خالد أحمد الشنتوت
الطبعة الرابعة
الطبعة الأولى (جدة ) 1411هـ
الطبعة الثانية (بيروت ) 1413هـ
الطبعة الثالثة ( الجزائر ) 1415هـ
الطبعة الرابعة (منقحة ) ( المدينة المنورة)1422هـ
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة (1) :
إن الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ..
فقد صحا كثير من المسلمين من غفلتهم التي خلفتهم عن ركب الحضارة ، وجعلت الهوة بينهم وبين الإسلام واسعة وعميقة ، وبحثت الصحوة الإسلامية عن أفضل السبل التي تعيد المسلمين إلى الإسلام ، فلم تجد أفضل من طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، الذي سلكه في مكة المكرمة والمدينة المنورة من أجل إقامة المجتمع المسلم ؛ وهو التربية ، فقد ربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على الإسلام حتى جعل منهم أفراداً مسلمين ، ثم بنى منهم المجتمع المسلم . لذلك رأت الصحوة أن إعداد الفرد المسلم ، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم ، هو الطريق المسلم لإعادة بناء الأمة المسلمة .
__________
(1) هذه مقدمة الطبعة الأولى ، وقد طبعت الثانية والثالثة دون أي تغيير ، أما هذه الطبعة الرابعة فقد حذفت بعض الفقرات المكررة في الكتاب ، وخاصة من الفصل الأول والمقدمة ، وغيرت بعض الترتيب ، وحسب منهجي في التأ ليف حاولت الاختصار لأن خير الكلام ماقل ودل .(1/1)
وتزايد عدد الشباب المسلم ، ذكوراً وإناثًا ، الشباب الذين ينتخبون المشروع الإسلامي ، في كثير من بلدان العالم الإسلامي ، حتى حصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية في الجزائر عام (1992م) على أكثر من (80%) من الأصوات ، وعلق صحفي عربي مهاجر (غير مسلم) فقال : لو أجريت انتخابات نزيهة في أي بلد عربي لحصل التيار الإسلامي على مثل هذه النسبة . وهكذا توفرت القاعدة الأفقية التي تنتخب المشروع المسلم ، لكن أين القاعدة الصلبة ( الرأسية ) التي يقام عليها المجتمع المسلم ، أين الأفراد الأفذاذ الذين يحملون المجتمع المسلم كما تحمل ركائز الإسمنت والحديد العمارة فوقها ؟ هذه القاعدة الصلبة التي رباها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة والمدينة ثم أقام عليها المجتمع المسلم !؟
هذه القاعدة الصلبة تتكون من الرجال والنساء ، ألم تكن سمية - رضي الله عنه - ا أول شهيدة في الإسلام ؟ وأسماء - رضي الله عنه - ا أول فدائية ، وخديجة - رضي الله عنه - ا التي ثبتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعمته بمالها ، والقاعدة المسلمة في دار الأرقم ، والتي هاجرت إلى الحبشة مرتين ، والتي وقفت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حصار الشعب ، ثم هاجرت إلى المدينة المنورة ، هذه القاعدة الصلبة كانت من الرجال والنساء . رجال يقف أحدهم يوم أحد فيترس بجسمه دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصد عنه النبل ، ويتلقاه بجسمه ليحمي جسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونساء مثل أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية التي ثبتت مع نفر قليل من الرجال يوم أحد ؛ تدافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى خلصت إليها الجراح رضي الله عنها .(1/2)
هذه القاعدة الصلبة المكونة من أفراد أفذاذ ، نريد منهم اليوم أن يقيموا المؤسسات المسلمة ، والمؤسسات مرحلة ضرورية في بناء المجتمع ، ولابد من إقامة المجتمع المسلم قبل الدولة المسلمة . والمهمة العاجلة للصحوة المسلمة اليوم إعداد هؤلاء الأفراد الأفذاذ الذين يقيمون هذه المؤسسات الاجتماعية المسلمة .
فالمجتمع المسلم هو مجموعة من الأسر المسلمة تربطها عقيدة الإسلام ، وتقيم هذه الأسر مؤسسات اجتماعية ، إذ لا يقوم مجتمع بدون أسر ، كما لايقوم مجتمع بدون مؤسسات ، ولا تقوم الأسر والمؤسسات بدون أفراد ، وإذا كان الفرد المسلم العادي يقيم أسرة مسلمة ، فإن المؤسسة المسلمة تحتاج فرداً مسلماً فذاً .
وقد فشلت التربية المعاصرة عالمياً كما يشهد لذلك إدجار فور في كتابه ( تعلم لتكون ) ، ويقول ( يجب أن نجعل التعليم عملية موزعة في الزمان والمكان ، ويجب أن لا تنحصر التربية داخل جدران المدرسة ) (ص 248) وهذا يعني أن نعيد للبيت مكانته التربوية ، والبيت هو المؤسسة التربوية الأولى ، ودوره أكبر من دور المدرسة ، وتزداد أهمية البيت كلما زاد فشل المدرسة والمجتمع في التربية ، والأم هي الركن الأساس في البيت ، لأن البيت مقر عملها ، ولأن الطفل قطعة منها ، لذلك كله ينبغي الاهتمام بتربية البنات ، كي نقدم أماً مسلمة فذة ، تكون ركناً أساساً في أسرة مسلمة فذة ، تقدم لنا أفراداً أفذاذًا يبنون المؤسسات الاجتماعية كي يقوم عليها المجتمع المسلم . لذلك رأيت أن أقدم هذه المعالم في تربية البنات لعلها تساعد البيت المسلم على إعداد بناته إعداداً إسلامياً ، كما تتطلب هذه المرحلة ، وأسأل الله أن يتقبل مني هذا الجهد ، وأن يجعله خالصاً لوجهه عزوجل . والحمد لله رب العالمين .
... ... ... ... المدينة المنورة
... ... الطبعة الأولى في (عيد الأضحى 1410هـ).
... ... والطبعة الرابعة في (عيد الفطر 1421 هـ) .
خالد أحمد الشنتوت
الفصل الأول
التربية في المجتمع المسلم(1/3)
قال تعالى في كتابه العزيز :{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ..} (آل عمران : 110) فأين واقع المسلمين اليوم مما أمرهم الله به ، لا شك أن المسافة بعيدة جداً بين حال المسلمين اليوم وبين ما أراده الله عزوجل منهم ، بل إن حالهم اليوم يتضح في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أخرجه أبو داود عن ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ] ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : [ بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ] . فقال قائل : وما الوهن يارسول الله ؟ قال : [ حب الدنيا وكراهية الموت ] (سنن أبي داود ، ص484) .
ومن أجل تغيير حال المسلمين من الوهن ( حب الدنيا وكراهية الموت ) إلى أن يعودوا { خير أمة أخرجت للناس } لا بد من تربية أطفال المسلمين على الإسلام ، والتربية : تنشئة الأطفال وإعدادهم للدنيا والآخرة ، ورعاية نموهم رعاية شاملة لجميع جوانب النمو الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي والخلقي والروحي (1) .
وإذا كان الانحراف عن الإسلام سببه البعد عن منهج التربية الإسلامية(2)فإن تصحيح الانحراف لن يكون إلا بالتربية الإسلامية لأن الله عزوجل قال{ إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد:11) .
__________
(1) عبد الرحمن نحلاوي ، التربية الإسلامية ، ص 12 .
(2) محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، 1/10 .(1/4)
وأهم مراحل التربية هي مرحلة الطفولة ، وتزداد أهميتها كلما كان الأطفال أصغر سناً لأنهم أقرب إلى الفطرة { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } (الروم : 30) وهذه الفطرة هي الإسلام ، وكلما تأخرت التربية في رعاية نموهم زاد العبء الملقى على عاتق المربين ، إذ يجب عندئذ هدم الركام الجاهلي الذي غطى الفطرة ثم تنميته كما أراد خالقها فاطر السماوات والأرض .
التربية وسيلة التغيير الأساسية :
عندما تقتنع جماعة من المسلمين المعاصرين بفريضة العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وترسخ هذه القناعة في ضمائرهم ، فإن هذه الجماعة تربي أفرادها على الإسلام وتجعل منهم دعاة له يوقظون المسلمين من غفوتهم ويذكرونهم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وكلما استجاب نفر من المسلمين وجب تربيتهم وتكوينهم على الإسلام . والتربية المقصودة هنا هي إعادة تربية لأنها تهدم مابني من أفكار ومشاعر وتصورات جاهلية وتزيل ذلك الركام والران الذي غطى الفطرة السليمة ، ثم تنمي تلك الفطرة السليمة ومن أمثلة ذلك جيل الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين . لقد بدأ الإسلام بتصحيح العقيدة أولاً ، فنزع من شعورهم مفهوم الأرباب لينمي فيها الإيمان بالإله الواحد ، وحين تتغير العقيدة يتغير السلوك (1). تلك التربية كانت على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أتوقع اليوم أن نعيد تربية مجتمع بكامله ، شب ونشأ على الانحراف وتأصل فيه الفساد ، والأفضل من ذلك اليوم أن يوجه الدعاة جهودهم إلى تربية الأطفال على الإسلام ، ويمكن ترتيب أولويات التربية الإسلامية على النحو التالي :
1- التربية المستمرة للدعاة أنفسهم ، وحملها على الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليكونوا خير قدوة لغيرهم .
__________
(1) محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية 2/32 .(1/5)
2- التربية الإسلامية لأطفال الدعاة المسلمين ، حيث توفر البيت المسلم وهو المحضن الصحيح لإعداد الأفراد المسلمين الأفذاذ - اللبنات القوية في القاعدة الصلبة - وهؤلاء الأطفال هم المقصودون أولاً بهذا البحث .
3- التربية الإسلامية لأطفال المسلمين بواسطة المؤسسات التربوية كالمسجد والمدرسة ووسائل الإعلام والمجتمع ، لأن الأطفال أينما كانوا على الفطرة ، كما أخرج الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ما من مولود إلاويولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه ..] (اللؤلؤ والمرجان ، 1702) .
4- إعادة التربية للكبار الذين قرروا الالتزام بالإسلام كما سبق بيانه .
التربية تغير الأنفس :
التربية وسيلة التغيير الأساسية لأنها تغير الأنفس ، فهي في تربية الأطفال تنمي عندهم فطرة الله التي فطرهم عليها ، فتبقى أحوالهم متفقة مع فطرة الله عزوجل ، وفي إعادة التربية تهدم الركام وتنظف مكانه ثم تبني قيماً جديدة مكانه،وهكذا تغير الأنفس. قال تعالى { إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } (الرعد : 11) ، وفي هذه الآية تغييران : الأول تغيير ما بالأنفس ، والثاني تغيير ما بالقوم ، وشاءت حكمة الله عزوجل أن يجعل التغيير الأول سبباً للتغيير الثاني ، فجعل التغيير الثاني لاحقاً للتغيير الأول وبينهما علاقة سببية فالأول سبب الثاني ، والثاني نتيجة للأول، وشاء الله عزوجل أن يجعل التغيير الأول يقوم به الناس ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، والضمير في الفعل يعود على القوم ، أما التغيير الثاني فيأتي به الله عزوجل (1) . لذلك يتضح أهمية التغيير الأول ، ويتضح أهمية التربية في تغيير المجتمع .
__________
(1) جودت سعيد ، حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ص 39-51 بتصرف كبير .(1/6)
هناك وسائل أخرى للتغيير الاجتماعي ، كالانقلاب العسكري ، أو الثورة الشعبية ، أو التحولات الطبيعية ، لكن كل هذه التغييرات لا تمس سوى ظاهر المجتمع ، أما الأنفس فلا تتغير إلا بالتربية ، ومع أن طريق التربية طويل جداً وشاق وذو تكاليف ؛ لكنه الطريق الوحيد (محمد قطب 2/11) . ويتطلب عمل أجيال متواصلة يكمل الجيل اللاحق ما قام به الجيل السابق ، حتى يأذن الله عزوجل ويغير ما بالقوم ، ونعود إلى الحياة المسلمة { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز } (المجادلة : 21) .
والتربية تبني المجتمع المسلم ، أوتعيدبناءه ، ثم تحافظ على استمرار هذا المجتمع، فالتربية - كما يقول ادجار فور - تؤدي وظيفتين يبدو لأول وهلة أنهما متعارضتان وهما : التغيير والمحافظة (ص106) ، وقد غير رسول لله - صلى الله عليه وسلم - المجتمع العربي في مكة والمدينة ، وبنى المجتمع المسلم ، ثم حافظ صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون على هذا المجتمع المسلم ، عندماربوا أولادهم على الإسلام.
أبعاد التربية المطلوبة :(1/7)
يقول الشيخ محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر) : ( إنه لابد من ارتياد الطريق الطويل ، طريق التربية ، لإنشاء القاعدة المسلمة التي تسند الحكم الإسلامي حين يقوم ، وتظل تسنده لكي يستمر في الوجود بعد أن يقوم ) (ص 474) ، ويتابع الشيخ محمد قطب ( ..وأفضل لون من التربية قام في الساحة (المعاصرة) حتى اليوم ، هو الذي قام به الإمام الشهيد بين الإخوان العاملين الذين رباهم على عينه ، وأفضل جوانب هذه التربية هو الأخوة المتينة ، والروح الفدائية الصادقة ، والجندية الملتزمة ، ثم تحرير لاإله إلا الله في حسهم من التواكل إلى سلوك وحركة واقعية وعمل ، ومع ذلك نجدأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربى أصحابه ليكونواجنوداً فائقين تحت قيادته ، وصفًا ثانياً (قادة ) بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، وهذا لم نجده عند الإخوان العاملين الذين رباهم الإمام الشهيد (1).
ثم يبين الشيخ محمد قطب أبعاد التربية الإسلامية المعاصرة المطلوبة فيكتفي بثلاثة أبعاد يرى أنها ذت أهمية خاصة وهي :
1- قال تعالى { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } (الذاريات : 58) ، والمطلوب ترسيخ هذا المبدأ في نفوس القاعدة المسلمة إلى درجة اليقين ، الذي لايتغير عند الشدة ، فالعقيدة لاتغير شيئاً في واقع الناس حتى ترسخ وترسخ وترسخ ، حتى تصبح يقيناً قلبياً (ص488) .
2- { إنما المؤمنون إخوة } (الحجرات : 10) وتختبر الأخوة في الشدة أو في الطمع ، الذي يتميز فيه الإيثار والحب للآخرين من الأثرة وحب الذات (ص490) .
__________
(1) ربما تدارك الإمام الشهيد ذلك لوامتد به العمر-والمعروف أنه استشهد في التاسعة والأربعين من عمره يرحمه الله.(1/8)
3- النظام من ضرورات الحياة البشرية ، وهو من التحديات الحضارية التي تواجه الأمة المسلمة المعاصرة ، فقد أنشأ الإسلام منهم أمة شديدة التنظيم ـ والإسلام كله نظام ودقة ، فالصلاة مواقيت ، والصوم مواقيت ، والحج مواقيت ، والزكاة مواقيت وقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمة المسلمة أمة منظمة تنظيماً دقيقاً (ص 494) .
والتربية المطلوبة لإقامة القاعدة المسلمة تهدف إلى إخراج نماذج فذة ، لا إلى مجرد مسلمين عاديين ، نماذج تكون كالأعمدة الراسية في البناء ، لتحمل ثقل البناء فيما بعد وتحتاج هذه القاعدة إلى :
1- عقيدة صافية كعقيدة السلف الأول .
2- إدراك واع لمقتضيات هذه العقيدة التي شملت جوانب الحياة كلها .
3- ترجمة هذه العقيدة في سلوك عملي واقعي .
4- ترسيخ معاني الألوهية حتى تصبح يقيناً قلبياً نبني عليه سلوكاً واقعياً .
5- ترسيخ أخلاقيات لاإله إلا الله ، حتى تصبح سلوكاً ينبثق عن النفس ، يشمل سلوك الإنسان كله .
6- الوعي السياسي بأحوال العالم المعاصرة ، وأحوال المسلمين في ظروفهم الراهنة ، ومكايد الأعداء ضد الإسلام .
7- الوعي الحركي الذي لايتعجل الخطى قبل أوانها ، ولايدع الفرص تفوت دون أن يستفيد منها .
8- توازن النزعة الفردية مع النزعة الجماعية ، فلايكون المسلم إمعة،ولاأنانياً.
9- وعي فقهي يعرف به الفرد ماذا يأتي وماذا يدع ، ومتى يسمع ويطيع ، ومتى يفضي به السمع إلى الهلاك (ص524) .
دور البيت في التربية
إذا كان البيت والشارع والمدرسة والمجتمع هي ركائز التربية الأساسية فإن البيت هو المؤثر الأول وهو أقوى هذه الركائز جميعاً لأنه يتسلم الطفل من أول مراحله ، ولأن الزمن الذي يقضيه الطفل في البيت أكبر من أي زمن آخر ، ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيراً في الطفل (محمد قطب 1/93) .(1/9)
وتتضح أهمية دور البيت عندما نتذكر أن الطفل يولد على الفطرة، ويتسلمه البيت على الفطرة ، فإما أن يرسخ فيه هذه الفطرة ، أو يحرفه عنها، فقد أخرج الشيخان رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال [ مامن مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ] (1). فقد وضع الله عزوجل فطرته في هذا الطفل ، وجعل والديه أمناء على هذا المولود ، كي ينشأ سليماً كما فطره الله ، ولذلك اعتنى الإسلام بالأسرة لتكون المحضن الهادئ والمستقر للطفل ، ويتضح ذلك من التشريعات المتعلقة بالأسرة ومنها كفالة الزوج لزوجته كي تتفرغ لمهمتها العظمى في تنشئة الأجيال .
وتتجلى أهمية البيت في التربية عندما نعلم أن الطفولة الإنسانية أطول من أي طفولة في الكائنات الحية الأخرى ، كما تتميز الطفولة الإنسانية بالمرونة والصفاء والفطرية ، وتمتد زمناً طويلاً يستطيع المربي خلال هذه الفترة الطويلة أن يغرس في نفس الطفل مايريد ، وأن يوجهه حسبما يرسم له من خطة ، ويستطيع كذلك أن يتعرف إلى إمكانياته فيوجهه حسبما ينفعه (محمد نورسويد ،ص79) .
وما يتربى عليه الطفل يثبت فيه فهذا (رينيه دوبو ) يقول : لقد شعرت بارتياح كامل منذ البداية في كل مكان عملت فيه في الولايات المتحدة ، ولاأظن مكاناً آخر في العالم كان سيمنحني الصحة والنجاح والسعادة التي وجدتها هنا ، ومع ذلك وبعد أكثر من أربعين سنة من الحياة في أمريكا ، لايزال عندي تحفظ ذهني عندما أقول : أنا أميركي ، لأنني لم أتجاوز ولا أريد أن أتخلص من تقاليدي التي اكتسبتها في قريتي الصغيرة الفرنسية حيث مضيت سني تكويني ، والتي تركت طابعاً لايمحى في وجودي العضوي والفكري (ص28) .
__________
(1) صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب إذا أسلم الصبي فمات، وصحيح مسلم،باب القدر رقم (2658).(1/10)
ثم يتحدث (دوبو ) في كتابه (إنسانية الإنسان ) فيقول : ( ولقد أوليت تأكيداً خاصاً للتأثيرات المبكرة قبل وبعد الولادة لأن نتائجها من العمق والديمومة بحيث لها عواقب كثيرة على الحياة الإنسانية ) (ص30) .
ثم يقول دوبو : ( والنظرية الثانية تقول إن تجارب الحياة في الفترة المبكرة من العمر هي التي تشكل الخواص العضوية والفكرية للطفل ، بأسلوب لامجال تقريباً لتغييره بعد ذلك ) ، ( وكثير من نتائج التأثيرات الباكرة ـ إن لم نقل كلها ـ هي حقاً دائمة وكأنها في الظاهر لاتزول أبداً ) ، ( ولايصل الأولاد إلى سن الثالثة أو الرابعة من عمرهم إلا وتكون نماذج سلوكهم قد تبلورت نهائياً من أثر العوامل الثقافية والبيئية) (ص114) . وما يحدث للطفل في فترة الطفولة المبكرة يرسم الملامح الأساسية لشخصيته المقبلة ، حيث يصبح من الصعوبة إزاحة بعض هذه الملامح مستقبلاً سواء كانت سوية أو غير سوية ، وتشير الدراسات إلى أن إزاحة الملامح غير السوية أكثر صعوبة من السوية ، وتقول ( مارغريت ماهلر ) : إن السنوات الثلاث الأولى من حياة كل إنسان تعتبر ميلاداً آخر ، واتفق فرويد وإدلر ويونغ وألبورت ( مدرسة التحليل النفسي ) على أن السنوات الأولى هي مرحلة الصياغة الأساسية التي تشكل شخصية الطفل (عبد الله محمد خوج ،ص12). ويرى (سكنر) أن أكثر الأمراض الخلقية كالأنانية والفوضى وفقدان الثقة بالذات وعدم الشعور بالمسؤولية والرياء والنفاق تنشأ جرثومتها الأولى في البيت ، ويصعب على المدرسة والمجتمع استئصالها (رشدي حنين ص245) .(1/11)
ويأمل الباحث أن إعداد الفرد المسلم يتم اليوم في بيت مسلم ، يتلقف المولود فيحافظ على فطرته التي فطره الله عليها ، فيشب الطفل على الإسلام ولايذوق مرارة الانحراف عن الفطرة ، وفي ذلك توفير للجهد والزمن ، كما تربى أبناء صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى ضوء ذلك يأمل الباحث من البيوت المسلمة المعاصرة أن تقوم بدورها في إعداد هؤلاء الأفراد الأفذاذ الذين يبنون المؤسسات الاجتماعية المسلمة ، فيقوم عندئذ المجتمع المسلم ، وليس ذلك على الله ببعيد .
دور الأم في التربية :
يسبق دور الأم دور الأب في التربية لأنها أكثر التصاقاً بالطفل ، ولأن الطفل قطعة منها ، ولأن عاطفتها أقوى من عاطفته نحو الطفل ، لذا فهي أقرب إلى قلوب الأطفال ، ومن هنا جاءت أهمية اختيار الزوجة ذات الدين ، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك](اللؤلؤوالمرجان 1/342) ، وكما قال الشاعر :
الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعباً طيب الأعراق
وقد زود الله الأم بدافع الأمومة ولم يزود به الرجل ، وهذا الدافع العضوي أقوى الدوافع العضوية جميعاً ، وقد أجرى علماء النفس تجارب على الفئران وصلوا من خلالها إلى أن الدوافع العضوية لدى الأم ترتب على النحو التالي :(1/12)
الأمومة ثم العطش ثم الجوع ثم الجنس ، لذلك تهيأ الأم لرعاية الطفل والتضحية من أجله براحتها ونومها وهي راضية ، وهذا الدافع يمكن الأم من السهر على راحة الطفل ، وخاصة في السنتين الأوليتين من العمر ، حيث يكون دور الأب مازال ضعيفاً جداً ، ولهاتين السنتين أثر كبير في شخصية الفرد ، مازال علم لنفس قاصرًا عن إدراك حيثياته ، ومن هذه الأمور أن الرضيع يتعرف على أمه من رائحتها ، ثم يتعرف على صوتها ، كما أن لغة الأم هي أول لغة يقلدها الطفل ، وتكون معظم انفعالاته في السنة الأولى مرتبطة ومركزة في الأم ، أو من يحل محلها ، وإذا عرفنا أن الرضيع يبدأ منذ الشهر السادس في تكوين علاقات اجتماعية بالمحيطين به ، يتضح لنا أهمية دور الأم في تربية الأطفال ، وتقول (مارغريت ريبل) : هناك حاجة فطرية للالتصاق بالأم ، والتي تتيح لرضيعها هذه الفرصة تعينه على النمو السليم (حامد زهران 147).
ووجدت الباحثة سامية حمام أن أثر غياب الأم أكبر بكثير من أثر غياب الأب على الأطفال ، لأن الأم الحصيفة يمكن أن تملأ بعض الفراغ الذي يتركه الأب .
وعلى ضوء أهمية دور الأم في التربية نلمح تميز الشريعة الإسلامية التي جمعت الأسباب الكافية لتجعل الأم في مكانها الصحيح الذي خلقها الله من أجله ، فتعبد الله عزوجل فيه وهو البيت ومن هذه الأسباب :
1- قال تعالى مخاطباً النساء { وقرن في بيوتكن } (الأحزاب 33) وجعل صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد .(1/13)
2- كلف الرجل (الزوج أو الأب أو الابن أو الأخ ..) بإعالتها ليمكنها من الاستقرار في البيت والتفرغ لمهمتها الأصلية . ويتضح لنا مدى إصرار اليهودية العالمية وعملائها على إفساد المرأة لأن إفسادها تخريب للأسرة وانهيار المجتمعات والأمم ، كما يوشك أن يقع في العالم جميعاً . كما لاحظت في بعض البلدان التي رزحت تحت نير الاستعمار مدة طويلة أنهم ركزوا على إفساد المؤرأة أكثر من إفساد الرجل ، إدراكاً منهم لأهمية دور المرأة في المجتمع . كما أن خروج المرأة من البيت للعمل خارجه لم يكن صدفة ، إنما جاءت نتيجة للمخططات الرأسمالية التي تديرها اليهودية بهدف تحطيم الأسرة .
