دكتور / بدر عبد الحميد هميسه
1430 هـ = 2009 م
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد . . ؛
فهذه رسالة من القلب إلى كل من بلغ سن ( المعاش ) أو التقاعد؛ تلك المرحلة التي يعتبرها البعض من أشق المراحل وأصعبها, بل ومن أثقلها على النفس.
والعاقل هو من يدرك خلاف ذلك فيعتبرها مرحلة بداية الحياة الحقيقية, الحياة الخالية من روتين الوظيفة , وتحكم النفس في النفس , فيعتبر تلك الحياة الجديدة بداية لحياة آمنة مطمئنة كلها سعادة وسكينة وإيمان ورضا , يعتبرها مرحلة بذر للآخرة وحصاد لعمر مملوء بالخير والصلاح .
فهذه الرسالة توجه ثلاث نداءات لكل من بلغ سن المعاش أو كاد .
النداء الأول : الحياة تبدأ ما بعد سن المعاش.
النداء الثاني :لا تكن ثقيلا على من حولك.
النداء الثالث : سل ربك حسن الخاتمة.
اللهم ارزقنا علماً نافعاً وعملاً متقبلاً ورزقاً واسعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وإيماناً خالصاً وهب لنا إنابة المخلصين وخشوع المخبتين وأعمال الصالحين وأصلح ذات بيننا واجمع قلوبنا على الخير يا أفضل من رجي وقصد وأكرم من سئل، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
راجي عفو ربه
دكتور / بدر عبد الحميد هميسه hamesabadr@yahoo.com
المواسير – إيتاي البارود – البحيرة
في 15 من شعبان 1430 هـ = 6 /8 / 2009 م
النداء الأول
الحياة تبدأ ما بعد سن المعاش(1/1)
تعد الفترة التي يعيشها الإنسان ما بعد إحالته إلى التقاعد أو بلوغه ( سن المعاش ) أو ما بعد سن الستين أو قبله أو بعده بقليل ؛ تعد تلك الفترة من أصعب الفترات في عمر الإنسان , لإحساسه بأن دوره في الحياة قد انتهى , وأن عليه أن ينتظر ساعة النهاية .
وأذكر أن والدي – عليه رحمة الله – كان متوتراً وعصبياً بعد بلوغه سن المعاش , لولا أن الله تعالى هيأ له عملاً ومشروعاً من مشروعات الخير والبر ظل مشغولاً به , ومفرغا نفسه له حتى توفاه الله تعالى , رحم الله الجميع .
فالتقاعد نقطة تحول رئيسية في حياة الإنسان لأنه المؤشر لاجتماعي الرئيسي على تحول الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة , ويعني مصطلح التقاعد انقطاع الشخص عن أداء وظيفته حين يصل إلى مرحلة عمرية معينة يحددها المجتمع , وهي تمثل موقف المجتمع من الفرد آخذاً بالاعتبار الحالة العقلية والإنتاجية للأفراد وهو بذلك يفرض عليهم قيوداً تتجلى بالتخلي عن أوجه النشاط اليومي التي ألفوا القيام بها وأن يؤدوا أدوار جديدة ويتكيفوا معها.
وهكذا فالحكم بالتقاعد معناه الحكم على الفرد بالانسحاب من حياة المجتمع . لأن العمل هو المحور الذي تدور حوله معظم الأدوار
الاجتماعية وهو الذي يحدد مركز الفرد ونظرة الآخرين له .
إن مفهوم التقاعد يرتبط بمفهوم الوظيفة أكثر من ارتباطه بمفهوم العمل ، فالتقاعد يعني انقطاع الشخص عن أداء وظيفته المهنية , ولكن هذا لا يعني أن الشخص أصبح غير قادر على العمل .
فالإحالة إلى التقاعد غالباً ما تؤثر بشكل سلبي على المسنين في جوانب كثيرة أهمها لذة العمل الشعور بالقيمة .(1/2)
لكن الذي لا يدركه كثير من الناس أن الحياة تبدأ ما بعد سن المعاش , فها هو المرء قد تحلل من قيود الوظيفة وصار حر الحركة , كما أنه قد انتهى أو كاد من تعليم أولاده ومن تزويجهم والاطمئنان على مستقبلهم , وأصبح لديه الوقت لأعمال الخير والبر والطاعة , وعليه أن يفكر جاداً في الغاية الحقيقية التي خلق من أجلها , قال تعالى : " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) سورة الذاريات .
وقال : " قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) سورة المؤمنون .(1/3)
فالعمر هو أنفس ما يملك الإنسان في حياته , فمهما طال عمر الإنسان في هذه الدنيا فهو قصير، وكل يوم يمضي وكل لحظة تمر لا تعود إلى يوم القيامة ولا يمكن تعويضها, ولو راقبنا أنفسنا وأحوالنا وكيف نمضي أوقاتنا لوجدنا أن الكثير منا مضيع لوقته ومحروم من نعمة استغلال العمر والوقت فيما يعود عليه بالنفع , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه البخاري 6049.
