بسير أسلافهم
حفاظ الحديث السابقين واللاحقينتذكير النابهين
بقلم
الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أرسله بالهدى ودين الحق" ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ".
وليخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور التوحيد والإيمان والعلم.
جاء بأعظم رسالة وأعلاها مكانة، ولهذه العظمة وهذه المكانة وعد الله وعداً قاطعاً بحفظها، فقال: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).
ولتحقيق هذا الوعد القاطع الصادق كان كل ما قامت به الأمة الإسلامية من جهود عظيمة واهتمام بالغ لا يعرف الأقل منه لأمة من الأمم ولا لدين من الأديان بحفظ القرآن العظيم في الصدور والمصاحف وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار في الخلوات والجلوات وفي البيوت والمساجد والمعاهد.
والاهتمام بدراستة وتفسيره واستنباط أحكامه والاعتبار بقصصه وأمثاله وعظاته، والتأليف في شتى العلوم التي تخدمه، وتبين بلاغته وإعجازه، من لغوية وبلاغية وتاريخية وغيرها.
فما من سورة من سوره، ولا آية من آياته، ولا كلمة من كلماته إلا وقد دار حولها بحث، وكان لها شأن ونبأ.
وقد شرف الله محمدا خاتم النبيين وأكرم الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - وأعلا مكانته، وأنزله المنزلة الكريمة التي يستحقها، فأسند إليه مهمة بيان ما في القرآن من إجمال، وشرح ما يحتاج إلى شرح وتفصيل.
قال تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) الآية(1).
__________
(1) سورة النحل آية (44).(1/1)
فقام - صلَّى الله عليه وسلَّم - بما أسند إليه من واجب أكمل قيام بأقواله وأفعاله وأحواله وجهاده العظيم وسيرته العطرة حتى ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وأسند تبليغ تلك الرسالة العظيمة، إلى خير أمة أخرجت للناس، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم-:
" بلغوا عني ولو آية (1)"، " فليبلغ الشاهد الغائب (2)".
فقام الصحابة الكرام بتبليغ تلك الرسالة وأداء تلك الأمانة، على أحسن الوجوه وأقومها، وتلقت ذلك الأمة الإسلامية جيلا عن جيل حتى وصلت إلينا غضة طرية، ولن تزال كذلك حتى يأذن الله لهذا العالم بالزوال، ولشمس حياة البشرية بالأفول.
ولقد حظيت السنة المطهرة: بيان الرسول وشرحه للقرآن، بحظها الوافر من وعد الله لتنزيله وذكره بالحفظ، فإنها والقرآن الكريم من مشكاة واحدة وضياع شئ منها وهي بيانه وشرحه ينافي ما وعد الله به من حفظ للقرآن الكريم.
وإذن فالسنة داخلة في ذلك الوعد الصادق بالحفظ والضمان الأكيد.
فكان من مظاهر تنفيذ ذلك الوعد ما نراه ونلمسه من جهود بذلت لحفظها وصيانتها والذود عن حياضها.
سرح طرفك في ذلك التراث العظيم، وقلب صفحاته لترى العجب العجاب، وما يدهش الألباب.
وخذ ما شئت من نصوص هذه السنة المطهرة، وتابعه في عشرات الكتب فستجد أنه ما من نص إلا وله شأن وأي شأن، ودراسة وتحليل واستنباط وتعليل وتمحيص وتحقيق وأخذ وإعطاء.
__________
(1) خ الأنبياء حديث رقم (3461)، ت (7/314)، دي (1/111)، حم (2/159-202-214).
(2) خ في العلم، حديث رقم (67).(1/2)
ولقد أعد الله لحفظ هذه السنة المطهرة وصيانتها رجالا صنعهم على عينه وأمدهم بشتى المواهب النفسية والعقلية، والذكاء المتوقد، والحفظ المستوعب مما يبهر العقل، ويستنفد العجب، ويجعل في المطلع على أخبارهم وأحوالهم ما يملأ قلبه يقينا بأن هؤلاء العباقرة ما أعدوا هذا الإعداد العجيب إلا لغاية سامية هي إنفاذ وعد الله الكريم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).
فكان من آثار هؤلاء العظماء ما تزخر به المكتبات الإسلامية اليوم وقبل اليوم من مؤلفات قيمة مختلفة المناهج والمواضيع متحدة الغاية، وهي خدمة السنة المطهرة.
فمؤلفات وضعت على المسانيد، وجوامع وسنن على الأبواب العقائدية والتاريخية والفقهية ومستخرجات وأجزاء وتخريجات وشروح، وتأليف في الموضوعات وفي الناسخ والمنسوخ، وفي تواريخ الرجال وجرحهم وتعديلهم، وفي طبقات حفاظهم وبيان منازلهم وذكر شيوخهم ومن أخذ عنهم مع ذكر وفيات من عاصرهم من الحفاظ والمسندين وأهل العلم في الجملة، ومعاجم ومشيخات ومسلسلات، وأخرى في غريب الحديث وأخرى في علل الأسانيد من حيث الإرسال والوصل والرفع والوقف(1).
إن المسلم الصادق ليحب لهذه الأمة كل ما يرفع من شأنها في الدنيا والآخرة ويسعى بكل ما يستطيع إلى ما يدفع هذه الأمة إلى تحقيق هذه الغاية، ويدرك أنه لا شيء أوجب عليهم وأحرى بأن يحقق لهم هذه الغاية هو العودة الجادة إلى التمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم والاحتفاء بهما علماً وعملاً واعتقاداً، والسير على طريقة أسلافهم في كل ذلك ومن ذلك الاهتمام بهذه السنة العظيمة وحفظها في صدورهم وفقهها والعمل بها في كل شئون حياتهم فيخرج منها الفقهاء والعباد والمحدثون الحفاظ.
فما هي الوسائل التي ينبغي البدء بها والسعي لتحقيقها؟.
الجواب:
__________
(1) أخذت هذا المطلع من مقدمتي لكتاب " بين الإمامين مسلم والدارقطني ".(1/3)
1. حفز الهمم للحاق بأعلام الحديث وحفاظه في الاهتمام بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحفظه والتفقه فيه والعمل به، وتعليمه الناس ونشره ليتسنم المسلمون مكانة أسلافهم فيخرج منهم الأعلام الحفاظ والجهابذة النقاد.
2. إبعاد شبح الكسل والخمول عن شباب الأمة الذي ينفث سمومه الكسالى وعميان البصائر وقاصري الهمم وأهل الأهواء الذين يوهمون الناس أن زمان الاهتمام بحفظ الحديث والعناية بدراسة أسانيده ونقد رواته وجرحهم وتعديلهم بل وجرح غيرهم وتعديلهم قد ولى من قرون، فعلى الأمة عند هذه الأصناف أن تنام وألا تفكر في سلوك الميادين التي كان السلف يسلكونها لأنها أصبحت في نظر هؤلاء من الميادين المهلكة أو من المستحيلات فيجب الحجر والحظر على من يسلكها أو يفكر في سلوكها.
3. ولا يتحقق هذا إلا بتوفير وتهيئة البيئات الصالحة والحرص الشديد على تحقيق هذه الغاية.
4. ومن السبل إلى ذلك اختيار أصحاب المواهب والذكاء من كليات الحديث وأصول الدين ودور الحديث وغيرها وتوجيههم للعناية القوية بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدراسة الجادة لعلومها وتفريغهم لذلك مع الإشراف الدقيق عليهم ومتابعتهم الجادة بالاختبارات لمدة لا تقل عن عشر سنوات وهي المدة التي يستغرقها محضري الماجستير والدكتوراة، وكم ستكون الفروق العلمية بين هذه الفئات المهتمة بدراسة السنة وعلومها وبين محضري الرسائل واضحة بادية، ولا يشغل هذه الفئات بغير ما فرغوا وهيئوا له.
5. تهيئة عامة لسائر المسلمين لينخرط شتى أصناف الناس وخاصة الأذكياء منهم في طلب السنة وعلومها وآلاتها على حساب أنفسهم عن طريق المدارس والمساجد ويجددون النشاط في الرحلات إلى علماء السنة والتوحيد وتسهل لهم هذه الرحلات ابتغاء وجه الله وحباً في نشر الإٍسلام والسنة في أرجاء العالم.(1/4)
ولتحقيق هذه الغاية أزجي إلى طلاب الحديث والسنة وغيرهم من أهل العزائم بحثاً أرجو أن يحفزهم إلى الجد في طلب العلم والعناية الكبيرة بسنة نبيهم وعلومها اقتفاءً لآثار أسلافهم الكرام من أئمة الحديث وحفاظ السنة السابقين واللاحقين القائمين بها علماً وعملاً واعتقاداً ومنهجاً ومن باب الذكرى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
هذا البحث اخترته لهم من " تذكرة الحفاظ(1) " للحافظ الذهبي، ذلكم الكتاب العظيم الذي دون فيه تراجم حفاظ السنة وأئمتها على طبقات بلغت إلى عصره إحدى وعشرين طبقة يذكر فيها أحوالهم ومروياتهم وشيوخهم وتلاميذهم.
حيث اخترت من كل طبقة أربعة أو خمسة من الحفاظ ليسهل على طلاب العلم والسنة تصور هذه الطبقات على اختلاف وامتداد عصورها.
وليدركوا مدى ترابط وتسلسل هذه الطبقات واتصال وتسلسل أسانيدها إلى يومنا هذا على قلة وغربة في الطبقات الأخيرة.
وهذا الاتصال والتسلسل مصداق لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته " ولا يتحقق هذا الوصف والثناء إلا لمن يعتني بالقرآن والسنة علماً وعملاً واعتقاداً.
ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي وعد الله ".
وهذا لا يكون إلا لأهل الحديث بشهادة علماء الأمة السابقين واللاحقين.
قمت بذلك تسهيلاً على القراء ولعل ذلك يقودهم إلى الاطلاع الشامل على كل ما دونه الذهبي وغيره من الطبقات المستوعبة لجميع حفاظ الأمة.
... الطبقات.
ومن المناسب أن أسرد في طليعة هذا البحث ما يتيسر ذكره من المؤلفات في هذا النوع:
... 1- الطبقات للإمام مسلم بن الحجاج.
... 2 - الطبقات للإمام أبي عبد الرحمن النسائي.
... 3 - الطبقات الكبرى لأبي عبد الله محمد بن سعد.
... 4 - وطبقات التابعين لأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي.
__________
(1) وأكملت هذا البحث من ذيل طبقات الحفاظ للحسيني وطبقات الحفاظ للسيوطي وغيرهما.(1/5)
... 5 - طبقات الرواة لأبي عمرو خليفة بن خياط.
... 6 - وطبقات القراء لأبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الأموي مولاهم القرطبي.
... 7 - وطبقات الأصفهانيين لأبي الشيخ ابن حيان.
... 8 - طبقات الرجال في ألف جزء لأبي الفضل علي بن الحسين الفلكي.
... 9 - طبقات الحفاظ للذهبي.
... 10- طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي.
... 11 - طبقات الحفاظ للسيوطي،وغيرها مما يكثر.
انظر الرسالة المستظرفة: ص(104-105).
تعريف الطبقة:
والطبقة هم القوم المتشابهون وقد يكونان من طبقة باعتبار ومن طبقتين باعتبار كأنس وشبهه من أصاغر الصحابة هم مع العشرة في طبقة الصحابة وعلى هذا الصحابة كلهم طبقة والتابعون ثانية وأتباعهم ثالثة، وهلم جرا، وباعتبار السوابق تكون الصحابة بضع عشرة طبقة كما تقدم، ويحتاج الناظر فيه(1) إلى معرفة المواليد والوفيات، ومن رووا عنه وروى عنهم.
... أقول:
وقد جعل الذهبي الصحابة الكرام كلهم طبقة واحدة هي الأولى وعلى رأسهم أبو بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وباقي العشرة -رضي الله عنهم أجمعين-.
وجعل التابعين ثلاث طبقات كبرى ووسطى وصغار التابعين، وأدمج بعضهم في أتباع التابعين.
فعلى رأس الكبرى من التابعين علقمة بن قيس، وأبي مسلم الخولاني ومسروق بن الأجدع، وعبد الرحمن بن غنم، وسعيد بن المسيب.
والطبقة الثالثة عنده هي: الوسطى من التابعين وعلى رأسهم الحسن البصري، وأبو الشعثاء جابر ابن زيد، وإبراهيم التيمي، وإبراهيم النخعي، وعلي بن الحسين، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين -رحمهم الله جميعاً-.
والطبقة الرابعة وهي: الثالثة من التابعين وعلى رأسهم مكحول والزهري وأبو إسحاق السبيعي، والحكم بن عتيبة، وعمر بن عبد العزيز، وعمرو بن مرة، والقاسم بن مخيمرة، وقتادة بن دعامة، وأبو جعفر الباقر –رحم الله الجميع-.
__________
(1) الضمير يعود إلى نوع الطبقات.(1/6)
والطبقة الخامسة وهي: الكبرى من أتباع التابعين وهم نيف وسبعون إماماً وعلى رأسهم عبيد الله ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وعقيل بن خالد الأموي من موالي عثمان -رضي الله عنه – ويونس بن يزيد ومحمد بن الوليد الزُّبيدي، وهشام الدستوائي، ومحمد بن عجلان، وجعفر الصادق، وأبوحنيفة، وابن جريج والأوزاعي، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس الإمام.
والطبقة السادسة وهي الوسطى من أتباع التابعين وهم تسعة وسبعون إماماً وأدمج فيهم من رأى الواحد والاثنين من الصحابة، وعلى رأسهم الفضيل بن عياض، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وهشيم ابن بشير، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وإسماعيل بن أبي كثير، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف، وإسماعيل بن عياش، ويزيد بن زريع، وخالد بن عبد الله الطحان، وسفيان ابن عيينة، وأبو بكر بن عياش، وعبد الله بن المبارك، ويزيد بن هارون.
والطبقة السابعة(1)وهي: الصغرى من أتباع التابعين وعددهم كثير وعلى رأسهم عبد الرحمن ابن مهدي، ويعلى بن عبيد الحافظ، ووهب بن جرير، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وحجاج بن محمد الأعور، وأبوعامر العقدي، وحسين الجعفي، وأبو داود الطيالسي، وعبد الرحمن بن القاسم، والإمام محمد بن إدريس الشافعي.
__________
(1) قال الذهبي : وعددهم كثير اقتصرت منهم على الأعلام وعدتهم مائة نفس.
قال العلامة المعلمي: المسمون في هذه الطبقة مائة وستة، لكن ثلاثة منهم ليسوا من حفاظ الحديث وهم هشام بن الكلبي، وأبو عبيدة، والفراء، واثنان لم يترجم لهما وهما شبابة، وأبو حذيفة، وواحد ضعيف ولم يستوف ترجمته وهو الواقدي.(1/7)
والطبقة الثامنة وعدتهم مائة وعشرون نفساً وهم: كبار الآخذين عن تبع الأتباع وعلى رأسهم الإمام أحمد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، ويحيى بن يحيى التميمي النيسابوري، وسعيد بن منصور، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ونعيم بن حماد، ويحيى بن بكير، ومسدد بن مسرهد، ومحمد بن سعد صاحب الطبقات، وحيوة بن شريح، وعلي بن المديني ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق ابن إبراهيم.
والطبقة التاسعة وهي: الوسطى من الآخذين عن تبع الأتباع وعدتهم مائة وستة أنفس، وعلى رأسهم محمد بن يحيى الذهلي، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ومحمد بن أسلم الطوسي، وأحمد ابن سعيد بن صخر، وحجاج بن الشاعر، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، ومسلم بن الحجاج وأبو داود السجستاني.
والطبقة العاشرة وهم: صغار الآخذين عن تبع الأتباع ومن عاصرهم أورد منهم الحافظ الذهبي تسعة وتسعين نفساً منهم بقي بن مجلد ومحمد بن عيسى بن سورة الإمام الترمذي، وأبو عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجة، والحافظ أحمد بن سلمة رفيق مسلم، والحافظ أبو بكر بن أبي عاصم، والحافظ صالح بن محمد جزرة، ومحمد بن نصر المروزي وأبو بكر البزار -رحم الله الجميع-.
ولا شك أن أهل هذه العصور أفضل ممن جاء بعدهم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويكثر فيهم السمن ".
ووجود هذه الأصناف الرديئة في المتأخرين لا ينفي وجود كثيرين من الأخيار والعلماء الفقهاء والحفاظ الكبار بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله تعالى ".
... ففي كل عصر منهم كثرة وقد ذكر الحافظ الذهبي وغيره الكثير والكثير منهم والحمد لله رب العالمين.
وهنا لا بد من بيان أمرين:(1/8)
1. بيان أهمية الإسناد وأنه خصيصة من خصائص هذه الأمة المحمدية.
2. بيان من هو الحافظ عند أهل الحديث.
والإسناد هو الطريق الموصلة إلى المتن، والمتن هو غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام وهو إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى غيره من صحابي أو تابعي فالأول المرفوع، والثاني الموقوف، والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله أي من أتباع التابعين فمن بعدهم، انظر النزهة لابن حجر (ص57-58).
والإسناد من خصوصيات هذه الأمة في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيره والجرح والتعديل من لوازمه.
وقد نوه عدد كثير من العلماء بأهمية الإسناد، وكونه من خصوصيات هذه الأمة.
قال أبو محمد ابن حزم مبيناً وجوه النقل عند المسلمين:
" ونحن إن شاء الله تعالى نذكر صفة وجوه النقل الذي عند المسلمين لكتابهم ودينهم ثم لما نقلوه عن أئمتهم حتى يقف عليه المؤمن والكافر والعالم والجاهل عياناً إن شاء الله تعالى فيعرفون أين نقل سائر الأديان من نقلهم فنقول وبالله تعالى التوفيق:
إن نقل المسلمين لكل ما ذكرنا ينقسم أقساماً ستة:(1/9)
أولها: شيء ينقله أهل المشرق والمغرب عن أمثالهم جيلاً جيلاً لا يختلف فيه مؤمن ولا كافر منصف غير معاند للمشاهد وهو القرآن المكتوب في المصاحف في شرق الأرض وغربها لا يشكون ولا يختلفون في أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أتى به وأخبر أن الله-عز وجل- أوحى به إليه وأن من اتبعه أَخذه عنه كذلك ثم أَخذ عن أولئك حتى بلغ إلينا ومن ذلك الصلوات الخمس فإنه لا يختلف مؤمن ولا كافر ولا يشك أحد أنه صلاها بأصحابه كل يوم وليلة في أوقاتها المعهودة وصلاها كذلك كل من اتبعه على دينه حيث كانوا كل يوم هكذا إلى اليوم لا يشك أحد في أن أهل السند يصلونها كما يصليها أهل الأندلس وأن أهل الأرمينية يصلونها كما يصليها أهل اليمن، وكصيام شهر رمضان فإنه لا يختلف كافر ولا مؤمن ولا يشك أحد في أنه صامه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصامه معه كل من اتبعه في كل بلد كل عام ثم كذلك جيلاً جيلاً إلى يومنا هذا، وكالحج فإنه لا يختلف مؤمن ولا كافر ولا يشك أحد في أنه عليه السلام حج مع أصحابه و أقام المناسك، ثم حج المسلمون من كل أفق من الأفاق كل عام في شهر واحد معروف إلى اليوم وكجملة الزكاة، وكسائر الشرائع التي في القرآن من تحريم القرائب والميتة والخنزير وسائر شرائع الإسلام وكآياته من شق القمر ودعاء اليهود التي تمنى الموت وسائر ما هو في نص القرآن مقروء ومنقول.(1/10)
وليس عن(1)اليهود ولا عند النصارى من هذا النقل شيء أصلاً؛ لأن نقلهم لشريعة السبت وسائر شرائعهم إنما يرجعون فيها إلى التوراة ويقطع نقل ذلك ونقل التوراة إطباقهم على أن أوائلهم كفروا بأجمعهم وبرؤُا من دين موسى وعبدوا الأوثان علانية دهوراً طوالاً ومن المحال أن يكون ملك كافر عابد أوثان هو وأمته كلها معه كذلك يقتلون الأنبياء ويخنقونهم ويقتلون من دعا إلى الله تعالى يشتغلون بسبت أو بشريعة مضافة إلى الله سبحانه تعالى عن هذا الكذب الذي لا شك فيه.
ويقطع بالنصارى عن مثل هذا عدم نقلهم إلا عن خمسة رجال فقط وقد وضح الكذب عليهم إلى ما أوضحنا من الكذب الذي في التوراة والإنجيل القاضي بتبديلهما بلا شك.
والثاني: شيء نقلته الكافة عن مثلها حتى يبلغ الأمر كذلك إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ككثير من آياته ومعجزاته التي ظهرت يوم الخندق وفي تبوك بحضرة الجيش وككثير من مناسك الحج وكزكاة التمر والبر والشعير والورق والإبل والذهب والبقر والغنم ومعاملته أهل خيبر وغير ذلك مما يخفى على العامة وإنما يعرفه كواف أهل العلم فقط وليس عند اليهود والنصارى من هذا لنقل شيء أصلا لأنه يقطع بهم دونه ما قطع بهم دون النقل الذي ذكرنا قبل من إطباقهم على الكفر الدهور الطوال وعدم ايصال الكافة إلى عيسى عليه السلام.
__________
(1) كذا ولعل الصواب عند.(1/11)
والثالث: ما نقله الثقة عن الثقة كذلك حتى يبلغ إلى النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يخبر كل واحد منهم بإسم الذي أخبره ونسبه وكلهم معروف الحال والعين والعدالة والزمان والمكان على أن أكثر ما جاء هذا المجيء فإنه منقول نقل الكواف إما إلى رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- من طرق جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- وإما إلى الصاحب وأما إلى التابع وإما إلى إمام أخذ عن التابع يعرف ذلك من كان من أهل المعرفة بهذا الشأن والحمد لله رب العالمين وهذا نقل خص الله تعالى به المسملين دون سائر أهل الملل كلها وأبقاه عندهم غضاً جديداً على قديم الدهور مذ أربعمائة عام وخمسين عاماً في المشرق والمغرب والجنوب والشمال، يرحل في طلبه من لا يحصى عددهم إلا خالقهم إلى الآفاق البعيدة ويواظب على تقييده من كان الناقد قريباً منه قد تولى الله تعالى حفظه عليهم والحمد لله رب العالمين فلا تفوتهم زلة في كلمة فما فوقها في شيءٍ من النقل إن وقعت لأحدهم ولا يمكن فاسقاً أن يقحم فيه كلمة موضوعة ولله تعالى الشكر وهذه الأقسام الثلاثة التي نأخذ ديننا منها ولا نتعداها إلى غيرها والحمد لله رب العالمين"(1). وذكر بقية الأقسام فلا نطيل بذكرها.
... وقال أبو بكر الخطيب البغدادي:
" أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان قال حدثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد يقول: بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاث أشياءلم يعطها من قبلها الإسناد والأنساب والإعراب ".
__________
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل (ص81-83).(1/12)
أخبرني أبو بكر محمد بن المظفر بن علي الدينوري المقرىء، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، قال: سمعت أبا العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي السرخسي يقول: سمعت محمد بن حاتم ابن المظفر يقول: إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها، قديمهم وحديثهم إسناد وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم، وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوا عن غير الثقات.
وهذه الأمة إنما تَنُصّ الحديث من الثقة المعروف في زمانه، المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة.
ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهاً وأكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه ويعدوه عداً فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة.
نستوزع الله شكر هذه النعمة، ونسأله التثبيت والتوفيق لما يقرب منه ويزلف لديه ويمسكنا بطاعته إنه وَليّ حميد"(1).
...
قال الشيخ عبد الحي الكتاني:
"وفي شرح الاسم الثاني عشر ومائة من سراج المريدين للقاضي أبي بكر بن العربي المعافري ما نصه: والله أكرم هذه الأمة بالإسناد،لم يعطه أحد غيرها، فاحذروا أن تسلكوا مسلك اليهود والنصارى فتحدثوا بغير إسناد فتكونوا سالبين نعمة الله عن أنفسكم، مطرّقين للتهمة إليكم وخافضين لمنزلتكم، ومشتركين مع قوم لعنهم الله وغضب عليهم وراكبين لسنتهم ".
... أقول:
وفي الإسناد العالي والنازل.
قال الحافظ ابن حجر: " والمسند مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية.
__________
(1) انظر شرف أصحاب الحديث (ص40) رقم (76) للخطيب البغدادي وفتح المغيث ( 3/331 ) للسخاوي بتحقيق وتعليق الشيخ علي حسين علي.(1/13)
فالأول العلو المطلق والثاني النسبي.
وفيه الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه.
وفيه البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك، وفيه المساواة وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف، ويقابل العلو بأقسامه النزول " انظر نزهة النظر (ص57-59).
... وانظر تدريب الراوي على تقريب النواوي (ص358-367) والباعث الحثيث مع اختصار علوم الحديث لابن كثير (2/443-453).
... قال ابن كثير: " ولما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة وذلك أنه ليس أمة من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيها إسنادا متصلا غير هذه الأمة، فلهذا كان طلب الإسناد العالي مرغبا فيه.
... قال الإمام أحمد بن حنبل: الإسناد العالي سنة عمن سلف، قيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيت خالي وإسناد عالي.
... ولهذا تداعت رغبات كثير من الأئمة النقاد والجهابذة الحفاظ إلى الرحلة إلى أقطار البلاد طلباً لعلو الإسناد " اختصار علوم الحديث" (2/441-445).
نظرات قاصرة من بعض الناس إلى جهود المتأخرين في العناية بالسنة وأسانيدها وعلومها.
قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- في مقدمة الميزان في نقد الرجال (1/4) وهو ممن توفي (748) أي في منتصف القرن الثامن.
قال بعد أن بين عبارات الجرح والتعديل ومراتبها:
" وكذلك من قد تكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من قد تبين ضعفه واتضح أمره من الرواة إذ العمدة في زماننا ليس على الرواة بل على المحدثين والمفيدين والذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين، ثم من المعلوم أنه لا بد من صون الراوي وستره، فالحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاثمائة ".
أقول:(1/14)
فهم أناس من قوله فالحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس ثلاثمائة أن عصر الرواية انتهى بنهاية القرن الثالث، أي بانتهاء هذا العصر انتهى الجرح والتعديل، فالجرح الآن غيبة لانتهاء أسبابه، وما علم هؤلاء أنهم يرددون فكر الصوفية في اعتراضهم على أئمة النقد والجرح والتعديل -كالإمام أحمد ابن حنبل- بأن هذا الجرح من باب الغيبة.
فيجيبهم الإمام أحمد وغيره بأن هذا من باب النصيحة لا من باب الغيبة.
وذهب أناس إلى أن وضع الأمة والمحدثين قد انقلب رأساً على عقب وأن منهج المتأخرين من المحدثين مخالف لمنهج المتقدمين، وأحدثوا ضجة كبرى بالفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، وكلا الصنفين لم يفهموا كلام الحافظ الذهبي ومقصوده ولم يعلموا بجهود المتأخرين.
1. انظر إلى قوله: " من قد تكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من قد تبين ضعفه واتضح أمره من الرواة " فهذا يفيد أن النقد مستمر من المتأخرين في المتأخرين وأنه لا يزال هناك رواة يروون الحديث ونقاد من أهل الحديث يلاحقونهم مبتدعة كانوا أو غير مبتدعة، وأن الذهبي لا يورد من هذا الصنف إلا من قد ظهر أمره وتبين ضعفه، أي أنه يعرض عن كثير من المتكلم فيهم وهذا يدل على أن المتأخرين سائرين في مضمار النقد في مضمار أسلافهم.
2. وانظر إلى قوله: " إذ العمدة في زماننا ليس على الرواة بل على المحدثين والمفيدين " فإنه يدل على أن الرواية مستمرة وإن كان كثير من الرواة ليس على المستوى المطلوب فإنه يجبر هذا النقص فيهم وجود المحدثين والمفيدين من العدول الصادقين الذين يضبطون سماع السامعين من أولئك الرواة وغيرهم لأن هؤلاء السامعين سيصبحون مستقبلاً من الرواة ومن المحدثين والمفيدين لأن أهل الحديث لا يقبلون دعاوى السماع من الراوي فلان والراوي فلان بل لا بد من ثبوت سماعهم، وثبوت سماعهم يحصل بما قيده وضبطه المفيدون والمحدثون العدول الضابطون.(1/15)
والرواة المشار إليهم لا بد من صونهم وسترهم فلا يظهر منهم فسق ولا ما يخل بالمروءة، فلا مجال للفساق والمستهترين بالأخلاق في رواية حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أي أن المتأخرين سائرون على منهج المتقدمين في اشتراط العدالة والضبط، وإن لم يبلغ الرواة كمال الضبط المشترط عند المتقدمين فهذا النقص فيهم يجبره وجود المحدثين والمفيدين الذين تتوفر فيهم العدالة والضبط وهم كثرة في كل زمان والحمد لله رب العالمين ومن أعمالهم ضبط سماعات السامعين فالعبرة بهؤلاء لا بالرواة القاصرين.
أقول:
وهذا الفهم الخاطيء لهذين الصنفين المشار إليه سلفاً هو من أعظم الأسباب التي دفعتني إلى القيام بهذا البحث ليدرك هؤلاء وغيرهم الاهتمام القوي بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسانيدها دراسة وحفظاً ورواية أمر استمر في هذه الأمة وسوف يستمر إلى أن يرفع القرآن من صدور الناس والمصاحف إنذاراً بقيام الساعة.
ومما يؤكد ما نقول ويحبط ما يزعمون أن الذهبي، -وهو واحد من الحفاظ النقاد الذين ظلوا رافعين راية السنة وعلومها- قد كتب في شتى فنونها.
1. فكتب في إبراز أعلام السنة وحفاظها " تذكرة الحفاظ " إلى عهده، وهو يروي عشرات الأحاديث بإسناده من شيوخه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
2. ألف " معجم الشيوخ الكبير " أي شيوخه، حيث بلغ عددهم ألفاً وأربعين شيخاً، يروي في هذا المعجم عن كل شيخ حديثاً من شيخه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد يبين درجة علوه في بعض الروايات، وهذا العدد من شيوخه وفي عصره يدل على عناية كبيرة بالسنة النبوية.
3. وألف المعجم المختص بالمحدثين، بلغ عدد رجال هذا المعجم تسعين وثلاثمائة شيخ، وهو في هذا الكتاب يبين حال الشيخ من عدالة أو جرح.
وقال في آخره: وأنا معتذر مستغفر من الثناء والذم، عارف بالتقصير، غفر الله للكل بمنه.(1/16)
وألف " الميزان في نقد الرجال " و " المغني " و "ديوان الضعفاء " بين فيها ما في الرواة من جرح بالبدعة أو بغيرها.
وألف " سير أعلام النبلاء " من رواة وغيرهم في سبعة عشر مجلداً، يذكر أهل العدالة بعدالتهم، والمجروحين من رواة ومبتدعين بما فيهم من جرح.
فهذه الأعمال الكبيرة تدل على استمرار العناية بالسنة النبوية أسانيد ومتونا ورواة وما يتبع ذلك من جرح وتعديل.
وهناك من قام بخدمة السنة من حفاظ الأمة وأعلامها من رأس القرن الثالث إلى عهد الحافظ ابن حجر وشيوخه ومدرسته، قاموا بذلك في معاجم ومشيخات ومؤلفات أخر.
فهناك معجم ابن الأعرابي ت(341)، بلغ عدد شيوخه فيه (1277) ومعجم أبي بكر بن المقريء(1) ومعاجم الطبراني الثلاثة ت (260) ومعجم الإسماعيلي ت(371) والسنن والعلل للدار قطني ت (385) والسنن الكبرى والصغرى والمعرفة والبعث ودلائل النبوة للحافظ البيهقي ت (458) والمختارة للضياء المقدسي ت (642)، يروي كل هؤلاء وغيرهم ممن لم أذكرهم الأحاديث بأسانيدهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وهذا وغيره يدحض ما يدعيه الصنفان السابقان وقول بعضهم، إنه لم يبق إلا رواية الكتب (2).
ومن المعاجم: معجم الشيوخ للحافظ أبي القاسم ابن عساكر ت (571) بلغ عدد شيوخه فيه واحدا وعشرين شيخاً وستمائة وألف شيخ (1621) يروي فيه عن كل شيخ بإسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
__________
(1) بلغ عدد شيوخه ألف وثلاثمائة وسبعة وستين شيخا.
(2) نعم إن المتأخرين يهتمون برواية الكتب بأسانيدهم ولهم الأثبات الكثيرة بروايات كتب السابقين من صحاح ومسانيد ومعاجم ومشيخات وأجزاء ومع ذلك هم ما زالوا يروون الأحاديث من شيوخهم إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ومؤلفاتهم من مشيخات وغيرها مليئة بذلك. وسيري القاريء فيما أجتزؤه من تذكرة الحفاظ نموذجا لذلك.(1/17)
وللحافظ أبي طاهر السلفي ت(576) ثلاثة معاجم، معجم لمشيخته بأصبهان، ومعجم لمشيخته ببغداد وهو كبير في خمسة وثلاثين جزءا.
ومعجم السفر بلغ شيوخه فيه (1593) يروي فيه عن بعض شيوخه بأسانيد لنفسه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أورد الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس اسم اثنين وعشرين معجما غير المعاجم على أسماء الصحابة.
ومن المشيخات:
1- الفوائد المنتخبة العوالي عن الشيوخ الثقات المعروفة بالغيلانيات تأليف أبي بكر محمد ابن عبد الله الشافعي ت (354).
2- مشيخة أبي طاهر بن أبي الصقر الأنباري ت (476).
3- ومشيخة أبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي ت (525).
4- والمشيخة الكبرى المسماة بـ " أحاديث الشيوخ الثقات " للقاضي أبي بكر محمد ابن عبد الباقي الأنصاري ت (525) تضمن من شيوخه الثقات ستة وثلاثين وسبعمائة شيخ حسب ترقيم المحقق يروي فيها عن هؤلاء الشيوخ أحاديث بأسانيد منهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعض الآثار وتضمنت ستة وثلاثين وسبعمائة حديث وأثر.
5- ومشيخة ابن الجوزي ت (597) التي تضمنت ستة وثمانين شيخا وثلاث من الشيخات يروي عنهم الأحاديث بأسانيده إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وقد يبين علوه ببعض هذه الأسانيد.
6- ومشيخة ابن البخاري علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي ت (690) تخريج جمال الدين أحمد بن محمد الظاهري الحنفي ت (696) يروي فيها الأحاديث بأسانيده من شيوخه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بلغ عدد شيوخه ثمانية وستين شيخا وبلغ عدد شيخاته ستا من النسوة، وهو يكثر من الطرق عن شيوخه -رحمه الله-.
7- ومشيخة قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ت (733) بلغ عدد شيوخه ثلاثة وسبعين شيخاً يروي عنهم الأحاديث منهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويتوسع في ذكر طرق الحديث.
وبقى مشيخات ومعاجم كثيرة ليس هنا محل استيفائها.(1/18)
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى المعجم المفهرس للحافظ ابن حجر -رحمه الله- فقد ذكر فيه عدداً كبيراً من المعاجم والمشيخات والأربعينات والمسلسلات وكذا من الأجزاء والفوائد ما يقارب ألف جزء وفائدة، وكلها في خدمة السنة النبوية، وهناك أحاديث الأربعينات:
1- الأربعون حديثاً من المساوات مستخرجة عن ثقاة الرواة، تخريج الحافظ ابن عساكر ت (571) لشيخه الفراوي.
2- الأربعون في الحث على الجهاد للحافظ ابن عساكر.
3- الأربعون الأبدال العوالي للحافظ ابن عساكر أيضاً.
4- كتاب الأربعين البلدانية للحافظ أبي طاهر السلفي ت ( 576).
5- كتاب الأربعين في الجهاد والمجاهدين تأليف عفيف الدين أبي الفرج محمد بن عبد الرحمن المقريء ت (618).
6- الأربعون لشيخ الإسلام ابن تيمية ت (728).
7- كتاب الأربعين العشارية للحافظ أبي الفضل العراقي ت (806).
8- الامتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع للحافظ ابن حجر ت (852)- رحم الله الجميع- وكلهم يروي أحاديث أربعينه بأسانيده من شيوخه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع تأخر زمنهم وقد يختار بعضهم الأسانيد العوالي.
وقد عقد الحافظ ابن حجر فصلاً في " كتابه المعجم المفهرس " في الأربعينات بلغت خمسة وخمسين كتاباً.
وقد بينت للقاريء منهج أصحاب المعاجم والمشيخات التي استعرضتها، وغالب مناهج المعاجم والمشيخات والمسلسلات لا تبعد عن هذا المنهج.
وألف الحافظ عبد الغني ت (600) مؤلفات عدة بأسانيدها كما يستفاد من كلام الذهبي منها:
1- كتاب نهاية المراد في السنن في نحو مائتي جزء لم يبيضه.
2- كتاب المواقيت في مجلد.
3- كتاب الجهاد في مجلد.
4- الروضة في أربعة أجزاء.
5- فضائل خير البرية في مجلد.
6- الذكر جزءان.
7- الإسراء جزءان.
8- كتاب الصفات جزءان.
9- كتاب فضل مكة في أربعة أجزاء.
10- كتاب المصباح في ثمانية وأربعين جزءاً مشتمل على أحاديث الصحيحين(1).
__________
(1) أقول: ولعله كالمستخرج عليهما.(1/19)
قال الذهبي: و تصانيف كثيرة جزء جزء.
قال الذهبي ومما ألفه بلا إسناد:
1- العمدة جزءان.
2- الأحكام ستة جزاء.
3- الكمال عشرة مجلدات.
4- درر الأثر تسعة أجزاء.
قال الذهبي: وكان أمير المؤمنين في الحديث " انظر تذكرة الحفاظ (4/1374).
ابن تيمية قال عنه الذهبي في ترجمته (4/1496): " وعني بالحديث ونسخ الأجزاء ودار على الشيوخ وخرج وانتقى وبرع في الرجال وعلل الحديث وفقهه وفي علوم الإسلام وعلم الكلام وغير ذلك".
أقول:
إن شيخ الإسلام من أشد الناس على أهل الكلام والمنطق وكتبه مليئة بالرد عليهم، إنما اطلع على علم الكلام ليعرف فساده وفساد أصوله ليهدمها عن معرفة، ومع الأسف لم يذكر الذهبي تخريجاته وانتقائه.
وقد ذكرت له الأربعين التي خرجها بأسانيده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقال الذهبي في ترجمة المزي (4/1498):
"... وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها والقائم بأعبائها،لم تر العيون مثله عمل كتاب " تهذيب الكمال " في مائتي جزء وخمسين جزءاً، وعمل كتاب الأطراف في بضعة وثمانين جزءاً، وخرج لنفسه وأملى مجالس وأوضح مشكلات ومعضلات ما سبق إليها في علم الحديث ورجاله " وليت الذهبي بين بعضها ".
أقول:
وهو في تهذيب الكمال قد يخرج أحياناً أحاديث بأسانيده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويبين ماله فيها من علو: موافقة كانت أو بدلا عاليا، والظاهر أن المجالس التي أملاها إنما يرويها بأسانيدها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال الحافظ السيوطي في " تدريب الراوي " (ص342) وهو يتحدث عن الإملاء:
" وقد كان الإملاء درس بعد ابن الصلاح إلى أواخر أيام الحافظ أبي الفضل العراقي فافتتحه سنة ست وتسعين وسبعمائة، فأملى أربعمائة مجلس وبضعة عشر مجلساً إلى سنة موته سنة ست وثمانمائة.
ثم أملى ولده إلى أن مات سنة ثنتين وخمسين أكثر من ألف مجلس وكسراً؟.(1/20)
ثم أملى شيخ الإسلام ابن حجر إلى أن مات سنة ثنتين وخمسين أكثر من ألف مجلس(1).
ثم درس تسع عشرة سنة فافتتحته أول سنة ثنتين وسبعين، فأمليت ثمانين مجلساً ثم خمسين أخرى.
وأملى السخاوي ستمائة مجلس، انظر فتح المغيث ( 3/252)
أقول:
وكل هذه الجهود التي قامت بعد القرن الثالث، ناطقة شاهدة باستمرار احتفاء علماء الحديث بسنة نبيهم وأسانيدها حفظاً ودراية وتأليفا في مجالات شتى.
ولإثبات هذا كتبت هذه المقدمة التي تلقي ضوءاً على هذه الجهود العظيمة وأتبعتها بموضوع هذا البحث الذي اخترت فيه جملة من الحفاظ من كل طبقة من طبقات الحفاظ بدأً من الطبقة الحادية عشرة إلى الطبقة الرابعة والعشرين فما بعدها لأن الغمط إنما تناولها والإجحاف إنما نزل بها.
أسأل الله أن ينفع بهذا الجهد الضعيف وأن يجعله سبباً في دفع طلاب العلم إلى شدة الاهتمام بسنة نبيهم حفظاً لها ولأسانيدها والتمييز بين صحيحها وسقيمها والعمل بما تضمنته من عقائد وعبادات ومعاملات ومناهج إكمالاً لمسيرة أسلافهم الكرام.
ثانياً – تعريف الحافظ:
قد أطلق المحدثون ألقاباً على العلماء بالحديث.
فأعلاها أمير المؤمنين في الحديث وهذا لقب لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر الذين هم أئمة هذا الشأن والمرجع إليهم فيه.
كشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري والدار قطني...
ثم يليه الحافظ، وقد بين الحافظ المزي الحد الذي إذا انتهى إليه الرجل في هذه الأعصار جاز أن يطلق عليه " الحافظ " فقال:
" فأقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم ليكون الحكم للغالب ".
__________
(1) ومن أمالي الحافظ نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، وقد بلغت عشرين ومأتي مجلس، استغرقت مجلدين والأمالي المطلقة بلغت خمسين ومائة مجلس في مجلدين.(1/21)
وقال أبو الفتح ابن سيد الناس: " فأما المحدث في عصرنا فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع رواته واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره وتميز في ذلك حتى عرف حظه واشتهر ضبطه.
فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله، فهذا هو الحافظ " انظر تدريب الراوي (ص10-11) والباعث الحثيث (2/432-433).
وقال الحافظ ابن حجر: " للحافظ شروط في عرف المحدثين إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظاً وهي:
1- الشهرة بالطلب والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف.
2- والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم.
3- والمعرفة بالتجريح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره مع استحضار الكثير من المتون " النكت على كتاب ابن الصلاح" للحافظ ابن حجر (ص268).
منهجي في هذا العمل:
أ - أورد في كل ترجمة ما قاله ونقله الذهبي في صاحب الترجمة مع ذكر شيوخه الذين تلقى عنهم وتلاميذه الذين أخذوا عنه، ومع ذكر وفيات الأعلام من المحدثين والمسندين وغيرهم الذين توفوا عام وفاته(1).
ليحصل للقاريء تصور في الجملة للعصر الذي عاش فيه المترجم له ومن شاركه في ذلك العصر من شيوخ وطلاب وأقران.
أسأل الله أن يوفق الأمة وعلماءها وحكامها للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم والسير وراء أسلافهم الكرام وإحياء منهجهم في الاهتمام بالسنة وعلومها.
ب - أرمز لكل طبقة بحرف الطاء مع ذكر رقمها هكذا ط (11)، ط (12)..الخ أي الطبقة الحادية عشرة والطبقة الثانية عشرة وهكذا.
ج - أذكر الجزء والصحيفة من تذكرة الحفاظ ليسهل رجوع القاريء إلى أي ترجمة شاء، وكذا أفعل في النقل من طبقات الحفاظ للسيوطي وغيرها.
د – أصحح بعض المخالفات الإملائية.
__________
(1) وقد أحذف من بعض التراجم ما لا يخل بالترجمة وما لا تدعو الحاجة إليه وهو قليل.(1/22)
هـ - من عادة الحافظ الذهبي أنه يروي في كل ترجمة حديثاً(1) بإسناده من شيخه مروراًَ بصاحب الترجمة وأحد الكتب المشهورة كالصحيحين وغيرهما إلى أن يصل إلى -النبي صلَّى الله عليه وسلَّم-.
ويقصد في الغالب بيان علوه النسبي إلى أحد الأئمة.
فأقوم ببيان هذا العلو وما تضمنه من موافقة له ولشيخه الذي روى عنه ذلك الحديث وقد أصرح أحيانا بأن هذه الموافقة تسمى بدلاً وأحيانا لا أصرح بذلك لوضوح الأمر وأبين درجة الحديث من صحة أو ضعف.
أسأل الله جل وعلا أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل والثبات على الحق والسنة، إن ربي لسميع الدعاء.
وقد آن الأوان للشروع في المقصود وهو تراجم الحفاظ الذين تم اختيارهم.
1- ابن المنذر ت (318) (ط11)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/782-783)، فقال:
" الحافظ العلامة الفقيه الأوحد أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابورى، شيخ الحرم وصاحب الكتب التي لم يصنف مثلها: ككتاب المبسوط في الفقه، وكتاب الإشراف في اختلاف العلماء، وكتاب الإجماع، وغير ذلك.
وكان غاية في معرفة الاختلاف والدليل، وكان مجتهدا لا يقلد أحدا.
سمع محمد بن ميمون، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، والربيع ابن سليمان، وخلقا كثيرا.
حدث عنه أبو بكر بن المقرئ، ومحمد بن يحيى بن عمار الدمياطي، والحسن بن علي بن شعبان، وأخوه الحسين بن علي، وآخرون.
وعدّه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء الشافعية.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنا الكندي سنة ثمان وستمائة كتابة أنا علي بن هبة الله، حدثنا أبو إسحاق - رحمه الله - قال: ومنهم أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، مات بمكة سنة تسع أو عشر وثلاثمائة، وصنف في اختلاف العلماء كتبا لم يصنف أحد مثلها، واحتاج إلى كتبه الموافق والمخالف، ولا أعلم عمن أخذ الفقه.
__________
(1) وقد يورد في بعض التراجم حديثين فأقتصر على دراسة واحد منهما.(1/23)
ما ذكره أبوإسحاق من وفاته لم يصح، فإن ابن عمار لقيه وسمع منه في سنة ست عشرة وثلاثمائة، وأرخ ابن القطان الفاسي وفاته سنة ثمان عشرة،والأول ليس بشيء.
روى عنه الذهبي هنا حديثين أحدهما الحديث الآتي:
قال - رحمه الله -:
وأخبرتنا خديجة بنت الرضى عبد الرحمن بن محمد، أنا أبي، أنا يحيى الثقفي أنا إسماعيل بن الإخشيد، وسعيد بن أبي الرجاء، وجماعة، قالوا: أنا عبد الرزاق بن عمر، أنا محمد بن إبراهيم الحافظ، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، نا ابن وهب، أخبرني مالك، عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحاق أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
" إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة بفرجه ولا يستدبرها ".
لم يخرجوه في الكتب، وإسناده جيد، قد روى النسائي لرافع هذا حديثا ".
قول الذهبي - رحمه الله -: " لم يخرجوه في الكتب وإسناده جيد، قد روى النسائي لرافع هذا حديثا ".
أقول:
قد روى النسائي حديث أبي أيوب هذا بسياق أطول من هذا السياق.
قال -رحمه الله- في سننه (1/21)، حديث (2): " أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحاق أنه سمع أبا أيوب الأنصاري وهو بمصر، يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ".
وإسناد النسائي هذا صحيح، ورافع بن إسحاق المدني قال الذهبي في الكاشف وثقه النسائي ت س، وقال الحافظ: ثقة من الثالثة ت س.
ثم رواه النسائي من طريقين آخرين إلى الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب به".
الكرابيس جمع كرباس والمراد بها الكنف.
وهنا ثلاثة أمور:(1/24)
أحدها - قول رافع بن إسحاق إنه سمع أبا أيوب وهو بمصر يقول:
" والمشهور كما في الصحيحين أن أبا أيوب لما روى هذا الحديث، قال: " فلما قدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله ".
انظر صحيح البخاري، في الصلاة، حديث (394)، ومسلم، في الطهارة حديث (264).
ولقد رحل أبو أيوب - رضي الله عنه - إلى مصر من أجل حديث واحد ليسمعه من عقبة بن عامر - رضي الله عنه -.
ولكن القصة تفيد أنه لم يقم بمصر، وأنه بمجرد سماعه للحديث الذي رحل من أجله كر راجعاً إلى المدينة.
انظر " الرحلة في طلب الحديث " للخطيب البغدادي (ص118)، رقم (35،34) فيحتمل أنه نزل بمكان ما بمصر ليتوضأ، فلم يجد إلا هذه الكرابيس فقال هذا الكلام.
قال ولي الدين العراقي في شرح أبي داود لا تنافي بين الروايتين، فيمكن أنه وقع له هذا في البلدين معا، قدم كلا منهما فرأى مراحيضهما إلى القبلة... انظر شرح النسائي للسيوطي (1/22).
الأمر الثاني - قول الذهبي: " لم يخرجوه في الكتب ".
أقول:
قد خرجه النسائي كما ترى.
والثالث - قوله: " قد روى النسائي لرافع هذا حديثاً ".
أقول: وهو هذا الحديث.
وقد حصلت هنا موافقة للحافظ الذهبي مع الإمام النسائي في الإمام مالك كما حصلت هذه الموافقة للإمام ابن المنذر.
2- الطحاوي ت (321) (ط11)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (ص 808-811)، فقال:
" الإمام العلامة الحافظ صاحب التصانيف البديعة، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الحجري المصري الطحاوي الحنفي، وطحا من قرى مصر.
سمع هارون بن سعيد الأيلى، وعبد الغني بن رفاعة، ويونس بن عبد الأعلى، وعيسى بن مثرود، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر، وطبقتهم.(1/25)
روى عنه أحمد بن القاسم الخشاب، وأبو الحسن محمد بن أحمد الأخميمي، ويوسف الميانجي، وأبو بكر بن المقرىء، والطبراني، وأحمد بن عبد الوارث الزجاج ،وعبد العزيز بن محمد الجوهري قاضي الصعيد، ومحمد بن بكر بن مطروح، وآخرون، خرج إلى الشام سنة ثمان وستين ومائتين، فتفقه بالقاضي أبي خازم وبغيره.
قال ابن يونس: ولد سنة سبع وثلاثين ومائتين، وكان ثقة، ثبتا، فقيها، عاقلالم يخلف مثله.
قال الإمام الذهبي - رحمه الله -: " قلت: صنف أبو جعفر في اختلاف العلماء وفي الشروط، وفي أحكام القرآن العظيم، وكتاب معاني الآثار(1)، وهو ابن أخت المزني وأما ابن أبي عمران الحنفي، فكان قاضي الديار المصرية بعد القاضي بكار ".
قال ابن يونس: مات أبوجعفر في مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، عن بضع وثمانين سنة.
أقول:
ذكر الذهبي - رحمه الله - وفاة عدد من الأعيان منهم: شيخ مصر أبو بكر أحمد بن عبد الوارث ابن جرير الأسواني العسال.
وببغداد أبو عثمان سعيد بن محمد أخو الزبير الحافظ، وأبو الحسن محمد بن نوح الجنديسابوري أحد الأثبات، ومكحول البيروتى.
ثم روى الذهبي بإسناده إلى الطحاوي حديثين أحدهما الحديث الآتي:
" أنبأنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه، أنا عمر بن محمد، أنا محمد بن عبد الباقي أنا أبو محمد الجوهري (املاء)، نا ابن المظفر، نا الطحاوي، نا المزني، نا الشافعي نا مالك، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة أنها قالت:
" كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان ".
أقول:
__________
(1) وكتاب مشكل الآثار وهو يروى الأحاديث في مصنفاته بأسانيده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(1/26)
هذا الحديث بهذا الإسناد رواه مسلم في صحيحه، قال: حدثنا يحي بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة - رضي الله عنها - به.
فاجتمع الطحاوي مع مسلم في مالك -رحمه الله- وهذه موافقة للطحاوي وهي حاصلة للذهبي.
ورواه الإمام أحمد (6/227-228)، والترمذي في الصيام، حديث (768)، والنسائي في الصوم، حديث (2349)، كلهم من طريق عبد الله بن شقيق، عن عائشة، لا من طريق أبي سلمة.
3- ابن أبي حاتم ت (327) (ط11)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/829-832)، فقال:
" الإمام الحافظ الناقد، شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن الحافظ الكبير أبي حاتم محمد ابن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، وقيل: إن الحنظلي نسبة إلى درب حنظلة بالري، ولد سنة أربعين، وارتحل به أبوه، فأدرك الأسانيد العالية.
سمع أبا سعيد الأشج، وعلي بن المنذر الطريقي، والحسن بن عرفة، وأحمد بن سنان القطان، ويونس ابن عبد الأعلى، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وحجاج بن الشاعر، ومحمد بن حسان الأزرق، ومحمد ابن عبد الملك بن زنجويه، وابن وارة، وأبا زرعة، وخلائق بالأقاليم، لكنه لم يرحل إلى خراسان.
روى عنه حسينك التميمي، ويوسف الميانجي، وأبو الشيخ بن حيان، وعلي بن مدرك، وأبو أحمد الحاكم، وأحمد بن محمد البصير، وعبد الله بن محمد بن أسد، وحمد بن عبد الله الأصبهاني، وإبراهيم وأحمد ابنا محمد بن يزداذ، وإبراهيم بن محمد النصراباذي، وعلي بن محمد القصار، وآخرون.
قال أبو يعلى الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين، وكان زاهدا يعد من الأبدال.
قلت: كتابه في الجرح والتعديل يقضي له بالرتبة المنيفة في الحفظ، وكتابه في التفسير عدة مجلدات، وله مصنف كبير في الرد على الجهمية يدل على إمامته.(1/27)
قال علي بن أحمد الفرضي: ما رأيت أحدا ممن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط، ويروي أن أباه كان يتعجب من تعبد عبد الرحمن، ويقول: من يقوى على عبادة عبد الرحمن؟ لا أعرف له ذنبا.
قال ابن أبي حاتم:لم يدعني أبي أطلب الحديث حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان.
قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي الخطيب في ترجمة عملها لعبد الرحمن: كان - رحمه الله - قد كساه الله بهاء ونورا يسر به من نظر إليه.
سمعته يقول: رحل بي أبي سنة خمس وخمسين وما احتلمت بعد، فلما بلغنا ذا الحليفة احتلمت فسر أبي حيث أدركت حجة الإسلام.
قال: وسمعت في هذه السنة من محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ.
وسمعت علي بن أحمد الخوارزمي يحكي عن ابن أبي حاتم، قال: كنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة، نهارنا ندور على الشيوخ وبالليل ننسخ ونقابل، فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا فقالوا: هو عليل، فرأيت سمكة أعجبتنا فاشتريناها، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس بعض الشيوخ فمضينا فلم تزل السمكة ثلاثة أيام وكاد أن ينضى، فأكلناه نيا لم نتفرغ نشويه، ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد.
ثم قال أبو الحسن: رحل مع أبيه، وحج مع محمد بن حماد الطهراني سنة ستين ومائتين.
ثم رحل بنفسه إلى الشام ومصر سنة اثنتين وستين، ثم رحل إلى أصبهان سنة أربع وستين، قال لي أبو عبد الله القزويني: إذا صليت مع ابن أبي حاتم فسلم نفسك إليه يعمل بها ما شاء، قال أبو الوليد الباجي: ابن أبي حاتم ثقة، حافظ.
قلت: مات في المحرم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.
أنبأنا جماعة، قالوا: أنا ابن طبرزذ، أنا ابن الحصين، أنا ابن غيلان، أنا أبو إسحاق المزكى، أنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي، نا هارون بن حميد الواسطي، نا الفضل بن عنبسة، نا شعبة، عن الحكم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
"الجار أحق بسقب داره أو أرضه ".(1/28)
غريب جدا رواه النسائي عن خياط السنة عن هارون فوقع بدلا عاليا ".
