إلى العلم الشريف الطاهر
(( المجموعة الأولى ))
تأليف
الفقير إلى عفو ربه
أبى يزن حمزة بن فايع الفتحي
إمام وخطيب جامع الملك فهد
بمحايل عسير
نافذة الفائدة
إليكَ يا طالبَ ذي المفاخر
لطائفاً من دُرَر ( الأكابرِ )
( قنصتُها ) من لُجَج الأسفارِ
ومن بطون الكتب الدراري
مقصدها التنبيه والإيضاحُ
ورسم ذا المنهج والإنجاحُ
تنور العقول والبصائرا
وتورث الطلاب ذي المآثرا
ليوصل التلميذ بالأسلافِ
فيزهو بالآداب والإنصافِ
ويغدو سنياً على الطريقِ
ليس بجانحٍِ ولا غريقِ
قد زان بالعدل وبالشمائل
والمسلك الصحيح والخمائل
وسار في حدائق الجناتِ
دون مناكد ولا انفلات ِ
فخذها بالجد تراها ( الفائدة )
بين المثيلات تكون الرائدة
(( بسم الله الرحمن الرحيم ))
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فإن العلم برغم عمقه واتساعه لا يخلو من دُرَر وتحف تتشوق لها النفوس , وتهواها الأرواح وترق لها الأسماع , بعيدة عن صعوبة قضية , أو تعقيد مسألة , أو نزاع طويل .
توارثها الأجيال عن الأسلاف والأقدمين , تختصر مسافات فى التوجيه , وترسم المنهج فى الطلب , وتقوم السلوك , وتزيد فى العظة , والنفع والاستبصار.
لا يستغني عنها طالب يقفو علم الوحيين , وينشد المعرفة , ويبتغي المعالى والأمجاد , وتنأى به عن الخطأ , وتقيمه على الجادة , وتصونه عن الآفات.
وكم من (مقولة غراء) أغنت عن مجلدات , وفاقت صفحات, وانتفع بها أناس وأقوام , جرت مجرى الحكم والأمثال, والمنارات والأدلة التى لو فُقدت لتخبط السالك , وحار الدليل.
فهي تنبيهات في الطلب , ونقاط فى الطريق , وبصائر فى الحياة تشع لحاملها ولمن أخذها بجد وقوة , وفقه معناها ومغزاها.
فاضت بها ألسنة صادقة , وعقول زاكية , زكت بنور القرآن والسنة , ومضت على المحجة البيضاء تنشر الحق , وتفيض الخير والحسن والبهاء.(1/1)
وهذه الكلمات والتنبيهات جاءت من علماء أكابر , ومن أشياخ أفاضل غصوا فى العلم ولجته , وبلغوا من حلوه ونهمته فجاءوا بما هو من أطايب الكلم , ولطائف المنطق , ومحاسن القول واللسن.
وهي تأتي في سياق التوجيه المنهجي والأدبي لطالب العلم , تزيد حكمته وتوقظ بصيرته وتنظم حركته ومساره , فكم فيها من حكم باهرة ومعان سامية وآداب يانعة , تُحفظ لتنشر , وتُفهم لتطبق , وتُؤخذ لتبلَغ تُزين بها المجالس , وتعزز بها المواقف , وترسم بها المناهج. فهى جواهر الأحاديث ولوامع الكلمات , وروائع التنبيهات , طاب لافظها , وعزَ ناقلها , وفاز حاضرها , وقد لا يكون لهذه الكلمات وما في مساقها مرجع معين لكنها مبثوثة فى كتب التراجم والتواريخ والآداب , ويحسن للقارئ الجيد النبيه , أن لا يفوته مثل ذلك , وأن يقوم بتقييد ما يطيب منها ويلين , كلما عرضت وسنحت و لأنها تفوت ولا تعود , وتغيب ولا ترجع .
ومع طول القراءة والبحث , سوف يجد القارئ الجاد أنه تكون له مقدار معين من هذه الدرر الباهرة والكنوز النفيسة سواء كانت فى العلم أو الدعوة أو الأدب أو الخلق والتزكية.
وهنا عُني العبد الفقير بما يمس العلم الشرعى , ويضئ فقهه, ويبث أدبه من أصول وأخلاق , وأسس وآداب ، هى محل أنظار طلبة العلم واهتمام أرباب الفقه والمعرفة ، الذين تهتز مشاعرهم ، وتتشوف عقولهم لواحدة أو اثنتين من تلك المقولات , لأنها نُخَب مختارة , ورسائل مصفاة ، وكلمات مجتباة , ليس كثيراً الوقوف عندها , أو تقييدها وتأمل ما فيها .
وهى طريقة لجمع نفائس العلم وكنوزه وذخائره من منطق العلماء الأفذاذ , الذين زهت بهم الحياة , وطابت بهم مجالس العلم وأحاديثه , وهم كما قيل :
جمالَ ذى الأرض كانوا فى الحياة وهم
……… بعد الممات جمال الكتب والسيرِ(1/2)
فيا طالب العلم : اقرأ وتجلد ، وقيد وتصبر ، ولا تمل وتستحسر فإنك تكون مستودعاً للفوائد , ومرجعاً للفرائد والنخب ، التى يتمثل بها الأدباء , ويستشهد بها العقلاء , وتخضع لها الحكماء.
اليوم شئ وغداً مثله…من نخب العلم التى تلتقط
يحصل المرء بها حكمة…وإنما السيل اجتماع النقط
وقد يسَر الله للعبد الفقير ، جمعه وتأليفه فى السعودية , وعلقت على ما تيسر منها مما يبين ويوضح , ويكشف ويجلي , ليكمل فهمها , ويزداد وعيها ثم لم أكتب المقدمة إلا في مصر , وفي الجامع الأزهر , وهاأنا ذا أنشره فى مصر , راجياً من الله الصدق والتوفيق , والإخلاص والتسديد , إنه أعظم مأمول , وأكرم مسئول.
والحمد لله رب العالمين
وكتبه
أبو يزن حمزة بن فايع الفتحي
مصر - القاهرة
الجامع الأزهر
الجمعة : 21/10/1425هـ
3 ديسمبر 2004
1- قال الزهري رحمه الله :
( ما عُبدَ الله بأفضلَ من العلم ) (1)
والمعنى : أن العلم أشرف الطاعات ، وأزكى القربات على الإطلاق، وفضائله كثيرة , ومحاسنه غزيرة , وفوائده وفيرة .
قال تعالى
((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) ……………………[الزمر: 9]
ولم يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالتزود من شى غير العلم…
(وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ) [طه : 114 ]
2- وقال الثوري وغيره.
( تعلمنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله ) (2)
والمراد أن العلم الشرعى وما يحويه من بصائر وبينات هى غذاء الأرواح ، لحمله صاحبه على الخشية والإنابة ، التى تقذف فيه خطورة هذا العلم وأنه لا يصلح ولا يزكو بغير إخلاص فكأن الإخلاص هو غطاء بركة العلم فإن صحت فيه النية بورك فيه وتُوَج بالقبول، وإلا كان وبالاً على صاحبه.
3- قال حماد بن سلمة رحمه الله :
(من طلب الحديث لغير الله مُكر به ) (3)(1/3)
والمعنى بيان فساد سوء النية عندما يطلب العلم لغير الله ، وأن عاقبة المرائي بعلمه المكر والدمار الله تعالى لأن الإخلاص شرط قبول الأعمال.
ولهذا جاء فى الحديث الصحيح ( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) رواه أبو داود ، وابن ماجة وهو صحيح .
ومن المكر به فى الدنيا، استثقال العلم والتضايق به وانصراف الناس عنه والشعور بنسيانه والتزلف به عند السلاطين ، وجعله سلماً لزهرات الدنيا الفانية ونحو ذلك.
4- قال الإمام أحمد رحمه الله :
(أصل العلم خشية الله) (4)
ومصداق ذلك فى القرآن ( إنما يخشى الله من عباده العلماء )
فأعزُّ علم وأغلاه ، هو ما حملك على خشية الله وخوفه ، ولو كان شيئا يسيراً فليست العبرة بكثرة المحفوظ ولكن ما وقع القلب ورسخ ونفع .
5- قال يحيى بن أبى كثير رحمه الله:
(لا يُستطاع العلم براحة الجسم ) (5)
لم ينقل عند الناس قاطبة أن رجلاً مترفاً مرتاحا حصّل العلم ، ولكن لا يحصَّل إلا بتعب ونكد واستطعام للمر والنصب.
وهو ما يعرف ( بالصبر المطلق ) الذى لا يعيقه عائق ، ولا يقطعه قاطع ، وفى الحديث قال صلى الله عليه وسلم ( ومن يتصبَّر يصَّبرْه الله ).
