البغية العليا بتقريب كتب ابن أبي الدنيا
=======================
(1)
تقريب
كتاب التواضع والخمول
لابن أبي الدنيا
قام بتهذيبه وتقريبه والتعليق عليه
محمد خلف سلامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين االرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى إخوانه من النبيين وعلى أتباعه من الصحابة والتابعين وعلى آله وعترته الطيبين الطاهرين، وسلم تسليماً، وبعد.
إن مما لا يحسن أن يختلف فيه اثنان أن أجمع وأبرع من صنف من المتقدمين في أبواب الزهد والتزكية والأخلاق الإيمانية وأكثرهم لذلك إتقاناً وأطولهم فيه نفَساً وأحسنهم فيه تفنناً وأوسعهم فيه اطلاعاً، وأطولهم فيه ذراعاً: هو الحافظ الكبير والأديب الأريب والمؤدب الكبير عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس أبو بكر القرشي مولى بنى أمية المعروف بابن أبي الدنيا؛ فقد صنع في تصانيفه في الزهد والأدب نظير ما صنع الخطيب في مصطلح الحديث، ونظير ما صنع الذهبي في التراجم، ونظير ما صنع ابن هشام في النحو ، فإنه قل باب من أبواب الزهد والتزكية والأخلاق والأدب إلا وأفرده ابن أبي الدنيا في كتاب كما أن الخطيب أفرد كل واحد من أبواب المصطلح وفنونه – أو معظم ذلك – في كتاب.
إن كتب ابن أبي الدنيا بحر جمع فيه كل – أو جل - ما تقدمه من مؤلفات في الزهد والأخلاق ومنه اغترف كل من ألف فيهما بعده من علماء المسلمين في جميع الآفاق، كأبي نعيم في حلية الأولياء والبيهقي في شعب الإيمان، والماوردي في أدب الدنيا والدين، وابن الجوزي في صفة الصفوة ومنهاج القاصدين وابن قدامة وابن تيمية وابن القيم وابن رجب في كتبهم وغيرهم ممن ألف في هذا النوع من العلم؛ وكذلك أخذ من كتبه أهل التاريخ والتراجم والسير؛ فما أجمعها وأنفعها وأرفعها من تصانيف؛ فجزاه الله عن المسلمين خيراً كثيراً.(1/1)
إنه ليس من المبالغة في شيء أن أقول: إن كتبه رحمه الله أعلاق نفيسة وجواهر لا يعدلها ثمن، وكيف لا تكون كذلك وهي تدعوك - بأحسن أسلوب وضعه الناس وألطف طريقة ابتكروها وأقوم مسلك مشوا عليه - إلى الزهد في الدنيا والإقبال إلى الآخرة وطلب الجنة بكل جد وكل اجتهاد ، وتقربك – بإذن الله - إلى التقوى والورع وأسباب زيادة الإيمان بالله وأسباب الاجتهاد في طاعته واجتناب معصيته ، وترغِّبك بالعلم النافع والعمل الصالح ، وتحثك على الانتفاع بعلوم القرآن والحديث وآثار السلف الصالحين.
نعم، هي كذلك، ثم هي بقية نور أصيل في هذه الحياة المظلمة، وهي صدى نداء قديم ناصح يحذر الناس عبادة الدنيا وأهلها، ويدعوهم إلى عبادة رب كل شيء ومالكه وخالقه، الذي يُسعِد ويشقي ويعز ويذل ويهدي ويضل، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ذلكم الله رب العالمين.
إنها قبس من التاريخ القديم الزاهر وإنها تحفة السلف لخلفهم ووصية العلماء الناصحين لكل من خافوا عليه الغرور والجهل ممن جاء بعدهم إلى يوم الدين؛ وإنها - كغيرها مما بين أيدينا من كتب العلم النافعة – بعض حجة الله على العالمين؛ فهل من منتفع بهذه الكتب وعامل بها أو ببعض ما فيها ؟!
إن خدمة ما وصلْنا إليه من كتب هذا الإمام في هذا الفن ونشر علمها حق واجب لا بد من أدائه وخير – إن شاء الله – كثير لا بد من المبادرة إليه؛ ومن أنواع هذه الخدمة – بعد طباعتها ونشرها محققةً مصححةً - تقريبُ هذه الكتب بطرق منها:
*حذف أسانيدها، وذلك لأجل الاختصار، ويسوِّغُ هذا الحذفَ أن أصولها مطبوعة محققة متداولة؛ فلن يكون هذا الحذف من التلاعب في كتب السلف.(1/2)
*حذف ما ورد فيها من أحاديث ضعيفة مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن وجود هذا النوع من الأحاديث في مثل هذه الكتب يكون في كثير الأحيان مانعاً من قبولها أو الإقبال عليها عند كثير من الناس ، ومما يسوِّغ هذا الحذف أن يجمع كل ما في تلك الكتب من أحاديث مرفوعة وترتب ترتيباً لائقاً ، وليسمَّ ذلك الكتاب مثلاً (مسند ابن أبي الدنيا) .
*حذف ما ورد فيها مما يصعب تصديقه أو قبوله على كثير من المسلمين من أهل العلم والمعرفة والاستقامة في الاعتقاد، وإن كان ذلك بحمد الله نادراً في كتب هذا المصنف العالم وذلك لكونه من أهل الحديث ولتقدم طبقته وقلة الانحراف في أهل الأزمنة التي سبقت زمنه، وعنهم نقل في كتبه ومن علمهم جمع علمها.
*جمعها في كتاب واحد منسقة محققة مصححة منقحة.
وهذا ما أسال الله تعالى أن يوفقني إلى كثير منه وأن يجعل فيه لي ولإخواني المسلمين نفعاً كثيراً، إن الله بر كريم رؤوف رحيم.
والآن إليك الحلقة الأولى من هذه السلسلة التي أسميتها (البغية العليا بتقريب كتب ابن أبي الدنيا) وذلك :
(تقريب كتاب التواضع والخمول) .
هذا وإني واضع عقب كل أثر - لأجل الزيادة في التوثيق - موضع وروده في الأصل؛ وقد اعتمدت في هذا الكتاب: طبعة دار الاعتصام – القاهرة .
وهذا موضع ابتداء المقصود .