قوله: " غريب جداً ".
يريد به الغرابة في هذا الإسناد، وذلك أن هذا الحديث من طريق عمرو بن شعيب وغيره معروف أنه عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد.
فقد رواه النسائي في السنن الكبرى (6/93)، رقم (6258) بإسناده إلى حسين المعلم، عن عمرو ابن شعيب، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم -.
ورواه في الكبرى أيضاً (10/326)، رقم (11718) من هذا الوجه: حسين المعلم، عن عمرو ابن شعيب، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه.
ورواه في هذا الموضع برقم (11723)، بإسناده إلى الوليد بن مسلم عن ابن جُرَيجٍ عن عمرو ابن شعيب، عن عمرو بن الشريد به.
وبإسناده إلى إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جُرَيجٍ، عن عمرو بن شعيب به، حديث (11724).
ثم رواه النسائي من طريق زكريا بن يحي، عن هارون بن حميد، عن الفضل بن عنبسة، عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به.
فاستغربه الذهبي من هذا الوجه.
يؤكد رأي الذهبي أن النسائي قد روى هذا الحديث بإسناده إلى المعافى بن عمران عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن يعلى، عن عمرو بن الشريد به، حديث (11719).
ورواه عن محمد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى به، حديث (11720).
وبإسناده إلى سفيان، عن يعلى بن عبد الرحمن، عن عمرو بن الشريد به، حديث (11721).
فظهر صحة ما قاله الذهبي من غرابة هذا الإسناد، والله أعلم.
قوله - رحمه الله -: " فوقع لنا بدلا عاليا " يقصد أنه وقع له نوع من أنواع العلو وهو ما يسميه أهل الحديث بالبدل، وهو الالتقاء مع صاحب الكتاب كالنسائي في شيخ شيخه.
فهذا الحديث لو رواه الذهبي من طريق أحد تلاميذ النسائي كابن السني أو حمزة الكناني، عن النسائي، عن شيخه زكريا بن يحي، عن هارون بن حميد لما وصل إلى هارون إلا بسبعة من الرواة.(1/29)
بينما هو قد وصل إليه من طريق ابن أبي حاتم بستة فقط.
4- علي بن حمشاذ ت (338) (ط 11)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/855- 856)، فقال:
" الحافظ الكبير أبو الحسن النيسابوري صاحب التصانيف، سمع الحسين بن الفضل والفضل الشعراني، والحارث بن أبي أسامة، وإبراهيم بن ديزيل، وإسماعيل القاضي وخلائق.
وعنه الحاكم وقرظه وبالغ في تعظيمه، وله المسند في أربعمائة جزء، والأحكام في مائتين وستين جزءا، والتفسير في عشر مجلدات.
روى عنه أبو أحمد الحاكم وقال: ما رأيت في مشايخنا أثبت (في الرواية والتصنيف) منه، وروى عنه ابن منده، وأبو طاهر بن محمش.
وقال ولده: ما علمت أبي ترك قيام الليل.
مات في شوال سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة - رحمه الله تعالى -.
أقول:
لم يخرج له الذهبي حديثاً، فرأيت أن أخرج له هذا الحديث الآتي، من طريق تلميذه الحاكم عنه.
قال الحاكم في المستدرك (3/422):
" حدثنا علي بن حمشاذ، حدثنا أبو المثنى، ومحمد بن أيوب، قالا: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوهاب الثقفي، حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.... الحديث.
أقول:
إن في هذا الإسناد علواً لابن حمشاذ وتلميذه الحاكم.
إذ أن مسدداً من شيوخ البخاري وأبي داود، وكانت وفاته سنة (228).
وبين علي بن حمشاذ وبين مسدد راو واحد.
وشارك شيخا ابن حمشاذ المتوفى سنة(338) البخاري وأبا داود في الرواية عن مسدد وهذه مصافحة لحمشاذ لو كان البخاري وأبو داود قد رويا هذا الحديث.
فكأنه لقيهما وصافحهما، وهذا نوع من أنواع العلو يُسمى عند أهل الحديث بالمصافحة، وللحاكم علو تبعاً لعلو شيخه.
5- ابن الأخرم أبو عبد الله النيسابوري ت (304) (ط 11)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/ 864-866)، فقال:(1/30)
" الإمام الحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري ابن الأخرم، ويعرف أبوه بابن الكرماني، ولد سنة خمسين ومائتين، وصلى على جنازة محمد بن يحيى الذهلي.
سمع علي بن الحسن الهلالي، وإبراهيم بن عبد الله السعدي، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء، ويحيى ابن محمد الذهلي حيكان، وخشنام بن الصديق، وخلائق بعدهم، لكنه ما رحل ولا سمع إلا بنيسابور.
روى عنه أبو بكر بن إسحاق الصبغي، وحسان بن محمد الفقيه، وأبو عبد الله الحاكم، ويحيى ابن إبراهيم المزكي، ومحمد بن إسحاق بن منده، وخلائق كثير، وكان من أئمة هذا الشأن.
قال الحاكم: كان صدر أهل الحديث ببلدنا بعد ابن الشرقي، يحفظ ويفهم صنف مستخرجاً على الصحيحين، وصنف المسند الكبير، وسأله أبو العباس السراج أن يخرج كتابا على صحيح مسلم ففعل.
قال الحاكم: سمعت أبا عبد الله غير مرة يقول: ذهب عمري في جمع هذا الكتاب - يعني المستخرج على كتاب مسلم - وسمعته يندم على تصنيفه المختصر الصحيح المتفق عليه، ويقول: من حقنا أن نجهد في زيادة الصحيح، إلى أن قال الحاكم: وكان أبو عبد الله من أنحى الناس، ما أخذ عليه لحن قط، وله كلام حسن في العلل والرجال.
سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: كان ابن خزيمة يقدم أبا عبد الله بن يعقوب على كافة أقرانه، ويعتمد قوله في ما يرد عليه، وإذا شك في شيء عرضه عليه.
أخبرنا أحمد بن المؤيد، أنا محمد بن إسحاق الفارسي بالقرافة، أنا أبو طاهر الحافظ، أنا أبو عبد الله الثقفي، أنا أحمد بن موسى الصيرفي، أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ سنة أربع وثلاثمائة، نا محمد ابن عبد الوهاب، نا جعفر بن عون، نا يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: " طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاِحرامه حين أحرم وطيبته بمنى قبل أن يزور البيت ".
توفي ابن الأخرم الحافظ في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.(1/31)
وفيها مات شيخ القراء ببغداد أبو الحسين أحمد بن عثمان بن ثوبان، ومحدث دمشق الزاهد أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن هاشم الأذرعي، ومسند بغداد أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك الدقاق، وفقيه مصر أبو بكر محمد بن أحمد بن الحداد الكناني شيخ الشافعية، ومسند حلب محمد ابن عيسى بن الحسن التميمي البغدادي العلاف، والمفسر المحدث العلامة أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري النيسابوري.
يقع لنا من عواليه في الثقفيات وغيرها ".
أقول:
والحديث الذي رواه الذهبي عن طريق ابن الأخرم، رواه الإمام البخاري في كتاب اللباس بنحوه، حديث (5922)، قال - رحمه الله - باب تطييب المرأة زوجها بيدها:
حدثنا أحمد بن محمد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يحيى بن سعيد، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:
" طيبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بيدي لحرمه وطيبته بمنى قبل أن يفيض ".
ورواه الإمام النسائي في سننه (5/137)، رقم (2686)، فقال:
أخبرنا حسين بن منصور بن جعفر النيسابوري، قال: أنبأنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا يحيى ابن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم به.
فقد اجتمع الإمام ابن الأخرم مع الإمامين: البخاري والنسائي في شيخ شيخ شيخهما يحيى بن سعيد الأنصاري الذي يعد من صغار التابعين، وهذا علو نادر مثله، حيث وصل ابن الأخرم إلى الأنصاري برجلين فقط، ويسمى بدلا ؛ لأنه وصل إلى الأنصاري من غير طريق البخاري والنسائي، وقد يسمى هذا النوع بالموافقة.
6- أبو بكر الشافعي ت (354) (ط 12)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/ 880- 881)، فقال:
" الإمام الحجة المفيد محدث العراق محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه البغدادي الشافعي البزاز، مولده بجبّل(1)في سنة ستين ومائتين.
__________
(1) جَبّل بفتح الجيم وتشديد الباء وضمها، بليدة بين النعمانية وواسط بالجانب الشرقي، معجم البلدان لياقوت الحموي.(1/32)
وأول سماعه سنة ست وسبعين، فسمع من موسى بن سهل الوشاء خاتمة أصحاب ابن علية، ومحمد ابن شداد المسمعي خاتمة أصحاب يحيى القطان، وأبا قلابة الرقاشي، ومحمد بن الفرج الأزرق، ومحمد ابن الجهم السمري، وعبد الله بن روح المدائني، وإسماعيل القاضي، وأبا بكر بن أبي الدنيا، ومن بعدهم فأكثر، وارتحل في الحديث إلى الجزيرة وإلى مصر، وغير ذلك، حدث عنه الدارقطني، وعمر بن شاهين وأبو علي بن شاذان، وأحمد بن عبد الله بن المحاملي، وعبد الملك بن بشران، وأبو طالب بن غيلان، وخلق كثير.
قال الخطيب: كان ثقة، ثبتا، حسن التصانيف، جمع أبوابا وشيوخا، حدثني ابن مخلد أنه رأى مجلسا قد كتب عن الشافعي في حياة ابن صاعد، وقال حمزة السهمي: سئل الدارقطني عن أبي بكر الشافعي، فقال: ثقة، مأمون، جبل، ما كان في ذلك الوقت أحد أوثق منه، وقال الدارقطني: هو الثقة المأمون الذي لم يغمز بحال.
قلت: مات في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
أنبأنا أحمد بن عبد السلام، والمسلم بن محمد، وعبد الرحمن بن محمد الفقيه، وآخرون، قالوا: أنا عمر بن محمد، أنا ابن الحصين، أنا ابن غيلان، أنا أبو بكر الشافعي بأحد عشر جزءا من حديثه، منها:
قال: حدثنا محمد بن الجهم السمري، نا يعلى ويزيد، عن إسماعيل، عن عامرأنه سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى الكعبة فمشى نصف الطريق، ثم ركب قال: قال ابن عباس: إذا كان عام قابل فليركب ما مشى، وليمش ما ركب ولينحر بدنة ".
أقول:
إن في هذا الإسناد علواً للحافظ الذهبي المتوفى سنة (748)، حيث وصل إلى أبي بكر الشافعي المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة (354) بثلاثة من الرواة.
وفيه علو لأبي بكر الشافعي، حيث وصل إلى إسماعيل بن أبي خالد المتوفى سنة (146)، وهو من صغار التابعين، حيث وصل إليه باثنين من الرواة فقط وإلى ابن عباس - رضي الله عنهما - بأربعة.
وفيه علو أيضاً للذهبي، حيث وصل إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - بسبعة من الرواة.(1/33)
7- أبو علي الحافظ ت (349) (ط12)
ترجم له الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/902-905)، فقال:
" الإمام محدث الإسلام الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري أحد جهابذة الحديث.
قال أبو عبد الله الحاكم: هو واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع، والمذاكرة والتصنيف، سمع إبراهيم بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، وعبد الله بن شيرويه، وجعفر بن أحمد الحافظ، والحسين ابن إدريس، ومحمد بن عبد الرحمن السامي، والحسن بن سفيان، ومحمد بن جعفر الكوفي القتات، وأبا خليفة الجمحي، ومحمد بن نصير مسند أصبهان، والحسن بن الفرج الغزي صاحب يحيى بن بكير، وعمران بن موسى بن مجاشع، وأبا عبد الرحمن النسائي، وأبا يعلى الموصلي، وعبدان الأهوازي، وخلائق من طبقتهم بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر والجزيرة والجبال.
مولده سنة سبع وسبعين ومائتين، وأول سماعه كان في سنة أربع وتسعين، وكان في حداثته يشتغل بالصناعة، فنصحه بعض العلماء وأشار عليه بطلب العلم لما شاهد من ذكائه.
وعن أبي علي قال: دخلت إلى هراة في سنة خمس وتسعين، وحضرت أبا خليفة وهو يهدد وكيلا له ويقول: تعود يا لكع ؟ فيقول: لا، أصلحك الله، فقال: بل أنت لا أصلحك الله، قم عني.
قال الحاكم: كنت أرى أبا علي معجبا بأبي يعلى الموصلي وبإتقانه قال: كان لا يخفى عليه من حديثه إلا اليسير، ولولا اشتغاله باستماع كتب القاضي أبي يوسف، من بشر بن الوليد لأدرك بالبصرة أبا الوليد الطيالسي وسليمان بن حرب.
قال الحاكم: كان أبو علي باقعة في الحفظ، لا يطاق مذاكرته ولا يفي بمذاكرته أحد من حفاظنا، خرج إلى بغداد ثانيا في سنة عشر، وقد صنف وجمع فأقام ببغداد وما بها أحد أحفظ منه إلا أن يكون أبو بكر الجعابي، فإني سمعت أبا علي يقول: ما رأيت ببغداد أحفظ منه، وسمعت الحافظ أبا علي يقول: كتب عني أبو محمد بن صاعد غير حديث في المذاكرة، وكتب عني ابن جوصا جملة.(1/34)
قلت: وحدث عنه أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغي، وأبو الوليد الفقيه وهما أكبر منه، وأبو عبد الله ابن منده، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو طاهر بن محمش، وأبو عبد الرحمن السلمي، وطائفة سواهم.
قال أبوبكر بن أبي دارم الحافظ: ما رأيت ابن عقدة يتواضع لأحد من الحفاظ كتواضعه لأبي علي النيسابوري.
قال الحاكم: وسمعت أبا علي يقول: اجتمعت ببغداد مع أبي أحمد العسال وأبي إسحاق بن حمزة، وأبي طالب بن نصر، وأبي بكر الجعابي، فقالوا: أمل من حديث نيسابور مجلسا، فامتنعت، فما زالوا بي حتى أمليت عليهم ثلاثين حديثا، ما أجاب واحد منهم في حديث منها سوى ابن حمزة في حديث واحد.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت أبا الحسن الدارقطني عن أبي علي النيسابوري فقال: إمام مهذب.
أنبأني المسلم بن محمد، عن القاسم بن علي، أنا أبي، أنا أخي أبو الحسين، سمعت أبا طاهر السلفي، سمعت غانم بن أحمد، سمعت أحمد بن الفضل الباطرقاني، سمعت ابن منده يقول: سمعت أبا علي النيسابوري يقول - وما رأيت أحفظ منه - قال: وما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم.
قال عبد الرحمن بن منده: سمعت أبي يقول: ما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي علي النيسابوري.
قال القاضي أبو بكر الأبهري: سمعت أبا بكر بن داود يقول لأبي علي النيسابوري: من إبراهيم، عن إبراهيم، عن إبراهيم ؟ فقال: إبراهيم بن طهمان ،عن إبراهيم بن عامر البجلي، عن إبراهيم النخعي، فقال: أحسنت يا أبا علي.
قال الحاكم: كان أبو علي يقول: ما رأيت في أصحابنا مثل الجعابي، حيرني حفظه، قال: فحكيت هذا لأبي بكر، فقال: يقول أبو علي هذا وهو أستاذي على الحقيقة.
قال الحاكم: توفي في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.
روى عنه الذهبي حديثين، الحديث الآتي أحدهما، قال:(1/35)
أخبرنا محمد بن حازم، أنا محمد بن غسان، وأخبرنا أحمد بن هبة الله، أنا زين الأمناء ( ح ) وأنا أبو علي الجوهري، أنا مكرم القرشي، قالوا: أنا سعيد بن سهل أنا علي بن أحمد المؤذن، أنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنا الحسين بن علي الحافظ، أنا محمد بن علي بن الحسن الرقي، نا سليمان ابن عمرو الرقي، نا ابن علية، نا روح بن القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ".
أقول:
في هذا الإسناد علو لأبي علي، حيث وصل إلى إسماعيل بن علية برجلين وقد اجتمع مع مسلم في روح بن القاسم شيخ شيخ شيخ مسلم، وهذا النوع من العلو يسمى بدلا، ويسمى موافقة، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي، إلا أن في هذا الإسناد سليمان بن عمرو الرقى، أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/131) وقال: كتب عنه أبي بالرقة وذكره ابن حبان في الثقات (8/280) وذكره الذهبي في تاريخ الإسلام في وفيات (241-250) وذكر أنه توفى سنة (249).
وضعف هذا الإسناد لا يؤثر على صحة المتن؛ لأنه حديث متفق عليه، ورواه الإمام مسلم في الإيمان، حديث (21)، وله شواهد رواها مسلم وغيره من طرق.
أما الراوي عنه محمد بن علي بن الحسن الرقى، فقال الدارقطني عنه: إنه ثقة، تاريخ بغداد (3/72) وذكر أن وفاته كانت في سنة (314).
8- الطبراني ت (360) (ط12)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/912-917)، فقال:(1/36)
" الحافظ الإمام العلامة الحجة بقية الحفاظ، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني مسند الدنيا، ولد سنة ستين ومائتين، وسمع في سنة ثلاث وسبعين وهلم جرا بمدائن الشام، والحرمين، واليمن، ومصر، وبغداد، والكوفة، والبصرة وأصبهان، والجزيرة، وغير ذلك، وحدث عن ألف شيخ أو يزيدون.
وصنف المعجم الكبير، وهو المسند سوى مسند أبي هريرة، فكأنه أفرده في مصنف والمعجم الأوسط في ست مجلدات كبار على معجم شيوخه، يأتي فيه عن كل شيخ بما له من الغرائب والعجائب، فهو نظير كتاب الأفراد للدارقطني، بين فيه فضيلته وسعة روايته، وكان يقول: هذا الكتاب روحي، فإنه تعب عليه، وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر.
وصنف المعجم الصغير، وهو عن كل شيخ له حديث واحد، وصنف أشياء كثيرة، وكان من فرسان هذا الشأن مع الصدق والأمانة، سمع هاشم بن مرثد الطبراني، وأبازرعة الثقفي، وإسحاق الدبري، وإدريس العطار، وبشر بن موسى، وحفص بن عمر سنجة (الف، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ومقدام ابن داود الرعيني، ويحيى بن أيوب العلاف، وأبا عبد الرحمن النسائي) وعبد الله بن محمد بن سعيد ابن أبي مريم، ونظراءهم، وحرص عليه في صباه أبوه، ورحل به، وكان يروي عن دحيم وغيره.
مولد الطبراني بعكا في صفر من سنة ستين، وأمه عكاوية.
وله كتاب الدعاء في مجلد كبير، وكتاب المناسك، وكتاب عشرة النساء وكتاب السنة، وكتاب الطوالات، وكتاب النوادر، وكتاب دلائل النبوة، وكتاب مسند شعبة، وكتاب مسند سفيان، وعمل أسانيد جماعة من الكبار، وله كتاب حديث الشاميين، وكتاب الأوائل، وكتاب الرمي، وله تفسير كبير وأشياء لم نقف عليها.(1/37)
حدث عنه أبو خليفة الجمحي، وابن عقدة، وأحمد بن محمد الصحاف، وهؤلاء من شيوخه، وأبو بكر بن مردويه، والفقيه أبو عمر محمد بن الحسين البسطامي، والحسين بن أحمد بن المرزبان، وأبو بكر بن أبي علي الذكواني، وأبو الفضل محمد بن أحمد الجارودي، وأبو نعيم الحافظ، وأبو الحسين ابن فادشاه، ومحمد بن عبيد الله بن شهريار، وعبد الرحمن بن أحمد الصفار، وأبو بكر بن ريذة خاتمة أصحابه، وبقي بعده عامين عبد الرحمن بن الذكواني يروي عنه بالإجازة.(1/38)
ذكر تواليف الطبراني - سماها ولم ير أكثرها - الحافظ يحيى بن منده:معجمه، مائتا جزء. معجمه الأوسط، ثلاث مجلدات. معجمه الصغير، مجلد. مسند العشرة، ثلاثون جزءا. مسند الشاميين، مجلدات. النوادر، مجلد. معرفة الصحابة، مجلد. فوائده، عشرة أجزاء. مسند أبي هريرة، كبير. مسند عائشة. التفسير، كبير. دلائل النبوة، مجلد. (الدعاء) السنة، مجلد. الطوالات، مجلد. حديث شعبة، مجلد. حديث الأعمشة، مجلد. الأوزاعي، مجلد. شيبان، مجلد. أيوب، مجلد. عشرة النساء، جزء. مسند أبي ذر، جزءان. الرؤية، جزء. الجود، جزء،. (العلم) الألوية، جزء. فضل رمضان، جزء. الفرائض، جزء. الرد على المعتزلة، جزء. الرد على الجهمية، جزء. مكارم الأخلاق، العزاء، جزء. الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - جزء. المأموم، جزء. الغسل، جزء. فضل العلم، جزء. ذم الرأي، جزء. تفسير الحسن، جزءان. الزهري عن أنس، جزءان. ابن المنكدر عن جابر، جزء. مسند أبي إسحاق السبيعي. حديث يحيى بن أبي كثير. حديث مالك بن دينار. ما روى الحسن عن أنس. حديث ربيعة. حديث حمزة الزيات. حديث مسعر. حديث أبي سعد البقال. طرق حديث من كذب علي، جزء. النوح، جزء. مسند ابن جحادة. من اسمه عباد. من اسمه عطاء. من اسمه شعبة. أخبار عمر بن عبد العزيز. (عبد العزيز ابن) رفيع. مسند روح بن القاسم. فضل عكرمة. أمهات النبي - صلى الله عليه وسلم -. مسند عمارة ابن غزية، وطلحة بن مصرف، وجماعة.مسند العبادلة، كبير. أحاديث أبي عمرو بن العلاء. غرائب مالك، جزء. أبان بن تغلب، جزء. حريث بن أبي مطر. وصية أبي هريرة. مسند الحارث العكلي. فضائل الأربعة الراشدين، جزءان. مسند ابن عجلان.كتاب الأشربة. كتاب الطهارة. كتاب الأمارة. عشرة النساء. مسند أبي أيوب الإفريقي. مسند زياد الجصاص. مسند زافر، وأشياء عدة.
قال الذكواني: سئل الطبراني عن كثرة حديثه، فقال: كنت أنام على البواري ثلاثين سنة.(1/39)
قال أبو نعيم: دخل الطبراني أصبهان سنة تسعين وسمع وسافر، ثم قدمها فاستوطنها ستين سنة، وقال ابن مردويه: قدم الطبراني سنة عشر، فقبله أبو علي بن رستم العامل وضمه إليه وجعل له معلوما من دار الخراج، وكان يتناوله إلى أن مات.
قال أبو عمر بن عبد الوهاب السلمي: سمعت الطبراني: لما قدم ابن رستم من فارس أعطاني خمسمائة درهم، فلما كان في آخر أمره أخذ يتكلم في أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ببعض الشيء فخرجت، ولم أعد إليه بعد.
قال ابن فارس صاحب اللغة: سمع الأستاذ ابن العميد يقول: ما كنت أظن في الدنيا كحلاوة الوزارة والرياسة التي أنا فيها حتى شاهدت مذاكرة الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، وكان الطبراني يغلبه بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلبه بفطنته حتى ارتفعت أصواتهما، إلى أن قال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: هات قال: أنا أبو خليفة، أنا سليمان بن أيوب (وحدث بحديث)، فقال (الطبراني): أنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة، فاسمعه مني عاليا، فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارةلم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه.(1/40)
أخبرنا ابن أبي الخير وجماعة كتابة، عن أبي جعفر محمد بن أحمد الصيدلاني، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، أنا ابن ريذة، أنا أبو القاسم الطبراني، نا عبد الله بن محمد بن أبي مريم، نا الفريابي، نا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن أبيه أن امرأة خرجت على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تريد الصلاة فلقيها رجل فقضى حاجته منها، فصاحت فانطلق فمر عليها رجل فقالت: ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا، فأخذوا ذاك الرجل الذي ظنت، فقالوا: هذا ؟ قالت: نعم، هو هذا، فأتوا به إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلما أمر به، قام صاحبها الذي وقع عليها، فقال: أنا صاحبها، فقال: " ادن مني فقد غفر الله لك، وقال للآخر قولا حسنا، فقالوا: أنرجمه ؟ فقال: لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة قبل منهم ".
هذا حديث منكر جداً على نظافة إسناده، صححه الترمذي ورواه عن الذهلي عن محمد بن يوسف فوقع لنا بدلا عاليا ".
أقول:
1- استنكر الحافظ الذهبي هذا الحديث بهذا السياق الذي يدل على عدم ضبط راويه وقلبه لبعض معانيه، ومخالفته للنصوص الصحيحة وما تضمنته من فقه تلك النصوص الدالة على وجوب إقامة الحد على الزاني ولو تاب.
... كما في حديث ماعز والغامدية، وكذلك وجوب إقامة الحد على السارق لا سيما إذا أحضر لدى الإمام أو نائبه.
... وكذلك وجوب إقامة الحد على القاذف والمحارب إن قدر عليه قبل توبته.
... وفيه مع الأسف دعوى أمر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم – وحاشاه- برجم الرجل الذي أغاث المرأة بمجرد دعواها أنه زنى بها بدون اعتراف منه أو أربعة شهود كما في قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ( النور 4).(1/41)
2- نعم وقع للذهبي علو في هذا الإسناد، وهو ما يسمى بدلاً عند المحدثين وهو الوصول بالإسناد العالي إلى مثل شيخ المصنف(1)، والمصنف هنا هو الإمام الترمذي الذي روى هذا الحديث عن محمد ابن يحيى النيسابوري، عن محمد بن يوسف الفريابي، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق به.
ووقع العلو أيضاً للطبراني المتوفى سنة (360هـ) في هذا الإسناد، حيث وصل إلى الفريابي بواسطة راو واحد وهو ابن أبي مريم، كما وصل إليه الترمذي المتوفى سنة (279هـ) براو واحد ألا وهو محمد بن يحيى النيسابوري، ولو روى الطبراني الحديث من طريق الترمذي لما وصل إلى الفريابي إلا باثنين.
وللذهبي أيضاً علو آخر إلى الإمام الطبراني حيث وصل إليه بعدد قليل وهم أربعة.
3- يؤخذ على الذهبي قوله: بنظافة هذا الإسناد.
وقد قال ابن عدي في أحد رجال هذا الإسناد، وهو عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم: مصري يحدث عن الفريابي بالبواطيل، وساق من طريقه حديثاً أخطأ في إسناده ومتنه، ثم قال:" فأحسنا ظننا بابن أبي مريم أنه دخل له حديث في حديث إن لم يكن تعمد.
وساق ابن عدي بعض منكرات ابن أبي مريم.
ثم قال: وعبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم إما أن يكون مغفلاً لا يدري ما يخرج من رأسه أو يتعمد، فإني رأيت له غير حديث مما لم أذكره -أيضاً- ها هنا غير محفوظ، انظر الكامل لابن عدي (4/255-256 ).
وقد ضعف الذهبي نفسه ابن أبي مريم في المغني (1/353)، رقم (3328) وفي الميزان ( 2/491)، وانظر لسان الميزان (4/118)،حيث قال في ترجمته: قال ابن عدي: " يحدث بالأباطيل فإما أن يكون مغفلاً أو أنه يتعمد ".
__________
(1) أو إلى شيخ شيخ المصنف.(1/42)
وهذا الحديث أورده النسائي في السنن الكبرى (6/474-475)، قال -رحمه الله- بعد أن ساق حديثاً من طريق أبي أمامة بن سهل في قصة امرأة شبيهة بهذه القصة، ثم ساق رواية علقمة بن وائل من طريق محمد بن يحيى بن محمد الحراني، عن عمرو بن حماد بن طلحة القناد، عن أسباط بن نصر، عن سماك، عن علقمة بن وائل به.
ثم قال: أجودها حديث أبي أمامة مرسل.
وفي هذا الإسناد أسباط بن نصر، توقف فيه أحمد كما في العلل له ( 1594) وقال الذهبي في الكاشف: توقف فيه أحمد.
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: "صدوق كثير الخطأ يغرب ".
وفيه عمرو بن حماد الكوفي، قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق رمي بالرفض، وقال فيه الذهبي في الكاشف: صدوق يترفض.
والحديث رواه الإمام الترمذي في سننه في الحدود ، باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنى (3/122-123)، رقم (1454)، قال: " حدثنا محمد بن يحيى النَّيْسَابُورِيُّ، قال: حدثنا محمد ابن يُوسُفَ، عن إِسْرَائِيلَ قال: حدثنا سِمَاكُ بن حَرْبٍ، عن عَلْقَمَةَ بن وَائِلٍ الْكِنْدِيِّ، عن أبيه ؛ أَنَّ امْرَأَةً خَرَجَتْ على عَهْدِ رسول اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تُرِيدُ الصَّلاةَ، فَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ فتجللها فَقَضَى حَاجَتَهُ منها فَصَاحَتْ فَانْطَلَقَ، وَمَرَّ عليها رَجُلٌ، فقالت: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا وَمَرَّتْ بِعِصَابَةٍ من الْمُهَاجِرِينَ، فقالت: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا، فَانْطَلَقُوا فَأَخَذُوا الرَّجُلَ الذي ظَنَّتْ أَنَّهُ وَقَعَ عليها وَأَتَوْهَا، فقالت: نعم هو هذا، فَأَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فلما أَمَرَ بِهِ لِيُرْجَمَ، قام صَاحِبُهَا الذي وَقَعَ عليها، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ أنا صَاحِبُهَا، فقال: لها " اذهبي فَقَدْ غَفَرَ الله لَكِ".(1/43)
وقال لِلرَّجُلِ قَولاً حَسَنًا، وقال لِلرَّجُلِ الذي وَقَعَ عليها: " ارْجُمُوهُ". وقال: " لقد تَابَ تَوْبَةً لو تَابَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَقُبِلَ منهم".
قال أبو عِيسَى: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ(1) غَرِيبٌ صَحِيحٌ، وَعَلْقَمَةُ بن وَائِلِ بن حُجْرٍ سمع من أبيه وهو أَكْبَرُ من عبد الْجَبَّارِ بن وَائِلٍ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ لم يَسْمَعْ من أبيه.
أقول:
حديث الترمذي حسن إلا قوله في حق الرجل الذي أغاث المرأة: " فلما أمر به ليرجم" فإن هذا وهم دون شك ؛ لأنه يعارض ما سبق ذكره من النصوص.
9 – أبو بكر الآجري ت (360) (ط12)
ترجم له الحافظ الذهبي في التذكرة (3/936)، فقال:
" الإمام المحدث القدوة أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي مصنف كتاب الشريعة في السنة، والأربعين، وغير ذلك.
سمع أبا مسلم الكجي، وأبا شعيب الحراني، وخلف بن عمرو العكبري، وأحمد بن يحيى الحلواني، وجعفرا الفريابي، وطائفة سواهم.
روى عنه أبو الحسن الحمامي، وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وأبو الحسين بن بشران، وأخوه أبو القاسم، وأبو نعيم الحافظ، وخلق كثير من الحجاج والمغاربة.
وكان مجاورا بمكة، وكان عالما عاملا صاحب سنة وإتباع.
قال الخطيب: كان دّينا ثقة له تصانيف، توفي بمكة في المحرم سنة ستين وثلاثمائة -رحمة الله عليه-.
" أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، أنا زين الأمناء الحسن بن محمد، أنا المبارك بن علي البزاز سنة سبع وخمسين وخمسمائة، أنا علي بن محمد العلاف، أنا عبد الملك بن محمد، أنا أبو بكر الآجري، نا أبو بكر محمد بن الليث الجوهري، نا محمد بن عبيد المحاربي، نا قبيصة بن الليث الأسدي، عن مطرف ابن طريف، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي -رضي الله عنه- قال:
__________
(1) من أجل سماك وعلقمة فإنهما صدوقان من رجال مسلم والأربعة وبقية الإسناد ثقات.(1/44)
نهى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يرفع الرجل صوته بالقراءة قبل العتمة وبعدها ".
أقول:
1- هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/90)، رقم (663)، قال - رحمه الله-: " حدثنا خلف، حدثنا خالد، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي -رضي الله عنه- به.
ورواه في (2/148)، رقم (752)، قال: حدثنا يزيد (يعني ابن هارون) عن خالد به.
وفي إسناده الحارث بن عبد الله الأعور وهو ضعيف.
2- في هذا الإسناد علو للإمام الآجري بالنسبة للإمام أحمد، حيث اجتمع بالإمام أحمد في شيخ شيخ شيخه ألا وهو مطرف بن طريف وذلك كما ترى أن الآجري قد وصل إلى مطرف بثلاثة من الرواة فقط في حين أن الإمام أحمد وصل إليه باثنين(1).
3- لهذا الحديث شاهدان صحيحان لمعناه، الأول عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- رواه الإمام أحمد في مسنده (3/94)، قال:
حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، قال:
" اعتكف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قبة له، فكشف الستور، وقال: ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة، أو قال بالصلاة ".
وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (2/498)، رقم (4216) عن معمر به.
وأخرجه أبو داود في سننه (2/83)، في الصلاة، حديث (1332)، قال: حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق به.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى(3/11)، قال:
" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أبنا الحسن يعقوب العدل، حدثنا الحسين بن محمد بن زياد، حدثنا محمد بن رافع، حدثنا محمد بن يحيى، قال: أبنا عبد الرزاق به.
والشاهد الآخر عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/36)، قال - رحمه الله -:
__________
(1) وهذا العلو من نوع البدل، وهو حاصل للذهبي.(1/45)
حدثنا إبراهيم بن خالد، ثنا رباح، عن معمر، عن صدقة المكي، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - اعتكف وخطب الناس فقال: " أما إن أحدكم إذا قام في الصلاة فإنه يناجي ربه، فليعلم أحدكم ما يناجي ربه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة في الصلاة ".
وإسناده صحيح، صدقة المكي هو صدقة بن يسار المكي ثقة، وإبراهيم بن خالد هو الصنعاني ثقة، ورباح هو ابن زيد الصنعاني ثقة.
10- الإسماعيلي ت (371) (ط12)
ترجم له الحافظ الذهبي في التذكرة (3/947-951)، فقال:
" الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلي الجرجاني كبير الشافعية بناحيته.
ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، وسمع سنة تسع وثمانين وبعدها من إبراهيم بن زهير الحلواني، وحمزة ابن محمد الكاتب، ويوسف بن يعقوب القاضي، وأحمد بن محمد بن مسروق، ومحمد بن يحيى المروزي، والحسن بن علويه، وجعفر بن محمد الفريابي، ومحمد بن عبد الله الحضرمي، وابن أبي شيبة(1)، ومحمد ابن الحسن بن سماعة، وأبي خليفة الجمحي، وبهلول بن إسحاق الأنباري، وعبدان، وأبي يعلى وابن خزيمة، وخلق.
وله معجم مروي(2)، وصنف الصحيح وأشياء كثيرة من جملتها مسند عمر - رضي الله عنه- هذبه في مجلدين، طالعته وعلقت منه وابتهرت بحفظ هذا الإمام وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة.
حدث عنه الحاكم والبرقاني، وحمزة السهمي، وأبو حازم العبدوي، والحسين بن محمد الباساني، وأبو الحسن محمد بن علي الطبري، والحافظ أبو بكر محمد بن إدريس الجرجائي، وعبد الواحد بن منير المعدل، وسبط الإسماعيلي أبو عمر، وعبد الرحمن بن محمد الفارسي، وخلق سواهم.
__________
(1) ابن أبي شيبة هنا هو محمد بن عثمان بن أبي شيبة الذي توفي سنة سبع وتسعين ومائتين عن نيف وثمانين سنة، الميزان (3/643).
(2) وهو مطبوع في مجلدين، نشر مكتبة العلوم والحكم.(1/46)
قال حمزة بن يوسف، سمعت الدارقطني يقول: كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الإسماعيلي فلم أرزق.
قال حمزة: وسمعت أبا محمد الحسن بن علي الحافظ بالبصرة يقول: كان الواجب للشيخ أبي بكر أن يصنف لنفسه سننا ويختار ويجتهد، فإنه كان يقدر عليه لكثرة ما كان كتب ولغزارة علمه وفهمه وجلالته، وما كان ينبغي له أن يتقيد بكتاب محمد بن إسماعيل فإنه كان أجل من أن يتبع غيره أو كما قال.
قال الحاكم: كان الإسماعيلي واحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء، أجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء، ولا خلاف بين علماء الفريقين وعقلائهم فيه.
قال حمزة السهمي: سألني الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات بمصر عن الإسماعيلي وسيرته وتصانيفه، فكنت أخبره بما صنف من الكتب، وجمع من المسانيد والمقلين، وتخريجه على كتاب البخاري، وجميع سيرته، فيعجب من ذلك، وقال: لقد كان رزق من العلم والجاه والصيت الحسن.
قال حمزة: وسمعت جماعة منهم الحافظ ابن المظفر يحكون جودة قراءة أبي بكر، وقالوا: كان مقدما في جميع المجالس، كان إذا حضر مجلسا لا يقرأ غيره.
قلت: وقال أبو بكر في معجمه: كتبت في صغري الإملاء بخطي في سنة ثلاث وثمانين ومائتين ولي يومئذ ست سنين، فهذا يدلك على أن أبا بكر حرص عليه أهله في الصغر وقد أخذ عنه الفقه ولده أبو سعد وعلماء جرجان.
أخبرنا إسماعيل بن عميرة المقدسي، أنا أبو محمد الفقيه، أنا مسعود بن عبد الواحد، أنا صاعد ابن سيار، أنا علي بن محمد الجرجاني، أنا حمزة بن يوسف الحافظ، أنا الإسماعيلي، قال:
" اعلموا - رحمكم الله - أن مذهب أهل الحديث الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله، وما صحت به الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا معدل عن ذلك.(1/47)
ويعتقدون أن الله مدعو بأسمائه الحسنى، موصوف بصفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها نبيه، خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان بلا اعتقاد كيف، واستوى على العرش بلا كيف، وذكر سائر الاعتقاد.
قال القاضي أبو الطيب الطبري: رحلت قاصدا إلى أبي بكر وهو حي فمات قبل أن ألقاه.
قال حمزة: وسمعته يقول: لما ورد نعي محمد بن أيوب الرازي بكيت وصرخت ومزقت القميص ووضعت التراب على رأسي(1)، فاجتمع علي أهلي وقالوا: ما أصابك؟ قلت: نعي إليّ محمد بن أيوب، منعتموني الارتحال إليه، قال: فسلّوني وأذنوا لي في الخروج وأصحبوني خالي إلى نسا إلى الحسن ابن سفيان، ولم يكن هاهنا شعرة، وأشار إلى وجهه.
قلت: كان موت محمد بن أيوب بن الضريس في سنة أربع وتسعين، ولا يسد مسده الحسن في العلو، نعم: لقي بالعراق نظراءه، قال: وخرجت إلى العراق في سنة ست وتسعين في صحبة بعض أقربائي.
وقال حمزة السهمي: سمعت الإسماعيلي: كتبت بخطي عن أحمد بن خالد الدامغاني إملاء في سنة ثلاث وثمانين ومائتين وأنا ابن ست سنين، ولا أذكر صورته.
قلت: قد جمع مع إمامته في علم الحديث والفقه رفعة الأسانيد والتفرد ببلاد العجم.
وقال حمزة: مات في رجب في غرته من سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة عن أربع وتسعين سنة.
قلت: وفيها مات شيخ القراء أبو العباس الحسن بن سعيد المطوعي بأصطخر، عن مائة وسنتين، ومفتي القيروان أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن التبان المالكي، والعلامة القدوة أبو زيد محمد بن أحمد المروزي شيخ الشافعية، والقدوة أبو عبد الله محمد بن خفيف الصوفي شيخ بلاد فارس - رحمة الله عليهم أجمعين -.
__________
(1) أقول : غفر الله له، لعله فعل هذا قبل أن يعلم بتحريمه.(1/48)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن العدل، أنا أبو محمد بن قدامة سنة ست عشرة وستمائة، أنا محمد ابن عبد الباقي، أنا أبو الفضل بن خيرون، ح وأخبرنا إسماعيل، أنا أبو محمد، أنا يحيى بن ثابت بن بندار، أنا أبي، قالا: أنا أبو بكر البرقاني، نا أبو بكر الإسماعيلي، نا محمد بن يحيى بن سليمان، نا عاصم بن علي، نا شعبة، عن الحكم، عن ذر، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال:
جاء رجل إلى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء، فقال عمار بن ياسر: أما تذكر أنّا كنا في سرية فأجنبت أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ،
فقال: " إنما كان يكفيك هكذا وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه" .
أخرجه الشيخان من وجوه عن شعبة هكذا، ورواه النضر بن شميل، عن شعبة، عن الحكم ويقول الحكم فيه: وقد سمعته من ابن عبد الرحمن بن أبزى، وزاد فيه، فقال عمر: اتق الله يا عمار، فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت لما جعل الله علي من حقك لا أحدث به أحدا.
قال بعضهم: كيف ساغ لعمار أن يقول مثل هذا ؟ أفيحل له كتمان العلم ؟ والجواب: أن هذا ليس من كتمان العلم فإنه حدث به، واتصل ولله الحمد بنا وحدث في مجلس أمير المؤمنين وإنما لاطف عمر بهذا لعلمه بأنه كان ينهى عن الإكثار من الحديث خوف الخطأ، ولئلا يتشاغل الناس به عن القرآن ".
أقول:
نعم أخرجه الشيخان من وجوه.
أما البخاري فعن آدم قال: حدثنا شعبة عن الحكم به.
ثم أخرجه عن حجاج قال: أخبرنا شعبة به.
ثم أخرجه عن سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة به.
ثم أخرجه عن محمد بن كثير عن شعبة به.
ثم أخرجه عن مسلم عن شعبة به.
ثم أخرجه عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة به.
انظر التيمم أحاديث الأرقام الآتية: (338، 339، 340، 341، 342، 343).(1/49)
ففيه علو للإسماعيلي بالبدل في خمس طرق، حيث وصل إلى شيخ شيخ البخاري، وهو شعبة بواسطة اثنين فقط، وهما محمد بن يحيى وعاصم بن علي، وهذا العلو حاصل للذهبي.
وفيه علو للذهبي المتوفى سنة (748)، حيث وصل إلى الإسماعيلي المتوفى سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة بأربعة من الرواة فقط.
وأخرجه مسلم في صحيحه في باب التيمم، حديث (368) عن عبد الله بن هاشم العبدي، عن يحيى ابن سعيد القطان، عن شعبة.
وعن إسحاق بن منصور، عن النضر بن شميل، عن شعبة.
فوقع للإسماعيلي بدلاً عالياً جداً، حيث وصل بإسناده إلى شعبة باثنين كما وصل مسلم إلى شعبة باثنين.
وأخرجه أبو داود في سننه، في الطهارة، حديث (325،326) من طريقين عن علي بن سهل الرملي، حدثنا حجاج يعني - الأعور- عن شعبة.
وعن مسدد عن يحيى بن سعيد عن شعبة.
فوقع للإسماعيلي بدلاً عالياً جداً مع أبي داود كما وقع له مع مسلم، وهذا العلو حاصل للذهبي.
11 - الحافظ الدارقطني ت (385) (ط12)
ترجم له الذهبي في التذكرة (3/991-995)، فقال:
" الإمام شيخ الإسلام حافظ الزمان أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الحافظ الشهير صاحب السنن، مولده سنة ست وثلاثمائة.
وسمع البغوي، وابن أبي داود، وابن صاعد، والحضرمي، وابن دريد، وابن نيروز، وعلي بن عبد الله ابن مبشر، ومحمد بن القاسم المحاربي، وأبا علي محمد بن سليمان المالكي، وأبا عمر القاضي، وأبا جعفر أحمد بن البهلول، وابن زياد النيسابوري، وبدر بن الهيثم القاضي، وأحمد بن القاسم الفرائضي، وأبا طالب الحافظ، وخلائق ببغداد والبصرة والكوفة وواسط.
وارتحل في كهولته إلى مصر والشام، وصنف التصانيف ( الفائقة).(1/50)
حدث عنه الحاكم، وأبو حامد الإسفرايينى، وتمام الرازي، والحافظ عبد الغني الأزدي، وأبو بكر البرقاني، وأبو ذر الهروي، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو محمد الخلال وأبو القاسم بن المحسن، وأبو طاهر ابن عبد الرحيم، والقاضي أبو الطيب الطبري، وأبو بكر بن بشران، وأبو القاسم حمزة السهمي، وأبو محمد الجوهري، وأبو الحسين بن الآبنوسي، وعبد الصمد بن المأمون، وأبو الحسين بن المهتدى بالله، وأمم سواهم.
قال الحاكم: صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماما في القراء والنحويين، وأقمت في سنة سبع وستين ببغداد أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا، فصادفته فوق ما وصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ، وله مصنفات يطول ذكرها، فأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله.
وقال الخطيب: كان فريد عصره وإمام وقته، وانتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة وصحة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم كالقراءات فإن له فيها مصنفا سبق فيه إلى عقد الأبواب قبل فرش الحروف، وتأسى القراء به بعده ومن ذلك المعرفة بمذاهب الفقهاء، بلغني أنه درس الفقه على أبي سعيد الإصطخرى ومنها المعرفة بالآداب والشعر، فقيل كان يحفظ دواوين جماعة، وحدثني حمزة بن محمد بن طاهر أنه كان يحفظ ديوان السيد الحميري، ولهذا نسب إلى التشيع.
قال ابن الذهبي: ما أبعده من التشيع.
قال الخطيب: وحدثني الأزهري، قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار وقعد ينسخ جزءا والصفار يملى، فقال رجل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال: فهمى للإملاء خلاف فهمك، أتحفظ كم أملى الشيخ؟ قال: لا أدري، قال: أملى ثمانية عشر حديثاً، الحديث الأول عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا، والثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا وكذا، ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس منه أوكما قال.(1/51)
قال رجاء بن محمد المعدل: قلت للدارقطني: هل رأيت مثل نفسك؟ فقال: قال الله تعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ)؛ فألححت عليه، فقال:لم أر أحدا جمع ما جمعت.
وقال أبو ذر الحافظ، قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو لم ير مثل نفسه، فكيف أنا؟ رواها الخطيب (أبو بكر ) في تاريخه، عن أبي الوليد الباجى، عن أبي ذر.
وكان عبد الغني إذا ذكر الدارقطني قال: أستاذى.
قال القاضى أبو الطيب الطبري: الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث.
وقال الخطيب: قال لي أبو القاسم الأزهري: كان الدارقطني ذكيا إذا ذكر شيئا من العلم أي نوع كان وجد عنده منه نصيب وافر، لقد حدثني محمد بن طلحة النعالي أنه حضر مع الدارقطني دعوة، فجرى ذكر الأكلة، فاندفع الدارقطني يورد نوادر الأكلة حتى قطع أكثر ليلته بذلك.
قال الأزهري: رأيت الدارقطني أجاب ابن أبي الفوارس عن علة حديث، أو اسم، فقال: يا أبا الفتح ليس بين الشرق والغرب من يعرف هذا غيري.
قال الخطيب في ترجمة الدارقطني: سألت البرقاني: هل كان أبو الحسن يملي عليك العلل من حفظه؟ قال: نعم، وأنا الذي جمعتها وقرأها الناس من نسختي.
وحدثنا العتيقي، قال: حضرت مجلس الدارقطني، وجاءه أبو الحسن البيضاوي برجل غريب وسأله أن يملى عليه أحاديث، فأملى عليه من حفظه مجلسا يزيد أحاديثه على العشرين متون جميعها: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة.
فانصرف الرجل ثم جاءه بعد وقد أهدى له شيئا، فقربه إليه فأملى عليه من حفظه سبعة عشرة حديثا متونها: إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه.
قلت: هنا يخضع للدارقطني ولسعة حفظه الجامع لقوة الحافظة، ولقوة الفهم والمعرفة، وإذا شئت أن تبين براعة هذا الإمام (الفرد) فطالع العلل له، فإنك تندهش ويطول تعجبك.
قال السلمي: سمعت الدارقطني يقول: ما شيء أبغض إلى من الكلام.(1/52)
قال ابن طاهر: اختلفوا ببغداد، فقال قوم: علي أفضل من عثمان -رضي الله عنهما – فتحاكموا إلى الدارقطني، قال: فأمسكت، وقلت: الإمساك خير، ثم لم أر لدينى السكوت، وقلت: عثمان أفضل لاتفاق جماعة أصحاب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على هذا، وهو قول أهل السنة، وهو أول عقد (يحل) من الرفض.
قال ابن طاهر: للدارقطني مذهب خفي في التدليس، يقول فيما لم يسمعه من البغوي: قرئ على أبي القاسم البغوي، حدثكم فلان، قال يوسف القواس: كنا نمر إلى البغوي والدارقطني صبي يمشى خلفنا بيده رغيف عليه كامخ.
قال: أبو ذر الحافظ: سمعت أن الدارقطني قرأ كتاب النسب على مسلم العلوي، فقال له الأديب المعيطي: أنت يا أبا الحسن أجرأ من خاصى الأسد، تقرأ مثل هذا الكتاب مع ما فيه من الشعر والأدب فلا يؤخذ عليك فيه لحنة؟ حكاها الخطيب عن الأزهري، فقال: مسلم بن عبيد الله العلوي كان يروى الكتاب عن الخضر بن داود عن الزبير.
قال عبد الغني: أحسن الناس كلاماً على الحديث ابن المديني في زمانه، وموسى بن هارون في وقته، والدارقطني في وقته.
الصوري: سمعت رجاء بن محمد يقول:كنا عند الدارقطني وهو يصلي، فقرأ القارىء نسير ابن ذعلوق، فصيره بشيراً، فسبح الدارقطني، فقال: بُشير، فسبح الدارقطني، فقال: يسير، فتلا الدارقطني (نون والقلم)، وحكى حمزة نحوها وأن القارىء قرأ عمرو بن سعيد، فسبح الدارقطني، فوقف القارىء فتلا (يا شعيب أصلوتك تأمرك).
قال الخطيب: حدثني أبو نصر بن ماكولا، قال: رأيت كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة فقيل لي: ذلك يدعى الإمام في الجنة.
قلت: أخذ الدارقطني الحروف عن ابن مجاهد، وتلا على النقاش (وابن ثوبان)، وأحمد بن محمد الديباجي، وعلى بن ذاويه القزاز، وتصدّر في آخر أيامه للاقراء أيضا.
توفى في ثامن ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.(1/53)
أخبرنا إبراهيم بن علي الفقيه إجازة، أنا داود بن ملاعب، أنا محمد بن عمر القاضى، أنا عبد الصمد ابن علي، ( أنا علي بن عمر الحافظ نا علي ) بن عبد الله بن مبشر، نا محمد بن حرب النشائى، نا علي ابن يزيد الصدائي، عن فطر، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن علقمة، قال:
قال علي: عهد إلي النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " أن الأمة ستغدر بك من بعدي ".
وبه قال الدارقطني: غريب من حديث أبي عمران، عن أبي شبل عن علي -رضي الله عنه-، تفرد به حكيم، وتفرد به عنه (فطر بن) خليفة، وتفرد به علي الصدائي، عن فطر، ولا نعلم حدث به غير محمد ابن حرب، ولم نكتبه إلا عن شيخنا، وكان ثقة".
أقول:
هذا الحديث شديد الضعف كما أشار إلى ذلك الذهبي عن الدارقطني.
إن هذا الحديث وإن كان فيه علو للدارقطني والذهبي، فإنه لا يفرح به، إذ في إسناده حكيم ابن جبير.
قال الذهبي في الميزان (1/583): " قال: أحمد: ضعيف منكر الحديث ".
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال الدارقطني: "متروك".
وقال الجوزجاني كذاب.
وتكلم فيه غير هؤلاء.
وفيه علي بن يزيد الصدائي، قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث عن الثقات وقال ابن عدي: أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات، إما أن يأتي بإسناد لا يتابع عليه، أو بمتن عن الثقات منكر.
قال الذهبي: قلت: وله حديث باطل وساق له حديثاً عن علي " من صام يوما من رجب كتب الله له صوم ألف سنة " الميزان (3/162).
وفيه فطر بن خليفة، قال فيه ابن معين: " ثقة شيعي" وقال أحمد: كان فطر عند يحيى ثقة، ولكنه خشبي، وقال الجوزجاني: زائغ غير ثقة.
وحيث كان قصد الذهبي من إخراجه إثبات العلو المشار إليه كما يظهر، وكان هذا حال هذا الحديث وحال رواته، فإني رأيت أن أختار حديثاً صحيحاً مشهوراً للدارقطني يتحقق به القصد وهو الحديث الآتي:
قال الإمام الدارقطني في كتاب الطهارة (ص 13- 17):(1/54)
حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل، ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثنا أبو أسامة، ح وثنا أحمد بن علي بن المعلي، ثنا أبو عبيدة بن أبي السفر، ثنا أبو أسامة ح وثنا أبو عبد الله المعدل أحمد ابن عمرو بن عثمان بواسط، أنا محمد بن عبادة، ثنا أبو أسامة، ح وثنا أبو بكر عبد الله بن محمد ابن زياد النيسابوري، ثنا حاجب بن سليمان، ثنا أبو أسامة، قال ثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر ابن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: سئل رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن الماء يكون بأرض الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: " إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ".
وقال ابن أبي السفر: لم يحمل الخبث، وقال ابن عبادة مثله، ثم ساقه من طرق أخرى تدور كلها على أبي أسامة، بلغ مجموعها مع هذه الطرق خمسة عشرة طريقاً يصل في معظمها إلى أبي أسامة باثنين اثنين.
وقد روى هذا الحديث أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي المتوفى سنة (255) في سننه، حديث (728)، قال: حدثنا يحيى بن حسان، ثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير نحوه.
فوافق الدارقطني أبا محمد الدارمي في شيخ شيخه، وهذا علو يسمى بدلاً كما سلف بيانه.
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (1/262)، رقم (1533)، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد ابن كثير نحوه.
فحصل للدارقطني العلو المسمى بالموافقة، حيث وصل إلى شيخ أبي بكر من غير طريقه، وهذا علو متفوق كان يشد المحدثون إلى مثله الرحال.
ورواه أبو داود ( 1/51 )، رقم (63)، فقال: حدثنا محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة، والحسن بن علي، وغيرهم، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير به.
والنسائي (1/175)، رقم (328)، قال: أخبرنا الحسين بن حريث المروزي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير به.(1/55)
ورواه الترمذي في سننه (1/108)، رقم (66)، قال: حدثنا هناد، والحسن بن علي الخلال، وغير واحد، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير به.
فحصل للدارقطني بدل عال وافق هؤلاء الأئمة الثلاثة في شيخ شيخهم أبي أسامة - رحم الله الجميع-، فليت الحافظ الذهبي خرج حديث أبي أسامة هذا ليحصل له هذا العلو المطلوب.
12 - الجوزقي ت ( 388) (ط13)
ترجم له الذهبي في التذكرة (3/1013-1014)، فقال:
" الحافظ الإمام الأوحد أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني المعدل محدث نيسابور، وصاحب الصحيح المخرج على صحيح مسلم، وهو ابن أخت المحدث أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكى.
روى عن أبي العباس السراج شيئاً قليلاً، وعن أبي نعيم بن عدي الجرجاني وأبي العباس الدغولي، ومكي بن عبدان، وأبي حامد بن الشرقي، وأبي سعيد بن الأعرابي، وإسماعيل الصفار، وأبي حاتم الوسقندي، وخلق كثير، وكان قد رحل مع خاله وبرع وتقدم، وصنف.
