تقريب
كتاب اقتضاء العلم العمل
للخطيب البغدادي
إعداد
محمد خلف سلامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله كما صلى على آل ابراهيم ، وبارك الله عليه وعلى آله كما بارك على آل ابراهيم في العالمين ، إن الله حميد مجيد ؛ وبعد .
فإن فضل العلم أوضح من أن ينكر وشأنه أشهر من أن يذكر ، وكيف لا يكون كذلك وهو الوسيلة إلى معرفة الله تعالى ومعرفة دينه بأوامره ونواهيه ووعده ووعيده وكل ما يتعلق بذلك أو يؤدي إليه أو يعين عليه ؛ ولكن للعلم آفات منها أن لا يُعمل به أو أن يراد به غير وجه الله أو أن يكون ممزوجاً بالبدع مشوباً بالضلالات أو يُسقط الشيطان صاحبه في العجب والغرور ؛ وإننا – والله المستعان – في زمن كثرت فيه مثل هذه الآفات وانتشرت وعمت وطمت وتفاقمت وتعاظمت ، فتكون حاجتنا إلى كلام العلماء في هذه المسائل ونحوها شديدة ملحة ، ومن أحسن ما جُمع العلماء في مداواة داء ترك العمل بالعلم أو داء التعلم لغير العمل : كتاب (اقتضاء العلم العمل) للحافظ الكبير الشهير الناقد البصير المؤرخ الجامع المحقق أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ؛ فرأيت أن أهذب هذا الكتاب وألخص مقاصده وأنشره عسى الله أن يكتب من القبول والنفع لهذا المختصر المحرر ما كتبه لأصله أو أكثر ، إن الله واسع عليم وهو ذو الفضل العظيم .(1/1)
إن طريقتي في تهذيب الكتاب هي حذف المرفوع من الأحاديث فإن عدم الثبوت هو الغالب على ما أورده المؤلف منها فيه ، وكذلك حذفت الأسانيد وما تكرر من الأخبار ، وأما الآثار الموقوفة أو المقطوعة من غير المكررة فإني لم احذف منها سوى أثر أو أثرين لم يعجبني ايرادهما في هذا المختصر ؛ وقد جريت على نحو هذه الطريقة في جملة من المختصرات التي صنعتها لكتب الزهد وهذا الكتاب أخوها في حقيقة موضوعها وشريكها في أصل مقصدها ، فيمكن أن يعد في جملتها ، وقد أوردت في مقدماتي لتلك المختصرات ما يغني من يراجعها عن الإطالة هنا ، ولذا آثرت هنا في هذه المقدمة الاختصار وعدم التكرار ، أسأل الله أن يتقبل منا ويعفو عنا وأن يدخلنا في الدنيا في هداه ورحمته وفي الآخرة في رضاه وجنته إنه هو الرؤوف الرحيم ؛ وهذا أوان البدء بالمقصود(1) .
خطبة المؤلف
__________
(1) اعتمدت طبعة المكتب الإسلامي وهي بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله .(1/2)
قال المؤلف رحمه الله تعالى في خطبة كتابه : نشكر الله سبحانه على ما ألهمنا ونسأله التوفيق للعمل بما علمنا فإن الخير لا يدرك إلا بتوفيقه ومعونته ومن يضلل الله فلا هادي له من خليقته ، وصلى الله على محمد سيد الأولين والآخرين وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى من اتبع النور الذي أنزل معه إلى يوم الدين ؛ ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه وإجهاد النفس على العمل بموجبه فإن العلم شجرة والعمل ثمرة ، وليس يعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً ، وقيل : العلم والد والعمل مولود ، والعلم مع العمل والرواية مع الدراية(1) ، فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل ، ولكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما ، وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته ، والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجى في العاقبة إذا تفضل الله بالرحمة وتمم على عبده النعمة ؛ فأما المدافعة والإهمال وحب الهوينى والاسترسال وإيثار الخفض والدعة والميل مع الراحة والسعة فإن خواتم هذه الخصال ذميمة وعقباها كريهة وخيمة ؛ والعلم يراد للعمل كما العمل يراد للنجاة ؛ فإذا كان العمل قاصراً عن العلم [كان] كلاً على العالم ؛ ونعوذ بالله من علم عاد كلاً وأورث ذلاً وصار في رقبة صاحبه غلاً .
قال بعض الحكماء : العلم خادم العمل والعمل غاية العلم فلولا العمل لم يطلب علم ولولا العلم لم يطلب عمل ولأن أدع الحق جهلاً به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه .
وقال سهل بن مزاحم : الأمر أضيق على العالم من عقد التسعين مع أن الجاهل لا يعذر بجهالته لكن العالم أشد عذاباً إذا ترك ما علم فلم يعمل به .
