حادثة "جسر الجمرات"
(رؤية شرعية)
دراسةٌ مختصرة لما حدث لبعض الحجاج المتعجلين عند "جسر الجمرات"
في يوم الخميس الموافق: (12/12/1426هـ)
كتبه:
أبو محمد عبدالله بن محمد الحوالي الشمراني
باحث في الدراسات الإسلامية، وعضو الجمعية الفقهية السعودية
[للتواصل مع الكاتب]
ص ب: (103871) ـ الرياض: (11616)
فاكس المكتبة: (4910642/01)
Email: Shamrani45@Hotmail.com
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
أما بعد:
فقد آلمنا ـ كما آلم الأمة الإسلامية ـ ما حدث في "جسر الجمرات" في يوم الخميس الموافق الثاني عشر من شهر ذي الحجة المحرم لهذا العام (1426هـ)، فراح ضحية هذا الحادث أكثر من (360) حاجًّا، غير مئات المصابين= نسأل الله أن يرحم من مات منهم، ويلهم أهلهم الصبر والسلوان، ويخلف عليهم خيرًا، ويعافي من أُصيب = فكتبت هذه الدراسة، والذي دفعني لها هو صياغة الخبر في "قناة الجزيرة"، وما ذَكَرَته بعضُ "الصحفِ المحلية"(1)، كعادتها عند حدوث مثل هذا الحادث في كل سنة، بل بعضها تذكر ما تذكره قبل حدوث الحادث، وهو الكلام في "الفتوى" في هذا البلد، وأنَّها سبب المشكلة، وأنَّ "الفتوى" عندنا متضاربة، والتعبير عن ذلك بعبارات صحفية لا تناسب المصطلحات الشرعية، بل لا تناسب الطرح العلمي النزيه.
وهذا ما حدث منهم عند اختلاف العلماء في حكم الاكتتاب في شركة "ينساب"، وقد كتبت فيما يخص كلامهم على الاكتتاب كتابة بعنوان "فقه الخلاف" [دروسٌ للمخالف في الاكتتاب]، وسترونها قريبًا إن شاء الله.
وقد جعلت دراستي حول "حادثة جسر الجمرات" على نقاط سبعة؛ على النحو الآتي:
النقطة الأولى: الإيمان بالقضاء والقدر.
النقطة الثانية: اهتمام الحكومة السعودية بالحج والحجاج.
النقطة الثالثة: سبب ازدحام الناس، وهلاكهم.
النقطة الرابعة: فقه المسألة.(1/1)
النقطة الخامسة: تكرار هذا الحادث.
النقطة السادسة: علاج المشكلة.
النقطة السابعة: الاصطياد في الماء العكر.
[النقطة الأولى: الإيمان بالقضاء والقدر]
الإيمان بالقضاء والقدر هو ركن من أركان الإيمان العظيمة، الواردة في حديث جبريل ـ عليه السلام ـ المشهور، وقال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر].
قال شيخنا العلامة محمد ابن عثيمين رَحِمَهُ اللَّهُ:
(الإيمان بالقدر هو من ربوبية الله عز وجل، ولهذا قال الإمام أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (القدر قدرة الله) أ.هـ لأنَّه من قدرته، ومن عمومها بلا شك، وهو ـ أيضًا ـ سر الله تعالى المكتوم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، في الكتاب المكنون، الذي لا يطَّلِع عليه أحدٌ... وعلى المؤمن أن يرضى بالله تعالى ربًا، ومن تمام رضاه بالربوبية، أن يؤمن بقضاء الله وقدره)(2) أ.هـ
ويجب أن يتحلى المؤمن بصفة عامة وذوي المتوفين والمصابين في حادثة الجمرات على الخصوص بهذه الخصلة، فمن آمن بالقضاء والقدر لذ له العيش، ومن لم يؤمن به تعس في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)} [الحديد].
وقد رأيت من كلام بعض الناس تجاه هذه الحادثة ما يخالف هذا العقيدة؛ ومن ذلك قول أحدهم: (فعلاً قهر والله!! كل هذه الإمكانات المسخرة للحج، وكل سنة حجاج يتوفون!!).
ونحن حين نحتج بالقضاء والقدر لم نحتج به إلا بعد فعل الأسباب والتوكل على الله تعالى، وهذا ما تتحدث عنه النقطة الثانية...
[النقطة الثانية: اهتمام الحكومة السعودية بالحج والحجاج](1/2)
لم يكن أمر الحج خاص بهذا العام دون غيره، بل الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، ومن جحده فقد كفر، لذا حج الناس مع النبي (، ولا يزالون يحجون بعد وفاته إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذا كان أمر الحج محل عناية كل حكام المسلمين حتى آل الأمر إلى الدولة السعودية فوضعت أمر الحج بل أمر الحرمين الشريفين عامة محل عناية، وخصصت لذلك "المليارات" الكثيرة، وقدمت مشاريعه على مشاريع كثيرة يراها الناس من المشاريع التنموية، وأنشأت "معهدًا" خاصًا بالبحوث والدراسات المتعلقة بالحج، وتنتدب آلاف العسكر من القوات المسلحة، والحرس الوطني، والداخلية بكافة الأفرع، وهذا غير المدنيين من كافة الجهات الحكومية، كل ذلك لخدمة حجاج بيت الله الحرام، ومن يحج كل عام، وينظر إلى هذه الجهود يعرف حقيقة ما أقول(3).
ومع كل هذه الجهود، يبقى القول بأنَّ تنظيم ما يزيد على المليونين شخص في بقعة صغيرة ومحدودة ليس بالأمر الهين، وما حصل لا يتمناه مسلم في قلبه مثال ذرة من إيمان، فكيف بدولة أنفقت المليارات من أجل التسهيل أمر الحجاج.
ولكن مع كل هذه الجهود إلا أنَّ مشيئة الله فوق كل شيء، وقدّر الله وما شاء فعل، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لله وإن إليه راجعون، ونقول للحكومة السعودية وفقها الله {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
[النقطة الثالثة: سبب ازدحام الناس، وهلاكهم]
إنا ما حصل عند "جسر الجمرات" ، وإنا كنا نتضرع إلى الله، ونبتهل إليه بأن يكون الأخير، إلا أنَّه لم يكن الحادث الأول، ولا الثاني، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة؛ ومن أهمها:(1/3)
(1) استعجال نسبة كبيرة جدًا من الحجاج، ورغبتهم في الرمي في أوّل الوقت، لكي يتسنى لهم الذهاب إلى "الحرم" لإكمال النسك، ومن ثم الرحيل إلى وطنهم، وتشدد كثير من الحملات (التجارية) على الحجاج، وتطالبهم بالانتهاء من جميع أعمال المناسك، في وقتٍ مبكر، لأنَّ الرحلات سواءً البرية أو الجوية مجدولة وفق أوقات معينة، بل ومحسومة، ولا تسمح ـ جل الحملات التجارية ـ لهم بالمبيت بـ "منى" ليومٍ ثالث، بل وتشترط عليهم ذلك قبل السفر للحج، ولو نظمت الحملات السفر، وجعلته على دفعتين الأولى يوم الثاني عشر، والثانية يوم الثالث عشر لكان أولى، ولكن هذا خلاف المراد عند الحملات التجارية، وأيضًا عند كثير من الحجاج.
(2) وجود الكثير من الحجاج في مباسط أرضية حول "جسر الجمرات" بطرق عشوائية، وبعضهم قد نصبوا ما يُسمّى بـ "الخيام البحرية"، فأعاقوا مسيرة الراغبين في الرمي.
(3) يوجد أعداد غير قليلة من الحجاج ممن يستعجلون الرمي يأتون إلى "الجسر" وهم محمّلون بالأمتعة، لكي يرموا وينصرفوا مباشرة.
(4) تجمع أعداد كبيرة جدًا من الحجاج يتجاوزن (600.000) حاج عند "الجسر" تحسبًا للوقت الذي يفتي ببدء الرمي فيه جمهور العلماء، عندها يتقدمون دفعة واحدة، وبغير تنظيم منهم، ولا ترتيب، فيتسببون في المأساة.
علمًا بأنَّ الأعداد التي تحضر للصلاة في "المسجد الحرام" قد تتجاوز (2.000.000) مصلٍ، ومع ذلك يجتمعون لأداء الصلاة، ويقفون لأدائها في صفوف منتظمة، بكل خشوع وطمأنينة، ولا يحدث مثل الجمرات، ويجتمع داخل "المسجد الحرام" أعداد هائلة، ويطوفون حول "الكعبة" شرفها الله، ولا نسمع بما نسمعه في "جسر الجمرات"، علمًا بأنَّ وقوف الأعداد الكبيرة للصلاة في "المسجد الحرام" يكون في وقتٍٍ واحد وقصير جدًا، وهو أقل بكثير من الوقت المخصص للرمي وفق رأي الجمهور.(1/4)
لو قارنَّا بين تجمع المسلمين في "المسجد الحرام"، وتجمعهم عند "جسر الجمرات" رأينا أنَّ العدد لا دخل له في الحادث، بل السبب هو ازدحام الناس وتجمعهم ـ محملين بالأمتعة ـ عند المنافذ تحسبًا للحظة معينة ينطلقون فيها، عِلمًا بأنَّ الوقت أطول من هذه اللحظة.