قال الحاكم: انتقيت له فوائد في عشرين جزءا، ثم بعد ذا ظهر سماعه من السراج.
قلت: روى عنه الحاكم، وأبو سعيد الكنجرودي، وأبو عثمان سعيد بن محمد البحيري، ومحمد ابن علي الخشاب، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وأحمد بن منصور بن خلف المغربي، وآخرون.
وجوزق قرية من قرى نيسابور، وله كتاب المتفق والمفترق، وله كتاب المتفق الكبير، يكون ثلاثمائة جزء، رواه عنه أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني.
وروي عن أبي بكر الجوزقي، قال: أنفقت في طلب الحديث مائة ألف درهم ما كسبت به درهما.
قلت: وله أربعون حديثاً سمعناها بعلو.
قال الحاكم: توفي في شوال سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وله اثنتان وثمانون سنة.(1/56)
أخبرتنا زينب بنت كندي ببعلبك، عن زينب بنت أبي القاسم، أن أبا المظفر عبد المنعم ابن عبد الكريم القشيري أخبرهم، أنا أبو سعيد محمد بن علي، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجوزقي الحافظ، أنا أبو العباس الدغولي، ومكي بن عبدان، وعبد الله بن محمد بن الشرقي، قالوا: أنا عبد الله ابن هاشم(1)، نا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم ".
أقول:
أخرج هذا الحديث الإمام البخاري، في صحيحه في الجنائز (1/387)، رقم (1251)، قال -رحمه الله-: حدثنا علي، حدثنا سفيان، عن الزهري به.
وهذه موافقه عالية للجوزقي أو سمها بدلا، حيث وافق البخاري في شيخ شيخه سفيان بن عيينة.
وأخرجه في الأيمان، حديث (6656)، قال: حدثنا إسماعيل، حدثنى مالك عن ابن شهاب به.
وهذه موافقة عالية أيضاً للجوزقي في الإمام مالك، شيخ شيخ البخاري.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/239)، عن سفيان، عن الزهري به.
وهذه موافقة للجوزقي في سفيان، شيخ الإمام أحمد.
وأخرجه الإمام مسلم في البر، رقم (2632)، عن يحيى بن يحيى، عن الإمام مالك، عن ابن شهاب به.
وأخرجه الترمذي عن قتيبة، عن مالك، عن ابن شهاب به.
فالتقى الجوزقي بالإمامين في شيخ شيخهما مالك، فوقع له بدل عال.
وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب، عن سفيان به.
فوافق الجوزقي مسلماً في شيخ شيخه -أيضاً- وهذه الموافقات حاصلة للحافظ الذهبي.
13- ابن منده ت (395) (ط13)
ترجم له الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1031-1036)، فقال:
__________
(1) وهو من شيوخ مسلم في غير هذا الحديث.(1/57)
" الإمام الحافظ الجوال محدث العصر أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي يعقوب إسحاق بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى بن منده، وهو إبراهيم بن الوليد بن سنده بن بطة بن استندار ابن جهار بخت، وقيل اسم استندار فيرزان، وهو الذي أسلم وقت افتتاح الصحابة أصبهان، وولاؤه لعبد القيس، وكان مجوسيا، وكان من النواب على بعض أعمال أصبهان الأصبهاني العبدي.
حدث منده بشيء يسير، ومات في دولة المعتصم، وروى ولده يحيى الحديث وحفيده، وكان من الحفاظ، مات سنة إحدى وثلاثمائة، وقد مر يروي عنه أبو الشيخ كثيرا وابنه إسحاق روى عن عبد الله ابن محمد بن النعمان وجماعة، وابنه الحافظ صاحب الترجمة مكثر عنه، مات سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، ولد أبو عبد الله سنة عشر وثلاثمائة وقيل في التي تليها.
سمع أباه وعم أبيه عبد الرحمن بن يحيى، وأبا علي الحسن بن أبي هريرة وطائفة بأصبهان، ومحمد ابن الحسين القطان، وعبد الله بن يعقوب الكرماني، وأبا علي الميداني، وأبا حامد بن بلال، وخلقا بنيسابور، وأبا سعيد بن الأعرابي بمكة، والهيثم بن كليب بسمرقند، وخيثمة بن سليمان، وطبقته بالشام، وأبا جعفر ابن البختري، وإسماعيل الصفار، وعدة ببغداد، وأبا الطاهر المديني وبابته بمصر، وغير ذلك، وعدة شيوخه الذين سمع وأخذ عنهم ألف وسبعمائة شيخ، وله إجازة من الحافظ عبد الرحمن ابن أبي حاتم وغيره، ولما رجع من الرحلة الطويلة كانت كتبه عدة أحمال حتى قيل إنها كانت أربعين حملا، وما بلغنا أن أحدا من هذه الأمة سمع ما سمع، ولا جمع ما جمع، وكان ختام الرحالين، وفرد المكثرين، مع الحفظ والمعرفة والصدق وكثرة التصانيف.(1/58)
حدث عنه شيخه أبو الشيخ، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الله غنجار، وأبو سعد الإدريسي، وتمام الرازي، وحمزة السهمي، وأبو نعيم، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وأحمد بن محمود الثقفي، وأبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن بندار، وأبو عثمان محمد بن أحمد بن ورقاء، وأولاده: عبد الرحمن وعبد الوهاب وعبيد الله، وآخرون.
قال الباطرقاني: نا أبو عبد الله إمام الأئمة في الحديث، لقاه الله رضوانه.
قلت: أول ما رأيت أنه سمع في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، وأول ارتحاله قبل الثلاثين أو فيها إلى نيسابور.
قال الحاكم: التقينا ببخارى سنة إحدى وستين، وقد زاد زيادة ظاهرة، ثم جاءنا إلى نيسابور سنة خمس وسبعين ذاهبا إلى وطنه.
قال شيخنا أبو علي الحافظ: بنو منده أعلام الحفاظ في الدنيا قديما وحديثا، ألا ترون إلى قريحة أبي عبد الله، وقيل: إن أبا نعيم ذكر له ابن منده، فقال: كان جبلا من الجبال. وحكى غير واحد عن أبي إسحاق بن حمزة قال: ما رأيت مثل أبي عبد الله بن منده، أنبأنا الفخر علي وجماعة، عن زاهر ابن أحمد، أنا الحسين بن عبد الملك، قال: كتب إلى عبد الرحمن بن أبي عبد الله أن أباه كتب عن أربعة مشايخ أربعة آلاف جزء وهم: ابن الأعرابي، والأصم، وخيثمة، والهيثم بن كليب.
وسمعت أبي يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة، قال جعفر المستغفري: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي عبد الله بن منده، سألته يوما: كم يكون سماعات الشيخ؟ قال: تكون خمسة آلاف من(1).
قلت: المن يجيء عشرة أجزاء كبار، وقال أحمد بن جعفر الحافظ: كتبت عن أزيد من ألف شيخ ما فيهم أحفظ من ابن منده.
وقال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ هراة: أبو عبد الله بن منده سيد أهل زمانه.
قال الباطرقاني: سمعت أبا عبد الله يقول: طفت الشرق والغرب مرتين.
__________
(1) المن : رطلان.(1/59)
قلت: توفي ابن منده في سلخ ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، أرخه أبو نعيم، واستوفينا ذكر أبي عبد الله في كتاب آل منده، ولقد كنت أتحسر على لقي العلامة نجم الدين أبي عبد الله ابن حمدان في سنة أربع وتسعين؛ لأجل علو حديث ابن منده عنده، ولم يقع لي بالاتصال.
فأنبأنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في سنة أربع وتسعين وستمائة، أنا عبد القادر بن عبد الله الحافظ سنة خمس وستمائة، أنا أبو الفرج مسعود بن الحسن الثقفي، أنا أبو عمرو بن منده، أنا أبي، أنا أبو بكر محمد بن القاسم بن كوفي الكراني، نا أبو صالح يحيى بن واقد، نا هشيم، عن أبي بشر، عن يوسف ابن ماهك، عن حكيم بن حزام، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني البيع وليس عندي ما أبيعه، أفأبتاعه له من السوق؟ فقال:
" لا تبع ما ليس عندك ".
فأهل الطبقة الثامنة من كتاب أربعين الطبقات للحافظ ابن المفضل هم ابن منده والحاكم وعبد الغني ابن سعيد وأبو مسعود الدمشقي ".
أقول:
إن في هذا الحديث علواً جيداً للذهبي وابن منده.
فلقد وصل الذهبي إلى ابن منده بأربعة، ووصل إلى هشيم بسبعة.
ووصل ابن منده إلى هشيم باثنين فقط، فكأنه تتلمذ على الإمام أحمد وابن أبي شيبة.
وقد أخرج هذا الحديث الأئمة الآتية أسماؤهم:
1- أحمد بن حنبل، فقد روى هذا الحديث في مسنده (3/434)، عن هشيم، عن أبي بشر به.
فلابن منده موافقة لأحمد في شيخه هشيم.
2- وابن أبي شيبة في مصنفه (7/231)، رقم (20756)، عن هشيم. فلابن منده موافقة معه في هشيم.
3- الترمذي فقد روى هذا الحديث في سننه (2/514)، رقم (1232)، عن قتيبة، عن هشيم به.
4- النسائي في سننه (7/289)، رقم (4613)، عن زياد بن أيوب، عن هشيم به.
فقد وافق ابن منده النسائي، والترمذي في هشيم شيخ شيخهما ولعلو إسناد ابن منده وصل إلى هشيم باثنين كما وصل الترمذي والنسائي إلى هشيم باثنين.(1/60)
وهذه الموافقة تسمى بدلاً، وهذه الموافقات حاصلة للذهبي.
14- عبد الغني بن سعيد ت (409) (ط13)
ترجم له الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1047-1050)، فقال:
" عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان الحافظ الإمام المتقن النسابة أبو محمد الأزدي المصري، مفيد تلك الناحية.
سمع من عثمان بن محمد السمرقندي، وأحمد بن بهزاذ السيرافي، سماعه منه في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، وإسماعيل بن يعقوب الجراب، وعبد الله بن جعفر بن الورد، وأحمد بن إبراهيم بن جامع، وأحمد بن إبراهيم بن عطية، ويعقوب بن مبارك، وحمزة بن محمد الحافظ.
وبالشام من أبي بكر الميانجي، والفضل بن جعفر المؤذن، وأبي سليمان بن زبر، وطبقتهم.
روى عنه محمد بن علي الصوري، ورشا بن نظيف، وأبو عبد الله القضاعي، وعبد الرحمن بن أحمد البخاري، وأبو علي الأهوازي، وأبو إسحاق النعماني الحبال، وخلق كثير.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وكان أبوه من كبار الفرضيين.
قال البرقاني: سألت الدارقطني لما قدم من مصر هل رأيت في طريقك من يفهم شيئا من العلم؟ قال: ما رأيت في طول طريقي إلا شابا بمصر، يقال له عبد الغني كأنه شعلة نار، وجعل يفخم أمره، ويرفع ذكره.
قال منصور بن علي الطرسوسي: لما أراد الدارقطني الخروج من عندنا من مصر خرجنا نودعه وبكينا، فقال لنا: تبكون وعندكم عبد الغني بن سعيد وفيه الخلف.
وقال عبد الغني: لما رددت على أبي عبد الله الحاكم الأوهام التي في المدخل إلى الصحيح بعث إلي يشكرني ويدعو لي، فعلمت أنه رجل عاقل.
قال العتيقي: كان عبد الغني إمام زمانه في علم الحديث وحفظه، ثقة مأمونا، ما رأيت بعد الدارقطني مثله.
قال البرقاني: ما رأيت بعد الدارقطني أحفظ من عبد الغني المصري.(1/61)
وقال الصوري: قال لي عبد الغني: ابتدأت بعمل كتاب المؤتلف والمختلف، فقدم علينا الدارقطني، فأخذت عنه أشياء كثيرة منه، فلما فرغت عنه سألني أن أقرأه ليسمعه مني، فقلت: عنك أخذت أكثره، فقال: لا تقل هذا، فإنك أخذته عني مفرقا، وقد أوردته مجموعا وفيه أشياء عن شيوخك، فقرأته عليه.
ذكر عبد الغني أبو الوليد الباجي، فقال: حافظ متقن، فقلت لأبي ذر: أحدث عنه؟ فقال: لا إن شاء الله على معنى التأكيد وذلك لأنه كان له اتصال ببني عبيد.
قال الحبال: توفي في سابع صفر سنة تسع وأربعمائة.
وقيل: كان لعبد الغني جنازة عظيمة، تحدث بها الناس، ونودي له هذا نافي الكذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومات معه في العام مسند العراق أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن المتيم الواعظ الذي قال الخطيب: لم أكتب عن أقدم سماعا منه، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن الصلت الأهوازي، ثم البغدادي، ومسند خراسان أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني الصوفي، ومسند واسط أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن خزفة الصيدلاني، ومسند قزوين أبو طلحة القاسم بن أبي المنذر الخطيب راوي سنن ابن ماجة.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن هبة الله بن علي، أنا علي بن الحسين، أنا عبد الرحيم بن أحمد الحافظ، أنا عبد الغني بن سعيد، أنا أبو حفص عمر بن محمد العطار، نا إبراهيم بن دنوقا، نا زكريا بن عدي، نا بشر بن المفضل، عن غالب القطان عن بكر، عن أنس، قال:
" كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر، فإذا أراد أحدنا أن يسجد على الأرض بسط ثوبه، فسجد عليه ".
غالب هو ابن خطاف فتحه الدارقطني، أخرجه خ عن مسدد وغيره، ومسلم عن يحيى بن يحيى جميعا عن بشر نحوه ".
أقول:
في هذا الحديث موافقة عبد الغني والذهبي للبخاري ومسلم في شيخ شيخهما بشر بن المفضل.(1/62)
فقد رواه البخاري في الصلاة، باب (السجود على الثوب في شدة الحر)، من طريق أبي الوليد هشام ابن عبد الملك، عن بشر بن المفضل به،حديث (385)، وفي باب ( بسط الثوب في الصلاة للسجود )، حديث (1208)، عن مسدد عن بشر بن المفضل به.
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن بشر بن المفضل به.
15- البرقاني ت (425) (ط13)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1074-1076)، فقال:
" الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين، أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني الشافعي، شيخ بغداد.
سمع من أبي العباس بن حمدان بخوارزم، ومن أبي علي بن الصواف، وأبي بكر بن الهيثم ،وطبقتهم ببغداد، ومن أبي بكر الإسماعيلي بجرجان، ومن محمد بن عبد الله بن خميرويه بهراة، ومن أبي عمرو ابن حمدان بنيسابور، ومن أبي بكر بن أبي الحديد بدمشق، ومن عبد الغني الأزدي، وابن النحساس بمصر.
وصنف التصانيف وخرج على الصحيحين.
حدث عنه أبو عبد الله الصوري، وأبو بكر البيهقي، و الخطيب، وأبو إسحاق الشيرازي الفقيه، وأبو القاسم بن أبي العلاء، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وأبو طاهر أحمد بن الحسن الكرخي، وأبو الفضل بن خيرون، ويحيى بن بندار، ومحمد بن عبد السلام الشافعي الأنصاري، وآخرون.
قال الخطيب: كان ثقة ورعا ثبتا، لم نر في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، له حظ من علم العربية كثير.
صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، وصنف حديث الثوري وشعبة، وعبيد الله بن عمر، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الوراق، ولم يقطع التصنيف حتى مات، وكان حريصا على العلم، منصرف الهمة إليه، سمعته يقول لرجل من الفقهاء الصلحاء: ادع الله لي أن ينزع شهوة الحديث من قلبي، فإن حبه قد غلب علي، فليس لي اهتمام إلا به.(1)
وقال أبو القاسم الأزهري: البرقاني إمام، إذا مات ذهب هذا الشأن.
__________
(1) أقول : نسأل الله أن يرزقنا حب الحديث والاهتمام به.(1/63)
وقال الخطيب: سمعت محمد بن يحيى الكرماني الفقيه، يقول: ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني، وسألت الأزهري قلت: هل رأيت شيخا أتقن من البرقاني؟ قال: لا وقال أبو محمد الخلال: هو نسيج وحده، وقال الخطيب: أنا ما رأيت شيخا أثبت منه، وقال أبو الوليد الباجي: هو ثقة حافظ.
وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الشافعية، فقال: ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وسكن بغداد، وبها مات في أول رجب سنة خمس وعشرين وأربعمائة، ثم قال: تفقه في حداثته وصنف في الفقه، ثم اشتغل في علم الحديث، فصار فيه إماما.
قال البرقاني: دخلت اسفرايين ومعي ثلاثة دنانير ودرهم، فضاعت الدنانير وبقي الدرهم فدفعته إلى خباز، فكنت آخذ منه كل يوم رغيفين، وآخذ من بشر بن أحمد جزءا، فأكتبه وأفرغه بالعشي، فكتبت ثلاثين جزءا، ونفد ما عند الخباز فسافرت.
قال الخطيب: حدثني أحمد بن غانم، وكان صالحا، قال: نقلت البرقاني من بيته فكان معه ثلاثة وستون سفطا، وصندوقان، كل ذلك مملوء كتبا.
قلت: وتوفي معه في السنة سنة خمس وعشرين مسند العراق أبو علي الحسن بن أبي بكر أحمد ابن إبراهيم بن شاذان البغدادي البزاز، وله سبع وثمانون سنة، ومسند همذان أبو سعيد عبد الرحمن ابن محمد بن عبد الله بن بندار بن شبانة، ومسند دمشق أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى ابن ياسر الجوبري، ومحدث دمشق ومفيدها أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمران الجبان المزي الشروطي، قال الكتاني: توفي أستاذنا أبو نصر بن الجبان في شوال وصنف كتبا كثيرة، ومسند أصبهان أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم بن مصعب التاجر.(1/64)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنا أبو محمد بن قدامة، أنا يحيى بن ثابت، أنا أبي ح قال ابن قدامة وأنا محمد بن عبد الباقي، أنا أحمد بن الحسن، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن محمد الخوارزمي، قرأت على أبي العباس بن حمدان: حدثكم الحسن بن علي السري، نا أحمد بن يونس، نا عاصم بن محمد، حدثني واقد بن محمد، حدثني سعيد بن مرجانة، قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
" أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا من النار ".
قال سعيد فأنطلق بالحديث إلى علي بن الحسين، فعمد إلى عبد له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف فأعتقه.
أخرجه البخاري عن محمد صاعقة، عن داود بن رشيد، عن الوليد بن مسلم عن محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن علي بن الحسين، عن سعيد بن مرجانة، فكأن شيخنا سمعه من صاحب الفربري، عندي مصافحات البرقاني بالسماع العالي ولله المنة".
أقول:
نعم أخرجه البخاري في العتق، حديث (2517)، قال:
حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عاصم بن محمد، قال: حدثنى واقد بن محمد قال: حدثنى سعيد ابن مرجانة، صاحب علي بن حسين، قال: قال لي أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار ".
وأخرجه في الكفارات، حديث (6715)، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا الوليد بن مسلم، عن أبي غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن علي بن حسين، عن سعيد بن مرجانة به.
وأخرجه مسلم في العتق، حديث (1509)، قال -رحمه الله-:
" وحدثنا داود بن رشيد، حدثنا الوليد بن مسلم، عن محمد بن مطرف أبي غسان المدني، عن زيد ابن أسلم، عن علي بن حسين، عن سعيد بن مرجانة، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - قال:
" من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار ".(1/65)
ففي هذا الحديث علو للبرقاني، حيث وافق البخاري في شيخه أحمد بن يونس، وفي الإسناد الثاني وافق البخاري في شيخ شيخه داود بن رشيد.
وللذهبي علو جيد، حيث وصل إلى البرقاني بأربعة من الرواة، وإليه أشار بقوله: " عندي مصافحات البرقاني بالسماع العالي ".
وعلو تابع لعلو البرقاني، وإليه أشار بقوله: فكأن شيخنا سمعه من صاحب الفربري، وهو محمد ابن يوسف الفربري، أحد رواة الصحيح عن البخاري.
والظاهر أنه يقصد بقوله: " شيخنا " أبا بكر البرقاني، وهذه المصافحة حاصلة له، فإن شيخه أبا العباس بن حمدان الراوي عن الحسن بن علي في طبقة الفربري تلميذ البخاري، فكأن البرقاني لقي محمد بن يوسف وصافحه، وهذه المصافحة واحدة من المصافحات نوه عنها الذهبي.
16 - اللالكائي ت (418) (ط13)
ترجم له الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1083-1085)، فقال:
" الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي، الحافظ الفقيه الشافعي، محدث بغداد.
سمع جعفر بن عبد الله بن فناكي، وأبا القاسم عيسى بن علي الوزير، وأبا طاهر المخلص وأبا الحسن ابن الجندي، وعلي بن محمد القصار، والعلاء بن محمد، وطبقتهم، وتفقه بأبي حامد الإسفراييني.
قال الخطيب: كان يفهم ويحفظ، وصنف كتابا في السنة، وكتابا في رجال الصحيحين، وكتابا في السنن، وعاجلته المنية، خرج إلى الدينور فأدركه أجله بها في رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة.
قلت: حدث عنه أبو بكر الخطيب، وأبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي، وغير واحد.
قال الخطيب: حدثني علي بن الحسين بن جد العكبري، قال: رأيت هبة الله الطبري في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، قلت: بماذا؟ قال كلمة خفية بالسنة.(1/66)
قلت: وفي سنته مات بأصبهان المسند أبو علي أحمد بن إبراهيم بن يزداد غلام محسن، وبنيسابور العلامة الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفرائيني صاحب التصانيف ركن الدين، والمسند الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله النيسابوري السراج، وبدمشق المحدث أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر الميداني وقيل إنه كتب بقنطار حبر وقد ضعف، وبنسا مفتيها أبو بكر محمد بن زهير بن أخطل الشافعي سمع الأصم وعدة، وببغداد المسند أبو الحسن محمد بن محمد ابن أحمد بن الروزبهان صاحب علي بن الفضل السقوري، وبأصبهان شيخ الصوفية أبو منصور معمر ابن أحمد بن محمد بن زياد، ومحدث دمشق أبو الحسن مكي بن محمد بن الغمر التميمي لقي في رحلته القطيعي.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الوهاب التنوخي بالثغر، أنا مظفر بن عبد الملك، أنا أحمد بن محمد الحافظ ح وأنا العز بن الفراء، أنا الشيخ الموفق سنة ست عشرة وستمائة، أنا أبو الفتح ابن البطي، قالا: أنا أحمد بن علي الصوفي، أنا هبة الله بن الحسن الحافظ، أنا عبد الله بن مسلم وعمرو بن زكار، قالا: نا أبو عبد الله المحاملي، نا محمد بن عثمان بن كرامة، نا خالد بن مخلد، نا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد الله، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:
" إن الله تعالى يقول: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ".
وأخبرناه الأبرقوهي، أنا ابن سابور، أنا عبد العزيز الدمي، أنا رزق الله التميمي، أنا ابن مهدي، نا ابن مخلد، نا ابن كرامة بهذا، وقال: فقد آذنني.
رواه البخاري في صحيحه عن ابن كرامة، ورواه أبو العباس الثقفي عن ابن كرامة، فهؤلاء الأربعة من الثقات رووه عن محمد(1)وهو مما انفرد به وليس هو في مسند أحمد على كبره ".
أقول:
__________
(1) يعني محمد بن كرامة.(1/67)
في هذا الحديث علو جيد للإمام اللالكائي، حيث وافق الإمام البخاري في شيخه ابن كرامة، إذ بين اللالكائي وبين ابن كرامة اثنين من الرواة فقط.
وللذهبي علو تابع لعلو اللالكائي، وقد أخرجه البخاري في الرقاق، حديث (6502) عن ابن كرامة به.
وللذهبي علو آخر بإسناده من طريق الأبرقوهي إلى ابن كرامة، حيث وصل إلى ابن كرامة بسبعة رواة، موافقا للبخاري في شيخه.
17- الطلمنكي ت(429) (ط13)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1098-1100)، فقال:
" الحافظ الإمام المقرئ أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله بن لب بن يحيى المعافري الأندلسي، عالم أهل قرطبة، ولد سنة أربعين وثلاثمائة، وأول ما وجدت له في سنة اثنتين وستين.
روى عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله الليثي، وأبي بكر الزبيدي، وأبي عبد الله بن مفرج، وأحمد ابن عون الله، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن علي الباجي، وخلف بن محمد الخولاني، وابن بشر الأنطاكي.
وحج فأخذ عن أبي طاهر محمد بن محمد العجيفي بمكة، ويحيى بن الحسين المطلبي بالمدينة، وأبي بكر الأدفوي، وأبي حفص بن عراك، وأبي بكر المهندس، وأبي الطيب بن غلبون، وأبي القاسم الجوهري، وأبي العلاء بن ماهان.
وبدمياط عن محمد بن يحيى بن عمار، وبالقيروان عن أبي محمد بن أبي زيد وأحمد بن رحمون، ورجع إلى الأندلس بعلم جم.
روى عنه أبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وعبد الله بن سهل الأندلسي، وغيرهم، وكان رأسا في علم القرآن حروفه وإعرابه وناسخه ومنسوخه وأحكامه ومعانيه، وكان ذا عناية تامة بالحديث، ومعرفة الرجال، حافظا للسنن، إماما عارفا بأصول الديانة، عالي الإسناد، ذا هدى وسمت واستقامة.(1/68)
قال أبو عمرو الداني: أخذ القراءة عرضا عن أبي الحسن الأنطاكي، وأبي الطيب بن غلبون، ومحمد ابن الحسين بن النعمان، وسمع من الأدفوي ولم يقرأ عليه، وكان فاضلا ضابطا شديدا في السنة، قال خلف بن بشكوال: كان سيفا مجردا على أهل الأهواء والبدع، قامعا لهم، غيورا على الشريعة، شديدا في ذات الله، أقرأ الناس الحديث محتسبا ويسمع الحديث، وأم بمسجد متعه، ثم خرج إلى الثغر فتجول فيه وانتفع الناس بعلمه وقصد بلده في آخر عمره فتوفى بها.
أخبرني إسماعيل بن عيسى بن بقي الججازي عن أبيه خرج علينا الطلمنكي يوما ونحن نقرأ عليه، فقال: اقرأوا وأكثروا فإني لا أتجاوز هذا العام، قلنا: لمه يرحمك الله؟ قال رأيت البارحة من ينشدني في النوم:
اغتنموا البر بشيخ ثوى يرحمه السوقة والصيد
قد ختم العمر بعيد مضى ليس له من بعده عيد
فتوفى في ذلك العام في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وأربعمائة، قال: كان زعرا في إنكار المنكر، فقام عليه طائفة من المخالفين، وشهدوا عليه بأنه حروري يرى وضع السيف في صالحي الناس، وكانوا خمسة عشر شاهدا من الفقهاء والنبهاء، فنصره قاضي سرقسطة في عام خمس وعشرين، وهو القاضي محمد بن عبد الله بن فربون، فأشهد على نفسه بإسقاط الشهود(1)، وتوفي معه في العام مقريء بغداد أبو محمد الحسن بن علي بن الصقر البغدادي الكاتب، عن أربع وتسعين سنة، والأستاذ العلامة أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي بأسفرايين وكان يشتغل في سبعة عشر فنا، وشيخ الأندلس قاضي الجماعة أبو الوليد يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث بن الصفار القرطبي، عن إحدى وتسعين سنة، ومقريء مصر إسماعيل بن عمرو بن راشد الحداد.
__________
(1) بئس ما صنع هؤلاء الظلمة، ورحم الله هذا القاضي العدل الذي أسقط شهادة أهل الإفك والزور.(1/69)
أنبأنا عبد الله بن هارون الطائي، أنا أحمد بن يزيد البقوي في كتابه عن شريح بن محمد، عن أبي محمد بن حزم الحافظ، أنا أحمد بن محمد الطلمنكي نا محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرج، نا محمد ابن أيوب بن الصموت، نا أحمد بن عمرو البزار، نا محمد بن المثنى، نا معاذ بن هشام، نا أبي، عن قتادة، عن الأسود بن سريع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" يعرض على الله الأصم والأحمق والهرم الذي مات في الفترة فيقول الأصم جاء الإسلام ولا أسمع شيئا..." وذكر الحديث.
هذا غريب منقطع، وجاء عن قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود ولكن قتادة لم يلق الأحنف ولا سمع منه ".
أقول:
إن في هذا الحديث علواً للذهبي إذ وصل إلى أبي عمر الطلمنكي المتوفى سنة (429) بأربعة من الرواة.
وفيه موافقة للطلمنكي مع الإمام أحمد في معاذ بن هشام شيخ شيخ الإمام أحمد كما سيأتي وهي موافقة للذهبي أيضاً.
وقد ضعف الحافظ الذهبي هذا الحديث بقتادة، حيث لم يلق الأحنف ولا سمع منه فمن باب أولى أن لا يسمع هذا الحديث من الأسود بن سريع.
وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد في المسند (4/24)، قال: ثنا علي بن عبد الله، ثنا معاذ ابن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع أن نبي الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
" أربعة يوم القيامة(1): رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يخذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فو الذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ".
__________
(1) " يدلون بحجة " راجع الصحيحة للألباني، رقم (1434) .(1/70)
ففي هذا الحديث من هذا الطريق ضعف، حيث لم يسمعه قتادة من الأحنف بن قيس.
لكن له شاهد من حديث أبي هريرة، رواه أحمد (4/24)، بإسناده إلى أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعاً.
وله شاهد آخر من طريق عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري نحوه مرفوعاً.
وله شاهدان آخران عن أنس(1)ومعاذ، وفي كل هذه الطرق ضعف، لكن يقوي بعضها بعضاً فترتقي إلى درجة الحسن.
وقد صححه العلامة الألباني، انظر الصحيحة (3/418-419 )، رقم (1434) و (5/603-605)، رقم (2468).
18- أبو نصر السجزي ت (444) (ط14)
ترجم له الذهبي في التذكرة (3/1118-1120)، فقال:
" الحافظ الإمام علم السنة عبيد الله بن سعيد بن حاتم بن أحمد الوائلي البكري نزيل الحرم ومصر، وصاحب الإبانة الكبرى في مسألة القرآن وهو كتاب طويل في معناه دال على إمامة الرجل وبصره بالرجال والطرق.
حدث عن أحمد بن فراس العبقسي، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي أحمد الفرضي، وحمزة المهلبي، ومحمد بن محمد بن محمد بن بكر الهزاني، وأبي عمر بن مهدي، وعلي بن عبد الرحيم السوسي، وأبي الحسين أحمد بن محمد المجبر، وأبي محمد بن النحاس، وأبي عبد الرحمن السلمي، وعبد الصمد ابن زهير بن أبي جرادة الحلبي صاحب ابن الأعرابي وهذه الطبقة.
وكانت رحلته بعد الأربعمائة، فسمع بخراسان، والحجاز، والشام، والعراق، ومصر.
حدث عنه أبو إسحاق الحبال، وسهل بن بشر الإسفرايين، وأبو معشر المقرئ الطبري، وإسماعيل ابن الحسن العلوي، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، وجعفر بن يحيى الحكاك، وجعفر بن أحمد السراج، وخلق سواهم، وهو راوي الحديث المسلسل بالأولية.
__________
(1) أخرجه أبو يعلى (7/225) رقم (4224)، قال: حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا جرير، عن ليث عن عبد الوارث، عن أنس مرفوعاً، وفيه ليث بن أبي سليم ضعيف.(1/71)
قال ابن طاهر المقدسي: سألت الحافظ أبا إسحاق الحبال عن أبي نصر السجزي والصوري أيهما أحفظ؟ فقال: كان السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري ، ثم قال الحبال: كنت يوما عند أبي نصر السجزي فدق الباب، فقمت ففتحته، فدخلت امرأة وأخرجت كيسا فيه ألف دينار، فوضعته بين يدي الشيخ، وقالت: أنفقها كما ترى قال: ما المقصود؟ قالت: تتزوجني ولا حاجة لي في الزوج، ولكن لأخدمك، فأمرها بأخذ الكيس، وأن تنصرف، فلما انصرفت قال: خرجت من سجستان بنية طلب العلم ومتى تزوجت سقط عني هذا الاسم، وما أوثر على ثواب طلب العلم شيئا.
قلت: مات بمكة في المحرم سنة أربع وأربعين وأربعمائة - رحمه الله تعالى - وقد روينا المسلسل من طريقه في غير هذا الكتاب ".
أقول:
والحديث المسلسل الذي ذكره الذهبي قد أورده بإسناده في كتابه سير أعلام النبلاء (17/656-657) في ترجمة السجزي.
قال -رحمه الله-: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الحسيني بقراءتي عليه بالثغر، وهو أول حديث سمعته منه، أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي ببغداد، وهو أول حديث سمعته منه، أخبرنا عبد الحق اليوسفي، وهو أول حديث سمعته (ح) وأخبرنا عبد الخالق بن علوان ببعلبك، وعبد الحافظ بن بدران بنابلس، قالا: أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرنا أحمد بن المقرب، قالا: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج، وهو أول حديث سمعناه منه، أخبرنا أبو نصر عبيد الله بن سعيد، وهو أول حديث سمعته منه، أخبرنا أبو يعلى المهلبي، وهو أول حديث سمعته منه، أخبرنا أبو حامد بن بلال، وهو أول حديث سمعته منه، حدثنا عبد الرحمن بن بشر، وهو أول حديث سمعته منه، حدثنا سفيان بن عيينة، وهو أول حديث سمعته من سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
"الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض، يرحمكم من في السماء ".
أقول:(1/72)
في هذا الإسناد علو لأبي نصر السجزي، حيث وصل إلى سفيان بن عيينة بعدد قليل هم ثلاثة فقط.
وأخرج هذا الحديث الإمام أحمد (2/160)، قال: حدثنا سفيان به.
فلأبي نصر موافقة للإمام أحمد في شيخه سفيان.
ورواه أبو داود في سننه (5/231)، حديث (4941)، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومسدد المعنى، قالا: حدثنا سفيان به.
ففيه علو البدل لأبي نصر مع أبي داود؛ لأنه وصل إلى سفيان من طريق عبد الرحمن بن بشر لا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ومسدد، شيخي أبي داود، ويطلق على هذا العلو الموافقة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (3/483)، حديث (1924)، قال: حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان به.
فلأبي نصر علو البدل مع الترمذي على التفصيل السابق في أبي داود.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، (8/338)، حديث (5407)، قال: حدثنا سفيان به.
ففيه موافقة لأبي نصر مع ابن أبي شيبة في شيخه سفيان بن عيينة.
وفي إسناد هذا الحديث أبو قابوس، قال الحافظ فيه: " مقبول " لكن لبعض حديثه متابعة رواها الإمام أحمد في مسنده (2/165)، قال: ثنا يزيد، قال: أنا جرير، ثنا حبان الشرعبي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: " ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون " رجاله ثقات إلا حبان بن زيد، قال فيه الذهبي: "شيخ " وقال الحافظ ابن حجر: " ثقة من الثالثة ".
وله متابعة رواها الطبراني الكبير (2/406-407)، حديث (2495-2497) بإسناده إلى شعبة، عن سليمان الأعمش، عن أبي ظبيان، عن جرير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
" من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " وبإسناد آخر إلى أبي ظبيان عن جرير -رضي الله عنه- " من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء ".(1/73)
وصحح حديث عبد الله بن عمرو الترمذي والعراقي، في العشاريات، وابن ناصر الدمشقي في بعض مجالسه المخطوطة، وقال: " ولأبي قابوس متابع رويناه في مسندي أحمد وعبد بن حميد من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعبي الحمصي أحد الثقات عن عبد الله بن عمرو بمعناه، وللحديث شاهد عن نيف وعشرين صحابياً منهم أبوبكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهم- " انظر الصحيحة للعلامة الألباني (2/630-631)، حديث (925).
19- الإمام ابن عبد البر ت (463) (ط14)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1128-1132)، فقال:
" الإمام شيخ الإسلام حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة في ربيع الآخر، وطلب الحديث قبل مولد الخطيب بأعوام، حدث عن خلف بن القاسم، وعبد الوارث بن سفيان، وعبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، ومحمد بن عبد الملك بن صيفون، وعبد الله بن محمد بن أسد الجهني، ويحيى بن وجه الجنة، وأحمد بن فتح الرسان، وسعيد بن نصر، والحسين بن يعقوب البجاني، وأبي عمر أحمد بن الحسور، وعدة، وأجاز له من مصر المسند أبو الفتح بن سيبخت، والحافظ عبد الغني، ومن مكة أبو القاسم عبيد الله بن السقطي، وساد أهل الزمان في الحفظ والإتقان.
قال أبو الوليد الباجي:لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر في الحديث.
وقال ابن حزم: التمهيد لصاحبنا أبي عمر لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلا فكيف أحسن منه، وكتاب الاستذكار وهو اختصار التمهيد، وله تواليف لا مثل لها في جمع معانيها، منها الكافي على مذهب مالك خمسة عشر مجلدا، ومنها كتاب الاستيعاب في الصحابة ليس لأحد مثله، ومنها كتاب جامع بيان العلم وفضله.(1/74)
قلت: وله كتاب الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو، وكتاب بهجة المجالس نوادر وشعر، وله كتاب التقصي لحديث الموطأ، وكتاب الإنباه عن قبائل الرواة، وكتاب الانتقاء لمذاهب الثلاثة العلماء مالك وأبي حنيفة والشافعي، والبيان في تلاوة القرآن، والأجوبة الموعبة، وكتاب الكنى، وكتاب المغازي، وكتاب القصد والأمم في أنساب العرب والعجم، وكتاب الشواهد في إثبات خبر الواحد، وكتاب الإنصاف في أسماء الله تعالى، وكتاب الفرائض، وغير ذلك.
قال ابن سكرة: سمعت أبا الوليد الباجي يقول: أبو عمر أحفظ أهل المغرب.
أنبأنا أبو محمد الجزائري، أنا عثمان بن حسن بن دحية قراءة، أنا أبو عبد الله بن زرقون سماعا، أنا موسى بن أبي تليد قراة عليه، (ح) قال ابن دحية وأنا خلف بن بشكوال وابن الجد، قالا: نا أبو محمد ابن عتاب، قالا: ثنا أبو عمر بن عبد البر بكتاب التقصي.
وقال الغساني: سمعت ابن عبد البر يقول: لم يكن أحد ببلدنا مثل قاسم بن محمد وأحمد بن خالد الجباب، قال الغساني: ولم يكن ابن عبد البر بدونهما ولا متخلفا عنهما، وكان من النمر بن قاسط طلب وتقدم، ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه، ولزم أبا الوليد بن الفرضي، ودأب في طلب الحديث، وافتن به، وبرع براعة فاق بها من تقدمه من رجال الأندلس، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار، جلا عن وطنه فكان في الغرب مدة، ثم تحول إلى شرق الأندلس فسكن دانية وبلنسية وشاطبة وبها توفى، وذكر غير واحد أن أبا عمر ولي قضاء اشبونة مدة.
قلت: أعلى ما عنده كتاب الزعفراني، سمعه من ابن صيفون أنا ابن الأعرابي عنه، وسنن أبي داود سمعه من ابن عبد المؤمن أنا ابن داسه عن المؤلف، وانتهى إليه مع إمامته علو الإسناد.(1/75)
حدث عنه أبو العباس الدلائى، وأبو محمد بن أبي قحافة، وأبو الحسن بن مفوز وأبو علي الغساني، وأبو عبد الله الحميدي، وأبو بحر سفيان بن العاص، ومحمد بن فتوح الأنصاري، وأبو داود سليمان ابن أبي القاسم المقرئ، وآخرون، وكان دينا صينا ثقة حجة صاحب سنة واتباع، وكان أولا ظاهريا أثريا، ثم صار مالكيا مع ميل كثير إلى فقه الشافعي.
قال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر، عالم بالقراءات، وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي - رحمة الله عليه -.
قال أبو داود المقرئ: مات أبو عمر ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة واستكمل خمسا وتسعين سنة وخمسة أعوام (1).
قلت: وفيها مات الخطيب ببغداد، ومسند نيسابور أبو حامد أحمد بن الحسن الأزهري، عن تسع وثمانين سنة، والرئيس الكبير أبو علي حسان بن سعيد المخزومي المتيعي المروروذي، ومسند مرو أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي الهروي، ومسند بغداد أبو الغنائم محمد بن علي بن علي ابن الدجاجي، والمعمر أبو بكر بن أبي الهيثم عبد الصمد المروزي، عن ست وتسعين سنة، وهو آخر أصحاب أبي سعيد بن عبد الوهاب الرازي، والمسند أبو علي محمد بن وشاح مولى أبي تمام الزينبي رافضى معتزلي عنده عوال ".
روى له الذهبي حديثين أحدهما الحديث الآتي:
قرأت على أبي الحسين الحافظ، أخبركم علي بن سلامة، أنا أبو القاسم الرعيني، أنا ابن هذيل، نا أبو داود، أنا أبو عمر بن عبد البر، أنا سعيد بن نصر، نا قاسم بن أصبغ، نا محمد بن وضاح، نا يحيى بن يحيى، نا مالك، عن يحيى بن سعيد، أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة، عن أبيه، عن جده، قال:
__________
(1) كذا وهذه الزيادة خطأ، فإن ولادته سنة (368)، ووفاته (463)، فيكون عمره خمسا وتسعين وهذا واضح.(1/76)
" بايعنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وألا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ".
أقول:
في هذا الحديث علو لابن عبد البر، حيث وصل إلى الإمام مالك بأربعة من الرواة وللذهبي علو تابع له، لكني لم أجد الحديث في موطأ الإمام مالك.
وهو حديث صحيح متفق عليه.
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأحكام، حديث (7199) قال: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن يحيى بن سعيد به.
وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، حديث (1709) من طرق، منها:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن أبيه، عن جده به.
فوقعت له الموافقة مع البخاري في مالك شيخ شيخ البخاري، ومع مسلم في يحيى بن سعيد، شيخ شيخ شيخ مسلم.
... وللذهبي موافقة تابعة لموافقة ابن عبدالبر.
20- الحافظ البيهقي ت (458) ط (14)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1132-1135)، فقال:
" الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسرو جردي البيهقي صاحب التصانيف.
ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة في شعبان، وسمع أبا الحسن محمد بن الحسين العلوي، وأبا عبد الله الحاكم، وأبا طاهر بن محمش، وأبا بكر بن فورك، وأبا علي الروذباري، وعبد الله بن يوسف بن بانويه، وأبا عبد الرحمن السلمي، وخلقا بخراسان، وهلال بن محمد الحفار، وأبا الحسين بن بشران، وابن يعقوب الإيادي، وعدة ببغداد، والحسن بن أحمد بن فراس، وطائفة (بمكة)، وجناح بن نذير، وجماعة بالكوفة.
ولم يكن عنده سنن النسائي، ولا جامع الترمذي، ولا سنن ابن ماجة، بل كان عنده الحاكم فأكثر عنه، وعنده عوال (ومسانيد)، وبورك له في علمه لحسن قصده وقوة فهمه وحفظه.(1/77)
وعمل كتبا لم يسبق إلى تحريرها، منها الأسماء والصفات وهو مجلدان، والسنن الكبير عشر مجلدات، والسنن والآثار أربع مجلدات، وشعب الإيمان مجلدان، ودلائل النبوة ثلاث مجلدات، والسنن الصغير مجلدان، والزهد مجلد، والبعث مجلد، والمعتقد مجلد، والآداب مجلد، ونصوص الشافعي ثلاث مجلدات، والمدخل مجلد، والدعوات مجلد، والترغيب والترهيب مجلد، (وكتاب الخلافيات مجلدان، والأربعون الكبرى والأربعون الصغرى، وجزء في الرؤية)، ومناقب الشافعي مجلد، ومناقب أحمد مجلد، وكتاب الأسرى، وكتب عديدة لا أذكرها.
قال عبد الغافر في تاريخه: كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعا باليسير متجملا في زهده وورعه.
وعن إمام الحرمين أبي المعالي قال: ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي فإن له المنة على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه.
قال أبو الحسن عبد الغافر - في ذيل تاريخ نيسابور -: أبو بكر البيهقي الفقيه الحافظ الأصولي، الدين الورع، واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد عليه بأنواع من العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه وتفقه وبرع، وأخذ في الأصول، وارتحل إلى العراق، والجبال، والحجاز، ثم صنف وتواليفه تقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد.
جمع بين علم الحديث، والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث.
طلب منه الأئمة الانتقال من الناحية إلى نيسابور لسماع الكتب فأتى في سنة إحدى وأربعين، وعقدوا له المجلس لسماع كتاب المعرفة، وحضره الأئمة، وكان على سيرة العلماء قانعا باليسير.(1/78)
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن أحمد، أنبأتنا زينب بنت عبد الرحمن، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا أبو بكر البيهقي، أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، أنا أبو بكر بن حجة، نا أبو الوليد، نا عمرو بن العلاء اليشكري، عن صالح بن سرج، عن عمران بن حطان، عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
" يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط ".
قلت: حضر في أواخر عمره من بيهق إلى نيسابور وحدث بكتبه.
ثم حضره الأجل في عاشر جمادي الأولى من سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، فنقل في تابوت، (فدفن ببيهق) هي ناحية من أعمال نيسابور على يومين منها، وخسروجرد هي أم تلك الناحية.
حدث عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري بالإجازة، وأبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد، وولده إسماعيل بن أحمد، وأبو عبد الله الفراوي، وأبو القاسم الشحامي، وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي، وعبد الجبار بن عبد الوهاب الدهان، وعبد الجبار بن محمد الخواري، وأخوه عبد الحميد ابن محمد، وخلق كثير.
وفيها مات معه المسند أبو الطيب عبد الرزاق بن عمر بن شمة الأصبهاني صاحب ابن المقرئ، وفقيه العراق القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي وقد قارب الثمانين، والعارف فرج الزنجاني ويلقب بأخي(1) وصاحب المحكم أبو الحسن علي بن إسماعيلي بن سيده المرسي الضرير.
فابن عبد البر والخطيب والبيهقي وابن ماكولا، هم الطبقة العاشرة الأخيرة من كتاب الطبقات لابن المفضل، بدأ الأربعين بالزهري وختم بابن ماكولا ".
أقول:
في هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى البيهقي بثلاثة من الرواة.
وعلو للبيهقي، حيث وصل إلى أبي الوليد الطيالسي بثلاثة من الرواة.
__________
(1) كذا.(1/79)
وقد أخرج هذا الحديث أبو داود الطيالسي في مسنده، حديث (1546)، قال: حدثنا عمرو ابن العلاء اليشكري، قال: حدثنا صالح بن سرج به.
فللبيهقي موافقة مع أبي داود الطيالسي، حيث اجتمع معه في شيخه عمرو بن العلاء، وعلو آخر حيث وصل إلى عمرو بن العلاء بأربعة من الرواة.
وأخرجه أحمد في مسنده (6/75)، قال: حدثنا سليمان بن داود، ثنا عمرو بن العلاء به.
فللبيهقي مع الإمام أحمد موافقة في شيخه أبي داود الطيالسي، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (11/439)، حديث (5055)،والطبراني في الأوسط (3/102)، حديث (2619).
إلا أن في إسناده صالح بن سرج، خارجي مستور، وشيخه عمران بن حطان خارجي معروف، وعمرو بن العلاء اليشكري وهو مستور أيضاً.
21- الخطيب البغدادي ت ( 463) (ط14)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 3/ 1135-1146)، فقال:
" الحافظ الكبير، الإمام محدث الشام والعراق أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، صاحب التصانيف.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وكان والده خطيب قرية دَرزيجان من سواد العراق ممن سمع وقرأ القرآن على الكتاني، فحرص على ولده هذا وأسمعه في الصغر سنة ثلاث وأربعمائة، ثم ألهم طلب هذا الشأن، ورحل فيه إلى الأقاليم، وبرع وصنف وجمع وسارت بتصانيفه الركبان، وتقدم في عامة فنون الحديث.
سمع أبا الحسن بن الصلت الأهوازي، وأبا عمر بن مهدي، وأبا الحسين بن المتيم، والحسين ابن الحسن الجواليقي، وابن رزقويه، وابن أبي الفوارس، وهلالا الحفار، وإبراهيم بن مخلد الباخرجي، والموجودين ببغداد، وارتحل سنة اثنتي عشرة إلى البصرة، فسمع أبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي راوية السنن، وعلي بن القاسم الشاهد، والحسن بن علي النيسابوري.
وسمع بنيسابور أبا القاسم عبد الرحمن بن (محمد) السراج، والقاضي أبا بكر الحيري، وطبقتهما.(1/80)
وسمع بأصبهان أبا الحسن بن عبدكويه، ومحمد بن عبد الله بن شهريار، وأبا نعيم الحافظ (وطبقتهم)، وسمع بالدينور أبا نصر الكسار وطائفة.
وبهمذان محمد بن عيسى وطائفة، وبالكوفة، والري، والحرمين، ودمشق، والقدس وصور، وغير ذلك، وكان مجيئه إلى دمشق سنة خمس وأربعين وأربعمائة، ثم حج، ثم قدم الشام سنة إحدى وخمسين فسكنها إحدى عشرة سنة.
روى عنه البرقاني شيخه، وأبو الفضل بن خيرون، والفقيه نصر المقدسي، وأبو عبد الله الحميدي، وعبد العزيز الكتاني، وأبو نصر بن ماكولا، وعبد الله بن أحمد السمرقندي، والمبارك بن الطيوري، ومحمد بن مرزوق الزعفراني، وأبو بكر بن الخاضبة، وأبي النرَسي، وأبو القاسم النسيب، وهبة الله ابن الأكفاني، وعلي بن أحمد بن قيس الغسان، ومحمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل الأسفراييني، وهبة الله بن عبد الله الشروطي، وأبو السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي، وعبد الرحمن بن محمد الشيباني القزاز، وأبو منصور ابن خيرون المقرئ، ويوسف بن أيوب الهمذاني نزيل مصر، وخلق يطول عدهم، وكان من كبار الشافعية، تفقه بأبي الحسن بن المحاملي وبالقاضي أبي الطيب.
وقال: أول ما سمعت في المحرم سنة ثلاث، واستشرت البرقاني في الرحلة إلى عبد الرحمن بن النحاس بمصر، أو أخرج إلى نيسابور، فقال: إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد، فإن فاتك ضاعت رحلتك، وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة، فخرجت إلى نيسابور، وكنت كثيرا أذاكر البرقاني بالأحاديث فيكتبها عني ويضمنها جموعه، وحدث عني وأنا أسمع.
قال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان، ممن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا وضبطا لحديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، وتفننا في علله وأسانيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه.(1/81)
ثم قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله، وسألت الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي ففضل الخطيب تفضيلا بينا.
وقال مؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني مثل الخطيب.
وقال أبو علي البرداني: لعل الخطيب لم ير مثل نفسه.
وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه: أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه.
قال أبو سعد السمعاني: كان الخطيب مهيبا، وقورا، ثقة، متحريا، حجة حسن الخط، كثير الضبط، فصيحا، ختم به الحفاظ.
قال: وقرأ بمكة على كريمة الصحيح في خمسة أيام.
قال السمعاني: له ستة وخمسون مصنفا: التاريخ، الجامع، الكفاية، السابق واللاحق، شرف أصحاب الحديث مجيليد، المتفق والمفترق مجلد كبير، تلخيص المتشابه مجلد كبير، تالي التلخيص في أجزاء، الفصل والوصل مجلد، المكمل في المهمل مجلد، الموضح مجلد، التطفيل مجيليد، الأسماء المهمة مجلد، الفقيه والمتفقه مجلد، الرواة عن مالك مجلد، تمييز متصل الأسانيد مجلد، البخلاء مجيليد، الفنون مجيليد، كتاب البسملة وأنها من الفاتحة جزء، الجهر بها جزءان، غنية المقتبس في تمييز الملتبس مجلد، من وافقت كنيته اسم أبيه ثلاثة أجزاء، من حدث ونسي جزء، الحيل ثلاثة أجزاء، الأسماء المبهمة جزء، رواية الأبناء عن آبائهم جزء، المؤتنف لتكملة المؤتلف والمختلف، الرحلة جزء، اقتضاء العلم جزء، الاحتجاج بالشافعي جزء، مبهم المراسيل مجلد، مقلوب الأسماء مجلد، العمل بشاهد ويمين جزء، أسماء المدلسين أربعة أجزاء، تقييد العلم ثلاثة أجزاء، القول في النجوم جزء، ما روى الصحابة عن التابعين جزء، صلاة التسبيح جزء صوم يوم الشك جزء، إجازة المجهول جزء.
قلت: ومعجم الرواة عن شعبة مجلد، المؤتلف والمختلف مجلد كبير، مسند محمد بن سوقة أربعة أجزاء، المسلسلات ثلاثة أجزاء، الرباعيات ثلاثة أجزاء، طرق قبض العلم ثلاثة أجزاء، غسل الجمعة ثلاثة أجزاء، وغير ذلك.(1/82)
أخبرنا أبو علي بن الخلال، أنا جعفر، أنا أبو طاهر الحافظ، نا محمد بن مرزوق الزعفراني، نا الحافظ أبو بكر الخطيب، قال:
أما الكلام في الصفات، فإن ما روى منها في السنن الصحاح مذهب السلف إثباتها واجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف.
والفصل إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه.
والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله.
وإذا كان معلوم أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف.
فإذا قلنا لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول إن معنى اليد القدرة، ولا أن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول إنها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: ( ليس كمثله شيء )، (ولم يكن له كفوا أحد ).
وقال ابن النجار في ترجمة الخطيب: نشأ ببغداد، وقرأ القرآن بالروايات، وتفقه وعلق شيئا من الخلاف، وآخر من حدث عنه بالسماع محمد بن عمر الأرموي القاضي.
قلت: وآخر من حدث عنه بالإجازة مسعود بن الحسن الثقفي الذي انفردت بإجازته عجيبة بنت الباقداري.
ثم طعن أبو موسى المديني في نقل إجازة الخطيب لمسعود، فتورع الرجل عنها.
قال أبو منصور علي بن علي الأمير: كتب الخطيب إلى القائم إني إذا مت يكون مالي لبيت المال، فليؤذن لي حتى أفرقه على من شئت، فأذن له، ففرقها على المحدثين.(1/83)
قال ابن ناصر: حدثتني أمي أن أبي حدثها، قال: دخلت على الخطيب في مرضه فقلت له يوما: يا سيدي إن ابن خيرون لم يعط من الذهب شيئا الذي أمرته أن يفرقه على أصحاب الحديث، فرفع الخطيب رأسه من المخدة، وقال: خذ هذه - بارك الله لك فيها- فكان فيها أربعون دينارا.
وقال مكي الرميلي: مرض الخطيب في رمضان من سنة ثلاث وستين في نصفه إلى أن اشتد به الحال في أول ذي الحجة، ومات يوم سابعه.
أخبرنا المسلم بن محمد ومؤمل بن محمد ويوسف الشيباني في كتابهم، قالوا: أنا أبو اليمن الكندي، أنا أبو منصور الشيباني، أنا أبو بكر الحافظ، أنا أحمد بن محمد بن أحمد الأهوازي، أنا محمد بن جعفر المطيري، نا الحسن بن عرفة، نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن عبيد الله بن عمر، عن أسامة بن زيد، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – قال:
" ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا أن في الرقيق صدقة الفطر ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى الخطيب بثلاثة، وللخطيب علو حيث وصل إلى الحسن بن عرفة المتوفى سنة سبع وخمسين ومائتين باثنين.