لكن قد يسأل أحدهم : ألا تسد الحضانة أو المربية أو الخادمة مكان الأم !؟ التي يجب أن تخرج للعمل خارج البيت !!؟ والجواب على ذلك من البدهيات ، حيث أن العلاقة بين الأم وطفلها علاقة عضوية بكل معنى الكلمة ، لأنه قطعة منها ، ولأن دافع الأمومة العضوي يدفعها للحنان عليه ورعايته ، ولأن الأم تعتني بطفلها بدافع الحب وليس بدافع الواجب ، كما تفعل المربية أو الخادمة وشتان بين الحب والواجب ، فبينما تجد الأم لذة وسعادة في تنظيف طفلها لأنها أصلحت حاله ، تشعر المربية أو الخدمة بالتعب والملل وقد تشعر بالقرف عندما تقوم بواجبها، والرضيع هذا الصغير يحس منها ذلك القرف والملل ، كما يحس بالرضا والحب والحنان يشع من وجه أمه وهي تنظفه أو ترضعه ، ويقول (الكسيس كارل ) : لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبدال المدرسة بالأسرة استبدالاً تاماً، ولهذا تترك الأمهات أطفالهن لدور الحضانة ) ـ ليلى العطار ص 62ـ
دور الأب في التربية :(1/14)
يتوهم بعض الآباء أن مسؤولية تربية الطفل تقع على الأم فقط ، ولايطلب منه سوى تأمين الحاجات المادية لأطفاله وزوجته ، فتجده يقضي معظم وقته خارج المنزل في العمل ، أو مع الأصدقاء ، حتى إذا عاد إلى منزله جلس وحده في غرفته محذراً زوجته من أن تسمح للأطفال تعكير صفو تأملاته و أحلامه وهو نائم .
وفي الواقع فإن للأب دوراً في تربية الطفل يبدأ بسيطاً منذ الشهر الثاني أو الثالث ، ويزداد مع نمو الطفل ، حتى يصبح كبيراً عندما تشغل الأم بمولود جديد ، ويجب عندها ربط الطفل المفطوم بوالده كإجراء لتقليل الغيرة عنده من المولود الجديد الذي سيصادر أمه منه .(1/15)
يبدأ الطفل بالتعرف على صوت أبيه منذ الشهر الثالث ، وفي السنة الثانية ينبغي على الأب أن يلعب مع طفله الرضيع ، الذي صار يمشي ، يلعب معه بلعبه ، وبأسلوبه الذي يسره ويرضيه ، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة ، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي حاملاً أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي لأبي العاص بن الربيع ، فإذا قام حملها ، وإذا سجد وضعها، وكان ذلك في صلاة الفريضة . وفي البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ماقبلت أحداً منهم ، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال [ من لايَرحم لايُرحم ] ـ فتح الباري 10/426ـ وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمازح الحسن والحسين - رضي الله عنه - ما ويداعبهما ويجلس معهما ، وكان يحملهما على ظهره ، وكان يخرج لسانه للحسين فإذا رآه أخذ يضحك ، كما كان - صلى الله عليه وسلم - يضع في فمه قليلاً من الماء ويرضه على وجه الحسن فيضحك أيضاً ، وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يمشي على يديه ورجليه وأولاده على ظهره يلعبون وهو يسير بهم كالحصان ، فيدخل الناس ويرون خليفتهم بهذا الوضع ، فيقولون : أتفعل ذلك يأمير المؤمنين ؟ فيقول : نعم وكان يقول : ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ـ أي في الأنس والسهولة ـ هكذا يكون معهم في البيت ، فإذا كان في القوم كان رجلاً ـ (أحمد القطان ص24ـ )(1/16)
وعندما يصبح الطفل في الرابعة يحسن بالأب أن يصحبه معه خارج المنزل إلى المسجد أوالسوق ، أو بعض الأقارب والأصحاب ، وفي مصاحبة الطفل لأبيه تفتح اجتماعي سليم عند الطفل ، وتشرب للقيم التي يلمسها عند ولده ، وقد وجدت الباحثة سامية حمام بعض الصفات المشتركة عند الأطفال الذين يغيب أحد الوالدين عن تربيتهم سواء كان بسبب الموت أو الطلاق ، أو السفر والانشغال بالمال عن الأطفال ومن هذه الصفات :
1ـ الغيرة التي تبدأ من الأطفال الذين يتنعمون بوالديهم ، ثم تتطور إلى الكره والحقد والحسد .
2 ــ الشعور بعدم الانتماء ، وخاصة عند افتراق الوالدين ، لأن الطفل يوزع ولاءه بين والديه المنفصلين ، فيتمزق ويفقد الانتماء .
الفصل الثاني
صفات المرأة المسلمة
يريد الباحث في هذا الفصل أن يبين نموذج المرأة المسلمة ، ليكون هذا النموذج نبراساً للبيت المسلم في تربية بناته ، وسيحاول الباحث استخلاص أهم صفات المرأة المسلمة من الكتاب والسنة إن شاء الله تعالى :
1 ـ طاعة الله ورسوله :
المرأة عبد لله عزوجل كالرجل سواء ، خلقهما الله لعبادته ، وطاعتها لله عزوجل مقدمة على طاعة زوجها لأنه لطاعة لمخلوق في معصية الخالق . والمرأة مخاطبة بقوله تعالى {ياأيها الناس } ومخاطبة كذلك بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا } ، كما أنها مخاطبة بصيغة القول الذي يدل ظاهره على أنه للرجال مثل قوله تعالى { وسارعو ا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين } ـ آل عمران 133ـ(1/17)
قال تعالى{ ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهومؤمن فلنحيينه حياة طيبة} ـ النحل 97ـ وقال عزوجل { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً } ـ الأحزاب 35ـ فالتكاليف العبادية واحدة والطاعة لأمر الله ورسوله واجبة على الذكر والأنثى { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ...} ـ الأحزاب 36 ـ .
لذا فإن الصفة الأولى للمرأة المسلمة التي ينبغي على البيت المسلم أن يربي بناته عليها وأن يزرعها فيهن هي طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ويبدأ البيت في ذلك منذ الطفولة المبكرة ،كما بين الباحث في التربية الروحية (كتاب دور البيت).
ويكثر الوالدان من قص أخبار المسلمات المؤمنات على مسامع بناته في الطفولة المبكرة مثل :
ولنا في هاجر عليها السلام قدوة حسنة ، حيث تركها إبراهيم عليه السلام في واد غير ذي زرع ، صحراء قاحلة لايوجد فيها إنسان ولاماء ولاطعام ، كما جاء في السيرة : (( وقصد إبراهيم مكة ــ يعني موضع مكة قبل أن تبنى مكة ـ ومعه زوجه هاجر وطفله إسماعيل ، وليس في مكة يومها عشب ولاشجر، ولابئر ولانهر، ولاحيوان ولابشر ـ ولما أراد أن يذهب ويتركهم هناك ، قالت له زوجه هاجر :
ــ إلى أين ياسيدي ؟ أتتنركني هنا ؟ وليس هنا ماء ولاطعام !؟ هل أمرك الله بهذا ؟ فقال إبراهيم : نعم . فقالت هاجر : إذاً لايضيعنا . ( أبو الحسن الندوي ص25) .(1/18)
وأخرج البخاري رحمه الله عن عائشة - رضي الله عنه - ا قالت : ( يرحم الله نساء المهاجرين الأول ، لما أنزل الله تعالى { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } شققن مروطهن فاختمرن بها ) ـ فتح الباري 8/489ـ ، ووجه الشاهدأنهن لم ينتظرن حتى تحصل كل منهن على خمار،وإنما بادرت كل منهن إلى شق مرطها(كساء تتلفح به ) وحصلت منه على خمار غطت به رأسهاوأسدلته على جيبها،كما أمرها ربها حالاً .
وأخرج أحمد عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - ا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من الأنصار : [زوجني ابنتك . قال : نعم وكرامة يارسول الله ونعمة عين ، قال : إني لست أريدها لنفسي ، قال : فلمن يارسول الله ؟ قال : لجلبيب ( وكان جلبيب عبداً أسوداً )] قال : أشاور أمها . فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب ابنتك ، قالت : نعم ونعمة عين ، قال : إنه ليس يخطبها لنفسه إنما يخطبها لجلبيب ، قالت: لجلبيب إنيه(لفظة إنكار)لجلبيب إنيه !؟ لالعمرالله لانزوجه! فلما أراد ليقوم ليأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبره بما قالت أمها ، قالت الجارية : من خطبني إليكم ؟ فأخبرتها أمها ، فقالت : أتردون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره !؟ ادفعوني إليه فإنه لن يضيعني ) ـ الكاندهلوي في حياة الصحابة 2/672ـ
وتنمى طاعة الله ورسوله لدى البنات بعدة طرق أهمها القدوة الحسنة من الوالدين والأخوة ، والتلقين حيث يقال لها منذ صغرها أنها تفعل هذا طاعة لله ورسوله ، كما يكثر من سرد القصص الهادف على مسامعها ، وقراءة السيرة ، وتلاوة القرآن الكريم .. وغير ذلك .
2 ــ محاربة الإسراف والاستهلاك :
ومن صفات المرأة المسلمة المعاصرة محاربة الإسراف والاستهلاك ، هذا الداء الذي فشا بين المسلمين حتى صار مشكلة من مشاكلهم ، التي سببت مشاكل أخرى ، أخلاقية واجتماعية وسياسية وعسكرية ... الخ .(1/19)
إنها مشكلة نمو الشهوات وتضخمها إلى درجة الطغيان ، فقد طغت الشهوات وسيطرت الأهواء حتى أدخلت المسلمين في حالة الوهن التي قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :[ ... وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا : وما الوهن يا رسول الله، قال : حب الدنيا وكراهية الموت ] - جزء من حديث أخرجه عن ثوبان - رضي الله عنه - .
فالمسلمون اليوم يسرفون في طعامهم وشرابهم ولباسهم ومسكنهم ، يسرفون إلى حد غير معقول ، فيرمون الثياب الجديدة ، ويرمون الأرز واللحم ، ويرمون ما يكفي لأمة مثلهم في العدد أو تزيد ، ويأكلون حتى يسمنوا فيذهبوا إلى الأطباء يبحثون عن العلاج لتقليل السمنة وإنقاص الوزن ، فراجت اليوم كلمة ( الريجيم ) على كل لسان ، واشتكى كثير من الناس من مرض السكر ، وأمراض القلب ، وغيرها من أمراض الإفراط في الغذاء والشراب ، وملايين المسلمين في مناطق أخرى كإفريقيا وشرق جنوب آسيا يتضورون جوعاً ، وتفتك بهم حملات التبشير النصرانية عندما تقدم لهم الخبز والدواء مع الكتاب المقدس .
والمسلمون مسرفون في مهور بناتهم إلى درجة يخجل المرء من التحدث عن ذلك ، ومسرفون في ولائم الأعراس ، وولائم المآتم ، يتفاخرون ويتباهون في ولائمهم ، ويتلفون أموالهم وثرواتهم وأجسادهم ...
وقد أخرج الشيخان رحمهما الله تعالى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وجلسنا حوله ، فقال : [ إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ] - (الترغيب ، (5/144) - . وقد فتح الله على المسلمين زهرة الدنيا ، فتنافسوهاكما تنافسها من قبلهم ونسأل الله أن لا تهلكهم كما أهلكت من قبلهم ، والمرأة المسلمة هي الركن الأساسي في الأسرة،وهي التي تسوس الأسرة فتنشئها على الاعتدال في المأكل والمشرب والملبس والمسكن ، ولها ولأسرتها في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام أسوة حسنة :(1/20)
فقدأخرج ابن سعد (8 /167) عن الواقدي قال : حدثني معاذ بن محمد الأنصاري قال : سمعت عطاء الخراساني في مجلس فيه عمران بن أبي أنس يقول : وهو بين القبر والمنبر : أدركت حجر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جريد النخل وعلى أبوابها المسوح من شعر أسود ، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يُقرأ يأمر بإدخال حجر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما رأيت يوما أكثر باكياً من ذلك اليوم ، قال عطاء : فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ والله لوددت أن تركوها على حالها ، ينشأ ناشئ من أهل المدينة ، ويقدم القادم من الأفق ، فيرى ما اكتفى به رسول الله في حياته ، فيكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر فيها ، - يعني الدنيا - قال معاذ : فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمران بن أبي أنس : كان فيها أربعة أبيات بلبن لها حجر من جريد ، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها ، على أبوابها مسوح الشعر ، ذرعت الستر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع ، والعظم أو أدنى من العظم ، وقال يومئذ أبو أمامة : ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ، ويروا ما رضي الله لنبيه ، ومفاتيح خزائن الدنيا بيده - (الكاندهلوي ، حياة الصحابة ، (2/713) -.
وأخرج البيهقي عن عائشة - رضي الله عنه - ا قلت : ( رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أكلت في اليوم مرتين فقال : [ يا عائشة ، أما تحبين أن يكون لك شغل إلا جوفك ؟ الأكل في اليوم مرتين من الإسراف ، والله لا يحب المسرفين ، وفي رواية فقال : يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك ، أكثر من أكلة كل يوم سَرَف، والله لا يحب المسرفين]- الترغيب ، (3/423) - .(1/21)
وعن ابن الأعرابي عن عائشة - رضي الله عنه - ا قالت : ( جلست أبكي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : [ما يبكيك ؟ إن كنت تريدين اللحوق بي فيكفيك من الدنيا مثل زاد الراكب ، ولا تخالطي الأغنياء ] - الكنز ، (2/150) - .
وأخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي نحوه ، وزادوا : [ ولا تستخلفي ثوباً حتى ترقعيه ]، قال عروة : فما كانت عائشة تستجد ثوباً حتى ترقع ثوبها وتنكسه ( تجعل أعلاه أسفله ) . وقد جاءها يوماً من عند معاوية - رضي الله عنه - ثمانون ألفاً فما أمسى عندها درهم ، وقالت لها جاريتها : فهلا اشتريت لنا منه لحماً بدرهم ؟ قالت : لو ذكرتني لفعلت - الترغيب ، (5/126) -.
هكذا هي أم المؤمنين ، - أيتها الأم المسلمة - تنسى أن تشتري لنفسها لحماً بدرهم واحد ، وهي بحاجة لهذ الطعام ، لكن الرغبة في الآخرة أنستها نفسها ووزعت ثمانين ألفاً على المسلمين ولم تمسك منها درهماًواحداً... والله إنها أخلاق أم المؤمنين التي تربت طفولتها في بيت الصديق، وعاشت صباها وشبابها في بيت سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - .
وأخرج الطبراني عن جعدة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً عظيم البطن ، فقال بإصبعه في بطنه : [ لو كان هذا في غير هذا لكان خيراً لك] - الهيثمي ، (5/31)-.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة - رضي الله عنه - ا قالت : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه لبن وعسل فقال : [ شربتين في شربة ، وأُدمين في قدح ؟ لا حاجة لي به . أما إني لا أزعم أنه حرام ، ولكن أكره أن يسألني الله عز وجل عن فضول الدنيا يوم القيامة، أتواضع لله، فمن تواضع لله رفعه، ومن تكبر وضعه الله، ومن اقتصد أغناه الله ، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله ] ــ الترغيب 5/158ـ .(1/22)
وأخرج أحمد وابن حيان في صحيحه والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليه عمر رضي لله عنه وهو على حصير أثر في جنبه ، فقال : يارسول الله لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا ، فقال : [ مالي وللدنيا ؟ ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها] أي ترك الدنيا ـ الترغيب 5/160ــ هكذا كان موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ، وقد أمرنا أن يكون لنا أسوة حسنة نقتدي به فلمَ لانفعل !؟ وهناك من يدعي أن العصر الذي عاش فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عصر فقر ، ولم يتوفر عندهم أنواع الأطعمة والملبوسات ، وأن الفقر كان منتشراً بين الناس كلهم ، أما اليوم فقد انتشرت الخيرات ، ويسارع مثل هؤلاء إلى الآية الكريمة{قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ، كذلك تفصل الآيات لقوم يعلمون}ـالأعراف 32ـ. ولانحرم زينة الله ، لكن عباد الرحمان كما وصفهم الله تعالى {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكن بين ذلك قواماً } ـ الفرقان 67ـ ، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لعائشة - رضي الله عنه - [ .. الأكل مرتين في اليوم من الإسراف ..] وأما الدعوى بأن أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت أيام فقر ، فهذا غير صحيح ، فقد ملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموالاً طائلة ، لكن ملكه لها ماكان يبيت عليه الليل ؛ بل كان يوزعها لتوها كما فعل عقيب غزوة حنين :
( ..(1/23)
وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم ، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير ، وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير... ) وعدَّ ابن هشام أحد عشر صحابياً أعطى كلاً منهم مائة بعير وسموا أصحاب المئين ـ ابن هشام 277ـ ( ... وأعطى دون المائة رجالاً من قريش منهم : مخرمة بن نوفل، وعمير بن وهب، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين من الإبل ، وأعطى السهمي خمسين كذلك ـ ابن هشام 277ــ وهذه كلها من خمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعطي من سهمه؛ لامن سهام المسلمين ، وقد غنموا في حنين من الإبل والشاء ملايدرى عدته ، والذي أريده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زهد في الدنيا وقد ملكها ، بل ملك مفاتحها ، ولو أراد جبلاً من ذهب لأعطاه رب العزة والجلال ، لكنه - صلى الله عليه وسلم - رفض أن يشرب اللبن الممزوج بالعسل وقال :[ ... إني لاأزعم أنه حرام ، ولكن أكره أن يسألني الله عزوجل عن فضول الدنيا يوم القيامة ، أتواضع لله ...] . وهذا تصريح منه - صلى الله عليه وسلم - بأنه يزهد في الدنيا وقد ملكها ، . وثمة دليل آخر عندما طالبه أزواجه بزيادة النفقة ، فهل تتصور أن أمهات المؤمنين - رضي الله عنه - يطلبن من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما لايقدر عليه ، وما ليس في يده !!؟ أم أنهن رأين الدنيا في يديه ينفقها في سبيل الله ولايبقي منها شيئاًله أو لهن!!؟ ولما خيّرهنّ - صلى الله عليه وسلم - بين الدنيا والله ورسوله اخترن الله ورسوله - رضي الله عنه - .(1/24)
إذن من صفات المرأة المسلمة محاربة الإسراف والاستهلاك ، وهي أقدر على ذلك من الرجل ، لأنها هي المنفذة لتدبير المنزل من مأكل ومشرب وملبس وأثاث وغيره ... وعندما ننظر إلى المرأة المعاصرة في العالم الإسلامي اليوم ؛ يتضح لنا مدى الحاجة إلى تأصيل هذه الصفة في المرأة المسلمة ، فالمرأة المعاصرة في العالم الإسلامي اليوم تدفع أموال المسلمين إلى بيوت الأزياء التي يديرها يهود، وتتنافس مع زميلاتها في اقتناء الثياب الأوربية ذات الأثمان الخيالية ، يدفعها التكبر والجهل والغرور ــ إلا من رحم ربك منهن ـ وحدثني أحد باعة القماش في بلد إسلامي قال : تأتي المرأة وتطلب قماشاً أوربياً باسمه ، فنقدم لها القماش الذي طلبته ، ولما تسأل عن سعره ونجيبها يبدو عليها أنها استرخصته فتزهد فيه وتقول : لا ، ليس هذا ماطلبته ، الذي أريده أحسن من هذا بكثير ( يعني أغلى ) ، فنقدم لها قماشاً أقل جودة ونطلب منها سعراً مرتفعاًجداً، فترضى به وتدفع لنا الثمن المرتفع ؛ والكبرياء يرقص على جبينها غروراً وجهلاً .
وهل تصدق أن ثمن فستان أوربي واحد يعادل راتب المدرس لشهركامل، هذا غير فستان العرس الذي يعادل راتب المدرس لمدة سنة واحدة فقط .
ولكن كيف نربي البنات على محاربة الإٍسراف والاستهلاك ؟(1/25)
لابد أولاً من القدوة الحسنة في الأم والأب والأخوة الكبار ، ثم تلقن معنى الإسراف بطريقة علمية منذ الصغر ، بحيث نبعدها عن التقتير كما نبعدها عن الإسراف ، وتنفر من الإسراف في الطعام والشراب ، ويربط لها دائماً بأن كثرة الطعام والشراب من صفات البهائم وليس من صفات الإنسان ، كما نقص عليها سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعندما تكون في المرحلة الأخيرة من المدرسة الابتدائية نطلب منها الإجابة على أسئلة منتقاة من السيرة ، نوجه نظرها فيها إلى زهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وزهد الصحابة والتابعين ، فنرغبها في الزهد ، ونساعدها على ضبط شهواتها والسيطرة عليها . وننفرها من التقليد الأعمى للمجتمع ، ونفهمها أن المغلوب يقلد الغالب ، والضعيف يفلد القوي ، ثم نرسخ في ذهنها أن المسلم والمسلمة هم الأقوى ، ولهم الغلبة ، ولا يصح أن يقلدوا غير المسلمين في جريهم وراء الشهوات والدنيا .
وفي المرحلة المتوسطة تدفع البنات إلى المطالعة في كتاب الترغيب والترهيب ، ورياض الصالحين ، وسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفي كتب الزهد التي تبين حقيقة الزهد في الدنيا، ولا بد من تقويم سلوك الطفلة منذ الصغر في هذا الجانب وغيره ، فإذا أسرفت يقال لها : هذا إسراف والله لا يحب المسرفين ، وإذا قترت يذم لها البخل ويحبب لها الاعتدال في النفقة ...
حتى إذا صارت البنت في المرحلة الثانوية فيركز في ذهنها معنى الآية الكريمة : { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة - ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك - ولا تبغ الفساد في الأرض ، إن الله لا يحب المفسدين } - القصص : 77 - .(1/26)
أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك ، والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا ، مما أباح الله لك ... (1) .