وقال (والصبر ضياء )
6- قال أبو زيد النحوي رحمه الله:
(لا يُضئ الكتاب حتى يظلم) (6)
كلمة جميلة مفادها تحلية الكتاب بالحواشي ، وتزيينه بالتعليقات التي تفتح مغلقه , وتفك عسيره , وتوضح غامضه.
وكم في تلك التعليقات من ذكريات ومعانٍ ساميات ، أُخذت من أفواه الرجال وبطون الكتب، التى تجعل من كتابك كتباً عديدة ودرراً نفيسة , تضن به على من لا يعرف قدره , ولا ترضى بيعه ولا إعارته.
7- قال الضحاك به مزاحم رحمه الله:
( أول باب من العلم : الصمت، والثاني : استماعه والثالث : العمل به والرابع : نشره وتعليمه) (7)(1/4)
أربعة أبواب هي منافذ نيل العلم والفوز به , فمن حضر ليصمت ثم ليحسن الاستماع المعين على الوعي ، ثم ليعمل بما علم، ثم ليبلغ وينشر ما وعاه , فإن ذلك هو الفضل الكبير والعاقبة الحميدة.
8- قال أبو عاصم النبيل رحمه الله :
(من طلب هذا الحديث ، فقد طلب أعلا أمور الدنيا، فيجب أن يكون خير الناس) (8)
هذه المقولة الشريفة دعوة للعمل بالعلم , والظهور بأحسن الأوصاف , لأن الحديث تاج على الرؤوس ، وحلة تكسو المرء أحسن المعاطف والألبسة.
فليحذر طالب العلم توسيخها بما يشين من ترك العمل ، والوقيعة فى السيئات , والتوسع في ملاذ الدنيا.
9- قال الحجاج بن أرطاه رحمه الله :
(إنَّ أحدَكم إلى أدب ٍ حسن أحوج منه إلى خمسين حديثا ) (9)
يالهم من أئمة كرام ، أدركوا أن الأدب القليل خير من العلم الكثير ولو كان خمسين حديثا لكنك تحملها بلا أدب وتسير بها وأنت فاقد الأخلاق ، كرعاع الناس وأجلاف العرب الذين لم يهذبهم العلم، ولم يغيرهم الهدى , والله المستعان.
10- قال ميمون بن مهران رحمه الله :
(التودد إلى الناس نصف العقل وحسن المسألة
نصف الفقه ) (10)
إنه لمن الحكمة أن لا يباغض المرء الناس ، لاسيما طلبة العلم، ليصل علمهم وينتشر خيرهم وقد قال تعالى ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ )…………{ الإسراء : 53 }
ومن بلوغ العلم الأدب فى السؤال، الذى هو نصف الفقه فيسأل المتعلم ليعلم وليس للمفاخرة ولا للتعنت ولا ليصرف
وجوه الناس إليه.
11- قال وكيع رحمه الله:
( من استفهم وهو يفهم فهو طرف من الرياء) (11)
محمول على شدة المبالغة من السؤال لغير حاجة وأنه من أسباب الرياء، لاسيما لسائل لا هَمَّ إلا الظهور وجذب الانتباه وإضاعة الوقت وهو صفة ذميمة في طلاب العلم .
12- قال الزهري رحمه الله :
(حضور المجلس بلا نسخة ذُلّ) (12)(1/5)
هل يحس ّبذلك كثير من التلاميذ اليوم وهم يغدون للجامعات والمساجد بلا كتب، يدَّعون العلم، ويسعون للفائدة، بلا سلاح الفائدة ومنبع المعرفة ؟
إن ذلك لشيء عجيب !!
والإمام رحمه الله يريد شحذ الهمم لحمل الكتب ، وبيان ما فيها من اعتزاز وامتنان، وأنها موضع تعليقات الشيخ، وتصحيح النص وإعجام الكلام، وكل ذلك يفوت من غدا بلا كتابٍ، أو حضَر بلا نسخة.
13 - قال عبد الله بن المعتز رحمه الله:
( التواضع سلّم الشرف ) (13)
ما تحلى الطالب بمثل التواضع للعلم والشيخ والكتاب والناس ، فإنه باب الشرف، ومفتاح القبول ،ونافذة الفهم والتحصيل.
قال تعالى (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) ……{ الحجر : 88 }
وفى صحيح مسلم ( إن الله أوحى إلىَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، أو يبغى أحد على أحد وفيه أيضا : (وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله ).
14- قال وكيع رحمه الله:
( أول بركة الحديث إعارة الكتب) (14)
لا بأس بالإعارة على المختار، ولكن لأهلها معظّمي الكتب ، وراغبي المعرفة، فإن ذلك نوع من نشر العلم ، وبذل الخير، ونفع الناس وكم من الناس من فقير أمين ومسكين جاد لكنهم همم ، ولكن بلا كتب ، وعندهم طموح ولكن بلا أسفار ، فجد عليهم بحقه وعقده ، فى مدة معلومة ، يبارك لك فى علمك ومالك ، وتكتسب ودهم ومحبتهم .
15- قال حماد بن زيد رحمه الله:
(ينبغى للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً
لله عز وجل ) (15)
وبنحوها لأيوب السختياني والشافعي رحمهما الله.
وهى تربية لأهل العلم ، أن يحملهم ما علموا وحفظوا على التواضع لله والخضوع له لأنه بفضله علمهم ، ومن علمه آتاهم ، وما عندهم من علم حري أن يحفزهم على بذله والتأدب به ، وعدم التعالى به أو قصد المباهاة نعوذ بالله من ذلك آمين .
16- قال الإمام أحمد رحمه الله:
( مع المحبرة إلى المقبرة ) (16)(1/6)
مِنْ أنفسِ ما سمعت الأذان ، ووعت الأبصار ، وهى كناية عن دوام التحصيل والاطلاع إلى آخر الأعمار ، بل حتى تفيض الأنفس وتطير الأرواح إلى بارئها.
فإن العلم نفيس والوقت عزيز، ولذلك كان كثير من الأئمة يتعلم وهو مقعَد ، ويراجع وهو على الفراش ، ويستذكر وهو
يحتضر !!
أولئك قوم شيد الله فخرهم ……فما فوقه فخر ولو عظم الفخرُ
وقال أبو يزن فى الطالب الجاد :
ولا يزال حامل المحابِر ……مجتهدا دوما إلى المقابرِ
قد جعل العلم له شعارا ……يمتثل القرآن والآثارا
فلذة العلم له شفاءُ ……ليس له من دونها غذاءُ
17- قال الزهري رحمه الله:
( من طلب العلم جملة فاته جملة ،وإنما يُدرك العلم حديث وحديثان ) (17)
هذه قاعدة فى التحصيل والطلب وأن العلم لا يتأتى بلقمه سائغة ولا يمكن بلعه فى ساعة واحدة بل لابد من تدرج وتفنن ، واقتصاد وتمرس، وليكن عن طريق المختصرات والبدء بالمهمات، وتقليل المحفوظ ووعي المفهوم ، والحذر من التخليط والتزاحم ، وجمع المعلومات بلا تنظيم وتناسق وتناسب .
18- قال الخليل بن أحمد رحمه الله:
(لا يصل أحد من النحو إلى ما يحتاج إليه إلا بعد معرفة ما لا يحتاج إليه ) (18)
هذا الرجل كان من أذكياء العالم، وكلماته تدل على فهمه وسعة عقله.
وهو كما قال : فإن العلم المراد تعلمه نحواً كان أو فقهاً أو حديثاً لابد فيه من التبحر والاتساع حتى تبلغه ولا يمكنك تحصيل ما تحتاجه منه ، حتى تعرف ما لا تحتاجه ، فلكي تصل لمُناك لا بد من طول السفر، ولتبلغ كثيره ، لابد من أخذ قليله ويسيره
والله الموفق .
19-قال الشافعي رحمه الله :
(لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح ، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح ) (19)
الإمام هنا يعلِّمنا شروطاً للعلم أولاها: التذلل للعلم والتواضع ثانيهما هجر الترف باليسير من العيش ، ثالثهما : خدمة العلماء .
فتلك هى شروط نيل العلم ومفتاح الفلاح فيه ،
وطريق النجاح إليه ).(1/7)
وبضدها ينغلق الباب ، وتُجهَد النفس ، وينعدم التوفيق
والله المستعان.
20- وللشافعى أيضا:
(لا يصلُح طلبُ العلم إلا لمفلس ) (20)
تنبيه فيه ، أن الفقر أصلح للعلم ، وليس الغنى ، لأن الغني يبطر ويترف ، ويجر صاحبه غالبا إلى الدنيا، والتعلق بها ، والزهد فى التجارة الرابحة ، والغنائم الثمينة .