وقد أخرجه الخطيب في تاريخه (14/114)، في ترجمة يحيى بن زكريا بن أبي زائدة من طريق أحمد ابن محمد الأهوازي به.
وأخرجه مالك في الموطأ (1/277)، في الزكاة، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار عن عراك به.
فللخطيب علو إلى مالك وموافقة في شيخ شيخ شيخه.
وأخرجه البخاري في الزكاة حديث (1463،1464)، من طريقين:
إحداهما - عن آدم، عن شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن عراك به.
والثانية - عن مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن خثيم بن عراك، عن أبيه به.
فللخطيب موافقة مع البخاري في عراك من هاتين الطريقين.
وأخرجه مسلم في صحيحه حديث (982)، من طرق إلى عراك بن مالك.
فللخطيب موافقة مع مسلم في عراك.
وأخرجه أبو داود في سننه (2/251)، حديث (1595،1594)، من طريقين:(1/84)
الأولى - من طريق عبيد الله، عن رجل عن مكحول، عن عراك به.
والثانية - عن عبد الله بن مسلمة، حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه.
فللخطيب موافقة مع أبي داود في عبيد الله شيخ شيخ شيخ أبي داود.
وله معه موافقة في الطريق الثانية في عراك بن مالك.
وأخرجه النسائي في سننه (5/35)، من طرق، عن عراك بن مالك بنحوه، انظر حديث (2470،2469،2468،2467).
وفي بعض طرقه، عن إسماعيل بن أمية، عن مكحول، عن عراك، فتبين المجهول في رواية أبي داود كما تبين من طرق عند الأئمة، كما ترى، وعلى كل فللخطيب موافقة مع النسائي في عراك.
وأخرجه الترمذي في جامعه، في الزكاة، حديث (628)، من طريق أبي كريب محمد بن العلاء ومحمود بن غيلان، قالا: حدثنا وكيع، عن سفيان وشعبة، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه.
ففيه موافقة للخطيب مع الترمذي في عراك بن مالك. وهذه الموافقات حاصلة للذهبي.
22- شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري ت (481) (ط14)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1183-1191)، فقال:
" الحافظ الإمام الزاهد أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر ابن منصور بن مت الأنصاري الهروي، من ذرية أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -.(1/85)
ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة، وسمع جامع أبي عيسى من عبد الجبار بن محمد الجراحي، وسمع من أبي منصور محمد بن محمد الأزدي، والحافظ أبى الفضل محمد بن أحمد الجارودي، وأبي منصور أحمد ابن أبى العلاء، ويحيى بن عمار السجستاني، ومحمد بن جبريل الماحى، وأحمد بن علي بن منجويه الحافظ، وأبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وعلي بن محمد بن محمد الطرازى، وأحمد بن محمد السليطى أصحاب الأصم، ومن القاضى أبي بكر الحيري ولم يحدث عنه، وأكثر عن أبي يعقوب القراب وطبقته، وصنف الأربعين، وكتاب الفاروق في الصفات، وكتاب ذم الكلام وأهله، وكتاب منازل السائرين، وأشياء، وكان سيفا مسلولا على المخالفين، وجذعا في أعين المتكلمين، وطوداً في السنة لا يتزلزل، وقد امتحن مرات.
قال ابن طاهر: وسمعته يقول بهراة: عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي اسكت عمن خالفك فأقول: لا أسكت، وسمعته يقول: أحفظ اثنى عشر ألف حديث أسردها سردا.
قال أبو النضر الفامي: كان إسماعيل بكر الزمان، وواسطة عقد المعاني، وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها: نصرة الدين والسنة من غير مداهنة، ولا مراقبة لسلطان، ولا وزير وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت، وسعوا في روحه مرارا، وعمدوا إلى إهلاكه أطوارا، فوقاه الله شرهم، وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه.
قلت: تخرج به خلق كثير، وفسر القرآن مدة، وفضائله كثيرة.
ورأيت أهل الاتحاد يعظمون كلامه في منازل السائرين، ويدَّعون أنه موافقهم، ذائق لوجدهم، ورامز لتصوفهم الفلسفى، أنى يكون ذلك؟ وهو من دعاة السنة، وعصبة آثار السلف.
ولا ريب أن في منازل السائرين أشياء من محط المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء الغيبة عن شهود السوى، ولم يرد عدم السوى في الخارج.(1/86)
وفي الجملة هذا الكتاب لون آخر غير الأنموذج الذي أصفق عليه صوفية التابعين(1) ودرج عليه نساك المحدثين، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم، وله قصيدة في السنة سمعناها غالبها جيد، وله مجلد في مناقب الإمام أحمد بن حنبل، سمعناه من ابن القواس، عن الكندي إجازة، عن الكروجى عنه.
حدث عنه المؤتمن الساجي، وابن طاهر المقدسي، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وعبد الصبور ابن عبد السلام الهروي، وعبد الملك الكروجى، وحنبل بن علي البخاري، وأبو الفتح محمد بن إسماعيل الفامي، وعبد الجليل بن أبي سعد المعدل، وأبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، وآخرون، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار.
قال السلفي: وسألت المؤتمن عن أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: كان آية في لسان التذكير والتصوف(2) من سلاطين العلماء.
سمع ببغداد من أبي محمد الخلال وغيره، يروى في مجالسه أحاديث بالأسانيد وينهى عن تعليقها عنه، وكان بارعا في اللغة، حافظا للحديث، قرأت عليه كتاب ذم الكلام، وقد روى فيه حديثا عن علي ابن بشرى، عن أبي عبد الله بن منده، عن إبراهيم بن مرزوق، فقلت له: هذا هكذا؟ قال: نعم، وإبراهيم هو شيخ الأصم وطبقته، وهو إلى الآن في كتابه على الخطأ كذا.
__________
(1) غفر الله لك من هم صوفية التابعين ؟ وهل منهج واعتقاد صوفية التابعين يخالف الكتاب والسنة ومنهج واعتقاد الصحابة الكرام أو يوافق ذلك ؟ إن قلت : يوافقون الصحابة في التمسك بالكتاب والسنة عقيدة ومنهجا وعبادة فلا داعي لتسميتهم بالصوفية، وإن كانوا يخالفونهم في ذلك، فيكون وصفهم بالصوفية ذم لا مدح كالخوارج والجهمية والمعتزلة.
(2) أقول : رحم الله أبا إسماعيل الطود الشامخ الرافع لراية السنة والمجاهد الصابر ورفع الله درجته مع المجاهدين الصابرين وعفا عنه ما انخدع به من التصوف.(1/87)
قلت: وهكذا سقط عليه رجلان من حديثين مخرجين من جامع الترمذي، نبهت عليهما في نسختي وهو على الخطأ في غير نسخة.
قال المؤتمن: وكان يدخل على الأمراء والجبابرة فما يبالي بهم، ويرى الغريب من المحدثين فيبالغ في إكرامه، قال لي مرة: هذا الشأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشأن، يعنى طلب الحديث، وسمعته يقول: تركت الحيري لله، قال وإنما تركته لأنه سمعت منه شيئا يخالف السنة.
قال الحسين بن علي الكتبى: خرج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطه إلى أن ذهب بصره، فكان يأمر في ما يخرجه لمن يكتبه عنه ويصحح هو، وقد تواضع بأن خرج لي فوائد ولم يبق أحد ممن خرج لي سواه.
قال ابن طاهر: سمعت(1) يقول إذا ذكر التفسير فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير، وسمعته ينشد على منبره:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
وسمعته يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت على الرجوع فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري، وألتقيه، وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمودا لما دخل الري، وقتل بها الباطنية(2) منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض اعتقاده عليه فإن رضيه أذن له في الكلام على الناس، وإلا منعه، فلما قربت من الري كان معي رجل في الطريق من أهلها، فسألني عن مذهبي، فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به، وهذه بدعة وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم، فقلت حيرة، فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال هذا سألته عن مذهبه فذكر مذهبا لم أسمع به قط، قال: وما ذاك؟ قال: قال أنا حنبلي فقال: دعه فكل من لم يكن حنبليا فليس بمسلم، فقلت الرجل كما وصف لي ولزمته أياما وانصرفت.
__________
(1) كذا ولعل أصله: "سمعته ".
(2) رحم الله السلطان محموداً الذي أعز الله به الإسلام والسنة، وقمع به أهل الإلحاد وأهل الضلال.(1/88)
قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أن السلطان ألب أرسلان قدم هراة معه وزيره نظام الملك، فاجتمع إليه أئمة الفريقين الحنفية والشافعية للشكوى من الأنصاري، ومطالبته بالمناظرة، فاستدعاه الوزير، فلما حضر، قال: إن هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإن يكن الحق معك رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم فإما أن ترجع أو تسكت عنهم، فقام الأنصاري وقال: أناظر على ما في كمي قال: وما في كمك؟ قال: كتاب الله وأشار إلى كمه اليمين وسنة رسول الله وأشار إلى كمه اليسار، وكان فيه الصحيحان، فنظر الوزير إليهم مستفهما لهم، فلم يكن فيهم من ناظره من هذه الطريق(1)، وسمعت أحمد بن أميرجه خادم الأنصاري، يقول: حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلخ.
__________
(1) هكذا يعمل علماء السوء وهذا منهجهم ينتسبون إلى السنة وإلى أئمتها، وهم من أبعد الناس عن الكتاب والسنة وعن عقيدة الأئمة ومنهجهم، ويحاربون المتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما عليه السلف الصالح مع ادعائهم أنهم على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف، ولكن إذا جاء الحق زهق الباطل وانكشف زيفهم، انظر كيف جمعهم الباطل وهم متنافرون وانظر كيف لم يرضوا الاحتكام إلى الكتاب والسنة وكيف خذلهم الله على كثرتهم وسلطانهم أمام الكتاب والسنة ومن يتمسك بهما ويعتز بهما، قال تعالى :
( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ).(1/89)
قلت: كان قد غرب إلى بلخ، قال: فلما دخل عليه أكرمه وبجله، وكان هناك أئمة من الفريقين فاتفقوا(1) على أن يسألوه بين يدي الوزير، فقال العلوي الدبوسى: يأذن الشيخ الإمام أن أسأل، قال: سل، قال: لم تلعن أبا الحسن الأشعري؟ فأطرق الوزير، فلما كان بعد ساعة قال له الوزير: أجبه قال: لا أعرف أبا الحسن، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء، وأن القرآن في المصحف، وأن النبي اليوم ليس بنبي، ثم قام وانصرف، فلم يمكن أحدا أن يتكلم من هيبته، فقال الوزير للسائل: هذا أردتم أن نسمع ما كان يذكره بهراة بآذاننا وما عسى أن افعل به ؟ ثم بعث إليه بصلة وخلع فلم يقبلها، وسار من فوره إلى هراة.
__________
(1) انظر كيف يتحد ويتفق أهل الأهواء ضد أهل الحق ويتناسون ما بينهم من خلافات وعداوات كما يفعل ورثتهم اليوم.(1/90)
قال: وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته، اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل وسلموا عليه، وقالوا ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطئوا على أن حملوا معهم صنما من نحاس صغيرا وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ وخرجوا، وقام إلى خلوته، ودخلوا على السلطان، واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مجسم، وأنه يترك في محرابه صنما يزعم أن الله على صورته، وإن بعث الآن السلطان يجده، فعظم ذلك على السلطان وبعث غلاما ومعه جماعة، فدخلوا الدار وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم ورجع الغلام بالصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء والسلطان قد اشتد غضبه، فقال السلطان له: ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة، قال: لست عن ذا أسألك، قال: فعم يسألني السلطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول إن الله على صورته، فقال الأنصاري بصولة صوت جهوري: سبحانك هذا بهتان عظيم، فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرما، وقال لهم: اصدقونى وهددهم فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شره عنا، فأمر بهم ووكل بكل واحد منهم وصادرهم وأهانهم(1).
... قال أبو الوقت عبد الأول: دخلت نيسابور وحضرت على الأستاذ أبي المعالي الجويني، فقال: من أنت؟ قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: رضي الله عنه.
قلت: اسمع ترضى هذا الإمام عن هذا الإمام وإياك وسماع سب هذا الإمام من الأنعام.
__________
(1) أقول : بئس ما فعل شيوخ السوء والضلال، فعملهم هذا من أحط وأخبث أنواع الكيد والمكر ثم كيف أخزاهم الله ورد كيدهم في نحورهم.(1/91)
قال ابن طاهر: سمعت أبا إسماعيل يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم، قلت: ولم ؟ قال لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه وبينها فيصل إلى فائدته كل فقيه وكل محدث.
قال ابن السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ عن عبد الله بن محمد الأنصاري، فقال: إمام حافظ.
قال أبو سعد السمعاني: كان مظهرا للسنة داعيا إليها محرضا عليها، وكان مكتفيا بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظلمة شيئا، وما كان يتعدى إطلاق ما ورد في الظواهر(1)من الكتاب والسنة معتقدا ما صح، وغير مصرح بما يقتضيه تشبيه، وقال: من لم ير مجلسي وتذكيري فطعن فيّ فهو مني في حل.
... وقال أبو النضر الفامي: توفي أبو إسماعيل في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وقد جاوز أربعا وثمانين سنة.
قلت: فيها توفى راوي الجامع أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجى الهروي، ومسند خراسان أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمى المزكى، ومسند أصبهان أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ابن الحسن بن ماجة الأبهرى.
قرأت على محمد بن قايماز الدقيقي والحسن بن علي القلانسي وعلى أبي محمد الحافظ، أخبركم عبد الله بن عمر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الله بن محمد الأنصاري، أنا عبد الجبار بن الجراح، أنا محمد بن أحمد بن محبوب، نا أبو عيسى الترمذي، نا قتيبة، ثنا ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر، عن سالم أبي النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لم أجد هذا في كتاب الله ".
__________
(1) الأخذ بظواهر القرآن والسنة مع تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين هو الحق الذي عليه السلف الصالح، فلا تشبيه ولا تعطيل.(1/92)
هذا حديث حسن غريب تفرد به ابن عيينة أخرجه (د ت ق)، ولكن رواه (ق) عن نصر بن علي، فلم يجود إسناده عن سفيان، فقال عن سالم أو زيد بن أسلم عن عبيد الله عن أبيه ".
أقول:
في هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى الأنصاري بثلاثة من الرواة، وعلو للأنصاري، حيث وصل إلى الترمذي باثنين، وللذهبي علو تابع إلى الترمذي.
وقد أخرجه الأنصاري في كتابه ذم الكلام (2/122-124)، من هذا الطريق.
وأخرج له متابعات وشواهد يصح بها هذا الحديث.
وأخرجه الترمذي في جامعه (4/358)، حديث (2663)، من طريق قتيبة به كما قال الذهبي.
وأخرجه أبو داود في سننه (5/12)، حديث (605)، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد الله بن محمد النفيلي، قالا: حدثنا سفيان عن أبي النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع به.
فللأنصاري موافقة مع أبي داود في شيخ شيخه سفيان بن عيينة.
وهذه الموافقة حاصلة للذهبي.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1/6-7)، حديث (13)، قال:
حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا سفيان بن عيينة في بيته، عن سالم أبي النضر وزيد بن أسلم به، كما قال الذهبي.
فللأنصاري مع ابن ماجة موافقة في شيخ شيخه، وتسمى هذه الموافقة بدلا وهي حاصلة للذهبي.
الطبقة الخامسة عشرة وعدتهم أربعون حافظاً منهم:
23- ابن ماكولا ت (475وقيل 486) ط(15)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1201-1207)، فقال:
" الأمير الكبير الحافظ البارع أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد بن دلف ابن الأمير الجواد أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي الجرباذقابى ثم البغداذى مصنف الإكمال وغير ذلك، وعجل بطن من بكر بن وائل، ثم من ربيعة أخي مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
قال: ولدت في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة بعكبرا.(1/93)
سمع بشرى بن عبد الله الفاتنى، وعبيد الله بن عمر بن شاهين، وأبا طالب بن غيلان، وأبا الطيب الطبري، وأبا منصور محمد بن محمد السواق، وأحمد بن محمد العتيقي، وأبا بكر بن بشران، وعبد الصمد بن محمد بن مكرم، وخلائق ببغداد، وأبا القاسم الحنائي وطبقته بدمشق، وأحمد ابن القاسم بن ميمون المصري بمصر، وسمع بما وراء النهر، وخراسان والجبال، والجزيرة، والسواحل، ولقى الحفاظ والأعلام.
حدث عنه أبو بكر الخطيب شيخه، والفقيه نصر المقدسي، وأبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وشجاع الذهلي، والحميدي، ومحمد بن طرخان التركي، وأبو علي محمد ابن محمد بن المهدى، وأبو القاسم إسماعيل بن السمرقندي، وعلي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب، وآخرون.
أخبرنا الحافظ أبو الحجاج القضاعي أنه قرأ بالثغر على محمد بن عبد الخالق الأموي، أخبرك علي بن المفضل الحافظ، أنا أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ، أنا أبو الغنائم النرسي الحافظ، أنا أبو نصر علي بن هبة الله العجلي الحافظ ولم أسمع منه غيره، حدثني أبو بكر أحمد بن مهدى، نا أبو حازم العبدوي، نا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن يوسف الهنسجانى، نا أبو الفضل صاحب أحمد بن حنبل، نا زهير بن حرب، نا يحيى بن معين، نا علي بن المديني، نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا شعبة عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت:
" كن أزواج النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يأخذن من رؤوسهن حتى يكون كالوفرة ".
أنبأنيه عبد الواسع الأبهرى، نا أبو إسحاق بن الخشوعى، نا أبو القاسم الحافظ، نا أبو القاسم النسيب، نا أبو بكر الخطيب فذكره، قلت: هو أحمد بن مهدى، وزاد في آخره: قال الهسنجاني، ناه عبيد الله بن معاذ، فذكره.
قال الخطيب: ورواه محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل، عن إبراهيم بن يوسف، عن الفضل ابن زياد، عن أحمد.(1/94)
وأنا المؤمل بن محمد وابن علان، قالا: أنا الكندي، أنا السيناني، أنا أبو بكر الخطيب، قال: كتب إلي أحمد بن القاسم بن ميمون الحسيني من مصر، وحدثني أبو نصر علي بن هبة الله عنه، أنا أحمد بن محمد ابن الأزهر السمناوى، أنا أحمد بن يعلى بن عيسى الوشاء، أنا موسى بن عيسى بالرملة بغدادي سنة خمسين ومائتين، نا يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم-:
" إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن، فيقول: من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والديه تحت الثرى، من أسكته فله الجنة ".
قال الخطيب: منكر جدا، ورجاله معروفون سوى موسى(1)فإنه مجهول.
قلت: هو واضعه، قال شيرويه في طبقاته: كان الأمير يعرف بالوزير سعد الملك بن ماكولا، قدم رسولا مرارا، سمعت منه وكان حافظا متقنا عني بهذا الشأن، ولم يكن في زمانه بعد الخطيب أحد أفضل منه، حضر مجلسه الكبار من شيوخنا وسمعوا منه.
وقال الحافظ ابن عساكر: وزر أبوه للقائم أمير المؤمنين، وولي عمه قضاء القضاة ببغداد وهو الحسين ابن علي. قال: ولدت في شهر شعبان سنة إحدى وعشرين.
قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء إلا وأحالني على الكتاب، وقال حتى أكشفه، وما راجعت ابن ماكولا في شيء إلا وأجابني حفظا كأنه يقرأ من كتاب.
قال أبو الحسن محمد بن مرزوق: لما بلغ الخطيب أن ابن ماكولا أخذ عليه في كتابه المؤتنف، وصنف في ذلك تصنيفا، وحضر عنده ابن ماكولا سأله الخطيب عن ذلك فأنكر ولم يقر وأصر، وقال هذا لم يخطر ببالي، وقيل: إن التصنيف كان في كمه فلما مات الخطيب أظهره، وهو الكتاب الملقب بمستمر الأوهام.
قلت: ملكته وهو كتاب نفيس يدل على تبحر ابن ماكولا وإمامته.
__________
(1) قال الذهبي فيه: " موسى بن عيسى البغدادي عن يزيد بن هارون بخبر كذب " إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن " الميزان (4/216).(1/95)
قال ابن طاهر: سمعت أبا إسحاق الحبال يمدح أبا نصر بن ماكولا ويثنى عليه ويقول: دخل مصر في زي الكتبة، فلم نرفع به رأسا، فلما عرفناه كان من العلماء بهذا الشأن.
قال السمعاني: كان ابن ماكولا لبيبا حافظا عارفا يرشح للحفظ حتى كان يقال له الخطيب الثاني، وكان نحويا مجودا وشاعرا مبرزا جزل الشعر فصيح العبارة صحيح النقل، ما كان في البغداديين في زمانه مثله، طاف الدنيا وأقام ببغداد.
قال ابن النجار في ترجمة ابن ماكولا: أحب العلم من الصبا، وطلب الحديث وأتقن الأدب، وله النظم والنثر والمصنفات.
نفذه المقتدي بالله رسولا إلى سمرقند وبخارى؛ لأخذ البيعة له على ملكها طمغان الخان.
قال هبة الله بن المبارك بن الدواتى: اجتمعت بالأمير ابن ماكولا، فقال لي خذ جزئين من الحديث، فاجعل متون هذا الجزء لأسانيد الجزء الآخر، ومتونه لأسانيد الأول حتى أرده إلى حالته الأولى.
قال أبو طاهر بن سلفة: سألت أبا الغنائم النرسي عن الخطيب، فقال: جبل لا يسأل عن مثله، ما رأينا مثله، وما سألته عن شيء فأجاب في الحال إلا يرجع إلى كتابه.
وأخبرنا أبو علي بن الخلال، أنا جعفر، أنا السلفي، قال: سألت شجاعا الذهلي عن ابن ماكولا، فقال كان حافظا فهما ثقة، صنف كتابا في علم الحديث. وقال مؤتمن الساجي: لم يلزم ابن ماكولا طريق أهل العلم فلم ينتفع بنفسه. قال ابن عساكر: سمعت إسماعيل بن السمرقندي يذكر أن ابن ماكولا كان له غلمان أتراك أحداث، فقتلوه بجرجان سنة نيف وسبعين وأربعمائة.
وقال ابن ناصر: قتل الحافظ ابن ماكولا، وقد كان سافر نحو كرمان ومعه مماليكه الأتراك فقتلوه وأخذوا ماله في سنة خمس وسبعين وأربعمائة هكذا نقل ابن النجار.
وقال أبو سعد السمعاني: سمعت ابن ناصر يقول: قتل ابن ماكولا بالأهواز إما في سنة ست أو سبع وثمانين وأربعمائة.
وقال السمعاني: خرج من بغداد إلى خوزستان، وقتل هناك بعد الثمانين.(1/96)
وقال أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم: قتل سنة خمس وسبعين وقيل سنة ست وثمانين.
وقال غيره: قتل في سنة تسع وسبعين.
وقيل: في سنة سبع وثمانين بخوزستان.
حكى هذين القولين القاضى ابن خلكان.
ومن شعره:
قوض خيامك عن دار أهنت بها وجانب الذل إن الذل مجتنب
وارحل إذا كانت الأوطان مضيعة فالمندل الرطب في أوطانه حطب
وله:
ولما توافقنا تباكت قلوبنا فممسك دمع يوم ذاك كساكبه
فيا كبدى الحرى البسى ثوب حسرة فراق الذي تهوينه فد كساك به
قلت: يعز وقوع حديث الأمير ابن ماكولا، سمعت من عدة وأجازوا لنا عن أبي الحسن بن المقير، وأنبأؤنا عن الحافظ أبي محمد بن الأخضر كلاهما عن محمد بن ناصر الحافظ، عن كتاب أبي نصر الأمير إليه ح وأنبأنا أحمد بن سلامة، أنبأنا الأرتاحى، أنبأنا أبو الحسن بن الفراء، عن ابن ماكولا، أنا مظفر ابن الحسن الهمذاني سبط ابن لال، أنا جدي أبو بكر أحمد بن علي الحافظ، أنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ، أنا محمد بن علي بن الشاه، نا أبو بكر محمد بن إبراهيم البغداذى بأنطاكية، نا محمد ابن عبد الرحمن بن بحير الحميري بمصر، أنا خالد بن نجيح، نا سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن فافاه، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عائشة -رضي الله عنها -، عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:
" لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ".
قال الشيرازي: فافاه هو أبو معاوية الضرير، وقال الأمير بل هو إسماعيل الكندي شيخ لبقية، وأما الحديث ففي صحيح البخاري، عن آدم وعلي في الجنائز والرقاق، عن شعبة، ووقع لنا متصلا عاليا في كتاب الألقاب للشيرازي، ووقع لنا أعلى بخمس درج أيضا، حتى كأني رويته عن الشيرازي.
أقول:
قد وقع العلو بهذين الإسنادين للحافظ الذهبي إلى ابن ماكولا، حيث وصل إليه في الإسناد الأول باثنين فقط، ووصل إليه في الإسناد الثاني بثلاثة.(1/97)
وله علو إلى الحافظ أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي المتوفى سنة سبع وأربعمائة (407)، حيث وصل إليه بخمسة من الرواة.
وذكر أنه وقع له علو في إسناد هذا الحديث مرتين:
إحداهما - في كتاب الألقاب للشيرازي.
وثانيتهما - من طريق أخرى أعلى منها حتى كأنه روى هذا الحديث عن الشيرازي.
ولا أدري أين أورده الذهبي، فقد بحثت عنه في السير وفي المعجم المختص وفي معجم شيوخ الذهبي فلم أجده.
وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد (6/180)، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
" لا تسبوا الأموات.... الحديث.
ورواه الإمام البخاري في صحيحه، في الجنائز، حديث (1393)، قال:
حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد به.
وفي كتاب الرقاق، حديث(6516)، قال:حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة عن الأعمش به.
ورواه النسائي (4/53)، حديث (1936)، قال: أخبرنا حميد بن مسعدة، عن بشر، وهو ابن المفضل، عن شعبة، عن الأعمش به.
وهو مخرج في عدد من الكتب الأخرى كصحيح ابن حبان، والسنن والشعب للبيهقي، وشرح السنة للبغوي.
24- أبو علي الغساني ت (498) (ط 15)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1233-1235)، فقال:
" الحافظ الإمام الثبت، محدث الأندلس أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الجيانى الأندلسي.(1/98)
ولد في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وحمل عن حكيم بن محمد الحداني، وحاتم بن محمد الأطرابلسي، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي شاكر عبد الواحد الفيرى، وأبي عبد الله بن عتاب، والمحدث أبي عمرو بن الحذاء، وسراج بن عبد الله القاضى، وأبي الوليد الباجى، وأبي العباس بن دلهاث، وعدة، ولم يخرج من الأندلس، وكان من جهابذة الحفاظ البصراء، بصيرا بالعربية واللغة والشعر والأنساب، صنف في ذلك كله، ورحل الناس إليه، وعولوا في النقل عليه، وتصدر بجامع قرطبة، وأخذ عنه الأعلام، قال هذا وأكثر منه خلف بن بشكوال، وقال أنا عنه غير واحد ووصفوه بالجلالة والحفظ والنباهة والتواضع والصيانة.
قال السهيلي في الروض: حدثني أبو بكر بن طاهر، عن أبي علي الغساني أن أبا عمر بن عبد البر، قال له: أمانة الله في عنقك متى عثرت على اسم من أسماء الصحابةلم أذكره إلا ألحقته في كتابي يعنى الاستيعاب.
وقال ابن بشكوال: سمعت الحسن بن مغيث قال: كان أبو علي من أكمل من رأيت علما بالحديث، ومعرفة بطرقه، وحفظا لرجاله، عانى كتب اللغة وأكثر من رواية الأشعار وجمع من سعة الرواية ما لم يجمعه أحد أدركناه، وصحح من الكتب ما لم يصححه غيره من الحفاظ، فكتبه حجة بالغة، جمع كتابا في رجال الصحيحين سماه " تقييد المهمل وتمييز المشكل" وهو كتاب حسن مفيد أخذه الناس عنه.
قال ابن بشكوال: سمعناه على القاضى أبي عبد الله بن الحجاج عنه، لزم بيته مدة لزمانة لحقته.
قلت: روى عنه تقييده محمد بن محمد بن الحكم الباهلى شيخ السلفي، والعثمانى.(1/99)
وممن روى عنه محمد بن أحمد بن إبراهيم الجيانى الملقب بالبغدادي، وأبو علي بن سكرة الصدفي، وأبو العلاء زهر بن عبد الملك الأيادى، وعبد الله بن أحمد بن سماك الغرناطي، وعبد الرحمن بن أحمد ابن أبي ليلى الأنصاري الحافظ، ويوسف بن يبقى النحوي، وخلائق سواهم آخرهم مسند مراكش محمد ابن عبد الله بن خليل القيسي، سمع منه هذا صحيح مسلم، وبقى إلى سنة سبعين وخمسمائة.
توفى الأستاذ أبو علي في ليلة الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت من شعبان سنة ثمان وتسعين وأربعمائة.
أخبرنا الحسن بن علي، أنا جعفر بن علي، أنا محمد العثماني، أنا محمد بن محمد الباهلى، أنا أبو علي الغساني، أنا حكيم بن محمد، نا أبو بكر بن إسماعيل، نا أبو القاسم البغوي إملاءا بمكة سنة عشر وثلاثمائة، نا هدبة بن خالد، حدثنا المبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى الجياني بأربعة رواة، وعلو للجياني، حيث وصل إلى البغوي باثنين، وحيث وصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبعة، وهذا الأخير علو مطلق للجياني، والذهبي تابع له في هذا العلو.
أورد الجياني هذا الحديث بهذا الإسناد في تقييد المهمل (3/1146) في ترجمة هدبة بن خالد قال: " حدثنا حكم بن محمد، قال: نا أبو بكر بن إسماعيل به.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص273)، رقم (3053)، قال:
" حدثنا المبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
" ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه ".
فللجياني موافقة مع الطيالسي في شيخه المبارك بن فضالة، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (6/143)، حديث (3420) قال:
حدثنا علي بن الجعد، حدثنا مبارك بن فضالة به.(1/100)
فللجياني مع أبي يعلى موافقة في شيخ شيخه، وهذه الموافقة تسمى بدلاً وهي حاصلة للذهبي.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه (2/325)، حديث (566) بإسناده إلى مبارك بن فضالة به.
والحديث صححه الحاكم من هذا الوجه، ووافقه الذهبي، وأقره العراقي مع أن في إسناده مبارك ابن فضالة، قال فيه الحافظ في التقريب: " صدوق يدلس ويسوي ".
وقال الذهبي في الكاشف: " قال عفان ثقة من النساك وكان وكان، وقال أبو زرعة: إذا قال حدثنا فهو ثقة، وقال النسائي: " ضعيف ".
وقد صرح بسماعه عن ثابت عند ابن حبان، حيث قال: حدثنا ثابت، فانتفت عنه شبهة التدليس.
وقد أورد له العلامة الألباني متابعة أعلها الخطيب، ونفى الألباني هذه العلة، انظر الصحيحة حديث (450)، وأشار إلى أن له شاهداً صحيحاً.
ثم أورد هذا الشاهد في الصحيحة برقم (3273)، وعزاه إلى المعجم الأوسط للطبراني بالجزء والصحيفة.
والأمر كما ذكر، فقد وجدت الحديث في الأوسط من معاجم الطبراني (6/134)، رقم (5275) كما ذكر الشيخ الألباني عن أبي الدرداء مرفوعاً بلفظ " ما من رجلين تحابا في الله بظهر الغيب، إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبَّاً لصاحبه ".
ووثق الألباني رجال هذا الإسناد، ونقل عن المنذري قوله: "رواه الطبراني بإسناد جيد قوي" وعن الهيثمي أنه قال: " رجاله رجال الصحيح غير المعافى بن سليمان، وهو ثقة ".
25 - ابن منده يحيى بن عبد الوهاب ت (511) (ط 15)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1250-1252)، فقال:(1/101)
" الحافظ العالم المسند أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ الشيخ أبي عبد الله محمد ابن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني العبدي، سمع أباه وعميه عبد الرحمن الحافظ، وعبيد الله التاجر، وأبا بكر بن ريذة صاحب الطبراني، وأبا طاهر بن عبد الرحيم صاحب أبي الشيخ، وأبا العباس أحمد بن محمد القصاص، وأحمد بن محمود الثقفي، ومحمد بن علي الجصاص، وإبراهيم بن منصور سبط بحرويه، وأبا الفتح علي بن محمد الدليلى، ومحمد بن علي بن الحسين، والجوزدانى، وأبا بكر أحمد ابن منصور المغربي، وسعيد العيار، وأبا الوليد الحسن بن محمد الدربندي، وأبا الفضل عبد الرحمن ابن أحمد الرازي الزاهد، وأبا بكر البيهقي، وخلقا كثيرا، وله إجازة من أبي طالب بن غيلان، وجماعة.
حج سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وأملى ببغداد، ومن مسموعاته كتاب" المعجم الكبير" للطبرانى، من ابن ريذة.
حدث عنه عبد الوهاب الأنماطي،ويحيى بن عبد الغافر بن الصباغ، وعلي بن أبي تراب، وابن ناصر، والسلفى، وعبد الحق اليوسفي، وأبو محمد بن الخشاب، وخلق، آخرهم موتا محمد بن إسماعيل الطرسوسي.
ذكره أبو سعد السمعاني، وقال: هو جليل القدر وافر الفضل، واسع الرواية ثقة حافظ مكثر صدوق كثير التصانيف، حسن السيرة بعيد من التكلف، أوحد بيته في عصره، خرج التاريخ لنفسه، ولجماعة من شيوخنا، وأجاز لي مسموعاته، وسألت إسماعيل بن محمد الحافظ عنه، فأثنى عليه ووصفه بالحفظ والمعرفة والدراية، وسمعت محمد بن أبي نصر الفتوانى الحافظ يقول: بيت بني منده بدىء بيحيى وختم بيحيى.(1/102)
قرأت بخط اليونارتى: مولد يحيى بن منده في شوال سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وكتب إلي معمر ابن الفاخر أنه توفى يوم النحر سنة إحدى عشرة، وقيل توفى في ثاني عشر ذي الحجة، وفيها مات شيخ القراء خطيب قرطبة أبو القاسم خلف بن إبراهيم بن النخاس عن أربع وثمانين سنة، وشيخ بغداد أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن يوسف اليوسفي، ومسند أصبهان أبو القاسم غانم ابن محمد بن عبيد الله البرحي الأصبهاني، عن أربع وتسعين سنة، ومسند العراق أبو علي محمد بن سعيد ابن نبهان الكرجي الكاتب، خاتمة من سمع من ابن شاذان.
أخبرنا محمد بن يوسف الأديب، أنا عبد الوهاب بن طاهر، أنا أبو طاهر السلفي، ثنا يحيى ابن عبد الوهاب الحافظ املاء بانتخابى، أنا أبو طاهر أحمد بن محمود، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الخازن، نا أحمد بن عمر بن يوسف بن جوصا، ثنا معاوية بن عمرو، ثنا حريز بن عثمان، قلت لعبد الله ابن بسر:
هل كان في رأس رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- من شيب ؟ قال: " كان في رأسه شعرات بيض كان إذا ادهن يتغيبن ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى يحيى بن عبد الوهاب بثلاثة من الرواة.
وقد أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده (4/187-188) من طريق حجاج بن محمد وأبي المغيرة وحسن بن موسى، كلهم، عن حريز بن عثمان، عن عبد الله بن بسر، قلت لعبد الله ابن بسر:
أشيخاً كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ؟، قال: " كان بعنفقته شعرات بيض ".
فللحافظ يحيى بن منده موافقة مع الإمام أحمد في شيخ شيوخه، وهي حاصلة للذهبي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (8/327)، حديث (25450)، قال:
حدثنا إسحاق بن سليمان، عن حريز.
فلابن منده معه موافقة في شيخ شيخه حريز.
وأخرجه البخاري في المناقب، حديث ( 3546)، قال: حدثنا عصام بن خالد حدثنا حريز ابن عثمان.
فلابن منده موافقة مع البخاري في شيخ شيخه حريز.(1/103)
وهذه الموافقة حاصلة للحافظ للذهبي.
26- البغوي ت (516) ط(15)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1257-1259)، فقال:
" الإمام الحافظ الفقيه المجتهد محي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء الشافعي صاحب" معالم التنزيل" و"شرح السنة" و" التهذيب" و" المصابيح" وغير ذلك.
تفقه على القاضى حسين صاحب التعليقة، وحدث عنه وعن أبي عمر عبد الواحد بن أحمد المليحى، وأبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وعلي بن يوسف الجويني وأبي الحسن محمد بن محمد الشيرزى.
روى عنه أبو منصور محمد بن أسعد العطارى المعروف بحفدة، وأبو الفتوح محمد بن محمد الطائي، وأهل مرو، وبورك له في تصانيفه لقصده الصالح، فإنه كان من العلماء الربانيين، كان ذا تعبد ونسك وقناعة باليسير، وكان يأكل كسرة وحدها فعذلوه، فصار يأكلها بزيت، وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها، ولعل محي السنة بلغ ثمانين سنة، ويلقبونه أيضا ركن الدين، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو المكلام فضل الله بن محمد التوقانى، شيخ حيي إلى حدود الستمائة، وأجاز لشيخنا الفخر علي المقدسي، وتوفى محي السنة بمدينة مرو الروذ في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة، ودفن عند شيخه القاضى حسين.
أخبرنا عمر بن إبراهيم بن حسين الكاتب وعبد الخالق بن عبد السلام الشافعي وأحمد بن محمد ابن سعد وإسماعيل بن عبد الرحمن وأحمد بن عبد الرحمن وأحمد بن عبد الحميد بن قدامة وخديجة بنت الرضى، قالوا: أنا محمد بن الحسين بن بهرام الصوفي، أنا محمد بن أسعد العطارى سنة سبع وستين وخمسمائة، أنا محي السنة الحسين بن مسعود الفقيه، أنا أبو الحسن محمد بن محمد، أنا أبو علي زاهر ابن أحمد، أنا إبراهيم بن عبد الصمد، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني، عن أبيه أنه أخبره، أن أبا سعيد الخدري قال له:(1/104)
"إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوتك أو صوت المؤذن جن، ولا إنس، ولا شيء، إلا شهد له يوم القيامة.
قال أبو سعيد سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ".
أقول:
هذا الحديث أخرجه الإمام البغوي في كتابه شرح السنة (2/271) بإسناده إلى مالك به.
وأخرجه مالك في الموطأ (1/69)، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه، عن أبي سعيد به.
ففيه علو للبغوي، حيث وصل إلى مالك بأربعة من الرواة، وللذهبي علو تابع لهذا العلو.
وأخرجه الإمام أحمد (3/35)، عن عبد الرحمن، عن مالك به. و (3/45)، عن إسحاق بن يوسف الأزرق، عن الإمام مالك به.
فللبغوي موافقة مع الإمام أحمد في شيخ شيخيه ألا وهو الإمام مالك.
وأخرجه الإمام البخاري في الأذان، حديث (609)، عن عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك به.
فللبغوي مع البخاري موافقة في شيخ شيخه مالك.
وأخرجه النسائي في الأذان (2/12)، حديث (644)، قال: أخبرنا محمد بن سلمة، قال: أنبأنا ابن القاسم، عن مالك به.
فللبغوي علو بالموافقة مع النسائي في شيخ شيخ شيخه مالك، وللذهبي علو تابع لهذا العلو والموافقات.
27- أبو القاسم التيمى ت (535) (ط15)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1277-1282) قال - رحمه الله -:
" الحافظ الكبير شيخ الإسلام، أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي التيمي الطلحي الأصبهاني، الملقب بقوام السنة، صاحب الترغيب والترهيب وغير ذلك، ولد سنة سبع وخمسين وأربعمائة.(1/105)
سمع أبا عمرو بن منده، وعائشة بنت الحسن، وإبراهيم بن محمد الطيار، وأبا منصور بن شكرويه، وابن ررا الإمام، وأبا عيسى عبد الرحمن بن محمد بن زياد، وأصحاب ابن منده، وابن خرشيد قولة، وأبا بكر بن مردويه، ورحل إلى بغداد فلقي أبا نصر الزينبي، وطبقته، وبنيسابور أبا نصر محمد بن سهل السراج وطبقته، وسمع بعدة مدائن، وجاور سنة، وأملى، وصنف، وتكلم في الرجال، وأحوالهم.
حدث عنه أبو سعد السمعاني، والسلفى، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المديني، ويحيى ابن محمود الثقفى، وعبد الله بن محمد بن حميد الخباز، وأبو الفضائل محمود بن أحمد العبدكوى، وأبو نجيح فضل الله بن عثمان، وأبو المجد زاهر الثقفى، والمؤيد بن الأخوة، وخلق.
قال أبو موسى: أبو القاسم الحافظ إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه، حدثنا عنه جماعة، في حال حياته، أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين، ثم فلج بعد مدة، ومات يوم الأضحى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، واجتمع في جنازته جمع لم أر مثلهم كثرة، وكان أبوه أبو جعفر صالحا ورعا سمع من سعيد العيار وقرأ القرآن على أبي المظفر بن شبيب ومات في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة... إلى أن قال: ووالده من أولاد طلحة، أحد العشرة -رضي الله عنهم-.
وقال أبو موسى: قال: وسمعت من عائشة، وأنا ابن أربع سنين، وسمع من أبي القاسم بن عليك سنة إحدى وستين، قال: ولا أعلم أحدا عاب عليه قولا ولا فعلا، ولا عانده أحد إلا ونصره الله، وكان نزه النفس عن المطامع، لا يدخل على السلاطين ولا على من اتصل بهم، قد أخلى داراً من ملكه لأهل العلم، مع خفة ذات يده ولو أعطاه الرجل الدنيا بأسرها لم يرتفع عنده.
أملى ثلاثة آلاف وخمسمائة مجلس، وكان يملى على البديهة.
قال يحيى بن منده: كان حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، قليل الكلام ليس في وقته مثله.(1/106)
قال عبد الجليل بن محمد كوتاه: سمعت أئمة بغداد يقولون: ما رحل إلى بغداد بعد الإمام أحمد أحفظ وأفضل من الإمام إسماعيل.
وقال أبو موسى المديني في ذكر من هو على رأس المائة الخامسة: لا أعلم أحدا في ديار الإسلام يصلح لتأويل الحديث إلا إسماعيل الحافظ.
قلت: هذا تكلف فإن الرجل ما كان في رأس المائة قد اشتهر(1).
وروي عن إسماعيل قال: ما رأيت في عمري أحدا يحفظ حفظي.
قال أبو موسى: وقد قرأ أبو القاسم بالروايات على جماعة من القراء، وأما التفسير والمعاني والإعراب فقد صنف فيه كتابا بالعربية والفارسية، وأما علم الفقه فقد سرت فتاواه في البلد والرساتيق.
أبو المناقب محمد بن حمزة العلوي: حدثنا الإمام الكبير بديع وقته وقريع دهره أبو القاسم إسماعيل ابن محمد، فذكر حديثا. ويذكر عن أبي القاسم تعبده وتهجده.
وكان ابنه أبو عبد الله ولد سنة خمسمائة ونشأ وصار إماما في اللغة والعلوم حتى ما كان يتقدمه كبير أحد في الفصاحة والبيان والذكاء، وكان أبوه يفضله على نفسه في اللغة وجريان اللسان، وكان أملى جملة من شرح الصحيحين، وله تصانيف كثيرة مع صغره، مات بهمذان سنة ست وعشرين، وبعده أبوه، قال أبو موسى: وله التفسير في ثلاث مجلدات سماه "الجامع" وله تفسير آخر في أربع مجلدات و" الموضح" في التفسير في ثلاث مجلدات، وكتاب "المعتمد" في التفسير عشر مجلدات، وكتاب "السنة" مجلد، وكتاب "سيرة السلف" مجلد ضخم، وكتاب "دلائل النبوة" مجلد، و "المغازي" مجلد، وأشياء كثيرة.
__________
(1) أقول: لا يظهر التكلف في قول أبي موسى، و لايستبعد ما قاله عن أبي القاسم، فإنه كان على رأس خمسمائة أربع وأربعين سنة، لاسيما وهو من الأذكياء النوابغ.(1/107)
قال أبو سعد السمعاني: هو أستاذى في الحديث، وعنه أخذت هذا القدر وهو إمام في الحديث، والتفسير، واللغة، والأدب، عارف بالمتون والأسانيد، كنت إذا سألته عن المشكلات أجاب في الحال، وذهب أكثر أصوله في آخر عمره، وأملى بالجامع قريبا من ثلاثة آلاف مجلس، وكان أبي يقول: ما رأيت بالعراق من يعرف الحديث ويفهمه غير اثنين إسماعيل الجوزي(1)بأصبهان، والمؤتمن ببغداد.
قال أبو سعد: تلمذت له، وسألته عن أحوال جماعة، وسمعت أبا القاسم الحافظ بدمشق يثنى عليه، وقال رأيته وقد ضعف وساء حفظه.
قال الدقاق في رسالته: كان عديم النظير، لا مثل له في وقته، كان ممن يضرب به المثل في الصلاح والرشاد.
وقال السلفي: كان فاضلا في العربية، ومعرفة الرجال.
وقال أبو عامر العبدري: ما رأيت أحدا قط مثل إسماعيل، ذاكرته فرأيته حافظا للحديث، عارفا بكل علم، متفننا، استعجل علينا بالخروج، سمع السلفي هذا القول من أبي عامر، ثم قال: وسمعت أبا الحسين بن الطيورى يقول: ما قدم علينا من خراسان مثل إسماعيل بن محمد -رحمه الله تعالى-.
__________
(1) يعني أبا القاسم التيمي المترجم له هنا.(1/108)
قلت: توفى معه في سنة خمس البديع أبو علي أحمد بن سعد العجلي الهمذاني الفقيه، عن سبع وسبعين سنة، والعلامة أبو عبد الله جعفر بن محمد بن مكي بن أبي طالب القيسي القرطبي اللغوي، عن نيف وثمانين سنة، والمحدث أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري السرقسطي، مؤلف جامع الصحاح، جاور بمكة وسمع من الطبري وابن أبي ذر، والمسند أبو منصور عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الواحد الشيباني البغدادي ويعرف بابن زريق القزاز، والمسند أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه ابن أحمد الشاذياخى، والمسند أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة الأسدي العكبري، وأخوه أبو منصور عبد الجبار، ومسند الدنيا القاضى أبو بكر محمد بن عبد الباقى بن محمد الأنصاري الحنبلي البزاز ويعرف بقاضي المرستان(1)وبابن صهر هبة، وشيخ الصوفية أبو يعقوب يوسف ابن أيوب الهمذاني نزيل مرو.
أخبرنا محمد بن عمر بن محمود الفقيه، أنا محمد بن عبد الهادي، ثنا يحيى بن محمود، أنا جدي لأمي إسماعيل بن محمد الحافظ، أنا عبد الرحمن بن محمد بن زياد، أنا أحمد بن محمد بن المرزبان، ثنا محمد ابن إبراهيم بن الحكم، ثنا محمد بن سليمان، ثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:
" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ".
أقول:
للذهبي علو في هذا الإسناد حيث وصل إلى أبي القاسم التيمي بثلاثة من الرواة.
وأخرج أبو القاسم التيمي هذا الحديث في كتابه " الحجة في بيان المحجة "(1/99) حديث (15)، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن زياد به.
__________
(1) له المشيخة الكبرى في مجلدين، دراسة وتحقيق الشريف حاتم العوني، تشر وتوزيع دار عالم الفوائد، يروي فيها الأحاديث بأسانيده من شيوخه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بلغ عدد شيوخه في هذه المشيخة ستة وثلاثين وسبعمائة شيخ.(1/109)
والجدير بالذكر أن هذا الإمام الحافظ يروي الأحاديث في كتابه الحجة بالأسانيد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وكذلك يصنع في كتابه " الترغيب والترهيب " وكتاب " دلائل النبوة " وكلها كتب كبار، يقع كل منها في مجلدين.
وأخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده (6/240)، قال: " حدثنا يزيد عن إبراهيم بن سعد، قال: أخبرني أبي، عن القاسم، عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ".
فلأبي القاسم علو بهذا الإسناد حيث وصل إلى إبراهيم بن سعد بأربعة، وله موافقة مع الإمام أحمد في شيخ شيخه إبراهيم بن سعد.
ورواه البخاري في صحيحه في الصلح حديث (2697) قال: " حدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم ابن سعد به ".
فلأبي القاسم موافقة مع البخاري في شيخ شيخه إبراهيم بن سعد.
ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الأقضية، حديث (1718)، قال: " حدثنا أبو جعفر محمد ابن الصباح وعبد الله بن عون الهلالي جميعاً، عن إبراهيم بن سعد به.
فلأبي القاسم علو بالموافقة مع مسلم، حيث وافقه في شيخ شيخه إبراهيم بن سعد، وهذه الموافقات مع الأئمة الثلاثة تسمى بدلاً، وهي حاصلة للذهبي - رحمه الله -.
28- محمد بن ناصر بن محمد ت(550) ط (16)(1)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (1289-1293)، فقال:
" محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر الحافظ الإمام محدث العراق أبو الفضل السلامى، توفي أبوه شابا وهذا صغير، فكفله جده لأمه الفقيه أبو حكيم الخبرى، وأسمعه الحديث، وأحفظه الختمة، مولده في سنة سبع وستين وأربعمائة.
__________
(1) - عدد أصحاب هذه الطبقة خمسة عشر نفسا من كبار الحفاظ.(1/110)
وسمع من أبي القاسم علي بن البسري، وأبي طاهر بن أبي الصقر، وعاصم بن الحسن، ومالك البانياسي، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، ورزق الله التميمي، وطراد الزينبي، وأبا عبد الله النعالي، وابن البطر فمن بعدهم إلى أن ينزل إلى أصحاب الجوهري، وابن المهتدي بالله وعنى بهذا الفن وبالغ في الطلب بعد أن برع في اللغة وحصل الفقه والنحو.
قال ابن الجوزي: كان ثقة حافظاً ضابطاً من أهل السنة لا مغمز فيه، تولى تسميعي وسمعت بقراءته مسند أحمد، والكتب الكبار، وعنه أخذت علم الحديث، وكان كثير الذكر، سريع الدمعة.
قال السمعاني: كان يحب أن يقع في الناس، فرد ابن الجوزي على السمعاني وقبح قوله، وقال صاحب الحديث يجرح ويعدل أفلا يفرق بين الجرح والغيبة، ثم هو قد احتج بكلامه في كثير من التراجم في التاريخ، ثم أخذ ابن الجوزي يحط على أبي سعد، وينسبه إلى التعصب البارد على الحنابلة، وليس الأمر كذلك، ولا ريب أن ابن ناصر متعصب، في الحط على بعض الشيوخ، فدع الانتصار، فأبو سعد أعلم بالتاريخ وأحفظ منك، ومن شيخك.
وقد قال في ابن ناصر: إنه ثقة، حافظ، دين، متقن، ثبت، لغوي، عارف بالمتون والأسانيد، كثير الصلاة والتلاوة، غير أنه يحب أن يقع في الناس(1)، وهو صحيح القراءة والنقل.
وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين من أبي طاهر الأنباري.
قال ابن النجار: كانت له إجازات قديمة من جماعة، كابن النقور، وابن هزارمرد الصريفيني، والحافظ ابن ماكولا، وغيرهم، أخذها له ابن ماكولا في رحلته.
__________
(1) - في كلام السمعاني والذهبي نظر قوي، فابن ناصر ثقة، دين، حافظ، متقن، ثبت، كما شهد بذلك السمعاني والذهبي وغيرهما، وجرحه لمن يجرح ليس من باب التعصب والهوى، وإنما هو من باب النصيحة والتحذير ومن قال غير ذلك فليبين بالأدلة وقوعه في الناس بدون وجه شرعي، أما الدعاوى بدون أدلة، فلا يؤبه بها ولا يلتفت إليها.(1/111)
قرأت بخط الحافظ الضياء أجاز لابن ناصر أبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن عليك، في سنة ثمان وستين وأربعمائة، وأبو صالح المؤذن، وفاطمة بنت الدقاق، والفضل بن المحب وسرد جماعة.
قال ابن النجار: كان ثقة، ثبتا، حسن الطريقة، متدينا فقيرا، متعففا نظيفا نزها وقف كتبه، وخلف ثيابا خليعا، وثلاثة دنانير، ولم يعقب.
سمعت ابن سكينة، وابن الأخضر، وغيرهما يكثرون الثناء عليه، ويصفونه بالحفظ، والإتقان، والديانة، والمحافظة على السنن، والنوافل.
وسمعت جماعة من شيوخي يذكرون أن ابن ناصر وابن الجواليقي كانا يقرءان الأدب على أبي زكريا التبريزي ويطلبان الحديث، فكان الناس يقولون: يخرج ابن ناصر لغوي بغداد، وابن الجواليقي محدثها، فانعكس الأمر وانقلب.
قلت: قد كان ابن ناصر أيضا رأسا في اللغة، قال وسمعت ابن سكينة يقول: قلت لابن ناصر: أريد أن أقرأ عليك ديوان المتنبي، وشرحه لأبي زكريا، فقال إنك دائما تقرأ علي الحديث مجانا، وهذا شعر ونحن نحتاج إلى نفقة، فأعطاني أبي خمسة دنانير، فدفعتها إليه وقرأت عليه الكتاب.
وقال السلفي: سمع ابن ناصر معنا كثيرا وهو شافعي أشعري، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول، والفروع، ومات عليه، وله جودة حفظ وإتقان وحسن معرفة وهو ثبت إمام.
وقال أبو موسى المديني: هو مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد.(1/112)
ابن النجار: قرأت بخط ابن ناصر، وأخبرنيه يحيى بن الحسين عنه سماعا، قال بقيت سنين لا أدخل مسجد أبي منصور الخياط، واشتغلت بالأدب على التبريزي، فجئت يوما لأقرأ الحديث، فقال يا بني تركت قراءة القرآن واشتغلت بغيره، عد واقرأ علي ليكون لك إسناد، فعدت عليه في سنة اثنتين وتسعين، ولبثت أقول كثيرا اللهم بين لي أي المذاهب خير، وكنت مرارا قد مضيت إلى القيرواني المتكلم في كتاب التمهيد للباقلانى، وكأن من يردني عن ذلك، فرأيت في المنام كأني قد دخلت المسجد إلى أبي منصور، وبجنبه رجل عليه ثياب بيض، ورداؤه على عمامته يشبه الثياب الريفية، دُرى اللون، عليه نور وبهاء، فسلمت عليه وجلست بين يديهما، ووقع في نفسي للرجل هيبة وأنه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلما جلست التفت إلي، وقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ عليك بمذهب هذا الشيخ ثلاث مرات، فانتبهت مرعوبا، وجسمي يرجف، فقصصت ذلك على والدتي وبكرت إلى الشيخ، لأقرأ عليه فقصصت عليه الرؤيا، فقال: يا ولدي ما مذهب الشافعي إلا حسن، ولا أقول لك اتركه، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري، فقلت ما أريد أن أكون نصفين، وأنا أشهدك وأشهد الجماعة أنني اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع، فقال لي: وفقك الله، ثم أخذت في سماع كتب أحمد ومسائله، والتفقه على مذهبه وذلك في رمضان سنة ثلاث وتسعين.(1/113)
قلت: روى عنه السلفي، وابن عساكر، وأبو موسى، والسمعاني، وابن الجوزي، وابن سكينة، وابن الأخضر، وعبد الرزاق، ويحيى بن الربيع الفقيه، والكندي، ومحمد بن البناء الصوفي، ومحمد ابن غنيمة الفقيه، وداود بن ملاعب، وعبد العزيز بن أحمد الناقد، وموسى بن عبد القادر، وأحمد ابن ظفر بن هبيرة، وأحمد بن صرما، وأبو منصور بن عفيجة، والحسن بن الأمير السيد، وخلائق، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن بن المقير، ومما تخبط فيه ابن مسدي المجاور أنه قرأ على ابن المقير، عن ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي، فذكر من الجعديات، والمليحي فقد مات قبل مولد ابن ناصر بأربع سنين.