و قال الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوان
ٍ فارفع لنفسك من حياتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثان
ولله در الشاعر الذي يصور كيف يمضي العمر ، وتذهب أيامه وتنقضي لياليه بلا رجعة ولا أمل في رجعوه حيث يقول :
وما المرء إلا راكب ظهر عمره * * * على سفر يفنيه باليوم والشهر
يبيت ويضحى كليل يوم وليلة * * * بعيدا عن الدنيا قريبا إلى القبر
وقال الوزير الصالح يحي بن هبيرة:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه * * * وأراه أسهل ما عليك يضيع
فلذلك العجب كل العجب أن نسمع من البعض أنهم يعيشون في فراغ قاتل , ولا يعرفون أين يذهبون وماذا يفعلون .
فيظل يبكي على ما فات وهو يعرف أن البكاء لا يفيد , والندم لا يجدي , فيظل يردد مع أبي العتاهية قوله :
بكيت على الشباب بدمع عيني **** فلم يفد البكاء ولا النحيب
ألا ليت الشباب يعود يوماً **** فأخبره بما فعل المشيب
فعليه أن يطرح هذه الأقوال ويقول :
ستون عاماً كانت أمامي **** لم أدرِ حتى غدت ورائي
وأثقلت بالذنوب ظهري **** وأسمعتني داعي الفناء
وليعلم أن فرصته في التصحيح لم تنته , وأن فرصته في العمل واستئناف الحياة لم تنته .(1/4)
فقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة على أن الحياة في هذا العمر المتقدم تبدأ ولا تنتهي , فقد ظل صلى الله عليه وسلم في جهاد ودعوة حتى قبض , وخاض المعارك والحروب في سن ما نطلق عليه اليوم سن المعاش أو التقاعد .
فمثلا بعد فتح مكة بعد أن فتح المسلمون مكة ، انزعجت القبائل المجاورة لقريش من انتصار المسلمين على قريش.
ففزعت هوازن و ثقيف من أن تكون الضربة القادمة من نصيبهم .
وقالوا لنغز محمداً قبل أن يغزونا . واستعانت هاتان القبيلتان بالقبائل المجاورة ، وقرروا أن يكون مالك بن عوف سيد بني هوازن قائد جيوش هذه القبائل التي ستحارب المسلمين . وأمر رجاله أن يصطحبوا معهم النساء والأطفال والمواشي والأموال ويجعلوهم في آخر الجيش ، حتى يستميت الرجال في الدفاع عن أموالهم وأولادهم ونسائهم , ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك خرج إليهم مع أصحابه وكان ذلك في شهر شوال من العام الثامن للهجرة .
وكان عدد المسلمين اثني عشر ألفاً من المجاهدين . عشرة آلف من الذين شهدوا فتح مكة ، وألفان ممن أسلموا بعد الفتح من قريش .
ونظر المسلمون إلى جيشهم الكبير فاغتروا بالكثرة وقالوا لن نغلب اليوم من قلة,وبلغ العدو خبر خروج المسلمين إليهم فأقاموا كميناً للمسلمين عند مدخل وادي أوطاس ( قرب الطائف ) وكان عددهم عشرين ألفاً , وأقبل الرسول صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى نزلوا بالوادي . وكان الوقت قبيل الفجر ، والظلام يخيم على وادي حنين السحيق . وفوجئ المسلمون بوابل من السهام تنهال عليهم من كل مكان . فطاش صوابها ، واهتزت صفوفهم ، وفر عددٌ منهم .
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم هزيمة المسلمين نادى فيهم يقول:
أنا النبي لا كذب * * * * أنا ابن عبد المطلب(1/5)
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم العباس أن ينادي في الناس ، فقال : يا معشر الأنصار، ويا معشر المهاجرين ، يا أصحاب الشجرة . فحركت هذه الكلمات مشاعر الإيمان والشجاعة في نفوس لمسلمين ، فأجابوه : لبيك يا رسول الله لبيك .
وانتظم الجيش مرةً أخرى ، واشتد القتال . وأشرف الرسول صلى الله عليه وسلم على المعركة . وما هي إلا ساعة حتى انهزم المشركون ، وولوا الأدبار تاركين النساء والأموال والأولاد . وأخذ المسلمون ينهمكون في تكثيف الأسرى وجمع الغنائم . وبلغ عدد الأسرى من الكفار في ذلك اليوم ستة آلاف أسير .
وهكذا تحولت الهزيمة إلى نصر بإذن الله تعالى.
ولقد كانت هذه الغزوة سنة 8 من الهجرة النبوية , أي وهو صلى الله عليه وسلم في الستين من عمره .
فانظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو في هذه السن لم يقل ما لي وللجهاد , لقد تعبت , أريد أن أستريح ؛ بل ظل في صبر وجلد حتى توفاه الله تعالى .
