توحيد الألوهية وأثره الإيجابي الصحة النفسية
د.الجميل محمد عبد السميع
أستاذ علم النفس المساعد
شعور الفرد بالأمن والأمان قال تعالى " ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يخزنون" سورة الأحقاف (13)
تقدير الفرد لذاته بالقدر المناسب ، فيكون قادرا على تقدير ذاته موضوعيا ، عارفا لنواحي القوة في نفسه وسلوكه فيدعمها ، واعيا بنواحي القصور في تصرفاته وسلوكه فيعالجها . لديه نظرة واقعية عن حياته مع قدرته على مواجهة متاعب ومصاعب الحياة ومشكلاتها .(1/1)
عدم الشعور بالعجز أمام الأزمات ، فهو دائم السعي والكفاح في الحياة للتغلب على أزماته ، قادرا على تحمل المسئولية في عمله ومع اسرته. ففي عمله من منطلق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " ان الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " وفي أسرته من منطلق الحديث الشريف (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) تكون انفعالاته مناسبة مع الموقف الموجود فيه فلا يغضب في المواقف التي لا تستحق الغضب ن ويغضب بالقدر المناسب في المواقف التي تستحق الغضب ، حيث ان الفرد الذي يغضب في المواقف التي لا تستحق الغضب يكون مضطربا نفسيا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ان الرفق لا يكون في شيء ألا زانه ولا ينزع من شيء ألا شأنه ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه ان رجلا قال للنبي (ص) أوصني قال ( لا تغضب) فردد مرارا قال (لا تغضب) والفرد الذي لا يغضب في المواقف التي تستحق الغضب أيضا مضطرا نفسيا فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها ان قريشا اهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله (ص) فقالوا : ومن يجترء عليه الا أسامة ؟ فكلمة أسامة ، فقال (ص* أتشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام (ص) فاختطب ثم قال إنما اهلك الذين قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وفي رواية : " فتلون وجه سرول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ فقال أسامة استغفر لى رسول الله : قال : ثم أمر بتلك المرأة فقطعت يدها ومعنى تلون وجه رسول الله (ص) أي غضب ومن ثم فان من مظاهر الصحة النفسية ان الفرد لاسوى لا يغضب ألا لله ولا يحب ألا في الله .(1/2)
متقبل لذاته مستقرا راضيا شاكرا في السراء ، صابرا على البلاء ، قال صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله خير ، ان أصابه سراء شكر فكان خيرا له ، وان أصابه ضراء صبر فكان خير له ) وكل هذا من مظاهر الصحة النفسية.
متفائل غير متشائم لحديث عروة بن عامر رضي الله عنه قال ( ذكرت الطيرة عند رسول الله(ص) فقال : أسنها الفال ، ولا ترد مسلما ، فإذا رأي أحدكم ما يكره ، فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات ألا أنت ولا يدفع السيئات ألا أنت ، ولا حول ولا قوة ألا بك ) .
قادر على التركيز ، فالمتمتع بالصحة النفسية يكون غير مشتت الذهن .
محترم لقيم وعادات مجتمعه الإسلامي وتقاليده فلا يخرج عنها أو عليها كما أنه متوافق مع مجتمعه الذي يعيش فيه في إطار الكتاب والسنة .
مستقر في أسرته وعمله فهو يعرف ما له وما عليه تجاه كل من أسرته وعمله ، وهذا من شأنه ان يبعث على الاستقرار النفسي .(1/3)
يستطيع مواجهة الأزمات والصعوبات التي تواجهه بطريقة إيجابية فهو متوكل على الله ، وعير متواكل (أي يأخذ بالأسباب في إطار الكتاب والسنة ) المستمرة على سلوكياتها الذاتية وسلوكياتها الاجتماعية مع كافة البشر ن بما يتفق مع نظام القيم السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه الانسان ، وقد حدد المجتمع الإسلامي مسئولية الفرد المسلم نحو نفسه ، ونحو أسرته ، ونحو جيرانه وعشيرته وزملاء دراسته وزملاء عمله ، ونحو المؤسسات التي يتعامل معها في جميع مرافق الحياة التي يعيشها فالإنسان وحده هو المسئول عن سلوكياته ، ان كانت إيجابية فله أجره على الله وان كانت سلبية فالله به خبير ولهذا الفرد بئس المصير . وقد بين الله عز وجل مسئولية الفرد عن سلوكه في آيات بينات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال قوله عز وجل في سورة الكهف : ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر أنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرا دقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مر تفقه (29) ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنا لا نضيع اجر من أحسن عملا (3.) أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) صدق الله العظيم)29 – 31) .(1/4)