توفى ابن ناصر في ثاني عشر شعبان سنة خمسين وخمسمائة.
وقال ابن الجوزي: حدثني الفقيه أبو بكر بن الحضرمي، قال: رأيت ابن ناصر فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وقال: قد غفرت لعشرة من أصحاب الحديث في زمانك؛ لأنك رئيسهم وسيدهم.
قلت: وفي سنة خمسين مات أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن العصائدي بنيسابور في عشر التسعين، والمعمر الخطيب أبو الحسن علي بن محمد المشكاني، راوي التاريخ الصغير للبخاري، والمسند أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب ببغداد، ومقريء العراق أبو الكرم المبارك ابن الحسن الشهرزوري، مصنف المصباح، ومفتي خراسان الفقيه محمد بن يحيى صاحب الغزالي، بل قبلها، وقاضى مصر أبو المعالي محمد بن جميع القرشي الشافعي، مصنف كتاب الذخائر في المذهب، والواعظ أبو زكريا يحيى بن إبراهيم السلماسي بها.(1/114)
أخبرتنا زينب بنت عمر ببعلبك، عن أحمد بن ظفر، أنا محمد بن ناصر الحافظ، أنا محمد بن أحمد ابن أبي الصقر سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، أنا الحسين بن ميمون الصدفي بمصر، أنا محمد بن عبد الله النيسابوري، ثنا أحمد بن شعيب الحافظ، ثنا قتيبة ثنا الليث، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة أن -رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- قال:
" ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى ابن ناصر براويين فقط، وعلو لابن ناصر حيث وصل إلى النسائي بثلاثة من الرواة فقط.
وقد أخرجه الإمام النسائي في السنن الكبرى (7/241)، في فضائل القرآن، حديث (7923) وفي (10/75)، تفسير سورة النساء، حديث (11064)، قال في الموضعين: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن سعيد المقبري به.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/341)، قال:
"حدثنا يونس وحجاج، قالا: ثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد به ".
فلابن ناصر موافقه مع الإمام أحمد في شيخ شيخه الليث، وهي حاصلة للذهبي.
وأخرجه البخاري في صحيحه، في فضائل القرآن، حديث (4981)، قال:
حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثنا سعيد المقبري به.
وفي الاعتصام حديث (7274)، قال: حدثنا عبد العزيز، حدثنا الليث، عن سعيد، عن أبيه به.
فلابن ناصر موافقة مع البخاري في شيخ شيخيه الليث بن سعد، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي، وتسمى بدلا أيضاً.
وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، حديث (152)، قال:
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه به.
فلابن ناصر موافقة لمسلم في شيخه قتيبة.
29- أبو طاهر السلفي(1) ت (576) (ط16)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1298-1304)، فقال:
__________
(1) ترجم له ابن عبد الهادي في طبقات علماء الحديث (4/72-77).(1/115)
" الحافظ العلامة شيخ الإسلام، أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرُواءانى، وجرواءان من محال أصبهان، وسلفة لقب لجده أحمد ومعناه الغليظ الشفة ؛ كان أبو طاهر لا يحرر عام مولده، وقد قال: كتبوا عني بأصبهان في أول سنة اثنتين وتسعين وأنا ابن سبع عشرة سنة أو نحوها، ليس في وجهي شعرة، وقال أيضا: أذكر قتل نظام الملك في سنة خمس وثمانين وكنت ابن عشر.
قلت: أول سماعه في سنة ثمانين، سمع الرئيس القاسم بن الفضل الثقفى وعبد الرحمن بن محمد ابن يوسف القصرى، وسعيد بن محمد الجوهري، ومكي بن منصور السلار، ومحمد بن محمد بن عبد الوهاب المديني، وأبا مطيع الصحاف، وأبا العباس بن أشتة وخلائق بأصبهان.
ورحل إلى بغداد سنة ثلاث وتسعين، فسمع من نصر بن البطر، وفرح بلقيه ومن أبي بكر الطوسي، والحسين بن علي بن البسرى، وطبقتهم، وبالكوفة من أبي البقاء الحبال، وبمكة من الحسين بن علي الطبري، وبالمدينة أبا الفرج القزويني، وبالبصرة من محمد بن جعفر العسكري، وبزنجان من أبي بكر أحمد ابن محمد بن زنجويه، وبهمذان من أبي غالب أحمد بن محمد العدل، وبالرى من صاحب البحر أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الشافعي، وبقزوين من إسماعيل بن عبد الجبار المالكي، وبمراغة من سعد بن علي المصري، وبدمشق من أبي طاهر الحنائي، وبنهاوند من أبي منصور محمد بن عبد الرحمن بن غزو، وبأبهر من أبي سعيد عبد الرحمن بن ملكان الشافعي، وبواسط من أبي نعيم بن زيزب، وبسلماس من محمد ابن سعادة الهلالي، وبالحلة من محمد بن الحسن بن فدويه الكوفى، وبشهرستان من أبي الفتح أحمد ابن محمد بن رشيد الآدمي، وبالإسكندرية من أبي القاسم بن الفحام الصقلي.(1/116)
وبقي في الرحلة بضع عشرة سنة، وسمع ما لا يوصف كثرة، ونسخ بخطه الصحيح السريع، وهو في غضون ذلك يقرأ القرآن، والفقه، والعربية، وغير ذلك، وكان متقنا، متثبتا، دينا، خيرا، حافظا، ناقدا، مجموع الفضائل، انتهى إليه علو الإسناد.
وروى الحفاظ عنه في حياته، وله ثلاثة معاجم، معجم لمشيخة أصبهان في مجلد يكونون أزيد من ستمائة شيخ، ومعجم لمشيخة بغداد وهو كبير، ومعجم لباقي البلاد سماه معجم السفر (1).
ركب من بلد صور في البحر إلى الإسكندرية في سنة إحدى عشرة، فاستوطنها خمسا وستين سنة، إلى أن مات ما خرج منها سوى خرجته إلى القاهرة للسماع من أبي الصادق مرشد بن يحيى المديني وطبقته.
سمع منه أبو علي البردانى الحافظ، والكبار، وحدث عنه الحافظ محمد بن طاهر ومات قبله بستين عاما، والمحدث سعد الخير الأندلسي، وأبو العز محمد بن علي الملقاباذى، والضياء بن هبة الله بن عساكر، ويحيى بن سعدون القُرطُبي، وخلق مثلهم ممن مات قبله.
وقد روى عنه القاضى عياض بالإجازة، ومات قبله بدَهر.
وممن روى عنه الحافظ عبد الغني المقدسي، وعلي بن المفضل، وربيعة اليمنى، وعبد القادر الرهاوي، والشيوخ ابن راحج المقدسي، وعبد القوي بن الجباب، وعبد الغافر المحلى، والفخر الفارسي، والحسن ابن أحمد الأوقى، ومحمد بن عماد، ومرتضى بن حاتم، وأبو القاسم الصفراوي، وأبو الفضل الهمذاني، وعبد الرحيم بن الطفيل، ويوسف بن المخيلى، ومنصور بن الدماغ، والعلم بن الصابوني، وعبد الوهاب ابن رواح، ويوسف الساوي وأبو الحسين بن الجميزى، وأبو القاسم بن رواحة، وأبو القاسم عبد الرحمن ابن مكي سبط السلفي، وخلائق، وأبو بكر محمد بن السفاقسى، وعاش في حضور...(2) المسلسل بالأولية إلى سنة أربع وخمسين، وبقي بعدهم طائفة كعثمان بن خطيب القرافة، وغير واحد بالإجازة.
__________
(1) نشر المكتبة التجارية لمصطفى الباز بمكة المكرمة.
(2) كذا.(1/117)
قال الأوقى: سمعته يقول: لي ستون سنة ما رأيت منارة الإسكندرية إلا من هذه الطاقة.
قال ابن المفضل: عدة شيوخ الحافظ بأصبهان فوق الستمائة شيخ، وخرج إلى بغداد وله عشرون سنة، أو أقل، أو أكثر، فمشيخته في بغداد في خمسة وثلاثين جزءا قال: وله تصانيف كثيرة، وكان ينظم الشعر، ويثيب من يمدحه، إلى أن قال ولقي في القراءات ابن سوار، وأبا منصور الخياط، وأبا الخطاب ابن الجراح، سمعته يقول: متى لم يكن الأصل بخطي لم أفرح به.
وكان جيد الضبط، كثير البحث عما يشكل، وكان أوحد زمانه في علم الحديث وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث، جمع بين علو الإسناد، وعلو الانتقاد، وبذلك تفرد عن أبناء جنسه.
قال السمعاني في الذيل: أبو طاهر ثقة ورع متقن ثبت فهم حافظ، له حظ من العربية، كثير الحديث، حسن البصيرة فيه.
أنبأنا جماعة عمن سمع أبا سعيد عبد الكريم بن محمد الحافظ، ثنا أبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ، سمعت محمد بن طاهر المقدسي، سمعت أبا طاهر الأصبهاني، وكان من أهل الصنعة يقول: كان أبو حازم العبدوي إذا روى عن أبي سعد الماليني يقول: ثنا أحمد بن حفص الحدثي هذا أو نحوه.
قال أبو سعد: وقد صحب السلفي والدي ببغداد مدة، ثم ركب من صور في البحر إلى مصر وأجاز لي.
وعن ابن ناصر قال: كان السلفي ببغداد كأنه شعلة نار في التحصيل.
قال عبد القاهر الرهاوي: كان له عند ملوك مصر الجاه والقوة والكلمة النافذة مع مخالفته لهم في المذهب، وكان لا يبدو منه جفوة لأحد، ويجلس للحديث ولا يشرب ماءاً ولا يبزق ولا يتورك ولا يبدو له قدم، وقد جاوز المائة، بلغني أن سلطان مصر حضر عنده ليسمع فشرع يتحدث مع أخيه فزبرهما، وقال أيش هذا نقرأ الحديث، وأنتما تتحدثان، وبلغني أنه مدة مقامه بالإسكندرية ما خرج إلى فرجة إلا مرة واحدة، وما تكاد تدخل إلا تراه مطالعا في شيء، وكان حليما.(1/118)
ولما دخل الثغر رآه الفضلاء والكبراء، فاستحسنوا علمه وأخلاقه، وآدابه، فأكرموه وخدموه، وحدثني بعض رفقائي عن ابن شافع، قال: السلفي شيخ العلماء وسمعت بعض فضلاء همذان يقول: السلفي أحفظ الحفاظ.
قال ابن عساكر: سمعت بقراءة السلفي من جماعة ولم أظفر بالسماع منه، تزوج في الإسكندرية امرأة ذات بستان، وحصلت له ثروة بعد فقر، وتصوف وصارت له بالثغر وجاهة، وبنى له العادل علي ابن إسحاق بن السلار أمير مصر مدرسة ووقف عليها.
قال عبد القادر: كان آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، أزال من جواره منكرات كثيرة، رأيته منع القراء بالألحان، وقال هذه القراءة بدعة اقرءوا ترتيلا فقرؤوا.
قال ابن المفضل: حفظت أسماء وكنى، ثم ذاكرت السلفي فجعل يذكرها حفظا وقال ما هذا مليح، أنا شيخ كبير في هذه البلدة لا يذاكرني أحد وحفظي هكذا.
قال الحافظ عبد العظيم: كان السلفي مغرى بجمع الكتب، وما حصل له من المال يخرجه في ثمنها،كان عنده خزائن كتب لا يتفرغ للنظر فيها، فعفنت وتلصقت لنداوة البلد، فكانوا يخلصونها بالفأس، فتلف أكثرها.
ومما شوهد بخطه مولدي سنة اثنتين وسبعين تخمينا لا يقينا.
قال حماد بن هبة الله: سمعت السلفي يقول: دخلت بغداد في شوال سنة ثلاث وتسعين، فساعة دخولي لم يكن لي هم إلا ابن البطر، فذهبت إليه، وكان شيخا عسرا، فقلت قد جئت من أصبهان لأجلك، فقال : اقرأ وجعل الراء غينا فقرأت عليه وأنا متكئ من دماميل، فقال أبصر ذا الكلب، فاعتذرت بالدماميل وبكيت من قوله، وقرأت سبعة عشر حديثا وخرجت، ثم قرأت عليه نحوا من خمسة وعشرين جزءا ولم يكن بذاك.
أخبرنا ابن علان إجازة، عن القاسم بن علي بن عساكر، أنا أبي، أنشدنا أبو سعد السمعاني بدمشق، أنشدنا أبو العز محمد بن علي، أنشدنا أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ لنفسه بميافارقين:
إن علم الحديث علم رجال تركوا الإبتداع للإتباع
فإذا جن ليلهم كتبوه وإذا أصبحوا غدوا للسماع(1/119)
أنشدنا بعلو أبو الحسين اليونينى، أنا جعفر بن علي أنشدنا السلفي فذكرهما.
قال الوجيه عيسى بن عبد العزيز اللخمي: توفى السلفي صبيحة الجمعة خامس ربيع الآخر سنت ست وسبعين وخمسمائة، وله مائة وست سنين، وحدث ليلة موته وهو يرد اللحن الخفي على القارىء، وصلى الصبح ومات فجأة.
قلت: لم يبلغ مائة وست سنين بل مائة وسنتين، أو نحو ذلك، مع الجزم بأنه كمل المائة.
قال ابن خلكان القاضى: كانت ولادته سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة تقريبا.
ومات معه في العام الشريف أبو المفاخر سعيد بن الحسين الهاشمي العباسي المامرني النيسابوري، راوي صحيح مسلم بمصر، والمسند أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن صابر الأزدي الدمشقي بها، والمسند أبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي العجائز الأزدي، بدمشق، والعلامة حجة العرب أبو الحسن علي بن عبد الرحيم بن الحسين العصار السلمي ببغداد، وآخرون.
أخبرنا علي بن محمد الحافظ، أنا أحمد بن محمد البصري، أنا أحمد بن محمد الحافظ أنا القاسم ابن الفضل، أنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد القاضى املاءا، أنا عبد الله بن جعفر بن أحمد، ثنا أحمد بن عصام، ثنا أبو عامر العقدي، ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم-:
" طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية ". أخرجه مسلم من حديث الثوري ".
أقول:
في هذا الإسناد علو للحافظ الذهبي، حيث وصل إلى أبي طاهر السلفي باثنين من الرواة فقط.
وعلو للسلفي حيث وصل إلى أبي عامر بأربعة، وإلى سفيان الثوري بخمسة.
والحديث أخرجه مسلم في صحيحه (3/1630)، حديث (2059)، قال: حدثنا ابن نمير، حدثنا أبي، حدثنا سفيان ح وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر -رضي الله عنه-.(1/120)
فلأبي طاهر موافقة مع مسلم، حيث اجتمع معه في شيخ شيخ شيخه وهو سفيان الثوري، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/301)، قال-رحمه الله-:
ثنا وكيع، ثنا سفيان ح وعبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
" طعام الواحد يكفي الاثنين... به.
فلأبي طاهر موافقة مع أحمد، حيث اجتمع معه في شيخ شيخه سفيان الثوري وهي حاصلة للذهبي.
ورواه الترمذي في جامعه (3/408)، رقم (1820)، قال:
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر به.
فلأبي طاهر موافقة مع الترمذي، حيث اجتمع معه في شيخ شيخ شيخه وهذه الموافقة حاصلة للذهبي.
وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه مالك في الموطأ كتاب صفة النبي- صلى الله عليه وسلم- (2/928)، والبخاري في الأطعمة حديث (5392)، ومسلم في الأشربة (2058)، والترمذي (3/407)، حديث (1820)، وأحمد (2/244).
30- الحافظ أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز اللخمي الأندلسي ابن الدباغ ت (546) (ط16)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1310-1212)، فقال:
" الحافظ أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر بن فيرة، وقيل إبراهيم بدل عمر اللخمي الأندلسي الأندى، محدث مرسية، لا بل محدث الأندلس.
استوعب أخباره ابن الزبير فقال: هو أحد الأئمة المهرة المتقنين في صناعة الحديث وجهابذة النقاد، اعتمد أبا علي بن سكرة، وأكثر عنه وعن أبي عبد الله أحمد بن محمد الخولاني، وابن عتاب، وخلف ابن إبراهيم بن النحاس، وعبد القادر بن محمد الصدفي واعتمده الناس فيما قيده؛ لإمامته وإتقانه، وعول عليه الجلة، وكان من آخر أئمة المحدثين بالأندلس، وكان سمحا مؤثرا على قلة ذات يده، نزه النفس ولي خطابة مرسية وقتا، ثم ولي قضاء دانية.(1/121)
قال أبو العطاء وهب بن نذير: هو خاتمة أئمة المحدثين، وله تواليف، أكثر عنه ابن بشكوال، وأبو بكر بن أبي جمرة.
وقال ابن بشكوال: روى عن أبي علي الصدفي كثيرا، ولازمه طويلا، وأخذ عنه جماعة من شيوخنا(1)، وكان من أنبل أصحابنا وأعرفهم بطريقة الحديث وأسماء الرجال، وأزمانهم، وضعفائهم، وثقاتهم، وأعمارهم، وآثارهم، من أهل العناية الكاملة بتقييد العلم، ولقاء الشيوخ، لقي منهم كثيرا، وكتب عنهم شوور في الأحكام ببلده، ثم خطب به وقتا، وقال لي: إن مولده سنة إحدى وثمانين وأربعمائة (2).
قلت: حدث عنه ابن بشكوال، والوزير أبو عبد الملك مروان بن عبد العزيز التجيبي البلنسي، وأحمد بن أبي المطرف البلنسي، وأحمد بن سلمة اللورقى، ومحمد بن أبي الحسن بن هذيل، وآخرون، وله جزء لطيف في أسماء الحفاظ عاش خمسا وستين سنة، رأيت برنامجه وفيه كتب كبار كثيرة من مروياته.
أخبرنا أبو الحسين اليونينى، أنا أبو الخطاب عمر بن حسين الكلبي، أنا القاضى أبو عبد الملك مروان ابن عبد العزيز التجيبي، ثنا الحافظ أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز اللخمي، قال: الطبقة الأولى من أئمة المحدثين محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى.
قلت: فبدأ به إلى أن ختم الجزء بأبي طاهر السلفي.
توفى ابن الدباغ في سنة ست وأربعين وخمسمائة كالذى قبله، وأعلى شيء عنده الموطأ، قرأه على الخولاني في حدود سنة إحدى وخمسمائة بسماعه من عثمان بن أحمد القشطالى، صاحب أبي عيسى ابن عبد الله الليثي.
__________
(1) في الصلة : جماعة شيوخنا.
(2) انظر الصلة لابن باشكوال (2/682 – 683 ).(1/122)
وسمع من ابن سكرة الصحيحين، وسنن الدارقطني، والموطأ، وسنن أبي داود والعلل للدارقطني، ومائة جزء من مسند يعقوب السدوسي، ومسند البزار في تسعين جزءاً، وجامع الترمذي، وغير ذلك، الجميع سمعه من أبي علي، حتى إنه سمع منه كتاب الغريبين للهروى، والسنن للباجى، ومعجم ابن قانع، ومعظم تاريخ ابن أبي خيثمة، وسمع النسائي من ابن عتاب، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة سمعه من يونس ابن مغيث.
فأنبأنى أحمد بن سلامة، عن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي، قال: أنا أبو الوليد ابن الدباغ، سماعا لجميع الموطأ بقراءة أبي، قال: قرأته على الخولاني، بسنده والكتاب سماع التاج ابن أبي جعفر سمعه منه المحدث أبو محمد الحرائرى ".
أقول:
لم يورد له الذهبي في ترجمته أي حديث.
31- أبو سعد السمعاني ت (562) (ط16)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1316-1319)، فقال:
" الحافظ البارع العلامة تاج الإسلام، أبو سعد عبد الكريم بن الحافظ تاج الإسلام معين الدين أبي بكر محمد بن العلامة المجتهد أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر التميمي السمعاني المروزي، صاحب التصانيف، ولد في شعبان سنة ست وخمسمائة، وحمله والده إلى نيسابور في آخر سنة تسع، فلحق بحضوره المعمر عبد الغفار بن محمد الشيرازي، وعبيد بن محمد القشيري، وعدة، وحضر بمرو على أبي منصور محمد بن علي نافلة الكراعى، فمات أبوه سنة عشر وتربى مع أعمامه، وأهله، وحفظ القرآن، والفقه،ثم حبب إليه هذا الشأن، وعنى به، ورحل إلى الأقاليم النائية، وسمع من أبي عبد الله الفراوي، وزاهر الشحامى، وطبقتهما بنيسابور، والحسين بن عبد الملك الخلال، وسعيد بن أبي الرجاء، وطبقتهما بأصبهان، وأبي بكر محمد بن عبد الباقى الأنصاري، وطبقته ببغداد، وعمر بن إبراهيم العلوي بالكوفة، وأبي الفتح المصيصي بدمشق، وببخارى، وسمرقند وبلخ.(1/123)
وعمل المعجم في عدة مجلدات، وكان ذكيا، فهما، سريع الكتابة مليحها،درس، وأفتى، ووعظ،وأملى، وكتب عمن دب ودرج، وكان ثقة حافظا حجة واسع الرحلة، عدلا، دينا جميل السيرة، حسن الصحبة كثير المحفوظ،.
قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيءلم يبلغه أحد، وكان مليح التصانيف، كثير النشوار، والأناشيد، لطيف المزاح ظريفا، حافظا، واسع الرحلة، ثقة صدوقا دينا، سمع منه مشايخه، وأقرانه، وحدثنا عنه جماعة.
قلت: روى عنه ولده عبد الرحيم مفتي مرو، وأبو القاسم بن عساكر، وابنه القاسم، وعبد الوهاب ابن سكينة، وعبد الغفار بن منينا، وأبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، وأبو الضوء شهاب الشذبانى، والإفتخار عبد المطلب الحلبي، وأبو الفتح محمد بن محمد الصائغ وخلق.(1/124)
ذكر تصانيفه نقل أسماءها ابن النجار من خطه، منها: " الذيل " على تاريخ الخطيب، أربعمائة طاقة، " تاريخ مرو" خمسمائة طاقة، أدب الطلب مائة وخمسون طاقة، الإسفار عن الأسفار خمس وعشرون طاقة، الإملاء والإستملاء خمس عشر طاقة، معجم البلدان خمسون طاقة، معجم الشيوخ ثمانون طاقة، تحفة المسافر مائة وخمسون طاقة، الهداية خمس وعشرون طاقة، عز العزلة سبعون طاقة، الأدب واستعمال الحسب خمس طاقات، المناسك ستون طاقة، الدعوات أربعون طاقة، الدعوات النبوية خمس عشرة طاقة، غسل اليدين خمس طاقات، أفانين البساتين خمس عشرة طاقة، دخول الحمام خمس عشرة طاقة، صلاة التصبيح عشر طاقات، التحايا ست طاقات، تحفة العيد ثلاثون طاقة، فضل الديك خمس طاقات، الرسائل والوسائل خمس عشرة طاقة، صوم البيض خمس عشرة طاقة، سلوة الأحباب خمس طاقات، التحبير في المعجم الكبير ثلاثمائة طاقة، فرط الغرام إلى ساكني الشام خمس عشرة طاقة مقام العلماء بين يدي الأمراء إحدى عشرة طاقة، المساوات والمصافحة ثلاث عشرة طاقة، ذكرى حبيب رحل وبشرى مشيب نزل عشرون طاقة، الأمالى الخمسمائة مائتا طاقة، فوائد الموائد مائتا طاقة، فضل الهر ثلاث طاقات، ركوب البحر سبع طاقات، الهريسة ثلاث طاقات، وفيات المتأخرين خمس عشرة طاقة، الأنساب ثلاثمائة وخمسون طاقة، الأمالى ستون طاقة، بخار بخور البخاري عشرون طاقة، تقديم الجفان إلى الضيفان سبعون طاقة، صلاة الضحى عشر طاقات، الصدق في الصداقة، الريح في التجارة، رفع الأرتياب عن كتابة الكتاب أربع طاقات، النزوع إلى الأوطان خمس وثلاثون طاقة، تخفيف الصلاة في طاقتين، لفتة المشتاق إلى ساكن العراق أربع طاقات، من كنيته أبو سعد ثلاثون طاقة، فضائل الشام في طاقتين فضل ياسين في طاقتين.(1/125)
وقد ذهب أبو سعد إلى بيت المقدس وزاره والنصارى يومئذ ولاته، وذكر في كتاب التحبير تراجم شيوخه فأفاد وأجاد، طالعته، مات في ربيع الأول في أوله سنة اثنتين وستين وخمسمائة بمرو، وله ست وخمسون سنة.
وفيها مات مسند هراة أبو محمد عبد الجليل بن أبي سعد المعدل، راوي جزء بيبى الهرثمية عنها، وخطيب دمشق وفقيهها أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الحارثى الشافعي، عن ست وسبعين سنة، ومسند سجستان الإمام أبو عروية عبد الهادي بن محمد بن عبد الله بن عمر بن مأمون السجستاني، الذي ارتحل إليه عبد القادر الرهاوي، وفقيه دمشق وفرضيها جمال الأئمة علي بن الحسن بن الحسن ابن الماسح الكلابي، عن أربع وسبعين سنة، ومحدث المشرق المعمر أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي، ثم البلخي الفقيه، عن سبع وثمانين سنة والشيخ أبو عاصم قيس بن محمد السويقى بأصبهان.
لقي في حجه أبا الحسن بن العلاف، وواعظ مصر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ثابت الكيزانى، ومسند بغداد أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد بن الحباب اللحاس الحريمى العطار، وله سماع في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، والشيخ أبو طالب المبارك بن علي بن خضير الصيرفي ببغداد، والمسند أبو الفضل المبارك بن المبارك بن صدقة السمسار سمع من طراد، والمسند أبو محمد عبد الواحد بن الحسين ابن البارزى ببغداد، سمع النعالي وعدة، والمسند أبو الحسن علي بن مهدى الهلالي الطبيب بدمشق، ومسند العراق أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن هلال الدقاق، عن إحدى وتسعين سنة، ومسند الوقت الرئيس أبو الفرج مسعود بن الحسن بن القاسم بن الفضل الثقفى الأصبهاني، في رجب عن مائة سنة.(1/126)
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنا عبد المعز بن محمد إجازة، أنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد، أنا عبد الغافر بن محمد حضورا، أنا أبو بكر الحيري، ثنا أبو العباس المعقلي، ثنا زكريا بن يحيى، ثنا ابن عيينة، عن الزهرى، عن أنس، قال: قال رجل: يا رسول الله متى الساعة ؟ قال: ما أعددت لها ؟ فلم يذكر كبيرا إلا أنه يحب الله ورسوله، قال: فأنت مع من أحببت ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى أبي سعد باثنين فقط وعلو للسمعاني، حيث وصل إلى ابن عيينة بأربعة من الرواة، وله موافقة مع مسلم حيث اجتمع معه في شيخ شيوخه سفيان ابن عيينة.
والحديث أخرجه مسلم في البر، حديث (2639) من طرق منها: قوله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير ( واللفظ لزهير ) قالوا: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس به.
ولكل من السمعاني والذهبي علو مطلق، حيث وصلا إلى رسول الله بعدد قليل.
ورواه البخاري في صحيحه، في الأدب، حديث (6171)، قال: حدثنا عبدان أخبرنا أبي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس بن مالك به.
فلو رواه السمعاني من طريق البخاري لوصل بعدد أكثر وكذلك الذهبي.
32- أبو موسى المديني ت (581) ط (16)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1334-1337)، فقال:
" الحافظ الكبير شيخ الإسلام، محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي عيسى أحمد بن عمر الأصبهاني، صاحب التصانيف، ولد في ذي القعدة سنة إحدى وخمسمائة وسمع حضوراً باعتناء أبيه، ثم سمع الكثير، ورحل وعنى بهذا الشأن، وحضوره عند أبي سعيد المطرز وهو ابن سنتين.(1/127)
وسمع من أبي منصور محمد بن عبد الله بن مندويه، وغانم البرجى، وأبي علي الحداد، وأبي الفتح محمد ابن عبد الله بن خوردست، ومحمد بن عبد الله الشرابى بليزة، وأبي الرجاء محمد بن أبي زيد، ومحمد ابن طاهر المقدسي الحافظ، وأبي زكريا بن منده، وهبة الله بن الحسن الأبرقوهى، وهبة الله بن الحصين البغدادي، وطبقتهم وتخرج بأبي القاسم التيمى وغيره.
وله التصانيف النافعة الكثيرة، والمعرفة التامة، والرواية الواسعة، انتهى إليه تقدم في هذا الشأن مع علو الإسناد.
حدث عنه أبو سعد السمعاني، وأبو بكر محمد بن موسى الحازمى، وعبد الغني بن عبد الواحد، وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي، ومحمد بن مكي الأصبهاني، وأبو نجيح محمد بن معاوية المقرىء، والناصح عبد الرحمن بن الحنبلي وآخرون، وروى عنه بالإجازة عبد الله بن بركات الخشوعى وطائفة.
قال الدبيثي: عاش أبو موسى حتى صار أوحد وقته، وشيخ زمانه، إسنادا وحفظا.
قال السمعاني: سمعت منه وكتب عني، وهو ثقة صدوق.
وقال عبد القادر: حصل من المسموعات بأصبهان ما لم يحصل لأحد في زمانه وانضم إلى ذلك الحفظ والإتقان، وله التصانيف التي أربى فيها على المتقدمين، مع الثقة والعفة له شيء يسير يترقح(1) به، وينفق منه، ولا يقبل من أحد شيئا قط أوصى إليه غير واحد بمال فرده، ويقال له: فرقه على من ترى فيمتنع، وكان فيه من التواضع بحيث أنه يقرئ الصغير والكبير، ويرشد المبتدئ، رأيته يحفظ الصبيان القرآن في الألواح، وكان يمنع من يمشى معه، فعلت ذلك مرة معه فزبرنى وترددت إليه نحوا من سنة ونصف، فما رأيت منه ولا سمعت عنه سقطة تعاب عليه، وكان أبو مسعود (كوتاه) يقول: أبو موسى كنز مخفي.
__________
(1) ولعله يترفق به.(1/128)
ومن تصانيفه: كتاب (معرفة الصحابة) الذي استدرك به علي أبي نعيم الحافظ، وكتاب (الطوالات) جودها، ولم يسبق إلى مثلها مع كثرة ما فيها من الواهى، والموضوع، وكتاب (تتمة الغريبين) يدل على براعته في لسان العرب، وكتاب (اللطائف)، وكتاب (عوالي التابعين)، وأشياء وفنون، وقد عرض من حفظه كتاب (علوم الحديث) للحاكم على إسماعيل الحافظ.
قال الحسين بن بوحز الباوري: كنت في مدينة الخان، فسألني سائل عن رؤيا فقال: رأيت كأن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- توفى، فقلت: إن صدقت رؤياك يموت إمام لا نظير له في زمانه، فإن مثل هذا المنام رئى حال وفاة الشافعي ،والثوري، وأحمد بن حنبل، قال: فما أمسينا حتى جاءنا الخبر بوفاة الحافظ أبي موسى.
وعن عبد الله بن محمد الخجندي قال: لما مات أبو موسى، لم يكادوا أن يفرغوا حتى جاء مطر عظيم في الحر الشديد، وكان الماء قليلا بأصبهان.
قال محمد بن محمود الرويدشتى: توفى الحافظ أبو موسى في تاسع جمادى الأولى في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.(1/129)
قلت: وفيها توفى الحافظ السهيلي، والحافظ عبد الحق الأزدي، والحافظ أبو سعد محمد ابن عبد الواحد الأصبهاني الصائغ، عن أربع وثمانين سنة، والإمام أبو طاهر إسماعيل بن مكي بن إسماعيل ابن عيسى بن عوف الزهري العوفي الإسكندراني المالكي، عن ست وتسعين سنة، والقدوة شيخ (أهل) حران حيوة بن قيس بن رحال الأنصاري الزاهد، والمسند أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن الحسين السبي ثم المصري الجيار، ويعرف بابن نخيسة بمصر، والمسند أبو محمد عبد الرزاق بن نصر بن المسلم الدمشقي النجار، عن أربع وثمانين سنة ومسند العراق أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا ابن شاتيل البغدادي الدباس، عن اثنتين وتسعين سنة، ومقرئ مصر أبو الجيوش عساكر بن علي ابن إسماعيل الشافعي النحوي، والمحدث الإمام أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي الميانشى المجاور، ومسند دمشق أبو المجد الفضل بن الحسين بن إبراهيم الحميري المعروف بالبانياسى، عن ست وثمانين سنة، والشيخ الزاهد أبو الفتح محمود بن أحمد بن علي المحمودى بن الصابوني بمصر.
أخبرنا محمد بن علي الصالحي، أنا عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي سنة ثمان وعشرين وستمائة، أنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم الحافظ، أنا أبو إسحاق ابن حمزة، أنا عبدان ( ح ) وبه إلى أبي نعيم، وثنا الحسين بن محمد بن رزيق الخياط، ثنا محمد بن محمد ابن سليمان، قالا: أنا هشام بن عمار، أنا صدقة بن خالد، أنا عبد الرحمن بن جابر، أنا عطية بن قيس، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، أخبرني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، والله ما كذبني أنه سمع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول:(1/130)
" ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم، تروح عليهم سارحة، فيأتيهم رجل لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله تعالى ويضع العلم عليهم، ويمسخ آخرون قردة وخنازير (إلى يوم القيامة)".
أخرجه البخاري، عن هشام عن غير سماع،وأخرجه أبو داود من طريق بشر بن بكر التنيسى، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بنحوه، والمعازف اسم لكل ما يعزف به كالطنبور، والزمر، والشبابة، وغير ذلك من آلات الملاهى ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى أبي موسى المديني باثنين من الرواة فقط، وفيه موافقة لأبي موسى مع البخاري، حيث اجتمع معه في شيخه هشام بن عمار، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي.
وفيه علو لأبي موسى، حيث وصل إلى هشام بن عمار شيخ البخاري بعدد قليل وهم أربعة من الرواة، وهذا العلو حاصل للذهبي.
وأخرج هذا الحديث الإمام البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، حديث (5590)، من طريق هشام بن عمار به كما ذكر الذهبي
وطعن فيه ابن حزم وأنكر العلماء على ابن حزم وبينوا بطلان دعواه وساقوا عددا من طرق هذا الحديث المتصلة ما بين متابعات وشواهد منها :
أن البيهقي وصله في السنن الكبرى (10/221) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر ابن عبد الله، أنبأنا الحسن بن سفيان، ثنا هشام بن عمار، ثنا صدقة بن خالد، ثنا ابن جابر، عن عطية ابن قيس الكلابي، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري به.
وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير(1) (1/305) متصلا، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن حاتم بن حريث، عن مالك بن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن غنم، أنه سمع أبا مالك الأشعري عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير ".(1/131)
وهذه متابعة متصلة تشهد لحديث هشام بن عمار و أخرجها أيضا الإمام أحمد في مسنده (5/342)، فقال: ثنا زيد بن الحباب، ثنا معاوية بن صالح، حدثني حاتم بن حريث، عن مالك ابن أبي مريم قال: كنا جلوساً مع ربيع الجرشى، فتذكرانا الطلاء في خلافة الضحاك بن قيس وذكر قصة، قال خلالها عن عبد الرحمن بن غنم، حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بقول:
" ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ".
وفي إسناده مالك بن أبي مريم، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال فيه الحافظ ابن حجر: " مقبول ".
وأخرجه ابن ماجة في سننه، حديث (4020)، من طريق معاوية بن صالح به.
وأخرجه ابن حبان كما في الإحسان (15/160)، حديث (6758).
والطبراني في الكبير (3/321)، حديث (3419)كلاهما من طريق معاوية بن صالح به.
وأخرج أبو داود متابعة أخرى متصلة، في كتاب اللباس، حديث (4026)، فقال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية ابن قيس، قال: سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك، والله يمين أخرى ما كذبني، أنه سمع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:
" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخمر والحرير وذكر كلاما قال: يمسخ منهم آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة ".
وهي متابعة لشيخ هشام بن عمار ألا وهو صدقة بن خالد.
وله شاهد أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/237)، فقال - رحمه الله - حديث رجل من أصحاب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة و محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي بكر بن حفص، قال: سمعت ابن محيرز يحدث عن رجل من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
" إن ناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها ".
وأخرجه النسائي (8/312)، حديث (5658)، قال:(1/132)
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، عن خالد وهو ابن الحارث، عن شعبة به. وإسناده صحيح.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، حديث (586)، من طريق شعبة به. ثم قال: وروي هذا الحديث عن أبي بكر بن حفص، عن ابن محيريز، عن زياد بن الصمت، عن عبادة بن الصامت، عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
فظهر بطلان دعوى ابن حزم وغيره أن في إسناد حديث البخاري عن هشام بن عمار انقطاع.
33- الحافظ أبو القاسم ابن بشكوال (1) ت (578) ط (17)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ 4/1339-1341)، فقال:
" الحافظ الإمام المتقن أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال بن يوسف ابن داحة الأنصاري الأندلسي، محدث الأندلس ومؤرخها ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وسمع أباه وأبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب فأكثر، وأبا بحر بن العاص وأبا الوليد بن رشد الفقيه، وأبا الوليد بن طريف، وأبا القاسم بن بقى، وشريح بن محمد، والقاضي أبا بكر بن العربي، وطبقتهم، وأجاز له أبو علي بن سكرة الصدفي، وأبو القاسم بن منظور، ومن بغداد هبة الله بن أحمد الشبلي وآخرون، وصنف معجما لنفسه.
قال أبو عبد الله الأبار: كان متسع الرواية شديد العناية بها عارفا بوجوهها حجة مقدما على أهل وقته، حافظا حافلا، أخباريا تاريخيا، ذاكرا لأخبار الأندلس. سمع العالي والنازل وأسند عن شيوخه أزيد من أربعمائة كتاب بين صغير وكبير، ورحل إليه الناس وأخذوا عنه، وحدثنا جماعة عنه ووصفوه بصلاح الدخلة وسلامة الباطن، وصحة التواضع، وصدق الصبر للطلبة، وطول احتمال ألف خمسين تأليفا في أنواع العلم، وولي بأشبيلية قضاء بعض جهاتها نيابة لابن العربي وعقد الشروط ثم اقتصر على أسماع العلم، وعلى هذه الصناعة، وهي كانت بضاعته.
__________
(1) - انظر ترجمته أيضا في طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي ( 4/ 116)، الترجمة ( 1075).(1/133)
والرواة عنه لا يحصون، منهم الحافظ أبو بكر بن خير، وأبو القاسم القنطري وأبو بكر بن سمحون، وأبو الحسن بن الضحاك، وكلهم مات قبله.
قلت: ومنهم أبو القاسم أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد وأحمد بن عبد المجيد المالقي، وأحمد بن محمد بن الأصلع، وأبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقي، وأحمد بن عياش المرسي، وأحمد ابن أبي حجة القيسي، وثابت بن محمد الكلاعي، ومحمد بن إبراهيم بن صلتان، ومحمد بن عبد الله ابن الصفار، وموسى بن عبد الرحمن الغرناطي، وأبو الخطاب بن دحية، وأخوه أبو عمرو، وممن روى عنه بالإجازة أبو الفضل الهمذاني وأبو القاسم سبط السلفي.
ذكر تصانيفه: (صلة تاريخ ابن الفرضي) في مجلدين، (غوامض الأسماء المبهمة) عشرة أجزاء، كتاب (معرفة العلماء الأفاضل) مجلدين، (طرق حديث المغفر) ثلاثة أجزاء، كتاب (الحكايات المستغربة) مجلد، كتاب (القربة إلى الله بالصلاة على نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم)، (ذكر من روى الموطأ عن مالك) في جزئين، (أخبار الأعمش) في ثلاثة أجزاء، (ترجمة النسائي) جزء، (أخبار المحاسبى) جزء، (أخبار إسماعيل القاضى) جزء، (أخبار ابن وهب) جزء، (أخبار أبي المطرف القنازعى) جزء (قضاة قرطبة) ثلاثة أجزاء، (المسلسلات) جزء، (حديث من كذب على بطرقه) (أخبار ابن المبارك) جزءان، (أخبار ابن عيينة) جزء ضخم، وغير ذلك.
وقد استوعب ترجمته ابن الزبير ومنها: كان -رحمه الله- تعالى يؤثر الخمول والقنوع بالدون من العيش، ولم يتدنس بخطة تحط من قدره، حتى لم يجد أحد إلى كلام فيه من سبيل - إلى أن قال: وآخر من روى عنه بسماع شيخنا أبو الحسين بن السراج وبإجازة مجردة أبو القاسم أحمد بن محمد البلوى.
توفى في ثامن شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، عن أربع وثمانين سنة ودفن بمقبرة الإمام يحيى بن يحيى الليثي.(1/134)
وفيها: توفى زاهد العراق الشيخ أحمد بن علي بن الرفاعي بالبطائح، عن تسع وسبعين سنة، والشيخ أبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاوس بدمشق، ومسند الوقت خطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي في شهر رمضان، عن اثنتين وتسعين عاما، وعالم دمشق قطب الدين مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري الشافعي.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عطاء الله بن المظفر الإسنكدرانى بها، أنا عبد الرحمن بن مكي سنة ست وأربعين وستمائة، عن خلف بن عبد الملك الحافظ، أنا أبو بكر المعافري، أنا أحمد بن علي الحلواني، أنا طاهر بن عبد الله القاضى ثنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا أبو خليفة، ثنا عبد الرحمن بن سلام، ثنا إبراهيم ابن طهمان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
" أكثروا الصلاة علي، فإنه من صلى علي صلاة صلَّى الله عليه وسلَّم عشرا ".
أقول:
في هذا الإسناد علو للحافظ الذهبي، حيث وصل إلى ابن بشكوال باثنين فقط وعلو لابن بشكوال حيث وصل بثلاثة إلى محمد بن أحمد بن الحسين الغطريفي المتوفى سنة (377) كما في لسان الميزان (5/35)، وهو من الثقات الأثبات ولم أجد هذا الحديث إلا في طبقات الشافعية للسبكى (1/161)، وكنز العمال حديث (2217)..
وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - بلفظ:
" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فانه من صلى علي مرة صلَّى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة فإنها لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله... الحديث.
رواه مسلم كتاب الصلاة (384)، وأحمد (2/168)، و أبو داود كتاب الصلاة حديث (523)، والنسائي (2/25)، حديث (678)، كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - به.
34- أبو بكر محمد بن موسى الحازمى ت (584) (ط17)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1363-1365)، فقال:(1/135)
" الإمام الحافظ البارع النسابة، أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حازم الهمذاني.
ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت السجزي حضورا ومن شهردار بن شيرويه الديلمي، وأبي زرعة المقدسي، والحافظ أبي العلاء الهمذاني ومعمر بن الفاخر، وقدم بغداد فسمع من أبي الحسين عبد الحق بن يوسف وعبد الله بن عبد الصمد العطار، وبالموصل من الخطيب أبي الفضل الطوسي وبواسط من أبي طالب المحتسب، وبالبصرة محمد بن طلحة المالكي، وبأصبهان أبا الفتح الخرقي، وأبا العباس الترك، وأبا موسى الحافظ، وبالحرمين، والشام والجزيرة، وكتب الكثير، وصنف وجوده(1).
قال الدبيثي: قدم بغداد وسكنها وتفقه بها في مذهب الشافعي، وجالس العلماء وتميز وفهم وصار من أحفظ الناس للحديث وأسانيده ورجاله، مع زهد وتعبد ورياضة وذكر، صنف في الحديث عدة مصنفات، وأملى عدة مجالس، وكان كثير المحفوظ حلو المذاكرة، يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام.
أملى طرق الأحاديث التي في المهذب وأسندها، ولم يتمه، وذكره ابن النجار فقال: كان من الأئمة الحفاظ، العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله.
ألف كتاب الناسخ والمنسوخ، وكتاب عجالة المبتدىء في الأنساب والمؤتلف والمختلف في أسماء البلدان، وأسند أحاديث المهذب لأبي إسحاق، وكان ثقة حجة نبيلا زاهدا، عابدا، ورعا، ملازما للخلوة، والتصنيف، وبث العلم أدركه أجله شابا.
سمعت محمد بن محمد بن محمد بن غانم الحافظ يقول: كان شيخنا الحافظ أبو موسى يفضل أبا بكر الحازمى على عبد الغني المقدسي، ويقول: ما رأيت شابا أحفظ منه.
مات في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمسمائة.
قال ابن النجار: سمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمى كان يحفظ كتاب الإكمال في المؤتلف والمختلف، ومشتبه النسبة، وكان يكرر عليه.
وبخط أبي الخير القزويني يسأل الحازمى ما يقول سيدنا الإمام الحافظ في كذا وكذا وقد أجاب الحازمى بأحسن جواب.
__________
(1) لعله جود.(1/136)
قال ابن النجار: سمعت أبا القاسم المقرىء جارنا يقول وكان صالحا:كان الحازمى في رباط البديع، وكان يدخل بيته في كل ليلة يطالع ويكتب إلى الفجر فقال البديع للخادم: لا تدفع اليه الليلة بزرا للسراج، فلعله يستريح الليلة فلما جن الليل اعتذر اليه الخادم ؛ لانقطاع البزر، فدخل بيته وصف قدميه ولم يزل يصلى ويتلو إلى أن طلع الفجر، وكان الشيخ خرج ليعلم خبره فوجده في الصلاة.
أخبرنا أبو الحمد الوراق، أنا عبد الله بن الحسن الخطيب سنة اثنتين وأربعين وستمائة، أنا محمد ابن موسى الحافظ، قرأت على محمد بن ذاكر أخبرك حسن بن أحمد القارىء، أنا محمد بن أحمد الكاتب، أنا علي بن عمر، ثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز، ثنا العباس بن يزيد، ثنا غسان بن مضر، ثنا أبو سلمة، سألت أنس بن مالك:
أكان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يستفتح بالحمد لله رب العالمين؟ فقال: إنك لتسألنى عن شيء لم أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك، قلت: أكان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم.
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى الحافظ الحازمي باثنين فقط وللحازمي علو إلى علي بن عمر وهو الدارقطني، حيث وصل إليه بثلاثة من الرواة فقط، وهذا العلو حاصل للذهبي.
وهذا الحديث قد روي من طرق كثيرة عن أنس - رضي الله عنه - أبلغها ابن حجر في النكت ثماني طرق والتاسعة مختلف فيها، وحديث نفي الجهر رواه مسلم وغيره وأعله بعض العلماء منهم ابن عبد البر، ولم يسلم لهم، وممن دفع هذه العلة شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر، وجمع الحافظ بين هذه الألفاظ المختلفة فقال - رحمه الله - في النكت (2/753):
" والجمع بين هذه الألفاظ ممكن بالحمل على عدم الجهر ".
وقد أطال الحافظ في هذا البحث وساق للحديث طرقاً وشواهد انظر في النكت (2/749-770).
35- أبو بكر بن خير الإشبيلى ت (575) ط (17)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/ 1366)، فقال:(1/137)
" الإمام الحافظ شيخ القراء أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللمتونى الإشبيلى أتقن القراءات على شريح بن محمد، واختص به حتى ساد أهل بلده، وسمع منه ومن أبي مروان الباجى، والقاضي أبي بكر بن العربي، وبقرطبة من أبي جعفر بن عبد العزيز وابن عمه أبي بكر، وأبي القاسم ابن بقي، وابن مغيث، وابن أبي الخصال وطائفة سواهم.
قال الأبار: كان مكثرا إلى الغاية بحيث إنه سمع من رفاقه، وشيوخه أكثر من مائة نفس، لا نعلم أحداً من طبقته مثله، وتصدر بإشبيلية للإقراء، والإسماع وحمل الناس عنه كثيرا، وكان مقرئا مجودا ومحدثا متقنا، أديبا نحويا لغويا، واسع المعرفة رضى مأمونا.
لما مات بيعت كتبه بأغلى الأثمان لصحتها، ولم يكن له نظير في هذا الشأن مع الحظ الأوفر من علم اللسان، توفي في ربيع الأول من سنة خمس وسبعين وخمسمائة وكانت جنازته مشهودة، وعاش ثلاثا وسبعين سنة ".
أقول:
لم يرو الذهبي عنه أي حديث.
وهو مؤلف الفهرسة المشهورة بفهرسة ابن خير.
36- الحافظ عبد الغني المقدسي ت (600) (ط17)
ترجم له الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1372-1381)، فقال:
" عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر، الحافظ الإمام، محدث الإسلام تقي الدين أبو محمد المقدسي الجماعيلى، ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب التصانيف.
ولد في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة هو وابن خالته الشيخ الموفق بجماعيل واصطحبا مدة في أول اشتغالهما ورحلتهما.
سمع أبا المكارم بن هلال بدمشق، وهبة الله بن هلال، وابن البطي، وطبقتهما ببغداد، وأبا طاهر السلفي بالثغر، وأقام عليه ثلاثة أعوام، ولعله كتب عنه ألف جزء، وأبا الفضل الطوسي بالموصل، وعبد الرزاق بن إسماعيل القومسانى بهمذان، والحافظ أبو موسى المديني، وأقرانه بأصبهان، وعلي ابن هبة الله الكاملى بمصر.
وكتب ما لا يوصف كثرة، وما زال ينسخ، ويصنف، ويحدث، ويعبد الله حتى أتاه اليقين.(1/138)
روى عنه ولداه أبو الفتح، وأبو موسى، وعبد القادر الرهاوي، والشيخ موفق الدين، والضياء، وابن خليل، والفقيه اليونينى، وابن عبد الدائم، وعثمان بن مكي الشارعى، وأحمد بن حامد الأرتاحى، وإسماعيل بن عزون، وعبد الله بن علاق، ومحمد بن مهلهل الجيتى، وهو آخر من سمع منه، بقي إلى سنة أربع وسبعين، وبقي بعده بالإجازة أحمد بن أبي الخير شيخنا.
قال ابن النجار: حدث بالكثير، وصنف في الحديث تصانيف حسنة، وكان غزير الحفظ، من أهل الإتقان، والتجويد، قيما بجميع فنون الحديث إلى أن قال: وكان كثير العبادة ورعا، متمسكا بالسنة على قانون السلف، تكلم في الصفات والقرآن بشى أنكره أهل التأويل من الفقهاء، وشنعوا عليه، فعقد له مجلس بدار السلطان بدمشق فأصر وأباحوا قتله(1)، فشفع فيه أمراء الأكراد على أن يبرح من دمشق، فذهب إلى مصر، وأقام بها خاملا إلى حين وفاته.
قرأت بخط الحافظ أبي موسى المديني يقول أبو موسى: عفا الله عنه قل من قدم علينا من الأصحاب من يفهم هذا الشأن كفهم الإمام ضياء الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي زاده الله توفيقا، وقد وفق لتبيين هذه الغلطات يعنى التي في كتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم، إلى أن قال: ولو كان الدارقطني في الأحياء وأمثاله لصوبوا فعله، وقل من تفهم في زماننا لما فهمه.
قال الحافظ الضياء: ثم سافر الحافظ إلى أصبهان، وكان خرج وليس معه إلا قليل فلوس، فسهل الله تعالى من حمله وأنفق عليه، فأقام بأصبهان مدة، وحصل بها الكتب الجيدة، وكان ليس بالأبيض الأمهق يميل إلى سمرة، حسن الثغر، كث اللحية واسع الجبين، عظيم الخلق، تام القامة، كأن النور يخرج من وجهه، ضعف بصره من كثرة الكتابة والبكاء.
__________
(1) ويح هؤلاء القوم يفتون بقتل هذا الإمام الحجة لتمسكه بالكتاب والسنة وما عليه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان.(1/139)
وصنف المصباح في ثمانية وأربعين جزءا مشتمل على أحاديث الصحيحين وكتاب نهاية المراد في السنن نحو مائتي جزء لم يبيضه، كتاب المواقيت مجلد كتاب الجهاد مجلد، الروضة أربعة أجزاء، فضائل خير البرية مجلد، الذكر جزءان الإسراء جزءان، التهجد جزءان، المحنة ثلاثة أجزاء، صلات الأحياء إلى الأموات جزءان، الصفات جزءان، الفرح جزءان، فضل مكة أربعة أجزاء، وتصانيف كثيرة جزء جزء، غنية الحفاظ في مشكل الألفاظ مجلدان، الحكايات أزيد من مائة جزء.
ومما ألفه بلا إسناد العمدة جزءان، الأحكام ستة أجزاء، درر الأثر تسعة أجزاء الكمال عشر مجلدات، إلى أن قال: وكان لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا ذكره له وبينه، ولا يسأل عن رجل إلا قال هو فلان بن فلان وبين نسبته، فأقول كان أمير المؤمنين في الحديث، سمعته يقول: نازعني رجل في حديث بحضرة أبي موسى فقال هو في البخاري، قلت: ليس هو فيه، فكتب الحديث في رقعة ورفعها إلى أبي موسى يسأله، فناولني أبو موسى الرقعة وقال: ما تقول ؟ فقلت: ما هو في البخاري، فخجل الرجل.
وقال الضياء: سمعت إسماعيل بن ظفر يقول: جاء رجل إلى الحافظ عبد الغني فقال رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: لو قال أكثر لصدق وشاهدت الحافظ غير مرة بجامع دمشق يسأله بعض الحاضرين وهو على المنبر يقول اقرأ لنا أحاديث من غير الجزء، فيقرأ الأحاديث علينا بأسانيدها عن ظهر قلبه وقيل له: لم لا تقرأ دائما من غير كتاب ؟ فقال: أخاف العجب، وسمعت أبا محمد عبد العزيز الشيباني يقول: سمعت التاج الكندي يقول: لم يكن بعد الدارقطني مثل الحافظ عبد الغني المقدسي.(1/140)
قال الفقيه محمود بن همام سمعت الكندي يقول: لم ير الحافظ عبد الغني مثل نفسه وقال ربيعة اليمنى: قد رأيت أبا موسى المديني وهذا الحافظ عبد الغني أحفظ منه. وقال الضياء: كل من رأيت من المحدثين يقول: ما رأينا مثل عبد الغني، وهو الذي حرضنى على السفر إلى مصر، وبعث معنا ابنه عبد الرحمن وهو ابن عشر سنين وهو سفر إسماعيل بن ظفر وأعطاه فسار إلى أصبهان وإلى خراسان، وحرض يوسف بن خليل على الرحلة.
وكان يقرأ الحديث ليلة الخميس وبعد الجمعة بجامع دمشق، ويجتمع خلق ويبكى الناس كثيرا، ثم يطول لهم الدعاء.
سمعت الواعظ أبا الحسن بن نجا على المنبر بالقرافة، يقول: قد جاء الحافظ وهو يريد أن يقرأ الحديث، فاشتهى أن تحضروا مجلسه ثلاث مرات، وبعدها أنتم تعرفونه وتحصل لكم الرغبة فيه، فجلس أول يوم بجامع القرافة، وحضرت فقرأ أحاديث بأسانيدها حفظا، وقرأ أخرى ففرح الناس به، ثم سمعت ابن نجا يقول: حصل مرادى في أول مجلس، إلى أن قال: وكان لا يضيع شيئا من زمانه، كان يصلي الفجر ويلقن القرآن وربما لقن الحديث، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبيل الظهر، فينام نومة فيصلي الظهر ويشتغل بالتسميع أو النسخ إلى المغرب، فيفطر إن كان صائما ويصلي إلى العشاء، ثم ينام إلى نصف الليل أو بعده ثم يتوضأ ويصلي، ثم يتوضأ ويصلي إلى قريب الفجر، وربما توضأ سبع مرات أو أكثر ويقول: تطيب لي الصلاة ما دامت أعضائى رطبة، ثم ينام نومة يسيرة قبل الفجر وهذا دأبه.
