حب الفتنة
المؤلف : نبيل عطوه
الموضوع : يتناول هذا الكتيب حب المال والولد وكيف أنهما فتنة مع كونهما زينة الحياة الدنيا وحقيقة هذه الفتنة وكيفية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بهما وهذه النسخة محققة الأحاديث ومخرجة الآيات
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء ,والحمد الله الذي رزقنا الولد الصالح والمال النافع والصلاة والسلام على أحب خلقه إليه وأفضلهم عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلى كل أب يحب أولاده ويخاف عليهم وإلى كل أم تحنو على أطفالها وتجاهد من أجلهم أهدي إليكم هذا الموضوع ليكون عونا لكم في مواصلة المشوار وتحقيق المراد من تربية الأبناء.
وإلى كل أب غافل عن أبنائه بعيد عنهم وإلى كل أم مشغولة بحياتها غير مهتمة بمصالحهم أهدي إليكم هذا الموضوع ليكون لكم بداية في تصحيح المسار والعودة إلى الطريق الصحيح.
حب الفتنة
سؤال.......واعتراف
من منا لا يحب المال والولد ؟
والحق الذي لا مرية فيه أننا جميعا دون استثناء يحب المال والولد ؛لأن المال والولد زينة الحياة الدنيا وهذا ما أخبر به الحق سبحانه وتعالى بقوله " المال والبنون زينة الحياة الدنيا"(1)ولكن مع كون المال والولد زينة إلا أنهما فتنة ويدل على ذلك قوله تعالى " واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم"(2)وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أن أموالنا وأولادنا زينة الحياة الدنيا ولكن إذا شغلتنا هذه الزينة عن حب الله سبحانه وتعالى انقلبت إلى فتنة . ومفهوم الفتنة في هذه الآية : أنها ابتلاء واختبار ويفسر ذلك قول الله تعالى :"ونبلوكم بالشر والخير فتنة" . والله أنعم بهما على الإنسان لأمرين لا ثالث لهما أحدهما فيه نجاتنا والإخر فيه هلاكنا ويجب أن نختار شيئا واحدا منهما
__________
(1) - الكهف : 46
(2) - الأنفال : 28(1/1)
الأمر الأول : الشكر وهو أن نشكر الله عزوجل ونحمده على هذه النعم ويجب أن يكون اعتقاد كل مؤمن أن هذه النعم يجب أن تقربنا إلى الله سبحانه وتعالى عن طريق العمل الصالح المترتب على الشكر والحمد لله تبارك وتعالى
الأمر الثاني :الكفر وهو أن نكفر بهذه النعم التي تفضل الله بها علينا ونجحدها وهذا الأمر فيه هلاك الإنسان.
ونحن نحاول من خلال هذه السطور أن نين الأمرين وما عليك إلا أن تختار من بين هذين الأمرين , فاعتبروا يا أولى الألباب.
حب الفتنة
قال ابن مسعود: لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من الفتنة، فانه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولده إلا وهو مشتمل على فتنة، ولكن ليقل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن. وقوله تعالى: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " لأنهما لا يخلوان من الفتنة واشتعال القلب بهما. عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَال سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا"(1)وهذا الحديث يدلنا على أن الإنسان مهما كان شأنه ومكانته في المجنمع يحب أولاده , ولا يوجد من البشر أعظم من الرسول صلى الله عليه وسلم وها هو نزل من على المنبر كي لا يصيب الحسن والحسين أي سوء , والرسول صلى الله عليه وسلم بفعله هذا قد بين لنا مفهوم الفتنة وهو الإنشغال عن عبادة الله والدعوهة إليه
__________
(1) - رواه الترمذي 3774وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ(1/2)
كيف يكون المال والولد فتنة ؟
اولا – يشتغل الإنسان عن عبادة الله تبارك وتعالى
1- يشغله المال عن الصلاة حتى لا تضيع عليه صفقة من الصفقات التجارية فينشغل عن اداء الصلاة بجمعه لمال
2-أو أن حبه للمال يجعله يبخل عن أداء حق الله في إخراج الزكاة
3- قد يشتغل الأب عن عبادة الله بسبب أبنائه كأن يداعبهم في أوقات الصلاة ولا يبالي بنداء ربه أو أن يشغله الإنفاق على أولادهعن أداء حق الله تعالى في أداء الصدقات جريا ورء المثل الخاطئ " اللي عايزه البيت يحرم على الجامع " كل ذلك مصداقا لقول الحق جل وعلا" يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون(1)".
قال سفيان الثوري : يؤمر بالرجل يوم القيامة إلى النار فيقال : هذا أكل عياله حسناته .
