على العراق.(2/48)
الأمريكان والفرنسيون كانوا يدعون الحياد في هذه الحرب، وادعاؤهم هذا ليس صحيحاً، فقد كانوا معنيين باستمرار هذه الحرب، لأن في استمرارها: إنعاشاً لاقتصادهم، واستنزافاً لثروات البلدين وبلدان دول الخليج، وضماناً لتفوق جيش ربيبتهم إسرائيل، لكنهم أيضاً معنيون - بدافع من مصالحهم - بحفظ أمن الخليج، وعدم سيطرة الإيرانيين عليه.
وإذن: فإن أهداف الحزب في مرحلته الأولى لن تتجاوز ما يلي:
1 - قيام جمهورية إسلامية في لبنان، ولولا تصدير الثورة لما وقعت حرب إيران مع العراق، وإن ادعى الإيرانيون بأن العراق هي التي بدأت هذه الحرب.
2 - توجيه ضربات موجعة لكل من الدول الآتية: أمريكا، فرنسا، السعودية، الكويت.
أما تصدير الثورة إلى لبنان، فلقد مر معنا فيما مضى مقابلة حجة الإسلام فخر روحاني سفير إيران في بيروت، وقوله الذي نقلته عنه النهار: "لبنان يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية".
وما كان قادة الحزب يخفون هذا الهدف، ففي كانون الثاني من عام 1986 راحوا يعدون في طهران، دستور الجمهورية الإسلامية المقبلة [على كل لبنان أو على جزء منه]، وقد شارك في إعداده [63 شخصية] ومنهم من هو منسوب لأهل السنة، ومما جاء في هذا الدستور:
"ينبغي تأليف حكومة إسلامية في لبنان كشرط لازم لوضع حدٍ للحرب الداخلية فيه"، ومما هو جدير بالذكر أن الخميني هو المرجع لهذه الدولة، وهو عندهم ظل الله في الأرض كلها.
قيل لأحد قادة الحزب - إبراهيم الأمين -: أنتم جزء من إيران، فكان رده: "نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران" [جريدة النهار: 5 - 3/1987].(2/49)
وبعد تفجير مقري المارينز ووحدة المظليين الفرنسيين أُرسِلَتْ البرقيات التالية للخميني: "حزب الله وجه مع تجمع العلماء المسلمين في 29/10/1983 برقيات إلى الإمام الخميني ومجلس الدفاع الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، أشادوا فيها بالانتصارات التي يحققها المسلمون، ومما جاء في البرقيات:
"إن شعبكم المسلم في لبنان والمرتبط بولايتكم يرفع إلى مقامكم أسمى التبريكات والتهاني لمناسبة انتصار حماة الإسلام.. نرفع إليكم التهاني ببركة حركتكم الشعبية المتصاعدة في لبنان وفي بيروت حيث الضربة الحيدرية والخمينية لمقري قيادتي القوات الأمريكية والفرنسية"[5].
فالحركة في لبنان للخميني، والشعب المسلم مرتبط بولايته، والضربة حيدرية وخمينية، وهذه هي العقلية التي كان يفكر بها ما يسمى بتجمع العلماء، إذ لا حل عندهم وعند حزب الله إلا بقيام جمهورية لبنانية إسلامية على غرار إيران.
هذا عن تصدير الثورة، أما الحديث عن أهم العمليات فنوجزه فيما يلي:
1 - اختطاف "دافيد دودج" رئيس الجامعة الأمريكية بالوكالة، في تموز 1982، وكان أول رهينة غربية، وقد نقل إلى دمشق، ومنها جرى نقله جواً إلى طهران حيث وضع بسجن انفرادي بالقرب من مطار مهراباد.
2 - في 17/3/1983 أعلنت منظمة تطلق على نفسها اسم "الجهاد الإسلامي" عن هجومها على دوريتين: إيطالية وأمريكية، وأوقعت في صفوفهما ثلاثة عشر جريحاً.
3 - وفي 18/4/1983 أعلنت المنظمة - الجهاد - مسؤوليتها عن الاعتداء على السفارة الأمريكية بواسطة سيارة مفخخة، وكانت محصلة هذا الاعتداء: 63 قتيلاً، والجدير بالذكر أن حزب الله كان قد أصدر عام 1986 طابعاً بريدياً بمناسبة تحقيق هذا النصر على "الشيطان الأكبر"، وجرى توزيعه عن طريق رسائلهم التي يرسلونها من بيروت الغربية إلى كل مكان في العالم.(2/50)
4 - وفي 23/11/1983 اقتحمت سيارتان انتحاريتان مبنيين يضمان جنود القوة المتعددة الجنسية فسقط 241 قتيلاً من البحارة الأمريكيين و 58 مظلياً فرنسياً عدا عشرات الجرحى.
5 - أعلنت منظمة الجهاد الإسلامي في كانون الثاني 1984 مصرع رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت "مالكوم كير".
6 - في 12/12/1983 هزت الكويت سبعة انفجارات: ثلاثة منها وقعت في مصالح أمريكية، وثلاثة أخرى في مؤسسات كويتية هي: الشعيبة الصناعية، ومبنى المراقبة والتحكم الآلي التابع لوزارة الكهرباء والماء، وبرج المراقبة في مطار الكويت الدولي، والانفجار السابع أمام مقر السفارة الفرنسية في حي الجابرية السكني.
7 - وفي عام 1985 تعرض الأمير الشيخ جابر الأحمد لمحاولة اغتيال عندما اعترضت الموكب سيارة مفخخة في عملية انتحارية لم يكتب لها النجاح، ونجا الأمير من الموت بأعجوبة.
وفي هذه والتي قبلها ألقت السلطات الكويتية القبض على الجناة، وكانوا خليطاً من العراقيين والكويتيين واللبنانيين.
8 - وفي 11/3/1983 اختطف الحزب طائرة كويتية وعلى متنها [500 راكباً]، وأجبروها على التوجه إلى مطار مشهد الإيراني، واحتجزوا في لبنان رهينتين وهما [جان لوي نورماندان، وروجيه أوك] من الجنسية الفرنسية.
9 - ابتدعوا في حجهم ما أسموه "مسيرة الوحدة" والبراءة من الشيطان، والحج لا يحتمل مثل هذه المظاهرات الصاخبة، فما كان من السلطات السعودية إلا التصدي لهذه الفتنة التي افتعلها الرافضة وبلغت قمتها في عام 1987، ومما ضاعف من استعدادات السعودية اكتشافها أسلحة خفيفة أثناء تفتيش أمتعة الحجاج الإيرانيين، وهكذا حولوا موسم الحج إلى ساحة حرب، ففي عام 1987 سقط عشرات القتلى، وامتلأت مستشفيات ومستوصفات مكة بالجرحى.
..............................(2/51)
هذه بعض الأعمال الإرهابية التي نفذها حزب الله في المرحلة الأولى التي أعقبت تأسيسه، وكانت البيانات التي تصدر بعد كل عملية تنسب إلى: منظمة الجهاد الإسلامي، أو منظمة العدالة الثورية، أو المقهورون في الأرض، وكلها أسماء وهمية ليس لها أصل، يقول صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لحزب الله:
"تضم الجهاد الإسلامي كل الذين يريدون التستر خلف اسم ما دون الإعلان عن هويتهم"، ومن جهة أخرى فقد كان الغرب والشرق يعلم أن حزب الله هو الذي ينفذ هذه العمليات نيابة عن إيران، وكانت بعض الدول الغربية تضطر إلى التفاوض مع إيران بشكل سري، من أجل إطلاق سراح المخطوفين، ولعل كثير من المتابعين ما زالوا يذكرون فضيحة "إيران غيت" التي كشفها جناح آية الله حسين المنتظري عن طريق مجلة الشراع اللبنانية، وتعرض صاحبها لمحاولة اغتيال بسبب نشره لأسرار هذه الصفقة بين إيران - الثورة الإسلامية - وبين الشيطان الأكبر.
إيران كانت تدعي أن الأمريكان هم العدو رقم (1) للإسلام والمسلمين، وأنه لا مجال لأي لقاء أو تفاهم أو حوار بينهما، وأمريكا التي تتشدد في مقاطعة إيران زعيمة الإرهاب في العالم، ثم يكتشف العالم قضية الطائرة الأمريكية التي هبطت في مطار طهران، وهي محملة بقطع الغيار، وعلى متنها وفد من كبار المسؤولين في البيت الأبيض، أرسلهم الرئيس الأسبق "ريغان" للتفاوض مع نظرائهم من مساعدي الخميني.
استطاعت إيران أن تحل كثيراً من مشاكلها مع الغرب مستخدمة في ذلك قضية الرهائن، أما سورية، فلقد قدمت خدمات نادرة للأمريكيين والفرنسيين، وكان لها الفضل (!!) في إطلاق بعض الرهائن، ومما لا شك فيه أن الغربيين يحترمون مواطنيهم، ويحرصون على سلامتهم وكرامتهم، ولهذا السبب فقد اقتنع الأمريكان بأهمية عودة القوات السورية إلى بيروت، وقد عادت بالفعل، وأغلق ملف الرهائن.(2/52)
ولسائل أن يسأل: ما هي علاقة حزب الله بالأعمال الإرهابية التي وقعت في الكويت وفي السعودية؟!.
الجواب: حزب الله العضو الأهم في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وهذا المجلس هو الذي كان ينظم العمليات الإرهابية في الجزيرة وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، وفي جميع هذه العمليات كان يجري اعتقال لبنانيين من أعضاء الحزب، ومن جهة ثانية (وهذا هو الأهم) فقد كان يجري تدريب المنظمات الشيعية الإرهابية في لبنان، وكان حزب الله ينظم عمليات تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى إخوانهم في الجزيرة العربية، ففي عام 1987 اكتشف حكام الخليج (12) ألف قطعة سلاح بين بنادق كلاشينكوف، وقواذف صواريخ آر بي جي، ورشاشات ثقيلة ومتوسطة، واحتجت كل من السعودية والكويت والإمارات عند حافظ الأسد لأن بعض ضباط أمنه كانوا متورطين مع حزب الله في هذه العملية.. والذي أعلمه أن آخر عمليات تهريب أسلحة من لبنان إلى المنظمات الشيعية في الخليج كان قبل عملية تفير القاعدة الأمريكية في الخبر [25-6-1996] بأيام قليلة.
المرحلة الثانية من مسيرة الحزب:
جدت أمور مهمة على الساحتين اللبنانية والعربية، من أهمها:
1 - أنهى المؤتمر اللبناني الذي عُقد في مدينة الطائف السعودية، حالة الفوضى، وعادت الدولة لتبسط نفوذها على الأرضي اللبنانية غير الخاضعة للاحتلال.
2 - وافقت إيران الخميني على إنهاء حربها مع العراق، وهذا يعني خروجها من هذه الحرب مهزومة.
3 - اجتاحت القوات العراقية دولة الكويت، واعتبرتها محافظة من محافظات العراق، ووضع هذا الاحتلال العالم على حافة حرب لا يعلم نتائجها إلا الله سبحانه وتعالى.(2/53)
احتلال النظام العراقي للكويت، وتهديده لبقية دول الخليج حقق لإيران انتصارات ما كانت تحلم بها، وكان من أفضلها تنازل صدام عن الانتصارات التي حققها والتي من أجلها قامت الحرب، وتقديمها طواعية لإيران، أما الأمريكان وحلفاؤهم، فقد باتوا يخشون من تحالف إيران مع العراق، ولا يرجون من إيران إلا وقوفها على الحياد.
ولم يكن حزب الله راضياً عن مؤتمر الطائف لأنه قطع الطريق على قيام جمهوريتهم الإسلامية في لبنان، ولهذا فلقد عمت مظاهراتهم التي تهاجم السعودية والوهابية مختلف المدن التي ينتشرون فيها، وإذا كانت السعودية قد ضغطت على الفرقاء اللبنانيين من أجل نجاح المؤتمر، فما علاقة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته التوحيدية الإصلاحية؟!.
أجل، لابد أن يبرز الحقد الرافضي الباطني على ألسنة القوم، وعلى جميع مواقفهم وأفعالهم، وما تخفي صدورهم أعظم وأخطر.
إذن: لابد وأن يكون الهدف الجديد متناسباً مع ما جد من أمور مهمة، كما لابد وأن تشارك أطراف ثلاثة في رسمه: إيران وسورية والحزب.
فسورية التي تحتل معظم الأراضي اللبنانية من مصلحتها أن تحارب إسرائيل بقوات حزب الله، لتجبرها على الانسحاب من الجولان، وعقد معاهدة سلام معها، ومن مصلحتها أيضاً أن لا تعود قوات المجاهدين السنة إلى جنوب لبنان، لأن عودتها تشكل خطراً على النظام النصيري في دمشق، وفضلاً عن هذا وذاك، فإن دعم حزب الله يضمن عودة القوات السورية إلى بيروت، التي أجبرت على الابتعاد عنها بعد اجتياح قوات الصهاينة لبيروت وجنوب لبنان.(2/54)
وإيران لا تزال تصر على تصدير الثورة، لكنها سلكت طريقاً آخر يختلف عما كان عليه الحال بأيام الخميني، فأسلوب المواجهة الذي اتبعه إمامهم فشل وعاد عليهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، أما الأسلوب الجديد الذي سلكه رفسنجاني فليس فيه أي استفزاز للعرب، وعلى العكس فإنه يعتمد على الشعارات التي يفتقدها جمهورنا، ومن هنا جاءت دعوتهم إلى تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية، ورفع راية الجهاد في سبيل الله، ومساعدة الهيئات والجماعات السنية التي ترفع هذا الشعار، وبالتالي لا تستطيع الحكومات العربية والأجنبية تجاهل إيران ودورها في معاهدات السلام العربية الإسرائيلية، وسيبقى لبنان بوابة إيران إلى البلدان العربية، وسيبقى حزب الله الجهة الوحيدة المنتدبة من أجل تحقيق أهداف إيران وطموحاتها.
حصر حزب الله جل اهتماماته بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وعادت سورية إلى بيروت كما كانت وأشد، ومن الصلاحيات الجديدة والمتعسفة التي مارسها النظام نزع سلاح الأحزاب والميليشيات إلا سلاح حزب الله، وإغلاق فضائيات الأحزاب إلا "تلفاز حزب الله"، ومنعت الجماعات الإسلامية السنية والأحزاب الوطنية من الجهاد في الجنوب اللبناني، وكانت هذه الجماعات قد أدت دوراً مهماً في مقاومة الاحتلال، وأوقعت خسائر فادحة في جيش العدو المحتل، وقدمت عدداً كبيراً من الشهداء، فلماذا يمنعون من الجهاد في سبيل الله؟! ألأنهم من أهل السنة، ولكن نظام أسد يزعم بأنه غير طائفي، وقادة حزب الله وزعماؤهم في طهران يدعون أن ثورتهم لجميع المسلمين، وكثير من الذين كانوا يجاهدون هم ممن يحسنون الظن بالآيات وحزبهم المدلل. هل أدركوا تعصب أصحابهم الطائفي، أم إن المحب لمن يحب مطيع؟!.
أجرت مجلة "فلسطين المسلمة" مقابلة مع نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، وكان مما سألته:(2/55)
أعلنتم قبل فترة عن تأسيس السرايا اللبنانية لمواجهة الاحتلال لتوسيع المقاومة الشعبية للاحتلال، فما هو تقييمكم لنجاح هذه الفكرة؟.
فكان مما جاء في جوابه: "أطلقنا هذه الفكرة بعد جو إشاعة البعض في أننا نحتكر المقاومة، ولا نعطي فرصة للآخرين في الوقت الذي نعتبر فيه أن الساحة مفتوحة للمقاومة، فلسنا نمنع أحداً من الانتقال من موقع لموقع لمقاتلة الإسرائيليين، لكن بعض العاجزين أصبحوا يردون السبب لنا..".
مقابلة نعيم لفلسطين المسلمة كانت في شهر نيسان من عام 1999، وإعلان حزب الله عن تشكيل هذه السرايا كان في عام 1998، أي بعد سيطرتهم التامة على مختلف مناطق ومدن الجنوب، ومن جهة أخرى فقد كان الحزب يتصرف وكأنه دولة، ولهذا فقد خصص جهازاً لتدريب المتطوعين، وبعد التدريب يحدد للمتطوع نطاق عمله، ومن هذا المنطلق فهو الذي يحدد قبول هذا ورفض ذاك.
هذه العملية الدعائية أعلن عنها الحزب قبل عامين فقط - 1998 - وكان المنع قائماً قبل هذا الوقت، ومنذ عدة سنين، وليسأل من شاء أصدقاء حزب الله من أهل السنة: كأعضاء جبهة العلماء، وحركة التوحيد، والجماعة الإسلامية، بل وليسأل من شاء منظمات ما يسمى بالمعارضة الفلسطينية التي انشقت عن عرفات، وتبعت أسد النصيرية بطل الصمود والتصدي.
وبلغ دعم إيران للحزب أوجه في هذه المرحلة، جاء في تقرير وجهه أحد الدبلوماسيين الأوربيين إلى حكومته في مطلع صيف 1986، وكشف فيه أبعاد اللعبة السورية، ما يلي:(2/56)
"تقوم طائرات الشحن الإيرانية من طراز بوينغ 747 بالإقلاع والهبوط ثلاث مرات في الأسبوع، على طرف مدرج مطار دمشق، ناقلة حمولات غامضة، فالبضائع التي تفرغ عبارة عن أسلحة خفيفة مرسلة إلى [حراس الثورة] الذين يشرفون على تدريب أتباع حزب الله في معسكر زبداني بالقرب من دمشق، أو في المعسكرات الكائنة في منطقة بعلبك. أما البضائع المحملة فهي مدافع هاون وصواريخ مضادة للطيران من طراز سات. كذلك يحفل ميناء اللاذقية بنشاط من هذا النوع"[6][6].
وهذا الدعم الذي كان حزب الله يتلقاه من سورية وصنيعتها - الحكومة اللبنانية - ومن إيران، لا يمنعنا من القول: لقد قاتل الحزب قوات الاحتلال الصهيوني قتالاً ضارياً، وكان القادة نماذج حية لجنود الحزب، فالأمين العام الأسبق عباس الموسوي، قتل وهو يتفقد المواقع في فبراير 1992، والأمين العام الحالي حسن نصر الله فقد ابنه في إحدى المعارك، وأثبت الحزب أنه من حيث التدريب والإعداد في مستوى المهمة التي انتدب لها. ومما يجدر ذكره أن النجاحات التي حققها من أجل تحرير الجنوب جعلت الناس ينسون أو يتناسون أعماله الإرهابية التي كانت في وقتها حديث العالم كله، ومع تحسين صورته في أعين الناس فقد تحسنت صورة إيران.
حقيقة وحجم هذا الانتصار:(2/57)
يقول الكاتب اليهودي (آريه ناؤور) [معاريف: 26/5/2000]: "عندما بدأت حرب لبنان سميت [حملة سلامة الجليل] وكان يفترض بالحملة أن تستغرق 48 ساعة، على عمق 40 كيلومتراً، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن لمجموعة من كبار الضباط على مشارف بيروت: أنتم تعرفون جيداً أنني ما كنت سأصادق على حملة تنطوي على عدد كبير من الإصابات تزيد على بضع عشرات من جانبنا، وبعد وقت قصير من ذلك ارتفع عدد ضحايانا إلى 500، فأغلق بيغن على نفسه في بيته ولم يجد ما يواسيه، ولشهامته لم يتهم أحداً، وفي آخر مرة يظهر فيها أمام مركز الليكود قال: إنه يجري في لبنان مأساة، ومنذئذٍ ارتفع عدد ضحايانا ضعفين وأكثر..".
هذه هي مسألة اجتياح إسرائيل للأراضي اللبنانية.. وهذه هي أهداف حملة سلامة الجليل، فبشير الجميل أراد من وراء هذه الحملة إخراج منظمة التحرير وقوات الجيش السوري من لبنان، وبيغن أراد عقد اتفاقية سلام مع لبنان تنهي حالة الحرب. جاء في افتتاحية صحيفة ها آرتس الإسرائيلية في منتصف حزيران: لا تحولوا عملية السلام من أجل الجليل إلى سلام من أجل لبنان.
صُدِمَ بيغن من موقف بشير الجميل بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، لقد اعتذر عن عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل لأن الوقت غير مناسب، ووعد بالعمل من أجل تهيئة الأجواء التي تسمح بذلك، وصُدِمَ أكثر من موقف الزعيم الماروني بيار الجميل - والد بشير الجميل - الذي أكد تمسكه بالموقف العربي العام.
تعارضت المصالح الإسرائيلية مع المصالح المارونية، وسقطت نظرية الزعيم اليهودي "بن غوريون" الذي كان ينادي بدولة مارونية في لبنان تتحالف مع إسرائيل ضد الإسلام السني العربي، وبعد أن فقدت إسرائيل أي أمل بالموارنة، فقد راحت تبحث عن مخرج لها من ورطتها منذ عام 1982.
نعود إلى الحديث عن قتلى اليهود الذين بلغوا [500]، كما يقول الكاتب اليهودي [آريه ناؤور] فمن هؤلاء الذين أوقعوا بجيش الغزاة هذا العدد الكبير؟!.(2/58)
حزب الله لم يكن قد ظهر إلى الوجود عام 1982، وحركة أمل كانت تقف في الطرف المعادي للذين أحسنوا إليها - منظمة التحرير -، فلم يبق إلا أهل السنة من الفلسطينيين واللبنانيين، وما كانت القوات النصيرية بقادرة على منعهم لأنها قابعة على الحدود السورية اللبنانية.
وإذن: فلقد مضى اليهود عام 1982 يبحثون عن مخرج، ولهذا لم نستغرب أن يعلن باراك عن تعهده بالانسحاب من لبنان فور فوزه بالانتخابات الإسرائيلية، ووعد أن يكون ذلك بعد عام واحد، أما لماذا كان الانسحاب قبل شهرين من الموعد المحدد؛ فالذي أراه أن حافظ الأسد كان يعلق آمالاً عريضة على جبهة حزب الله مع إسرائيل، وإذا طالبت حكومة باراك المسؤولين اللبنانيين بتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة كان الرد السوري واللبناني: الانسحاب من لبنان والجولان صفقة واحدة لا تتجزأ، وبعد تكرار هذا الرد، أرادت حكومة باراك سلب سورية هذه الورقة الوحيدة التي تستخدمها في الضغط على إسرائيل، وجاء اتخاذ هذا القرار بعد فشل مفاوضات واشنطن، وفشل لقاء الأسد مع كلينتون في سويسرا.
فوجئت سورية بقرار الانسحاب، وحاولت استغلال عدم انسحاب إسرائيل من مزرعة "شبعا"، فجاءت التهديدات الإسرائيلية بأنها ستعتبر سورية مسؤولة عن أي هجوم يشنه حزب الله بعد الانسحاب، وستهاجم البنية العسكرية السورية في لبنان، وأنها ستضرب الجسور المقامة على طريق دمشق بيروت السريع، ومنشآت سورية رئيسية في بيروت ووادي البقاع [عن رويتر 24/5/2000].(2/59)
فما كان من الزعيم النصيري الهالك إلا التراجع، ورفع شعاره المعهود [كن أرنباً عند اللزوم]، وسكت الجميع عن مزرعة "شبعا" ويقدر سكان هذه المنطقة بحوالي (70 ألفاً) وهم من أهل السنة.. ثم تغيرت المواقف، وصارت أجهزة إعلام حزب الله وكل من حكومة: لبنان وسورية وإيران، تتغنى بهذا النصر الكاسح الذي حققه الحزب، وقال نصر الله فيما قاله: إن عصر الهزائم العربية قد انتهى، وعاد السكان إلى قراهم. وتولى حزب الله حفظ الأمن في الجنوب فلم تطلق حتى رصاصة واحدة باتجاه الجليل.
..........................
هذه هي حقيقة هذا الانتصار الذي حققه حزب الله ومن يقف وراءه.. وهذه صفحات موجزة تحكي المأساة التي صنعها الثنائي الإيراني النصيري في لبنان.. وهذه هي مأساة أهل السنة في هذا البلد المنكوب المحتل.
وهناك أمور لم تعط حقها من الدراسة، ويلح الإخوة اللبنانيون في السؤال عنها:
منها: هل يتطلع حزب الله لإقامة دويلة في الجنوب والبقاع؟، وهل مقابلة الأمين العام للأمم المتحدة لحسن نصر الله تدخل في هذا الإطار؟، وهل قيام الحزب بمهمة حفظ الأمن في الجنوب، وتصريح رئيس الدولة بقرار حكومته الذي ينص على عدم إرسال قوات الجيش لحفظ حدود لبنان وسيادته.. هل هذا وغيره اعتراف بدور جديد للحزب؟!.
ومنها: لماذا الضغط الشديد على جماعات ودعاة أهل السنة: إن مجرد طباعة كتاب أو تداوله يعتبر جريمة لأن في ذلك إثارة نعرات طائفية، لكن الشيء نفسه لا يعتبر جريمة، ولا يعاقب فاعله، ولا يحال إلى محكمة إن كان شيعياً.
ومنها: مَنْ وراء جماعة الأحباش، ولماذا ازدهرت هذه الجماعة في ظل الاحتلال السوري للبنان مع أن أهل السنة كلهم متفقون على دور هذه الجماعة التخريبي الهدام؟.
أرجو من الله تعالى أن يسهل لي الأسباب للإجابة عن هذه الأسئلة، وليعذرني الإخوة السائلون إن تأخرت[ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها . ]
المصدر: مجلة السنة - العدد 98
-------------------------(2/60)
[1] - وقد صدق في قوله هذا.
[2] - لينظر المتعالمون من أبناء قومنا إلى قول هذا السفير: "وإلا فكيف يمكن تفسير قيام الجزائر بدفع خمسين مليون دولار لمنظمة أمل؟ ما هي علاقة الجزائر بلد سني في شمال أفريقيا يقوم بدعم الشيعة في لبنان؟". إنه تفكير طائفي متزمت يجري في دماء الشيعة، وكل موقف يقفونه لابد وأن ينطلقوا فيه من هذا المنطلق. أسأل الله تعالى أن يشرح صدور أبناء قومنا للحق، وأن يهدهم سواء السبيل.
[3] - عن مجلة "جون أفريك" الفرنسية، العدد الصادر في منتصف فبراير 1984.
[4] - الحروب السرية، مصدر سابق، ومجلة المجلة، العدد: 1013، تاريخ 11 - 17/7/1999.
[5] - انظر كتاب السراب، مركز الوحدة الإسلامية للدراسات والتوثيق، ص: 157، وجريدة النهار: 30/10/1983.
[6] - الحروب السرية، مصدر سابق، ص: 275.
الفهرس العام
انتصار حزب الله (الحلقة الأولى)…1
المرحلة التي سبقت تأسيس الحزب…1
المؤامرة:…6
انتصار حزب الله (الحلقة الثانية)…16
ملحوظتان:…16
لماذا يرفض هذا النظام اللحية السنية ويقبلها إذا كانت شيعية؟!.…20
المرحلة الأولى من مسيرة الحزب:…23
المرحلة الثانية من مسيرة الحزب:…28
حقيقة وحجم هذا الانتصار:…31
**********************
تحذير الأمّة المرحومة المهديّة ، من خطر الجيوب المندسّة الصفويّة
حامد بن عبدالله العلي
لعلّ أصدق وصف لما أفضت إليه ساحة الصراع الصفوي الصهيوصليبي ، في المسرح اللبناني ، أنَّ الطرفين تورطا في مأزق ، سيؤدّي إلى مزيد من الفوضى ، ولن تنجلي المعركة حتى تتوسّع إقليميا ، وتصطدم بكلِّ مخزونها .
ولا ريب في أنّ تكوينها القدري الإلهي ماضٍ لامحالة إلى حيث يكيد الله به للإسلام وأهله ، إنّما الذي يهمّنا فيه ، حماية الأمّة من الانجرار بسذاجة إلى المشروع الصفوي ، بما يحمله من خطر بالغ على العقيدة ، وشأنها أعظم .
ودعنا نضع الأحداث في سياقها التاريخي ، إلى واقعنا ، ثم نُلقي الضوء على الواجب الشرعي .(2/61)
أولا : تسلسل الخلفيّة التاريخيّة إلى الساعة الراهنة :
عام 1399هـ ، 1979 ميلادي : اندلاع الثورة الصفوية بعودة الخميني على الخطوط الجويّة الفرنسية من باريس إلى طهران ، ونجاح الثورة في السيطرة على الدولة بعد سقوط نظام الشاه .
وضع نظريّة تصدير الثورة موضع التنفيذ، بدءاً من دول الجوار ، متبنيّة هدف إسقاط النظم الحاكمة في الدول العربية ، وإقامة نظم أخرى موالية ، تأخذ بتوجيهات الثورة الصفوية .
هلع دول الجوار وهي ترى أمريكا ، حليفة الشاه حامي الأمن في الخليج ، تقف عاجزة غير قادرة على إنقاذ من كان يحمي مصالحها في الخليج ، ولكن للأسف لايعتبرون ، وعن غفلتهم لا يصحون ، نسوا الله فأنساهم أنفسهم !
اغتنام الإتحاد السوفيتي الفرصة ، في هذا التوقيت لاحتلال أفغانستان ، مقتربا من الحقول النفطيّة العملاقة في الخليج .
توقيع الرئيس المصري السادات اتفاقيه السلام مع الصهاينة ، ممزِّقا الصف العربي ، ومنهيا كلّ مخاوف الصهاينة منه ، ومُؤذِنا ببدء انهيار كلّ مشاريع الخلاص القومية التي كانت أوهاما أصلا !
إزاحة صدام حسين للرئيس العراقي أحمد حسن البكر ، متطلِّعا إلى زعامة العرب ، راميا بطموحه إلى السيطرة على دول الخليج ، فالوطن العربي بأسره .
1980م ، الهجوم الصفوي لاحتلال العراق واندلاع حرب الخليج الأولى.
1981ـ تشكّل مجلس التعاون الخليجي بهدف تكوين قوة إقليمية ، ليكوّن النظام الإقليمي الخليجي من ثلاث قوى رئيسة : العراق ، إيران ، مجلس التعاون الخليجي .
نهاية الأطماع الصفوية في احتلال العراق ، والتوسع لابتلاع الخليج ، بالفشل إثر حرب استمرت 8 سنوات .
هزيمة الإتحاد السوفيتي في أفغانستان على يد المجاهدين ، فميلاد قاعدة الجهاد العالمي.
فشل مجلس التعاون الخليجي على جميع الأصعدة ، وخروجه من معادلة النظام الإقليمي للقوى ، وتحوله إلى مناسبات احتفالية ، واستعراض سياسي باهت .(2/62)
احتلال النظام العراقي البعثي للكويت ، موفِّرا فرصة تاريخية لواشنطن ، لتوسيع قواعدها العسكرية في الخليج واحتلاله .
الهزائم الثلاث : هزيمة النظام العراقي ، والإتحاد السوفيتي ، والنظام الصفوي ، وفّرت للغرب الصليبي فرصة تحويل الجزيرة العربية إلى مقر دائم لجيوشهم ، لاحتلال منابع النفط ،وحماية الكيان الصهيوني ، وفرض ثقافته.
تهاوي الشعارات النهضوية اللادينية في البلاد العربية ، وتجريد الأنظمة العربية من أي رسالة حضارية ، ودخولها في مرحلة العفن السياسي ، والفساد المالي والإداري ، وتنامي السخط لدى الشعوب العربية .
انتشار الخطاب الإسلامي في الشعوب الإسلامية ، وتربّعه على عرش التوجيه الفكري والتعبوي.
تحوّل النظام الصفوي إلى الاهتمام ببناء الأحزاب الثوريّة السريّة داخل البلاد العربية ، وتوسيع قدراتها ، وتحويلها إلى بؤر مؤامرات تخطط لتنفيذ المخطط الصفوي التوسّعي ، مستغلاّ خلوّ المنطقة من مشاريع التغيّير النهضويّة ، ومتلبّسا زورا بالخطاب الإسلامي
الهجوم التاريخي الأسطوري لمجاهدي القاعدة في الحادي عشر من أيلول على نيويورك وواشنطن ، مخلِّفا دمارا ماديا ، ومعنويا ، هائلا هو الأكبر في تاريخ أمريكا .
فقدان مركز قيادة الغرب الصليبي أمريكا لتوازنه بسبب هذا الهجوم ، متزامنا مع تربعّ الأحمق المطاع بوش على سدة الحكم ، وحوله عصابة من الصليبين المتصهينين.
اتخاذ إدارة بوش القرار الأشد حمقا في تاريخ أمريكا باحتلال العراق ،
استغلال الصفويين هذا القرار لاحتلال وسط العراق وجنوبه ، بغية تكوين نموذج دولة للثورة الخمينيّة فيه ، وضمّها إلى إيران ، في أكبر مشروع توسعي فارسي منذ عهد كسرى ، في تحالف خيانة هش مع الصليبيين.(2/63)
تنامي التيار الجهادي الإسلامي العالمي ، وتوسّعه ، وانتشاره ، وتحقيقه قفزة نوعيّة ، وفرضه نفسه على معادلة الصراع في المشهد العالمي ، وعودته على مستوى السيطرة الفعلية في وزيرستان وأجزاء من أفغانستان ، وصعوده في الصومال ، وانتشاره على نطاق واسع على مستوى الفكر ، والتجنيد في العراق ، وغيرها من البلاد العربية والإسلامية .
تسريع الصفويين برنامجهم النووي، بغية الوصول إلى مستوى الدولة النووية ، لإجبار القوى الكبرى على القبول بمشاركتها مكاسب الهيمنة في المنطقة .
توجّه الغرب الصليبي إلى إعادة التوازن الإقليمي ، بعد نهاية زواج المتعة مع الصفويين ـ التحالف الهش ـ ومواصلة الضغط على إيران ، لمنعها من الوصول إلى السلاح النووي ، والإسراع بخطط تغيير نظام الحكم فيها وفي سوريا .
تفجير النظام الصفوي لقبّة سامراء لتوفير الذريعة للإسراع في خطط تهجير السنة وإبادتهم لتشيّيع بغداد والجنوب ، وتمهيدها لتكون ساحة معركة مع الأمريكيين .
استغلال النظام الصفوي للقضية الفلسطينية لحشد التأييد الإسلامي في صراع الهيمنة مع الغرب ، واستكمالا لسعيه في تكوين الهلال الصفوي .
تحريك النظام الصفوي لجيبه في جنوب لبنان ـ حزب حسن نصر ـ في هذا الإطار ولتعزيز موقع حزبه في لبنان ، لعملية عسكرية صغيرة ، تحت شعار المقاومة الإسلامية ، متوقّعا أن يبقى في دائرة دعائية محدودة ، تخدم سياسته المرحلية فحسب ، في ضمن قواعد اللعبة المحدّدة مع الصهاينة.
حدوث ردّ فعل دراماتيكي مفاجئ في الأحداث ، كان التحالف الصهيوصليبي قد أعدَّه مسبقا ، لإسقاط أو أضعاف ورقة الجيب الصفوي اللبناني ، من اليد الإيرانية في معادلة الصراع .
فانتهى إلى قرار (مجلس التآمر الدولي) ، الذي يلزم لبنان بحماية حدود الصهاينة ، ومنع استغلال إيران لها عبر حزب حسن نصر في صراعها مع الغرب .
ثانيا : المتوقع :(2/64)
استمرار الصراع بين المشروعين الصفوي ، والصهيوصليبي ، وإفضاء ذلك إلى مواجهات أخرى تأخذ عدة أشكال ، حتى تنتهي بالصدام المباشر .
ثالثا : الموقف من الأحداث :
المحور الصفوي يكافح للخروج من مأزق الجيب الصفوي في لبنان ، بأيّ مكسب سياسي ، بعد فشل خطّته .
على مستوى الأنظمة العربية ـ كالعادة ـ مواقف مخزية ، ونقاط جديدة إلى رصيد العار ، ومطايا للمشاريع الأجنبيةّ ، أو متفرجين يكتفون بمراقبة شعوبهم لتبقى في حظيرة الذل!
على مستوى مشروع الجهاد : استمرار راية الجهاد على بصيرة ، لإعلاء كلمة الله تعالى ، وتحريض الأمّة على النهضة ، ورد العدوان الصهوصليبي ، لا يضرّهم من خذلهم ، ولا من خالفهم .
وعلى مستوى المفكِّرين الإسلاميين :
انقسم المفكَّرون في العالم الإسلامي إلى ثلاثة أقسام :
أحدها : قسم يقرّون أنّ ثمّةَ فرق بين التشيّع من حيث هو فكر وعقيدة ، وبين المشروع الصفوي فهو مناقض لمشروع الأمّة ، وخطر عليها ، ولكنّهم يظنون أنّ الأولويّة للصراع مع العدوّ الصهيوصليبي ، ولهذا فليس هذا وقت حشد التحريض ضد المشروع الصفوي ، فبقاؤه قويا في معادلة الصراع ، خيرٌ للإسلام !
وهؤلاء قد يكون لرؤيتهم وجه ، لو كان للعالم الإسلامي رقم مؤثر وقويّ في معادلة الصراع ، بحيث يمكنه الاستفادة من تجاذب الهيمنة بين المشروعين العدوّين ، وعقد صفقات أو تحالفات ، تجمع بين مصلحة المسلمين ، ودرء الخطر عنهم ، وحماية الإسلام من خطرهما ، على المستوين : الثقافي ، والسياسي .
أما في حالة الضعف على المستويين الثقافي ، والسياسي ، والفراغ الهائل على الصعيد النهضوي ، فإن هذا التوجّه ، ضربٌ من الغفلة ، فهو يقدم خدمات مجانية لمشروع معاد يتربص بشعوب إسلاميّة مكشوفة ، وهذا يعني السماح بأن يملأ المشروع الصفوي المعادي ، الفراغ الذي في الأمّة بما يقودها إلى مهلكها ، بسبب التقاعس عن كشف حقيقته ، وتوضيح أهدافه ، وحماية الأمّة من مخططه .(2/65)
والثاني : قسم يرون المشروع الصفوي في ضمن مشروع الأمّة ، ورصيد لها ، وأنّ نصره واجب ، وانتصاره انتصار للأمّة ، والعجيب أنَّ غالب هؤلاء كان صوتهم خافتا ، إن لم يكن معدوما ، عندما احتاج المشروع الجهادي السنّي إلى دعم وتأييد !!
وهذا القسم في غاية الخطورة على الأمّة ، ويشكِّل جهلُهم ، أو إمكانُ استغلالهم ، جسرا لهذا المشروع الخطر على أمتنا ، وهم وقود رخيص الثمن ، أو مجاني ، للمشروع الصفوي ، يحرقه في طريقه إلى الوصول إلى أهدافه الخبيثة ، التي لن تنتهي دون مسخ تراث الأمّة ، والقضاء على دينها ، وإعمال السيف في رقاب أبناءها .
ولهذا فالواجب الشرعي متعيّن ، للرد على هؤلاء ، والحذر والتحذير منهم ،والأخذ على أيديهم ، فإنّهم يعبثون بمصير الأمة ، ويعرِّضون قوام هويّتها للخطر ، وشعوبها لتسلّط أشدّ الأعداء خطورة .
وإن كانوا يجهلون أنّ المسخ الثقافي الذي يحمله مشروع النظام الصفوي في إيران ، أبعد ما يكون حتّى عن التشيّع ، إلى دين باطني ، يحمل بين طيّاته ، أصناف الزندقة ، فضلا عن أنّه يجمع بدع الجهمية ، والقدرية ، والمرجئة ، والخوارج أيضا من جهة الغلوّ في التكفير ، حتى يكفِّرون كل منكر للإمامة ، وهم كلّ العالم الإسلامي السني ،ممزوجا ذلك كلّه بتعصب بغيض ، وأحقاد شعوبيّة مقيته ، وطغيان سياسي ، وإفلاس حضاري ، وقد لاقي الشعب الإيراني النبيل نفسه ، ويلات هذا النظام قبل غيره .
وأن هذا المشروع الخبيث ، لو تسلَّط على رقاب المسلمين ، فربما سيترحمّون على أيّام الاحتلال الصليبي في القرن الماضي ! كما تتنفّس ـ مثلا ـ الأسر العراقيةّ الصُعداء إن علمُوا أنَّ أسيرهم بيد الاحتلال الصليبي على بشاعته ، وليس عند فيلق الغدر ( بدر ) !!(2/66)
إنْ كانوا يجهلون ذلك كلَّه ، فشفاء العيّ السؤال ، فإن أصرُّوا بعد ذلك على الوقوف مع مشروع النظام الصفوي ، فهم أهل النفاق الذين قد عُرف خطرُهم على الأمّة ، وإن تزيّنوا بالعمائم ، وتوشَّحوا بالألقاب الشرعيّة !
والثالث : قسم عرفوا حقيقة هذا المشروع الصفوي ، وتبيّن لهم خبثه ، وعظيم خطره ، فهم يرون أنّ المشروع الصفوي لا يقل خطورة عن المشروع الصهيوصليبي ، بل قد يكون أشد خطراً ، وأنَّ مواجهته واجب شرعي ، وفضح مخططاته فرضٌ على من يتولّى أمر الفكر ، وتبصير المسلمين بأبعاد مؤامرته على أمّتنا من الجهاد الذي لا يجوز التخلِّي عنه ، وهو ثغر تاركه من أشدّ الناس جرما في المسلمين .
فهذا هو الحقّ الذي يجب أن يتمسَّك به من يبتغي الهدى ، ويجب على حملة هذه الشعلة الهادية ، أن يتقدَّموا على ثقة من أمرهم ، ولايهولنّهم صياح المخدوعين بسحر الإعلام ، المبهورين بقرع الطبول الصفوية الفارغة .
