المركز العالمي للتعليم الإسلامي
مكة المكرمة
تصور إسلامي للتعليم الثانوي
أسسه وأهدافه .. ومحتواه ونظمه .. ووسائل تنفيذه
سعد الحصين
الطبعة الأولى
1403 هـ - 1983 م
من سلسلة بحوث المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي
مكة المكرمة 1397 هـ - 1977 م
كلمة المشرف على المركز العالمي للتعليم الإسلامي
صدق الله العظيم القائل في محكم كتابه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
إن التربية في الإسلام تمثل أقوم طريق في خدمة الحضارة الإنسانية، ذلك أن التربية الإسلامية استطاعت أن تقضي على القطيعة الموهمة بين الدين والعلم، تلك القطيعة التي سلبت الإنسانية أسباب الطمأنينة والسعادة وتعاليم الإسلام جاءت تنادي بأن مصدر الحقيقة (المعرفة) دينية كانت أو علمية واحد هو الحق سبحانه وتعالى. لذا نجد الإسلام ينهي بطريقة عملية القطيعة بين الدين والعلم.
وحرصاً على نشر هذه الحقيقة قام رجال مخلصون بالتخطيط لمؤتمرات تربوية إسلامية عالمية كان حصادها مجموعة كبيرة من البحوث والدراسات.
وحرصاً من المركز العالمي للتعليم الإسلامي على أن يستفيد المسلمون من هذه البحوث والدراسات نقوم بنشرها باللغة العربية حيث قد سبق نشرها باللغة الإنجليزية.
ونشير بأن المركز كان حريصاً على عدم إدخال أي تغيير في المادة العلمية الموجودة في البحوث الأصلية، كما أننا لم نتطرق لتعديل الأسلوب والمنهج العلمي المستخدم في هذه البحوث.
والله سبحانه وتعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
المشرف على المركز العالمي
للتعليم الإسلامي
د. محمد جميل خياط
بسم الله الرحمن الرحيم(1/1)
نحمد الله ونستعينه ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن نزغات الشيطان.. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.. فنسأله الهداية والتسديد.. ونصلي ونسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته.
الاخوة المشرفون على المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز يتجاوزون بي حدودي بطلبهم إعداد بحث عن تصوري لمنهج التعليم الثانوي يقوم على قواعد الإسلام.. واستجابتي لطلبهم لا تنبعث من تجاهل لنقصي وعجزي عن معالجة هذه المهمة العظيمة المتعلقة بمستقبل أجيال العالم المسلم ولكنه واجب المسلم قبول دعوة أخيه المسلم والاسهام في البحث عن مصلحة المسلمين مهما ضاقت حدوده..
ومحاولتي تلبية هذه الرغبة لن تلبس رداء (البحث) وفق المفهوم الغربي للكلمة المترجمة لأن موضوع التربية لم يروض في أي وقت مضى للأرقام والتجارب.. ويقيني أنه لن يروض في المستقبل إلا أن يشاء الله، لأن منطقة عمله هي العقل البشري الذي خلقه الله على أبدع مثال، والذي يختلف من مكان إلى مكان ومن زمن إلى زمن ومن فرد إلى فرد.. وإذا عنينا بكلمة التربية التطوير المتكامل للفرد باكتشاف مواهبه واستعداده واتجاهاته الفطرية وتنميتها حتى تؤتي أكلها بإذن ربها وليس مجرد التدريب الوظيفي.. فإن نظريات التربية الحديثة تخمينية.. ودراساتها وممارساتها متخلفة، وأرقامها وتجاربها متضاربة ونتائجها متدنية خاصة في المجتمعات الصناعية التي ستوصف في هذا المؤتمر بأنها متقدمة.. وجل أعمالنا التربوية حتى الآن تقليد ساذج لتنظيم عشوائي قد يسهل العمل للقائمين على أجهزة التربية ولكنه يعوق تطوير الفرد والمجتمع وتصحيح اتجاهه.
واعترف بأني عندما تلقيت دعوة الإخوة الزملاء تبادر إلى ذهني الخوف من أن يكون (الإسلامي) في تسمية هذا المؤتمر لن تزيد على أن يكون غطاء خارجياً لوعاء خال لا يراد منه أن يبدو كذلك كما يحدث كثيراً في الوطن المسلم اليوم..(1/2)
ولكن المذكرة الملحقة بالدعوة منحتني الأمل بأن يكون معدوها على رؤية صادقة للمشكلات واهتمام صادق من حلها.. وأرجو من الله العلي القدير أن تواكب النية الصالحة والنظرة الصحيحة مداولات المشتركين في المؤتمر.. وأن ينتهي إلى قرارات صائبة وأن يتوفر لها التنفيذ الناجح.. وأن يجزي المحسنين خير الجزاء..
