جريان الشمس والقمر وسكون الأرض
خالد بن صالح
البريد: ksmksmg@hotmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد كتب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة صغيرة في نهاية القرن 14 هـ ( قامت بنشرها مكتبة الرياض الحديثة والنسخة التي بين يدي هي الطبعة الثانية 1402 هـ ) بين وأوضح فيها أن الشمس جارية في فلكها كما سخرها الله سبحانه وتعالى ، وأن الأرض ثابتة قارة قد بسطها الله لعباده وجعلها لهم فراشاً ومهداً وأرساها بالجبال لئلا تميد بهم ، وأن ذلك قد دل عليه القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية ، و إجماع علماء الإسلام ، والواقع المشاهد المحسوس ، ثم طفق الشيخ في تبيان الأدلة من القرآن الكريم ثم من الأحاديث النبوية وأقوال علماء الإسلام والواقع المشاهد المحسوس .
ولقد رأيت في رسالتي هذه أن أكمل وأتمم ما قام به الشيخ رحمه الله من الاستدلال بالقرآن الكريم ، فأحببت أن أستعرض آيات القرآن من سورة الفاتحة إلى الناس واستقرئ الآيات الدالة على ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله في أن الشمس جارية في فلكها كما سخرها الله تعالى ، وأن الأرض ثابتة قارة .
فاستعرضت الآيات التي جاء فيها ذكر السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم سواء جاء ذكرها مجتمعه أو متفرقة أو مقرونة أو مفردة كل على حدة أو متتابعة في آيات متتالية ، أي قمت بتتبع الآيات التي جاء ذكر تلك الأجرام الكونية فيها ( ملحق في نهاية الرسالة أرقام الآيات المبسوطة بالبحث ). فوجدت ما يلي : -
أولا :-
عدد الآيات القرآنية التي جاء ذكر تلك الأجرام الكونية فيها تقريبا ( 233 ) آيه [ لم استبعد إلا الآيات التي ليس لها تعلق في الموضوع كقوله تعالى في سورة عبس { أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا }(عبس/25 – 27 )] فوجدت الحقيقة التالية وهي :-(1/1)
من المعلوم والمتفق عليه لدى كل الناس أن السماء هي سقف المخلوقات وأنها ثابتة مستقرة وأن القمر والنجوم تدور في أفلاكها ، والخلاف الذي بيننا وبين أصحاب الرأي الآخر هو هل الشمس ثابتة والأرض تدور ، أم الأرض ثابتة والشمس هي التي تدور ، ولاحظت بعد استقراء الآيات أن الله لم يقرن في القرآن كله من أوله إلى آخره الأرض في حال ذكرها مقرونة مع غيرها لم يذكرها مقرونة إلا مع السماوات ، وأما الشمس لم يذكرها مقرونة إلا مع القمر والنجوم الأخرى ، وهذا له دلالة على أن الثابت يُذكر مقروناً مع الثابت ، والمتحرك يُذكر مقروناً مع المتحرك ، بل حتى لو جاء ذكر تلك الأجرام مقرونة فان الله تعالى يذكر أولا السماوات والأرض بعدها ، ثم يذكر الشمس والقمر والنجوم بعد ذلك فلم يأت قط في القرآن أن الشمس ذكرت مقرونة مع السماوات في آية ، أو أن الشمس تُذكر بعد السماوات في حال ذكر الأجرام الكونية معها ، ثم تُذكر الأرض مع القمر والنجوم ، وهذا إن دل على شئ إنما يدل على أن الثوابت تذكر مع بعضها وهي السماوات والأرض ، وأن المتحركة تذكر مع بعضها وهي الشمس والقمر والنجوم وهذه الحقيقة واضحة لكل من تدبر آيات القرآن .