__________
(1) أي أن العلم لا ينفع إلا بالعمل به والرواية لا تنفع إلا بالدراية بها .(1/3)
وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد والعمل الصالح والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا؟ وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي والرضى بالميسور وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟ وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب؟ وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟ وهل المغرم بحبها إلا ككانزها؟ وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها وراعى واجباتها فلينظر امرؤ لنفسه وليغتنم وقته فإن الثواء قليل والرحيل قريب والطريق مخوف والاغترار غالب والخطر عظيم والناقد بصير والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمعاد (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) . ص14-16
الباب الأول
عن رجاء بن حيوة عن معاذ بن جبل قال : لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن جده فيما أبلاه وعمره فيما أفناه وماله من أين اكتسبه وفي أي شيء أنفقه وعن علمه كيف عمل فيه . ص18
عن علي قال : يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل ، وسيكون قوم يحملون العلم يباهي بعضهم بعضاً حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره أولئك لا تصعد أعمالهم إلى السماء . ص22
عن علقمة عن عبد الله قال : تعلموا تعلموا فإذا علمتم فعلّموا . ص23
عن عبد الله قال : تعلموا فمن علم فليعمل . ص24
عن أبي هريرة قال : مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله عز وجل . ص24
عن القاسم بن هزان سمع الزهري يقول : لا يرضين الناس قول عالم لا يعمل ولا عامل لا يعلم . ص25
عن فرات بن سلمان عن أبي الدرداء قال : إنك لن تكون عالماً حتى تكون متعلماً ولن تكون متعلماً حتى تكون بما علمت عاملاً . ص26
عن سليمان قاضي عمر بن عبد العزيز قال : قال أبو الدرداء : لا تكون عالماً حتى تكون متعلماً ، ولا تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً . ص26(1/4)
عن الحسن قال : قال أبو الدرداء : ابن آدم اعمل كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واتق دعوة المظلوم . ص27
عن سهل بن عبد الله قال : العلم كله دنيا ، والآخرة منه العمل به . ص28
عن سهل بن عبد الله التستري قال : الناس كلهم سكارى إلا العلماء والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه . ص28
عن سهل بن عبد الله قال : الدنيا جهل وموات إلا العلم والعلم كله حجة إلا العمل به والعمل كله هباء إلا الإخلاص والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به . ص29
عن سهل بن عبد الله قال : العلم أحد لذات الدنيا فإذا عمل به صار للآخرة . ص29
عن أبي بكر الرازي قال : سمعت الخواص يقول : ليس العلم بكثرة الرواية وإنما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم . ص30
عن أحمد بن أبي الحواري قال : حدثني عباس بن أحمد في قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) الآية ، قال : الذين يعملون بما يعلمون نهديهم إلى ما لا يعلمون . ص30
عن أبي بكر الرازي قال : قال يوسف بن الحسين : في الدنيا طغيانان ، طغيان العلم وطغيان المال ، والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة ، والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه ؛ وقال يوسف : بالأدب تفهم العلم ، وبالعلم يصح لك العمل ، وبالعمل تنال الحكمة ، وبالحكمة تفهم الزهد وتوفق له ، وبالزهد تترك الدنيا ، وبترك الدنيا ترغب في الآخرة ، وبالرغبة في الآخرة تنال رضى الله عز وجل . ص30-31
عن أبي القاسم الجنيد قال : متى أردت أن تشرف بالعلم وتنسب إليه وتكون من أهله قبل أن تعطي العلم ما له عليك احتجب عنك نوره وبقي عليك رسمه وظهوره ، ذلك العلم عليك لا لك ، وذلك أن العلم يشير إلى استعماله فإذا لم تستعمل العلم في مراتبه رحلت بركاته . ص31
عن أبي عبد الله الروذباري قال : من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعه العلم ، ومن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم نفعه قليل العلم . ص31(1/5)
وعنه قال : العلم موقوف على العمل ، والعمل موقوف على الإخلاص ، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله عز وجل . ص32
عن مالك بن دينار قال : إن العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجوراً أو فخراً . ص32
عن ابن شوذب عن مطر قال : خير العلم ما نفع وإنما ينفع الله بالعلم من علمه ثم عمل به ولا ينفع به من علمه ثم تركه . ص33
عن حريز بن عثمان عن حبيب بن عبيد الرحبي قال : تعلموا العلم واعقلوه وانتفعوا به ، ولا تعلموه لتجملوا به ، فإنه يوشك إن طال بكم العمر أن يُتجمل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه . ص33-34
عن صالح بن رستم قال : قال أبو قلابة لأيوب : يا أيوب إذا أحدث الله لك علماً فأحدث لله عبادة ولا تكونن إنما همك أن تحدث به الناس . ص34-35
عن أبي معمر عن الحسن قال : همة العلماء الرعاية وهمة السفهاء الرواية . ص35
