جلسة ساعة
في الرد على المفتين في الإذاعة
تأليف:أبي عبد الرحمن
يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله
أصل هذه الرسالة المختصرة، كلمة وإجابة على بعض الأسئلة، ألقيت بين مغرب وعشاء، ثم أضفت إليها بعض ما هو من بابها؛ في الرد على أولئك المفتين في إذاعة صنعاء، بفتاوى مخالفة، وكلمات مضحكة، فيما يسمى برنامج (أولي العلم)، والقصد من ذلك: نصح أولئك المفتين، هداهم الله، وصيانة جناب علماء الدين في ها البلد المزكى من رسول الله ? بالإيمان والفقه والحكمة، وبالله التوفيق.
الحمد لله نحمده ونستعنيه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فيقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يَرْفَعِ اللهَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:11]، ويقول سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:83]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:43] ويقول سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزمر:9].(1/1)
ويقول عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80]. ويقول عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الروم:56]
ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28]، ولو لم يكن من فضل العلم وأهله إلا أن الله عز وجل أشهدهم على وحدانيته فقال سبحانه: {شَهِدَ اللهَ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:18] .
فأشهد الله عز وجل أهل العلم على وحدانيته، ولم يشهد من سواهم من أهل الأموال أو غيرها لما للعلم من فضيلة وشرف، فليس هناك فضيلة تساوي فضيلة العلم، وليست هناك منقبة توازي العلم، ولكن يجب أن يعلم أنه لا بد من العمل به، وإلا صار حجة على صاحبه، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه، عن النبي ? قال: »الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملء الميزان، وسبحان الله والحمد الله تملأن أو تملؤ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك، أو عليك، كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها«. الحديث.
صحيح خارج «صحيح مسلم»، وقد أعل عند الإمام مسلم، وهو ثابت عند النسائي، والدارمي، وغيرهما.
وعن جابر رضي الله عنه في السنن أن النبي ? قال: يا كعب بن عجرة، أعاذك الله من أمارة السفهاء«، قيل: يا رسول الله، وما أمارة السفهاء؟ قال: »أمراء يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هدي«. الحديث.(1/2)
وذكر فيه عليه الصلاة والسلام: »يا كعب بن عجرة، الناس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها«، فليس كل من أوتي العلم صار العلم مفيدًا له، وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الانبياء:35]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31].
ويقول سبحانه وتعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: 1-3]. ومما ابتلى الله به الأمم المتقدمين ولم يعطوه حقه، ولم يقوموا بواجبه، هو العلم، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5].(1/3)
ويقول سبحانه: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهَ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}[الأعراف: 163-166].
فأهلك الله عز وجل تلك الأمة بعدم أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وأهلك أيضاً من تمالأ على الباطل معهم، كما هو ظاهر القرآن، وهكذا يقول الله عز وجل ذاماً لمن لم يعمل بعمله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}[الأعراف: 175-177].(1/4)
ويقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهَ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77].
ويقول الله سبحانه وتعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهَ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ * أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}[البقرة: 75-78]. أماني، بمعنى تلاوة، ومن ذلك قول بعضهم في عثمان رضي الله عنه:
تمنى كتاب الله أول ليلة ... وفي أخرها لاقى حمم والمقادرِ(1/5)
ويقول سبحانه: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:78]. وهكذا تتولى النواهي والزواجر، من رب العالمين سبحانه وتعالى، لمن تشبه بأولئك الذين كانوا يكتمون ما أنزل الله، الذين لم يبينوا، ولم يوضحوا كتاب الله للناس، ولم يعملوا به أهانهم الله عز وجل، فيجب على كل مسلم أن يحذر من تلك المسالك التي سلكوها، فقد كانت سبب لعنتهم وأهانتهم، قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهَ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}[آل عمران:187].
فهذه الأدلة من القرآن قاضية بأن من لم يعظم شعائر الله، كما فعل أولئك إذ لم يعظموا شعائر الله، أنهم يتسببون في مقت رب العالمين للأمة جميعاً، فإن الشر يعم، وكما قال رسول الله ? في حديث عائشة، وجاء عن ابن عباس، وغيرهما قال النبي ?: »يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم« قالوا: يا رسول الله، يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم سواقهم، ومن ليس منهم، قال: »يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم«.
فالمجاهرة بالمعصية والأشاعة فيها هذا من أسباب عذاب الله، ففي «الصحيحين» من حديث زينب بنت حجش أم المؤمنين رضي الله عنها، عن النبي ? قال ليلة: »لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح الليلة مثل هاتين من ردم يأجوج ومأجوج، وحلق بين أصبعيه الإبهام والتي تليها، قالوا: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: »نعم إذا كثر الخبث«.(1/6)
لا يجوز أن يسكت عن غش العامة، فإنهم في أعناق علماء المسلمين، ففي «الصحيحين» من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: »لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه«، وفي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن النبي ? قال: »مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى«، وحديث أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي ? قال: »المؤمن للمؤمن كالبيان يشهد بعضه بعضاً«.
إن دعاة السوء لهم على العامة تأثير، وخطر كبير، من حيث أنهم يبثون ما عندهم من الباطل للعامة، فيظن ذلك العامي أنه ليس في الدين إلا هذا القول، وهذا يعتبر غشاً، والنبي ? يقول: »من غشنا فليس منا«، وربنا يقول: {وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}[يوسف:52]، ولا ننسى حديث أسامة بن زيد في ذم هذا الصنف الذي لم يعمل بعلمه، ففي «الصحيحين» من حديث أسامة رضي الله عنه قال: قال النبي ?: »يؤتى يوم القيامة برجل فتندلق أقتاب بطنه في النار، فيجتمع حوله أهل النار فقولون: مالك يا فلان؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر، فيقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه«.
وفي «سنن ابن ماجة» بسند حسن، من حديث ثوبان رضي الله عنه، عن النبي ? قال: »لأعرفن رجالاً«، أو قال: »أناساً يأتون يوم القيامة بحسنات مثل جبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثوراً«، قالوا: يا رسول الله، صفهم لنا، جلهم الله، أن نكون منهم، ولا ندري، أو قالوا: ولا نعلم، فقال: »هم من جلدتنا،ويتكلمون بألسنتنا، ولهم قسط من الليل، لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها«.(1/7)
وقد ثبت عن أبي هريرة بنحوه، وعن عبد الله بن عمرو، عن النبي ? قال: »من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة«، وهذا يعلم منه أن العلم هو العلم الذي يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله: قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت:51].
فواجب على من رأى منكراً أن يغيره قدر مستطاعه، لقول النبي ? كما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: »من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان«.
ولقوله عليه الصلاة والسلام، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه في «صحيح البخاري» رحمه الله: »مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً«.
وإن مما يستطيع له كل إنسان إنكار المنكر بقلبه، إن لم يستطع بيده، أو بلسانه.
إنها نصيحة للمسلمين، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام كما في «صحيح مسلم» من حديث تميم الداري، وقد أخرجه البخاري تعليقاً عن النبي ? قال: »الدين النصيحة«، قلنا: لمن يا رسول الله، قال: »لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم«، وقد جاء عن غير تميم، ولم يصح إلا عن تميم، كما أبان ذلك العلامة ابن رجب في »جامع العلوم والحكم«، و »ما من نبي إلا ويخبر قومه، بأنه أتاهم ناصح لهم«.
قال الله تعالى: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:62].(1/8)
وقال تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود:88].
وقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44].
ويقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف:2-3].
أخرج البخاري في «صحيحه» فقال: حدثنا ابن نمير عن أبيه، قال: حدثني أبي، عن إسماعيل عن قيس، عن جرير البجلي، عن النبي ? أو أن جرير قال: »بايعنا رسول الله ? على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم«.
وإخواننا الذين يفتون على إذاعة صنعاء، هم من المسلمين، يجب علينا أن نتناصح، فالمؤمن للمؤمن كاليد للأخرى، يغسل بعضها بعضًا، وقد لا يزول الدرن إلا بشيء من التخشين، قال هذا شيخ الإسلام رحمه الله.
وهو أنه تأتي إليهم أسئلة، ويجيبون عليها بما هو خطأ يخالف الدليل، من كتاب الله وسنة رسوله، فكان لزاماً أن نبين ذلك تبرأة للذمة، ونصحاً للأمة.
وهذا ذكر بعض مهمات آداب الفتوى، فمن ذلك باختصار:
تصحيح النية لله عزوجل، فالفتوى عبادة، والله عزوجل يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5]، وأخرج البخاري في «صحيحه» رقم: (6499) ومسلم: (2987) من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي ? قال: «من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به».(1/9)
الأدب الثاني: يجب على المفتي أن يتحرى أدلة الكتاب والسنة الصحيحة، قال الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [لأعراف:3]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
قال الإمام الدارمي رحمه الله في «مقدمة السنن» (40): أخبرنا أبو عاصم، أنا ثور بن يزيد، حدثني خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو، عن عرباض بن سارية قال : صلى لنا رسول الله ? صلاة الفجر، ثم وعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع، والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والمحدثات، فإن كل محدثة بدعة»، وقال أبو عاصم مرة: «وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة».
وقال رحمه الله: أخبرنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري قال: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض قبضًا سريعا، فنعش العلم ثبات الدين والدنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله.
وقال رحمه الله: أخبرنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله بن الديلمي قال: بلغني أن أول ذهاب الدين ترك السنة، يذهب الدين سنة سنة، كما يذهب الحبل قوة قوة.(1/10)
وقال رحمه الله: أخبرنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، عن حسان قال: ما ابتدع قوم بدعة في دينهم، إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة.
وقال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة قال: ما ابتدع رجل بدعة ألا استحل السيف.
وقال: أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: إن أهل الأهواء أهل الضلالة، ولا أرى مصيرهم إلا النار، فجربهم فليس أحد منهم ينتحل قولًا، أو قال: حديثًا، فيتناهى به الأمر دون السيف، وإن النفاق كان ضروبًا ثم تلا: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة:75]، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة:58]، {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة:61]، فاختلف قولهم واجتمعوا في الشك والتكذيب، وإن هؤلاء اختلف قولهم واجتمعوا في السيف، ولا أرى مصيرهم إلا النار.