كما توجه البنات إلى كتب الحديث الشريف عامة ، وأبواب الزهد خاصة ، ومنه رياض الصالحين حيث جمع فيه الإمام النووي رحمه الله الأبواب التالية في الزهد :
الباب (55) : في فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر ، والباب (56) : في فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات . وقد جمع النووي رحمه الله ثلاثة وثلاثين حديثاً في الباب (55) ، بعد أن أورد بعض الآيات المتعلقة بموضوع الزهد ، بينما جمع ثلاثين حديثاً في الباب (56) . كلها أثمن من الجواهر ، للناس عامة وللبنات خاصة ، كي تقتدي أمهات المستقبل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبصحابته رضوان الله عليهم . وهذه بعض الأحاديث من البابين المذكورين :
__________
(1) مختصر تفسير ابن كثير للصابوني ، (3/32) .(1/27)
عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالسوق والناس كنفتيه ، فمر بجدي أسك ميت ، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال : [ أيكم يحب أن هذا له بدرهم ؟ فقالوا ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال : أتحبون أنه لكم؟ قالوا : والله لوكان حياً كان عيباً أنه أسك فكيف وهو ميت !؟ فقال : فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ] ـ رواه مسلم ـ وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر ] ـ مسلم ـ وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال:[ كن في الدنيا كأنك غريب،أوعابرسبيل ] وكا ن ابن عمريقول: إذا أمسيت فلاتنتظرالصباح ، وإذاأصبحت فلاتنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ] ـ البخاري ـ وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال : ذكر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما أصاب الناس من الدنيا فقال :( لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي (يطوي ) ، ما يجد دقلاً يملأ به بطنه ) ـ مسلم ـ وعن عائشة - رضي الله عنه - قالت : (توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي ، فكلته ففني ) ـ متفق عليه ـ وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ماسقى كافراً منها شربة ماء ] ـ الترمذي وصححه ـ وعن كعب بن عياض - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : [ إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي في المال ] ـ الترمذي قال حسن صحيح ـ وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير ، فقام وقد أثرفي جنبه، فقلنا يارسول الله لو اتخذنا لك وطاء(فراشاً) فقال:[ مالي وللدنيا !(1/28)
ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركه] ـ الترمذي وقال حسن صحيح ـ وعن عائشة - رضي الله عنه - قالت : ( ماشبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض ) ـ متفق عليه ـ وعن عروة - رضي الله عنه - أن عائشة - رضي الله عنه - كانت تقول : ( والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال : ثلاثة أهلة في شهرين ، وما أوقد في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار قط . قلت ياخالة فما كان يعيشكم ؟ قالت : الأسودان : التمر والماء ، إلا أنه كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار، وكانت لهم منايح (شياه)، فكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها فيسقينا ) ـ متفق عليه ـ وعن أنس - رضي الله عنه - قال : لم يأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خوان حتى مات ، وما أكل خبزاً مرققاً حتى مات ـ البخاري ـ وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال : لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ما يجد من الدقل مايملأ به بطنه (الدقل : تمر رديء ) ـ مسلم ـ وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ] متفق عليه ـ وهذا دليل آخر على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان زاهداً في الدنيا عن رغبة وطواعية ، فها هو يدعو أن يكون رزقهم قوتاً ( أي مايسد الرمق ) ، ولم يدع ربه أن يكثر عليه الرزق ، ولو سأل ربه لأعطاه .(1/29)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : لقد رأيتني لأخر فيما بين منبررسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة - رضي الله عنه - مغشياً علي ، فيجيء الجائي ( يعالج المجنون ) فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون ، وما بي من جنون ، مابي إلا الجوع ) متفق عليه ـ وعن عائشة - رضي الله عنه - قالت : ( توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير ) البخاري ـ وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [قد أفلح من أسلم ، وكان رزقه كفافاً ، وقنعه الله بما آتاه ] ـ مسلم ـ وعن المقداد - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : [ ماملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن به صلبه ، فإن كان لامحالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ] الترمذي وقال حسن صحيح ـ
وعندما تتشرب البنت هذه القيم الربانية من هذه الأحاديث الشريفة ، فإنها تزهد في الدنيا وتقبل على الآخرة ، وتكون عندئذ أماً مسلمة تحارب الإسراف والاستهلاك ، وتربي أولادها على ذلك ، حتى يخرج المسلمون ـ بإذن الله ـ من حمأة الشهوات واستعبادها ، إلى عزة النفوس بالإيمان وكرامتها بالإعراض عن الدنيا والرغبة في الآخرة . وينصح الباحث بعرض أمثلة معاصرة ليرسخ لدى الناشئة أن هذه القيم صالحة لكل زمان ومكان ، وأن الخير باق في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى قيام الساعة ، ومن هذه الأمثلة المعاصرة على سبيل المثال لاالحصر :
الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله الذي أسس جماعة انتشرت في الدنيا كلها ، تدعو المسلمين إلى تطبيق شريعة الله في حياتهم ، هذا القائد الذي كانت أموال الجماعة وأموال إخوانه كلها تحت تصرفه ، مات وليس في بيته سجادة ، ولايوجد غير الحصير وما في حكمها رحمه الله عزوجل .(1/30)
وكان الشهيد عبد الله عزام رحمه الله يستلم الملايين من الدولارات المتجمعة من تبرعات المسلمين للمجاهدين الأفغان ، وكان من حقه أن يأكل ويطعم أسرته منها ، لأنه متفرغ للجهاد ، ولكنه أقسم ـ رحمه الله ـ أن لايأكل ولايطعم أسرته منها ، وهو الذي تفرغ للجهاد وترك كرسي الجامعة ، ليتفرغ لمكتب المجاهدين العرب ، وعندما دفن رحمه الله ، طلب ابنه حذيفة ـ حفظه الله ـ ممن لهم ديون على والده أن يتقدموا إليه ليتكفل لهم بإبراء ذمة أبيه ، عندئذ أخرج عدد من الأخوة ــ وهم يبكون ـ سندات وقع لهم الشيخ الشهيد عليها عندما استدان منهم مايسد رمقه ورمق سرته ، مزقوا هذه السندات وأعلنوا بأصوات تخنقها العبرات أنهم يتنازلون عن هذه الديون ويسامحون أخاهم رحمه الله .
وكذلك الشهيد الشيخ تميم العدناني رحمه الله ، كان موظفاً في إحدى شركات الطيران البريطانية في السعودية ، وكان مجموع دخله الشهري يصل إلى خمسة وعشرين ألف ريال سعودي ( سبعة آلاف دولار ) ، ومع ذلك فقد تخلى عن هذا الراتب المغري ، تركه كله ، والتحق بالمجاهدين الأفغان مع أسرته كلها ، وعندما قال له الشيخ الدكتور عبد الله عزام يوماً : لو أنك بقيت في عملك ودفعت جزءاً من راتبك للمجاهدين!؟ قال : وهل أنا مجنون؟ وهل الجهاد بالنفس مثل الجهاد بالمال !؟ والله ما أترك أرض الجهاد أبداً . وغيرهم كثير والحمد لله رب العالمين فالخير باق في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى قيام الساعة ، ونسأل الله عزوجل أن يعم هذا الخير على المسلمين كافة .
3 ــ المرأة المسلمة أم مربية وزوجة صالحة :(1/31)
بدأ تميز المرأة عن الرجل مذ أن كانت نطفة في صلب أبيها ، فنطاف الرجل بعضها نطاف أنثوية وبعضها نطاف ذكرية ، ومذ تلقح البييضة تكون البييضة الملقحة بالنطفة الذكرية ذكراً، وتلك الملقحة بالنطفة الأنثوية أنثى{وليس الذكر كالأنثى }، نعم ليس الذكر كالأنثى ، وليس المدرس كالطيار ، بينهما فرق في الإعداد والخبرة، ولايستطيع أمهر المدرسين أن يحرك الطائرة على الأرض ، ناهيك عن الطيران بها ، كما لايستطيع أمهر الطيارين أن يشرح درساً يفهمه الطلاب عن مواضع ومسوغات الابتداء بالنكرة . كما لايستطيع أعظم الرجال أن يحمل ويلد ولو مرة واحدة !!؟ والفروق الظاهرة بين الرجل والمرأة لاتحتاج إلى بيان ، والفروق الباطنة كثيرة منها :
أن المرأة تختلف عن الرجل في كل خلية من خلايا جسمها ، وفي كل عضو من أعضائها ، وفوق كل شيء في جهازها العصبي ، خلايا الدم ، والعظم ، والجلد ، والشعر ، ..إلخ ، وكل خلية من خلايا الجسم ، وكل ذرة من ذرات تكوينه ، وكل هرمون من هرموناته ـ كل ذلك يبين أنه { وليس الذكر كالأنثى } .
( وتشير الدلائل العلمية الحديثة إلى أن الإنسان عبارة عن معادلة هرمونية ، فالهرمونات تتحكم في جميع وجوه النشاط الجسماني ، فالجنس والحمل والولادة ، يتضح دور الهرمونات فيها ، والخوف والشجاعة والنرفزة والهدوء ... كلها جوانب لايمكن إنكار دور الهرمونات فيها ، بل إن الهرمونات تجعل الدماغ ذا طبع أنثوي أو ذكري ، فتفكير النساء يمتاز بالحدس ، بينما يمتاز تفكير الرجال بلاستدلال ، كما صار من المسلم به أن الذكور أشد عداء من الإناث ، في جميع المخلوقات تقريباً ، وسبب ذلك هرمون ( التستوسترون ) الذي يوجد لدى الذكور ) .(1/32)
وعندما حقنت عدد من إناث الخنزير بهذا الهرمون أخذت تتصرف كالذكور ، وفي دراسة هامة قال : (روبرت غوي ) : يبدو أن الهرمون يؤهل الكائن الحي لدور اجتماعي معين ، ويسهل له ذلك من غير أن يرغمه عليه ) ووصل أخيراً العلماء إلى أن الوظائف الذهنية تختلف بين الرجال والنساء ، ويرون أن دماغ الرجل تستقل وظائف النصف الأيمن عن الأيسر ، في الوقت الذي تختلط فيه وظائف نصفي الدماغ عند النساء)- محمد عثمان الخشت ، ص49 ـ.
ومرة أخرى ، هذا الفرق بين الرجل والمرأة فرق في التخصص، والتخصص في المهنة ميزة حضارية ، وصل لها الإنسان بعد آلاف من السنين ، ففي القديم كان الرجل الواحد راعياً وفلاحاً ومربياً لأولاده وجندياً .. الخ ، وكانت المهن في القبيلة الواحدة محصورة في مهنة أو اثنتين فقط ، ثم تطورت الحياة البشرية ، فانفصلت التربية عن الأسرة ، وأصبحت لها مؤسسات متخصصة هي المدارس ، وتفرغ المدرس لمهنته وترك العمل بالتجارة أو الزراعة ، ليتمكن من التدريس والتحضير وما يلزم المدرس ، ثم تطورت الحياة البشرية ، فتخصص المدرس بفرع واحد من فروع المعرفة ، فصارمدرس للغة العربية وآخر للرياضيات وثالث للجغرافيا ... الخ ، ولا يعيب أحدهم على الآخر ، بل إذا ذهب مدرس الرياضيات ليدرس اللغة العربية فقد تعدى وغالباً يخفق في تدريسها ، وكذلك لو حاول مدرس اللغة العربية أن يدرس الرياضيات ...(1/33)
والتخصص بين الرجل والمرأة أبعد من ذلك بكثير ، لأن المهن يكتسب الإنسان التخصص فيها اكتساباً ، وقد نجد المدرس الذي يجد ويدرس مهنة الطب فيصبح مدرساً وطبيباً - وإن ندر ذلك - ، أما الرجل والمرأة فالتخصص بينهما فطري وبيولوجي قبل أن يكون اجتماعياً وثقافياً . فما بال الناس يريدون إلغاء التخصص بين الرجل والمرأة ؟!! وهل يستطيعون ؟!! بالطبع لا ، لكنهم سيحملون المرأة المسكينة وظيفتها الأصلية ووظيفة الرجل ، وعندما تخفق فيهما ، وستخفق لامحالة، سيلحق المجتمع الضرر لإهمالها وظيفتهاالأصلية، وستخفق كذلك في مهنة الرجل .
إذن المرأة المسلمة أم مربية وزوجة صالحة .(1/34)
أ ــ المرأة المسلمة أم مربية : وهذه أعلى مرتبة يصلها الإنسان في المجتمع ، ولا تساويها أي وظيفة غيرها ، ولئن زهّد أعداء الإسلام المرأة بهذه الوظيفة والمكانة الرفيعة ، فقد قال سبحانه وتعالى:{ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن - وفصاله في عامين أن اشكرلي ولوالديك..} - لقمان : 14 - . وأخرج الشيخان رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال :[أمك] قال: ثم من ؟ قال :[أمك] قال:ثم من ؟ قال : [ أمك] قال : ثم من ؟ قال: [ أبوك]، متفق عليه (1) . ومقتضى الحديث أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر ، وكأن ذلك لصعوبة الحمل ، ثم الوضع ، ثم الإرضاع ، وقال القرطبي رحمه الله : إن الأم تستحق الحظ الأوفر من البر ، وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة . وأخرج الشيخان أيضاً عن أبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : [ إن الله تعالى حرّم عليكم عقوق الأمهات ، ومنعاً وهات ، ووأد البنات ، وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ] ، متفق عليه (2) . وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي عاصم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، قلت : يا رسول الله ، من أبرُ؟ قال :[ أمك] قلت: من أبرُ ، قال:[أمك] قلت : من أبرُّ ؟ قال :أباك ، ثم الأقرب فالأقرب ] - الأدب المفرد ، باب بر الأم - . وأخرج البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه أتاه رجل فقال : إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني ، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه ، فغرتُ عليها فقتلتها ، فهل لي من توبة ؟ قال : أمُّك حية ؟ قال : لا ، قال تب إلى الله عز وجل ، وتقرب إليه ما استطعت .
__________
(1) صحيح البخاري (10/336) ، وصحيح مسلم (2548) .
(2) صحيح البخاري (5/51) ، وصحيح مسلم (3/1341) .(1/35)
ويقول عطاء بن يسار: فسألت ابن عباس:لم سألته عن حياة أمه؟ فقال :إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة - الأدب المفرد ، باب بر الأم-.
وقد جعل الله مكانة الأم لا يدانيها شيء ، فجعل الجنة تحت أقدامها ، وعلى الابن أن ينحني إلى ما تحت تلك الأقدام ليصل إلى الجنة إن أراد الوصول إليها ، وقال - صلى الله عليه وسلم - للذي حمل أمه على ظهره وأخذ يطوف بها بالبيت العتيق وهي على ظهره وقال : هل قضيت حقها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ لا ولا برفسة واحدة ] ، وفي رواية [ ولا بزفرة واحدة ] أخرجه البزار 0 وحتى الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام لا يقبله الله إلا بعد أن يأذن الأبوان أو أحدهما - إن لم يوجد غيره - ، أما إذا هجم العدو على ديار المسلمين فيجب قتاله دون إذنهما - محمد علي البار ، ص 28 -.
وأخرج النسائي وابن ماجه والحاكم أن جاهمة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخرج معه في الغزو فقال له المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : [ ألك والدة ] ؟ قال : نعم ، قال : [ فالزمها فإن الجنة تحت قدميها ] ، والمرأة هي الأساس الأول في بناء البيت ، وهي ربته ، ومحور الفلك الأسري ، وفي رحاب هذا الفلك يعود الرجل ليجد هدوء أعصابه ، وراحة نفسه ، وسكينة قلبه ، ومن بين حناياها يخرج الوليد ، وتحت جناحها يشب ، إنها قوام البيت ، زوجة وأمّاً ، ومحوره : منها وإليها يعود الجميع ، فلا قوام لبيت بدون المرأة - محمود الجوهري ، ص 45 -.
ب - وظائف الأم المسلمة :
للأم في المجتمع المسلم فضل عظيم ، لأنها تؤدي وظائف عظيمة ، تجمل في جملة واحدة وهي أن الأسرة نواة المجتمع - بالمعنى الحيوي - والأم نواة الأسرة كذلك ، وهذه بعض وظائف الأم المسلمة :(1/36)
1 - الإنجاب : الإنجاب هو تزويد المجتمع بالأفراد الذين يعوضون الأموات من المجتمع ، كما ينمونه عدداً، وهي وظيفة حيوية أساسية للمجتمع، فالشباب هم عماد الأمة ، يدافعون عن حماها ، ويبنون نهضتها بسواعدهم الفتية ، والمجتمع الهرم الذي يزيد فيه عدد الشيوخ على عدد الشباب ؛ مجتمع ضعيف عسكرياً واقتصادياً ويضطر إلى الاعتماد على المجتمعات الأخرى ، كما هو الحال في بعض المجتمعات الأوربية المعاصرة .
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : [ تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى ](1).وقد نشرت مجلة صوت تركستان الشرقية(2): (( سيزيد عدد المسلمين المؤهلين للخدمة العسكرية من نسبة (23%) إلى (30 %) عام (2000م) ، ويتضاءل عدد السوفيات من(49%) إلى أقل من (45 %) وفي نهاية القرن الحالي لن تستطيع روسيا أن تفعل مثل الآن وهو عدم إدخال المسلمين كضباط في الجيش، وستضطر إما إلى إنقاص حجم قواتها المسلحة، أو زيادة العسكريين المسلمين ، وهذا ما عبر عنه الخبراء الروس بعبارة - اصفرار الجيش الأحمر - وسوف يبلغ عدد المسلمين السوفييت في نهاية القرن الحالي (70 - 75) مليون ، ويصل عدد السوفيات كلهم آنذاك (300) مليون أي سيصبح المسلمون يشكلون (25 %) من مجموع السكان )) .
__________
(1) الألباني ، صحيح الجامع الصغير ، (3/40) .
(2) خالد شنتوت ، المسلمون والتربية العسكرية ، ص 205 .(1/37)
وفي فلسطين يشكل العرب المسلمون في الأرض المحتلة هماً لليهود لأن نسبة التكاثر العالية ، والتي تزيد عن (4 %) سنوياً ، وهي أعلى نسبة في العالم ، وهذه الزيادة ستجعل اليهود أقلية في فلسطين كما كانوا ، حتى أن اليهود أعلنوا عن سخطهم وغيظهم على المرأة الفلسطينية التي تنجب كأكثر امرأة في العالم وسموها (عش الزنابير )(1)، وخاصة بعد أن فجرت حركة ( حماس ) الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت أواخر عام (1987م) ومعظم أبطالها من الشباب الذين تتراوح أ عمارهم بين (12 - 20) عاماً ، وأعدادهم كثيرة والحمد لله .
والمرأة المسلمة تنجب الأطفال تقرباً إلى الله عز وجل ، وتتحمل العناء والمشقة طمعاً في ثواب الآخرة ، وتعلم أن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث ، وأحد هذه الثلاثة ؛ الولد الصالح . وعن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : [ إن للمرأة في حملها إلى وضعها ، إلى فصاله من الأجر ، كالمتشحط في سبيل الله ، فإن هلكت فيما بين ذلك ، فلها أجر الشهيد ] (2) .
__________
(1) * حشرات كالنحل أو أكبر تلسع ، ولسعتها مؤلمة ، وتعيش جماعات داخل وكر ، وتهاجم عدوها بجماعات كثيرة .
(2) خالد شنتوت ، المسلمون والتربية العسكرية ، ص 205 .(1/38)
وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ما تعدون الشهيد فيكم ؟ قالوا : الذي يقاتل في سبيل الله عز وجل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن شهداء أمتي إذاً لقليل ، القتيل في سبيل الله شهيد ، والمطعون شهيد ، والمبطون شهيد ، والمرأة تموت بجمع شهيد ] (1) ، يعني النفساء . والأم المسلمة لا تحدد نسلها ، لأنه بدعة يهودية يقصد منه كبح تكاثر المسلمين ، ولا تنظم(2)نسلها ، إلا إذا دعت الحاجة بعد موافقة الزوج ، وبعد استشارة طبيبين مسلمين إختصاصيين وعدلين .
2- الإرضاع :
__________
(1) رواه ابن حجر في المطالب العالية (2/84) رقم الحديث (1720) .
(2) * تنظيم الحمل : هو مد الفترة بين حمل وآخر ، كأن تجعلها سنتين بدلاً من سنة واحدة ، وبعض النساء تغيل أي تحمل بعد شهرين من ولادة الطفل السابق ، أي تلد في أول السنة وتلد في آخرها كذلك ، وأمثال هذه إذا أرهقها الحمل أجاز العلماء أن تنظم حملها فتطيل الفترة بين الحملين .(1/39)
والأم المسلمة ترضع طفلها لأن الرضاع عملية جسمية ونفسية لها أثرها البعيد في التكوين الجسدي والانفعالي والاجتماعي للطفل ، لذلك فرض المولى على الأم أن ترضع طفلها حولين كاملين ، يقول المولى عز وجل :{والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ... } - البقرة : 233-، ولبن الأم غذاء كامل للطفل ، خالٍ من الميكروبات ، ويكسب الطفل مناعة ضد الأمراض ، يحتوي نسبة بروتينات تساعد على الهضم السريع وكمية من المعدن والأملاح تريح الكليتين ، ويحتوي على فيتامين (ث) و (أ) ، ويشعر الطفل بالحنان والأمان وهو ملتصق بوالدته يسمع نبضات قلبها ، وقد أكد علماء النفس أن الرضاعة ليست مجرد إشباع حاجة عضوية بل هي موقف نفسي اجتماعي شامل ، تشمل الرضيع والأم ، وشعور الأم بالراحة والسعادة أثناء رضاعة طفلها يساعدها على ضمور الرحم ، وعودته بشكل أسرع إلى وضعه الطبيعي ، ومما تقدم نلاحظ أن الرضاعة حق من حقوق الطفل تقع على الأم والأب معاً - خيرية حسين طه جابر ، ص 58 ، بتصرف - .(1/40)
وبعض الأمهات الغافلات تمتنع عن إرضاع طفلها ، خوفاً على قوامها ، وتدعي أن الرضاعة تنمي الثديين فيكبر حجمهما ، كما أن الرضاعة تجعل الأم تأكل كثيراً ؛ فتكبر بطنها ، ويتضرر قوامها إذا وقفت شبه عارية على شاطئ البحر ، أو مشت في الشارع متبرجة أمام الأجانب ، ومثل هؤلاء الأمهات الغافلات ليس هذا البحث موجهاً لهن ، إنما تخاطب المرأة المسلمة لتدرك أن هذه الدعاوي ( تضرر القوام ) دعوة جاهلية ، فعملية الرضاعة تحفظ الثديين من الإصابة بالسرطان ، كما أن الرضاعة تخلص جسم الأم من زيادة الوزن ، ومن البدهي أن الثديين خلقا ليرضعهما الطفل ، فإن منعت عنهما هذه الوظيفة لحق بهما الضرر لأن الوظيفة تحافظ على العضو كما يقول علماء الحياة . ومن نافلة القول أن حليب الأم لايعدله حليب آخر ، حتى المرأة الأخرى لأن حليب الأم يتغير مع المولود يوماً بعد يوم ، فهو في الأيام الأولى كثير الدسم ، ثم يتغير مع تغير الطفل ، ويقول الأطباء أنه يختلف يومياً ، لذلك فحليب الأم لايعدله أي حليب آخر للطفل .(1/41)
وذهب المالكية إلى أنه من حق الطفل على أمه أن ترضعه إذا لم يكن هناك مانع شرعي ، كسقم أو فاقة لبن ، وخاصة إذا لم يرض الرضيع ببقية الأثداء ؛ فحينئذ تلزم ألأم بإرضاعه حفاظاً على حياته ـ ابن جزيء ،القوانين الفقهية 192ـ وذهب الأحناف إلى إلزام الأم بإرضاع طفلها إذا تعذر على الأب تأمين الرضاعة له ، ولا أجرة للأم على رضاعة طفلها مادامت في عصمة الزوج ، لأن رضاعته منها أمر متلازم مع الفطرة ، لقوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين}ـ البقرة 233ـ فهي ـ الأم ـ ملزمة بإرضاعه ديانة، وعند الاستثاء تلزم قضاء ـ ابن عابدين ، الحاشية ، 2/674ـ وذهب الشافعية إلى أنه يجب عليها إرضاع ولدها اللبأ (اللبن النازل أول الولادة ) لأن الوليد لايعيش بدونه غالباً ، أو أنه لايقوى وتشتد بنيته إلا به ـ الغزي ، شرح الغاية 259 ـ وذهب الحنابلة إلى أن الحق للأم في أولوية الرضاعة ، إن كانت في عصمة الزوج أو مطلقة ـ المغني 7/627ـ وعند الجمهور المدة الزمنية للإرضاع المحرم لاتزيد عن عامين ، وذهب أبو حنيفة إلى أنها عامان ونصف ـ كامل موسى 46 .
3 ــ العناية بالطفل :(1/42)
العناية بالطفل هي إرضاعه وتنظيفه وتعهده بالنوم وتغيير ثيابه كلما لزم الأمر ، وتغذيته بعد الشهر الرابع بغذاء إضافي غير الحليب ، وإتمام اللقاحات الطبية اللازمة ، ثم مناغاته واللعب معه ، ثم التحدث معه وغير ذلك ، ونقصد كذلك بالعناية بالطفل تربيته روحياً وخلقياً واجتماعياً وعقلياً وانفعالياً وجسدياً ، وأخطر سنوات الطفل هي سنواته الأولى ، منذ الولادة وحتى نهاية السنة الخامسة ، هذه السنوات التي هيأها الله سبحانه وتعالى ليكون جهازاً لاقطاً لسلوك أمه وأبيه ، فيلقط منهما اللغة في نهاية السنة الثانية ، ويلقط مع اللغة وقبلها قيم السلوك الذي يسلكه الوالدان في البيت أمام الطفل (راجع دور البيت للباحث ) ، وربما يقول أحدهم لو تركت الأم هذه المهمة ـ العناية بالطفل ـ للخادمة أو المربية ، وقد تكون متخصصة في التربية ــ أحياناً نادرة ـ ماذا لو تخلت الأم عن هذه الوظيفة للخادمة ، وتفرغت الأم لفساتينها وصاحباتها وأفلامها ، وزياراتها !! ويدافع البعض الآخر عن الأم العاملة التي تخرج من البيت ، ألايجوز لها أن تسند مهمة العناية بالطفل إلى المربية !!؟
وقد نشرت مجلة التربية القطرية في الأعداد (79،80،81) تحقيقاً صحفياً حول ندوة تربوية عن (المربية الأجنبية ) شارك فيها عدد من المختصين في التربية كالأساتذة في كلية التربية أو الموجهات التربويات في وزارة التربية ، ونقتطف بعض ماجاء في تلك الندوة :(1/43)
المربية الأجنبية ضائعة بين ثقافتين ، ثقافتها التي لاتتمكن من نقلها للطفل ، وثقافتنا التي لاتستطيع نقلها إليه ، مما يؤدي إلى عزل الطفل عن أسرته، وعن بيئته الحضارية ، فيؤثر ذلك في نموه العقلي والنفسي والاجتماعي؛ فتمنو شخصية الطفل مريضة منهارة ، كما تخاطب المربية الأجنبية الطفل بلغة خليطة من الفارسية والهندية والانجليزية والعربية ، مما يضعف لدى الطفل تعلمه اللغة العربية ، علماً أن اللغة أداة التفكير والتعبير والاتصال ، وقد ظهرت بعض الألفاظ الأعجمية في لغة الأطفال ، كما تصرف بعضهم بشكل غير لائق بعاداتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية . وعزا المشاركون في الندوة عدم المبالاة والإهمال وعدم تحمل المسؤولية ، كأنماط من السلوك متفشية في سلوك بعض أطفالنا ،عزوها إلى اعتماد الطفل الكامل على المربية ، التي تقدم للطفل كل مايريد إرضاء لوالديه . ويؤكد خطورة الاعتماد على المربيات الأجنبيات أن (80%) من النمو عند الأطفال يحدث في السنوات الثلاث الأولى ، و(50%) يحدث في السنة الرابعة ، وعزت الندوة اهتزاز شخصية بعض الأطفال وانحلالها إلى معايشتهم للخدم والمربيات فترة طويلة من حياتهم اليومية . ـ راجع كتاب الباحث خطر المربيات على الطفل المسلم ـ(1/44)
وكي تعتني الأم بطفلها لابد لها من المعرفة والثقافة الصحية التي تحصل عليها من المدرسة ؛ فتعرف مواعيد اللقاحات الطبية ، وتعرف كيف تغسل الطفل ، وماهي الأطعمة الضرورية له ، وما هي أهم الأمراض الشائعة عند الأطفال )( كالإسهال ، والتهاب اللوزتين ) ، وماهي الإسعافات اللازمة لهذه الأمراض ريثمايعرض الطفل على الطبيب ، كما ينبغي أن تعرف الأم أن طاعة الطبيب وتنفيذ تعليماته أمر ضروري ، وخاصة في إتمام جرعة الدواء التي يصفها الطبيب للطفل ، حيث أن كثيراً من الأمهات تكف عن إعطاء الدواء للطفل حالما ترى ذهاب أعراض المرض عنه ، وهذا خطأ فادح ، والصحيح أن تكمل جرعة الدواء التي وصفها الطبيب .