عن علي بن أبي طالب قال : هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل . ص35-36
عن ابن المنكدر قال : العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل . ص36
عن راشد بن سعد قال : قال أبو الدرداء : ما علم الله عبداً علماً إلا كلفه الله يوم القيامة ضماره؟؟ من العمل . ص36
عن فضيل بن عياض قال : لا يزال العالم جاهلاً بما علم حتى يعمل به ، فإذا عمل به كان عالماً . ص37
وعنه قال : إنما يراد من العلم العمل ، والعلم دليل العمل . ص37
وعنه أيضاً قال : على الناس أن يتعلموا فإذا علموا فعليهم العمل . ص37
عن عبد الله بن المعتز قال : علم بلا عمل كشجرة بلا ثمرة . ص37
وقال أيضاً : علم المنافق في قوله وعلم المؤمن في عمله . ص38
قال المؤلف : أنشدنا محمد بن أبي علي الأصبهاني لبعضهم :
إعمل بعلمك تغنم أيها الرجل*****لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل
والعلم زين وتقى الله زينته********والمتقون لهم في علمهم شغل
وحجة الله ياذا العلم بالغة********لا المكر ينفع فيها لا ولا الحيل(1/6)
تعلم العلم واعمل ما استطعت به**** *لا يلهينك عنه اللهو والجدل
وعلِّم الناس واقصد نفعهم أبداً****** **إياك إياك أن يعتادك الملل
وعظ أخاك برفق عن زلته********فالعلم يعطف من يعتاده الزلل
وإن تكن بين قوم لا خلاق لهم*****فأمر عليهم بمعروف إذا جهلوا
فإن عصوك فراجعهم بلا ضجر*واصبر وصابر ولا يحزنك ما فعلوا
فكل شاة برجليها معلقة********عليك نفسك إن جاروا وإن عدلوا
ص38-39
عن يونس بن ميسرة بن حلبس الجيلاني قال : تقول الحكمة : تبتغيني ابن آدم وأنت واجدني في حرفين : تعمل بخير ما تعلم وتذر شر ما تعلم . ص40
عن أبي الدرداء قال : إن العبد يوم القيامه لمسؤول : ما عملت بما علمت؟ ص40-41
عن أبي الدرداء قال : إنما أخاف ان يكون أول ما يسألني عنه ربي أن يقول : قد علمت فما عملت؟ ص41
عن مالك بن دينار قال : قال أبو الدرداء : إن أخوف ما أخاف على نفسي أن يقال لي : يا عويمر------ . ص42
عن سفيان قال : قال أبو الدرداء : إني لست أخشى أن يقال لي : يا عويمر ماذا علمت------ . ص42
عن الحسن قال :------ وصدقته الأعمال ، من قال حسناً وعمل غير صالح رده الله على قوله ، ومن قال حسناً وعمل صالحاً رفعه العمل وذلك بأن الله تعالى يقول إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه . ص402-43
عن المبارك بن فضالة عن الحسن : (وكل إنسان ألزمناه طائرة في عنقه) قال : عمله . ص43
عن بشر بن الحارث قال : إنما فضل العلم العمل به ثم يرتقي به . ص43
عن بشر بن الحارث قال : العلم حسن لمن عمل به ، ومن لم يعمل ما أضره؟؟ وقال : هذه حجج ، أو قال : هذه حجة ، يعني على من علم . ص44
عن عباس العنبري حدثني عبد الصمد قال : سمعت سعيد بن عطار وكان بكى حتى برح قال : قال عيسى بن مريم : إلى متى تصفون الطريق إلى الدالجين وأنتم مقيمون مع المتحيرين؟! إنما يبتغى من العلم القليل ومن العمل الكثير . ص44(1/7)
عن حفص بن حميد قال : دخلت على داود الطائي أسأله عن مسألة وكان كريماً فقال : أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب أليس يجمع آلته؟ فإذا أفنى عمره في الآلة فمتى يحارب؟! إن العلم آلة العمل فإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟! . ص44-45
عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال : سمعني عبدالله بن إدريس أتلهف على بعض الشيوخ فقال لي : يا أبا عبيد؟؟ : مهما فاتك من العلم فلا يفوتنك العمل . ص45
عن علي [بن أبي طالب] قال : الزاهد عندنا من علم فعمل ، ومن أيقن فحذر ، فإن أمسى على عسر حمد الله ، وإن أصبح على يسر شكر الله ، فهذا هو الزاهد . ص45
الباب الثاني : في التغليظ على من ترك العمل بالعلم
وعدل إلى ضده وخلاف مقتضاه في الحكم
عن ميمون بن مهران قال : قال أبو الدرداء : ويل للذي لا يعلم(1) ، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات . ص47
عن منصور بن زاذان قال : نبئت أن بعض من يلقى في النار ليتأذى أهل النار بريحه فيقال له : ويلك ما كنت تعمل؟! ما يكفينا ما نحن فيه من الشر حتى ابتلينا بك ونتن ريحك؟! قال : فيقول : إني كنت عالماً فلم أنتفع بعلمي . ص52
عن يحيى بن معاذ الرازي قال : مسكين من كان علمه حجيجه ولسانه خصيمه وفهمه القاطع بعذره . ص52
قيل لبعضهم : ألا تطلب العلم؟ فقال : خصومي من العلم كثير فلا أزداد . ص52-53
عن سري بن المغلس السقطي قال : كلما أزددت علماً كانت الحجة عليك أوكد . ص53
عن أبي الحسين محمد بن أحمد بن سمعون الواعظ قال : كل من لم ينظر بالعلم فيما لله عليه فالعلم حجة عليه ووبال . ص53
قال المؤلف : قرأت على ظهر كتاب لأبي بكر محمد بن عبد الله بن أبتان الهيتي :
إذا العلم لم تعمل به كان حجة*****عليك ولم تعذر بما أنت حامل
فإن كنت أبصرت هذا فإنما******يصدِّقُ قولَ المرء ما هو فاعل
ص54
__________
(1) وفي رواية : (ويل لمن لا يعلم ولا يعمل مرة) .(1/8)
عن مالك بن مغول قال سمعت الشعبي يقول : ليتني لم أكن علمت من ذا العلم شيئاً . ص55
عن الفريابي قال : سمعت سفيان الثوري يقول : ليتني لم أكتب العلم وليتني أنجو من علمي كفافاً لا علي ولا لي . ص55
عن ابن عيينة قال : العلم إن لم ينفعك ضرك ؛ قال المؤلف : يعني إن لم ينفع بأن يعمل به ضره بكونه حجة عليه . ص55