(5) ومن الملاحظ أنَّ أغلب من يتضرر في هذا الحادث هم من الحجاج قليلي العلم والبصيرة، فهم لا يلتزمون بكثير من الأنظمة والتعليمات، وهذه الشريحة(4) تعاني منها الجهات المنظمة للحج في كل موسم، وتعليم هؤلاء من مسؤولية "مؤسسات الطوافة" التي تأتي بهم وترميهم في مشعر "منى" يفترشون الشوارع، ويستظلون بالجسور والكباري، فالله حسيبهم.
وبعد هذا؛ نجد أنَّه من الظلم ـ والله ـ تحميل "الحكومة السعودية" التي أنفقت المليارات لتفادي هذا الأمر، أقول من الظلم تحميلها مسؤولية هذا الحادث وتبعاته.
ومن المضحك الإشارة إلى بعض ما قيل في أسباب الحادث؛ مثل:
(1) وجود "موكب" لأحد كبار الشخصيات! ولا أعلم لماذا لم نسمع بهذا "الموكب"، إلا في هذا اليوم؟! ألم يرمِ صاحب "الموكب" صباح يوم العاشر، ويوم الحادي عشر؟! لما لم تأتِ مشكلته إلا في هذا اليوم؟! وألم يسر "الموكب" في أماكن في "عرفة"، و "مزدلفة"؟! لما لم يأتِ ضرر هذا "الموكب" إلا في هذا اليوم فقط؟! وفي هذا المكان؟! ألم يكن في وسع هذا الموكب ومن فيه، أن يرموا قبيل الغروب بعد أن يخف الزحام؟!
أسئلة متعددة نترك الإجابة عنها لمن كان له السبق في اكتشاف هذا الحدث العالمي.
ثم إنَّ الشخصيات الكبيرة (كما هو معروف)، لا يرمون بأنفسهم في يوم الثاني عشر، بل يوكِّلون من يرمي عنهم، وينصرفون، وهذه عادة يفعلها كثيرٌ منهم.(1/5)
(2) تصدع "جسر الجمرات" متأثرًا بكثرة البارود المستعمل في دك جبال "مكة"، وأنا لا أعرف لماذا لم يتأثر من دك الجبال إلا "جسر الجمرات" فقط؟! ولماذا لم يكن تصدعه إلا حين الاستعجال في الرمي في ذلك اليوم؟! والغريب أنَّ "الجسر" اُسْتُعْمِل للرمي بعد الحادثة، وكذلك في اليوم الثالث عشر، ولو كان متصدِّعًا لما سُمح بالرمي عليه بعد ذلك.
أما قيام "الدولة" بإزالته فهذا تبعًا لخطةٍ مدروسة من قَبْلِ الحادث، وجاءت الإزالة ليقوم مقامه مشروعٌ ضخم يُطَوّر فيه "موقع الجسر" ليكون عبارة عن أربعة طوابق، بكامل خدماتها، وتخدم قرابة (4.000.000) حاج في اليوم، وقد أُعْلن عن هذا المشروع منذ زمن، وما إن انتهت المناسك، حتى بدأ الشركات تعمل فيه بطاقة (5000) عامل، بتكلفة تجاوزت (4.2) مليار ريال(5).
وكثير مِمَّن يكذبون في التحليل يستندون إلى "شاهد عيان"، ليهربوا من تبعية الخبر، ولا يجرؤن على تسمية شخص أو جهة، ولعل مستندهم (شاهد عيَّان) بتشديد الياء، ولو كان بتخفيف الياء، وأمينًا في نقله، لما نقل إليهم خلاف الواقع.
[النقطة الرابعة: فقه المسألة]
إنَّ للحادث أسبابًا ذُكرت، وليس منها الفتوى الشرعية (عدم جواز الرمي قبل الزوال)، ولكن يصر بعض الناس ـ بقصد أو بغير قصد ـ إثارة هذه المسألة، وكثيرٌ منهم ليس مختصًا بالفقه، لذا نراهم عند طرق المسألة يأتون بالعجائب والغرائب(6)، ولا غرابة في ذلك، ففاقد الشيء لا يعطيه.
ولحساسية الأمر سأذكر فقه المسألة؛ ليعرف كل من اطلع على هذه الدراسة حقيقة الأمر.
[فقه المسألة](7):
للرجم أيام التشريق قولٌ مجمعٌ عليه، ولا إشكال فيه، ووقتان آخران محلان للخلاف؛ على النحو الآتي:
الوقت الأول: الرمي من بعد زوال الشمس إلى غروبها.
وهذا الوقت محلٌ للرمي عند الجميع، ولا إشكال فيه، فلا نطيل.
الوقت الثاني: الرمي بعد غروب الشمس (الرمي ليلاً).(1/6)
والمشهور من مذهبنا (الحنابلة)، القول بعدم جواز الرمي في هذا الوقت، ولكن الراجح ـ والله أعلم ـ جوازه، وقال بذلك الحنفية، وبعض المالكية، وهو وجهٌ مشهور [خلاف الصحيح] عند الشافعيَّة، وبه يفتي بعض مشايخنا الأفاضل.
وهذا القول نقول به لأمرين:
الأمر الأول: رجحانه ـ من حيث الدليل ـ على القول بعد الجواز، وبيان ذلك:
(1) سُئِلَ النَّبِيُّ ( فَقِيلَ لَهُ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالَ (: (لاَ حَرَجَ)(8).
(2) قال عبدالرجمن بن سابط رَحِمَهُ اللَّهُ: (كان أصحاب رسول الله ( يقدمون حجاجًا، فيَدَعُون ظهرهم، فيجيئون فيرمون بالليل)(9).
(2) أنَّ النبي ( وقّت لنا أوّل الوقت للرمي، ولم يوقّت لنا آخره، ولو كان آخره غروب الشمس بينه لنا (.
(3) من حدّد آخر الوقت بغروب الشمس، فتحديدٌ بلا دليل.
والأمر الثاني: لما في هذا القول من التيسير للحجاج، وذلك بتوسيع وقت الرجم(10).
والقول بالرمي في هذا الوقت لا يثار حوله كثير كلام، والمحك عند الوقت الثالث الآتي...
الوقت الثالث: جواز الرمي قبل الزوال(11).
والقائلون بجواز الرمي في هذا الوقت يحتاج ذكر مذهبهم إلى تفصيل، فأقول وبالله التوفيق:
يرى الإمامان الجليلان طاووس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح جواز الرمي فيه مطلقًا(12).
ويرى الحنفيَّة جواز الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث عشر فقط، أما اليوم الثاني عشر فلا يرون جواز الرمي قبل الزوال إلا للمتعجل فقط، أما غير المتعجل فلا يرمي قبل الزوال، على الرواية المشهورة(13).
أما صاحبا أبي حنيفة(14)، والمالكية، والشافعية في المعتمد عندهم، والحنابلة على الصحيح من المذهب(15)، فيرون أنَّ الرمي لا يكون قبل الزوال، بل بعده.
وبعض أهل العلم يرون أنَّ الرمي قبل الزوال لا يجوز إلا لمن أخّر رمي يوم إلى اليوم الذي بعده.
والذي يترجَّح في المسألة هو رأي الجمهور القائلين بمنع الرمي قبل الزوال، وأدلتهم(16):(1/7)
1 ـ قول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]، واليومان هما ـ بالاتفاق ـ يومي الحادي عشر، والثاني عشر، فمن رمى صباح الثاني عشر، لم يكنْ تعجَّل في يومين، بل تعجَّل في يومٍ وشيءٍ يسيرٍ من اليوم الثاني. أمَّا مَنْ رمى بعد الزوال، فقد تعجَّل ليومين، لأنَّه مكثَ يومًا كاملاً، وأكثرَ الثاني، وإذا مرَّ أكثرُ اليوم عُبِّر عنه باليوم، كما هي عادة الشارع.
2 ـ أنَّ النبي ( رمى بعد الزوال، وقال: ((لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ))(17).
3 ـ أنَّ النبي ( بادر بالرمي حين زالت الشمس، ورمى قبل أن يصلي الظهر، وكأنه ( بفعله هذا يترقب زوال الشمس ليرمي ثم يصلي الظهر.
4 ـ لو كان الرمي قبل الزوال جائزًا ـ كالرمي يوم النحر ـ لفعله النبي (، لما في ذلك فوائد؛ منها:
(1) أنَّ في ذلك فعلاً للعبادة في أول وقتها، وهو أمر محمود في الشرع.
(2) ولما في ذلك من التيسير على الأمة.
(3) ولما في الرمي قبل الزوال من تطويل لوقت الرمي، وهو ما تتمناه الأمة.