تقريب
كتاب التواضع والخمول
باب ما جاء في الخمول
عن سفيان عن محمد بن سوقة قال: حاصر المسلمون حصناً من الحصون فبينما هم كذلك إذ أبصروا رجلاً فقال بعض لبعض: أي فلان كأن هذا صفة رسول الله أشعث ذو طمرين فقالوا لبعضهم: كلمه، فكلمه يسأل الله عز وجل يفتحها؛ فسأله ففتحها. ص100
عن ابن عائشة قال: قال عبد الله بن المبارك:
ألا رب ذي طمرين في منزل غدا
زرابيه مبثوثة ونمارقه
قد اطردت أنهاره حول قصره
وأشرق والتفت عليه حدائقه
ص100-101(1/3)
حدثني الحسين بن عبد الرحمن حدثني محمد بن سويد قال: قحط أهل المدينة وكان بها رجل صالح لازم لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هم في دعائهم إذ جاء رجل عليه طمران خلقان فصلى ركعتين وأوجز فيهما ثم بسط يديه فقال: يا رب أقسمت عليك إلا أمطرت علينا الساعة فلم يرد يديه ولم يقطع دعاءه حتى تغشت السماء بالغيم وأمطروا حتى صاح أهل المدينة من مخافة الغرق فقال: يا رب إن كنت تعلم أنهم قد اكتفوا فارفع عنهم؛ فسكن وتبع الرجل صاحب المطر حتى عرف منزله ثم بكر عليه فخرج إليه فقال: إني أتيتك في حاجة! قال: وما هي؟ قال: تخصني بدعوة؛ قال: سبحان الله أنت أنت وتسألني أخصك بدعوة؟! قال: ما الذي بلغك؟! قال: ما رأيت؛ قال: ورأيتني؟! قال: نعم؛ قال: أطعت الله فيما أمرني ونهاني فسألته فأعطاني. ص101-102(1/4)
عن سفيان عن رجل عن ابن منبه قال: لما بعث الله تبارك وتعالى موسى وهارون إلى فرعون قال: لا يرعْكما لباسه الذي لبس من الدنيا، فإن ناصيته بيدي، ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني؛ ولا يعجبْكما ما متع به منها فإنما هي زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين ولو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت ولكني أرغب بكما عن ذلك فأزوي ذلك عنكما وكذلك أفعل بأوليائي وقديماً ما خرت لهم في أمور الدنيا، إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن موارد الهلكة وإني لأجنبهم سلوتها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العُرّة(1) وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفوراً لم يكلمه الطمع ولم تنتقصه الدنيا بغرورها إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخشوع والخوف والتقوى تثبت في قلوبهم فتظهر على أجسادهم فهي ثيابهم التي يلبسون ودثارهم الذي يظهرون وضميرهم الذي يستشعرون ونجاتهم التي بها يفوزون ورجاؤهم الذي إياه يؤملون ومجدهم الذي به يفخرون وسيماهم التي بها يعرفون؛ فإذا لقيتهم فأخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك؛ واعلم أنه من أخاف لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ثم أنا الثائر له يوم القيامة. ص104-105
عن أبي البختري عن علي قال: طوبى لكل عبد نومة عرف الناس ولم يعرفه الناس وعرفه الله منه برضوان أولئك مصابيح الدجى تجلى عنهم كل فتنة مظلمة أولئك ليسوا بالمذاييع البذر ولا الجفاة المرائين. سمعت ابن الأعرابي يقول النومة الذي لا يدخل مع الناس فيما هم فيه. ص105-106
عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن مسعود قال: كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض. ص106-107
__________
(1) القذر وعذرة الناس.(1/5)
عن أبي خالد [الوالبي] قال قال عمر بن الخطاب: كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم وسلوا الله رزق يوم بيوم وعدوا أنفسكم مع الموتى ولا يضركم ألا يكثر لكم. ص107
عن يحيى بن أبي كثير قال: قال عبد الله بن مسعود: كونوا ينابيع العلم جدد القلوب خلقان الثياب سرج الليل كي تعرفوا في أهل السماء وتخفوا في أهل الأرض. ص108
عن معاوية بن قرة قال: قال كعب: طوبى لهم، طوبى لهم، قيل: ومن هم يا أبا إسحاق؟ قال: طوبى لهم، قوم إن شهدوا لم يدخلوا وإن خطبوا لم ينكحوا وإن غابوا(1) لم يفقدوا. ص109
عن سليم بن هرمز عن عبد الله بن عمرو قال: أحب عباد الله إلى الله الغرباء قيل ومن الغرباء؟ قال الفرارون بدينهم يُجمعون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم عليه السلام. ص110-111
عن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل يقول: بلغني أن الله تعالى يقول للعبد في بعض منته التي من بها عليه: ألم أنعم عليك؟ ألم أعطك ألم أسترك؟ ألم ألم؟ ألم أخمل(2) ذكرك؟ قال: وسمعته يقول: إن قدرت أن لا تُعرف فافعل وما عليك ألا تعرف وما عليك ألا يثنى عليك؟ وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس إذا كنت محموداً عند الله عز وجل؟. ص110
عن عبد الواحد بن موسى قال: سمعت ابن محيريز يقول: اللهم إني أسألك ذكراً خاملاً. ص110-111
عن يحيى بن أبي عمرو السيباني(3) قال: حدثني من سمع كعباً يقول: إني لأجد في كتاب الله عز وجل صفة قوم ما رأيتهم بعدُ: شعثة رؤوسهم دنسة ثيابهم إن خطبوا النساء لم ينكحوا وإن حضروا السدد لم يؤذن لهم، حاجة أحدهم تجلجل في صدره لو قسم نوره يوم القيامة على الخلائق لوسعهم. ص111
عن مؤمل عن سفيان [الثوري] قال: كان رجل من الأنصار يقول: اللهم ذكراً خاملاً لي ولبني ولا ينقصنا ذاك عندك شيئاً. ص111-112
__________
(1) في الأصل (قاموا) ويظهر أنه تصحيف من طابع الكتاب أو ناسخه.
(2) في الأصل (أخمد).