عن محمد بن واسع قال : قال لقمان لابنه : يا بني لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعمل بما تعلم . ص56
عن مالك بن دينار قال : إني وجدت في بعض الحكمة : لا خير لك أن تعلم ما لم تعلم ولم تعمل بما قد علمت ، فإن مثل ذلك مثل رجل احتطب حطباً فحزم حزمة ذهبَ يحملها فعجز عنها فضم إليها أخرى . ص56-57
عن ابن وهب حدثنا سفيان قال : كان عالم وعابد في بني إسرائيل فقال العالم للعابد : ما يمنعك أن تأتيني وتأخذ مني وأنت ترى الناس يأتوني؟! فقال العابد : تعلمتُ شيئاً فأنا أعمل به فإذا فني أتيتك . ص57
قال المؤلف : أنشدني أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري لنفسه :
كم إلي كم أغدو إلى طلب العلم*مجداً في جمع ذاك حفيا
طالباً منه كل نوع وفن*** *وغريب ولست أعمل شيا
وإذا كان طالب العلم لا****يعمل بالعلم كان عبداً شقيا
إنما تنفع العلوم لمن كان******* بها عاملاً وكان تقيا
ص57
عن ابن المبارك قال : كان رجل ذا مال لم يسمع بعالم إلا أتاه حتى يقتبس منه فسمع أن في موضع كذا وكذا عالماً فركب السفينة وفيها امرأة فقالت : ما أمرك يا هذا؟ قال : إني مشغوف بحب العلم فسمعت أن في موضع كذا عالماً آتيه ، قالت : يا هذا كلما زيد في علمك يزيد في عملك أو تزيد في علمك والعمل موقوف؟ فانتبه الرجل ورجع وأخذ في العمل . ص59
عن إبراهيم بن أدهم قال : خرج رجل يطلب العلم فاستقبله حجر في الطريق فإذا فيه منقوش : اقلبني تر العجب وتعتبر ، قال : فأقلب الحجر فإذا فيه مكتوب : أنت بما تعلم لا تعمل كيف تطلب ما لا تعلم؟ قال : فرجع الرجل . ص59-60(1/9)
عن عطاء قال : كان فتى يختلف إلى أم المؤمنين عائشة فيسألها وتحدثه فجاءها ذات يوم يسألها فقالت : يا بني هل عملت بعدما سمعت مني؟ فقال : لا والله يا أمَّه ، فقالت : يا بني فبما تستكثر من حجج الله علينا وعليك . ص60
عن عمر بن أخت بشر بن الحارث قال : سمعت بشراً يقول : قال الفضيل : هذا الحديث لا يسمعه الرجل خير له من أن يسمعه ولا يعمل به . ص60
عن سفيان عن أبي حازم قال : رضي الناس من العمل بالعلم ورضوا من الفعل بالقول . ص60
عن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبو قطن قال سمعت ابن عون يقول : وددت أني خرجت منه كفافاً يعني العلم ، ما أنا على شيء مقيم أخاف أن يدخلني النار غيره . ص61
عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود قال : إني لأحسب العبد ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها . ص61
عن جعفر عن مالك قال : قرأت في التوراة : إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا . ص61
عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال : العالم الذي لا يعمل بعلمه بمنزلة الصفا إذا وقع عليه القطر زلق عنه . ص62
عن محمد بن العباس اليزيدي قال : أنشدنا أبو الفضل الرياشي :
ما مَن روى علماً ولم يعمل به**فيكف عن وتغ الهوى بأديب
حتى يكون بما تعلم عاملا**** من صالح فيكون غير معيب
ولقلما تجدي إصابة صائب*****أعماله أعمال غير مصيب
ص62-63
الباب االثالث : ذم طلب العلم للمباهاة به والمماراة فيه
ونيل الأغراض وأخذ الأعواض عليه
عن هشام بن حسان قال : سمعت الحسن يقول : من طلب العلم ابتغاء الاخرة أدركها ومن طلب العلم ابتعاء الدنيا فهو حظه منه . ص66(1/10)
عن وهيب بن الورد قال : ضُرب مثل عالم السوء فقيل : مثل العالم السوء كمثل حجر دفع في ساقية فلا هو يشرب من الماء ولا هو يخلي عن الماء فيحيى به الشجر ، ولو أن علماء السوء نصحوا لله في عباده فقالوا : يا عباد الله اسمعوا ما نخبركم به عن نبيكم وصالح سلفكم فاعملوا به ولا تنظروا إلى أعمالنا هذه الفشلة فإنا قوم مفتونون كان قد نصحوا الله في عباده ولكنهم يريدون أن يدعوا عباد الله إلى أعمالهم القبيحة فيدخلوا معهم فيها . ص66-67
عن ابن عيينة قال : قال عيسى عليه السلام : يا علماء السوء جعلتم الدنيا على رؤوسكم والآخرة تحت أقدامكم ، قولكم شفاء وعملكم داء ، مثلكم مثل شجرة الدفلي تعجب من رآها وتقتل من أكلها . ص67
عن وهب بن منبه أن عيسى بن مريم عليه السلام قال : ويلكم يا عبيد الدنيا ماذا يغني عن الأعمى سعة نور الشمس وهو لايبصرها؟ كذلك لا يغني عن العالم كثرة علمه إذا لم يعمل به ، ما أكثر أثمار الشجر وليس كلها ينفع ويؤكل(1) وما أكثر العلماء وليس كلكم ينتفع بما علم ، فاحتفظوا من العلماء الكذبة الذين عليهم لباس الصوف منكسين رؤوسهم إلى الأرض يطرفون من تحت حواجبهم كما ترمق الذباب ، قولهم مخالف فعلهم ، من يجتني من الشوك العنب ومن الحنظل التين؟! كذلك لا يثمر قول العالم الكذاب إلا زوراً ؛ إن البعير إذا لم يوثقه صاحبه في البرية نزع إلى وطنه وأصله ، وإن العلم إذا لم يعمل به صاحبه خرج من صدره وتخلى منه وعطله ، وإن الزرع لا يصلح إلا بالماء والتراب ، كذلك لا يصلح الإيمان إلا بالعلم والعمل ، ويلكم يا عبيد الدنيا إن لكل شيء علامة يعرف بها وتشهد له أو عليه وإن للدين ثلاث علامات يعرف بهن : الإيمان والعلم والعمل . ص68
الباب الرابع : ما جاء من الوعيد والتهديد والتشديد لمن قرأ القرآن للصيت والذكر
ولم يقرأه للعمل به واكتساب الأجر
__________
(1) في الأصل (ولا يؤكل) ، ويظهر أن (لا) زائدة .(1/11)