قال حماد: ثم قال أيوب عند ذا الحديث، أو عند الأول: وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب، يعني أبا قلابة.
الأدب الثالث: أن يكون صحيح العقيدة، مع حصيلة في علوم القرآن، ومعرفة السنة، حتى لا يضل الناس.(1/11)
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه (100): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ؛ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».
قال الإمام الدارمي رحمه الله في «مقدمة سننه» (86): أخبرنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي قال: قال عمر بن عبد العزيز: إذا رأيت قومًا ينتجون بأمر دون عامتهم؛ فهم على تأسيس الضلالة.
أخبرنا إبراهيم بن إسحاق، عن بن المبارك، عن الأوزاعي قال: قال إبليس لأوليائه: من أي شيء تأتون بني آدم؟ فقالوا: من كل شيء، قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ فقالوا: هيهات ذاك شيء قرن بالتوحيد، قال: لأبثن فيهم شيئًا لا يستغفرون الله منه، قال: فبث فيهم الأهواء.
أخبرنا إبراهيم بن إسحاق، عن المحاربي، عن الأعمش، عن مجاهد قال: ما أدري أي النعمتين علي أعظم: أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء.
أخبرنا موسى بن خالد، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن مسلم الأعور، عن حبة بن جوين قال: سمعت عليًا أو قال: قال علي: لو أن رجلا صام الدهر كله، وقام الدهر كله، ثم قتل بين الركن والمقام، لحشره الله يوم القيامة مع من يرى أنه كان على هدى.
أخبرنا عبد بن حميد، عن هارون هو بن المغيرة، عن شعيب، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق قال: قال سلمان: لو وضع رجل رأسه على الحجر الأسود فصام النهار، وقام الليل لبعثه الله يوم القيامة مع هواه.(1/12)
أخبرنا محمد بن الصلت، حدثنا منصور هو بن أبي الأسود، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق الأزدي، عن ربيعة بن ناجذ قال: قال علي: كونوا في الناس كالنحلة في الطير، إنه ليس من الطير شيء إلا وهو يستضعفها، ولو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم، فإن للمرء ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب.
أخبرنا الوليد بن شجاع، حدثني بقية، عن الأوزاعي، عن الزهري قال: نِعم وزير العلم الرأي الحسن.
أخبرنا أحمد بن عبد الله، حدثنا زائدة، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلًا أن يعجب بعلمه.
قال: وقال مسروق: المرء حقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها، فيذكر ذنوبه، فيستغفر الله تعالى منها.
الأدب الرابع: صيانة العلم وتعظيمه، قال الإمام الدارمي رحمه الله في «مقدمة سننه» (137): أخبرنا محمد بن سعيد، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عبد الأعلى، عن الحسن: أنه دخل السوق فساوم رجلا بثوب، فقال: هو لك بكذا وكذا، والله لو كان غيرك ما أعطيته، فقال: فعلتموها! فما رئي بعدها مشتريا من السوق ولا بائعا، حتى لحق بالله.
أخبرنا الهيثم بن جميل، عن حسام، عن أبي معشر، عن إبراهيم: أنه كان لا يشتري ممن يعرفه.
أخبرنا محمد بن سعيد، أخبرنا عبد السلام، عن عبد الله بن الوليد المزني، عن عبيد بن الحسن قال: قسم مصعب بن الزبير مالًا في قراء أهل الكوفة حين دخل شهر رمضان، فبعث إلى عبد الرحمن بن معقل بألفي درهم، فقال له: استعن بها في شهرك هذا، فردها عبد الرحمن بن معقل، وقال: لم نقرأ القرآن لهذا.
أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي خلف، حدثنا أنس بن عياض، حدثني عبيد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام: من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون بما يعلمون، قال: فما ينفي العلم من صدور الرجال؟ قال: الطمع.(1/13)
أخبرنا محمد بن أحمد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن زيد، عن عطاء قال: ما آوى شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم.
أخبرنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا عاصم الأحول، عن عامر الشعبي قال: زين العلم حلم أهله.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن طاوس، قال: ما حمل العلم في مثل جراب حلم.
أخبرنا محمد بن حميد، حدثنا جرير، عن ابن شبرمة، عن الشعبي، قال: زين العلم حلم أهله.
أخبرنا الحكم بن المبارك، أخبرنا مطرف بن مازن، عن يعلى بن مقسم، عن وهب بن منبه قال: إن الحكمة تسكن القلب الوادع الساكن.
أخبرنا محمد بن أحمد، قال: سمعت سفيان، يقول: قال عبيد الله: شِنْتُمْ العلم وأذهبتم نوره، ولو أدركني وإياكم عمر لأوجعنا.
أخبرنا شهاب بن عباد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أمي المرادي، قال: قال علي: تعلموا العلم، فإذا علمتموه فاكظموا عليه ولا تشوبوه بضحك ولا بلعب، فتمجه القلوب.
أخبرنا محمد بن حميد، حدثنا جرير، عن الفضيل بن غزوان، عن علي بن حسين قال: من ضحك ضحكة مج مجة من العلم.
أخبرنا محمد بن يوسف، عن سفيان، أن عمر قال لكعب: من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون بما يعلمون، قال: فما أخرج العلم من قلوب العلماء؟ قال: الطمع.
أخبرنا أحمد بن حميد، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبد الله بن الوليد، عن عمر، عن أيوب، عن أبي إياس قال: كنت نازلًا على عمرو بن النعمان فأتاه رسول مصعب بن الزبير حين حضره رمضان بألفي درهم، فقال: إن الأمير يقرئك السلام، وقال: إنا لم ندع قارئًا شريفًا إلا وقد وصل إليه منا معروف، فاستعن بهذين على نفقة شهرك هذا، فقال: اقرأ الأمير السلام، وقل له: إنا والله ما قرأنا نريد به الدنيا ودرهمها.(1/14)
الأدب الخامس: التورع عن الرأي، وعن القول على الله بلا علم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [لأعراف:33].
وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36].
وللمزيد من الفائدة ننصح بقراءة كتاب «أعلام الموقعين عن رب العالمين» لابن القيم، وكتاب «جامع بيان العلم وفضله»، لابن عبد البر، و «الفقيه والمتفقه»، للخطيب، و«أخلاق العلماء» للآجري، رحمهم الله.
والآن مع الأسئلة إن شاء الله، ونحن تحرينا في ذلك، أن تكون الأوراق المرسولة مكتوب عليها أسماء الشهود، من طلبة العلم العدول الأفاضل، الذين سمعوا تلك الفتاوى المخالفة للحق، مع ذكر أسمائهم، وتلك الفتاوى مشهورة مذكورة على المذياع، سمعها القاصي والداني في بلاد اليمن وغيرها، فنعتبرها عاراً، على البلاد اليمنية، أن ينشر هذا منها، فيشاع الباطل دون نكير، على ذلك المنكر، أو بيان لحال قائله.
السؤال الأول: قال الأخ حسين الشرفي: لقد سمعت فتوى من إذاعة صنعاء حول المولد النبوي، فأجابوا على هذا بقولهم: هذا مما استحسنه المسلمون، وما استحسنه المسلمون فهو حسن، وهذه الفتوى مشهورة، متواترة عنهم، لا يمكنهم إنكارها.
الجواب الأول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فيقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في «الصحيحين» من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«.(1/15)
وأخرج مسلم في «صحيحه» برواية أخرى: »من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد«. والراوية الثانية مبينة، أن من عمل عملاً ليس عليه أمر رسول الله ? فهو مردود على صاحبه، ولو كان مردوداً فحسب لكان الأمر أخف ضررًا، ولكنه يرد ثم يأثم صاحبه على تلك البدعة التي اقترفها، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قال: »لا يقبل الله توبة مبتدع حتى يدع بدعته«، وربنا سبحانه يقول: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}[الأعراف:152]، والبدعة تعتبر فرية، وتعتبر اتهاماً لهذا الدين بالنقص، وربنا سبحانه يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}[المائدة:3].
ويقول سبحانه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:38]، {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت:51]، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: »تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك«، وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة ط، عن النبي ? قال: »دعوني ما تركتم، إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم، وختلافهم على أنبياءهم، فما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم«، وثبت عنه ? يقول: »وما سكت عنه فهو عفو«.(1/16)
هذه البدعة المحدثة، بدعة المولد لم يفعلها رسول الله ?، ومن قال: أن رسول ? فعلها فقد تخرص وكذب، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[النمل:64]، {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}[الأنعام:148]، فلم يفعلها رسول الله ?، وخير الهدي هديه، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21]، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهَ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63]، {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] ، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهَ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36].
ويقول سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الجمعة:2].
وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[التوبة: 128-129].(1/17)
ففي هذه الأدلة بيان من الله أنه يجب علينا إتباع رسوله ?، في كل صغيرة وكبيرة، ودقيقة وجليلة، وهو في هذا الموضع لم يعمل ذلك المولد المحدث، بل ولا أصحابه رضوان الله عليهم، وربنا عز وجل يقول: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[التوبة:100]، اتبعوهم بإحسان، فلم يعفلوا ذلك.
ويقول سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115].
المولد إنما أحدثه العبيديون، هكذا تواتر النقل، عن العلماء في ذلك، وإليك بيان تاريخ هذه البدعة المنكرة، وقبح سيرة العبيدية الباطنية الذين أحدثوها، وخلفهم الصوفية فيها، فبئست البدعة، وبئس المخلف، وبئس الخلف.