ففي الخلاص من النظام الصفوي الجاثم على مقدرات الشعب الإيراني ، فرجٌ على ذلك الشعب ، وشعوب المنطقة ، وحماية لتراث الأمّة مما هو من أعظم الأخطار .
والفتنة الصفويّة ـ و الله أعلم وكلّ شيء بمشيئته وتقديره ـ قادمة قد ضُرب لها الأجل، وسيفهم على المسلمين يستعد ليُسَل ، وقرن ثورتهم سيطل ، وستظهر بوادر ذلك عاجلا علينا ، وسهامهم ستُوجَّه وشيكا إلينا .
فنهيب بأهل الإسلام أن يكشفوا المندسِّين من الجيوب الصفويّة المتربّصة بالمسلمين شراً في بلاد الإسلام ،
وأن لا ينخدعوا بشعاراتهم الزائفة ، ولا يلتفتُوا للمخدوعين بها .
وأن يأخذوا حذرهم ، وأسلحتهم ، ويستعدُّوا لوأْد فتنتهم ، وردِّهم عن مخططهم خائبين ، وحماية المسلمين من طغيانهم ، والإسلام من إفكهم، وكفرهم ، وضلالهم .
وأن يكونوا مع المجاهدين الصادقين ، فإنّ الله تعالى قال ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) وهم الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله تعالى ،(2/67)
أما المنافقون الذين يظهرون الإسلام ،ويبطنون الكيد به وبأهله ، فهم الذين قال الله تعالى عنهم ( هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) .
وقد أمرنا الله تعالى بجهادهم ، مستعينين بالله تعالى، وعليه متوكلين ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، حسبنا الله على جميع أعداءه من الصهاينة ، والصليبين ، والرافضة المنافقين ، والله نعم المولى ، ونعم النصير.
لفضيلة الشيخ المجاهد حامد بن عبدالله العلي حفظه الله
المصدر
http://www.h-alali.net/npage/mqalat_open.php?id=346
*********************
تعانق المشروعين الأميركي والصفوي في العراق والمنطقة.. وأهداف حزب الله
التاريخ:21/06/1427 الموافق 17/07/2006 |
الرابطة العراقية / في بداية رؤيتنا هذه، لابد من التوضيح بأنّ إسرائيل ليست إلا كياناً صهيونياً دخيلاً في منطقتنا العربية والإسلامية، وهذا الدخيل ينبغي أن يقاوَم بكل السبل الممكنة، حتى تحرير فلسطين العربية المسلمة.. كل فلسطين، من البحر إلى النهر.. وإنّ الكيان الصهيوني هذا، ليس إلا خليةً سرطانيةً زرعها الغرب في قلب العالَم العربي والإسلامي، لتحقيق أهدافه في استمرار التجزئة والفرقة والتشتّت والاحتقان، والحيلولة دون بروز دولةٍ موحَّدةٍ قويةٍ حضاريةٍ مدنيةٍ ذات مرجعيةٍ إسلامية.. وإننا على اقتناعٍ تامٍ بأنّ المشروع الصهيوني يسير إلى زوال، نتيجةً حتميةً لطبائع الأشياء، ولاستمرار سُنَنِ الله عز وجل في أرضه.(2/68)
كل ما يصيب الكيان الصهيوني من مصائب، وكل ما ينال جنودَه المغتَصِبين من أذىً وسوء.. كل ذلك يُفرِحنا ويُرضينا، ويجعلنا أرسخ اقتناعاً بأنّ هذا الكيان المسخ، ليس إلا أكذوبةً ضخّمها تخاذل الأنظمة العربية والإسلامية، وتواطؤها، والاكتفاء بشعاراتها المزيّفة التي تدعو إلى العمل على تحرير الجولان وفلسطين.. ويأتي في طليعة هؤلاء المتاجرين، النظامان : السوري، والإيراني الفارسي، وأذنابهما من حَمَلَة المشروع الصفوي الشعوبي، الذين يُتاجرون بقضية المسلمين الأولى والأقدس حسبما تقتضيه مراحل تنفيذ مشروعهم الصفوي الفارسي المذهبي، الذي بدأ يأخذ مساراً تنفيذياً متسارعاً منذ بدء اجتياح العراق، واحتلاله أميركياً صفوياً صهيونياً، وذلك قبل أكثر من ثلاث سنوات!..
قبل أشهرٍ عدة، أُعلِنَ في دمشق عن انطلاق تحالفٍ استراتيجيٍ إيرانيٍ-سوري، ضمّ إليه حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية.. وقبل ذلك كانت اللعبة الصفوية الإيرانية مع النظام السوري.. قد بدأت معالمها تتوضّح على أرض العراق المحتلّ، بالتناغم مع المحتَلّ الأميركي، والتقاطع معه، بل التواطؤ الواضح معه.. مع احتفاظ كل جهةٍ من الجهات المتواطئة على أحلامها التاريخية في بناء نفوذها وسيطرتها على منطقتنا العربية والإسلامية.. ويمكن أن نشير هنا إلى خطورة الأحلام الفارسية الصفوية، التي يتواطأ معها النظام السوري وحزب الله والحركات الشيعية العراقية، من منطلقٍ طائفيٍ مذهبيٍ خالصٍ شديد الوضوح.. فتحوّل هذا التحالف المشبوه الجديد إلى مشروعٍ سرطانيٍ شديد الخبث، يفوق خطرُهُ على أمتنا العربية والإسلامية خطرَ الكيان الصهيوني نفسه.. وكان من أهم مظاهر هذا المشروع الشعوبي الصفوي :(2/69)
1- حملات التطهير العرقي والمذهبي ضد أهل السنة العرب في العراق، التي اشتدّت في الأشهر الأخيرة، مترافقةً مع حملات التهجير الواسعة لهم من مناطق جنوبيّ العراق، وإطلاق الدعوات لتقسيم العراق على أساسٍ طائفيّ، مع استمرار تحريض المحتل الأميركي على شن حملات الاعتقال والأسْر والقتل والتدمير والمداهمات والتنكيل والتصفية، ضد أهل السنة العراقيين، وضد مساجدهم ومؤسّساتهم وأحزابهم وحركاتهم!..
2- التغلغل الفارسي الصفوي في العراق، بتعاونٍ كاملٍ مع المرجعيات الشيعية العراقية، خاصةً ذات الأصل الفارسي منها.. وذلك استخباراتياً وعسكرياً واقتصادياً وسياسياً ودينياً، بمباركةٍ أميركيةٍ ودعمٍ عسكريٍ ولوجستيٍ مهمٍ من قِبَل القوات المحتلة، إلى درجةٍ بدا معها العراق خاضعاً لاحتلالٍ فارسيٍ صفويٍ بالدبابة الأميركية!..
3- التغلغل الشيعي الفارسي في سورية، واشتداد حملات التشييع في صفوف الشعب السوري المسلم السني، وتجنيس الفرس والعراقيين الشيعة، بمنحهم الجنسية السورية من قِبَل النظام الأسدي الحاكم.. وقد تجاوزت أعدادُهُم المليونَ حتى الآن، ويقيم معظمهم في منطقة (السيدة زينب) وما حولها في دمشق!..(2/70)
4- بروز عمليات التزوير الفاضحة، للتركيبة الديموغرافية للشعب السوري، ولعل أشدها وضوحاً، تلك الدراسات الوهمية التي نشرتها المخابرات الطائفية السورية، عن أنّ المجتمع السوري هو مجتمع أقليات، وأنّ أهل السنة لا تتجاوز نسبتهم 45% من مجموع الشعب السوري، وأنّ هؤلاء منقسمون على أنفسهم!.. في محاولاتٍ وقحةٍ لتزوير التاريخ والجغرافية والديموغرافية السورية، مع أنّ الشعب السوري يتكوّن بغالبيته الساحقة من أهل السنة، وهذه إحدى الحقائق البدهية في سورية.. لكن أولئك القائمين على تنفيذ المشروع الصفوي الفارسي، يظنون أن تزويرهم للتركيبة الديموغرافية في العراق، على حساب أهل السنة الذين ما يزالون يشكّلون الغالبية هناك.. يظنون أنهم يستطيعون القيام بنفس الدور التزويري في سورية أيضاً.. شاهت وجوههم!..
5- التواطؤ الكامل والتآمر الخالص مع القوات الأميركية المحتلة، ولعل أبرز ذلك ما أصدرته المرجعيات الدينية الفارسية العراقية من فتاوي، تُحَرِّم مقاومة المحتل، وتُطلق الأبواب مُشرعةً لذبح أهل السنة في العراق، ووصفهم بالإرهابيين، من خلال أضخم مؤامرةٍ لتزييف الحقائق، وتشويه المبادئ الإسلامية والوطنية، التي تدعو لمقاومة المحتل وجهاده حتى يتم التحرير الكامل للأوطان والإنسان.. وما يزال هؤلاء يلعبون أدوارهم الخبيثة المستمَدَّة من دور (الطوسي وابن العلقمي) وغيرهما، مع جيوش المغول والتتار ضد الأمة الإسلامية، في أواخر عهود الخلافة العباسية!..
6- اشتداد حملات الاعتقال التي ينفّذها النظام السوري الأسدي، ضد عرب (الأحواز) الإيرانيين، الذين لجئوا إلى سورية منذ عشرات السنين تحت شعارات القومية العربية التي يتدثّر بها حكام سورية، وتسليم بعض الشخصيات القيادية الأحوازية المعارِضة إلى مخابرات النظام الإيراني (خليل عبد الرحمن التميمي، وسعيد عودة الساكي، وغيرهما من القيادات الأحوازية العربية)!..
* * *(2/71)
كان لابد لهذا المشروع الصفوي من غطاءٍ مقبولٍ لدى شعوب المنطقة المسلمة، ولابد من تسريع خطاه وتمكينه من اللعب بعواطف الجماهير والشعوب العربية والإسلامية.. وليس هناك أفضل من قضية فلسطين واللعب بها وعليها وفيها.. من غطاءٍ تتوارى تحته النوايا الحقيقية لأصحاب هذا المشروع الشعوبي الخطير.. ولم يتأخّر عُتاة هذا المشروع في لعب لعبتهم بقضية المسلمين الأولى، التي -للأسف- انخدع بها أول مَن انخدع، بعض الحركات الإسلامية، التي انخرطت من حيث تدري أو لا تدري في تنفيذ هذا المشروع الشعوبي الاستيطاني الخطير، تحت شعاراتٍ زائفةٍ لم تنطلِ حتى على كثيرٍ من بسطاء الرأي العام العربي والإسلامي.. فتحوّلت تلك الحركات إلى ورقةٍ بيد أصحاب المشروع الأصليين، يحرّكونها حيثما أرادوا، وكيفما شاءوا، وفي الوقت الذي يحدّدونه حسبما تقتضيه مصلحة مشروعهم الخبيث!..
إذن، كانت هناك حاجة إلى اللعب بورقة القضية الفلسطينية الأقدس عند العرب والمسلمين، وفي نفس الوقت، مَدّ اليد البيضاء إلى العدوّ الصهيوني، ما استوجب على أركان المشروع الصفوي الفارسي اتباع الوسائل التالية :
1- إطلاق الرئيس الإيراني أكثر من مرةٍ شعاراً تجارياً فارغاً متهافتاً، بالدعوة إلى إزالة إسرائيل!..(2/72)
2- الإعلان عن تحالفٍ إيرانيٍ سوريٍ مع بعض المنظمات الفلسطينية ذات السمعة العطرة بين الشعوب العربية والإسلامية، والإعلان عن تقديم مساعداتٍ ماليةٍ إليها في محنتها.. هذه المساعدات التي هي كالعادة غير موجودةٍ إلا في أذهان المتاجرين، وهي مساعدات لم تصل إلى أصحابها حتى الآن، ولن تصل في أي يومٍ من الأيام، لأنها ستبقى في إطار المتاجرة: [.. قال وزير الخارجية الإيراني (منوشهر متقي) في مؤتمر صحافي في طهران أمس: إنّ إجراءات المساهمة بخمسين مليون دولار لا تزال في مرحلة صنع القرار (بعد أربعة أشهر من الوعد).. ولم يتم سداد المبلغ الذي تحدثت عنه]!.. (نشرة المختصر في 11/7/2006م، نقلاً عن البيان).. فالمساعدات الإيرانية المزعومة، ليست إلا شعاراتٍ ووعوداً زائفة، لأن ما يحرّك الصفويين الفرس هي النزعة الشعوبية الطائفية، التي تقضي بعدم تقديم أي عونٍ للحركات الإسلامية الفلسطينية السنيّة مهما كانت الظروف!..(2/73)
3- عَقْد لقاءاتٍ مشبوهةٍ للنظام السوري مع الصهاينة، التي بدأت بالمصافحة العار بين بشار الأسد ورئيس الكيان الصهيوني (كاتساف) أثناء جنازة بابا الفاتيكان، ثم تلتها التصريحات الصهيونية المتكرِّرة بأن النظام السوري هو خيار صهيوني ينبغي دعمه، والتصريحات الكثيرة لأركان النظام السوري بالرغبة في التفاوض مع الصهاينة.. مع قيام النظام نفسه بأشد حملات التطهير الوطني في تاريخه، ضد المواطنين السوريين من مختلف الاتجاهات الوطنية، والتآمر على التعليم الشرعي الإسلامي السني مع تشجيع أوكار التعليم الديني الشيعي الصفوي ومَدّها بكل الاحتياجات المعنوية والمادية، وبدء نسج علاقاتٍ مشبوهةٍ واضحة المعالم مع الصهاينة، كان آخرها اجتماع السفير السوري في لندن مع (استيل غيلستون) رئيسة الاتحاد الصهيوني في بريطانية (أخبار الشرق بتاريخ 12/7/2006م)، واستقدام حاخامٍ صهيونيٍ أميركيٍ ليلقي خطبةً في أحد أكبر جوامع حلب (الخليج الإماراتية بتاريخ 11/7/2006م).
4- تغلغل الموساد الصهيوني في العراق، بدعمٍ من الحكومة العراقية العميلة للاحتلال، وبتنسيقٍ مع ما يُسمى بالحرس الثوري الإيراني والميليشيات الصفوية الشيعية في العراق.. للقيام بعمليات اغتيالٍ للعلماء والضباط العراقيين السابقين والشخصيات الإسلامية السنيّة المؤثرة، وللقيام بأعمالٍ إرهابيةٍ إجراميةٍ شنيعةٍ بحق أهل السنّة في العراق، من اختطافٍ وتصفياتٍ وتعذيبٍ وقتلٍ على الهوية!..(2/74)
لقد اتحد الطائفيون لتنفيذ مخطّطهم الخاص، وأعلنوا عن هذا الاتحاد بتحالفٍ استراتيجيّ، وتقاسموا الساحات والأدوار، لإنجاز مخطَّطٍ واحدٍ متكاملٍ في الساحات الثلاث : العراق، وسورية، ولبنان.. لذلك أصبحت ممارسات أي جهةٍ من جهات هذا التحالف، لا تندرج إلا ضمن المشروع الكلي المتكامل، لتحقيق الأهداف الصفوية الشعوبية الخطيرة، في المنطقة الممتدة بدايةً، من إيران إلى لبنان، بما فيها العراق وسورية!.. لذلك، وبناءً على وحدة الحال والمخطّط والأهداف وتكامل الأدوار بين النظام الإيراني الشعوبي الفارسي، والنظام الأسدي السوري، والحركات الشيعية اللبنانية.. بناءً على ذلك فحسب، يمكن محاكمة الممارسات، ودراسة اتجاهها، وهل هي تصبّ في مصلحة الأمة العربية والإسلامية.. أم في مصلحة تنفيذ المخطط الصفوي الفارسي الشعوبي، للسيطرة على أوطاننا ومنطقتنا وشعوبنا وثرواتنا، وللقيام بحملات التطهير العرقي والطائفي ضد أهل السنّة في هذه المنطقة، ثم الانطلاق منها إلى منطقتي الخليج العربي وشمال إفريقية، للإطباق عليهما تماماً، ضمن أهدافٍ توسّعيةٍ خطيرة، تعيد أمجاد الصفويين والفاطميين، للسيطرة على بلاد العرب والمسلمين!..(2/75)
ما معنى أن يزعل بشار الأسد في دمشق من الحكومة اللبنانية، فينسحب من تلك الحكومة خمسة وزراء شيعيون من حزب الله وحركة أمل.. ينسحبون من الحكومة ويجمّدون نشاطهم فيها؟!.. وما معنى أن يهتف الهتّافون في مؤتمر اتحاد المحامين العرب الذي انعقد في دمشق قبل أشهرٍ عدة.. يهتفون لحزب الله، ويرفعون عَلَمَه الحزبيّ الخاص في المؤتمر.. ولا يكون للبنان الدولة ظهور واضح ولا لحكومته ولا لِعَلَمِهِ الوطني؟!.. ولماذا يرفع (حسن نصر الله) صورة الفارسي (الخميني) فوق رأسه في مقرّ مكتبه؟!.. وقبل ذلك ما معنى جواب أحد قيادات حزب الله على سؤالٍ صحفيٍ في عام 1987م : [هل أنتم جزء من إيران]؟!.. الجواب : [بل نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران]!.. (النهار اللبنانية بتاريخ 5/3/1987م).. على هذا الأساس إذن، وعلى هذه القراءة للواقع الذي يجري على الأرض حقيقةً دامغة.. ينبغي أن تُحَاكَمَ الأمور والأحداث الأخيرة التي فجّرها حزبُ الله ومَن وراءه من أركان الحلف الاستراتيجيّ الصفويّ الشعوبيّ.. ضد الكيان الصهيوني!..
* * *
إنّ هدف المشروع الصفوي الفارسي الشعوبي، هو السيطرة على العالَمَيْن العربي والإسلامي بَدءاً من إخضاع منطقة الهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق)، وذلك باجتياحها ديموغرافياً ومذهبياً وتبشيرياً صفوياً وسياسياً وأمنياً وثقافياً واستيطانياً.. ويقوم هذا المشروع المشبوه على أركانٍ خمسة، هي :(2/76)
1- التواطؤ والتآمر مع القوى الغربية بزعامة أميركة إلى أبعد مدىً ممكن، لاجتياح بلادنا واحتلالها، وإفساح المجال لها ومساعدتها في السيطرة على أوطان المسلمين، والقيام بدورٍ خبيثٍ لا يقل خطورةً عن دور (ابن العلقمي) حين تواطأ مع هولاكو لاجتياح بلاد المسلمين.. وكل العالَم يعرف أنّ إيران كان لها الدور الأعظم في التواطؤ مع أميركة لاحتلال أفغانستان.. ثم العراق، والمسؤولون الإيرانيون صرّحوا بذلك بوضوح، بل افتخروا بذلك: (تصريح إيراني رسمي: لولا إيران لما احتلت أميركة العراق.. ولولا إيران لما احتلت أميركة أفغانستان).. وذلك لإضعاف أهل السنّة، ثم الانقضاض عليهم تحت مظلة المحتل الأميركي!..
2- اللعب بالورقة المذهبية الشيعية، وإشعال فتيل الحرب الطائفية، والقيام بعمليات التطهير العرقي والطائفي، والعمل على تجزئة بلادنا، وتهجير أهل السنّة العراقيين من المحافظات التي يتداخلون فيها مع أبناء الشيعة، مع قيام المرجعيات الشيعية بدورٍ مُفسِد، بالتحريض على أهل السنّة وعلى مؤسساتهم التعليمية والدينية (الشيرازي يدعو خلال خطبةٍ مفتوحةٍ إلى تدمير مساجد أهل السنة، وقد قاموا فعلاً بتدمير مئات المساجد أو احتلالها وتحويلها إلى حسينياتٍ ومراكز شيعيةٍ صفوية)!..
3- اغتيال الكفاءات السنيّة العلمية والعسكرية والدينية، وممارسة كل الجرائم بحقهم، لترويعهم وتهجيرهم والتشفي منهم!..
4- الاجتياح الديموغرافي الشيعي الصفوي، كما يحصل في سورية بشكلٍ خاص، تحت تغطيةٍ كاملةٍ يقدّمها النظام الأسدي الحاكم، وكما يحصل بشكلٍ أو بآخر في لبنان والأردن، فضلاً عن العراق.. إضافةً إلى حملات التبشير الشيعي في صفوف أهل السنة!..
5- افتعال الصدامات الكاذبة مع العدو الصهيوني، واستفزازه ليقوم بتدمير بلادنا، ثم لتخلو لهم الأجواء للّعب بأوراقهم الصفوية، وتسهيل تحقيق أهدافهم الشرّيرة، تماماً كما فعلوا ويفعلون في أفغانستان والعراق حالياً!..(2/77)
إن المشروع الصفوي الشيعي يشبه المشروع الصهيوني في معظم وجوهه، لكنه أشد خطراً من المشروع الصهيوني، فهو مشروع استيطاني قومي فارسي مذهبي متطرّف.. لا يقبل أصحابه بأقل من إبادة المسلمين من أهل السنة إبادةً تامة.. وهو مشروع يحمل أحقاداً تاريخيةً ضخمة، ويقوم على خزعبلاتٍ دينيةٍ مذهبية، ركنها الأساس: تشويه الدين الحنيف، وإشاعة الأباطيل والخرافات عن الإسلام، ونشر الفساد المذهبي القائم على نشر ما يعرف لديهم بمصحف فاطمة، وزواج المتعة، وتأليه الأئمة، وشتم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحريف القرآن الكريم والسنّة المطهّرة، وتكفير المسلمين من أهل السنّة.. لذلك كله فهو أخطر من المشروع الصهيوني اليهودي، وأخطر من المشروع الغربي الأميركي الاستعماري.. وإن كان من الواجب على العرب والمسلمين مقاومة المشروعَيْن الصهيوني والأميركي.. فإن دواعي مقاومة المشروع الصفوي الفارسي الشعوبي أشد وأقوى!..
إنّ الساحات الأربعة التي اختارها الطائفيون الصفويون بدايةً لتحقيق أهدافهم، يسير فيها مخطَّطهم حالياً بالشكل التالي :
1- في الساحة الإيرانية : عمليات تطهيرٍ واسعةٍ لأهل السنة في إيران، مع قَمعهم والتنكيل بهم، واستباحتهم مع أموالهم وأعراضهم ومساجدهم (طهران كلها ليس فيها مسجد لأهل السنة)!..(2/78)
2- في الساحة العراقية : تكامل بالأدوار مع المحتل الأميركي، وتدمير العراق ومحاولات تجزئته، وتسليط سَفَلَة الميليشيات الشيعية على أهل السنة، والقيام بأضخم عملية تطهيرٍ وتهجيرٍ ضد أهل السنة، مع اتباع عمليات إبادةٍ منظَّمةٍ ضدهم، وتزوير النسب المئوية لسكان العراق، بنشر الأكاذيب والدراسات المزيّفة التي تزعم أن الشيعة هم الأغلبية، مع اجتياحٍ فارسيٍ شيعيٍ استيطانيٍ للعراق لقلب نسبة الأغلبية السنية (52%) لصالح الأقلية الشيعية!.. ولابد أن نذكر في هذا المجال، شدة الحملات الشعوبية المسلّحة ضد إخواننا الفلسطينيين الذين يعيشون في العراق، من مداهماتٍ وقتلٍ واعتقالٍ ونهبٍ وانتهاك أعراضٍ ومصادرة بيوت السكن.. إلى درجة أنّ الفلسطينيين في العراق باتوا يعانون أكثر مما يعانيه إخوانهم تحت سوط الاحتلال الصهيوني، ويتمنّون أن يعودوا إلى فلسطين حتى تحت وطأة الاحتلال الصهيوني!..
3- في الساحة السورية : يقوم النظام الأسدي الحليف الاستراتيجي لإيران، بحملات اعتقالٍ وتصفيةٍ واسعة النطاق ضد الشعب السوري، ويحاصر المؤسسات التعليمية الإسلامية، مع إفساح المجال لمؤسّساتٍ شيعيةٍ وليدةٍ مشبوهة.. مع أنّ الشيعة في سورية لا وجود لهم.. كما يقوم النظام بتغطية أعمال التبشير الشيعي في صفوف المسلمين السوريين، وبتجنيس الوافدين الشيعة من إيران والعراق وتوطينهم في سورية، والتضييق على عرب (الأحواز) اللاجئين إلى دمشق.. كما يقوم النظام بمدّ اليد للصهاينة والأميركيين، وبحملات القمع والبطش بحق أبناء الشعب السوري، وبجعل سورية قاعدةً للتآمر على لبنان والأردن، وباستخدام الورقة الفلسطينية لصالح الحلف الشعوبيّ الشرّير!..(2/79)
4- في الساحة اللبنانية : لَعِبُ حزب الله وحركة أمل الشيعية بورقة المقاومة المزيَّفة، للمحافظة على السلاح في أيديهما، ولخلط الأوراق السياسية في لبنان لصالح أركان الحلف الصفوي الفارسي.. وقيامهما بالتبشير الشيعي، واستفزاز إسرائيل لضرب لبنان كلما دعت حاجة أطراف المشروع الصفوي، مع محاولاتٍ مستمرةٍ لضرب وحدة لبنان، وتشكيل دولةٍ شيعيةٍ داخل الدولة اللبنانية!..
حين ننظر إلى المنطقة من إيران إلى لبنان وفلسطين، علينا أن نستجمع ما ذكرناه آنفاً من هذه الصورة المتكاملة لما يجري في الساحات الأربعة، وذلك لرسم المشهد الواضح الحقيقي، عن أهداف أي فعلٍ يقوم به أركان المشروع الصفوي الشعوبي في أي ساحةٍ من تلك الساحات، وعلى هذا الأساس يجب أن ننظر إلى عملية حزب الله العسكرية الأخيرة، التي تم فيها خطف جنديَّيْنِ صهيونيَّيْن وقتل سبعة جنود.. فصورة الوضع قبل تنفيذ هذه العملية كانت على الشكل التالي :
1- اشتداد عمليات التطهير الإجرامي العرقي والمذهبي، التي تقوم بها الميليشيات الصفوية العراقية في العراق، بما في ذلك عمليات إبادةٍ وحشيةٍ ضد السكان الفلسطينيين، وعمليات تهجيرٍ لأهل السنة من جنوبيّ العراق (البصرة لم يبقَ فيها إلا 7% من أهل السنة بينما كانوا أكثرية منذ عشرات السنين، ونسبتهم كانت 40% قبيل الاحتلال الأميركي)!.. فضلاً عن انكشاف زيف شعارات الرئيس الإيراني (نجاد) الداعية لإزالة إسرائيل من الوجود!..
2- المقاومة الفلسطينية، وهي سنيّة بطبيعة الحال، خطفت كل الأضواء بأنها الوحيدة في ساحة الصدام مع الكيان الصهيوني، وذلك بعد عملية (الوهم المتبدّد) وخلال عدوان (أمطار الصيف).. إذ وصل الكيان الصهيوني إلى طريقٍ مسدودٍ لتحقيق أهدافه ضد الشعب الفلسطيني وفصائله المقاوِمة!..(2/80)
3- انكشاف تواطؤ حزب الله ضمن تواطؤ حليفه الإيراني.. مع الاحتلال الأميركي ضد المقاومة العراقية، ودخول الحزب في لعبة تشجيع الميليشيات الصفوية العراقية وتدريبها، وهي نفس الميليشيات التي تقوم بعمليات إبادة الفلسطينيين وأهل السنّة في العراق!..
4- بداية انتكاساتٍ لحملات التشييع في سورية ولبنان، انعكاساً لانكشاف مواقف أركان الحلف الصفوي الشعوبي الداعم للصهاينة وللاحتلال الأميركي المرفوض شعبياً.. ثم بروز بوادر الاصطدام على النفوذ بين المشروعَيْن: الأميركي، والفارسي الصفوي.. في العراق!..
5- بداية تصلّب العود اللبناني الوطني، الذي ينعكس سلباً على النظام السوري بعد دحره من لبنان.. واشتداد ارتباك النظام السوري مع اقتراب توجيه الاتهامات الدولية الجازمة ضده، لتورّطه في اغتيال الرئيس (رفيق الحريري) رحمه الله!..
كان لابد من فعلٍ يحرف الأضواء والأنظار عما يجري في العراق بحق أهل السنة والفلسطينيين على أيدي الصفويين الشعوبيين، ولابد من خطف الأضواء من المقاومة الفلسطينية السنيّة التي كشفت عجز الجيش الصهيوني، ولابد من استعادة الثقة بعمليات التبشير الشيعي في المنطقة، ولابد من إعادة الاعتبار لأكذوبة (نجاد) بدعوته لإزالة إسرائيل ومقاومة الكيان الصهيوني، ولابد من التغطية على تواطؤ حزب الله بالعمل ضد المقاومة العراقية، ولابد من خلط الأوراق في لبنان لصالح الفوضى التي هدّد بنشرها رئيسُ النظام السوري بشار الأسد.. لابد من كل ذلك ولو على حساب لبنان.. كل لبنان، الرسمي والشعبي.. ولو أدى العبث واللعب إلى تدميره!..
فلذلك.. ولتحقيق كل هذه الأهداف.. قام حزب الله -ثالث ثالوث المشروع الصفوي الفارسي- بعمليته أو مغامرته الأخيرة ضد الكيان الصهيوني!..
هل نحن ضد عمليةٍ تنالُ من العدوّ الصهيوني؟!..
لا.. مطلقاً، نحن مع كل عملٍ يؤذي الكيان الصهيوني الغاصب ويُضعفه ويضع من هيبته!..(2/81)
لكننا لا نقبل أن تندرج هذه العملية في مسلسل تحقيق أهداف المشروع الأخطر من المشروع الصهيوني في بلادنا، ولا نقبل أن يتاجر القائمون بهذه العملية بقضية فلسطين، في نفس الوقت الذي يذبحون فيه الفلسطينيين ويستبيحون أرواحَهم ودماءهم وأعراضَهم وأموالَهم في بغداد.. ولا نقبل مطلقاً أن يعبث الصفويون بأمن سورية ولبنان في سبيل تحقيق أهدافهم الدنيئة.. ولا نقبل أبداً أن يتم تدمير لبنان وتقتيل أبنائه وأطفاله ونسائه، بتحريضٍ واستفزازٍ يمارسه أصحاب المشروع الصفوي الفارسي وينفّذه أصحاب المشروع الصهيوني.. ولا نقبل أن يقومَ الصفويون الجدد بالترويج لأنفسهم زوراً وتزييفاً، بأنهم أصحاب مشروعٍ مقاوِم، بينما هم يمالئون المشروعَيْن الأميركي والصهيوني على رؤوس الأشهاد وفي وضح النهار.. ولا نقبل في أي وقتٍ من الأوقات أن تنحرف الأنظار عن جرائم الصفويين بحق أهلنا وشعبنا المسلم في العراق.. ولا نقبل أن تُستَخدَم مثل هذه العمليات المشبوهة، في كسب الوقت لبناء القنبلة النووية الإيرانية الصفوية، التي ستُستَخدَم لخدمة المشروع الشرّير ضد العرب والمسلمين، وضد أوطانهم وثرواتهم وأموالهم وأعراضهم!..(2/82)
فتِّشوا في أوراق التاريخ كله، فلن تجدوا ما يفيد بأن إيران الفارسية قد دخلت معركةً أو حرباً مع الصهاينة.. أو حتى مع (الشيطان الأكبر) أميركة؟!.. لن تجدوا في التاريخ حَرفاً واحداً يفيد بذلك، بل سنجد أن إيران التي افتضح أمرها باستيراد السلاح الصهيوني والأميركي أثناء الحرب مع العراق (فضيحة إيران غيت).. هي نفسها إيران التي تقود الحلف الصفوي التوسّعي الاستيطاني التبشيري الجديد، وهي نفسها إيران التي تمالئ أميركة وتُعينها على استمرار احتلالها للعراق، وهي نفسها التي تتدخّل بالشئون الداخلية والشعبية السورية، وهي نفسها التي تُسخِّر النظام السوري لتصفية خيرة أبناء شعبه وشعب الأحواز، وهي نفسها التي تستخدم حزب الله في استجرار تدمير لبنان وتهديد أمنه واستقراره، وهي نفسها التي ما تزال عَينُها على الخليج العربي، وهي نفسها التي تحتل الجزر الإماراتية العربية الثلاث، وهي نفسها التي تحوّل الحركات الفلسطينية إلى ورقةٍ ولعبةٍ تلعبها متى أرادت على حساب أمن المنطقة العربية والإسلامية كلها!..
لو كان أقطاب الحلف الصفوي الشعوبي الجديد القديم جادّين بمقاومة المحتل الصهيوني، فلماذا تبقى جبهة الجولان هادئةً وادعةً حتى الآن؟!..
لو كان حسن نصر الله وحزبه يهدفون إلى تحرير الأسرى اللبنانيين، فلماذا لا يقوم بمطالبة حليفه النظام السوري، بإطلاق سراح مئات المعتَقَلين والأسرى اللبنانيين الوطنيين الشرفاء من السجون السورية؟!..
لو كان أقطاب هذا الحلف الصفوي صادقين في شعاراتهم المتهافتة التي يروّجونها، فمَن هم الذين استقبلوا القوات الصهيونية بالأوراد والزهور وحبات الأرز.. عندما اجتاح الجيش الصهيوني جنوبيّ لبنان الشيعي في حزيران من عام 1982م؟!.. ومَن هم الذين استقدموا الجيشَ الأميركي الصهيوني حليفَ الصهاينة إلى العراق، واستقبلوه بنفس الطريقة، وما يزالون يتحالفون معه حتى ساعة كتابة هذه السطور؟!..(2/83)
لو كان حزبُ الله حريصاً على لبنان والدولة اللبنانية، وعلى اللبنانيين وأرواحهم ووحدتهم.. فلماذا يقوم بعمليته الاستفزازية الأخيرة دون علم الحكومة اللبنانية، التي أصدرت بياناً مساء يوم الأربعاء في 12/7/2006م، قالت فيه : (لا علم للحكومة اللبنانية بهذه العملية التي قام بها حزب الله)؟!.. فكيف يقوم الحزب بعمليةٍ يعرف تماماً أنّ عواقبها ستمسّ لبنان كله، ما يتطلّب التنسيق الدقيق مع الحكومة اللبنانية الرسمية المسؤولة، لاتخاذ الإجراءات العسكرية والسياسية اللازمة لمواجهة العواقب الوخيمة المتوقَّعة على لبنان؟!.. ثم مَن يتّخذ قرار المواجهة ثم ينفِّذ هذه العملية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.. أحِزب الله وحكومَتا سورية وإيران.. أم الحكومة اللبنانية والدولة اللبنانية المستقلة ذات السيادة الكاملة على أراضيها؟!..
لو كان أصحاب عملية (الوعد الصادق) صادقين حقاً، بأنّ عمليتهم كانت للتخفيف عن أهلنا الفلسطينيين الذين يتعرّضون للعدوان الصهيوني في غزة، فلماذا يستبيحون أهلنا الفلسطينيين في بغداد، بشكلٍ أبشع وأشد إيلاماً ووحشيةً وامتهاناً وتنكيلاً؟!..
على العرب والمسلمين، حُكّاماً ومحكومين.. أن يستوعبوا حقائق المشهَد السياسي والأمني والمذهبي الحالي، ويستوعبوا خطورته الشديدة على الأمتَيْن العربية والإسلامية.. ثم أن يتخذوا الإجراءات اللازمة كلها، لمقاومة المشروعَيْن الخبيثَيْن : الصهيوني الأميركي، والصفوي الفارسي الشعوبي الأشد خبثاً وخطورةً، وتهديداً لوجودنا وديننا وحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أوطاننا وأجيالنا!..
http://www.almokhtsar.com/html/artical/391.php
********************
حرب الفرس والروم في لبنان
كل حدث يمثل صورة يختلف الناس حولها بحسب زاوية نظرهم لها وبحسب الجزء الذي يقع عليه نظرهم من الصورة.(2/84)
حزب الله يقصف الصهاينة فيقتل منهم ويأسر آخرين ويضحي الحزب بقائده السابق عباس الموسوي ويقتل أيضا هادي نصر الله ابن القائد الحالي , حزب الله قاتل العدو الصهيوني، وألحق به ضربات موجعة، وكسر كبرياءه وغطرسته، وحرم المواطنين اليهود في شمال فلسطين الأمن والأمان طيلة عقد ونصف من عمر الزمن.
وحرر الحزب جنوب لبنان لتكون أول أرض عربية تحرر من الصهاينة بالقوة وقصف حيفا ونهاريا وعكا بالصواريخ وهو ما لم تجرؤ عليه أي حكومة أو أي زعيم عربي ودك الحزب أربع عشرة منطقة إسرائيلية بعشرات الصواريخ فأصاب500 مبنى في إسرائيل ، مما دفع مليون إسرائيلي للنوم في الملاجئ وهجر مدنهم وقراهم طلباً للأمن مما يعطل الكثير من القدرات الإنتاجية، كما أنّ هذه الحرب تكلّف الخزينة الحكومية الصهيونية يومياً ما بين 100-150 مليون دولار، كمصاريف حربيّة فقط، وحوالي 1,6 مليار دولار خسائر أسبوعية
وقتل 50 إسرائيلي وإصابة ألف منذ خطف الجنديين وقد أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود ألمرت قبل أيام بتصريح غريب يعكس حالته النفسية قال فيه إنه سيتصرف بطريقة أن "رب البيت قد جن".
هذا هو الجزء الأبرز ظهوراً في الصورة وهو حق ومن العدل ذكره والفرح بمصاب العدو وبتحرير جزء من الأرض كما فرح المسلمون بنصر الروم على الفرس لأن الروم أهل كتاب والفرس مشركون: [ الم(1) غُلِبَتِ الرُّومُ(2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ(5)]. {الرُّوم}.
بالإضافة لما حصل بعد عملية الوعد الحق من "تخفيف" الهجوم الصهيوني على غزة وتشتيت الجهد اليهودي وتوسيع دائرة المعركة.(2/85)
وقد قال الله عز وجل:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
لكن من الخطأ عدم النظر لباقي أجزاء الصورة ليكتمل التصور الصحيح للحدث.
وهل فرح المؤمنين بغلبة الروم على الفرس الذي قال عنه القرآن "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" كان مانعاً لهم أن يقفوا بوجه الإمبراطورية الرومانية العاتية المتسلطة؟ إن الأمر في الحقيقة حينها لم يتعد قدراً من المفاضلة بين أعداء لا تنقل بهجة النصر أحدهم إلى مصاف الحلفاء. وفارق أن تفرح بالفعل وأن تفرح لفاعله.
وإذا كنا نعترف بقتال حزب الله للجيش الإسرائيلي المحتل، فإننا نريد أن نضع هذا القتال في إطاره الصحيح دون زيادة ولا نقصان، وفصله عن هذا الإطار تشويه لتاريخنا الحديث، ومسخ للحقيقة، واستهتار بعقول أبناء أمتنا.
وفي مثل هذا الحدث لا ينفك الجانب السياسي عن العقدي كما يرتبط فيه الواقع بالتاريخ لأننا بإزاء حزب عقائدي بجذر تاريخي يمارس الحرب والسياسة.
ولئن كان حزب الله قد حرر جنوب لبنان فقد اقتصر على الجانب الدفاعي وهو أمر يفعله جميع الناس سواء مسلمين أو يهود أو نصارى وكل أحد يستعمر بلده .
حزب الله أصبح الواجهة الرئيسة لشيعة لبنان لكن هل أهدافه لبنانية فقط ؟ وهل ولاؤه للبنان فقط ؟
الواقع أن تمويله وتسليحه ودعمه المعنوي والمادي ينبع من إيران ولذا فهو وإن حقق أهدافاً لبنانية فستبقى أهدافه الرئيسة تبعاً لولي نعمته وأمره الديني والدنيوي وهو هنا إيران, فحزب الله مؤسسة إيرانية في ثوب لبناني.(2/86)
وحزب الله خرج من رحم أمل والإيرانيون الشيعة الوافدون إلى لبنان هم الذين أسسوا حركة أمل، بل ومعظم قادة حزب الله ( ومنهم حسن نصر الله ) كانوا أعضاء بل مسؤولين في حركة أمل عندما ارتكبت مجزرة المخيمات الفلسطينية.
وأمين حزب الله العام السابق ومؤسس الحزب الشيخ صبحي الطفيلي عندما حاول أن يكون للحزب نوع استقلال عن إيران تم فصله رغم أنه القائد والمؤسس !!
كما صرح أحد قادة الحزب وهو إبراهيم الأمين، عندما قيل له: "أنتم جزء من إيران"، فكان رده: "نحن لا نقول إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان"،( جريدة النهار 5 / 3/1987)
والتاريخ يقول أن الدولة الصفوية عندما حكمت إيران في مطلع القرن العشر الهجري كان التشيع يذوي ويتلاشى، في مدارس النجف و في مدارس خراسان فاستقدم الصفويون علماء من جبل عامل ـ جنوب لبنان ـ لتدريس الفقه الإمامي الشيعي .
وعندما قيل لـ (حسن نصر الله) أن حزبه مستورد من الخارج أجاب قائلاً: اللبنانيون هم الذين كان لهم التأثير الكبير في إيران على المستوى الحضاري والديني في القرون السابقة " مجلة المقاومة، العدد: (40)، ص 29
فهل سيكرر شيعة لبنان نشر مذهبهم بين العرب كما نشروه بين الإيرانيين قبل خمسة قرون ؟
وحسن نصر الله (عدو الصحابة وأمهات المؤمنين) تلميذ خامنئي البار يحمل اسم ووظيفة وكيل ولي أمر المسلمين والقائم بأعمال خامنئي في لبنان ( هذا هو موقع نصر الله الديني ) ويصف نفسه في موقعه على الانترنت بأنه الوكيل الشرعي للإمام ( الخامنئي ) في لبنان
فعجبا لمن أيده ووقف بجانبه وهو من اشد أعداء الصحابة والمؤمنين ..