(3) بالسين غير المنقوطة.(1/6)
حدثني الطيب بن إسماعيل قال: كان من دعاء الخليل بن أحمد: اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك واجعلني في نفسي من أوضع خلقك واجعلني عند الناس من أوسط خلقك. ص112
عن خلف بن تميم قال سمعت سفيان الثوري يقول: وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء أصحاب بتوت(1) وعناء(2). ص112
عن مورق العجلي قال: ما أحب أن يعرفني بطاعته غيره. ص113
عن أحمد بن إبراهيم حدثني سلمة بن عقار أو غيره قال: لما قدم ابن المبارك المصيصة سأل عن محمد بن يوسف الأصبهاني(3) فقال: مِن فضلك لا تعرفُ. ص113
عن الأعمش قال: أتيت خيثمة فقلت: لقد رأيت من إبراهيم [هو النخعي] شيئاً ما أرى مثله أبداً! قال: وما هو؟ قلت: رأيته مع الغرباء جالساً فأتيت إبراهيم فأخبرته فقال: كنت جالساً قريباً منهم فكرهت أن يرى الناس في اعتزالهم لفضل(4) عندي فجلست معهم. ص113-114
عن نوف قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً وترابها فراشاً وماءها طيباً والكتاب شعاراً والدعاء دثاراً؛ أقرضوا الله قرضاً على منهاج المسيح عيسى بن مريم صلوات الله عليه. ص114
عن أبي الطفيل قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: أظلتكم فتنة مظلمة عمياء متسكنة لا ينجو منها إلا النُّوَمة! قيل: يا أبا الحسن وما النومة؟ قال: الذي لا يعرف الناس ما في نفسه. ص115
عن أحمد بن سهل الأردني حدثني سلم وكان فاضلا قال: قال لي إبراهيم بن أدهم قال: ما فزت في الدنيا قط إلا مرة بت ليلة في بعض مساجد قرى الشام وكان فيَّ البطن فجر المؤذن رجلي حتى أخرجني من المسجد. ص115
عن خلف البرزاني قال: سمعت سفيان الثوري يقول: أقلَّ معروفَ الناس يقل عيبك. ص115
باب ما جاء في الشهرة
__________
(1) ذكر ابن الأثير في النهاية أن البت هو الكساء الغليظ المربع.
(2) لعلها بالباء.
(3) أي فلم يعرفه الناس.
(4) الأولى حذف (في) أو إبدال (لفضل) بـ(فضلاً).(1/7)
عن مبارك بن فضاله قلنا للحسن(1): يا أبا سعيد إن الناس إذا رأوك أشاروا إليك بالأصابع قال إنه لم يعن بهذا هذا إنما عني به المبتدع في دينه والفاسق في دنياه. ص118
عن شيخ من أحنف قال: سمعت علياً يقول: تبذَّل لا تُشهر ولا ترفع شخصك لتذكر وتُعلم، وأكثر الصمت تسلم، تسر الأبرار وتغيظ الفجار. ص118
عن أبي بكر بن الفضل قال: سمعت أيوب [هو السختياني] يقول: [ما] صدق الله عبدٌ إلا سره أن لا يشعر بمكانه(2). ص118
عن سعيد بن عبد الغفار قال: كنت أنا ومحمد بن يوسف الأصبهاني فجاء كتاب محمد بن العلاء بن المسيب من البصرة إلى محمد بن يوسف فقرأه فقال لي محمد بن يوسف: ألا ترى إلى ما كتب به محمد بن العلاء وإذا فيه: يا أخي من أحب الله أحب [أن] لا يعرفه الناس. ص119
عن سفيان بن عيينة قال: قال لي بشر بن منصور: أقل من معرفة الناس فإنه أقل لفضيحتك في القيامة. ص119
عن سعيد عن قتادة قال: لم يخز أحد يومئذ فيخفى خزيه على أحد. ص119
عن إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان [بن عيينة] قال: رأيت الثوري في النوم فقلت له: أوصني فقال: أقل من معرفة الناس. ص120
عن جرير عن مغيرة قال: قال سماك بن سلمة: يا قلب إياك وكثرة الأخلاء. ص120
عن شيخ من النخع عن أشياخ له من أصحاب عبد الله بن مسعود: كفى به دليلاً على امتحان دين الرجل كثرة صديقه. ص120
عن قبيصة قال: سمعت سفيان [هو الثوري] يقول: كثرة الإخوان من سخافة الدين. ص120
عن سالم بن ميمون قال: سمعت عثمان بن زائدة يقول: كان يقال: إذا رأيت الرجل كثير الأخلاء فاعلم أنه مخلط. ص121
عن فضالة بن صيفي قال: كتب أبان بن عثمان إلى بعض إخوانه: إن أحببت أن يسلم لك دينك فأقل من المعارف. ص121
__________
(1) أي عقب روايته لحديث (حسب المرء من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دينه في دنياه).