(4) ويؤد هذا قول عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ( بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ)(18). فلمَّا لم يختر النبي ( الرمي قبل الزوال، وعدل إلى الرمي بعد الزوال مع ما فيه من تضييق الوقت، دلَّ على عدم جوازه، وأنَّهم إثمٌ، وهذا ظاهرٌ من نص الحديث، والحمد لله.
5 ـ لو كان الرمي قبل الزوال جائزًا، لرمى النبي (، ولو مرة واحدة، أو فعله بعض الصحابة ( وأقرّه النبي (، وقد رُوي في مصادر السنة أنَّ الصحابة ( قدّموا وأخّروا في بعض المناسك، فبلغ ذلك النبي ( فقال لهم: (افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ)(19)، وأخرجت لنا مصادر السنة الكثير مِمَّا فعله النبي (، في حجة الوداع، وكذلك الصحابة الكرام (.(1/8)
6 ـ ذكر بعض أهل العلم أنَّ رمي الجمار يدخل ضمن المسائل الشرعية التي لا تُعرف بالقياس، بل بالتوقيف. وقالوا ذلك ردًا على من أجاز الرمي قبل الزوال قياسًا على الرمي يوم النحر(20).
ومن خلال العرض السابق نرى أنَّه لم يقل بالرمي قبل الزوال من الأئمة غير أبي حنيفة (، وخالفه في ذلك صاحباه الإمامان الجليلان: محمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبو يوسف رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وبناء على ما سبق تبين لنا أنَّ قولَ أبي حنيفة ( مخالفٌ للأدلة من "الكتاب"، و "السنة"، وعمل كثير من السلف من لدن الصحابة ( فمن بعدهم على خلاف قوله، يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رَحِمَهُ اللَّهُ:
(اعلم أنَّ التحقيق أنَّه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال؛ لثبوت ذلك عن النبي ( ...
وبهذه النصوص الثابتة عن النبي ( تعلم أنَّ قول عطاء وطاووس بجواز الرمي في أيام التشريق، قبل الزوال، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال، وقول إسحاق: إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزاه؛ كل ذلك خلاف التحقيق؛ لأنَّه مخالف لفعل النبي ( الثابت عنه، المعتضد بقوله (: (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ). ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد وأبو يوسف، ولم يرد في "كتاب الله" ولا "سنة نبيه (" شيءٌ يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق، لا مستند له ألبتة، مع مخالفته للسنة الثابتة عنه (، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، والعلم عند الله تعالى)(21) أ.هـ
ولحساسية مسألة الرمي قبل الزوال، نجد أنَّها كانت محل اهتمام العلماء وطلاب العلم في وقتنا هذا، فقام جماعة منهم ببحث المسألة، وممن وقفت عليه:
(1) بحثٌ لفضيلة الدكتور شرف بن علي الشريف بعنوان: "رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام".
(2) بحث لفضيلة الشيخ عبدالمحسن الزامل.
وقد خلص الاثنان إلى القول بعدم جواز الرمي قبل الزوال، موافقة للجمهور، وتبعًا للدليل.(1/9)
ومن خلال ما نرى في الحج، ونسمع من أحوال الحجاج، نجد أنَّ الوقت الذي يطالب بإفتاء الحجاج بالرمي فيه هو قبل الزوال، وتحديدًا يوم الثاني من أيام التشريق، لما في ذلك ـ حسب قولهم ـ من التيسير للحجاج، ورفع للمشقة عنهم.
وللرد على ذلك نقول:
أولاً: إنَّ النصوص الثابتة دلت ـ كما سبق ـ على أنَّ الرمي يبدأ حين تزول الشمس.
ثانيًا: إنَّ الحاج الذي يريد أن يكون حجه كما فعل النبي (؛ عليه أن يفعل كما فعل (، وأن يرمي بعد الزوال.
ثالثًا: إنَّ ازدحام الناس عند "جسر الجمرات" في يوم التعجيل ليس بسبب القول الراجح، بل بسبب آخر، كما سبق في النقطة الثالثة، وسيأتي تأكدي ذلك في النقطة الخامسة.
وبناء على ما سبق؛ تعلم أنَّ كثيرًا ممن كتبوا في المسألة من "كُتَّاب الصحف"، تكلّم فيها بجهل، وعدم فقه هؤلاء بالمسألة دعاهم للكلام على أهل العلم، كما أنَّ جهلهم بفقه مسألة (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ)(22) جعلهم يخوضون فيها في "الصحف" بغير علم، وبسبب جهلهم بفِقْهِها تكلّموا على "المؤسسات الدينية" في البلاد، وعلى رأسها "مجلس القضاء الأعلى"(23).
ولذا نراهم إذا أفتى المفتي(24) بفتوى مخالفهم لأهوائهم؛ اتهموه بـ "الأحادية"، ولاموه، واتهموا فتواه بأنَّها لا تواكب احتياج العصر، ويجب أن تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان...إلى آخر افتراءاتهم المعروفة.
وبعض ما يقولونه حقٌّ، ولكن أريد به باطل، وكثير ممن يتكلّمون في "الصحف"، ويطالبون بهذه المطالب لا علم لهم بـ "المسائل الشرعية"، ولا بـ "فقه التيسير"، ولا معناه الشرعي، ولا ضوابطه، ولا دراية لهم بمقاصد الشرع من التكليف بكثير من الأحكام.(1/10)
ويزعمون بجهلهم أنَّ كل الأقوال الفقهيَّة صحيحة، وأن المسلم بوسعه الأخذ بأي فتوى شاء، فتراهم يتبنون الفتوى الموافقة لأهوائهم، ويناضلون عنها، ولو كانت شاذة، ولو لم يقل بها إلا واحد، وحتى لو لم يكن معه دليل، بل ولو كان الدليل مخالفًا لهذا القول، المهم أن المسألة فيها خلاف، وأنَّ ما يقولون به قال به بعض العلماء أو أحدهم، فتراهم لا مذهب لهم، ولا منهج شرعي عندهم في أخذ الفتوى.
[النقطة الخامسة: تكرار هذا الحادث]
إنَّ المتأمل لحال الحجاج يوم التعجل يجد أنَّهم يتجمعون قبل الزوال بأعداد كبيرة جدًا، وبأشكال عشوائية، ويستعدون لساعة الصفر، وحين تحين الساعة يبدؤون بالانطلاق بشكلٍ غريبٍ، وكأنَّ الرمي سينتهي بعد مضي وقتٍ يسير.
وعليه؛ فلو جاءت الفتوى كما يريدها الناس وأنَّ الرمي يبدأ من عند طلوع الشمس، فإنَّ الناس سيتجمهرون عند "جسر الجمرات" بعد صلاة الفجر مباشر، إن لم يكن قبلها، وينتظرون طلوع الشمس على أحرٍّ من الجمر، وسيكون شروقها هو ساعة الصفر التي ينتظرونها، وحين تبدأ بالشروق، سيكون الأمر كما هو معهود حين كان الرمي بعد الزوال، وستتكرر المأساة، ولا شك أنَّ القول بالرمي قبل الزوال سيكون فيه تخفيف شيئًا ما، لأنَّ الكثير من الحجاج يرغبون في فعل (الأحوط) وهو الرمي في الوقت المعتاد وهو بعد الزوال، وسيكون هناك أعداد لا بأس بها سترمي قبل الزوال، وإن كان الوضع سيكون أهدى من ذي قبل، ولكن لا أعتقد أنَّه سيكون بالصورة التي يرغبها المطالبون بالرمي قبل الزوال.
وعليه؛ فلا دخل للفتوى في المشكلة بصورة مباشرة، والخطأ مباشرة يقع على عاتق شريحة كبيرة الحجاج، بسبب قلة الوعي لديهم بالمخاطرة التي يقومون بها.
وهذه الشريحة من الحجاج هم ـ كما سبق ـ الذين تعاني منهم الجهات المنظمة كل موسم.
إذاً ومن خلال ما سبق نجد أنَّه من الظلم تحميل العلماء، أو القول المُفْتَى به في بلادنا مسؤولية الحادث، وتبعاته.(1/11)
[النقطة السادسة: علاج المشكلة]
يشغب كثير من الناس على العلماء، ويطالبونهم ـ بجهلٍ ـ بالفتوى حسبما يرونه، ولو أنَّ ما يرونه مخالف للدليل! ولا أدري كيف يريد هؤلاء من المفتين الموقعّين عن رب العالمين أن يفتوا الناس بقولٍ يرونه غير جائز؟!
وكيف يمكن أن يُكره العالِم أو المفتي على القول بقولٍ لا يرتضيه، ولا يقول به، ولم يرتضِه جمهور العلماء سلفًا وخلفًا، ويدين الله بخلافه؟!
فالأمرُ إذًا ليس بالسهولة التي يتوقعها رجلٌ لا يعدو أن يكون أجيرًا في "صحيفة" ليملئ مساحة حُدِّدت له.