وميزانية الحزب المدفوعة من قبل إيران التي كانت في البداية لا تتجاوز عشرة ملايين دولار، وصلت في عهد حسن نصر الله إلى ما يتراوح بين 100 إلى 200 مليون دولار كل عام بحسب تقديرات المخابرات الأمريكية ، إضافة إلى ميزانية شبكة المنار وإعلام الحزب المسموعة والمكتوبة.(2/87)
فحزب الله إذن هو ذراع لإيران في لبنان تستخدمه متى شاءت بحسب حاجتها ومصالحها الكبرى كما حركت ذراعيها في العراق وأفغانستان لمساندة الشيطان الأكبر (الذي تلعنه كل جمعة) والقتال تحت لواء أمريكا لتقطف ثمرة العراق المحتل وتذبح السنة هناك ليخلو لها الجو بعد الأمريكان.وكما سبق أن حركت حزب الله الحجاز وشيعة البحرين وغيرها. وسكوت حزب الله عن جرائم أقرانه في العراق بل وتدريبه لبعضهم يؤكد ذلك.
فالفرق بين حزب الله اللبناني عن مثيله العراقي هو بحسب الحاجة والواقع المعاش .
ولقد أرادت إيران لحزب الله أن يكون هو الحزب العربي الأول، وأن يكون حديث العرب كلهم، وأن يسرق الأضواء من المجاهدين الحقيقيين الذين هزوا الكيان الصهيوني في فلسطيننا
وهذه حماس الفلسطينية دعت الإعلاميين عبر بيان نشرته في موقع المركز الفلسطيني للإعلام (19/7) إلى "إبداء أكبر قدر ممكن من التوازن المهني والموضوعي حيال تغطياتها الصحفية والإعلامية للشأنين اللبناني والفلسطيني، وعدم الانصراف إلى متابعة الشأن اللبناني الأكثر سخونة على حساب الشأن الفلسطيني)(2/88)
ولن ننسى أن شيعة لبنان وعن طريق مقاتلي منظمة أمل الشيعية والتي يترأسها رئيس البرلمان اللبناني الحالي, نبيه بري هم من نفذ مجزرة مخيم صبرا الفلسطيني كانت البداية أول ليلة في رمضان شهر رمضان المبارك من عام 1405هـ عام (1985) ؛ وبمشاركة من لوائين شيعيين في الجيش اللبناني فخلَّفوا 3000 بين قتيل وجريح في صفوف الفلسطينيين حيث هاجمت قوات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا، وارتكبت فيهما مجازر أبشع من التي ارتكبها اليهود والقوات اللبنانية، فحتى المرضى في المستشفى لم يسلموا من المجزرة، ومما زاد من هول المذبحة وبشاعتها، انضمام اللواء السادس في الجيش اللبناني لحركة أمل لأن أفراده وقيادته من الشيعة، واستمر عدوانهم شهراً كاملاً ، ولم يتوقف إلا بعد استجابة الفلسطينيين ورضوخهم لكل ما يريده الحاكم بأمره في دمشق - حافظ الأسد - ووكيل أعماله في بيروت نبيه بري وليقرأ من شاء الفظائع التي ارتكبتها قوات أمل في صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في كتاب أمل والمخيمات الفلسطينية، ص: 89 - 109.
وفي 18/6/1985م خرج الفلسطينيون من حرب المخيمات التي شنتها أمل ، خرجوا من المخابئ بعد شهر كامل من الخوف والرعب والجوع ، والذي دفعهم لأكل القطط والكلاب ، خرجوا ليشهدوا أطلال بيوتهم التي تهدم 90% منها و 3100 بين قتيل وجريح و 15 ألف من المهجرين أي 40% من سكان المخيمات .
وقتل عدد من الفلسطينيين في مستشفيات بيروت ، وقال مراسل صحيفة صندي تلغراف في 27/5/1985م إن مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق .
بل وذبحوا ممرضة فلسطينية في المستشفى ؛ لأنها احتجت على قتل جريح أمامها .(الآن يكررها الشيعة في العراق)
وذكرت وكالات الأنباء الكويتية في 4/6/1985م والوطن في 3/6/1985م أن قوات أمل اقترفت جريمة بشعة ، حيث قامت باغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا وعلى مرأى من أهالي المخيم .(2/89)
وردد مقاتلوا أمل في شوارع بيروت الغربية في مسيرات 2/6/1985م احتفالاً بيوم النصر ، بعد سقوط مخيم صبرا : لا إله إلا الله العرب أعداء الله . وقال مسلح من أمل : إنه على استعداد للاستمرار في القتال مهما طال الزمن حتى يتم سحق الفلسطينين في لبنان .
.. وكان إيلي حبيقة القائد المسيحي سبق نبيه بري بثلاث سنوات فقط في تنفيذ مذبحة في المخيم ذاته مع مخيم شاتيلا, وبتواطؤ "إسرائيلي" يقوده ـ عسكريا ـ الغائبُ عن الحياة شارون, ما أسفر وقتها عن سقوط ربع هذا العدد تقريباً من القتلى. (طالع كتاب : أمل والمخيمات الفلسطينية)
وقد تدربت ميليشيا أمل على يد "فتح" وكأنهم يقولون لهم: هكذا تذبحوننا! وأغرت حركة أمل منظمة فتح فقدمت خدمات جلى لثوار الخميني قبل وصولهم إلى الحكم، وبعد توليهم الحكم سارعت أمل إلى مبايعة الخميني إماماً للمسلمين، ثم جددت هذه البيعة عام 1982، أما منظمة فتح فما كانت تدري أنها تستميت في تدريب ومساعدة قاتليها في لبنان والعراق.
وإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان قبل عشرين سنة كان نتيجة مؤامرة شارك في تنفيذها والتخطيط لها داخلياً: الشيعة،والموارنة، والدروز.
وكان حسين الموسوي وهو نائب رئيس حركة أمل قد أعلن عن انشقاقه عن منظمة أمل وأعلن " أمل الأمل الإسلامية " التي تحولت فيما بعد إلى حزب الله.
ولم يقتصر أذى الشيعة في لبنان على الفلسطينيين بل قد أصاب شرهم حتى سنة لبنان
وهذا الدكتور محمد علي الجودي مفتي جبل لبنان في مجلة فجر الإسلام يشتكي إلى الله من ظلم وتجبر حزب الله في استيلائه على مساجد السنة واغتصاب أوقاف السنة ، بعد انتصارات حزب الله في قرى الجنوب على الجيش الإسرائيلي.
أليس هذا ما يحدث في العراق أيضاً ؟(2/90)
وقد طالب موسى الصدر أتباعه في خطاب جماهيري باحتلال القصور في بيروت، واعتبر الشيعة ذلك نداءاً مقدساً، واحتلوا من بيروت مناطق "أهل السنة" وقصورهم. وتضاعفت هجرة الشيعة خلال الحرب اللبنانية أضعافاً مضاعفة، واحتلوا المنازل والشقق والقصور كما أمرهم إمامهم،وكانوا يبنون منازلهم في جنوب بيروت على أملاك أهل السنة.
وفي الحرب الحالية يتكرر المشهد كما نشرت الوكالة الفرنسية فيضطر أصحاب المباني ذات الشقق الخالية لاستئجار شركات حراسة خاصة لحماية شققهم من استيلاء شيعة الجنوب النازحين عليها.
ونسبة من يدعون الإسلام في لبنان 70% (نصيرية و شيعة و سنة و أحباش و دروز) والنصارى أكثر من 40 فرقة يمثلون 30% (حسب إحصاءات رسمية منها إحصاءات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية)
أما أهل السنة فيزيدون وحدهم عن 35% من عدد السكان الكلي أو يزيد وهم بهذا أكبر الطوائف في لبنان , و إذا تم إضافة أهل السنة الفلسطينيين في المخيمات سيزيد عدد أهل السنة عن نصف عدد السكان و أكثر
ماذا تستفيد إيران من حزب الله وهجومه على الصهاينة ؟
حزب الله يحقق لإيران والشيعة قاعدة ونفوذا كبيرا في لبنان حتى أصبح دولة شيعية داخل الدولة اللبنانية!.. فتحول إلى مؤسسة ضخمة قريبة من مفهوم دولة ذات سيادة تمتلك القوة العسكرية وأجهزة استخبارات والأجهزة المعنية بكافة شؤون الحياة من التعليم والتجارة إلى الصحة والعلاقات الخارجية.
بل ويمثل قاعدة للتشيع العربي المنظم سياسيا وعسكريا مع التبعية المطلقة لإيران وأقوى ما يرسخ هذه القاعدة أن تكون هي التي حررت الجزء المحتل من لبنان.
كما أن الحزب يمثل طرف الهلال الشيعي المنطلق من إيران مروراً بالعراق وسوريا(2/91)
والحركة الباطنية الشيعية في العالم الإسلامي متصلة ببعضها اتصالا إستراتيجياً وتنظيمياً وتتولى إيران إدارة هذه الحركة بمعنى أن أي تصرف يقوم به " حزب الله " لا يمكن أن يفسر إلا على ضوء أهداف الحركة الباطنية وواقعها.
أما الهدف الخاص لهجوم الحزب الأخير على الصهاينة
فالأقرب أنه لإشغال معسكر الروم المتربص بسلاح إيران النووي لكسب مزيد من الوقت لأن إيران تنمو قوتها العسكرية والسياسية بمرور الوقت مع وهن وضعف قائد معسكر الروم بمرور الوقت أيضاً.
فإيران تجد نفسها أمام استحقاق أوروبي وأمريكي يدعوها لتقديم رد على المقترحات الأوربية المدعومة أمريكا بشأن سلاحها النووي خصوصاً أن العملية من حيث التوقيت حدثت قبل يوم من تحويل ملفها النووي في 13 يوليو إلى مجلس الأمن، فأرادت إيران بعملية حزب الله أن توجه رسائل إلى أمريكا ومن معها بأن إيران لم تعد طعاما شهيا يمكن قضمه بسهولة ولتكون معها ورقة ضغط لتقديم مزيد من التنازلات في ملفها النووي
وكذلك لتحذر إسرائيل من محاولة الإقدام على تدمير سلاح إيران النووي كما فعلت مع العراق قبل 25 سنة
فلبنان الآن ساحة معركة لصراع أمريكي - إيراني ورومي فارسي وليست حرب لبنان وإسرائيل كما يراد تسويقها من قبل الحزب مؤخراً في خطاب أمينه العام.( من أن الحزب أصبح اليوم يقود خيار الأمة المقاوم ضد العدو الصهيوني)
وكما يقول وليد جنبلاط :"إيران تقول لأميركا (تريدون محاربتي في الخليج وتدمير برنامجي النووي سوف نصيبكم في عقر داركم في إسرائيل)... ساحة المعركة لبنان". واعتبر جنبلاط ان ما يحدث هو "الجواب الفارسي على موضوع التخصيب"
بل وقد عقد اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني تحت رئاسة محمود أحمدي نجاد للنظر في تطورات لبنان والعدوان الإسرائيلي المستمر ضد حزب الله ولبنان
كما أن هذا الهجوم يحقق أهدافا أخرى منها :(2/92)
تحسين صورة الشيعة عند المسلمين بعد امتناع شيعة العراق عن مقاومة الاحتلال الأمريكي وانخراطهم في حملة تصفيّة المقاومة العراقية الاسلامية ومجازرهم بسنة العراق وتخدير الأمة لاستكمال السيطرة على العراق وتشييعه
ومما يشير لهذا الهدف تحذير الأمين العام لحزب الله من مخططات الفتنة في العراق ضمن سياق عملية الوعد الصادق
ويؤكده عدم استغلال شيعة العراق لانشغال العالم بأحداث لبنان لزيادة المذابح بل يلاحظ ميلهم للتهدئة وهذا شيخهم السيستاني يوجه نداءه إلى مختلف الطوائف والقوميات بتحريم دم العراقي أياً كان.
والآن نرى في الشارع السني على امتداد العالم الإسلامي .. من يهتف باسم " حسن نصر الله " واسم قادة وآيات إيران . وقد سارع بعض الموريتانيين إلى مكاتب السجل المدني لتغيير أسماء أبنائهم إلى حسن نصر الله. . وهذا لا شك يُعد إنجازاً كبيراً وفق المقاييس الشيعية الإيرانية!
ولقد حاول زعيم الحزب أن يدغدغ مشاعر العالمين العربي والإسلامي في خطابه عند قوله " إن الحزب اليوم هو رأس حربة لمشروع الدفاع عن الأمة , وعلى الأمة أن تتحمل مسؤوليتها ؟ هنا نقول نعم حزب الله رأس حربه لمشروع شيعي " صفوي " إقليمي في الأمة وليس كما وصفت . وقد بدت ملامح مشروعكم في العراق واضحة من غير لبس ولا تأويل . لذلك على الأمة إن كانت واعية أن تحذر من الانزلاق وراء هكذا خطابات جوفاء مضللة , وأن تدرك أن الحرب اليوم هي حرب حزب الله (المشروع والهدف ) وليس حرب الأمة كما أراد أن يصورها أمين عام الحزب في خطابه الأخير . وعلى الأمة أن تدرك أن لبنان مخطوف من قبل هذا الحزب الطائفي ذي الولاء الإيراني ؟ ودور لبنان وضحاياه من المدنيين الأبرياء أن يدفعون فاتورة الصراع ليقتل منهم حتى الآن 370 ويصاب 1500
ومن الفوائد أيضاً كسب الجماهير السنية لمعركة إيران وأمريكا مستقبلا عن طريق حزب الله وعملياته ضد اليهود.(2/93)
وتخفيف الضغط الدولي على حلفائهم من غلاة الشيعة النصيريين (العلويين) في سوريا بخصوص اغتيال الحريري ورداً على تحليق الطائرات "الإسرائيلية" فوق قصر الرئيس السوري
(المرجعيات الإيرانية ومن أجل حزب الله اعترفت أن الطائفة النصيرية هي من طوائف الشيعة)
بل والسيطرة على سوريا في وقت لاحق بحجة الدفاع عنها مع العمل على نشر التشيع بين سنتها
وإسكات المطالب الداخلية اللبنانية والخارجية بشأن نزع سلاح حزب الله والتقوي بهذه العملية ضد تحالف 14 مارس بقيادة السنة وتلميع الحزب بين اللبنانيين وإعادة إحياء شعبيته من خلال تبنيه قضيّة الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية
فهي إذاً حرب محدودة لتحقيق أرباح معينة , فإذا تحققت توقفت الحرب !
وكان توقع الحزب حسب ما أشار له نصر الله في مقابلته مع الجزيرة أن الرد الصهيوني سيكون محدوداً كما كان يحدث سابقاً لكنه فوجئ بأن الصهاينة قد أرادوا أن يكون ثمن فك أسر الجنديين باهظاً يفوق بقيمته قيمة أي انتصار ممكن لحزب الله أن يحصل عليه إذا ما وقع تبادل للأسرى.ولئلا يتكرر الخطف ولإعادة الهيبة لجيشها ولإبعاد عوامل الفشل عن كواهلهم في قضيتي الاقتحام والأسر النوعيتين
وليكون ثمن إيقاف هجومها نزع سلاح الحزب كما تزامن ذلك مع إرادة أمريكية أكيدة بتدمير حزب الله باعتباره ذراع إيران في المنطقة.
ومما قد يزيد من عدم اهتمام الصهاينة بفك أسيريهم أنهما من أصل عربي وينتميان لطائفة الدروز ـ وهي فرقة باطنية تؤلِّه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ، وأخذت جل عقائدها من طائفة الإسماعيلية الشيعية وتعتقد بالتقية ـ
فما يحدث في لبنان ليس مقاومة ضد الاحتلال بل هي حرب سياسية لخدمة النظام الشيعي بطهران والنظام النُصيري بسوريا والخاسر هو المواطن اللبناني المسكين الذي تم جره لهذه الحرب التي لا ناقة له فيها ولا جمل فخسر اللبناني الروح وخسر الأرض وخسر البُنية التحتية كل هذا خدمة لطهران فقط(2/94)
هل تشكل إيران خطرا على المسلمين ؟
إيران قوة صاعدة في المنطقة كانت تهدف لنشر ثورتها الشيعية في بلاد العرب ومن ثم السيطرة عليها عبر المذهب الشيعي (الجعفري).الإثناعشري (نسبة إلى الإثني عشر إماماً الذين يتخذهم الرافضة أئمة لهم، وهم على وأحد عشر من أبناءه وأحفاده)
لكن العراق وقف لها ولما أسقطه الروم لها عادت لها أحلامها الفارسية بالسيطرة على المنطقة مرة أخرى بعد أن خسرتها على يد جيوش الفتح الإسلامي التي غزتها في عقر دارها : يقول شيخهم الكوراني في كتابه الممهدون للمهدي: الأحاديث الشريفة المتعددة تدل على أن الفرس ينهضون بالإسلام في آخر الزمان ويقاتلون "العرب" عودا كما قاتلهم العرب عليه بدءا )
ولقد انعكست في التشيع معتقدات الفرس وقد ساهم الفرس فيه لينتقموا من الإسلام - الذي كسر شوكتهم - باسم الإسلام ذاته .
وقد رأى العالم مدى حقد الشيعة على عمر من خلال قتلهم لكل من اسمه عمر في العراق لأن عمر بن الخطاب هو الذي فتح بلاد الفرس فأسقط إمبراطوريتهم وأوصل لها الإسلام
يقول المستشرق الإنكليزي الدكتور براؤن: من أهم أسباب عداوة أهل إيران للخليفة الراشد، الثاني، عمر، هو أنه فتح العجم، وكسر شوكته، غير أنهم (أي أهل إيران) أعطوا لعدائهم صبغة دينية، مذهبية، وليس هذا من الحقيقة بشيء" ["تاريخ أدبيات إيران، للدكتور براؤن ص217 ج1 ط الهند بالأردية مترجماً.
بل وقد جعلوا في إيران مزارا لأبي لؤلوة فيروز المجوسي قاتل عمر رغم أنه مجوسي وليس بمسلم فهذا جزاء من أدخلهم في الإسلام فصنع له الشيعة مشهداً فيه قبر وهمي في مدينة كاشان بإيران وأطلقوا عليه (مرقد بابا شجاع الدين) وهذا المشهد يُزار وتلقى فيه الأموال والتبرعات نظير ما قدم لهم.!!
مر شاب عراقي بشرطة من الشيعة فسألوه عن اسمه فقال عمر فعلق أحد العسكر الشيعة : اسمك عمر ولازلت على قيد الحياة ؟(2/95)
وفي عام 1218هجرية: قدم من العراق إلى الدرعية رجل شيعي وأظهر الزهد والتنسك وصلى في مسجد الطريف بالدرعية خلف الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله ثم قتله وهو ساجد في أثناء صلاة العصر بخنجر معه كان قد أخفاه
وإيران تريد عودة الإمبراطورية الفارسية عبر ثوب التشيع ولتحكم العالم الإسلامي عبر التشيع ولتكون دولة كبرى من خلال السيطرة على الخليج منبع النفط الرئيس في العالم.
فهذا على الأحمد من المعهد السعودي المعارض في واشنطن يقول: إن العالم يجب أن يتوقف عن الحديث عن الخليج الفارسي أو الخليج العربي ، كما يسميه العرب ، بل هو الخليج الشيعي أنظر إلى من يعيشون حوله ، 90 % منهم على الأقل شيعة وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تأخذ بعين الاعتبار أن الشيعة يربضون على كل ذلك النفط) النيوزويك2/3/2004م
كما أن عنصرية إيران الفارسية لم يسلم منها حتى الشيعة وانظر لاضطهادهم وتهميشهم لشيعة الأحواز في إيران رغم تشيعهم و"ربضهم"على نفط إيران لكن جريمتهم أنهم عرب ؟
وقد أشرف خامنئي مباشرة على عملية إحراق سينما ركس في مدينة عبادان في الأحواز عام 1978 قبل الثورة والتي قتل فيها أكثر من 400 من الرجال والنساء والأطفال من أبناء عبادان العربية.
أضف لذلك رفض إيران تسمية الخليج بالإسلامي بدلا من الفارسي والعربي المتنازع عليهما.(2/96)
وقال صباح الموسوي في مقال بعنوان " ما بين الحركة الشعوبية والمدرسة الإسلامية السنية " : " ... ومع انتصار ثورة الشعوب الإيرانية ضد نظام الحكم البهلوي وقيام ما يسمى بنظام الجمهوري إسلامي تبنى قادة هذا النظام مشروع تصدير الثورة لإسقاط الأنظمة السنية. ولهذا فقد تم إنشاء العديد من الأحزاب والحركات السياسية الشيعية في عدد من البلدان الإسلامية بغية خلخلة وضعها الأمني وتهيأت الظروف للإسقاط أنظمتها وتحقيق حلم الشعوبية الهادف إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية تحت عباءة التشيع . ومن أجل تحقيق هذا الحلم نجد أن النظام الإيراني قام بتأسيس حزب الله اللبناني
وكذلك حذا حزب الله الحجاز بزعامة السيد هاشم الشخص حذو قرينه اللبناني ورفع شعار( تحرير الحرمين الشريفين) وهكذا فعل كل من، حزب الله الكويت بزعامة الشيخ عباس بن نخي، ومنظمة الثورة الإسلامية لتحرير الجزيرة العربية بزعامة الشيخ حسن الصفار، وجبهة الثورة الإسلامية لتحرير البحرين بزعامة هادي المدرسي، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة محمد باقر الحكيم وحزب الوحدة الأفغاني بزعامة الشيخ علي مزاري وحركة الفقه الجعفري في باكستانية بزعامة ساجد نقوي و.....الخ.
فجميع هذه الحركات تأسست بهدف إسقاط الحكم السني في بلدانها من خلال ممارسة العمل المسلح الذي هو جزء من منهج حركة الشعوبية التي سخرت العاطفة ومحبة أهل البيت كأحد أهم عناصر خطابها السياسي لحشد مؤيديها ضد سلطة الحكم الأموي والعباسي وصولا إلى النظام العربي الحالي ... " .ا.هـ.
يحق لأهل السنة أن يتوجسوا خيفة من إيران وشيعتها في لبنان وقد شاهدوا شيعتها قد حوّلوا بلاد الرافدين إلى مسلخ لأهل السنة, لأن من معتقداتهم أن العراق أرض مقدسة يجب تطهيرها من أهل السنة(2/97)
فقتلوا مئة ألف سني في العراق خلال ثلاث سنوات كما صرح بذلك الشيخ حارث الضاري (أي مائة ضعف ما قتله اليهود في فلسطين خلال نفس الفترة !!) عبر مجازر يومية وبحقد أعمى يتمثل في التعذيب بالدريلات قبل القتل بالرصاص والسكاكين تقربًا للحسين - حسب زعمهم - وفي ثياب الشرطة الموكلة بحفظ الأمن ثم يلقون بهم جثثاً هامدة في أقرب مكب للنفايات وتقطع رؤوسهم لتوضع في كراتين الموز ويُلقى بها في الشوارع لتنهشها الكلاب والقطط ،فمن أي قلب يصدر هذا وماذا يحمل علينا ؟
يقول أحد الناجين من جحيم المجرمين في بغداد: قام ابن عمي بتغيير اسمه كي لا يتم تصفيته وقتله على يد ميلشيات المجرم مقتدى الصدر أو فيلق قذر أو أفراد الشرطة الحكومية.. ثم أنهم وقعوا على هويته المزورة والتي كانت تحمل اسما ثلاثيا قريباً من الأسماء الإيرانية , فلما استجوبوه اكتشفوا انه سني فتم قتله على الفور وهو لم يتجاوز العشرين من عمره...! ثم أخذنا نبحث عن جثته كي ندفنه , وأصبحنا لا نستطيع أن نذهب إلى ثلاجة الجثث , لأن الذي يضبطونه يسأل عن جثث لأهل السنة يقتل أيضا..! فأعطينا سائق الإسعاف مبلغا من المال كي يعطينا جثته, ولكننا لا نعلم بأي اسم أدخلوه الثلاجة , وما هو الاسم الجديد الذي كتبه لنفسه..!! فقمنا بمضاعفة المبلغ لسائق الإسعاف كي يأتينا بجثته , فلما أحسوا بالسائق المسكين يبحث بين الجثث المتراكمة والمتكدسة لديهم قاموا باستجواب السائق فلما أخبرهم الخبر أوثقوه وأخذوه سحباً معهم ليدلهم على منزل عائلة هذا الولد المقتول عندهم , فذهب بهم إلى بيت عمي وهناك قتلوهم جميعا وقتلوا السائق معهم لأنه متعاطف مع أهل السُنة...!!
هذا مع طرد من بقي حياً في تطهير طائفي كما فعلوا بطرد ثلاثة أرباع سنة البصرة ثم سرعوا من وتيرة طرد سنة بغداد فلم يكفهم ذبح خمسين سنياً يومياً ببغداد فانتقلوا للقتل الجماعي في شوارع حي الجهاد بعد حصاره(2/98)
وعلى أبواب مدينة سامراء تجري الآن عملية حشد مليونية لعناصر عبرت الحدود من إيران بالإضافة لشيعة العراق للهجوم على المدينة وتفريغها تمامًا من أهل السنة تحت ذريعة بناء ضريح ما يعرف بالإمام علي الهادي وأخيه العسكري.
فهل نصفق لمن يحد شفرته لذبحنا ؟
وكيف لا يفعلون ذلك وفي مذهبهم أن من قتل سنياً فكأنما صافح علياً ومن صافح علياً فقد دخل الجنة. بل وقد كفر الشيرازي وغيره من لا يقتل الوهابيين؟!
وهدموا المساجد وأحرقوا المصاحف ونبشوا قبور الصحابة.
وغالبية، إن لم يكن كل، المليشيات العراقية الشيعية التي تذبح أهل السنة في العراق كلها تأسست في إيران، ودربها إيرانيون، وتسلحت بأسلحة إيرانية، وتمول بتمويل إيراني.
ويرى محللون أن تصاعد عمليات القتل الطائفية ضد السنة والسعي لطردهم من أحيائهم عبر عمليات قتل وإرهاب ، هي مسألة مخططة بدقة من قبل قوى شيعية تسعي لتحجيم القوي السنية والضغط عليها كي تقبل بالواقع الجديد القائم على سيطرة الشيعة على المراكز القيادية في الحكم وعلى قيادة الجيش والبوليس مثلما كان الحال علي العكس للسنة قبل الغزو الأمريكي .
والميليشيات الشيعية كانت تقتل أحيانا زوجة سنية لرجل شيعي أمامه أو زوج سني أمام زوجته الشيعية لخلق واقع اجتماعي جديد طائفي بحت .
وقبل ذلك عبّد شيخهم السيستاني الإيراني الأصل الذي يُفتي بوجوب طاعة أمريكا وخدمتها في العراق وعندما وصل الأمر للدولة المجوسية أفتى بوجوب الجهاد في حال تعرضت طهران لهجوم أمريكي !!
فعبد السيستاني وحكيمهم الطريق لقوات الصليب في العراق كما عبّد نصير الدين الطوسي وابن العلقمي الطريق للتتار..لإسقاط الخلافة الإسلامية ببغداد عام656 هجرية حتى قتل أكثر من مليوني مسلم فقالت الرافضة هي دماء لجهنم، كما قتل فيها كثير من آل هاشم الذين يدعي الرافضة محبتهم زورا.(2/99)
ونتج عن ذلك تدمير كامل لحضارة الإسلام في بغداد كما كان من أهم أسباب انهيار الحضارة الإسلامية و انتقالها للغرب بعد سقوط دار العلم بغداد بيد المغول. وهذا السقوط لم يكن ممكناً لولا مساعدة الشيعة للمغول وخاصة نصير الدين الطوسي وابن العلقمي .
يقول الخميني:و يشعر الناس بالخسارة بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأضرابه ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام . أهـ
والآن هاهم تلامذة الخميني يقدمون للصليب في العراق نفس الخدمات الجليلة التي قدمها الطوسي للمغول ببغداد.
وكان آخرهم مقتدى الصدر الذي أظهر حربه للأمريكان وعدم عداوته للسنة ثم تخلى عن تقيته ليكون أكبر قتلة السنة وأكثر محرقي المساجد.
ولم ننس قتلهم لأربعمائة مسلم في الحرم زمن الخميني الذي يعادي الغرب- إعلامياً -ولا يترك فرصة إلا وسب فيها الغرب ووصفه بأنه الشيطان الأكبر وينادي بحربه وجهاده فكان جهاده في مكة التي حرم الله قتل (صيدها) فقتل الخميني مئات الحجاج
مذكرين بما فعله أجدادهم من القرامطة الباطنيين (والذين نشئوا في الكوفة وهم من غلاة الشيعة) في الحرم قبل مئات السنين حين ضربوا الكعبة وأخذوا الحجر الأسود منها وقتلوا الحجاج في المسجد الحرام ووصل عدد الذين قُتلوا في هذه الحملة الوحشية قرابة (30)ألف إنسان، ورمى القرامطة بجثث بعض هؤلاء في بطن بئر زمزم
وعمد أحدهم إلى فأس وبدأ يضرب الحجر الأسود به وهو يقول: "أين الطيور الأبابيل، أين الحجارة من سجّيل؟"
وفي عامي 83 م و85 م نفذوا تفجيراتهم في الكويت وحاولوا اغتيال الأمير بسيارة مفخخة في عملية انتحارية ونجا الأمير من الموت بأعجوبة. وألقت السلطات الكويتية القبض على الجناة، وكانوا خليطاً من العراقيين والكويتيين و(اللبنانيين).
وفي 11/3/1983 اختطف حزب الله طائرة كويتية وعلى متنها [500 راكباً]، وأجبروها على التوجه إلى مطار مشهد الإيراني.(2/100)
وفي جميع العمليات الإرهابية الشيعية في السعودية وغيرها من دول الخليج كان يجري اعتقال لبنانيين من أعضاء الحزب، ومن جهة ثانية (وهذا هو الأهم) فقد كان يجري تدريب المنظمات الشيعية الإرهابية في لبنان، وكان حزب الله ينظم عمليات تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى إخوانهم في دول الخليج، ففي عام 1987 اكتشف حكام الخليج (12) ألف قطعة سلاح بين بنادق كلاشينكوف، وقواذف صواريخ آر بي جي، ورشاشات ثقيلة ومتوسطة، واحتجت كل من السعودية والكويت والإمارات عند حافظ الأسد لأن بعض ضباط أمنه كانوا متورطين مع حزب الله في هذه العملية.
وهذا علي الأحمد الشيعي السعودي يرسل لرئيس روسيا فلاديمير بوتن يسُب فيها قائد المجاهدين خطاب رحمه الله ويسميه إرهابياً وهابياً قاتلاً سفّاك للدماء الروسية الطاهرة !!!! وليس ذلك فحسب بل يستعدي روسيا على حرب المملكة العربية السعودية بحجة القضاء على الوهابية التي أنتجت مثل خطاب وأبو الوليد الغامدي !!
ومع أنهم لم يشاركوا في الفتوحات الإسلامية ولا في نشر الإسلام فلم يسلم المسلمون من شرهم فكانوا شوكة في خاصرة الدولة الإسلامية وقد أشغلت دولتهم الصفوية العثمانيين عن فتوحاتها في أوروبا بحروبهم الدائمة معها.
ومن الذي تسبب في انحسار المد الإسلامي العثماني في أرجاء أوروبا ؟ ، وطعن الخليفة العثماني في ظهره بزحفه على عاصمة الخلافة بينما كان يتغلغل بجيوشه في النمسا إلى أن دخل قلب "فيينا"، وكادت أوربا تدخل في حظيرة الإسلام لولا اضطرار الجيش العثماني إلى الانسحاب والرجوع إلى الرافضة لدحرهم ودفعهم؟
يقول : ( بوسيك سفير فرديناند ) في بلاط السلطان محمد الفاتح حين صرح قائلاً : إن ظهور الصفويين قد حال بيننا ( يقصد الأوربيين ) وبين التهلكة ( يقصد الهلاك على يد العثمانيين) .(2/101)
فقد تسببت الكثير من الحروب في أن يرجع القادة العثمانيون من فتوحاتهم في أوروبا ليوقفوا الزحف الصفوي على الأراضي الُسنية كما حدث مع السلطان سليم العثماني رحمه الله حينما عاد من فتوحاته في أوروبا ليواجه إسماعيل الصفوي .. وكما حدث مع السلطان سليمان رحمه الله حينما حاصر ( النمسا ) وكان يدك أسوارها لمدة ستة أشهر وكاد أن يفتحها .. ولكن طارت إليه أنباء من الشرق جعلته يُكر راجعاً إلى استانبول لقد كانت نذر الخطر الصفوي.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "كانوا من أعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديما على بيت المقدس حتى استنقذه المسلمون منهم)
وأول عمل أظهر صلاح الدين الأيوبي وعرّف الناس به : هو القضاء على الدولة العبيدية الرافضية في مصر
وقد عرف حقيقتهم حق المعرفة شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال عنهم قبل سبعمئة سنة في كتابه العظيم : منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة: " وكذلك إذا صار اليهود دولة في العراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم، فهم دائماً يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى، ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم. " (منهاج السنة 3/378)
عندما كتب شيخ الإسلام - رحمه الله - هذه الكلمات لم يكن ما كتبه واقعاً قد عاشه أو رءاه وإنما بناء تصوره على ما قرأه واطلع عليه في كتب القوم وهو الخبير بهم , فصاغ لنا بعقلية العالم الرباني ما يمكن أن يحدث فالتاريخ يشهد والكتب تدون .. واليوم ... وبعد مرور 700 عام على هذه الكلمات نسمع ونشاهد واقعها في العراق
وقد تبجح قادتهم أنه لولا مساعدة إيران لما سقطت بغداد وكابول ومنهم رفسنجاني وأبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية الذي أدلى به في ختام مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية سنوياً بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء (15/1/2004).(2/102)
قال الأبطحي: إن بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق، وأكد أنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة ... ثم استدرك قائلاً: لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة"
فهل بعد هذه الخيانة للمسلمين من خيانة ؟
وكيف نثق بهم وهم يكفروننا؟
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: الشيعة ترى أن كفر أهل السنة أغلظ من أكفر اليهود والنصارى لأن أولئك عندهم كفار أصليون وهؤلاء كفار مرتدون وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي ولهذا السبب يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين)
ومما يزيد عدم الثقة بهم أن من عقيدتهم وأركان مذهبهم الرئيسة ويعدونها أصلاً من أصول الدين ما يسمى بالتقية وهي إخفاء ما يعتقد وإظهار خلافه حتى يتم التمكين لهم ولا إيمان عندهم لمن لا تقية له وهي تسعة أعشار الدين
حتى قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية بسبب هذه العقيدة: ( وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف ، والكذب فيهم قديم ، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب ) .
وقال أيضاً: ( أنهم شر من عامة أهل الأهواء ، وأحق بالقتال من الخوارج ) . مجموع الفتاوى ( 28 / 482 ) .
ولقد لبس زعيم حزب الله قناع التقية يوم أن قال: إنكم تحاربون ضد أبناء محمد , وعلى , والحسن , والحسين , وأصحابه الكرام , ونسى لباس التقية ولم يذكر أبو بكر وعمر بن الخطاب.
بل ونسي حسن نصر الله ما كان يقوله إبان الحرب الأهلية في لبنان عندما كان يقف على أبواب الأحياء السنية آنذاك حاملاً سلاحه وحوله رجال مجموعته آنذاك ـ حركة جند الله ـ منادياً ( ياسني ياقذر أخرج من بيتك إن استطعت ) وأهالي منطقة (الجديدة) ببيروت يعرفون الشاب الفظ المتعصب نصر الله ويتذكرونه إلى اليوم.(2/103)
فإلى المغترين بحسن نصر الله اللبناني ..ألم تتعظوا من مقتدى الصدر العراقي؟؟
وكيف كان يحارب الأمريكان ولا يقتل السنة ثم انقلب لهدم مساجد السنة وقتلهم بميليشياته المسماة جيش المهدي.
ونصر الله عميل بلا شك لكنه عميل إيراني .
ومن أراد معرفة شيعة العصر وحقيقتهم فما عليه سوى مطالعة منتدياتهم والاستماع لغرفهم في البالتوك ليراهم بلا تقية.
وقبل أيام من عملية حزب الله البارعة التي قتل وأسر فيها صهاينة وفي مظاهرة لهذا الحزب سب فيها بعض أفراده الصحابة رضوان الله عليهم, ومذهبهم لعن الصحابة وسبهم!!!
وحزب الله يحمل نفس المعتقدات الشيعية بتحريف القرآن وتكفير الصحابة والطعن بعرض النبي صلى الله عليه وسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة المجلد الأول : وفضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين : سئلت اليهود من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب موسى . وسئلت النصارى : من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : حواري عيسى . وسئلت الرافضة : من شر أهل ملتكم ؟ قالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
أمروا باستغفار لهم فسبوهم ، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة ولا تجاب لهم دعوة دعوتهم مدحوضة وكلمتهم مختلفة وجمعهم متفرق كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) .
كيف نأمن الشيعة والفكر السياسي الإمامي هو فكر انتقامي من نشأته إلى منتهاه وها نحن نشاهد شحنهم بالحقد سنوياً في عاشوراء ضد قتلة الحسين وهم قد ماتوا منذ 1400 سنة فلمن يعبئ هذا الحقد الطائفي وفيمن سيفرغ ؟
وعندما قيل لأحد شيعة العراق : لم لا تقاتلون الأمريكان ؟ قال : هم لم يقتلوا الحسين !!(2/104)
ومن الأسباب الخفية لتعظيم الشيعة للحسين أن ابنة يزدجرد ملك إيران "شهربانو" زوجت من حسين بن علي رضي الله عنهما بعد ما جاءت مع الأسارى الإيرانيين،فهذا المستشرق الإنكليزي الدكتور براؤن الذي سكن إيران مدة طويلة ودرس تاريخها دراسة وافية، ضافية، يقول: "إن أهل إيران وجدوا في أولاد علي بن الحسين تسلية وطمأنينة بما كانوا يعرفون أن أم علي بن الحسين هي ابنة ملكهم "يزدجرد" فرأوا في أولادها حقوق الملك قد اجتمعت مع حقوق الدين، فمن هنا نشأ بينهم علاقة سياسية، ولأجل أنهم (أهل إيران) كانوا يقدسون ملوكهم لاعتقادهم أنهم ما وجدوا الملك إلا من السماء ومن الله، فازدادوا في التمسك بهم" ["تاريخ أدبيات إيران" ص215 ج1 ط الهند. . ..
وشارون في مذكراته يقول ليس بيننا وبين الشيعة عداء ولا نرى فيهم خطر !!قال ذلك لعلمه ألا تطلع لديهم إلى تحرير فلسطين بل غايتهم تحرير أرضهم في جنوب لبنان وهو يرى كيف يمنع حزب الله الفلسطينيين الموجودين في لبنان من دخول الجنوب . هل سمعتم بعملية قام بها فلسطينيون ضد الصهاينة عبر جنوب لبنان ؟
وقد شهد بذلك صبحي الطفيلي الذي كان الأمين العام لحزب الله فقال: العمليات الفولكلورية التي تحصل بين حين وآخر لا جدوى منها لأن الإسرائيلي مرتاح وما يؤلمني أن المقاومة تقف الآن حارس حدود للمستوطنات الإسرائيلية، ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الإسرائيليين يلقون القبض عليه ويسام أنواع التعذيب في السجون ) وقال أيضا لصحيفة الشرق الأوسط : إيران خطر على التشيع في العالم ورأس حربة المشروع الأميركي والمقاومة في لبنان "خطفت" وأصبحت حرس حدود لإسرائيل)(2/105)
وهذا شارون يقول: (( توسعنا في كلامنا عن علاقات المسيحيين بسائر الطوائف الأخرى ,لا سيّما الشيعة والدروز , شخصياً طلبت منهم توثيق الروابط مع هاتين الأقليتين , حتى أنني اقترحت إعطاء قسم من الأسلحة التي منحتها إسرائيل ولو كبادرة رمزية إلى الشيعة الذين يعانون هم أيضاً مشاكل خطيرة مع منظمة التحرير الفلسطينية , ومن دون الدخول في أي تفاصيل , لم أرَ يوماً في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد )) !! مذكرات أرييل شارون ص : 583-584 الطبعة الأولى 1412 هـ / 1992 م .
وللعلم فالشيعة اللبنانيين في جيش لحد العميل لإسرائيل كانوا أكثر من النصارى وبعضهم انضموا لحزب الله بعد انسحاب اليهود.
وكانت صحيفة (هارتز) بتاريخ 6/7 / 2006 قد امتدحت الأمين العام لحزب الله بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية، وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي وها هو اليوم يتعقل فلا يضرب المنشات الحيوية لإسرائيل كما صرح بذلك.
وقال حسن نصر الله في تجمع حضره مائة ألف في الجنوب بعد الانسحاب: إننا لسنا مسئولين عن فلسطين .. كما ذكرت ذلك صحيفة النهار اللبنانية .
وفي عملية تبادل الأسرى ومنهم والتي حدثت في العام الماضي كان من شروطها التي وافق عليها حزب الله : منع المقاومة الفلسطينية من اتخاذ جنوب لبنان مركزاً لها
يقول ( سلطان أبو العينين ) أمين سر حركة فتح في لبنان : لقد أحبط حزب الله أربع عمليات للفلسطينيين خلال أسبوع وقدمهم للمحاكمة، ويتابع: نعيش جحيماً منذ ثلاث سنوات ومللنا الشعارات والجعجعة
ولقد اختفى شعار تحرير فلسطين، كل فلسطين بعد إخراج المقاومة السنية من لبنان، واستبدل بتحرير جنوب لبنان،(2/106)
وذكرت وكالة رويتر 1/7/1982 أن القوات الصهيونية لما دخلت بلدة النبطية اللبنانية لم تسمح إلا لحزب أمل الشيعي بالاحتفاظ بمواقعه وكامل أسلحته ؟؟ ويقول احد كبار الزعماء الشيعيين من حزب أمل (حيدر الدايخ ) : ( كنا نحمل السلاح في وجه إسرائيل ولكن إسرائيل فتحت ذراعيها لنا وأحبت مساعدتنا . لقد ساعدتنا إسرائيل على اقتلاع الإرهاب الفلسطيني (الوهابي ) من الجنوب ) " لقاء صحفي مع حيدر أجرته مجلة الأسبوع العربي 24/10/1983
وما فضيحة استيراد إيران للسلاح الصهيوني والأميركي أثناء الحرب مع العراق (فضيحة إيران غيت) إلا دليل عملي.