ويتضح من هذه الآيات البينات أن الانسان مسئول عن تصرفاته وله حرية الاختيار فيما يحب ان يكون عليه وفيما يرغب فيه ، فأما ان يسلك سلوكا يرضي به نفسه ويرضي عنه الله أو سلوكا غير سوى يسيء به الى نفسه وينبع من غوايته . ولعل المتصفح للمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم يجد العديد من آيات الله البينات تدل على ان كل فرد مسئول عن نفسه وعن سلوكياته فيما يتعلق بالمسئولية الذاتية فقط وهذا ما أكده الحق عز وجل لقوله في سورة البقرة ( واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون ( صدق الله العظيم) 123) . وتتضمن المسئولية الاجتماعية اهتمام الانسان المسلم بغيره من المسلمين المحيطين به والمخالطين له باعتباره عضوا في مجتمع متماسك بالأيمان وقد أوضح ذلك صراحة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالأمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وهي مسئولة عنهم ، وعبد الرجل راع على مال سيدة وهو مسئول عنه ، ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي ) . لذلك تجد الانسان المسلم المؤمن فطن كيس ويجد فتواه في قلبه ، يستفتيه كلما احتاج أليه في أمر يشك فيه . ويقول الشيخ فؤاد امام مسجد القضيبية في دولة البحرين حفظه الله ورعاه بأن قلب المسلم المؤمن ، يوجد فيه إشارات مرور ، بالحمراء منها تنذر بالخطر كلما أقدم على عمل لا يرضيه ولا يرضي عنه الله ، فيقف ولا يتخطاه ويحاسب نفسه عليه ويستغفر الله . إذا محاسبة النفس المرتبطة بالاختيار السليم للسلوكيات السوية الإيجابية تعتبر علامات مميزة تضئ الطريق لمن يتحمل المسئولية الذاتية عن نفسه والمسئولية الاجتماعية عن غيره ممن يتعامل معهم في حياته العادية اليومية.(1/5)
وهذا يميز شخصية الانسان المسلم المؤمن ويجعله فريدا عمن سواه ممن يعيشون في دنياه . وعندما تتناول الشخصية الإسلامية المميزة والمتميزة بقبول قضاء الله وقدره ، والرضا بما يصيبها من ابتلاء فلنبدأ حديثنا بقول الحق عز وجل في سورة العنكبوت ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهو لا يفتنون (2) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمهم الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) . صدق الله العظيم (2-3) إذا الشخصية الإسلامية معرضة دائما لامتحان من الله واختبار لصدق أيمانهم ورضائها بما يصيبها . ولم يتركها الله لتنزلق في هاوية الاحباطات واليأس والقنوط من رحمة الله بل بشرها الله بما يطمع فيه أي إنسان ملاء قلبه الأيمان .. ولنتلوا قوله تعالى في سورة البقرة ( ولنبلونكم بشيئي من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا أنا لله وأنا أليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) صدق الله العظيم (155-157) ما أروعه من رضاء ، وما أعدله من قضاء ذلك الذي يتقبل الابتلاء ان البلاء رحمة من الله على الانسان المسلم المؤمن ، ومغفرة لذنوبه وتطهيرا لقلبه ونفسه ، ومحبة من الله له .. ولعل ما بتاى به الأنبياء وفي مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيذاء قريش له وتطاول أهل الطائف عليه وإنكار أقرب الناس أليه لدعوته وهداه خير دليل على أن الله يصيب الناس بالبلاء على قدر أيمانهم ويقينهم ، أما امتحانا لهم أو تكفيرا عن ذنوبهم .. وقد قال ذلك المصطفي عليه صلوات الله وسلامه ( ان عظم الجزاء مع عظم البلاء وان الله تعالى إذا احب قوما ابتلاهم . فمن رضى فله الرضا .(1/6)
ومن سخط فله السخط ) (رواه الترمذي) وقوله صلى الله عليه وسلم (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقي الله تعالى وما عليه خطيئة) رواه الترمذي ولعلنا نعجب لأمر المؤمن في قوله عليه الصلاة والسلام (عجبا لامر المؤمن ان أمره كله خير وليس ذلك لاحد ألا للمؤمن ، ان إصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وان أصابته ضراء صبر فكان خير له ) رواه مسلم .
عزيزي القارئ .. ان الحديث عن الشخصية الإسلامية في بنائها وخصائصها لا يمكن ان نغطيه في سطور قليلة متتابعة على صفحات هذا الكتاب لانه عبارة عن بحث كامل شامل قد يتعدى مئات الصفحات في مجلدات ولكننا أردنا ان نلقي بعضا من الضوء الذي يضيء قلب الانسان المسلم المؤمن بنور الأيمان واخلاق القرآن التي تجعله شخصا مميزا فريدا عن غيره في هذا الزمان .(1/7)