كما يلزم الأم معرفة مبادئ علم نفس الطفل ، لتعامله على أساسها ، ومنها : تمركز الطفل حول ذاته ، وشعوره المتضخم بذاته ، وضرورة إشباع هذه الحاجة في سنوات الطفل الأولى ، وينبغي أن تعرف قدرة الطفل على الالتقاط بل قدرته المبكرة أكثر ممانظن ، فلاتفعل الأم أمامه شيئاً لاترضاه له، لأنه يتشرب سلوكها ويقتدي به ، وإعداد الأم المسلمة بهذه الثقافة الصحية والتربوية من واجبات المدرسة ، التي لاتقوم بها مع الأسف ، بل تعد البنات كما تعد الصبيان سواء ، فتعلمهن الفيزياء والرياضيات ...إلخ ، مما يحتاجه قليل من الأمهات،وتهمل الثقافة الصحية والتربوية التي تحتاجها جميع الأمهات.
4 ــ ربة بيت :
المرأة المسلمة ربة بيت ، ومن المضحك أن المفاهيم الغربية تكتب للمرأة التي لاتعمل خارج المنزل عبارة (لاتعمل) عند خانة المهنة (1) ، وهذه مغالطة حضارية مقصودة ، لأنهم لايعترفون بعمل المرأة الحقيقي وهو عملها في البيت ، ويعتبرون المرأة التي لاتعمل خارج البيت معطلة عن العمل ، لذلك يقولون : كيف يبقى نصف المجتمع عاطلاً عن العمل !!؟
__________
(1) من نعم الله على المملكة العربية السعودية أنها نجت من هذا المرض ، ويكتب للمرأة في خانة المهنة (ربة بيت) .(1/45)
وقد أجمع المصلحون المجددون مثل غاندي وفيصل الأول ومحمد علي جناح وسعد زغلول وغيرهم أن المرأة التي تنصرف إلى الأعمال الخارجية يخسر زوجها وأولادها بقدر ماتكسب من المال ـ مصطفى السباعي 279ـ وروجعت (1800) أغنية شعبية أمريكية بين عام (1900ـ 1950) لمعرفة أكثرها رواجاً ونجاحاً ، فتبين أن الأغاني التي تصور الحنين إلى حياة الأسرة والأم والطفولة هي الأغاني المفضلة ـ السباعي 267ـ
والمرأة المسلمة تعمل في بيتها أسوة بفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد أخرج الشيخان عن علي - رضي الله عنه - أنه قال لابن أم عبد : ( ألا أحدثك عني وعن فاطمة ؟ قلت بلى قال : إنها جرت بالرحى حتى أثرت في يدها ، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها ، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خدم ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألته خادماً ، فأتته فوجدت عنده حداثاً فرجعت ، فأتاها من الغد فقال - صلى الله عليه وسلم - : ماكان حاجتك ؟ وسكتت ، فقلت : يارسول الله ، جرت بالرحى حتى أثرت في يدها ، وحملت بالقربة حتى أثرت في نحرها ، فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادماًيقيها حر ما هي فيه . فقال - صلى الله عليه وسلم - : [ اتقي الله يا فاطمة وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك . وإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثاًوثلاثين، واحمدي ثلاثاً وثلاثين، وكبري أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة فهي خير لك من خادم]، فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ) . وهكذا أبى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على فاطمة التي لم يكن يحب أحداً مثلها ، والتي هي بضعة منه ـ يرببه مايريبها، ويغضبه ما يغضبها، أبى عليها الخادم ، ووزع أولئك الخدم الذين جاؤوه على نساء المهاجرين والأنصار .. حرصاً منه على أن تزداد ابنته من الأجر كلما عملت في خدمة زوجها وبنيها ـ محمد علي البار 52ـ(1/46)
وأخرج الشيخان عن أسماء - رضي الله عنه - قالت : ( تزوجني الزبير بن العوام وماله في الأرض مال ولامملوك ولاشيء ، غير ناضح (جمل ) وغير فرسه ، فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤونته وأسوسه ، وأدق النوى لناضحه فأعلفه وأسقيه الماء ، وأخرز غربه ، وأعجن ، ولم أكن أحسن الخبز ،فكان يخبز لي جارات من الأنصار ، وكن نسوة صدق ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسي ، وهي على ثلثي فرسخ ، قالت فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من أصحابه فدعاني وقال : أخ أخ ليحملني خلفه ، فاستحييت فمضى فجئت الزبير فقلت : لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك ، فقال : والله لحملك النوى على رأسك أشد علي من ركوبك معه . حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم كفاني سياسة الفرس فكأنما أعتقني ـ البخاري ـ
وإن عمل المرأة في بيتها من أسمى الأعمال ، حتى أن حملها وولادتها ليعتبر رباطاً في سبيل الله ، فقد أخرج الطبراني في الكبير : [ المرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها كالمرابط في سبيل الله ، فإن ماتت فيما بين ذلك فلها أجر شهيد ] .(1/47)
وهذه الصحابية الجليلة ( أسماء بنت يزيد الأنصارية ) جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أنا وافدة النساء إليك ، واعلم - نفسي لك الفداء - أنه ما من امرأة كانت في شرق أو غرب سمعت بمخرجي هذا ، أو لم تسمع إلا وهي مثل رأيي ، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء ، فآمنّا لك واتبعناك ، ونحن - معشر النساء - محصورات مقصورات ، قواعد بيوتكم ، وحاملات أولادكم ، وإنكم - معشر الرجال - فضلتم علينا بالجمع والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله . وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً ، أو معتمراً ، أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم ، وربينا لكم أولادكم ... أفما نشارككم في هذا الخير يا رسول الله ؟ فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه إلى أصحابه وقال لهم : [ هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه ؟ ] فقالوا : لايارسول الله. فقال - صلى الله عليه وسلم - : [ انصرفي يا أسماء، وأعلمي من وراءك من النساء : أن حسن تبعل(1)إحداكن لزوجها ، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته، يعدل كل ما ذكرت ] فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشاراً.
وكأن الأم العربية ( أسماء بنت خارجة الفزارية ) التي توصي ابنتها عندما تزف إلى زوجها ، كأنها توجز لها حسن التبعل فتقول لها :
__________
(1) * جاء في المعجم الوسيط : ابتعلت المرأة : حسنت طاعتها لزوجها ، وتباعل الزوجان : تلاعبا ، وتبعلت المرأة : أدت حق البعولة ، ويقال : تبعلت زوجها .(1/48)
أي بنيتي ... إنك تفارقين بيتك الذي منه خرجت ، وعشك الذي فيه درجت ، إلى رجل لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، فكوني له أمة يكن لك عبداً ، وكوني له أرضاً ذليلة ، يكن لك سماء ظليلة . وعليك بالقناعة ، وحسن السمع والطاعة ، وتفقدي موضع عينه وأنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح ، وتفقدي وقت منامه وطعامه ، فإن تواتر الجوع ملهب ، وتنغيص النوم مغضب ، وأحسني رعايةماله ، وحشمه وعياله ، فملاك الأمر في المال حسن التدبير ، وفي العيال حسن التقدير . ولا تعصي له أمراً ، ولا تفشي له سراً ، فإنك إن خالفت أمره ، أوغرت صدره - أي ملأته غيظاً - وإن أفشيت سره ؛ لم تأمني غدره . ثم إياك والفرح بين يديه إذاكان مهموماً، والكآبة بين يديه إذا كان فرحاً مسروراً ، واعلمي أنك كلما أظهرت له التعظيم والاحترام ، قابلك باللطف والإكرام ، وبقدر طاعتك لأمره ، تجتني ثمار ألطافه وعواطفه .
وواجبات ربة البت جد كثيرة هذه بعضها بإيجاز :
أ- متابعة الأولاد في صلاتهم ، وتذكيرهم بأوقاتها ، وأمرهم بها بعد السابعة ، وكذلك الصوم ، وحثهم وترغيبهم في الوضوء والصلاة قبل السابعة ، وكذلك حثهم على تلاوة القرآن الكريم .
ب- ربة البيت هي أمينة سر الدرس اليومي للأسرة ، تدعو أفراد الأسرة إلى الدرس ، بحضور الأب أو غيابه ، وتشارك فيه .
ج- تعد الطعام والشراب لأفراد الأسرة كلهم ، وتدرب بناتها على معاونتها في ذلك لتعدهم وتعلمهم ، وتقدم للأسرة طعامها في أوقات محددة في الغالب ، وتراعي الاعتدال ، وتبتعد عن الإسراف والتقتير .
د- تؤمن نظافة الأسرة من حيث :
نظافة الملابس التي تغسلها دورياً ، كما تكنس المنزل وتنظفه من الغبار ، وتحافظ على ترتيبه ، وتنظف أواني المطبخ الكثيرة ، وتدرب بناتها منذ الصغر على مساعدتها في المطبخ .(1/49)
هـ- ربه البيت ممرضة الأسرة تقوم بالإسعافات الأولية اللازمة عند الجروح ، أو الحروق ، أو غيره ، كما تشرف على تقديم الدواء لأفراد الأسرة ومتابعته حسب تعليمات الطبيب .
و- ربة البيت والمدرسة :
يبدو أن الأم اليابانية - حالياً - أفضل الأمهات بالنسبة لمتابعة أولادها في دروسهم، ففي إحدى دور الحضانة التي تعذر فيها إجراء اختبار قبول لأطفالها، لأن أعمارهم في حدود العامين، لذلك فقد اختبرت أمهات الأطفال،والطلاب الذين يذهبون إلى امتحان القبول في جامعة طوكيو ، يذهبون إلى تلك الامتحانات وهم مصحوبون بأمهاتهم [لتساعدهم في أيام هذا الامتحان] . إن هذه الأم اليابانية تعمل كي تضمن نجاح ابنها،وهذا الفعل يمكنها من أن تؤدي واجب الأمومة ، ويحقق لها مركزاً وسمعة بين جيرانهاوصديقاتها ، ومن هنا فلا غرابة في أن يقوم مدير المدرسة بإهداء بعض الأمهات شهادات تقدير شرفية نظراًلأنهن عملن بشكل جاد كي ينجح أبناؤهن ويتفوقوا وذلك في احتفالات التخرج التي تجريها الثانوية (1) .
ومن واجبات ربة البيت المدرسية :
- إيقاظ الأولاد والبنات في الزمن المناسب للمدرسة ، وإعداد الفطور لهم ، ومساعدتهم على إرتداء ثيابهم وترتيب حقائبهم ، ثم مغادرتهم البيت إلى المدرسة مبكرين .
- استقبالهم عند عودتهم من المدرسة ، والإشراف عليهم عندما يبدلون ثيابهم ويرتبون حقائبهم ، ثم يتناولون طعام الغداء . وتسألهم عن يومهم المدرسي على مائدة الغداء ، لتعرف ما جرى لكل منهم .
- تشرف عليهم في حل الواجبات المدرسية ، وتتابع سجل الواجبات المنزلية ، وتتأكد من فهمهم للدروس الجديدة ، وقد تطرح عليهم بعض الأسئلة للتأكد من ذلك . وعندما تدعو الحاجة تتصل بالمدرسة هاتفياً ، وتستفسر عن تحصيل ولدها وسلوكه في المدرسة ، وتزورمدرسة البنات وتقابل المعلمات بشكل دوري ويفضل مرة كل شهر لتتعرف على مستوى تحصيل بناتها وسلوكهن في المدرسة .
__________
(1) إدوارد -ر- بوشامب ، ص 54 .(1/50)
ز- ربة البيت والكسب :
وقد تحتاج ربت البيت إلى الكسب لعدة أسباب منها : وفاة الزوج ، أوسجنه أومرضه أوقلة دخله ، وفي هذه الحالة يفضل لها أن تمارس إحدى الصناعات المنزلية التي تدر عليها كسباً حلالاً ، كصناعة السجاد أو الملابس والتفصيل وغيرها ، وعندما تضطر للعمل خارج البيت فلابد من مراعاة الشروط التالية :
1 - إذن وليها من أب أو زوج أو أخ أو ولد ، للعمل المباح كمدرسة للبنات أو ممرضة للنساء خاصة .
2 - عدم اختلاطها بالرجال ، أو خلوتها بأجنبي .
3 - عدم التبرج وإظهار الزينة المثيرة للفتنة .
4 - عدم التطيب عند الخروج .
5 - تحتجب بالحجاب الشرعي - عبد الله بن جار الله ، ص 79 -.
المرأة المسلمة زوجة صالحة :
المرأة المسلمة أم مربية ، وزوجة صالحة ، وقد حاول الباحث إلقاء الضوء على بعض صفات الأم المربية ، لتكون تلك الصفات نموذجاً للبيت المسلم في تربية بناته ، ويحاول الباحث الآن أن يذكر بعض صفات الزوجة الصالحة :(1/51)
1 - طاعة الزوج : المرأة المسلمة تطيع زوجها في غير معصية ، وتقدم طاعة زوجها على طاعة أمها وأبيها وأخيها وابنها لو تعارضت ، وقد روى أبو داود والحاكم وصححه الترمذي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : [ لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها](1). والمرأة المسلمة تجتهد في طاعة الله وطاعة رسوله ، وطاعة زوجها وتطلب رضاه جهدها فهو جنتها ونارها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه وصححه الحاكم ، أنه قال : [ أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ] (2) ، كما روى أحمد والطبراني رحمهما الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت الجنة ] (3) .
وقال سبحانه وتعالى: [ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ] ـ النساء 34 ــ فقد أمر الله عز وجل المرأة المسلمة أن تطيع زوجها ، كما أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، وذلك لأن القوامة للرجل ، والبيت إمارة ، يجب أن يطيع أفرادها أمير البيت وهو الأب ، كما يجب على الأبناء والبنات طاعة والديهما ، وهكذا يقوم البيت كوحدة اجتماعية متينة .
[
__________
(1) صححه السيوطي في الجامع الصغير ، والألباني في صحيح الجامع الصغير (5/56) .
(2) السيوطي في الجامع الصغير وقال حديث حسن .
(3) حديث صحيح ذكره السيوطي في الجامع الصغير والطبراني في الأوسط ، وأحمد (1661) .(1/52)
وينبغي على المرأة أن تعرف حقوق زوجها فلا تتصرف في نفسها ولا في ماله إلا بإذنه وتقدم حقه على حقها وحقوق أقاربه على حقوق أقاربها ، وتكون مستعدة لتمتعه بها بجميع أسباب النظافة ولاتفتخر عليه بجمالها ولا تعيبه بقبيح إن كان فيه ] ، [ ويجب على المرأة أيضاً دوام الحياء من زوجها وغض طرفها قدامه والطاعة لأمره والسكوت عند كلامه والابتعاد عن جميع ما يسخطه ، وترك الخيانة له في غيبته في فراشه وماله وبيته ، وطيب الرائحة له ] (1) .
ومن طاعة الزوج أنها لا تخرج من بيتها دون إذنه ، ما عدا الأحوال التالية :
أ - أن تخرج لخدمة أحد أبويها ، إن كان في حاجة إلى خدمتها .
ب - أن تخرج لزيارة أحد أبويها ، كل جمعة إن عجز عن المجيء إليها .
ج - أن تخرج لمسألة دينية إذا لم يسأل لها زوجها (2) .
2 - حفظ الزوج في : نفسها وماله وبيته وسمعته وأولادها : فقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها ...] (3) .
فالمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن حفظ رعيتها ، فتحفظ نفسها وسمعة زوجها وعرضه فلا تخرج من البيت بدون إذنه ، ولا تتبرج ولا تخالط الرجال الأجانب داخل البيت أو خارجه ، ولا تأذن لمن لا يرضى الزوج دخوله عليها من محارم أو نساء ، وإذا لزم التكلم مع الرجال الأجانب بالهاتف أو من خلف الباب فتتكلم قدر الحاجة فقط ، بدون لين أو تكسر ، ولا تسأل بل تجيب بإيجاز شديد .
__________
(1) عبد الله جار الله ، ص 73 .
(2) الفقه على المذاهب الأربعة ، للجزيري (5/159) .
(3) ذكره السيوطي في الجامع الصغير ، وقال أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي .(1/53)
والمرأة مسئولة عن حفظ البيت ، نظافة وترتيباً ، وخدمة المرأة في بيت زوجها واجب عليها ديانةً لا قضاءً - وهبي الغاوجي ، ص 142 - ، وأسوتها في ذلك فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، و - رضي الله عنه - ا ، وأسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنه - ما ، وغيرهما من الصحابيات - رضي الله عنه - ن ، حتى يصبح بيته سكناً له ، ترتاح فيه نفسه من عناء التعب خارج البيت .
والمرأة المسلمة زوجة صالحة وهي مسئولة عن حفظ أولادها ، فلا تضيعهم ، بل تتفانى في تربيتهم جسدياً ونفسياً وعقلياً وروحياً ، وأفضل ما تقدم الأم لأولادها أن تكون قدوة حسنة لهم ، في طاعة الله ، وطاعة رسوله، وزوجها ، وهذه الأسرة المتزنة من وسائل التربية الخلقية والوجدانية عند الأطفال (1) .
والزوجة الصالحة مسئولة عن مال زوجها ، فلا تبذره ، ولاتسرف فيه ولا تعطي أحداً - حتى الفقراء ، أو أحداً من أهلها - بدون إذن زوجها ، فقد روى البيهقي والطيالسي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : [... ولا تعطي شيئاً من بيته إلا بإذنه ، فإن فعلت ذلك كان له أجر وعليها الوزر ] . وقد مر معنا أن محاربة الاستهلاك والإسراف صفة للمرأة المسلمة ، وفي مالية البيت تكون الأم قدوة لأفراد الأسرة كلهم في اعتدال النفقة .
__________
(1) راجع دور البيت في التربية الطفل المسلم ، للباحث ، ص 30 .(1/54)
3- التجمل للزوج : تَزيٌّن المرأة لزوجها له أهمية في استقرارالبيت، وتعميق المحبة بين الزوجين ، وكثير من النساء الغافلات تتزين إذا خرجت من البيت ، وتهمل نفسها في بيتها ، وهذا عكس المطلوب ، وقد روى الطبراني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ خير النساء من تسرك إذا أبصرت وتطيعك إذا أمرت وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك ] -ذكره السيوطي في الجامع الصغير وصححه- ، وما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : [ إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة االكيس الكيس ] ، ( وفي هذا الحديث توجيه هام للزوجة وهو أن تعنى بهندامها ، فلا تظهر أمام زوجها إلا في أجمل صورة ، وكأنها في ليلة عرسها ) -محمد حسن أبو يحيى ، ص 136-.
وروى الترمذي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : [ طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ] . وهذا لا يعني عدم جواز تطيب المرأة بالرائحة الطيبة داخل بيتها ، بل ينبغي ذلك - المرجع نفسه ، ص 140- . ( وينبغي شرعاً للمرأة أن تتزين وتتجمل وتتحسن وتتطيب في بيتها لزوجها ، وأبيح لها أن تستعمل ما شاءت من أدوات الزينة والتجميل من ثياب وحلي وطيب وكحل وأصبغة وغيرها ، مما ليس فيه تغيير أصلي وتشويه فطري في خلق الله كالوشم والتفليج ، بلاإفراط ولا تفريط ، فلاتشغلها زينتها عن أولادها وبيتها...) -عبد الباقي رمضون ، ص 235-.(1/55)
4- الزوجة الصالحة سكن للزوج : قال تعالى في كتابه الحكيم : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها - وجعل بينكم مودة ورحمة - إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } -الروم : 21- ، ( فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر ، ملبياً لحاجته الفطرية : نفسية وعقلية وجسدية ، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار ، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء ، والمودة والرحمة ، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ في تلبية رغائب كل منهما في الآخر .. ) -في ظلال القرآن ، (5/2763)- ،( والأصل في التقاء الزوجين هو السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار ، ليظل السكون والأمن جو المحضن الذي تنمو فيه الفراخ الزغب ، وينتج فيه المحصول البشري الثمين ... ) - في ظلال القرآن ، (3/1412)- .
فكيف تحقق الزوجة السكن لزوجها ؟ يكون ذلك عندما يجد نفسه في بيت مريح ، نظيف ومرتب ، ويجد أولاده في أمن وسلامة ، وينمو كل منهم حسب الفطرة التي أرادها الله عز وجل ، ويلمح الابتسامة على وجه زوجته وأولاده بل ويرى الابتسامة على قطع الأثاث في البيت ، عندئذ ترتاح نفسه ، وتسكن عندما تحس بهذه السكينة والأمن . فيستجم وتهدأ أعصابه من إرهاق العمل خارج البيت ، وتسرع البشاشة والابتسامة إلى وجهه .
أما إذا جاء من عناء العمل والكد ليجد الأمور مضطربة ، كأن لم يجد زوجته في البيت ، أو وجدها نائمة ، أو مع زميلاتها ، وسمع الأطفال يبكون جوعاً ، و يتشاجرون ، ونظر في البيت فرأى الفوضى والظلام ، فتزداد أعصابه توتراً وقلقاً ، وقد يهرب من هذا الموقف إلى خارج البيت ، إلى المقاهي أو إلى أصدقائه ، عندئذ تبدأ الأسرة بالتفكك والانهيار .(1/56)
والمرأة العاقلة ، والزوجة الصالحة تخفي آلامها عن زوجها عند دخوله إلى البيت ، وإن كان هناك ما يجب إخباره به ، كمرض طفل أو نحوه ، كتمت ذلك حتى إذا ارتاح الزوج من عناء الكد خارج البيت ، وسكنت نفسه وهدأت ، عندئذ تتحين الزوجة الصالحة الفرصة المناسبة لتخبره بذلك ؛ بقالب لين يهون عليه الصعب ، ويلطف عليه الأمر .
ولها في الصحابية أم سليم رضي لله عنها خير قدوة ، عندما كان طفلها مريضاً ، ثم مات فسألها زوجهاأبو طلحة عنه فقالت : هو أسكن ماكان ، فظن الزوج أنه نائم، وقد ذهب عنه المرض ، ثم قامت فقربت إليه العشاء فتعشى ، فتزينت لزوجها وناما ليلتهما فأصاب منها ، وفي الصباح أخبرته بوفاة طفله فقالت له : أرأيت لو أن لأحدهم عارية فطلب ردها إليه ؟ الله أعطانا طفلنا ثم طلبه منا ، فقام الأب ونشط في دفن طفله ، ثم أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما كان منه ومنها ، فدعا الله أن يبارك لهما في ليلتهما ، فرزقه الله غلاماً من تلك الليلة ، أخذوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحنكه ودعا له بالبركة فكان عالماً ، وأنجب أحد عشر عالماً من أبنائه .