قال تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزي، في الجزء الأول من كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (ص:490) تحت عنوان ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً، ومواسم تتسع بها أحوال الرعية، وتكثر نعمهم، قال: وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد، ومواسم، وهي: مواسم رأس السنة، ومواسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي ?، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومولد الحسن والحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات) اهـ.(1/18)
ثم بعد إيضاحه غاية الإيضاح تلك الأعياد والمواسم، ذكر أن الموالد الستة كانت مواسم جلية، يعمل الناس فيها ميزات من ذهب، وفضة، وخشكنانج، وحلواء، وبسط في ذلك الجزء من الكتاب كتاب: «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (ص:432-433) الكلام على وصف جلوس الخليفة في الموالد بالنظرة، علو باب الذهب، قال:
قال ابن المأمون في أخبار سنة ست عشرة وخمسمائة : وفي الثاني عشر من المحرم كان المولد الآمري، واتفق كونه في هذا الشهر يوم الخميس، وكان قد تقرر أن يعمل أربعون صينية خشكنانج، وحلوى، وكعك، وأطلق برسم المشاهد المحتوية على الضرائح الشريفة لكل مشهد سكر، وعسل، ولوز، ودقيق، وشيرج، وتقدم بأن يعمل خمسمائة رطل حلوى، وتفرق على المتصدرين، والقراء، والفقراء للمتصدرين ومن معهم في صحون، وللفقراء على أرغفة السميذ، ثم حضر في الليل المذكورة: القاضي، والداعي، والشهود، وجميع المتصدرين، وقراء الحضرة، وفتحت الطاقات التي قبلي باب الذهب، وجلس الخليفة، وسلموا عليه، ثم خرج متولي بيت المال بصندوق مختوم ضمنه عينًا مائة دينار وألف وثمانمائة وعشرون درهمًا، برسم أهل القرافة وساكنيها وغيرهم، وفرقت الصواني بعدما حمل منها للخاص، وزمام القصر، ومتولي الدفتر خاصة، وإلى دار الوزارة، والأجلاء الأخوة والأولاد وكاتب الدست، ومتولي حجبة الباب، والقاضي، والداعي، ومفتي الدولة، ومتولي دار العلم والمقرئين الخاص، وأئمة الجوامع بالقاهرة، ومصر، وبقية الأشراف .(1/19)
قال : وخرج الآمر، يعني في سنة سبع عشرة وخمسمائة، بإطلاق ما يخص المولد الآمري برسم المشاهد الشريفة؛ من سكر، وعسل، وشيرج، ودقيق، وما يصنع مما يفرق على المساكين، بالجامعين: الأزهر بالقاهرة، والعتيق بمصر، وبالقرافة خمسة قناطير حلوى، وألف رطل دقيق، وما يعمل بدار الفطرة، ويحمل للأعيان والمستخدمين من بعد القصور، والدار المأمونية صينية خشكنانج، وحضر القاضي والداعي، والمستخدمون بدار العيد، والشهود في عشية اليوم المذكور؛ وقطع سلوك الطريق بين القصرين، وجلس الخليفة في المنظرة، وقبلوا الأرض بين يديه، والمقرئون الخاص جميعهم يقرؤون القرآن، وتقدم الخطيب وخطب خطبة وسع القول فيها، وذكر: الخليفة، والوزير، ثم حضر من أنشد، وذكر فضيلة الشهر والمولود فيه، ثم خرج متولي بيت المال ومعه صندوق من مال النجاوي خاصة مما يفرق على الحكم المتقدم ذكره .
قال : واستهل ربيع الأول، ونبدأ بما شرف به الشهر المذكور، وهو ذكر مولد سيد الأولين والآخرين محمد ? لثلاث عشرة منه، وأطلق ما هو برسم الصدقات من مال النجاوي خاصة: ستة آلاف درهم، ومن الأصناف من دار الفطرة: أربعون صينية فطرة، ومن الخزائن برسم المتولين والسدنة للمشاهد الشريفة، التي بين الجبل والقرافة التي فيها أعضاء آل رسول الله ?، سكر، ولوز، وعسل، وشيرج لكل مشهد، وما يتولى تفرقته : سنا الملك ابن ميسر أربعمائة رطل حلاوة، قال : (وكان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطل أمر الوالد الأربعة : النبوي، والعلوي، والفاطمي، والإمام الحاضر، وما يهتم به، وقدم العهد به، حتى نسي ذكرها، فأخذ الأستاذون يجددون ذكرها للخليفة الآمر بأحكام الله ويرددون الحديث معه فيها، ويحسنون له معارض الوزير بسببها وإعادتها، وإقامة الجواري والرسوم فيها، فأجاب إلى ذلك وعمل ما ذكر ).(1/20)
وقال بن الطوير : ذكر جلوس الخليفة في الموالد الستة، في تواريخ مختلفة، وما يطلق فيها، وهي مولد النبي ?، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد فاطمة عليها السلام، ومولد الحسن، ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد الخليفة الحاضر، ويكون هذا الجلوس في المنظرة التي هي أنزل المناظر، وأقرب إلى الأرض، قبالة دار فخر الدين جهاركس، والفندق المستجد، فإذا كان اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، (وهو يوم مولده ?) تقدم بأن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السكر اليابس حلواء يابسة، من طرائفها، وتعبئ في ثلاثمائة صينية من النحاس، فتفرق تلك الصواني في أرباب الرسوم، من أرباب الرتب، وكل صينية في قوارة من أول النهار إلى ظهره ، فأول أرباب الرسوم، قاضي القضاة، ثم داعي الدعاة، ويدخل في ذلك القراء بالحضرة، والخطباء، والمتصدرون بالجوامع بالقاهرة، وقومة المشاهد، ولا يخرج ذلك مما يتعلق بهذا الجانب يدعو بخرج من دفتر المجلس كما قدمناه، فإذا صلى الظهر ركب قاضي القضاة والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصواني، فيجلسون مقدار قراءة الختمة الكريمة، ثم يستدعي قاضي القضاة ومن معه؛ فإن كانت الدعوة مضافة إليه وإلا حضر الداعي معه بنقباء الرسائل، فيركبون ويسيرون إلى أن يصلوا إلى آخر المضيق من السيوفيين، قبل الابتداء بالسلوك بين القصرين، فيقفون هناك وقد سلكت الطريق على السالكين: من الركن المخلق، ومن سويقة أمير الجيوش عند الحوض هناك، وكنست الطريق فيما بين ذلك، ورشت بالماء رشًا خفيفًا، وفرش تحت المنظرة المذكورة بالرمل الأصفر ، ثم يستدعى صاحب الباب من دار الوزارة، ووالي القاهرة، ماض وعائد لحفظ ذلك اليوم من الازدحام على نظر الخليفة، فيكون بروز صاحب الباب من الركن المخلق؛ هو وقت استدعاء القاضي ومن معه، من مكان وقوفهم، فيقربون من المنظرة؛ يترجلون قبل الوصول إليها بخطوات، فيجتمعون تحت المنظرة دون الساعة(1/21)
الزمانية بسمت وتشوف؛ لانتظار الخليفة، فتفتح إحدى الطاقات فيظهر منها وجهه وما عليه من المنديل، وعلى رأسه عدة من الأستاذين المحنكين وغيرهم من الخواص منهم، ويفتح بعض الأستاذين طاقة ويخرج منها رأسه؛ ويده اليمنى في كمه ويشير به قائلًا : أمير المؤمنين يرد عليكم السلام، فيسلم بقاضي القضاة أولًا بنعوته، وبصاحب الباب بعده كذلك، وبالجماعة الباقية جملة جملة، من غير تعيين أحد فيستفتح قراء الحضرة بالقراءة، ويكونون قيامًا في الصدر: وجوههم للحاضرين، وظهورهم إلى حائط المنظرة، فيقدم خطيب الجامع الأنور المعروف بجامع الحاكم؛ فيخطب كما يخطب فوق المنبر إلى أن يصل إلى ذكر النبي ? فيقول : وإن هذا يوم مولده، إلى ما من الله به على ملة الإسلام من رسالته، ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة، ثم يؤخر، ويقدم خطيب الجامع الأزهر، فيخطب كذلك، ثم خطيب الجامع الأقمر فيخطب كذلك، والقراء في خلال خطابة الخطباء يقرؤون، فإذا انتهت خطابة الخطباء، أخرج الأستاذ رأسه ويده في كمه من طاقته، ورد على الجماعة السلام، ثم تغلق الطاقتان، فتنفض الناس، ويجري أمر الموالد الخمسة الباقية على هذا النظام، إلى حين فراغها على عدتها من غير زيادة ولا نقص، انتهى .(1/22)
وقال أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي، في الجزء الثالث من «صبح الأعشى في صناعة الانشاء» (ص:498-499) في كلام له طويل في جلوسات الخليفة الفاطمي، قال بعد أن ذكر جلوسه في المجلس العام، أيام المواكب وجلوسه ليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه للقاضي والشهود في الليالي الوقود الأربع من كل سنة، قال: الجلوس الثالث: جلوسه في مولد النبي ? في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطاراً من السكر الفائق، حلوى من طرائف الأصناف، وتعبئ في ثلاثمائة صينية نحاس، فإذا كان ليلة ذلك المولد، تفرق في أرباب الرسوم : كقاضي القضاة، وداعي الدعاة، وقراء الحضرة، والخطباء، والمتصدرين بالجوامع بالقاهرة ومصر، وقومه المشاهد وغيرهم ممن له اسم ثابت بالديوان، ويجلس الخليفة في منظرة قريبة من الأرض؛ مقابل الدار القطبية المتقدمة الذكر، وهي: بالبيمارستان، المنصوري الآن، ثم يركب القاضي بعد العصر، ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصواني المتقدمة الذكر، فيجلسون في الجامع مقدار قراءة الختمة الكريمة، وتسد الطريق تحت القصر، من جهة السيوفيين، وسويقة أمير الجيوش، ويكنس ما بين ذلك، ويرش بالماء رشاً، ويرش تحت المنظرة بالرمل الأصفر، ويقف صاحب الباب، ووالي القاهرة على رأس الطرق لمنع المارة، ثم يستدعي القاضي ومن معه، فيحضرون ويترجلون على القرب من المنظرة، ويجتمعون تحتها وهم متشوفون لانتظار ظهور الخليفة، فيفتح إحدى طاقات المنظرة، فيظهر منها وجهه، ثم يخرج أحد الأستاذين المحنكين يده، ويشير بكمه؛ بأن الخليفة يرد عليكم السلام، ويقرأ القراء، ويخطب الخطباء كما تقدم في ليالي الوقود، فإذا انتهت خطابة الخطباء، أخرج الأستاذ يده مشيراً برد السلام كما تقدم، ثم تغلق الطاقتان، وينصرف الناس إلى بيوتهم، وكذلك شأنهم في مولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الخاص في أوقات(1/23)
معلومة عندهم من السنة .