(2) لفظه في حلية الأولياء (3/6): واللهِ ما صدقَ عبدٌ إلا سَرَّه أنْ لا يُشْعَرَ بمكانِهِ.(1/8)
عن الحسن بن رشيد قال سمعت الثوري يقول: يا حسن لا تَعَرَّفَنَّ الى من لا يعرفك وأنكر معرفة من يعرفك. ص121
عن يحيى بن سعيد [الأنصاري] عن خالد بن معدان أنه كان إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة. ص121-122
عن ليث عن أبي العالية أنه كان إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة قام. ص122
عن أبي بكر بن عياش قال: سألت الأعمش كم رأيت أكثر ما رأيت عند إبراهيم؟ قال: أربعة، خمسة. ص122
عن أبي بكر [بن عياش] قال: ما رأيت عند حبيب بن أبي ثابت غِلْمَةً ثلاثة قط. ص122
عن أبي رجاء قال: رأى طلحة [هو الصحابي المبشر] قوماً يمشون معه أكثر من عشرة فقال: ذِبّان طمع وفَرَاش النار. ص123
عن سليم بن حنظلة قال: بينا نحن حول أبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه بالدِّرَّة فقال: انظر يا أمير المؤمنين ما تصنع؟! فقال: إن هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. ص123
عن الحسن قال: خرج ابن مسعود ذات يوم من منزله فاتبعه الناس فالتفت إليهم فقال: علام تتبعوني؟! والله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ما اتبعني منكم رجلان. ص124
عن يزيد بن حازم قال سمعت الحسن يقول: إن خفق النعل خلف الرجل قل ما يُلَبِّثُ قلوبَ الحمقى. ص124
عن يوسف بن عطية قال: خرج الحسن ذات يوم فاتبعه قوم فالتفت إليهم فقال: هل لكم من حاجة؟ وإلا فما عسى أن يُبْقي هذا من قلب المؤمن؟. ص124-125
عن عمير بن عبد الملك الكناني أن رجلاً صحب ابن محيريز في سفر فلما أراد أن يفارقه قال: أوصني، قال: إن استطعت أن لا تعرِف ولا تُعرف وتمشي ولا يُمشَى إليك وتسأل ولا تُسأل فافعل. ص125
عن الجريري قال: قال لي أيوب: يا أبا مسعود إني أخاف ألا تكون المعرفة أبقت عند الله حسنةً، إني لأمر بالمجلس فأسلم عليهم وما أرى أن فيهم أحداً يعرفني فيردون علي ويسألوني مسألة كأنَّ كلهم قد عرفوني. ص125(1/9)
عن عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد قال أيوب: إني لأمر بالمجلس فأسلم عليهم فيردون علي، يعني في ردهم أنهم قد عرفوني، فأي خير مع هذا؟ ص125
عن حماد بن زيد قال: كنا إذا مررنا بالمجلس ومعنا أيوب فسلم ردوا رداً شديداً قال: فكأن ذلك نقمة، قال أبو داود: كراهة الشهرة. ص126
عن النضر بن شميل عن رجل قد سماه قال: خرج أيوب في سفر فتبعه ناس كثير [فقال]: لولا أني أعلم أن الله عز وجل يعلم من قلبي [أني] لهذا كاره لخشيت المقت من الله عز وجل . ص126
عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال: دفع إلي أيوب ثوباً فقال: اقطعه لي قميصاً واجعل فم كمه شبراً واجعله يقع على ظهر القدم. ص126
عن عبد الرزاق عن معمر قال: عاتبت أيوب على طول قميصه فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في طوله وهي اليوم في تشميره. ص126-127
عن عدي بن الفضل قال: قال لي أيوب: أُحذُ نعلين على نحو حذوِ نعلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ففعلت فلبسها أياما ثم تركها فقلت له في ذلك فقال: لم أر الناس يلبسونها. ص127
عن منصور عن إبراهيم قال: لا تلبس من الثياب ما يشتهرك الفقهاء ولا يزدريك السفهاء. ص127
عن غسان بن عبيد عن سفيان الثوري قال: كانوا يكرهون الشهرتين الثياب الجياد التي يشتهر فيها ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم، والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستذل دينه. ص127-128
عن أبي خشينة صاحب الزيادي قال: كنا مع أبي قلابة إذ دخل رجل عليه أكسية فقال: إياكم وهذا الحمار النهاق. ص128
عن أبي بكر عن الحسن قال: إن أقواماً جعلوا الكبر في قلوبهم والتواضع في ثيابهم، فصاحب الكساء بكسائه أعجب من صاحب المِطْرف بمطرفه ما لهم تفاقروا؟! ص128
عن سليمان الشيباني حدثنا رجل قال: رأى ابن عمر على ابنه ثوباً قبيحاً دوناً فقال: لا تلبس هذا فإن هذا ثوب شهرة. ص128-129(1/10)
عن محمد بن يزيد بن خُنيس قال: قال رجل: مررت ذات يوم بفضيل بن عياض وهو خلف سارية وحده وكان لي صديقاً فجئته فسلمت عليه وجلست إليه فقال يا أخي ما أجلسك إلي؟! فقلت: وجدتك وحدك فاغتنمت وحدتك، فقال: أما إنك لو لم تجلس إلي لكان خيراً لك وخيراً لي، فاختر إما أن أقوم عنك فهو والله خير لك وخير لي، وإما أن تقوم عني، فقلت: بل أنا أقوم عنك فأوصني بوصية ينفعني الله عز وجل بها، قال: يا عبد الله أَخْفِ مكانك واحفظ لسانك واستغفر الله عز وجل لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات كما أمرك. ص129
حدثنا الحسن بن عبيد قال: قال رجل لبشر بن الحارث: أوصني، قال: أخمل ذكرك وطيب مطعمك. ص129-130
عن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: كان حوشب [بن عقيل] يبكي ويقول: بلغ اسمي مسجد الجامع. ص130
بلغني عن عبيد بن جناد عن عطاء بن مسلم أحسبه قال: كنت وأبو إسحاق ذات ليلة عند سفيان وهو مضطجع فرفع رأسه إلي أبي إسحاق فقال: إياك والشهرة. ص130
قال أبو مُسْهِر: [ما] بينك وبين أن تكون من الهالكين إلا أن تكون من المعروفين. ص130
حدثني الحسن بن عبد الرحمن قال: قال بشر بن الحارث: لا أعلم رجلاً أحب أن يعرف إلا ذهب دينه وافتضح؛ قال: وقال بشر بن الحارث: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس. ص130
عن عبد الله بن مرزوق قال: استشرت سفيان الثوري فقلت أين تراني أنزل؟ قال: بمر الظهران حيث لا يعرفك إنسان. ص131
باب التواضع(1/11)
عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إن(1) العبد إذا تواضع لله عز وجل: رفع الله حَكَمَتَه وقال: انتعش رفعك الله؛ وإذا تكبر وعدا طوره وهصه(2) الله إلى الأرض وقال: اخسأ خسأك الله فهو في نفسه عظيم وفي أعين الناس حقير، حتى انه عندهم [أهون](3) من الخنزير؛ أيها الناس لا تبغِّضوا الله إلى العباد، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يقوم أحدكم إماماً فيطول عليهم فيبغض إليهم ما هم فيه. ص135-136
عن قابوس عن أبيه قال: لقيت جرير بن عبد الله وهو جاء من الشام فسار بي فقال: انتهيت مرة إلى شجرة تحتها رجل قائم قد استظل بنطع(4) له وقد جاوزت الشمس النطع فسويته عليه ثم إن الرجل استيقظ فإذا هو سلمان الفارسي فذكرت له ما صنعت فقال: يا جرير تواضع لله في الدنيا فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة، يا جرير أتدري ما ظلمة النار يوم القيامة؟ قلت: لا، قال فإنه ظلمُ بعضِهم بعضاً في الدنيا. ص137
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنكم لتغفلون أفضل العبادة: التواضع. ص137
عن عون بن عبد الله قال: كان يقال: من كان في صورة حسنة وموضع لا يشينه ووسع عليه في الرزق ثم تواضع لله كان من خالص الله عز وجل. ص140
__________
(1) كانت في الأصل (في) فجعلتها (إن) كما في شعب الايمان للبيهقي 6/275.