ثانيا – الكسب الحرام
فقد يدفع الشخص حبه للمال إلى الكسب الحرام وغير المشروع , إذ أن حبه للمال يعميه عن إدراك الحقيقة: وهي أن ما عند الله لا يطلب إلا بطاعته ولا يطلب إلا بسخاوة نفس , ثم أن هذا المال سوف يزول إما بوفاة الشخص فيتركه لغيره وورثته وإما بفناء هذا المال في حياته , ولا يكون للشخص إلا أنه عصى ربه وارتكب المعاصي , ثم ماذا يقول لربه إذا سأله عن هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه وهذا مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ"(2)
__________
(1) - المنافقون : 9
(2) - رواه الترمذي2417 وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(1/3)
أو قد يدفع الشخص حبه لأولاده إلى أن تمتد يده إلى الحرام لينفق عليهم أو يسعدهم بالإنفاق عليهم ويلبي كل رغباتهم ونسي ذلك الشخص قول الله تعالى ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون)(1)ونسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به)(2) . فغره جمعه للمال ليسعد به أولاده أن يفكر في مصيره وفي مصيرهم أيضا إذ أن هذا المال الحرام لا يصلح أن يربى به الأولاد حيث يصبح الأولاد أولادا من حرام .
ثالثا - التفاخر بالمال والولد
قد يزعم الشخص الذي رزقه المال والولد أنه ملك الدنيا بما فيها فهو يملك أغلى شيئين في حياته: المال الذي يستطيع بواسطته أن يفعل كل شيء ويقتني به أي شيء , والولد الذي سوف يسانده في حياته ويساعده في أعماله . وقد يضطره فهمه الخاطئ إلى الغرور بهما والتفاخر بهما على الناس أو أن يدفعه ذلك إلى التكبر على الناس . وقد حذرنا الله جل وعلا من ذلك في قوله تعالى "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"(3)
__________
(1) - الاعراف :58
(2) - رواه الطبراني وصححه الألباني 4519 في صحيح الجامع .
(3) - الحديد :20(1/4)
والعجيب أن يعتقد بعض الناس أن الله فضلهم بهذه الأموال والأولاد في الدنيا، وذلك يدل على أنه قد رضي بما هم عليه من الدين وما هم بمعذبين في الآخرة بعد إحسانه إليهم في الدنيا ورضاه عنهم كما في قوله تعالى"وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين"(1)وقد رد الله تعالى عليهم بقوله تعالى "إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار"(2)إذ أن العبرة بالعمل الصالح لا بعدد الأولاد ولا بكثرة الأموال . وهذا ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في قوله " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ "(3)
رابعا – عدم تربية الأولاد التربية الصحيحة
فقد يشتغل المرء باشياء أخرى ويهمل في تربية أولاده فينشأون فاسدين غير صالحين عالة على المجتمع أو أن يصبحوا متشردين أو أصحاب مهن غير شريفة , فيكون بذلك قد اضر أولاده فلم يربهم التربيه القائمة على الكتاب والسنة وكذلك يكون قد أضر بالمجتمع إذ لم يسلم من شرورهم , وقد يناله هو شخصيا ضررا من هذا الولد العاق فيسيء معاملة أبيه وأمه وانظر إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ"(4)
خامسا - الإشراك في محبة الله
__________
(1) - سبأ :35
(2) - آل عمران :10
(3) - حديث صحيح رواه مسلم 2564
(4) رواه أبوداود: 1692 وحسنه الألباني انظر حديث رقم : 4481 في صحيح الجامع .(1/5)
واعلم أن حب الأموال والأولاد -وهم نعمةٌ من الله- إن كانوا أَحَبَّ إلي العبد من الله سبحانه وتعالى ،فانه قد أشرك في محبة الله سبحانه وتعالى ،كما قال تعالي :(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(1)واعلم أن محبة المؤمنين لربهم أشد من محبة هؤلاء المشركين لربهم ولأندادهم ، ثم إن اتخاذ الأنداد هو من أعظم الذنوب، كما في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ(2)( فأنزل الله تصديق ذلك: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الفرقان :68 فدعاء إله آخر مع الله هو اتخاذ ند من دون الله يحبه كحب الله، إذ أصل العبادة المحبة ، وكما قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رحيم)(3)إذن كل نعمة تؤدي إلى البعد عن الله فهي فتنة ونقمة، ولا يفرح الإنسان
__________
(1) - التوبة :24
(2) - صحيح :رواه البخاري:4477
(3) - التغابن :14(1/6)
بالنعمة لأنه إن لم يشكر الله عليها، و إن لم تقربه من الله تعالى تكن عليه و بالاً وجحيماً ، أما إذا ابتلى الله عبده بالفقر أو بعدم إنجاب الأولاد فصبر واحتسب ذلك عند الله، فسوف يكون من الذين يحبهم الله تعالى كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(1)وكما قال تعالى (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) واعلم أن أمر المؤمن كله خير كما في الحديث عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ(2)
حقيقة الفتنة
أما في واقع الأمر إذا كان الأموال والأولاد زينة فلهذه الزينة وجهان: الوجه الأول: أنها زينة حقيقية يتمتع بها المرء بشرط أن نفهم معنى الزينة على مراد الله سبحانه وتعالى أي أننا يجب أن نتقرب بها إلى الله تعالى وأن تكون وسيلتنا للقرب منه سبحانه لا غايتنا أي لا يكون كل غايتنا من الدنيا جمع الأموال وإنجاب الأولاد فقط بل يجب أن يكون المال والولد خطوة من خطوات القرب إلى الله عز وجل .