قال الشيخ الموفق كان رفيقى، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقنى إليه إلا القليل وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وقيامهم عليه، ورزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة إلا أنه لم يعمر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها.(1/141)
قال الضياء: وكان لا يرى منكرا إلا غيره بيده، أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم رأيته مرة يريق خمرا فسل صاحبه السيف فلم يخف، وكان قويا فأخذ السيف من يد الرجل، وكان يكسر الشبابات والطنابير.
وشاهدت بخطه يقول: والملك العادل ما رأيت منه إلا الجميل، أقبل علي وقام لي والتزمنى ودعوت له، فقلت عندنا قصور يوجب التقصير، فقال ما عندك تقصير ولا قصور، وذكر أمر السنة، فقال: ما عندك شيء يعاب في أمر الدين والدنيا ولا بد للناس من حاسد، وبلغني عنه بعد ذلك أنه ذكر عنده العلماء، فقال ما رأيت مثل فلان دخل علي فخيل لي أنه أسد قد دخل علي.
قال الضياء: وكان المبتدعة قد أوغروا صدر العادل على الحافظ، وتكلموا فيه عنده، وكان بعضهم يقول: ربما يقتله إذا دخل عليه، فسمعت أن بعضهم بذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار.
قال الضياء: سمعت أبا بكر بن أحمد الطحان يقول: جعلوا الملاهى عند درج جيرون، فجاء الحافظ فكسر كثيرا منها، وصعد المنبر فجاءه رسول القاضى يطلبه ليناظره في الدف والشبابة، فقال: ذاك حرام ولا أمشي إليه، إن كان له حاجة يجىء هو، قال فعاد الرسول، فقال: لا بد من مجيئك قد عطلت هذه الأشياء على السلطان، فقال: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان، فمضى الرسول، فخفنا من فتنة فما أتى أحد بعد.
سمعت محمود بن سلامة الحراني بأصبهان يقول: كان الحافظ بأصبهان يخرج فيصطف الناس في السوق ينظرون إليه، ولو أقام بأصهبان مدة، وأراد أن يملكها لملكها، يعني من حبهم له ورغبتهم فيه.
سمعت بدر بن محمد الجذرى يقول: ما رأيت أحدا أكرم من الحافظ، لقد أوفى عني غير مرة، وسمعت سليمان الأشعري يقول: بعث الأفضل إلى الحافظ بنفقة وقمح كثير ففرق الجميع، وحكى رجل أنه شاهد الحافظ في الفلاء بمصر ثلاث ليال يؤثر بعشائه ويطوى.
قال الضياء: فتح له بمصر أشياء كثيرة من الذهب وغيره.(1/142)
سمعت الرضى عبد الرحمن بن محمد أنه سمع الحافظ يقول: سألت الله أن يرزقنى حال الإمام أحمد فقد رزقنى صلاته، قال: ثم ابتلى بعد ذلك وامتحن.
سمعت الإمام أبا عبد الله بن أبي الحسن الجبائى يقول: أخذ الحافظ عبد الغني على أبي نعيم في مائتين وتسعين موضعا، فطلبه الصدر بن الخُجندي وأراد هلاكه فاختفى الحافظ.
وسمعت محمود بن سلامة يقول: ما أخرجناه إلا في إزار.
وسمعت الحافظ يقول: كنا نسمع بالموصل كتاب الضعفاء للعقيلى، فأخذنى أهل الموصل وحبسونى وأرادوا قتلي من أجل ذكر رجل فيه، فجاءني رجل طويل بسيف فقلت: لعله يقتلنى وأستريح، قال فلم يصنع شيئا، ثم أطلقت، وكان يسمعه معه ابن البرنى فأخذ الكراس الذي فيه ذكر الرجل، ففتشوا الكتاب فلم يجدوا شيئا، فأطلق.(1/143)
أخبرنا عبد الحميد بن أحمد سمعت الضياء يقول: كان الحافظ يقرأ الحديث بدمشق ويجتمع الخلق عليه، فحسد وشرعوا يعملون لهم وقتا في الجامع، ويقرأ عليهم الحديث فهذا ينام، وهذا قلبه غير حاضر فلم تشتف قلوبهم، فشرعوا في مكيدة فأمروا الناصح أن يعظ بعد الجمعة تحت قبة النسر وقت جلوس الحافظ، فأخر الحافظ معتاده إلى العصر، فلما كان في بعض الأيام والناصح قد فرغ، فدسوا رجلا ناقص العقل من بنى عساكر، فقال للناصح ما معناه إنك تقول الكذب على المنبر، فضرب الرجل وهرب وخبىء في الكلاسة، ومشوا إلى الوالي وقالوا هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلا الفتنة وهم وهم واعتقادهم، ثم جمعوا كبراءهم ومضوا إلى القلعة، وقالوا للوالى نشتهى أن يحضر عبد الغني، وسمع مشايخنا فانحدروا: خالي الموفق وأخي الشمس والفقهاء وقالوا نحن نناظرهم، وقالوا للحافظ: اقعد لا تجىء فإنك حاد، ونحن نكفيك فاتفق أنهم أخذوا الحافظ ولم يعلم أصحابنا، فناظروه وكان أجهلهم يغرى به فاحتد، وكانوا قد كتبوا شيئا من اعتقادهم، وكتبوا فيه خطوطهم، ثم قالوا له: اكتب خطك، فلم يفعل، فقالوا للوالى: قد اتفق الفقهاء كلهم وهذا يخالف فبعث الأسارى فرفعوا منبره وخزانه ودرابزين، وقالوا نريد أن لا تجعل في الجامع صلاة إلا للشافعية وكسروا منبر الحافظ، ومنعنا من صلاة الظهر(1)،
__________
(1) 1- هكذا يفعل أهل الأهوا وبرأ الله الإمام الشافعي من جهل هؤلاء وضلالهم وفتنتهم.(1/144)
فجمع الناصح السوقة وغيرهم وقال: إن لم يخلونا نصلى صلينا بغير اختيارهم، فبلغ ذلك القاضى وكان صاحب الفتنة فأذن لهم، وحمت الحنفية مقصورتهم بجماعة من الجند، ثم إن الحافظ ضاق صدره ومضى إلى بعلبك، فأقام بها مدة، وتوجه إلى مصر، فبقي بنابلس مدة إلى أن قال: وجاء الملك الأفضل وأخذ مصر، ثم رد إلى دمشق فصادف الحافظ وأكرمه، ونفذ يوصى به بمصر، فتلقى بالبشر والإكرام، وكان بمصر كثير من المخالفين، لكن رائحة السلطان كانت تمنعهم، ثم جاء العادل وأخذ مصر، واكثروا عنده على الحافظ، فطلب، ثم أكرمه العادل وبقى الحافظ بمصر، وهم لا يتركون الكلام فيه، فلما أكثروا عزم الكامل على إخراجه، ثم اعتقل في داره سبع ليال فسمعت التقي أحمد بن محمد بن عبد الغني يقول: حدثني الشجاع ابن أبي ذكرى الأمير قال: قال لي الكامل هنا فقيه قالوا: إنه كافر(1) قلت: ما أعرفه قال بلى هو محدث، فقلت: لعله الحافظ عبد الغني، فقال هو هو، فقلت: أيها الملك العلماء أحدهم يطلب الآخرة، والآخر يطلب الدنيا، وأنت هنا باب الدنيا، فهل جاء إليك أو أرسل إليك ورقة، قال: لا قلت: والله هؤلاء يحسدونه، فقال: جزاك الله خيرا كما عرفتنى.
قال الضياء: بلغني أن الحافظ أُمر أن يكتب اعتقاده، فكتب أقول كذا لقول الله كذا وأقول كذا لقول النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كذا، حتى فرغ من المسائل فلما وقف عليها الكامل، قال: أيش أقول في هذا يقول بقول الله ورسوله فخلى عنه.
__________
(1) 2- بئس ما قالوا وافتروا، وما نقموا منه إلا تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وآله وسلم وما عليه السلف الصالح من العقيدة والمنهج الحق.(1/145)
وسمعت أحمد بن محمد بن عبد الغني يقول لي: رأيت أخاك الكمال عبد الرحيم في النوم، فقلت: أين أنت ؟ فقال في جنة عدن، فقلت أيما أفضل الحافظ عبد الغني أو الشيخ أبو عمر ؟ فقال: ما أدري، أما الحافظ فكل ليلة جمعة ينصب له كرسى تحت العرش يقرأ عليه الحديث وينثر عليه الدر وهذا نصيبى منه وأشار إلى كمه(1).
سمعت أبا موسى يقول: مرض والدي أياما، ووضأته وقت الصباح فقال لي: يا عبد الله صل بنا وخفف، فصليت بالجماعة وصلى معنا جالسا ثم قال اقرأ عند رأسي يس فقرأتها، وقلت هنا دواء تشربه، فقال ما بقى إلا الموت فقلت ما تشتهى شيئا ؟ قال اشتهى النظر إلى وجه الله الكريم، فقلت: ما أنت عنى راض، قال بلى، وجاؤا يعودونه وجعلوا يتحدثون، ففتح عينه وقال: ما هذا اذكروا الله، قولوا لا إله الا الله، ثم دخل درع النابلسي، فقمت لأناوله كتابا من جانب المسجد فرجعت، وقد توفى رحمه الله تعالى يوم الإثنين الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ستمائة.
قلت: وفيها توفى المذكورون في ترجمة القاسم، وترجمه الحافظ الضياء أربع كراريس بسماعنا من ابن خولان عنه.
أنبأنا أحمد بن سلامة الدمشقي، عن عبد الغني بن عبد الواحد في كتابه، أنا حيدرة بن عمر ابن إبراهيم العلوي، أنا طراد بن محمد، أنا أحمد بن محمد بن حسنون، ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو إملاء، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا أبو سنان، حدثني حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله إني أعمل العمل سرا، فإذا اطلع عليه أعجبنى، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
" لك أجران أجر السر وأجر العلانية ".
رواه الأعمش عن حبيب وأرسله.
أخرجه أبو عيسى في جامعه عن محمد بن المثنى، عن أبي داود ".
أقول:
__________
(1) 3- في هذه الرؤيا تأمل.(1/146)
في إسناد هذا الحديث علو للحافظ الذهبي، حيث وصل إلى الحافظ عبدالغني برجل واحد فقط، وعلو للحافظ عبد الغني، حيث وصل إلى أبي داود الطيالسي بخمسة من الرواة، وهذا العلو حاصل للذهبي.
أخرج هذا الحديث أبو داود الطيالسي في مسنده (ص 318)، حديث (2430).
وأخرجه الترمذي في جامعة (4/192) حديث (2384)، قال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو داود، قال: حدثنا أبو سنان الشيباني به.
فللحافظ عبد الغني موافقة مع الترمذي، حيث اجتمع معه في شيخ شيخه أبي داود الطيالسي، وهذه الموافقة تسمى بدلا.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (5/625)، حديث (4226)، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا سعيد بن سنان أبو سنان الشيباني به.
فللحافظ عبد الغني موافقة مع ابن ماجة، حيث اجتمع به في شيخ شيخه أبي داود الطيالسي، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي.
ومع هذا فالحديث ضعيف ؛ لأن الصواب إرساله، وقد أشار الترمذي إلى هذا حيث قال: هذا حديث غريب(1) وقد روى الأعمش وغيره عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي صالح، عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- مرسلاً، وأصحاب الأعمش لم يذكروا فيه عن أبي هريرة.
وقال الترمذي عقبه: وقد فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هذا الحديث فقال: إذا اطلع عليه، فَأَعْجَبَهُ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُعْجِبَهُ ثَنَاءُ الناس عليه بِالْخَيْرِ، لِقَوْلِ النبي - صلى الله عليه وسلم - :
(أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرض) فَيُعْجِبُهُ ثَنَاءُ الناس عليه لِهَذَا، لِمَا يَرْجُو بِثَنَاءِ الناس عليه، فَأَمَّا إذا أَعْجَبَهُ لِيَعْلَمَ الناس منه الْخَيْرَ لِيُكْرَمَ على ذلك، وَيُعَظَّمَ عليه، فَهَذَا رِيَاءٌ.وقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إذا اطلع عليه فَأَعْجَبَهُ رَجَاءَ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِ، فَيَكُونُ له مِثْلُ أُجُورِهِمْ فَهَذَا له مَذْهَبٌ أَيْضًا.
__________
(1) وفي بعض النسخ حسن غريب.(1/147)
37- الحافظ عبد القادر الرهاوي ت (612) (ط17)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1387-1389)، فقال:
" الحافظ الإمام الرحال أبو محمد الرهاوي الحنبلي، محدث الجزيرة، ولد بالرهاء سنة ست وثلاثين وخمسمائة، ونشأ بالموصل، وكان مملوكا لبعض المواصلة السفارين، فأعتقه فطلب العلم وأقبل على الحديث، فسمع من مسعود بن الحسن الثقفى، والحسن بن العباس الرستمى، وأبي جعفر محمد بن الحسن الصيدلاني، ورجاء بن حامد، ومحمود بن فورجة وإسماعيل بن شهريار، ومعمر بن الفاخر، وعبد الرحيم ابن أبي الوفاء وعلي بن عبد الصمد بن مردويه، وأقرانهم بأصبهان، والحافظ أبي العلاء، ومحمد بن بنيمان بهمذان، وأبي زرعة المقدسي، ولحق بهراة عبد الجليل بن أبي سعيد خاتمة أصحاب بيبى الهرثمية، وبمرو من مسعود بن محمد المروزي، وبنيسابور من أبي بكر محمد بن علي بن محمد الطوسي، وطبقته، وبسجستان من أبي عروبة عبد الهادي بن محمد بن عبد الله الزاهد، وببغداد من أبي علي أحمد بن محمد الرحبي وأبي محمد الخشاب، وخلق، وبواسط من هبة الله بن مخلد الأزدي، وأبي طالب المحتسب وبالموصل من أبي الفضل الطوسي، ويحيى بن سعدون القرطبي، وبدمشق من أبي القاسم الحافظ، ومحمد بن بركة الصلحى، وبمصر من محمد بن علي الرحبي، وابن برى وبالإسكندرية من السلفي، وعمل الأربعين المتباينة الأسانيد في مجلد كبير، يدل على تبحره وسعة علمه، قال ابن نقطة: كان عالما، ثقة، مأمونا، صالحا، إلا أنه كان عسرا في الرواية، لا يكثر عنه إلا من أقام عنده، قال يوسف بن خليل: كان حافظا، ثبتا كثير السماع، كثير التصنيف، متقنا، ختم به علم الحديث.
قال أبو محمد المنذري: كان حافظا ثقة، راغبا في الانفراد عن أرباب الدنيا.
وقال أبو شامة: كان صالحا مهيبا زاهدا ناسكا خشن العيش، ورعا.(1/148)
قلت: حدث عنه ابن نقطة، والزكى البرزالي، والضياء، وابن خليل، والصريفينى وإسماعيل بن ظفر، والشهاب القوصى، وعبد الرحمن بن سالم الأنباري، وأبو العباس بن عبد الدائم، وأبو زكريا ابن الصيرفي، وعامر القلعي،وعبد العزيز بن الصيقل والفقيه أبو عبد الله بن حمدان، وغيرهم، وله أوهام نبهت على مواضع منها في الأربعين له ومع حفظه ومعرفته فغيره أتقن، وتكرر في تباين الأسانيد أربعة مواضع.
توفى الحافظ الرهاوي بحران في ثاني جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وستمائة.
وفيها توفي المسند أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب البغدادي السباك الصوفي في شوال فجأة، سمع(1) عبد الوهاب الأنماطي، والمسند أبو العباس أحمد بن يحيى بن بركة بن الديبقى البغدادي البزاز، والمسند أبو الفضل سليمان بن محمد بن علي الموصلي، والمسند الرحلة أبو محمد عبد العزيز بن معالى بن غنيمة ابن منينا، والشريف أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن هبة الله الهاشمي المنصوري، وشيخ الصعيد القدوة أبو الحسن علي بن حميد بن الصباغ، والشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي بن موهوب بن البناء الصوفي، وكمال الدين أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك بن الحلاحلي السفار، والمسند أبو القاسم موسى بن سعيد بن هبة الله بن الصيقل الهاشمي عنده إسماعيل بن السمرقندي والمسند يحيى بن ياقوت ابن الفراش المجاور.
__________
(1) لعل أصله سمع منه.(1/149)
أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه، ثنا عبد القادر بن عبد الله الحافظ، أنا مسعود بن الحسن الأصبهاني بها، أنا إبراهيم بن محمد الطيار ومحمد بن أحمد السمسار، قالا: أنا إبراهيم بن عبد الله التاجر، ثنا الحسين بن إسماعيل القاضى، ثنا ابن أبي مذعور، ثنا يزيد بن زريع، ثنا روح بن القاسم، ثنا محمد ابن المنكدر، عن جابر قال: أتيت أبا بكر أسأله فمنعنى، ثم أتيته أسأله فمنعنى، ثم أتيته أسأله فمنعني، فقلت: إما أن تبخل وإما أن تعطينى، فقال أتبخلنى ؟ وأي داء أدوأ من البخل ؟ ما أتيتنى من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك ألفا، قال فأعطاني ألفا وألفا وألفا ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى عبد القادر الرهاوي برجل واحد. وعلو للرهاوي حيث وصل إلى يزيد بن زريع المتوفى سنة ثمانين ومائة (180) بخمسة من الرواة.
وأورد الذهبي هذا الحديث بهذا الإسناد في السير (22/74) وقال: إسناده قوي.
لكن في إسناده محمد بن عمرو بن أبي مذعور لم أقف له على ترجمة، وذكره الذهبي في المقتنى في سرد الكنى برقم (3725) ولم يذكر درجته.
وأصل هذا الحديث في مسند أحمد (3/307-308) قال: ثنا سفيان قال: سمع ابن المنكدر جابراً يقول: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
" لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا، قال: فلما جاء مال البحرين بعد وفاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، قال أبو بكر من كان له عند رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- دين أو عدة فليأتنا، قال: فجئت، قال فقلت: إن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: لو قد جاء مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا، قال: فخذ، قال: فأخذت قال بعض من سمعه فو جدتها خمسمائة، فأخذت، ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فلم يعطني، فقلت: إما أن تعطيني وإما أن تبخل عني، قال: أقلت: تبخل عني وأي داء أدوأ من البخل ؟ ما سألتني مرة إلا وقد أردت أن أعطيك ".(1/150)
والمنكر من حديثه في التذكرة قوله: فأعطاني ألفا وألفا وألفا.
ورواه البخاري في صحيحه في كتاب فرض الخمس، حديث (3137)، قال: حدثنا علي، حدثنا سفيان، حدثنا محمد بن المنكدر، سمع جابراً... بسياق أطول وفيه فحثى لي حثية وقال عدها، فوجدتها خمسمائة فقال: خذ مثلها مرتين ".
وعلى كل حال فللرهاوي موافقة مع الإمام أحمد، حيث اجتمع معه في شيخ شيخه محمد ابن المنكدر، وله موافقة مع البخاري، حيث اجتمع معه في شيخ شيخ شيخه ابن المنكدر.
وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، حديث (2314)، قال: حدثنا عمرو الناقد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، وفيه " فحثي لي أبو بكر مرة ثم قال لي: عدها، فعددتها، فإذا هي خمسمائة، فقال: خذ مثليها ".
وليس في حديث مسلم مجيء جابر ثلاث مرات، ولا جواب أبي بكر له على التبخيل.
هذا وللرهاوي موافقة مع مسلم في شيخ شيخ شيخه، وهذه الموافقات حاصلة للحافظ الذهبي.
38- أبو الفتح محمد بن عبد الغني الحافظ ت (610) (ط18)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 4/1401-1402)، فقال:
" هو الإمام المحدث المفيد الحافظ عز الدين أبو الفتح محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي الصالحي الحنبلي، ولد سنة ست وستين وخمسمائة في أحد الربيعين ونشأ في صغره باعتناء أبيه في هذا الشأن، فارتحل إلى بغداد وهو ابن أربع عشرة سنة فسمع من أبي الفتح بن شاتيل، ونصر الله القزاز، وطبقتهما، وتفقه على أبي الفتح بن المنى، وسمع بدمشق من أبي المعالي بن صابر، والخضر ابن طاوس، والفضل بن البانياسي، ومحمد بن حمزة بن أبي الصقر، وأبي الفهم عبد الرحمن ابن أبي العجائز، وبأصبهان من أبي الفضائل عبد الرحيم بن محمد بن الكاغذى، ومسعود الجمال، وأبي المكارم اللبان وبمصر من أبي القاسم البوصيري، وعدة.(1/151)
روى عنه ابناه تقي الدين أحمد، وعز الدين عبد الرحمن، والحافظ ضياء الدين والشهاب القوصى، والشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن محمد، والشيخ فخر الدين علي، وآخرون.
قال ابن النجار: كتب بخطه كثيرا، وسمعنا بقراءته الكثير، واستنسخ، وحصل الأصول، وكان يعيرنى ويفيدنى عن الشيوخ، ويفضل، وكان من أئمة المسلمين حافظا للحديث متنا وإسنادا، عارفا بمعانيه وغريبه، متقنا لتراجم المحدثين، مع ثقة وديانة وتودد ومروءة.
قال الضياء المقدسي: كان -رحمه الله- فقيها حافظا ذا فنون، وكان أحسن الناس قراءة وأسرعهم، ثقة متقنا، سمحا جوادا، غزير الدمعة عند القراءة، وكان يتكلم في مسائل الخلاف كلاما حسنا، ثم ساق له الضياء منامات حسنة دالة على أنه سعيد رحمه الله.
مات في شوال سنة ثلاث عشرة وستمائة.
قال لنا رشيد بن كامل الفقيه: قرأت على أبي العرب القوصى، أخبركم العز محمد بن الحافظ سنة عشر وستمائة بجامع حبر فذكر حديثا.
وتوفي معه في العام مسند الشام العلامة تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي المقرىء النحوي الحنفي، عن ثلاث وتسعين سنة، والقاضي ثقة الملك أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مجلى ابن حسين الرملي المصري الشافعي خطيب جامع الحاكم، ومسند الأندلس أبو محمد عبد الرحمن ابن علي بن أحمد الزهري الإشبيلى راوي صحيح البخاري عن شريح.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنا محمد بن عبد الغني الحافظ في كتابه، أنا عبد الله بن صابر، أنا أبو القاسم النسيب، أنا سليم بن أيوب، ثنا أبو أحمد الفرضي، ثنا الصولي، ثنا الغلابي، عن عبيد الله ابن عائشة، قال:كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل له اتق الله، فإن التقوى هي التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثاب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل ".
أقول:
في هذا الإسناد علو للذهبي، حيث وصل إلى محمد بن عبد الغني براو واحد.(1/152)
وفيه علو للحافظ محمد بن عبد الغني، حيث وصل إلى الصولي ت (335) بأربعة من الرواة، وهذا العلو حاصل للذهبي.
39- الضياء المقدسي ت (643) (ط 18)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1405-1406)، فقال:
" الإمام العالم الحافظ الحجة محدث الشام شيخ السنة ضياء الدين، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد ابن أحمد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي، ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، صاحب التصانيف النافعة.
ولد سنة تسع وستين وخمسمائة، وأجاز له السلفي، وشهدة، وسمع من أبي المعالي بن صابر، وأبي المجد البانياسي، وأحمد بن الموازينى، وعمر بن علي الجويني، ويحيى الثقفى، وطبقتهم بدمشق، وأبي القاسم البوصيري، وطبقته بمصر، والمبارك بن المعطوش، وابن الجوزي، وطبقتهما ببغداد، وأبي جعفر الصيدلاني، وطبقته بأصبهان، وعبد الباقي بن عثمان بهمذان، والمؤيد الطوسي، وطبقته بنيسابور، وعبد المعز بن محمد البزاز بهراة، وأبي المظفر بن السمعاني بمرو، ورحل مرتين إلى أصبهان وسمع بها ما لا يوصف كثرة، وحصل أصولا كثيرة، ونسخ، وصنف، وصحح ولين، وجرح وعدل(1)، وكان المرجوع إليه في هذا الشأن.
قال تلميذه عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبد الله شيخ وقته، ونسيج وحده، علما وحفظا، وثقة، ودينا، من العلماء الربانيين، وهو أكبر من أن يدل عليه مثلي، كان شديد التحري في الرواية، مجتهدا في العبادة، كثير الذكر، منقطعا، متواضعا سهل العارية، رأيت جماعة من المحدثين ذكروه فأطنبوا في حقه، ومدحوه بالحفظ والزهد سألت الزكى البرزالى عنه، فقال: ثقة، جبل، حافظ، دين.
__________
(1) الجرح والتعديل جزء لا يتجزأ من شريعة الإسلام إلى يوم القيامة، يؤمن بذلك كل من عرف الشريعة الإسلامية ولا سيما أئمة النقد والسنة، ولا تستقيم حياة الناس ديناً ودنيا بدونهما.(1/153)
قال ابن النجار: حافظ، متقن، حجة، عالم بالرجال، ورع، تقي، ما رأيت مثله في نزاهته، وعفته، وحسن طريقته، وقال الشرف ابن النابلسي: ما رأيت مثل شيخنا الضياء.
قلت: ثنا عنه القاضى تقي الدين، وابن الموازينى، وابن الفراء، والنجم الشعراوى، وابن الخباز، والتقي بن مؤمن، وعثمان النساج، وابن الخلال، والدشتى، وأبو بكر بن عبد الدائم، وعيسى السمسار، وسالم القاضى، وآخرون، وقد استوفيت سيرته وتواليفه في التاريخ الكبير(1)، عاش أربعا وسبعين سنة، وتوفي إلى رضوان الله في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
أخبرنا عثمان بن إبراهيم المقرىء، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا عبد الواحد بن القاسم أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم، أنا ابن ريذة، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا محمود بن الفرج، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا فضيل بن مرزوق، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:
" من قضى نهمته من الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينه إلى زينة المترفين، كان مهينا في ملكوت السماء، ومن صبر على القوت الشديد صبرا جميلا أسكنه الله من الفردوس حيث شاء".
__________
(1) ذكر الذهبي مؤلفات الضياء في كتابه تاريخ الإسلام (40/212)، فقال :
" كتاب الأحكام يعوز قليلاً في نحو عشرين جزءاً في ثلاث مجلدات، فضائل الأعمال في مجلد، الأحاديث المختارة خرج منها تسعين جزءاً، وهي الأحاديث التي تصلح أن يحتج بها سوى ما في الصحيحين خرجها من مسموعاته كتاب فضائل الشام ثلاثة أجزاء، كتاب فضائل القرآن جزء، كتاب الحجة، كتاب النار، كتاب مناقب أصحاب الحديث، كتاب النهي عن سب الأصحاب، كتاب سير المقادسة كالحافظ عبد الغني والشيخ الموفق والشيخ أبي عمر وغيرهم في عدة أجزاء، وله تصانيف كثيرة في أجزاء عديدة لا يحضرني ذكرها، وله مجاميع ومنتخبات كثيرة، وله كتاب الموافقات في نيف وخمسين جزءاً ".(1/154)
هذا حديث غريب إسناده متصل لين قال الطبراني تفرد به البجلي ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للضياء، حيث وصل إلى الطبراني بثلاثة، وهذا العلو حاصل للذهبي.
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8/45)، حديث (7912)،وفي الصغير (2/108). وأورده الهيثمي في المجمع (10/248)، وقال: " وفيه إسماعيل بن عمرو، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور، وبقية رجاله رجال الصحيح.
أقول:
قال أبو حاتم في إسماعيل: "ضعيف الحديث" الجرح والتعديل(2/190). وفيه فضيل بن مرزوق الرقاشي، قال فيه الحافظ ابن حجر: " صدوق يهم ورمي بالتشيع ".
40- الحافظ أبو موسى عبد الله بن عبد الغني الحافظ ت (629) (ط 18)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1408-1410)، فقال:
" الفقيه الحافظ جمال الدين، عبد الله بن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي الصالحي الحنبلي، ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
وسمع من عبد الرحمن بن علي الخرقي، وإسماعيل الجنزوى، وأبي طاهر الخشوعى، ورحل به أخوه الحافظ عز الدين، فسمع من عبد المنعم بن كليب، والمبارك بن المعطوش ومسعود الجمال، وخليل الرارانى، وأبي المكارم اللبان، وخلق كثير، وبمصر من أبي عبد الله الأرتاحى، وابنة سعد الخير، ثم ارتحل ثانيا إلى العراق، فسمع من أبي الفتح المندائى، وذويه، ومن منصور الفراوي، والمؤيد الطوسي بنيسابور، وبالموصل، وإربل، والحرمين، وكتب بخطه شيئا كثيرا، وصنف، وأفاد، وقرأ القرآن على عمه الشيخ العماد، والفقه على الشيخ الموفق، والعربية على أبي البقاء الضرير.(1/155)
قرأت بخط ابن الحاجب: سألت الحافظ ضياء الدين عن أبي موسى، فقال: حافظ، ثقة، دين، متقن، وسألت زكي الدين البرزالى عنه، فقال: حافظ، دين، متميز، وقال الضياء: كانت قراءته سريعة صحيحة مليحة، وقال ابن الحاجب: لم يكن في عصرنا أحد مثله في الحفظ والمعرفة، والأمانة، كان متواضعا مهيبا، وقورا ،جوادا ،سمحا، وافر العقل، له القبول التام، مع العبادة، والورع، والمجاهدة.
قرأت بخط الحافظ الضياء: اشتغل بالفقه، والحديث، وصار علما في وقته، رحل ثانيا ومشى على رجليه كثيرا، وصار قدوة، وانتفع الناس بمجالسه التي لم يسبق إلى مثلها.
قلت: حدث عنه الضياء، والشيخ شمس الدين، والشيخ الفخر، والشمس ابن حازم والشمس ابن الواسطي، ونصر الله بن عياش، ونصر الله وسعد الخير، ابنا النابلسي، وعدة، وآخر من حدث عنه بالإجازة القاضى تقي الدين الحنبلي.
قال أبو الفتح بن الحاجب: لو اشتغل أبو موسى حق الاشتغال ما سبقه أحد، ولكنه تارك وسمعت أبا عبد الله الحافظ يصف ما قاسى أبو موسى من الشدائد، الجوع والعرى في رحلته بنيسابور، وأصبهان. قال أبو المظفر بن الجوزي: كان الجمال ابن الحافظ أحواله مستقيمة، حتى خالط الصالح إسماعيل، فتغير ومرض في بستان الصالح، وفيه مات -رحمه الله تعالى-.
قرأت بخط محمد بن سلام: عقد أبو موسى مجلس التذكير، ورغب الناس في حضوره، وكان جم الفوائد، يطرز مجلسه بالبكاء والخشوع، وإظهار الجزع، وسمعت أبا الفرج بن العلاء الفقيه الحنبلي يقول: كان أبو موسى كثير الميل إلى السلاطين.
قال الضياء: مات يوم الجمعة خامس رمضان سنة تسع وعشرين وستمائة.(1/156)
أخبرنا نصر الله بن محمد أبو الفتح الحداد، نا عبد الله بن عبد الغني الحافظ في سنة ثمان وعشرين وستمائة، أنا خليل بن بدر الرارانى، أنا الحسن بن أحمد الحداد، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا سليمان ابن أحمد، ثنا أحمد بن شعيب، ثنا أبو المعافى محمد بن وهب الحراني، ثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن مالك بن أنس، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول:
" رحم الله عبداً كانت لأخيه عنده مظلمة، في عرض، أو مال، أو جاه، فاستحله قبل أن يؤخذ، وليس ثم دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته، وإن لم تكن له حسنات وضع من سيئات صاحبه عليه ".
غريب صالح الإسناد فرد ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى عبد الله بن عبد الغني بواحد.
وعلو لعبد الله بن عبد الغني، حيث وصل إلى الطبراني بثلاثة، وهذا العلو حاصل للذهبي.
والحديث أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، حديث (2321)، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة به.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/435)، قال: ثنا يحيى، عن مالك، قال: حدثني سعيد وحجاج، قال: أنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المعنى، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، الحديث بنحوه.
فالحديث صحيح لا سيما والإمام أحمد قد رواه بإسنادين.
وأخرجه الترمذي في جامعه (4/218)، حديث (2419)، قال:
حدثنا هناد ونصر بن عبد الرحمن الكوفي، قالا: حدثنا المحاربي، عن أبي خالد يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به.
وقال عقبه: حديث حسن صحيح من حديث سعيد، وقد رواه مالك بن أنس عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة نحوه.(1/157)
وفي إسناده أبو خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن، قال فيه الحافظ: "صدوق يخطيء كثيراً وكان يدلس"، وقال الذهبي في الكاشف (2/422) في الكنى: "وثقه أبو حاتم"، وقال ابن عدي: " في حديثه لين".
وكأن الترمذي صححه بناءً على أن إسناده اعتضد بإسناد مالك.
وأخيراً أقول: إن للطبراني موافقة مع أبي داود الطيالسي، حيث اجتمع معه في شيخ شيخه سعيد المقبري، وموافقة مع الإمام أحمد في شيخ شيخه مالك.
وموافقة مع الترمذي، حيث اجتمع معه في شيخ شيخ شيخ شيخه يزيد بن أبي أنيسة، وهذه الموافقات حاصلة للحافظ أبي موسى بن عبد الغني، وحاصلة للذهبي.
41- الحافظ ابن النجار ت (643) (ط18)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1428-1429)، فقال:
" الحافظ الإمام البارع مؤرخ العصر، مفيد العراق محب الدين، أبو عبد الله محمد بن محمود ابن الحسن بن هبة الله بن محاسن بن النجار البغدادي، صاحب التصانيف ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.
وسمع يحيى بن يوش، وعبد المنعم بن كليب، وذاكر بن كامل، والمبارك بن المعطوش، وابن الجوزي، وطبقتهم، وأول شيء سمع وله عشر سنين، وأول عنايته بالطلب وهو ابن خمس عشرة سنة، وتلا بالروايات الكثيرة على أبي أحمد بن سكينة، وغيره وسمع بأصبهان من عين الشمس الثقفية، وجماعة، وبنيسابور من المؤيد وزينب، وبهراة من أبي روح، وبدمشق من الكندي، وبمصر من الحافظ ابن المفضل، وخلائق، وجمع فأوعى، وكتب العالي والنازل، وخرج لغير واحد، وجمع تاريخ مدينة السلام، وذيل به واستدرك على الخطيب وهو ثلاثمائة جزء، وكان من أعيان الحفاظ الثقات، مع الدين والصيانة، والنسك، والفهم، وسعة الرواية.
حدث عنه أبو حامد بن الصابوني، وأبو العباس الفاروثى، وأبو بكر الشريشى، وأبو الحسن الغرافى، وأبو الحسن بن بلبان، وأبو عبد الله بن القزاز الحداني، وآخرون، وبالإجازة أبو العباس بن الظاهري، وتقى الدين الحنبلي، وأبو المعالي بن البالسي.(1/158)
قال ابن الساعى: كانت رحلة ابن النجار سبعا وعشرين سنة، واشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ، ألف كتاب القمر المنير في المسند الكبير، ذكر كل صحابي وماله من الحديث، وكتاب كنز الإمام في السنن والأحكام، وكتاب المؤتلف والمختلف ذيل به على ابن ماكولا، وكتاب المتفق والمفترق، وكتاب أنساب المحدثين إلى الآباء والبلدان، وكتاب العوالي، وكتاب المعجم، وكتاب جنة الناظرين في معرفة التابعين، وكتاب العقد الفائقى، وكتاب الكمال في الرجال، وقرأت عليه ذيل التاريخ عمله في ستة عشر مجلدا، وله كتاب الدرر الثمينة في أخبار المدينة، وكتاب روضة الأولياء في مسجد إيلياء وكتاب نزهة الورى في ذكر أم القرى، وكتاب الأزهار في أنواع الأشعار، وكتاب عيون الفوائد ستة أسفار، وكتاب مناقب الشافعي، إلى أن قال: أوصى إليّ ووقف كتبه بالنظامية فنفذ إليّ الشرابى لتجهيز جنازته، ورثاه جماعة، وكان -رحمه الله- من محاسن الدنيا.
توفى في خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة -رحمه الله تعالى-.
أخبرنا علي بن أحمد الحسيني، أنا محمد بن محمود الحافظ سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، أنا عبد المعز ابن محمد بهراة،ح وأنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز، أن يوسف بن أيوب الزاهد أخبرهم، أنا أحمد ابن علي الحافظ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا حبيب بن الحسن، أنا عبد الله بن أيوب، أنا أبو نصر التمار، أنا حماد، عن علي بن الحكم، عن عطاء، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:
" من كتم علما علمه الله ألجمه الله تعالى بلجام من نار ".
أقول:
في هذا الإسناد علو للذهبي إلى ابن النجار، حيث وصل إليه براو واحد.
روى هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده (2/263)، قال: حدثنا أبو كامل، ثنا حماد، عن علي ابن الحكم، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:(1/159)
" من سئل عن علم، فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة ".
فللحافظ ابن النجار موافقة مع الإمام أحمد في شيخ شيخه حماد بن سلمة.
ورواه مرة أخرى في المسند (2/305) بهذا الإسناد وبهذا اللفظ، ورواه مرة ثالثة في مسنده (2/344) قال -رحمه الله-: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة به.
ورواه في المسند أيضاً (2/499، 508)، قال في الموضعين: ثنا محمد بن يزيد، أنا الحجاج عن عطاء، عن أبي هريرة قال: عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:
" من كتم علما يعلمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار ".
فلابن النجار موافقة مع الإمام أحمد في شيخ شيخ شيخه عطاء بن أبي رباح، وهذه الموافقات حاصلة للذهبي.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، حديث (2534)، قال:
حدثنا عمارة بن زاذان، قال: ثنا علي بن الحكم، عن عطاء، عن أبي هريرة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
" من حفظ علما فسئل عنه فكتمه جيء به يوم القيامة ملجوما بلجام من نار ".
فلابن النجار موافقة مع أبي داود الطيالسي في شيخ شيخه علي بن الحكم.
ورواه الترمذي في جامعة (4/387)، قال: حدثنا أحمد بن بديل بن قريش اليامي الكوفي، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، عن عمارة بن زاذان، عن علي بن الحكم، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم-:
" من سئل عن علم.... به.
فلابن النجار موافقة مع الترمذي في شيخ شيخ شيخه علي بن الحكم.
ورواه أبو داود في سننه (4/67)، حديث (3658)، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا علي بن الحكم به.
فلابن النجار موافقة مع أبي داود في شيخ شيخه حماد بن سلمة، وهذه الموافقات حاصلة للذهبي.
والحديث صحيح ومروى في مصادر كثيرة وله شواهد عديدة ليس هنا محل سردها.
42- أبو العباس سيف الدين المقدسي ت (643) (ط 19)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1446-1447)، فقال:(1/160)
" الإمام الحافظ، الأوحد البارع، الصالح سيف الدين، أبو العباس أحمد بن المجد عيسى بن الشيخ موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، المقدسي الصالح الحنبلي.
مولده سنة خمس وستمائة، سمع من جده الكثير، ومن أبي اليمن الكندي، وأبي القاسم ابن الحرستاني، وأبي البركات الملاعى، وأحمد بن عبد الله العطار، وطبقتهم، وببغداد من الفتح ابن عبد السلام، وعلي بن نورندان، وأبي علي الجواليقي، وأصحاب ابن ناصر، وأبي الوقت، وكتب العالي والنازل، وجمع وصنف، وكان ثقة، حافظا، ذكيا، متيقظا، مليح الخط، عارفا بهذا الشأن، عاملا بالأثر، صاحب عبادة وإنابة، وكان تام المروءة، أمارا بالمعروف، قوالا بالحق، ولو طال عمره لساد أهل زمانه علما وعملا، فرحمه الله ورضي عنه، عاش ثمانيا وثلاثين سنة، ومحاسنه جمة.
أخبرنا أحمد بن محمد المؤدب، أنا أحمد بن عيسى الحافظ، ثنا محمد بن أبي المعالي بن عبدون الصوفي بدمشق، وغيره، قالوا: أنا أبو بكر الزاغونى، أنا أبو القاسم بن البسري، ثنا المخلص أبو طاهر، ثنا البغوي، ثنا أبو نصر التمار والعيشى، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ".
هذا حديث صحيح غريب.
أخرجه مسلم عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن حماد، ويرويه أيضا حماد عن خاله حميد الطويل، وهو ثبت في حميد وثابت.
ألف السيف - رحمه الله تعالى - مجلدا كبيرا في الرد على الحافظ محمد بن طاهر المقدسي لإباحته للسماع وفي أماكن من كتاب ابن طاهر في صفوة أهل التصوف، وقد اختصرت هذا الكتاب على مقدار الربع، وانتفعت كثيرا بتعاليق الحافظ سيف الدين".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للذهبي، حيث وصل إلى سيف الدين، وهو أحمد بن عيسى براو واحد.
وفيه علو لسيف الدين، حيث وصل إلى أبي طاهر المخلص بثلاثة من الرواة، وهذا العلو حاصل للذهبي.(1/161)
وفيه موافقة لسيف الدين مع الإمام مسلم، حيث اجتمع معه في شيخ شيخه حماد بن سلمة.
وأخرج مسلم هذا الحديث في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث (2822)، قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد به.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/153)، قال: حدثنا حسن، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البنانى، عن أنس بن مالك به.
وفي المسند (3/254)، قال: ثنا غسان بن الربيع، ثنا حماد، عن ثابت وحميد، عن أنس به.
وفي المسند أيضاً (3/284)، قال: ثنا عفان، ثنا حماد، وقال: أنا ثابت وحميد، ثنا أنس بن مالك به.
فلسيف الدين موافقة مع الإمام أحمد في شيخ شيوخه حماد بن سلمة، وهذه الموافقة تسمى بدلا.
ورواه الترمذي في جامعة (4/319)، حديث (2559)، قال:
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا عمرو بن عاصم، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن حميد وثابت، عن أنس به.
وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
فلسيف الدين موافقة مع الترمذي في شيخ شيخ شيخه حماد بن سلمة.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه الإحسان (2/494)، حديث (718)، قال:
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: ثنا أبو نصر التمار، قال: حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك به.
فلسيف الدين مع ابن حبان موافقة في شيخ شيخ شيخه، وهذه الموافقات حاصلة للذهبي.
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه مسلم عَقب حديث أنس، وابن حبان عقب حديث أنس أيضاً.
43- عز الدين أبو محمد الرسعنى ت (661) (ط19)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1452-1455)، فقال:
" الإمام المحدث، الرحال الحافظ المفسر، عالم الجزيرة، عز الدين أبو محمد عبد الرزاق بن رزق الله ابن أبي بكر بن خلف الجزري.(1/162)
مولده برأس عين سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع ببغداد من عبد العزيز بن منينا، وطبقته، وبدمشق من أبي اليمن الكندي، وطبقته، وببلده من أبي المجد القزويني، وعنى بهذا العلم، وجمع وصنف تفسيرا حسنا، رأيته يروى فيه بأسانيده، وصنف كتاب مقتل الشهيد الحسين -رضي الله عنه- وكان إماما متقنا، ذا فنون وأدب.
روى عنه ولده العدل شمس الدين محمد، والدمياطي في معجمه، وغير واحد، وبالإجازة أبو المعالي الأبرقوهي، وتأخر عبد الغني بن عروة المأجن وكان قد سمع منه جزء الأنصاري، كانت له حرمة وافرة عند الملك بدر الدين صاحب الموصل.
قرأت بخط الحافظ أحمد بن المجد قال: عبد الرازق الرسعني حفظ المقنع لجدي وسمع بدمشق، وغيرها من الكندي، والخضر بن كامل، وأبي القاسم بن الحرستاني، وأبي الفتوح بن الجلاجلي، وابن قدامة، وببغداد من الداهري وعمر بن كرم.
قلت: وسمع أيضا بحلب من الافتخار عبد المطلب، وقدم مرة دمشق رسولا، فقرأ عليه جمال الدين محمد بن الصابوني جزءا، وله شعر رائق، ولي مشيخة دار الحديث بالموصل وكان من أوعية العلم والخير.(1/163)
توفي في سنة إحدى وستين وستمائة، وفيها توفي بدمشق الإمام فخر الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم ابن رزمان الحنفي راوي نسخة وكيع، والمسند أبو علي الحسن بن علي بن منتصر الفاسي ثم الإسكندراني الكتبي، وشيخ الحرم الخطيب أبو الربيع سليمان بن خليل بن إبراهيم الكناني العسقلاني الأصل وكان مولده قبل موت جده لأمه عمر الميانشي المحدث قبيل الثمانين وخمسمائة، والمفتي جمال الدين عبد الرحمن بن سالم بن يحيى الأنباري ثم الدمشقي الحنبلي، وشيخ القراء تقي الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن مرهف بن عبد الله بن يحيى الفاشري الشافعي في شوالها، والمسند الكبير أثير الدين عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري القباني الناسخ، عن ست وثمانين سنة، والمسند أبو الحسن علي ابن إسماعيل بن طلحة المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، وشيخ القراء بقية السلف كمال الدين علي ابن شجاع بن سالم العباسي المصري الضرير، عن تسع وثمانين سنة، وشيخ القراء سيف المناظرين علم الدين القاسم بن أحمد بن أبي السداد الأندلسي اللورقي بدمشق، عن أربع وثمانين سنة.
أخبرنا محمود بن عقيل، أنا عبد المؤمن الحافظ، قال: قرأت على عبد الرزاق بن رزق الله بالموصل، أنا محمد بن الحسين، أنا محمد بن أسعد، أنا أبو محمد البغوي، أنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد النعيمي، أنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا هشيم، أنا أبو هاشم، عن أبي مجلز عن قيس بن عباد، سمعت أبا ذر يقسم قسما: إن هذه الآية ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة.
وقع لنا هذا الحديث في ثاني المحامليات عاليا بأربع درجات، ثنا محمود بن خداش، ثنا هشيم بهذا.
أنشدني محمود بن أبي بكر الفقيه، ثنا علي بن عبد العزيز، قال: أنشدنا عز الدين عبد الرزاق ابن رزق الله لنفسه:(1/164)
حفظت لفظا عظيم الوعظ يوقظ من ظمأ لظى وشواظ الحظ والوسن
من يكظم الغيظ يظفر بالظلال ومن يظعن على الظلم يظلل راكد السفن
لا تنظر الظن والفظ الغليظ ولا تظهره ظهر ظهور تحظ بالإحن
انظر تظاهر من لم ينتظر خلبت عظامه ظفر الظلماء والمحن
فهذه أربع يا صاح قد حصرت ما في القران من الظاءات فامتحن
أقول:
أخرج هذا الحديث الإمام البخاري -رحمه الله- في المغازي (3969)، فقال:
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا هشيم، أخبرنا أبو هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس ابن عباد، قال: سمعت أباذر يقسم قسما... به.
أقول:
في هذا الإسناد علو لأبي محمد الرسعنى، حيث وصل إلى محمد بن إسماعيل وهو البخاري بستة من الرواة، وهذا العلو حاصل للذهبي.
وأخرج الحديث الإمام مسلم في صحيحه في تفسير حديث (3033) فقال: حدثنا عمر بن زرارة، حدثنا هشيم، عن أبي هاشم به.
فلأبي محمد الرعيني موافقة مع الإمام مسلم في شيخ شيخه هشيم، وهذه الموافقة تسمى بدلا.
وقال الذهبي - رحمه الله -:
" وقع لنا هذا الحديث في ثاني المحليات عالياً بأربع درجات، ثنا محمود بن خداش، ثنا هشيم بهذا "
أي أن المحاملي روى هذا الحديث في ثاني المحامليات عن شيخه محمود بن خداش، عن هشيم به.
أي أن الذهبي وصل إلى هشيم من طريق شيخه بهذا الإسناد بأحد عشر من الرواة، وله طريق آخر يوصله إلى المحاملي، ومنه إلى هشيم عدد رواته ستة فقط، وهذا علو جيد للذهبي.
فيكون قد علا بأربع درجات كما ذكر.
44- ابن الحاجب عز الدين أبو الفتح الدمشقي ت(630) ط(19)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1455-1457)، فقال:
" الحافظ العالم المفيد، علم الطلبة، عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي.(1/165)
سمع وقت وفاة ابن ملاعب من هبة الله بن الخضر بن هبة الله بن طاوس، وموسى بن عبد الله، وموسى بن عبد القادر، وابن أبي لقمة، وطبقتهم بدمشق، ومن الفتح بن عبد السلام وطبقته ببغداد، ومن عبد القوي بن الحباب ونحوه بمصر، وسمع بالإسكندرية، وإربل، والموصل، وحلب، والحرمين، وكتب العالي والنازل، وحصل الأصول، وعمل المعجم عن ألف ومائة وثمانين شيخا، وعمل معجم الأماكن التي سمع بها، وبالغ في الطلب، وعمل الأربعين المصافحات.
قال أبو محمد المنذري: يقال إنه لم يبلغ أربعين سنة، وكان فهما، متيقظا، محصلا، جمع مجاميع،وكانت له همة جيدة، شرع في تصنيف تاريخ لدمشق مذيلا على تاريخ ابن عساكر.
وذكره السيف ابن المجد فقال: خرجه خالي الضياء، ثم طلب وسافر، سمع منه الزكي البرزالي، وأبو موسى الرعيني والجمال بن الصابوني، وانتقى كثيرا على المشايخ.
قال ابن المجد: رأيت ابن الحاجب حين قدم بغداد، صام أول يوم قدمها لما قيل له الفتح باق، وكان يصوم كثيرا يستعين به على الطلب، أقام ببغداد أشهر لا ونى ولا فتر، كان يسمع ويكتب، وكانوا يتعجبون منه ومن كثرة علمه.
قرأت بخط الحافظ الضياء: توفي في ثامن عشر بن شعبان سنة ثلاثين وستمائة صاحبنا الشاب الحافظ، أبو حفص عمر بن الحاجب بدمشق، ولم يبلغ الأربعين، قال: وكان دينا خيرا، ثبتا، متيقظا، قد فهم وجمع.
قلت: وممن سمع منه شيخه الحافظ إبراهيم الصيريفيني، وكان جده الحاجب منصور بن مسرور حاجب صاحب بصرى أمين الدولة.(1/166)
وفيها توفي القاضي بهاء الدين إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد التنوخي المعمري ثم الدمشقي، عن خمس وستين سنة، والأجل شمس الدين إسماعيل بن سليمان بن ايداش الدمشقي الحنفي ابن السلار، عن ثمان وثمانين سنة، عنده الصائن، وبالقدس الزاهد العابد أبو علي الحسن بن أحمد ابن يوسف الأوقي صاحب السلفي، وببغداد المسند أبو محمد الحسن ابن الأمير السيد علي بن مرتضى العلوي الحسيني صاحب ابن ناصر، والمسند صفي الدين أبو بكر بن عبد العزيز بن أحمد بن عمر ابن سالم بن محمد بن باقا البغدادي التاجر بمصر، وله خمس وسبعون سنة، والمسند أبو القاسم علي ابن العلامة أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي البغدادي الناسخ، عن ثمانين إلا سنة، وخطيب بلد أوريولة من الأندلس أبو الحسن علي بن محمد بن يبقى الأنصاري، وقد حج وسمع من السلفي، والملك مظفر الدين كوكبري بن علي التركماني صاحب إربل، عن إحدى وثمانين سنة، والإمام المحدث المفيد أبو عبد الله محمد بن الحسن بن سالم بن سلام الدمشقي، عن إحدى وعشرين سنة وكان قد حفظ علوم الحديث للحاكم وحدث عن ابن ملاعب، والمسند أبو بكر محمد بن عمر ابن أبي بكر بن النحال البغدادي بن الخياط، والأديب شاعر وقته أبو المحاسن محمد بن نصر الله بن غنين بدمشق، والمسند أبو محمد المعافى بن إسماعيل بن أبي السنان الموصلي الشافعي، والظهير أبو جعفر يحيى ابن جعفر بن عبد الله بن قاضي القضاة أبي عبد الله بن الدامغاني الحنفي الصوفي بحلب، عن ثمان وسبعين سنة.
أخبرنا محمد بن علي الحافظ في كتابه، أنا عمر بن محمد الحافظ، أنا عبد السلام بن عبد الرحمن ابن سكينة، أنا محمود فورجه، فذكر حديثا من جزء لوين. ثم قرأت بخط ابن الحاجب أن مولده في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة وعاش سبعا وثلاثين سنة ".
أقول :
ولم يورد له الذهبي حديثا، وله علو في هذا الإسناد، حيث وصل إلى عمر بن الحاجب براو واحد.(1/167)
45- شهاب الدين أبو شامة ت (665) (ط19)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1460-1462)، فقال:
" الإمام الحافظ، العلامة المجتهد، ذو الفنون شهاب الدين، أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل ابن إبراهيم بن عثمان المقدسي، ثم الدمشقي الشافعي المقرئ النحوي.
مولده سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وكمل القراءات وهو حدث على الشيخ علم الدين السخاوي، وسمع الصحيح من داود بن ملاعب، وأحمد بن عبد الله السلمي، وسمع مسند الشافعي من الشيخ موفق الدين المقدسي، وسمع بالإسكندرية من عيسى بن عبد العزيز المقرئ، وحبب إليه طلب الحديث سنة بضع وثلاثين، فسمع أولا من كريمة، وأبي إسحاق بن الخشوعي، وطائفة، وأتقن علم اللسان، وبرع في القراءات، وعمل شرحا نفيسا للشاطبية، واختصر تاريخ دمشق مرتين، وله كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، وكتاب الذيل عليهما، وتصانيفه كثيرة مفيدة، ولي مشيخة إقراء بالتربة الأشرفية، ومشيخة الحديث بالدار الأشرفية، روى عنه الشيخ أحمد اللبان، وبرهان الدين الإسكندراني، وشرف الدين الفراوي الخطيب، وشهاب الدين الكفري وعلي بن المهيار، وولده أبو الهدي أحمد، وكان مع براعته في العلوم متواضعا، تاركا للتكلف، ثقة في النقل، كان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة.
توفي في تاسع عشر رمضان سنة خمس وستين وستمائة -رحمه الله تعالى- وفيها توفي الإمام كمال الدين، أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر النابلسي، الشافعي خطيب دمشق، عن ست وثمانين سنة، والقدوة الزاهد أبو محمد إسماعيل بن محمد بن أبي بكر الكوراني، وقاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن خلف بن بدر العلامي، والمفتي تاج الدين علي بن أبي عباس أحمد بن علي بن القسطلاني، والشيخ ضياء الدين يوسف بن عمر بن يوسف بن يحيى المقدسي ابن خطيب بيت الآبار، عن أربع وثمانين سنة، والشيخ شمس الدين يوسف بن مكتوم بن أحمد التفيسي الحوراني ثم الدمشقي، عن إحدى وثمانين سنة.(1/168)
أخبرنا علي بن يوسف المصري، أنا عبد الرحمن بن إسماعيل الفقيه، سنة خمس وستين وستمائة ح، وأنا محمد بن علي الواسطي، قالا: أنا أبو محمد بن قدامة، أنا المبارك بن محمد وأبو الفتح بن البطي، قالا: وأنا نصر بن أحمد، وأنا أبو محمد البيع، ثنا أبو عبد الله المحاملي، ثنا محمد بن عمرو الباهلي، ثنا ضمرة، ثنا حميد، عن أنس، قال:
" ما دخل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من سفر فرأى جدر المدينة فكان على دابة إلا حركها تباشرا بالمدينة ". إسناده قوي ".