وها هو عمرو بن الجموح رضي الله عنه وأرضاه رجل قد جاوز الستين من عمره , لكن ذلك لم يمنعه من أن يطأ الجنة بعرجته , ولا من الجهاد والاستشهاد .(1/6)
فقد كان عمرو بن الجموح سيدا من سادات الأنصار وكان له صنم اسمه مناف .. يتقرب إليه .. ويسجد بين يديه مناف و مفزعه عند الكربات وملاذه عند الحاجات ..صنم صنعه من خشب .. لكنه أحب إليه من أهله وماله وكان شديد الإسراف في تقديسه وتزيينه وطييبه وتلبيسه وكان هذا دأبه مذ عرف الدنيا حتى جاوز عمره الستين سنة ..فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة .. وأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه داعيةً ومعلماً لأهل المدينة أسلم ثلاثة أولاد لعمرو بن الجموح مع أمهم دون أن يعلم .. فعمدوا إلى أبيهم فأخبروه بخبر هذا الداعي المعلم وقرؤوا عليه القرآن وقالوا : يا أبانا قد اتبعه الناس فما ترى في إتباعه ؟ فقال : لست أفعل حتى أشاور مناف فأَنظُرَ ما يقول !! ثم قام عمرو إلى مناف .. وكانوا إذا أرادوا أن يكلموا أصنامهم جعلوا خلف الصنم عجوزاً تجيبهم بما يلهمها الصنم في زعمهم .. أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى مناف وكانت إحدى رجليه أقصر من الأخرى .. فوقف بين يدي الصنم معتمداً على رجله الصحيحة .. تعظيماً واحتراماً .. ثم حمد الصنم وأثنى عليه ثم قال : يا مناف لا ريب أنك قد علمت بخبر هذا القادم ولا يريد أحداً بسوء سواك وإنما ينهانا عن عبادتك فأشِرْ عليّ يا مناف فلم يردَّ الصنم شيئاً .. فأعاد عليه فلم يجب فقال عمرو : لعلك غضبت وإني ساكت عنك أياماً حتى يزول غضبك .. ثم تركه وخرج فلما أظلم الليل .. أقبل أبناؤه إلى مناف .. فحملوه وألقوه في حفرة فيها أقذار وجيف .. فلما أصبح عمرو دخل إلى صنمه لتحيته فلم يجده .. فصاح بأعلى صوته : ويلكم !! من عدا على إلهنا الليلة .. فسكت أهله .. ففزع واضطرب ..وخرج يبحث عنه ..فوجده منكساً على رأسه في الحفرة..فأخرجه وطيبه وأعاده لمكانه..وقال له : أما والله يا مناف لو علمتُ من فعل هذا لأخزيته ..فلما كانت الليلة الثانية أقبل أبناؤه إلى الصنم .. فحملوه وألقوه في تلك الحفرة المنتنة ..(1/7)
فلما أصبح الشيخ التمس صنمه فلم يجده في مكانه فغضب وهدد وتوعد .. ثم أخرجه من تلك الحفرة فغسله وطيبه ..ثم ما زال الفتية يفعلون ذلك بالصنم كل ليلة وهو يخرجه كل صباح فلما ضاق بالأمر ذرعاً راح إليه قبل منامه وقال : ويحك يا مناف إن العنز لتمنع أُسْتَها ..ثم علق في رأس الصنم سيفاً وقال : ادفع عدوك عن نفسك ..فلما جَنَّ الليلُ حمل الفتيةُ الصنم وربطوه بكلب ميت وألقوه في بئر يجتمع فيها النتن .. فلما أصبح الشيخ بحث عن مناف فلما رآه على هذا الحال في البئر قال :
تالله لو كنتَ إلهاً لم تكنْ *** أنتَ وكلبٌ وسْطَ بئرٍ في قَرَن
أفّ لمصرعِك إلهاً يستدن *** الآن فلنثنانك عن سوء الغبن
فالحمد لله العلي ذي المنن *** الواهب الرزق وديان الدّين
هو الذي أنقذني من قبل أن *** أكون في ظلمة قبر مرتهن(1/8)
ثم دخل في دين الله وما زال يسابق الصالحين في ميادين الدين وانظر إليه لما أراد المسلمون الخروج إلى معركة بدر منعه أبناؤه لكبر سنه وشدة عرجه .. فأصر على الخروج للجهاد فاستعانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالبقاء في المدينة فبقي فيها ..فلما كانت غزوة أحُد .. أراد عمرو الخروج للجهاد فمنعه أبناؤه فلما أكثروا عليه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدافع عبرته ويقول : ( يا رسول الله إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد قال : إن الله قد عذرك .. فقال يا رسول الله والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ..فأذن له صلى الله عليه وسلم بالخروج .. فأخذ سلاحه وقال : اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي فلما وصلوا إلى ساحة القتال .. والتقى الجمعان وصاحت الأبطال ورميت النبال انطلق عمرو يضرب بسيفه جيش الظلام ويقاتل عباد الأصنام حتى توجه إليه كافر بضربة سيف كُتِبَت له بها الشهادة ..فدفن رضي الله عنه . ومضى مع الذين أنعم الله عليهم وبعد ست وأربعين سنة في عهد معاوية رضي الله عنه نزل بمقبرة شهداء أحد سيل شديد غطّى أرض القبور فسارع المسلمون إلى نقل رُفات الشهداء فلما حفروا عن قبر عمرو بن الجموح فإذا هو كأنه نائم ليّن جسده تتثنى أطرافه .. لم تأكل الأرض من جسده شيئاً . راجع القصة في الروض الأنف للسهيلي 2/277.