وكل ما أطمح إليه أن أقدم في كلمات قليلة وأفكار يسيرة تصوري لمستقبل التربية الدينية في إحدى مراحلها مجردة من نظريات غير المسلمين وآرائهم وتطبيقاتهم مستنيرة بهدى الله وشرعه وسنته في خلقه وأن يهدي الله إخواني المسلمين إلى التعرف على الحق فيها والأخذ به وعلى الباطل ونبذه.. وتوجيهي إلى صراط الله المستقيم..
في بدء محاولتنا إخضاع نظامنا التربوي لأحكام الشرع الطاهر لابد من نبذ نظرياتنا ونظمنا المعاصرة وحتى اصطلاحاتنا ، أساساً للرأي أو القرار أو التنفيذ، لأنها أجنبية عن الإسلام، ولم توضع لمصلحته ولا صلة لها به إلا ما نضيفه إليها من أقنعة لتنويم ضمائرنا وسد الهوة السحيقة بين معتقداتنا الدينية وتطبيقاتنا اللادينية كمثل صورة الأقواس التي يضيفها أحد الأجهزة التعليمية إلي واجهات مبانيه المدرسية لاغتصاب صفة الطراز الإسلامي.
ومن هذا المنطلق سأحاول التخلي عن كلمة (المنهج الدراسي) المضطربة التعريفات وأناقش: الهدف والاتجاه.. المحتوى الدراسي.. التنظيم.. طريقة التنفيذ..(1/3)
وسأحاول التخلي عن تسمية (التعليم الثانوي) المنقولة عن النظم الأجنبية؛ فإذا كانت الكلمة الأجنبية الأولى مجرد اصطلاح غامض بين المصطلحات في العمل التربوي، فإن التسمية الأجنبية الثانية تربطنا بتنظيم محدد زاد تمسك المربين المسلمين به على تمسكهم بوحي الله وسنة رسوله.. وبمجرد إطلاقه يعني في أذهان الناس: دراسة ثلاث سنوات بعد تسع سنوات في الغالب أو أربع سنوات بعد ثمان سنوات في القليل.. ولا دليل على صحته في دين الله ولا في طبيعة البشر ولا في نتائجه، وإنما يعنيني الحديث عن تعليم النشئ في مرحلة تبدأ من سن الخامسة عشر تقريباً أو بلوغ الحلم ولا حد أدنى ولا أعلى لمدة الدراسة أو سن الطالب فيها.. أبني هذا الاختيار على عدة توجيهات من شرع الله وطبيعة خلقه أذكر منها:
1) أن بلوغ الحلم حد فاصل واضح – لا تحتاج فيه إلى استشارة علم النفس الغربي – ينهي مرحلة الطفولة وتراخي المسؤولية.. ويبدأ مرحلة الرجولة ووقوع المسؤولية..
2) أن الله خالق الخلق العليم الحكيم قد اختاره بداية للتكليف الشرعي.. ولا يجوز للمسلم أن يبغي عن سنة الله بديلاً مطلقاً.. فكيف إذا كان البديل سنة لمخالفي شرعه.
3) أن طبائع البشر واستعداداتهم وحاجاتهم مختلفة.. وهذا يعني أنه لا يمكن أن تنتفع من نظام موحد.. وهذه التكاليف الشرعية التي لا شك فيها لأنها موحى بها من الله على قلب رسوله؛ يطالب بها البشر في حدود ظروفهم وميزاتهم الجسمية والفكرية: ليس الذكر كالأنثى.. ولا الذاكر كالناسي.. ولا المتعمد كالمخطئ.. ولا النائم كالمستيقظ.. ولا الصحيح كالسقيم في العقل أو البدن.. ولا المسافر كالمقيم.. ولا الغني كالفقير..
