ثمر الخاطر
الجزء الأول
بقلم /
متعب بن سريان العصيمي
حقوق الطبع لكل مسلم
المقدمة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، ومن
تبعه واقتفى أثره .
ثم أما بعد
فهذه المجموعة الأولى من ثمر الخاطر أضعها بين أيديكم عبارة عن آراء ومواقف
نشأت وترعرعت في خاطري ، ثم أطلقتها كالصيد في البراري ، فقلت لا يصلح صيد
بلا قيد ، ولا يصلح بعد القيد حبس ، وتعميماً للفائدة ، واحتساباً للأجر والثواب من
الله في نشرها بين أيديكم ، رأيت أن أخرجها متعة للناظر وسلوة للحائر في سلة
جمعت من كل حديقة أزكاها زهرة ، ومن كل فاكهة أطيبها ثمرة ، متنوعة
الفوائد من شتى الموائد .
هذا فما كان فيها من صواب فمن الله الواحد المنان ، وما كان من خطأ ونقصان فمن
نفسي والشيطان ، والله ورسوله من بريئان ، وأستغفر الله منه ثم أعود إلى الحق
وأتبعه ، والله المستعان ، وعليه التكلان .
والحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات .
وكتبه أخوكم /
متعب بن سريان العصيمي
مكة المكرمة
ص . ب / 12680
ثمر الخاطر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الوسطية في النصح
إن التواصي والتناصح حق من حقوق المسلمين فيما بينهم ، يجب أداؤه لما فيه
صلاح للإسلام والمسلمين ، عملاً بما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه
عن أبي رقية تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه - أن النبي ( قال :
" الدين النصيحة . قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله وللأمة
المسلمين وعامتهم " .
ولكن - وللأسف الشديد - أن الناس قد انقسموا في فهم هذا التوجيه النبوي الكريم
إلى ثلاث شعب ، فأما فريقين فمفترقين تماماً ، متنافرين متناحرين بينهما ، يدعون
الفهم ، وأنى لهم وقد أحاط بهم السقم في عقولهم وقلوبهم ، وهما فريق الغلاة ،
وفريق الجفاة .
فأما الأول منهما ، فيغلي في نفسه حتى يغلوا على غيره ، أيما غلو في استكبار وعلو(1/1)
، فالفضيحة عندهم نصيحة ، والغيبة والنميمة آية وسنة كريمة ، والبحث عن الهفوات
والزلات جمع للأحجار الكريمة، وتصيد الأخطاء نقد هادف وبناء .
والفريق الآخر/ جفاة عن النصح تماماً ، فهمم يهملونه بالكلية ، فلا يؤدوا حق
النصيحة الذي أوجبه الله عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كلاً بحسب
علمه واستطاعته ، فبسببهم تعم المنكرات بين العباد ، ويظهر الفساد في البلاد ، من
غير توجيه ولا إرشاد ، حتى يحق عليها القول من رب العباد ، (( ..... فدمرناها
تدميرا )) ، الإسراء ، ( 16 ) .
وهؤلاء وأشباههم وقعوا في فعل أسلافهم ممن قال الله فيهم :
(( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما
عصوا وكانوا يعتدون (78 ) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) ،
المائدة . 78 ، 79 . وكفى بها رادعاً وزاجراً للمعرضين تماماً عن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر .
والصواب والحق والعدل من يسلك الطريق الوسط بين الغالي والجافي ، فهو ليس مع
الغلاة ، ولا مع الجفاة ، فريق وسط في كل شأنه ، يعطي كل ذي حق حقه ، وهؤلاء هم
أهل العلم والإيمان من السلف والخلف .
ومنهج الإسلام في كل شيء وسط بين الإفراط والتفريط ، قال الله تعالى :
(( وكذلك جعلناكم وسطاً .... " ( البقرة 143 ) .
فالوسطية مطلب شرعي يجب الأخذ به في جميع مناحي الحياة حتى لا نقع في إحدى
السوءتين ، إما الإفراط أو التفريط .
فمن احتاج من إخواننا إلى النصح أهدينا إليه النصيحة بقدر ما يحتاج إليها مراعين
في ذلك شروطها وآدابها من الإخلاص لله ، والعلم ، والتجرد من حظوظ النفس عند
البحث عن الحق ، والحرص على حفظ المكانة العلمية والاجتماعية للمنصوح بعيداً
عن النوايا الخبيثة لإسقاطه من أعين الناس ونزع الثقة منه .
وكذلك من الآداب في النصح عدم استخدام الغلظة والعنف في الأقوال والأفعال التي(1/2)
قد تتسبب في جرح المشاعر وإيغال الصدور بالحقد والبغضاء .
والوسطية منهج واضح بين لا يزيغ عنه إلاّ هالك في غلوه أو جفاءه ، فأما الهالك في
غلوه فلشبهة في عقله أو شهوة في نفسه .
فأما الشبهة فهي أن تصيد الأخطاء عندهم نقد بناء ، لاحرج فيه ولا عليهم منه لومة
لائم ، وذلك ظنهم الذي أرداهم فأصبحوا خاسرين نادمين منشقين على بعضهم .
ومثل هذه الشبهة الهزيلة البين عورها قد علقت وعشعشت في عقول أصحابها ردحاً
من الزمن حتى أصابها العفن وأفرزت لهم المحن والفتن .
فمن المحن والفتن التي جلبتها عليهم قلوبهم السقيمة أنهم نصبوا أنفسهم قضاة على
نوايا الناس وتصرفاتهم ، فيقولون رجماً بالغيب وعملاً بالريب أنهم ما قصدوا إلاّ كذا
وكذا ، من غير دليل ولا برهان إلاّ اتباع الهوى والشيطان ، فيحكمون لهذا بالنجاة
وعلى ذاك بالهلاك ، وهذا بالصواب وذاك بالضلال .
وأيضاً جعلوا من أنفسهم رجال زمانهم في الجرح والتعديل ، وأهل لنقد وتصحيح كلام
العلماء والرد عليهم كما زعموا كذباً وحسدا ً من عند أنفسهم ، وكان الواجب عليهم
أن ينشغلوا بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم لإصلاحها ونجاتها في الدنيا والآخرة
، والتوبة مما هم عليه من الردود الرديئة والألفاظ البذيئة ، ومن النشرات الخبيثة
التي تكتب باسم الدين النصيحة ، والدفاع عن الحق والعقيدة ، ولكن الأمر في
حقيقته غيبة ونميمة منكرة ، يجب على من وقع فيها التوبة والاستحلال منها ، وعلى
من سمعها الإنكار على الفاعل ، والذب عن الغافل .
عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال النبي ( : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ،
فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً ، أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره ؟
قال : تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره " رواه البخاري .
وقال الحافظ ابن عساكر - رحمه الله - في كتابه ( تبيين كذب المفتري ) :
( واعلم - يا أخي - وفقنا الله وإياك لمرضاته ، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق(1/3)
تقاته ، أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة ) .
إن التوجيه الصحيح في كيفية التعامل مع الأخطاء ، هو أنك إذا قرأت أو سمعت من
عالم أو داعية ، أو أي أحد من الناس فاعرض قوله أو فعله على الكتاب والسنة ، فإن
وافق فخذ به لأنه حق والحق أحق أن يتبع ، وإن خالف فخذ بالكتاب وما صح من
السنة ، ودع عنك قوله وفعله المخالف للحق لا لهواك وشهوتك ، لأنه ما من أحد إلاّ
ويؤخذ منه ويرد إلاّ رسول الله ( ، ثم إياك بعد ذلك أن تنال من عرض ذلك العالم أو
الداعية ، ونكران فضلهم وجميلهم ، وما عندهم من الحق بقصد التشفي لما في
الصدور ، والتشهير بهم من أجل إسقاطهم ونزع الثقة منهم ، وشن غارات الانتقام
للذات منهم ، بتضخيم أخطائهم ، ونشرها في الورى .
وهذا من النقد الآثم والخارج عن منهج الوسطية في النصح ليس من أخلاق السلف .
وكذلك الإعراض عن هذا وحده لا يكفي ، فلا جفاء ولا غلو ، بل يجب عليك أن
تقوم بواجب المناصحة ، كأن تكتب له رسالة فيها بيان للحق بعبارات مهذبة
ولطيفة ، مبنية على حسن الظن بهم ، والاعتذار لهم مما وقعوا فيه من هفوة أو زلة .
ولنا في رسول الله ( أسوة حسنة في التعامل مع الأخطاء ، وذلك كما في القصة
التي رواها البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر بن الخطاب ( قال في قصة
حاطب بن أبي بلتعة ( : (( دعني يا رسول الله أضرب عنقه ، إنه قد خان الله
ورسوله والمؤمنون )) فقال له الرسول ( وهو يعلمه ويوجهه والأمة من بعده أن
خطأ المجتهد قد لا ينقص من قدر فاعله عند الله : (( يا عمر وما يدريك لعل الله قد
اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو قد غفرت لكم ))
فدمعت عينا عمر ( وقال : ( الله ورسوله أعلم ) .