(2) أي كسره.
(3) زيادة من شعب الايمان.
(4) النطع بساط من الأديم.(1/12)
عن عبد الله بن ميمون القداح عن إسماعيل بن أمية قال: قال الله تبارك وتعالى لموسى صلى الله عليه وسلم: إني إنما أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتعظم على خلقي وألزم قلبه خوفي وقطع النهار بذكري وكف نفسه عن الشهوات من أجلي، وأطعم الجائع وكسى العاري وآوى الغريب فذلك الذي يشرق نور وجهه يوم القيامة مثل الشمس، يدعوني فألبي له ويسألني فأعطيه وأجعل له في الجهالة حلماً وفي الظلمات نوراً، أكلأه بعزتي وأستحفظه ملائكتي فمثل ذلك العبد في الناس كمثل جنات عدن في الجنان لا تنقطع ثمارها ولا تُغير عن حالها. ص141
عن جعفر بن النعمان الرازي عن يوسف بن أسباط قال: يجزئ قليل الورع من كثير العمل، ويجزىء قليل التواضع من كثير الاجتهاد. ص141
عن إبراهيم بن الأشعث قال: سألت الفضيل عن التواضع قال: التواضع أن تخضع للحق وتنقاد له ولو سمعته من صبي قبلته منه ولو سمعته من أجهل الناس قبلته منه. ص141-142
عن أبي صالح الفراء قال: سمعت ابن المبارك يقول: رأس التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك في نعمة الدنيا حتى تُعلمه أن ليس لك بدنياك عليه فضل وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه عليك فضل. ص142
عن عمر بن خالد عن قتادة قال: من أعطي مالا أو جمالا وثيابا وعلما ثم لم يتواضع كان عليه وبالاً يوم القيامة. ص142
عن جويبر عن الضحاك: (وبشر المخبتين) قال: المتواضعين. ص142-143
عن إسماعيل بن ذكوان قال: دُخل على النجاشي في عقب نعمة، قال: وعليه أطلاس وهو مرسل رأسه فقال بعض القوم: أيها الملك أو لم تنبئنا أن قد سررت؟! قال: بلى، قال: ما هذه الاستكانة؟! قال: إني قرأت فيما أوحى الله تبارك وتعالى إلى عيسى بن مريم: إذا أنعمت عليك نعمة فاستقبلها بالاستكانة أتمها عليك. ص143(1/13)
عن عمرو بن مرداس عن كعب قال: ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا ورفع له بها درجة في الآخرة؛ وما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشكرها لله ولم يتواضع بها لله إلا منعه الله نفعها في الدنيا وفتح له طبقاً من النار يعذبه به إن شاء الله أو يتجاوز عنه. ص143-144
عن إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال: قال يحيى بن الحكم بن أبي العاص لعبد الملك: أي الرجال أفضل؟ قال: من تواضع عن رفعة وزهد على قدرة وترك النصرة على قوة(1). ص144
عن زكريا بن أبي خالد البلدي قال: دخل ابن السماك على هارون فقال يا أمير المؤمنين والله لتواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك، فقال: ما أحسن ما قلت؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن امرأً آتاه الله جمالاً في خلقه وموضعاً في حسبه وبسط له في ذات يده فعف في جماله وواسى في ماله وتواضع في حسبه كُتب في ديوان الله من خالص الله، قال: فدعى هارون بدواة وقرطاس وكتب هذا الكلام بيده. ص144-145
عن يونس بن حلبس قال: كان أبو عبيدة بن الجراح وهو أمير يحمل سطلاً له من خشب حتى يأتي حمام أبان. ص145
عن علوان بن داود البجلي حدثني شيخ من همدان عن أبيه قال: بعثني قومي في الجاهلية بخيل أهدوها لذي الكلاع فأقمت ببابه سنة لا أصل إليه ثم أشرف إشرافة على الناس من غرفة له فخروا له سجوداً ثم جلس فلقيته بالخيل فقبلها، ثم لقد رأيته بحمص وقد أسلم يحمل الدرهم اللحم فيبتدره قومه ومواليه فيأخذونه منه فيأبى تواضعاً وقال:
أفٍّ لذي الدنيا إذا كانت كذا
أنا منها كلَّ يوم في أذى
ولقد كنتُ إذا ما قيل: من
أنعم الناس معاشاً؟ قيل: ذا
ثم بدلتُ بعيش شقوةً
حبذا هذا شقاءً؛ حبذا
ص140
__________
(1) تصحفت في الأصل إلى (قومه) والتصحيح عن (الاشراف على منازل الأشراف) للمؤلف ص209.(1/14)
عن الأصبغ بن نباتة قال: كأني أنظر إلى عمر بن الخطاب معلقاً لحماً في يده اليسرى وفي يده اليمنى الدرة يدور في الأسواق حتى دخل رحله. ص147
عن الأعمش قال: ربما رأيت مع إبراهيم التيمي الشيء يحمله، يقول: إني لأرجو فيه الأجر يعني في حمله. ص147
عن طريف قال: رأيت الربيع بن خثيم يحمل عَرَقةً(1) إلى بيت عمته. ص147-148
عن صالح بياع الأكسية عن أمه أو جدته قالت: رأيت علياً اشترى تمراً بدرهم فحمله في ملحفته فقلت أحمل عنك يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل. ص148
عن حكيم بن محمد الأحمسي قال: كان سليمان بن داود إذا أصبح تصفح وجوه الأغنياء والأشراف حتى يجيء إلى المساكين فيقعد معهم ويقول: يا رب مسكين مع مساكين. ص148
عن إسماعيل بن أبي خالد قال: رأيت مصعب بن سعد [بن أبي وقاص] عليه ملاءة صفراء وهو قاعد مع المساكين. ص148-149
عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: رأيت أم الدرداء مع نساء المساكين جالسة ببيت المقدس. ص149
عن عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد قال ما رأيت محمد بن واسع إلا وكأنه يبكي وكان يجلس مع المساكين والبكائين. ص149