الهدف والإتجاه:(1/4)
لنتبين الهدف الحقيقي والاتجاه الصحيح لتربية وتعليم الفرد لابد أن نتبين الغاية من وجوده على الأرض.. وأسمى الأهداف والمناهج ما يحقق هذه الغاية، وأصح الوسائل ما يقود إليها.. ويتحقق ذلك في كل شئ صنعه الله أو علم خلقه صنعه.. غير أن صنع البشر مع محدودية عقولهم وخاماتهم وأدواتهم يترك مجالاً لأهداف جديدة تكشفها الصدفة لم يقصد إليها الصانع.. أما خلق الله فلا مجال للإضافة إليه ولا النقص منه.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ، ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} .
وقال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ}.
وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} .
إذن فقد وجد الإنسان (أي إنسان) على وجه هذه الأرض مستخلفاً من الله لاختباره بكيفية عمله في خلافته غيره.. وهو بعمله إما أن يرضي الله وله الثواب أو يغضبه وعليه العقاب.. ومنهج هذا العمل عبادة الله حق عبادته بطاعة أوامره واجتناب نواهيه واتباع سنة رسوله في القول والعمل والتفكير والسلوك والاختيار.(1/5)
والله سبحانه وتعالى مع أنه قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ...}. إلا أن رحمته اقتضت ألا يكلهم إلى فطرتهم القابلة للانحراف.. وهو سبحانه إذ خلق الخلق ووظفهم في عمارة الأرض بطاعته وعبادته لم يتركهم دون توجيه ودون أن يرسم لهم نهجاً واضحاً يرضى لهم اتباعه.. ولهذه الغاية جاءت الرسل ونزلت الكتب لتوفير التوجيه ورسم النهج وتبليغ الحق.. وكان حظ هذه الأمة أن شهدت آخر مرحلة في شرع الله لخلفاء أرضه.. وكان لها آخر رسله وآخر كتبه.. وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: "لقد تركت بين ظهرانيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنة رسوله" أو كما قال.. وقال صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل من يا رسول الله قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" أو كما قال.
إذن فشريعة الله كما أنزلها في كتابه.. وبينها رسوله قولاً وعملاً.. وكما نفذها أصحاب الرسول رضوان الله عليهم هي المصباح الوحيد الذي يجب أن تسير على نوره حياتنا جملة وتفصيلاً.. أفراداً ومؤسسات.. واتفاقنا على الاعتراف بهذه الحقيقة يجب أن نحرص على أن يعني أكثر من مجرد التلفظ به في درس ديني.. أو خطبة سياسية.. أو مؤتمر (إسلامي) كما يحدث كثيراً في هذا العصر المظلم من حياة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.(1/6)
وبما أن المدرسة من أهم مؤسساتنا الاجتماعية لأن فيها تلقى البذور التي يمكن أن تنقذنا من الغفلة وتوقف انجرافنا مع تيار الثقافة الغربية المخالفة لدين الله.. ويمكن أن تحكم الاقفال على قلوبنا وتزيد أعيننا غشاوة وآذاننا وقراً.. فلا نعي ولا نرى ولا نسمع دعوة الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. فلنعتمدها أبرز حقل نزرع فيه هذه الحقيقة وننقلها من المقال المجرد إلى العمل الخالص لله في سبيل إعادة الأمة المسلمة إلى صراط الله المستقيم الذي لم يهتد إليه المختصون في علم النفس ولا المختصون في علم التربية في الشرق والغرب المعاصر.. ولا أعوان الاحتلال الأجنبي الذين لقننا دروس ونظم التعليم المعاصر التي عضضنا عليها بالنواجذ.. هم لم يهتدوا إليه ولم يتبعوه.. ومن العبث أن نلتمس منهم نظريات ومبادئ الهداية إليه.. أو نتوقع الجمع بين اتباع دعاة الحق في جانب من حياتنا وتقليد اليهود والنصارى والملحدين في الجانب الآخر.
الهدف العام إذن: تهيئة الفرد والجماعة لتحمل مسؤولية الخلافة في الأرض.. بعبادة الله وابتغاء مرضاته.. بالتعرف على أوامره واتباعها، والتعرف على محظوراته واجتنابها.. التعرف على أسباب رضاه والأخذ بها.. والتعرف على أسباب سخطه والبعد عنها.. والأهداف التفصيلية إذن: هي كل تنظيم يوصل إلى هذا الهدف.. وفي هذا الحيز لا مكان لهدف اللحاق بالحضارة الصناعية لأنها كافرة بالله محادة له، ولأن هذا الهدف لا يتضمن عبادة الله حق عبادته.