وممن صرح من المتأخرين بأن أول من أحدث المولد المتسمون بالفاطميين، مفتي الديار المصرية، الشيخ: محمد بخيت المطيعي، والشيخ: علي محفوظ، فقد قال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي ،مفتي الديار المصرية سابقًا، في كتابه «أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام (ص:44-45)، مما أحدث، وكثر السؤال عنه.(1/24)
ثم قال المطيعي في «بيان ما كان يعمل في المولد النبوي من الفاطميين» (ص:45-47) وفي خلافة الأمر بأحكام الله، أعاد الموالد الستة المذكورة قبل، بعد أن أبطلها الأفضل، وكاد الناس ينسونها، وكان الخليفة يجلس في هذه الموالد في تواريخ مختلفة، ويكون جلوسه كما في الخطط للمقريزي، نقلًا عن عن ابن الطوير في المنظرة التي هي أنزل المناظر، وأقرب إلى الأرض، ففي المولد المولد النبوي إذا كان اليوم الثاني عشر الثاني من ربيع الأول، يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السكر اليابس حلواء يابسة، وتعبئ في ثلاثمائة صينية من النحاس، فتفرق تلك الصواني في أرباب الرسوم، من أرباب الرتب، من أول النهار إلى ظهره ، فأولهم: قاضي القضاة، ثم داعي الدعاة، وقراء حضرة الخليفة، والخطباء، والمتصدرون بالجوامع، فإذا صلى الظهر ركب قاضي القضاة والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصواني، فيجلسون فيه مدة، ثم يستدعي قاضي القضاة ومن معه بالأزهر فيركبون؛ وقد وكنست الطريق، ورشت بالماء رشًا خفيفًا، وفرش ما تحت المنظرة بالرمل الأصفر ، ثم يستدعى صاحب الباب من دار الوزارة، كل ذلك ووالي مصر يغدو ويروح؛ لحفظ ذلك اليوم من الازدحام على نظر الخليفة، فيقرب جميع المدعوين من المنظرة؛ ويترجلون قبل الوصول إليها بخطوات، فيجتمعون تحتها دون الساعة الزمانية؛ لانتظار الخليفة، فتفتح إحدى الطاقات المنظرة فيظهر منها وجهه، وما عليه من المنديل، وفوق رأسه عدة رجال يسمون بالأستاذين وغيرهم من الخواص، ويفتح بعض الأستاذين طاقة أخرى ويخرج منها رأسه؛ ويده اليمنى في كمه ويشير به قائلًا : أمير المؤمنين يرد عليكم السلام، فيبدأ بقاضي القضاة أولًا فيسلم عليه بنعوته، ثم بعده بصاحب الباب ثم بالجماعة الباقية جملة جملة، من غير تعيين واحد، فيستفتح قراء الحضرة بالقراءة، ويكونون وقوفًا في الصدر: وجوههم وظهورهم إلى حائط المنظرة، فيتقدم خطيب الجامع(1/25)
الأنور المعروف بجامع الحاكم؛ فيخطب كما يخطب فوق المنبر إلى أن يصل إلى ذكر النبي ? فيقول : إن هذا اليوم مولده ?، وقد بعثه الله فيه برسالة عامة، ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة، ثم يتقدم خطيب الجامع الأزهر، فيخطب كذلك، ثم خطيب الجامع الأقمر فيخطب كذلك، والقراء في خلال خطابة الخطباء يقرؤون، فإذا انتهت الخطب، أخرج الأستاذ رأسه ويده في كمه من طاقته، ورد على الجماعة السلام، ثم تغلق الطاقتان، فينفض الناس، ويجري أمر الموالد الخمسة الباقية على هذا النظام، إلى حين فراغها، من غير زيادة ولا نقص، إلا فيما يتعلق بصاحب المولد في الخطب، فإنه يكون: في كل مولد بما يناسب صاحبه.
ذكر المطيعي هذا كله، ثم قال (ص:47): وقد استمر عمل الموالد إلى الآن، غير أن الناس تركوا بعض الموالد الخمسة، وزادوا موالد أخرى، حت كادت الموالد الآن لا تحصى، وزادوا على ما كان يعمل فيها من زمن الفاطميين أشياء، ونقصوا أشياء، وزادوا في أيامها، ثم بعد ما نقل المطيعي ما كان يعمله مظفر الدين، صاحب إربل بمولد النبي ?، عن ابن خلكان، ونقل عنه أيضًا قضية ابن دحية معه، وتأليفه له «التنوير في مولد السراج المنير» بعد ما نقل ذلك قال في (ص:52): من ذلك تعلم أن مظفر الدين إنما أحدث المولد النبوي في مدينته إربل، على الوجه الذي وصف، فلا ينافي ما ذكرناه، من أن أول من أحدثه القاهرة الخلفاء الفاطميون، من قبل ذلك، فإن دولة الفاطميين انقرضت بموت العاضد بالله أبي محمد عبد الله بن الحافظ بن المستنصر، في يوم الاثنين عاشر المحرم سنة: سبع وستين وخمسمائة هجرية، وما كانت الموالد تعرف في دولة الإسلام، من قل الفاطميين.(1/26)
وقال الشيخ علي محفوظ في «الإبداع في مضار الابتداع» (ص:126)، في فصل عقده لبدع الموالد، وأول من أحدثها، وأورادها التاريخية: أول من أحدثها ـ أي الموالد ـ بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي رضي الله عنه، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن، والحسين رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيت هذه الموالد على رسومها، إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش، ثم أعيدت في خلافة الحاكم بأمر الله، في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، بعد ما كاد الناس ينسونها، وأول من أحدث المولد النبوي بمدينة إربل الملك: المظفر أبو سعيد، في القرن السابع، قال: وقد استمر العمل بالموالد إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها، وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم، ويوحيه إليهم الشيطان. اهـ(1)
قلت: وفي المولد تقال ألفاظ شركية، منها قول المناوي: (يا محمد كن حبيبي، يا محمد كن طبيبي، وأجرني من لهيبي، إن أوزاري ثقال).
هذا كلام قبيح، فيه: أجرني من لهيبي، وربنا يقول: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهَ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران:135]، ويقول عن نفسه عزوجل: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:88]، ويقول تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الملك:28].
__________
(1) - أفاده الشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله، في كتابه «القول الفصل في حكم الإحتفال بمولد خير الرسل».(1/27)
وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة، وهو حديث طويل قال: »فأخر ساجداً تحت العرش، فيقال لي: أشفع تشفع، واسأل تعطى«، فلا يشفع إلا بإذن من الله، قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة:255]، وقال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الانبياء:28]، لا يشفع إلا برضى عن المشفوع له، قال عز وجل: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر:18]، ويعني بالظالمين: المشركين بالله عز وجل، تقال كلمات في تلك المولد، منها:
لي خمسة أطفي بهما الحاطمة، المصطفى والمرتضى وابناهما والفاطمة)، وهذا كلام باطل أيضاً.
ومما يقال في موالدهم، كما في أحد كتب الضلال الصوفي، المسمى «صاروخ الكتاب والسنة» لعبد الله الحسيني (ص:31):
صف ليلة المولد وصفاً حسناً ... ما ليلة القدر سواها عندنا
قد اشرقت فابتهجت منها الدنا ... واعتدلت فلم يكن فيها عنا
ما بين حر وصفها وبرد ... من ليلة القدر نراها أحسنا
قد هيجت أفراحنا وأنسنا ... وأوسعتنا نعماً ومننا
وبلغتنا كل قصد ومنا ... وكل مطلوب بغير عد(1/28)
وتالله أنه لكذب محض، ربنا سبحانه يقول في ليلة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر: 1-5]، فهل تنزل القرآن في ليلة المولد؟! وهل ليلة المولد خير من ألف شهر؟! وتتنزل فيها الملائكة، فبأي دليل هذا الكذب الصراح يقال، ويشاع بغيًا وعدوًا، ونعود بالله من الخذلان، وقد ألف أهل العلم في ذلك كتباً كثيرة، وأنكروه إنكارًا شديدًا، وإليك نبذة من ذلك باختصار، قال شيخ الإٌسلام ابن تيمية رحمه الله، في «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم»، (ص:295) في الاحتفال بالمولد النبوي، قال: لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ? وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته، واتباع أمره وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان؛ فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
وقال العلامة عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني، المالكي رحمه الله، في كتابه «المورد في الكلام على عمل المولد»:(1/29)
الحمد لله الذي هدانا لاتباع سيد المرسلين، وأيدنا بالهداية إلى دعائم الدين، ويسر لنا اقتفاء أثر السلف الصالحين، حتى امتلأت قلوبنا بأنوار علم الشرع وقواطع الحق المبين، وطهر سرائرنا من حدث الحوادث والابتداع في الدين، أحمده على ما من به من أنوار اليقين، وأشكره على ما أسداه من التمسك بالحبل المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين صلاة دائمة إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه (المولد)، هل له أصل في الشرع أو هو بدعة وحدث في الدين؟، وقصدوا الجواب عن ذلك مبيناً، والإيضاح عنه معينا، فقلت وبالله التوفيق:
لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا أو مكروهًا أو محرمًا، وليس بواجب إجماعًا، ولا مندوبًا لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون المتدينون فيما علمت، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت، ولا جائز أن يكون مباحًا؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروهًا أو حرامًا، وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين، والتفرقة بين حالين:(1/30)
أحدهما: أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئا من الآثام، وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة، وشناعة؛ إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام، سرج الأزمنة، وزين الأمكنة.