عن سهم بن عبد الحميد قال: حدثوني أن بكر بن عبد الله المزني كان يلبس الكسوة تساوي أربعة آلاف ويجالس المساكين ومعه الصرر فيها الدراهم فيدسها إلى ذا وإلى ذا، قال: وكان موسراً فمات ولم يخلف شيئاً، فقال الحسن: إن بكراً عاش عيش الأغنياء ومات موت الفقراء. ص141
حدثني الحسين بن عبد الرحمن قال: قال بعض الناس كما تكره أن يراك الأغنياء في الثياب الدون فكذلك فاكره أن يراك الفقراء في الثياب المرتفعة. ص150
عن عبد المؤمن الموصلي قال: قال صدقة القاري: العجب للغني إذا جلس يحدث المسكين كيف لا يستحيي منه. ص150
__________
(1) العرقة: القفة المنسوجة من الخوص.(1/15)
عن مسعر قال: مر الحسين بن علي [على] مساكين وقد بسطوا كساءً وبين أيديهم كسراً [كذا] فقالوا: هلم يا أبا عبد الله فحول وركه وقرأ (إنه لا يحب المستكبرين)؛ فأكل معهم ثم قال: قد أجبتكم فأجيبوني فقال للرباب - يعني امرأته: أخرجي ما كنت تدخرين. ص151
عن صالح المري قال: خرج الحسن ويونس وأيوب يتذاكرون التواضع فقال [لهما الحسن]: وهل تدرون ما التواضع؟ التواضع أن تخرج من منزلك فلا تلق مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً. ص153-154
عن مسلمة بن جعفر عن سعد الطائي قال: كان عيسى بن مريم يقول: طوبى للمتواضعين في الدنيا هم أصحاب المنائر يوم القيامة، طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا هم الذين يورَّثون الفردوس يوم القيامة، طوبى للمطهرة قلوبهم في الدنيا هم الذين ينظرون إلى الله يوم القيامة. ص154
عن المسعودي عن يحيى بن كثير قال: رأس التواضع ثلاث: أن ترضى بالدون من شرف المجلس وأن تبدأ من لقيته بالسلام وأن تكره المدحة والسمعة والرياء بالبر. ص155
عن مجاهد قال: إن الله لما أغرق قوم نوح شمخت الجبال وتواضع الجودي فرفعه الله فوق الجبال وجعل قرار السفينة عليه. ص155
عن المسيب بن رافع عن عامر بن عبد الله قال: من تواضع تخشعاً رفعه الله ومن تكبر تعظماً وضعه الله. ص158-159
باب التواضع في اللباس
عن زيد بن وهب قال: رأيت عمر بن الخطاب خرج إلى السوق وبيده الدرة وعليه إزار فيه أربع عشرة رقعة بعضها أدم. ص164
عن ثابت عن أنس قال: رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع. ص164
عن أم عفيف قالت: رأيت علي بن أبي طالب مؤتزراً ببرد أحمر من برود الحمالين فيه رقعة بيضاء. ص164
عن عمر بن قيس أن علياً رئي عليه إزار مرقوع فعوتب في لبوسه فقال: يقتدي به المؤمن ويخشع له القلب. ص164-165
عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت على علي بن أبي طالب قميصاً كان بدعاً قديما داري [كذا] إذا مُدَّ بلغ الظفر وإذا أرسله كان مع نصف الذراع. ص165(1/16)
عن أبي سعيد رضيع عائشة قال: دخلت عليها فرأيتها تخيط نقبة لها فقلت لها: يا أم المؤمنين أليس قد أوسع الله عليك؟ قالت لا جديد لمن لا يلبس الخلق. ص165-166
عن مالك بن دينار قال: حدثتني عجوز عن الحسن قالت: زوج أبو موسى بعض بنيه فأولم عليه فدعا ناساً قالت: فإنا لفي الدار إذ قيل: جاء أمير المؤمنين فدخل علي بن أبي طالب في أناس وفي يده الدرة وعليه قميص ليس له جربان. ص166
عن الضحاك بن عميرة قال: رأيت قميص علي الذي أصيب فيه فإذا هو كرابيس سنبلاني ورأيت أثر دمه فيه كهيئة الدردي. ص166-167
عن أم موسى خادم كانت لعلي قالت: ما رأيت علياً لابساً قميصاً قط ألين من دورماني حتى فارق الدنيا، قلت: فما لبسه؟ قالت: الكرابيس السنبلانية. ص167
عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس [الأودي] أن علياً أتى السوق فقال: من عنده قميص حسن بثلاثة دراهم؟ فقال رجل: عندي، فقال: هلم فجاء به فأعجبه فقال علي: ثمنه أكثر من ذا؟ قال: لا، قال: فنظرت فإذا هو يحل رباطاً من كمه فيه نفقة له فلبسه فإذا هو يفضل من أطراف أصابعه فقال اقطعوا ما فضل عن أطراف أصابعي ثم حُصّوه، يعني كفوه. ص167-168
عن مدرك بن شوذب قال: رأيت علياً كمه إلى الرصغ. ص168
عن زيد بن وهب عن علي أنه عوتب(1) في لبوسه، قال: إن لبوسي هذا أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم. ص168
عن يحيى بن عقيل قال: قال علي بن أبي طالب لعمر: إن أردت اللحوق بصاحبيك فاقصر الأمل وكل دون الشبع وانكس الإزار واخصف النعل تلحق بهما. ص168-169
عن ميمون بن مهران قال: أتى ابن عمر ابنٌ له فقال: اكسني إزاراً وكان إزاره قد ولّى فقال: اذهب فاقطعه ثم صله فإنه سيكفيك، أما والله إني أرى ستجعلون ما رزقكم الله في بطونكم وعلى جلودكم وتتركون أراملكم ويتاماكم ومساكينكم. ص169
__________
(1) في الأصل (قال عوتب) وله توجيه صحيح ولكن ما أثبتُّه أوضح.(1/17)
عن سعد بن الحسن التميمي قال: كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده، يعني من التواضع في الزي. ص169-170
عن ابن أبي ليلي عن إبراهيم بن أبي حرة قال قال عيسى بن مريم عليه السلام: جودة الثياب خيلاء القلب. ص170
عن الحسن بن أبي يزيد العجلي عن طاووس قال: إني لأغسل ثوبيَّ هذين فأنكر نفسي ما داما نقيين. ص170
عن أبي غالب عن أبي الدرداء قال: زارنا سلمان من المدائن إلى الشام ماشياً وعليه كساء واندرور، يعني سراويل، مشمراً. ص171