المحتوى الدراسي:
يتكون المحتوى الدراسي في هذه المرحلة من ثلاث خبرات مرتبة حسب أهميتها فيما يلي:
1) السلوك.
2) المهارات.
3) المعلومات.
أما مهمة اختيار قواعد السلوك:-(1/7)
لتربية النشء المسلم عليها في هدي شريعة الله فستكون أسهل المهمات.. لأن هذه القواعد مرسومة بدقة ووضوح في كتاب الله وسنة رسوله ونتاج عقول السلف الصالح الذي لا يدين للثقافة الغربية بنظرية ولا تطبيق ولا يهمه أن تدين له الثقافة الغربية الكافرة بمثل ذلك.
هذه القواعد التي ستحكم صلة الإنسان بربه وصلة الإنسان بعبادة ربه. وصلة الإنسان بآيات ربه ومخلوقاته سيكون مصدرها الوحيد شريعة الله لا مجال لرأي الفرد أو المجتمع في تغييرها أو تبديلها أو زيادتها أو نقصها..
ستجد أغلبية البشر يعبدون من دون الله: شياطين الإنس والجن.. وتعاليم الحزب.. ورأس المال.. والمصلحة الشخصية.. والنفس الأمارة بالسوء.. وشيخ الطريقة ورئيس الجماعة.
ونفزع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى نطلب منه التوجيه.. ونقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ}، فنعود إلى الله ونحقق عبادته ونضعها فوق كل اعتبار ونحكمها في القيم والأخلاق والسلوك والمعلومات والمهارات.(1/8)
وسيقول لنا الناس: "الكلمة للقوى الصناعية.. ونقرأ في كتاب الله: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.. فنطمئن إلى أن كلمة الله هي العليا وأن جند الله هم الغالبون.. {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.(1/9)
سيقول لنا الناس والعرف الاجتماعي والعادة والغريزة البشرية – مثلاً – إن أهلنا مطلقاً هم الأولى بولائنا ومودتنا ومنفعتنا من نتصل بهم نسباً من أب وولد وأخ وقريب، ولكننا نقرأ في كتاب الله: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ، قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. فنطيع الله ونثبت قوله قاعدة لسلوك المسلم ونرفض قول الناس والعرف والعادة والغريزة.. ونوالي في الله ونعادي، ونحب ونبغض فيه، ونصحح نهج القيم والسلوك على هذا الأساس.(1/10)
وستقول لنا الثقافة الغربية إن علينا قهر الطبيعة لنتمكن من تسخيرها في خدمتنا ورفاهيتنا، ولكننا نقرأ في كتاب الله: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}، {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}، {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، فنكفر بالثقافة العلمانية إذا خالفت الشرع ونؤمن بالله ونتبع هداه، ونعرف أن الطبيعة مسخرة لنا وأن مهمتنا أن نستعملها بعدل وتواضع وأن نتخذ في ذلك طريقاً وسطاً: نستعمرها ونستفيد منها في سبيل الآخرة والجنة.. لا نترهب فنعزل أنفسنا عنها ولا نطغى فنعبث بالتوازن الدقيق الذي طبعها الله عليه.(1/11)
سيحاجنا الناس بقولهم: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)، فنقرأ عليهم قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ، وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ، كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ، انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}، فنقرر أن يكون نصيبنا من الدنيا اتخاذها مطية صالحة للآخرة..
وستدعونا أغلبية البشر إلى الركض معهم في أعقاب الحضارة الصناعية فلا نسمح للكثرة بأن تخرجنا عن صراط الله عندما نتذكر ونتدبر قول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}، وقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.
هذه أمثلة لبعض قواعد السلوك التي يجب أن تأخذ المرتبة الأولى في اهتمام المدرسة والتي لا يصح أن نلتفت في تقريرها أو التعرف على وجه الحق فيها إلا لما أنزله الله حتى لا نقع فيما حذر الله تعالى منه رسوله صلى الله عليه وسلم: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ، وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أشك ولا أسأل"..(1/12)
ولنا في رسول الله قدوة حسنة.. وقد دون السلف الصالح سلوكه صلى الله عليه وسلم في كل حركاته وسكناته واتصاله بالله ومعاملته لخلقه، وخير مرجع بين يدي (زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم رحمه الله).
المهارات:
يحكم اختيار المهارات – عنصراً هاماً من عناصر الخبرة المدرسية – ثلاثة مقاييس:
1) الحاجة الواضحة إليها..