ولكن ـ والحق يقال ـ أنَّه بعد ظهور هذه المأساة، وتكرارها، فيجب البحث بجدية عن علاجٍ سديدٍ للمشكلة، وقد طرق هذا الباب كثيرًا، وطرحت الكثير من الحلول، لا أظنها خافية على اللجان لمنظمة للحج.
وهناك حلول عملية ذُكرت في بعض "المنتديات" في الإنترنت، وبعضها وجيه، وأتمنى أن تنظر إليها هذه اللجان بجدية.
ومن الحلول المطروحة: إعادة النظر في الفتوى التي تقول بعدم صحة الرمي قبل الزوال.
وأنا لا أرى أنَّ هذه الفتوى هي السبب الرئيس للمشكلة؛ لوجهين:
الوجه الأول: سبق وأن قلت بأنَّ الخطأ هو من بعض الحجاج، لا من الشريعة وأحكامها التي عُرِفت بالسماحة، وقد نادى المسؤولون في هذه البلاد المباركة كثيرًا بالتأكيد على تعليم الحجاج المناسك في بلادهم، وتنبيههم إلى التقيد بالأنظمة والتعليمات الموجهة لهم.
الوجه الثاني: هناك عدد من المشايخ يفتون بجواز الرمي قبل الزوال، وهناك من يتعبهم من الحجاج، ومع ذلك المشكلة قائمة.
ومع هذا؛ فلا أجدُ حرجًا من إعادة النظر في المسألة من جديد؛ ووجه ذلك:
أنَّ الذين كانوا يرمون الجمار (100.000) ألف حاج، يجتمعون وجوبًا في بقعة محددة، ولا يزال الأمر في ازدياد حتى تجاوز (2.000.000) حاج، والبقعة لم تتغير، ولن تتغير، ولن تزيد.(1/12)
ولكن إعادة النظر في قولٍ يراه جمهور العلماء وفق أدلة شرعية صحيحة، ليس بالهين، ولعل الأمر ـ الآن ـ بيد ولي الأمر وفقه الله، فلو مال خادم الحرمين الشريفين حَفِظَهُ اللَّه (أو من ينوب عنه في أمر الحج) إلى القول بالرمي قبل الزوال، ورأى أنَّ فيه مصلحة للناس، ودرءً لمفاسد كثيرة، تروح بسببها أرواح المسلمين، وكان ـ حَفِظَهُ اللَّه ـ يرى خلاف الفتوى المعمول بها، وكان لرأيه وجهٌ شرعي، ويوجد من قاله به، فلا حرج حينها من استدعاء كبار علماء الأمة = إما على مستوى علماء المملكة كـ "هيئة كبار العلماء"، أو "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" المتفرعة من "الهيئة" المذكورة، أو على مستوى علماء العالم الإسلامي، كطلب اجتماع علماء "مجمع الفقه الإسلامي" التابع لـ "رابطة العلم الإسلامي"، أو "مجمع الفقه الإسلامي الدولي" التابع لـ "منظمة المؤتمر الإسلامي" = لطرح هذه المسألة عليهم، وإن كنت أعرف ما سيقولون به بعد الاجتماع وهو قول الجمهور، ولن يخالف كثيرٌ منهم قول الجمهور ـ وهو القول الذي يعضده الدليل ـ إلى قولٍ ضعيف لا دليل عليه، من أجل جهل الناس وتجمعهم بطرق خاطئة عند "الجمرات".
ولكن؛ إنْ رأى العلماءُ المجتمعون جوازَ الرمي قبل الزوال، ولو بالأغلبية من خلال النظر في عامة النصوص الشرعيَّة ومقاصد الشريعة، فلا حرج حينها، ولن يعترض معترضٌ إن شاء الله.
هذا هو الحل الأمثل لاستصدار فتوى شرعية في مثل هذا الأمر، أما أن يُتكلّم العامةُ في العلماء، وأنهم لا يعرفون مصالح الأمة، وأنَّهم لا يفتون الناس بـ "التيسر"... فمن الظلم، وغبن العلماء حقهم.
ثم إنَّ الفتوى بـ "التيسير" مطلوب من كل مفتي، وهذا من أصول الشريعة، ولكن "التيسير" المطلوب هو الذي يأتي تبعًا للدليل، وموافقًا له، وليس التيسير الذي يريده عامة الناس تبعًا لأهوائهم.
[النقطة السابعة: الاصطياد في الماء العكر(25)](1/13)
هذا هو حال بعض وسائل الإعلام، والتي باتت تتحين كل فرصة للنيل ممن اتخذته عدوًا.
لقد سمع الناس ما ذكرته "قناة الجزيرة" فيما يخص الحادث الأليم الذي حدث عند "جسر الجمرات"، وليست هذه المرة الأولى التي تفتري هذه القناة على هذه البلاد. ولا أحد يشك في قوة هذه "القناة" وشهرتها، ولكنها ـ هدى الله القائمين عليها ـ أساءت إلى نفسها قبل جيرانها، بتسرعها في نشر ما لا يصح، أو نشر ما صح مع الزيادة عليه، بل إنَّ نشر ما صح كما هو، إن كان فيه مفسدة فالأولى عدم نشره، فكيف بنشر مثل هذا الخبر (حادثة جسر الجمرات)، وبالطريقة التي رأيناها(26)؟!
إنَّ المتابعين لهذه "القناة" لا يزالون يعجبون من قولها إنَّ سبب سقوط العمارة الصغيرة التي في "مكة" أنَّ ذلك بسبب ارتطام طائرة (مروحية) بها.
وإني لأسأل نفسي قبل غيري: هل تتحرى "قناة الجزيرة" فيما يصلها عن حال عدو الله (شارون)، ولا تقوم بنشره إلا بعد التأكد منه؟! أو أنَّ الاعتماد على "شاهد عيَّان" خاص بما تنشره عن هذه البلاد المباركة؟!
أتمنى أن تترك هذه "القناة" شأن البيت السعودي، وتتجه لما أرى أنَّه أهم من ذلك، ولا يخفى على الجميع مشكلة آلاف الموطنين المنتمين لقبيلة عربية شهيرة، قامت دولتهم بطردهم بعد سحب الجنسية منهم، ومشكلتهم قريبة جدًا من هذه "القناة"، وهذه القضية تصلح لتكون قضية ساخنة، على القناة الساخنة، فإذا انتهوا من ذلك توجهوا لقضية أسخن منها، وهي علاقة خارجية هذه الدولة بإسرائيل.
فإن فعلوا؛ ولن يفعلوا... !! فلا مانع حينها من التدخل في شأن البيت السعودي بشرط التحليل المنطقي، والتوازن في الطرح، وإلا فـ {لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران].(1/14)
وقبل أن أختم هذه النقطة الأخيرة؛ أود أنْ أشير إلى أنَّ صحيفة "القدس العربي" الصادرة من "لندن" نشرت الخبر وبالطريقة التي ترتضيها، وأخرجت ما تريد واستغلت الحادث لإخراج ما في نفسها عن هذه البلاد وحكومتها، فكانوا كمن "يرقص على الجراح".
كما أود الإشارة إلى جهة ثالثة شاركت ـ من بعيد ـ في الاصطياد في الماء العكر، واستغلوا "الحادث" للكلام على أهل العلم في هذه البلاد، بغير حقٍّ، وللأسف فإنَّني أعني بكلامي هذا بعض "صحفنا المحلية"، ولن أطيل في هذا الجانب، لأنّي توسعت في ذلك في: "فقه الخلاف" [دروسٌ للمخالف في الاكتتاب]، وسينشر قريبًا إن شاء الله، ولكن سأكتفي بقراءة نقدية سريعة، لثلاثة مقالات فقط.
[المقال الأول]:
تكلمت إحدى "الصحف المحليَّة"(27) على ما يحدث عند "جسر الجمرات"، وعنونوا لذلك بـ:
(تضارب الفتوى حول الرمي قبل الزوال يؤجل حسم القضية)!
فانظروا كيف جعلوا أهل العلم هم السبب في حسم القضية، وعبروا عن رأيهم بـ (المتضارب)!
ومما قالوه: (هذه القضية كان لها أكبر تأثير في وقوع حوادث مؤلمة على "الجسر" كان ضحيتها أعداد كبيرة من حجاج بيت الله).
وقالوا أيضًا: (إلا أنَّ الفتوى مازالت متدحرجة بين معارضين ومتساهلين جعلت المشكلة قائمة).
فانظروا كيف أرجعوا المشكلة بصورة مباشرة للفتوى، وسبق التعليق على هذا، وتأملوا ـ أيضًا ـ كيف جاءت الصياغة لأحد المصطلحات الشرعية، ومما يؤكد استخفافهم بـ "الفتاوى الشرعية" تسميتهم لها بـ "الأراء المتضاربة"، حيث قالوا: (اليوم يرمي حجاج بيت الله الحرام الجمرات الثلاث وسط فتاوى مختلفة، وآراء متضاربة عن الرمي).(1/15)
وأما قولهم: (رغم أن كثيرا من علماء الدول الإسلامية قد أفتوا بجواز الرمي قبل الزوال) يرده ما ذكرته سابقًَا في النقطة (الرابعة)، وأنَّ العمل لا بد أن يكون وفق الراجح بالدليل، لا وفق قول الأكثر، فالسير مع الأغلبية ليس محمودًا دائمًا، ولا يدل على الصواب البتة، يقول تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116].