وها هو سلمان الفارسي الباحث عن الحق والذي يعد من أطول الصحابة عمرا , حتى قيل إنه عاش أكثر من 250 عاما , قضاها جهاداً وارتحالاً في سبيل الله تعالى .
يقول أحدهم : " إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا فمتى تطلب الآخرة ؟ .
فالمحزن حقا أن كثيرا ممن أحيلوا إلى سن المعاش يقضون جل أوقاتهم على المقاهي , أو في التنغيص على من حولهم والتدخل في كل كبيرة وصغيرة , والاقتحام على الناس في خصوصياتهم , ولا يستغلون أوقاتهم النفيسة فيما يعود عليهم وعلى من حولهم بالخير والسعادة .(1/9)
النداء الثاني
لا تكن ثقيلا على من حولك
بعض من يحال إلى سن التقاعد يصبح ضيفا ثقيلا على من حوله , وذلك بمحاولاته الدائبة للتدخل في شؤون الآخرين واقتحام خصوصياتهم , بل ومحاولة فرض رأيه بالقوة عليهم , وإجبارهم على الأخذ برأيه في كل شيء , ويتناسى أنهم قد خلقوا في زمان غير زمانه , يقول الإمام علي بن أبي طالب : " لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم " .
قال عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ؛ قَالَ : غَضِبَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى ابْنِهِ ، فَهَجَرَهُ ، فَقَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَوْلَادُنَا ثِمَارُ قُلُوبِنَا وَعِمَادُ ظُهُورِنَا ، وَنَحْنُ لَهُمْ سَمَاءٌ ظَلِيلَةٌ وَأَرْضٌ ذَلِيلَةٌ ، إِنْ غَضِبُوا ؛ فَأَرْضِهِمْ ، وَإِنْ سَأَلُوا ؛ فَأَعْطِهِمْ ، وَلَا تَكُنْ عَلَيْهِمْ قُفْلًا ؛ فَيَمَلُّوا حَيَاتَكَ وَيَتَمَنُّوا مَوْتَكَ . ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 2/484.(1/10)
والمسلم يستعيذ بالله تعالى من أن يرد إلى أرذل العمر , حتى لا يصبح ثقيلا على من حوله , قال تعالى : " وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) سورة النحل , وقال : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) سورة الحج .
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ , وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ , قَالَ كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ , كَمَا يُعَلِّمُ الْمُكْتِبُ الْغِلْمَانَ , وَيَقُولُ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ : اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ , وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ , وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ , وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا , وَعَذَابِ الْقَبْرِ.(1/11)
- وفي رواية : عَنْ مُصْعَبٍ ؛ كان سَعْدِ يَأْمُرُ بْخَمْسِ وَيُزكرهن عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم, أنه كان يأمر بهن « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ , وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ , وَأَعُوذُ بِكَ أَنَ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ , وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا , وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
أخرجه التِّرْمِذِي (3567) و"النَّسَائي" 8/266 , وفي "الكبرى" 7861 .
المراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط والفهم وتشويه بعض النظر والعجز عن كثير من الطاعات والتساهل في بعضها.
لذا فقد كان علماء الحديث لا يأخذون عن الراوي حال كبر سنه مع اختلاطه.
مثل : جرير بن حازم قد تكلم فيه ابن حبان ,و قال عبد الرحمن بن مهدي: «اختلط، وكان له أولادٌ أصحابُ حديثٍ، فلما أحسوا ذلك منه حجبوه فلم يسمع منه أحدٌ شيئًا حال اختلاطه». الحلبي : لاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط 73.
عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه قال : « كان ابن عمر رضي الله عنهما يطوف بالبيت فرأى رجلا يطوف بالبيت حاملا أمه وهو يقول: إني لها بعيرها المذلل * * * إن ذعرت ركابها لم أذعر
أحملها ما حملتني أكثر * * * أو قال : أطول
أتراني يا ابن عمر جزيتها ؟ قال : » لا ولا زفرة واحدة .
وفي رواية : " لِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْدُمُك وَهِيَ تُحِبُّ حَيَاتَك ، وَأَنْتَ تَخْدُمُهَا وَتُحِبُّ مَوْتَهَا . البخاري في الأدب المفرد ج 1/ ص 18 حديث رقم: 11.(1/12)
لذا فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحسن توقير الكبير ومعرفة قدره , عَنْ زَرْبِيٍّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا.
- لفظ أَبي سَعِيد : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ قَدْ أَقْبَلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا.
أخرجه التِّرْمِذِي (1919) و(أبو يَعْلَى) 4241 .
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ ، قال : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنْ إِجْلاَل الله ، إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ آلْقُرْآنِ ، غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ ، وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ.