2) خدمتها للهدف العام..
3) موافقتها للشريعة..
ومن أهم هذه المهارات في رأيي:
1) مهارة طالب العلم في استعمال وسائل تحصيله الأساسية: القراءة والكتابة والحساب؛ لتمكينه من فهم وتدبر ما يسمع ويقرأ.. وإفهام غيره ما يقول ويكتب وتدريبه على طرق البحث والاستدلال والاستقراء وفق المعايير الشرعية، واستخدام النتائج السابقة، واستعمال الوحي والفقه في سبيل الوصول إلى النتائج الجديدة المطلوبة.. {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
2) مهارة البحث العملي في العلوم الطبيعية والرياضيات؛ في سبيل الوصول إلى زيادة الاستفادة من القوى الطبيعية التي سخرها الله لعباده.. قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.(1/13)
3) مهارة الابتكار؛ والقدرة على تخطي حواجز الإلفة، وإعادة النظر والملاحظة، واكتشاف علاقات جديدة ونسب جديدة حتى لا نقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}، أو نقول: (سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته)، أو نقول: هكذا تفعل الدول المتقدمة.. وقال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
4) مهارة التعليم الذاتي المستمر؛ بحيث لا تتوقف عملية التعلم على طرف ايجابي هو المعلم وطرف سلبي هو المتعلم وعلى مكان وزمان وسن محدد.. وبحيث ينطلق التعلم من قيود التنظيم البشري المعاصر وبحيث لا يحده إلا قيد التقوى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
5) مهارة القيادة.. ليتدرب الناشئ على تحمل المسؤولية عن نفسه وعن الآخرين من خلال اشتراكه في إدارة شئون مدرسته، وأعلاها: توجيه علاقة الطالب بأساسيات الخبرة المدرسية.. وأدناها: تنظيف المدرسة.. وفي الحديث: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يخدم أهله.(1/14)
6) المهارة المهنية: للتعرف على أساسيات المهن والتدرب الأولي على مهنة أو أكثر بالقدر الذي يهييء للناشئ الشعور بكرامة العمل والعامل، وأنه لا فرق بين عمل وعمل إلا بزيادة درجة التقوى في الغاية والوسيلة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وبالقدر الذي يعينه على سد حاجات العمل في مؤسسته وفي بيته.. وبالقدر الذي يفتح له باباً جديداً لكسب العيش وخدمة المجتمع المسلم بعد دراسة أو تدريب إضافي تحدد مستواه الحاجة الفعلية وقاعدة العرض والطلب.
المعلومات: تحكم اختيار المعلومات نفس مقاييس اختيار المهارات..
وتنقسم إلى قسمين:
1) قسم ضروري لكل فرد بقطع النظر عن مستقبل دراسته أو نوع عمله أو نهج حياته ويشتمل على:
الفقه في الدين..
واللغة العربية..
والتربية..
الدين: لأنه يحكم ويوجه حياة الفرد وعلاقة دنياه بآخرته..
واللغة العربية: لأنها لغة الكتاب الأساسي للدين والحياة الذي تعهد الله بحفظه من التحريف والتغيير والتبديل: قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. ولأنها الوسيلة الأولى لفهمه والعمل به والدعوة إليه.. ولهذا فليكن القرآن والسنة مرجعها الوحيد في الرسم والإعراب والإملاء والأسلوب.. وكيف نبتغي به بديلاً وهو من عند الله.. وهو لا يدانيه نص في نقاء اللغة وروعة الأسلوب وقوة التأثير وسهولة المنال وكثرة التداول ووفرة النسخ..
والتربية: لأنها مسؤولية إنسانية مشتركة لا يشذ عن تحملها إلا شاذ.. لابد منها لتطوير مستوى تأدية الفرد لمسؤوليته في المجتمع المسلم والداً وقريباً.. ودراسة التربية للأنثى آكد لأنها أولى وظائفها الطبيعية أماً، وأولى وظائفها المعيشية إذا رغبت الانتظام في سلك الوظائف العامة: مدّرسة.(1/15)
إن عدداً قليلاً جداً من النساء في المجتمع المسلم سيحتاج أو يستعمل أكثر المواد المقررة الآن في المرحلة الثانوية.. ولكنهن مضطرات أحياناً ومختارات أحياناً للتقليد فقط ولصعوبة الانعتاق من القيود التي فرضتها الثقافة الغربية على نظامنا التعليمي.. ويبلغ بنا التقليد والتناقض حداً يجبر الطالبة على دراسة إدارة البنوك في نفس الجامعة التي تحتضن اليوم مشكورة مؤتمر التربية الإسلامية مع أن الجامعة إذا كانت تعني ما تقول لا تقر عمل المرأة في البنك، كما أن قرارات مؤتمرها للاقتصاد الإسلامي تعتبر العملية البنكية المعاصرة مخالفة للشريعة في أكثر معاملاتها التجارية، وما يسمى بالبنك النسائي تسويل من النفس والشيطان لاخراج المرأة من قرار بيتها باسم الدين.