وقد صرح(ديفيد ليفي) وزير الخارجية اليهودي في حكومة نتنياهو قائلا : (إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام أن إيران هي العدو ) " جريدة هارتس اليهودية / 1/6/1997"
كيف نثق بهم ومهديهم المزعوم سيكون له - حسبما نصت كتبهم - ثلاثة أعمال رئيسة هي :
أ - يضع السيف في [[العرب ]] ويسالم اليهود والنصارى .
ب -يهدم البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف ليبني بدلا عنهما في كربلاء والنجف
جـ - يقيم حكم آل داوود وسليمان ويلغي العمل بالقرآن كما ذكر ذلك الكليني .
ويتحدث شيخهم الصدر في كتاب ( تاريخ ما بعد الظهور صـ581 ) عن الطريقة التي سيتعامل بها مهديهم مع العالم " إن لغير المسلمين أو البلاد غير الإسلامية تخطيطاً خاصاً في أسلوب السيطرة عليها , وهي سيطرة يغلب عليها الجانب السلمي , كما أن للمسلمين أو البلاد الإسلامية تخطيطها الخاص بها وهو كثرة القتل وهذه الكثرة لا لأجل السيطرة بل لأجل التنقية والتنظيف من العناصر السيئة "(2/107)
وحتى نعرف أصول المذهب الإثني عشري الجعفري الذي تتبناه إيران وحزب الله فهو يقوم على أصول كفرية شركية لم تعد خافية على من له أدنى متابعة لكتب القوم في القديم والحديث، وكذلك من يتابع مواقعهم وما سجل عليهم من الوثائق المسموعة والمرئية في حسينياتهم ومناسباتهم السنوية ومن أخطر أصول هذه النحلة التي ينتمي إليها حسن نصر الله وحزبه ما يلي:
1 ـ اعتقادهم العصمة في أئمتهم الإثني عشر، وغلوهم فيهم حتى عبدوهم من دون الله، وصاروا يحجون إلى قبورهم ويطوفون بها ويستغيثون بمن فيها، ويعتقدون أنهم يعلمون الغيب وأن ذرات الكون خاضعة لتصرفهم كما صرح بذلك الخميني في ( الحكومة الإسلامية ).
2 ـ اعتقادهم بتحريف القرآن ونقصانه وأن القرآن الصحيح غائب مع مهديهم المنتظر، وسيخرج مع خروجه وهم اليوم يقرؤون القرآن الذي بين أيدي المسلمين حتى يخرج قرآنهم وذلك بأمر من علمائهم وآياتهم.
3 ـ سب الصحابة رضي الله عنهم وتكفيرهم وخاصة سادتهم وشيوخهم كأبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما وكذلك زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم الصديقة عائشة رضي الله عنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أنهم يكفرونها ويقذفونها بالزنا.. قاتلهم الله أنى يؤفكون!.
إن الحركة الباطنية بكافة أطرافها ( الشيعة الإثنى عشرية والنصيرية والدرزية والإسماعيلية ) يعتبرون أن عدوهم الأول هم أهل السنة والجماعة
وطهران لم تسمح ببناء مسجد واحد لأهل السنة حتى اليوم على الرغم من أنها تضم على مرأى ومسمع من الحكومة الإيرانية اثني عشر كنيسة ، وأربع معابد يهودية وعددا من معابد المجوس عبدة النار ؟
إن هؤلاء أشد خطراً على المسلمين من اليهود والنصارى - كما بينه علماء أهل السنة في كتبهم- لأنهم يكيدون من داخل الصف ، من حيث أمنهم المسلمون .(2/108)
إن الخطر الأمريكي إلى زوال لبعد المسافة بين بلادنا وبلادهم فيصعب المدد عليهم لوجستياً ولعدم وجود قاعدة شعبية على دينهم ولوضوح عداوتهم وحربهم لكن الإيرانيين الصفويين يجاوروننا ويحتلون بلادنا من خلال طائفتهم حتى غدو حكام العراق بلا نكير ولولا استعجالهم بمذابحهم ضد السنة لما بان خطرهم
إن هدف الإيرانيين النووي ليس إسرائيل، وإنما فرض أنفسهم على هذه المنطقة بالقوة، وهو أيضاً تحويل الدول العربية إلى مجرد أجرام صغيرة تدور بحركة منضبطة حول الفلك الإيراني الذي من المستبعد أن يتخذ مساراً تصادمياً مع الفلك الإسرائيلي.
وفي هذا الاتجاه فإن هناك من الكتاب والمحللين من يعتقد أن الخطر النووي الإيراني ربما أصبح أكبر من الخطر النووي الصهيوني على الأمن القومي العربي،
ولقد أكدت إيران بسلوكها في العراق أن لها أطماعاً كبيرة في البلاد العربية، لا تقل عن الأطماع الصهيونية، إن لم تتفوق عليها.
موقف الدول العربية :
الموقف السعودي من عملية حزب الله والذي أعلنت المملكة فيه عن تحميلها لحزب الله ضمنا مسؤولية التصعيد الذي حصل من خلال قيامه بمغامرة غير محسوبة شكل مفاجأة للجميع لدرجة أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت غبطتها من الموقف السعودي هذا والذي وصفته بأنّه قمّة الاعتدال.
فماذا وراء الموقف السعودي ؟
هل هو نصرة لحلفائها اللبنانيين والموجودين في السلطة والذين يمثلون طائفة السنة ؟ أم استجابة للضغوط الغربية ؟
أم استشعاراً للخطر الإيراني وتمدده في المنطقة العربية ؟
قد يكون لكل ذلك وللخوف من الانتشار الإيراني بصفة خاصة مع عجزها عن التعامل مع استيلاء إيران على العراق وما يشكله ذلك من خطر عليها.
وللتذكير: ( الوهابيون رجس من عمل الشيطان، سننتقم من الوهابيين، لن تمر هذه الجريمة دون عقاب!! )(2/109)
كانت هذه عبارات مكتوبة ومحمولة على لافتات في تظاهرة أخرجها ( حزب الله ) في الجنوب اللبناني عقب اتفاق الطائف الذي رعته السعودية والذي كان من أسباب وقف الحرب الأهلية التي كانت تدور في لبنان.
ولم يكن حزب الله راضياً عن مؤتمر الطائف لأنه قطع الطريق على قيام جمهوريتهم الإسلامية في لبنان، ولهذا فلقد عمت مظاهراتهم التي تهاجم السعودية والوهابية مختلف المدن التي ينتشرون فيها.
وإذا كان هذا موقف الحزب من السعودية لأنها اقترفت (جريمة) وقف الحرب اللبنانية فكيف سيكون موقفه من السعودية عندما تعارض مغامراته لحساب إيران على حساب لبنان ؟
ويقول حسن نصر الله أيضاً: لا نقبل أن تحسبوا الحركة الوهابية على الإسلام (الأمان عدد 149 في 31 آذار 1995)
كما تبعت مصر والأردن السعودية حين حملت المقاومة اللبنانية مسؤولية العدوان الإسرائيلي بوصفها مغامرات غير محسوبة لا تخدم المصالح والقضايا العربية
والموقف السعودي من الخطر الشيعي سبقه موقف أردني بالتحذير من خطر الهلال الشيعي والذي أيدته مصر بالحديث عن ولاء الشيعة العرب لإيران على حساب دولهم وكذا انتقاد وزير الخارجية السعودي الإدارة الأميركية لإهدائها العراق للمطامع الإيرانية.
لكن الدول العربية لم تتعد في صد الخطر الشيعي الصفوي المتربص بها حدود الكلام ولم تنتقل لمواقف عملية لإيقافه
بل إن الدول العربية قد ساهمت في خدمة المشروع الإيراني بتسهيلها وسكوتها عن العدوان الأمريكي على العراق فأخلّت بتوازن استراتيجي تفتقده المنطقة حاليا فأصبح العراق خاضعاً لاحتلالٍ فارسيٍ صفويٍ بالدبابة الأميركية!.. في حين دفنت الدول العربية رؤوسها مثل النعام في الرمال
أما الأخطر فهو أن تمتد نيران هذه الحرب الطائفية إلى دول الجوار الخليجية بعد أن تأكل العراق لتمهد لتدخل فارسي جديد وبقوة السلاح النووي بحجة حماية الأقليات الشيعية (المضطهدة)(2/110)
وإيران لازالت تحتل ثلاث جزر إماراتية ، وأول تداعيات الأزمة الحالية تلك التحركات الطائفية المثيرة للشكوك في الخليج العربي وفي السعودية خاصة عبر بيانات ومظاهرات لمناصرة حزب الله، بينما لم نحس منها أحد أو نسمع لهم ركزا لمناصرة حماس السنية المغلوب على أمرها والأكثرُ استهدافا و شرعيةً ومشروعية في فلسطين من حزب الله في لبنان.
الاختراق الشيعي لفلسطين والشام :
هدف المشروع الصفوي الفارسي الشعوبي، هو السيطرة على العالَمَيْن العربي والإسلامي بَدءً من إخضاع منطقة الهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق)، وذلك باجتياحها ديموغرافياً ومذهبياً وتبشيرياً صفوياً وسياسياً وأمنياً وثقافياً واستيطانياً..
ولقد أعلن الخميني عن مقصده وخططه وعزمه، من أن انتصار قواته ـ الذي كان يأمله ـ سيضم الشعب العراقي المضطهد إلى الشعب الإيراني، ليقيما معاً ـ حسب أمانيهما ـ دولة إسلامية، وإذا توحد البلدان فإن الدول الصغيرة الأخرى في المنطقة ستنضم إليهم، وقد كان الطريق إلى لبنان يمر عبر العراق. واعتذر نائب وزير الخارجية الإيراني محمد عزيزي عن ضعف مشاركة القوات الإيرانية في القتال بلبنان؛ بأن الطريق إليه "تمر عبر العراق"!! فلا تصبح قوات إيران حرة تماماً في أن تلعب دوراً جوهرياً في لبنان إلا بعد سقوط النظام العراقي.
والآن بعد أن سقط النظام العراقي بيد الشيعة بدأت إيران بلعب دورها الجوهري في لبنان وما بعد لبنان لتبدأ إيران بتصدير الثورة للعرب من بيروت هذه المرة.
وطموحاتهم يحدثنا عنها حجة الإسلام فخر روحاني - سفير إيران في لبنان - في مقابلة أجرتها معه صحيفة اطلاعات الإيرانية في نهاية الشهر الأول من عام 1984، يقول روحاني عن لبنان:(2/111)
"لبنان يشبه الآن إيران عام 1977، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة، وأحد أهم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية، فسوف يتبعه الباقون".
ونقلت صحيفة النهار اللبنانية [11/1/1984] عن السفير نفسه - روحاني - قوله: "لبنان يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية".
وحزب الله اللبناني عضو في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الذي تأسس في طهران عام 1981، أما بقية الأعضاء فهم: الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، ومنظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، حزب الدعوة العراقي، وحركة العمل الإسلامي العراقية،
وإيران لا تزال تصر على تصدير الثورة، لكنها سلكت طريقاً آخر يختلف عما كان عليه الحال بأيام الخميني، فأسلوب المواجهة الذي اتبعه إمامهم فشل وعاد عليهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، أما الأسلوب الجديد فليس فيه أي استفزاز للعرب، وعلى العكس فإنه يعتمد على الشعارات التي يفتقدها جمهورنا، ومن هنا جاءت دعوتهم إلى تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية، ورفع راية الجهاد في سبيل الله، ومساعدة الهيئات والجماعات السنية التي ترفع هذا الشعار، وبالتالي لا تستطيع الحكومات العربية والأجنبية تجاهل إيران ودورها في معاهدات السلام العربية الإسرائيلية، وسيبقى لبنان بوابة إيران إلى البلدان العربية، وسيبقى حزب الله الجهة الوحيدة المنتدبة من أجل تحقيق أهداف إيران وطموحاتها.(2/112)
وقبل الحديث عن اختراقهم لفلسطين نشير لخطر اختراقهم حالياً للأردن عبر النازحين من العراق فأغلب العراقيين المقيمين في الأردن هم من الطائفة الشيعية و سبب خطرهم هو الاختلاط بين أردنيات وعراقيين شيعة نتج عنها تشيع عدد من الفتيات الأردنيات السنّيات، ونتج نفس الشيء في طبقة الشبان جراء الاختلاط بالعمل خصوصا وأن شيعة العراق اقتحموا وسط المجتمع الأردني وبهدوء بالغ بحوزاتهم وحسينياتهم.
وأيضاً يتمثل خطر حجم تأثير هذه الطائفة ومعتقداتها على المجتمع الأردني السني من خلال سطوة رأس المال، حيث تشير بعض المصادر إلى أن العدد الأكبر من المستثمرين العراقيين الذين حصلوا على الجنسية الأردنية خلال الفترة الماضية، هم من العراقيين الشيعة.
وهذا واضح تماما من خلال إنشاء مؤسسات تحمل هذا النفس كمؤسسة آل البيت للبحوث والدراسات الإسلامية وتدريس المذهب الجعفري والإمامي الاثنى عشري في كلية الشريعة بجامعة آل البيت، إضافة إلى تقديم التسهيلات وتخفيف التضييقات التي كانت مفروضة سابقا على زوار مقامات الصحابة من آل البيت في الأردن.
وقد أوقفت وزارة الأوقاف الأردنية وباللحظات الأخيرة أول محاولة للسماح ببناء أول حسينية كانت ستقام في الأردن وتحصل على ترخيص بصفتها جمعية خيرية، لكن مراجع القرار في الحكومة تدخلت وسحبت في وقت متأخر ترخيصا كانت وزارة الأوقاف قد فكرت به في مراسلاتها الداخلية. والآن يوجد طائفة شيعية بالفعل من الأردنيين، خاصة في الشمال حيث تقطن بعض العائلات الأردنية المتشيعة في مدينتي اربد والرمثا القريبتان من الحدود السورية. وفي جنوب الأردن أيضا، حيث تتمركز الكثير من المقامات والمراقد والقبور والعتبات التي تعتبر مقدسة عند الشيعة, ويدور الحديث عن تشيع منظم للكثير من العائلات الأردنية ومن عشائر مهمة ومعروفة.(2/113)
ويؤكد مطلعون وجود حالات تشيع كثيرة خاصة في الأوساط المثقفة وفي أوساط النخب من إعلاميين وسياسيين وأكاديميين ووعاظ وأئمة مساجد...
وأما سوريا فيحكمها نظام نصيري من غلاة فرق الشيعة وقد جعل ولاءه لإيران منذ ثورة الخميني لكن إيران استوعبت أكثر النظام السوري الشاعر بالعزلة والخوف من أميركا، وربطته بإحكام بفلكها، بعد تفكيك علاقته الوشيجة بمصر والسعودية.
والآن يزداد التغلغل الشيعي الفارسي في سورية ، وتشتد حملات التشييع في صفوف الشعب السوري المسلم السني ، وتجنيس الفرس والعراقيين الشيعة ، بمنحهم الجنسية السورية من قِبَل النظام الأسدي الحاكم .. وقد تجاوزت أعدادُهُم المليونَ حتى الآن ، ويقيم معظمهم في منطقة ( السيدة زينب ) وما حولها في دمشق !
أما نشر التشيع في فلسطين فكانت قاعدة الانطلاق من حزب الله في لبنان عن طريق دعم بعض المنظمات وكان على رأسها تنظيم الجهاد الإسلامي والذي تأثر بعض قادته بالتشيع كما تم منذ أشهر تأسيس مجلس شيعي أعلى في فلسطين من قبل بعض الفلسطينين الذين تشيعوا مؤخراً وهذا الإعلان عن إنشاء مجلس شيعي، ثم التراجع عنه بعد أيام يحمل أكثر من دلالة في طياته، ومن ذلك وجود مشروع شيعي تبشيري يعمل على الأرض الفلسطينية، ولكن يبدو أن بعض المتشيعين قد استعجل الظهور للعلن قبل تهيئة الأوضاع، مما دعا حتى قادة الجهاد القريبين من إيران والشيعة للتنصل من هذا المجلس،
عدد الشيعة الحالي في فلسطين صغير جدًا، وأعداد المتشيعين الحالية لا تدعو للقلق، لكننا مطالبون بالوقوف تجاهه وقفة جادة ومحذرة، فنشر التشيع في فلسطين علاوة على بعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يهدف إلى إثارة الفتنة بين الفلسطينيين، وصرفهم عن قضيتهم الأساسية في مقاومة الاحتلال.
(وللمزيد طالع مجلة الراصد الإلكترونية ، http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=747 )(2/114)
وتسعى إيران لمحاولة السيطرة على حماس حالياً عن طريق الدعم المالي لأنها الأكبر الآن والأقوى ولكسب شعبية هذه الحركات بين المسلمين وتجييرها لصالح إيران في ظل تآمر الأنظمة العربية على حماس وكأنهم يلجئونها إلجاءً لحضن إيران بتخليهم عن دعمها بل ومحاربتها والتضييق عليها وكأن أنظمتنا العربية لم تتعظ من درس العراق لتكرره في الشام .
ويرى ايتامار رابينوفيتش, سفير إسرائيل السابق في واشنطن بأن إيران "تتطلع إلى الهيمنة الإقليمية". وبغض النظر عن نجاحها في الحصول على السلاح النووي, فإنها قد نجحت لحد الآن ومن دون ذلك السلاح في الحصول على نفوذ كبير في لبنان وسورية وبين صفوف الفلسطينيين, ناهيك عن دورها الفعال في العراق.
ومساعدة إيران للفلسطينيين لازالت محدودة ولاتصل لمثل ما تدفعة إيران لحزب الله الشيعي لكنها تكفي لتحقيق مكاسب إعلامية وسياسية وكمثال على ذلك ما وعدت به إيران حكومة حماس حيث قال وزير الخارجية الإيراني (منوشهر متقي) في مؤتمر صحافي في طهران: (إنّ إجراءات المساهمة بخمسين مليون دولار لا تزال في مرحلة صنع القرار (بعد أربعة أشهر من الوعد).. ولم يتم سداد المبلغ الذي تحدثت عنه)!
ولا نقبل أن يتاجر الشيعة بقضية فلسطين، في نفس الوقت الذي يذبحون فيه الفلسطينيين ويستبيحون أرواحَهم ودماءهم وأعراضَهم وأموالَهم في بغداد كما فعلوا في مخيم صبرا بلبنان من قبل
هل نسي الفلسطينيون أن شيعة أمل ذبحوهم في لبنان ثم طردوهم منه وحزب الله يمنعهم الآن من المقاومة في الجنوب
فهذا سلطان أبو العينين مسئول حركة فتح في لبنان يصرح بأن حزب الله ( منع ) و ( اعتقل ) و ( حاكم ) و( سجن ) مقاتلين فلسطينيين حاولوا القيام بعمليات ضد اليهود عن طريق الحدود اللبنانية وقال إننا ( نسمع ) عن دعم حزب الله للمقاومة .. ولكننا لسنوات لم نر شيئا .
وكان من حجج حزب الله لاستمرار وجود ميليشياه المسلحة ادعاؤه أنها لمساندة الفلسطينيين.(2/115)
ولمعرفة حقيقة نظرة الشيعة للفلسطينيين حالياً أنظر اضطهادهم لهم ببغداد واستمع لهم في غرف البالتوك والمنتديات الشيعية كيف يستمتعون ويتشفون بقتل أهل فلسطين ويدعون اليهود إلى سحقهم بل ويعتبرون مناظر قصف وتدمير بيوت الفلسطينيين وممتلكاتهم من أجمل المناظر ويصفون جثث قتلى الفلسطينيين بالعفنة لأنهم من السنة !!
وعندما قتل اليهود الشيخ أحمد ياسين عبروا عن فرحتهم بهذا الاغتيال عبر منتدياتهم و مواقعهم على الإنترنت وطالب أحدهم بتمجيد اليهود لأنهم اغتالوا كما زعم (ناصبي) ! و قال آخر :لقد مات أحمد ياسين سارق أموال الشعب العراقي.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عن الشيعة: "كانوا من أعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديما على بيت المقدس حتى استنقذه المسلمون منهم "
فهل ينتبه الفلسطينيون والعرب؟
مستقبل صراع الفرس والروم :
العلاقة بين أمريكا وإيران تحكمها المصالح لا المبادئ وعندما اتفقت المصالح حدثت صفقة الأسلحة الشهيرة إيران جيت وفتحت الأجواء وأرسل العملاء الشيعة مع جيوش الصليب لاحتلال بغداد وعندما اختلفت المصالح في السلاح النووي ونفط الخليج كان التهديد بالحرب وتلاه حرب لبنان الحالية
الغرب لا مشكلة له مع المذهب الشيعي لأن الشيعة لم يسبق لهم غزو أوروبا وفتحها لأن من أصول مذهبهم المنحرف تحريم الجهاد إلا تحت راية المهدي المنتظر والتاريخ يشهد أن الشيعة ورغم القوة التي تمتعوا فيها في بعض الأزمان مثل الدولة الفاطمية والعبيدية والصفوية لم يفتحوا شبرا من أرض ولا حرروا ذراعاً محتلا.
, وليس لهم دعوة جارفة وسط الغربيين كما للسنة بل كان لهم فضل على الغرب في شق المسلمين وحربهم وإشغالهم عن الغرب ومساعدة الصليبيين ضد المسلمين
بالإضافة إلى أنه مذهب منحرف يفيد الغرب في الصد عن الإسلام الصحيح لاسيما أنه من نسل الفكر اليهودي لأن مؤسسه عبد الله بن سبأ اليهودي(2/116)
أمريكا تريد أن يبقى الأقوى في المنطقة اليهود وإيران تريد أن تشارك في اقتسام الكعكة فمن سيغلب ؟
وما يحدث في لبنان هو حرب استطلاعية يسعى كلا الطرفين من الفرس والروم إلى معرفة قوته وقوة الخصم سياسياً
والمواجهة بين أميركا وإيران انتقلت من العراق إلى لبنان.
فالفرس يريدون تحذير الروم من مس سلاحهم النووي بمس ربيبتهم إسرائيل ولإشعال مشكلة تشغل الغرب عنهم فترة من الزمن لتزداد قوتهم مع ازدياد وهن الأمريكان مستغلين : التعثّر الأمريكي في العراق ، وكذا تعدد الجبهات المعادية لأمريكا: ـ كوريا الشمالية ، فنزويلا..إلخ ـ وتتابع المشكلات ، الداخلية ، والخارجية ، وارتفاع أسعار النفط ، وخوف العالم من هجوم على إيران ، يتسبب في كارثة طاقة نفطية عالمية .
نجح النظام السياسي الإيراني في إدارة أكثر من أزمة إقليمية معقدة بكفاءة واقتدار لكن هل ستنجح إيران في تحقيق أهدافها أم تراها استعجلت حتفها بظلفها ؟ فتكون لطمة يوجهها الشيعة لأنفسهم كما تعودوا في كل عاشوراء؟
"إنها الحرب التي قد تنهي كل الحروب في لبنان وتنقلها إلى إيران". هذا ما خلص إليه عدد من المسئولين والباحثين الغربيين في تحليلهم .
يشير لذلك ما يردده القادة في أميركا وبريطانيا في شكل شبه يومي بأن إيران وسورية مسؤولتان عن تدهور الأوضاع وكأنهم يعدون لانتقال المعركة إلى هناك.
وقد أشارت أروقة السياسية العراقية عن نية واشنطن شنّ حرب جديدة في العراق، وخاصة في بغداد، من أجل بسط الأمن، وهو ما عُرف باسم عملية "تحرير بغداد" الثانية. وقالت تلك المصادر لمراسل "قدس برس" إنّ زيادة كبيرة على القوات الأمريكية ستطرأ عقب زيارة المالكي إلى الولايات المتحدة، وهو ما أعلنت عنه واشنطن بالفعل.(2/117)
وتشير تلك المصادر إلى أنّ الميليشيات الشيعية ستكون أولى أهداف "التحرير الأمريكي الجديد"، بعد أن حوّلت تلك الميليشيات مدينة بغداد إلى مدينة أشباح بعد أن قررت الآلاف من الأسر العراقية مغادرة المدينة بسبب عمليات العنف الطائفي التي كثيراً ما تتهم تلك الميليشيات به.
ويشير البعض إلى أن هناك رؤيةً مشتركة للقيادتين الصهيونيّة والأمريكية تبلورت منذ أكثر من عامٍ تقضي بتوفير أمن الكيان الصهيونيّ من خلال العمل على إسقاط القيادة السورية وضرب حزب الله، أيْ كما تقول المصادر: "سورية بدون الأسد ولبنان بدون حزب الله"، على حد تعبيرها.
وقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية على موقعها على الانترنت أمس نقلا عن تقديرات مسؤولين إسرائيليين بأن الولايات المتحدة ستمنح مهلة لإسرائيل تستمر حتى الأحد القادم لإتمام عملياتها وعدوانها على لبنان وأيضاً وزيرة خارجية أمريكا تعلن بأن شروط وقف إطلاق النار لم تحن بعد.
وقد ذكر موقع "دبكا الاستخباري" أن القوات الأمريكية قد بدأت منذ يوم السبت الماضي بتشغيل جسر جوي لتزويد الجيش الإسرائيلي بالمعدات والتجهيزات العسكرية التي يحتاجها في عملياته العسكرية ضد لبنان
وأشار الموقع إلى قرار إيران بنزع السيطرة المباشرة عن الحرب من أيدي حسن نصر الله وتوليتها لقائد الحرس الثوري الإيراني مباشرة الجنرال يحى رحيم سوفياني .
ويدير الجنرال السفياني الحرب حسب ادعاء الموقع الاستخباري من مقر قيادة الحرس الثوري في منطقة بندر عباس على الخليج العربي يساعده في ذلك مجموعتان قياديتان بالتعاون مع رئيس أركان حزب الله إبراهيم عقل احدها في بيروت والأخرى في دمشق .
وهذا يؤكد أن المعركة أمريكية إيرانية وقد تندرج ضمن المخطط الأمريكي الجديد الذي أفصحت عنه غوند اليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، لشرق أوسط جديد، ربما من أهم ملامحه الوقوف بوجه إيران وتحجيم الدور السوري".(2/118)
وللذكرى فبعد حرب الخليج ونهاية الحرب الباردة أراد الصهاينة استغلال اللحظة المناسبة من أجل صياغة المنطقة على مقاسهم، وتحدث بيريز عن شرق أوسط جديد تقوده تل أبيب بدل القاهرة. شرق أوسط مدجج بالتنمية والرفاه. هذا في الظاهر، أما في الباطن فهو شرق أوسط مفكك على أسس عرقية وطائفية ومذهبية يشتبك الجميع فيه مع بعضهم البعض بينما يتصالحون جميعاً، وربما يتحالفون أيضاً مع الدولة العبرية.
هل ستسحب أمريكا قواتها من العراق لتحررها من أسر الفرس ؟ وتستبدلها بمئة ألف من الدول العربية كما تشير بعض الصحف وهل تقلب ولائها للسنة ؟ بل وهل يمكن أن تستعين بصدام للتصدي للفرس ؟ ولماذا تبقي وضع صدام معلقاً حتى الآن ؟ فلم تسلمه للعراقيين ولم تحكم عليه بعد. ولازال بيد أمريكا ورقة الأقليات في إيران من الآذاريين والبلوش وعرب الأحواز والأكراد .
كما أنها لازالت تحتفظ بأعضاء (مجاهدي خلق) في العراق البالغ عددهم أكثر من خمسة آلاف وقد طالبت الحكومة الإيرانية بتسليمهم لكن أمريكا رفضت.
كما أن من المخاطر ما نشرته المجلة العسكرية الأمريكية المتخصصة "أرمد فورسز جورنال" من خارطة جديدة للشرق الأوسط، وضعها الجنرال المتقاعد رالف بيترز، وقسّم فيها المنطقة إلى دول سنية وشيعية وكردية، إضافة إلى دولة إسلامية تضم الأماكن المقدسة مستقلة عن دولة السعودية، ومملكة الأردن الكبرى ودويلات أخرى. وعلى حد زعم الجنرال الأمريكي فإن تقسيم المنطقة على أساس الطوائف والاثنيات بحيث تعيش كل طائفة أو قومية منفصلة عن الطوائف والقوميات الأخرى في دولة سياسية مستقلة، من شأنه أن ينهي العنف في هذه المنطقة.
فهل هذا هو الشرق الوسط الجديد الذي تبشرنا به رايس ؟
من سينتصر في معركة لبنان ؟ وهل ستعود الأوضاع كما كانت ؟
ردة الفعل الصهيونية المدمرة للبنان كانت مفاجئة للحزب كما أقر بذلك نصر الله في لقاءه مع الجزيرة(2/119)
وللمقارنة فالأسرى اللبنانيين والعرب في السجون "الإسرائيلية", والذين تشير صحيفة السفير اللبنانية(14 مايو 2001) إلى أنهم لا يجاوزوا بضعة عشرات من اللبنانيين. وبحساب رياضي يسير يتضح أن لبنان دفع ـ حتى اللحظة ـ 10 "شهداء" و40 جريحاً عن كل أسير لبناني (نحو 300 قتيل لبناني و1000 جريحاً), فيما دفعت فلسطين شهيداً عن كل 100 أسير.
ولقد وفر حزب الله لأعدائه الدوليين ذريعة قوية ومباشرة للتعجيل بتنفيذ قرار 1559
والاتجاه الدولي الآن بحسب ما اقترح وفد الأمم المتحدة لجعل ثمن إيقاف الحرب هو دفع حزب الله لتنفيذ القرار الدولي 1559 بتجريد الحزب من السلاح ودخول قوات دولية رادعة لإبعاد "حزب الله" عن الحدود إلى ما وراء نهر الليطاني (عشرون كيلومترا عن الحدود). ومنعه من الهجوم على إسرائيل بمعني آخر ستكون مهمة هذه القوات التي سيزيد تعدادها عن عشرين ألف جندي إعادة بناء المنطقة الآمنة بمساحة 20 كيلومترا ، على أن ينتشر الجيش اللبناني على طول الحدود مع إسرائيل"كد يكور" وطني لقوة الاحتلال الدولية، ووضع لبنان بكامله، بطريقة غير مباشرة تحت انتداب أمريكي جديد على غرار ما يحدث في العراق حالياً.
وعندها تكون الروم قد قلمت الظفر الأول من قوة الفرس أو يرفض الحزب القوة الدولية فتستمر الحرب لتستنزف شعبية الحزب وسلاحه الرئيس المتمثل في الصواريخ والتي استنزف ربعها في عشرة أيام.ولذا سارعت إيران بطلب الهدنة وخفف الحزب من ضرباته.
وأميركا تراهن على إسرائيل في "تطهير" الجنوب، على الأقل، من عناصر حزب الله، ثم تسليمه إلى القوات الدولية. لكن معركة بلدة مارون الراس الحدودية برهنت لإسرائيل أنها ستمنى بخسائر بشرية كبيرة. وهي لذلك لا تريد الوقوع في فخ حرب استنزاف أخرى، وليست راغبة كثيرا في قوات دولية، قد تمنعها في المستقبل من التدخل في لبنان.(2/120)
وكانت إسرائيل عقدت العزم على تصفية حزب الله نهائياً.. فضربت المطار، والطريق البري بين بيروت ودمشق، وحاصرتها بحرياً لتأكيد منع وصول أي إمدادات لحزب الله.. وتسعى الآن لإنفاد قوة حزب الله بعد محاصرته، واستهلاك ذخيرته وعتاده، وهي معركة نفس طويل، والتأييد الدولي المعلن والمطلق لإسرائيل، والتأييد العربي المعلن وغير المعلن لإسرائيل أيضاً.
وكتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت"إن الدعم العربي غير المباشر لإسرائيل في عدوانها "شيء لا يُصدق".
كما كتب نيل ماكفاركوار في النيويورك تايمز :( وفي محاولة منها للحد من المحاولات التي يسعى إليها المحور المتمثل في إيران وسوريا وحزب الله وحماس أكدت حكومات الدول العربية الصديقة للقوى الغربية وخاصة السعودية ومصر والأردن, على أن تكون المحطات التليفزيونية الحكومية أقل اكتراثًا بتطورات الصراع الحالي بين إسرائيل وحزب الله, وذلك من خلال زيادة رقعة المسلسلات الدرامية وبرامج المسابقات على حساب المواد الإخبارية والتحليلية التي تتناول التطورات الأحداث في لبنان وغزة.)
وهناك نهاية أخرى محتملة للحرب المفتوحة في لبنان تقترن بنجاح الوسطاء الدوليين في التوصل لوقف لإطلاق النار، ضمن تسوية تشمل إجراء مفاوضات غير مباشرة لتبادل الأسرى , وذلك بعد تسوية " إسرائيل " جنوب لبنان بالأرض وجعلها منطقة عازلة طولها لا يقل عن عشرين كيلوا مترا ومن ثم تتوطن فيها قوات دولية .
ولأن قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب أصبحت بؤرة توتر في المنطقة وجرح مفتوح نازف يفجر المنطقة في كل مناسبة ودول العالم ليس مضطرة للركض خلف مثل هذه البؤر وبالتالي فثمة توجه للضغط على إسرائيل لعدم فتح المجال أمام تفجرها مجددا عبر إطلاق جميع الأسرى ولنزع أكبر حجة لعمليات الفلسطينيين وحزب الله(2/121)
كما لا يستبعد انسحاب إسرائيل من منطقة مزارع "شبعا" التي يقدر سكانها بحوالي (70 ألفاً) وهم من أهل السنة لنزح حجة حزب الله في بقاء أسلحته لتحرير مزارع شبعا
نحو إستراتيجية فعالة تجاه الخطر الفارسي الشيعي :
عند الحديث عن خطر الفرس لا يعني التقليل من خطر الروم ولكن للفت الانتباه له وبدء التصدي له أما خطر الروم فتكفل بصده مجاهدو العراق وفلسطين.
وإن من المبشرات أن الفرس لن تقوم لهم قائمة قول النبي صلى الله عليه وسلم : فارس نطحة أو نطحتان، ثم يفتحها الله، ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر.أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (4/206)، والحارث ابن أبي أسامة كما في زوائد الهيثمي (2/713)، ونعيم بن حماد في الفتن (2/479)، ومسند الحارث (702)، عن محيريز.
إن قاعدة الصد الرئيسة لخطر شيعة الفرس هي العراق على كافة المستويات وخاصة العسكري والسياسي
فعلى المستوى العسكري فهناك مقاومة سنية أذلت وهزمت أقوى دولة فيمكن لها التصدي للخطر الشيعي الفارسي رغم أنها تواجه بحرب من قوات الاحتلال وقوات الميليشيات على السواء وصمت عربي عن مساندتها .
لكن أكبر عائق لها في ذلك هو تفرقها وعدم توحدها ويجب على الأمة نصرتها وأعظم نصرة لها العمل على جمع كلمتها لتدرأ الخطرين الرومي والفارسي .
ولئن تخاذلت الدول العربية عن نصرة المقاومة العراقية فلا أقل من أن تنصر أهل السنة مالياً وسياسياً ليكون لهم قوة تحفظ لهم بعض حقهم.
وإنه لمما يؤسف له أن تستقبل السعودية الشيعة العراقيين وتحتفي بهم وترفض استقبال قادة السنة
إن المجاهدين من السنة في العراق هم خط الدفاع الأول عن حكومات الخليج وشعوبها السنية فهل نعي ذلك ؟
هذا على المستوى القريب أما على المستوى البعيد فيجب وضع مشروع استراتيجي لإعادة الشيعة إلى الصراط المستقيم عبر مشروع دعوي كبير يشمل العرب والفرس .(2/122)
لقد كان غالبية الفرس على المذهب السني حتى تسلطت عليهم الدولة الصفوية عام907 هجرية فشيعتهم بالحديد والنار وقد قام مؤسسها الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي بقتل ما يقرب من مليون نفس مسلمة لا لشيء إلا أنهم لا يعتنقون مذهب الرفض . ولما قدم بغداد أعلن سبه للخلفاء الراشدين وقتل من لم يسلك ديانة الرفض ، ونبش قبور كثير من أموات أهل السنة كما فعل بقبر الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وقد انتهت الدولة الصفوية عام 1149 هـ
إن جهود أهل السنة لدعوة الشيعة لازالت محدودة وفردية وما أحوجنا لجهود مؤسساتية وحكومة لمعالجة هذا الخطر في جسد الأمة.
وإن مما يؤكد أهمية دعوتهم وحصول ثمرتها ما نشرته مجلة [ المنبر] الشيعية المتطرفة، العدد 14 بعنوان : [ استنكار واحتجاجات من الشيعة الذين أصبحوا غرباء في وطنهم ] جاء فيه ما نصه : " وذكرت الأوساط أن هذه السياسة التي تنتهجها السلطات الإيرانية هي التي أدت إلى تحول جمع من أبناء إيران إلى المذهب السني، بعد ما أوقفت السلطات جهودا كان تهدف إلى الحفاظ على هوية التشيع المبنية على كشف حقائق مظلومية أهل البيت عليهم السلام باستمرار، حتى أن مدينة{إيران شهر] الواقعة في محافظة سيستان جنوبي شرقي إيران كانت نسبة الشيعة فيها قبل الثورة 80% أما الآن فقد قلت النسبة لتصبح 30% لتكون الأغلبية سنية بواقع 68% من مجموع السكان حاليا. وهذه إحدى نتائج هذه السياسة المصلحية " [ موقع المعصومون الأربعة عشر}
ولقد أحدثت المناظرات التي جرت على قناة المستقلة بين علماء من السنة والشيعة زلازل بين الشيعة فهدى الله منهم من شاء هدايته وكان من أثرها أن أرسلت إيران كتباً ومحاضرات لتوزع في القطيف رداً على تلك المناظرات وتخفيفاً من أثرها
فكيف لو كانت هناك قناة خاصة لدعوة الشيعة بالعربية والفارسية ؟(2/123)
إن الشيعة ليسو سواء وفرقهم الشيعية قد بلغت قريبًا من السبعين، فيمكن الاستفادة من غير المتطرفين منهم فشيعة العرب أخف عداءً للسنة من الفرس وشيعة العراق في بعضهم النخوة العربية كشيعة القبائل والطائفة الشيخية ومن أكثرهم اعتدالاً الخالصي والبغدادي والمؤيد وأتباعهم.
وفي لبنان محمد حسين فضل الله الذي حاول أن ينتقد تاريخ الشيعة وأثبت أن الشيعة هم قتلة الحسين وهم من خذلوه فشنت عليه مرجعية إيران حملة ظالمة وأعلنت كفره فلم يحتمل الرجل الحملة الشعواء ضده فاعتذر عن اجتهاداته.
ولذا فمن العدل معهم عدم قتلهم لمجرد تشيعهم عبر تفجيرات جماعية على الهوية بل الحرص على محاربة المجرمين منهم فقط
لست هنا أقصد أن أضع هذه الإستراتيجية وإنما القصد الدعوة لوضعها من المختصين, وأن نركز على العمل الشعبي ونفعل دور المؤسسات العلمية والجماعات والجمعيات الإسلامية، لأن الحكومات "السنيّة" يبدو أنها للأسف في حالة يرثى لها من الارتباك، نسأل الله أن يردها إلى الدين الحق والتمسك به
وختاماً شكري الجزيل لعشرات الكتاب الذين استفدت مما سطروه لا حرمهم الله الأجر والشكر موصول لكل من شارك في مراجعة هذا المقال.
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي
مشرف موقع المختصر للأخبار
***************
فتوى- حامد العلي--لماذا لا يتعاون السنة مع الرافضة في لبنان ؟
تاريخ الفتوى
11/7/1427 هـ -- 2006-08-06
السؤال
فضيلة الشيخ نسمح كثيرا من يقول في معرض الكلام على هذا النازلة وهي الحرب بين حزب حسن نصر وبين اليهود ، إن الخلاف بين السنة و الشيعة يجب أن ينحى جانبا إذا كانت المواجهة مع اليهود ، وأنت ذكرت أن كليهما عدو ، فكيف نجعل أهل القبلة مثل غيرهم ؟!!
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيّنا محمد ، وعلى آله ، وصحبه ،وبعد :(2/124)
العجب والله كلَّ العجب ، من الذين يكفِّرون الطواغيت لموالاتهم الأعداء الصليبّين والصهاينة ، ومظاهرتهم على المسلمين ، وينصبون لهم أشدّ العداء ـ وحُقّ لهم ذلك ـ ولا يكفّرون الذين كانوا ، ولازالوا ـ فضلا عن نواقضهم الأخرى ـ أشدّ النّاس موالاةً ومظاهرةً للكفّار على المسلمين ، إذا كان ذلك يحقق أطماع دولتهم !
وهم الثورة الخمينيّة ، وفروعها ، وجنودها ، المتربصّة بالمسلمين دائرة السوْء ، وشرُّهم ، وضرُّهم ، وخيانتُهم للأمّة ، أشدّ مما يفعله حكّام الكفر والجوْر ، عليهم جميعا دائرة السوء ، وغضب الله عليهم ، ولعنهم ، وأعدّ لهم عاقبة السوء ..آمين !!