أخرجه أبو داود (4843) .
عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ ، إِلاَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ.
أخرجه التِّرْمِذِي (2022).
وعن عمار قال : ثلاثة لا يستخف بحقهم إلا منافق بين نفاقه الإمام المقسط ومعلم الخير وذو الشيبة في الإسلام.(1/13)
روى ابن الجوزي هذه القصة فقال : " كان في بني إسرائيل رجل له امرأة يحبها ومعه أم عجوز وأم امرأته عجوز أيضا، وكانت تغرى ابنتها بأمِّ زوجها وكانت العجوز قد ذهب صبرها، فلم تزل به امرأته حتى خرج بأمِّه ووضعها في الصحراء وتركها وحيدة، ليس معها طعام أو شراب ليأكلها السبع، ثم انصرف فغشيتها السباع فجاءها ملك فقال: ما هذه الأصوات التي أسمعها؟ قالت: خيرا هذه أصوات إبل وغنم قال: خيرا فليكن إن شاء الله.ثم انصرف عنها، فلما أصبحت أصبح الوادي ممتلئ إبلا وبقرا وغنما! فقال ابنها لزوجته: إني ذاهب إلى أمي فانظر كيف هي فلما وصل مكانها قال: أي أماه فقالت: يا بني طردتني وعققتني وأطعت زوجتك فندم وحمل أمه وعاد بها، وساق ما أعطاها الله تعالى فقالت امرأته: والله لا أرضى حتى تذهب بأمي وتضعها حيث وضعت أمك، فانطلق بها فلما أمست غشيتها السباع، فجاءها ملك فقال:ما هذه الأصوات التي أسمع؟ قالت: شرا هذه أصوات السباع تريد أن تأكلني فقال: شرا فليكن إن شاء الله،ثم انصرف، فجاءها سبع فأكلها فلما أصبح قالت امرأته: اذهب فانظر ماذا فعلت أمي، فذهب فما وجد منه إلا ما فضل السبع، فأخذ عظمها وأتى به امرأته فماتت كمدا.
المنتظم لابن الجوزي 1/177.
فيا أيها الوالد الغالي الحبيب , لكم أنا أحبك وأدعو الله لك بطول العمر , وموفور الصحة والعافية , لكن كن لنا الحضن الدافئ , والظل الوارف الذي نستظل به من حر الرمضاء وهجير الحياة .
وأنت أيتها الوالدة الغالية الحبيبة , لكم أحبك وأدعو لك بطول العمر وموفور الصحة والعافية , وكم يريحني أن أستلقي على صدرك فأنسى هموم الحياة ومتاعبها , فكوني لي ولزوجتي وأولادي النبع الصافي الذي نرتشف منه عبير الحب والحنان . والواحة الغناء التي نفيء إلى ظلها .
النداء الثالث
سل ربك حسن الخاتمة(1/14)
إذا بلغ الإنسان سن الستين فإن من الواجب عليه أن يتوقف قليلاً , ويلقي نظرة على عمره الذي مضي وعلى أيامه التي تبقى , فلا يهمل الطاعة , ولا يسوف التوبة , فقد أعذر إلى الله تبارك وتعالى .
قال الإمام البخاري في صحيحه : حدثني عبد السلام بن مطهر، حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( أعذر الله إلى امرئٍ أخَّر أجله حتى بلغ ستين سنة )، تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري.
كتاب الرقاق/ باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر، لقوله: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير }[ فاطر: 37: يعني الشيب/ حديث 6419)).
فقوله صلى الله عليه وسلم: ( أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجله حتى بلغ ستين سنة ) أي أعذر إليه غاية الإعذار، الذي لا إعذار بعده، لأن الستين قريب من معترك العباد، وهو سن الإنابة والخشوع والاستسلام لله تعالى وترقب المنية ولقاء الله تعالى فهذا إعذار بعد إعذار في عمر ابن آدم، لطفًا من الله لعباده حين نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم، وأعذر إليهم مرة بعد أخرى، ولم يعاقبهم إلا بعد الحجج اللائحة المبكتة لهم، وإن كانوا قد فطرهم الله تعالى على حبّ الدنيا وطول الأمل، فلم يتركهم مهملين دون إعذار لهم وتنبيه، وأكبر الإعذار إلى بني آدم بعثه الرسل إليهم.
إذا كملت للمرء ستون حجة ... ... فلم يحضا بالستين إلا سدسها
ألم ترى أن النوم بالنصف حاصل ... ... وتذهب أوقات المقيل بخمسها
فتذهب أوقات الهموم بحصة ... ... وأوقات أوجاعا تميت بمسها
فحاصل ما يبقاه سدس عمره ... ... إذا بقته النفس علم حدسها
وعن أنس رضي الله عنه قال «قبض رسول الله وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين» رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي توفي وهو ابن ثلاث وستين رواه البخاري .(1/15)
ويقول رسول الله «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك» رواه الترمذي وغيره، وحسنه الألباني.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا بَلَغَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَرْبَعِينَ سَنَةً آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلاَيَا مِنَ الْجُنُونِ وَالْبَرَصِ واَلْجُذَامِ وَإِذَا بَلَغَ الْخَمْسِينَ لَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ حِسَابَهُ وَإِذَا بَلَغَ السِّتِّينَ رَزَقَهُ اللَّهُ إِنَابَةً يُحِبُّهُ عَلَيْهَا وَإِذَا بَلَغَ السَّبْعِينَ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَأَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حَسَنَاتِهِ وَمَحَا عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَإِذَا بَلَغَ التِّسْعِينَ غَفَرَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَسُمِّىَ أَسِيرَ اللَّهِ في الأَرْضِ وَشُفِّعَ في أَهْلِهِ.