2) وقسم يدرسه الفرد لتغطية حاجة معينة وإرضاء ميل فطري يشير إلى مكانه المعيشي في الحياة الدنيا حسب الدرجة التي أراد الله له أن يتبوأها في سلم الخدمة الاجتماعية المتبادلة.. قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
وبما أن تغطية حاجة الفرد تعني في النهاية تغطية حاجة المجتمع عامة.. فلننبذ التخطيط المفتعل لمحاولة وضع كل فرد في مكان معين تحدده خطة للتنمية وضعها فئة من البشر ناقصة الخبرة بما مضى ومعدومة الخبرة بما سيأتي به الله في المستقبل.
العلاقة بين أجزاء المحتوى الدراسي:(1/16)
الفقه في الدين.. هو الموضوع الرئيسي.. والمحور الذي تلتف حوله مواضيع الدراسة الأخرى.. ومرجعها في اختيار المادة والهدف والتنفيذ وتصحيح اتجاهها، والاهتمام بالأحكام والأخلاق الشرعية، لا يعني مجرد زيادة عدد دروسها منعزلة عن المواد الأخرى.. بل يعني تحكيمها واستحضارها في كل ما ندرس قولاً وعملاً..
وللتمثيل على ذلك: عندما يقوم الطالب بإجراء تجربة أو بحث نظري أو عملي فلا مجال للصدفة في الهدف أو الممارسة أو النتيجة.. لابد أن يحدد منذ البداية علاقة ما سيعمل بهدف وجوده وبخدمة الفرد والمجتمع المسلم في سبيل هذا الهدف.. وأن يكون مجمل الممارسة وتفاصيلها متمشية مع قواعد السلوك الدينية وأن تكون النتيجة المطلوبة مرتبطة بالهدف الأصلي.. وستزول التناقضات بين النظرية الدينية والتنفيذ اللاديني الموجود الآن عندما يحرم التصوير في مادة دينية ويحلل في مادة فنية – مثلاً -.. وعندما تؤكد الدراسة نظرية وجوب إقامة الصلاة في الصباح ويشغل وقت الصلاة بالنشاط الرياضي في المساء.. ولن يمجد نابليون – مثلاً – ويوصف بالبطولة لأنه غير مسلم ولأن أهدافه وأفعاله ووسائله غير شرعية ولا إنسانية.
التنظيم:
1) الشرط الوحيد للقبول: توفر القدر الكافي من أسس المعرفة لمتابعة الدراسة ومقياس ذلك: اختبار القبول أو وثيقة دراسية تثبت ذلك.
2) لا يوجد حد للسن التي يلتحق فيها طالب العلم بالدراسة أو يتوقف عنها.
3) عدا العلوم الدينية والتربوية واللغوية التي تمثل مجموعة المعلومات المشتركة بين طلاب العلم.. فإن للطالب أن يختار اتجاهه ولون دراسته من بين مجموعات الدروس التي توفرها المدرسة.
4) عدا قدر مشترك من الخبرة المهنية فإن للطالب اختيار النشاط الملائم لحاجته واستعداده.(1/17)
5) لطالب العلم مجال اختيار واسع بالقدر الممكن في وقت دراسته ومقدارها والفترة التي ينهي خلالها الدراسة.. وفق الاختلاف في القدرة على الاستيعاب وطريقة العمل وظروف الحياة وفق قدر الله لكل فرد.
6) تربط النظرية بالتنفيذ؛ في درس اللغة العربية لا يتكلم الطالب ولا المعلم إلا الفصحى.. وفي درس الكيمياء توفر الممارسة التجريبية (على الأقل) وفي درس التجارة والصناعة توفر الممارسة الحقيقية داخل المدرسة أو خارجها.
7) لغة التدريس عموما: اللغة العربية الفصحى..