نعم لو أنّ القضية كانت خلاف بين السنةّ و الشيعة ، والشيعة في مواجهة مع اليهود ، لكان لهذا القول الذي ذكرته في السؤال وجه .
غير أنّ هذا لا يقوله إلاّ من هو في غفلة تامّة عن واقع النازلة .
فالأمر قد تعدّى خلاف بين سنّة وشيعة ، بل هو في حقيقته زحف منظّم لعدوان إيراني صفوي يوظّف التشيّع ، قد بلغ عُدوانه أن أباد أكثر من مائة ألف سنّي في العراق ، ولايزال يخطط لمحوْ وجودهم ، لاسيما في الوسط والجنوب ، تمهيدا لمؤامرات أخرى على الأمّة ، وسط تكتمّ إعلامي ، على جرائم ، لم يفعلها حتى اليهود في الفلسطينيين ، فضلا عن كونه هو الذي أعان الصهاينة والصليبيين على احتلال بلاد المسلمين وإظهار جميع شعائر الكفر فيها .
نعم إنّ هذا العدون الصفوي الذي ينتمي إليه حزب حسن نصر ، وهو أحد فصائله ، قد أباد من المسلمين ، أكثر مما قتل اليهود في عدوانهم على لبنان ، فضلا عن فظائع التعذيب ، وهتك الأعراض وغيرها ، وزاد أنه مكّن الصهاينة ، والصليبين ، في بلاد الإسلام .
وفي ميزان الإسلام ، دماءُ المسلمين واحدة ، فليست دماء اللبنانيين والفلسطينيين ، بأولى من دماء المسلمين العراقيين ، أو الأفغانيين أو غيرهما .(2/125)
وهذا العدوان الصفوي الإيراني قد زرع منظمات سريّة ، يبتغي إثارة الفتن في بلاد الإسلام مثل حزب حسن نصر في لبنان ، الذي لم يعلن الجهاد لتحرير فلسطين أصلا ،وإنما تحرّك بأوامر من طهران ، لتحقيق مكاسب سياسية لمشروع العدوان الصفوي على أمّتنا فحسب ، فاستغل الصهاينة الفرصة ، لتحقيق مكاسب سياسية ضد المشروع الصفوي، هذا هو التوصيف الواقعي للنازلة
وقد تبيّن أنّ هذا العدوان الصفوي ، لا يقل خطره عن خطر الحملة الصهيوصليبية.
أولا : لأنّه أيضا يحمل مشروع توسعي إمبريالي صفوي عنصري ، ليس إطلاق اسم الإسلام عليه إلاّ تزييفا لحقيقته ، فهو من أسوء الأنظمة العنصرية المعاصرة ، كما يشهد بذلك الأقليّات في ظله ، لاسيما أهل السنة
وثانيا : لأنّه يحمل غزوا فكريا ، يستهدف كلّ ثقافتنا ، حتى أصول العقيدة الإسلامية ، كما تاريخنا ، وتراثنا ، فهو كلّه نظرهم زيفٌ ، لا يعترفون به ، بل دينهم دينٌ آخر، ولو سُلِّطوا على أمّتنا فسيمسخونها، كما يمسخون الآن العراق ، ولهذا فإنهم بدؤوا في العراق باغتيال أئمة المساجد ، والعلماء ، حتى امتدت أيديهم الآثمة إلى آثار الخلافة الإسلامية.
وثالثا : لأنّه مشروع عدوان لديه استعداد لخيانة أمّتنا بالوقوف مع المحتل الصهيوصليبي ، والتعاون معه ، ولهذا فجميع رموزهم في العراق ، بفتاوى مراجعهم ، مع المحتل وأخدم أعوانه !
ويجزم من يعرف عقيدتهم ، وتاريخهم ، أنهّم لو كانوا أقليّة في فلسطين ، وجاء اليهود لاحتلالها ، لأعانوهم ، كما أعانوا اليهود ـ أعني أمريكا ـ لاحتلال العراق ، و أفغانستان ، وسفكوا من دماء المسلمين أنهارا ،
غير أنهم يستغلون القضية الفلسطينية اليوم ، لمكاسب سياسية ، وحصد التعاطف الإسلامي لمشروعهم حتى يصل إلى أهدافه فحسب .
ولهذا قلنا إنّ الذين يظنّون أنّ ما يسمّى مقاومة إسلاميّة في جنوب لبنان ، في حالة حرب مع اليهود لتحرير فلسطين .(2/126)
أو هو خلاف سني شيعي ، في مواجهة مخطط صهيوصليبي ، أنهم سذج ، ومخدوعون ، يعيشون خارج واقعنا تماما .
وقد ذكرنا فيما مضى أنّ هذه المواجهة ، بين العدوّين اللدودين ، هو صراع تغالب بين مشروعين ، كلاهما يضمر السوء لأمّتنا ، وهو من باب تسليط الظالمين على الظالمين ، قال تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) .
ومعلوم عند أهل العلم من أهل السنة ، أن الرافضة لم تزل في شقّ ، والمسلمون في شق ، وكانوا دائما أعوانا لأعداء الإسلام عليه ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ، ونحوهم ، ثم يعدّون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرا ، ثم يرتبون على الكفر أحكاما ابتدعوها ، فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم . في كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام حتى مرقوا منه ، كما مرق السهم من الرمية ، وفي الصحيحين في حديث أبي سعيد : ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ؛ لئن أدركتهم لأقتلهم قتل عاد ) ، وهذا نعت سائر الخارجين كالرافضة ونحوهم ؛ فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهّم مرتدّون أكثر مما يستحلّون من دماء الكفّار ) .
وقال في موضع آخر : (ووزير بغداد ابن العلقمي الرافضي هو الذي خامر على المسلمين ، وكاتب التتار حتى أدخلهم أرض العراق ،بالمكر والخديعة ، ونهى الناس عن قتالهم ، وقد عرف العارفون بالإسلام : أن الرافضة تميل مع أعداء الدين ، ولما كانوا ملوك القاهرة كان وزيرهم مرة يهوديا ، ومرة نصرانيا أرمينيا، وقويت النصارى بسبب ذلك النصراني الأرميني ، وبنوا كنائس كثيرة بأرض مصر في دولة أولئك الرافضة المنافقين ، وكانوا ينادون بين القصرين : من لعن وسب فله دينار وإردب .(2/127)
وفي أيامهم أخذت النصارى ساحل الشام من المسلمين ، حتى فتحه نور الدين ، وصلاح الدين . وفي أيامهم جاءت الفرنج إلى بلبيس ، وغلبوا من الفرنج ؛ فإنهم منافقون ، وأعانهم النصارى ، والله لا ينصر المنافقين الذين هم يوالون النصارى ، فبعثوا إلى نور الدين يطلبون النجدة ، فأمدهم بأسد الدين ، وابن أخيه صلاح الدين
فلما جاءت الغزاة المجاهدون إلى ديار مصر ، قامت الرافضة مع النصارى فطلبوا قتال الغزاة المجاهدين المسلمين ، وجرت فصول يعرفها الناس ، حتى قتل صلاح الدين مقدمهم شاور ، ومن حينئذ ظهرت بهذه البلاد كلمة الإسلام والسنة والجماعة وصار يقرأ فيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كالبخاري ومسلم ونحو ذلك .
ويذكر فيها مذاهب الأئمة ويترضى فيها عن الخلفاء الراشدين ؛ وإلا كانوا قبل ذلك من شر الخلق )
والله أعلى وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
http://www.islamlight.net/index.php...=1400&Itemid=35
المتفكر كاتب في التجديد 2 مشاركاته: a548 إنضمامه: Mar 2002
ما أبعده عن الحقّ ، من يحسب الطاغوت الصفوي المتحالف مع الطاغوت اللاّديني البعثي ، على جهاد أمّتنا ، كما إرتكس في الضلالة من ينصر الطاغوت الصيهوصليبي وأولياءه من طواغيت العرب الذين أسلموا الأمّة لأعدائها ، بل ولغُوا مع الأعداء في دماءها ، وساموها سوء العذاب .
حتى صار "مفكِّرون" يُلقون بزمام عقولهم ، وأزمّة عواطفهم ، إلى أيّ مخلّص مزعوم ، حتى لو كان يأخذهم من جاهليّة إلى جاهليّة ، وينقلهم من رقّ إلى رق ، ويخدعهم بشعارات زائفة ، تهتف بالتغيير ، وتدعو إلى التحرير ، وهي في حقيقتها تغرير أيّ تغرير.(2/128)
ياللأسى ، إنهّم تحت تأثير نفس المخدّر ، يُخدعون به ، كما خدعتهم حماسة القوميّة الغابرة ، تحت رايات البعث ، والناصرية ..إلخ ، واليوم جاء دور راية النفاق الأكبر ، راية الصفويين الروافض ، الذين لم يغسلوا أيديهم بعد من خياناتهم ، التي بها جلبوا حماةَ الصهاينة إلى بلاد الإسلام .
تُرى ،، ما هو السبب الذي جعل بعض "المفكّرين" يفقدون إتّزانهم ، ونحن نقصد هنا غير المحسوبين على المشروع الصفوي بلا ريب ، فالتابع تابع !
ماالذي جعلهم يفقدون إتّزانهم ، وينسون :
أنّّه لما قاد المجاهد أبو مصعب الزرقاوي ، وغيره من قادة الكتائب الجهاديّة المباركة ، الرجال في العراق ، يحطِّمون المشروع الصهيوصليبي ، وينازلونه منازلة الأبطال ، فأثخنوا فيه غاية الإثخان ، أضعاف ما يسقط من الصهاينة بصواريخ حزب الثورة الخمينية في لبنان .
أنّ الذي كان ، ولازال ، يحارب هذا الجهاد المبارك ، هم نفس الزاعمين اليوم التصدّي للصهاينة !!
هذا الطاغوت الصفويّ الخميني الذي كان ، ولازال ، في خندق الصليبيّة إن أراد الكيد بالأمّة ، يسفك معها دماء المجاهدين ، بل كان ـ كما لم يزل ـ أشدّ حرصا على الفتك بهم ، وأدْهى مكراً ، وأخبث طويّة .
والعجب أنّ ذلك المجاهد البطل، أبا مصعب الزرقاوي ، الذي أعلن البراءة من جميع الجاهليّة ، ودعا إلى إلحاق الأذناب الطاغوتية الصغيرة في بلادنا ، مع الطاغوت الصفوي الحاقد ، بالطاغوت الأكبر الأمريكي.
العجب أنّ ذلك البطل ، لم ينل من هؤلاء "المفكرين" ما ناله جندي الطاغوت الصفوي من التأييد ، والدعم ، والدعاء !(2/129)
لك الله يا أبا مصعب ، من كلّ هذه الأرض الفسيحة المترامية الأطراف ، بخلوا أن يعطوك منها قامة رجل ، يُعرف بها قبر مسلم جاهد في الله حقّ جهاده ، ليدعو له من عرف حقيقة الخيانة الخمينيّة لأمّتنا ، قائلا : هنا يرقد البطل الذي جاهد لتحرير أرض الخلافة التي دنّسها الصفيون العلاقمة، والصليبون الصهاينة ، جاهد تحت راية التوحيد ، من غير فضائيات تمجِّده زورا ، ولاتحت مظلة طاغوت صفوي عنصري خائن ! فاللهم ارحمه ، واجزه عن أمّة التوحيد ،خير ما جزيت مجاهدا من المسلمين .
وقد جبن هؤلاء "المفكِّرون" أن يطالبوا بأدنى بحقوق المسلم ، حفرة يوارى بها جثمانه ، أو يُظهروا له شيئا من الدعم الذي يستحقّه ، ثمّ ظهرت شجاعتهم فجأة في دعم الجيش الصفوي في لبنان !!
فلا أدري أكانوا يخشون إستبداد النظام الصفوي الدموي العنصري الوحشي ، الذي لايختلف عن بقية الأنظمة الإستبدادية العربية ، لكنّه يزيد عليهم ، بشعوبيّته الحاقدة البغيضة ، ودين الرفض السبئي.
أم كانوا يخشون أمريكا وأذنابها فتواصوْا بالكتمان !
كلاّ ليس تنكّرهم لذلك الجهاد المبارك ، حتى حرّم بعضهم الإنضمام إليه ، من أجل ما جرى من وقوع ضحايا بسببه بغير قصد ، داخل ، أو خارج العراق .
فالصفويون وحسن نصر جندي مخلص من جنودهم ، غاصُوا إلى آذانهم في دماء الأبرياء من مسلمي العراق ، وقبلها أفغانستان ، بل داخل إيران من أهل السنّة ، وكذا خارجها في الدول المجاورة، عبر سنين من مدة حكمهم ،ولم يشكّل هذا أيّ مشكلة، للتعاطف مع الجيش الصفوي في لبنان !
وكذلك ،، كلاّ ليس تنكّرهم ، بسبب اتهامهم القاعدة بالمغامرات التي تجلب الدمار ، فعلى الأقل ما تقوم به القاعدة ، ضرباتٌ موجعة لتحطيم أكبر طاغوت جاثم على صدر الأمّة ، الطاغوت الأمريكي ، ثم إنه في أفغانستان لم يتدمّر شيئ ، إلا بيوت من طين !!(2/130)
بينما مغامرة حسن نصر كانت لإنقاذ سمير القنطار ، وبعض أسرى، هم في النهاية جنود ، يمكن أن يخدموا في العراق لقتل المجاهدين مثلا ، أوفي أيّ بلد فيه خطة خبيثة للثورة الخمينيّة ، ثم إنّ هذه المغامرة قد أثمرت دمارا هائلا على لبنان ، وتشريد أكثر من مليون لبناني ،أما مزارع شبعا فهاهم رضوا ، أخيرا ، أن توضع تحت وصاية الأمم المتحدة ، وما هي سوى دمية بيد الغرب الصليبي !
ومع ذلك لم يشكّل هذا كلّه ، أيّ مشكلة ، دون دعمه ، وتأييده ، لدى هؤلاء "المفكّرين" !!
ولم يجرؤ أحد من " المفكرين" أن يلوذ بقاعدتهم المفضّلة دائما عن تعارض المصالح والمفاسد ، فيُنكر على الحزب الصفوي في لبنان ما فعله من مغامرات غير محسوبة النتائج !!
ولا يستطيع أحدٌ منهم أن يزعم أنّ مغامرة جيش الخميني في لبنان ، تستحق الثمن ، لأنهّا كانت من أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني،كلاّ وألف كلاّ .
فلم تصدر فتوى من مراجع حزب حسن نصر القابعين في قم ، أو النجف ، توجب على أتباعهم التوجّه لهذا الهدف ، ولن تصدر ، حتى يضمنوا أن تكون فلسطين تابعة لهم ، لا أن ترجع إلى أمتنا ، وإلاّ فلن يهريقوا من أجلها قطرة دم ، فإن كانت العقيدة قبل الأرض فلا قيمة لسعيهم إذاً ، وإن كانت الأرض قبل العقيدة ، فشأنكم وأرض أقيموا عليها أحكام الطاغوت ، فنحن من ذلك براء !!
إذن ما هو السبب الذي جعل " بعض المغامرين مع مغامرة حسن نصر " ، هناك يُشيحون بوجوههم عن جهاد أبطال واجهوا طواغيت الأرض كلّها ، اغربت أقدامهم في أرض المعركة ، وأهريقت دماؤهم ، وتقطّعت أشلاؤهم ، وسقطوا شهداء فيها ، بينما هنا أقبلوا يزفِّون إلى مغامرات حسن نصر ، وهندامه الراقي وراء الشاشة ؟!!
نبّئوني بعلم إن كنتم تعلمون !!
أم أنبّئكم ؟!(2/131)
أنبّئكم كيف غدا مفكّرون دعاةٌ للحريّة ، ومحاربون للإستبداد ، ومناهضون للإمبرياليّة الغربية ، كيف غَدوْا مطبّلين لإمبرياليّة شرقيّة أسوء ، ولاستبداد أقبح ، ولنظام صفوي أشدّ من كلّ الأنظمة العربية المستبدة خبثا ، وأطغى منها جميعا ، وألعن من سابع ملعون فيها ؟!
إسمعوا الجواب ، وعُوه :
أولاً : إستغلال الطاغوت الصفوي خلوّ الساحة من مشاريع النهضة الشاملة ، في ظلّ أنظمة خانعة لاتحمل رسالة ، فألقى بحيّاته ، وثعابينه ، مستعينا بسحر الإعلام ، ملوّحا لجنوح أمّتنا إلى ركوب العاطفة ، لاسيما في قضية صراع الأمّة مع الصهاينة ، فخُيّل إلى بعض "المفكّرين" من سحرها أنها تسعى ! وهي إن سعت ، فإلى حلمها ، لا إلى آمال أمّتنا .
ثانياً : ضحالة الإحاطة بالواقع ، ومما فاجأني حقا، أنّ بعض الكتّاب المتحمّسين للطاغوت الصفوي ، وذنبه في جنوب لبنان ، لا يدري عن مشروع الصفويين شيئا ، ولا عن تاريخهم ، وحتّى ما يجري في العراق ، كان يظن أنها حربٌ أهلية ، لا شأن لإيران بها ،
جاهلا جهلا مطبقا بأنّه صراع بالوكالة بين الإمبريالية الصفوية ، والإمبريالية الصهيوصليبية ، كما في لبنان تماما ، ويدمّر هذا الصراع العراق ، كما يدمّر لبنان ، فهؤلاء الطواغيت لايهمّهم تدمير البلاد ، وإهلاك العباد، بل تحقيق أحلام الهيمنة والإستبداد التي تتراقص تراقص السكارى ، في رؤوس مصاصي دماء الشعوب ، القابعين على سدة الأنظمة الطاغوتية !
ثالثا : قلّة البضاعة في العلم الشرعي ، ذلك أنّه كيف يسوغ شرعا ، أن ندعو الأمّة إلى أن تتبنّى مشروع نظام صفوي طاغية ، محارب لأمّتنا ، خائن لها ، يتبنّى مشروعا يدّعي أنه لصالح الأمة ـ لم يشاورها فيه أصلا والحقيقة أنه يدافع عن مكتسباته فحسب ـ دون ضمان عاقبة هذا التأييد المصلحيّة لأهل الإسلام ، بعقد يحقق منفعة المسلمين ، ويدرأ الضرر عنهم ؟!(2/132)
فهل المأخذ الشرعي لدعم هذا الطاغوت ، عمليّا ، وتأييّده ، وإظهاره بطلا ، مجرد دخوله في مواجهة مع عدوّ آخر للأمّة ! هل هذا يكفي ؟ فنعطيه العطايا ، ونسخّر الأمّة له مجانا؟!!
سلّمنا ! فكيف إذا كان هو نفسه يسفك دماء الأمّة ، ويقتل أبناءها ، ويعبث بمقدراتها ، ويُعمل الوهن فيها ، ويمكر بها مكر السوء ؟! ثم يدعونا إلى الوقوف معه في مشروع يغذّي نفس مؤامرته على الأمّة ؟!
ما هذا الفقه الغريب ،وكيف يجري على مجاري علوم الشريعة ؟!
فإنْ قيل : إنما دعونا إلى تأييّده ، لمواجهته عدوّ أشدّ ، يريد أن يزيد الأمّة تمزقا !
فياللعجب ، من الذي مزّق الأمّة وجلب إليها العار ، مع طواغيت العرب ، سوى هذا الطاغوت الصفوي ، ومن الذي لم يزل يكيد لها المؤامرات ، ويصنع لها الدسائس سواه ، ومن الذي زادها تمزّقا الآن بالفعل ، بإقحامه مشروع غريب على أمّتنا في لبنان ، وتحويلها إلى مرتع للإمبرياليّة الصفويّة ، يشتتّها كما شتَّت العراق .
أهو هو ، الذي يحرص الآن على لمّ شمل أمتنا ؟! ومنذ متى كان هذا مبلغ نصحه ؟! منذ ابن العلقمي ؟!!
ألا هو الحقّ ، أحبّه من أحبّه ، وكرهه من كرهه :
حكم موالاة الطاغوت الصفوي ، كحكم موالاة الطاغوت الصهيوصليبي وأذنابه ،
وخطر الإمبرياليّة الصفوية الحاقدة ، كخطر الإمبريالية الصهيوصليبية الخبيثة .
ولسنا هنا نقصد ، الشعوب المنكوبة الواجب إغاثتها ، سواء شعب لبنان ، أم العراق ، أم أهلنا في فلسطين ، الذين غدوْا ضحية متاجرة الطواغيت في أحلامهم ، كما لا نقصد المذهب العقدي الشيعي على ما فيه من طّامات.(2/133)
بل نعني بالتحديد : نظاما سياسيّا له مشروع توسّعي خطير ، وهو نظام مستبدّ طاغية ، يرزح تحته شعب يعاني من طغيانه ، يتمدّد كالأخطبوط في بلادنا ، وامتدّ إجرامه الذي لايُوصف بشاعة إلى جيرانه ، قد تحالف بغير رادع من حضارته الدمويّة البشعة ، مع طغاة مثله ، ويحلم بهيمنةٍ ، إذا حققها ، أباد أمّتنا ، وتنكّر لجميع ما تعرف من مقومات هويّتها ، وثقافتها .
فمن والاه ، وأيّده ، وسار في ركابه ، وأعانه بأيّ نوع من أنواع الإعانة ، في أيّ مكان ، فحكمُه في شريعة التوحيد ، حكمُ من أعان المشروع الصيهوصليبي سواء .
ونصوص الوحي الناطقة بهذا الحكم لا تميّيز فيها بين طاغوت ، وطاغوت .
ومن يعلم منطلقات الطاغوت الصفوي التي بها يرسم سياسته ، ويحدد أهدافه ، ومن يطّلع على مرجعيته الفكرية ، وعدوانه على الأمّة في الواقع ، ثمّ لايتبيّن له أنّه طاغوت يهدد أمّتنا، فقد بلغ مبلغا لاينفع معه الحوار ، أو أنّه ينطلق من غير عقيدة التوحيد ، فليولّه الله تعالى ما تولّى ، وعاقبتُه عاقبة من تولّى .
أما الذين يقولون هذا الذي تقولونه هو حق ، ولكنّ ليس هو وقته ! كأنما يتخيّلون كتائب الأمّة التي تريد قتال الصهاينة تتأهب للإنقضاض عليها ، فألهيناهم عن ذلك !!
فنقول لهم : فمتى ليت شعري يأتي وقتُه ، عندما تخرج الأمّة من أحضان استبداد إلى آخر ، ومن رقّ طاغوت إلى طاغوت أحقد منه ، ولات حين آذان صاغية !
بل هذا أوان التحذير من الشرّين ، وفضح مكايد الطاغوتين ، إبراءً للأمة ، ونصحا لها ، فإن أصاخت آذانها، كان بها ونعمت ، وإلاّ فمعذرة إلى ربهم ولعلّهم يتقون .(2/134)
اللهم إنّي قد بلّغت ، اللهم فاشهد ، اللهم إني اجعل هذا البيان ، في عهدة جلالِ عظمتك ، راجيا به جزيل عطاءِك ، منافحا به عن دين نبيّك محمد صلى الله عليه وسلم ، وعن حرمة أصحابه الأبرار ، وعرض أمّهات المؤمنين ، وإنجازات حضارتنا التي توارد على بناء صرحها ، خيرة الخلفاء ، والملوك النجباء ، والقادة العظماء .
اللهم برّأنا من الشرك والنفاق ، وأعذنا من شرور الطواغيت ، وأهل الشقاق ، واجعل عاقبة أمرنا رشدا ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السّبِيلْ
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)
الشيخ حامد العلي حفظه الله
****************
لماذا تصفق الغوغاء لقتلة أهل السنة؟!!
تأملات :الوطن العربي :الثلاثاء 21 رجب 1427هـ - 15أغسطس 2006م
راشد أمية عباس العثماني(2/135)
مفكرة الإسلام: لم يظهر معنى الغوغاء في يوم من الأيام كما ظهر على حقيقته في هذه الأسابيع العجاف التي يحصدها أهل السنة ضياعًا وغباءً وتبعية ودمارًا وشتاتًا وإسقاطًا للهوية؛ فالغوغاء هم الذين قتلوا أمير المؤمنين الشهيد المظلوم عثمان ذي النورين, ومعلوم أنه كان كافًّا ليده ولسانه ولأيدي ولاته وألسنتهم، فاهتبل الزنديق عبد الله بن سبأ حالة الورع والحرص على دماء المؤمنين ووحدتهم وسلامة هويتهم التي كان يسوس فيها الأمة أمير المؤمنين عثمان, اهتبل ذلك اليهودي الرافض للخلافة الراشدة تلك الفرصة متلبسًا بزعمه الكاذب محبة آل البيت ليحمي نفسه ويبعد الشبهة عن مخططاته الجهنمية, فاستفاد من ذلك الوضع الآمن لنشر دعوة الرفض تحت راية ما يسمى بالوصية وحق المعصوم وآل البيت، ولكن لم يُسأل عن أي بيت كان يتحدث!!
أهو بيت النار المجوسية التي أطفأها الصحابة الكرام؟!!
أم بيت المدراس الذي يعلم اليهودية؟!! أم بيت رفض القرآن والسنة؟!!
أم بيت التآمر على كل ذلك؟!!
وإن كانت الحقيقة أن كل ذلك ثابت في منهجه الخبيث الذي كان يدين به ومن ثم أورثه لتلامذته الرافضة أعداء السنة النبوية ومكفري الصحابة.
وكما نجح ابن سبأ في تهييج غوغاء الكوفة والبصرة ضد الخلافة الراشدة نجح نجاحًا أكبر في تهييج غوغاء مصر, كل ذلك تحت شعارات كاذبة زائفة، قاد بها جموع الغوغاء من وراء الكواليس حتى تسوروا على أمير المؤمنين بيته وهو يتلو كتاب الله فقتلوه, حتى سالت دماؤه الشريفة على قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137], وقد كفاه الله تعالى حيث لم يمت أحد من تلك الغوغاء التي خرجت على عثمان الشهيد إلا قتلاً.(2/136)
واليوم بعد أن كشف الناس عورات الرافضة الحاقدين في العراق وفي إيران ولبنان وسوريا وغير هذه البلاد, فعلموا خيانتهم وتواطؤهم مع اليهود والصليبين في قتل خيار أهل السنة كما فعلوا في سوريا في مدينة حماة وحلب وجسر الشغور وتدمر وغير ذلك وفي طرابلس الشام وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا وفي الفلوجة والرمادي وبغداد والبصرة والمحمودية وبعقوبة وأبو غريب والقائم وغير ذلك من بلدان السنة المطهرة، عندما كشف كل ذلك سخّر الدهاقنة ثعلبهم لافتعال هذه المواجهة التي دمرت بلدًا بكامله, عامة ما فيه من مصالح للناس بني على أيدي أهل السنة وبأموال أهل السنة وإخوانهم المؤمنين، بينما موارد حزب الله خاصة لطائفته.
- فيا من تصفقون لقتلة الراشدين ماذا جنى المسلمون من مقتل عثمان؟! الذي صفق له أجدادكم من الغوغاء السبئيين.
- ألم يسيلوا الدم ويغمدوا السيوف في صدور بعضهم لكي يهنأ ابن سبأ ومعه مجوس هذه الأمة؟! ونكالاً من الله لمن لم ينصر السنة؟!
- ألم يعملوا بعد ذلك على قتل علي ومعاوية وعمرو رضي الله عنهم في يوم واحد, وهو السابع عشر من رمضان سنة 40 من الهجرة؟!
- وما الذي تغير حتى تركعوا خانعين لمن يدرب فرق الموت التي تهتك أعراض السنة وتسفك دماءهم وتسرق أموالهم وبيوتهم ومساجدهم ومدارسهم ووظائفهم في العراق.
- وكيف يقاتلون اليهود في لبنان وهم مع ذلك يُقبّلون أحذيتهم ويركعون بين أقدامهم في العراق؟!!
- يا غوغاء السنة.. يا من تصفقون للرافضة في لبنان وفي مقدمتكم الفضائيات الماكرة ومن اعتاد الهرولة إلى اتباع كل ناعق, ماذا يجني أهل السنة من انتصار الرافضة؟! هل أنتم خير من عثمان أم الفاروق في كتبهم ومجالسهم وعقائدهم؟! فلماذا استباحوا دماءهما ولماذا يزورون قاتل الفاروق في كاشان ويترحمون عليه؟! وهل تعتقدون أنهم يرحمونكم لو تمكنوا منكم؟!
- هل تاب هذا الرافضي الذي تصفقون له من قذف أمكم بأنها زانية؟! أم أن هذا لا يعنيكم؟!(2/137)
- هل تعلمون أنهم يعتبرونكم كفارًا إن لم تبايعوا وكيل صاحب الزمان الخامنئي الذي بايعه سامريكم هذا الذي استحمركم لتخدعوا أمتكم؟!
- هل تاب الرافضي في لبنان عن ترديد دعاء صنميْ قريش ولعن الصحابة.. لعن الله من يلعن الصحابة ومن يصفق له ومن يحبه ومن يدعو له أو يتألم له؟!
- هل آمن أن القرآن الذي تقرءونه هو القرآن الحق الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟!
- ما بال السنة عند اليهود حالهم في جمعياتهم وأحزابهم وعباداتهم خير من حالهم عند تلامذة ابن سبأ في سوريا وإيران والعراق؟!
- لماذا يعد أحبابكم النصيريون في سوريا الصلاة جريمة لأهل السنة في الجيش؟! ولماذا لا يسمحون ببناء المساجد في الثكنات وغيرها من المواقع الحكومية؟!
- لماذا يعملون على تشيع الغوغاء في سوريا ببذل الرواتب والتوظيف والتسليح لمن يتشيع ويرفض القرآن والسنة ويشتم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
- لماذا يعد النصيريون حكام سوريا الذين تنحنون لهم أذلاء أي تجمع لأهل السنة جريمة لا تغتفر بينما هم يتجمعون على طائفتهم وينصرون ويسلحون حزب الله الطائفي؟!!
- لماذا يتسلح حزب الله في لبنان ولا يسمح لأهل السنة بحمل أي نوع من السلاح بما في ذلك من يسكن منهم على الحدود مثل أهل مرواحين السنة وأهل البستان وإخوانهم؟!!
- لماذا يقتل هؤلاء الرافضة الذين تصفقون لهم الفلسطينيين اللاجئين في العراق؟!!
- لماذا يقتلون كل من اسمه عمر أو عثمان أو بكر أو خالد أو عمرو أو معاوية وكل من يتسمى باسم الصحابة في العراق لمجرد اسمه؟!
- لماذا يعادي الرافضة في البحرين والسعودية والإمارات وغيرها من دول الخليج حكوماتهم وأوطانهم وأهل السنة فيها ويتآمرون عليهم ويوالون رافضة إيران؟!
- لماذا يعبث السيستاني الإيراني بوحدة العراق وأمنه وهو آمن مُكرم في إعلامكم ومجالسكم الآثمة بينما أي عربي أو سني يتحدث عن أهله وإخوانه في العراق يعدون ذلك إرهاباً؟!(2/138)
- وهل كف صاحبهم في لبنان عن إمدادهم بالمتدربين والمدربين وكل ما يحتاجونه للتصدي لأهل السنة؟!
والأسئلة كثيرة, وكلها تؤكد أنكم لو كنتم في زمان ابن سبأ لشاركتم في قتل الشهيد عثمان رضي الله عنه؛ لأنكم لا بصيرة لكم ولا فرق عندكم بين مسيلمة الكذاب وأبي بكر الصديق رضي الله عنه, بل لأنكم غوغاء.
- كم دمر الرافضة واغتصبوا من مساجد منذ أن بايعوا بريمر على إبادة السنة؟! وكم قتلوا من أهل السنة الأطهار؟!
- لماذا شعارهم المحبب اقتل سنيًا تحظى بشفاعة الحسين؟!
- ولماذا يدينون بشعار غش السنة تدخل الجنة؟!
- ولماذا لا يسمحون لمليونين من أهل السنة بإقامة مسجد في طهران بينما لليهود معابدهم؟!
- ألم تعلموا يا غوغاء السنة قولهم في أهل السنة: خذ مال الناصب السني حيث وجدته وادفع إلينا الخمس. تهذيب الأحكام ج 4/122.
- وقولهم: إن الناصب هو ما يقال له عندهم سنيًا شاء أم أبى. المحاكم النفسانية 147. ولذلك يقولون: إمام النواصب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
- وقولهم: ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب, إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا.
ألم تشاهدوا راياتهم فوق مساجد السنة التي اغتصبوها في العراق مكتوب عليها: نصرت يا قائم آل كسرى؟!!
- إنكم لا تجهلون دور الرافضة في الحرب على القرآن والسنة وأهلهما, إن الرافضي الباطني الذي تمكن من خداعكم واستحماركم وأنتم تصفقون وترقصون له وهو يقتل إخوانكم ويشتم أعراضكم غير مكشوف خطره وحقده لكثير ممن يميلون مع الريح أينما مالت.
- أنتم الذين تزعمون أنكم سياسيون ولديكم شيء من الدين وقد فعل بكم ما فعل, فما بال عامة الناس الذين خدعتموهم لينحنوا لقاتلهم؟! وما ذنبهم؟! ومن المسئول أمام الله تعالى عن تضليلهم؟!!
هداكم الله إلى السنة...
**************
نظرة الشيعة إلى أهل السنة
حسين الموسوي طريق الإسلام(2/139)
ملاحظة: الكلام على لسان الأخ، وهو شيعي سابق هداه الله تعالى إلى العودة للمنهج الصواب.
عندما نطالع كتبنا المعتبرة وأقوال فقهائنا ومجتهدينا نجد أن العدو الوحيد للشيعة هم أهل السنة، ولذا وصفوهم بأوصاف وسموهم بأسماء: فسموهم (العامة) وسموهم النواصب، وما زال الاعتقاد عند معاشر الشيعة أن لكل فرد من أهل السنة ذيلاً في دبره، وإذا شتم أحدهم الآخر وأراد أن يغلظ له في الشتيمة قال له: (عظم سني في قبر أبيك) وذلك لنجاسة السني في نظرهم إلى درجة أنه لو اغتسل ألف مرة لما طهر، ولما ذهبت عنه نجاسته.
ما زلت أذكر أن والدي -رحمه الله- التقى رجلاً غريباً في أحد أسواق المدينة، وكان والدي -رحمه الله- محباً للخير إلى حد بعيد، فجاء به إلى دارنا ليحل ضيفاً عندنا في تلك الليلة فأكرمناه بما شاء الله تعالى، وجلسنا للسمر بعد العشاء، وكنت وقتها شاباً في أول دراستي في الحوزة، ومن خلال حديثنا تبين أن الرجل سني المذهب، ومن أطراف سامراء جاء إلى النجف لحاجة ما، بات الرجل تلك الليلة، ولما أصبح أتيناه بطعام الإفطار فتناول طعامه ثم هم بالرحيل، فعرض عليه والدي -رحمه الله- مبلغاً من المال فلربما يحتاجه في سفره، شكر الرجل حسن ضيافتنا، فلما غادر أمر والدي بحرق الفراش الذي نام فيه، وتطهير الإناء الذي أكل فيه تطهيراً جيداً؛ لاعتقاده بنجاسة السني، وهذا اعتقاد الشيعة جميعاً، إذ أن فقهاءنا قرنوا السني بالكافر والمشرك والخنزير وجعلوه من الأعيان النجسة ولهذا:
1- وجوب الاختلاف معهم:
فقد روى الصدوق عن علي بن أسباط قال: "قلت للرضا -عليه السلام-: يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك؟ قال: فقال: ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه" (عيون أخبار الرضا 1/275 ط. طهران).(2/140)
وعن الحسين بن خالد عن الرضا أنه قال: "شيعتنا المسلمون لأمرنا، الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منا" (الفصول المهمة 225 ط. قم).
وعن المفضل بن عمر عن جعفر أنه قال: "كذب من زعم أنه من شيعتنا وهو متوثق بعروة غيرنا" (الفصول المهمة 225).
2- عدم جواز العمل بما يوافق العامة ويوافق طريقتهم.
وهذا باب عقده الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة فقال: "والأحاديث في ذلك متواترة .. فمن ذلك قول الصادق -عليه السلام- في الحديثين المختلفين: أعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه"
وقال الصادق -عليه السلام-: "إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم".
وقال -عليه السلام-: "خذ بما فيه خلاف العامة، وقال: ما خالف العامة ففيه الرشاد".
وقال -عليه السلام-: "ما أنتم -والله- على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء".
وقوله -عليه السلام-: "والله ما جعل الله لأحد خيرة في أتباع غيرنا، وإن من وافقنا خالف عدونا، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه".
وقول العبد الصالح -عليه السلام- في الحديثين المختلفين: "خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه".
وقول الرضا -عليه السلام-: "إذا ورد عليكم خبران متعارضان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا بما يوافق أخبارهم فدعوه".
وقول الصادق -عليه السلام-: "والله ما بقي في أيديهم شيء من الحق إلا استقبال القبلة" (انظر الفصول المهمة 325-326).
وقال الحر عن هذه الأخبار بأنها: "قد تجاوزت حد التواتر، فالعجب من بعض المتأخرين حيث ظن أن الدليل هنا خبر واحد".
وقال أيضاً: "واعلم أنه يظهر من هذه الأحاديث المتواترة بطلان أكثر القواعد الأصولية المذكورة في كتب العامة" (الفصول المهمة 326).
3- أنهم لا يجتمعون مع السنة على شيء:(2/141)
قال السيد نعمة الله الجزائري: "إنا لا نجتمع معهم -أي مع السنة- على إله ولا على نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد نبيه وخليفته من بعده أبو بكر. ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذاك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا" (الأنوار الجزائرية 2/278) باب نور في حقيقة دين الإمامية.
والعلة التي من أجلها يجب الأخذ بخلاف ما تقوله العامة، عقد الصدوق هذا الباب في علل الشرائع فقال: "عن أبي إسحاق الإرجائي رفعه قال: قال أبو عبد الله -عليه السلام-: أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة؟ فقلت: لا ندري. فقال: إن علياً لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره. وكانوا يسألون أمير المؤمنين -عليه السلام- عن الشيء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس" (531 طبع إيران).
ويتبادر إلى الأذهان السؤال الآتي:
لو فرضنا أن الحق كان مع العامة في مسألة ما أيجب علينا أن نأخذ بخلاف قولهم؟ أجابني السيد محمد باقر الصدر مرة فقال: "نعم يجب الأخذ بخلاف قولهم؛ لأن الأخذ بخلاف قولهم -وإن كان خطأ- فهو أهون من موافقتهم على افتراض وجود الحق عندهم في تلك المسألة".
إن كراهية الشيعة لأهل السنة ليست وليدة اليوم، ولا تختص بالسنة المعاصرين؛ بل هي كراهية عميقة تمتد إلى الجيل الأول لأهل السنة، وأعني الصحابة ما عدا ثلاثة منهم وهم أبو ذر والمقداد وسلمان، ولهذا روى الكليني عن أبي جعفر قال: "كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري" (روضة الكافي 8/246).
لو سألنا اليهود: من هم أفضل الناس في ملتكم؟
لقالوا: إنهم أصحاب موسى.
ولو سألنا النصارى: من هم أفضل الناس في أمتكم؟
لقالوا: إنهم حواريو عيسى.(2/142)
ولو سألنا الشيعة: من هم أسوأ الناس في نظركم وعقيدتكم؟
لقالوا: إنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.
إن أصحاب محمد هم أكثر الناس تعرضاً لسب الشيعة ولعنهم وطعنهم وبالذات أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة زوجتا النبي -صلوات الله عليه- ولهذا ورد في دعاء صنمي قريش: "اللهم العن صنمي قريش -أبو بكر وعمر- وجبتيهما وطاغوتيهما، وابنتيهما -عائشة وحفصة..الخ" وهذا دعاء منصوص عليه في الكتب المعتبرة. وكان الإمام الخميني يقوله بعد صلاة الصبح كل يوم.
عن حمزة بن محمد الطيار أنه قال: ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله -عليه السلام- فقال: "رحمه الله وصلى عليه، قال محمد بن أبي بكر لأمير المؤمنين يوماً من الأيام: أبسط يدك أبايعك، فقال: أو ما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده، فقال: أشهد أنك إمام مفترض طاعته، وإن أبي - يريد أبا بكر أباه - في النار" (رجال الكشي 61).
وعن شعيب عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: "ما من أهل بيت إلا وفيهم نجيب من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر" (الكشي 61).
وأما عمر فقال السيد نعمة الله الجزائري: "إن عمر بن الخطاب كان مصاباً بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال" (الأنوار النعمانية 1/63).
واعلم أن في مدينة كاشان الإيرانية في منطقة تسمى "باغي فين" مشهداً على غرار الجندي المجهول فيه قبر وهمي لأبي لؤلؤة فيروز الفارسي المجوسي قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حيث أطلقوا عليه ما معناه بالعربية "مرقد باب شجاع الدين" وباب شجاع الدين هو لقب أطلقوه على أبي لؤلؤة لقتله عمر بن الخطاب، وقد كتب على جدران هذا المشهد بالفارسي "مرك بر أبو بكر، مرك بر عمر، مرك بر عثمان" ومعناه بالعربية: "الموت لأبي بكر، الموت لعمر، الموت لعثمان".(2/143)
وهذا المشهد يزار من قبل الإيرانيين، وتلقى فيه الأموال والتبرعات، وقد رأيت هذا المشهد بنفسي، وكانت وزارة الإرشاد الإيرانية قد باشرت بتوسيعه وتجديده، وفوق ذلك قاموا بطبع صورة المشهد على كارتات تستخدم لإرسال الرسائل والمكاتيب.
روى الكليني عن أبي جعفر -عليه السلام- قال: "..إن الشيخين -أبا بكر وعمر- فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين -عليه السلام- فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" (روضة الكافي 8/246).