وحتى في الآيتين من ( سورة الرعد ) التي يقول الله تعالى فيها { اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(الرعد/2 – 3 ) .(1/2)
نجد أن الشمس عندما ذكرت لم تُذكر مقرونة مع السماوات بل قرنت مع القمر ثم ذُكر ما يبين جريانها بقوله تعالى { كل يجري لأجل مسمى }، ثم عندما ذُكرت الأرض في الآية الثانية ذكر معها ما يدل على قرارها بقوله تعالى { وجعل فيها رواسي } ، فكان معنى الآيتين : أن الآية الأولى ذُكر فيها الأجرام العلوية والآية الثانية ذُكر فيها الأجرام السفلية ، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره عن تلك الآيتين : لما بين آيات السماوات بين آيات الأرض \" وكذلك الحال الآيات من ( سورة نوح ) التي يقول الله تعالى فيها { أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا }(نوح/15 – 20 ) .
ثانيا :-
بعد استقراء الآيات التي جاء فيها ذُكر الأجرام الكونية ، وعددها ( 233 ) آية وجدت ما يلي : -
أ - عدد الآيات التي جاء فيها ذُكر السماوات والأرض مقرونتين مع عدم ذكر غيرهما هو ( 206 ) آية ، و ( 206 ) من أصل ( 233 ) آية تُذكر فيها الأرض فقط مع السماوات مع عدم ذكر غيرهما ، لهو دليل قوي يؤيد ما ذكرته في أولاً وهو أن الثوابت تُذكر مع الثوابت والمتحركة تُذكر مع المتحركة ، علماً بأن في ( 15 ) آية من ( 206 ) ذُكرت فيها الأرض قبل السماوات .
أمثلة :-
مثال للآيات التي ذكرت فيها السماوات والأرض فقط ومقرونتين : -
- آية { قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }(البقرة/33) .(1/3)
- آية { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(آل عمران/29) .
- آية { وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا }(النساء/126) .
مثال للآيات التي ذكرت فيها الأرض مع السماوات مقرونتين مع كون ذكر الأرض قبل السماوات : -
- آية { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }(البقرة/22) .
- آية { إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء }(آل عمران/5) .
- آية { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }(يونس/61) .(1/4)
ب -جاء في آيتين وهما آية { إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }(الأعراف/54) . وآية { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء }(الحج/18) . جاء فيهما ذكر جميع الأجرام الكونية السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم وغيرهما ولكن وجدت الآتي :-
1- (الأعراف/54)
نجد إن الله قرن الأرض مع السماوات ثم بعد أن قال { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا }ذكر بعد ذلك الشمس مع القمر والنجوم وذكر ما يدل على دورانها أو حركتها فقال تعالى { مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } وهذا يؤيد الحقيقة التي ذكرتها في أولاً وهي أن الثوابت تذكر مع الثوابت والمتحركة تذكر مع المتحركة .
2- (الحج/18)
نجد انه ذكرت السماوات والأرض مقرونتين أولاً ثم ذكرت بقية الأجرام الأخرى ونجد كذلك عند ذكر السماوات قال تعالى { مَن فِي السَّمَاوَاتِ } ، وعندما ذكر الأرض قال تعالى { وَمَن فِي الْأَرْضِ }، وعند ذكر الشمس جمعها مع القمر والنجوم وغيرها ، فمعنى الآية يوحي بأن السماوات هي سقف المخلوقات وفيها الأجرام العلوية والأرض هي القرار وفيها الأجرام السفلية ، وأما الشمس فهي مع غيرها - الأجرام الأخرى - .
فلم يقل في الشمس { من فيها } فجاءت على خلاف السماوات والأرض .(1/5)
جـ- جاء في أربع آيات في القرآن ذكر الشمس مع القمر مقرونتين ، والآيات هي : -
- آية { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }(يونس/5) .
- آية { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }(يوسف/4) .
- آية { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }(الإسراء/12) .
- آية { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }(فصلت/37) .
وذكر الشمس مقرونة مع القمر الذي دورانه متفق عليه فيه إشارة إلى ما ذكرته سابقاً أن القرآن يذكر الثوابت مع الثوابت والمتحركة مع المتحركة ، ولم يأتي ولو في آية واحدة أن قرنت الأرض مع القمر .