والغريب إنَّهم في الوقت الذي يؤكدون على أنَّ الفتوى هي سبب المشكلة ذكروا في المقال قول أحد المشايخ: (لا يمكن الإفتاء بالرمي قبل الزوال مشيرًا إلى أن القضية ليست في موعد الرمي ولكن في الحشود الكبيرة وعدم الإدراك لها، فلو قيل للحجاج أن يرموا قبل الزوال لكان هناك أيضاً زحام وتدافع، والحل الأنسب هو التنظيم والتنسيق بين الحجاج في وقت ذهابهم للرمي).
فالمحرر لا يجيد فن صياغة المقالة، حيث وضع العنوان الرئيس ليؤكد فيه أنَّ الفتوى سبب المشكلة، بينما ذكر في المقال قولاً لأحد المشايخ منافيًا لأصل موضوعه!!
إنَّ هذا الخطأ وراد، إذا علمنا أنه يوجد ضمن من يكتبون في المسائل الشرعية في "صحفنا المحلية" من لا فقه عندهم في المسألة التي يكتبون عنها، فضلاً عن فقهم في المسائل الشرعية بعامة.
[المقال الثاني]:
جاء في إحدى الصحف المحليَّة(28) مقال للصحفي جمال خاشقجي عنوانه:
(مسألة الرمي قبل الزوال نموذج لأزمتنا مع فقه الرأي الواحد(29))
وسأتجاوز ما احتواه عنوانه من غمزٍ للفتوى في بلادنا، وسأقف مع مقاله وقفات موجزة؛ فأقول:(1/16)
ـ قال عن المشايخ الذين يرون جواز الرمي قبل الزوال وهم قلة: (انظموا إلى رأيٍ سائدٍ في الأمة منذ قرون، ويقول به عدد كبير من علماء الأمة الإسلاميَّة) أ.هـ وقال في موضع آخر عن جمهور العلماء الذي قالوا بالرمي بعد الزوال: (ليس كل الأسبقين، وإنَّما عدد قليل منهم، لا تملأ كتبهم رفًا واحدًا) أ.هـ ولقد مر معنا في النقطة الرابعة (فقه المسألة) إنَّ القائلين بجواز الرمي قبل الزوال أقلية، وأنَّ القائلين بالرمي بعد الزوال هم جمهور الأمة سلفًا وخلفًا، وهذا يعرفه من له أدنى دربه على الاطلاع على كتب الفقه، فهل ـ بعد هذا ـ نقبل بكلام هذا الكاتب، وأمثاله، بأن القول بجواز الرمي قبل الزوال هو الرأي السائد في الأمة منذ قرون، وأنَّ الذين قالوا بالرمي بعد الزوال عددٌ قليل من العلماء السابقين، لا تملأ كتبهم رفًا واحدًا!!
فبالله عليكم هل كلام الكاتب خاشجقي يدل على علمه بـ "فقه المسألة"؟ أو لا؟
إنَّ كلام هذا الصحفي لا يحتمل غير أمرين:
* إما أنَّه يعلم بأنَّ القول بجواز الرمي قبل الزوال ليس بالقول السائد في الأمة منذ قرون، وأنَّ القول السائد هو قول جمهور العلماء؛ فيكون قد كذب في مقاله، ولبَّس على الناس!
* وإما أنَّه تكلم بجهل، وهو لا يعلم بأقوال العلماء في المسألة؛ فكان لزاماً عليه أن لا يلبس غير ثوبه، ولا يعدُ قدره!
ولا أظن أنَّنا نستطيع حمل كلامه على غير هذين الْمَحْمَلَيْن، فليختر واحدًا منهما!
ـ قال عن الذين أفتوا بالرمي قبل الزوال: (تحرروا من رأي المدرسة الواحدة) أ.هـ وهو بذلك يغمز علماءنا الذين قالوا بالمنع من الرمي قبل الزوال، وما أدري ما وجه التعبير عمن خالف جمهور علماء الأمة سلفًا، وخلفًا بأنَّه قد (تحرَّر)؟! وتحرر من ماذا؟!(1/17)
ـ ثم استمر الكاتب في غمز علمائنا بقوله عن فقههم: (الفقه المصر على النقل من كتب الأسبقِين، بل ليس كل الأسبقين، وإنَّما عدد قليل منهم، لا تملأ كتبهم رفًا واحدًا) أ.هـ فانظروا كيف يلبِّس هذا الكاتب على علمائنا بأنَّهم يتركون الفقه الذي يأخذ به علماء الأمة السابقين، ويصرون على الأخذ بالفقه الذي يتبناه عددٌ قليل من الفقهاء الذين لا تملأ كتبهم رفًا واحدًا، وكأن علماءنا يتركون الأقوال المعروفة، ويأخذون بالأقوال الشاذة.
وقد سبق أنَّ الذي أخذ به علماؤنا هو قول جهور فقهاء الأمة، وأنَّ المشايخ الذين ذكرهم في مقاله، وفَرِح بهم، هم الذين أخذوا برأي عددٍ قليل، وهم الذين ينطبق عليهم كلامه السابق: (الفقه المصر على النقل من كتب الأسبقِين، بل ليس كل الأسبقين، وإنَّما عدد قليل منهم، لا تملأ كتبهم رفًا واحدًا)، فقد شتمهم!! دون أن ينتبه، وقد فُهِم من هذا ـ ومِمَّا سبق ـ أنَّ الكاتب لا يدري، ولا يدري أنَّه لا يدري، وهذا ما يسميه علماء المنطق بـ : "الجهل المركب"، وصاحبه أسوءُ حالاً من "الجاهل البسيط".
ـ ذكر في مقاله أنَّ العلماء في بلادنا لهم مواقف متصلِّبة! في مسائل عصريَّة، ومثَّل لذلك بمثاليين:
المثال الأوّل: موقفهم علمائنا من "التأمين التجاري" المبني على الغرر، والقمار، المحرمان شرعًا، والذي أجمعت الأمة على تحريمه، وما خرق الإجماع سوى واحد، ثم تلاه اثنان أو ثلاثة.
والمثال الثاني: موقفهم من الجوال (أبو كَمِرة)، ثم غمز في مقاله موقف علمائنا ـ المبني على غيرتهم على محارم الله ـ عندما أفتوا بتحريم هذا النوع من "الجوال" لما فيه من الضرر(30)، بقوله عن هذا الموقف: (كاد أن يجعلنا أنموذج للتخلف).
هذه هي حقيقة نظرة هذا الرجل ـ ومثله بعض الكتبة ـ لعلماء البلد الحرام.(1/18)
ـ لقد جاء في مقاله هذا عبارات فيها ازدراء علماء هذه البلاد ودعاتها، ومنه غمزه للمخيمات الدينية التي تنظمها "وزارة الشؤون الإسلامية" للعلماء والدعاة، لإرشاد الحجاج، وتوجيههم، وتسميته لها بـ "كشك"، تشبيهًا لها بالدكان الصغير الذي تباع فيه: الحلوى، والمرطبات، والصحف، والدخان!
ـ ومِمَّا جاء في المقال أنَّ "الفتوى" هي سبب المشكلة، وسبق دفع هذا في أكثر من موضع(31).
ـ ومِمَّا جاء في مقال أنَّ وضع "الفتوى" حاليًّا في غير محل الثقة، حيث قال: (إنَّ موقف الشيخ المطلق ومعه عدد من العلماء الأجلاء... يعيد الثقة بمؤسسة الفتوى في بلادنا) أ.هـ
وهذا من أغرب ما وجدت على هذا الكاتب، وغيره، حيث جعلوا "الفتوى" هي سبب المشكلة، وذلك بسبب أنَّ أغلب الناس يأخذون بالفتوى الرسميَّة التي لا تجيز الرمي قبل الزوال، ثم يأتون فيقولون بأنَّ الثقة في "مؤسسة الفتوى" في بلادنا مفقودة(32)؟!
فإذا كانت الثقة مفقودة في "مؤسسة الفتوى"؛ فكيف اتبعها مئات الآلف من الحجاج بشهادة هؤلاء أنفسهم؟!
أرأيتم كيف يناقض هذا الكاتب نفسه؟! وفي مقالٍ واحدٍ؟! والله إنَّ الواحد منهم لا يدري ما يخرج من رأسه، وكل همه الحط على خصمه، دون التأمل فيما يكتب.