وأما عثمان فعن علي بن يونس البياضي: "كان عثمان ممن يلعب به وكان مخنثاً" (الصراط المستقيم 2/30).
وأما عائشة فقد قال ابن رجب البرسي: "إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة" (مشارف أنوار اليقين 86).
وإني أتساءل: إذا كان الخلفاء الثلاثة بهذه الصفات فلم بايعهم أمير المؤمنين -عليه السلام-؟ ولم صار وزيراً لثلاثتهم طيلة مدة خلافتهم؟ أكان يخافهم؟ معاذ الله.
ثم إذا كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مصاباً بداء في دبره ولا يهدأ إلا بماء الرجال كما قال السيد الجزائري، فكيف إذن زوجه أمير المؤمنين -عليه السلام- ابنته أم كلثوم؟ أكانت إصابته بهذا الداء، خافية على أمير المؤمنين -عليه السلام- وعرفها السيد الجزائري؟!.. إن الموضوع لا يحتاج إلى أكثر من استعمال العقل للحظات.
وروى الكليني: "إن الناس كلهم أولاد زنا أو قال بغايا ما خلا شيعتنا" (الروضة 8/135).
ولهذا أباحوا دماء أهل السنة وأموالهم، فعن داود بن فرقد قال: "قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل" (وسائل الشيعة 18/463)، (بحار الأنوار 27/231).
وعلق الإمام الخميني على هذا بقوله: فإن استطعت أن تأخذ ماله فخذه، وابعث إلينا بالخمس.(2/144)
وقال السيد نعمة الله الجزائري: "إن علي بن يقطين وزير الرشيد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين، فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل" (الأنوار النعمانية 3/308).
وتحدثنا كتب التاريخ عما جرى في بغداد عند دخول هولاكو فيها، فإنه ارتكب أكبر مجزرة عرفها التاريخ، بحيث صبغ نهر دجلة باللون الأحمر لكثرة من قتل من أهل السنة، فانهار من الدماء جرت في نهر دجلة، حتى تغير لونه فصار أحمر، وصبغ مرة أخرى باللون الأزرق لكثرة الكتب التي ألقيت فيه، وكل هذا بسبب الوزيرين النصير الطوسي ومحمد بن العلقمي فقد كانا وزيرين للخليفة العباسي، وكانا شيعيين، وكانت تجري بينهما وبين هولاكو مراسلات سرية حيث تمكنا من إقناع هولاكو بدخول بغداد وإسقاط الخلافة العباسية التي كانا وزيرين فيها، وكانت لهما اليد الطولى في الحكم، ولكنهما لم يرتضيا تلك الخلافة لأنها تدين بمذهب أهل السنة، فدخل هولاكو بغداد وأسقط الخلافة العباسية، ثم ما لبثا حتى صارا وزيرين لهولاكو مع أن هولاكو كان وثنياً.
ومع ذلك فإن الإمام الخميني يترضى على ابن يقطين والطوسي والعلقمي، ويعتبر ما قاموا به من أعظم الخدمات الجليلة لدين الإسلام.
وأختم هذا الباب بكلمة أخيرة وهي شاملة وجامعة في هذا الباب قول السيد نعمة الله الجزائري في حكم النواصب (أهل السنة) فقال: "إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شر من اليهود والنصارى، وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه في الإمامة" (الأنوار النعمانية 2/206-207).
وهكذا نرى أن حكم الشيعة في أهل السنة يتلخص بما يأتي:(2/145)
أنهم كفار، أنجاس، شر من اليهود والنصارى، أولاد بغايا، يجب قتلهم وأخذ أموالهم، لا يمكن الالتقاء معهم في شيء لا في رب ولا في نبي ولا في إمام، ولا يجوز موافقتهم في قول أو عمل، ويجب لعنهم وشتمهم وبالذات الجيل الأول أولئك الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم، والذين وقفوا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله- في دعوته وجهاده .. وإلا فقل لي بالله عليك من الذي كان مع النبي -صلوات الله عليه- في كل المعارك التي خاضها مع الكفار؟، فمشاركتهم في تلك الحروب كلها دليل على صدق إيمانهم وجهادهم فلا يلتفت إلى ما يقوله فقهاؤنا.
لما انتهى حكم آل بهلوي في إيران على أثر قيام الثورة الإسلامية وتسلم الإمام الخميني زمام الأمور فيها، توجب على علماء الشيعة زيارة وتهنئة الإمام بهذا النصر العظيم لقيام أول دولة شيعية في العصر الحديث يحكمها الفقهاء.
وكان واجب التهنئة يقع علي شخصياً أكثر من غيري لعلاقتي الوثيقة بالإمام الخميني، فزرت إيران بعد شهر ونصف -وربما أكثر- من دخول الإمام طهران إثر عودته من منفاه باريس، فرحب بي كثيراً، وكانت زيارتي منفردة عن زيارة وفد علماء الشيعة في العراق.
وفي جلسة خاصة مع الإمام قال لي: "سيد حسين آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة -صلوات الله عليهم- سنسفك دماء النواصب ونقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم، ولن نترك أحداً منهم يفلت من العقاب، وستكون أموالهم خالصة لشيعة أهل البيت، وسنمحو مكة والمدينة من وجه الأرض؛ لأن هاتين المدينتين صارتا معقل الوهابيين، ولا بد أن تكون كربلاء أرض الله المباركة المقدسة -قبلة للناس في الصلاة وسنحقق بذلك حلم الأئمة عليهم السلام، لقد قامت دولتنا التي جاهدنا سنوات طويلة من أجل إقامتها، وما بقي إلا التنفيذ!!".
ملاحظة:(2/146)
اعلم أن حقد الشيعة على العامة -أهل السنة- حقد لا مثيل له، ولهذا أجاز فقهاؤنا الكذب على أهل السنة وإلصاق التهم الكاذبة بهم والافتراء عليهم ووصفهم بالقبائح.
والآن ينظر الشيعة إلى أهل السنة نظرة حاقدة بناء على توجيهات صدرت من مراجع عليا، وصدرت التوجيهات إلى أفراد الشيعة بوجوب التغلغل في أجهزة الدولة ومؤسساتها وبخاصة المهمة منها كالجيش والأمن والمخابرات وغيرها من المسالك المهمة فضلاً عن صفوف الحزب.
وينتظر الجميع -بفارغ الصبر- ساعة الصفر لإعلان الجهاد والانقضاض على أهل السنة، حيث يتصور عموم الشيعة أنهم بذلك يقدمون خدمة لأهل البيت -صلوات الله عليهم- ونسوا أن الذي يدفعهم إلى هذا أناس يعملون وراء الكواليس.
*******************
يا إخواننا في لبنان فرُّوا إلى الله وأعدَّوا أنفسكم
يا أهل لبنان جل المجد عن ثمن ** وجل أن ترخي من دونه الهمم
أنتم ونحن ندى من غيث أمتنا ** وعن قريب يوافي سيلها العرم
لا يأس من أمَّة نالت أوائلها ** رسالة قبست من نورها الأمم
ووقفة العز عز في عواقبها ** لكنَّ عاقبة المستسلم الندم
لبنان ..تلكم البلاد الخضراء، والأرض الطيِّبة، التي خرج من أراضيها علماء أفذاذ، ومفكرين نجباء من القدماء والمعاصرين ... كالأوزاعي ...و البقاعي صاحب الدرر.. ومحمد رشيد رضا.. ونديم الجسر..وصبحي الصالح.. والشيخ حسن خالد .. إلى غير ذلك من قائمة الشرفاء العلماء .
هذه البلاد الطاهرة الزكيَّة .. أريد لها في هذا الزمن - وللأسف - أن تكون محوراً من محاور الفساد، ومصدرة لثقافة العري، ومرتعاً للعهر والخنا - نسأل الله السلامة .
هذه البلاد الطاهرة الزكيَّة ... أريد لها في هذا الزمن ـ وللأسف ـ أن تكون محوراً من محاور الفساد، ومصدرة لثقافة العري ، ومرتعاً للعهر والخنا ـ نسأل الله السلامة .(2/147)
ففتح صانعو القرار في لبنان ومن يعاونهم ذراعهم لكل الوافدات الغربيَّة بخيرها وشرِّها ، وحققوا لأهل الهوى والرذيلة والشهوات أمانيهم ، ببث ما يثير الغرائز و الشهوات ، ويزيد من عذابات النفس المريضة والأمَّارة بالسوء. وأظهروا لبنان بهذا المظهر ، حتى صارت لا تذكر إلا ويذكر الإنسانُ الفسادَ الجاري فيها، والمغنين والمغنيات والفنانين والفنانات .. وهكذا صارت لبنان في عيون الكثير من الناس... وأضحت ـ وللأسف ـ تعجُّ بما يستجلب غضب الله ، ولا أزعم أنَّ ذلك كلَّه من أهل السنَّة وإن كان يبدر منهم شيء ليس بالقليل ، وللنصارى قصب السبق في ذلك، ولغيرهم من الدروز والطوائف الباطنيَّة الشيء الكثير..ألا يجدر بنا كمسلمين أن تكون لنا وقفة مراجعة مع النفس لمحاسبتها .
لماذا سلَّط الله علينا الأعداء، فأذاقونا وإخواننا في لبنان مرَّ البلاء ؟
لماذا قدَّر الله أن يكون ذلك في وقت السياحة وزمن منتجعات الاستجمام والراحة
لماذا عمَّ البلاء والقتل لجميع أهل لبنان صالحهم وطالحهم ؟
إنها أسئلة لا بد أن يكون لنا وخصوصاً إخواننا المسلمين في لبنان وقفة مراجعة للنفس من خلالها.
إنَّه لا بد أن نعلم أنَّه ما نزل بلاء إلا بذنب ، وما رفع إلاَّ بتوبة ؛ كما قال العبَّاس بن عبد المطَّلب ـ رضي الله عنه ـ والله تعالى يقول في كتابه الحكيم: ((وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)) (الشورى: 30) . ويقول : ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (آل عمران : 165) .
إنَّ هذه الآيات وغيرها من الأحاديث والآثار تبيِّن أنَّ البلاء لا ينزل بأمَّة الإسلام إلاَّ لعدَّة أسباب ، ومن أهمِّها الذنوب التي اقترفها الخلق في حقِّ ربِّهم وخالقهم جلَّ وعلا .(2/148)
نعم ... إنَّه تعالى رحيم ، يمهل ولا يهمل، ويعفو عن كثير ، وقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ((إنَّ الله يملي للظالم حتَّى إذا أخذه لم يفلته)) وتلا قوله تعالى : ((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)) (هود : 102) [1].
إنّني ـ والله ـ لا أشمت بإخواني المسلمين في لبنان أو غيرها ..كلاَّ وربِّ العزَّة ...ومعاذ الله ... فهم إخواننا المسلمون لهم ما لنا وعليهم ما علينا ... بل نخشى على أنفسنا في كثير من بلاد المسلمين أن نصاب بما أصيب به إخواننا لكثرة ذنوبنا ومعاصينا ، ولعدم نصرتنا لإخواننا في العديد من بلاد المسلمين المنكوبة والمحتلة .
ولكنَّني أنذر نفسي وأنذرهم أنَّ عذاب الله - تعالى - لا ينزل إلا لسبب وجيه علمناه أو لم نعلمه، فلنحاسب أنفسنا، ونستشعر الحكمة من سبب هذا البلاء الواقع بنا.
بيد أني مع كل حرقة وألم يخالج قلبي أعترف وكلُّ مسلم بأنَّه آلمنا ما اقترفته الأيادي الصهيونيَّة الآثمة ، من القتل والدمار والخراب على أرض لبنان الحبيبة، والتي بلغت خسائرها مليارات الدولارات في تحطيم البنى التحتيَّة والفوقيَّة، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله !
ومع هذا فإنَّا نقول: ليسوا سواء فقتلانا من المسلمين في الجنَّة - بإذن الله - وقتلى الصهاينة في النار... وأنَّ هذه الكوارث والملمَّات هي بإذن الله تكفير للسيئات .... وأنَّ الحروب صعقات إحياء لا إماتة ... وأنَّها سبب من أسباب الرجوع إلى الله و الانطراح بين يديه ... وأنَّ هذه الحروب من بلاءات الشر التي يبتلي الله بها عباده لعلَّهم يتوبون إلى الله ويفيئون إلى ظلال الإسلام .
ولي مع هذه الحرب الدائرة في لبنان عدَّة وقفات، أسأل الله - تعالى - أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:(2/149)
الوقفة الأولى: لابد من أن نتقرب إلى الله ليكشف هذه المحنة، ونستغفر ممَّا بدر من الذنوب والمعاصي التي اقترفناها ، بل من قلَّة المحذرين منها والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حتَّى من الصالحين! إلاَّ أنَّنا قد نبَّأنا الله بأنَّ البلاء قد يصيب الصالح والطالح كما قال: ((واتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصَّة)) أي : احذروا يا مسلمون أن تصابوا وتُنالوا من البلاء صالحكم وطالحكم، وألاَّ يستثنى أحداً منكم ، بسبب ما اقترفتم في حق الله من الكبائر والموبقات .
ومن المعلوم بأنَّ سنن الله تجري على البرِّ والفاجر، وأنَّ الأمم قد تهلك ولو كان فيها الصالحون ـ غير المصلحين بالطبع - وذلك لأنَّهم لم يكن لهم دور إيجابي في نصرة دين الله ، والدعوة إليه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى فيه.
ولهذا قالت زينب بنت جحش لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث)) [2].
كما أنَّه ينبغي العلم بأنَّ هذا البلاء لا يرفع إلا بدعاء صادق ، وقلب يعجُّ إلى الله بالتوبة ، حتَّى لا نتشبَّه بمن وقعت عليهم النوازل والملمَّات ، ولم يقبلوا على ربِّهم ، فإنَّه تعالى يقول : ((ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون, فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون)) .
ورحم الله الإمام ابن القيم - رحمه الله - إذ يقول : ((إذا اجتمع على الإنسان قلبه، وصدقت ضرورته وفاقته، وقوي رجاؤه، فلا يكاد يرد دعاؤه)(2/150)
الوقفة الثانية: لابدَّ لأهل السنَّة والجماعة في لبنان أن يعدُّوا للجهاد في سبيل الله بقدر الإمكان، وأن يكوِّنوا لأنفسهم راية واضحة ليست جاهليَّة يقاتلوا تحت لوائها أعداء الدين من الصهاينة، ولا بأس أن يستفيدوا من خبرة حزب الله القتاليَّة، على أن يتيقظوا ويحذروا من الوقوع في شيء من عقيدتهم، فهم والحق يقال لديهم مهارة كبيرة في إدارة الحروب والمعارك مع العدو الصهيوني .
ومن المهم أن تكون لدينا قناعة بأهميَّة الدفاع عن الوطن، وعدم تسليمه لأعداء الدين ، وأنَّ جميع المسلمين في لبنان مشاريع شهادة في سبيل الله لمن يواجهوهم من الصهاينة. وكذلك فإنَّ من اللوازم لدعاة وعلماء أهل السنَّة في لبنان أن يعلِّموا الناس خطورة الترف والحياة المخمليَّة ، وأنَّه داء يستجلب الأعداء علينا حينما يرى ضعفنا ورخاوة قوتنا ، كما تجدر الإشارة إلى أهميَّة تحريك الشباب للالتحاق بالأعمال الإغاثيَّة ومعاونة الأسر المكلومة بقدر الإمكان، مع ضرورة التقدّم بالشباب الجاد من أهل السنة بعدَّة خطوات إلى الأمام في الوعي والجدية واستبانة سبيل المجرمين والمنافقين .
الوقفة الثالثة: لا بد من الصبر على الحرب ، والثبات على مناكفة أعداء الله الصهاينة، مع التذكير بنقطة في غاية الأهميَّة وهي الثبات على الأرض وعدم المهاجرة منها بقدر الإمكان، والاستفادة من تجربة الفلسطينيين، حيث أيقنوا بأهمية ذلك وعدم الرحيل من بلادهم ولو كان الثمن غالياً، بل إننا نرى كثيراً من أهل فلسطين يرحل إليها مستقراً بعد أن عاش فترة خارج أراضيها، لينالوا أجر الرباط والصبر والمصابرة ، إرغاماً لأعداء الله ، ويا له من فضل وأجر كبير، فقد قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ : ((رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه))[3].(2/151)
الوقفة الرابعة: على أهل السنَّة والجماعة أن يستثمروا الوقت الراهن فهو وقتهم المناسب جداً (أفراداً ودعاة ومؤسسات وجمعيات إسلامية) لاتخاذ خطوات جادّة تعمل على النهوض بحال أهل السنة بلبنان دعوة وعلماً وتوعية وإعداداً لهم . ونحن نقول لدعاة أهل السنَّة في لبنان : إنَّ هذا اليوم يومكم، ولعلَّ الله ـ تعالى ـ يجعل هذه الحرب في صالحكم بعودة الناس إلى دينهم ، ورجوعهم لكنف ربِّهم ، ولكنَّ هذا يحتاج من إخواننا الدعاة من أهل السنَّة في لبنان إلى حسن التنظيم والتخطيط، وقوَّة الحجَّة ، والرفق واللين ، مع الصبر والمصابرة ، وكما قيل
والعزُّ على صهواتِ المجد مركبُهُ *** والمجدُ يُنتجه الإسراءُ والسهرُ
الوقفة الخامسة: دور المسلمين في لبنان أن يؤكِّدوا على أهميِّة الوحدة والاتحاد بينهم ، وألاَّ تفرقهم النزاعات والخصومات ، وتكون وحدتهم على كتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومنهج الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - والمتمثِّل بمنهج أهل السنَّة والجماعة ، وهذا يعني متمسكون بسنة نبيهم نابذين للبدعة والمبتدعة ، وأهل الجماعة أي متكاتفين متعاونين على هذا المنهج .
الوقفة السادسة: العمل في هذه المرحلة على إزالة الغبش الذي طرأ على عقيدة المسلمين خصوصاً فيما يتعلّق بمفهوم الولاء والبراء ، والحبّ في الله والبغض في الله ، ومن ذلك خطر التأثّر لكثير من أبناء المسلمين بحزب الله ، فلابدَّ أن يكون للدعاة دور في التوعية بخطر الرافضة، والتنبيه لحقيقة الطائفة التي ينتسب إليها حزب الله ، فعلماء أهل السنَّة والجماعة أطبقوا على أنَّ هذه الطائفة لديها انحرافات عقديَّة خطيرة ، ومنها شركهم بالله واستغاثتهم بغيره، و بغضهم لصحابة رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ، ورمي عائشة ـ رضي الله عنها ـ بالزنى والإفك، وفيهم من يرى أن القرآن محرَّف ؛ إلى غير ذلك من العقائد الباطلة التي يعتقدها الشيعة .(2/152)
وكم كان الكثير من أبناء أهل السنَّة والجماعة منخدعين بعنتريات مقتدى الصدر في العراق قبل سنة ونصف في قتاله للأمريكان ، ولكن خفتت هذه العنتريات ، وبان الوجه الحقيقي له ، وانكشف القناع عما يبديه هذا الرجل من حقد طائفي على أهل السنة في العراق ، وتحويل أجندة جيشه من قتال أعداء الله الأمريكان، إلى توجيه سلاحهم لصدور أهل السنَّة والجماعة، وما الجيش الذي سمَّاه بـ (جيش المهدي) في العراق لمقاتلة أهل السنَّة وإخراجهم من بلدانهم ومدنهم التي عاشوا بها ردحاً من الزمن ، إلاَّ دليل على أنَّ الرافضة لا يؤمَن جانبهم ، ولا يوثق بهم ، وقد يحتقر كثير من عوام المسلمين هذا الكلام ، وذلك لأنَّ العواطف في هذه الأيام سيدة الموقف، ولكنَّ الأيام بيننا وبين من انخدع وأمَّل على حزب الله وحركة أمل ، وظنَّ أنهما قامتا بذلك نصرة للفلسطينيين ، والتاريخ يشهد ، والأيام قادمة ، وسيعلم الناس كيف أنَّ علماء ودعاة أهل السَّنة والجماعة الربانيين كانوا صادقين في التحذير من خطر حركة حزب الله خصوصاً والرافضة عموماً.
وهنا تساؤل يفرض نفسه : قد يقول بعض الإخوة الدعاة : نحن لا نختلف معكم بأنَّ حزب الله حزب رافضي، ولكنَّنا لا نريد أن نزيد الخناجر خنجراً في ظهورهم ، وهم يقفون ضدَّ الصهاينة وحدهم في لبنان ، ولهذا فلا داعي لإثارة التحذير منهم في هذا الوقت بخاصَّة.
والجواب عن ذلك : لقد أخذ الله على أهل العلم بأن يقولوا الحق ولا يخافوا في الله لومة لائم، كما (أنَّ أهل السنَّة والجماعة يقولون ما لهم وما عليهم) كما يقول الإمام عبد الرحمن بن مهدي ـ رحمه الله.
ولهذا فإنَّنا نقول: لقد فتَّ في عضدنا أن نجد مواقف مستغربة لكثير من صانعي القرار في بلداننا الإسلاميَّة والتي يلمس فيها بوضوح الخنوع والرضوخ، بل قد تكون هذه المواقف مساعدة للصهاينة في زيادة الهجمة الشرسة على أهل لبنان !!(2/153)
كما أنَّنا نستغرب سر هذا الانبطاح لحزب الله، وكأنَّ أمينه العام حسن نصر الله ، هو الرجل الذي لا يقف أحداً غيره ضدَّ الصهاينة .
بل صارت كثير من وكالات الأنباء العالميَّة ترصد الهجمات وعمليات الصد والرد لحزب الله أكثر، ممَّا يذيقه الأعداء الصهاينة لإخواننا في فلسطين من مرَّ البلاء ، وهو ما أدَّى بحكومة حماس الإسلاميَّة بأن تستغرب هذا الموقف الذي أقبل كثيراً على حرب لبنان ، وترك المتابعة لقضيَّة أهل فلسطين ولم تتحدَّث كثير من وسائل الإعلام العربيَّة عنها إلاَّ بالنزر اليسير !
إنَّ الموقف الصحيح هو عدم تأييد الهجمة الشرسة التي تمسّ إخواننا المسلمين في لبنان ، وفي الوقت نفسه عدم الرفع لمكانة حزب الله ، وإعطائهم هالة إعلاميَّة ضخمة، أو أن نؤمِّل ونراهن عليهم كحزب يعمل لمصلحة وصالح الفلسطينيين خصوصاً والمسلمين عموماً، فإنَّ لهذا الحزب أجندة خاصَّة يتحرك من خلالها، وله خطط من ورائها سيعلمها كثير ممَّن يجهلها من أهل السنَّة اليوم !
ولو كان حزب الله يقصد بهذه العمليَّة نصرة أهل فلسطين، والتخفيف عنهم من بطش الصهاينة كما يزعم بعضهم .
فإنَّنا نطلق عدَّة تساؤلات نتمنَّى أن يجيب عنها قادة هذا الحزب :
* ما موقف حزب الله من السيستاني ومقتدى الصدر وقوَّات فيلق بدر الذين يسومون أهل السنَّة والجماعة في العراق سوم العذاب ، وما دورهم في وقف نزيف الدماء الذي يجري من عمليات القتل والغدر التي تقوم بها الطوائف الشيعيَّة ضدَّ الفلسطينيين في بلاد الرافدين ؟
* لماذا لا يسمح حزب الله بأن يدخل من يريد قتال اليهود ولو خفية لنصرة أهل فلسطين عبر الشريط الحدودي لفلسطين الذي يشرف عليه في الجنوب اللبناني ؟ إن كانوا يدَّعون بغضهم وكراهيتهم للصهاينة، وحبِّهم لأهل فلسطين !(2/154)
* ما رأي حزب الله بحليفه الذي تضامن معه المتمثِّل في حركة أمل، والمتَّهمة بالإشراف على عمليات القتل التي قامت بها ضد أهل السنَّة الفلسطينيين في لبنان ؟
* ما جواب الأمين العام لحزب الله عن الثناء الذي أطلقه على مواقف المراجع الشيعيَّة في العراق من الحرب الأمريكيَّة وقد كانت مواقف متخاذلة شهدها الجميع .
ومع ذلك فإني أتمنَّى اليوم العاجل الذي نرى فيه هزيمة دولة اليهود ، سائلاً المولى ـ عزَّ وجلَّ ـ أن يجعل ما وراء هذه الحرب لأهل السنَّة والجماعة الخير كلَّه ، وألاَّ ينقلب عليهم من صفَّقوا لهم ويقلبوا لهم ظهر المجن، حيث مارسوا الذكاء السياسي في صناعة الألفاظ المضلِّلة، وعملوا تحت مظلَّة التقيَّة التي هي دين القوم ودين آبائهم، بل هي تسعة أعشار دينهم كما نصَّ على ذلك علماؤهم في مدوَّناتهم كالكافي ومن لا يحضره الفقيه وغيرهما من كتبهم !
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
________________
[1] أخرجه مسلم في صحيحه .
[2] متفق عليه .
[3] رواه مسلم .
******************
بيان حول أحداث لبنان لسماحة الشيخ / عبد الله بن جبرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ السائل ....حفظه الله
وردنا سؤالكم التالي :-
(15294)
سؤال : نشر أحد مواقع الانترنت فتوى منسوبة إليكم تتعلق بحزب الله اللبناني، فهل تصح نسبة هذه الفتوى لكم ؟
الجواب : الحمد لله، والصلاة والسلام وعلى رسول الله ، محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ...
فهذه الفتوى صدرت منا في تاريخ 7 / 2 / 1423هـ . والواجب على الذين نشروها أن يبينوا ما تتعلق به وأن يتثبتوا فيها قبل نشرها، وأن يردوها إلى من صدرت منه حتى يبين حكمها ويبين مناسبتها، وهي لا تتعلق بما يسمى حزب الله فقط ، فنحن نقول : إن حزب الله هم المفلحون، وهم الذين قال الله فيهم : ((أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (المجادلة: 22).(2/155)
وأما الرافضة في كل مكان فهم ليسوا من حزب الله ، وذلك لأنهم يكفرون أهل السنة ويكفرون الصحابة الذين نقلوا لنا الإسلام ونقلوا لنا القرآن، وكذلك يطعنون في القرآن ويدعون أنه محرف، وأنه منقوص منه أكثر من ثلثيه، وذلك لما لم يجدوا فيه شيئا يتعلق بأهل البيت، كذلك هم يشركون بدعاء أئمتهم الذين هم الأئمة الإثني عشر.
هذا هو مضمون تلك الفتوى، وإذا وجد حزب لله تعالى ينصرون الله، وينصرون الإسلام في لبنان وغيرها من البلاد الإسلامية، فإننا نحبهم ونشجعهم وندعوا لهم بالثبات.
وحيث أن الموضوع الآن هو موضوع فتنة وحرب بين اليهود وبين من يسمون حزب الله، واكتوى بنارها المستضعفون ممن لا حول ولا قوة، فنقول لا شك أن هذه الفتنة التي قام بها اليهود وحاربوا المسلمين في فلسطين، وحاربوا أهل لبنان، أنها فتنة شيطانية، وأن الذين قاموا بها وهم اليهود، يريدون بذلك القضاء على الإسلام والمسلمين حتى يستولوا على بلادهم وثرواتهم ، وهذا ما يتمنونه ، ولكن نقول : ((يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ)) (الصف :8).
وندعوا الله تعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم، وأن يبدلهم بعد الخوف أمنا، وبعد الذل عزا، وبعد الفقر غنا، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يرد كلمة اليهود والنصارى والرافضة وسائر المخالفين الذين يهاجمون المسلمين في لبنان وفلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وسائر البلدان الإسلامية، وأن يقمعهم ويبطل كيد أعداء الله الطامعين في بلاد المسلمين.
وندعوا الله تعالى للمسلمين أن يردهم الله إلى دينهم الحق وأن يرزقهم التمسك به ويثبتهم على ذلك، حتى يعرفوا الحق وحتى ينصرهم تعالى : ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) (الحج : 40) .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين(2/156)
قاله وأملاه عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
3 7 1427 هـ .
****************
الانتصار للشيخ بن جبرين والرد على السذّج والمخدوعين .
للشيخ حامد بن عبدالله العلي
( إنّ المرجعية الدينية هناك ـ في إيران ـ تشكل الغطاء الديني ، والشرعي ، لكفاحنا ونضالنا ) حسن نصر ـ مجلة المقاومة .العدد 27 ص 15ـ 16
(نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران ) إبراهيم الأمين ، الناطق باسم حزب حسن نصر ، صحيفة النهار 5/3/1987
(فلم تكن الحرب بضواحي البصرة وعلى ساحل شط العرب ، إلاّ مقدمة حروب كثيرة ، أوكلت إليها القيادات الخمينية الشابة ، التمهيد لفَرَج المهدي صاحب الزمان ، من غيبته الكبرى، ولبسطه راية العدل ، على الأرض كلها، وتوريثه ملك الأرض للمستضعفين ) دولة حزب الله ص 231
ليس حزب حسن نصر سوى أحد صور المؤامرة الخمينية على العالم الإسلامي ، ما انبغي له ، وما أستطاع أن يكون غير هذا
أما لبنان فقد وجدت فيه إيران ، هدفا مهّما واستراتيجيا ، لتحويله إلى أحد توابعها ، وتسخير أرضه لمؤامراتها ، مستفيدة من الوجود الشيعي في الجنوب ، هذا الوجود الذي بدأ الصفويون بتجنيده ، واستمر توظيفه لسياسة لأطماع الأنظمة المتعاقبة على إيران ، إلى أن حولته الثورة الخمينية إلى جيش تابع لدولة داخل دولة .
ومعلوم أنّ لبنان موزَّع بين طوائف متعدِّدة ، جعلت من الدولة فيه مجرد غطاء شكلي، لكيان هو أخصب أرض للتدخَّلات الخارجية ، ففي ضاحية بيروت الجنوبية وبعض مناطق البقاع والهرمل ، دولة حزب حسن نصر ، وفي ضواح أخرى من بيروت، وجزء من جنوب لبنان ، دولة قوات أمل ، وفي الجبل سيطرة جزئية للقوات اللبنانية المارونية ، ودولة الدروز في الشوف ، وشمالا قوّات المردة المارونية ، وهكذا تتشكل بقية الخارطة السياسية فيه .(2/157)
ولهذا وجدت الثورة الخمينيّة ، ما قد أسسّه الشاه البهلوي من قبلها في جنوب لبنان من امتداد سياسي ، عندما دعم الشاه حركة موسى الصدر في لبنان ـ كما دعم حركة الدعوة التي أسسها محمد باقر الصدر في العراق ، وقد ذكر شهبور بختيار أن الشاه كان يحلم بتوسيع سيطرة إيران لتهيمن على العراق ولبنان ـ وجدت أرضا خصبة لإقامة نظام خميني آخر فيها .
(النظام اللبناني غير شرعي ومجرم" و "من الضروري تسلُّم المسلمين الحكم في لبنان كونهم يشكلون أكثرية الشعب ) دولة حزب الله ص 342
ونذكر فيما يلي السياق السياسي والتاريخي لحزب حسن نصر ، لنرى الصورة الكبيرة التي يجهلها السذج ، والمغفلون ، والمخدوعون بهذا الحزب :
1ـ قيام الدولة الصفوية ـ أوائل القرن السادس عشر الميلادي ـ التي اضطهدت السنة في إيران ، وتآمرت على دولة الخلافة ، وفرضت المذهب الرافضي ، فقدم إليها مراجع الشيعة ، من لبنان ،والعراق ، والبحرين وغيرها ، وألبست الأطماع التوسعية الساسانية العنصرية لباس دين الرافضة .
2ـ انتقال الفكر الرافضي السياسي من طور الغيبة والانتظار حيث تحرم الثورة ، والإمامة ، وإقامة الدولة قبل ظهور المهدي : ( كل راية تُرفع قبل راية المهدي فصاحبها ، طاغوت يُعبد من دون الله) .. و (كل بيعة قبل ظهور القائم فإنها بيعة كفر ونفاق وخديعة) .. (واللهِ لا يخرج أحدٌ منا قبل خروج القائم، إلاّ كان مثله ،كمثل فرخ طار من وكره ، قبل أن يستوي جناحاه ، فأخذه الصبيان فعبثوا به) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي الشيعي، ص 271 ـ 272(2/158)
إلى طور ولاية الفقيه ، التي تعني أن يتولّى الفقيه النيابة عن الغائب ، فيقيم الدولة ، والثورة : ( إن الفقهاء "هم الحجة على الناس كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم حجة عليهم، وكل من يتخلف عن طاعتهم فإن الله يؤاخذه ويحاسبه على ذلك، وعلى كلٍ فقد فوَّض الله إليهم جميع ما فوض إلى "الأنبياء" وائتمنهم على ما ائتمنوا عليه ) الحكومة الإسلامية للخميني ص 80
3ـ انتهاج نهج تصدير الثورة : ( وإذا غدا استمرار الثورة ،ودوامها ، من بعد حدوثها ، إنجاز الثورة الأعظم أوجب تجديد الإعجاز كلّ يوم، والقيام بالثورة من غير انقطاع ولا تلكؤ، ولا يُرتب تجديد الإعجاز حين تتصل الثورة الإسلامية الخمينية ، بين كربلاء ، وبين ظهور المهدي، إلا إظهار الدلائل على قيام الثورة، وحفظ معناها، والحؤول بين هذا المعنى وبين الاضمحلال والضعف ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بالإقامة على الحرب وفي الحرب، وينبغي لهذه الحرب أن تكون الحرب الأخيرة، ولو طالت قروناً؛ لأنهّا تؤذن بتجديد العالم كلّه، وبطيِّ صفحة الزمان ) كتاب دولة حزب الله ص276
5 ـ الترويج بأنّ ثورة الخميني تمهّد لمهديهم ، وأنّ مهديهم سينجح فيما فشل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ـ تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا ـ
(الأنبياء جميعاً جاؤوا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم لكنهم لم ينجحوا ... وحتى النبي عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية وتنفيذ العدالة لم ينجح في ذلك في عهده ... وأن الشخص الذي سينجح في ذلك ويرسي قواعد العدالة في أنحاء العالم ويقوم الانحرافات هو الإمام المهدي المنتظر ...) !! من خطبة الخميني في عيد المهدي عام 1400هـ .
(نقل موقع "انتخاب" الإيراني، أنّه في اجتماع أخير للوزراء الإيرانيين، وبناء على اقتراح من نائب الرئيس برويز داو ودي، وقعّوا ورئيس الجمهورية ، على ميثاق بينهم وبين المهدي المنتظر!!(2/159)
ولأنّ أيّ اتفاقية لا بد من أن تحمل توقيع الطرفين، اتفق الجميع على أن يحمل وزير الثقافة الإسلامية صفار هارندي الرسالة ، ويذهب ، ويرميها في بئر في جامكاران القريبة من قم، حيث يلقي الحجاج طلباتهم كل يوم أربعاء.
ويقول مراقبون إيرانيون إن مثل هذا التفكير في ازدياد ، منذ مجيء احمدي نجاد، وأن الأشخاص المتطرفين حوله ، يقنعونه "بأن هناك مؤشرات إلى قرب ظهور المهدي، إلى درجة إقناعه بأن المسألة النووية الإيرانية مرتبطة بشكل مباشر مع ظهور إمام الزمان".
وحسب مصدر على إطلاع عما يجري، فإن هؤلاء الأشخاص في الاجتماعات المغلقة ، والعلنية، يصرون على ضرورة أن تتخذ الحكومة الإيرانية موقفاً صلباً ضد الضغوط الدولية، للحصول على حقها في التكنولوجيا النووية، "لأن هذه المسألة هي واحدة من الوسائل التي تُهيئ لظهور المهدي وأثناء الحملة الانتخابية ، ومن أجل دعم فوز أحمدي نجاد ، كرر آية الله محمد تقي مصباح يزدي وهو من المتشدّدين ، أن المهدي اختار أحمد نجاد وإنّه لواجب ديني انتخابه
) نقلا عن الشرق الأوسط 3/11/2005م
6ـ نشر عقيدة تكفير السنة ، واستحلال دماءهم :
في كتاب الأنوار النعمانية ج 2 ص 307 " وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن علامة النواصب تقديم غير عليّ عليه ، ثم قال " ويؤيد هذا المعنى أن الأئمة عليهم السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله ، مع أن أبا حنيفة لم يكن ممن نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام بل كان له انقطاع إليهم ، وكان يظهر لهم التودد .. ومن هذا يقوى قول السيد المرتضى وابن إدريس قدس الله روحيهما ، وبعض مشايخنا المعاصرين بنجاسة المخالفين ( أي السنة ) كلهم ، نظرا إلى إطلاق الكفر والشرك عليهم في الكتاب والسنة ، فيتناولهم هذا اللفظ حيث يطلق ، ولأنك قد تحققت أن أكثرهم نواصب بهذا المعنى .(2/160)
الثاني في جواز قتلهم واستباحة أموالهم ، قد عرفت أن أكثر الأصحاب ذكروا للناصبي ذلك المعنى الخاص في باب الطهارات والنجاسات ، وحكمه عندهم كالكافر الحربي في أكثر الأحكام ) .
7ـ البدء بطور التنفيذ المسلّح ، لتصدير الثورة واستحلال دماء المسلمين ، وخوض حرب الخليج الأولى ، وعمليات التخريب وتصدير الفتن الواسعة في البلاد المجاورة لاسيما في فترة الثمانينات الميلادية ، وقد شرحنا ذلك كلّه في مقال سابق ذكرنا فيه الأحداث مفصلة بتواريخها .
8ـ تراجع الثورة الخمينية أمام ردة الفعل الإسلامية ، وانشغالها بالأعداء لطور الدسائس ، والكيد الخفي ، على محورين :
أحدهما : تقوية الأحزاب السريّة التابعة للثورة الخمينية ، وإمدادها بالسلاح ، وتسخير السفارات الإيرانية لدعمها ، وتطوير جاهزيتها للانقضاض في الوقت المناسب ، لتحقيق الحلم الصفوي الخميني التوسّعي .
مع التركيز على تبنّي القضية الفلسطينية ، إذ هي شعار فعّال لحشد التعاطف الإسلامي للثورة الخمينية ، وفروعها في البلاد الإسلامية .
الثاني : استغلال الحملة الصهيوصليبية على الأمّة الإسلامية ، تحت تأثير الأحلام بالمرور تحت عباءتها إلى تحقيق المشروع الصفوي التوسّعي .
9ـ التآمر مع الحملة الصهيوصليبية لاحتلال أفغانستان ، والعراق .
10ـ الإسراع في تكوين دولة خمينيّة في وسط وجنوب العراق ، في ضمن حلف يشكل هلال يمتد من طهران إلى بنت جبيل في جنوب لبنان .
11ـ استغلال غطاء الاحتلال الصهيوصليبي للعراق ، لتهجير أهل السنة من الجنوب والوسط ، بعد إشاعة أعمال القتل والتعذيب فيهم على نطاق واسع .
12ـ الإسراع في تطوير البرنامج النووي الإيراني .
13ـ استغلال الجيش الإيراني في جنوب لبنان ـ حزب حسن نصر ـ في عمل دعائي يفيد الموقف الإيراني ، في الملف النووي .(2/161)
14ـ انقلاب الإحداث إلى هجوم صهيوني كاسح على حزب حسن نصر ، لتدمير بنيته التحتية ، وإنهاء وجوده في الجنوب ، تمهيدا لإلغاء هذه الورقة التي جعلتها الثورة الخمينية ، في سياق الضغوط التي تعزز موقفها في صراعها مع الغرب .
15ـ تسبّب الثورة الخمينيّة ، عن طريق متعهّدها ـ حزب حسن نصر ـ في تدمير لبنان ، وتحويله إلى ساعة صراع ، وقتل المئات من أبناءه ، من أجل أطماعها التي تهدف إلى السيطرة والتوسع لتحقيق أحلام صفويّة ، عنصريّة ، بغيضة .
16ـ تطبيل السذّج ، والمغفّلين ، والملدوغين ألف مرّة من غير أن يتعلموا ، مع صواريخ حزب حسن نصر الإيرانيّة ، متوهّمين أنه يخوض حرب تحرير لفلسطين ، من أجل إرجاعها إلى أمّتنا !!
17ـ انكشاف أن الشيخ بن جبرين ـ حفظه الله ـ يقف على أرض راسخة ، ويتكلَّم بواقعية سياسية ، ذات خلفية عقديّة سليمة ، وليس كمن طاشت عقولهم ، وانساقوا وراء عواطفهم ، مع الصواريخ الخمينية في جنوب لبنان ، فنسوا المنطلق العقدي ، والخلفية التاريخية، والمساق السياسي للأحداث ، في صورتها الكبيرة .
والله الموفق ..
الشيخ حامد بن عبدالله العلي
******************
بداية النهاية للنظام الصفوي العنصري واحتراق احقاده
لم يكن - فيما يبدو - حزب حسن نصر يتوّقع أن يكون التصعيد الصهيوني بالحجم الذي يحدث، عندما أقدم على عملية ظنّها ستكون فائدتها الدعائية أكثر -كالعادة - من أيّ شيء آخر، وكم هو مولع بالدعاية ! لاسيما وهو بحاجة إلى تدعيم موقفه الداخلي في ظلّ الضغوط الداعية إلى نزع سلاحه، والخارجي أيضا بكسب مزيد من التأيّيد الإسلامي، إذ وثاق الحديد الغربي يقترب من عنقه، وكان يتوقّع أنّ انشغال الصهاينة بغزّة، وتداعيات ما يحدث فيها، سيكون الفرصة المناسبة لعمليّته الدعائية ، وأنّ ردة الفعل بعد ذلك ، لن تتجاوز مثل ما جرى عام 2004، حيث تمّ تبادل 400 أسير عربي بأسير يهودي وثلاث جثث.(2/162)
وأيضا لم يكن - فيما يبدو- أنّ النظام العنصري في إيران - وما حزب حسن نصر إلاّ أحد أذرعته - توقع ردّة فعل الصهاينة بهذا الحجم، فقد بات أخشى ما يخشاه الآن أن يتمّ تدمير كلّ ترسانة الأسلحة التي حوّلت حزب حسن نصر إلى جيش إيراني داخل لبنان وعلى حدود الصهاينة، وكان النظام العنصري في (قم) المؤامرات ، يريد أن يحتفظ بهذه الترسانة لما يمسّ أمن النظام القومي مسّا مباشرا، فلهذا الأوان قد أعدّها، لا لأَنْ يدمّر قبل الأوان ، وكذا الشأن مع النظام القمعي العنصري في سوريا، أراد أن يذّكر باستعادة نفوذه في لبنان، بتعزيز موقع حزب حسن نصر، فطمّ هذا الأخير الوادي على القريّ .