فمن هذه القصة نتعلم دروساً منها أننا لسنا معصومين من الخطأ ، وأن خطأ الإخوان
يطوى ولا يروى ، ويُستر فلا يُنشر ، ويغمر في بحر حسناته فلا يُظهر ، لأنه ما من(1/4)
عالم أو داعية - قديما أو حديثا - إلاّ وقد أُخذ عليه مأخذ ، ولو كان الحال أن من أخطأ
يترك جملة وتفصيلا فلا يؤخذ منه الحق، لم نجد في زماننا هذا من نأخذ منه العلم
ولا من يدلنا على الخير ويعظنا من الشر ، ونتعلم أيضاً أن نلتمس لإخواننا العذر في
ما وقعوا فيه ، ولو كان الخطأ له تسع وتسعون محملاً للشر ومحملاً واحداً للخير
لوجب علينا أن نحمله على هذا المحمل الوحيد وإن أبت نفوسنا وشهواتنا .
فأقول أما يسعنا ما وسع عمر ( بأن تدمع عيوننا ، ونستغفر الله لنا ولإخواننا ؟؟!!
فهذه نصيحتي لكل من خرج عن منهج الوسطية ، غلواً أو جفاءً ، بأن يعود إلى رشده
فمهلاً مهلاً ، ورفقاً بإخوانكم .
هذا وما أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم .
حرر في 20 / 3 / 1423 هـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تدنيس الألقاب والواجبات الشريفة
إن فئاماً من الناس يحملون أفكاراً منحرفة ، وبدع وضلالات ، وانحراف عن الصراط
المستقيم ، وفي المقابل نراهم يرفعون شعارات براقة وعبارات شريفة أصلها ثابت في
الكتاب والسنة ، وأكلها زبد جفاء لا ينفع الناس .
فإذا تأملنا واقع هؤلاء بالنظر إلى ما يدعونه وينتسبون إليه وجدنا تلك الألقاب بريئة
من أفعالهم المنكرة ، ووجدناهم أيضاً لصوص اغتصاب الألقاب ، فلا تبني ولا انتساب
في ديننا إلى غير أبينا .
فمن أمثلة الانتساب وامتهان الألقاب والواجبات الشريفة ( حزب الله - سلفي -
شيعي - تبليغي - الجهاد - إخواني - الوسطية - رجعي )
إن هذه الألقاب - كما أسلفنا - شريفة في معانيها ودلالاتها النبيلة بيد أن الانتساب إلى
أحدها ليس هوى ولا دعوى يدعيها من أراد ذلك ، وإنما تتطلب منه التحقيق والعمل ،
تحقيقاً لكل ما تحمله من صفات شرعية ، وعمل لكافة الواجبات الشرعية التي يتطلبها
الانتساب إلى هذه الألقاب .(1/5)
فمع هذه الألقاب الشريفة وكيف حصل لها التدنيس والاغتصاب على أيدي مدعيها
ونبدأ بلقب (( حزب الله )) /
لقد ذكر الله - عز وجل - هذا اللقب الشريف في كتابه العزيز ممتدحاً أهله بالفلاح
في قوله - تبارك وتعالى - : (( ....... ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار
خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألآ إن حزب الله هم
المفلحون )) المجادلة ، 22 .
فيا ترى من هم المعنيون والمنعوتون بهذا اللقب الشريف بنسبته إلى الله ؟ !
هل هم أدعياؤه في هذا الزمن وغيره عبر وسائل الإعلام المختلفة ؟
أم أنهم هم المؤمنون حقاً المنعوتون بصفات الخير والمستحقين لها في هذه الآية
وغيرها من كتابه الكريم ؟
الجواب الموفق عن هذا وبدون أدنى شك هو أن المعنيون بهذا اللقب الشريف
والوسام النزيه هم أهل الإيمان بالله واليوم الآخر صدقاً وحقاً ، وأما أدعياؤه فلا أبعد
من أن يكونوا هم الحزب الآخر .
يقول الشيخ السعدي ( رحمه الله ) في تفسيره لهذه الآية :
" وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر ، وهو مع ذلك موادٌّ لأعداء الله ، محب
لمن نبذ الإيمان وراء ظهره ، فإن هذا إيمان زعميٌّ لا حقيقة له ، فإن كل أمر لا بد له
من برهان يصدقه ، فمجرد الدعوى لا تفيد شيئاً ، ولا يصدق صاحبها . "
ومن الألقاب التي تعرضت للامتهان على أيدي مدعيها ظلماً وزوراً لقب
(( السلفي ، أو الأثري )) /
من المعلوم أن السلف يقصد بهم أولئك النخبة من الحقبة الماضية من الصحابة
والتابعين ومن تبعهم بإحسان وافتفى أثرهم ، وقضى نحبه على ذلك .
ولا شك أن سلفنا الصالح هم مفخرة الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين ، والانتساب لهم
مع صدق الاقتداء بهم في كل ما هو حق وشرع شرف لصاحبة وحق له أن يعتز به
عند أهل الكفر والبدع والعقائد الفاسدة ، وليس له ذلك عند أهل التوحيد والإيمان .
فمن ادعى هذا اللقب بلا حقيقة ولا برهان فقد امتهن ( السلفية ) وجعلها مطية(1/6)
يرتحلها متى شاء ليحمل عليها مقاصده وأهدافه الدنية ،
وإن المتأمل لحال الأدعياء - ونعوذ بالله من حالهم - فلا تجد لهم علماً نافعاً حصلوه ،
ولا مشروعاً لخدمة الدين قدموه ، ولا دعوة لضال أهدوه ، ولا معروفاً أمروا به ولا
منكر أنكروه ، وإنما التحذير والتنفير من أبواب البر والخير .
فهؤلاء ومع هذا الصنيع المنكر أرادوا يكون لمنهجهم رواجاً ، فعمدوا إلى كسائه لباس
السلفية ، ومنح أنفسهم لقب ( السلفي ) حتى يظن أن كل ما هم عليه من الصنيع
الباطل هو صورة طبق الأصل لما كان علي السلف الصالح رضي الله عنهم .
فبهذه الممارسة المشينة وجدوا رواجاً لهم في سوق السفهاء والجهلة ، وهي محاولة
جادة منهم لتفريق الصف وزعزعت أركانه ، وأيضاً محاولة الاصطفاف مع الطابور
الخامس إن لم يكونوا قد اصطفوا .
أهذه هي السلفية التي كان عليها الصحابة والتابعون لهم بإحسان ؟؟
أم أنها بحق خلوفية لا سلفية !! .
ومن الألقاب الممتهنة والمدنسة بأصحابها لقب ( شيعي ) /
قال ابن منظور في ( اللسان ) تحت مادة / شيع :
" شيعت فلاناً اتبعته ، وشايعه تابعه وقواه ، وشيعه خرج معه عند رحيله ليودعه .
وقال الراغب الأصفهاني في المفردات :
الشيعة هم من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه ، قال تعالى : (( وإن من شيعته
لإبراهيم )) ، الصافات 83 ، وقوله : (( هذا من شيعته وهذا من عدوه )) ، القصص .
إذاً من خلال هذه المعاني اللغوية يتبين لنا أن لفظة ( الشيعة ) يقصد بها الأتباع
والنصرة ، فتقول : شيعة فلان أي أتباعه في طريقته وأنصاره عليها .
وقال الفيروزآبادي في قاموسه :
" وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى علياً وأهل بيته، حتى صار اسما لهم خاصا ً"
فإذا كان هذا المعنى الصحيح من وراء هذا اللقب الشريف ، فإننا أولى به من أدعيائه
فنحن على هذا المعنى أتباع وأنصار لأهل بيت النبي ( وهذا ما تمليه علينا عقيدتنا(1/7)
الإسلامية ، بأن نوالي ونحب ونجل الصالح منهم ، ولكن أدعياؤه من هم ؟ و ما هي
حقيقتهم ؟؟
أليسوا هم الروافض - شر من وطئ الحصى - الذين رفضوا إمامة الإمامين
والشيخين أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم . ؟؟!
أليسوا هم قتلة آل البيت ومن أحبهم ؟؟!
بلى وربي ومن غيرهم ، فإذا كانوا كذلك أفلا يكون هذا ادعاء وتدنيس لشرف هذا
اللقب من هذه الشرذمة ؟؟!
ومن الواجبات الشريفة واجب ( التبليغ ) /
وردت لفظة ( البلاغ ) وأنها مهمة الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام -
لأقوامهم في تبليغ الرسالة إليهم في أكثر من عشر آيات بينات من كتابه الكريم ،
قال تعالى : (( فهل على الرسل إلاّ البلاغ المبين )) النحل 35 .
وقال تعلى : (( وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين )) النور 54 ، العنكبوت 18 .
وإلى غير ذلك من الآيات الكريمات ، وأما السنة المطهرة فنجد أن النبي ( حث على
البلاغ فقال : (( بلغوا عني ولو آية )) رواه البخاري .
فإذا كان البلاغ مهمة الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - السابقين ووصية
الحبيب ( من بعدهم لنا ، فإنه يتعين علينا أن نقتدي بالرسل - عليهم الصلاة والسلام
- ونعمل بوصية الحبيب ( وهي تبليغ الدين وأحكامه وشرائعه إلى من لم تبلغه
الدعوة إلى الإسلام بمادتها الأصلية ( القرآن ، وصحيح السنة ، وأقوال السلف
الصالح ) ، وأما ما نجده في جماعة تدعي البلاغ لهذا الدين ، وتنعت بالتبليغ
له ، ولكنه - وللأسف - في أكثره بلاغ مشوب بشركيات وبدع ، وأقوال مرجوحة
وضعيفة ، لا تصلح أن تنسب لهذا الدين ، ولأنه نبع من غير مصادره الأصلية .
فمن نسب للدين ما ليس فيه فقد غش دينه وظلم نفسه ، وبسبب أمثال هؤلاء حصل
التدنيس لهذا الواجب الشريف ، وامتهنت هذه المهمة النبيلة .