عن الحسن قال : إنه تعلم هذا القرآن عبيد وصبيان لم يأتوه من قبل وجهه ولا يدرون ما تأويله قال الله تعالى : (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) ما تدبر آياته؟! : إتباعه بعمله ، وإن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه وإن لم يكن يقرأه ، يقول أحدهم : يا فلان تعال أقارئك ، متى كانت القراء تفعل هذا؟!! ما هم بالقراء ولا الحلماء ولا الحكماء ، لا أكثر الله في الناس أمثالهم . ص70-71
عن أبي إسحاق قال : قال عمر بن الخطاب : لا يغرركم من قرأ القرآن إنما هو كلام نتكلم به ولكن انظروا من يعمل به . ص71
الباب الخامس : ما قيل في حفظ حروفه
وتضييع حدوده
عن سلام بن أبي مطيع قال : سمعت أيوب السختياني يقول : لا خبيث أخبث من قارىء فاجر . ص75
عن مالك بن دينار قال : لأنا للقارىء الفاجر أخوف مني من الفاجر المبرز بفجوره ، إن هذا أبعدهما غوراً . ص75
عن عبد الصمد بن يزيد قال : سمعت الفضيل يقول : إنما نزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس قراءته عملاً ، قال : قيل : كيف العمل به؟ قال : أي ليحلوا حلاله ويحرموا حرامه ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن نواهيه ويقفوا عند عجائبه . ص76
عن سفيان الثوري عن منصور عن أبي رزين في قوله تعالى (يتلونه حق تلاوته) قال : يتبعونه حق اتباعه ، يعملون به حق عمله . ص76
الباب السادس : ذم التفقه لغير العبادة
عن الأوزاعي قال : أنبئت أنه كان يقال : ويل للمتفقهين لغير العبادة والمستحلين الحرمات بالشبهات . ص78(1/12)
عن بكار بن عبد الله قال : سمعت وهب بن منبه يقول : قال الله تعالى فيما يعيب به أحبار بني إسرائيل : أتفقهون لغير الدين وتعلمون لغير العمل وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة؟! تلبسون جلود الضأن وتخفون أنفس الذئاب وتنقون القذى من شرابكم وتبتلعون أمثال الجبال من الحرام وتثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ولا تعينونهم برفع الخناصر ، تطيلون؟؟ ، تطولون الصلاة وتبيضون الثياب وتغتصبون مال اليتيم والأرملة ، بعزتي بلغت [لعل الصواب حلفت] لأضربن بفتنة يضل فيها رأي كل ذي رأي وحكمة الحكيم . ص78-79
عن الشعبي قال : إنا لسنا بالفقهاء ولكنا سمعنا الحديث فرويناه ولكن الفقهاء من إذا علم عمل . ص79
عن الأوزاعي قال : إذا أراد الله بقوم شراً فتح عليهم الجدل ومنعهم العمل . ص79
عن معروف بن فيروز الكرخي قال : إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل ، وإذا أراد الله بعبد شراً فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العمل . ص79
عن أبي نعيم الفضل بن دكين قال : دخلت على زفر وقد غرغرت نفسه في صدره فرفع رأسه إلي فقال لي : يا أبا نعيم وددت أن الذي كنا فيه كان تسبيحاً . ص80
الباب السابع : كراهية طلب الحديث للمفاخرة وعقد المجالس
واتخاذ الأتباع والأصحاب بروايته
عن سليمان التميمي عن سيار عن عائذ الله(1) قال : الذي يتبع الأحاديث ليحدث بها لا يجد ريح الجنة . ص81
عن خالد بن الحارث الهجيمي قال : قيل لابن شبرمة : حدث تؤجر فأنشأ يقول :
يمنوني الأجر الجزيل وليتني*****نجوت كفافاً لا عليَّ ولا ليا
ص81
عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر قال : بكّر أصحاب الحديث على الأوزاعي ، قال : فالتفت إليهم فقال :
كم من حريص جامع جاشع*****ليس بمنتفع ولا نافع
ص81
__________
(1) هو أبو إدريس الخولاني .(1/13)
عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الطبري قال سمعت الفضيل قال : لو طلبت مني الدنانير كان أيسر إلي من [أن] تطلب مني الأحاديث ، فقلت له : لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي كان أحب إلي من أن تهب لي عددها دنانير ، فقال : إنك مفتون ، أما والله لو عملت بما قد سمعت لكان لك في ذلك شغلاً عما لم تسمع ، ثم قال : سمعت سليمان بن مهران يقول : إذا كان بين يديك طعام تأكله فتأخذ اللقمة فترمي بها خلف ظهرك ، كلما أخذت اللقمة ترمي بها خلف ظهرك متى تشبع؟! . ص82
عن عبيد الله بن عمر القواريري قال : رأيت رضيعاً؟؟ لسفيان بن عيينة قد جاء إلى فضيل فقال له [الفضيل] : أما يكفي ما في منزلكم من الشر حتى تجيء إلى [لعلها إلي] ها هنا ، يعني الحديث . ص82
عن خالد بن خداش قال : قال لي الفضيل : تأتي سفيان؟ قلت : نعم ، قال : نعم الرجل لولا أنه صاحب حديث . ص83
عن ابن عيينة قال : لو قيل لي : لِمَ طلبت الحديث؟ ما دريتُ ما أقول . ص83
عن الغلابي قال : سأل رجل ابن عيينة عن إسناد حديث قال : ما تصنع بإسناده؟! أما أنت فقد بلغتك حكمته ولزمتك موعظته . ص83
عن أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي حدثنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثني خلاد بن يزيد الأرقط – وكان أبو زيد إذا ذكر خلاداً وصف جلالته ونبله وقال : كان من الجبال الرواسي نبلاً – قال : أتيت سفيان بن عيينة فقال : إنما يأتي بك الجهل(1) لا ابتغاء العلم ، لو اقتصر جيرانك على علمك كفاهم ، ثم كوم كومة من بطحاء ثم شقها بأصبعه ثم قال : هذا العلم أخذت نصفه ثم جئت تبتغي النصف الباقي فلو قيل : أرأيت ما أخذت هل استعملته؟! فإذا صدقت قلت : لا ، فيقال لك : ما حاجتك إلى ما تزيد به نفسك وقراً على وقر؟! استعمل ما أخذت أولاً . ص83-84