4- قوامة الرجل : قال تعالى في كتابه العزيز:{الرجال قوامون على النساء - بما فضل الله بعضهم على بعض - وبما أنفقوامن أموالهم...} -النساء : 34- أي الرجل قيم على المرأة ، وهو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجت ، لأن الرجال أفضل(1)من النساء ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك الملك الأعظم لقوله - صلى الله عليه وسلم - : [ لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة ] -رواه البخاري- ، وكذا منصب القضاء ، ولأن الرجال أنفقوا المهور والنفقات التي كلفهم الله بها -محمد علي الصابوني ، مختصر تفسير ابن كثير- .
فالقوامة إذن أعطاها الله عز وجل للرجل للأسباب التالية :
__________
(1) * أفضل هنا أقرب إلى التخصص ، أما قاعدة التكريم في الإسلام فهي { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .(1/57)
1- الأسرة وحدة اجتماعية لابدلهامن أمير، ومن البدهي أن يكون الأب أميرها.
2- عموم الرجال أكثر عقلانية من عموم النساء ، وتفكير الرجل استدلالي منطقي ، بينما تفكير المرأة حدسي عاطفي ، وقد زود الله الرجل بالعقل الاستدلالي ليساعده على التفاعل مع الكون ، بينما زود الله المرأة بالعاطفة التي تفيض على العقل ليساعدها على حضانة الأطفال ورعايتهم .
3- كلف الله الرجل بالإنفاق على الأسرة ، بما فيها الزوجة ، فالرجل مكلف بالإنفاق على المرأة ، وكلف الله الرجل كذلك بتقديم مهر للمرأة عند الزواج ، ومقابل ذلك أعطاه حق القوامة على المرأة .
4- كلف الله المرأة بالحمل والولادة والرضاعة وهذه الأعمال شاقة ومرهقة قال عنها تعالى : { حملته أمه وهناً على وهنٍ } -لقمان : 14- ، فليس أشد على المرأة من مدة الحمل ، فهو جهد على جهد وضعف على ضعف ، ولا يمكن أن تتحمل غير هذا العبء ، وتشغل نفسها بأي مهمة أخرى ، لأنها شغلت وكلفت بأسمى مهمة .(1/58)
يقول سيد قطب رحمه الله : ( ومن ثم زودت المرأة بالرقة والعطف ، وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة - بغير وعي ولا سابق تفكير - لأن الضرورات الإنسانية العميقة كلها لم تترك لأرجحة الوعي والتفكير وبطئه ، بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية ، لتسهل تلبيتها فوراً وفيما يشبه أن يكون قسراً ، ولكنه قسر داخلي غير مفروض من الخارج ، ولذيذ ومستحب في معظم الأحيان كذلك ، لتكون الاستجابة سريعة من جهة ومريحة من جهة أخرى ، وكذلك زود الرجل بالخشونة والصلابة ، وبطء الانفعال والاستجابة ، واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة ، لأن وظائفه كلها تحتاج إلى قدر من التروي قبل الإقدام ، وإعمال الفكر ، والبطء في الاستجابة بوجه عام ، وهذه الخصائص تجعله أقدر على القوامة ، وأفضل في مجاله ، كما أن تكليفه بالإنفاق يجعله بدوره أولى بالقوامة ... قوامة لها أسبابها من التكوين والاستعداد، ولها أسبابها من توزيع الوظائف والاختصاصات(1).
( والمرأة بطبيعة استعدادها للحمل والوضع والإرضاع ، وما تلقى في ذلك من ضعف وألم ، تعجز عن حماية نفسها أو قومها ، لذلك فرض الله الجهاد على الرجل وحده، وأعفى المرأة منه، ومن الطبيعي أن يقوم عليها الرجل بتلك الحماية والرعاية) -محمود محمد الجوهري ، ص 121- . وهذه القوامة لا تعني القهر والاستبداد بل هي العدل والشورى ، فالرجل والمرة في تعاون معاً ، قال عز وجل : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } -البقرة : 228- .
قوامة الرجل في المجتمعات المعاصرة :
__________
(1) سيد قطب ، في ظلال القرآن ، ظلال الآية : الرجال قوامون على النساء .(1/59)
البشرية اليوم منحرفة عن منهج الله - إلا من رحم ربك وهم قليل - والأسرة هي الوحدة العضوية في بناء المجتمع ، هذه الوحدة منهارة في كثير من المجتمعات ، لذلك نجد تلك المجتمعات منهارة ومنحلة وضعيفة ، وإن بدا في ظاهرها بعض أنواع القوة ، ومن أسباب انهيار الأسرة المعاصرة تخلي الرجل عن قوامتها . ويقول ( جاردنر نل أرمسترونج ) في كتابه بعنوان ( Your Marriage Can be happy ) يقول : ( لماذا تشعر أغلب النساء بالخيبة والشقاء ؟ لأنهن خرجن على فطرتهن ولماذا يتأنث معظم الرجال ويفشلون أزواجاً وآباء ؟ لأنهم تخلوا عن أصالتهم الفطرية ، وتحولوا إلى عناصر غريبة ، تحاول أن تكون الزوجة والأم ، لا الزوج ورجل البيت . إن المجتمعات المريضة لا تلد إلا بيوتاً مريضة ، تلك حقيقة ثابتة ، وقد قلبت بيوتنا رأساً على عقب ، رفض الرجل أن يتحمل مسؤوليته ، وتخلى عن القيادة في البيت، بينما حاولت المرأة أن تغصبه قوامته ، فلم يعد غريباً أن يقوم الرجل بأعمال البيت من كنس وغسل وطهي ، ومن الشائع اليوم أن يمكث الرجل في البيت لرعاية الأطفال(1)، وبينما تقضي الزوجة أغلب وقتها في عملها خارج البيت ) (2) .
ويقول الأستاذ محمد قطب :
(
__________
(1) * ألغى قانون الأسرة بالنمسا في سنة 1978م النص على أن الرجل رب العائلة ، كما تطالب المرأة هناك بإجازة وضع للزوج !!! ( عن الأهرام : 31/8/1979م ) .
(2) نقلاً عن محمود محمد لجوهري ، ص 124 .(1/60)
ولئن كان من جنون الجاهلية الحديثة إثارة المرأة وإحراج صدرها من قوامة الرجل عليها وعلى الأطفال بوصفه الزوج والأب ، فلقد أكرهت هذه الجاهلية أخيراً على الاعتراف بأن أهم أسباب تشرد الأجيال الحديثة من الشباب ، وانغماسهم في انحرافات الشذوذ الجنسي ، وانحرافات المخدرات ، وانحرافات الجريمة ، هو غيب سيطرة الأب ، سواء لطغيان شخصية المرأة عليه في داخل الأسرة، أولتفكك الأسرة وعدم وجود المجال للرجل صاحب السلطان) -محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، 2/97-.
وفي المجتمعات المسلمة المعاصرة ، تكثر فيها الأم المسترجلة ، التي تفرض سيطرتها على الأسرة ، وتغصب القوامة من الرجل بإحدى وسيلتين :
أ- إغراء الرجل وجره من شهوته ، ثم السيطرة عليه وتوجيهه كما تريد ، حتى إذا أمرته أن يعق أمه أطاع زوجته وعق أمه ، وكأنه مخدر ولا يعقل ، وهو كذلك لأن الهوى ( الشهوة المتضخمة ) يعمي صاحبه ويصمه .
ب- وقد تغتصب القوامة بسفاهتها ، وسلاطة لسانها ، ولين زوجها الذي تورط بالزواج معها ، ثم أنجبت له أطفالاً ، وهو يعلم أن أبغض الحلال إلى الله الطلاق ، وأشفق على أطفاله من الضياع ، فشكا أمره لله ، وسكت وقد غصبت منه القوامة على الأسرة .
ولا بد من التركيز بأن الرجل الذي ترعرع في أسرة الأم فيها مسترجلة ومسيطرة على الأب ، هذا الرجل يسهل على زوجته السيطرة عليه ، لأنه لم ينشأ على قوامة الرجل ، وكذلك الفتاة التي تترعرع في أسرة تقودها الأم المسترجلة ، مثل هذه الفتاة ستحاول اغتصاب القوامة من زوجها عندما تكون زوجة ، وقد تفلح بإحدى الوسيلتين المذكورتين سابقاً ، وقد تخفق فتنهار الأسرة ويقع الطلاق .(1/61)
إن الأسرة المعاصرة في المجتمعات المسلمة ضعيفة البنيان في الغالب ، لأن قوامة الرجل فيها مسلوبة أحياناً ، وأحياناًأخرى شكلية فقط ، وبعض الرجال يهمل أسرته ويتخفف من أعباء القومة ، فيتركه للزوجة [ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ]، وعندما لا تفلح الأسر ، كيف يفلح المجتمع !!؟ وعندما لا تقوم الأسرة بوظائفها الأساسية - ولن تقوم بها عندما يتخلى الرجل عن قوامتها - كيف يقوم المجتمع ؟!! وكيف تكون الأمة المسلمة خير أمة أخرجت للناس ، كما أرادها الله عز وجل !!؟.
ولما سبق بيانه فإن قوامة الرجل في الأسرة صفة أساسية من صفات الأسرة المسلمة ، الأسرة المتزنة التي تقدم للأمة جيلاً صالحاً . لذا يجب على البيت المسلم أن يربي بناته على قوامة الرجل ، وهذه بعض المعالم علها تساعده في هذه المهمة .
1 - البيت المسلم ، رئاسته للأب ، يصرح الأب والأم بذلك ، قولاًوفعلاً، فينشأ الأطفال على ذلك وهذه بعض الأمثلة :
ــ يطلب الأطفال من أمهم شيئاًما ، فتقول لهم : نشاور أباكم فهو أميرنا ولانفعل شيئاًإلاإذا سمح لنا ، ومع تكرار هذا التلقين تنغرس هذه القيمة الخلقية عند الأطفال .
ــ تطلب من الأم إحدى صديقاتها أن يزورا صديقة ثالثة لهم ،فتقول الأم على مسمع الأطفال : سأخبر زوجي فإن وافق لي أفعل ، وعندما يحضر زوجها تخبره وتسأله ـ أمام الأطفال ـ وبدون ضغط فيما إذا يسمح لها بزيارة صديقتها أم لا ؟ فإذا سكت الأب ولم يجب لاتلح عليه ، وتخبر صديقتها أمام أطفالها بأن زوجهالم يسمح لها ، ومع التكرار ترسخ هذه القيمة لدى الأطفال.
ـــ يأمر الأب أفراد الأسرة بأمر ما ، فتسارع الأم إلى تنفيذ الأمر ، وتحث الأطفال على سرعة التنفيذ ، وتشعرهم باهتمامها بطاعة زوجها وتنفيذ أوامره ، كما تهتم الأم المسلمة بطاعة زوجها والعمل على كسب رضاه ، وعندما يشعر الأطفال بذلك يتربون على معنى قوامة الرجل في الأسرة .(1/62)
ـــ إذا أرادت الأم زيارة والدها المريض أو أمها المريضة ، فإنها تستأذن زوجها ، وتحرص على أن لاتخرج من البيت بدون إذنه ، وتشعر أطفالهابذلك، فالقدوة الحسنة مع التلقين أجدى وسائل التربية للصغار والكبار معاً .
2 ـ تلقن البنات في البيت المسلم هذه القيم الإسلامية مثل قوله تعالى { الرجال قوامون على النساء ..} وكذلك مارواه الطبراني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : [ ثلاثة لايدخلون الجنة ولاينظرالله إليهم يوم القيامة:العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ، والديوث ] ـ أحمد 6180ـ وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : [ لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال،والمترجلات من النساء، قال: قلت : وماالمترجلات من النساء ؟ قال: المتشبهات من النساء بالرجال] البخاري كتاب اللباس ـ وعن نافع قال : كان ابن عمر وعبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - عند بني المطلب إذ أقبلت امرأة تسوق غنماً، متنكبة قوساً فقال عبد الله بن عمرو: أرجل أنت أم امرأة ؟ فالتفت إلى ابن عمر فقال : إن الله عزوجل لعن على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - المتشبهات بالرجال من النساء ، والمتشبهين من الرجال بالنساء ، ـ أحمد 2/200ـ وعن عائشة - رضي الله عنه - أنه ذكر لها امرأة تنتعل أو انتعلت فقالت : [لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجلة من النساء ] ـ أبو داود 2/184 ـ وفي التعقيب على هذه الأحاديث قال الطبراني : لايجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ، ولا العكس ، وقال الشيخ أبو محمد ابن أبي حمزة : ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء ـ أبو يحيى 45 ـ
ومن أهم صفات المرأة المسلمة الحجاب ، لذلك سيفرده الباحث في فصل مستقل .
الفصل الثالث
البنات والحجاب(1/63)
الحجاب صفة أساسية للمرأة المسلمة ، والمرأة المسلمة ركن أساس في البيت المسلم ، والبيت المسلم نواة المجتمع المسلم ؛ الذي يقيم الدولة المسلمة والأمة المسلمة كما أراده الله عزوجل { خير أمة أخرجت للناس } والحجاب يضمن ثلاثة أمور هي القرار في البيت، وعدم اختلاط الجنسين ، ولباس المرأة المسلمة عندماتخرج من بيتها.
1 ــ القرار في البيت :(1/64)
قال تعالى { ... وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ... } ـ الأحزاب 32 ـ وقد يتوهم بعضهم أن هذا الأمرخاص بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الآيات بدأت بقوله تعال {يانساء النبي} ( والحقيقة أن الخطاب موجه لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ولنساء المسلمين عمة ، ذلك لأن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - هم أمهات المؤمنين وهن الأسوة الحسنة ) ـ وهبي الغاوجي 63 ـ وثمة دليل آخر وهو واو العطف التي تعطف القرار في البيت وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله ، قد عطفت على القرار في البيت ، ومن خصائص اللغة العربية أن تعطف ما اشترك مع المعطوف وقد جاء في شرح ابن عقيل (2/ 224) :( حروف العطف على قسمين أحدهم مايشرك مع المعطوف عليه مطلقاً أي لفظاً وحكماً وهي الواو نحو جاء زيد وعمرو..) فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .. معطوفة على القرار في البيت لاشتراكهمافي مطالبة النساء بها،وليس من الفهم السليم أن نقصرالأمر بالصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - (1).
__________
(1) يذكرني هذا بمحاضرة قدمها الأخ عمار محجوبي وهوطالب في السنة النهائية آداب في ثانوية ورقلة المختلطة عام (1978) م ، وكانت عن المرأة وذكر المحاضر قوله تعالى {وقرن في بيوتكن..} وأثناء المناقشة قام مدرس باطني شيوعي ملحد يحمل ليسانس لغة عربية يدعي أن هذا الخطاب موجه لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - (يقصد القرار في البيت) وليس موجهاً لكافة النساء ، فرد عليه الطالب وقال : أظنك سوف تدعي أيضاً أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله موجهة لنساء النبي فقط !!؟ وقد عطفت إقامة الصلاة و... على القرار في البيت ..فضجت القاعة بالتصفيق وتصاغر المدرس الباطني حتى صار كالبعرة ، وسررت سروراً مازلت أحس به حتى الآن (2000م) ، فقد أنعم الله علي أن عشت في الجزائر الحبيبة ، وها أنا أرى الطالب المسلم يفحم المدرس الكافر ، ومما زاد الفرح والسرور أن إحدى الأخوات المسلمات قامت تدافع عن تعدد الزوجات في المجتمع المسلم ، أما الأخ عمار محجوبي فقد زارني هذا العام (2000) في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحج وعرفت أنه مفتش الشئون الدينية في ولاية قريبة من العاصمة ، وأن له درساً أسبوعياً في التلفزيون الجزائري ولله الحمد والشكر .(1/65)
وقال عزوجل:{... وإذا سألتموهن متاعاً فأسألوهن من وراء حجا ب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن...} ـ الأحزاب 53 ـ وعن أم عطية - رضي الله عنه - قالت : [ أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق (الشابات ) والحيض وذوات الخدور ] ـ البخاري ومسلم ـ وحسب مفهوم المخالفة نستنتج أن الأصل أن لاتخرج المرأة من بيتها بل تقر فيه ، وأخرج أحمد والطبراني عن أم حميد السعدية - رضي الله عنه - قالت : [ يارسول الله إني أحب الصلاة معك قال : [ قد علمت صلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خيرمن صلاتك في المسجد ، وصلاتط في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة] ـ أحمد ـ
والأم هي الركن الأساس في البيت ، وحالما تخرج منه اهتز وأقفر ، أرأيت عندما تدخل بيتك في غياب زوجتك !؟ كيف تجد الفوضى والصراخ !! لم َ ! لأن الركن الأساس من البيت غير موجود ، لذلك اهتز البيت وزلزل . ولن يستقر ثانية إلا بعودة الأم إليه لذلك أمرها الخالق جل وعلا بالقرار في البيت ، نظراً لأهمية البيت في بناء المجتمع ،ونظراً لأهميتها في البيت ، ولايظن إلا جاهل أن قرار المرأة في البيت سجن لها ، أو سوء ظن بها ، وإنما لأنه ميدان عملها الأساسي ، وخروجها من البيت دمار له ، إن الأمر يشبه مغادرة رئيس الدولة دولته ليعيش في دولة غيرها ، أو كثرة أسفاره للتنزه والاصطياف والاستجمام بحيث يمكث خارج دولته أكثر مما يمكثه فيها ، إن مثل هذا الرئيس لن يتمكن من القيام بمهامه ، وستنهار دولته ، وتفسد ، لذا يلزمه الدستور بممارسة عمله ومباشرته ، حتى إذ عجز عن الممارسة كأن يقع في الأسر مثلاً يعزل وينصب رئيس غيره ، وإلزام رئيس الدولة بالمكوث في دولته ليس إهانة له ، ولاانتقاص من حريته ، ولاسوء ظن به ، وإنما طبيعة عمله كرئيس تلزمه ذلك ، كما أن طبيعة عمل المرأة تلزمها القرار في البيت .(1/66)
والاستدلال بخروج السيدة عائشة - رضي الله عنه - إلى القتال والمشاركة في السياسة استدلال فاسد لأن السيدة عائشة - رضي الله عنه - ( ندمت على مافعلت ، ولامتها أمهات المؤمنين على ذلك ، إذ ماكان يجوز لها الخروج من بيتها كزوجة للرسول - صلى الله عليه وسلم - بنص القرآن ، ولكنها تأولت فأخطأت ، ثم تابت فاستغفرت ، فلا يمكن أن يتخذ عملها دليلاً على خروج المرأة من بيتها ) ـ السباعي 152 ـ(1/67)
ويقول محمد بن سيرين : ( نبئت أنه قيل لسودة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : مالك لاتحجين ولاتعتمرين كما تفعل أخواتك !؟ فقالت : قد حججت واعتمرت ، وأمرني الله تعالى أن أقر في بيتي ، فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت . قال : فوالله ماخرجت من باب حجرتها حتى خرجت جنازتها - رضي الله عنه - ) الشربيني 3/342ـ وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ المرأة عورة إذا خرجت استشرفها الشيطان ، وأقرب ماتكون من الله ما كانت في بيتها ] الترمذي ك الرضاع 4/337 وقال حسن غريب ـ واستشراف الشيطان لها هو إبعادها عن مملكتها التي كلفها الله بها ، وعن السائب عن أم سلمة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :[ خير مساجد النساء قعر بيوتهن ] ـ أحمد 6/97ـ وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع [ إنما هي هذه ، ثم عليكم بظهور الحصر ] أحمد 2/446 ـ وفي رواية أنه قال - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه[هذه ثم لزوم الحصر ] أي أنكن لاتعدن تخرجن من بيوتكن ، وتلزمن الحصر ، وهي جمع الحصير الذي يبسط في البيوت ، وفي الحديث دلالة على أن المراد من هذا الخبر وجوب الحج عليهن مرة واحدة ـ ابن الجوزي 212ـ كما بين وجوبه على الرجال مرة واحدة ولم يرد منع الزيادة على الرجال ، وعن زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة - رضي الله عنه - قالتا : [ لا والله لاتحركنا دابة بعد الذي سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القسم ] أحمد 2/446 .
ويرى الشيخ محمد علي مشعل أن المرأة التي أدت فريضة الحج لاينبغي لها أن تزاحم الرجال الأجانب وتحج ثانية ، لأن المزاحمة والاختلاط في الحج لابد منه ، وعندئذ ترتكب المرأة حراماً وهي في نفل فلا ينبغي لها ذلك ، والغرض من ذلك تجنب المرأة الاختلاط بالرجال الأجانب ، لأنه مفسدة لها ولهم وللأسرة والمجتمع .(1/68)
وممن تقر نساؤهم في البيوت في زماننا هذا الأباضيون في الجزائر ، حيث يمنعون بناتهم من دخول المدارس العامة لأنها مختلطة ، ويفتحون مدارس أهلية تعلمهن الدين واللغة العربية، ثم يعلمونهن الصناعات المنزلية كالسجاد والتفصيل والخياطة ، ولاتخرج المرأة الإباضية من البيت إلا لضرورة قصوى كمراجعة الطبيب مثلاً ، و زيارة والدها العاجز عن زيارتها ، وعندما تضطر للخروج فلا تخرج إلا مع محرم ، وفي الغالب تنتظرها سيارة زوجها أو سيارة الأجرة على مسافة ثلاثة أمتار من باب البيت ، ثم تعيدها كذلك ، ويروون في أحاديثهم الشعبية أن (فلانة ) لم تخرج من بيتها منذ عشرين سنة ، وفلانة رحمها الله دخلت بيت زوجها عروسة وخرجت منه جنازة . ومن القيم المتأصلة لدى المسلمين في الجزائر وخاصة في التل والصحراء (ماعدا الطورق ) أن المرأة لاتخرج من البيت ، وقد لاحظ الباحث عندما كان مدرساً هناك في آخر العام الدراسي حيث ينقطع الطلاب للمذاكرة ، لاحظ أن الطالبات يواظبن على المدرسة ، وعندما استفسر عن ذلك عرف أن الفتاة لاتخرج من البيت إلا إلى المدرسة ، لذلك تواظب الفتيات حتى لايبقين في البيت .
ولأن القرار في البيت مهمة أساسية للمرأة المسلمة لتتمكن من القيام بواجباتها فيه لذلك فقد رتبت الشريعة الإسلامية عدة أمور تساعدها على ذلك منها :
ا ـ لم تفرض عليها صلاة الجماعة ، ولاالجمعة ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد .
ب ـ لاتكلف المرأة بالانفاق على نفسها ، ولاعلى أحد من أقاربها ، بل كلف الرجل بالإنفاق عليها ، فنفقتها على والدها وهي بنت ، ثم على زوجها مادامت زوجة له ، ثم على ابنها بعد ذلك ، وإن لم يكن لها ولد فنفقتها على أخيها وعمها ...وهكذا .
ج ـ وكذلك لم تكلف المرأة بالجهاد الذي يخرجها من البيت إلى ميدان المعركة إلا في النفير العام .(1/69)
يقول أوغست كونت في كتابه النظام السياسي ( يجب أن يغذي الرجل المرأة ، كما تغذي الطبقة العاملة الطبقة المفكرة ، لتستطيع المرأة والطبقة المفكرة التفرغ لعملها ، وعندما لايوجد زوج ولا أقارب لها ، على المجتمع أن يكفلها ، ويجب أن تكون الحياة النسوية منزلية على قدر الإمكان ، ويجب تخليصها من كل عمل خارجي لتحقق وظيفتها الحيوية ) ـ وتقول (أنى رورد ): ( ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء المرأة ، وإنه لعار على بلاد الانجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ) ــ السباعي 177 ـ . وتقول دائرة معارف القرن التاسع عشر :( كانت النساء عند الرومانيين محبات للعمل وكن يشتغلن في بيوتهن ، وكان أهم أعمال النساء بعد تدبير المنزل الغزل وشغل الصوف ، ثم دعاهم اللهو والترف إلى إخراج النساء من خدورهن إلى مجالس الأنس والطرب ، فلم تلبث دولة الرومان حتى جاءها الخراب ) ــ السباعي 188ـ(1/70)
2ـ عدم الاختلاط : وهو الدرجة الثانية من الحجاب حيث الدرجة الأولى القرار في البيت حيث تحجب الجدران النساء عن أعين الرجال الأجانب ، والجدران هي الحجاب من الدرجة الأولى ، وعدم الاختلاط هو الحجاب من الدرجة الثانية ، وعدم اختلاط الرجال بالنساء يحجب النساء عن أعين الرجال ، فعن عتبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت]. وزاد مسلم قال الليث الحمو أخو الزوج وأقاربه كابن العم ونحوه(1). وعن سعيد بن المسيب أن علي بن بي طالب - رضي الله عنه - قال لفاطمة - رضي الله عنه - ماخيرالنساء : قالت أن لاترى الرجال ولايرونها، فقال علي : فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقالك [ إنما فاطمة بضعة مني ] وعن سمرة - رضي الله عنه - قال : كانت عائشة وحفصة - رضي الله عنه - عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء ابن أم مكتوم - رضي الله عنه - فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - [قوما، فقالتا: إنه أعمى ، فقال : وأنتما عمياوان !!؟] وأخرج الشيخان عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : [ لايخلون رجل بامرأة إلا ومعه ذو محرم ، ولاتسافر المرأة إلا مع ذي محرم ] فقال رجل : إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا . فقال : [ انطلق فحج مع امرأتك ] .