21-قال النضر بن شُميل رحمه الله:
( لا يجد الرجل لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه ) (21)
هذا تأكيد آخر أن الفقر أنسب، للعلم فإذا ما استغنى العالم بالعلم هان عليه الطعام وتلذذ بحب المعرفة ، وسماع المرويات ، وما بالى بالجوع والظمأ كما قد قيل :
فلو قد ذقت من حلواه طعما…… لآثرت التعلم واجتهدتَ
22- سئل الشعبي رحمه الله من أين لك هذا العلم ، فقال :
( بنفي الاعتماد ، والسير في البلاد ، وصبر كصبر الحمار ، وبكور كبكور الغراب ) (22)
نفي الاعتماد، يعني علو همته واعتماده على نفسه ، والسير في البلاد : هو الحركة والسفر لجمع الفوائد من الشيوخ ، وصبر كصبر الحمار : هو يريد شدة التحمل للمتاعب ، والحمار أصبر الحيوانات ، قالت العرب (أصبرُ من حمار).
وبكور كبكور الغراب : سرعة استغلال الزمان والتبكير فيه
من أوله.
23- قال عروة بن الزبير رحمه الله :
( أزهدُ الناس في عالم أهله ) (23)
لا تكترِثْ إذا لم يعتن الناس بك ، ولم يهتموا بدروسك ، وما لديك من معرفة ، فإن أزهد الناس في عالم أهله وجيرانه لأنه قد يسوؤهم نبوغ فلان ، لأنك من بلدهم ، أو لأنك عصريّهم وقد قيل في ذلك ( المعاصرة حجاب ) أي تحول دون إدراك محاسن المرء والاعتراف بها.
24- قال أبو بكر الأنصاري البغدادي البزاز :
( مَنْ خدمَ المحابر خدمته المنابر ) (24)(1/8)
( ما ألذها من مقوله ، وأحلاها من قاعدة ، ترشد أن من انقطع لخدمة العلم والكتب والبحث والقراءة ، أسعفته حين قيامه وتحديثه على المنابر ، وفي مجامع الناس وبل ربما جعلت المنابر مذللة له، تهابه ولا يهابها ، تسعفه علومه ، وكثرة اطلاعه ، وعمق محفوظاته.
وقد قيل أيضاً ( بقدر ما تتعَّنى تنال ما تتمنى).
25- وقال الخليل بن أحمد رحمه الله :
(ما كُتِب قَرّ ، وما حُفظ فَرَّ ) (25)
الكتابة من مهمات أدوات العلم ، فإنها تحفظ العلم وتضبطه ، وتضمن لك الحفظ والمراجعة ، فلا تعطل مهما كانت الحافظة ، فإن النفوس تنسى والعقول تشيخ ، وإذا شاخت فلَّتت وأضاعت ، وفي أبجد العلوم لصديق خان (كل علمٍ ليس في القرطاس ضاع).
26 - وقال محمود الزمخشري رحمه الله :
(مَجْدُ التاجرِ في كيسه ، ومجدُ العالمِ في كراريسه) (26)
إذا تفاخرَ أرباب الأموال بزينتهم وتجاراتهم ، فإن مفخرة العلماء بكتبهم وكراريسهم إذ العلم تجارتهم ، وحفظه مناهم ، وكتبه دراهمهم ودنانيرهم.
27 - قال محمد بن سَلاَم البِيكَندي رحمه الله :
(قلم بدينار) (27)
وذلك لما انكسرَ قلمه في المجلس ، فعزَّ عليه أن يذهب إلى السوق ، ويضيع الوقت ، فأغلا سعرَ القلم ، فطارت إليه الأقلام خاضعة ذليلة ، وهكذا طالب العلم ، يشتري الوقت بالمال ، فإن المال يعود ، والوقت إذا مضى لا يعود.
والوقت أنفس ما عُنيتَ بحفظه …وأراه أسهلَ ما عليك يضيعُ
28 - وقال بشر الحافي رحمه الله :
(ضاعَ العلم في أفخاذ النساء) (28)
أحذر التوسع في الملَّذات ، ولا يلهينك النساء عن لذة العلم والتعلق به فإنه موطن الراحة ، وموضع النشوة ونهاية النفع والاستمتاع.
29 - وقال عبد الله بن المعتز :
(عِلمُ الإنسان ولدُهُ المخلَّد) (29)
أحسنَ وصدقَ ، فإنه لا ذكرَ ولا شرف يبقى للإنسان بعد وفاته سوى العلم والذكر الحسن ، وما يخلّفه من مؤلفات وكتب وخزانات.(1/9)
كما قد جاء في صحيح مسلم ( أو علم يُنتفَع به ) فإنه يجري له ثوابه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
30 - وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله :
( الحفظ الإتقان ) (30)
كم من مدَّعٍ لحفظ المتون ، وضبط أمهات المختصرات والتخريجات ، فإذا ما سُئل تلكأ واضطرب ، وخبط وخلط لأنه لم يحفظ بحق ، ولم يدقق النص ، ولم يرسخه رسوخ الفاتحة الدائمة والجبال القائمة ، فالمقصود أن يكون الحافظ متقناً، يزينه حفظه ، ويُبرز نبله ومكانته ، ولا يفضحه أو يبين كذب دعواه.
31 - قال الإمام علي رضي الله عنه :
(قيمة كل امرئ ما يحسنه) (31)
هذه أحسن مقالة بعد الوحيين ، فتأملْ يا طالبَ العلم ما تحسنه ، فتخصص وجد فيه ، ولا تشغل نفسك بكل شيء ، فإنك لن تدرك ، واتخذ من كل شيء أحسنه وأطيبه.
واكتشف موهبتك ، واستشر شيوخك ، فقد يلحظون ما لا تلحظ ويدركون ما لا تدرك.
32 - وقال حماد بن سَلَمة :
(مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها) (32)
احرصْ على النحو واضبط مختصراً منه ، يُعنْك على الحديث وسائر العلوم ، وتحظَ باحترام الآخرين ، وإياك واللحونات ، فإنها كالجدري في الوجه ، وكالأقذار على البياض ، تفسد العلم ، وتذهب رونقه وجماله.
وقد قالوا :
النحو يبسط من اللسان الألكَنِ …والمرء تكرمه إذا لم يلحنِ
وإذا أردت من العلوم أجلّها…فأجلها علم مقيم الألسنِِِ
33 - وقال سفيان الثوري :
(إن استطعتَ ألا تَحُكَّ رأسَك إلا بأثر فافعل) (33)
كذا فليكن ، الحرص على السنة ، والتشبث بالفضائل ، وإياك والزهد والتزهيد فإنه مسلك الانحلال ، وبريد التفلت.
وقد قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
{الأحزاب: 21 } فوظف السنة على نفسك صغيرها وكبيرها ، فإنك هيئة الإسلام وموضع الاقتداء والإعلام والسلام.
34 - قال شعبة بن الحجاج رحمه الله :
(ما فقه رجل طلب الحديث على دابة) (34)(1/10)
أراد بذلك التفرغَ الذهني للعلم ، وأن ما ينبغي أن ينازعه شئ من أمور الدنيا كركوب الدابة ، وفي حكمها السيارة في زماننا ، لكي يتم التحصيل وإن كان المسلم قد يستفيد الآن بالسماع ، ولكن الوعي التام ، والحفظ يحتاج إلى مزيد صفاء وتفرغ.
35 - وقال علي رضي الله عنه :
(تزاوروا وتدارسوا الحديث ، ولا تتركوه يَدرُس) (35)
مذاكرة العلم حياته وثباته ، وما طابت الاجتماعات والزيارات بمثل مذاكرة الحديث ومراجعة المسائل واستلهام الفوائد والطرائف ، وإلا فإن العلم إذا لم يراجع تلاشى واندرس .
36 - وقال سفيان الثوري رحمه الله :
(من بخل بعلمه ابتلي بثلاث ، إما أن ينساه ولا يحفظه ، وإما أن يموت ، ولا ينتفع به ، وإما أن تذهب كتبه). (36)
هذه أمهات البخل بالعلم والفائدة ، أما أن يُنسى ، أو يموت صاحبه ولا يحياه ، وإما أن تذهب كتبه بالحرق أو التلَف أو الضياع.
وليس من سمة العقلاء البخل بالعلم والخير.
37 - وقال علي رضي الله عنه :
(شرُّ الكتابة المَشْق ، وشر القراءة الهَذْرمة ،
وأجودُ الخط أبينهُ) (37)
هذه أخطاء تحصل في أدوات العلم.