ومن الواجبات التي لم تسلم من الامتهان واجب (( الجهاد في سبيل الله )) /
فالجهاد أمر من الله - عز وجل - ، وأمره سبحانه نافذ وماض إلى يوم القيامة وإن(1/8)
رغمت أنوف حالت بينه أو حاولت ذلك ، فما دامت الآيات تتلى فيه من القرآن
المحفوظ من الله إلى يوم القيامة فبقاؤه ومشروعيته كذلك .
ومن المعلوم بأن الله قد أنزل في أمر الجهاد في سبيله أكثر من عشرين موضعاً من
كتابه العزيز ما بين آمر به ومرغب فيه , ومبيناً لفضله بين سائر الأعمال الصالحة .
فالجهاد في سبيل الله حبل الله المتين وذروة سنام هذا الدين ، وما حياة النبي (
وأصحابه الأخيار إلاّ جهاداً في سبيل الله لإعلاء كلمته ونشر رسالته .
والشهيد أجره عند ربه عظيم ومنزلته في الجنة عالية مع النبيين والصديقين ، ولقد
تمنى النبي ( الشهادة في سبيل الله في أكثر من موضع ، وذلك لما يجده الشهيد عند
ربه من المنزلة والفضل العظيم الذي لا يخفى على كل مسلم .
ومع هذا البيان والوضوح في أمر الجهاد وحكمه ، إلاّ أنه وجد في هذا الزمن أناس
لبس عليهم الأمر ، فلعبوا بأدلة الجهاد وأحكامه فضلوا وأضلوا حيث رفعوا لواء
الفتنة والإرهاب بين المسلمين وعليهم في مواضع ليست من الجهاد في شيء ،
وحسبوا بما صنعوا ألاّ تكون فتنة فعموا عن الحق وصموا كثيراً ، وبهذا الصنيع
دنسوا شعيرة الإسلام وذروة سنامه ، وصوروا للناس أن أعمالهم الدنيئة ضرباً من
الجهاد ، والحق أنها ضرب من الفساد والإفساد .
ومن الألقاب الممتهنة لقب (( إخواني )) /
الذي يظهر لنا من ظاهر هذه الكلمة أنها نسبة إلى الأخوة التي بين المسلمين ،
والمأمورين بها في قوله تعالى : (( إنما المؤمنون إخوة ... )) الحجرات ، 10 .
ولكن الواقع يحكي لنا عكس ذلك تماماً ، فلو قدر لك - يوماً - أن تجالس أحد
الأشخاص المصابون بلوثة التصنيف المهين ، لوجدته يفرق بين المسلمين ،
ويوزعهم إلى فرق وأحزاب ، فيضع فلان مع الحزب الفلاني ، وفلان من الحزب
الفلاني وهكذا ... حتى يقول فلان من حزب ( الإخوان المسلمين ) أو (( إخواني ))
على حد تعبيره .
فيا سبحان الله ..!! وهل المسلمون إلاّ إخوة في الله ؟؟!(1/9)
إذاً فكيف كان الامتهان لهذا الوصف النبيل ؟؟
إن الجاني على هذا الوصف هم أدعياؤه الذين اتخذوه ذريعة إلى تبرير أخطائهم
وتجاوزاتهم الشرعية ، وحتى ينخدع بهم عامة الناس ، وبهذا الصنيع المنكر أصبح
وصف (( الإخوان المسلمين )) كأنه تهمة لمن تنسبه إليه بأنه مثلهم في الفكر
والمنهج والتجاوزات الشرعية التي لديهم .
ومن الأوصاف التي نالتها ألسنة السفهاء الوصف الرباني لهذه الأمة (( الوسطية ))
فالوسطية هي منهج أهل السنة والجماعة ، وهو المنهج المرتضى والمسلك القويم ،
فنحن لسنا جفاة ولا غلاة وإنما أمة وسط .
قال الله تعالى : (( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ... )) البقرة ، 143 .
إن منهج الوسط ليس شعاراً ولا دعوى يدعيها من أراد ذلك فحسب ، بل لا بد من أن
تكون لكل دعوة برهان ودليل من الكتاب والسنة الصحيحة تؤيد هذا الإدعاء ، وإلاّ فلا
قيمة له ، لأننا رأينا في زماننا هذا من ينادي بالانهزامية والتنازل عن القيم والتشكيك
في المسلمات من الدين ، ومناصرة فكرة التقريب بين ديننا الحق والأديان المحرفة ،
وتمييع قضايا الأمة ، ثم يقدمها للجماهير باسم الوسطية ، وأن ما عداها غلو وتطرف
وسلوك مرفوض .
فهؤلاء الأدعياء ومن شاكلهم هم معول هدم للوسطية ، ويسيئون لها شعروا بذلك أم
لم يشعروا ، بل هو امتهان للوسطية وحرب عليها .
ومن الأوصاف أيضاً (( رجعي ) /
وخلاصة مفهوم هذا الوصف بأن المسلم مأمور في كل ما يعرض له من أمر
الأمن أو الخوف بالرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى أولي الأمر وفهم العلماء للأدلة في
ذلك الأمر ، عملاً بقوله تعالى : (( ..... فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله
والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً )) النساء ، 59 .
وقوله تعالى : (( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى
الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم(1/10)
ورحمته لا تبعتم الشيطان إلاّ قليلا )) النساء ، 83 .
فالمنافقون في هذا الزمان لا يرضون بالتحاكم إلى الكتاب وصحيح السنة وفتاوى
العلماء الراسخون في العلم ، ويسمون هذا تخلف ورجعية، (( وإذا قيل لهم تعالوا
إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً )) النساء ، 61 .
فالذي يريدونه لنا هو الرجوع والميل العظيم إلى ما تمليه عليهم شياطين الجن
والإنس ، وما تشتهيه الأنفس المريضة من اتباع الشهوات ، والميل عن الصراط
المستقيم ، و.يقول الله تعالى : (( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون
الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً )) النساء ، 27 .
بل إن قاعدة الحلال والحرام عندهم هي تحكيم الشهوة ، فإن رغب الناس في الخمر
والزنا والربا ، ثم أعقبوه بالإلحاح والطلب ، فما كان هناك ثمة مانع من اقترافه
مجاهرة ، وترك التشدد في إنكاره .
فأقسم بالله ووالله وتالله لو اجتمعت رغبات الناس في تقبل الربا والزنا
واللواط والخمر وكل حرام ما أصبح حلالاً يوماً من الأيام ، ولا عذراً في النهي عنه .
وخلاصة القول في هذا أن جريمة امتهان الأوصاف والواجبات تمت على أيدي
أدعيائها وأعدائها ، فأصبحت بسببهم شبهة أو عاراً يرمي به المسلم أخاه .
وختاماً : كفوا عن هذا الهراء والافتراء أيها الأدعياء والأعداء أو هاتوا برهانكم
إن كنتم صادقين .
والحمد لله رب العالمين .
حرر في 26 / 4 / 1424 هـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن شاء الله أدب مع الله
إن الأدب أياً كان نوعه - قولا أو فعلا - خلق عظيم ، ووصف نبيل ، ويعلوا كلما علا
شأن المتأدب معه ، ويزداد علواً وعزاً وشرفاً إذا كان مع الله - عز وجل - وهو
أحق من تؤدب معه ، والحديث عن الأدب مع الله حديث يشرح الصدر ، ويهذب النفس
ويزكيها، ويسموا بها إلى معالي الأمور، فلقد كان أكثر الناس وأكملهم أدباً مع ربهم(1/11)
هم الأ نبياء والرسل- عليهم الصلاة والسلام- كيف لا وهم أكرم الخلق وأتقاهم لله .
قال الله تعالى ممتدحاً خُلق نبينا محمد ( : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) القلم ، 4 .
بل وحثنا - سبحانه وتعالى - على الاقتداء به في هذا الخلق العظيم في أقواله
وأعماله ، وعبادته لربه فقال : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً )) الأحزاب ، 21 .
فمن الأدب مع الله - عز وجل - قولك : ( إن شاء الله ) عندما تخبر عن أمر تنوي
فعله مستقبلاً عملاً بقوله تعالى : (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً(23 ) إلاّ أن
يشاء الله ... )) الكهف ، 23 ، 24 .
يقول الشيخ السعدي - رحمه الله - : " فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة
( إني فاعل ذلك غداً ) من دون أن يقرنه بمشيئة الله ، وذلك لما فيه من المحذور وهو
الكلام على الغيوب المستقبلية ، التي لا يدري العبد هل يفعلها أم لا ؟ وفيه رد الفعل إلى
مشيئة العبد استقلالاً وذلك محذور ومحظور ، لأن المشيئة كلها لله ، ولما في ذكر
مشيئة الله من تيسير الأمور وحصول البركة فيها "
ومما يدل أهمية هذا الأدب وعلو شأنه هو أن الله - سبحانه وتعالى - قد استثنى في
كلامه فقال : (( لقد صدق الله رسوله الرؤيا لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءآمنين
محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون .... )) الفتح ، 27 .
قال ثعلب - رحمه الله - :" إن الله استثنى فيما يعلم ، ليستثني الخلق فيما لا يعلمون "
وقال سيد قطب - رحمه الله - " ولكن الله - سبحانه - يؤدب المؤمنين بأدب
الإيمان ، فالدخول واقع حتم ، لأن الله أخبر به .... إنه أدب يلقيه الله في روع المؤمنين
ليستقر منهم في أعماق الضمير والشعور " ( في ظلال القرآن ، ج 6 - 3330 ) .