كلّهم تفاجأوا بالورطة، والآن ليس أمام النظام العنصري في إيران وحليفه في سوريا إلاّ أن يدخلا في مواجهة ستنتهي بسقوط النظامين، أو يسقطان أيضا لاحقا عندما يذرا حزب حسن نصر يواجه مصيره لوحده، ويغرق لبنان معه في دمار شامل ينفذه كيان صهيوني لا يعبأ بالبشر، فكيف يعبأ بتدمير بلد أكثريته مسلمون ، ويدعمه غرب صليبي حاقد ، لا يرى الناس سوى حشرات توطأ تحت أقدام جيوش استعمارية أباحت لنفسها أن تفعل ما شاءت .(2/163)
وكما أكّدنا سابقا بناءً على استقراء للواقع ، واستصحابا لدروس التاريخ ، ويقينا بسنن الله تعالى التي لا تتبدّل، أنّ المواجهة- سواء كانت هذه بدايتها أو ستأتي - بين العدوّين اللّدودين لأمّتنا اللذيْن تآمرا معا عليها غير مرّة : الصهيوصليبي، والعنصري الصفوي ، أنهّا حتميّة تاريخية ، فإننّا نؤكّد بإذن الله تعالى ، أنّ نهاية المشروع الصفوي مؤكّدة لا محالة ، وأنها ستكون بإذن الله تعالى نهاية إلى الأبد، وسيأتي نظام آخر في إيران، سيحدث بسببه انفراج إلى حين يعلمه الله تعالى، كما سيتغيّر النظام في سوريا، إثر فترة من التقلبات الزلزالية التي ستحمل مزيدا من المفاجآت بما فيها من أحداث دامية غير مسبوقة ، وهي علامات من أشراط الساعة، قُّدر لنا أن نعيش لنراها، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا فيها الثبات، واليقين.
غيرَ أن الغريب المحيّر في الأمر أنّ النظام العنصري في قمّ ، كان أمام خيار يعززه في نظر أمّة الإسلام، ويقدّم له فائدة لا تقدر بثمن ، حتى إنّه يكون سببا في انتشار مذهب التشيّع الذي ينتحله، أنْ لو رفض التآمر مع المشروع الصهيوصليبي في أفغانستان، ثمّ في العراق، فلو أنّه استغلّ هذا الهجوم الصهيوصليبي على أمّتنا، بالوقوف إلى جانبها، بدل أن يعمل خناجر الغدر ـ في ركاب وتحت غطاء الصهاينة الصليبين - ضد أفغانستان ، ثمّ يبثّ أحقاده -بعد فتوى مراجعهِ بتحريم جهاد المحتل الصليبي - سافراً بها في مجازر تشيب لها الولدان في أهل السنة في العراق ، لم يفعل مثلها حتى الصهاينة في إخواننا الفلسطينين، إضافة إلى تورطه القذر في السعي لتقسيم العراق ، والقضاء على عروبته، وإلحاقه بالعنصرية الساسانية، حتى إنهم يدمّرون آثار الخلافة العباسية العظيمة ، ولئن طالت بمشروعهم الخبيث حياة في العراق ، وتمكّنوا منها بلا مقاومة، لأرجعوا إيوان كسرى ، وطمسوا كلّ أثر للإسلام في عراقنا ، عراق أمتّنا المجيدة .(2/164)
لو أنّه وقف إلى جانب أمّتنا في محَنِها، لكان ذلك أدعى إلى تسويق مشروعه العقدي! فما الذي جعله يختار الخيار الأحمق المفضي إلى نهايته ؟!!
لكنّ جواب هذه الحيرة ، أنّ صدورهم المشحونة بالخباثة ، لم تُطق بقاء الحقد دفينا فيها، فانفجرت عند أوّل فرصة تمكنوا فيها من إرهاق دماء المسلمين، فولغوا فيها ولوغ الكلاب الظامئة ، في سكرة أعمتهم عن عواقب جرائمهم ، حتى نبض فيهم عرق أبو لؤلؤة المجوسي، فأخذوا يقتلون كلّ من اسمه عمر في العراق، وأشداقهم تسيل دما بدل اللعاب، ونفوسهم تملأها أحلام الشياطين ، أن يتسللوا إلى عقيدة أمتنا، فيتوغلوا فيها، ثم يفتكون بتاريخنا ، وماضينا ، فتكا لا مثيل له في التاريخ ، بوسائل من أخفى المكر وأخبثه .
وظنّوا أنه يمكنكم بتزييف إعلامي رخيص أن يحرّفوا الحقيقة ، بإلقاء تبعات إبادتهم الجماعبّة لأهل السنة في العراق على المجاهدين ، حتى انكشف الغطاء عن نتن نفوسهم المريضة، فبدت جرائمهم لجميع الناس لائحة ، وانبعثت منها أسوء رائحة .
وذلك كلّه من لطف الله بهذا الدين وأهله، وهاهي سنن الله تعالى في الظالمين، كما يولّي بعضهم بعضا، يسلِّط الظالمين على من أعانهم، وتتقطّع بهم الأسباب، عندما ينزل الله تعالى بهم نقمته، وينتصر لدماء أولياءه.
وكم هم بعيدون عن الهدى، أولئك الذين ظنّوا أنّ أرض فلسطين أغلى من عقيدة الإسلام ، وأنهم يمكنهم أن يضحّوا - مع العقيدة - بدماء المسلمين في مكان آخر قربانا للنظام الصفوي في إيران ، لترجع أرض فلسطين مرفرفة عليها رايات ذلك النظام ، فياللأسى عليهم منذ الآن ، قبل أن نراهم وقد خسروا العقيدة والأرض معا!(2/165)
وكم هي مثيرة للشفقة، تلك الحيرة التي أدهشت أولئك المساكين الذين تارة يصفقون، ويزمّرون، لفصيل من جيش النظام العنصري الإيراني في لبنان - حزب حسن نصر - عندما يلقي الصواريخ على الصهاينة، وتارة يبكون على دماء مسلمي العراق ومنهم الفلسطينيون، الذين هم ضحايا فصيل آخر من جيش النظام العنصري نفسه.
ولم يعلموا أنّ الذي يطلق الصواريخ هناك، هو الذي يغطّي على مذابحه لإقامة مشروعه هنا، وأنّه إخطبوط واحد، قد بنى أعشاشا وضع فيه بيضه في كثيرٍ من بلاد الإسلام، وفرّخت، وأمدّها بسلاحه المفضّل، سلاح الغدر والجبن، سكاكين أبو لؤلؤة المجوسي، لتثب أفراخه في الوقت المناسب، وتنشر الفتن في بلاد الإسلام ولكن هيهات ((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) (الأنفال: 30).
فخداعه لن ينطلي علينا، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وقد سمع الله تعالى نجواهم بين قم ، وطهران، وتل أبيب، وواشنطن، عندما تناجوا بالإثم والعدوان على أمّة الإسلام، وسيقلب الله تعالى عليهم مكرهم الذي أجمعوه، مكرا عليهم فيجتووه، وكل ما كادوا به أمّتنا هم لاقوُه، غير خافٍ عليه ، ولاناسٍ، ولامضيّعٍ ، ربُّنا ربُّ الإسلام ، العزيز ذو إنتقام
******************
حزب الله وقشة الغريق !(2/166)
عندما أعلن استقلال لبنان عام 1943م كان أهل السنة يمثلون الأغلبية الساحقة بين سكانه، يليهم بذلك الموارنة، ثم تأتي بالمرتبة الثالثة الطائفة الدرزية، بمنطقة الشوف، أما الطائفة الشيعية التي تقطن منطقة جبل عامل ذات المساحة الصغيرة بمحاذاة الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، فهي أقل الطوائف اللبنانية وأضعفها على الإطلاق . فهذه التناقضات في التركيبة الاجتماعية اللبنانية أغرت أطرافا خارجية ذات توجهات مختلفة بنقل معاركها الفكرية إلى داخل المجتمع اللبناني، حيث تبنى الفرنسيون طائفة الموارنة لما يربط بينهم من روابط عدة ومن أهمها الرابط العقدي، ولهذا السبب وضع الدستور اللبناني لخدمة هذه الطائفة دون غيرها، حيث كانت لهم رئاسة الدولة بصلاحياتها الواسعة وقيادة الجيش والوزارات السيادية بالحكومة، أما طائفة الدروز ممثلة بالحزب التقدمي الاشتراكي فقد تبناها القوميون العرب واليساريون الموالون للإتحاد السوفيتي، الأمر الذي أدى بزعيمها كمال جنبلاط إلى التربع على هرم قيادة الإتلاف المكون من الدروز والقوميون العرب والفصائل الفلسطينية على اختلاف توجهاتها، والذي تشكل لمقاومة الإتلاف النصراني المدعوم من دولة يهود أثناء حرب لبنان الأهلية، وفي هذا الوقت كانت ثورة الملا لي في إيران على نظام الشاه قد اتضحت معالمها وبدأت تتبلور أفكار الخميني في المجتمع الإيراني، مما جعل المخططين لهذه الثورة يفكرون في إعداد قادة المستقبل الذين سيتولون مقاليد الحكم في إيران بعد سقوط الشاه، ونظرا لقوة أجهزة القمع التابعة للنظام القائم (السافاك) التي يستحيل بوجودها إقامة أي كيان يمثل المعارضة داخل إيران، فكر هؤلاء المخططين في إقامة معسكر تدريب لعناصرهم بالخارج، وكان لبنان هو المكان الخصب الذي يمكنهم تنفيذ مشروعهم على أرضه، وذلك لضعف السلطة المركزية في هذا البلد وعدم قدرتها على فرض النظام على الحركات السياسية التي غالبا ما تستورد(2/167)
أيدلوجياتها من الخارج من ناحية ومن ناحية أخرى لوجود إخوانا لهم في العقيدة يحملون نفس الفكر ويشاركونهم نفس الطموحات، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة إنشاء حركة أمل بزعامة موسى الصدر لبناني الجنسية إيراني الأصل والمولد، وكان الهدف المعلن لهذه الحركة هو طرد المحتلين اليهود من الأرض اللبنانية، الأمر الذي أضاف ميزة أخرى لملا لي الروافض في إيران، فهذه الحركة تتيح لمنسوبيهم التدريب العسكري اللازم من خلال القيام بعمليات قتاليه ضد اليهود وتكسبهم تعاطف الشعوب العربية كونهم يقاتلون العدو اليهودي الذي اغتصب أرضهم ومقدساتهم، ولهذا الغرض تم بعث قادة الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان للانخراط في صفوف حركة أمل، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر علي جنّتي ممثل الخميني ومصطفى شمران وزير الدفاع في عهد الخميني وأحمد الخميني نجل قائد الثورة الإيرانية، فتوالى الدعم الإيراني لهذه الحركة عسكريا وسياسيا حتى أصبحت قوة لا يستهان بها ورقما لا يمكن تجاوزه في لبنان، وعند ما اختفى زعيمها موسى الصدر تولى القيادة من بعده المحامي نبيه بري الموالي لسوريا، ورغم وجود مصالح مشتركة بين النظامين السوري والإيراني في لبنان لم يقبل الفرس بشريك آخر لهم في هذه الحركة التي يعتقدون أنهم هم الذين أوجدها من لا شيء إلى قوة يعتد بها ليس على مستوى المنطقة فحسب بل على مستوى العالم، ومن هنا أوعزوا لرجالهم داخل الحركة من أمثال عباس الموسوي وحسن نصر الله وصبحي الطفيلي بالانشقاق عن حركة أمل وتشكيل حزب جديد موال لإيران قلبا وقالبا، وتشكل على إثر ذلك حزب الله بزعامة عباس الموسوي الذي خلفه بعد مقتله الزعيم الحالي حسن نصر الله، ومن ذلك التاريخ بقي حزب الله ذراع إيران الطويلة الممتدة لساحل البحر الأبيض المتوسط الشرقي ذو الموقع الإستراتيجي، الذي تستطيع بواسطته تحريك أحجار الشطرنج لما فيه مصلحة أللاّعب الفارسي، قد يتبادر إلى ذهن البعض أن حزب(2/168)
الله يحارب معركة إيران وحدها دون أن يأخذ باعتباره مصالح الشعب اللبناني أو أن إيران تستطيع أن تصدر أوامرها لهذا الحزب بالقيام بعملية ما تفقده تأييد الجماهير العربية والإسلامية ولكن الواقع غير ذلك تماما، فلو نظرنا إلى عملية حزب الله الأخيرة لوجدنا أنها تخدم ثلاثة مصالح في آن واحد ـ مصلحة القضية الفلسطينية لا سيما وإسرائيل تحاصر قطاع غزة والعالم كله ضد الحكومة الفلسطينية الممثلة بحركة حماس ـ مصلحة الأسرى اللبنانيين ولذلك أسقط بيد مجموعة ما يسمى ب 14أذار التي كانت تطالب بالأمس القريب بنزع سلاح حزب الله فهاهي اليوم ممثلة برئيس الحكومة فؤاد السنيورة تطالب بما يطالب به حزب الله كوقف العدوان دون شروط مسبقة وتبادل الجنود الصهاينة بالأسرى اللبنانيين والانسحاب من مزارع شبعا وتسليم لبنان خارطة الألغام التي زرعها الصهاينة بالأرض اللبنانية، وهذا الموقف يعيه الأمريكان واليهود جيدا فالوزيرة رايس لم تأت للبنان إلا لمقابلة نبيه بري الذي يمثل زعيم حزب الله، وما مقابلتها لرئيس الوزراء إلا من باب المجاملة ـ وأخيرا ملف المفاعل النووي الإيراني الذي كان على وشك إحالته لمجلس الأمن قبل أسر الجنود الصهاينة، ثم صرفت عنه أنظار الأمريكان وحلفائهم بأمل أن تضغط إيران على حزب الله لإطلاق الأسرى الصهاينة .(2/169)
وهذا الذي جعل حسن نصرالله يتوجه بخطابه إلى الشعوب العربية والإسلامية متجاوزا الحكومات قائلا إننا نحارب معركتكم فانظروا ما ذا أنتم فاعلون؟ فوجد من التعاطف من أبناء السنة ما فاق توقعات المراقبين، ليس تجاوزا للخلاف العقدي الذي تمتد جذوره إلى خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن نتيجة للإحباط الذي تعيشه الأمة منذ سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا قبل تسعين سنة فمن ذلك التاريخ والجماهير الإسلامية تلعق مرارة الهزيمة فلا زال العدو يثخن في جسمها المريض الضربات الموجعة دون أن يواجه بأي مقامة يعتد بها، فالتيار السني الذي كان يقود عمليات المقاومة على مدى ثلاثة عشر قرنا من عمر الأمة غيّب عن المعركة تماما فبقيت جماهير الأمة كالغريق الذي يتشبث بالقشة أملا بأن تنقذه من الغرق، فقبل نصف قرن تقريبا كان دعاة القومية العربية يرفعون شعارات مشابهة للشعارات التي يرفعها الرافضة في عصرنا الحاضر، ـ أذكر منها على سبيل المثال ـ لا صوت يعلو على صوت المعركة وفلسطين عربية من النهر إلى البحر وغيرها من الشعارات الجوفاء التي لا تمت للواقع بصلة، وبرغم قناعة الناس بفساد المنهج الإلحادي الذي ينتهجه زعماء القومية العربية في ذلك الوقت، إلا أن شعاراتهم نفذت إلى عواطف الجماهير بقوة، فبقي الناس يهتفون بحياة هؤلاء الزعماء معتبرين أنهم هم الذين سيرفعون الأمة من كبوتها ويوقظونها من غفوتها ويقودونها إلى نصر مؤزر يعيد لها أمجادها التي لم تعشها أجيالها المتأخرة، فما أشبه الليلة بالبارحة فهاهي جماهير الأمة تهتف بحياة زعماء الرافضة من أمثال علي خامنئي وأحمدي نجاد وحسن نصر الله، رغم قناعة هذه الجماهير بفساد عقيدة هؤلاء .(2/170)
كان ابن تيمية رحمه الله عند ما تكلم عن الرافضة وقال عنهم مقولته الشهيرة (أنهم شر من وطئت أقدامهم الحصى) كان وقتها يقود العمليات الجهادية بنفسه، فشتان ما بين من يقود الجهاد بسلاحي السنان والبيان ومن هو قابع في برجه العاجي بعيدا عن معاناة الناس بفكره وبدنه ويرغب إلى أمة مكلومة تنزف جراحها يوميا وتبث الفضائيات صور أشلاء أطفالها الممزقة وصرخات نساءها الثكالى أن تأخذ بكلامه وإن كان صائبا ضد هؤلاء الذين رفعوا شعار مقاومة عدوها، حتى وإن كان حالهم يخالف مقالهم .
كان بإمكان قيادات المنهج السلفي بالدول المعنية بقضايا المنطقة بما يملكون من إمكانيات بشرية ومادية هائلة أن ينشئوا حركة مسلحة من أهل السنة في لبنان لا تقارن بالحركة الشيعية عددا وعدة، وبذلك يقطعوا الطريق على من يريد أن يتاجر بقضاياهم ويفرض عليهم معاركا لم يخططوا لها من قبل، فالراية راية أهل السنة والمعركة معركتهم فلا يجوز أن يتنازلوا عنها لغيرهم .
***********
الأحداث الأخيرة وطغيان العاطفة!!(2/171)
كنت في حوار مع أحد المهندسين (!) فكان يثني على طائفة معروفة بالانحراف العقدي والحقد على أهل السنّة تديّناً، فلمّا نبّهته إلى ذلك، قال لي: لندع أمر العقيدة جانباً، ولننظر إلى ما تحقّق على أرض الواقع (!!!) قلت له: وما الذي تحقّق على أرض الواقع، هل هي الخيانة، أم قتل أهل السنّة وتشريدهم، واستباحة دمائهم وأموالهم، بل ومساجدهم كما في العراق وغيره؟!!.. ثمّ ضربت له مثلاً من صميم تخصّصه، فقلت له: لو جاءك شخص ما بمخطّط لبناء في غاية التنظيم والترتيب، والجمال في واجهاته، لكنّ أساسه في غاية الضعف والتهالك، فهل تقبله، أم تقول: لندع أمر الأساس جانباً، ولننظر إلى ما ارتفع من المبنى على أرض الواقع ؟، فتحيّر، ولم يجبني إجابة مقنعة، ثمّ في نهاية الحوار خلصنا إلى أنّ الاستفادة من تجارب الآخرين أمر مطلوب لا جدال فيه، ولكن دون أن نتخلّى عن عقيدتنا، أو أن نقلّل من شأن العقائد بشكل عامّ، وتأثيرها في مجريات الأحداث سلباً وإيجاباً.
لقد كشفت الأحداث الأخيرة عن خلل واضح في تفكير الكثيرين، وغلبة العاطفة عليهم، والانقياد وراء كلّ ناعق، حتّى وإن كان يضمر لنا العداء (!!!)، وسبب ذلك - في نظري - أمور، من أهمّها: ضعف العلم الشرعيّ لدى الكثيرين، وعلى وجه الخصوص: العلم بعقيدة أهل السنّة والجماعة، وفي المقابل: العلم بالعقائد المخالفة لها، فمن لم يعرف الشرّ يوشك أن يقع فيه كما قال الفاروق - رضي الله عنه -.(2/172)
ومن الأسباب: التلقّي من مصادر ملوّثة فكرياً وعقدياً، تدسّ السمّ في العسل، وتظهر الباطل في صورة الحقّ، وتمارس التقية في أقبح صورها، لا سيّما مع الانفتاح الفضائيّ المحموم، وهذا الأمر إذا انضمّ إلى الأمر الأوّل كان في غاية الخطورة، وإذا كان كلّ شخص في غذائه لبدنه يحرص على تجنّب الأطعمة الملوّثة أو التي تسقى بماء ملوّث؛ فإنّ محافظة المسلم على صفاء عقله وفكره وسلامتهما أولى، فلا بدّ من التلقّي من مصادر نظيفة، لم تتلوّث بالأفكار العفنة، والعقائد المنحرفة، والتوجّهات المشبوهة، وإذا كان ولا بدّ من بعضها لقلّة المصادر النظيفة، فمع الحذر الشديد، والتحصّن بالحدّ الأدنى من العلم الشرعيّ، وعدم التسليم بكلّ ما يقال ويُعرض، مع اللجوء إلى من يوثق به من أهل العلم لإزالة ما قد يعلق من شبهات وشكوك.
وإذا كانت المرأة - بسبب تركيبها الجسدي والنفسي - تنقاد وراء عاطفتها، وهذه صفة كمال فيها للقيام بما خُلقت له من واجب الأمومة والبعولة؛ فإنّ الرجل مطلوب منه أن يحكّم عقله: العقل المنضبط بالشرع والاعتقاد الصحيح، لا العقل المنفلت الذي لا خطام له ولا زمام، والذي لا يقل خطراً عن الانسياق وراء العاطفة الجوفاء، وخير الأمور الوسط كما هو منهج أهل الحقّ.
والله وليّ التوفيق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
**************
اليهود والرافضة وجهان لعملة واحدة !
من العبث الخطير، والخلط المثير اعتبار المواجهات المسلحة بين ((حزب الشيطان)) واليهود حرباً بين مسلمين وكفار، أو التسوية بين ضحايا الجانبين من جهة، والضحايا الأبرياء في لبنان من جهة ثانية !!
ولقد لبّس الإعلام والمتعالمون من (المتمشيخيين) على الناس حقيقة ما يجري في لبنان وانطلقوا جميعاً في تصوير الحرب الدائرة على أنها حرب مقدسة لاستئصال شأفة اليهود وتحرير الأقصى من براثن أحفاد القردة والخنازير وقتلة الأنبياء !؟
وللحق والحقيقة والتاريخ وإبراءً للذمة نقول :(2/173)
أولاً: أما اليهود فهم ألدُّ أعداء الله ورسله، وأشد الناس عداوة للذين آمنوا لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة، ولا يرعون حقا، ولا يوفون عهداً ، فتاريخهم مليء بالإجرام والخيانات وأيديهم ملطخة بدماء الأنبياء فضلاً عن عامة المسلمين .
((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ)) ( المائدة : 82) .
((وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ )) (آل عمران:112).
فما أسعد قلوبنا حين تُسفك دماؤهم، وتستباح خضراؤهم، ويمرغ كبرياؤهم !!
ثانياً: أما حزب الشيطان الرافضي الخبيث فلا يقل كفراً وخبثاً وإجراماً فهم رؤوس النفاق ، وبذور الشقاق؛ وشذاذ الآفاق، شر من وطئ الحصى، وأكفر من عُرف في الورى!
شيعة حاقدون، ومجوس فتانون، وتاريخهم مزدحم بمئات الحوادث الدامية ضد أهل السنة والجماعة بدءً من قتلهم الفاروق عمر -رضي الله عنه- على يد المجوسي الهالك أبي لؤلؤة، ومروراً بقتل عثمان وعلى رضي الله عنهما الذين كانوا ضحايا المكر المجوسي اليهودي الخارجي في آن واحد !!
وهو وإن اتخذ غطاءات شتى، ومناهج فكرية عدة إلّا أنها تؤول في النهاية إلى العداء المستحكم ضد السنة وأهلها .
والرافضة الخبثاء الذين يمثلهم في لبنان (( حزب الشيطان )) بقيادة (( حسن )) لا نصره الله أحقد الناس على الإسلام وأهله، وهم بذرة الفتن في لبنان منذ عقود عديدة، وربما كانوا الشرارة الأولى التي أوقدت الحرب الأهلية والتي دامت خمسة عشر عاماً حتى أكلت الأخضر واليابس !(2/174)
ثالثاً: يخطئ من يظن أنَّ الصراع الدائر في لبنان هو بين مسلمين وكفار، بعد أن ثبت لكل عالم منصف كفر الرافضة ونفاقهم الذي لا يقلل من خطره وظهوره إلا من ابتلي بموت البصيرة، وقلة الفهم، وكثرة الجهل، وطغيان الرأي والعقل على الشرع والوحي !
فمن ذا الذي يعلم كفر الرافضة بالقرآن والسنة، وسبهم الصحابة وتكفيرهم، ولعنهم أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة، وإدعائهم عصمة أوليائهم، وإشراكهم في كل أنواع التوحيد الثلاثة، كما هو مدون في كتبهم ثم يتردد في تكفيرهم والحكم بنفاقهم !
فما الحرب إذاً إلا صراع كفرة ومشركين جرياً وراء مصالح ومكاسب دنيوية كما حدث إبان الحرب العالمية والتي راح ضحيتها ملايين الكفار من الدول المتناحرة !!
فأطماع ( حزب الشيطان ) في نشر المذهب الرافضي الكافر في أرجاء لبنان، وإقامة شريط رافضي باطني يمتد من إيران مروراً بالعراق ولبنان وانتهاء بسوريا هو مشروع قديم ما فتئ الروافض يسارعون ويسابقون الزمن من أجل تحقيقه، لا حقق الله لهم غاية !
وأطماع اليهود التوسعية وإقامة مملكة (( أورشليم )) هي كذلك أطماع معلنة ويجاهر بها كبار الساسة اليهود منذ عقود مضت !!
رابعاً: يجب التفريق بين قتلى الرافضة واليهود من حملة السلاح والمتحاربين وبين الضحايا المسلمين الذين قصفهم الطيران الإسرائيلي فإنهم إخواننا في الدين والعقيدة ونحزن لمصابهم وندعو لخلاصهم وتفريج كربتهم.
خامساً: وأما الذين أنكروا على فضيلة العلامة عبد الله بن جبرين - حفظه الله - فتواه بتكفير الرافضة وتحريم مساعدتهم فما أحراهم أن يجلسوا بين يدي فضيلته، ويثنوا ركبهم في حلقة تعليمه؛ ليعلمهم عقيدة أهل السنة والجماعة ومنهجهم في التكفير الذي علمهم إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلاً من إطلاق العنان لألسنتهم وأقلامهم للنيل من علم الشيخ مغترين بأثارة من علم حصَّلوها، أو مناصب خادعة تقلدوها !(2/175)
ما أحراهم أن يجلسوا بين يدي سماحته ليشرح لهم العقيدة الواسطية أو الطحاوية، وكتاب التوحيد ولمعة الاعتقاد !
ويُبيّن لهم بعض أصول الرافضة ومعتقداتهم التي يستحي إبليس وفرعون وهامان عن الجهر ببعضها !!
ثم أين هؤلاء العاطفيون (أصحاب القلوب الشفيقة) عن فتاوى (السيستياني) وأشباهه من المجرمين الذين حرموا مقاتلة الصليبيين الغاصبين في العراق وأمروا فيلق الغدر المُسمى (بفيلق بدر) من قتل السُنّة في العراق وترحيلهم من الجنوب والعاصمة إلى العراء!
وأين هؤلاء عن نصرة مجاهدي العراق في حربهم ضد فلول الكفر وصناديد العالم ولو بشق كلمة !!
اللهم إنا نشكو إليك عجز الثقات وجلد أهل الشقاق والنفاق !!
******************
احذروا ( حسن نصر الله ) وشيعته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيقول الله عز وجل: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (الأنعام: 153) .
ويقول تبارك وتعالى: ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً )) (النساء : 115) . وحذر سبحانه من كتمان الحق ولبسه بالباطل لتضليل الناس فقال عز وجل: ((وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) (البقرة : 42 ) .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله)) [1](2/176)
وقال أيضاً: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدَّق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة ؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)) [2]
وهذه الآيات والأحاديث من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى تعليق.
والآيات والأحاديث الواردة في وجوب التمسك بما في كتاب الله عز وجل والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفهم الصحابة رضي الله عنهم كثيرة ومتنوعة، تارةً بالأمر بالتمسك بهما والانطلاق منهما في الولاء والبراء والمواقف والموازين، وتارة بالتحذير من إتباع ما سواهما من آراء الرجال وأهل الأهواء والشبهات في الولاء والبراء والمواقف والموازين.
وإن ما يجري اليوم من أحداث في بلاد الشام، من قتال بين اليهود ومن يسمون أنفسهم حزب الله أو المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان؛ لهو من الفتن والابتلاءات التي يختبر الله عز وجل فيها عقائد المسلمين ومدى ارتباطهم بموازين الكتاب والسنة وبما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
ولقد سقط في هذه الفتنة فئام كثير من الناس، وغرهم ما يسمعونه أو يرونه من مواجهات عنيفة مع اليهود يتزعمها الرافضي (حسن نصر الله وشيعته) وانخدع بذلك الذين يجهلون أو يتجاهلون حقيقة التوحيد والولاء والبراء في الإسلام وحقيقة عقيدة (حسن نصر الله وشيعته الرافضة) .
ولأن الفتنة بهذا الحزب الرافضي الصفوي شديدة وكبيرة، كان لا بد لكل قادر من أهل العلم أن يتصدى لها ويكشف اللبس عن الأمة ويبين حقيقة القوم وما يدعون له ويهدفون إليه، ورضي الله عن عمر بن الخطاب حين قال: لست بالخَبِّ ولا يخدعني الخب أي: لست بالمخادع ولا يخدعني المخادع، ويعلق ابن القيم رحمه الله تعالى على هذه المقولة فيقول: ( فكان عمر رضي الله عنه أورع من أن يَخدَع، وأعقل من أن يُخدع) ( الروح: 244) .(2/177)
ولكي ندرك خطورة ما يجري في وسائل الإعلام الماكرة من تلبيس وتضليل تجاوز خطره شريحة العوام إلى كثير من المثقفين بل وبعض المتدينين والدعاة؛ نطلع على ما يجري اليوم من قلبٍ للحقائق فيما يتعلق بالجهاد والمجاهدين، حيث نرى من يصف المجاهدين الذين يتصدون للكفرة الغزاة في بلاد الرافدين وأفغانستان والشيشان بأنهم إرهابيون ومفسدون!! بينما يرون القتال في جنوب لبنان بقيادة نصر الله الرافضي مقاومةً مشروعة وجهاداً في سبيل الله تعالى.. سبحانك هذا بهتان عظيم! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق والذي منه: ((إن وراءكم سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين...)) الحديث.
ولكشف ما يجري من تلبيس وفتنة على المسلمين بما يسمى حزب الله وأمينه الرافضي حسن نصر الله أسوق الوقفات التالية:
الوقفة الأولى:
في ضوء الآيات والأحاديث التي سقتها آنفاً، يتبين لنا ضرورة أن يكون مصدر التلقي في الفهم والعقيدة والمواقف وتقويم الأفكار والرجال هو هذا الميزان والقسطاس المستقيم المستقى من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذان من تمسك بهما وجعلهما النور الذي يمشي به في الناس فلن يضل أبداً، ولن تتقاذفه مضلات الفتن ذات اليمين وذات الشمال، وإني لأعجب من قوم معهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة رضي الله عنهم.. كيف يتخلون عن ذلك كله ويستبدلون به العواطف وتلبيس الملبسين وأهواء الرجال؟!..
كالعيسِ في البيداء يقتلها الظما والماءُ فوق ظهورها محمولُ(2/178)
والآن لنزن هذا الرجل المفتون وحزبه المغبون بميزان الكتاب والسنة ميزان التوحيد والشرك وميزان الهدى والضلال، لكي نعرفَ حقيقة هذا الرجل وحزبه.. هل هو على الحق الذي يحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ أم على الباطل الذي يدعو إليه الشيطان وحزبه؟! وبالتالي نعرف حقيقة جهاد هذا الرجل وحزبه وحقيقة عدائه لليهود.. هل هو في سبيل الله تعالى ؟ أم في سبيل الطاغوت ؟! فأقول وبالله التوفيق :
إن الله تعالى إنما أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن الكريم والنور المبين ليعبد الله وحده لا شريك له وعقد على ذلك الولاء والبراء.. الولاء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين الموحدين، والبراءة من الشرك والمشركين، وشرع الدعوة إلى التوحيد والتحذير والبراءة من الشرك، وأقام من أجل ذلك سوق الجهاد في سبيل الله تعالى، حتى لا تكون فتنة ـ أي شرك ـ ويكون الدين لله وحده لا شريك له .
فهل واقع ما يسمى (حزب الله) وأمينه (حسن نصر الله) هو ما دعا إليه القرآن وجاهد من أجله الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام؟!
إن الجواب على هذا السؤال يتطلب معرفة عقيدة هذا الرجل وحزبه وانتمائهم وحقيقة أهدافهم فمن هو حسن نصر الله ؟
ولد حسن نصر الله في 21/ أغسطس /1960 في لبنان.
وسافر إلى النجف في العراق عام 1976 لتحصيل العلم الديني الجعفري، وعين مسؤولاً سياسياً في حركة أمل عند إقليم البقاع، وعضواً في المكتب السياسي عام 1982 ثم ما لبث أن انفصل عن الحركة وانضم إلى حزب الله وعين مسؤولاً عن بيروت عام 1985 ثم عضواً في القيادة المركزية وفي الهيئة التنفيذية للحرب عام 1987 ثم اختير أميناً عاماً على إثر اغتيال الأمين العام السابق عباس الموسوي عام 1992 مكملاً ولاية سلفه، ثم أعيد انتخابه مرتين عام 1993 و 1995 م.
(وردت هذه الترجمة في مقدمة حواره مع مجلة الشاهد السياسي العدد 147 في 3/1/1999 م)[3](2/179)
ومن هذه الترجمة المختصرة للرجل يتبين لنا أنه شيعي رافضي محترق، يدين بالمذهب الإثني عشري الجعفري السائد في إيران، ينصره ويدعو إليه، ولذا اشتهر (بخميني العرب) لأنه يريد إقامة دولة الرفض في بلاد العرب كما أقامها الخميني الهالك في بلاد الفرس، يقول مفتي جبل لبنان السني: (حزب الله بوابة إيران إلى البلدان العربية) .
ويبقى التعريف بالرجل ناقصاً حتى نعرف أصول المذهب الإثني عشري الجعفري الذي يفتخر بالانتماء إليه والجهاد من أجل التبشير به ونشره..
يقوم هذا المذهب على أصول كفرية شركية لم تعد خافية على من له أدنى متابعة لكتب القوم في القديم والحديث، وكذلك من يتابع مواقعهم وما سجل عليهم من الوثائق المسموعة والمرئية في حسينياتهم ومناسباتهم السنوية[4] ومن أخطر أصول هذه النحلة التي ينتمي إليها حسن نصر الله وحزبه ما يلي :
1- اعتقادهم العصمة في أئمتهم الإثني عشر، وغلوهم فيهم حتى عبدوهم من دون الله، وصاروا يحجون إلى قبورهم ويطوفون بها ويستغيثون بمن فيها، ويعتقدون أنهم يعلمون الغيب وأن ذرات الكون خاضعة لتصرفهم كما صرح بذلك الخميني في (الحكومة الإسلامية) .
2- اعتقادهم بتحريف القرآن ونقصانه وأن القرآن الصحيح غائب مع مهديهم المنتظر، وسيخرج مع خروجه وهم اليوم يقرؤون القرآن الذي بين أيدي المسلمين حتى يخرج قرآنهم وذلك بأمر من علمائهم وآياتهم.
وقد يقول قائل : إنهم ينفون ما ينسب إليهم من القول بتحريف القرآن فنقول: إن هذا مثبت في كتبهم والتي هي مرجعياتهم ككتاب (الكافي) للكليني وكتاب الطبرسي (فصل الخطاب) وهما إمامان معتبران عند الرافضة فإذا كانوا ينفون ما ينسب إليهم فليصرحوا ببراءتهم ممن يقول بتحريف القرآن الوارد في هذين الكتابين وغيرهما، وليحكموا بكفر من قال بهذا.. وهذا ما لم ولن يقولوه .!(2/180)
3- سب الصحابة رضي الله عنهم وتكفيرهم وخاصة سادتهم وشيوخهم كأبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما وكذلك زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم الصديقة عائشة رضي الله عنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أنهم يكفرونها ويقذفونها بالزنا.. قاتلهم الله أنى يؤفكون!.
4- توليهم في تاريخهم القديم والحديث لليهود والنصارى ومظاهرتهم لهم على أهل الإسلام، ومساعدة الغزاة لتمهيد الطريق لهم إلى غزو بلاد المسلمين، وما أخبار ابن العلقمي وممالأته للتتار في غزوهم للعرق بخافية على أحد، وكذلك ما قاموا ويقومون به في هذا الزمان من التعاون مع الغزاة الأمريكان في احتلال العراق وأفغانستان، وما زالوا عيوناً للغزاة وحماةً لهم ومظاهرين لهم في قتل أهل السنة وتصفيتهم.
وهذه الأعمال والمعتقدات الآنفة الذكر لم تعد سراً وفي طي الكتمان كما كانوا يخفون من قبل، بل إنها أصبحت مفضوحةً سواء باعترافهم أنفسهم، أو بما حُصل عليه من الوثائق الدامغة التي تدمغ تقيتهم وتبين كذبهم.. هذا واقع الشيعة الرافضة الإثني عشرية التي ينتمي إليها ( حسن نصر الله وحزبه المخذول ) فهل بقي عذر لمن انخدع واغتر بالشعارات الكاذبة التي يرفعها هذا الرجل وحزبه؟! وأنه يدافع عن الأمة! ويقاتل اليهود نيابة عنها! ويضرب عمق الدولة اليهودية! ويجاهد في سبيل الله!!..
إن هذا الرجل بهذه المعتقدات الشركية التآمرية لو تمكن ( لا قدّر الله ) فإنه سيقيم دولة الرفض والتشيع التي تقوم على الشرك الأكبر وسب الصحابة رضي الله عنهم وتكفير أهل السنة وبالتالي استئصالهم وإبادتهم كما هو الحاصل في العراق اليوم : ((كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ )) ( التوبة : 8) .(2/181)
ومع ذلك يوجد في أبناء المسلمين من يثق به ويعول عليه ويتمنى أن ينتصر!.. فمتى نفيق من غفلتنا يا قوم ؟ ومتى يكون ميزاننا في الولاء والبراء والحب والبغض وفي تقويم المواقف والرجال هو كتاب ربنا عز وجل ؟! ومتى نتخلص من موازين العواطف والشعارات الزائفة والدجل والتلبيس ؟ ..!
الوقفة الثانية .
يقول بعض الناس: إن هذا الرجل وحزبه هو الذي ثبت اليوم أمام اليهود بعد أن خنع الجميع دولاً وأحزاباً، وهو الآن يلحق ضرراً شديداً بالعدو باعتراف اليهود أنفسهم، فكيف نعاديه وهو يضرب عدو الأمة ؟! ألا نفرح بإلحاق الضرر باليهود؟!. وهذه شبهة وفتنة لا شك، لكنها لا تنطلي إلا على من ينظر للأمر بنظرة سطحية وعاطفة متسرعة، متجاهلاً أصول القوم وعقائدهم وأهدافهم.
ولتفصيل الجواب على هذه الشبهة أقول وبالله التوفيق:
أولاً: إن أي ضرر يلحق باليهود في رجاله وعتاده يفرحنا بلا شك، لكنه لا يغرنا وينسينا ثوابتنا، وننساق مع عواطفنا لنقول: إن من يضرب اليهود فهو أخونا وولينا!.. بل نفرق بين من يجاهد في سبيل الله تعالى ويريد نشر التوحيد والسنة كإخواننا المجاهدين في فلسطين فهذا نتولاه ونفرح بنصره، وأما من كان على غير التوحيد وعنده أهداف مبيتة، فلا نتولاه ولا ننصره، وإن كنا نفرح بضربه للعدو حتى يضعف، كما نفرح بضرب العدو له حتى لا يتمكن وينشر الشرك والرفض في الأرض، ولسان حالنا يقول: اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرج الموحدين من بينهم سالمين، وإذا قلنا: إننا نفرح بضرب العدو للرافضة؛ فإننا نقصد رموزهم ومواقعهم ولا نقصد العامة من المسلمين من الأطفال والنساء والأبرياء، فإن هذا يحزننا ولا يفرحنا.(2/182)
ثانياً: هناك مؤامرة كبيرة في المنطقة، ولعبة ماكرة تديرها إيران وسوريا اللتان تدعمان (حسن نصر الله وحزبه) وهما اللتان دفعتا به لهذه المواجهة، ومفاد هذه المؤامرة وملخصها: ((أن هناك مشروع صفوي شعوبي كبير يراد تنفيذه في المنطقة، وقد بدأ يأخذ مساراً تنفيذياً متسارعاً منذ بدء اجتياح العراق واحتلاله أمريكياً وصفوياً وصهيونياً، فقبل أشهر عدة أُعلن في دمشق عن انطلاق تحالف استراتيجي إيراني سوري ضم إليه حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية، وتتواطأ معهم الحركات الشيعية العراقية من منطلق طائفي مذهبي، فتحول هذا التحالف المشبوه الجديد إلى مشروع سرطاني شديد الخبث، يفوق خطره على أمتنا الإسلامية خطرَ الكيان اليهودي نفسه، ولكي يكون لهذا المشروع الخبيث غطاء مقبول لدى شعوب المنطقة المسلمة، فلا بد من تسريع خطاه وتمكينه من اللعب بعواطف الجماهير المسلمة، وليس هناك أفضل من قضية فلسطين واللعب بها وعليها وفيها حتى تتوارى خلفه النوايا الحقيقة لأصحاب هذا المشروع الصفوي الخطير الذي مر بنا أهم أصوله الاعتقادية الكفرية العدوانية آنفاً، وخلاصة أهداف هذا المشروع الخطير هو السيطرة على العالمين العربي والإسلامي بدأً من إخضاع منطقة الهلال الخصيب ( بلاد الشام والعراق ) وذلك باجتياحها (ديموغرافياً) ومذهبياً وتبشيرياً صفوياً ..