__________
(1) البخاري(9/290) في النكاح ، ومسلم (2172) في السلام ، والترمذي (1171) في الرضاع، قال ابن الأثير : أي فلتمت ولاتفعلن ذلك ، وقيل كلمة تقولها العرب مثل : الأسد الموت : أي لقاؤه مثل الموت . والمقصود الخلوة أي لايجوز للحمو أن يدخل على زوجة أخيه ولايوجدغيرها في البيت .(1/71)
وأخرج الشيبخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم ] وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : كان النساء الأكابر وغيرهن يحضرن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان العيد ، فلما كان سعيد بن العاص ( والي معاوية - رضي الله عنه - على المدينة) ؛ سألني عن خروج النساء ، فرأيت أن يمنع الشواب الخروج، فأمر مناديه لاتخرج يوم العيدشابة، فكان العجائز يخرجن ـ ابن الجوزي 215 ـ
ومما يؤسف له أن معظم مدارس المسلمين مختلطة ولاتفصل الجنسين ، أما الجامعات فكلها مختلطة ماعدا المملكة العربية السعودية حماها الله من هذا النفاق والزيغ وثبتها على شريعة الله ورسوله (1). وهذه المدارس المختلطة تخرب الناشئة من الجنسين ــ إلا من رحم ربك ـ ولاحول ولاقوة إلا بالله .
__________
(1) من نعم الله على المملكة العربية السعودية أنها تفصل الجنسين في التعليم والعمل ، وهذه نعمة كبيرة وصفة أساسية من صفات المجتمع المسلم ، كما أن الجامعات السعودية تقدم للبنات كل ماتقدمه للذكور ، من برامج ومناهج ومدرسين بواسطة الدارة التلفزيونية المغلقة ، وتوجد كليات طب للبنات منفصلة عن الذكور ، وكليات الطب من أعقد الكليات التي تتطلب تجهيزات ومعدات ، وقد حلت المملكة ـ حماها الله ـ تلك المشكلات ووفرت للبنات كل ما يحتجنه من تعليم ووسائل تعليمية دون الاختلاط بالرجال ، ونسأل الله عزوجل أن يجزل الثواب لكل من سعى في ذلك ، وكل من يحافظ عليه ، ويبارك له في حسناته ويدخله الجنة مع الصالحين . وتعليم البنات في السعودية حجة قائمة على دعاة اختلاط التعليم وأنه ضروري وما شابه ذلك من الحجج الواهية .(1/72)
ويفضل تدريب الطفلة الصغيرة على عدم الاختلاط منذ الصغر في البيت المسلم فلا يسمح لها بالدخول على غرفة الضيوف إذ كان فيها رجال أجانب ، كما لايسمح لأخيها الدخول على الضيوف من النساء ، وعندما ترى أمها وأخواتها الكبيرات يفعلن ذلك فإنها تقلدهن . كما يفضل فصل الجنسين في الروضة كما يفعل الدكتور محمد إسماعيل ظافر (العميد الأسبق لكلية التربية في المدينة المنورة ) ، حيث يعزل الذكور عن الإناث في مدارسه (مدارس التربية الإسلامية الخاصة ) .
ويسقط واقع الاختلاط ومفاسده في أورباوأمريكاكل الدعاوي بفوائده. قال القاضي (بن لندسي ) في كتابه تمرد النشء الجديد : أن الصبية في أمريكا أصبحوا يراهقون قبل الأوان ، ومن السن الباكرة جداً يشتد فيهم الشعور الجنسي . ويقول الدكتور أديب هوكر في كتابه القوانين الجنسية : إنه ليس من الغريب الشاذ حتى في الطبقات المثقفة أن بنات سبع أو ثمان سنين يخادنّ لذاتهن مع الصبية ، وربما تلوثن معهم بالفاحشة ، وبنت في السابعة من بيت عريق ارتكبت الفاحشة مع أخيها وعدد من أصحابه ، ووجد نفر من خمسة أولاد يشتمل على صبيتين وثلاثة صبيات متقاربي البيوت وجدوا متعلقين ببعضهم بالعلاقات الجنسية وكان أكبرهم سناً ابن عشر سنين وبنت في التاسعة . وجاء في تقرير طبيب من مدينة بالتيمور أنه رفع إلى المحاكم أكثر من ألف مرافعة في سنة واحدة في ارتكاب الفاحشة مع الصبايا دون الثانية عشرة ، ويخمن القاضي لندسي أن (45%) من الطالبات تدنسن قبل خروجهن من المدرسة ، وترتفع هذه النسبة في مراحل التعليم العالية . ومن المؤسف والمؤلم أن كثيراً من البلدان المسلمة بدأت تسير على هذا النهج في اختلاط الصبيان مع البنات، وهذا تآمر على إفساد المجتمع وتوهين بنية الأجيال ـ محمد نور سويد ص265ـ
لباس المرأة المسلمة خارج بيتها :(1/73)
وهو الدرجة الثالثة من الحجاب ، فالقرار في البيت أولاً ، وعدم الاختلاط ثانياً ، ثم يأتي هذ اللباس عندما تضطر للخروج من بيتها بسبب شرعي ، ومن هذه الأسباب الشرعية التي تبيح لها الخروج من البيت :
1 ـ تخرج لزيارة والديها إذا عجزا عن زيارتها .
2 ـ خروجها لطلب العلم المفروض فرض عين ، أو فرض كفائي تعين فيها ( مثل الطبيبة والمدرسة ) .
3 ـ إعالة نفسها بالكسب خارج المنزل إذا فقدت من يعولها ، وتعذر عليها الكسب داخل المنزل .
وإذا خرجت من بيتها لإحدى هذه الضرورات ، فلا تسلم على الرجال إلا إذا كانت عجوزاً ، وللسيوطي في الفتح الكبير 3/56 عن عطاء الخراساني يرفع الحديث قال :[ ليس للنساء سلام ولاعليهن سلام ] يقول ابن الجوزي (ص802) كان عند أحمد بن حنبل رحمه الله رجل من العباد ، فعطست امرأة أحمد فقال لها العابد يرحمك الله ، فقال أحمد عابد جاهل ( ويفهم من ذلك أن امرأة أحمد تجلس خلف الستار ) . وعندما تضطر المرأة للخروج من البيت خرجت بإذن زوجها وفي هيئة رثة ، وجعلت طريقها في المواضع الخالية ، دون الشوارع والأسواق ، واحترزت من سماع صوتها ، ومشت في جانب الطريق ، لافي أوسطه ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ليس للنساء وسط الطريق ] . وعن عائشة - رضي الله عنه - قالت : لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى النساء اليوم نهاهن عن الخروج ، أو حرم عليهن الخروج . وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : ألا تستحون أو تغارون فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج (كفار العجم وغيرهم ) .
والحجاب بدرجاته الثلاثة طاعة لله ورسوله ، وتقرب لله عزوجل ، والله يرى المرأة اينما كانت ، ولهذ الحجاب شروط حددها الفقهاء وهي :
1 ـ أن يكون مستوعباًلجميع البدن،أي يغطي جسم المرأةكله،من هامتها إلى قدمها.(1/74)
2 ـ أن لايكون الحجاب زينة في نفسه،كي لايلفت الأنظارويشد انتباه الرجال لها.
3 ـ أن يكون ثخيناً لايشف عما تحته ، حتى لاينطبق عليه الوصف (كاسيات عاريات ) .
4 ـ أن يكون فضفاضاً غير ضيق لئلا يصف شيئاً من جسدها ، لأن الضيق ولو كان ثخيناً فإنه يصف أعضاء الجسم .
5 ـ أن لايكون مطيباً بأي نوع من الطيب كالعطور أو البخور .
6 ـ أن لايشبه لباس الرجال لما ورد من لعن من تشبه من النساء بالرجال في اللباس .
7 ـ أن لايشبه لباس الكافرات لأن موافقة الكافرين فيما يهوونه قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره .
8 ـ أن لايكون لباس شهرة ، أي يقصد به الاشتهار بين الناس لجودته وغلاء ثمنه ، وذلك محرم لأنه من التفاخر بالدنيا وزينتها ، والمراد أن يكون ثوباً يخالف لونه ألون ثيابهم ، فيرفع الناس إليه أبصارهم .
وخلاصة ذلك أن يكون لباس المرأة المسلمةمستوعباًساتراً جميع بدن المرأة ، وأن لايكون زينة في نفسه،ولاشفافاً يظهرمنه لحمها، ولاضيقاًيصف البدن ، ولامطيبًا، ولامشابهاًلباس الرجال ، أوالكفار، ولاثوب شهرة .
متى تدرب البنات على الحجاب (1) :
__________
(1) للباحث كتاب طبع صيف 1421هـ عنوانه كيف نربي بناتنا على الحجاب ؟ وقد فصلت فيه هذه الأمور .(1/75)
نلاحظ أن الشريعة الإسلامية تأمر بتدريب المسلم والمسلمة على العبادة قبل أن يكلف بها ، فالصلاة فرض عين على المسلم والمسلمة البالغين ، ولكن أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمراً صريحاً أن نأمر أولادنا بالصلاة وهم أبناء سبع ( قبل أن تكتب عليهم )، كما أمرنا أن نضربهم على الصلاة إذا تقاعسوا عنها وهم في العاشرة ( قبل أن يكلفوا بها ) من أجل تدريبهم وتعويدهم على الصلاة قبل أن تفرض عليهم بعدة سنوات . وقد قاس علماء الشافعية الصوم على الصلاة فقال ابن النقيب المصري في عمدة السالك ( ويؤمر به ـ بالصوم ـ الصبي لسبع ويضرب عليه لعشر ) ، ومما أذكره أن الشيخ محمد الحامد رحمه الله ألبس ابنته حجاباً كاملاً وهي في السادسة أو السابعة كما يبدو من طولها . ويقول محمد قطب : وقد اختص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة لأنها عنوان الإسلام الأول والأكبر ... ولكن جميع آداب الإسلام وأوامره سائرة على هذا النهج ، وإن كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحدد لها زمناً معيناُ كالصلاة ، فكلها تحتاج إلى تعويد مبكر ، وتحتاج بعد فترة من الوقت إلى الإلزام بها بالحسم إن لم يتعودها الصغير من تلقاء نفسه ـ محمد قطب 2/148ـ
ومن الناحية التربوية تعتبرمرحلة الطفولة المتأخرة (وتسمى الطفولة الهادئة) (7ـ 12) وتسمى عند المسلمين مرحلة التمييز ، تعتبر هذه المرحلة الزمن الأفضل لتشكيل الاتجاهات والقيم لدى الإنسان ، كما أن الطفل في هذه المرحلة مازال يسمع من والديه وأساتذته ، وينزع من تلقاء نفسه إلى تقليد الكبار ، فيتسابقون إلى الصلاة والحجاب والصوم(1)لأن الكبار يفعلون ذلك . وتتغير الأمور في المراهقة (12ـ 18) حيث يرى المراهق أن مخالفة الكبار (والديه ومدرسيه )دليل على أنه صاركبيرًا،وعلى ضوء ذلك نلمس الحكمة النبوية من تحديد سن السابعة لتعويدهم على الصلاة ، وكذلك سائر الواجبات.(1/76)
وخلاصة ذلك أن البنت ترغب في الحجاب قبل السابعة ، ثم تؤمر به في السابعة ، ثم تضرب عليه ـ إن لزم الأمر ـ في العاشرة ، حتى إذا بلغت المحيض (12ـ13) تكون قد اعتادت على الحجاب ، كما اعتادت على الصلاة .
ويقول فقهاء الشافعية (تحجب الفتاة عندما تشتهى ) ، وتتفاوت البنات في السن التي تشتهى فيها حسب طولها وصحتها وجمالها وبيئتها ، وعندما يظن اشتهاؤها يجب أن تحجب ولو لم تبلغ المحيض ، ألا تشتهى الفتاة في الحادية عشرة !؟ والثانية عشرة !؟ وربما لاتبلغ المحيض حتى الثالثة عشرة ، وماالفرق بين الفتاة وهي في الثانية عشرة قبل المحيض وفي الثالثة عشرة بعد المحيض !!؟ ويجب تدريبها على الحجاب قبل ذلك بمدة كافية تصل إلى بضع سنين كي تعتاده ، وعندما تشتهى الفتاة ولاتحجب يأثم وليها .
كيف تدرب البنات على الحجاب ؟
1 ـ بالقدوة الحسنة من الأم والأخوات اللاتي لايختلطن بالرجال الأجانب ، ولايخرجن من البيت إلا لضرورة ، وإذ خرجن يلبسن لباساً ساتراً لجميع جسدهن .
2 ـ لاننصح بإلحاق البنات بروضة مختلطة ، لأن آثار الصغر تحفر في الشخصية .
3ـ لاننصح بخروج الطفلة إلى الشارع مثل أخيها،وتلقن أنهابنت وهو صبي .
4 ـ الابتعاد عن مشاهدة الأفلام التي تبث الاختلاط وتشجعه، واستبدالها بأفلام إسلامية بواسطة الفيديو ريثما يرزقنا الله محطات بث إسلامية .
5 ـ ترغب الطفلة بتغطية شعرها منذ الخامسة ، ثم ترغب بالحجاب الكامل منذ السادسة ، ويقال لها : أنت شابة وجميلة وينبغي أن تلبسي مثل أختك الكبيرة .
6 ـ تؤمر الفتاة بالحجاب الكامل في السابعة وتلقن آيات الحجاب من القرآن الكريم ، وفضيلة الحجاب لأنه طاعة لله ورسوله .
7 ـ ترغب بالهدايا المناسبة مثل قطع الحلوى ، والعرائس ، والمدح والثناء ، وتكافأ كلما شوهدت بالحجاب .(1/77)
8 ـ الترهيب من السفور ، وغضب الله ، ودخول النار ، حتى إذا دخلت العاشرة ، تضرب إن لم تعتد على الحجاب الكامل حسب الشروط المنصوص عنها في سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ضرباً غير مبرح يبدأ برؤية السوط في البيت ، ثم شد الأذن ، ثم الضرب وأقصى الضربات عشرة ، بدون غضب ، لأنه للتربية وليس للانتقام ، ويسبق الضرب ويتبعه شرح مفضل عن سبب العقوبة ـ راجع كتاب الباحث تربية الأطفال في الحديث الشريف ـ
الفصل الرابع
البنات والمدرسة
يريد الباحث أن يبين للبيت المسلم كيف ينمي عقول البنات ، ويعدهن الإعداد الأفضل ليكن أمهات المستقبل ، وسيعرض الباحث العلوم والفنون التي تحتاجها البنات المسلمات ، مع علمه أن البيت المسلم لا يستطيع أن يغير مناهج المدارس في عالمنا الإسلامي المعاصر ، لكن يريد الباحث أن يبين هذه المناهج الفضلى للبنات المسلمات ، لعل المدارس المسلمة ، والمسؤولين المسلمين يعملون على توفيرها للبنات ، أما البيوت المسلمة المتعاونة فعليها أن تطالب بتوفير هذه المناهج للبنات المسلمات ، وذلك بالنصح وعرض القضية بوضوح وحلم على المسؤولين حتى يستجيبوا لذلك بإذن الله .
مدارس البنات المعاصرة
بالنظر إلى مدارس البنات المعاصرة يلاحظ عليها ما يلي :
1- مدارس مختلطة مع الذكور في معظم أرجاء العالم الإسلامي ، وقد طبق الاختلاط لأحد سببين :(1/78)
أ- إيمان المسؤولين بأن الاختلاط هو الأفضل ، وادعاؤهم بأن الجنسين ( الأولاد والبنات ) إذا انفصلا عن بعضهما قويت رغبة كل منهم إلى الآخر ، وينشأ الكبت والصراع النفسي ...(1)الخ لذلك عمدت الجزائر في أواخر عهد ( بومدين ) إلى إدخال الطلاب مع الطالبات في مدارس مختلطة ، وكما قال مفتش التعليم للباحث في عام ( 1977م ) : إن سياستنا هي نشر التعليم المختلط في سائر أنحاء الوطن .
ولا يضيع الباحث وقتاً في إثبات خطر التعليم المختلط ، إذ لا يخفى ذلك على عاقل ، ويذكر فقط بحادثة واحدة من خلال تجاربه المدرسية وهي أن بلدة( السقيلبية(2) التي عمل فيها الباحث مدرساً للفلسفة وعلم الاجتماع في عامي (1973-1974م) كان التعليم فيها مختلطاً ، والمواطنون هناك معظمهم من النصارى ، الذين لا يرون مانعاً دينياً من الاختلاط ، وكثير منهم متشبع بالفكر الماركسي ( يومذاك ) الذي ينادي بالاختلاط ونشره .
ثم رأى أهل تلك البلدة - وهم حريصون جداً على تعليم أولادهم وبناتهم - رأوا أن التعليم المختلط يضر بمصلحة أبنائهم وبناتهم ، فطلبوا من مديرية التعليم في حماة فصل ثانوية البنات عن الأولاد ، ومع أن مديرية التعليم اعتبرت هذا الطلب ( رجعياً ) ونددت به ، لكن نفذته أخيراً نظراً للنفوذ الذي يتمتع به أهل بلدة السقيلبية آنذاك .
ب- بعض الأماكن وخاصة القرى تخلط الأولاد مع البنات في مدارس مختلطة بسبب ضعف الإمكانات المادية ، وعجز السلطات عن توفير مدارس لكل منهما .
وفي هذه الحالة يمكن تقليل آثار الاختلاط السلبية باتباع ما يلي :
1- تخصص شعبة ( فصل ) للبنات داخل المدرسة وفناء خاص لهن.
2- تنصرف البنات قبل الأولاد بربع ساعة ، كما تدخل المدرسة بعد الأولاد بربع ساعة أيضاً .
__________
(1) * من الواضح خطأ هذه المقولة لأن المدارس المختلطة في الغرب تغص بالفواحش وحمل الطالبات واجهاضهن والأطفال غير الشرعيين ... الخ .
(2) * بلدة من أعمال محافظة حماة في سوريا .(1/79)
3- يفصل بينهما في حصة التربية البدنية ولو أدى ذلك إلى إعفاء البنت منها إن لم يتوفر لهن فناء مستقل ومدرسة للتربية البدنية .
وهذه إجراءات للوصول إلى أخف الضررين ، إذ أن تعلم البنات أمر ضروري ، وعندما تعجز السلطات عن توفير مدارس لهن - ونادراً ما يكون هذا العجز واقعياً - عندئذ نلجأ إلى هذه الإجراءات .
والاختلاط شر وقد تحاشاه المسلمون ، قال الزبيدي كانت لمالك بن أنس رحمه الله ابنة تحفظ علمه ، يعني الموطأ ، وكانت تقف خلف الباب ، فإذا أخطأ التلميذ نقرت الباب فيفطن مالك فيردّعليه - محمد نور سويد ، ص99-.
والاختلاط في التعليم مخالف لعلم النفس التربوي نفسه ، فمن المعلوم في علم نفس النمو أن ( فترة ما قبل البلوغ يتجمع الصبيان في مجموعات لا تقبل الإناث في وسطها ، وتتجمع البنات في مجموعات لا تقبل الصبيان فيها ) ومع أن علم النفس الغربي يعلم ذلك ، فإن الجاهلية الحديثة تنشئ مدارس متوسطة مشتركة للجنسين وكأنها تحاول تغيير طبائع النفوس - محمد قطب ، 2/199- .
2- مناهج البنات مختلطة مع مناهج الذكور في جميع العالم :
وأفضل بلد في العالم - حالياً - يفصل مدارس البنات عن مدارس الذكور هو المملكة العربية السعودية ، إذ شكلت رئاسة تعليم البنات لتشرف على مدارس البنات السعودية ، وهي مفخرة للمسلمين جميعاً ، ونسأل الله عز وجل أن يهدي سائر بلدان العالم الإسلامي إلى تقليد المملكة العربية السعودية في مدارس البنات .(1/80)
مدارس البنات السعودية لا يدخل إليها الرجال أبداً ، ويجلس الحارس على الباب الخارجي ، وزوجته عند الباب من الداخل ، ويتكلم الحارس مع المراجعين ثم يبلغ زوجته التي تبلغ إدارة المدرسة أو الطالبة ، كما أن التفتيش الإداري إذا أراد تفقد المدرسة تعلم المديرة بذلك فتحضر بعد الدوام ، أي بعد انصراف الطالبات مع محرم لها ( زوج أو أب أو أخ أو ولد مكلف ) يرافقها في هذه المهمة ، وتقوم لجنة التفتيش الإداري بمراجعة سجلات المدرسة ووثائقها .
إلا أن الداء الذي شمل مدارس العالم الإسلامي كله وهو اختلاط المناهج لم تنج منه مدارس البنات السعودية بشكل كامل ، فبعض المناهج خاصة بالبنات ، وبعضها كالعلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء مختلطة بمناهج الأولاد . لكن حتى المناهج المخصصة للبنات فإنها تختلف بالشكل وليس المضمون .
والمقصود باختلاط المناهج هو أن البنات يدرسن ما يدرسه الأولاد من : الرياضيات والعلوم الطبيعية بفروعها ، بل إن بعض البلدان فرضت التدريب العسكري في المدارس المتوسطة والثانوية والجامعات للذكور والإناث سواء بسواء ، يدرب الطالب والطالبة على البندقية والجري والقفز بالمظلة وغير ذلك ، دون تمييز بين طبيعة الذكور وطبيعة الإناث .(1/81)
وتوحيد مناهج الدراسة يبث ( الاسترجال ) في عقل المرأة على خط مضاد لأنوثتها ، إذ أن هذه المناهج [رجالية] في الأصل فصلت على قد الرجل - محمد قطب 2/249-، ومحاولة [ ترجيل ] المرأة وصرفها عن أنوثتها ووظائفها الأنثوية تدمير للمجتمع البشري وتخريب له ، وقد أخرج البخاري رحمه الله : [ لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ] (1) ، وأخرج البخاري أيضاًعن ابن عباس - رضي الله عنه - ما قال : [لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال ، والمترجلات من النساء ، قال : قلت له:وما المترجلات من النساء ، قال : المتشبهات من النساء بالرجال ] (2) ، والمترجلات يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في زيهم وهيئاتهم ، وعن نافع قال :كان ابن عمر - رضي الله عنه - ما ، وعبد الله ابن عمرو - رضي الله عنه - ما، عند بني المطلب إذ أقبلت امرأة تسوق غنماً،متنكبة قوساً، فقال عبد الله بن عمرو: أرجل أنت أم امرأة ؟ فالتفت إلى ابن عمر فقال : إن الله عز وجل لعن على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - المتشبهات بالرجال من النساء ، والمتشبهين من الرجال بالنساء (3) .
وبعد هذا الاستعراض الموجز للحالة المؤلمة المعاصرة لتعليم البنات في العالم الإسلامي - اليوم - يعرض الباحث منهج البنات المسلمات ، وقد حاول أن يضع فيه ما تحتاجه الأم المسلمة من إعداد وتربية وثقافة لتقوم بمهمتها التي خلقت من أجلها .
منهج البنات المسلمات
هذه مقررات أساسية لا بد منها للبنات ، بالإضافة إلى بعض المقررات الموجودة حالياً .
1- حسن التبعل :
__________
(1) صحيح البخاري ، كتاب اللباس ، وأحمد 1/339 .
(2) صحيح البخاري ، كتاب اللباس ، وأحمد 1/237 ، 254 .
(3) رواه أبو داود ، انظر عون المعبود ، 11/157 .(1/82)
المقصود بهذا المصطلح الحديثي الذي ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو حسن سياسة المرأة زوجها وإصلاح شؤونه ، والاهتمام به في البيت حتى تصبح سكناً له ، يسكن إليها ( يهدأ ويطمئن ) كلما دخل البيت ، فيرتاح من عواصف العمل وقلقه ومتاعبه فكيف نعد البنات لهذه الوظيفة ؟
تربى البنات في دروس المطالعة والنصوص والفقه والتعبير ، وأفضل أن يفرد مقرر خاص لحسن التبعل في مدارس البنات المسلمات تقدم من خلاله المعاني التالية :
ــ طاعة الزوج والأصل في ذلك حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : [ لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ] -ذكره السيوطي في الجامع الصغير- ، فطاعة الزوج ولى صفات المرأة المسلمة الصالحة .