وقيل : أن الحكمة من استثناء الله - عز وجل - هو أنه سبحانه علم أنه يموت بعض
الذين كانوا مع النبي ( في الحديبية .(1/12)
ومما يدل على أهمية الاستثناء في تيسير الأمور وحصول مراد العبد منها ما ذكره الله
لنا حكاية عن بني إسرائيل لما طلب منهم موسى - عليه السلام - أن يذبحوا بقرة
امتثالاً لأمر الله - عز وجل - فإنهم لو لم يستثنوا لم يهتدوا إليها .
قال الله - تعالى - : (( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا
إن شاء الله لمهتدون )) البقرة ، 70 .
فمن نماذج الأدب مع الله في الاستثناء لأنبيائه وعباده الصالحين ، قول إسماعيل -
عليه السلام - لأبيه عندما عرض عليه أمر ذبحه : (( يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني
إن شاء الله من الصابرين )) الصافات ، 102 .
قال سيد قطب - رحمه الله - : " ثم هو الأدب مع الله ومعرفة حدود قدرته ، وطاقته
في الاحتمال ، والاستعانة بربه على ضعفه ، ونسبة الفضل إليه في إعانته على
التضحية ومساعدته على الطاعة ، ولم يأخذها شجاعة ولم يأخذها بطولة ، ولم يأخذها
اندفاعاً إلى الخطر دون مبالاة ، ولم يظهر لنفسه ظلا ً ولا حجماً ، وإنما أرجع
الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه ، وأصبره على ما يراد به ،
فيا للأدب مع الله ، ويا لروعة الإيمان ، ويا لنبل الطاعة ، ويا لعظمة التسليم "
( في ظلال القرآن ، ج 5/ 2995 ) .
وقال أهل العلم : " أن إسماعيل - عليه السلام - لما استثنى وفقه الله للصبر "
ومن أمثلة الأدب في الاستثناء قول موسى - عليه السلام - للخضر (( ستجدني إن
شاء الله صابراً ... )) الكهف ، 69 .
فموسى - عليه السلام - عزم على الصبر مع الخضر، وعلق ذلك بمشية الله قبل
أن يرى الممتحن به ، والعزم على فعل الشيء ليس بمنزلة فعله ولا وحصوله ، فهو
لم يدّع حصوله في نفسه قبل أن يرى ما الذي سيمتحن به ، ولذا موسى لما رأى ذلك
الممتحن العظيم لم يصبر على ذلك ، فهو لم يخرج على مشيئة الله له .
ومن نماذج الأدب مع الله في الاستثناء - أيضاً - قول يوسف - عليه السلام - " إن(1/13)
شاء الله آمنين " وذلك لما رأى أبويه وإخوته قد دخلوا عليه في ملكه آمنين بأمن الله
قال تعالى : (( فلما دخلوا على يوسف ءاوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله
آمنين )) يوسف ، 99 .
ومن النماذج التي تأدب فيها الصالحون مع ربهم في الاستثناء قول صاحب مدين
( الشيخ الكبير ) * لموسى - عليه السلام - بعدما عرض عليه أن يكون أجيراً عنده
كما في قوله تعالى : (( ... ستجدني إن شاء الله من الصالحين )) القصص ، 27 .
قال سيد : - رحمه الله - " وهو أدب جميل في التحدث عن النفس وفي جانب الله ،
فهو لا يزكي نفسه ، ولا يجزم بأنه من الصالحين ، ولكن يرجوا أن يكون كذلك ، ويكل
الأمر في هذا لمشيئة الله " ( في ظلال القرآن ، ج 5 /2688) .
إن مشيئة الله نافذة مطلقة ومثبتة ، ومشيئة العبد تابعة تحت مشيئة الله ، ولن
تنفذ مشيئة العبد إلاّ بمشيئة الله ، قال تعالى : (( وما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله
رب العالمين )) التكوير ، 29 .
قال السعدي - رحمه الله - " فإن مشيئة الله نافذة عامة لا يخرج عنها حادث قليل ولا
كثير ، ففيها رد على القدرية الذين لا يدخلون أفعال العبد تحت مشيئة الله ، والجبرية
الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة ولا فعل حقيقة ، وإنما مجبور على أفعاله ، فأثبت
الله للعبد مشيئة حقيقة ، وفعلاً وجعل ذلك تابعاً لمشيئته " تيسير الرحمن ، 831 .
فلما كان هذا الأدب مع الله يجلب الخير للعبد من تيسير أموره ، وعدم
تأخرها ، وحصول البركة فيها ، فإن تركه* نسياناً قد يتسبب في تأخير ما تنوي فعله
مستقبلاً ، وهذا ما حصل للنبي ( حينما سألته اليهود عن خبر الفتية ، فقال أخبركم
غداً ، ولم يقل إن شاء الله ، فاحتبس الوحي عنه حتى شق عليه ، فأنزل الله هذه الآية
يأمره بالاستثناء في مثل هذا ، ولو نسيه يستثني عندما يذكره .
قال الله تعالى : (( و لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلاّ أن يشاء الله
واذكر ربك إذا نسيت ... )) الكهف ، 23-24 .(1/14)
قال الشوكاني - رحمه الله - " أي إذا نسيت الاستثناء فقل إن شاء الله ، سواء كانت
المدة قليلة أو كثيرة " ( فتح القدير ، ج 3 / 345 ) .
وقد يكون في تركه نسياناً عدم تحقيق الفعل أو لا يتم له حصول الفائدة منه ، ومثل
هذا حدث لنبي الله سليمان - عليه السلام - عندما ترك الاستثناء ومضى في فعله .
عن أبي هريرة - رضي الله - قال رسول الله ( : ( قال سليمان بن داوود :
لأطوفن الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية - تسعين تلد كل امرأة منهن غلاماً
يقاتل في سبيل الله ، فقال الملك : قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن
فلم يلد منهن إلاّ امرأة واحدة نصف إنسان ، قال : ( والذي نفسي بيده لو قال
[ إن شاء الله ] لم يحنث وكان دركاً لحاجته ) رواه البخاري ومسلم .
فالواجب على من عزم أن يفعل أمرا مستقبلاًً أن يقول إن شاء الله قبل أن يقدم على
ذلك ، تأدباً مع الله ، وامتثالاً لأمره ، واقتداء بأنبيائه وعباده الصالحون .
سدد الله الخطى وبارك في الجهود ، وهدى إلى الصواب من القول والعلم والعمل .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
* / اشتهر عند كثير من الناس أن المقصود بهذا الرجل هو النبي شعيب - عليه السلام - والصواب ما أثبته العلامة المحقق الشيخ / عبد الرحمن السعدي في تفسيره لهذه الآية أنه ليس بشعيب النبي ، فليراجع للفائئدة .
* / هناك موطن يجب ترك الاستثناء فيه وهو الدعاء ، فيجب على المسلم أن يعزم المسألة ولا يقل : اللهم اغفر لي إن شئت . ومن أسرار ( إن شاء الله ) أنك إذا أقسمت على فعل شيء فقلت : إن شاء الله ، ولم تفعل فلا كفارة عليك ، وأما قول ابن تيمية : إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً ، فهذا ليس منافياً للاستثناء ، لأنه من باب الإقسام على الله وسؤاله أن يحقق له النصر على الأعداء .
حرر في 15 / 6/ 1422 هـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فتنة استبطاء النصر*(1/15)
في خضم هذه الأحداث التي مازلنا نعاني الأمرين من تبعاتها الوخيمة ، ونقاسي آلامها
الجسيمة ، مع أنها ليست الأولى في مصابها ، ولن تكون الأخيرة من أعدائنا ، فتاريخ
الصراع بين البشر سجل مفتوح لمن تأمل فيه واعتبر ، فهو مليء بمثل هذه
الأحداث ، بل وأعظم منها فداحة وخطب ، ولكن أين منا المتأمل والناظر المعتبر ؟
إن الله - عز وجل - لما خلق الخير والشر ، شاءت قدرته - سبحانه - بأن يخلق
الصراع بينهما الذي تدور رحاه إلى قيام الساعة ، فلا عجب أن ما يجري اليوم هو
سنة ربانية من سنن الله التي مضت ، قال تعالى : (( قد خلت من قبلكم
سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين )) آل عمران ، 137 .
إن المتأمل في حال كثير من الناس - إلاّ من رحم الله - وهم يرتقبون وعد الله لنصر
الإسلام والمسلمين قد افتتنوا من حيث لا يشعرون ووقعوا فيها من حيث لا يعلمون ،
فتراهم فريقين متناقضين فالأول قانط في القيام بدوره، وعن أي عمل تراه منقطع ،
والآخر متحمس فيه مندفع ، والموفق من توسط في ذلك فتفاءل بعلم ، وعمل
بحكمة ، وصبر على عزم ، ومن الفتنة وقي وسلم .
نعم إن الخطب عظيم ، والمصاب جسيم ، فلا تكاد أن تسمع إلاّ أخباراً مفزعة ، ولا
ترى إلاّ صوراً بشعة ، ومشاهد مروعة في واقع مرير كثر فيه النحيب ولا مجيب ،
ولكن وعد الله لا يخيب بالنصر والفرج القريب ، فلا يأس ولا قنوط منه ولا تكذيب .
فمن وعد الله لعباده والذي أوجبه على نفسه قول الله - تعالى - (( وكان حقاً علينا
نصر المؤمنين )) الروم ، 47 .