ثالثاً: أما لماذا جاءت هذه المواجهة بين (رافضة لبنان) واليهود في هذا الوقت فلعدة اعتبارات عند القوم أهمها:(2/183)
1- اشتداد عمليات التطهير الإجرامي العرقي والمذهبي، التي تقوم بها الميليشيات الصفوية العراقية في العراق، بما في ذلك عمليات إبادة وحشية ضد السكان الفلسطينيين، وعمليات تهجير لأهل السنة من جنوبيّ العراق (البصرة لم يبق فيها إلا 7% من أهل السنة بينما كانوا أكثرية منذ عشرات السنين، ونسبتهم كانت 40% قبيل الاحتلال الأمريكي) !.. فضلاً عن انكشاف زيف شعارات الرئيس الإيراني (نجاد) الداعية لإزالة إسرائيل من الوجود !.. وجهاد الشيطان الأكبر (أمريكا) !! في الوقت الذي أثبت أهل السنة أنهم هم المجاهدون الصادقون الذين يقاومون الغزاة في أفغانستان والعراق والشيشان، وكذلك المقاومة الفلسطينية وهي سنية بطبيعة الحال خطفت الأضواء بأنها الوحيدة في ساحة الصدام مع الكيان الصهيوني، وذلك بعد عملية (الوهم المتبدد) وخلال عدوان (أمطار الصيف).. إذ وصل الكيان الصهيوني إلى طريق مسدود لتحقيق أهدافه ضد الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة!.. وهذا كله أدى إلى فضح الرافضة الصفويين وأنهم عملاء للغزاة المحتلين وخطف الأضواء عنهم، فكان لا بد من عمل يعيد لهم اعتبارهم ويغطي على فضائحهم.
2- انكشاف تواطؤ حزب الله ضمن تواطؤ حليفه الإيراني.. مع الاحتلال الأميركي ضد المقاومة العراقية ودخول الحزب في لعبة تشجيع الميليشيات الصفوية العراقية وتدريبها، وهي نفس الميليشيات التي تقوم بعمليات إبادة الفلسطينيين وأهل السنة في العراق ..!
3- بداية انتكاسات لحملات التشييع في سورية ولبنان، انعكاساً لانكشاف مواقف أركان الحلف الصفوي الشعوبي الداعم للصهاينة وللاحتلال الأميركي المرفوض شعبياً.. ثم بروز بوادر الاصطدام على النفوذ بين المشروعين: الأميركي، والفارسي الصفوي.. في العراق ..!(2/184)
لذا كان لا بد من فعل يحرف الأضواء والأنظار عما يجري في العراق بحق أهل السنة والفلسطينيين على أيدي الصفويين الشعوبيين، ولا بد من خطف الأضواء من المقاومة الفلسطينية السنية التي كشفت عجز الجيش الصهيوني، ولا بد من استعادة الثقة بعمليات التبشير الشيعي في المنطقة، ولا بد من إعادة الاعتبار لأكذوبة ( نجاد ) بدعوته لإزالة إسرائيل ومقاومة الكيان الصهيوني، ولا بد من التغطية على تواطؤ حزب الله بالعمل ضد المقاومة العراقية، ولا بد من خلط الأوراق في لبنان لصالح الفوضى التي هدد بنشرها رئيس النظام السوري بشار الأسد.. لا بد من كل ذلك ولو على حساب لبنان.. كل لبنان. الرسمي والشعبي.. ولو أدى العبث واللعب إلى تدميره ..!
فلذلك.. ولتحقيق كل هذه الأهداف.. قام حزب الله ـ ثالث ثالوث المشروع الصفوي الفارسي ـ بعمليته أو مغامرته الأخيرة ضد الكيان الصهيوني!..(2/185)
هل نحن ضد عملية تنال من العدو الصهيوني؟!.. لا.. مطلقاً، نحن نفرح بكل عمل يؤذي الكيان الصهيوني الغاصب ويضعفه ويضع من هيبته!.. لكننا لا نقبل أن نُخدع ولا نقبل أن تندرج هذه العملية في مسلسل تحقيق أهداف المشروع الأخطر من المشروع الصهيوني في بلادنا، ولا نقبل أن يتاجر القائمون بهذه العملية بقضية فلسطين، في نفس الوقت الذي يذبحون فيه الفلسطينين ويستبيحون أرواحهم ودماءهم وأعراضهم وأموالهم في بغداد.. ولا نقبل مطلقاً أن يعبث الصفويون بأمن سورية ولبنان في سبيل تحقيق أهدافهم الدنيئة.. ولا نقبل أبداً أن يتم تدمير لبنان وتقتيل أبنائه وأطفاله ونسائه، بتحريض واستفزاز يمارسه أصحاب المشروع الصفوي الفارسي وينفذه أصحاب المشروع الصهيوني.. ولا نقبل أن يقوم الصفويون الجدد بالترويج لأنفسهم زوراً وتزييفاً، بأنهم أصحاب مشروع مقاوم، بينما هم يمالئون المشروعين الأميركي والصهيوني على رؤوس الأشهاد وفي وضح النهار.. ولا نقبل في أي وقت من الأوقات أن تنحرف الأنظار عن جرائم الصفويين بحق أهلنا وشعبنا المسلم في العراق.. ولا نقبل أن تستخدم مثل هذه العمليات المشبوهة، في كسب الوقت لبناء القنبلة النووية الإيرانية الصفوية، التي ستستخدم لخدمة المشروع الشرير ضد العرب والمسلمين، وضد أوطانهم وثرواتهم وأموالهم وأعراضهم!..(2/186)
فتشوا في أوراق التاريخ كله، فلن تجدوا ما يفيد بأن إيران الفارسية قد دخلت حرباً أو معركة مع الصهاينة.. أو حتى مع (الشيطان الأكبر) أميركة؟!.. لن تجدوا في التاريخ حرفاً واحداً يفيد ذلك، بل سنجد أن إيران التي افتضح أمرها باستيراد السلاح الصهيوني والأميركي أثناء الحرب مع العراق (فضيحة إيران غيت).. هي نفسها إيران التي تقود الحلف الصفوي التوسعي الاستيطاني التبشيري الجديد، وهي نفسها إيران التي تمالئ أميركة وتعينها على استمرار احتلال العراق، وهي نفسها التي تستخدم حزب الله في استجرار تدمير لبنان وتهديد أمنه واستقراره، وهي نفسها التي ما تزال عينها على الخليج العربي، وهي نفسها التي تحتل الجزر الإماراتية العربية الثلاث، وهي نفسها التي تحول الحركات الفلسطينية إلى ورقة ولعبة تلعبها متى أرادت على حساب أمن المنطقة العربية والإسلامية كلها!..[5]
الوقفة الثالثة :
وأخصص هذه الوقفة بما ندفع به الإحباط واليأس عن نفوسنا وعن المسلمين، وذلك بالقول بأنه وإن كانت الأحداث موجعة ومدلهمة لكن لعلها مؤذنة بانبلاج الصبح، وذلك لما نشهده من انفضاح مستمر ومتزايد لسبيل المجرمين والمنافقين، وبيان لموقف الموحدين وثباتهم وصدقهم، وهذا أمر حتمي يسبق نزول نصر الله تعالى.. أي أن محق الكافرين وتمكين المؤمنين الصادقين؛ لا بد أن يسبقه فترة ابتلاء وتمحيص يتميز فيها المؤمنون الصادقون عن الكافرين والمنافقين ومن في قلبه مرض، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وهذا هو الذي يحدث الآن وقبل هذا التميز لا ينزل نصر الله عز وجل.(2/187)
وشيء آخر يبث الأمل في النفوس ولا يجعلها في رعب وخوف من المجرمين وكيدهم ألا وهو قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )) (الأنفال : 36) .
ولعل في هذه الأحداث التي أراد الرافضة أن تخدم مشروعهم الصفوي التوسعي في المنطقة أن ينقلب الأمر عليهم، وتكون بداية النهاية لهم والسحق لمشروعهم الإجرامي الكبير، وسنة الله عز وجل أن البقاء للحق وأهله، والباطل ذاهب زاهق، قال سبحانه: ((بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)) (الأنبياء : 18) .
وقال سبحانه : ((كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ )) (الرعد : 17) .
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل الحق وأنصاره وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر والحمد لله رب العالمين .
_______________
[1]أخرجه مالك في الموطأ في القدر باب النهي عن القول بالقدر بلاغاً وقال الأرناؤوط في جامع الأصول 1 /277 لكن يشهد له حديث ابن عباس عند الحاكم 1/93 بسند حسن فيتقوى به
[2] - رواه ابن ماجه ( 4036 ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3261 ).
[3] انظر لمعرفة المزيد عن ( حزب الله ) كتاب: ( حزب الله رؤية مغايرة ) للأستاذ: عبد المنعم شفيق.
[4] انظر موقع ( البينة ) في الشبكة العنكبوتية لترى الأدلة والوثائق الدامغة على أصولهم الشركية وتكفيرهم وسبهم للصحابة رضي الله عنهم.(2/188)
[5] نقلاً عن المقال الرائع (تعانق المشروعين الأمريكي والصفوي في العراق والمنطقة وأهداف حزب الله) د. محمد بسام يوسف باختصار وتصرف يسير في 21/6/1427هـ
***************
موقفنا مما يحدث في لبنان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فمشكلة الكثير من الناس السير مع العواطف حيث سارت ..دون أن يكون للشرع والعقل ميزان عنده ..ففي بعض المواطن تغيب الموازين ..ويفقد الإنسان التفكير ..خاصة حينما يستعرض شريط الذكريات والمآسي التي مرت على هذه الأمة المنكوبة.. وهذا ما يحصل في هذه الأيام في قضية لبنان
لابد أن نعي تماماً أنه ليس من اللازم علينا أن كل من كان عدوا لدولة يهود يكون صديقاً لنا ..فنحن نعادي دولة يهود ونسأل الله أن يسلط عليها ما نزل من السماء وما خرج من الأرض وأن يقذف الرعب في قلوبهم ويزلزل الأرض من تحت أقدامهم ..لكن لا يعني ذلك أن نترك مبادئنا..ونتخلى عن عقيدتنا .. فكما أن دولة يهود هي عدوة لنا فأيضاً من كفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفعل الأفاعيل بأهل السنة في العراق وغيرها أعداء لنا .. فهم لا يقلون خطرا على الأمة من العدو اليهودي ..فهي إذن حرب الأبالسة المعتدين، نسأل الله أن يسلطّهما على بعضهما، ويخرجنا سالمين.
ولذا نقول :
أولا: لا يشترط أبدا إذا أراد أهل السنة في الشام من فلسطينيين ولبنانيين مقاتلة اليهود أن ينضموا تحت لواء غيرهم من الأحزاب والتوجهات ؛ لأن الميدان يتسع للجميع ..فالحق الشرعي يدعو لجهاد اليهود ودحرهم ..قال تعالى : ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)) (الحج : 39) .
وأن نذيقهم من كؤوس الذل والإهانة مثل ما أذاقونا ((إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ)) (النساء : 104) .(2/189)
ثانيا: أدعو الجمعيات الخيرية أن يساعدوا النازحين من جنوب لبنان إلى الملاجئ في الشمال[1]، وكذلك النازحين إلى سوريا، وعونهم بكل ما يستطيعون من غذاء ودواء وكسوة ومأوى، مع دعوتهم إلى الله عز وجل وتوزيع كتب عقيدة أهل السنة عليهم لنأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة.
ثالثا : كما أن الواجب علينا أن ندعو الله تعالى أن يحفظ الله دماء المسلمين في فلسطين والعراق ولبنان.. وأن ينصرهم على القوم الظالمين ..فهم في محنة وبلاء ..وكرب وعناء . ولنعلم جميعاً أن من أعظم أسباب النصر وكشف الشدائد الدعاء.. قال تعالى: ((أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) (النمل: 62).
وقال تعالى في أهل بدر : ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ)) (الأنفال : 9).
فنسأل الله تعالى أن ينزل بأسه على القوم الكافرين ، وأن يرينا في اليهود ومن هاودهم عجائب قدرته وأن ينصر من نصر الدين وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا يا رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
_________
[1] بدأ اليهود من عدة أيام بقصفه، ولا حول ولا قوة إلا بالله
*****************
الدمار للبنان والشهرة لحزب الله
في أوقات سابقة وبسبب أحداث معينة كان البعض يسألني عن الفتن التي تحل بالمسلمين وما هو المخرج منها، وكان جوابي: إن ما تذكرونه ليس من الفتن لأن الحق فيها واضح والباطل واضح والفتنة هي عندما تلتبس الأمور على الناس فلا يدرون أين الصواب وأين الخطأ، وعندما تفجأهم الأحداث وتتملكهم الحيرة.
إن ما يجري اليوم في لبنان هو من هذه الأحداث وهو من الفتن. وقبل أن أوضح السبب وأبين اختلاط الأمر على الناس في هذه الحادثة لابد أن نقول :(2/190)
إننا مع مقاومة العدو الصهيوني في كل مكان وكل زمان بل كل مسلم يرى هذا حتى لا يزايد علينا المغرضون أو العاطفيون السذج، كما أن ما نقوله ليس مجاراة لدولة من الدول ولكنه تبيان للحقيقة كما نعتقدها. فمن المعلوم أن حزب الله هو الذراع الطويلة لإيران والنظام السوري ، فهل ما يقوم به من أعمال هو خالص لأجل فلسطين أم لخدمة أهداف سياسية تريدها إيران وسورية ؟
إن إيران وعملاءها يمزقون العراق ويذبحون أهل السنة فهل هذا لمصلحة فلسطين؟ والنظام السوري الذي ذبح الفلسطينيين في تل الزعتر يعمل لمصلحة فلسطين؟ وهل حماية الحدود في الجولان فلم تطلق رصاصة واحدة خلال أربعين سنة هو لمصلحة فلسطين وأما احتضانه لحماس فلأن (حماس) تعتبر ثروة بالنسبة له يبرهن بها على قوته وأنه لاعب رئيس في المنطقة. ومن الملاحظ أنه كلما كانت حماس في الداخل تميل إلى تسوية وحل المشكلة مع العدو كان خالد مشعل وبضغط من إيران يطلق التصريحات النارية فتفشل هذه المساعي، ذلك لأن إيران لها مخططاتها الخاصة بها في المنطقة العربية.
كيف نوفق بين تظاهر إيران بالحرص على القضية الفلسطينية وهي التي ساعدت أمريكا في احتلال أفغانستان والعراق، يقول ( بريمر) حاكم العراق السابق في مذكراته : ( شجع السيستاني أتباعه على التعاون مع الائتلاف منذ التحرير) وأكد بريمر أنه كان على اتصال دائم بالسيستاني للاستفادة منه في السيطرة على الشعب العراقي وكان الوسطاء بينه وبين السيستاني موفق الربيعي وحسين الصدر وعادل عبد المهدي. وربما يقول قائل:
كيف نوفق بين خدمة إيران لأمريكا وبين تشجيعها لحزب الله في ضرب اسرائيل؟
والجواب:(2/191)
إن إيران لها أهدافها الخاصة أيضا وعندها مشاكلها مثل قضية المفاعل النووي وهي تريد الهيمنة على العراق وتريد حصة من البترول وعندما تحرض حزب الله على ضرب إسرائيل فإنما تريد خلط الأوراق، وأن تقول لأمريكا نحن نستطيع قلب الطاولة فلا بد من إعطائنا حصتنا في المنطقة، والنظام السوري يفكر في الرجوع مرة ثانية الى لبنان عن طريق حزب الله الذي اكتسب شهرة بعد هذه الأحداث ولا أحد يستطيع أن يطالب بنزع سلاحه منه كما هو متداول في جلسات الحوار اللبناني، ومن يتكلم على حزب الله سيوصم بالخيانة والتخاذل، والنظام السوري عنده مشكلة في قضية التحقيق في مقتل الحريري، وأمريكا الآن تطلب منه أن يساعدها في إسكات حزب الله، وبذلك يكون أدخل نفسه كطرف يحسب حسابه في المنطقة وأنه قوة إقليمية يجب ألا تهمل، وأنه يستطيع تخريب المنطقة كما هدد قبل أشهر رئيس النظام.
إنها فتنة :
كيف نقنع الناس أن ما يقوم به حزب الله تدمير للبنان مقابل خدماته لإيران ولا يجد غضاضة في ذلك، وإذا لم تصلح حكومة السنيورة هذا الخراب فستطالب بالاستقالة وهو المطلوب من سورية، وكانت صحيفة (هارتز) بتاريخ 6/7 / 2006م قد امتدحت الأمين العام لحزب الله بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي وها هو اليوم يتعقل فلا يضرب المنشات الحيوية لإسرائيل كما صرح بذلك.
إنها فتنة :
كيف نقنع ليس عموم الناس بل المثقفين الذين لا يقرأون التاريخ، أنها لعبة إيرانية سورية، فالدكتور بشير نافع يكتب عن الفارق الكبير بين الوضع العربي الإسلامي لحزب الله والتيار الصدري وبين جماعة المجلس الأعلى..!!؟ والتيار الصدري الذي يمدحه الدكتور بشير هو الذي يهدم المساجد في العراق ويذبح أهل السنة كما صرح المتحدث باسم هذا التيار وستكشف الأيام من هو الحريص على فلسطين وعلى كل الأراضي الإسلامية المحتلة من قبل الأعداء(2/192)
http://www.ala7rar.net/navigator.php?pname=topic&tid=3532&PHPSESSID=99eab
***************
حزب الله أم حزب الشيطان
ما هو دور إيران الدولة الإسلامية في حرب اليهود ؟
(1) كانت دولة إيران من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان اليهودي سنة 1948م بقيادة القادة الشيعيين من ملوك إيران ...
(2) صرح وزير الخارجية اليهودي في حكومة في نتنياهو (ديفيد ليفي) قائلا : (إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام إن إيران هي العدو) جريدة هارتس اليهودية / 1/6/1997"
(3) يقول الصحفي اليهودي (اوري شمحوني) : (إن إيران دولة إقليمية ولنا الكثير من المصالح الإستراتيجية معها ، فإيران تؤثر على مجريات الأحداث وبالتأكيد على ما سيجري في المستقبل ، إن التهديد الجاثم على إيران لا يأتيها من ناحيتنا بل من الدول العربية المجاورة ! فإسرائيل لم تكن أبدا ولن تكن عدوا لإيران ) " صحيفة معاريف اليهودية / 23 /9/1997)
(4) أصدرت حكومة نتنياهو أمرا يقضي بمنع النشر عن أي تعاون عسكري أو تجاري أو زراعي بين إسرائيل وإيران . وجاء هذا المنع لتغطية فضيحة رجل الأعمال اليهودي (ناحوم منبار) المتورط بتصدير مواد كيماوية الى إيران .. والذي تعد هذه الفضيحة حطرا يلحق بإسرائيل وعلاقاتها الخارجية . وقد أدانت محكمة تل أبيب رجل الأعمال اليهودي بالتورط في تزويد إيران ب 50 طنا من المواد الكيماوية لصنع غاز الخردل السام .
وقد تقدم المحامي اليهودي (امنون زخروني) بطلب بالتحقيق مع جهات عسكرية واستخباراتية أخرى زودت إيران بكميات كبيرة من الأسلحة أيام حرب الخليج الأولى. الشرق الأوسط / العدد (7359) .(2/193)
(5) قامت شركة كبرى تابعه (لموشيه ريجف) الذي يعمل خبير تسليح لدى الجيش الإسرائيلي - قامت شركته ما بين (1992-1994) ببيع مواد ومعدات وخبرات فنية الى إيران . وقد كشف عن هذا التعاون الاستخبارات الأمريكية بصور وثائق تجمع بين موشيه والدكتور ماجد عباس رئيس الصواريخ والأسلحة البايولوجية بوزارة الدفاع الإيرانية . صحيفة هاريس اليهودية ... نقلا عن الشرق الأوسط عدد (7170) .
(6) ونقلت جريد الحياة بعدده (13070) نقلا عن كتاب الموساد للعميل السابق في جهاز الاستخبارات البريطانية (ريتشارد توملينسون) : وثائق تدين جهاز الموساد لتزويده إيران بمواد كيماوية .
(7) بقيت قضية حزب الله ... وما أدراك ما حزب الله ؟؟ أرى انه من البديهي عند الشيعة أن إيران الدولة الشيعية على خلاف كبير بين قيادات حزب الله الأمر الذي وصل الى محاولة اغتيال الشيخ فضل الله . ثم الذي يلاحظ نشاطات حزب الله يرى أنها تقتصر على الجانب الدفاعي وهو أمر يفعله جميع الناس سواء مسلمين أو اليهود والنصارى وكل احد تستعمر بلده . والذي يؤكد أن وجود حزب الله لا يشك خطرا لإسرائيل أن إسرائيل باستطاعتها أن تدمر بنيته التحتية وتشل حركته ! كيف لا وهي التي استطاعة أن تسخر أذنابها من العملاء لقمع تواجدات حركة حماس والجهاد في غزة وفي الأردن .. وهي التي استطاعة أن تخمد الانتفاضة عن طريق عملائها ! ثم الذي يرى التسلح الضخم الذي يمتلكه حزب الله يساوره الشك خاصة وان ضحايا حزب الله من اليهود يعدون على الأصابع !!
يقول الصحفي اليهودي (يوسي مليمان) ( في كل الأحوال فان من غير المحتمل أن تقوم إسرائيل بهجوم على المفاعلات الإيرانية وقد أكد عدد كبير من الخبراء تشكيكهم بان إيران - بالرغم من حملاتها الكلامية - تعتبر إسرائيل عدوا لها . وان الشيء الأكثر احتمال هوم أن الرؤوس النووية الإيرانية هي موجهة للعرب ) (نقلا عن لوس انجلس تايمز... جريدة الأنباء العدد (7931) .(2/194)
(8) حزب أمل الشيعي !! نشرت مجلة (الايكونومست) البريطانية في نهاية الشهر السابع من سنة 1982 ان 2000 من مقاتلي أمل الشيعي انضموا الى قوات مليشيا سعد حداد المسيحي . وذكرت وكالة رويتر 1/7/1982 أن القوات الصهيونية لما دخلت بلدة النبطية لم تسمح إلا لحزب أمل بالاحتفاظ بمواقعه وكامل أسلحته ؟؟ ويقول احد كبار الزعماء الشيعيين من حزب أمل (حيدر الدايخ ) : ( كنا نحمل السلام في وجه إسرائيل ولكن إسرائيل فتحت ذراحيها لنا واحبت مساعدتنا . لقد ساعدتنا إسرائيل على اقتلاع الإرهاب الفلسطيني (الوهابي ) من الجنوب ) (لقاء صحفي مع حيدر أجرته مجلة الأسبوع العربي 24/10/1983م) .
يقول ضابط إسرائيلي من المخابرات : (إن العلاقة بين إسرائيل والسكان اللبنانيين الشيعة غير مشروطة بوجود المنطقة الأمنية، ولذلك قامت إسرائيل برعاية العناصر الشيعية وخلقت معهم نوعا من التفاهم للقضاء على التواجد الفلسطيني والذي هو امتداد للدعم الداخلي لحركتي حماس والجهاد) (صحيفة معاريف اليهودية 8/9/1997 ) .
(9) فاجأتنا الأخبار جميعا بثلاثة أخبار مذهلة عن إيران:
* الحكم بالإعدام على ثلاثة من الطلاب الجامعيين الذين شاركوا في المظاهرات التحررية . وصدق الحكم على احد هؤلاء الثلاثة هي طالبة فتاة شيعية متحررة رفضت فكرة المهدي!!
* رفض إيران استقبال أعضاء حماس وطرد من لجأ إليها واستقبلتهم بدلها دولة قطر الخليجية !
* نقلت إذاعة لندن وإذاعة دبي وإذاعة إم بي سي عن نائب وزير الخارجية الإيراني نبأ الإفراج عن الجواسيس اليهود في إيران !! وقد راهنت يا أخي الحبيب احد الإخوة الشيعة على اليهود الإيرانيين الذين ضبطوا بتهمة التجسس لصالح دولة اليهود ... فكانت المفاجأة فالإفراج عنهم . وأمريكا وهي أمريكا رفضت وساطة نتنياهو في الجاسوس اليهود الأمريكي الذي حكم عليه بالمؤبد !!
حزب الشيطان اللبناني:(2/195)
أصبح أدولف هتلر بطلا في أعين كثير من الناس و خصوصا العرب و ذلك كرها و نكاية باليهود. بل إن منهم من سمى ابنه "هتلر" كما حدث في فلسطين. و مع ارتفاع سعر الدم اليهودي أصبحت المواجهة معهم بطولة. بغض النظر عن الهدف من هذه المواجهة.
كلنا نعرف كيف دخل - ما سمي فيما بعد - "حزب الله" الإيراني جنوب لبنان في بداية الثمانينات و نعرف كيف تمكن هذا الحزب من دعم الشيعة في لبنان على حساب السنة زاعمين أن التمثيل الإسلامي أقل مما هو عليه التمثيل المسيحي. فكان أن ساد الشيعة و تشتت السنة في أوروبا و أمريكا و العالم العربي.
إن عمليات "حزب الله" ما هي إلا عمليات انتقامية لكل هجوم إسرائيلي على الجنوب. أما معظم الوقت فهم في سلام سواء كان ذلك سري أو معلن كما في تفاهم "نيسان". إن "حزب الله" ما هو إلا أداة لتحقيق أهداف الدول التي تدعمه داخل لبنان وخارجه و ليس لتحرير الجنوب.
فكلنا نتذكر خطف الطائرة الكويتية "الجابرية" على يد هذا الحزب الخبيث و غيرها من عمليات الإرهاب ضد السنة.
قد يقول قائل: إنهم يقاتلون اليهود المحتلين بينما العرب في سبات عميق. فنقول: الفيتناميون قاتلوا الأمريكان وكذلك الكوبيون والألمان فهل سيدخل كل هؤلاء الجنة ثم إن أعداء الله قد يختلفون فيما بينهم و يتناحرون. فهل يعني هذا أن الطرف الذي يقاتل اليهود هو حزب لله؟ وإلا لكان "جورج حبش" أول مجاهد. و أخيرا أقول : إن قدوتنا هو الرسول الأعظم و ليس العرب الذين هم في سبات عميق.
إننا جميعاً نعرف المذهب الذي عليه "حزب الله" و لو كان قتاله في سبيل تحرير القدس لكان بدأ بتحرير كربلاء التي في نظر الشيعة جميعا تحت احتلال ظالم . و كربلاء في عقيدتهم أعلى مكانة من مكة نفسها فما بالك بالنسبة للقدس. مؤكد أنها أعلى مكانة من القدس.(2/196)
و إسرائيل نفسها تستفيد من حزب الله حيث يكون حدودها الشمالية مشتعلة و يكون مبرر لتأخذ دولة إسرائيل مساعدات مالية وعسكرية لمواجهة "العدو" المصطنع طبعا. و هذا ليس غريبا على اليهود، فالذي يرجع في التاريخ يقرأ بأنهم هم الذين ساندوا النظام النازي في ألمانيا، وهناك بعض الآراء التي تقول بأنهم هم من كان وراء بعض المذابح التي صارت حتى يحصلوا على عاطفة المجتمع الدولة، وموافقته على إقامة الدولة اليهودية على ارض فلسطين.
و قد نشرت مجلة البيان أربع مقالات تفضح هذا الحزب و تثبت عمالته. و كذلك تشيد بحسن تنظيمه في الأعداد 143 إلى 146.
إن القليل فقط ينتبه إلى أنه في العام الأخير طرأ انخفاض في عدد قتلى جيش الدفاع الإسرائيلي في جنوب لبنان (18 جندي فقط في العام الماضي مقارنة مع أكثر من 10000 جندي روسي حتى الآن!).
وبصفة عامة فإن من الممكن القول بأنه في أربعة مجالات أساسية
* لم ينجح حزب الله حتى اليوم في تحقيق أهدافه: فهو لم يحتل حتى اليوم موقعاً لجيش الدفاع الإسرائيلي،
* ولم ينهر بسببه جيشُ جنوب لبنان على الرغم من أن ذلك يمثل هدفاً أساساً لحزب الله،
* وعلى الرغم من جهود "حزب الله" فلم ينجح التنظيم في اختطاف جنود لجيش الدفاع الإسرائيلي
* ورغم كل محاولات "حزب الله" فإنه لم تسقط حتى اليوم طائرة هليوكوبتر واحدة أو طائرة للسلاح الجوي الإسرائيلي (ربما لا يريدون تضييع صواريخهم في الطائرات الصهيونية!)
من الناحية العملية، وعلى النقيض من المنظمات الفسلطينية التي حاربت "إسرائيل" نفسها، تجد أن حزب الله لم يبادر أبداً بعمل ضد أراضي "إسرائيل" المحتلة قبل 5 يونيو (حزيران) عام 1967م، وقصر هذا النشاط على الأراضي اللبنانية التي احتلت بعد ذلك التاريخ.
ورغم أن مقاتلي حزب الله قد وصلوا عدة مرات إلى خط الحدود، إلا أنهم لم يتسللوا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكان يمكنهم أن يفعلوا ذلك بدون شك.(2/197)
وهكذا نرى أن النجاحات التي يدندن حولها حزب الله لم تكن على مستوى لائق بهذا الزخم الضخم من الضجيج الإعلامي.
و طالما أن بعض أعضاء حزب الشيطان هم من النصارى، فلا يجوز أن يسموا بالمجاهدين!
(ملاحظة: الإحصائية السابقة عن قتلى الجيش الإسرائيلي كانت حتى عام قبل انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان).
*****************
واتفق الجميع على مساعدة لبنان
لا أريد أن أتحدث عن تباين آراء بعض الدول العربية في الأحداث التي تجري حالياً في لبنان، فهذا الاختلاف كما هو من طبيعة الأفراد فهو كذلك من طبيعة الدول، لكن الشيء المطمئن أن الدول العربية كلها وعلى لسان وزراء خارجيتها الذين اجتمعوا في القاهرة يوم 15/7/2006م أدانوا جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل سواء في لبنان أو في فلسطين، كما أكدوا تضامنهم المطلق مع لبنان وأثنوا على صمود اللبنانيين وتضامنهم ووحدتهم، وحملوا الصهاينة مسؤولية تعويض لبنان عن الخسائر والدمار الذي نجم عن عدوانهم على أراضيه ومع حسن هذا الكلام وجودته إلا أنه لا ينبغي أن يكون نهاية المطاف، فالكلام وحده لا يكفي وإنما ينبغي أن يترجم إلى أفعال تصب في صالح لبنان وفلسطين. في المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد عمرو موسى ووزير الدولة الإماراتي - رئيس الدورة الحالية لوزراء الخارجية - بعد انتهاء الاجتماع الوزاري رأينا أن الصحفيين اتجهوا في أسئلتهم إلى محاكمة النظام العربي الذي أصبح عاجزاً عن نصرة بعضه للبعض الآخر،
ورأينا أن أمين عام الجامعة يقول: إن عملية السلام قد ماتت - شخصياً أعتقد أنها لم تولد - وقال كذلك إن هناك اتفاقاً على نقل هذه العملية إلى مجلس الأمن ليعيد النظر فيها مرة أخرى.(2/198)
نعرف جميعاً أن أمريكا تسيطر على مجلس الأمن، ونعرف كذلك أن الدول العربية إن لم يكن لديها مقومات كافية للضغط على مجلس الأمن فلن يتحقق لها ما تريده ولكن حتى يأتي الوقت الذي حدده السيد عمرو موسى لتقديم ذلك المشروع للمجلس يبقى التساؤل قويا: وماذا ستفعل الدول العربية للبنان وفلسطين وكلتاهما تتعرضان لحرب إبادة حقيقية؟
أمريكا - كعادتها - ستفشل أي مشروع لصالح لبنان أو فلسطين، وقد فعلت ذلك فعلاً مع المشروع الذي قدم قبل بضعة أيام لصالح غزة، بل إن كل أفعال أمريكا تهدف إلى إعطاء كل الفرص لليهود لممارسة اعتداءاتهم الإجرامية في لبنان وفلسطين؛ فالرئيس الأمريكي قالها أكثر من مرة إن ما تقوم به إسرائيل هو دفاع عن نفسها، وهو - كما يقول - دفاع مشروع، مع أنه يرى حجم التدمير الهائل وكذلك عشرات القتلى والجرحى في صفوف اللبنانيين والفلسطينيين.
التعويل على الموقف الأمريكي أصبح لا قيمة له، وبالتالي على دولنا العربية أن تعود إلى تلمس قدراتها والاعتماد على نفسها، أما أمريكا أو الموقف الدولي أو الأمم المتحدة فكل أولئك القوم لا يقيمون للعرب وزناً لأنهم - ببساطة - لا يملكون وسائل القوة التي تجبر الآخرين على احترامهم.
المنظمات الدولية تفرض قراراتها على الضعفاء في الوقت الذي تعجز فيه تماماً عن جعل الأقوياء يطبقونها
وانظروا - مثلا - كيف تتجاهل إسرائيل كل تلك القرارات ولا تملك الأمم المتحدة أن تجبرها على فعل أي شيء!! والمؤسف أن الأمم المتحدة تقف أحيانا مع اليهود في السكوت على جرائمهم أو مساعدتهم عليها أحيانا، ولعل مذبحة قانا سنة 1996م والتي وقعت في مقر الأمم المتحدة في تلك البلدة مثل على ما أقوله، وهناك مثل حي آخر حدث قبل بضعة أيام عندما رفض مندوبو هذه الأمم حماية مجموعة من أهالي بلدة "مروحين" من الاعتداءات الصهيونية ورفضوا إيواءهم مما مكن إسرائيل من قتل مجموعة منهم كانت تحاول الفرار.(2/199)
إسرائيل تفعل ما تريد لأنها تتمتع بحماية أمريكية مطلقة، وبعجز عربي واضح ولكن إلى متى سيستمر هذا الحال، وهل المجموعة العربية كلها عاجزة عن تغيير هذه المعادلة المخجلة؟
مرة أخرى الإنكار أو التعاطف لا يكفي وحده خاصة من الدول العربية وشعوبها إذ إن ما ينبغي أن يكون بين هذه الشعوب أكثر من ذلك بكثير في الحالة اللبنانية كثيرون - من غير العرب - أظهروا مواقف إيجابية متعاطفة مع الإخوة في لبنان، من هؤلاء باكستان وإندونيسيا والفاتيكان وإيطاليا، كل هذه الدول رفضت طريقة تعاطي إسرائيل مع قضية أسر الجنديين، بل إن النرويج استدعت سفيرة إسرائيل في أوسلو وأبلغتها احتجاج الحكومة النرويجية على الهجوم العسكري "المرفوض تماماً" على لبنان، وقريباً من حكومة النرويج فعلت حكومة فنلندا التي تتولى حاليا رئاسة الاتحاد الأوروبي حيث انتقدت بشدة حكومة إسرائيل على ردها المفرط في لبنان معتبرة أن إسرائيل تطبق مبدأ أن "العين بعشرين عيناً" وليست بعين واحدة. ملخص القول أن هناك من يتعاطف معنا في قضايانا ولكننا - ونحن نشكر كل هؤلاء - لا يكفينا أن نحصر تعاملنا مع بعضنا البعض في التعاطف أو الإدانة ليس إلا. العرب ليسوا ضعفاء، وفي أيديهم الشيء الكثير مما يستطيعون استخدامه في هذه الحرب التي قد تطال الدول العربية كلها أو معظمها.
علينا أن ندرك أن حكومة الصهاينة عدوة للعرب كلهم، وعلينا أن ندرك كذلك أن أمريكا ستبقى حليفة قوية لهذه الحكومة ما دامت لا ترى موقفاً عربياً يرغمها على تغيير موقفها.. ومن هنا كان لابد لكل العرب من بناء قواهم كلها على هذا الأساس لكي يتمكنوا من إنقاذ أنفسهم وبلادهم من دمار قادم حتى وإن تأخر بعض الشيء.
بأيدي العرب سلاح اقتصادي هائل كان يجب أن يستخدم الآن، كان يجب على العرب جميعاً مقاطعة البضائع اليهودية، بل ومقاطعة بضائع أي دولة تتعاون مع إسرائيل ضدهم.(2/200)
في أيدي العرب أن يقطعوا علاقاتهم كلها مع الصهاينة، فأي قيمة لسفارة هنا أو مركز تجاري هناك ما دامت إسرائيل تقتل العرب هنا وهناك!
على العرب أن يطبقوا ما اتفقوا عليه بينهم، أين معاهدة الدفاع العربي المشترك؟ وإذا لم تطبق الآن فمتى تطبق؟ لماذا كل هذا الخوف من إسرائيل ومن جيشها المزعوم؟ أين الجيوش العربية؟ وأين الأسلحة العربية التي أنفق عليها الكثير؟
لماذا نبقى نردد أن العرب كلهم ليسوا مهيئين لخوض حرب مع اليهود؟ متى يتهيؤون إذن وهم يعرفون أن هذه الدولة عدوة لهم جميعاً؟ لماذا تتهيأ إسرائيل فقط وهم لا يهتمون بحماية أنفسهم؟
الآن هناك دولتان عربيتان تتعرضان لهجوم شرس، وهناك سوريا قد تتعرض للشيء نفسه سيما وأن أمريكا تردد دائما أن سوريا وراء حماس وحزب الله، وتردد كذلك على لسان بعض المسؤولين في البنتاجون أنهم لا يستبعدون أن تقوم إسرائيل باستهداف سوريا وكأنهم يعطون بهذا القول ضوءاً أخضر لليهود للقيام بهذا الفعل.
من حق لبنان أن تدافع عن نفسها وأن تعمل بكل الوسائل لتحرير ما تبقى من أرضها، ومن حق حكومة فلسطين أن تقوم بالدور نفسه وأن تدافع عن شعبها الذي يقتل كل يوم وعن اقتصادها الذي يهدم ويستباح.
الوقوف مع هؤلاء من مصلحة الدول العربية كلها لأن اليهود إذا لم يجدوا مقاومة حقيقية لمشاريعهم التوسعية فسوف يمتدون إلى دول عربية أخرى ويومها لن يجدي الاستنكار أو التعاطف.. وفي هذا السياق فإن المساعدة المالية التي قدمتها بلادنا بأمر من الملك إلى لبنان تعد خطوة طيبة إذ إنها خرجت إلى نطاق العمل الفعلي الجاد الذي تحتاجه هذه المرحلة ولعل الدول الأخرى تقوم بخطوات عملية تصب في مصلحة لبنان وفلسطين، وأؤكد أن دولنا لو فعلت ما بإمكانها أن تفعله فسوف يتحقق الكثير وسوف تعرف إسرائيل وأعوانها أنها لن تستطيع تحقيق أهدافها التوسعية بل إنها ستعرف أنها ستزول عن قريب.
محمد علي الهرفي = أكاديمي وكاتب سعودي(2/201)
***************
جيش المهدي والدفاع عن لبنان
خرج أنصار مقتدى الصدر في عدد من المدن العراقية في تظاهرات منددة بالعدوان الإسرائيلي على لبنان وهاتفة بحياة زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله. ونحن إذ نفخر بمثل هذا الموقف فإننا ندعو عناصر جيش المهدي المتعطشين لقتال إسرائيل ونصرة حزب الله أن يتوجهوا الى سوريا ثم يلتحقوا بحزب الله للدفاع عن لبنان.
وسيكون العراقيون في غاية السرور والامتنان لو وجه جيش المهدي سلاحه نحو (موشيه وكوهين) بدلا من (عمر وعثمان)، ولو ساهم في الدفاع عن لبنان من الهجمة الصهيونية، بدلا من الانشغال بتهجير وقتل إخوانهم العراقيين على الهوية!
نوجه هذا النداء ونحن على يقين مطلق لا يشوبه شك أن لا أحد من جيش المهدي بأفراده وقادته ومعمميه سوف يقوم بأكثر من الصياح والتظاهر، ليستأنفوا في اليوم التالي جرائمهم الطائفية الوحشية التي يندى لها جبين الإنسانية بحق الأبرياء.
إن المشروع الإيراني الذي يهدف لنشر أطماعه الطائفية ولو على حساب دمار لبنان بأكمله، هو نفسه مشروع الأحزاب الطائفية في العراق التي تريد تقسيمه وتفتيته ونهب ثرواته وتمزيق جميع أواصره.
وجيش المهدي الذي ينطلق من معتقد أن سنة العراق هم نواصب يجب قتلهم وإحراق مساجدهم، هم نسخة أخرى بمسمى مختلف فقط من حزب الله وغيره من الأحزاب التي تسير وفق المشروع والتمويل والتسليح الإيراني لتحقيق الحلم الفارسي القديم.
ولا نمانع أن نفتح باب التبرع لمن أراد من جيش المهدي السفر للقتال الى جانب حزب الله.. خصوصا إذا قرروا عدم العودة الى العراق، ونهيب ب(حبيبي) قائد جيش المهدي أن يكون في مقدمة طلائع المقاتلين ليكون خير قدوة لهم
****************
لماذا خطف حزب الله الجنديين الإسرائيليين؟؟(2/202)