د- جاء في ست عشرة آية من القرآن ( فيما أعلم ) إثبات جريان الشمس ودورانها إثباتا صريحا لا شك فيه لمن أراد الحق و أخلص النية لله ، وقد تنوع مجيء هذه الآيات على النحو التالي :-(1/6)
1- جاء التصريح بجريان الشمس ودورانها حول الأرض في مقام التحدي كما في الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }(البقرة/258) . حيث تحدى إبراهيم عليه السلام النمرود بأن يجري الشمس ويأتي بها من المغرب فبهت الذي كفر ، فهل يستطيع أصحاب القول الآخر تفسير هذه الآية تفسيراً مقبولاً يوافق قولهم ويثبت أن الأرض هي التي تدور حول الشمس .
2- الآية { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }(الإسراء/78) .أثبت الدلوك للشمس ، والدلوك هو زوال الشمس ( أو غروبها على القول الآخر لأهل التفسير ) ، ولا يستطيع قائل أن يقول أن الدلوك هنا مجازى ، لان الله تعالى أعقبه بغسق الليل ، فهل غسق الليل مجازيٌ أيضاً .(1/7)
3- الآية { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا }(الكهف/17) . حيث نسب الله تعالى الطلوع للشمس بصيغة الفعل فقال تعالى { وترى الشمس إذا طلعت ...} ، ثم أكده بأن نسب الغروب لها أيضاً ، ثم جعل ذلك من آيات الله ، وكذلك الآية {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ( الأنعام/78) . حيث وصف الشمس بأنها بازغة والبزوغ هو الطلوع كما قال القرطبي في تفسيره ( بزغ يبزغ إذا طلع .، وهذا دليل على إنها تجري وتدور حول الأرض حيث أثبت في نهاية الآية لها الأفول ، والأفول هو الغروب كما قال القرطبي في تفسيره : أقل يأفل أفولاً إذا غاب ، فكان بنص الآية الطلوع والغروب للشمس وليس للأرض .
4- الآية { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا }(الكهف/86) . حيث نسب الله تعالى الغروب للشمس بصيغة الاسم فقال تعالى { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ.... } ، ثم أكده بقوله تعالى { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } مما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل .
5- الآية {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا }(الكهف/90) . كذلك نسب الطلوع للشمس بصيغة الاسم وأكده بقوله { وَجَدَهَا تَطْلُعُ ... } . مما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل .(1/8)
6- الآية { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى }(طه/130) .والآية { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ }(ق/39) . حيث نسب الطلوع للشمس ثم أكده بأن نسب الغروب لها أيضاً .
7- الآية {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا }(الفرقان/45) . حيث جعل الشمس دليلاً على الظل ، والظل تابعاً للشمس ولم يجعله تابعاً للأرض .
8- الآية { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }(لقمان/29) . والآية { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ }(فاطر/13) . والاية { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ }( الزمر/5) . حيث نسب الجريان للشمس وقرنها بالقمر المتفق على دورانه حتى يؤكد دوران الشمس ولا يكون هناك مجال لتفسير هذا الدوران والجريان بتفسير آخر .(1/9)
9- الآيات { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } (يس/38 - 40) . وهذه أعظم الآيات الواضحات الجليات التي لا تدع مجالاً للشك أو التأويل
، فأولاً : نسب الجريان للشمس ثم قرن معه جريان القمر ثم أكده بأن الشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار .
10- الآية { إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (الأعراف/54) . والآية {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }(الرعد/2) . حيث جعل الشمس مسخرة ومقرونة مع الأجرام الجارية والمتفق على جريانها .
11- الآية { وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } ( إبراهيم/33) . حيث وصف الشمس بأنها دائبة وقرنها بالقمر ، يقول القرطبي في تفسيره : والدؤوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية ، وقيل : دائبين في السير امتثالاً لأمر الله ، والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران ، روي معناه عن ابن عباس .