ووعده - سبحانه - : (( إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم
الأشهاد )) غافر ، 51 .
ووعده - سبحانه - (( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن
جندنا لهم الغالبون )) الصافات ، 171 -172 .
ذلك وعد الله ولن يخلف الله وعده ، ومنجزه لعباده ولو بعد حين .(1/16)
وفي وسط هذا العالم المتلاطم من كل جانب يقف الفريق الأول قانطا لا يحرك ساكناً ،
عاجزا عن كل شيء حتى يديه لا يستطيع رفعها إلى الله بالدعاء والقنوت ليلاً ونهراً .
فأما القانطون فأولئك سقطوا في فتنة الاستبطاء واليأس ، وباتت تدور أعينهم من
هول ما يتعرض له إخوانهم المسلمين من شتى ألوان العذاب ، وأصناف الأذى من
سخرية وضرب وتنكيل ، وسلب واحتلال لممتلكاتهم ، وقتل للأبرياء على مرأى
ومسمع من العالم أجمع ، وفوق هذا لا يرى بريق أمل من الفرج العاجل ، فيحمله هذا
الواقع الأليم على ترك دوره في نصرة الدين بالحكمة ، فيظل في دوامة اليأس
واستبطاء النصر ، وما ذاك إلا من ضعف الإيمان ، وتسلط الشيطان ، وقلة التدبر
لآيات الكتاب المبين .
وأما الفريق الآخر من المتربصين للنصر ، فهو تربص غير منضبط ، فلا يرى للنصر
إلا طريقاً واحدا ، وهو الاندفاع والحماس نحو العدو للتنكيل به وأخذ الثأر بالنار ، ولا
شك أن هذا طريق شرعي له أدلته التي تؤيده في حين وتمنعه في حين آخر ، وليس
الأمر على دوام الإطلاق كما يظن هذا الفريق الذي جرّ بحماسه على الأمة الإسلامية
ويلات ونكبات ، وحروب ما أعدت وما استعدت لها .
ولكي نسلم من هذا المسلكين المرفوضين من استبطاء النصر والقنوط من أسبابه ،
ومن الاندفاع والحماس غير المنضبط نحوه من غير تأمل في أدلته أو تفكر في السنن
الكونية والشرعية له ، علينا أن نؤمن إيمانا كاملا بأن موعود الله بالنصر والظفر
للإسلام والمسلمين متحقق لا محالة ، لأنه مهما طال ليل القهر فلابد أن يعقبه فجر
النصر ، وعلينا أن نتيقن أن مقتضى حصول اليسر لا بد وأن يسبقه عسر ، قال تعالى
: (( فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً )) الشرح ، 5 - 6 .
وكذلك - أيضا - علينا أن نعلم أن من أمارات نزول النصر حلول ساعة الصفر ، قال
تعالى : (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم(1/17)
البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألآ إن
نصر الله قريب )) . البقرة ، 214 .
وقوله تعالى : (( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي
من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين )) يوسف ، 110 .
والواجب علينا أن نتفاعل مع مصاب الأمة ، لأنه من لم يهتم بأمر المسلمين فليس
منهم ، وأن نتفاءل بأن هذه الأحداث لا تعدو سوى مبشرات وإرهاصات بأن المستقبل
للإسلام والمسلمين بدليل آيات الكتاب المبين المنزل من رب العالمين ، وأن نتواصى
بالصبر ولا نستعجل قطف الثمر .
قال تعالى : (( واصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم .. ))
ولنعلم أن الأرض أرض الله ، والدين دين الله ، والعباد عباد الله ولن يضيعهم ربهم
فالنصر قادم ، رأيناه أم لم نره ، ولكن هل من مشمر لنيل شرف المساهمة في تحقيقه .
قال الله تعالى : (( يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره
الكافرون )) الصف 8 .
هذا وحسبي ما قلت وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حرر في 5 / 11 / 1423 هـ
* / لا حظ أخي القاريء الكريم أن كلمة استبطاء تدل على أن هذا الفعل حدث من جهة المخلوق ، فهو استعجل حدوث النصر قبل أوانه ووقت حلوله ، فأبطأ عليه النصر ، بخلاف لو قلنا : ( تأخر النصر ) وهذا مما لا ينبغي قوله إذ أنه يعني أن النصر قد بذلت أسبابه وحان وقته ، ولكنه تأخر عن موعده ، والصواب أن للنصر ساعة لا تتقدم ولا تتأخر ، وهي في علم الغيب عند الله .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مات الداعية ولم تمت الدعوة
الحمد لله الذي تفرد بالديمومة والبقاء ، والصلاة والسلام عل إمام المتقين
وقدوة الأولياء ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الأتقياء ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
البعث والجزاء .
وبعد
فما كاد الجرح الغائر يلتئم ، ويخف المصاب والألم ، الذي أصاب الأمة الإسلامية إثر(1/18)
وفاة الكوكبة الغراء من كبار العلماء في زمننا حتى فجع العالم الإسلامي قاطبة من
أقصاه إلى أدناه برحيل العالم الرباني والشيخ المجاهد / محمد بن صالح العثيمين ،
رحمه الله وجزاه خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين .
قال تعالى: (( وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله كتابا مؤجلا ..)) آل عمران ،145 .
لقد اقتضت حكمة المولى - تبارك وتعالى - أن ينفرد - سبحانه - بالديمومة والبقاء
، ولما سواه بالزوال والفناء ، فله ما أخذ وله ما أبقى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى .
نعم مات الداعية ولكن لم ولن تمت الدعوة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .
قال سيد قطب ( رحمه الله ) :
" إن البشر إلى فناء والعقيدة إلى بقاء ، ومنهج الله للحياة مستقل في ذاته
عن الذين يحملونه ويؤدونه إلى الناس من الرسل والدعاة على مدار التاريخ .
إن الدعوة أقدم من الداعية ، وهي أكبر من الداعية ، وأبقى من الداعية ،
فدعاتها يجيئون ويذهبون ، وتبقى هي على الأجيال والقرون ، ويبقى أتباعها
موصولين بمصدرها الأول الذي أرسل به الرسل وهو باق - سبحانه -
يتوجه إليه المؤمنون ، وما يجوز أن ينقلب أحد منهم على عقبيه ويرتد عن
هدى الله ، والله حي لا يموت " ( في ظلال في القرآن ، 1 / 485 ) .
إن هذا الدين يحتاج إلى رجال أقوياء مخلصين ، ذو همم عالية ونفوس تبذل الغالي
والنفيس في سبيل تبليغه ، متكبدين كل المشاق والصعاب غير مبالين بطول الطريق
وتخاذل الصديق وقت الكرب والضيق .
ثم ليعلم كل واحد منا أن هذا الدين لم يقم إلا على أكتاف أولئك الرجال الأوفياء الذين
صبروا على الابتلاء ، وأرخصوا في سبيله الدماء ، فرضي الله عنهم وأجزل لهم
المثوبة والجزاء على ما قدموه من تضحية وفداء .
ومن أمثال أولئك الرجال الأوفياء الذين حفظ الله بهم الدين شيخنا العالم المجاهد
والداعية المحتسب / محمد بن صالح العثيمين . رحمه الله .(1/19)
فلقد عرف لسماحته - رحمه الله - الدور الأسبق والقدح المعلق ، في خدمة هذا الدين
من خلال دروسه وفتاويه ومؤلفاته المتنوعة ، والسير على النهج القويم بلا كلل ولا
ملل طوال حياته ، حتى ختمها بالوصية بتدبر القرآن وتعليمه ، ونشر دين الله في
مشارق الأرض ومغاربها ، فأين نحن من هذا الهم ؟؟!
نعم مات الداعية بعدما وفقه الله لأداء دوره والإعذار إلى ربه ، وهذا يعني أن الحمل
قد زاد ، فلنعد له الزاد ، ونكون له على أتم استعداد ، لحمل الرسالة وأداء الأمانة ،
عملا بقوله تعالى : (( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني
وسبحان الله وما أنا من المشركين )) يوسف ، 108 .
ولنا قبل هذا أسوة حسنة في إمام الدعاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وصحابته - رضي الله عنهم - الذين تتلمذوا على يد هذا الداعية المربي لهم ، فكانوا
خير دعاة حملوا رسالته من بعده إلى أنحاء الأرض المعمورة ، وتحملوا عبء نشر
الدعوة من بدايتها فعاشوا حماة لها حتى بلغت مشارق الأرض ومغاربها .
فهل يا دعاتنا من مشمر ليقوم كل واحد بدوره كلاً على حسب طاقته ؟؟!
حرر في 18 / 10/ 1421 هـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ما ضر السحاب نبح الكلاب
إن لنا في حكم وأمثال السابقين دروساً وعبر ، فهم قد لخصوا لنا تجاربهم وصراعهم
مع الحياة في عبارات موجزة يفهمها الذكي ولا يستفيد منها البليد .
ومن تلك الأمثال التي ألفيتها تحوي فوائد جمة ، ومنافع للأمة ، ولا يدركها إلا عالي
الهمة ، ما نحن بصدده الآن وهو ( ما ضر السحاب نبح الكلاب ) ، فمع الوقفات .
الوقفة الأولى /
السحاب لونه أبيض ظاهره كباطنه ، لا يحمل في جوفه نجاسة ، بل الخير وأينما وقع
نفع ، وفي المقابل ذلك الكلب - أعزكم الله - فلونه في الغالب أسود ، وظاهره شر من
باطنه ، يحمل في جوفه السم والنجاسة ، فإذا فتح فاه خرج السم ، وتقاطرت النجاسة(1/20)
تلو النجاسة ، وإذا استعمل يده حرث بها شراً ، فمزق وفرق بين الشقيق والصديق .