عن عبد الله بن شوذب قال: رئي سلمان وعليه كساء معلم الرأس ساقط الأذنين فقيل له: شوهت بنفسك، قال إن الخير خير الآخرة. ص188
عن فضيل بن عياض قال: رئي على سلمان جبة من صوف فقيل له: لو لبست ألين من هذا، قال: إنما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد فإذا عُتقتُ لبست ثياباً لا تبلى حواشيها. ص171
حدثنا اسحاق بن ابراهيم أخبرنا جعفر بن سليمان حدثنا ثابت أحسبه عن أبي عثمان قال مر سلمان بدهاقين من دهاقين المدائن وهم يومئذ أسحم فلما رأوه وكان مشمر الثياب وكمه إلى نصف ذراعيه قالوا: (كن امذكرامد)(1) قال: فظن سلمان أنهم ذكروه فقال لبعض من معه: ما قالوا؟ قال: لا شيء، قال: عزمت عليك لما أخبرتني بما قالوا قال شبهوك بلعبة لهم تدعى المرح، فقال سلمان: إنما الخير خير الآخرة. ص171-172
عن قتادة عن أبي صالح قال: كان سلمان يدع كمه على الرصغ والقميص على الركبة. ص172
عن سعيد بن سويد من حرس عمر بن عبد العزيز قال: صلى بنا عمر بن عبد العزيز الجمعة ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إن الله قد أعطاك فلو لبست فنكس ملياً ثم رفع رأسه إليه فقال: إن أفضل القصد عند الجدة وأفضل العفو عند المقدرة. ص172-173
عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: أصلح قلبك والبس ما شئت. ص192
__________
(1) كلمة فارسية.(1/18)
عن معن بن عيسى قال: سمعت بعض أهل العلم يقول: قال عيسى عليه السلام يا بني إسرائيل ما لكم تأتوني وعليكم ثياب الرهبان وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري البسوا ثياب الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية. ص173
عن فضيل بن مسلم عن أبيه وكان يبيع القمص عند دار فرات بالكوفة قال: قام علينا علي بن أبي طالب فقال: هذا القميص، قال: فلبسه ثم قال: بكم هذا القميص؟ قيل: بثلاثة دراهم يا أمير المؤمنين، فمد يده فإذا القميص يفضل عن أصابعه فقال اقطعه بحد أصابعي ثم قال: حصه، قلت: أكفه؟ قال: نعم إذا كان الحوص كفاً فكفه، ثم رفع قميصه فأخرج من جرته ثلاثة دراهم ثم أدبر وهو يقول: حسبك ما بلغك المحل، قال: وكان كرابيس. ص173-174
عن عاصم عن بكر بن عبد الله المزني قال: البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية. ص176
عن كثير بن هشام قال: سمعت جعفر بن برقان ـ وسأله رجل: ما ترى في لبس الصوف؟ ـ قال: ما أحبه! قال: فالقوهي؟ قال: ما أحبه! قال: فماذا؟! قال: مثل ثيابنا هذه إن اشتريت (جرره حظيت من البقال فحملها إلى بيتك فقال: ليس على هيئة ذاك)(1). ص177
عن حماد بن زيد عن هشام قال: قيل لهند بنت المهلب: ألا تدعين لبس الحرير؟! قالت: لا أدعه حتى يكون أشر عملي. ص177
عن سفيان [بن عيينة] قال: سمعت ابن شبرمة يقول: إن أبغض ثيابي إلي ما خدمته. ص177-178
عن إبراهيم بن هراسة قال: سمعت سفيان الثوري يقول: أنفع ثيابك لك أهونها عليك. ص178
باب حسن الخلق
عن المطلب بن زياد عن عبد الملك بن عمير قال: إن الله إذا أحب عبداً حسن خلقه وخلقه. ص188
__________
(1) كذا في الأصل والعبارة مبهمة.(1/19)
عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن نفرا أرادوا سفرا فأتوا عائشة فقالوا يا أم المؤمنين من يؤمنا؟ قالت: اقرؤكم لكتاب الله، قالوا: كلنا في القراءة سواء، قالت: فأعلمكم بالسنة، قالوا: كلنا في السنة سواء؛ قالت: فأقدمكم في الهجرة، قالوا: كلنا في الهجرة سواء، قالت: فأحسنكم وجهاً عسى أن يكون أحسنكم خلقاً. ص190
عن داود بن المحبر عن حسن [بن دينار] قال: سئل الحسن عن حسن الخلق؟ قال: الكرم والبذلة والاحتمال. ص10-191
عن هلال بن أيوب قال: سئل الشعبي عن حسن الخلق؟ قال: البذلة والعطية والبشر الحسن؛ قال هلال: وكان الشعبي كذلك. ص191
عن خالد بن الحارث عن ابن عون عن محمد أنه كان يحدثنا أن حسن الخلق عون على الدين. ص193
باب في الكبر
عن جعفر [بن سليمان] قال: سمعت مالك بن دينار قال: قال سليمان بن داود يوما للطير والجن والإنس والبهائم: أخرجوا مئتي ألف من الإنس ومئتي ألف من الجن فرفع حتى سمع زجل الملائكة بالتسبيح في السماء ثم خفض حتى مست قدماه البحر فسمع صوتا يقول: لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسفت به أبعد مما رفعته. ص198-199
عن ثابت عن أنس بن مالك قال: كان أبو بكر يخطبنا فيذكر بدء خلق الإنسان حتى إن أحدنا ليقذر؛ ويقول: خرج من مجرى البول مرتين. ص199
عن محمد سلام الجمحي قال: كان الأحنف بن قيس يجلس مع مصعب بن الزبير على سريره فجاء يوماً ومصعب ماد رجليه فلم يقبضهما وقعد الأحنف فزحم بعض الزحم فرأى ذلك فيه فقال: عجباً لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين!. ص199
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) قال: بالسيف. ص200
عن إسماعيل بن سالم عن الشعبي قال: من قتل اثنين فهو جبار؛ ثم قرأ: (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض) . ص200
عن يوسف الصباغ عن الحسن قال: من خصف نعليه ورقع ثوبه وعفر وجهه لله فقد برئ من الكبر. ص202(1/20)
عن سليمان بن المغيرة قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: طوبى لمن علمه الله كتابه ثم لم يمت جباراً. ص202