ـــ حسن العشرة ذوق وفن وتربية اجتماعية عالية ، تدرب عليه الفتاة بالقدوة الحسنة من أمها ومدرساتها ، حتى تكون المرأة لينة العشرة ، تنتقي من الكلمات ألطفها ، ومن الطعام أطيبه ، ومن الشراب أنظفه .
ـــ تتزين لزوجها : تزين نفسها، وبيتها، وأطفالها، حتى يصبح البيت جميلاً، بمن فيه ، وبأزهاره ونظافته ، وحسن ترتيبه ، وتعلم الفتاة أن المرأة تتزين في بيتها فقط ، ليراها زوجها بهذه الزينة ، وتحذر البنات مما تفعله الغافلات من المسلمات اللاتي يتزيّن إذا خرجن من البيت ، ويفضلن البذاذة داخل البيت ، تتعطر إذا خرجت من البيت ، فيشم الأجانب رائحتها ، وتتطاير منها رائحة الثوم والبصل في البيت .
2- تربية الأطفال :(1/83)
من المؤلم أن مدارس البنات في العالم الإسلامي لا تقدم شيئاً يذكر من أجل تثقيف البنات وإعدادهن لوظيفتهن الأساسية في الحياة ، ففي بعض البلدان يوجد مقرر واحد فقط يسمى (تربية الطفل ) ويدرس من خلال كتاب واحد، يقدم خلال السنوات الثلاث في المرحلة المتوسطة ، وهذا المقرر بالطبع مقرر ثانوي لا ترسب فيه الطالبات ، مثل التربية الفنية، والتدبير المنزل ، كما لاتوجد له المدرسة المعدّة لذلك. وفي أقطار أخرى ضم التدبير المنزلي مع التربية الفنية مع رعاية الطفل في مقرر واحد ، وأفردت لها حصة أسبوعية واحدة في المرحلة الابتدائية ، وحصتان في كل من المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية ، وبعد الرجوع إلى كتب هذه المقررات وجدت أن مقرر المرحلة الثانوية لا يشمل رعاية الطفل ، واقتصر على التفصيل والخياطة ، والتدبير المنزلي . وفي أقطار ثالثة لا يوجد هذا المقرر البتة لأن الطالبات هناك يدرسن مع الطلاب ، ولا تختلف مقرراتهن عن مقرراتهم .
وينصح الباحث البيت المسلم أن يعوض هذا النقص الخطير ، وأن يرمم هذا الإهمال شبه المتعمد من المدرسة،ويربي بناته وينشئهن على تربية الأطفال، والأم الحصيفة تدرب بناتها على رعاية إخوانها الصغار وتنظيفهم والعناية بهم للتدريب على ذلك .
كما ينصح الباحث الآباء والأمهات أن يطالبوا مدارس البنات بتعليم بناتهم هذه المقررات :
1- العناية بالرضيع : وإعداد البنات لتقبل إرضاع الطفل ، وتثقيفهن بالطرق الصحية للعناية بالرضيع ، وتوفير الغذاء اللازم له ، ومعرفة الأمراض الشائعة للرضيع كالإسهال وأمراض التسنين ، ومعرفة اللقاحات ومواعيدها ، وأهميتها ، والتعرف على النمو الروحي والنفسي والاجتماعي والجسدي للرضيع ، ويتطلب ذلك مقرراً مستقلاً عن ( الرضيع ) يقدم خلال حصة أو حصتين لمدة عام أو عامين .(1/84)
2- الطفولة المبكرة : وهذا مقرر آخر أكثر أهمية ، يقدم للبنات من خلال حصتين على الأقل لمدة ثلاث سنوات ، وتدرس البنات فيه النمو الروحي والعقلي والنفسي والانفعالي والاجتماعي والجسدي للأطفال خلال هذه المرحلة.
وتدرس البنات أهمية هذه المرحلة في تشكيل خصائص الشخصية الثابتة مدى العمر ، كما تدرس وسائل التربية في هذه المرحلة وأهمها التربية بالقدوة الحسنة ، ثم بالقصة والسيرة ... الخ .
وقد ذهبت الباحثة خيرية حسين طه جابر في دراستها لدرجة الماجستير عن دور الأم في تربية الطفل المسلم إلى ( إمكانية إضافة مادة أخرى وهي مادة تربية الطفل على أن يوزع منهج هذه المادة على جميع المرحلة الثانوية ، ابتداء من الصف الأول إلى الصفين الثالث العلمي والأدبي ، بالإضافة إلى الأمور التي سبق تدريسها في المرحلتين السابقتين عن الطفل والرضاعة ) (1) .
3- الطفولة المتأخرة : وهذا المقرر يتناول الطفل منذ دخول المدرسة وحتى البلوغ ، وتتعرف فيه البنات على حاجات الطفولة المتأخرة ، وخصائصها ، وسير النمو فيها ، ويركز في هذا المقرر والذي سبقه على ما قدمه الأستاذ محمد قطب في منهج التربية الإسلامية وغيره ، وفي الطفولة المتأخرة يؤمر الطفل بالصلاة ، ثم يضرب عليها - إن لزم ذلك - وكذلك يؤمر بسائر العبادات كالصوم ، والزكاة ، ويتدرب على الحج والعمرة إن كان ذلك متيسراً بسهولة ، كمن يعيش في المملكة العربية السعودية ، و في دولة مجاورة ويمكن حضوره إلى البيت العتيق بسهولة .
4- المراهقة : وتدرس من خلال المفهوم الإسلامي للبلوغ والرشد كما قدمه الباحث في هذا الكتاب .
5- تدبير الأسرة : أو ما يسمى في بعض المدارس ( التدبير المنزلي ) :
__________
(1) خيرية حسين طه جابر ، ص 97 . وفي الجامعت الأردنية أقسم لتربية الطفل .(1/85)
ويشمل الطبخ وغسيل الثياب وتنظيف البيت وترتيبه ، كما يشمل ميزانية الأسرة الشهرية ، وإصلاح أثاث المنزل ومرافقه ، والتفصيل والخياطة ، ونسج السجاد . والمدارس المعاصرة المختلطة تغفل هذا المقرر تماماً ، وغير المختلطة تدرسه كمقرر إضافي (ثانوي ) بدون اهتمام من المدرسة أو من الطالبات .
أما في اليابان فتقدم المدرسة الابتدائية حصتين أسبوعياً في السنتين الأخيرتين فقط عن التدبير المنزلي ، وثلاث حصص للتربية الصحية ، وثلاث حصص أخرى للتدبير المنزلي طيلة المرحلة المتوسطة ، ( ونجد كثيراً من الفتيات اليابانيات يلتحقن بكليات البنات (غير مختلطة ) التي تغرس فيهن مايجعلهن زوجات صالحات وأمهات ممتازات ) ــ إدوارد، ص5ـ ( وتتلقى الفتاة اليابانية برامج تربوية عملية تعلمهاكيف تصبح زوجة صالحة ضمن النظام التربوي ذاته، أي أن وظيفة الزوجة الصالحة هي من أبرز الوظائف التي تهتم التربية اليابانية بتقديمها منهجياً للفتاة اليابانية ، باعتبار دورها الأساسي داخل البيت ، بعكس التوجه الغربي السائد ) ـ الأنصاري ص44ـ الذي نقلده نحن المسلمين ـ مع الأسف ـ وجميع العالم الثالث .
ويمكن تدريس هذا المقرر من خلال ثلاثة مسارات :
أولاً ـ الطهو وحفظ الطعام ، ونظافة البيت وترتيبه .
ثانياً ـ التفصيل والخياطة وصناعة السجاد ، وميزانية الأسرة الشهرية .
ثالثاً ـ إصلاح أثاث المنزل وأدواته الكهربائية ومرافقه الصحية .(1/86)
ومما تقصر فيه المدرسة المعاصرة إعداد الإنسان ذكراً وأنثى للحياة المعاصرة المملوءة بالآلات الكهربائية ، كالثلاجات والمكيفات والتلفاز والأفران وأدوات المطبخ ... إلخ ، هذه الأدوات التي يعيش بينها الإنسان المعاصر منذ نعومة أظفاره ، ولكنه يجهلها ، ولايفقه شيئاً عن عملها أو صيانتها ، حتى إذا توقفت أسرع يبحث عن الفني لإصلاحها . والمطلوب أ ن تقدم المدرسة المعاصرة هذه المقررات للأولاد والبنات ، والبنات أحق بها من الأولاد ، لأن الأم تلازم البيت وتعمل فيه ، ومن هذه المقررات :
1 ــ التمديدات الصحية في المنزل ، حتى يتمكن كل من الأب والأم من إصلاح الأعطال الطارئة في المطبخ ، أو المغسلة ، وصيانتها باستمرار .
2 ـ معلومات عامة عن الثلاجة والمكيف والأجهزة الكهربائية المنزلية ، مثل وصول التيار ، ونوع التيار اللازم ، وتبديل (الفيوز) ، وصيانة هذه الأدوات .
3 ـ مبادئ أولية في النجارة وذلك لإصلاح الأبواب والنوافذ والكراسي والطاولات إن لزم الأمر ، وربما تصنع الأم طاولات بسيطة إذا توفرت لها المواد اللازمة لذلك .
رابعاً ــ القراءة والكتابة والتربية الإسلامية ومبادئ العلوم والرياضيات واللغة الانجليزية مماتحتاجه الأم لمساعدة أولادها في المنزل حتى نهاية المرحلة المتوسطة على الأقل ، فالأم أكثر ملازمة للأطفال ، ويستحسن أن تكون معلمة في بيتها ، تتابع أولادها وبناتها ، وتتأكد من حسن تحصيلهم ، وبناء على ذلك يفضل أن يقدم للبنات مايؤهلهن لذلك من المقررات التي تعدهن لذلك ، ويركز على مادتي اللغة العربية (القواعد والإملاء ) ، ومادة الرياضيات ـ حيث يحتاج معظم الطلاب والطالبات في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة إلى مساعدة البيت في هذه المواد .(1/87)
خامساً : تقدم مواد اختيارية في التمريض والتربية ، تؤهل من تريد لمهنة المعلمة أو الطبيبة أو الممرضة ، ثم تقدم لهن المقررات التي فاتتهن خلال المرحلة الثانوية في السنة الإعدادية للطب حيث تكثف فيها مواد الأحياء والكيمياء والانجليزية .
وختاماً أعرض موجزاً لرأي الشيخ سعيد حوى رحمه الله في تعليم البنات :
1 ـ المرحلة الأولى : وتنتهي عند سن البلوغ ، تتعلم فيها الفتاة ما يهمها في دينها ، وبيتها ، وشؤون الطفل بالإضافة إلى القراءة والكتابة وهي مرحلة إجبارية لكل النساء .
2 ــ المرحلة الثانوية : وتكون لبعض النساء ، وتعد فيها المعلمات والطبيبات وينتقى لها المتفوقات من المرحلة الأولى ، وفي حدود حاجات الأمة ثم يقول : إن صناعة الرجال أكرم من كنس الطريق ، وأكرم من صنع القنبلة الذرية ، ونحن نريد المرأة التي تحسن صناعة الرجال أولاً، وقبل كل شيء ، ولن يوجد هذه المرأة إلا تعليم صالح ومنهاج صالح ونظام صالح ومعلمات صالحات ، ولايكون هذا إلا بإحداث تغيير كامل في أسلوب تعليم المرأة ـ سعيد حوى ص538ــ
ومرة أخرى يذكر الباحث بأن ماعرضه من مقررات ومناهج لتعليم البنات ؛ يعجز البيت المسلم عن توفيره ، وإنما يستطيع الآباء المسلمون والأمهات المسلمات مطالبة المؤسسات التربوية بالكلمة الطيبة ، وبالصحيفة والمجلة ثم المسيرة الهادئة ، مطالبتها بهذا المنهج وهذه المقررات من أجل تربية البنات المسلمات . وريثما يتم ذلك يستطيع البيت المسلم أن يقدم أجزاءً من هذه المقررت ، فالأب مثلاً يستطيع أن يدرب بناته على صيانة الأدوات الكهربائية في المنزل، كما تستطيع الأم تدريب بناتها على رعاية الطفل بطريقة عملية ، كما تدربهم على التفصيل والخياطة والطهو وترتيب البيت ونظافته ، كما أن القدوة الحسنة من الأم في تعاملها مع زوجها ، ومع أولادها أفضل الوسائل التعليمية للبنات من أجل إعدادهن لوظيفة الأم المسلمة .(1/88)
وإذا تعاونت بعض البيوت المسلمة ؛ استطاعت أن تقدم جزءًا أكبر من هذه المقررات والمناهج من أجل إعداد الأم المسلمة .
الفصل الخامس
البنات والمراهقة (1)
يبرر الآباء والمدرسون ومعظم المثقفين والعامة للشباب انحرافاتهم وطيشهم بالمراهقة ، وكم سمع الباحث (وهو مرشد طلابي ) الآباء يوصون المدرسين أن يتسامحوا مع اولادهم لأنهم (مرضى ) أي في طور المراهقة . وضاع الشباب كما أرادت يهود !!
فما هي المراهقة !!؟
أولاً : المعنى الشائع للمراهقة : يقول (ستانللي هول ) (المراهقة فترة عواصف وتوتر وشدة ، تكتنفها الأزمات النفسية ، وتسودها المعاناة والإحباط والصراع والقلق ومشكلات وصعوبات التوافق ) ويرى (جرندر) أن المراهقة مجموعة من التناقضات ويشبه بعضهم المراهقة بحلم طويل مظلم تتخلله أضواء ساطعة تخطف البصر ، فيشعر المراهق بالضياع ثم يجد نفسه عند النضج ـ حامد زهران ص291ـ وعلى الرغم من أن علماء النفس الأكاديميين في الغرب لايوافقون على التعريفات السابقة ، إلا أن هذا المفهوم صار شائعاً ، وكأن هناك من يهتم بترويجه ونشره لتضليل الشباب كما جاء في البروتوكولات (.. وانقلب شبانهم مجانين بالكلاسيكيات والمجون المبكر الذي أغراهم به وكلاؤنا ومعلمونا وقهرماناتنا (مربياتنا) في البيوت الغنية وكتابنا ونساؤنا في أماكن لهوهم ) ـ ص 109 ـ وأول تكذيب لهذا المفهوم الشائع مايقوله علماء النفس :
__________
(1) للباحث كتاب عنوانه تربية الشباب المسلم فيه تفصيل كبير عن المراهقة من وجهة نظر إسلامية .(1/89)
ثانياً : المراهقة في علم النفس : المراهقة مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرشد ، وهي مجموعة من التغيرات التي تحدث في نمو الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي ـ حامد زهران 289، والعيسوي 11 ـ ( ولاحظ أنهم لايذكرون الجانب الروحي !!مع أن أكبر تغير يقع فيه ـ) وهي التدرج نحو النضج ، فالطفل لايخرج من الطفولة خلال يوم أو شهر ثم يدخل عالم الرشد ، بل يحتاج ذلك إلى بضع سنين ، وقالت (مارغريت ميد ) : المراهقة مرحلة نمو عادي ، ومادام هذا النمو يسير في مجراه الطبيعي لايتعرض المراهق للأزمات ـ حامد زهران 292ـ
ثالثاً : المراهقة في التربية الإسلامية : يقول ماجد عرسان الكيلاني : إن فقدان هاتين الحاجتين من التربية الحديثة (المثل الأعلى والعبادة ) أفرز مضاعفات سلبية أهمها ماسمي ب (المراهقة ) ، فالمراهقة ليست ظاهرة حتمية في العمر ، بل يمكن تجنبها كلياً في حياة الفرد ، والمراهقة مرض من أمراض المجتمع الرأسمالي ، لأنها مصارعة طاقات وقدرات عقلية ونفسية وجسدية معطلة محبوسة ، وقد تجنبت التربية الإسلامية مرض المراهقة حين أوجدت للشباب مثلاً أعلى يصرف طاقاته خلال الجهاد في سبيل ذلك المثل الأعلى ـ فلسفة التربية الإسلامية 112ـ
ويقول عبد الرحمن العيسوي ( النمو الجنسي لايؤدي بالضرورة إلى أزمات ، لكن النظم لاجتماعية الحديثة هي المسؤولة عن أزمة المراهقة ، كما تقول (ميد) : في المجتمعات البدائية تختفي مرحلة المراهقة ، وينتقل الفرد من الطفولة إلى الرشد مباشرة بعد احتفال تقليدي ـ العيسوي 39ـ ثم يقول العيسوي : تحت عنوان اسطورة العاصفة : هناك عدد من المراهقين الأسوياء ، وتؤكد الدراسات الحديثة أن المراهقة ليست بالضرورة وبالطبيعة مرحلة عواصف وضغوط ، ففي بعض الدراسات لم تزد نسبة المضطربين منهم على (20%) ، وغالبية المضطربين تنحدر من بيوت غير سعيدة . العيسوي 50ـ(1/90)
ومن المعلوم عند المسلمين أن سن الرشد يبدأ بالبلوغ ، وهو الخامسة عشرة على أبعد مدى ، وتجري على البالغ أحكام الراشد ، وقد سمح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبناء الخامسة عشرة المشاركة في الجهاد وملاقاة العدو يوم أحد ، ورد الذين لم يبلغوا ثم سمح لهم في غزوة الخندق ـ بعد عام واحد . فالأحكام الشرعية في الإسلام لاتعترف بفترة انتقالية بين الطفولة والرشد ، لأنها تدرب الصبي حتى إذا بلغ تعامله معاملة الراشد ، وأجاز الشافعية إمامة الصبي المميز ـ قبل البلوغ ـ في الفرض والنفل والجمعة، وأجازها الحنابلة في النفل فقط ، وفي إمامة الصبيان مثله، أماالحنفية فقد اشترطوا البلوغ لصحة الإمامة في صلاة الجماعة.
وقام الباحث الحالي باستبيان شمل خمسين أسرة ملتزمة بالإسلام ومهتمة بتربية أولادها تقيم في مكة المكرمة والمدينة المنورة وكان السؤال : هل مرّ أولادكم بفترة قلق أثناء المراهقة ، وكانت النتيجة أن أكثر من (80%) قالوا : لا لم يمر أولادنا بقلق خلال المراهقة . وخلص الباحث إلى أن المراهقة مشكلة الإنسان عندما انحرف عن شريعة الله عزوجل { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً .. } .
النمو الروحي في المراهقة :
مر معنا أن المراهقة عند علماء النفس هي مرحلة تغيرات جسدية ونفسية وعقلية واجتماعية ونضيف نحن (روحية ) وهي أهم التغيرات : فالطاقة الروحية في الإنسان هي أكبر طاقاته لذلك يعنى الإسلام عناية خاصة بالروح ، وهي نقطة الأساس لأنها صلة الإنسان بالله عزوجل ، ولأن الأم أكثر تعلقاً بالتربية وبناء الإنسان ، لذلك فالاهتمام بروحها وصقلها له الأولوية على الرجل ، والأم التي تتصل روحها بالله عزوجل تربي رجالاً ربانيين ، تحتاجهم الأمة المسلمة في كل زمان ومكان .(1/91)
وتبدأ تربية الروح منذ الولادة عندما يؤذن في أذن المولود ، وتستمر في الطفولة المبكرة والمتأخرة ، وفي المراهقة يتسارع النمو ، ومنه نمو الروح (ففي الفترة التي تتفجر فيها شحنة الجنس ، تتفجر فيها شحنة روحية عجيبة تأخذ صورة مشاعر دينية ، وقد تجنح ببعض الشباب نحو الصوفية ، لأنها دفقة قوية ، تأتي في موعدها المناسب ، مع بدء التكليف الرباني ،لتصل القلب بالله ـ محمد قطب 2/226ــ
وهذه أهم وسائل التربية الروحية في المراهقة :
1 ـ القرآن الكريم : تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتجويداً ، والقرآن الكريم يوقظ الحس لآيات الله في الكون والنفس ، والكون آية الله الكبرى ، التي تذكر العبد بربه ، والحياة في ظلال القرآن نعمة ، لايعرفها إلا من ذاقها ، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه ، وفي البيت المسلم درس يومي للقرآن الكريم ، كما يلتحق شبابه في حلقات التحفيظ بالمساجد ذكوراً وإناثاً يتسابقون لحفظ كتاب الله عزوجل .
2 ـ الصلاة : الصلة بين العبد وربه، [وجعلت قرة عيني في الصلاة ]، [يابلال أقم الصلاة ، أرحنا بها ] ـ صحيح الألباني 3457ـ وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى ، ويقوم الليل ، ويتهجد قبيل الفجر لأنه كان يجد حلاوة وسعادة في الصلاة ، وكان يقرأ البقرة وآل عمران وبعض النساء في ركعة واحدة ثم يركع مثل ذلك ثم يسجد ويطيل حتى تظن السيدة عائشة أنه قبض ، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة .
3 ـ الصوم : والصوم من أوضح الأمثلة على توازن النمو الجسدي مع النمو الروحي في المراهقة فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :[ يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ](يعني دواء) ـ البخاري ، النكاح ـ ويوازن الصوم الطاقة الجسدية بالطاقة الروحية بما يلي:(1/92)
أ ـ تقوية الصلة بالله عزوجل ، ففي الصوم مراقبة دائمة لله عزوجل ، وهي أفضل سبل تربية الروح .
ب ـ كبح شهوة الطعام والشراب ، التي تساعد على كبح شهوة الجنس ، يقول الإمام الغزالي رحمه الله :( الصوم قهر لعدو الله عزوجل ، فإن الشهوات وسيلة الشيطان ، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشراب .. وأعظم المهلكات لابن آدم شهوة البطن ، فيها خرج آدم من الجنة ، وتتبعها شهوة الفرج ثم شهوة الجاه والمال ، وكل ذلك ثمرة بطر الشبع والامتلاء ، ولو ذلل العبد نفسه بالجوع وضيق به مجاري الشيطان لأذعنت نفسه لطاعة الله عزوجل ، ولم تسلك سبيل البطر والطغيان ) الغزالي ، الإحياء 1/232ـ وقد صنف الغزالي باباً في بيان فضيلة الجوع وذم الشبع ، حشد فيه عدداً من الأحاديث الشريفة ، ويعدد عشرة فوائد للجوع يتشعب منها فوائد لاينحصر عددها، ولأجل هذا قال بعض السلف : الجوع مفتاح الآخرة وباب الزهد ، والشبع مفتاح الدنيا وباب الرغبة ـ الإحياء 2/ 84 ـ
4 ـ الحج والعمرة : ويقترن الحج بالجهاد ، وتتجلى التربية الروحية في الحج عندما يتجرد المسلم من الدنيا ، ويترك أ ولاده وماله ، ويلبي دعوة الله عزوجل ، فيعيش أياماً في ضيافة الرحمن ، فتنمو الروح لأنها تتجرد عن الحس وتتحرر من سجن الجسد مؤقتاً .
5 ـ المشاركة في الدعوة الإسلامية ومن أبوابها عند البنات : المشاركة في جمعيات تحفيظ القرآن للبنات حيث الحفظ والتجويد والتفسير . وحضور الدروس والمحاضرات التي تقدمها الأخوات الداعيات للنساء ، ومعظمها يتركز على التربية الروحية والخلقية ، والزهد والورع والتقوى . والمشاركة في جماعة التوعية الإسلامية في المدرسة ، التي تنشط بين الطالبات لحثهن على الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
الفصل الخامس
أنشطة البنات في البيت المسلم(1/93)
سبق أن عرفنا أن القرار في البيت هو أول درجة من درجات الحجاب للمرأة المسلمة ، فالمرأة التي لا تريد أن يراها الرجال الأجانب فتفتنهم وتأثم عند ذلك، لا تخرج من بيتها إلا لضرورة شرعية ،وسبق أن عرفنا أننا ندرب الطفلة على القرار في البيت والمكث فيه ، ولا نسمح لها بالخروج كما نسمح لشقيقها الصبي ، وبينما ندرب الصبي على الذهاب إلى البقالة القريبة مثلاً لشراء بعض حاجات الأسرة ، ندرب الصبية على القرار في البيت ... ومن أجل ذلك يجب أن لا يكون البيت المسلم سجناً للصبية ، ولابد من وجود أنشطة عامة فيه للصبيان وللصبيات ، وأنشطة خاصة بالفتيات ، هذه الأنشطة موجودة داخل البيت ، تمارسها الفتاة وتشغل أوقاتها ، كي لا تنظر إلى القرار في البيت على أنه سجن تنتظر الخروج منه .