الوقفة الثانية /
السحاب مكانه العلو والارتفاع ، والسير بالخير لنفع العباد والبلاد ، ولا يعانق إلا
القمم ، وأما الكلب - أعزكم الله - فمكانه الأودية والشعاب التي ينبح فيها ولا يبرح
عنها ، ولا يعانق إلا الجيف والرمم ، وإذا تولى سعى في الأرض ليهلك الحرث والنسل
، والله لا يحب الفساد .
الوقفة الثالثة /
السحاب محط أنظار الناس ، فإذا رأوه استبشروا خيرا ، وودوا لو دنا منهم ،
وحط في ديارهم ، ولربما كان يوما صيحة نذير من العليم الخبير ، وأما الكلب -
أكرمكم الله - فلا يتوقعون منه إلا الشر والفتك بماشيتهم ، فإذا رأوه كرهوه ، وإذا
دنا منهم طردوه ، فإن أبى رجموه ، ولربما كان كلب متعة كحراسة أو صيد ،
فينفع تارة ويضر تارات أخرى .
الوقفة الرابعة /
تشرف السحاب يوماً بأن خاطبه أحد الخلفاء - هارون الرشيد - بقوله : "
أمطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتيني " بل مما زاده تشريفاً ومنزلة أن
الله ذكره في كتابه العزيز ضمن الآيات الكونية التي تستحق التدبر والتفكر من
أولي العقول النيرة ، قال تعالى : (( ... والسحاب المسخر بين السماء والأرض
لآيات لقوم يعقلون )) البقرة ، 164 .
وفي المقابل ذلك الكلب - أكرمكم الله - اسمه عار وشتيمة لا يرضى بها عاقل ،
ولا يتنبه لها كل أحمق وغافل ، وحياته سوء على السواء ، فمن النظافة يفر
وعلى الجيف يقر ، وضرب الله به مثل السوء فقال الله تعالى :
(( كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث ذلك القوم الذين كذبوا بآياتنا
فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ( 176) ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا
وأنفسهم كانوا يظلمون )) الأعراف ، 176 / 177 .
الوقفة الخامسة /
قطرات السحاب إذا وقعت عليك بركة ، فقد كان النبي ( يتعرض للمطر ويقول :
( هذا حديث عهد بربه ) ، وأما الكلب فقطراته نجسة ، فقد حذرنا منها النبي ((1/21)
فقال : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب )) رواه مسلم
الوقفة السادسة /
إذا رأى الكلب السحاب فما الذي يحدث ؟!
من الطبعي أن الكلب سوف يغضب لأنه لم يحظ بشيء مما حظيت به السحابة من
المكانة والنزاهة ، فيظل ينبح حتى ينبح صوته ، والسحابة تسير إلى الأمام
في صمت وهدوء من غير أن يمسها أذى الكلب ، وأنى له ذلك ؟!!
وبعد هذه الوقفات القصيرات يؤسفنا - أشد الأسف - أن من الناس الشر طبعه ،
والوشاية مطيته ، ولمز الدين وأهله فاكهته ، و حرب الفضيلة ونشر الرذيلة
أمنيته ، والفساد ثمرته ، فساء هذا وأشباهه أن يضرب فيهم مثل السوء .
وفي المقابل وبلا مقابل أن من الناس من همه نشر الخير ، وحراسة الأعراض
والفضيلة عمله ، ونصرة الدين حلمه وأمله ، فيسير في علو وهمة إلى طريق
القمة ، في صبر واحتساب ، كسير السحاب لا يبالي بنبح الكلاب .
حرر في 28 / 6 / 1422 هـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خمسون فائدة من حياة الطفيل (
الطفيل بن عمرو الدوسي ، سيد قبيلة دوس في الجاهلية ، وشريف من أشراف العرب
المرموقين ، وواحد من المروءات المعدودين ... لا ينزل له قدر عن نار ، ولا يوصد له
باب أمام طارق ... وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب ، وشاعر من مرهف الحس ، رقيق
الشعور بصير بحلو البيان ومره ، حيث تفعل فيه الكلمة فعل السحر .
1. مجتمع جاهلي يحمل هذه الصفات الرشيدة ، والخصال الحميدة ( المروءة، والكرم ،
والنجدة ، والنباهة والفطنة ، وغيرها ) فمن باب أولى أن يتخلق بها المسلم - وخاصة الدعاة
يقول النبي ( : ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) متفق عليه .
2. للفصاحة والبلاغة أثر بليغ ، وخطر كبير على العقل ، إذ الكلام البليغ الذي يسلب اللب
يفعل في الإنسان فعل السحر، كما أخبر بذلك النبي ( في قوله : ( إن من البيان لسحراً ) رواه
البخاري . ومثل هذا البيان يستخدمه أهل البدع والباطل في بث شبههم وتضليل الناس عن(1/22)
الحقائق بتنميق الكلمات وزخرفتها غروراً .
غادر الطفيل منازل قومه في تهامة [ السهل الساحلي المحاذي للبحر الأحمر ]
متوجها إلى مكة ، ورحى الصراع دائرة بين الرسول ( وكفار قريش ، كل
يريد أن يكسب لنفسه الأنصار ، ويجتذب لحزبه الأعوان ... فالرسول ( يدعو إلى
ربه وسلاحه الإيمان والحق ، وكفار قريش يقومون دعوته بكل سلاح ،
ويصدون الناس بكل وسيلة .
3. سنة الله في الكون أن الصراع قائم بين الحق والباطل ، والخير والشر إلى قيام الساعة ،
فالذي نصر الحق في ذلك الزمان قادر على أن ينصره اليوم وإلى قيام الساعة ، فمتى نعقل
هذا ؟! ونخلع عن أنفسنا ثوب الذل ، وننفض غبار اليأس والقنوط الذي خرج إلينا من
أفواه المثبطين ، وننطلق بدعوتنا إلى الناس كافة بكل أمان وسلام ، وكلنا ثقة بالله في أن
ينصرنا عملا بقول الله تعالى : (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن
اتبعني ... )) يوسف 108 .
4. هذا دأب أعداء الله - ولا عجب - فهم اليوم يقاومون هذا الدين وأهله بكل ما يملكون من
وسائل وجهد ومن سلاح وجند ، فهاهي أمم الكفر قد تكالبت وتحالفت على أمتنا فما ذا
قدمنا لنصرة الإسلام والمسلمين ؟!!
ووجد الطفيل نفسه يدخل هذه المعركة على غير أهبة ، ويخوض غمارها عن غير
قصد ... فهو لم يقدم إلى مكة لهذا الغرض ، ولا خطر له أمر محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وقريش قبل ذلك على بال ، ومن هنا كانت للطفيل بن عمرو
الدوسي مع هذا الصراع حكاية لا تنسى ، فلنستمع إليها ، فإنها من غرائب
القصص . حدّث الطفيل فقال : قدمت مكة ، فما إن رآني سادة قريش حتى أقبلوا
علي فرحبوا بي أكرم ترحيب ، وأنزلوني فيهم أعز منزل .
5. مبادرة أهل الباطل ومسارعتهم في صد الناس عن دين الله ، وذلك حينما بادر قريش
الطفيل بالحفاوة والتكريم من أول وهلة ، واستغلوا هذه المناسبة ، فلم يدعوا للنبي (
فرصة لدعوته أو الحديث معه .(1/23)
6. إكرام أهل المكانة وإنزالهم على قدر منازلهم من أخلاق الإسلام ، وطريق لدعوتهم
والتأثير عليهم .
ثم اجتمع إلي سادتهم وكبراؤهم وقالوا : يا طفيل ، ' إنك قد قدمت بلادنا ، وهذا
الرجل الذي يزعم أنه نبي قد أفسد علينا أمرنا ومزق شملنا ، وشتت جماعتنا ،
ونخشى أن يحل بك وبزعامتك في قومك ما قد حل بنا ، فلا تكلم الرجل ، ولا تسمعن
منه شيئاً ، فإن له قولا يفرق بين الولد وأبيه ، وبين الزوجة وزجها .
7. من وسائل حرب الدين التي يستخدمها أعدائنا هي تشويه صورة الإسلام وأهله ، بإلصاق
التهم فيهم ووصفهم بأوصاف هم والدين منها براء ، كقولهم : ( إرهابي ، متطرف ،
الإسلام دين قتل وعنف ، وغيرها )
8. التحذير والتنفير من الكلام مع دعاتنا المخلصين أو السماع لهم أو قراءة كتبهم ، ورميهم
بالتهم الجائرة كقولهم : ( ضال ، مبتدع ، وغيرها من مقولات السوء ) طريق
يسلكه - اليوم - من قد علق في قلبه مرض الشبهة والحسد والانتقام للذات .
قال الطفيل : فوالله ما زالوا بي يقصون علي من غرائب أخباره ، ويخوفونني على
نفسي وقومي بعجائب أفعاله ، فأجمعت أمري على أن لا أكلمه ، أو أسمع منه شيئاً ..
فلما غدوت إلى المسجد للطواف بالكعبة ، والتبرك بأصنامها التي كنا إليها نحج ،
وإياها نعظم ، حشوت أذني قطناً خوفاً من أن يلامس سمعي شيئاً من قول محمد . (
9. أثر وخطورة الاستماع إلى الشبه ، لأنها خطافة للقلوب ، فليحذر المسلم من كلام أهل
البدع والأهواء ، لأن فيه ضرر على الدين .