ـ ومِمَّا جاء في مقال هذا الكاتب: (قال الشيخ المطلق: إنَّ الفتوى بالرمي مستنبطة من فعل الرسول (، وليس من قوله...) أ.هـ
وللرد على ذلك أقول:
1 ـ لم نسمع هذا الكلام من الشيخ عبدالله المطلق حَفِظَهُ اللَّه، وسبق أن الكاتب نقل خلاف علماء الأمة في المسألة، وكذب في نقله، أو على أحسن تقدير ما عرف كيف ينقل؛ وعليه فإنَّ الكاتب ساقطُ العدالة، ولا ثقة بما ينقله، ما لم يأتِ باثنين من الشهود العدول، لتزكيته، أو للشهادة معه!!(1/19)
2 ـ ولو سلمنا بأنَّ الشيخ ـ حَفِظَهُ اللَّه ـ قال ذلك؛ فإنِّي أسأل الكاتب سؤالاً، وهو: ما الفرق بين قول الرسول ( وفعله؟! وأليس من مصادر التشريع: (قول الرسول ( ، وفعله، وتقريره)؟! ولا أظن أنَّ الكاتبَ سيجيب، ولو كان يعرف الجواب، ما كان ليتجرأ وينقل هذا الكلام عن الشيخ.
3 ـ ولو سلمنا بأنَّ الشيخ ـ حَفِظَهُ اللَّه ـ قال ذلك؛ فمردودٌ بأنَّ القول بالرمي بعد الزوال ثابتٌ من فعل الرسول (، وقوله، وسبق وأن ذكرت في النقطة الرابعة (فقه المسألة) أنَّ الدليل الثاني من أدلة القائلين بالرمي بعد الزوال: (أنَّ النبي ( رمى بعد الزوال، وقال: ((لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ)).
[المقال الثالث]:
جاء في إحدى الصحف المحليَّة(33) مقال للصحفي شتيوي الغيثي عنوانه:
(الجمرات وأزمة الرؤية الفقهية)
ـ يلاحظ بداية من عنوان مقاله غمزه للفتوى ورجالها، كما أنَّه عبَّر عن آراء الذين يرون الرمي بعد الزوال (وهم جمهور العلماء) بأنَّهم: (في كثير من الأحيان تأخذ أشد الأقوال الفقهية، اعتمادًا على ظاهر النص...) أ.هـ فهو يعيب على جمهور أهل العلم ـ بل يتهمهم ـ بأنَّهم لا يفتون الناس إلا بأشد الأقوال، ويرجع السبب في هذا العيب والاتهام إلى أنَّهم يعملون بالنصوص الشرعية!!، وبالغ في نقده هذا حتى وصل به الأمر إلا أنَّه يلمز الأمة الإسلامية بأنَّها "أمية نصية"!!.(1/20)
ـ كما أنَّه في مقاله هذا يعتب على فقهاء الأمة، أتدرون لماذا؟! لأنَّهم ـ كما يزعم ـ لا يفتون الناس بـ "التيسير"، وقبل الجواب عليه، أسأل نفسي: هل يفقه هذا الكاتب وغيره المعنى الشرعي لـ "التيسير"، وحالاته، وضوابطه؟! أولا؟! والجواب قطعًا لا!! وأكبر دليل على جهله بهذه المسألة هو ما ذكره في مقاله هذا، فالمعيار عنده هو "التيسير" مطلقًا، ولو خالف "النصوص الشرعية"، فالكاتب يرى أنَّ "الكتب الفقهية" مليئة بالأقوال الميسرة، فلماذا لا يأخذ منها المفتون؟! فإذا أردنا أن نفتي في مسألة، يجب أولاً أن نبحث عن حكم المسألة في "الكتب الفقهية"، فإذا وجدنا فيها أكثر من قول في المسألة، فإنَّنا نفتي الناس بأيسر الأقوال وأخفها، هكذا... دون أن نبحث عن أي الأقوال وافق الدليل الشرعي.
وليت شعري لو أنَّ الكاتب بحث في "الكتب الفقهية" عن مسألة يحتاجها، فلم يجد فيها إلاَّ قولاً واحدًا، كيف سيفعل؟! وإذا كان في القول الوحيد الذي وجده مشقّة، فمن أين سيأتي بالقول الذي فيه تيسير؟! وهل يعرف الكاتب من الذي يحدد وجود المشقة في الأحكام الشرعية، من عدمها؟!
ـ جاء في مقال هذا الكاتب ـ وكذا الكاتب السابق ـ أمور تدل بوضوح على جهله بـ "الفقه"، و "أحكامه"، و "أدلته".
ـ ويرى الكاتبُ أنَّ "الكتب الفقهية" التي تقتصر على قولٍ واحد، من مظاهر "الأحادية"! وهذا جهل منه بفنون التصنيف، ومعلوم أنَّ من ضمن فنون التصنيف فن "الاختصار"، وقد طرقه "النحاة"، و "الأدباء"، فضلاً عن "المفسرين"، و "المحدثين"، و "الفقهاء"، فهل من مظاهر "الأحادية" متن "المقدمة الآجرومية" في النحو، والتي لم يشر فيها المصنف إلى خلاف علماء النحو في المسائل التي ذكرها؟! وهل من مظاهر "الأحادية" كتب التفسير المختصرة التي يكتفي فيها المفسر بذكر معنى واحد لكل كلمة تيسيرًا لفهم الناس، كـ "تفسير الجلالين" علمًا بأنَّ بعض الكلمات تحتمل أكثر من معنى، وفيها خلاف!؟(1/21)
لو التزم مصنفوا "الكتب الفقهية" بذكر كل الأقوال الخلافية في كل مصنفاتهم؛ لأصبح المسلم العامي، بل وطالب العلم المبتدئ في حيرةٍ من أمره بأي الأقوال يعمل! ولو التزموا ذلك لما خرجت إلينا "المختصرات الفقهية" التي يستطيع المسلم العامي الوصول إلى الحكم الشرعي بكل يسر وسهولة، وخروج "المختصرات الفقهي" ضرورة شرعية علمية، ما فهما هذا الكاتب.
ـ والكاتب كغيره يرجع المشكلة إلى: (المرشدين والكثير من المفتين الذين يتشددون في مسائل كان من الواجب التيسير فيها) أ.هـ هكذا!! فهو يُعَلِّم "المفتين" ما الواجب عليهم تجاه الفتوى!
ـ ومن غرائب هذا الكاتب وعجائبه: أنَّه يرى أنَّ من أسباب المشاكل في الحج هو: (محاولة إقامة الشعيرة بكل سننها وفضائلها!! والتي قد توصل الكثير من الحجاج [كذا يزعم] إلى التهلكة، بسبب مثل هذه التصرفات) أ.هـ
ـ ومن الطريف في هذه المقالة أنَّ كاتبها قال: (كل الرؤى الفقهية (تقريبًا) تحصر وقت الرمي ـ غير يوم النحر ـ من بعد الزوال وإلى وقت الغروب، مع التخفيف عند بعضهم) أ.هـ
فهو يرى أنَّ الرمي بعد الزوال هو قول الجمهور وعبر عن ذلك بـ (كل الرؤى الفقهية)، وقد مرَّ قبل قليل أنَّ جمال خاشقجي يرى أنَّ هذا القول هو قول (عدد قليل منهم، لا تملأ كتبهم رفًا واحدًا).
فما موقف القارئ من هذا التناقض الواضح، وفي صحيفةٍ واحدة، وسيصدق أي الفقيهَيْن: الشيخ خاشقجي أو الشيخ الغيثي؟!
سيظل هذا السؤال مطروحًا، في ظل غياب الرقابة الشرعية على كُتَّاب "الصحف".
* أخيرًا؛ ومن خلال ما جاء في هذه المقالات الثلاث، تبين لنا عدة أمور؛ منها:(1/22)
الأمر الأول: أنَّ في كتابات بعض كُتَّاب "الصحف المحلية" شدة وغلظة على علماء البلاد، وعلى "المؤسسات الدينية" بعامة، وعلى الفتوى الشرعية بخاصة، فهم يتحيّنون الفرص، ويتجمعون ـ باتفاق أو بغير اتفاق ـ على النيل من العلماء، وطلاب العلم، و "المؤسسات الدينية"، وإذا جاءهم مقال يرد على ما قالوا وبالطريقة التي كتبوا فيها منع رده من النشر، وهذه هي "الإقصائة" نفسها التي يرمون بها مخالفيهم.
الأمر الثاني: أنَّهم عند كتابتهم يتعرضون لمسائل شرعية، ويتكلّمون فيها بغير علم، ولا دراية، وليتهم يقفون عند هذا الحد، بل يتجاوزن ذلك إلى النيل من القول الآخر، وغمزه واتهامه بشتى التهم.
الأمر الثالث: أنَّهم في الوقت الذي ينبذون فيه "الأحادية"، ويرمون مخالفيهم بها، يشدِّدون على الرأي المخالف لرأيهم، ويطالبون ـ بشدة ـ بتطبيق الرأي الذي يرونه، ويرغبون فيه، (ولو بغير علم، ولا دليل)، وهذه هي "الأحادية" في أبشع صورها.
[وأخيرًا:] أختم دراستي هذه بحديثٍ يُروى عن رَسُولُ اللَّهِ (:
((إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ)). قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: ((السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ))(34).
وفي رواية: قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: ((الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ))(35).