أَخْرَجَهُ أحمد 2/89(5627).
قال الشاعر:
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ * * * وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا* * * واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يا مُذنبُ
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه * * * لا بَدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ
لم ينسَهُ الملَكانِ حينَ نسيتَهُ * * * بل أثبتاهُ وأنتَ لاهٍ تلعبُ
والرُّوحُ فيكَ وديعةٌ أودعتَها * * * ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَبُ
وغرورُ دنياكَ التي تسعى لها* * * دارٌ حقيقتُها متاعٌ يذهبُ
والليلُ فاعلمْ والنهارُ كلاهم* * * ا أنفاسُنا فيها تُعدُّ وتُحسبُ
وجميعُ ما خلَّفتَهُ وجمعتَهُ حقاً * * * يَقيناً بعدَ موتِكَ يُنهبُ
تَبَّاً لدارٍ لا يدومُ نعيمُها * * * ومَشيدُها عمّا قليلٍ يَخربُ(1/16)
والمؤسف حقًا أن الكثيرين أيضًا من المحالين إلى المعاش لا يجدون عملاً بعد تقاعدهم ومع ذلك فهم لا يستفيدون من وقت الفراغ طريقة ترفع درجاتهم عند الله بل ربما يضيعون أوقاتهم فيما يضرهم ولا ينفعهم على النحو التالي :
أولاً: كثيرون منهم يضيعون أوقاتهم في الزيارات التي قد تكون مختلطة ويصاحبها غالبًا اللغو ومشاهدة «التلفاز» أو لعب الشطرنج أو النرد أو غير ذلك مما لا ينفع، في حين أن ملك الموت يوشك أن يقبض أرواحهم وهم غير مستعدين .
ثانيًا : كثيرون من كبار السن يضيعون أوقاتهم في قراءة الجرائد والمجلات التي لا تنفعهم كثيرًا، وأحيانًا يجلسون في شرفة المنزل دون مراعاة لغض البصر، وربما بسبب الفراغ يشاغبون الزوجة والأولاد .
ثالثًا : بعض كبار السن يضيعون أوقاتهم في النوادي التي يكثر فيها الاختلاط وأحيانًا العري، بينما الرسول الكريم يقول «وليسعك بيتك»
رواه الترمذي وحسنه الألباني .
رابعًا : كثيرون من رواد المسجد من المسنين يتقابلون بعد كل صلاة للجلوس والكلام الذي يغلب عليه اللغو، والإنسان لم يُخلق للكلام، ولكن للعبادة ؛ لقوله تعالى « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ» الذاريات .
والمساجد لم تجعل للكلام، ولكن للعبادة لقوله تعالى « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ » النور ولقوله عن المساجد «إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن» رواه مسلم .
خامساً : الزهد في الحسنات وعدم المبالاة بالسيئات، والرسول يقول «لا تحقرن من المعروف شيئًا» رواه مسلم .
ويقول أيضًا «اتقوا النار ولو بشق تمرة» متفق عليه ويقول «إياكم ومحقرات الذنوب» رواه أحمد والطبراني والبيهقي وغيرهم وصححه الألباني .
وبعد موت النبي كان أنس رضي الله عنه يقول للصحابة والتابعين «إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات» رواه البخاري .(1/17)
وقد مر رسول الله على قبر دفن حديثًا فقال «من صاحب هذا القبر ؟» فقالوا فلان فقال «ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم» رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني . ( مجلة التوحيد العدد 84 , 1/3/2009م).
فالسعيد من رزق في هذه السن عملا صالحا يختم له به , ويفارق الدنيا عليه .
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ.أخرجه أحمد 3/106(12059).
قَالَ أَنَسٌ : لاَ عَلَيْكُمْ أَن لاَ تَعجَبُوا لِعَمَلِ رَجُل حَتى تَعْلَمُوا بِمَا يُخْتَمُ لَهُ بِهِ .
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ ، قِيلَ : وَمَا اسْتَعْمَلُهُ ؟ قَالَ : يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ ، حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ. - وفي رواية : إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ، قِيلَ : وَمَا عَسْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ؟ قَالَ : يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ ، حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ. أخرجه أحمد 5/224(22295) . وعَبْد بن حُمَيْد (481).