8) التقويم (الاختبار) خبرة دراسية مستمر طوال فترة الدراسة يشترك فيها الطالب والمعلم وجهاز الإشراف في المدرسة.. تهدف إلى رفع مستوى الطالب الدراسي على أساس قدرته وحاجته وطريقة تعلمه.. وتسقط من الاعتبار المنافسة إلا في طلب مغفرة الله ورضوانه وجنته وإلا بين مستوى الطالب نفسه في الماضي والحاضر.. لا بين طالب وطالب خلقهما الله مختلفين.
والتقويم يهتم بقرائن النية وبالخلق وبذل الجهد كل حسب طاقته وبالسلوك العملي وليس بالنتيجة.. فالله سبحانه وتعالى يثيب ويعاقب على النية الصالحة وبذل المحاولة حتى ولو لم تتحقق الغاية المنشودة فإن بعض الأنبياء يأتي يوم القيامة وليس معه أحد.
والتقويم يهتم بالتطبيق العملي خاصة في العلوم الدينية والأخلاق الشرعية.. والأولى أن الطالب الذي يحافظ على صلواته يجب أن يسبق في التقدير الطالب الذي يفوقه في سرد شروط الصلاة وأركانها وواجباتها ولكنه لا يحافظ على أدائها، بل ينفرد دونه بالنجاح.. وعلاقة الطالب بزملائه ومدرسيه والعاملين في المدرسة وأهله يجب أن تحتسب له أو عليه بحسب ارتباطها أو انفصالها عن قواعد السلوك في شرع الله.(1/18)
9) الشهادة التي يحصل عليها الطالب تثبت مستوى الظاهر من نيته وجهده وسلوكه ومستوى عمله ومدة دراسته.. لا علاقة لها بنظم التوظيف ولا بنظم القبول في الجامعات.. وللجامعات وإدارات التوظيف إعداد اختباراتهما للقبول في الدراسة والقبول في الوظيفة فذلك أجدى لهما وأكثر حكمة وعدلاً وأصلح للفرد والمؤسسة والمجتمع.
كيفية التنفيذ:
تتولى جماعة أو جماعات متفرغة من علماء المسلمين الدعاة إلى الله على منهاج النبوة دون ارتباط بقيد الجنسية صياغة الأهداف واختيار المحتوى الدراسي ورسم التنظيم واختيار أو تأليف الكتب الدراسية ووضع مواصفات المعلمين والإداريين والوسائل الضرورية للتنفيذ.. ويشترط في أفراد هذه الجماعات:
1) الدين علماً وعملاً ومنهاجاً بما لا يتجاوز الوحي والفقه في نصوصه من أهله الأول.
2) الخبرة الدراسية النظرية والعملية الكافية في حقل التخصص.
3) الخبرة التربوية.. نظرية أو ممارسة.
خاتمة:
وبعد.. أيها الإخوة في الله.. نحن أمام طريقين لا ثالث لهما: إما أن نكون مسلمين لنا كياننا وشخصيتنا وثقافتنا وأهدافنا المستقلة.. وإما أن نندمج في كيان وشخصية وثقافة وأهداف غير المسلمين.. إما أن نطيع الله ونستمد منه وحده العون.. وإما أن نكل أنفسنا وأفكارنا وأعمالنا لليهود والنصارى والمشركين.. إما أن نتبع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وصحابته رضوان الله عليهم.. وإما أن نتبع كل ناعق تحت راية الحضارة المعاصرة وتحت شعار اللحاق بالدول (المتقدمة).. ولئن تقدمت أوروبا وأمريكا واليابان في بعض جوانب هذه الحياة التي هي ممر فلقد تأخرت في كل ما يتعلق بالآخرة التي هي المستقر والغاية الصحيحة والأخيرة..(1/19)
وهذا الطور المعاصر من أطوار البشرية يعلم ظاهراً من الحياة الدنيا – للاستهلاك الدنيوي – ويغفل عن الآخرة.. وحتى انجازه الدنيوي لا يستحق كل هذا الاعجاب والتقليد من المسلمين إذا قارنا فوائده بمساوئه في الدنيا دون حساب لصده عن الآخرة وإذا تذكرنا تأثيره في بؤس الأكثرية وضياعهم وإذا حسبنا نسبة الجرائم والانتحار والطلاق وفساد البر والبحر والجو..
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.
سعد الحصين(1/20)