وفي رواية: قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: ((الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ))(36).
انتهى المراد كتابته، والتعليق عليه(37)، وأسأل الله أن أكون قد وفقت فيما كتبت، وسُدّدت،
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه:
أبو محمد عبدالله بن محمد الحوالي الشمراني(1/23)
باحث في الدراسات الإسلامية، وعضو الجمعية الفقهية السعودية
(1) وبعض كُتَّاب "المنتديات" في الإنترنت.
(2) "مجموع الفتاوى" (5/216، و 227).
(3) هذا أقل ما يمكن قوله عن جهود "المملكة" ـ دولة التوحيد ـ تجاه الحرمين الشريفين، وما يتعلق بمناسك الحج، ولا ينكر ذلك إلا من ملئ قلبه حقدًا، وحسدًا على السنة وأهلها، من أهل البدع والأهواء.
(4) [تنبيه]: يُعبّر بعض الناس عن هذه الشريحة بالهمج، والتخلف وهذا لا يليق وصفًا للحجاج ببيت الله.
(5) انظر "صحيفة عكاظ" [العدد: (14387)، ليوم الاثنين، الموافق: (16/12/1426هـ) الصفحة: (4)].
وهذا المبلغ الكبير ـ (4.2) مليار ريال ـ جعل بعض كتبة "الصحف" في هوسٍ، ظهر على كتابتهم، كيف يُنفق مثل هذا المال الكبير جدًا على "الجسر"؟! عِلمًا بأنَّه لا جديد في هذا الأمر، فهذه عادة عرفناها لدى حكومتنا أيّدها الله، وأنَّها تنفق على "الحرمين الشريفين"، و "المشاعر والمقدسة" بدون حساب، وأنَّ المهم لديها، هو راحة الحجيج.
ولعلنا نذكر كيف جُنوا لما علموا أنَّ الدولة ـ كعادتها في التطوير وفق الشريعة الإسلامية ـ أنفقت في إحدى الجامعات عدة ملايين لمشروع "دائرة البث التلفزيوني" للطالبات، وذكروا أنَّ الدكتور لو دخل على الطالبات، واختلط الذكور بالإناث، لكان الأمر أسهل، من إنفاق مثل هذا المبلغ، ولجعل المبلغ في مشاريع تنموية أخرى!!
وهذا ما نلحظه منهم في كل مشروع تقيمه الدولة ـ وفقها الله ـ بمشورة إحدى "المؤسسات الدينية" في بلادنا، {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)} [آل عمران].
(6) للتأكد مِمَّا قلت؛ يُنظر ما ذكرته في النقطة السابعة نقلاً عن الصُّحُفِّيين، ولاسيما المقالين الثاني والثالث.(1/24)
(7) تكلّمت على المسألة بشيءٍ من الاختصار، وهي بحاجة إلى بحثٍ مُفَصَّل، تجمع فيه الأدلة، وكلام أهل العلم فيها، وبعض من تكلّم في المسألة من السلف، والأئمة روي عنه فيها أكثر من قول، وأقوالهم تحتاج إلى تحرير.
ومن أراد المزيد في مسألة الرمي في أيام التشريق؛ فلينظر:
للحنفية: "بدائع الصنائع" (2/137 ـ 138)، و "البحر الرائق" (2/610 ـ 612)، و "حاشية ابن عابدين" (2/555).
وللمالكية: "النوادر والزيادات" (2/401)، و "جامع الأمهات" (ص 200)، و "منح الجليل" (2/289 ـ 290).
وللشافعية: "البيان" (4/350 ـ 351)، و "المجموع" (8/211 ـ )، و "الإيضاح" (ص 365).
وللحنابلة: "الكافي" (2/449 ـ 450)، والشرح الكبير" (9/241)، و "الفروع" (3/518 ـ 519)، و "الإنصاف" (9/237 ـ 239)، و "الشرح الممتع" (7/384 ـ 385).
وللظاهرية: "المحلى" (7/187).
(8) أخرجه البخاري في: "صحيحه" (1648)، من حديث ابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ مرفوعًا.
وفي الاستدلال بهذا الدليل نظر، لأنَّ السؤال وقع عن رمي جمرة العقبة في يوم النحر، لا الرمي في أيام التشريق، ثم إنَّ قول السائل: (بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ)، لا يلزم منه أنَّه رمى في الليل، يقول الحافظ ابن حجر ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ في: "فتح الباري" على تبويب البخاري:
(قَوْله: (بَابُ: إِذَا رَمَى بَعْد مَا أَمْسَى، أَوْ حَلَقَ قَبْل أَنْ يَذْبَح نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً). أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ, وَسَيَأْتِي الْكَلاَم عَلَيْهِ فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده... وَأَمَّا قَوْله: (إِذَا رَمَى بَعْدَمَا أَمْسَى)؛ فَمُنْتَزَع مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي الْبَاب. قَالَ: (رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت): أَيْ بَعْد دُخُول الْمَسَاء, وَهُوَ يُطْلَق عَلَى مَا بَعْد الزَّوَال إِلَى أَنْ يَشْتَدّ الظَّلاَّم, فَلَمْ يَتَعَيَّن لِكَوْنِ الرَّمْي الْمَذْكُور كَانَ بِاللَّيْلِ) أ.هـ(1/25)
وقال رَحِمَهُ اللَّهُ في موضعٍ آخر:
(رِوَايَة اِبْن عَبَّاس: "أَنَّ بَعْض السَّائِلِينَ قَالَ: رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت"، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ بَعْد الزَّوَال لِأَنَّ الْمَسَاء يُطْلَق عَلَى مَا بَعْد الزَّوَال, وَكَأَنَّ السَّائِل عَلِمَ أَنَّ السُّنَّة لِلْحَاجِّ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَة أَوَّلَ مَا يَقْدَم ضُحًى، فَلَمَّا أَخَّرَهَا إِلَى بَعْد الزَّوَال سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ, عَلَى أَنَّ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مِنْ مَخْرَج وَاحِد لاَ يُعْرَف لَهُ طَرِيق إِلاَّ طَرِيق الزُّهْرِيِّ هَذِهِ عَنْ عِيسَى عَنْهُ, الاِخْتِلاِف فِيهِ مِنْ أَصْحَاب الزُّهْرِيِّ, وَغَايَته أَنَّ بَعْضهمْ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرهُ الْآخَر, وَاجْتَمَعَ مِنْ مَرْوِيّهمْ وَرِوَايَة اِبْن عَبَّاس أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم النَّحْر بَعْد الزَّوَال وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته يَخْطُب عِنْد الْجَمْرَة) أ.هـ
(9) أخرجه ابن أبي شيبة في: "المصنف" (15320) بإسنادٍ صحيح عنه، ومعنى قوله: (يَدَعُون ظهرهم)؛ أي: يأتون الجمرة مشيًا على الأقدام.
(10) تأمل! أنَّ التيسير في هذه المسألة للحجاج جاء تبعًا للدليل، وموافقًا له، لا مخالفًا له، وسيأتي مزيد إيضاح لهذه المسألة.
(11) المراد رمي الجمار في أيام التشريق، ولا يدخل في هذا الخلاف رمي جمرة العقبة في يوم النحر.
(12) الظاهر من كلام عطاء ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ أنَّ الإجزاء فيمن رمى قبل الزوال خاصٌّ بمن جهل الحكم، وذلك دفعًا لمشقة الرمي مرة أخرى.
والظاهر من كلام طاووس أنَّ جواز الرمي قبل الزوال خاصٌّ باليوم الثاني عشر، وللمتعجل فقط، والله أعلم.
عِلمًا بأنَّه روي عنهما الرمي بعد الزوال.
انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة (14576)، و (14580)، و (14582)، و "البيان" (4/350 ـ 351).(1/26)
أمَّا ما يُروى عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ فخاصٌّ باليوم الثالث عشر، لا الثاني عشر، ونصه: (إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر؛ فقد حل الرمي، والصدر)، وهو من أدلة أبي حنيفة (، وقوله: (انتفخ النهار)؛ أي: ارتفع. وقوله: (النفر الآخر)؛ أي: اليوم الثالث عشر.
وهذا الأثر أخرجه البيهقي في: "سننه الكبرى" (5/152)، وضعفه بقوله عن أحد رجاله: (طلحة بن عَمْرو المكي ضعيف) أ.هـ
وأخرج ابن أبي شيبة في: "المصنف" (14578)، من طريق: وكيعٍ، عن ابن جُرَيْج، عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: (رمقت ابن عباس رماها عند الظهيرة، قبل أن تزول). وهذا إسنادٍ جيد، فابن جُريج ثقة، وإن كان الأئمة رموه بالتدليس و الإرسال، وتكلّموا على روايته إذا لم يُصرّح بالسماع، إلا أنَّ الإمام يحيى بن سعيد القطان ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ قال: (أحاديث ابن جُرَيْج، عن ابن أبي مُلَيْكَة كلها صحاح...) وهذا منها، والله أعلم.