عن أبي محمد البصري قال: قال الحسن: العجب لابن آدم يغسل يده بالخرء مرتين ثم يتكبر يعارض الله جبار السماوات والأرض. ص202-203
عن يونس عن الحسن عن عُتَيّ عن أبي بن كعب قال: إن مطعم بن آدم ضُرب للدنيا مثلاً وإن قزَّحه وملَّحه فقد علم إلى ما يصير. ص203-204
عن ابن المرتفع سمع ابن الزبير في قوله تعالى (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) قال: سبيل الغائط والبول. ص204
عن ابن عباس في قوله تعالى (فلينظر الإنسان إلى طعامه) قال: إلى خرئه. ص204-205
عن بكر بن عبد الله المزني أن رجلاً أخبره أنه صحب كعب الأحبار إحدى عشرة سنة فلما حضرته الوفاة قال: إني صحبتك إحدى عشر سنة أريد أن أسألك عن شيء وأنا أهابك قال: سل عما بدا لك، قال: أخبرني ما بال ابن آدم إذا قام من طوفه رد بصره فنظر إليه؟! قال: والذي نفس كعب بيده لقد سألتني عن شيء أنزله [الله] في التوراة على موسى: انظر إلى دنياك التي تجمع. ص205
حدثني أبو جعفر محمد بن أبي رجاء القرشي قال: قال محمد بن كناسة الأسدي:
كل شيء ملحت من طعم الدنيا
وقزحت في ظهر الخوان
صائر بعد أن تلقمه لوناً
ولكن من أخبث الألوان
فإذا حان وقت إخراجـه منك
ففكر في ذلة الإنسان
وإذا ما وضعته في مكان
فالتفت واعتبر بذاك المكان
ص205
عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة قال: من وضع وجهه لله ساجداً فقد بريء من الكبر. ص206
عن عمر مولى غفرة عن محمد بن حسين بن علي من ولد علي إنه قال: ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك، قل أو كثر. ص210
حدثني علي بن نصر بن بجير عن شيخ من قريش قال: قال الحسن: السجود يذهب بالكبر والتوحيد يذهب بالرياء. ص210
عن ابن عياش عن نافع بن جبير أنه قال: إن الناس يقولون: فيه تيه، والله لقد ركبت الحمار ولبست الشملة. ص210(1/21)
عن عبد الله بن هبيرة أن سلمان سئل عن السيئة التي [لا] تنفع معها حسنة قال: الكبر. ص211
عن يونس بن عبيد قال: لا كبر مع السجود ولا نفاق مع التوحيد. ص211
باب الاختيال
عن يحيى بن المختار عن الحسن قال: تلقى أحدهم يتحرك في مشيته يسحب عظامه عظماً عظماً لا يمشي بطبيعته. ص215
عن أبي بكر الهذلي قال: بينما نحن مع الحسن إذ مر عليه ابن الأهتم(1) يريد المقصورة وعليه جباب خز قد نضد بضعها فوق بعض على ساقه وانفرج عنها قباه وهو يمشي يتبختر إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال: أف لك شامخ بأنفه ثاني عطفه مصعر خده ينظر في عطفيه أي حميق أنت تنظر في عطفيك في نعم غير مشكورة ولا مذكورة غير المأخوذ بأمر الله فيها ولا المؤدى حق الله منها، والله إن يمشي أحدهم طبيعته أن يتخلج تخلج المجنون؛ في كل عضو من أعضائه لله نعمة وللشيطان به لعنة؛ فسمع ابن الأهتم فرجع يعتذر فقال: لا تعتذر إلي وتب إلى ربك أما سمعت قول الله: (ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) . ص215
عن خالد بن أبي بكر مر بالحسن شاب عليه بزة له حسنة فدعاه فقال: ابن آدم معجب بشبابه معجب بجماله كأن القبر قد وارى بدنك وكأنك قد لاقيت عملك، يا ويحك داو قلبك فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم. ص217
حدثني أبو الحسن الشيباني حدثني شيخ لنا أن عمر بن عبد العزيز حج قبل أن يستخلف فنظر إليه طاووس وهو يختال في مشيته فغمز جنبه بأصبعه وقال: ليست هذه مشية من في بطنه خُرء! فقال عمر كالمعتذر: يا عم ضرب كل عضو مني على هذه المشية حتى تعلمتها. ص217
__________
(1) هو خالد بن صفوان التميمي أحد فصحاء العرب المشهورين.(1/22)
عن ثابت أن صلة بن أشيم وأصحابه أبصروا رجلا قد أسبل إزاره فأراد أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم فقال صلة: دعوني أكفيكموه، قال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة قال وما ذاك يا عم؟ قال: ترفع إزارك، قال: نعم ونعمة عين، فقال لأصحابه: هذا كان أمثل، لو أخذتموه قال: لا أفعل؛ وفعل. ص218
حدثني مفضل بن غسان عن أبيه قال: رأى العمري(1) العابد رجلاً من آل علي يمشي يخطر فأسرع إليه فأخذه بيده فقال: يا هذا إن هذا الذي أكرمك الله به لم تكن هذه مشيته قال: فتركها الرجل بعد. ص218
عن محمد بن عبد الله الزراد قال: رأى محمد بن واسع ابناً له يخطر بيده فدعاه فقال: تدري من أنت؟ أما أمك فاشتريتها بمئتي درهم وأما أبوك فلا أكثر الله في المسلمين ضربه. ص218
عن جميل بن زيد قال: رأى ابن عمر رجلاً يجر إزاره فقال: إن للشيطان إخواناً مرتين أو ثلاثاً. ص218
عن ثور عن خالد بن معدان قال: إياكم والخطران فإن الرجل قد تنافق يده(2) من سائر جسده. ص219-220
عن سفيان بن عيينة قال: ما رئي علي بن حسين إذا مشى يقول بيده هكذا، يخطر بها. ص220
هذا آخره؛ وأسأل الله أن يرفعنا عنده بالتواضع له
__________
(1) في الأصل (المعري) وأراه تصحيفاً.
(2) تصحفت (تنافق يده) في الأصل إلى (نبا فؤاده)، والتصحيح من صفة الصفوة، ففيه 4/214 عن خالد: إياكم والخطران فإنه قد تنافق يد الرجل من سائر جسده، قيل: وما الخطران؟ قال: ضرب الرجل بيده إذا مشى.(1/23)