والثاني: أن تدخله الجناية وتقوى به العناية؛ حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يؤلمه ويوجعه؛ لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء: أخذ المال بالجاه كأخذه بالسيف، لاسيما إن أنضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأ بآلات الباطل؛ من الدفوف والشبابات، واجتماع الرجال مع الشباب المرد، والنساء الفاتنات، إما مختلطات بهن أو مشرفات، والرقص بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد، والخروج في التلاوة والذكر المشروع، والأمر المعتاد غافلات عن قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14]، وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات، لا من الأمور المنكرات المحرمات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ»، ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازناه:
قد عرف المنكر واستنكر المعروف في أيامنا الصعبة
وصار أهل العلم في وهدة=وصار أهل الجهل في رتبة
جازوا عن الحق فما للذي=ساروا به فيما مضى نسبة
فقلت للأبرار أهل التقى=والدين لما اشتدت الكربة
لا تنكروا أحوالكم قد أتت=نوبتكم في زمن الغربة.(1/31)
قلت: وقد أخطأ السيوطي رحمه الله بعد نقله لهذه الرسالة، في كتابه «الحاوي للفتاوي»، (1/190-192)، ذهب يدافع عن بدعة المولد، فيسر الله عزوجل لي أن بينت خطأه في هذه المسألة، وغيرها من عظائم أخطائه في كتابه المذكور، في جزء سميته: «الإتحافات بتلخيص الحاوي للسيوطي وبيان ما فيه من الشطحات».
السؤال: هذا سؤال قدمه يحيى بن عبد العزيز راشد، يقول فيه: أتى في إحدى الفتاوى في إذاعة صنعاء، ما حكم المرشحين في الانتخابات؟ فأجاب قائلاً: إنها واجبة على كل مسلم، حسب قول النبي ?: »من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم«؟
الجواب: أولاً: هذا الحديث ضعيف، «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، فانظر ما حرره وقرره أهل الحديث، كالعلامة الألباني، والشوكاني، و السخاوي في «المقاصد الحسنة»، وغيرهم من أهل الحديث.
ثانياً: أن الانتخابات من أوجبها على المسلمين فقد أوجب ما حرم الله، والله يقول: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}[النحل:116]، ويقول: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النحل:105].
ويقول الله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:33] ويقول سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الاسراء:36]،(1/32)
أنصح العامة أن يتقوا الله، وأن لا يسألوا هذا المفتن، فليس أهلاً أن يفتي في دين الله وهو يقول هذا القول، لأن الإمام محمد ابن سيرين يقول: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم. كما ثبت ذلك عنه في مقدمة «صحيح مسلم».
والإمام مالك يقول: لقد أدركنا عدداً من أهل الحديث، يقولون: قال فلان، قال رسول الله ? ما يؤخذ عنهم، يقال: ليس من أهله، فذاك ليس من أهل الحديث حتى يفتي به، وإنما هو ملفلف، كلما وجد شيئاً في كتاب ظنه حديثاً ثابتًا عن رسول الله ?، وقد امتلأت كتب بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وانظر: «الفوائد المجموعة» للشوكاني رحمه الله، «والأباطيل» للجوزجاني، و«الموضوعات» لابن الجوزي، و«تنزيه الشريعة» لابن عراق، و«العلل» لابن الجوزي، و«الضعيفة» للألباني، وأبان أهل الإسلام ما يتعلق بطعن أهل الأهواء في هذا الدين، تحت ستار الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ فمن أراد من ديننا شيئاً، أو أراد مصلحة لنفسه أتى بحديث ضعيف يرجم به على الناس، يبرر مقصوده، منهم من يروي حديثاً في الحلبة وفضلها، ومنهم من يروي حديثاً في العصيدة وفضلها، ومنهم يروي حديثاً بأن آل البيت هم سفينة نوح، ومنهم يروي حديثاً يبرر الإرجاء في (الإيمان لا يزيد ولا ينقص، زيادته ونقصانه كفر)، وهو حديث ضعيف فيه أبو المطيع، وأبو المهزم متروكان، كما في ترجمتهما من «ميزان الاعتدال» للذهبي رحمه الله، وهكذا تعلمون تلك الأحاديث التي لا يفطن لها مثل هؤلاء المفتين، وحُق لمن لا يعرف حديث رسول الله ? أن يطلب العلم ولا يتصدر للفتوى.(1/33)
وقبل ذلك: يكون صاحب عقيدة صحيحية، موافقة لعقيدة السلف رحمهم الله، ولا يكون مبتدعًا، هذا هو الذي أهل للفتوى، أما أن يقرأ إنسان فيما يسمى بالفقه الزيدي، أو يقرأ بعض الكتب التي كأنها مجرد أوامر عسكرية، ثم يفتي الناس بمثل هذه الفتوى الهابطة، والله إنه لمن علامات الساعة، فقد قال رسول الله ?: »إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة«، وقد جاء عن النبي ? أنه قال، من حديث أنس قال: قيل: يا رسول الله، متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: »إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم«، قلنا: يا رسول الله، وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: »الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم«. قال زيد بن يحيى: »رذالتكم« إذا كان العلم في الفساق.(1/34)
كل هذا التهالك من أجل متاع الدنيا، قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}[النساء:77]، وقال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:96] إن الفتوى تعتبر من أنفع الدعوة إلى الله، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] والخير كل ما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله ?، قال النبي ?: »من يرد الله به خيراً يفقه في الدين«، »خيركم من تعلم القرآن وعلمه«، الأول: من حديث معاوية متفق عليه، والثاني: من حديث عثمان أخرجه البخاري، فهذا هو الخير، فكان ينبغي لمثل هذا المفتي أن يتقي الله، فبأي دليل يبيح الانتخابات التي هي تقليد للكفار، فضلًا من أن يوجبها، والله عز وجل يقول محذراً عن تقليد الكفار، وعن التشبه بهم، {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:22] ويقول سبحانه وتعالى محذراً عن ذلك: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ}[آل عمران:28](1/35)
ويقول الله سبحانه: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الروم:31] {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم:32] ويقول سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18] {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهَ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:19] والنبي ? يقول محذراً من ذلك: »لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه«، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: »فمن القوم إلا هم«. متفق عليه من حديث أبي سعيد.
ويقول عليه الصلاة والسلام: »نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم«.
وهكذا ينهى رسول الله ? عن التشبه بهم، حتى في الصلاة، فقد ثبت من حديث عمرو بن عبسة في صحيح مسلم: أن النبي ? نهى عن الصلاة في ثلاثة أوقات وقال: »إنها تطلع بين قرني شيطان«، من تلك الثلاث الأوقات: طلوع الشمس، قال: تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار، وعند الغروب أيضاً قال: »تغرب بين قرني شيطان«، وحنيئذ يسجد لها الكفار، ونهى عن الصلاة حينما تكون في كبد السماء قال: »فإنها تسجر جهنم«، وهكذا نهى النبي ? عبد الله بن عمرو، أن يتشبه بالكافرين، حتى في لباس لا يريد التشبه به، فرأ عليه ثوباً معصفراً، قال: »بهذا أمرتك أمك؟« قال: أخلعه يا رسول الله، قال: »بل أحرقه، إن هذا من لباس الكفار، إن هذا لا يحل لك«.(1/36)
ورجع أبو بكر إلى امرأة وهي مصمتة، فقال: مالكِ؟ قالت: حجت مصمة، قال: تكلمي فإن هذا من أمور الجاهلية، ولو أردنا أن نسترسل في أدلة تحريم ذلك من كتاب شيخ الإسلام بالذات، ومن غيره من الكتاب والسنة، في نهي الله عز وجل ورسوله صل الله عليه وسلم عن التشبه بالكافرين، في أقوالهم، و أفعالهم، ولباسهم، لما وسع الوقت لذكر ذلك، لكن هذا القدر يكفي في أن الانتخابات هي تقليد للكفار، لا والله لا يستطيع عاقل فضل عن عالم من عليه بشيء من العلم، أو شم رائحة السنة، لا يجرؤ أن يقول الانتخابات من دين الله عز وجل، فإنما هي من حق الكفار، ومن عندهم، إنما من ديننا الشورى، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الشورى:38] {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران:159]
إن الانتخابات فيها سفك للدماء، وقد جرب هذا القاصي والداني، والله عز وجل قد حرم دماء المسلمين، وجعل ذلك من أسباب الخلود في النار، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهَ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}[النساء:93]. وهكذا النبي ? يقول كما في البخاري عن ابن عمر: »لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً«.
وهذه الانتخابات تشحن قلب الإنسان على أخيه، وقد حرم الله كثيراً من الأمور لما يحصل فيها من إيغار الصدور، ومن ضيق الصدور، ومن بغض الأخ لأخيه، والمسلم لأخيه، حرم الغيبة، والنميمة، والكذب، والغش، والخداع، كل ذلك ما سمعت من أنه يدخل على المسلم ضيق الصدر، ويسبب القلاقل.(1/37)
الانتخابات فيها تنازلات عن دين الله عز وجل، ويجب أن يكون المسلم على بينة من أمره، يقول الله: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}[المؤمنون:71]، وهؤلاء إنما يأتون بأهوائهم، فيساون الرجل بالمراة، وربما سبحانه يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}[آل عمران:36] ويقول: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة:228]، فهي شهادة امرأتين بشهادة رجل، لنقصان عقلها، ودينها، كما في حديث ابن عمر، وأسامة بن زيد، حديث ابن عمر في صحيح مسلم، وحديث أسامة بن زيد في «الصحيحين».
ولا يصلح أن يساوي بها الرجل، بل ويساون الجاهل بالعالم، {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} [لنجم:22].
قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزمر:9]، وقال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[القلم:36] ، وقال عز وجل: {وَاللهَ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}[البقرة:220]، كيف يساوى بين صوت عاقل لبيب، وعالم رشيد، مع صوت امرأة هذا ظلم، ولا بصوت الفاسق، هذا ظلم، ولا بصوت المغني، ولا بصوت الكاذب، ولا بصوت العامي، لا يسوى بصوت العالم، لأن العالم إليه ترجع أمور ومشاكل المسلمين، قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:43].(1/38)
فكيف يساوى به العامي الذي قد لا يستطيع أن يعالج مشاكل نفسه!، الانتخابات مفاسدها كثيرة، منها: الخضوع للكفار، والتذلل للكفار، وتأييد الديمقراطية، التي تعتبر حكم الشعب نفسه بنفسه، وهذا تعريف متفق عليه عند العلماء، أن الديمقراطية: هي حكم الشعب نفسه بنفسه، حتى في لغة (الانجليز)، هي حكم الشعب نفسه بنفسه (أي): بغير كتاب ولا سنة، وهكذا يصير الإنسان مشرعاً، والصوت للأكثرية، فقد صوتوا في بريطانيا، كما في إصلاح المجتمع، وكما هو مشهور في بعض الجرائد، ومعروف عند الكثير، صوتوا على اللواط، إذا بلغ الصبي ستة عشر سنة، فإنه يباح اللواط به، ونفذ ذلك التصويت مدة، أي شيء يصوت عليها القاعة الساحة، كل هذا من نتائج الانتخابات.