فالمشق هو مدّ الحروف في الكتابة ، فهو يُذهب الحِبر ، ويضيع الورق بلا طائل.
والهذرمة هي سرعة القراءة التي لا ينتفع بها والخط البين هو أحسن الخطوط وأجودها ، لأنه أعون على الفهم والاستذكار في كل الأوقات.
38 - قال أحمد في الخط الدقيق لرجل :
(أحوج ما تكون إليه يخونك) (38)
وصدق رحمه الله ، فإن الطالب قد يعلّق تعليقات على كتبه بخط دقيق أو عجل ، فيحتاجه بعد زمن ، فيخونه ولا يدركه ، وربما أنكر خطه مع طول العهد ، وتحسين الخط مطلب مهم في سير الطالب في مشواره العلمي .
39 - وقال زُبيد اليامي رحمه الله :
(يسرني أن يكون لي في كل شيء نية حتى
في الأكل والنوم) (39)(1/11)
ما أجمل تحسين النية حتى في أمور الدنيا كالنوم والأكل ، لأنها تكمل المسيرة العلمية ، فيحتسب المرء نومه وأكله ، وينوي التقوي به على الخير وحفز النفس إلى الخيرات ومعالي الأمور.
40 - وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
(والمنصِف من اغتفر قليلَ خطأ المرء في كثير صوابهِ) (40)
حينما تقف على زلات وأخطاء الأعلام ، فلا تنسف علومهمَ بسببها ، بل غلِّب صوابهم ، واحتمل ذلك بما لهم من حسنات وفضائل ، فذلك هو العدل ، وما أحسن ما قيل :
وإذا الحبيبُ أتى بذنب واحدٍ جاءت محاسنه بألف شفيعِ
41 - وقال ابن القيم رحمه الله :
(ما أكثرَ ما ينقل الناس المذاهب الباطلة عن العلماء
بالأفهام القاصرة) (41)
فاحرص على فهم كلام الناس ، واصطلاحات أرباب المذاهب والفلسفات والخلافيات .
فكم من فهمٍ سيء ، جنَى على عالم ذكي وسُوِّدت به الأوراق ، والمسألة أصلها سوء فهم ليس إلا !! ، ولله درّ أبي الطيب حين قال :
وكم من عائب قولاً صحيحاً …وآفته من الفهم السقيمِ
42 - وقال سفيان الثوري :
(كان يقال : من طلب الرئاسة وقع في الدياسة) (42)
أي الذل والمهانة ، وهو محمول على كراهة طلب الرئاسة لأهل العلم مطلقاً لا سيما من لم يتهيأ لذلك ، ولا ينبغي للعالم السعي إليها ، لأنها مضرة بالعلم والدين كما هو معلوم.
43 - وقال مسروق رحمه الله :
(لا تُعِرْ بزَّك من لا يريده) (43)
ليحرص العالم والطالب أن لا ينشر بضاعته عند من يأباها ، أو كان منشغلاً عنها وإنما يبذل العلم في أهله ومحتاجيه ، الذين تتشوف نفوسهم إليه ، وتتشوق أرواحهم فيه ، وقد جاء عن الأعمش :
(لا تنثروا اللؤلؤ تحت أظلاف الخنازير)
44 - وقال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله :
(ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ في أُصول نخلٍ طوال) (44)
هذا منهج ينبغي اعتماده في التعامل مع من مضى من الأسلاف والأفذاذ.(1/12)
وأن لهم من التمكن العلمي وسعة المعرفة ، وحذق الفهوم ما ليس لغيرهم ، وليس العبرة بكثرة الكلام ، ولا طول الخصومات ولا حيازة الشهادات ، كما يظن الكثير من المتأخرين المعاصرين ، ويستحسن أن يراجع في ذلك رسالة (فضل علم السلف على علم الخلف) لابن رجب ، فإنها فريدة مهمة.
45 - وقال أبو الأسود الدؤلي رحمه الله :
(الملوك حكَّامٌ على الناس ، والعلماء حكام على الملوك) (45)
هذا هو شرف العلم وكبرياؤه وسلطانه ، أن يرفع صاحبه فوقَ كل عالٍ ووجيه ، حتى إن أصحاب الرئاسات يتهيبون العالم ، ويخشون من علمه وفتواه إذا لم يركن لهم ، ويطعم منهم .
قال تعالى :
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ) {المجادلة:11}
46 - وقال أبو الدرداء رضي الله عنه:
(لو أُنسيتُ آيةً لم أجد أحداً ، يذكرنيها إلا رجلاً ببرك الغِماد ، رحلتُ إليه) (46)
همةٌ عالية ، تَلين أمامها الصعاب ، وتتحطم عليها كل الشدائد والمشاق ، وإنّها لتتفانى في تحصيل العلم ، اعترافاً بفضله ، وتقديراً لأهميته ، إذ لا يَعدِله شرف ، ولا يضاهيه فضل.
47 - وقال سعيد بن المسيب رحمه الله :
(إنْ كنتُ لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد) (47)
يقطع المسافات الشاسعة ، ويجوب الصحاري المقفرة ، ليسمع حديثاً واحداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم !! أين طلابنا من ذلك ، وأين أبناؤنا ليسمعوا الأحاديث ، ويدركوا الأساطير ؟ !!
ولكنها حقائق صنعتها الهمم ، وأشعلتها العزائم.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
48 - وقال الشافعي رحمه الله :
(ما ناظرت أحداً إلا على النصيحة) (48)
هذه من أبلغ المقالات عن هذا الإمام رحمه الله ، وهي تفيد نزاهته وتجرده وأنه لا يباهي بهذا العلم ، ولا يتعمد الجدل به ، أو التفاخر عليه وإنما مقصده بالمناظرة ، النصيحة التي تعلن الحق لله. وقد اشتهر قوله :(1/13)
(ودِدتُ أن الناس تعلموا هذا العلم ، على أن لا يُنسب
إلي منه شيء)
قال الذهبي : هذا النفَس الزكي متواتر عن الشافعي.
49 - وقال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله :
(البكاء ينبغي أن يكون على خساسة الهمم) (49)
ابكِ يا عبدَ الله على همةٍ لا ترفعك ، وهمة لا تنفعك ، وهمة تؤكلك ما لا ينفع ، وتصّيرك كالبهائم ، تأكل وتشرب وتموت.
خلق الله للمعالي رجالاً………ورجالاً لقصعةٍ وثريدِ
50 - وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله :
(تعلموا النية ، فإنها أبلغ من العمل) (50)
اعتقد دائماً إصلاح النية ومجاهدة النفس في ذلك ، فإنها عنوان التوفيق للعمل ، والجد فيه ، واستشعر النية الصالحة في كل أحوالك وشئونك ، وكم من نية صالحة فاقت أعمالاً ضخاماً لم تحسن فيها النية ، فتأمل.
51 - وقال ابن عقيل الحنبلي رحمه الله :
(إني لا يَحِل لي أن أضيع ساعة من عمري) (51)
فكيف يقول حملة العلم اليوم الذين يستطيبون طول الأحاديث ، وكثرة التندر في أمور الدنيا ، ومقارعة المأدبات ، لكأن الوقت ملكهم ، أو أنه مدروك لهم متى شاءوا !!
هؤلاء ليسوا شيئاً في ميزان أولئك !
لا علم ، لا عقل ، لا قيمة.
والله المستعان.
52 - قال سفيان بن عيينة رحمه الله :
(لا يكون الرجل من أهل الحديث حتى يأخذ عمن فوقه ، وعمن هو دونه ، وعمن هو مثله) (52)
وهذه المقولة الغراء ، تقرر أمرين أحدهما : تواضع طالب العلم بأخذه عمن هو دونه سناً وقدراً ، وهذا خلق نبيل ، ولم يزل عشاق المعرفة على ذلك ، وثانيهما : سعة الحديث والعلم ، وأنه يصعب عده وإحصاؤه ، لتفرقه في الناس ، فلابد من الركض وراء أهله ، عزوا أو هانوا ، كبروا أو صغروا ، حضروا أو غابوا ، فالدرجات على ثلاث في كلمة سفيان :
- الأخذ ممن فوق : مفتاح العلم والنبوغ.
- والأخذ ممن دون : تواضع وإجلال.
- والأخذ عن المثل : توثيق للمحبة ، وتحصيل للبركة.
53 - وقال الفخر الرازي رحمه الله :(1/14)
(والله إنني أتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم في وقت الأكل ، فإن الوقت والزمان عزيز) (53)
نعم فإنك لم تُخلَق لتأكل وتشبع ، وإنما خُلقت لمعالي الأمور ، ومحاسن الخصال ومن أجلها مبادرة الأوقات في تحصيل المعارف العلمية والعلوم السنية.