10. بيان فضل الإسلام ، ونعمة الله علينا بأن حمانا من الشرك به ومن عبادة الأصنام ،
وجعلنا موحدين له على الفطرة .
11. اتخذ الطفيل - رضي الله عنه - أسباب حسية من أجل ألاّ يلامس سمعه شيء
من كلام النبي ( ، ذلك بوضع القطن على أذنيه خوفاً على دينه الباطل ، ونحن
أولى بأن نحرص على ديننا وألاّ يلامس سمعنا شيء مما حرمه الله علينا كالغناء
والغيبة وغيرها .(1/24)
لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته قائماً يصلي عند الكعبة صلاة غير صلاتنا ،
ويتعبد عبادة غير عبادتنا فأسرني منظره ، وهزتني عبادته ، ووجدت نفسي أدنو منه
على غير قصد مني حتى أصبحت قريبا منه ... وأبى الله إلا أن يصل إلى سمعي بعض
ما يقول ، فسمعت كلاما حسناً ، وقلت في نفسي : ثكلتك أمك يا طفيل ، إنك رجل لبيب
شاعر ، وما يخفى عليك الحسن من القبيح ، فما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول ،
فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته ، وإن كان قبيحاً تركته .
12. إقامة شعائر الدين من أقوى أساليب الدعوة التي تؤثر في الناس ، ويؤيد ذلك
قصص من أسلموا بمجرد رؤيتهم صفوف الصلاة ، وأدآء مناسك الحج .
13. تحكيم العقل في تمحيص ما يرد من شبه أو إشاعات ومحاسبة النفس تقود
إلى الخير وقبول الحق ، بخلاف إعارة العقل للغير .
قال الطفيل : ( رحمه الله ) " ثم مكثت حتى انصرف رسول الله ( إلى بيته ،
فتبعته حتى دخل داره ، فدخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، ' إن قومك قد قالوا لي
كذا وكذا وكذا ، فوالله ما برحوا يخوفونني من أمرك ، حتى سددت أذني بقطن
لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني شيئا منه ، فوجدته حسنا
فاعرض علي أمرك .
14. وجوب البحث عن الحق ، وإن كلفك ذلك أن تذهب وتدخل على من يعلمك ويرشدك
إلى الصواب ، بدلا من التقليد الأعمى أو التعصب لقول فلان أو الجماعة الفلانية
، فالحق ليس حكراً على أحد ، ويجب قبوله من صاحبه كائن من كان .
15. أهمية التثبت من الأخبار ، وذلك بالرجوع إلى مصدره ، أو إلى ثقة صادق أمين .
16. أهمية العدل والإنصاف ، والبعد عن حظوظ النفس ومن الكبر والحسد عند الحكم
بين الناس أو تحكيم أقوالهم وأفعالهم .
فعرض علي أمره ، وقرأ لي سورة الإخلاص والفلق ، فوالله ما قولا أحسن من
قوله ، ولا رأيت أمرا أعدل من أمره ، عند ذلك بسطت يدي له ، وشهدت أن لا إله
إلا الله وأن محمد رسول الله ، ودخلت في الإسلام .(1/25)
17 . أثر القرآن الكريم على النفس ، وقوة وقعه على القلب ، فهو مصدر نور وهداية
للبشرية ، فما أثره علينا في أخلاقنا وعباداتنا ؟! بل وأين نحن من تدبره ؟!
18 . رجاحة عقل الطفيل وذلك حينما حكم عقله ، فاختار وما احتار في قبول الإسلام ونبذ
الكفر ، ولهذا نجد أن الصحابة دخلوا في الإسلام عن تحكيم للعقل وقناعة تامة بهذا
الطريق ، ولذا صبروا وثبتوا علي وأما عدم تحكيم العقل يؤدي بصاحبه إلى الخسران ،
قال تعالى : (( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير )) الملك ، 10 .
قال الطفيل : ثم أقمت في مكة زمنا تعلمت فيه أمور الإسلام ، وحفظت فيه ما تيسر لي
من القرآن ، ولما عزمت على العودة إلى قومي قلت : يا رسول الله ، إني امرؤ مطاع
في عشيرتي ، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون
لي عونا فيما أدعوهم إليه ، فقال ( : ( اللهم اجعل له آية ) .
19. ضرورة حفظ القرآن وطلب العلم الشرعي لتكون زاداً للداعية في دعوته على هدى
وبصيرة ، وكذلك في عبادته لربه .
20. طلب العون والمساعدة من الله - عز وجل - ثم من العالم أو المربي وذلك عند
الشروع في عمل دعوي .
21. توظيف الطاقات واستغلالها في خدمة الإسلام ، فالطفيل سيد مطاع في قومه ، فأراد
أن يوظفها في صالح الدعوة لدين الله .
فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت في موضع مشرف على منازلهم ، وقع نور فيما
بين عيني مثل المصباح ، فقلت : اللهم اجعله في غير وجهي ، أخشى أن يظنوا
أنها عقوبة من الله وقعت في وجهي لمفارقة دينهم .. فتحول النور في رأس
سوطي ، فجعل الناس يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط
عليهم من الثنية .
22. صدق نبوة نبينا محمد ( بأن استجاب الله له دعائه ، وأيد الطفيل بالنور .
23. على الداعية أن يبتعد عما قد يتسبب في ريبته عند الناس أو يؤثر على قبول دعوته.(1/26)
فلما نزلت أتاني أبي - وكان شيخاً كبيراً - فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست
مني ، فقال : ولم يا بني ؟!! قلت : لقد أسلمت وتابعت محمد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، قال : أي بني ديني دينك ، فقلت : اذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم
تعال حتى أعلمك ما علمت ، فذهب فاغتسل وطهر ثيابه ، ثم جاء فعرضت عليه
الإسلام فأسلم ، ثم جاءت زوجتي فقلت : فرق بيني وبينك الإسلام ، فقد أسلمت
وتابعت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت : فديني دينك ، فقلت : فاذهبي
فتطهري من ماء ذي الشرى - وذو الشرى صنم لدوس حوله ماء يهبط من الجبل
- فقالت : بأبي أنت وأمي أما تخشى على الصبية شيئا من ذي الشرى ؟! فقلت :
تباً لك ولذي الشرى ... .. اذهبي واغتسلي هناك بعيداً عن الناس ، وأنا ضامن ألاّ
يفعل هذا الحجر شيئاً ، فذهبت فاغتسلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت .
24. أولى الناس بدعوتك وشفقتك عليهم هم الوالدين ، لما لهما عليك من حقوق عظيمة
ثم دعوة الأقرب فالأقرب لقوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين )الشعراء ، 214 .
25. تحقيق قاعدة الولاء والبراء في الإسلام كما قال تعالى : (( لا تجد قوماً يؤمنون بالله
واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءابآءهم أو أبنائهم أو ... ))
المجادلة ، 22 .
ثم دعوت دوساً فأبطئوا علي إلاّ أبا هريرة ، فقد كان أسرع الناس إسلاما ، ثم
جئت رسول ( ومعي أبو هريرة ، فقال لي النبي ( : ما وراءك يا طفيل ؟ فقلت :
قلوب عليها أكنة وكفر شديد ..لقد غلب على دوس الفسوق والعصيان ، فقام
رسول الله ( فتوضأ وصلى ورفع يده إلى السماء ، قال أبو هريرة ( رضي الله
عنه ) : فلما رأيته كذلك خفت أن يدعوا على قومي فيهلكوا .. فقلت : وا قوماه ،
لكن الرسول ( جعل يقول :( اللهم اهد دوساً..اللهم اهد دوساً..اللهم اهد دوسا )
ثم التفت إلى الطفيل وقال : ارجع إلى قومك وارفق بهم وادعهم إلى الإسلام .(1/27)
26. سرعة الاستجابة عند الصحابة سمة بارزة في حياتهم عند سماع الأمر والنهي في
الدين ، فهذا أبو هريرة ( رضي الله عنه ) كان من أسرع قومه إسلاما ، فلنسارع في
فعل الخيرات ، وترك المنكرات .
27. على الداعية أن لا ينس اللجوء إلى الله - عز وجل - وسؤاله العون والهداية لمن
يدعوهم ، فرب دعوة صالحة يفتح الله بها مغاليق القلوب .
28. شفقة النبي ( على أمته ، لأنه الرحمة المهداه للبشرية ، قال تعالى ( وما أرسلناك
إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء 103 . ، فعلى الداعية أن يكون شفيقا رفيقا في دعوته .
29. يجب الحذر من الدعاء على الناس بالسوء أو الظلم ، وإنما يدعو لهم بالهداية ، كما
فعل النبي ( مع قبيلة دوس .
30. على الداعية أن يرفق بمن يدعوهم ، وهذا ما أوصى به النبي ( الطفيل قائلا : ارجع
إلى قومك وارفق بهم وادعهم إلى الإسلام .
31. تأدب الصحابه مع نبيهم ومعلمهم ( ، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - لما رأى
النبي ( رفع يديه إلى السماء لم يعترض عليه ، ويقول : لا تدع على قومي ،
وإنما قال بصوت مشفق : واقوماه .... واقوماه .
32. للدعاء أثر عظيم، وشأن عجيب ، فلماذا لا يكون زاداً لنا في دعوتنا ، فنستجلب به
الخير لنا وندفع عنا به الشر .