وهذا السؤال قدمه عبد العزيز البعداني يقول فيه: سئل أحد المفتين في برنامج مع أولي العلم، في صنعاء عن الذين يسرون بالبسملة، فقال: هؤلاء قوم مفتنون، ولا يجوز تقديمهم في الصلاة؟
الجواب: إلى أي دليل استندت؟ ومن أي سنة ثابتة استفدت؟! وإلا فاسمع ما أخرجه الشيخان في «صحيحهما»، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ? وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. متفق عليه، وفي لفظ: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، أخرجه النسائي، وأحمد بسند صحيح.
وقد كان رسول الله ? يفتتح بالحمد لله رب العالمين، إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. الحديث في الصحيح.(1/39)
فهذه الزيادة في حديث أبي هريرة، أنه صلى بهم، وقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل الفاتحة شاذة، الحديث أصله في البخاري ومسلم، بغير ذلك: فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم)، وقد جاء في السنن بذكرها، وشذ بهذه الزيادة نعيم المجمر، فالحديث رواه جماعة كثيرون، لم يذكروا فيه هذه الزيادة، وأتى نعيم بن المجمر، روى هذه الزيادة، دون كل من روى عن أبي هريرة نحو ثمانية.
وقال الدارقطني: لم يثبت شيء في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. نقل ذلك الزيلعي ودعمه.
وألف جمع من أهل العلم في بيان ضعف أحاديث الجهر (ببسم الله الرحمن الرحيم)، وأما أحاديث الإسرار فهي ثابتة في «الصحيحين» وغيرهما، ليس فيهما مطعن، فبأي دليل تقول هذا القول، بل إن عبد الله بن المغفل، سمع ابنه يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فقال: أي بني محدث، قد صليت خلف رسول الله ? وأبي بكر وعمر، فلم أسمع أحداً يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وهذا مذكور في «شرح السنة» للبغوي، وحسنه الترمذي والزيلعي.
ويذكر البغوي في «شرح السنة»: أن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم على ما جاء في حديث أنس بالإسرار ببسم الله الرحمن الرحيم، وتلك الأحاديث المعارضة حالها كما يقول الشوكاني في مثلها: صحيحها غير صريح، وصريحها غير صحيح، لا تقوى على معارضة حديث أنس بن مالك وأمثاله، وأمثلها حديث أبي هريرة الذي سمعتوه، وفيه: أنه قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم، وقال: أشبهكم بصلاة رسول الله ?، وقد أبان الحفاظ شذوذه هذه الزيادة فيه، انظر لذلك «نصب الراية» للزيلعي في هذه المسألة، وقد لخصنا القول فيها في كتابنا: «أحكام الجمعة وبدعها» عند هذه المسألة، إن كنت باحثاً وطالباً للحق، نسأل الله لك السداد، والتوفيق، أما الجهل فلا ينفق إلا على الجهال، من أمثال ذلك المفتي.(1/40)
السؤال: وهذا أحمد بن قائد العماري يقول: سمع إذاعة صنعاء، برنامج فتاوى، من أحد المفتين في الإذاعة، أنه سئُل عن استماع الغناء، هل هو حلال أم حرام، فأحله للنساء.
الجواب: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الأنعام:136]، ما أشبه هذه الفتوى بما حرمه الله عز وجل، على اليهود،{حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[الأنعام:146]، الغناء محرم على الرجال والنساء، وعلى الجن والإنس من المسلمين، كل مسلم محرم عليه الغناء، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً}[لقمان:6].
اقرأ يا أيها المفتن ما ذكره أهل التفسير عند هذه الآية، كابن عباس ومجاهد وابن مسعود وغيرهم، يقولون: لهو الحديث: هو الغناء، وابن القيم رحمة الله عليه، له مبحث نفيس في «إغاثة اللهفان»، ذكر جملة من الأحاديثفي التحير من الغناء، وذكر أبياتًا طيبة، قال فيها:
برأنا إلى الله من معشر ... فيهم مرض من سماع الغناء
وكم قلت يا قوم أنتم على ... شفى جرف ما له من بناء
شفى جرف كم به هوة ... إلى درك كم بها من عنى
تكرار النص منا لهم ... لنعذر فيهم إلى ربنا
فلما استهانوا بتنبيهنا ... رجعنا إلى الله في أمرنا
فعشنا على سنة المصطفى ... وعاشوا على دندنا(1/41)
يا أيها الظالم لنفسك وللمجتمع، أنت وأمثالك شجعتم أهل صنعاء على أنهم إذا حصل عرس ما يتركون أحداً ينام من المزامير، والطبول، والأغاني، من أغنية إلى أغنية، ويسمونها تراثًا، وبئس التراث، فعلى هذا الأصنام تراث، والخمر أيضاً تراث، فقد كانوا في الجاهلية يشربونه، إذا كنت تريد أن تعمل بكل تراث ولو خالف الكتاب والسنة، وفي «صحيح البخاري» عن النبي ? قال: »لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ: يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ، وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وقد صح الحديث عند ابن ماجة، له طرق وهو في «الصحيح»، فلا تغتر، بمن لفلف في هذه المسألة شبهات إباحة الغناء، وكن ناصحاً لنفسك وللمسلمين، فإن المسألة دين، لا يجوز لأحد أن يقول فيها بغير علم، ويسعه أن يسكت، فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا علم أحدكم شيئاً فليقله، وإن لم يعلم، فليقل: الله اعلم، فإن من العلم أن يقول: الله أعلم.
وفي الباب أحاديث ذكرها العلامة الألباني في كتابه النفيس، »تحريم آلات اللهو والطرب«.
وابن عمر يقول: إن الغناء لينبت النفاق في القلب، كما ينبت البقل في حميل السيل.
لا يمكن أن يجتمع في جوف إنسان حب الغناء، وحب القرآن، قال ابن القيم:
حب القرآن وحب ألحان الغناء ... في جوف عبد لن يجتمعان
فاتق الله يا هذا، وتب إلى الله قبل أن تموت وتلقى الله بهذا المنكر.(1/42)
السؤال: قدمه صالح بن محسن اليافعي يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت من إذاعة صنعاء سائلة تسأل مفتيًا في الإذاعة، هل يجوز لها أن تغتسل في الحمامات التي تكون في الأسواق، ويدخلونها بالأجرة؟ فأجاب قائلاً: نعم يجوز إذا لم يكن في الباب خزقي.
الجواب: ذكر المنذري في الترهيب والترغيب عدة أحاديث منها حديث جابر: أن النبي ? قال: »لا يحل لمرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يأذن أو قال: »أن يدخل حليلته الحمام«، أحاديث في الباب تدل على أن ذهاب النساء إلى الحمام منهي عنه، وقال عليه الصلاة والسلام: »أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها، فقد هتكت ستر ما بينها وبين ربها«، أي: كما يقول صاحب »فيض القدير«: إذا وضعت ذلك للخلاعة.
والنساء يذهبن إلى ذلك المكان فيما أخبرنا، ويذهب أيضاً السفهاء، ومن لا خير فيه، ويتعرضن للهمز واللمز، والفتنة، لو لم يكن من مفاتن هذا الحمام أن بعض السقط يذهبون إلى ذلك المكان للنظر للخارجات والداخلات.(1/43)
الشيعة شوهوا صورة الدعوة في اليمن، وجعلوا الفتوى أضحوكة، ومهزلة، فبعض فتاويهم في الإذاعة عبارة عن كلام مضحك، يا أيها المفتن الأمر دين، وليس أضحوكة، فإن الله عز وجل يقول: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا} أي: سلموا للعذاب، {أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [الأنعام:70]، ويقول: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ}[الأعراف:50-51].
وإن كانت الآيتان في حق الكفار، لكننا نستفيد منهما على أن التلاعب في دين الله يعتبر من الضلال.
لا تذهب المرأة إلى الحمام، إلا لعلاج، ما استطاعت تتعالج إلا في ذلك الحمام، فإنها ممكن تذهب بحشمة، وتغتسل، ويذهب معها محرمها، وينتبه من النظر إلى المحرمات، النظر إلى النساء، وفي الصحيحين، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي ? قال: »إياكم والجلوس على الطرقات« فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: »فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها«، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: »غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر«. وبهذا قال جماعة من أهل العلم.(1/44)
السؤال: هذا أبو سفيان عدنان الريمي يقول: لقد سمعت في يوم الجمعة (4/رجب)، من إذاعة صنعاء، هذا السؤال: ما حكم التلفاز؟ فأجاب: حسنه حسن، وقبيحه قبيح؟
الجواب: ما هو الحسن في تلفزيونك هذا؟!، ما في التلفزيون حسن، فيه تصوير ذوات الأرواح، فيه إدخال الصور في البيوت، والنبي ? يقول: »لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة«. والحديث في الصحيح من حديث طلحة بن عبيد الله.
أيضاً فيه الكذب وما يجوز نشر الكذب بين الناس، وفيه التلبيس والخداع، فيه: الشماتة بأصحاب رسول الله ?، من حيث ذكرهم على غير الوجه اللائق، ومن حيث إتيان بعض الصحابة على صورة امرأة تغازل فلانًا أو علانًا.
فيه: تعليم الأبناء لسوء الأخلاق، والسرقة، والدجل، وما إلى ذلك.