وعندما يحسن الله تعالى للمرء الختام فإن كل من على الأرض سيشهدون له أنه قد أحسن , وسوف يبكي عليه موضع سجوده .(1/18)
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ:مَرُّوا بِجَِنَازَةٍ ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَمُرَّ بِجَِنَازَةٍ ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، فَقَالَ عُمَرُ : فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ، مُرَّ بِجَِنَازَةٍ ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقُلْتَ : وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَمُرَّ بِجَِنَازَةٍ ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا ، فَقُلْتَ : وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ . فَقَالَ : مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا ، وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ. أخرجه أحمد 3/186(12969) و"البُخَارِي" (1367) و"مسلم" 3/53(2158).
روي أنّ المعتصم دعا إبراهيم كعادته فغنَّاه البيتين اللذين يقال فيهما : غنّى صوت ابن شكلة ، وبكى إبراهيم ، فقال له المتعصم : ما يبكيك ؟ فقال : كنت عاهدت الله إذا بلغت ستين سنةً أن أتوب ، وقد بلغتها . فأعفاه المعتصم من الغناء وحضور الشراب .
مرت سنينٌ بالوصال وبالهنا *** فكأنها من قصرها أيامُ
ثم أنثنت أيامُ هجر بعدها *** فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنونُ وأهلها *** فكأنها وكأنهم أحلامُ
وقال المتنبي :
بأبي مَنْ وَدِدْتُه فافترَقْنا * * * وقضَى الله بعد ذاك اجتماعا
فافترَقْنَا حَوْلاً ، فلما اجتمَعْنا * * * كان تسليمُه عليَّ الوداعا(1/19)
أورد ابن أبي الدنيا أن توبة بن الصمة من المحاسبين لأنفسهم فحسب يوماً، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلتي ألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب؟ كيف وفي كل يوم آلاف من الذنوب؟ ثم خر مغشياً عليه، فإذا هو ميت، فسمعوا قائلاً يقول: يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى. محاسبة النفس لابن أبي الدنيا 81.
جاء في بعض الآثار أنه إذا شاب شعر العبد نادى عليه الله وقال:
يا عبدي شاب شعرك وضعف بصرك وانحنى ظهرك ووهن عظمك , استحي مني فإني أستحي منك.
وجاء في بعض الآثار : أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد وأحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد وأحب الكرماء وحبي للفقير الكريم أشد ,وأبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد وأبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد وأبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد.
وقيل : من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة ، والنذير سن الستين ، والنذير الشيب ، عبدي كبرت سنك ، وضعف بصرك، وانحنى ظهرك ، وشاب شعرك فاستحي مني ، فأنا أستحي منك .
قال الشاعر :
يا نفس قد أزف الرحيل *** وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يا نفس لا يلعب *** بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزل ينسى *** الخليل فيه الخليل
وليركبن عليك فيه من *** الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا جميعاً *** فلا يبقى العزيز ولا الذليل
يقول سيدنا عمر بن الخطاب : " عجبت لثلاث : لمؤمل والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، وضاحك ملء فيه ، ولا يدري أساخط عنه الله أم راض " .
قيل للجنيد ، وقد حضرته الوفاة ، فأخذ يقرأ القرآن في سكرات الموت ، ويبكي فقالوا له : تقرأ القرآن ، وأنت في سكرات الموت ؟ قال : سبحان الله من أحوج مني إلى قراءة القرآن ، وقد أصبحت لحظات تعد علي .(1/20)
قال معاوية رضي الله عنه عند موته: أجلسوني. فأجلسوه، فجلس يذكر ربه جل وعلا ويسبح الله سبحانه وتعالى، ثم بكى وقال لنفسه موبخًا لها: الآن يا معاوية، الآن جئت تذكر ربك بعد الانحطام والانهدام، أما كان هذا وغضُ الشباب نضير ريان. ثم بكى وقال: يا رب ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي، اللهم أَقَلَ العثرة، واغفر الزلة، وجُدْ بحلمك على من لم يرجُ غيرك ولا وثق بأحد سواك. ثم فاضت روحه. إحياء علوم الدين 4/480 .
ولما حضرت أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ الوفاة بكى فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : يبكيني بعد السفر وقلة الزاد و ضعف اليقين والعقبة الكؤود التي المهبط منها إما إلى الجنة و إما إلى النار.
ولما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة قال : أجلسوني فأجلسوه فقال : اللهم أنا الذي أمرتني فقصرت و نهيتني فعصيت فإن غفرت فقد مننت و إن عاقبت فما ظلمت لا إله إلا أنت . تسلية المصاب 115.
قال المزني: دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها، فقلت: كيف أصبحت؟ فقال: "أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله تعالى واردًا، فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها أو إلى النار فأعزيها"، ثم بكى وأنشأ يقول:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي * * * جعلت الرجا مني لعفوك سُلّما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته* * * بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل* * * تجود وتعفو منة وتكرّما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي* * * ويستر أوزاري وما قد تقدما(1/21)
ويروى أن سكرات الموت جاءت عبد الملك ، فأخذ يتجرع كأس الموت ، ويذوق الموت ، ويشرب الموت ، ويأكل الموت ، وهو في تلك الساعة التي يذل فيها الجبار ، ويذعن فيها المتكبر ، ويفتقر فيها الغني ، سمع غسالا بجانب قصره في الوادي يغسل ملابسه ، وينشد نشيداً ، وما علم هذا الغسال بموت عبد الملك ، وما أدراه بموت عبد الملك ، فأخذ عبد الملك يقول ، وهو يبكي : يا ليتني كنت غسالاً ، يا ليتني ما عرفت الخلافة ، يا ليتني ما توليت الملك .