والأكل إذا تُوسِّع فيه ، فوَّت ما يمكن أن يحفظ منه سورة متوسطة، أو مسألة قصيرة ، أو موعظة ، تجد حلاوتها
في حياتك.
54 - وقال ابنَ بشكُوال الأندلسي رحمه الله :
(قرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمع أبا بكر بن عطية يذكر أنه كرر البخاري سبع مئة مرة) (54)
هكذا يُدرَك العمق في العلم ، ويتحقق النبوغ ، ويتم الرسوخ ، أنْ يحرص الطالب على دوام التكرار الذي يسعفه في أحرج اللحظات، فكرر كثيراً ليصير العلم عندك راسخاً غزيراً.
وطالع الصفحات للشيخ أبي غدة (ص 197) لترى
العجب العجاب.
55 - وقال محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله :
(ترك لي أبي ثلاثين ألف درهم ، فأنفقت خمسة عشر ألفاً على النحو والشعر ، وخمسة عشر ألفاً على الحديث والفقه) (55)
المال إذا توفر للطالب ذلّل له العلم ، من سرعة الوصول في السفر ، والظفرَ بالأماني ، وجمع الكتب وإعفاف النفس ، وإطعام فقراء الطلبة.
56 - وقال ابن تيمية رحمه الله :
(بالصبر واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين) (56)
العالم إذا تأهل ، مرشَّح للإمامة ونفع الناس ، فليكن أساساه يقيناً يجرد توحيده ، وصبراً يقهر به المصائب والتحديات وهما
عمودا الإمامة :
قال تعالى :
( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )
(السجدة : 23)
57 - وقال أحمد رحمه الله :
(سمعت أن قَلَّ رجلٌ يأخذ كتاباً ينظر فيه إلا
استفاد منه شيئاً) (57)(1/15)
فلا يستنكر الطالب أن يجمع من الكتب وأن يتجاوز ، وأن يحرز الفوائد من كل علم وجهة ، وأن لا يسفّه بعض الكتب ، تقليداً لآخرين دون الوقوف عليها ، بل خذ محاسن القوم واهجر غوائلهم ، ولا ينصح المبتدئ بكتب المبتدعة ، ولا ما قد يشوش عليه ويفسد عقله.
58 - قال أبو الفرج ابن الجوزيَ رحمه الله :
(لكل شيء صناعة وصناعة العقل حسن الاختيار) (58)
فتخّير من العلم أزكاه ، ومن الكتب أحسنَها ، ومن المعارف أهمها ، ومن الشيوخ أنبلهم ، وسابق الزمان بحسن الاختيار وليس بقصد الإحاطة والإكثار التي تنتهي إلى الضياع والإفلاس.
59 - وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله :
(مَنْ جعل دينه عَرضاً للخصومات أكثر الشك) (59)
والمراد بالخصومات هي المناقشات والمناظرات بالباطل ، والتي تُعقد للمفاخرة والسمعة ، فمثل تلك خليقة أن تَهلِك صاحبها ، وتشككه في أمره ، وقد جاء في السنة الصحيحة (ما ضلَّ قوم بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل).
أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح.
60 - قال أبو حاتم الرازي رحمه الله :
(علامةُ أهل البدع الوقيعةُ في أهل الأثر) (60)
تفحص العلماء ومن تأخذ عليهم ، بإحلالهم لعلماء السلف وأهل الحديث ، فإن عظّموهم فهم عظام ، وإنْ طعنوا فيهم فهم بالطعن أولى ، وما سلط أحد لسانه في أئمة الأثر إلا كان صاحبَ
هوىً وبدعة.
وقد قال أبو يزن في الإشارة إلى تلك المقولة القراء الناصعة.
فإن من علامة البدعيّ………وقوعه في العالم الشرعي
نعوذ بالله من الخذلاِن ………ومن فساد القلب واللسانِ
61 - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(ولا تجد من يقول إنه محتاج إلى غير آثار الرسول ، إلا من هو ضعيف المعرفة والاتباع لآثاره ، وإلا فمن قام بما جاء به الكتاب والسنة ، اشرقَ على علم الأولين والآخرين وأغناه الله بالنور الذي بعث محمداً عما سواه) (61)(1/16)
هذه كلمة جليلة بيّنه ، لا يحتاج إلى تعليق فالعلم المصفى ، والقدح المعلّى إنما هو في الوحيين ، والتشبث بهما ، وإيثارهما على سائر العلوم لا سيما ما يتدافع الناس إليه هذه الأزمنة ، بزعم التحضّر ، وغفلوا عن العلم النافع الصحيح .
62- وقال الحسن رحمه الله :
(إن كان الرجل إذا طلب العلم ، لم يلبث أن يرى في ذلك في تخشعه ، وبصره ولسانه ويده وزهده) (62)
لا خيرَ في علمٍ لا يهدي إلى عمل ، ولا يصون الجوارحَ ولا يكسو صاحبَه جلباب الخشوع والسمت الحسن.
وقد قال أبو إسحاق الإلبيري :
إذا لم يفدك العلم شيئاً ……فليتك ثم ليتك ما علمتا
63- وقال الذهبي رحمه الله :
(كلام الأقران يُطوى ولا يُروى ، فإن ذُكر تأمله المحدِّث ، فإن وجد له متابعاً وإلا أعرض عنه) (63)
قد ترى شَطَط عالم على صاحبٍ له ، فإياك قبولَه حتى تجد له ما يسنده ، وإلا فاعتمد هذه القاعدة النافقة ، فإنها تحل لك كثيراً من المشكلات والتناحرات المشاهدة والله الموفق.
64- وللذهبي أيضاً رحمه الله :
(الغزالي إمام كبير ، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ) (64)
رأيت كثيرين من الطلبة يتعلقون بعلماء ويمجدونهم ، حتى إنهم ليسوغوا أخطاءهم وينفوا عنهم زلاتهم ، وكأنهم معصومون ، وهذا بلا ريب خطأ وسوء فهم للحياة العلمية لأن العالم إنما يكبر بالدليل ، فإذا فاته لم ينفَعه إنشاؤه ولا تحريره وتطويله فتنبه.
65- وقال سلمان رضي الله عنه :
(علم لا يقال به ككنز لا يُنفَق منه) (65)
فابذلِ العلم وانشره ، وجد في تعليمه الأهل والناس ، وإلا كنت مثل البخيل الذي يدعي الكرم فيأبى ، فيسفل فى أعين الناس ، وتصيبه الرزايا والآفات.
66- وقال ابن عباس رضي الله عنه :
(لِقاحُ المعرفة دراسة العلم) (66)
تتنامى المعرفة ، ويتضاعف العلم بمدارسته مع الآخرين ، بل يزيد ذلك من اتساع العقل وسمو التفكير المورث لمحاسن التخريجات وروائع الفهوم.
67- وقال الخليل بن أحمد رحمه الله :(1/17)
(اجعل تعليمك دراسةً لك ، واجعل مناظرة العالم تنبيهاً لما ليس عندك ، وأكثِرْ من العلم لتعلمَ ، وأقلل منه لتحفظ) (67 )
والمعنى : أنك في العلم تناظر العلماء لتأخذ عندهم وتحرز خيرهم .
وتكثر من العلماء لتزداد علماً ، وتقل من العلم ليرسخ المحفوظ.
68 - وقال الذهبي رحمه الله :
(الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع) (68)
يا لهما من شرطين عزيزين : تمام المعرفة وتمام الورع ، فالمعرفة تجعلك تنقل الصحيح ، والورع يحملك على عدم الكذب والافتراء ، فهل بلغتهما. ؟ !!
69 - وقال الخليل رحمه الله :
(أًقِلّوا من الكتب لتحفظوا ، وأكثروا منها لتعلموا) (69)
للحفظ قلل الكتب والمحفوظات ، وللعلم أكثر من الكتب وجمعها.
وله أيضاً رحمه الله :
(إذا أردت أن تكون عالماً فاقصد لفن من العلم ، وإن أردتَ أن تكون أديباً فخذ من كل شيء أحسنَه).