أقول:
لم أجد هذا الحديث في أمالي المحاملي.
وعلى كل للذهبي علو في هذا الإسناد، حيث وصل إلى المحاملي ت (330) بأربعة وعلو لأبي شامة، حيث وصل إليه بثلاثة.
وأصل هذا الحديث في البخاري في كتاب العمرة، حديث (1802)، ولفظه :
" كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا قدم من سفر، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقته وإن كانت دابة حركها ".
قال أبو عبد الله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: حركها من حبها.
وفي حديث طويل، أخرجه مسلم في كتاب النكاح، حديث (1365)، قال أنس:
"فانطلقنا حتى إذا رأينا جدر المدينة، هششنا إليها، فرفعنا مطينا، ورفع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مطيته ".
46- ابن العمادية وجيه الدين أبو المظفر ت (677) (ط20)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1467-1469)، فقال:
" الإمام الحافظ المفيد الرحال، وجيه الدين أبو المظفر منصور بن سليم بن منصور بن فتوح الهمداني الإسكندراني الشافعي محتسب الثغر، ولد سنة سبع وستمائة.
وسمع من محمد بن عماد، والصفراوي، وجعفر الهمداني، وطبقتهم، وفي الرحلة من ابن روزبه، والقطيعي، وابن الخازن، وطبقتهم، وبمصر من علي بن مختار وبابته، وبدمشق من مكرم، وبحماة من ابن رواحة، وبحلب من يعيش النحوي،وبحران من حمد بن صديق، وبمكة من ابن النعمان التبريزي.(1/169)
وصنف المعجم، و" الأربعين البلدانية" وتاريخ بلده في مجلدين، وغير ذلك، وعني بالحديث وفنونه ورجاله، وبالفقه، وكان موصوفا بالديانة والثقة والمروءة، وكان محسنا إلى الرحالة لين الجانب، كتب عنه الدمياطي، وعز الدين الحسيني، والقاضي سعد الدين الحارثي، وغيرهم، ولم يخلف بعده في الثغر مثله، سمعت من أخويه لأمه أبي القاسم و وجهية.
أخبرنا علي بن عبد المحسن الهاشمي في كتابه، أنا منصور بن سليم الحافظ بقراءتي، أنا علي ابن أبي الفخار، أنا أحمد بن مقرب، أنا طراد، ثنا هلال، أنا الحسين بن يحيى، ثنا أحمد بن المقدام، ثنا خالد بن الحارث، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، ثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدري، أن وفد عبد قيس لما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، قالوا: يا رسول الله إنا حي من ربيعة وبيننا وبينك كفار مضر، ولا نقدر عليك إلا في الشهر الحرام...الحديث، رواه مسلم من حديث أبي سعيد.(1/170)
توفي في الحادي والعشرين من شوال سنة سبع وسبعين وستمائة، وفيها توفي المحدث أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الغني بن النشو القرشي الدمشقي، عن خمس وستين سنة، والمحدث الصاحب شرف الدين إسماعيل بن أحمد بن علي الشيباني الآمدي المعروف بابن التيتي، مؤلف تاريخ آمد، وشيخ القراء رشيد الدين أبو بكر بن أبي الدر المكيني الدمشقي، والفقيه زهير بن عمر بن زهير الحنبلي بزرع، عن خمس وثمانين سنة، وشيخ الحنفية قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي، عن ثمان وسبعين سنة، والأجل نجم الدين علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن هبة الله بن الشيرازي، أحد رواة المسند عن حنبل، والفخر عثمان بن محمد بن الحاجب منصور الأميني بمصر، سمع أخوه من هبة الله بن طاوس وخلق، والشيخ تقي الدين عمر بن يعقوب بن عثمان الإربلي الذهبي الصوفي، والعلامة الأوحد أبو الحسين محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري الأندلسي قاضي غرناطة، والشيخ شرف الدين نصر بن عبد المنعم بن حواري التنوخي الدمشقي الحنفي - رحمة الله عليهم -.
كتب إلي عمر بن محمد العتبي، أنا ابن العمادية بالأربعين البلدانية قراءة، أنا أبو بكر بن علي العدل بجدة، أنا محمد بن عبد العزيز الخطيب، أنا الحافظ أبو محمد المصري (ح) وأنبأنا يحيى بن أبي منصور، قالا: أنا زيد بن الحسن، أنا أبو بكر الأنصاري، أنا أبو إسحاق البرمكي، أنا ابن ماسي، ثنا الكجي، ثنا الأنصاري، حدثني حميد، عن أنس:
" أن الربيع عمته لطمت جارية فكسرت سنها فأمرهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالقصاص ".
أقول:(1/171)
هذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان، حديث (18)، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، حدثنا ابن علية، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: حدثنا من لقي الوفد الذين قدموا على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من عبد القيس، قال سعيد: وذكر قتادة أبا نضرة، عن أبي سعيد، وذكر الحديث في سياق طويل.
فلابن العمادية موافقة مع مسلم في شيخ شيخ شيخه ابن أبي عروبة، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي.
وأخرجه أيضاً من حديث ابن عباس في الإيمان، حديث (17).
وأخرجه البخاري في الإيمان، حديث (53) من حديث ابن عباس، وفي كتاب العلم حديث (87).
وأخرجه أبوداود في الأدعية، قال: حدثنا سليمان بن حرب ومحمد بن عبيد، قالا: حدثنا حماد، ح وحدثنا مسدد، حدثنا عباد بن عباد، عن أبي جمرة، قال: سمعت ابن عباس، وقال مسدد: عن ابن عباس به.
47- الإسعردي تقي الدين أبو القاسم ت (692) (ط20)
ترجم له الذهبي في التذكرة (1476-1477)، فقال:
" الإسعردي الإمام المحدث الحافظ، مفيد القاهرة تقي الدين أبو القاسم عبيد بن محمد بن عباس ابن محمد.
مولده باسعرد سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وتحول إلى مصر مع والده، فسمع من علي بن مختار العامري، والحسن بن دينار الصائغ، ويوسف بن المجتلي، وابن المقير، وابن رواح، وعدة، وهبة الله ابن محمد بن المقدسي، وحمزة الغزال، والسبط بالإسكندرية، والرشيد بن مسلمة، وطائفة بدمشق، كتب الكثير، وبرع في التخريج وأسماء الرجال والعالي والموافقة، وانتخب لجماعة، طالعت من عمله مشيخة القاضي ابن الخويي وانتخبت من ذلك أشياء مفيدة، وكان ثقة صالحا، كان شيخنا ابن الظاهري يثني عليه ويقدمه على سائر الطلبة، سمع منه ابن الظاهري وابنه عثمان، والحارثي وابنه الإمام شمس الدين والمزي، والحلبي، والبرزالي، واليعمري، وابن سامة.(1/172)
توفي في شعبان سنة اثنتين وتسعين وستمائة، وله سبعون سنة، وفيها توفي المسند كمال الدين أحمد ابن محمد عبد القادر بن النصبي الحلبي بها، وشيخ القراء جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني الفاضلي بدمشق، عن سبعين سنة، والإمام القدوة مسند الوقت تقي الدين إبراهيم بن علي ابن أحمد بن فضل بن الواسطي الصالحي الحنبلي، والشيخ الزاهد إبراهيم بن الشيخ عبد الله بن يونس الأرمني ثم الصالحي، والصاحب المنشيء محي الدين عبد الله بن عبد الظاهر الجذامي الكاتب، وشيخ القراء بالثغر مكين الدين أبو محمد عبد الله بن منصور بن علي اللخمي المعروف بالأسمر، وراوي جامع أبي عيسى أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ترجم بن حازم المازني المصري، وله تسعون عاما، والقاضي عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن الشيخ الأستاذ أبي محمد بن علوان الأسدي الحلبي، وله إحدى وسبعون سنة، والمعمر ناصر الدين علي بن محمود بن قرقين ببعلبك، عن اثنتين وتسعين سنة، والمسند سيف الدين علي بن الرضي عبد الرحمن بن محمد الحنبلي الصالحي، عن خمس وسبعين سنة ".
أقول: ولم يورد له الذهبي أي حديث.
48- الدمياطي عبد المؤمن بن خلف ت (705) (ط20)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1477-1479)، فقال:
" شيخنا الإمام العلامة، الحافظ الحجة، الفقيه النسابة، شيخ المحدثين شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن التوني الدمياطي الشافعي، صاحب التصانيف.(1/173)
مولده في آخر سنة ثلاث عشرة وستمائة، وتفقه بدمياط، وبرع، ثم طلب الحديث فارتحل إلى الإسكندرية، فسمع بها من علي بن زيد النسارسي، وظافر بن شحم، ومنصور بن الدباغ، وعدة، وبمصر من ابن المقير، وعلي بن مختار، ويوسف بن المجتلي وطبقتهم، وببغداد من أبي نصر بن العليق، وإبراهيم بن الخير، وخلق، وبحلب من أبي القاسم بن رواحة، وطائفة، وحمل عن ابن خليل حمل دابة كتبا وأجزاءا، وسمع بحماة من صفية القرشية، وبماردين من عبد الخالق النشتبري، وبحران من عيسى الحناط.
وكتب العالي والنازل، وجمع فأوعى، وسكن دمشق فأكثر بها عن ابن مسلمة، وغيره ومعجم شيوخه يبلغون ألفا وثلاثمائة إنسان، وكان صادقا، حافظا، متقنا، جيد العربية، غزير اللغة، واسع الفقه، رأسا في علم النسب، دينا، كيسا، متواضعا، بساما، محببا إلى الطلبة، مليح الصورة، نقي الشيبة، كبير القدر.
سمعت منه عدة أجزاء، منها: " السراجيات الخمسة "، وكتاب " الخيل " له، وكتاب " الصلاة الوسطى " له.
سمعت أبا الحجاج الحافظ وما رأيت أحدا أحفظ منه لهذا الشأن يقول: ما رأيت في الحديث أحفظ من الدمياطي، وقد حدثنا أبو الحسين اليونيني في مشيخته، عن الدمياطي، وقاضي القضاة علم الدين ابن الأخنائي، وقاضي القضاة علاء الدين علي القونوي، والمحدث أبو الثناء المنبجي، وممن يروي عنه الإمام أبو حيان الأندلسي، والإمام أبو الفتح اليعمري، والإمام علم الدين البرزالي، والإمام قطب الدين عبد الكريم، والإمام فخر الدين النويري، والإمام تقي الدين السبكي - رحمة الله عليهم أجمعين-.
توفي فجأة بعد أن قرئ عليه الحديث، فأصعد إلى بيته مغشيا عليه، فتوفي في ذي القعدة سنة خمس وسبعمائة، وكانت جنازته مشهودة.
ومن علومه القراءات السبع، تلا بها على الكمال العباسي الضرير.(1/174)
وفيها توفي مفتي البلاد الحلبية قاضي القضاة شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي، عن ثمانين سنة، ومسند الإسكندرية المعمر المقرئ الأوحد شرف الدين أبو الحسين يحيى بن أحمد ابن عبد العزيز بن الصواف الجذامي المالكي في شعبان، عن ست وتسعين سنة، وشيخ القراء بحماة بدر الدين محمد بن أيوب التأذفي الحلبي الحنفي صاحب أبي عبد الله الفاسي، عن سبع وسبعين سنة، وخطيب دمشق ومحدثها ونحويها ومقرئها شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفراوي الشافعي عن خمس وسبعين سنة، ومحدث حمص القاضي بدر الدين محمد بن مسعود بن أيوب الحلبي التوزي، ومسندة مصر أم عبد الله زينب بنت سليمان بن إبراهيم بن رحمة الإسعردية، عن بضع وثمانين سنة.
أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أنا علي بن أبي الفتح وعلي بن أبي الفضائل وأبو القاسم ابن أبي علي وابن أبي حمزة وأبو محمد بن أبي المنصور، قالوا: أنا أحمد بن محمد الحافظ، أنا القاسم ابن الفضل، أنا علي بن محمد الفقيه، أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم المديني، ثنا محمد بن مسلم ابن وارة، حدثني عاصم بن يزيد العمري، ثنا عبد الله بن عبد العزيز، سمعت ابن شهاب يحدث عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:
" لا تحضر الملائكة من اللهو شيئا إلا ثلاثة، لهو الرجل مع امرأته وإجراء الخيل، والنضال".
عبد الله هو الليثي مدني ضعفه أبو حاتم ".
أقول:
في هذا الإسناد علو للدمياطي، حيث وصل إلى الإمام محمد بن مسلم بن وارة ت (270)، بخمسة من الرواة، وهذا العلو حاصل للذهبي، والحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور (4/85) في تفسير سورة الأنفال، قال: وأخرج الثقفي في فوائده عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
" لا تحضر الملائكة.... الحديث.
وقال سعيد بن منصور في سننه (2/172)، رقم (2453):(1/175)
نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" إن الملائكة لا تحضر من لهوكم إلا الرهان والرمي".
49- ابن الظاهري جمال الدين ت (696) (ط20)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1479-1481)، فقال:
" شيخنا الإمام المحدث الحافظ الزاهد، مفيد الجماعة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد ابن عبد الله بن قيماز الحلبي مولى الملك الظاهر غازي بن يوسف.
مولده في شوال سنة ست وعشرين وستمائة بحلب.
سمع من ابن اللتي، والإربلي، وكريمة، وابن رواحة، وابن يعيش، وصفية الحموية والضياء المقدسي، وشعيب الزعفراني، ويوسف الساوي، والنشتبري، وخلق كثير بحلب ودمشق، والحرمين، ومصر، وماردين، وحران، والإسكندرية، وحمص، وجمع أربعي البلدان، وكتب شيئا كثيرا، وخرج لجماعة كثيرة، سمع أولاده منه، وأصحابه، وله إجازة من زكريا العلبي، وابن روزبه، وإسماعيل بن باتكين، وطبقتهم، وكان ثقة، خيرا، حافظا، سهل العبارة، مليح الانتخاب، خبيرا بالموافقات، والمصافحات، لا يلحق في جودة الانتقاء، وقد تفقه لأبي حنيفة، وتلا بالسبع، وكان ذا وقار وسكينة وشكل تام ونفس زكية، وكرم، وحياء، وتعفف، وانقطاع، قل من رأيت مثله، ما اشتغل بغير الحديث، إلى أن مات، وشيوخه يبلغون سبعمائة شيخ، نزلت عليه بزاويته بالمفس وأكثرت عنه، وانتفعت بأجزائه، أحسن الله إليه.
سمع منه الحافظ علم الدين أزيد من مائتي جزء، وأخذ عنه المزي، والحلبي واليعمري، والرحالون.
توفي في السادس والعشرين من ربيع الأول سنة ست وتسعين وستمائة، وكان قد جاءته ضربة سيف على عنقه في كائنة حلب، ووقع بين القتلى، ثم سلم فكان في عنقه ميلة منها، رحمه الله تعالى.(1/176)
وفيها توفي المسند زين الدين أحمد بن عبد الكريم بن غازى الأعلاقي بمصر، عن ست وثمانين سنة، والعلامة ضياء الدين جعفر بن محمد بن عبد الرحيم الحسيني الشافعي المصري عن ثمان وسبعين سنة، والقاضي تاج الدين عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان المعري ثم البعلي الشافعي شيخنا، عن ثلاث وتسعين سنة، والمحدث الإمام عفيف الدين بن عبد السلام بن محمد بن مزروع البصري بالمدينة، وقاضي القضاة عز الدين عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الحنبلي بمصر، عن خمس وستين سنة، والمحدث الإمام ضياء الدين بن عيسى بن يحيى بن أحمد الأنصاري السبتي الصوفي بالقاهرة، عن ثلاث وثمانين سنة، والإمام شمس الدين محمد بن حازم بن حامد المقدسي الصالحي الحنبلي، عن ست وسبعين سنة، ومفتي مكة أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن خليل بن إبراهيم الأموي الشافعي، عن ثلاث وستين سنة، والفقيه محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد بن العدل السلمي الزبداني المقدسي بها، وله أربع وستون سنة، والعدل بدر الدين يوسف بن عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي ثم الصالحي، عن سبع وسبعين سنة، والمعمر أبو تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي التاجر بدمشق، عن إحدى وتسعين سنة.
قرأت على أحمد بن محمد الحافظ، أنا عبد الله بن الحسين، أنا أحمد بن محمد الحافظ، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا محمد بن يعقوب الأصم في كتابه، ثنا عباس الدوري، ثنا الأسود ابن عامر، ثنا هريم بن سفيان، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال:
"كانت الحربة تركز مع رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- في أسفاره فتجعل بين يديه يصلي إليها ".
أقول:
أخرج هذا الحديث الإمام أحمد (2/98)، قال:
ثنا أسود بن عامر، أنا هريم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال:(1/177)
" كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحمل معه العنزة في العيدين في(1) أسفاره وتركز بين يديه فيصلي إليها ".
وهذا إسناد صحيح، فلابن الظاهري موافقة مع الإمام أحمد، حيث اجتمع معه في شيخه أسود ابن عامر، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي.
وقوله في التذكرة: عن عبد الله بن عمر عن نافع خطأ، فإن الحديث مروي في عدد من مصادر السنة عن عبيد الله بن عمر الإمام، عن نافع.
وقد رواه الإمام أحمد في مسندة (2/13)، فقال: أخبرني يحيى، أخبرني عبيد الله، عن نافع بنحوه.
و في المسند (2/18) قال الإمام أحمد: أخبرني يحيى، أخبرني عبيد الله، عن نافع بنحوه.
وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه، في الصلاة، حديث (497)، فقال:
حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله، أخبرني نافع، عن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
" كانت تركز له الحربة فيصلي إليها ".
فلابن الظاهري موافقة مع البخاري في شيخ شيخ شيخه، عبيد الله بن عمر.
وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في الصلاة، حديث (501)، فقال:
حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الله بن نمير، ح وحدثنا ابن نمير (واللفظ له) حدثنا أبي، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:
" أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة، فتوضع بين يديه، فيصلي إليها، والناس وراءه وكان يفعل ذلك في السفر فمن ثم اتخذها الأمراء".
فلابن الظاهري موافقة مع مسلم في شيخ شيخ شيخيه، عبيد الله بن عمر.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2/192-193)، حديث (941)، قال:
حدثني محمد بن الصباح، قال: أنبأنا عبد الله بن رجاء المكي، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- تخرج له حربة في السفر فينصبها، فيصلي إليها.
فلابن الظاهري موافقة مع ابن ماجة في شيخ شيخ شيخه عبيد الله بن عمر وهذه الموافقات حاصلة للذهبي.
50- أبو الفتح ابن دقيق العيد ت (702) ط (20)
__________
(1) كذا ولعله وفي.(1/178)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1481-1484)، فقال:
" الإمام الفقيه المجتهد، المحدث الحافظ، العلامة شيخ الإسلام، تقي الدين، أبو الفتح محمد بن علي ابن وهب بن مطيع القشيري المنفلوطي، الصعيدي، المالكي والشافعي، صاحب التصانيف، ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة بقرب ينبع من الحجاز.
سمع من ابن المقير، لكنه شك في كيفية الأخذ، وحدث عن ابن الجميزي وسبط السلفي، والحافظ زكي الدين، وجماعة قليلة، وبدمشق من ابن عبد الدائم وأبي البقاء خالد بن يوسف، وخرج لنفسه أربعين تساعية، وصنف شرح العمدة وكتاب الإلمام، وعمل كتاب الإمام في الأحكام، ولو كمل تصنيفه وتبييضه لجاء في خمسة عشر مجلدا، وعمل كتابا في علوم الحديث، وكان من أذكياء زمانه، واسع العلم كثير الكتب، مديما للسهر، مكبا على الاشتغال، ساكنا، وقورا، ورعا، قل أن ترى العيون مثله، سمعت من لفظه عشرين حديثا، وأملى علينا حديثا، وله يد طولى في الأصول والمعقول، وخبرة بعلل المنقول، ولي قضاء الديار المصرية سنوات، إلى أن مات، وكان في أمر الطهارة والمياه في نهاية الوسوسة - رضي الله عنه -.
روى عنه قاضي القضاة علاء الدين القونوي، وقاضي القضاة علم الدين بن الأخنائي والحافظ قطب الدين الحلبي، وطائفة سواهم، وتخرج به أئمة.
قال الحافظ قطب الدين الحلبي: كان الشيخ تقي الدين إمام أهل زمانه، وممن فاق بالعلم والزهد على أقرانه، عارفا بالمذهبين، إماما في الأصلين، حافظا، متقنا في الحديث وعلومه، ويضرب به المثل في ذلك، وكان آية في الحفظ والإتقان، والتحري، شديد الخوف، دائم الذكر، لا ينام الليل إلا قليلا، ويقطعه فيما بين مطالعة، وتلاوة وذكر، وتهجد، حتى صار السهر له عادة، وأوقاته كلها معمورة، لم ير في عصره مثله.(1/179)
صنف كتبا جليلة، كمل تسويد كتاب الإمام وبيض منه قطعة، وشرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه، وله الأربعون في الرواية عن رب العالمين، والأربعون لم يذكر فيها إلا عن عالم، وشرح بعض الإلمام شرحا عظيما، وشرح بعض مختصر ابن الحاجب في الفقه لمالك، لم أر في كتب الفقه مثله.
عزل نفسه من القضاء غير مرة، ثم يسأل ويعاد، وبلغني أن السلطان حسام الدين لما طلع إليه الشيخ قام للقيه، وخرج عن مرتبته، وكان كثير الشفقة على المشتغلين، كثير البر لهم.
سمع ابن الجميزي، وابن رواح، وأحمد بن محمد بن الحباب، والسبط، أتيته بجزء سمعه من ابن رواح والطبقة بخطه، فقال: حتى انظر، ثم عدت إليه، فقال: هو بخطي محقق ولكن ما أحقق السماع له ولا أذكره، إلى أن قال قطب الدين: وبلغني أن جده لأمه الشيخ الإمام المحقق تقي الدين بن المقترح وكان يشدد في الطهارة، ويبالغ.
توفي في صفر سنة اثنتين وسبعمائة، وفيها توفي مفتي نابلس، شيخنا فخر الدين علي بن عبد الرحمن ابن عبد المنعم النابلسي الحنبلي، والمسند عبد الحميد بن أحمد بن خولان البناء بزملكا، عن بضع وثمانين سنة، والمسند شرف الدين بقية السلف أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن خواجا إمام الفارسي ثم الدمشقي، وله تسع وثمانون سنة، والمسند الأمين بدر الدين أبو علي الحسن بن علي بن أبي بكر ابن يونس بن الخلال الدمشقي، وله ثلاث وسبعون سنة وشهر، والمحدث العلامة نجم الدين موسى ابن إبراهيم بن يحيى الصفراوي الصالحي الحنبلي، شيخ العالمية، وشيخ القراء الخطيب برهان الدين إبراهيم ابن فلاح بن محمد بن حاتم الجذامي الإسكندراني الشافعي بدمشق، والمسند المقرئ شمس الدين بن محمد ابن قايماز مولى بشر الطحان الدمشقي، عن ثلاث وثمانين سنة، ومسند بلاد المغرب أبو محمد عبد الله ابن محمد بن هارون الطائي القرطبي الأديب، عن تسع وتسعين سنة.(1/180)
حدثنا محمد بن علي الحافظ، قال: قرأت على أبي الحسن علي بن هبة الله الشافعي أن أبا طاهر السلفي أخبرهم، أنا القاسم بن الفضل، أنا علي بن محمد، أنا إسماعيل الصفار، أنا محمد بن عبد الملك، أنا يزيد بن هارون، أنا عاصم، قال سألت أنسا:
أحرَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة؟ قال: نعم، هي حرام حرَّمها الله ورسوله، لا يختلي خلاها، فمن لم يعمل بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
أخرجاه من طرق عن عاصم الأحول ".
أقول:
أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده (3/199)، فقال:
حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عاصم، قال: سألت أنس بن مالك: أحرم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة؟، قال: نعم، هي حرام حرمها الله ورسوله، لا يختلى خلاها، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وهذا الحديث من ثلاثيات الإمام أحمد.
فلابن دقيق العيد معه موافقة في شيخ الإمام أحمد يزيد بن هارون، وهي حاصلة للذهبي.
وأخرج هذا الحديث الإمام مسلم في صحيحه، في الحج، في باب فضل المدينة حديث (1367) قال:
حدثني زهير بن حرب، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عاصم الأحول، قال: سألت أنساً أحرم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – المدينة؟ قال: نعم، هي حرام، لا يختلى خلاها، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ولابن دقيق العيد موافقة مع الإمام مسلم في شيخ شيخه يزيد بن هارون، وتسمى هذه الموافقة بدلا، وهي حاصلة للذهبي.
وأخرجه الحافظ البيهقي في السنن الكبرى (5/197)، قال:
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، وثنا محمد بن عبد الملك، ثنا يزيد بن هارون، أنا عاصم به.
ففي هذا الإسناد علو لابن دقيق العيد، حيث وصل إلى شيخ البيهقي ابن بشران بثلاثة من الرواة فقط، وفيه موافقة لابن دقيق العيد مع البيهقي، حيث اجتمع معه في شيخه ابن بشران.(1/181)
وهذا العلو والموافقة حاصلان للذهبي.
وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه، في الاعتصام، حديث (7306)، قال:
حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عاصم، قال: قلت لأنس:
أحرَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة؟ قال: نعم، ما بين كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، من أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ".
قال عاصم: فأخبرني موسى بن أنس أنه قال:
" أو آوى محدثاً ".
فلابن دقيق العيد موافقة مع البخاري في عاصم شيخ شيخ شيخ البخاري، وهذه الموافقة حاصلة للحافظ الذهبي.
51- شهاب الدين ابن فرح ت (699) ط (21)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1486-1490)، فقال:
" شيخنا الإمام العالم، الحافظ الزاهد، شيخ المحدثين شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرح بن أحمد اللخمي الإشبيلي الشافعي نزيل دمشق.
ولد سنة أربع وعشرين وستمائة وأسرته الفرنج، ثم نجاه الله وحج. وسمع بمصر من شيخ الشيوخ عبد العزيز الأنصاري، والإمام عز الدين بن عبد السلام وطبقتهما، وبدمشق من ابن عبد الدائم، والكرماني، وفراس العسقلاني، وابن أبي اليسر، وخلق سواهم، وعني بهذا الشأن، ثم أقبل على تقييد الألفاظ، وفهم المتون ومذاهب العلماء، وكانت له حلقة إقراء للحديث وفنونه، حضرت مجالسه ونعم الشيخ كان، علما، وفضلا، ووقارا، وديانة، واستحضارا، واستبحارا، وثقة، وصدقا، وتعففا، وقصدا.
تخرج به جماعة، وكتب الكثير من الفقه، والحديث، وانتقل إلى رحمة الله تعالى حميدا مفيدا بمنزله في تربة أم الصالح مبطونا، في جمادي الآخرة سنة تسع وتسعين الملقبة سنة قازان، إذ أخذ الشام.(1/182)
وفيها توفي خلق عظيم بدمشق، منهم العلامة شمس الدين محمد بن عبد القوي المقدسي الحنبلي النحوي، عن سبعين سنة، والمقريء الزاهد الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحسن بن المقير شهيدا(1) بوقعة قازان بوادي الخزندار وقد جاوز السبعين، والشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله ابن عبد العزيز اليونيني شهيدا(2)بالصالحية، عن نيف وثمانين سنة، والمعمر أمير الحاج عماد الدين يوسف ابن أبي نصر الشقاري الدمشقي المدفون بالنيرب، عن تسعين سنة، ومفتي الحنابلة الشيخ التقي عبد الله ابن محمد بن جبارة المرداوي بالصالحية، وهدية بنت عبد الحميد بن محمد بن سعد وإبراهيم بن عنبر المارداتي الأسمر، وأبو حامد بن محمد الحراني مؤذن مسجد جراح والأمير التواشي المعمر حسام الدين بلال المغيثي الأسود، وقاضي القضاة الشامية إمام الدين عمر بن عبد الرحمن القزويني الشافعي بمصر، وقد انجفل إليها وعدم بعد الوقعة قاضي القضاة حسام الدين الحسن بن أحمد الرازي ثم الرومي الحنفي، ومات الشيخ عبد الدائم بن أحمد بن ربح المجحي الصالحي، والإخوان علي وعمر ابنا زين الدين أحمد ابن عبد الدائم، وعبد الرحمن بن عمر بن صومع الديرقانوني، والشيخ أحمد بن زيد الحمال الصالحي، والعماد عبد الولي بن علي السماقي، ومسند الشام شرف الدين أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد ابن عساكر، عن خمس وثمانين سنة، والمؤدب الصالح عيسى بن بركة بن والي الصالحي، والشيخ أحمد ابن نوال الرصافي، والشيخ علي بن مطر بن ربح المجحي البقلي، والمعمرة صفية بنت عبد الرحمن ابن عمرو المناوي الفراء، وزوجها وابن عمها المعمر إبراهيم بن أبي الحسن بن عمرو الفراء والشيخ أحمد ابن محمد بن المجاهد، يروي عن ابن صصرى، وخديجة بنت تقي الدين محمد بن محمود بن المراتبي، والشمس محمد بن مظفر بن قايماز السقطي، والمسند أبو العباس أحمد بن سليمان بن أحمد الحراني، ثم الصالحي،
__________
(1) و (2) يرجى لهما الشهادة.(1/183)
راوي الصحيح عن ابن روزبه، والإمام عز الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد الحق بن خلف المعدل، والخطيب الكبير موفق الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن الفضل بن حبيش النهراني الحموي، وقد قارب الثمانين، ومسندة بعلبك زينب بنت عمر بن كندي الدمشقية، والمحدث اللغوي كمال الدين عبد الله بن علي بن كبار الكركي نقيب السبع، والمحدث مقدم الجيوش علم الدين سنجر التركي الدواداري، في عشر الثمانين بحصن الأكراد، والأجل مؤيد الدين علي بن إبراهيم بن يحيى بن خطيب عقربا، وعماد الدين إبراهيم بن القاضي نجم الدين أحمد بن محمد بن خلف الصالحي الماسح، وموفق الدين محمد بن يوسف المقدسي الحنبلي الشاهد، والعلامة النجم أحمد بن مكي البعلبكي الشيعي، والكاتبة العاملة أمة العزيز خديجة بنت يوسف بن غنيمة البغدادي، والإمام شمس الدين محمد بن سليمان ابن حمائل بن غانم المقدسي مدرس العصرونية، والمفتي شهاب الدين أحمد بن محمد بن جعوان الشافعي كهلا، والبدر حسن بن علي بن يوسف بن هود الأندلسي الزاهد الإتحادي، في عشر السبعين والعدل شرف الدين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن هلال الأزدي، والشيخ محي الدين أبو بكر بن عبد الله ابن عمر بن خطيب بيت الآبار، والمفتي شمس الدين محمد بن الشيخ الفخر البعلبكي، والمعمر الشريف شمس الدين محمد بن هاشم بن البهاء عبد القادر بن عقيل العباسي، عن أربع وتسعين سنة، والطيب نجم الدين أحمد بن أبي بكر بن محمد بن حمزة الهمذاني ثم الدمشقي بن الحنبلي، ومدرس القليجية الشيخ بهاء الدين أيوب بن أبي بكر بن النحاس الحنفي، عن نيف وثمانين سنة، والمفتي جمال الدين عبد الرحيم ابن عمر بن عثمان الشيباني الباجربقي الشافعي والد الشيخ الضال، وكبير العدول بهاء الدين محمد ابن يوسف بن الحافظ البرزالي، عن ثلاث وستين سنة، وشيخ الأدباء جمال الدين عمر بن إبراهيم ابن حسين بن العقيمي، عن أربع وتسعين سنة، والمحدث تقي الدين محمد بن سعيد(1/184)
المدني الأسمر بالقاهرة، وشيخنا الحسام آقوش الأفتخاري، وزين الدين محمد بن عبد الغني بن عبد الكافي بن الحرستاني الذهبي المعروف بالنحوي، وقد نيف على السبعين، لأنه حضر على ابن صباح، والقاضي عز الدين عبد العزيز بن قاضي القضاة محي الدين بن الزكي مدرس العزيزية كهلا، والمفتي الكبير شمس الدين محمد ابن الصدر سليمان بن أبي العز الحنفي، وقد ناب عن والده في الحكم، وكان من أبناء التسعين، والشيخ الجمال عبيد الله بن الجمال أبي حمزة أحمد بن عمر المقدسي العلاف، والمسند البقية شمس الدين محمد ابن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي الصالحي، ومات بتدمر القاضي أبو طالب محمد بن الحسن ابن علي بن إسماعيل الغساني التدمري، عن سبع وثمانين سنة، ومات بتونس شيخ الوقت أبو محمد عبد الله بن محمد المرجاني الواعظ، ومات بمصر المشايخ المسندون: الصدر زين الدين محمد ابن عبد الوهاب بن الحباب السعدي، والشمس محمد بن مكي بن أبي الذكر القرشي الرقام، والمعمر وهبان بن محفوظ الجزري المؤذن، وأبو السعود محمد بن عبد الكريم بن عبد القوي المنذري، وشيخنا المحدث بقية السلف شرف الدين حسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري بن الصيرفي، ومات بسبتة المغرب العلامة شيخ الأدب أبو الحكم مالك بن عبد الرحمن بن علي بن المرحل المالقي، وله خمس وتسعون سنة، ومات بالقيروان صاحب تاريخها الإمام المحدث المعمر أبو زيد عبد الرحمن بن محمد ابن علي الأنصاري الأسيدي، عن أربع وتسعين سنة.
فالذين ضبطنا وفاتهم في هذه السنة سنة قازان ملك التتار، وأثبتهم في تاريخي الكبير مائة ونيف وتسعون نفسا، ولا نظير لذلك في تاريخي الكبير.(1/185)
أخبرنا أحمد بن فرح الفقيه، أنا عبد العزيز بن محمد وأحمد بن عبد الدائم وعبد اللطيف بن الصيقل، قالوا: ثنا عبد المنعم بن كليب، أنا علي بن بيان، أنا محمد بن محمد، نا إسماعيل بن محمد الصفار، أنا الحسن بن عرفة، أنا إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد، عن سعد ابن أبي وقاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إنها كائنة ولم يأت تأويلها" أخرجه الترمذي عن ابن عرفة ".
أقول:
في هذا الحديث علو لابن فرح، حيث وصل إلى ابن عرفة بأربعة من الرواة، وهذا العلو حاصل للذهبي.
وقد أخرجه ابن عرفة في جزئه ص(86)، حديث (77).
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/170-171)، قال:
حدثنا أبو اليمان، ثنا أبو بكر بن عبد الله، عن راشد بن سعد، عن سعد أبي وقاص قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية به.
فلابن فرح موافقة مع الإمام أحمد في شيخ شيخه أبي بكر بن أبي مريم.
وأخرجه الترمذي في جامعه (5/152)، حديث (3066)، قال:
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي مريم الغساني، عن راشد ابن سعد، عن سعد بن أبي وقاص به.
ففيه موافقة لابن فرح مع الترمذي في شيخه ابن عرفة، وهي حاصلة للذهبي.
والحديث ضعيف إذ في إسناده أبو بكر بن أبي مريم الغساني، وهو ضعيف وفيه انقطاع ؛ لأن راشد ابن سعد لم يسمع من سعد بن أبي وقاص، كما قال أبو زرعة: " راشد بن سعد، عن سعد ابن أبي وقاص مرسل(1)، ولهذا قال الترمذي عقب إخراجه: هذا حديث غريب.
52- شمس الدين بن جعوان الأنصاري ت (682) ط (21)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1491-1492)، فقال:
__________
(1) انظر المراسيل لابن أبي حاتم ( ص59 ).(1/186)
" ابن جعوان الإمام الحافظ المتقن النحوي، شمس الدين محمد بن محمد بن عباس بن أبي بكر ابن جعوان بن عبد الله الأنصاري الدمشقي الشافعي، أحد من برع في العربية على ابن مالك، ثم عني بالحديث.
سمع من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، ومحمد النشي، وأحمد بن أبي الخير، ويحيى بن الصيرفي، وطبقتهم، وبمصر، عن عامر القلعي، والعز بن الصيقل، وطائفة، وكتب وانتخب، وقد قرأ المسند على أبي الغنائم بن علان، قراءة عذبة فصيحةلم يأخذوا عليه فيها لحنة واحدة، إلا أن يكون سبق لسان، وكان مليح الشكل حسن البزة، كيس العشرة، ثبتا فيما يقوله، كتب عنه آحاد الطلبة.(1/187)
توفي قبيل الكهولة في سادس عشر جمادي الأولى سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وفيها توفي الإمام شيخ الإسلام شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي، عن خمس وثمانين سنة، والمسند إسماعيل بن أبي عبد الله بن حماد العسقلاني الصالحي أحد رواة المسند، والمحدث الإمام جمال الدين عبد الله بن يحيى بن أبي بكر بن يوسف بن حيون الغساني الجزائري، وشيخ القراء العماد الموصلي، وأبو الحسن علي بن يعقوب بن أبي زهران الشافعي، عن نيف وستين سنة، والمسند محي الدين أبو الخطاب عمر بن محمد بن العلامة أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الدمشقي، عن ثلاث وثمانين سنة وأشهر، والمفتي شمس الدين محمد بن أحمد بن نعمة بن المقدسي مدرس الشامية، والمسند شرف الدين محمد بن عبد المنعم بن عمر بن القواس الطائي الدمشقي، والصدر عماد الدين محمد بن القاضي شمس الدين محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن مميل بن الشيرازي الدمشقي صاحب الخط البديع، والمحدث الرحال شمس الدين محمد بن محمد بن حسين بن عبدك الكنجي الصوفي ببيت المقدس، والرشيد محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان العامري الدمشقي، والرئيس محي الدين يحيى بن علي بن محمد ابن سعيد التميمي بن القلانسي، عن ست وستين سنة، ومقريء العراق أبو إسحاق إبراهيم بن جامع القفصي الضرير، عن ست وسبعين سنة، والفقيه عباس بن عمر بن عبدان البعلي الحنبلي بالعقيبة - رحمة الله عليهم -.
أقول:
لم يخرج له أي حديث.
53- أبو محمد الحارثي الحنبلي ت (711) ط (21)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1495-1496)، فقال:(1/188)
" الشيخ الإمام الفقيه الحافظ المتقن مفيد الطلبة، قاضي القضاة سعد الدين أبو محمد مسعود بن أحمد ابن مسعود بن زيد الحارثي العراقي المصري الحنبلي، ولد سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ونشأ في طلب العلم، وسمع من ابن البرهان، والنجيب الحراني وابن علاق، وخلق، وبالثغر من عثمان بن عوف وابن الفرات، وبدمشق من أحمد بن أبي الخير، وأبي زكريا بن الصيرفي، وطبقتهما، وكتب الكثير، وحصل الأصول وتقدم في هذا الشأن، وخرج لجماعة، وتكلم على الحديث، ورجاله، وعلى التراجم فأحسن وشفي، وخطه قوي حلو معروف، شحذت منه مجلس التميمي فما سمح به، وكان عارفا بمذهبه، ثقة متقنا، صينا، مليح الشكل، فصيح العبارة، وافر التجمل كبير القدر، حج غير مرة، وشرح بعض السنن لأبي داود، ودرس بأماكن، وولي القضاء سنتين ونصفا، وانتقل إلى الله في ذي الحجة سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وفيها مات المعمر الزاهد شيخنا عمر بن عبد البصير السهمي القوصي، عن ست وتسعين سنة، والمسند فخر الدين إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء بن عساكر الدمشقي، عن اثنتين وثمانين سنة، والمسندة أم محمد فاطمة بنت إبراهيم بن محمود بن جوهر البعلبكية، عن ست وثمانين سنة، وقاضي حماة عز الدين عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحنفي بن العديم، عن ثمان وسبعين سنة، وشيخنا القدوة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي نصر بن الدباهي، عن أربع وسبعين سنة بدمشق، وشيخنا العارف الإمام عماد الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي بن شيخ الحزاميين، والمسند العدل عماد الدين أبو المعالي بن المحدث ضياء الدين علي بن محمد النابلسي، عن ثلاث وسبعين سنة، والزاهد أبو البركات شعبان بن أبي بكر بن عمر الإربلي شيخ مقصورة الحلبيين، عن سبع وثمانين سنة، والمنشيء الفاضلي جمال الدين محمد بن الجلال مكرم بن علي الأنصاري المصري، عن اثنتين وثمانين سنة، والأديب المحدث الفقيه رشيد الدين(1/189)
رشيد بن كامل بن رشيد الحرشي الرقي الشافعي، وله ست وثمانون سنة - رحمة الله عليهم -.
أخبرنا مسعود بن أحمد الحافظ، أنا أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب، أنا علي بن أحمد، أنا محمد بن محمد، أنا إسماعيل بن محمد، ثنا ابن عرفة، ثنا إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال:
" لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن ".
أخرجه الترمذي عن الحسن بن عرفة.
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للحارثي، حيث وصل إلى ابن عرفة بأربعة من الرواة فقط، وهذا العلو حاصل للذهبي.
والحديث أخرجه ابن عرفة في جزئه ص (76)، حديث (60)، وأخرجه الترمذي، قال:
حدثنا علي بن حجر والحسن بن عرفة، قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم -، قال:
" لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن ".
فللحارثي موافقة مع الترمذي في شيخه ابن عرفة، وهي حاصلة للذهبي.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1/474)، حديث (595)، قال:
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع... به.
فللحارثي موافقة مع ابن ماجة في شيخ شيخه إسماعيل بن عياش، وهي حاصلة للذهبي.
لكن الحديث ضعيف، ولذا قال الترمذي عقبه:
" حديث ابن عمر لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
" لا يقرأ القرآن الجنب والحائض ".
.... وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير، كأنه ضعف روايته عنهم فيما يتفرد به، وقال: إنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام ".
أقول:
لقد روى هذا الحديث الدارقطني، في سننه (1/117)، وأورد له متابعات، وشواهد يرتقى بها إلى درجة الحسن، ولعل لأجل هذا قال بمدلوله أكثر العلماء.(1/190)
قال الترمذي عقب روايته لهذا الحديث:
وهو قول أكثر أهل العلم، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم – والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، قالوا:
لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك ورخص للجنب والحائض في التسبيح والتهليل " الجامع (1/75).
54- شيخ الإسلام ابن تيمية ت (728) ط (21)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1496-1498)، وروى عنه حديثاً واحداً فقال:
" الشيخ الإمام العلامة الحافظ، الناقد الفقيه، المجتهد، المفسر البارع، شيخ الإسلام، علم الزهاد نادرة العصر، تقي الدين أبو العباس أحمد بن المفتي شهاب الدين عبد الحليم بن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني، أحد الأعلام.(1/191)
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، قدم مع أهله سنة سبع فسمع من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، والكمال بن عبد، وابن الصيرفي وابن أبي الخير، وخلق كثير، وعني بالحديث، ونسخ الأجزاء، ودار على الشيوخ وخرج وانتقي، وبرع في الرجال، وعلل الحديث، وفقهه، وفي علوم الإسلام وعلم الكلام (1)، وغير ذلك، وكان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد، والشجعان الكبار، والكرماء الأجواد، أثنى عليه الموافق والمخالف، وسارت بتصانيفه الركبان، لعلها ثلاثمائة مجلد، حدث بدمشق، ومصر، والثغر، وقد امتحن وأوذي مرات، وحبس بقلعة مصر والقاهرة، والإسكندرية، وبقلعة دمشق مرتين، وبها توفي في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، في قاعة معتقلا ثم جهز وأخرج إلى جامع البلد، فشهده أمم لا يحصون، فحزروا بستين ألفا، ودفن إلى جنب أخيه الإمام شرف الدين عبد الله بمقابر الصوفية - رحمهما الله تعالى - ورئيت له منامات حسنة، ورثي بعدة قصائد، وقد انفرد بفتاوى نيل من عرضه لأجلها وهي مغمورة في بحر علمه، فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه، فما رأيت مثله وكل أحد من الأمة، فيؤخذ من قوله، ويترك فكان ماذا ؟
أخبرنا أحمد بن عبد الحليم الحافظ غير مرة ومحمد بن أحمد بن عثمان وابن فرح وابن أبي الفتح وخلق، قالوا: أنا أحمد بن عبد الدائم، أنا عبد المنعم بن كليب ح وأنبأنا أحمد بن سلامة، عن ابن كليب، أنا علي بن بيان، أنا محمد بن محمد، أنا إسماعيل بن الصفار، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا خلف ابن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إنك لتنظر إلى الطير في الجنة، فتنتهبه، فيخر بين يديك مشويا".
__________
(1) أقول : إنما درس علم الكلام ليعرفه، وليبين فساده وفساد أصوله، وقد أكثر من مناقشة كبار علماء الكلام في عدد من كتبه.(1/192)
وفيها توفي مسند الإسكندرية الإمام أبو إسحاق عز الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي، وله تسعون سنة، ومسند العراق شيخ المستنصرية الواعظ عفيف الدين محمد بن عبد المحسن ابن أبي الحسن الأزجي الحنبلي بن الدواليبي، عن تسعين سنة أو نحوها، وقاضي القضاة شمس الدين محمد ابن عثمان بن أبي الحسن بن الحريري الأنصاري الدمشقي الحنفي بمصر، والقاضي العدل جمال الدين يوسف بن مظفر بن أحمد بن قاضي حران بدمشق، عن اثنتين وثمانين سنة، ومفتي العراق العلامة الكبير جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت بن العاقولي الشافعي مدرس المستنصرية، عن تسعين سنة وثلاثة أشهر، أفتى منها إحدى وسبعين سنة، والفقيه المعمر جمال الدين أبو محمد عبد الرحمن ابن أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر الصالحي الحنبلي، عن تسع وثمانين سنة -رحمة الله عليهم- ".
أقول:
في إسناد الحديث المذكور علو لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومن ذكر معه إلى الحسن بن عرفة، حيث وصلوا إليه بخمسة من الرواة، وهذا العلو حاصل للذهبي.
وللذهبي علو من طريق أحمد بن سلامة، حيث وصل إلى الحسن بن عرفة بخمسة.
والحديث أخرجه ابن عرفة في جزئه ص (53)، حديث (22)، رواه عن خلف بن خليفة... به.
ولكن الحديث ضعيف، فيه خلف بن خليفة، قال الذهبي فيه: " صدوق ".
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: " صدوق اختلط في الآخر ".
وفي الكواكب النيرات: آخر من روى عنه الحسن بن عرفة.
وإذا كان هذا هو حال هذا الحديث فإني أحببت أن أورد لشيخ الإسلام حديثاً من كتاب الموسوم بأربعين حديثاً.
قال-رحمه الله-:(1/193)
" الحديث الثالث: أخبرنا الإمام تقي الدين أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر التنوخي قراءة عليه وأنا أسمع في سنة (669هـ)، أخبرنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي قراءة عليه، أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي، أخبرنا أبو الحسين طاهر بن أحمد بن علي بن محمود المحمودي العاني، أخبرنا أبو الفضل منصور بن نصر بن عبد الرحيم بن بنت الكاغدي، حدثنا أبو عمرو الحسن بن علي بن الحسن العطار، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير بن الحارث القيسي، حدثنا وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فذلك قوله: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً] قال الوسط: العدل ".
أقول:
أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده (3/32)، قال -رحمه الله-:
حدثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري... به.
فلشيخ الإسلام موافقة مع الإمام أحمد في شيخه وكيع.
وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام، حديث (7349)، قال: حدثنا إسحاق ابن منصور، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد به.
فلشيخ الإسلام موافقة مع الإمام البخاري في شيخ شيخ شيخه الأعمش.
وأخرجه الإمام النسائي في السنن الكبرى (10/189)، حديث (10940) قال -رحمه الله-:
أخبرنا محمد بن آدم بن سليمان، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد... به.
فلشيخ الإسلام مع الإمام النسائي موافقة في شيخ شيخ شيخه سليمان الأعمش.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده: (2/397)، حديث(1173).
قال: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح به.(1/194)
وأخرجه ابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان (14/397) حديث (6477)، قال:
حدثنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو خيثمة به.
فلشيخ الإسلام مع أبي يعلى وابن حبان موافقة في الأعمش.
55- الإمام أبو الحجاج المزي ت (742) ط (21)
ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1498-1500) وروى له حديثا واحداً، فقال:
" شيخنا الإمام العالم الحبر الحافظ الأوحد، محدث الشام، جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي، ثم الكلبي الدمشقي الشافعي.(1/195)
ولد بظاهر حلب سنة أربع وخمسين وستمائة، ونشأ بالمزة، وحفظ القرآن، وتفقه قليلا ثم أقبل على هذا الشأن، سمع من أول شيء كتاب الحلية كله على ابن أبي الخير سنة خمس وسبعين، ثم أكثر عنه وسمع المسند، والكتب الستة، ومعجم الطبراني، والأجزاء الطبرزذية، والكندية، وسمع صحيح مسلم من الإربلي، ورحل سنة ثلاث وثمانين، فسمع من العز الحراني، وأبي بكر بن الأنماطي وغازي، وهذه الطبقة، وسمع بالحرمين، وحلب، وحماة، وبعلبك، وغير ذلك، ونسخ بخطه المليح المتقن كثيرا لنفسه ولغيره، ونظر في اللغة ومهر فيها وفي التصريف، وقرأ العربية، وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها، والقائم بأعبائها،لم تر العيون مثله، عمل كتاب تهذيب الكمال في مائتي جزء وخمسين جزءا، وعمل كتاب الأطراف في بضعة وثمانين جزءا، وخرج لنفسه، وأملى مجالس، وأوضح مشكلات ومعضلات، ما سبق إليها في علم الحديث ورجاله، وولي المشيخة بأماكن منها الدار الأشرفية، وكان ثقة حجة، كثير العلم حسن الأخلاق، كثير السكوت قليل الكلام جدا، صادق اللهجة لم تعرف له صبوة، وكان يطالع وينقل الطباق إذا حدث، وهو في ذلك لا يكاد يخفي عليه شيء مما يقرأ، بل يرد في المتن والإسناد ردا مفيدا يتعجب منه فضلاء الجماعة، وكان متواضعا، حليما صبورا، مقتصدا في ملبسه ومأكله، كثير المشي في مصالحه، ترافق هو وابن تيمية كثيرا في سماع الحديث، وفي النظر في العلم، وكان يقرر طريقة السلف في السنة ويعضد ذلك بمباحث نظرية وقواعد كلامية، وجري بيننا مجادلات ومعارضات في ذلك تركها أسلم وأولى، ومع ذلك فله عمل كثير في المعقول، وما وراء ذلك بحمد الله إلا حسن إسلامه، وحسبة لله مع أني لم أعلمه ألف في ذلك شيئا، وقد لزم في وقت صحبة العفيف التلمساني، فلما تبين له انحلاله واتحاده تبرأ منه، وحط عليه، وكان ذا مروءة، وسماحة ويقنع باليسير، باذلا لكتبه وفوائده ونفسه، كثير المحاسن ولقد آذاه أبو الحسن بن العطار وسبح(1)
__________
(1) - كذا..(1/196)
وما رأيته يتكلم فيه، ولا فيمن آذاه والله يسمح له، ويختم له بالخير ولنا آمين.
أخبرنا أحمد بن سلامة في كتابه وحدثني عنه الحافظ المجود أبو الحجاج الكلبي، أن مسعود ابن أبي منصور أنبأهم، قال: أنا أبو علي، أنا أبو نعيم الحافظ، ثنا ابن خلاد، ثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة، ثنا يوسف بن يعقوب الصفار، أنا علي بن عثام، عن سعير بن الخمس عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة، فقال: صريح الإيمان.
هذا حديث حسن صحيح غريب من الأفراد، أخرجه مسلم، عن الصفار، فوافقناه بعلو، وليس لسعير، ولا لعلي ولا للصفار في صحيح مسلم سواه.
توفي في ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة - رحمه الله تعالى –".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للحافظ المزي إلى أبي نعيم الحافظ، حيث وصل إليه باثنين، وهذا العلو حاصل للذهبي.
والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان حديث (133).
قال - رحمه الله -: حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار، حدثني علي بن عثام، عن سعير بن الخِمس، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله ؛ قال: سئل النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن الوسوسة، قال: "تلك محض الإيمان".
ففي إسناد هذا الحديث موافقة بعلو للذهبي ولشيخه المزي في شيخ مسلم يوسف بن يعقوب الصفار، ووجه هذا العلو الذي أشار إليه الذهبي أن المزي شيخ الذهبي قد وصل إلى شيخ مسلم يوسف الصفار بخمسة من الرواة فقط، وهذا علو جيد وهو حاصل للذهبي.
تنبيه: جاء في الرواية التي أوردها الذهبي من حديث ابن مسعود "ذاك صريح الإيمان" وليس الأمر كذلك، فنص رواية ابن مسعود "تلك محض الإيمان" "وقوله ذاك صريح الإيمان " إنما هو نص حديث أبي هريرة، كما هو في صحيح مسلم السابق لحديث ابن مسعود، والظاهر أن هذا سبق نظر من الذهبي أو سبق قلم والله أعلم.(1/197)
قال الذهبي - رحمه الله - في آخر تذكرته عقب ترجمة الحافظ المزي - رحمه الله -:
"وإلى هنا انتهى بنا كتاب التذكرة، ولعل فيمن لم نوردهم غفلة أو نسيانا من هو في رتبة المذكورين علما وحفظا، وقد كنت ألفت معجما لي يختص بمن طلب هذا الشأن من شيوخي ورفاقي، فاستوعبت من له أدنى عمل وبينت أحوالهم".(1)
ثم ذكر بعد ذلك عدداً من شيوخه وأقرانه الذين سمع معهم ستة وثلاثين شيخاً، سأختار منهم خمسة على طريقتي في هذا العمل.
قال في طليعة هؤلاء (ولقد انتفعت وتخرجت:
1- بشيخنا الإمام العالم المحدث الحافظ الشهيد أبي الحسين علي ابن الشيخ الفقيه ببعلبك، ولزمته نيفا وسبعين يوماً، وأكثرت عنه، وكان عارفا بقوانين الرواية، حسن الدراية، جيد المشاركة في الألفاظ والرجال، وانتقل إلى الله تعالى في رمضان سنة إحدى وسبعمائة، عن إحدى وثمانين سنة.
روى لنا عن ابن الزبيدي، وابن اللتي، ومكرم، وجعفر، وأبي نصر بن الشيرازي، وخلق وكان صاحب رحلة وأصول وأجزاء وكتب ومحاسن).
2- وسمعت الكثير بقراءة الإمام العالم الحافظ، مفيد الآفاق، مؤرخ العصر علم الدين أبي محمد القاسم بن محمد بن يوسف بن الحافظ زكي الدين البرزالي، وبفصاحته وحسن أدائه للحديث يضرب المثل، مع الفضيلة والإتقان، والتواضع وحسن البشر، وكثرة الأصول.
ولد سنة خمس وستين وأجاز له ابن عبد الدائم، وطبقته، وسمع من الشيخ شمس الدين، وطبقته، وله في الطلب بضع وخمسون سنة، ومعجمه في مجلدات كبار.
__________
(1) يشير إلى كتاب (( المعجم المختص بالمحدثين )) الذي ذكر فيه أسماء أربعة وتسعين شيخا وثلاثمائةشيخ، وله معجم الشيوخ أي شيوخه، بلغ عدد شيوخه فيه ألف شيخ وأربعين شيخا ولعله بعد المعجم المختص. ومن عادته في معجم الشيوخ أن يروي لكل= = شيخ حديثا بإسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا في الغالب.(1/198)
توفي محرما في رابع ذي الحجة الحرام سنة تسع وثلاثين(1) -رحمه الله تعالى-.