__________
(1) يقول له : تأتي بسبب جهلك ، فلو كنت عالماً لشغلك العمل بعلمك عن طلب المزيد من العلم .(1/14)
عن نعيم بن حماد قال : سألت ابن عيينة أو سأله إنسان : مَن العالم؟ قال : الذي يعطي كل حديث حقه . ص84
عن عبيد الله بن موسى قال : قال سفيان الثوري : وددت أني لم أطلب الحديث وأن يدي قطعت من ها هنا لا بل من ها هنا وأشار إلى الكتف ثم أشار إلى المنكب قال : لا بل من ها هنا . ص84
عن حجاج بن محمد قال : قال سفيان الثوري : رضي الناس بالحديث وتركوا العمل . ص85
عن شعيب بن حرب قال : سمعت سفيان وأُرسل إليه فقال : حتى تعملوا بما تعلمون ثم تأتوني فأحدثكم ، قال : وسمعت سفيان يقول : يدنسون ثيابهم ثم يقولون : تعالوا اغسلوها . ص85
عن يحيى بن سعيد قال : ما أخشى على سفيان شيئاً في الآخرة إلا حبه للحديث . ص85
عن أحمد بن حنبل حدثنا أبو قطن قال : سمعت ابن عوف قال : وددت أني خرجت منه كفافاً يعني من العلم . ص86
عن أبي قطن قال : قال شعبة : ما أنا مقيم على شيء أخاف أن يدخلني النار غيره يعني الحديث(1) . ص86
عن شبابة قال : دخلت على شعبة في يومه الذي مات فيه وهو يبكي فقلت له : ما هذا الجزع يا أبا بسطام؟! أبشر فإن لك في الإسلام موضعاً فقال : دعني فلوددت أني وقاد حمام وأني لم أعرف الحديث . ص87
عن محمد بن هارون أبي نشيط الحربي قال : لقيني بشر بن الحارث في الطريق فنهاني عن الحديث وأهله ، قال : وأقبلت إلى يحيى بن سعيد القطان فبلغني أنه قال(2) : أنا أحب هذا الفتى وأبغضه فقيل له : لم تحبه وتبغضه؟! فقال : أحبه لمذهبه وأبغضه لطلبه الحديث . ص87
عن العباس بن عبد العظيم قال : قال بشر بن الحارث : إن أردت أن تنتفع بالحديث فلا تستكثر منه ولا تجالس أصحاب الحديث . ص87
__________
(1) عن أبي بكر الأثرم قال : وسمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر قول شعبة : ما أخاف أن يدخلني النار غيره يعني الحديث ، فقال : تعلم أنه كان صادقاً في العمل أو نحو هذا . ص86
(2) يظهر أن القول لبشر قاله في يحيى أو في محمد بن هارون .(1/15)
عن إسحاق بن الضيف قال : قال لي بشر بن الحارث : إنك قد أكثرت مجالستي ولي إليك حاجة : إنك صاحب حديث وأخاف أن يفسدوا علي قلبي فأحب أن لا تعود إلي فلم أعد إليه . ص88
عن ابراهيم بن هاني النيسابوري قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : ما لي وللحديث؟! ما لي وللحديث؟! إنما هو فتنة إلا لمن أراد الله به؟؟ ، قال : وقال بشر : يقولون إني أنهى عن طلب الحديث ، أنا لا أقول شيء أفضل منه لمن عمل به ، فإذا لم يعمل به فتركه أفضل . ص88
عن محمد بن يوسف الجوهري قال : قلت لبشر بن الحارث : أُقريءُ أبا الوليد الطياليسي منك السلام؟ وأردت أن أخرج إلى البصرة ، فقال لي : إن أبا الوليد يموت وأنت تموت ، تريد أن يقال : سمع؟! قد سمعت ، انظر فيما سمعت فإنك إن لم تعمل به كان عليك وبالاً في القيامة . ص88
عن محمد ابن أيوب قال : قال أبو الوليد يوماً : ما يريدون بهذه الأحاديث إلا التكاثر ، والقليل يجزيء لمن اتقى الله ، أو نحوه ، ثم قال : يجمع أحدهم المسند وكذا وكذا ليحول وجوه الناس إليه ونحواً من هذا الكلام . ص89
عن أبي بكر بن عبد الله بن جعفر التاجر قال : سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن رجل يكتب الأحاديث فيكثر؟ قال : ينبغي أن يكثر العمل به على قدر زيادته في الطلب ، ثم قال : سبل العلم مثل سبل المال إن المال إذا ازداد ازدادت زكاته . ص89
عن وكيع بن الجراح عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع قال : كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به . ص90
الباب الثامن : من كره تعلم النحو
لما يكسب من الخيلاء والزهو
عن الضحاك بن أبي حوشب قال : سمعت القاسم بن مخيمرة يقول : تعلم النحو أوله شغل وآخره بغي . ص91
عن إبراهيم بن أدهم عن مالك بن دينار قال : تلقى الرجل وما يلحن حرفاً وعمله لحن كله . ص91
عن إبراهيم بن أدهم قال : أعربنا في الكلام فما نلحن ولحنا في الأعمال فما نعرب . ص91
عن الصولي قال : قال بعض الزهاد :(1/16)
لم نؤت من جهل ولكننا***نستر وجه العلم بالجهل
نكره أن نلحن في قولنا**ولا نبالي اللحن في الفعل
ص92
عن محمد بن خالد قال : حدثني علي بن نصر يعني أباه؟؟ قال : رأيت الخليل بن أحمد في النوم فقلت في منامي : لا أرى أحداً أعقل من الخليل فقلت : ما صنع الله بك؟! قال : أرأيت ما كنا فيه فإنه لم يكن شيء أفضل من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا والله أكبر . ص92
عن نصر بن علي قال : سمعت أبي يقول : رأيت الخليل بن أحمد في المنام فقلت له : ما فعل بك ربك؟ قال : غفر لي ، قلت : بم نجوت؟ قال : بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، قلت : كيف وجدت علمك؟ أعني العروض والأدب والشعر ، قال : وجدته هباء منثوراً . ص93
عن أبي بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد الفقيه قال : أنشدنا هلال بن العلاء الباهلي لنفسه :
سيبلى لسان كان يعرب لفظه***فيا ليته من وقفة العرض يسلم
وما ينفع الإعرابُ إن لم يكن تقى** وما ضر تقوى لسان معجم