70- وقال مالك بن أنس رحمه الله :
(ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف) (70)
لا يحملك الحسد ، ولا التنافس ، ولا الهوى على هضم حق الآخرين ، أو إهدار محاسنهم ، أو نفى الانتفاع بكتبهم ، فإن العدل مطلوب ، وبه تزكّي علمك ، وتظهر أدبك ومروءتك
قال تعالى :
(وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )
{ المائدة : 8 }
71- وقال الشعبي رحمه الله : ويُنسب لوكيع رحمه الله :
(كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به) (71)
طريقة حسنة في تثبيت العلم ، وأبعد عن نسيانه ، فاحرص كلما تعلمت سنة من أن تبادر بتطبيقها ليعيها قلبك ، وترعاها نفسك , والله الموفق والمعين .
72- وقال ابن القيم رحمه الله :
(وشيخ الإسلام حبيبنا ، ولكن الحق أحبُّ إلينا منه) (72)
المعنيّ هو شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي صاحب منازل السائرين وذم الكلام وأنه مهما بلغ حبك وإجلالك للعالم فإن الحق أحب إلينا منه إذا زل أو أخطأ.
73 - وقال محمد بن القاسم بن خلاد رحمه الله :(1/18)
(كان يقال : من لم يركب المصاعب لم يَنَل الرغائب) (73)
دائماً معالي الأمور دونها المتاعب والمشاق ، فلابد من مقدمات وأسباب صارمة تدكّ ما أمامها من مشاق وأنكاد.
وكما قيل :
ومن يتهيب صعود الجبال ……يعش أبد الدهر بين الحفرْ
74- وقال ابن المبارك رحمه الله عن الأحاديث المصنوعة :
(تعيش لها الجهابذة) (74)
جهابذة المحدثين هم حذاق العلم والأثر ، وكاشفوا الأكاذيب والخرافات فهم يعيشون لها ، ويعيشون لكل الطوام ، والبلايا والفتن التي تنزل بالأمة.
وهذا نوع من شرفهم.
قال تعالى : ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ ) ……[العنكبوت : 43]
75 - وقال إبراهيم أدهم رحمه الله :
( كنا إذا رأينا الشاب يتكلم مع المشايخ في المسجد أيسنا من كل خير عنده ) (75)
حلية التلميذ مع الشيوخ الأدب والصمت ، وعدم المرادة والمحاججة ، والتكلف فإن ذلك نوع من سوء الأدب.
وفي الصحيحين فى حديث النخلة المشهور قال ابن عمر :
( ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فاستحييت ).
76- وقال مالك رحمه الله :
( إن العلم ليس بكثرة الرواية ، إنما العلم نور يجعله الله في القلب ) (76)
لا تنفع الآثار بلا أنوار ، ولا النصوص بلا فصوص ، فحل علمك بتقوى لله صادقة تقذف في قلبك نوراً بهياً بهيجاً، يضيء لك دروب الحياة ، ويقيك الفتن ويثبتك أيام الشدائد.
77- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
( إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها ) (77)
هذا من شؤم المعصية أنها تذهب حلاوة العلم بل تعكره ، وتدنسه، ومن ثم يتفلت من صاحبه ، ويضيق فهمه ، وتنكسر همته ، فالحذرَ الحذرَ من الذنوب فإنها بريد النسيان والضياع والحرمان.
قال تعالى :
( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) ………] الصف : 5 [
وقال : ( فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ) … ……] الأنعام : 6 [
وقال : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )
] الشورى: 30 [(1/19)
78- وقال ابن المبارك رحمه الله :
( لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه
علم فقد جهل ) (78)
دليل منه رحمه الله ,على أن العلم بحر لا ساحل له ، لا يحاط به، ولا يدرك غوره ولا يزال العبد يتعلم ويزداد ، ويشعر بنقصه واحتياجه ، ولو حصّل المناصب والشهادات ، وابيض عارضاه ورأسه.
قال تعالى : ( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) ] الإسراء: 85 [
79- قال علي رضي الله عنه :
( هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ) (79)
أجل ثمرة للعلم العمل به ، وتطبيقه ونشره ، وعالم بلا عمل كجسد بلا روح ، ومن عمل بما علم حاز الثواب وأظهر النور ، ونشر الخير ، وأسس مدرسة الاقتداء ، ورسخ المحفوظ , وكان خير وارث للأنبياء ، جعلنا الله وإياكم منهم .
80- وقال مالك بن دينار رحمه الله :
( إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا ) (80)
لا أوقعَ ولا أبقى في الناس من عالم عامل يعظه علمه قبل نشره ، فإذا فعل ، حلّت البركة في كلامه ، وانتفع الناس.
81- وقال الفضيل بن عياض رحمه الله :
( عالم عامل معلِّم يُدعى كبيراً في ملكوت السموات ) (81)
هذا رجل حاز الخير من أطرافه طلب العلم حتى علم ، ثم وعاه وعمل به ، ثم صدق ذلك بالنشر والبلاغ فلا عجب أن يدعى كبيراً ، ويكون عظيماً في الملأ الأعلى.
82- وقال أبو الدرداء رضي الله عنه :
( لا أدري نصف العلم ) (82)
ليس كل عالم يدري كل شيء ، فما لا تدري أكثرُ مما تدري ، فتواضع ، ولا توقع على الله ورسوله ما لم تعلم وتتحقق منه .
قال تعالى :
( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ). ] الإسراء: 36 [
83- وقال ابن مسعود رضي الله عنه :
( جُنَّة العالم لا أدري فإن أخطأها فقد أُصيبت مَقاتِله ) (83)(1/20)
لا ضَيرَ وإن كنت عالماً كبيراً أن تقول لا أدري إذا فاتتكَ المعلومة ، ونسيت الذاكرة ، وتواضع وقل ( لا أدري ) فإنك تكبر في أعين الناس ، وتكون خيراً من ذاك المفتري الكذاب الذي عَزا ما لم يصح ، وصحّح السقيم, وخلط الغث بالسمين.
84- وقال ابن عباس رضي الله عنه :
( ذلَلتُ طالباً فعززتُ مطلوباً ) (84)
والمقصود أن الذل لا يحسن في شيء إلا العلم ، تذل للشيوخ ، وتتملق للمعرفة ونتواضع للناس ، حتى يبلغك الله غايتك ، فيرفعك الله بما يؤتيك من حكمةٍ وسَمْت ، وتعز عند الناس وتصير ( العالم العزيز ) يهابك الأمراء ، ويجلك العلماء ويحبك الناس ويشكرونك .
85- وقال ابن المديني رحمه الله :
( ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة ) (85)
كبار المسائل ودقائق المعارف ، قد لا تفهم سريعاً ، فاصبر عليها، وأدمنِ اِلنظر فيها والتأمل ورُح عنها وعُد ، ولو طال ذلك البحث وتعاظم الزمان ، فإن المرء لا يزال يتعلم ، والبصيرة لا تزال تتسع ، وإياك الاستعجال ، فإنه نافذة الخبَال ، وطريق الإعضال.
86- وقال علي رضي الله عنه :
( العلم نقطة كثَّرها الجهال ) (86)
لولا وجود الجهلة وكثرة مسائلهم لما طالت التصنيفات ، وأبحرت المجلدات ,فأصل العلم المنقول عن الصحابة قليل فاعتنِ به ، واضبط أصولهَ ، واجمع كباره، ودعْكَ من تفريعات فارغة ,وتحقيقات آسنة ، يضيع معها الزمان , ويتيه بسببها الإنسان .
والله الموفق والمستعان.
87- وقال الشافعي رحمه الله :
( من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام ) (87)
والمعنى لا ينكفئ الطالب على مجرد الكتب دون طلب الأشياخ ، والركض وراء الأساتذة ، فإن مهمات المسائل لا تُدرك إلا بإيضاح شيخ مجرِّب ، وعالم محرِّر ، فلا تهمل أن يكون لك شيخ بل شيوخ ، وقالوا ( من دخل العلم وحده خرج وحده )
أي بلا فائدة.
88 - وقال ابن سيرين رحمه الله :
( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ) (88)(1/21)
لابد من صيانة الدين ، وحسن صفائه بإتيان الشيوخ الصلحاء ، والأساتذة النبلاء ، الذين زكت عقائدهم ، وطابت شمائلهم ، فتشبث بهم,ليصدق العلم ، وتصح الثمرة.
89- وقال أحمد رحمه الله :
( سبحان الله رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل ) (89)
مهما زانت عندك حلاوة العلم واستطعمت مسائله ، فلا تغفل عن ربانية العالم ودنوه من الله ، وخلوته بالذكر ، والقيام والصيام ، وحسن التبتل ، فإنها بلسم العلم ومفاتيح كنوزه وذخائره.
وفي الحديث قال في قيام الليل ( فإنه دأب الصالحين قبلكم ).