فيه: إسراف وتبذير في صرف كهرباء وإضاعة وقت، والنبي ? يقول: »نعمتان مغبون فيها كثير من الناس الصحة والفراغ«.(1/45)
فيه: نظر الرجل إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل، وقد سبق من حديث سعيد، في الصحيحين في النهي عن النظر إلى ما حرم الله، ومما حرمه الله: النظر إلى النساء، قال الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور:30-31]، من هنا: من بعض ما ينظرون، المقصود أنها تنظر إلى القرآن، وتنظر إلى الطريق، وتنظر إلى ما حل الله، ليست تغمض عينيها عن جميع ما يرى، إنما من المحرمات، قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].(1/46)
رأينا بعض العامة، أنهم إذا أتوا يصورون الناس في المسجد من أجل نشره في الفيديو، يقوم يستشرف بعنقه هكذا، وكلما وجه المصور من جانب، لوى بعنقه إليه، يريد أن يتصور من هنا، ويتصور من هنا، وهو مستقبل للكيمراء، وهو كذلك مصعر بخديه، هؤلاء المفتون الذين يشجعون الناس على تصوير ذوات الأرواح، يشجعونهم على سبب لعنة الله، والنبي ? يقول: كما في حديث أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى عبداً حجاماً فسألته فقال: »نهى النبي ? . ...ولعن المصور«.
وفي البخاري: أن رسول الله ? قال: »إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم«.
ويقول ? : » يخرج عنق من النار له لسان ينطق، وعينان يبصر بهما، يقول: وكلت بكل جبار عنيد، ومن جعل مع إله آخر، وبالمصورين«. حديث صحيح.
فعلى هذا المفتن، وعلى أولئك الذين يظهرون في قناة اقرأ، أو قناة المجد، أو قناة الجزيرة أن يتقوا الله، ويتقيدوا بهذه الأدلة العظيمة، ولا تجرفهم الاستحسانات المخالفة للأدلة، فيغتر بفعلهم هذا عوام الناس، ويروجونه على ما فيه من الأضرار المذكورة هنا، بعضها، والعوام بحاجة إلى الفتوى، والعلم النافع، وليسوا بحاجة إلى النظر إلى صورة المتكلم أو المفتي.
وفي الحسبان بإذن الله عزوجل إخراج رسالة بعنوان: «النصائح الجميلة للعلماء والدعاة الذين تظهر صورهم على قناة اقرأ والمجد والجزيرة»، وإن لم يتيسر ذلك، فأكتفي بهذا التنبيه، وأقول: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء.
السؤال: قال فهد الأعمش: سمعت اليوم إجابة على سؤال قبل صلاة الفجر، هذا اليوم الثلاثاء (12/رمضان)، هل يجوز أن أقرأ القرآن على أقربائي أحياءً وأمواتاً؟ فأجاب: نعم فقراءة القرآن كالدعاء فيجوز ذلك.(1/47)
الجواب: ماتت زوجة رسول الله ? خديجة رضي الله عنه، وماتت ابنته زينب، وابنته أم كلثوم، وابنه إبراهيم، وقتل أخوه وعمه حمزة، ومات عدد كبير من أصحاب النبي ?، ومن أبناءه، ومن أزواجه، هل تعرفون في حرف واحد أنه ? قرأ عليهم قرآناً؟، كما يفعل هؤلاء المتفقهه، الذين يقولون على الله بغير علم، ما فعل هذا رسول الله ?، وقد ثبتت الأدلة أنه لا يجوز أن يقدم بين يدي الله ورسوله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:1-2]،
أخرج البخاري رحمه الله رقم: (4845): حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا؛ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ ? حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ، قَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ ? بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ.(1/48)
فكيف بمن يقدم بين يدي الله ورسوله، مثل هذه الفتاوى المخالفة للحق؟.
البدعة شر على المسلمين، وهي أحب إلى الشيطان من المعصية، كما يقول السلف الصالح رضوان الله عليهم.
السؤال الثاني للأعمش: أنه قدم إلى مفتي الإذاعة سؤال نصه: أناس يقولون: لا تدرس المرأة في الجامعات وغيرها مع الرجال، كيف ذلك إذاً فقد تحرم المرأة من التعليم، فأفتونا مأجورين؟، فأجاب: المراد بالاختلاط هو تلاصق الأبدان، فينبغي على الشاب والفتاة، أن يكون كل واحد منهما بعيداً عن الآخر، كما أنه ينبغي للشاب غض بصره.
الجواب: هذا، ما هو إلا من تسويل الشيطان، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}[البقرة:268]، ويقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[النور:21].
أسمع يا أيها المفتن، ربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزاب:53].
ويقول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}[الأحزاب:32]
الآية الأولى: في حق نساء النبي ?، وأصحاب النبي ?، فغيرهم أولى من ذلك، لأن أولئك أزكى نفوساً وأطهر قلوباً، وإنما من وراء حجاب، هذا يدل على أنه ما يجوز الاختلاط بالأجنبيات، وكذلك يلزم من ذلك أن تتكلم المرأة بصوتها الرقيق، ويكون سبباً لفتنة ذلك الرجل، والله يقول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب:32].(1/49)
وكذلك هو سبب للنظر، هذا تلبيس، هذا غش، معناه: يدخل الجامعة، وعن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه، البنات، وهو يبقى منكساً رأسه إلى أن يخرج من الفصل، ما هذا الكذب على دين الله وعلى الناس، من أين سيكون ذلك؟!.
أيضاً يؤدي إلى المصافحة، والنبي ?: ما مست يده يد امرأة قط. إنما كان يبيايعهن بالكلام، انظر «تفسير ابن كثير» في سورة الممتحنة، حشد أحاديث الباب عند تلك الآيات، وقد جاءت أحاديث ضعيفة في المس من فوق الخرقة، لم يثبت منها شيء، وقد جاء عن النبي ? قال: »لأن يطعن أحدكم في رأسه بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له«، يؤدي إلى المصافحة، ويؤدي إلى الزنا، وما كان وسيلة إلى باطل فهو باطل، وقد نشرت بعض المجلات، أن أكثر ضحايا الطلاق، من الدارسات في تلك الأماكن الاختلاطية، فإن المرأة تتعود وتتمرد على عدم الأدب، وتريد من زوجها أن يكون؛ عبارة عن زميل، مثل الذي كانت تشرب معه الشاهي على المدرج، وغيره.
أيضاً النساء ناقصات عقل ودين، والنبي ? يقول: »ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن«.
فمن الذي يأمن على نفسه من فتنة النساء؟، والنبي ? كان إذا رأى امرأة تعجبه دخل فأتى أهله.(1/50)
ويقول: »إن المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان«، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول لأزواجه: »هذه ثم ظهور الحصور«. أي: هذه الحجة التي حججتن معي، ثم ألزمن ظهور الحصور، ماتخرجن، تلزم بيتها كما أمرها الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب:33]، تتعلم في بيتها، وعند النساء ومن وراء حجاب، لمن أراد أن يعلم من وراء حجاب، كما في الآية السابقة، أما الدراسة في الجامعات المختلطة، فقد عظمت فتنتها لو كان عندك حلم لاعتبرت بالقضية التي صنعها محمد آدم السوداني، في جامعة صنعاء وقد تناقلتها الصحف، وعلم جل أهل اليمن وغيرهم؛ وتألموا من هذه الفضيحة الشنيعة؛ أن ذلك الرجل فعل الفاحشة بعدد من النساء، كان يعلّمهن في الجامعة، ثم قتلهن، فاتق الله يا هذا.
أضف إلى ذلك أيضاً ما في الصحيحين من حديث ابن عباس، أن النبي ? كان إذا خطب الرجال أتى النساء، وكن يعتزلن مصلى المسلمين، كن بعيدات فاحتاج يأتي يعضهن، ولو كان يسمعهن في خطبة واحدة، لما احتاج إلى التكرار، ولألقى الكلام من ذلك المكان للجميع، وهو القائل: «أنا لكم بمنزلة الوالد»، وقد ثبت في «صحيح البخاري»، أن أم سلمة قالت: كان النبي ? إذا سلم يبقى قليلاً حتى ينصرف النساء. لكي لا يحصل الاختلاط، وقد ثبت من حديث ابن عمر، أن النبي ? قال: »لو تركتم هذا الباب للنساء«، قال نافع: فما دخل ابن عمر من ذلك الباب حتى مات.
كل هذا يدل على التمييز وعدم الاختلاط، فمع ما تقدم كان النساء في حشمة وبعدٍ عن مخالطة الأجانب، أما هذا الاختلاط الحاصل الموجود، فقد علمت فتنته وشره، وليس المقصود الاختلاط، أن يكون جسم واحد، وكل واحد يكون جسمه ملتصقًا بالثاني! بأي دليل هذا، وقد قال رسول الله ?: »إياكم والدخول على النساء«، مجرد الدخول هو اختلاط قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ قال: »الحمو الموت«.(1/51)
وسعيد بن المسيب يقول: لو أتمنت على كذا من المال، لوجدت نفسي أميناً، ولو ائتمنت على امرأة سوداء لما وجدت نفسي أميناً، لله درك يا إمام، وأصلح الله هؤلاء الخائنين، أقلبك أيها الزاعم أنه صار طاهرًا، هل صار أطهر من قلوب أصحاب رسول الله ?، وفي «الصحيحين» »ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب«، والله لو صلح قلبك لاتبعت تلك الأدلة التي تقدم ذكرها في حق النبي ? وأصحابه.
الزبير بن العوام كان يغار على امرأته، من حمل النوى على رأسها، قال: والله لحملك النوى على رأسك أشد علي من ركوبك خلف رسول الله ?.
والنبي ? لما قال سعد: إن وجدت رجل مع امرأتي لأضربنه بالسيف غير مصفح، فنظروا إليه، فقال النبي ?: »مما تعجبون من غيرة سعد، والله إنه لغيور، وأني لأغير منه، والله أغير، إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه«.
فأين غيرة هؤلاء الناس، ماتت من أجل مطامع الدنيا، يرجم بابنته، أو أخته في الجامعة، لا يدري على ما هي عليه، ولا يدري إلا وهي في شارع في بعض الأماكن، وقد صارت معها زميل؛ تسرح معه وتروح.