والنشاط سلوك تعليمي يقوم به الإنسان وفقاً لميوله ورغباته ، ولا يحتاج إلى طاقة نفسية لأنه ينبع من قرارة النفس ، ويتدفق بشكل تلقائي ، وبما أن البيت مؤسسة تربوية لذا ينبغي أن تكون له أنشطة موجهة تتحقق من خلالها بعض مهمات البيت التربوية ، ومن هذه الأنشطة الدرس اليومي ، وإحياء الليل ، والصوم والنزهة والألعاب الخلوية ، والتلفزيون والفيديو ، والمسرحية المسلمة ، والحاسب الآلي ، والآلة الكاتبة ، والأناشيد ، والمكتبة ، وقد تحدث الباحث عن هذه الأنشطة البيتية للطفل المسلم ( الذكر والأنثى ) في كتابه دور البيت في تربية الطفل المسلم ، أما في هذا الكتاب فسيقتصر البحث فيه على الأنشطة البيتية الخاصة بالبنات ومنها :
1- اللعب بالعرائس (1) اللعب سلوك يقوم به الفرد بقصد التسلية (أي أنه نشاط) ، وله أهمية نفسية في التعليم لأنه من أهم وسائل الطفل في تفهمه للعالم من حوله ، ويعبر به الطفل عن نفسه(2).
__________
(1) العرائس : جمع عروسة وهي الدمية على هيئة فتاة .
(2) حامد عبد السلام زهران ، علم نفس النمو ، ص 271 .(1/94)
وفي السنوات الأولى من حياة الطفل يقوم بما يسمى اللعب الإيهامي ، الذي يتخيل فيه الطفل نفسه كبيراً ويؤدي فيه دوره في الحياة ، فنجد الطفل يمثل دور الجندي أو المهندس ، ونجد الطفلة تمثل غالباً دور الأم ، وألعابها المفضلة هي العرائس .
وقد روى الترمذي في نوادره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره ] (1) ، وقد أخرج البخاري رحمه الله تعالى عن عائشة - رضي الله عنه - ا قالت :كنت ألعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل يتقمعن ( يدخلن وراء الستر ) منه فيسربُهن (يرسلهن إلي فيلعبن معي ) [ فتح الباري ( 10/526 ) وأخرجه الستة كذلك ] .
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله في المحلى [ 9/31 ] لا يحل بيع الصور إلا للعب الصبايا فقط، فإن اتخاذها لهن حلال حسن . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله [10/527] أجاز الجمهور بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمربيوتهن وأولادهن .
وروى أبو داود رحمه الله عن عائشة - رضي الله عنه - ا قالت : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي ، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع فقال : ما هذا الذي أرى ؟ قالت : فرس ، قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان ، قال : فرس له جناحان !! قالت أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟ قالت : فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى رأيت نواجذه [أبو داود ( 2 / 580 - 581) ] .
__________
(1) وعرامة الصبي : لعبه وحركته ، والحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير وقال عنه صحيح .(1/95)
والعرائس هي الدمى المصنوعة من القماش ونحوه ، تتخذها البنات كأنها طفلة لها فتمثل أنها ترضعها وتنومها في السرير ، وتضمها إلى صدرها ونحو ذلك ، أي أن البنت عندما تلعب بالعرائس تمثل دورها كأم في المستقبل ، وتتدرب على هذا الدور منذ الصغر .
وهذا التدريب ينمي لدى الطفلة عاطفة الحنان والأمومة ، وهذه العاطفة ضرورية للمرأة السوية ، والمرأة المسلمة أم قبل كل شيء ، أم تنجب وتربي وتعد الأجيال فيكون من أبنائها القائد والجندي والطبيب والمهندس والعالم والداعية والمدرسة والطبيبة ... إلخ ، هذه الأم هي عمود البيت وعماده ، أعطاها الله عزوجل غريزة الحنان ودافع الأمومة ،ليعدها لأعظم مهمة يقوم بها البشر على وجه الأرض ، واللعب بالعرائس في سنوات الطفولة المبكرة ، تنمية لفطرة الله التي فطر النساء عليها ، فتنمو البنات على النهج الرباني السليم .
2 - الصناعات المنزلية :
عمل اليهود وأتباعهم على تدمير الأسرة ، وألحوا على خروج المرأة للعمل خارج البيت ، وقد ادعوا عدة افتراءات منها :
أن المرأة نصف المجتمع فكيف يبقى نصف المجتمع معطلاً ؟
وفي هذا السياق كان الباحث مدرساً لعلم الاجتماع في ثانوية مختلطة ، ومعظم طلابها وطالباتها من الماركسيين ،وكان عنوان الدرس عمل المرأة ، وكان المدرس يجتهد في إقناع الطلاب والطالبات أن المرأة تعمل ولكن داخل البيت وليس خارجه ، لذا قال المدرس :(1/96)
أنا أشفق على أمهاتكم أيها الطلاب و الطالبات ، فأنا أعرف أنهن غير متعلمات ولا يعملن خارج البيت وفعلاً حياة الإنسان بدون عمل صعبة جداً، بل هي سجن ، وإني أتصور هذه الأمهات التي لا تعمل خارج البيت تنام في الصباح حتى تمل من النوم ، ثم تنهض فتأكل وتشرب وتلعب بعض الوقت ثم تعود إلى النوم ، حتى العصر فتذهب إلى جاراتها يلعبن ويتسلين ويقتلن أوقات الفراغ التي أحاطت بهن ... ولم تستطع إحدى الطالبات الصبر كثير اً فقاطعت المدرس ــ وهو راض عن هذه المقاطعة ــ وقالت :
غريب يا أستاذ ، لاتوجد أم في الدنيا كما تقول الآن ، وأنت تمزح ولا تقول جداً.
فسألها المدرس : هل تعمل أمك خارج البيت ؟
أجابت : لا ، لاتعمل خارج البيت . ولكن لايوجد عندها فراغ أبداً .
فقال المدرس : غريب !!! ماذا تعمل ؟
ضحكت الطالبة وقالت تعد لنا الإفطار في الصباح ، وتساعدنا على الاستعداد إلى المدرسة ، حتى إذا صار الضحى قامت إلى تنظيف البيت وترتيبه، ثم تبدأ بإعداد طعام الغداء الذي يستغرق من وقتها قرابة ثلاث ساعات ... وفي المساء تنام آخر فرد من الأسرة ، بعد أن توفر لنا ما نحتاجه ونطلبه .
قال المدرس : هذا صحيح ، لكن هذا العمل ليس خارج المنزل وهل يسمى عملاً ، بتعبير آخر ، المرأة التي لا تعمل خارج المنزل ، هل نقول عنها تعمل أم لا تعمل ؟ عندئذ انقسم الفصل بين مؤيد للمدرس شمل أغلبية الطلاب ، وبين أقلية أحاط بها الشيطان فاستمرت تجادل وتماطل .(1/97)
إذن تعمل المرأة داخل البيت ، بل إن عملها الصحيح في البيت وليس خارجه ، وعملها الأساسي الإنجاب والتربية وإدارة شؤون الأسرة من الداخل تحت إشراف قوامة الرجل . وحتى الذين يحصرون الإنتاج في ( المادة ) فقط ، ويريدون أن تساهم المرأة في هذا الإنتاج المادي لن يحققوا هذا المطلب إلا إذا ساهمت المرأة بهذا الإنتاج من داخل البيت ، أو مما نسميه الصناعات المنزلية . ومن أهم الصناعات المنزلية : 1 - صناعة السجاد 2 - الكتابة على الآلة الكاتبة والحاسب الآلي 3 - التفصيل والخياطة والتطريز 4 - تربية الدواجن والنحل 5 - زراعة الخضروات وأشجار الفاكهة في حديقة البيت والعناية بها 6 - تربية المواشي والأبقار في المنزل الريفي .
وفي بعض أقطار العالم الإسلامي كالجزائر وتركيا وإيران وغيرها يصنع السجاد في البيوت ، وتقوم النساء بنسجه وإعداده ، وتشكل هذه الصناعة دخلاً وحيداً وجيداً لكثير من الأسر .
3- التفصيل والخياطة والتطريز :(1/98)
مما يؤسف له أن مدارس البنات في عالمنا الإسلامي ، لا تهتم بهذه الأنشطة الأساسية للبنات المسلمات ، وما يقدم للطالبات في هذا المجال لا يسمن ولا يغني من جوع وعلى البيت المسلم أن يعوض تقصير المدرسة فيعلم بناته التفصيل والخياطة والتطريز ، ولا بأس بتعاون عدة بيوت مسلمة تحت إشراف أخت داعية لعقد دورات صيفية للبنات المسلمات لأجل هذا الغرض ، والمرأة التي تجيد التفصيل والخياطة والتطريز تنفق على الأسرة ، وتعلم أولادها حتى المرحلة الجامعية وتوفر لهم مصاريف الدراسة والمعيشة ، وتكسب حلالاً أضعاف ما تكسبه الموظفة التي تعمل خارج البيت ، مع العلم أن هذه المرأة منتجة وتقدم خدمة كبيرة للمجتمع وهو أحد فروض الكفايات ، حيث تسد حاجة النساء إلى تفصيل الثياب وصنعها، وتغنيهن عن الذهاب إلى الخياطين . كما يقل في مثل هذا المجتمع استيراد الملبوسات الجاهزة من العدو ، وتحفظ أموال المسلمين من ضياعها وذهابها إلى بيوت الأزياء اليهودية في باريس وغيرها ، كما هو حالنا اليوم .
4- صناعة الغزل والسجاد :
من الصناعات المنزلية العريقة ، عند العرب والعجم ، فالبدو يصنعون بيوتهم ( خيامهم ) ، تنسجها المرأة في البيت خلال فصل الصيف (1) .
__________
(1) لا ينسى الباحث عندما كان في خيام البدو ، كيف كانت والدته رحمها الله وجزاها خيراًكثيراً تأخذ الشعر من الماعز والصوف من الغنم ، ثم تغزل وتنسج على النول الذي تمده داخل البيت أثناء الصيف ، وهذا مشابه لصناعة السجاد التي كانت تقوم بها الأسر الريفية والحضرية .(1/99)
وصناعة الغزل التي تقوم بها النساء في البيوت تراث شعبي عربي حافظ عليه الإسلام ، وقد ورد أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، و - رضي الله عنه - ا غزلت الصوف الذي أحضره علي - رضي الله عنه - من اليهودي مقابل ثلاث كيلات من الشعير ، وكان الغزل وصناعة السجاد مهنة تعلم للفتاة كما تعلم الطهو وغسل الثياب ، ولما حضر الموت أبا ذر - رضي الله عنه - قال : أنشدكم الله أن لا يكفني رجل منكم كان أميراً أو عريفاً أو بريداً ، فقال فتى من الأنصار أنا صاحبك ، ثوبان في عيبتي (حقيبتي) من غزل أمي وأجدُّ ثوبيَّ هذين اللذين عليّ ، قال أنت صاحبي فكفّني .
يفهم من هذه الأحاديث أن الصحابيات - رضي الله عنه - ن كنّ يغزلن الصوف والشعر، ويصنعن الثياب من نسج الصوف وتفصيله ، وهذه من الأعمال التي تقوم بها المرأة في بيتها ، بالقرب من أطفالها . والمطلوب من البيت المسلم أن يجعل في أنشطته للبنات تدريباً على الغزل والنسيج وصناعة السجاد ، ويمكن صناعة نول يدوي مبسط للتدريب في البيت ، ويمكن تجهيز نول كبير في البيت تتدرب عليه البنات في أوقات فراغهن . وفي بعض المجتمعات المسلمة المحافظة،يشتري العريس نولاً لصناعة السجاد كقطعة أساسية من أثاث بيت الزوجية .
وكذلك تدرب البنات على النسج بالسنارة ، لصناعة الثياب الشتوية الصوفية ، ويمكن تحويلها إلى صناعة آلية منزلية بعد شراء آلة (تريكو) ، ويشكل عائد هذه المهنة دخلاً وحيداً ودخلاً مكملاً لكثير من الأسر المسلمة .
5- تربية الدواجن والنحل والمواشي ، وأشجار الفاكهة والخضروات
في الأرياف تقوم المرأة بتربية الدواجن ، والنحل ، وقليل من الماعز ، وبقرة أو اثنتين ، ويشكل عائد هذه المواشي دخلاً جيداً للأسرة ، وينصح الباحث أن تدرب الفتاة في الأرياف على هذه الحرف ، لأنها بيتية لا تتطلب خروج المرأة من البيت ،كما أن المرأة تصرف وقتها الفائض في هذا المجال النافع .(1/100)
كذلك تتوفر في البيوت الريفية حديقة واسعة غالباً ، تستطيع المرأة أن تعمل فيها دون أن تختلط بالرجال ، حيث تزرع الخضروات وأشجار الفاكهة وتعتني بها ، والمطلوب تدريب البنات على هذه المهنة في الأرياف .
6- الآلة الكاتبة والحاسوب
ومن أهم أنشطة البنات في البيت المسلم تدريبهن على الآلة الكاتبة والحاسوب ، والحاسوب من الأنشطة الهامة المعاصرة التي تدرب الطفل على الكتابة العربية والبرامج التعليمية وغير ذلك . ويضاف إلى ما سبق تدريب البنات على تخزين المعلومات على الأقراص الصلبة والمرنة ، واستخدام الطابعة النقطية والليزر للحصول على نسخة مكتوبة من المعلومات المخزنة في القرص ، كما تدرب البنات على الاستفادة من البرامج التعليمية بالحاسوب ، كبرامج الرياضيات والعلوم والنحو والقرآن الكريم وغيرها ، لتتمكن من مساعدة أولادها في دراستهم مستقبلاً . وتدرب البنات على البرمجة في حدود طاقة البيت المسلم ، أو عدة بيوت مسلمة متعاونة .
هذه لمحات سريعة لبعض الأنشطة في البيت المسلم نهدف منها إلى :
1- شغل أوقات فراغ الفتاة المسلمة ، وخاصة إذا تركت المدرسة وطال انتظارها في البيت ، والفراغ مفسدة سوف تقضيه بدون عمل ، مع الغيبة والنميمة ومشاهدة الأفلام وغير ذلك .
2- تدريب البنات على مهنة مفيدة ، تكسب منها دخلاً جيداً دون الخروج من بيتها ، ودون اختلاطها بالرجال الأجانب .
3- مساعدة الفتاة المسلمة على القرار في البيت ، لأنه الدرجة الأولى من الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة ، وخير النساء التي لا ترى الرجال ولا يرونها. ولا يزال الموضوع بحاجة إلى تفصيل أكثر من أجل نشر هذه الصناعات المنزلية في البيوت المسلمة ، وعسى أن يكون ذلك مستقبلاً بإذن الله تعالى .
7- الحدائق العامة(1/101)
ومن حق المرأة في المجتمع المسلم أن تتنفس الهواء النقي ، وتغير جو البيت كي لا تمله ، ويتحقق ذلك في خروجها إلى الحدائق الخاصة بالنساء ، ومن السهل جداً على البلديات تأمين هذه الحدائق النسائية ، كما تؤمن حدائق خاصة للرجال ، وربما تقسم الحديقة الواحدة إلى قسمين أحدهما للنساء مع الأطفال الصغار ، والثاني للرجال مع الأولاد الكبار .
كما تقام في المجتمع المسلم أسواق نسائية خاصة تبيع فيها النساء ، ولا يدخلها غير النساء ، كي لا تضطر المرأة إلى مخالطة الرجال . وتتمكن من تأمين حاجاتها عندما تضطر إلى ذلك .
كما تقيم مدارس البنات في المجتمع المسلم دورات صيفية لحفظ القرآن الكريم ، وتعليم الخياطة والتفصيل ، والتدرب على الحاسوب،كل ذلك لمساعدة البيت المسلم على تربية بناته ، وابتعادهن عن الاختلاط ، ومساعدتهن على القرار في البيت .
مكتبة البنات في البيت المسلم(1/102)
مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي ، رياض الصالحين للنووي ، الترغيب والترهيب للمنذري ، حياة الصحابة للكاندهلوي ، نور اليقيين للخضري ، الأذكار للنووي ، الأربعين النووية ، أحكام النساء للجوزي ، فقه النساء لعبد الوهاب طويلة ، نساء النبي لبنت الشاطئ ، تفسير سورة النور للمودودي ، الحجاب للمودودي ، حقوق الزوجين للمودودي ، تفسير سورة مريم للمودودي ، رسالة إلى أختي المسلمة لسيد قطب ، معركة التقاليد لمحمد قطب ، واقعنا المعاصر لمحمد قطب ، الغارة على الأسرة المسلمة لعبد القادر أحمد ، نعيم الجنة في القرآن والسنة لعبد اللطيف عاشور ، مشاهد القيامة في القرآن لسيد قطب ، ياابني وياابنتي لعلي الطنطاوي ، أخبار عمر للطنطاويين ، الأخوات المسلمات للجوهري ، المؤامرة على المرأة المسلمة للسيد أحمد فرج ، أهم قضايا المرأة المسلمة لمحمد حسن أبو يحيى ، المرأة بين الفقه والقانون لمصطفىالسباعي ، توجيهات الإسلام في نطاق الأسرة لعبدالله التركي ، خطر التبرج والاختلاط لعبد الباقي رمضون ، مسؤولية المرأة المسلمة لعبد الله الجار الله ، التخويف من النار لابن رجب الحنبلي ، منهج التربية النبوية للطفل لمحمد نور سويد ، عمل المرأة في الميزان لمحمد علي البار ، وليس الذكر كالأنثى لمحمد عثمان الخشت ، دور الأم في تربية الطفل المسلم لخيرية حسين جابر ، تربية النشء في ظل الإسلام لمحمود محمد عمارة ، المرأة المسلمة لوهبي الغاوجي ، نساء أنزل لله فيهن قرآنًا لعبدالرحمن عميرة .
ومن كتب الباحث خالد الشنتوت مايلي :
تربية البنات في البيت المسلم ـ دور البيت في تربية الطفل المسلم ـ كيف نربي أولادنا على الشورى ؟ ـ كيف نربي بناتنا على الحجاب ؟ ـ تربية الأطفال في الحديث الشريف ـ خطر المربيات على الطفل المسلم ـ تربية الشباب المسلم ـ كيف نحمي أولادنا من رفاق السوء والمخدرات ؟ ــ ماذا تريد المدرسة من البيت ؟
المراجع(1/103)
1ـ أبو الحسن الندوي ، قصص النبيين ، بيروت ، الرسالة ، ط3، 1981م .
2 ـ ابن الجوزي ، أحكام النساء ، المكتبة العصرية ، بيروت ، ط1، 1981م .
3 ـ ابن عقيل، شرح ابن عقيل، دارالعلوم الحديثة ، بيروت ط14 ، 1964م.
4 ـ إدجار فور ، تعلم لتكون ، الشركة الوطنية الجزائرية ، 1976م .
5 ـ إدوارد بوشامب ، التربية في اليابان ، مكتب التربية العربي ، 1985م .
6 ـ الترغيب والترهيب ، للحافظ المنذري ، دار الفكر ، دمشق ، 1979م .
7 ـ الغزالي ، إحياء علوم الدين ، دار الندوة ، بيروت .
8 ـ الكاندهلوي ، حياة الصحابة ، محمد علي دولة ، دار القلم ، دمشق .
9 ـ كنز العمال ، علاء الدين الهندي ، الطبعة الهندية .
10ـ اللؤلؤ والمرجان ، محمد فؤاد عبد الباقي ، استانبول .
11ـ الهيثمي ، مجمع الزوائد ، دار الكتاب ، بيروت ، 1967م .
12 ـ جامع الأصول ، ابن الأثير الجرزي ، مكتبة الحلواني .
13 ـ جودت سعيد ، حتى يغيروا مابأنفسهم ، ط3 ، دمشق ، 1397هـ .
14 ـ حامد زهران ، علم نفس النمو ، دار المعارف ، 1986م .
15 ـ خالد شنتوت ، دور البيت في تربية الطفل المسلم ، ط5 ، المدينة المنورة .
16 ـ = = ، كيف نربي بناتنا على الحجاب ،ط1، = = 1421هـ .
17 ـ خيرية حسين جابر، دور الأم في تربية الطفل ، دار المجتمع ، ط2 ، 1986م .
18ـ رينيه دوبو ، إنسانية الإنسان ، الرسالة ، بيروت ، ط2 ،1984م .
19 ـ سامية حمام ، أثر غياب أحد الوالدين ، مجلة التربية القطرية ، عدد64 .
20 ـ سعيد حوى ، الإسلام ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط2 ، 1979م .
21ـ عائشة السيار، التنشئة الاجتماعية، مجلة التربية أبوظبي،عدد52(1407).
22 ـ عبد الباقي رمضون ، خطرالتبرج والاختلاط ،الرسالة ، ط6، 1987م .
23 ـ عبد الرحم العيسوي ، سيكولوجية المراهق المسلم ، الكويت ، 1407 .
24 ـ عبد الرحمن النحلاوي ، التربية الإسلامية ..، المكتب الإسلامي ، 1405هـ .(1/104)
25 ـ عبد الله بن جار الله ، مسؤولية المرأة المسلمة،رئاسة البنات ، الرياض.
26 ـ عبد الله محمد خوج ، التربية النموذجية للطفل.. ، الرياض، 1401هـ .
27 ـ عمر فروخ ، التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، بيروت ، 1372هـ .
28 ـ كامل موسى ، البنت في الإسلام ، الرسالة ، بيروت ،1985م .
29 ـ ليلى عبد الرشيد العطار ، الجانب التطبيقي في التربية .. الرياض ، 1403هـ .
30 ـ ماجدعرسان الكيلاني ، تطورمفهوم النظرية التربوية..، عمان 1983م.
31ـ = = = ، فلسفة التربية الإسلامية ، المنارة ، مكة المكرمة ،1987م .
32ـ محمدجابر الأنصاري ، جذورالتربية اليابانية، مجلة رسالة الخليج ،عدد2 .
33ـ محمدجميل يوسف ، النمو من الطفولة إلى المراهقة ، الرياض ، 1401هـ .
34 ـ محمدحسن أبو يحيى ، أهم قضايا المرأة المسلمة ،عمان،ط2 ،1987م.
35 ـ محمد خليفة التونسي ، بروتوكولات حكماء صهيون ،بيروت،1984م.
36 ـ محمد عثمان الخشت ، وليس الذكر كالأنثى ، القاهرة ، 1985م .
37 ـ محمد علي البار ، عمل المرأة في الميزان ، الدار السعودية، ط1،1981م .
38 ـ محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، دارالشروق ، 1401هـ .
39 ـ محمد قطب ، واقعنا المعاصر ، مؤسسة المدينة للصحافة ، ط2ـ1988م .
40 ـ محمدنور سويد ، منهج التربية النبوية للطفل ، المناربالكويت ، 1988م .
41 ـ محمود محمد الجوهري ، الأخوات المسلمات ، دار الوفاء ، 1989 م .
42ـ مصطفى السباعي،المرأة بين الفقه والقانون ، المكتب الإسلامي،1984م.
43 ـ وهبي الغاوجي ، المرأة المسلمة ، دار القلم ، دمشق ، ط7 ، 1987م .
44 ـ يوسف القرضاوي ، التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا ، 1403هـ .
المحتوى
المقدمة ....................................................1
الفصل الأول : التربية والمجتمع المسلم
التربية وسيلة التغيير الأساسية .....................................5(1/105)
التربية تغير الأنفس ......................................6
أبعاد التربية المطلوبة ......................................7
دور البيت في التربية
دور الأم في التربية ............................................11
دور الأب في التربية ............................................13
الفصل الثاني : صفات المرأة المسلمة
طاعة الله ورسوله ...........................................15
محاربة الاستهلاك والإسراف ..................................17
المرأة المسلمة أم مربية وزوجة صالحة .......................26
وظائف الأم : الإنجاب ، الإرضاع ، العناية بالطفل .............30
المرأة المسلمة ربة بيت .......................................38
المرأة المسلمة زوجة صالحة ....................................40
الفصل الثالث : البنات والحجاب
القرار في البيت .............................................51
منع الاختلاط من الحجاب ....................................57
لباس المرأة المسلمة ..........................................58
متى ندرب البنات على الحجاب ؟ ............................60
كيف ندرب البنات على الحجاب ؟ ...........................61
الفصل الرابع : البنات والمدرسة
مدارس البنات المعاصرة ...........................................63
مناهج البنات مختلطة مع الذكور ..................................65
منهج مقترح للبنات المسلمات .......................................66
1 ـ حسن التبعل .............................67
2 ـ تربية الأطفال ...............................68
3 ـ تدبير الأسرة ...............................69
الفصل الخامس : البنات والمراهقة
المعنى الشائع للمراهقة ............................................73
المراهقة في علم النفس .............................................73(1/106)
المراهقة في التربية الإسلامية ......................................74
النمو الروحي في المراهقة .......................................75
وسائل التربية الروحية في المراهقة ..............................75
الفصل السادس : أنشطة البنات في البيت المسلم
اللعب بالعرائس .....................................................79
الصناعات المنزلية ................................................80
1 ـ التفصيل والخياطة والسجاد .................82
2 ـ الحاسوب ....................................84
مكتبة البنات في البيت المسلم ...................................86
المراجع ................................................87
المحتوى ....................................................89(1/107)