ص93
عن محمد بن المثنى السمسار قال : كنا عند بشر بن الحارث وعنده العباس بن عبد العظيم العنبري وكان من سادات المسلمين فقال له : يا أبا نصر أنت رجل قد قرأت القرآن وكتبت الحديث فلمَ لا تتعلم من العربية ما تعرف به اللحن حتى لا تلحن؟! قال : ومن يعلمني يا أبا الفضل؟! قال : أنا يا أبا نصر ، قال : فافعل ، قال : قل : ضرب زيدٌ عمراً ، قال : فقال له بشر : يا أخي ولمَ ضربه؟! قال : يا أبا نصر ما ضربه ، وإنما هذا أصل وضع ، فقال بشر : هذا أوله كذب لا حاجة لي فيه . ص93-94
عن أبي هارون محمد بن هارون قال : سمعت ابن أبي أويس يقول : حضر رجل من الأشراف عليه ثوب حرير قال : فتكلم مالك(1) بكلام لحن فيه قال : فقال الشريف : ما كان لأبوي هذا درهمان ينفقان عليه ويعلمانه النحو؟! قال : فسمع مالك كلام الشريف فقال : لأن تعرف ما يحل لك لبسه مما يحرم عليك خير لك من ضرب عبد الله زيداً وضرب زيد عبد الله . ص94
__________
(1) ابن أنس .(1/17)
الباب التاسع : الأخذ بالوثيقة في أمر الآخرة
عن ثابت البناني عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه كان يقول : يا إخوتي إجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنة وإن يكن الأمر شديداً كما نخاف ونحاذر لم نقل : (ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل) ، نقول : قد عملنا فلم ينفعنا . ص95
عن سفيان قال : قال رجل لمحمد بن المنكدر ولرجل آخر من قريش : الجد الجد والحذر الحذر فإن يكن الأمر على ما ترجون كان ما قدمتم فضلاً ، وإن يكن الأمر على غير ذلك لم تلوموا أنفسكم . ص95
عن يحيى بن حميد بن عبد الملك بن أبي غنية قال : كتب محمد بن النضر الحارثي إلى أخ له : أما بعد فإنك في دار تمهيد وأمامك منزلان لا بد من أن تسكن أحدهما ولم يأتك أمان فتطمئن ولا براءة فتقصر والسلام . ص96
الباب العاشر : في أن الأعمال هي الزاد
والذخيرة النافعة يوم المعاد
عن صالح المري عن الحسن قال : يتوسد المؤمن ما قدم من عمله في قبره إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً فاغتنموا المبادرة - رحمكم الله - في المهلة . ص97
عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى (ولا تنس نصيبك من الدنيا) قال : عمرك أن تعمل فيه لآخرتك . ص97
عن مالك بن دينار قال : مكتوب في التوراة : كما تدين تدان وكما تزرع تحصد . ص98
عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال : أنشدني رجل من أهل البصرة :
فما لك يوم الحشر شيء سوى الذي***تزودته قبل الممات إلى الحشر
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً*ندمت على التفريط في زمن البذر
ص98
عن يعقوب بن سفيان قال : زعم شهاب بن عباد أنه بلغه أن سفيان كان يتمثل بأبيات الأعشى :
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى*ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله***وأنك لم ترصد بما كان أرصدا
ص98
عن سفيان عن رجل عن الحسن أنه كان يتمثل هذا البيت إذا أصبح وإذا أمسى :(1/18)
يسر الفتى ما كان قدم من تقى*****إذا عرف الداء الذي هو قاتله(1)
ص99
عن عباس بن محمد قال : قال يحيى بن معين هذا البيت :
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد**ذخراً يكون كصالح الأعمال
قال يحيى : هذا للأخطل . ص99
الباب الحادي عشر : اغتنام الشبيبة والصحة والفراغ
والمبادرة إلى الأعمال قبل حدوث ما يقطع عنها
عن شعبة حدثنا سعيد الجريري قال غنيم بن قيس : كنا نتواعظ في أول الإسلام : ابن آدم إعمل في فراغك لشغلك وفي شبابك لهرمك وفي صحتك لمرضك وفي دنياك لآخرتك وفي حياتك لموتك . ص101
عن أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي قال : قرأت على محمود بن الحسن من قوله :
بادر شبابك أن يهرما*****وصحة جسمك أن يسقما
وأيام عيشك قبل الممات*فما دهر من عاش أن يسلما
ووقت فراغك بادر به****ليالي شغلك في بعض ما
وقدم فكل امرىء قادم***على بعض ما كان قد قدما
ص102
عن وكيع عن الأعمش قال : سمعتهم يذكرون عن شريح أنه رأى جيراناً له يجولون فقال : ما لكم؟! فقالوا : فرغنا اليوم ، فقال شريح : وبهذا أمر الفارغ؟! . ص102
عن الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة قال : أكثر الناس حساباً يوم القيامة الصحيح الفارغ . ص103
عن محمد بن واسع الأزدي قال : كتب أبو الدرداء إلى سلمان : من أبي الدرداء إلى سلمان : يا أخي اغتنم صحتك وفراغك من قبل أن ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع أحد من الناس رده عنك . ص104
عن يحيى بن حميد قال : كتب الأوزاعي إلى أخ له : أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب وهو ذا يُسار بك في كل يوم فاحذر الله والقيام بين يديه . ص104
__________
(1) أي إذا علم أنه وقع في مرض الموت أو ما هو سبب لهلاكه .(1/19)
عن عطاء بن مسلم قال : كنت مع سفيان الثوري في مسجد الحرام قال : يا عطاء نحن جلوس والنهار يعمل عمله! قال : قلت أنا : في خير إن شاء الله ، قال : أجل ولكنها مبادرة ، قال : ثم قال لي : يا عطاء إن المؤمن في الموقف ليرى بعينه ما أعد الله له في الجنة وهو يتمنى أنه لم يخلق من هول ما هو فيه . ص104-105