90- وقال مالك رحمه الله :
( بركةُ الحديث إفادة الناس بعضهم بعضاً ) (90)
أحسن إلى إخوانك في الطلب ، فالله يحب المحسنين ، وإياك ولؤم العلم أو شح الفائدة ، أو كتمان الخير ! ليباركَ لك ، ويقر لك بالفضل أقرانك.
91- وقال ابن دقيق العيد رحمه الله :
( ومن الخطأ الاشتغال بالتتمات والتكميلات ،
مع تضييع المهمات ) (91)
هذه قاعدة وضعها الحافظ رحمه الله في التصنيف في علوم الحديث ، وهي عامة فيه وفي غيره ، ونافعة في مسألة الحفظ واختيار الأنسب منه ، فإن البدء بالمسائل المهمة جداً أولى من التتمة وشبهها فتأمل.
92- قال ابن معين رحمه الله لما سئل عما يشتهي قال :
( بيت خالي وإسناد عالي ) (92)
بيت يخلو فيه بربه ، ويطالع ويذاكر ويستزيد بلا معكر ولا ثقيل, وسند عالي يحظى فيه بالقرب من رسول الله وصفوة المصتفين فلأجله تبذل الهمم, وتذلل الصعاب.
93- وقال علي رضي الله عنه :
( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله ) (93)
ولابن مسعود ( ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ).
أصل مهم في فقه البلاغ والدعوة , فأعَِط كل قوم ما يصلح لهم ، ويتلاءم مع عقولهم وفهومهم.
فإن فاتك ذلك فارجع وتعلم ، فإنك لم تتعلم (وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).( البقرة:269)
94- وقال قتادة رحمه الله :(1/22)
( من لم يعرف الاختلاف ، لم يشُمّ أنفهُ الفقه ) (94)
إذ كيف يفقه الأحكام من تمذهب ، واكتفى , ولم يدقق ويبحث ويقارن ، ويجمع كل ما أمامه ويتتبع الحجج والاستدلالات ومواضع الاستنباط.
95- وقال أيوب السّختياني رحمه الله :
( أجسَرُ الناس على الفتيا أقلهُّم علماً باختلاف العلماء ) (95)
لأن معرفة اختلاف الفقهاء يربي في العالم التأمل والأناة ، ويوقفه على فوائد من العلم والأدلة وحسن الإيرادات ، فلا تبرز منه فتوى أو اجتهاد ، إلا بعد طول تأمل وبحث وانتظار ، وربما تحير واستخار حتى يفتح الله من هول الخلاف وشدة التنازع.
96- وقال ابن المبارك رحمه الله :
( ليكن الذي تعتمد عليه الأثر ، وخذ من الرأي ما
يفسر لك الحديث ) (96)
عمدتنا الآثار, ولا بأس بمستحسَن الآراء لا سيما ما يعين على فهم الحديث, وينسجم مع القواعد ومقاصد الشريعة.
97- قال حكيم :
( الهمة راية المجد ) (97)
إذا بزغت لك همة فأشعلها ، فإنها علامة الجد وباب المجد ، وعنوان التفوق والفلاح.
98 - قال مالك رحمه الله :
(إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه ذهب بهاؤه) (98)
لأن ذلك نوع من التزكية والإطراء ، لاسيما إذا أكثر منه ، وكثيراً ما يُسأل العالم والطالب عن تجربته العلمية ، فالواجب التقلّل من ذلك وأن يكون لحاجة ، أما استمراء ذلك فإنه يعكّر النية ، ويذهب البهاء ، ويزهد الناس في العلم.
99 -…قال ربيعة الرأي رحمه الله :
(العلم وسيلة إلى كل فضيلة) (99)
ليس في الدنيا شيء كالعلم جاهاً وشرفاً ، ولذة ومآلاً ، وعزاً وجمالاً.
فهو أزكى طاعة في الطاعات ، وأسمى غاية في الغايات ، وأنبل رتبة في المراتب وهو مستودع الفضائل ، وتيجان المحاسن وسمط اللآلئ ، فيا سرور من حصّله ، ويا مجد من حازه وجمعه. (والله يضاعف لمن يشاء).
100 - وقال الخليل رحمه الله :
(لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يجالس غيره) (100)(1/23)
لأنه إذا جالس غيره سمع أدله وترجيحات واستنباطات خلاف ما سمع أولاً ، إذ إن العلم واسع ، والمذاهب متعددة ، والآراء متباينة ، ويبين له حجم الخلاف والعصبية للمذهب ، لاسيما المتفقه ، فإذا علم ذلك كله وصل إلى المختار بعد اطلاع واسع وتأمل شاسع والله والموفق.
تمت المجموعة الأولى من تنبيهات الأكابر ، والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الفهرس
العبارة
رقمها
ما عُبدَ الله بأفضلَ من العلم
1
تعلمنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله
2
من طلب الحديث لغير الله مُكر به
3
أصل العلم خشية الله
4
لا يُستطاع العلم براحة الجسم
5
لا يُضئ الكتاب حتى يظلم
6
أول باب من العلم : الصمت، والثانى : استماعه والثالث : العمل به والرابع : نشره وتعليمه
7
من طلب هذا الحديث ، فقد طلب أعلا أمور الدنيا، فيجب أن يكون خير الناس
8
إنَّ أحدَكم إلى أدب ٍ حسن أحوج منه إلى خمسين حديثا
9
التودد إلى الناس نصف العقل وحسن المسألة
نصف الفقه
10
من استفهم وهو يفهم فهو طرف من الرياء
11
حضور المجلس بلا نسخة ذُلّ
12
التواضع سلّم الشرف
13
أول بركة الحديث إعارة الكتب
14
ينبغى للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً
لله عز وجل
15
مع المحبرة إلى المقبرة
16
من طلب العلم جملة فاته جملة ،وإنما يُدرك العلم حديث وحديثان
17
لا يصل أحد من النحو إلى ما يحتاج إليه إلا بعد معرفة ما لا يحتاج إليه
18
لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح ، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح
19
لا يصلُح طلبُ العلم إلا لمفلس
20
لا يجد الرجل لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه
21
بنفي الاعتماد ، والسير في البلاد ، وصبر كصبر الحمار ، وبكور كبكور الغراب
22
أزهدُ الناس في عالم أهله
23
مَنْ خدمَ المحابر خدمته المنابر
24
ما كُتِب قَرّ ، وما حُفظ فَرَّ
25(1/24)
مَجْدُ التاجرِ في كيسه ، ومجدُ العالمِ في كراريسه
26
قلم بدينار
27
ضاعَ العلم في أفخاذ النساء
28
عِلمُ الإنسان ولدُهُ المخلَّد
29
الحفظ الإتقان
30
قيمة كل امرئ ما يحسنه
31
مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها
32
إن استطعتَ ألا تَحُكَّ رأسَك إلا بأثر فافعل
33
ما فقه رجل طلب الحديث على دابة
34
تزاوروا وتدارسوا الحديث ، ولا تتركوه يَدرُس
35
من بخل بعلمه ابتلي بثلاث ، إما أن ينساه ولا يحفظه ، وإما أن يموت ، ولا ينتفع به ، وإما أن تذهب كتبه
36
شرُّ الكتابة المَشْق ، وشر القراءة الهَذْرمة ،
وأجودُ الخط أبينهُ
37
أحوج ما تكون إليه يخونك
38
يسرني أن يكون لي في كل شيء نية حتى
في الأكل والنوم
39
والمنصِف من اغتفر قليلَ خطأ المرء في كثير صوابهِ
40
ما أكثرَ ما ينقل الناس المذاهب الباطلة عن العلماء بالأفهام القاصرة
41
كان يقال : من طلب الرئاسة وقع في الدياسة
42
لا تُعِرْ بزَّك من لا يريده
43
ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ في أُصول نخلٍ طوال
44
الملوك حكَّامٌ على الناس ، والعلماء حكام على الملوك
45
لو أُنسيتُ آيةً لم أجد أحداً ، يذكرنيها إلا رجلاً ببرك الغِماد ، رحلتُ إليه
46
إنْ كنتُ لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد
47
ما ناظرت أحداً إلا على النصيحة
48
البكاء ينبغي أن يكون على خساسة الهمم
49
تعلموا النية ، فإنها أبلغ من العمل
50
إني لا يَحِل لي أن أضيع ساعة من عمري
51
لا يكون الرجل من أهل الحديث حتى يأخذ عمن فوقه ، وعمن هو دونه ، وعمن هو مثله
52
والله إنني أتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم في وقت الأكل ، فإن الوقت والزمان عزيز
53
قرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمع أبا بكر بن عطية يذكر أنه كرر البخاري سبع مئة مرة
54
ترك لي أبي ثلاثين ألف درهم ، فأنفقت خمسة عشر ألفاً على النحو والشعر ، وخمسة عشر ألفاً على الحديث والفقه