الخاتمة : -(1/10)
هذا ما من الله علي به في تبيان هذه الحقيقة العلمية التي جاءت واضحة جلية في كتاب الله لمن أخلص النية لله وتدبر القرآن كما أمره الله تعالى ، واختم رسالتي هذه بما ختم به شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالته بقوله :-
ذكرت فيما سبق أن ما يقوله علماء الفلك ، وبعبارة أخرى علماء الهيئة عن شئون الأجرام السماوية ، وضخامتها ، والأبعاد التي بينها ، وغير ذلك ، وما يقولونه عن شئون الأرض كل ذلك يجب أن يقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم تشهد له الأدلة العلمية بالصحة فهو مقبول ، وقسم تشهد الأدلة العلمية ببطلانه فهو مردود ، والقسم الثالث لا يوجد في الأدلة العلمية ما يدل على قبوله أو رده فيكون موقوفاً حتى يجد الناظر في ذلك من أهل العلم من الأدلة ما يرشده إلى قبوله أو رده ، أما قبولها مطلقاً من غير فحص ولا نظر بل مجرد التقليد لهم فأمر لا يجوز لما يترتب عليه من الأخطاء الكثيرة ، والقول على الله ، وعلى خلقه بغير علم في مسائل كثيرة مما يقولون ، وأوضحت أن قول بعض الكتاب أنه يجب أن لا يلتفت إلى قول علماء الإسلام السابقين ، واللاحقين في أمور الفلك بل يجب عنده أن يكون علماء الإسلام كالتلاميذ لعلماء الهيئة في شئون الفلك أوضحت أن هذا قول باطل لا يجوز اعتقاده ، ولا القول به بل يجب أن تقسم أقوالهم إلى الأقسام الثلاثة السابقة .
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأسأله عز وجل أن يهدينا ، وجميع المسلمين لما اختلف فيه من الحق بإذنه انه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله الذي أتم الله به النعمة ، وأكمل به الدين ورحم به الأمة ولم يقبضه حتى بلغ البلاغ المبين ، وعلى آله و أصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين .انتهى كلام الشيخ رحمه الله .(1/11)
هنالك شبهة يلقيها اصحاب من يعتقدون دوران الارض وثبوت الشمس وهي :-
ان النظرية القائلة بثبوت الشمس ودوران الارض عليها تنطبق كل الاختراعات الحديثة واثبتتها كل الاختراعات الاخيرة وعليها كذلك كل الحسابات الفلكية القائمة الان من شروق الشمس وغروبها وحركة الملاحة الجوية والبرية والبحرية وحركة الاقمار الصناعية والصواريخ العابرة والتي كلها قد حسبت بحركة الارض ودورانها حول الشمس ولو كان العكس هو الصحيح لما استقامت حركة الملاحة وغيرها من المذكور اعلاه .
فأقول وبالله التوفيق : من المعلوم ان الظواهر الفلكية كالخسوف والكسوف ومرور المذنبات في مجال الارض وغيرها من ظواهر فلكية تحسب الان بالنظرية الحديثة بالدقة كما كانت في السابق عندما كان اعتقاد دوران الشمس حول الارض هو السائد كانت هذه الظواهر الفلكية تحسب بدقة كذلك . فعلماء الفلك القدامى الذين يعتقدون دوران الشمس كانو كذلك يحسبون الكسوف والخسوف ومرور المذنبات في مجال الأرض بدقة كذلك والأدلة على ذلك كثيرة أبرزها حادثة غزو عمورية في عهد الخليفة العباسي المعتصم في عام 223 هجرية عندما نصحه المنجمون بعدم الغزو هذه الأيام لأنها تصادف مرور احد المذنبات فخالفهم وغزا وكان النصر وسطرت هذه الحادثة بالشعر المشهور الذي يقول فيه الشاعرأبوتمام :
(( السيف اصدق أنبائا من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب ))
الى أن قال :
( وخوفوا النلس من دهياء مظلمة اذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب )
فالحادثة واحدة وهي مرور المذنب وحسب مروره اعتمادا على ثبات الارض وكانت النتيجة صحيحة (فزمن مروره حسب بدقة ). فاذا احتجوا علينا بان نظريتهم اوصلتهم الى حسابات دقيقة كذلك اعتقادنا وطريقتنا أوصلتنا الى نفس النتيجة الصحيحة فاي الطريقتين هي الصحيحة مع انهما أوصلتا إلى نفس النتيجة فنقول أن القران والسنة يؤيدان اعتقاد دوران الشمس .
خالد بن صالح
1/2/1428 هـ - الكويت(1/12)
ص.ب. 1353 كيفان – الرمز البريدي 71956 الكويت
ksmksmg@hotmail.com(1/13)