احتضر بعض الملوك فجعل يقول : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه .
قال بعضُ الحكماء : كيف يفرحُ بالدنيا من يومُه يَهدِمُ شهرَه ، وشهرُه يهدِمُ سنَتَه ، وسنته تَهدِمُ عُمُرَه ، وكيف يفرح من يقوده عمرُه إلى أجله ، وتقودُه حياتُه إلى موته .
وقال الفضيلُ بنُ عياض لرجلٍ : كم أتت عليك ؟ قال : ستون سنة ، قال فأنت منذ ستين سنة تسيرُ إلى ربِّك يُوشِكُ أنْ تَبلُغَ ، فقال الرجل : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فقال الفضيلُ : أتعرف تفسيرَه تقول : أنا لله عبد وإليه راجع ، فمن عَلِمَ أنَّه لله عبد ، وأنَّه إليه راجع ، فليعلم أنَّه موقوفٌ ، ومن علم أنَّه موقوف ، فليعلم أنَّه مسؤول ، ومن عَلِمَ أنَّه مسؤولٌ ، فليُعِدَّ للسؤال جواباً ، فقال الرجل : فما الحيلةُ ؟ قال : يسيرة ، قال : ما هي ؟ قال : تُحسِنُ فيما بقي يُغفَرُ لك ما مضى فإنّك إنْ أسأتَ فيما بقي ، أُخِذْتَ بما مضى وبما بقي . أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 3/113 . جامع العلوم والحكم (1/383).
وفي هذا يقول بعضُهم :
وإنَّ امرءاً قد سارَ سِتِّينَ حِجَّةٍ * * *إلى مَنهَلٍ من وِرده لقَريبُ
وقال داود الطائي: ( يا ابن آدم، فرحت ببلوغ أجلك، وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك. وسوّفت بعملك، كأن منفعته لغيرك! ).
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يُدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل(1/22)
قال الحسن: ( ابن آدم، إنك بين مطيتين يوضعانك: الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل، حتى يسلمانك إلى الآخرة. فمن أعظم خطراً منك؟ ).
يحكى أن أبا موسى الأشعري اجتهد قبل موته، فقيل له: لو رفقت بنفسك؟ فقال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها. والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.
وما المرء إلا راكب ظهر عمره *** على سفر يطويه باليوم والشهر
يبيت ويضحى كل يوم وليلة *** بعيداً عن الدنيا قريباً من القبر
و كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ( ويحك يا يزيد، من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يرضي ربك عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس، ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ ).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ( إنكم في ممر من الليل والنهار، في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة. فمن يزرع خير فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع ما زرع ).
تمر الليالي والحوادث تنقضي *** كأضغاث أحلام ونحن رقود
وأعجب من ذا أنها كل ساعة *** تجدّ بنا سيراً ونحن قعود
ولله در القائل:
إذا كنت أعلم علماً يقيناً *** بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنيناً بها *** وأجعلها في صلاح وطاعة؟
والقائل أيضا :
لا تقل من أين ابدأ؟ * * * طاعة الله البداية
لا تقل أين طريقي؟ * * * شرعة الله الهداية
لا تقل أين نعيمي؟ * * * جنة الله الكفاية
لا تقل في الغد ابدأ * * * ربما تأتي النهاية
فطوبى لمن سمع ووعى، وحقق ما ادعى، ونهى النفس عن الهوى، وعلم أن الفائز من ارعوى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.
فسل ربك حسن الخاتمة , واستعد للقاء ربك بالأعمال الصالحة .
واجعل شعارك بعد المعاش :
ليست السعادة في السكون * * * ولا الخمول ولا القعود
في العيش بين الأهل * * * تأكل كالبهائم والعبيد
وأن تعيش مع القطيع * * * وأن تقاد ولا تقود(1/23)
إن السعادة أن تبلغ * * * دين ذي العرش المجيد
إن السعادة في التلذذ * * * بالمتاعب لا التلذذ بالرقود
اللهم إني أعوذ بالله من دعاء لا يسمع ومن قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع , ومن الخيانة فإنها بئست البطانة .
وأعوذ بك من الكسل والهرم والبخل والجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدجال وعذاب القبر.
اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك, اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
مقدمة ... 2
النداء الأول : الحياة تبدأ ما بعد سن المعاش. ... 4
النداء الثاني : لا تكن ثقيلاً على من حولك . ... 13
النداء الثالث : سل ربك حسن الخاتمة . ... 18
الفهرست ... 30(1/24)