الوجه الثاني : أن تكون النفس هي التي زينت لنا حب الأموال والأولاد فننساق وراء أنفسنا فنضل عن الطريق وتكون غوايتنا نتجة لاتباعنا أنفسنا إذ تأمرنا أنفسنا بحب الأموال والأولاد أكثر من حبنا لله سبحانه وتعالى
__________
(1) - البقرة: 155
(2) صحيح :رواه مسلم وصححه الألباني انظر حديث رقم : 3980 في صحيح الجامع .(1/7)
أما القرب الحقيقي من الله تعالى هو التقوى , وهو أن نتقي الله في كل أعمالنا وأن يكون كل غايتنا هو طلب رضاء الله تعالى وأن يكون إعتقادنا أن ما عند الله خير وأبقي ..خير من الأموال وخير من الأولاد وذلك يظهر في قوله تعالى "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب * قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد"(1)
كيف نتقرب بالمال والولد إلى الله
أولا – أن نربي اولادنا على حب الله ورسوله
__________
(1) - " آل عمران 14(1/8)
فيجب على كل مسلم أن يحسن تربية أةلاده ولا يوجد أحسن من تربيتهم على كتاب الله وسنتة رسوله , وأن نربي أولادنا على حب الله سبحانه وتعالى بأن نشرح ونوضح لهم كيف أن الله خلقنا من عدم وأنه خلقنا بيده وأنه صورنا فاحسن صورنا وأنه يرزقنا رغم عصياننا له وأنه كرمنا على باقي المخلوقات , إذ أن الله سبحانه وتعالى قدم لنا محبته أولا , فيجب علينا أن نبادل الله سبحانه وتعالى الحب , وكيف أن الله أعد لنا جنتة فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر , وكيف أن الله سبحانه وتعالى لا يعذبنا بذنوبنا فور ارتكابنا هذه الذنوب بل يمهلنا لنتوب وإذا عدنا للذنب مرة أخري يمهلنا أيضا لنتوب وإذا تبنا قبل منا توبتنا , كما يجب أن نوضح لهم كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم تحمل من أجلنا الكثير من الإيذاء الشديد من الكافرين لنكون مسلمين , وكيف أنه سوف يسقينا من يده الشريفة يوم القيامة ,وكيف أنه سيشفع لنا عند ربنا عز وجل . ثم نحاول أن نكون قدوة صالحة لأبنائنا كأن نصلي ونتصدق أمامهم ولا نكذب أمامهم ؛ كل ذلك من شأنه أن يولد عند الطفل الإحساس بالحب تجاه الله سبحانه وتعالىورسوله صلى الله عليه وسلم قبل أن نطالبه بالتكاليف الشرعية , فإذا ما وضحنا له حب الله ورسوله ثم طالبنه بعد ذلك بالأوامر وإجتناب النواهي وجدنا منه قابلية في التجاوب مع هذه الأوامر ورغبة في البعد عن النواهي. فينشا الطفل صالحا لنفسه بارا لوالديه نافعا لمجتمعه وأمته. ويا سعادتك في الدارين : في الدنيا والآخرة , سوف تجد ولدا بارا في دنياك وربا كريما جوادا ودودا في الآخرة فيجزل لك عطاياه ويدخلك جناته خالدا فيها .
ثانيا – إنفاق الأموال في سبيل الله(1/9)
من خطوات القرب إلى الله تعالى أن تنفق بعض أموالك إن لم يكن كلها في سبيل الله تبارك وتعالى فبذلك تكون من المقربين المحبين لربهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم , ولا تهتم بأقوال البعض كما قلنا أن ذلك سوف يؤثر على تربية الأولاد وعدم تلبية كل رغباتهم وأن ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع , وانظر إلى فعل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه في هذا الحديث "عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَال سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا"(1)
__________
(1) - رواه الترمذي وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(1/10)
ومن خطوات التقرب إلى الله أيضا أن تجاهد بأموالك في سبيل الله فما أشد حاجة الأمة اليوم إلى الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله وتأما قول الله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم"(1)واعلم أنه لا ثمن لماتنفقه في سبيل الله إلا الجنة قال تعالى : "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم"(2)وانظر إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ "(3)وقال صلى الله عليه وسلم:" جَاهِدُوا بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ"(4)
__________
(1) - البقرة : 261
(2) - التوبة : 111
(3) - رواه النسائي : 3134 وصححه الألباني انظر حديث رقم : 1652 في صحيح الجامع .
(4) - رواه النسائي :3291(1/11)
وفي النهاية: إن كان الإنسان يحب المال حبا جما فحب الله أكبر وأجل وأن كان الله رزقه بالأموال الكثيرة والأولاد الصالحة فيجب عليه أن يشكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ويحمده على أن الله فضله على كثير من خلقه . هكذا يكون حب الأموال والأولاد تحت إطار حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم .(1/12)