السؤال: وهذا محمد السوري الصنعاني يقول: سئل أحدهم عن حديث: »ستفترق أمتي عن إحدى وسبعين فرقة«، فقال: حديث موضوع لعن الله من وضعه.(1/52)
الجواب: حسبنا الله ونعم الوكيل، لا ما هو موضوع، الحديث ثابت مشهور، ذكره الشيخ مقبل رحمه الله في »الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين«، والشيخ الألباني في »السلسلة الصحيحة«، ويصححه البغدادي، وبنى على هذا الحديث كتابه «الفرق بين الفرق»، وهكذا جمع المحققين فيما أعلم عدا ابن الوزير، فإنه تكلم فيه شيئاً ما، بغير حجة، فالحديث ثابت، وهذا يهري بما لا يدري، ويهرف بما لا يعرف، ليس من أهل الشأن، وليس من أصحابه، ولا من ذويه، فاربع على نفسك، فهو ما يدري ما صحيح، وما ضعيف، وإنما فقط ما أعجبه، فلعن من قال هذا الحديث، ولو رجعت إلى السنن لوجدته في »مسند أحمد« وفي »السنن« بسند ثابت، والله المستعان. وكل هذا من القول على الله بغير علم.
السؤال: وهذا عبد الله الجحدري يقول: سئُل القاضي محمد بن إسماعيل العمراني عن الإسبال، فقال: إن لم يكن خيلاء فليس بمحرم؟
الجواب: لا يا قاضي، ما هكذا، إن النبي ? يقول: »ما أسفل من الكعبين ففي النار«، أنت قد قرأت رياض الصالحين، وأخبروني أنه أيضاً قد درس فيه، أما رأيت هذا الحديث، وهو حديث صحيح في كتاب اللباس، هو الحق مطلع العمراني، وقد كانت لي معه جلسة، في الانتخابات أنا، وجماعة، ذهبنا إليه وقلنا: كيف تفتي بالانتخابات والله يقول: كذا، والنبي ? يقول: كذا، فلما بينا له قال: أحرجوني، فأفتيتهم بالانتخابات، فإذاً فهي محرمة هاه، والشريط عندي موجود، أحرجوه مسكين، فالشاهد أنه يجالس أناسًا، جلساء سوء من الإخوان المسلمين، أدخلوه في حزبهم، وهو متأثر بالزيدية أيضًا، يا شيخ أنا والله أنصحك أن تقبل على الدليل، وأن تفتي الناس بالدليل، جلساء السوء ضررهم عليك شديد، أنصحك أن تترك الذبذبة في الفتوى، أفتى الزيدية بكذا، أفتى الهدوية بكذا.(1/53)
أذكر الدليل، فاصدع بما تؤمر، قال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:29].
»قل الحق وإن كان مراً«، كما قال النبي ? في حديث أبي ذر، وعبادة: »وأن تقول الحق وإن كان مراً«، قلْه على الإخواني، قلْه على الشيعي، قلْه على من تراه، واذكر الدليل، رأيناه يُدرس في «فقه السنة»، ويقول: ماذا قال العلامة الألباني؟ فينظر «تمام المنة» وحوله شلة، لا عناية لهم بالعلم والسنة، وإنما هم مجموعة من حلاق اللحى، واستغلوه.
والله لقد صدرت منه فتاوى باطلة في الانتخابات، وفتاوى باطلة في تصوير ذوات الأرواح، وإقرار بعض المؤذنين بحي على خير العمل، كثير من المسائل، لو وفق للفتوى بالدليل، لاستمع كثير من الناس، ولكان ينطبق عليه حديث رسول الله ?: »من دعى إلى هدىً فله مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً«، من حديث أبي هريرة، وجاء بنحوه عن جرير بن عبد الله في «صحيح مسلم» أيضاً، عفا الله عنك يا قاضي.
السؤال: يقول منصور الرازحي: سمع من الإذاعة فتوى حول السترة في المسجد، فقال المفتي: ما دام في المسجد فلا داعي للسترة.
الجواب: يا إخوان ما هذه العقلانية؟!، كأنه هو المحلل والمحرم، فأين الدليل على هذا القول، فإن النبي ? يقول: »لا تصلي إلا إلى سترة، ولا تدع أحداً يمر بين يديك«. وفي صحيح مسلم، من حديث عبد الله بن مغفل قال: »كان إذا أذن المؤذن ابتدرنا السواري«، وهكذا النبي ? كان إذا مرت بين يديه الشاة ساعاها إلى السترة، وهم في المسجد.
وكل هذه الأحاديث ثابتة، منها ما هو في الصحيح، ومنها ما هو خارج الصحيح، وقد كان يلازم السترة، وتُحمل معه العنزة، في حضره وسفره، فإذا أراد أن يصلي رُكزت له العنزة وصلى إليها.(1/54)
أهل العلم لا يختلفون في شرعية السترة، إنما اختلفوا في الوجوب، أو الاستحباب، الجمهور على الاستحباب، ومن الذي يستغني عن المستحب، ومن يستغني عن فعل الخير، يقول الله عز وجل: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الحج:77].
والشوكاني في »نيل الأوطار« وجماعة من أهل العلم على الوجوب، وهذا هو الصحيح: لما في الباب من الأحاديث الصحيحة، الصريحة بالوجوب للمصلي، سوء كان بمكة أو غيرها.
السؤال: وهذا عبد الحميد الحجوري يقول: سئل العمراني عن رؤية الله يوم القيامة فقال: المعتزلة يقولون: لا يرى، وأهل السنة يقولون: يُرى، ولم يرجح ويذكر الصواب؟
الجواب: هذه من الذبذبة التي عنده، وإلا فهل خفي عليه قوله الله عز وجل:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:23]، هل خفي عليك يا شيخ قول الله عز وجل: للذين {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:26]، وقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[قّ:35]. والمزيد: قد فسر كما في الصحيح، بالنظر إلى وجه الله، عند جمهور أهل العلم، وانظر تفسير ابن كثير، هل خفي عليك حديث جرير: »إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر«، وحديث أبي موسى، وحديث عدي بن حاتم، وجملة من الأحاديث في الباب ذكرها البخاري في تفسيره في «الصحيح»، وللدارقطني كتاب مستقل في «الرؤية»، كان ينبغي أن تبين أن الله عز وجل يُرى يوم القيامة، يراه المؤمنون، ويحجب عنه الكافرون، كما قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ}[المطففين:15-16].
قال الشافعي رحمه الله: إذا حجب أهل سخطه، رآه أهل رضاه ومغفرته.(1/55)
فمسألة الرؤية: أهل العلم من أصحاب رسول الله ? إلى يومنا هذا يقولون بما ذكرنا، ما فائدة ذكر أولئك الضلال التائهين؟، من معتزلة وجهمية وخوارج ورافضة، وإن لم يستطع الإنسان أن يقول الحق يسكت، قل خير تغنم، أو اسكت عن شر تسلم، والله المستعان.
السؤال: وهذا فهد نهشل يقول: سئل القاضي الكبسي في إذاعة صنعاء، في برنامج فتاوى عن حكم الدخان والتنباك، فقال: الأصل في الأشياء الإباحة، أي أنها حلال ليس فيها شيء.
الجواب: هذا يقال فيما لا دليل على تحريمه، يرجع إلى هذه القاعدة، أما أن تأتي الأدلة في تحريم الخبائث، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف:157]، »إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً«.
«لا ضرر ولا ضرار»، ويقول الله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}[النساء:29]، هذه الأدلة كلها تتركها ثم تذهب تقول بالإباحة، ما تُهدى إلى دليل واحد تذكره للمجتمع، على تحريم ذلك، والله إنه لطمس بصيرة.
السؤال: هذا إبراهيم بن أحمد الخولاني يقول: سمعت من إذاعة صنعاء في الفتاوى، عندما سئل عن إدخال الصبيان في المسجد فقال المفتي في الإذاعة، لا يجوز، واستدل بحديث: »جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم«.
الجواب: الحديث ضعيف، »جنبوا مساجدكم صبيانكم«، وهو منكر المتن أيضاً، لأن النبي ? أتاه الحسن والحسين يمشيان ويعثران، فنزل ورفعهما وقال: »صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة«. والحديث عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، في السنن، وهو صحيح، مذكور في «الصحيح المسند» للشيخ رحمه الله.
ولأن ابن عباس، وغيره من صغار الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يصلون مع النبي ?.
وفي الصحيح، من حديث عمرو بن سلمة: أنه كان يؤم قومه في زمن النبي ?، وهو ابن سبع سنين.(1/56)
وقد ذكر هذه المسألة ابن قدامة، والشوكاني، والحافظ ابن حجر، والإمام النووي في «المجموع»، وغيرهم من علماء المسلمين، أن إمامة الصبي المميز ولو لم يكن بالغاً تصح؛ لهذا الحديث الذي تقدم ذكره، فضلاً من أن يكون مأموماً، فهذا الحديث الذي استدل به ذلك المفتي -هداه الله- يتعارض مع صاح السنة، بل إن الله عز وجل يقول: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم:6]، ومما يقي الأطفال منها: تعويدهم على الخير، وتمرينهم على ذلك؛ حتى يحبوه ويعملوا به ويداوموا عليه إن شاء الله تعالى.
فهذا الحديث الذي استدل به هذا المفتي، وهو من الأحاديث المشتهرة على الألسن، حديث ضيعف السند، منكر المتن.
من إصداراتنا:
1) أحكام التيمم. ... ...
2) الإتحافات بتلخيص الحاوي للسيوطي رحمه الله ونقد ما فيه من الشطحات. ... ...
3) توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضوال.
4) الأدلة الزكية في بيان أقوال الجفري الشركية.
5) أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية.
6) التحذير عن أهم الصوارف عن الخير.
7) جلسة ساعة في الرد على المفتين في الإذاعة.
8) الحث والتحذير على تعلم أحكام المريض.
9) السيل العريض الجارف لبعض ضلالات الصوفي عمر بن حفيظ.
10) فتوى في حكم الدراسة الإختلاطية.
11) الأجوبة السنية وكشف بعض أباطيل الصوفية.(1/57)