قال الطفيل : ( رضي الله عنه ) فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى
هاجر رسول الله ( إلى المدينة ، ومضت بدر وأحد والخندق ، فقدمت على
النبي ( ومعي ثمانون بيتاً أسلموا وحسن إسلامهم فسُرّ بنا رسول الله (
وأسهم لنا مع المسلمين من غنائم خيبر فقلنا : يا رسول الله اجعلنا ميمنتك في كل
غزوة تغزوها ، واجعل شعارنا مبرور .
33. على الداعية أن يتحلى بخلق الصبر والأناة ، فهذا الطفيل مكث في قومه يدعوهم كل
هذه المدة ، فلم يستعجل قطف الثمار ، شعاره ( حب الخير للغير ) .
34. على الداعية أن يتألف قلوب من يدعوهم ، ولو بشيء من عرض الدنيا ، كما فعل(1/28)
النبي ( مع دوس في غنائم خيبر، ومع مسلمة الفتح يوم حنين .
قال الطفيل : ثم لم أزل مع رسول الله ( حتى فتح الله عليه مكة ، فقلت :
يا رسول الله ابعثني إلى ( ذي الكفين ) صنم عمرو بن حممة ، حتى أحرقه ...
فأذن له النبي ( ، فسار إلى الصنم في سرية من قومه .
35. أهمية الاستئذان في الأعمال الدعوية ، يعطي العمل طابع منظم بعيداً عن الارتجالية
التي قد تتسبب في فشله أو منعه .
36. حرقة الطفيل على قومه إذ لم يسلموا حتى فتح مكة ، ولم ييئس حتى كتب الله
إسلامهم جميعا على يده .
37. حنكة النبي ( وحسن تدبيره إذ أرسل مع الطفيل سرية من قومه ليكون الشاهد
عليهم من أهلهم وعشيرتهم ، وبذلك تقوى حجة الطفيل على قومه ،
ولكي لا يتعرضوا للقتل .
فلما بلغه ، وهم بإحراقه اجتمع حوله النساء والرجال والأطفال يتربصون به الشر
وينتظرون أن تصعقه صاعقة إن هو نال ( ذا الكفين ) بضر ، لكن الطفيل أقبل على
الصنم على مشهد من عباده ، وجعل يضرم في فؤاده النار وهو يرتجز :
يا ذا الكفين لست من عبادكا
ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا
38. من صميم عقيدة المؤمن التوكل على الله ، إذ لا ينفع ولا يضر إلا الله .
39. جواز الرجز بالقول الحسن ، كما كان النبي ( يفعله عند حفر الخندق وبناء المسجد.
وما إن التهمت النار الصنم حتى التهم معها ما تبقى من الشرك في قبيلة دوس ،
فأسلم القوم وحسن إسلامهم .
فظل الطفيل بن عمرو الدوسي - رضي الله عنه - بعد ذلك ملازماً لرسول الله (
حتى قبض النبي ( إلى جوار ربه .
40. قطع الصلة بالماضي ، فما إن احتراق الصنم احترق معه كل شرك وضلال
ومعتقد فاسد ، فلم يبق في نفوسهم شيئا من الماضي ، وإنما دخلوا في الإسلام
بجدية وحسن إسلامهم .
41. صدق المحبة للمربي والمعلم الأول والحرص على ملازمته والتأدب معه .
42. اليأس لا يصنع شيئا ، فهذا الطفيل مازال يدعو قومه مرارا حتى كتب الله
على يده إسلامهم جميعا .(1/29)
43. فضل الدعوة وعظم ثواب من قام بها ، فهذا الطفيل - رضي الله عنه - أسلم على يده
قومه أجمع بما فيهم أبو هريرة - رضي الله عنه - فكل حسناتهم في ميزان حسنات
الطفيل لا ينقص من أجورهم شيء .
ولما آلت الخلافة من بعد النبي ( إلى الصديق وضع الطفيل نفسه وسيفه وولده
في طاعة خليفة رسول الله ( ، ولما نشبت حروب الردة نفر الطفيل في طليعة
جيش المسلمين لحرب مسيلمة الكذاب ومعه ابنه عمرو .
44. حق ولاة الأمر علينا السمع والطاعة ، لذا يجب تربية أبنائنا على السمع والطاعة
لهم بالمعروف ، فهذا الطفيل لم يتوقف عن البذل للدين بل جعل نفسه وسيفه وولده
تحت طاعة ولي أمر المسلمين ، وخدمة لهذا الدين .
45. فضل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله وسرعة المبادرة إليه والثبات على ذلك .
وفي طريقه إلى اليمامة رأى رؤيا ، فقال لأصحابه : إني رأيت رؤيا فعبروها لي ،
فقالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيت أن رأسي قد حلق ، وأن طائرا خرج من فمي ،
وأن امرأة أدخلتني في بطنها ، وأن ابني عمروا يطلبني حثيثا ، لكنه حيل بيني
وبينه . فقالوا : خيرا ، فقال : أما أنا فقد أولتها : أما حلق رأسي فذلك أنه يقطع ،
وأما الطائر الذي خرج من فمي فهي روحي ، وأما المرأة التي أدخلتني في بطنها
فهي الأرض تحفر لي فأدفن في جوفها ، وإني لأرجو أن أقتل شهيدا ، وأما طلب
ابني لي فهو يعني أنه يطلب الشهادة التي سأحظى بها - إذا أذن الله - لكنه
يدركها فيما بعد ، وفي معركة اليمامة أبلى الصحابي الجليل الطفيل أعظم بلاء
حتى خر صريعا على أرض المعركة .
46. رؤيا الصالحين بشرى عاجلة لهم من الله ، ولمن رؤية له .
47. جواز طلب تأويل الرؤى وتعبيرها ممن لديه علم بالتأويل .
وأما ابنه عمرو فما زال يقاتل حتى أثخنته الجراح وقطعت كفه اليمنى ، فعاد إلى
المدينة مخلفا على أرض اليمامة أباه ويده ، وفي خلافة عمر بن الخطاب ، دخل(1/30)
عليه عمرو بن الطفيل ، فأتي للفاروق بطعام والناس جلوس عنده ، فدعا القوم إلى
طعامه ، فتنحى عمرو عنه ، فقال له الفاروق : مالك ؟! لعلك تأخرت خجلاً من يدك
. قال : أجل يا أمير المؤمنين . قال عمر : والله لا أذوق الطعام حتى تخلطه بيدك
المقطوعة ، والله ما في القوم أحد بعضه في الجنة إلا أنت ( يريد يده ) .
ظل حلم الشهادة يلوح لعمرو منذ فارق أباه ، فلما كانت معركة اليرموك بادر إليها
عمرو مع المبادرين ، وما زال يقاتل حتى أدرك الشهادة التي مناه بها أباه .
رحم الله الطفيل الدوسي ، فهو الشهيد وأبو الشهيد .
48. الهمة العالية عند عمرو - رضي الله عنه - والتي غرسها فيه أباه فهو منذ فارق أباه
وهو يتمنى الاستشهاد في سبيل الله واللحاق بأبيه في الجنة ، فما أعظمها من
أمنية ومنافسة بين الولد وأباه .
48. وجوب إكرام أهل الجهاد في سبيل الله ، كما فعل ذلك الخليفة الراشد / عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه - مع عمرو بن الطفيل - رضي الله عنهما - .
50. قرا ءة سير الصالحين ، والنظر فيها بتأمل واستخلاص الحكم والأحكام ، والفوائد
والعبر منها سبيل للتأسي بها ، وشحذ للهمم للارتقاء بها إلى القمم .
تلك إشارات عابرة ، وكلمات قاصرة من سيرة هذا الصحابي الجليل لتكون نبراساً
لنا في طريق حياتنا التربوية والدعوية ، والله أسأل أن ينفع بها ، ويجعل ذلك
خالصاً لوجهه الكريم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والحمد لله رب العالمين .
( * ) أخي الحبيب / نص هذه القصة مقتبس من كتاب ( صور من حياة الصحابة ) د . عبد الرحمن الباشا ، فآثرت أن لا أخرج عن هذا النص حتى لا يتشعب القارىء بين تعدد روايات القصة واختلاف ألفاظها .
حرر في 15 / 10 / 1425 هـ
الخاتمة
وختاماً نسأل الله - عز وجل - لنا ولكم حسن الختام ، وأن يجعل أعمالنا خالصة
لوجهه الكريم وأن يتقبلها منا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .(1/31)
كان هذا آخر صيد الخاطر ، سقته زاداً للمسافر ، ووصلا للهاجر ، وسلوة للصابر ،
ودلالة للحائر ، وعونا للشاكر.
أخي الحبيب /
خذ ما فيها من صواب ، ودع عنك ما قلبك منه مرتاب ، ثم إياك أن تتشمت
أو تغتاب ، فكلنا ذوو خطأ وصواب ، وما يضر السحاب نبح الكلاب .
تم الكلام ، والصلاة على خير الأنام ، وعلى آله وصحبه ما غرد الحمام .
وكتبه /
متعب بن سريان العصيمي
مكة المكرمة
ص. ب / 12680
الفهرس
المقدمة .....................................................................................................2
الوسطية في النصح ................................................................................... 3
تدنيس الألقاب والواجبات الشريفة ............................................................... 10
إن شاء الله أدب مع الله ...............................................................................20
فتنة استبطاء النصر ...................................................................................25
مات الداعية ولم تمت الدعوة ........................................................................29
ما ضر السحاب نبح الكلاب ..........................................................................32
خمسون فائدة من حياة الطفيل .......................................................................35
الخاتمة ...................................................................................................47
الفهرس ..................................................................................................48
??
??
??
??(1/32)