55(1/25)
بالصبر واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين
56
سمعت أن قَلَّ رجلٌ يأخذ كتاباً ينظر فيه إلا
استفاد منه شيئاً
57
لكل شيء صناعة وصناعة العقل حسن الاختيار
58
مَنْ جعل دينه عَرضاً للخصومات أكثر الشك
59
علامةُ أهل البدع الوقيعةُ في أهل الأثر
60
ولا تجد من يقول إنه محتاج إلى غير آثار الرسول ، إلا من هو ضعيف المعرفة والاتباع لآثاره ، وإلا فمن قام بما جاء به الكتاب والسنة ، اشرقَ على علم الأولين والآخرين وأغناه الله بالنور الذي بعث محمداً عما سواه
61
إن كان الرجل إذا طلب العلم ، لم يلبث أن يرى في ذلك في تخشعه ، وبصره ولسانه ويده وزهده
62
كلام الأقران يُطوى ولا يُروى ، فإن ذُكر تأمله المحدِّث ، فإن وجد له متابعاً وإلا أعرض عنه
63
الغزالي إمام كبير ، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ
64
علم لا يقال به ككنز لا يُنفَق منه
65
لِقاحُ المعرفة دراسة العلم
66
اجعل تعليمك دراسةً لك ، واجعل مناظرة العالم تنبيهاً لما ليس عندك ، وأكثِرْ من العلم لتعلمَ ، وأقلل منه لتحفظ
67
الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع
68
أًقِلّوا من الكتب لتحفظوا ، وأكثروا منها لتعلموا
69
ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف
70
كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به
71
وشيخ الإسلام حبيبنا ، ولكن الحق أحبُّ إلينا منه
72
كان يقال : من لم يركب المصاعب لم يَنَل الرغائب
73
تعيش لها الجهابذة
74
كنا إذا رأينا الشاب يتكلم مع المشايخ في المسجد أيسنا من كل خير عنده
75
إن العلم ليس بكثرة الرواية ، إنما العلم نور يجعله الله في القلب
76
إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها
77
لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل
78
هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل
79
إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا
80
عالم عامل معلِّم يُدعى كبيراً في ملكوت السموات
81
( لا أدري نصف العلم
82(1/26)
جُنَّة العالم لا أدري فإن أخطأها فقد أُصيبت مَقاتِله
83
ذلَلتُ طالباً فعززتُ مطلوباً
84
ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة
85
العلم نقطة كثَّرها الجهال
86
من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام
87
إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم
88
سبحان الله رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل
89
بركةُ الحديث إفادة الناس بعضهم بعضاً
90
ومن الخطأ الاشتغال بالتتمات والتكميلات ، مع تضييع المهمات
91
بيت خالي وإسناد عالي
92
حدثوا الناس بما يعرفون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله
93
من لم يعرف الاختلاف ، لم يشُمّ أنفهُ الفقه
94
أجسَرُ الناس على الفتيا أقلهُّم علماً باختلاف العلماء
95
ليكن الذي تعتمد عليه الأثر ، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث
96
الهمة راية المجد
97
إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه ذهب بهاؤه
98
العلم وسيلة إلى كل فضيلة
99
لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يجالس غيره
100
(1) الحلية 3/ 365 والبداية والنهاية 9/345 وصفة الصفوة 2/138 وهى تروى عن الثوري
وابن المبارك وغيرهم.
(2) فتح المغيث للسخاوي3/224
(3) حلية الأولياء 6 / 251 السير 7 / 448.
(4) جامع العلوم والحكم ص 95.
(5) صحيح مسلم ( 612 ).
(6 ) صحيح مسلم السير 6 / 29 .
(7 ) الجامع للخطيب / 1/194
(8 ) الجامع 1/78 وتهذيب الكمال 13/288.
(9 ) الجامع 1/201.
(10 )الجامع / 1 / 213.
(11 )الجامع / 1/197.
(12 ) حلية الأولياء 3 / 366 والجامع / 284 .
(13 )الجامع / 1/351
(14 )الجامع / 1/240.
(15 )الجامع / 1/351 وجامع بيان العلم 1/566.
(16 ) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي
(17 ) تدريب الراوى / 2 / 152.
(18 ) الوافى بالوفيات للصفدي 1/6.
(19 ) شعب الإيمان 2/ 272 والمجموع .
(20 ) الجامع 1/39.
(21 ) تذكرة الحفاظ والذهبى 1/314.
(22 ) السير للذهبى 4/300.
(23 ) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/175.
(24 ) شذرات الذهب 2/108.
25) ) جني الجناس للسيوطي (ص 184).(1/27)
(26) نوابغ الكلم للزمخشري.
(27) السير 10 / 629.
28)) المصنوع للقاري (ص 120).
(29) الجامع 2 / 280.
(30 ) الجامع 2 / 13.
(31 ) شذرات الذهب 1 / 65.
(32) الجامع 2 / 27.
(33) الجامع 1 / 142.
(34) الجامع 1 / 135.
(35) الجامع 1 / 236.
(36) الجامع 1 / 240.
(37) الجامع 1 / 262.
(38) الجامع 1 / 261 وأدب الإملاء 167.
(39) الجامع 1 / 316.
(40) القواعد (315).
(41) المدارج 2/ 431.
(42) الجامع 1 / 321.
43)) الجامع / 1 / 213.
(44) موضع أوهام الجمع للخطيب 1 / 5.
(45) جامع بيان العلم وفضله 1 / 256.
(46) السير 2 / 342.
(47) الرحلة للخطيب ص 127 ، والسير 4 / 222.
(48) السير 10 / 29 وتهذيب الأسماء 1 / 84.
(49) صيد الخاطر لابن الجوزي (ص 300 ).
(50) الحلية لأبي نعيم 3 / 70.
(51) شذرات الذهب 2 / 37 المنتظم 9 / 214.
(52 ) الجامع 2 / 218.
(53) عيون الأنباء في طبقات الأطباء 1 / 462.
(54) الصلة (ص 433).
(55) تاريخ بغداد للخطيب 2 / 173.
(56) مدارج السالكين 2 / 154.
(57) العلل ومعرفة الرجال 2 / 314.
(58) صفة الصفوة لابن الجوزي 1 / 38.
(59) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكاني 1 / 127.
(60) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1 / 179.
(61) الصفدية 1 / 260.
(62) أخلاق العلماء للآجري (ص 131).
(63) السير 5 / 275.
(64) السير 19 / 239.
(65) جامع بيان العلم 1 / 492.
(66) جامع بيان العلم 1 : 507.
(67 ) جامع بيان العلم 1 / 522.
(68) ميزان الاعتدال 3 / 49.
(69) جامع بيان العلم 1 / 522.
(70) جامع بيان العلم 1 / 531.
(71) جامع بيان العلم 1 / 709.
(72) مدارج السالكين 3 / 521.
(73) الفقيه والتفقه للخطيب ص 7 / 15.
(74) تقدمة الجرح والتعديل ص 3 ، فتح المغيث 1 / 303.
(75)الجامع 1/401.
(76) الجامع للخطيب 2/174.
(77 ) الجامع 2/258.
(78 ) الإحياء للغزالي 1/74.
(79) تدريب الراوي 2/261 الإحياء 1/74.(1/28)
80)) الإحياء 1/8 الزهد لابن أبي عاصم 1/323 شعب الإيمان 2/297
(81 )مفتاح دار السعادة لابن القيم ( ص 65 )
(82 ) الانتقاء ص والسير 8/77.
(83 ) الإحياء 1/85.
(84 ) الإحياء 3/19.
(85 ) الجامع 2/257.
(86 )سبل السلام 4/178.
(87 ) مناقب الشافعى .
88)) مقدمة مسلم 1/84.
(89) المدخل للبيهقى ص 330 والسير 11/298
(90) الكامل لابن عدي المقدمة ( 149 ) وفتح المغيث للسخاوي 3/292
(91) الاقتراح ص 284
(92) علوم الحديث لابن الصلاح ص 231 وفتح المغيث 3 / 339
(93 ) صحيح البخاري 1/59
(94) جامع بيان العلم 2/815.
(95) جامع بيان العلم 2/816.
(96) جامع بيان العلم 2/1031.
(97) أدب الدنيا والدين (ص 319).
(98) تهذيب السير لمحمد حسن 2 / 736.
(99) تهذيب السير 2 / 635.
(100) تهذيب السير 2 / 713.
??
??
??
??
تنبيهات الأكابر
17(1/29)