عن ابن عم لأبي بكر النهشلي قال : دخل ابن السماك على أبي بكر النهشلي وهو في السوق وهو يوميء برأسه يصلي فقال : سبحان الله على هذا الحال؟! فقال : يا ابن السماك أبادر طي الصحيفة . ص105
عن عبدان بن عثمان قال : سمعت ابن المبارك يقول :
إغتنم ركعتبين زلفى إلى الله***إذا كنت ريحاً مستريحا
وإذا ما هممت بالنطق في الباطل فاجعل مكانه تسبيحا
ص105
عن أبي أحمد منصور بن محمد بن عبد الله الأزدي أنه أنشد لنفسه :
لا تحتقر ساعة مساعدة********تمد يداً إلى طاعه
فالحي للموت والمنى خدعٌ*والأمر من ساعة إلى ساعه
ص106
عن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال : أنشدني أبو عبد الله أحمد بن أيوب :
اغتنم في الفراغ فضل ركوع***فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم**ذهبت نفسه الصحيحية فلته
ص106
قال المؤلف : أنشدني أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الأندلسي لنفسه :
إذا كنت أعلم علماً يقيناً***بأن جميع حياتي كساعه
فلم لا أكون ضنيناً بها**وأجعلها في صلاح وطاعه
ص106
عن الجنيد قال : سمعت السري السقطي يقول :
كل يوم قد مضى لا تجده*****فإذا كنت به فامتجد؟؟
ص107
عن عبد الله بن المبارك عن سعيد بن سالم وليس بالقداح قال : نزل روح بن زنباع منزلاً بين مكة والمدينة في يوم صائف وقرب غداءه فانحط راع من جبل فقال : يا راعي هلم إلى الغداء قال : إني صائم ، قال روح : أوتصوم في هذا الحر الشديد؟! قال : فقال الراعي : أفأدع أيامي تذهب باطلاً فأنشأ روح يقول :
لقد ضننت بأيامك يا راع*****إذ جاد بها روح بن زنباع
ص107-108(1/20)
عن عبد الله بن محمد بن عبيد القرشي قال : حدثني بعض أهل العلم قال : دعا قوم رجلاً إلى طعام في يوم قائظ شديد حره فقال : إني صائم فقالوا : أفي مثل هذا اليوم؟! قال : أفأُغبَن أيامي إذن؟! ص108
عن أبي بكر بن أبي الدنيا قال : حدثني بعض أهل العلم قال : دعا قوم رجلاً إلى طعام فقال : إني صائم فقالوا : أفطر وصم غداً ، قال : ومن لي بغد؟ ص108
عن أحمد بن سعيد الدمشقي قال : قال عبد الله بن المعتز :
تناول الفرصة الممكنة ولا تنتظر غداً فمن لغد من حادث بكفيل
ص108
عن علي بن حسين عن أبيه أن علياً كان يقول : إعمل كل يوم بما فيه ترشد . ص109
عن هشام قال : كانت حفصة بنت سيرين تقول : يا معشر الشباب اعملوا فإنما العمل في الشباب . ص109
عن عبيد الله بن محمد بن حفص القرشي عن أبيه قال : كتب رجل من الحكماء إلى أخ له شاب : أما بعد فإني رأيت أكثر من يموت الشباب وآية ذلك أن الشيوخ قليل . ص109
عن أجلح قال : قال الضحاك بن مزاحم : اعمل قبل أن لا تسطيع أن تعمل فأنا أبغي أن أعمل اليوم فلا أستطيع . ص110
عن محمد بن أشكاب الصفار قال : حدثني رجل من أهله يعني أهل داود الطائي قال : قلت له : يا أبا سليمان قد عرفت الرحم بيننا وبينك فأوصني ، قال : فدمعت عيناه ثم قال : يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك إلى آخر سفرهم فإن استطعت أن تقدم في كل يوم مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو ، والأمر أعجل من ذلك فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك فكأنك بالأمر قد بغتك ، وما أعلم أحداً أشد تضييعاً مني لذلك ، ثم قام وتركني . ص110-111
عن إسحاق بن إبراهيم بن سنين قال : أنشدني عمر بن محمد بن أحمد :
أنت في غفلة الأمل**لست تدري متى الأجل
لا تغرنك صحة******فهي من أوجع العلل
كل نفس ليومها*******صبحة تقطع الأمل
فاعمل الخير واجتهد****قبل أن تمنع العمل
ص111(1/21)
عن محمد بن أحمد بن البراء قال : أنشدني عبد الله بن محمد الأشعري المديني لمحمود :
مضى أمسك الماضي شهيداً معدلا**وأصبحت في يوم عليك شهيد
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة*******فثن بإحسان وأنت حميد
ولا تُرْجِ فعل الخير يوماً إلى غد******لعل غداً يأتي وأنت فقيد
فيومك إن أعتبته عاد نفعه*****عليك وماضي الأمس ليس يعود
ص111
الباب الثاني عشر : ذم التسويف
عن عمر بن مالك عن أبي الجوزاء : (وكان أمره فرطاً) قال : تسويفاً . ص113
عن عبد الله بن المبارك عن شعبة عن أبي إسحاق قال : قيل لرجل من عبد القيس : أوصِ ، قال : احذروا سوف . ص113
عن الحسن قال : إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغدك ، فإن يكن غد لك فكن في غد كما كنت في اليوم ، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم . ص113
عن قتادة عن أبي الجلد قال : قرأت في بعض الكتب : إن سوف جند من جند إبليس . ص114
عن يوسف بن أسباط قال : كتب إلي محمد بن سمرة السائح بهذه الرسالة : أي أخي إياك وتأمير التسويف على نفسك وإمكانه من قلبك ، فإنه محل الكلال وموئل التلف ، وبه تقطع الآمال ، وفيه تنقطع الآجال ، فإنك إن فعلت ذلك أدلته من عزمك وهواك عليه فعلاً ، واسترجاعاً من بدنك من السآمة ما قد ولى عنك ، فعند مراجعته إياك لا تنتفع نفسك من بدنك بنافعة ، وبادر يا أخي فإنك مبادَرٌ بك ، وأسرع فأنك مسرَع؟؟ بك ، وجد فإن الأمر جد وتيقظ من رقدتك وانتبه من غفلتك ، وتذكر ما أسلفت وقصرت وفرطت وجنيت وعملت فإنه مثبت محصى فكأنك بالأمر قد بغتك فاغتبطت؟؟ بما قدمت أو ندمت على ما فرطت .
آخر هذا المختصر والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم(1/22)