انظر: "تقدمت الجرح والتعديل" (1/241)، و "تهذيب الكمال" (3539)، و "التقريب" (4221).
وأخرج الفاكهي في: "أخبار مكة" (2664)، بإسنادٍ صحيحٍ أنَّ عبدالله ابن الزبير ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ رمى قبل الزوال.
وأخرج بعده (2665) بسنده أنَّ ابن الزبير ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ رمى بعد الزوال.
(13) ويُروى عن أبي حنيفة ( ـ خلاف الرواية المشهورة عنه ـ جواز الرمي قبل الزوال في اليومين: الثاني، والثالث عشر، وهذا ـ كما نصت عليه الرواية ـ خلاف الأفضل، والأفضل الرمي بعد الزوال.
انظر: "المبسوط" (4/68)، و "بدائع الصنائع" (2/137)، و "حاشية ابن عابدين" (2/555).
(14) هما الإمامان الجليلان: محمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبو يوسف الأنصاري رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وانظر: "الأصل" (2/358 ـ 359)، و "مختلف الرواية" (2/719).
(15) وفي رواية عنه الرمي قبل الزوال للمتعجل.(1/27)
ولكن الرمي بعد الزوال هو الصحيح من المذهب، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطعَ به كثيرٌ منهم، ونصَّ عليه الإمام.
انظر: "الفروع" (3/518)، و "الإنصاف" (9/237).
(16) سأكتفي بذكر أدلة القول الراجح لقوته، ولوجاهة أدلته، ولم أذكر أدلة القول الثاني، حتى لا يطول البحث، ومن أرادها فليسأل عنها من يقول بالرمي قبل الزوال، وليقارنها بنفسه مع أدلة هذا القول الذي قال به الجمهور، هذا إن كان طالب علم، ومتخصص في الدراسات الشرعية، أما إن كان صحفيًا فلا يعدُ قدره، وليأخذ بفتوى من يثق بعلمه ودينه، ولا يشغب على القول الآخر.
وإننا ـ هنا ـ وإن كنا نرى أنَّ الراجح في المسألة أنَّ الرمي لا يكون إلا حين تزول الشمس، أَّما قبل ذلك فلا يجزئه، وعليه الإعادة وجوبًا، وهذا ما ندين الله به في هذه المسألة، إلا أننا لا ننكر على من رمى قبل الزوال، من العلماء، أو طلاب العلم (وهم قلة)، ولا ننكر عليهم إذا أفتوا الناس بذلك، فإنَّ هذا الأمر دينٌ، ولا نرى بأسًا على من رمى قبل الزوال من عامة الناس، ممن استفتوا من يثقون بعلمه ودينه، فأفتوهم بالجواز، ورميهم ـ إن شاء الله ـ صحيح، ولا شيء عليهم.
ونحنُ نعذرُ كلَّ هؤلاء، مع علمنا بأن لا أدلة لهم، فهل يعذروننا، مع علمهم بأنَّ الأدلة معنا؟!
(17) أخرجه مسلم في "صحيحه" (1297)، من حديث جابر ( مرفوعًا.
(18) أخرجه البخاري في "صحيحه" (3367)، ومسلم في "صحيحه" (2327)، من حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
(19) أخرجه البخاري في "صحيحه" (83)، ومسلم في "صحيحه" (1306)، من حديث عبدالله بن عمرو ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ مرفوعًا.
(20) انظر: "بدائع الصنائع" (2/138).
(21) انظر: "أضواء البيان" (5/ 294 ـ 295) [باختصار].
(22) أخرجه البخاري في "صحيحه" (1810)، ومسلم في "صحيحه" (1081)، من حديث أبي هريرة ( مرفوعًا.
(23) سيأتي الكلام على هذا الأمر في: "فقه الخلاف" [دروسٌ للمخالف في الاكتتاب].(1/28)
(24) أيُّ مفتي، فاللفظ عامٌّ.
(25) اعترض بعض الأفاضل على هذا العنوان، وقال لا ينبغي التعبير ـ على الحادثة ـ بـ (ماء عكر)؛ لأنَّها ليست كذلك، وهو اعتراض له وجه، وأحترمه، ولكني قصدت بهذه العبارة استخدام مثل يُضرب في مثل هذه المواقف، وهذا أمرٌ معروف.
(26) إن فرحة "قناة الجريرة" بالخبر ونشره، وتحليله، ذكرنا بحادث "حريق مدرسة البنات" بمكة، وكيف باشر كتبة صحفنا المحلية تحليله، فالله حسيبهم.
(27) "صحيفة الرياض" [العدد: (13716)، ليوم الخميس، الموافق: (12/12/1426هـ)].
(28) "صحيفة الوطن" [العدد: (1936)، ليوم الثلاثاء، الموافق: (17/12/1426هـ)].
(29) لن أتعرض لمصطلح "الأحادية"، و "الرأي الواحد"، فهذه مكانها الدراسة الثانية "فقه الخلاف".
(30) وأثبتت الوقائع مفاسد هذا "الجوال" على أبنائنا وبناتنا، ونظرة سريعة على (الذاكرة) الملحقة بهذه الجولات، تُبين لنا مفاسد هذا الجهاز، على الأسرة والمجتمع، وتحديدًا على فئة الشباب، وقد نُشر عبر هذا الأجهزة بعض المقاطع التي انتهكت فيها حرمات الله، واعتدي فيها على الأعراض، بل في بعض هذه المقاطع إساءة إلى هذا البلد وأهله، وتصويره بغير صورته، وقد وُجِدت بعض هذه المقاطع في "منتديات" دولية على أنَّها تصويرٌ للبيت السعودي.
وأنا على يقين بأنَّ الكاتب يعلم بكل هذا، ولكنه يصر على الجدال بالباطل.
(31) انظر ما جاء في النقطتين: (الثالثة)، و (الخامسة).(1/29)
(32) وقد وقعوا في هذا التناقض في كلامهم حول خلاف أهل العلم في "الاكتتاب"، وقالوا إنَّ كثرة عدد المكتتبين دليل على سقوط شعبية الفتوى، وهم يعلمون ـ والله ـ أنَّ "الاكتتاب" من أهم المظاهر التي أثبتت القوة الشعبية التي تتمتع بها الفتوى ورجالها في بلادنا، وأكبر دليل على ذلك هو كثرة الأسئلة في جميع بالبرامج التلفزيونية والفضائية الخاصة بـ "الإفتاء" عن حكم الاكتتاب، وتِكْرَار الحديث عن حكم الاكتتاب في "الصحف" والمجلات، وتناقل الناس لآراء الفريقين في حكم "الاكتتاب"، وأصبح حكم العلماء في بلادنا على الاكتتاب حديث الناس في مجالسهم، بل أسألوا العلماء وطلاب العلم: (كم عدد المكالمات التي تأتيكم يوميًّا حول "الاكتتاب"، وأحكامه؟) والجواب هو الذي يؤيِّد خلاف ما يُرَوِّج له هؤلاء الكَتَبة، أمَّا كثرة المكْتَتِبِين فلا يدل على أكثر من أنَّه نتيجة لانتشار الفتوى القائلة بجواز الاكتتاب، وارتياح الناس لها، وإلا لكان أمرٌ آخر، وإقبالُ الناس على "الاكتتاب" أمرٌ لا نرفضه ما دام أنَّ الْمُكْتَتِبين أقدموا على "الاكتتاب" بناءً على فتوى شرعية مِمَّن يثقون في علمه ودينه.
(33) "صحيفة الوطن" [العدد: (1939)، ليوم الجمعة، الموافق: (20/12/1426هـ)].
(34) أخرجه الإمام أحمد في: "مسنده" (7912)، عن أبي هرير ( مرفوعًا.
(35) أخرجه الإمام أحمد في: "مسنده" (13298)، عن أبي هرير ( مرفوعًا.
(36) أخرجه ابن ماجه في: "سننه" (4036)، عن أبي هريرة ( مرفوعًا، وقوله: ((فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)). متعلقٌ بـ ((يَنْطِقُ))؛ أي ينطق في أمر العامة.
وفي إسناد هذا الحديث مقال، ولكن له طرق يشد بعضها بعضًا، وقد قبله بعض أهل العلم؛ ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ في: "فتح الباري" (13/91)، وقال عن أحد طرقه: (سنده جيّد).(1/30)
(37) وقد تم إعداد هذه البحث بعد الحادث مباشرة، ولكني تأخرت في نشره لمتابعة ما سيُكتب في "الصحف" عن هذا الأمر، لأقوم بالرد عليه، والذب عن "الفتوى" و "المفتي"، وجمعت من جهالاتهم وافتراءاتهم الكثير، على الرغم من نصح كثير من الإخوة بأن تكون الدراسة مختصرة، وأن اكتفي في ردي عليهم بالإشارة، فليس في كلامهم ما يتطلب ذكر كتباتهم والرد عليها.
ـــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــ
=
=
??
??
حادثة "جسر الجمرات" (رؤية شرعية) ــــــــــــــــــــــــــ [12](1/31)