3- وسمعت من الشيخ الإمام المحدث المفيد المقريء، بقية السلف شيخ الحرم، فخر الدين عثمان ابن محمد بن عثمان التوزري، ثم المصري المالكي، وكان قارئ الطلبة بمصر دهرا، قرأ الكتب المطولة، وحصل الأصول، وتلا بالسبع على ابن وثيق، والكمال بن شجاع، سمع من ابن الجميزي، والسبط، فمن بعدهما حتى أنه أخذ عن ألف شيخ.
توفي في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة بمكة عن ثلاث وثمانين سنة -رحمه الله تعالى-.
4- وسمعت مع الشيخ العلامة المحدث، الحافظ الأديب البارع، فتح الدين أبي الفتح محمد بن محمد ابن سيد الناس اليعمري الأندلسي الأصل، المصري، صاحب التصانيف.
ولد سنة إحدى وسبعين في آخرها، وسمع من العز وغازي وخلائق، ولحق بدمشق ابن المجاور ومحمد بن مؤمن وابن الواسطي، وكتب بخطه المنسوب كثيرا، وهو على حاله ثبت فيما ينقله، بصير بما يحرره، لم أسمع منه شيئا، توفي فجاءة في شعبان في حادي عشرة سنة أربع وثلاثين وسبعمائة -رحمه الله تعالى-.
5- وسمعت من الشيخ المحدث، العالم الرئيس، زين الدين عمر بن حسن بن عمر بن حبيب الدمشقي، نزيل حلب، ومحتسبها.
ولد سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع من ابن بلبان وابن شبيبان، وابن البخاري، وفي الرحلة من ابن حمدان، والأبرقوهي، وكان ذكيا، كتب وتعب، خرجت له معجما عن أزيد من خمسمائة نفس.
مات غريبا بمراغة في سنة ست وعشرين وسبعمائة -رحمه الله-.
وحيث انتهت تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي بالطبقة الحادية والعشرين.
وكان كل من الحافظ شمس الدين أبي المحاسن الحسينى الدمشقي الشافعي، والحافظ ابن فهد، والحافظ السيوطي قد ذيل على تذكرة الحفاظ، أحببت أن أكمل هذا العمل من الذيل للحسيني ومن طبقات الحفاظ للسيوطي على طريقتي، فأترجم من كل طبقة لمجموعة من الحفاظ.
56- الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس ت (734) ط (22)
__________
(1) يعني بعد سبعمائة.(1/199)
ترجم له الحافظ أبو المحاسن الحسيني في ذيل تذكرة الحفاظ (ص16-18) فقال:
" الإمام العلامة الحافظ المفيد، الأديب البارع المتقن، فتح الدين أبو الفتح محمد بن الإمام الحجة أبي عمرو محمد بن حافظ المغرب أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله ابن سيد الناس الأندلسي اليعمري المصري الشافعي، ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة، وأجاز له النجيب عبد اللطيف، وجماعة، وسمع من العز الحراني، وغازي الحلاوي، وابن الأنماطي، وخلق، وقدم دمشق ليالي وفاة ابن البخاري فلم يدركه، وسمع ابن المجاور، ومحمد بن مؤمن، والتقي الواسطي، وخلق، قال الذهبي: هو أحد أئمة هذا الشأن، كتب بخطه المليح كثيرا، وخرج، وصنف وعلل وفرع وأصل، وقال الشعر البديع، وكان حلو النادرة، كيس المحاضرة، جالسته، وسمعت بقراءته، وأجاز لي مروياته.
مات فجأة في حادي عشر شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ودفن بالقرافة، وكان أثريا في المعتقد يحب الله تعالى ورسوله(1).
قلت: ومات عام وفاته بمصر المعمر قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر الأذرعي الشافعي المعروف بالزرعي، عن تسع وثمانين سنة، حدث عن ابن عبد الدايم وجماعة وولى قضاء مصر سنة، ثم قضاء دمشق بعد ابن صصري، ومات بحماة الفقيه القدوة نجم الدين عبد الرحمن بن الحسن اللخمي القبابي الحنبلي الزاهد، عن ست وستين سنة، ومات بمصر وكيل بيت المال المعمر المفتي مجد الدين حرمي ابن قاسم الفاقوسي، مدرس قبة الشافعي مات في عشر التسعين، ومات الصاحب شمس الدين عدنان السلماني بمصر، في عشر الثمانين يقال أدى في المصادرة ألفي ألف درهم ".
57- علم الدين البرزالي ت (739) ط (22)
__________
(1) قال المحشي : "ومن مؤلفاته ( عيون الأثر في المغازي والسير ) و( الفوح الشذي في شرح الترمذي ) إلا أنه لم يكمل. قال ابن حجر : ولو اقتصر على فن الحديث من الكلام على الأسانيد لكمل لكن قصده أن يتبع شيخه ابن دقيق العيد فوقف دون ما يريد ".(1/200)
ترجم له الحافظ الحسيني في ذيل تذكرة الحفاظ ( 18-23) فقال:
" الشيخ الإمام الحافظ العمدة، محدث الشام، ومؤرخه ومفيده، علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد ابن يوسف بن محمد البرزالي، الإشبيلي الأصل، الدمشقي الشافعي. ولد في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وستمائة، وسمع في سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وهلم جرا حتى مات في رابع ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة محرما بخليص، وسمع أباه وأحمد بن أبي الخير، والشيخ شمس الدين، وابن البخاري، وابن علان، والقاسم الإربلي، والعز الحراني، وابن الدرجي، وأكثر عنهم، وعن خلق من أصحاب ابن طبرزد، والكندي، وحنبل وابن الحرستاني، ثم عن خلق من أصحاب ابن ملاعب، وابن البن، وابن أبي لقمة، وغيرهم، ثم عن خلق من أصحاب ابن الصباح، وابن الزبيدي، وابن اللتي، وابن باقا، ثم عن خلائق من أصحاب أصحاب السلفي، وابن عساكر، ثم عن العدد الكبير من أصحاب أصحاب البوصيري، وابن كليب والخشوعي، وأقرانه وفضلاء زمانه بالحرمين، ومصر، ودمشق، والقدس، وحلب، وحماة، واسكندرية، وعدة مداين، وأجاز له ابن عبد الدايم، والنجيب عبد اللطيف، وابن أبي اليسر، وابن عزون، وابن علاق، وخلق كثير بمعجمه بالسماع وبالإجازة نحو ثلاثة آلاف شيخ، وكتب الكثير من الكتب المطولة، والأجزاء العالية المفيدة، وخرج لخلق من شيوخه، وأقرانه، وسمع منه طوائف، وحدث عنه خلق في حياته، وبعد وفاته، وحج مرات حتى مات، ووقف كتبه وأجزاءه أحسن الله جزاءه.(1/201)
أخبرنا الحافظ أبو محمد البرزالي، وأبو الحجاج المزي بقراءتي على كل واحد منهما في شوال سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، قالا: أخبرنا المسلم بن علان وأبو الحسن بن البخاري قال(1): أخبرنا حنبل الرصافي، قال أخبرنا أبو القسم بن الحصين، قال أخبرنا أبو علي بن المذهب، قال أخبرنا أبو بكر القطيعي، قال حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، قال حدثني أبي، قال: قال حدثنا الشافعي، قال: حدثنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى أبي أحمد، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال:" إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة، والمحاقلة، والمزابنة اشتراء التمر بالتمر في رؤس النخل، والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة "
رواه البخاري، عن عبد الله بن يوسف، ورواه مسلم عن أبي الطاهر بن السرح، عن ابن وهب كلاهما عن مالك.
__________
(1) والظاهر قالا.(1/202)
وقد مات عام وفاة شيخنا هذا عالم بغداد صفي الدين عبد المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن شمائل، البغدادي، الحنبلي مدرس البشيرية، عن إحدى وثمانين سنة، طلب الحديث وعمل معجما، وشرح المحرر في ستة أسفار، وحدث عن عبد الله بن أبي الحسن، والشرف بن عساكر، وله نظم جيد، ومات بمصر قاضي حلب فخر الدين عثمان بن الخطيب حسين بن علي بن عثمان الشافعي، عن سبع وسبعين سنة، ومات بدمشق قاضي قضاة الإقليمين جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي، في نصف جمادى الأولى، وله ثلاث وتسعون سنة، ولد بالموصل وتفقه، وأفتى، ودرس، وناظر، وتخرج به خلق، ناب في القضاء لأخيه إمام الدين ولابن صصري، ثم ولي خطابة دمشق، ثم قضاءها ثم قضاء الديار المصرية إحدى عشرة سنة، ثم نقل إلى قضاء دمشق، حدث عن الفاروثي، وغيره، ومات القاضي الإمام الزاهد بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصائغ، عن ثلاث وستين سنة، حدث عن ابن شيبان والفخر وطائفة خطب(1) بالمسجد الأقصى، ثم ترك، وكان عرض عليه قضاء دمشق وجاءه التقليد فامتنع، ومات بمصر المعمر موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد الشارعي، من أبناء التسعين، وهو آخر من حدث عن جد أبيه محمد بن عثمان بن مكي، ومات بدمشق المفتي زين الدين عباد الحنبلي، عن ثمان وستين سنة، حدث بالصحيح عن القاسم الإربلي، وولي العقود، والفسوخ، ومات شيخ بلاد الجزيرة القدوة شمس الدين محمد بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي، ببلاد سنجار، عن تسع وثمانين سنة، حدث عن الفخر وغيره، ومات العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري الدمشقي، صاحب التاريخ الكبير في وسط السنة، وله إحدى وثمانون سنة، روى عن إبراهيم بن أحمد والفخر بن البخاري، وكان به صمم -رحمه الله تعالى- ".
أقول: إن الحديث المذكور آنفا.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده(3/8 ):
__________
(1) - لعله وخطب.(1/203)
فقال: حدثنا محمد بن إدريس (يعني الشافعي )، أنبأنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى أبي أحمد، عن أبي سعيد الخدري:
" أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- نهى عن المزابنة والمحاقلة، والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رؤوس النخل، والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة ".
أقول:
في إسناد هذا الحديث علو للحافظ البرزالي، حيث وصل إلى الإمام أحمد بسبعة من الرواة، وهذا العلو حاصل للحافظ الحسيني، وأخرجه الإمام البخاري في البيوع، حديث (2186) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال أخبرنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى أبي أحمد، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزابنة والمحاقلة، والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رؤوس النخل ".
وفي هذا الحديث بدل للحافظ البرزالي مع الإمام البخاري، حيث اجتمع معه في شيخ شيخه مالك، وهذا البدل قد يسمى موافقة، وذلك حاصل للحافظ الحسيني.
وأخرجه الإمام مسلم في البيوع، حديث ( 1546)، قال: وحدثني أبو الطاهر، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس، عن داود بن الحصين، أن أبا سفيان مولى أبي أحمد به.
ففي هذا الإسناد موافقة للبرزالي مع الإمام مسلم، حيث اجتمع معه في شيخ شيخ شيخه مالك وهذه الموافقة حاصلة للحافظ الحسيني.
وأخرجه ابن ماجة في سننه، حديث ( 2455)، قال حدثنا محمد بن يحيى، قال حدثنا مطرف ابن عبد الله، قال: حدثنا مالك، عن داود بن الحصين به.
ففيه موافقة للبرزالي مع الإمام ابن ماجة، حيث اجتمع معه في شيخ شيخ شيخه مالك،وهذه الموافقة حاصلة للحسيني وتسمى بدلا.
وقد روى هذا الحديث عدد من الصحابة، منهم ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن عمر وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وأحاديثهم في الصحيين، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي وسنن النسائي.
58- أبو محمد بن المحب ت (737) ط (22)(1/204)
ترجم له الحافظ الحسيني في تذييله على تذكرة الحفاظ ص (29-30)،فقال:
" الشيخ الإمام العالم الزاهد، المحدث المفيد الحافظ محب الدين، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي الأصل، الصالحي، الحنبلي، ولد في المحرم سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وأسمعه أبوه من ابن البخاري، وابن العقاب، وبنت مكي، وجماعة من الموجودين حينئذ، ثم طلب هو بنفسه في سنة ثمان وتسعين، فأكثر عن عمر القواس والشرف بن عساكر، والغسولي، فمن بعدهم، وعني بهذا الشأن، وجمع، وخرج، وأفاد، وسمع أولاده، وكان فصيحا، بليغا سريع القراءة، إذا حضر مع مشيختنا: المزي، والبرزالي، والذهبي وتلك الحلبة لا يتقدمه أحد في القراءة، وكان كثير التلاوة، متين الديانة .
مات في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ودفن بقرب الموفق -رحمه الله تعالى-، وكانت جنازته مشهودة، حدث عنه الذهبي في معجمه.
أخبرنا أبو الحسن علي الكاكوني سماعا عليه، في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، قال: أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد المصري إجازة، وحدثنا الحافظ محب الدين المقدسي يومئذ، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن القزاز بقراءتي، قالا: أخبرنا أبو الفضل الجمال السعدي، قال: حدثنا الحافظ أبو طاهر السلفي، قال: حدثنا أبو مطيع محمد بن عبد الواحد المصري إملاء بأصبهان، قال: أخبرنا علي بن يحيى بن عبد كوبه، قال: أخبرنا أحمد بن سهل العسكري بالبصرة، قال حدثنا مسدد وعبد الأعلى، قالا: حدثنا خالد، قال: حدثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ما منكم من أحد ينجيه عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمته".
رواه مسلم في صحيحه، من حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، بمعناه وخالد هو الحذاء -رحمه الله-".
أقول:(1/205)
أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده (2/344)، قال: ثنا عفان، ثنا خالد بن عبدالله، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما منكم من أحد ينجيه عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ".
أقول: في هذا الإسناد علو لابن المحب، حيث وصل إلى أبي طاهر السلفي بثلاثة.
وهذا العلو حاصل للحسيني، ولابن المحب موافقة مع الإمام أحمد في شيخ شيخه خالد بن عبد الله الطحان وهذه الموافقة حاصلة للحسيني.
وأخرج مسلم في صحيحه، في صفات المنافقين، حديث (2816) من طرق، منها قوله:
حدثني زهير بن حرب، حدثنا جرير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ليس أحد ينجيه عمله، قالوا: ولا أنت يارسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتداركني الله منه برحمة".
فلابن المحب موافقة مع الإمام مسلم في شيخ شيخ شيخه سهيل بن أبي صالح، وهذه الموافقة حاصلة للحافظ الحسيني.
ملاحظة
قال الحافظ الحسيني:
" وخالد هو الحذاء -رحمه الله-" والصواب أنه خالد بن عبدالله الطحان، وهو الذي يروي عن سهيل بن أبي صالح، وهو من الطبقة الثامنة عند الحافظ ابن حجر، وسهيل من السادسة، والحذاء من الطبقة الخامسة.
59-ابن الفخر ت (732) ط (22)
ترجم له الحافظ الحسيني في تذييله على تذكرة الحفاظ ص (30-32)، فقال:
"الإمام العالم الحافظ فخر الدين، أبو محمد عبد الرحمن بن الإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الإمام فخر الدين أبي محمد عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي، ثم الدمشقي الحنبلي، ولد سنة خمس وثمانين وستمائة، وحضر في الثانية على ابن البخاري، وسمع من تقي الدين الواسطي، وعمر ابن القواس، وجماعة، ثم طلب بنفسه، فسمع أبا الفضل بن عساكر، وخلقا.(1/206)
قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: تفقه، وطلب هذا الشأن وارتحل فيه مرات، وكتب العالي والنازل من سنة خمس وسبعمائة، وهلم جرا، وخرج، وأفاد الخاصة والعامة، سمع مني وسمعت منه، وتوفي في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
قلت: وفيها مات الملك المؤيد صاحب حماة وصاحب التاريخ، وقاضي الشام علم الدين الأخنائي الشافعي، وكبير الأمراء بكتمر الساقي.
أخبرنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بقراءتي عليه، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الحافظ، قال: أخبرنا إبراهيم بن علي، قال: أخبرنا داود بن ملاعب، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا محمد بن علي العباسي، قال: أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ، قال حدثنا أحمد بن القاسم بن نصر، قال: حدثنا أبو همام قال حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله(1)، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال:
قال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - "الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة".
تابعه أبو أسامة، وغيره، ورواه النسائي، عن إسماعيل بن مسعود، عن بشر بن الفضل(2)، عن عبد الله بن عمر بنحوه، ورواه البخاري، عن عروة.
أقول:
أخرجه النسائي في سننه( 8 / 206 )، الزينة، حديث( 5327 )، قال: وأنبأنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا بشر، قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله، قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: -
" من جر ثوبه، أو قال: إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ".
فلابن الفخر موافقة مع النسائي في شيخ شيخ شيخه عبيد الله بن عمر، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي وللحسيني.
وأخرجه الإمام مسلم، حديث (2085)من طرق إلى عبيد الله بن عمر به، ومن الرواة عن عبيد الله: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن نمير، وأبو أسامة.
__________
(1) الصواب عبيد الله بن عمر.
(2) الصواب بشر بن المفضل.(1/207)
فلابن الفخر موافقة مع مسلم في عبيد الله بن عمر شيبخ شيخ شيوخ مسلم، وهذه الموافقة حاصلة للذهبي والحسيني.
ولهذا الحديث شواهد ومتابعات كثيرة في مصادر السنة.
60- الحافظ الذهبي(1) ت (748) ط (22)
ترجم له الحسيني في تذيليه (ص34-38) فقال:
" الشيخ الإمام العلامة شيخ المحدثين قدوة الحفاظ والقراء، محدث الشام، ومؤرخه، ومفيده شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الفارقي الأصل، الدمشقي، الشافعي، المعروف بالذهبي مصنف الأصل.
__________
(1) - اعتبره الحسيني من ط (23) والسيوطي من ط (21).(1/208)
ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة بدمشق، وسمع الحديث في سنة اثنتين وتسعين، وهلم جرا، وسمع بدمشق من أبي حفص عمر بن القواس، وأبي الفضل بن عساكر، وخلق، وبمصر الإبرقوهي، وبالقاهرة الدمياطي، وبالثغر الغرافي، وببعلبك التاج عبد الخالق، وبحلب سنقر الزيني، وبنابلس العماد بن بدران، وبمكة التوزري، وأجاز له خلق من أصحاب ابن طبرزد، والكندي، وحنبل وابن الحرستاني، وغيرهم من شيوخه في معجمه الكبير أزيد من ألف ومأتي نفس بالسماع والإجازة، وخرج لجماعة من شيوخه، وجرح وعدل، وفرع وصحح وعلل، واستدرك وأفاد، وانتقى واختصر كثيرا من تآليف المتقدمين والمتأخرين، وكتب علما كثيرا، وصنف الكتب المفيدة فمن أطولها تاريخ الإسلام ومن أحسنها ميزان الاعتدال في نقد الرجال، وفي كثير من تراجمه اختصار يحتاج إلى تحرير، ومصنفاته ومختصراته وتخريجاته تقارب المائة، وقد سار بجملة منها الركبان في أقطار البلدان، وكان أحد الأذكياء المعدودين والحفاظ المبرزين، ولي مشيخة الظاهرية قديما، ومشيخة النفيسية، والفاضلية، والتنكزية، وأم الملك الصالح، ولم يزل يكتب، وينتقي، ويصنف حتى أضر في سنة إحدى وأربعين، ومات في ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بدمشق، ودفن بمقبرة الباب الصغير -رحمه الله تعالى-، وكان قد جمع القراآت السبع على الشيخ أبي عبد الله بن جبريل المصري نزيل دمشق، فقرأ عليه ختمة جامعة لمذاهب القراء السبعة، بما اشتمل عليه كتاب التيسير لأبي عمرو الداني، وكتاب حرز الأماني لأبي القاسم الشاطبي، وحمل عنه الكتاب والسنة خلائق والله تعالى يغفر له.(1/209)
أخبرنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي سماعا عليه سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، قال: أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي سماعا عليه بمصر سنة خمس وتسعين وستمائة، قال: أخبرنا أبو القاسم المبارك ابن أبي الحسن بن أبي القاسم بن أبي الجود، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي غالب الوراق، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأنماطي، قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن رجلا زار أخا له في قرية فأرصد الله عز وجل بمدرجته ملكا، فلما أتى عليه، قال أين تريد؟ قال أردت أخا لي في قرية كذا وكذا، قال: هل له عليك من نعمة تبر بها، قال: لا إلا أني أحبه في الله تعالى، قال: إني رسول الله إليك، أن الله قد أحبك كما أحببته فيه " .
رواه مسلم عن عبد الأعلى، فوافقناه بعلو ولله الحمد.
وأنشدنا سيدنا الإمام العالم العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب ابن شيخنا العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي، قال: أنشدنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ لنفسه:
تولى شبابي كأن لم يكن وأقبل شيب علينا تولى
ومن عاين المنحنى والنقى فما بعد هذين إلا المصلى(1/210)
وفي سنة ثمان وأربعين مات بدمشق: قاضي القضاة وشيخ الشيوخ شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضي معين الدين أبي بكر بن الحسام الأفرم بن عبد الوهاب الهمدانى، عن بضع وثمانين سنة، ودفن بميدان الحصى، وقاضي القضاة العلامة عماد الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسي الحنفي، في ذي الحجة بالمزة عن سن عالية حدث عن الفخر وغيره، وفي رمضان قتل المولى السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون بمصر، ونائب دمشق سيف الدين يلبغا اليحياوي ببلد القابون، والأمير حسام الدين طرنطاي المهمندار الناصري، أحد أمراء الألوف بدمشق، حدث عن عيسى المطعم وغيره، والمعمر عبد الرحمن بن الفقيه أحمد بن محمد بن محمود المرداوي بقاسيون، حدث عن ابن عبد الدائم وابن جوشتكين وابنة كندي وطائفة، والتقي أحمد بن الصلاح محمد بن أحمد بن بدر ابن سبع البعلي، حدث عن الفخر، والأمير نجم الدين داود بن أبي بكر بن محمد البعلي، ثم الدمشقي، عرف بابن الغرس، حدث عن التاج عبد الخالق وغيره، والمعمر الزاهد عز الدين محمد بن العز إبراهيم ابن عبد الله بن أبي عمر خطيب جامع قاسيون، عن خمس وثمانين سنة، حدث عن ابن عبد الدائم، وطائفة، حدث عن البرزالي والذهبي والسبكي، وفرج بن علي بن صالح الحسيني، حدث عن الفخر وغيره، والصاحب تقي الدين بن هلال ناظر الدواوين بالشام شابا ".
أقول:
أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده ( 2/292 )، قال:
حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" خرج رجل يزور أخا له في الله عز وجل في قرية أخرى، فأرصد الله عزوجل في مدرجته ملكا، فلما مر به، قال: أين تريد؟ قال: أريد فلانا، قال: لقرابة؟ قال: لا، قال: فلنعمة له عندك تربها؟ قال: لا، قال: فلم تأتيه، قال: إني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أنه يحبك بحبك إياه فيه".(1/211)
وأخرجه الإمام أحمد -أيضاً- في مسنده ( 2/408 )، قال: ثنا عفان، ثنا حماد، ثنا ثابت به.
ففي هذا الإسناد علو للذهبي حيث وصل إلى أبي طاهر المخلص بخمسة من الرواة، وهذا العلو حاصل للحسيني، وفيه موافقة للذهبي مع الإمام أحمد في شيخ شيخيه حماد بن سلمة.
ورواه مسلم في صحيحه، كتاب البر، حديث ( 2567)، قال:
حدثني عبد الأعلى بن حماد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت... به.
وفيه موافقة للذهبي مع الإمام مسلم، حيث اجتمع معه في شيخه عبد الأعلى بن حماد النرسي، وهذه الموافقة حاصلة للحسيني.
وأخرجه الإمام البخاري، في الأدب المفرد، (ص128)، قال:
حدثنا سليمان بن حرب وموسى بن إسماعيل، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت بنحوه.
ففيه موافقة للذهبي مع الإمام البخاري في شيخ شيخه حماد بن سلمة، وهذه الموافقة حاصلة للحسيني.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه، الإحسان(2/231)، حديث( 572 )، قال:
أخبرنا الهيثم بن خلف الدوري ببغداد، قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد، قال: حدثنا حماد ابن سلمة... به.
ففيه موافقة للذهبي مع الإمام ابن حبان في شيخ شيخه عبد الأعلى بن حماد.
وهي حاصلة للحسيني، وهذه الموافقات تسمى بدلا.
61- الحافظ ابن القيم ت(751) ط(22)
" وفي ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقت أذان العشاء توفي صاحبنا الشيخ الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، إمام الجوزية، وابن قيمها، وصليّ عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامع الاموي، ودفن عند والدته بمقابر الباب الصغير -رحمه الله-.(1/212)
ولد في سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع الحديث واشتغل بالعلم، وبرع في علوم متعددة، لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمة إلى أن مات الشيخ فأخذ عنه علما جما، مع ما سلف له من الاشتغال، فصار فريدا في بابه في فنون كثيرة، مع كثرة الطلب ليلا ونهارا، وكثرة الابتهال. وكان حسن القراءة والخلق، كثير التودد لا يحسد أحدا ولايؤذيه، ولا يستعيبه ولا يحقد على أحد، وكنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه، ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه، وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جدا ويمد ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان، فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك -رحمه الله-، وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير، وكتب بخطه الحسن شيئا كثيرا، واقتنى من الكتب مالا يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف، وبالجملة كان قليل النضير في مجموعة وأموره وأحواله، والغالب عليه الخير والأخلاق الصالحة، سامحه الله ورحمه، وقد كان متصديا للإفتاء بمسألة الطلاق التي اختارها الشيخ تقي الدين بن تيمية، وجرت بسببها فصول يطول بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وغيره، وقد كانت جنازته حافلة -رحمه الله-، شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة، وتزاحم الناس على حمل نعشه، وكمل له من العمر ستون سنة -رحمه الله-" البداية والنهاية لابن كثير (14/246-247) .
شيوخه:
لم يذكر ابن كثير شيوخه ولا مؤلفاته، فمن شيوخه: شيخ الإسلام ابن تيمية ، والتقي سليمان، وأبو بكر بن عبد الدائم، والمطعم، وابن الشيرازي، وإسماعيل بن مكتوم، والمجد الحراني، والصفي الهندي، وأبوه أبو بكر.
قال الحافظ ابن حجر: كان جريء الجنان، واسع العلم، عارفاً بالخلاف ومذاهب السلف.
مؤلفاته، منها:
1- الهدي.
2- إعلام الموقعين.
3- بدائع الفوائد.
4- طرق السعادتين.(1/213)
5- شرح منازل السائرين.
6- القضاء والقدر.
7- جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام.
8- مصائد الشيطان.
9- مفتاح دار السعادة.
10- حادي الأرواح.
11- رفع اليدين.
12- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وتصانيف أخرى.
انظر الدرر الكامنة (4/21-22).
من هنا سأكتفى بنقل تراجم الحفاظ من طبقات الحفاظ للحافظ عبد الرحمن السيوطي.
62- ابن عبد الهادي ت (744) ط (22) أو (21) بترتيب السيوطي
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ، ص (520-521)، فقال:
" الإمام الأوحد المحدث، الحافظ الحاذق الفقيه البارع، المقرئ النحوي اللغوي، ذو الفنون شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، أحد الأذكياء ولد في رجب سنة خمس وسبعمائة، وسمع من ابن عبد الدائم، والطبقة، وتفقه بابن مسلم، وتردد إلى ابن تيمية، ومهر في الفقه، والأصول، والعربية.
قال الصفدي: لو عاش لكان آية، كنت إذا لقيته سألته عن مسائل أدبية وفوائد عربية، فينحدر كالسيل، وكنت أراه يواقف المزي في أسماء الرجال، ويرد عليه، فيقبل منه.
وقال ابن كثير: كان حافظا علامة، ناقدا، حصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ ولا الكبار، وبرع في الفنون، وكان جبلا في العلل والطرق والرجال، حسن الفهم جدا، صحيح الذهن.
قال المزي: ما لقيته إلا واستفدت منه، وكذا قال الذهبي أيضا.
درس بالصدرية، والضيائية، وصنف شرحا على التسهيل، والأحكام في الفقه، والرد على السبكي في مسألة الزيارة سماه "الصارم المنكي"، والمحرر في اختصار الإلمام، والكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب، والعلل على ترتيب كتب الفقه، والتفسير المسند لم يتمه، واختصر التعليق لابن الجوزي، وزاد عليه.
ومات في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وسبعمائة ".
63- العلائي ت (761) ط (22) بترتيب السيوطي
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ ( ص528-529) فقال:(1/214)
" الشيخ الإمام العلامة الحافظ الفقيه ذو الفنون صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي الشافعي، عالم بيت المقدس.
ولد في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وستمائة، وسمع التقي سليمان وطبقته، ولازم البرهان الفزاري والكمال الزملكاني وتخرج به، وبرع في الفنون، وكان إماماً، محدثاً، حافظاً، متقناً، جليلاً، فقيهاً، أصولياً، نحوياً.
قال الذهبي في المختص: حافظ يستحضر الرجال، والعلل، وتقدم في هذا الشأن مع صحة الذهن وسرعة الفهم.
وقال الحسيني: كان إماما في الفقه، والأصول، والنحو، مفننا(1) في علوم الحديث وفنونه، علامة فيه عارفا بالرجال، علامة في المتون والأسانيد، ولم يخلف بعده مثله.
وقال الأسنوي: كان حافظ زمانه، إماما في الفقه وغيره، ذكيا، نظارا، سئل السبكي من تخلف بعدك، فقال: العلائي.
ألف في الحديث وغيره مصنفات، منها الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والأربعين في أعمال المتقين، والقواعد المشهورة، وعلوم آيات الفرائض، وأشياء كثيرة محررة متقنة نافعة.
وخرج ودرس بأماكن، منها: الناصرية، والأسدية، والصلاحية بالقدس، والتنكرية، وغير ذلك.
أخذ عنه العراقي، وقال: مات حافظ المشرق والمغرب صلاح الدين العلائي في ثالث المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة ".
64- ابن كثير ت (774) ط (22)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ (ص529-530)، فقال:
" الإمام المحدث الحافظ ذو الفضائل عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء ابن كثير القيسي البصروي.
ولد سنة سبعمائة، وسمع الحجار والطبقة، وأجاز له الواني، والختني، وتخرج بالمزي، ولازمه وبرع.
__________
(1) -كذا لعله متقناً.(1/215)
له التفسير الذي لم يؤلف على نمطه مثله، والتاريخ، وتخريج أدلة التنبيه، وتخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب، وشرع في كتاب كبير في الأحكام لم يتمه، ورتب مسند أحمد على الحروف، وضم إليه زوائد الطبراني، وأبي يعلى، وله مسند الشيخين، وعلوم الحديث، وطبقات الشافعية، وغير ذلك.
مات في شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة.
وقال الذهبي في المختص الإمام المفتي، المحدث البارع، ثقة متفنن محدث متقن.
وقال ابن حجر: كان كثير الاستحضار، وسارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع به الناس بعد وفاته، ولم يكن على طريق المحدثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النازل ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من محدثي الفقهاء.
قلت: العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث وسقيمه، وعلله، واختلاف طرقه ورجاله جرحا وتعديلا، وأما العالي والنازل ونحو ذلك، فهو من الفضلات(1) لا من الأصول المهمة ".
65- الزيلعي ت (762) ط (22)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ ( ص531)، فقال:
" الإمام الفاضل المحدث المفيد جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الحنفي اشتغل كثيرا، وسمع أصحاب النجيب، وأخذ عن الفخر الزيلعي شارح الكنز، والقاضي علاء الدين ابن التركماني، وابن عقيل وغير واحد، ولازم مطالعة كتب الحديث إلى أن خرج أحاديث الهداية، وأحاديث الكشاف، واستوعب ذلك استيعابا بالغا.
__________
(1) كلا، بل هذه الأمور من الفضائل والكمالات والمميزات، ومن حين تساهل الناس في هذه الأمور أدى ذلك بكثير من الناس إلى الجهل بالحديث وعلومه، ألم يقرر العلماء أن الرحلة في طلب العلو من سنة السلف ؟ وكم وكم من ألوف المحدثين كانوا يرحلون في طلب الحديث، ومن أعظم أهدافهم طلب العلو في الحديث فهو من مطالب المحدثين لا من الفضلات – سامح الله السيوطي -.(1/216)
قال شيخ الإسلام ابن حجر: ذكر لي شيخنا العراقي؛ أنه كان يرافقه في مطالعة الكتب الحديثية؛ لتخريج الكتب التي كانا قد اعتنيا بتخريجها، فالعراقي لتخريج أحاديث الإحياء والأحاديث التي يشير إليها الترمذي في الأبواب، والزيلعي لتخريج الكتابين المذكورين، فكان كل منهما يعين الآخر.
مات الزيلعي في محرم سنة اثنتين وسبعمائة(1).
ومحله في الطبقة الآتية إلا أنه تقدمت وفاته فقدمته ".
66- الحافظ الحسيني ت (765) ط (22)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ(ص533)، فقال:
الحافظ شمس الدين أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن محمد الدمشقي الشريف الحسيني .
ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، وسمع من ابن عبد الدايم والمزي وخلائق، وطلب بنفسه فأكثر ورحل، وخرج لنفسه معجما، وجمع رجال المسند، وألف التذكرة في رجال العشرة الكتب الستة والموطأ والمسند ومسند الشافعي وأبي حنيفة، وذيل على العبر وعلى طبقات الحفاظ للذهبي ورتب الأطراف على الألفاظ، وله تعليق على الميزان، وشرع في شرح سنن النسائي وغير ذلك مات كهلا في شعبان سنة خمس وستين وسبعمائة.
سئل الحافظ أبو الفضل العراقي عن أربعة تعاصروا أيهم أحفظ: مغلطاي وابن كثير وابن رافع والحسيني، فأجاب ومن خطه نقلت: إن أوسعهم اطلاعا وأعلمهم بالأنساب مغلطاي على أغلاط تقع منه في تصانيفه ولعله من سوء الفهم، وأحفظهم للمتون والتواريخ ابن كثير، وأقعدهم لطلب الحديث وأعلمهم بالمؤتلف والمختلف ابن رافع، وأعرفهم بالشيوخ المعاصرين وبالتخريج الحسيني وهو أدونهم في الحفظ، انتهى.
67- ابن رافع السلامي ت (774) ط (22)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ، (ص 534)، فقال:
__________
(1) قول السيوطي مات الزيلعي في محرم سنة اثنتين وسبعمائة فيه نظر والصوب أنه مات سنة اثنتين وستين وسبعمائة،
انظر الذيل لابن فهد (ص130) والذيل للسيوطي نفسه (ص 367) ولعل هذا الخطأ من الطابع أو الناسخين.(1/217)
" الحافظ المحدث المشهور تقي الدين أبو المعالي محمد بن رافع بن هجرس بن محمد بن شافع ابن محمد السلامي.
ولد في ذي القعدة سنة أربع وسبعمائة، وسمع من التقي سليمان وغيره، أجاز له الدمياطي وغيره، وحبب إليه هذا الشأن، فأكثر جدا عن شيوخ مصر والشام، وجمع معجمه في أربع مجلدات وهو في غاية الضبط والإتقان مشحون بالفوائد، وله ذيل على تاريخ بغداد لابن النجار.
مات في ثامن عشر جمادى الأولى سنة أربع وسبعين وسبعمائة ".
68- الحافظ ابن رجب ت (795) ط (23)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ، ص (536)، فقال:
" هو الإمام الحافظ المحدث الفقيه الواعظ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن ابن محمد بن مسعود السلامي البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي.
ولد في بغداد في ربيع الأول سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وسمع من أبي الفتح الميدومي، وعدة وأكثر الاشتغال حتى مهر.
وصنف شرح الترمذي، وشرح علل الترمذي، وشرح قطعة من البخاري، وطبقات الحنابلة(1)1)
مات في رجب سنة خمس وتسعين وسبعمائة ".
69- ابن مسلم القرشي ت (792) ط (23)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ، (ص 537 )، فقال:
" عمر بن مسلم -بتشديد اللام- بن سعيد بن عمر بن بدر الدمشقي الشيخ زين الدين القرشي كان بارعا في التفسير، يحفظ المتون، ويعرف أسماء الرجال، ويشارك في العربية، كثير الإقبال على الاشتغال والمطالعة لا يمل، مشهورا بقوة الحفظ وعدم النسيان والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكانت له سمعة وصيت، ولد في شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وتفقه وتعانى عمل المواعيد وتصدر للتدريس والإفتاء، مات في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة - رحمه الله تعالى - ".
70 - الحافظ سراج الدين البلقيني ت ( 805 ) ط (23)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ، ص (538)، فقال:
__________
(1) وجامع العلوم والحكم، وشرح الأربعين النووية، وأهوال القبور وغيرها.(1/218)
" هو الإمام العلامة شيخ الإسلام الحافظ الفقيه ذو الفنون، المجتهد سراج الدين أبو حفص عمر ابن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق بن محمد بن مسافر الكناني الشافعي.
ولد في ثاني شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وسمع من ابن القمحاح، وابن عبد الهادي وابن شاهد الجيش، وآخرين، وأجاز له المزي، والذهبي، وخلق لا يحصون، وأخذ الفقه عن ابن عدلان والتقي السبكي، والنحو عن أبي حيان، وانتهت إليه رياسة المذهب والإفتاء، وولي قضاء الشام سنة تسع وستين عوضا عن تاج الدين السبكي، فباشره دون السنة، وولي تدريس الخشابية، والتفسير بجامع ابن طولون، والظاهرية وغير ذلك.
وألف في علم الحديث محاسن الإصلاح وتضمين ابن الصلاح، وله شرح على البخاري، والترمذي، وأشياء أخر، مات في عاشر ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة ".
71- أبوالفضل زين الدين العراقي ت (806) ط (23)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ ص (538-540)، فقال:(1/219)
" الحافظ الإمام الكبير الشهير أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن ابن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، حافظ العصر، ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة بمنشأة المهراني بين مصر والقاهرة، وكان أصل أبيه من بلدة يقال لها رازيان من عمل أربل، وقدم القاهرة وهو صغير، فنشأ في خدمة الصالحين، ومن جملتهم الشيخ تقي الدين القنائي، ويقال إنه بشره بالشيخ(1) وقال سمه عبد الرحيم يعني باسم جده الأعلى الشيخ عبد الرحيم القنائي، أحد المعتقدين بصعيد مصر(2) فكان كذلك، وأول ما أسمع الحديث على سنجر الجاولي، والتقي الأخنائي، ثم أسمع على ابن شاهد الجيش وابن عبد الهادي والتقي السبكي، واشتغل بالعلوم، وأحب الحديث، فأكثر من السماع وتقدم في فن الحديث، بحيث كان شيوخ عصره يبالغون في الثناء عليه بالمعرفة، كالسبكي، والعلائي والعز ابن جماعة، والعماد بن كثير، وغيرهم، ونقل عنه الشيخ جمال الدين الإسنوي في المهمات ووصفه بحافظ العصر، وكذلك وصفه في الطبقات، في ترجمة ابن سيد الناس، فقال:
وشرح - يعني ابن سيد الناس - قطعة من الترمذي نحو مجلدين، وشرع في إكماله حافظ الوقت زين الدين العراقي إكمالا مناسبا لأصله، انتهى.
وله من المؤلفات في الفن "الألفية" التي اشتهرت في الآفاق وشرحها، ونكت ابن الصلاح، والمراسيل ونظم الاقتراح، وتخريج أحاديث الإحياء في خمس مجلدات، ومختصره سماه المغني في مجلدة، وبيض من تكملة شرح الترمذي كثيرا وكان أكمله في مسودة أوكاد، ونظم منهاج البيضاوي في الأصول ونظم غريب القرآن، ونظم السيرة النبوية في ألف بيت، وولي قضاء المدينة الشريفة.
__________
(1) - إن كانت هذه البشرى عن رؤيا في النوم فتحتمل، وإن كانت هذه البشرى عن طريق المكاشفات الصوفية فهي من دعاواهم وأباطيلهم لأنه لا يعلم الغيب إلا الله (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت).
(2) - أي عن طريق الجهال فيمن تدعى له الولاية.(1/220)
قال الحافظ ابن حجر: وشرع في إملاء الحديث من سنة ست وتسعين، فأحيا الله به سنة الإملاء بعد أن كانت دائرة فأملى أكثر من أربعمائة مجلس، قال الحافظ: وكانت أماليه يمليها من حفظه متقنة مهذبة محررة كثيرة الفوائد الحديثية، قال: وكان الشيخ منور الشيبة، جميل الصورة، كثير الوقار، نزر الكلام، طارحا للتكلف، لطيف المزاح، سليم الصدر، كثير الحياء، قل أن يواجه أحدا بما يكرهه ولو أذاه، متواضعا،حسن النادرة والفكاهة، وكان لا يترك قيام الليل بل صار له كالمألوف، وكان كثير التلاوة إذا ركب، وكان عيشه ضيقا.
قال رفيقه الشيخ نور الدين الهيثمي: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم وعيسى-عليه السلام- عن يمينه والشيخ زين الدين العراقي عن يساره.
مات في ثامن شعبان سنة ست وثمانمائة ".
72- الحافظ نورالدين الهيثمي ت (807) ط (23)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ (ص541)، فقال:
" الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن عمر بن صالح رفيق الحافظ أبي الفضل العراقي، ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، ورافق العراقي في السماع، فسمع جميع ما سمعه، وكان ملازما له، مبالغا في خدمته، وكان يحفظ كثيرا من متون الأحاديث، فكان إذا سئل العراقي عن حديث بادر إلى إيراده فيظن من لا خبرة له أنه أحفظ منه، وليس كذلك وإنما الحفظ المعرفة، وكان العراقي يحبه كثيرا، ويرشده إلى التصنيف، ويؤلف له الخطب للكتب، جمع زوائد مسند أحمد على الكتب الستة، ثم مسند البزار، ثم أبي يعلى، ثم معجم الطبراني الكبير، ثم الأوسط، والصغير، ثم جمع هذه الستة في كتاب محذوفة الأسانيد، وتكلم على كل حديث عقبه، وله زوائد الحلية، وزوائد صحيح ابن حبان على الصحيحين، وغير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: كان خيرا ساكنا صينا، سليم الفطرة، شديد الإنكار للمنكر، لا يترك قيام الليل.
مات في تاسع عشري رمضان سنة سبع وثمانمائة.
الطبقة الرابعة والعشرون.(1/221)
73 - ولي الدين العراقي ت ( 826 ) ط ( 24)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ(ص 543)، فقال:
" هو الحافظ الإمام الفقيه الأصولي المفنن، أبو زرعة أحمد بن الحافظ الكبير أبي الفضل عبد الرحيم ابن الحسين، ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، واعتنى به والده فأسمعه الكثير من أصحاب الفخر، وغيرهم، واستملى على أبيه، ولازم البلقيني في الفقه وغيره وتخرج به، وأخذ عن البرهان الابناسي، وابن الملقن، والضياء القزويني وغيرهم، وبرع في الفنون، وكان إماما محدثا حافظا، فقيها محققا، أصوليا، صالحا، صنف التصانيف الكثيرة الشهيرة النافعة، كشرح سنن أبي داود ولم يتم، وشرح " البهجة " في الفقه، و " مختصر المهمات " و "النكت على الحاوي" و "التنبيه"، و "المنهاج"، وشرح جمع الجوامع في الأصول، وشرح نظم البيضاوي لوالده، وشرح نظم " الاقتراح" لأبيه، والنكت على منهاج البيضاوي، وشرح تقريب الأسانيد لوالده، وحاشية على الكشاف، ونكت الأطراف، والمهمات، وأشياء في الحديث، وأملى أكثر من ستمائة مجلس، وولي قضاء الديار المصرية بعد الجلال البلقيني.
مات في سابع عشري شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة ".
74 - تقي الدين الفاسي ت (826) ط (24)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ (ص 544 _ 545)، فقال:
" الحافظ تقي الدين محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن المكي الشريف أبو الطيب، ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة، وأجاز له أبو بكر بن المحب، وإبراهيم بن السلار، ورحل، وبرع، وخرج، وأذن له الحافظ زين الدين بإقراء الحديث، ودرس، وأفتى، وصنف كتبا منها: تاريخ مكة، وولي قضاء المالكية بها.
ومات في ثاني شوال سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة، قال ابن حجر: ولم يخلف بالحجاز بعده مثله ".
75- ابن ناصر الدين ت (842) ط (24)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ (ص545)، فقال:
" الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد الدمشقي.(1/222)
ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وطلب الحديث، وجود الخط على طريقة الذهبي بحيث صار يحاكي خطه غالبا، وصنف تصانيف حسنة، وتخرج به صاحبنا نجم الدين عمر بن فهد، وصار محدث البلاد الدمشقية.
مات في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة ".
76 - البرهان الحلبي ت (841) ط (24)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ، ص (545- 546)، فقال:
" الحافظ أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي الأصل الشافعي، سبط ابن العجمي، ويعرف بابن القوف، ولد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
وسمع جماعة من أصحاب الفخر، وغيرهم، وتخرج في الفن بالحافظ أبي الفضل العراقي، وصار شيخ البلاد الحلبية بلا مدافع، وخرج له صاحبنا الحافظ أبو القاسم عمر بن فهد معجما، وله تصانيف، منها شرح البخاري، وشرح الشفاء.
مات سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ".
77- الحافظ ابن حجر العسقلاني ت (852) ط (24)
ترجم له السيوطي في طبقات الحفاظ(ص547-548)، فقال:
" شيخ الإسلام وإمام الحفاظ في زمانه، وحافظ الديار المصرية، بل حافظ الدنيا مطلقا، قاضي القضاة شهاب الدين، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود ابن أحمد الكناني العسقلاني، ثم المصري الشافعي.
ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وعانى أولا الأدب والشعر، فبلغ فيه الغاية،ثم طلب الحديث من سنة أربع وتسعين وسبعمائة، فسمع الكثير، ورحل ولازم شيخه الحافظ أبا الفضل العراقي، وبرع في الحديث، وتقدم في جميع فنونه، حكى أنه شرب ماء زمزم ليصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ، فبلغها وزاد عليها، ولما حضرت العراقي الوفاة قيل له من تخلف بعدك؟ قال: ابن حجر، ثم ابني أبو زرعة، ثم الهيثمي.(1/223)
وصنف التصانيف التي عم النفع بها، كشرح البخاري الذي لم يصنف أحد في الأولين ولا في الآخرين مثله، وتغليق التعليق والتشويق إلى وصل التعليق، والتوفيق فيه أيضا، وتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب، ولسان الميزان، والإصابة في الصحابة، ونكت ابن الصلاح، وأسباب النزول، وتعجيل المنفعة برجال الأربعة، والمدرج، والمقترب في المضطرب، وأشياء كثيرة جدا تزيد على المائة وأملى أكثر من ألف مجلس، وولي القضاء بالديار المصرية، والتدريس بعدة أماكن، وخرج أحاديث الرافعي، والهداية، والكشاف، والفردوس، وعمل أطراف الكتب العشرة، والمسند الحنبلي، وزوائد المسانيد الثمانية، وله تعاليق، وتخاريج، ما الحفاظ والمحدثون لها إلا محاويج.
توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، ولي منه إجازة عامة، ولا أستبعد أن يكون لي منه إجازة خاصة، فإن والدي كان يتردد إليه، وينوب في الحكم عنه، وإن يكن فاتني حضور مجالسه والفوز بسماع كلامه، والأخذ عنه، فقد انتفعت في الفن بتصانيفه، واستفدت منه الكثير، وقد غلق بعده الباب، وختم به هذا الشأن.
وأخبرني الشهاب المنصوري أنه شهد جنازته، فلما وصل إلى المصلى أمطرت السماء على نعشه، فأنشد في ذلك الوقت:
قد بكت السحب على قاضي القضاة بالمطر
وانهدم الركن الذي كان مشيدا من حجر
وهذا آخر ما وجدته من خط المؤلف تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته وغفر له ولوالديه، ومشايخه وجميع المسلمين، آمين والحمد لله رب العالمين.
تكملة هذا البحث بذكر بعض من وصف بالحفظ من القرن التاسع إلى القرن الخامس عشر الهجري أو من له عناية بالحديث علما وعملاً ودعوة.
قال الشيخ عبد الحي الكتاني ردًا على إبراهيم الباجوري الذي قال كلاماً معناه لا يوجد الحافظ في زماننا:(1/224)
" وهو عجيب لأن الحافظ ما دام كما وصفه به الحافظ ابن الجزري من روى ما يصل إليه ووعى ما يحتاج إليه اهـ؛ وكما وصفه به الخفاجي من أنه من أكثر من رواية الحديث وأتقنها، فغير منقطع(1).
ولم يختم بالسيوطي والسخاوي، فمن طالع وتوسع في تتبع تراجم الشاميين والمصريين، واليمنيين، والهنديين، والمغاربة من القرن التاسع إلى الآن لم يجد الزمان خلا عمن يتصف بأقل ما يشترط فيمن يطلق عليه اسم الحافظ في الأعصر الأخيرة.
وغاية ما يشترط فيه عندي الآن أن يكون على الأقل قد اشتهر بالتعاطي، والإتقان لهذه الصناعة فأخذ فيها، وأخذ عنه، وأذعن من يعتبر إذعانه لقوله فيها، بعد تجريبه عليه الصدق والتحري فيما ينقل أو يقول، وبعد الغور، وتم له سماع مثل الكتب الستة والمسانيد الأربعة على أهل الفن المعتبرين، وعرف الاصطلاح معرفة جيدة، ودرس كتاب ابن الصلاح وحواشيه وشروح الألفية، وحواشيها، وترقى إلى تدوين معتبر في السنة وعلومها، أو عرف فيه بالإجادة قلمه، والاطلاع والتوسعة مذهبه، والاختيار والترجيح في ميادين الاختلاف نظره، مع اتساع في الرواية بحيث أخذ عن شيوخ إقليمه ما عندهم ثم شره إلى الرواية عمن هم في الأقاليم الأخر بعد الرحلة إليهم، وعرف العالي والنازل والطبقات والخطوط والوفيات، وحصل الأصول العتيقة والمسانيد المعتبرة، والأجزاء، والمشيخات المفرقة، وجمع من أدوات الفن ومتعلقاته أكثر ما يمكن أن يحصل عليه، مع ضبطه وصونه لها واستحضاره لأغلب ما فيها، وما لا يستحضره عرف المظان له منها على الأقل، ويشب ويشيخ، وهو على هذه الحالة من التعاطي والإدمان والانقطاع له ؛ فمن حصل ما ذكر أو تحقق وصفه ونعته به جاز أن يوصف بالحفظ عندي بحسب زمانه ومكانه.
__________
(1) يعني الوصف بالحافظ. ...(1/225)
فلذلك أردت أن أرشدك إلى من وقفت على وصفه من الأئمة المعتبرين بالحفظ والإتقان وأنه من كبار محدثي الزمان، ووجد مع الحافظ ابن حجر وبعده إلى الآن، لتعلم أن فضل الله لا ينحصر بزمان أو مكان أو جهة من الجهات، فهو سبحانه يعطي بلا امتنان ولا تحجير عليه من أهل الزمان:
فمن أهل القرن التاسع:
1- سليمان بن إبراهيم العلوي اليمني ت(825هـ)، انظر البدر الطالع (1/265).
2- محمد بن إبراهيم الوزير اليمني ت(840هـ)، انظر البدر الطالع (2/81).
3- محمد بن أحمد بن فهد الفاسي المكي ت(826هـ)، انظر البدر الطالع (2/114).
4- قاسم بن قطلوبغا المصري الحنفي ت(879هـ)، انظر البدر الطالع (2/47).
5- أحمد بن عثمان بن محمد الشهاب الكرماني الحنفي ت(835هـ)، انظر الضوء اللامع (1/287).
6- برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل سبط ابن العجمي ت(841هـ)، انظر البدر الطالع (1/28).
7- يحيى بن أبي بكر العامري الحرضي اليماني الشافعي ت(892هـ)، انظر البدر الطالع (2/327).
8- محمد بن عبد الجليل التنسي.
ومن أهل القرن العاشر:
1- محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري ت(902هـ)، انظر البدر الطالع (2/184).
2 – عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المصري ت(911هـ)، انظر البدر الطالع (1/328).
3- عثمان الديمي المصري، وصفه السخاوي بشيخ المحدثين ومفتي المسلمين، كان حياً في سنة (907).
4- الديمي الصغير المصري.
5- يوسف بن شاهين المصري.
6- النجم ابن فهد المكي.
7- العز ابن فهد.
8- البرهان القلقشندي.
9- القسطلاني المصري.
10- الداودي المصري.
11- أبو الفتح الإسكندري.
12- ابن الديبع اليمني.
13- محمد بن علي الشامي المصري.
14- ابن الشماع الحلبي.
15- يوسف بن عبد الهادي الصالحي الدمشقي.
16- ابن طولون الدمشقي.
17- سقين العاصمي الفاسي.
18- الغيطي المصري.
ومن أهل القرن الحادي عشر:(1/226)
1- المناوي المصري. 2- محمد حجازي الواعظ المصري. 3- أحمد المقري الفاسي.4-أحمد ابن يوسف الفاسي. 5- عبد الله بن علي بن طاهر السجلماسي. 6- النجم الغزي الدمشقي. 7 - البابلي المصري. 8- عيسى الثعالبي المكي. 9- محمد بن سليمان الروداني. 10- يحيى الشاوي الجزائري دفين مصر. 11- فرخ شاه الهندي.
ومن أهل القرن الثاني عشر:
1- الزرقاني المصري، شارح المواهب. 2- عبد الله بن سالم البصري المكي. 3- يوسف الهندي. 4- يحيى بن عمر مقبول الأهدل اليمني. 5- ابن الطيب الشركي. 6- محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني. 7- أبو العلاء العراقي. 8- الفاسي عبد القادر بن خليل المدني. 9- محمد البخاري النابلسي. 10- ابن سنة الفلاني السوداني.
ومن أهل القرن الثالث عشر:
1- أبو الفيض مرتضى الزبيدي المصري. 2- الجلال السباعي،دفين مصر. 3- صالح الفلاني المدني. 4- ابن عبد السلام الناصري الدرعي. 5- أوراس المعسكري الجزائري. 6- محمد بن علي الشوكاني اليمني. 7- عابد السندي. 8- الشيخ السنوسي دفين جغبوب.
وقد ترجمت هنا جميع هؤلاء ترجمة واسعة مناسبة، فانظر كلاً في حرف اسمه أو نسبته أو حرف أول اسم فهرسته إن كان لها اسم تعرف به"(1).
أقول:
ونذكر هنا الإمام شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وابنه الشيخ عبد الله وأحفاده، الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ سليمان بن عبد الله بن الإمام محمد، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ حمد بن علي بن عتيق وغيرهم، ممن لهم عناية بالحديث وتجديد للإسلام، وجهاد عظيم في نصرة الإسلام، وإعلائه، وإعلاء كلمة التوحيد، ومنهج السلف الصالح، ونشر العمل بالسنة والدعوة القوية إلى ذلك، وإحياء علوم السنة، ومحاربة الشرك والبدع والفساد في الأرض، مما كان له أعمق الآثار وأبعدها في حياة المسلمين.
__________
(1) فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسَلسَلات (1/77-79).(1/227)
وجرى مجرى هؤلاء علماء في الشرق والغرب، مثل العلامة نذير حسين، وصديق حسن خان ومحمد بشير السهسواني،والعظيم آبادي محمد شمس الحق، وعبد الرحمن المباركفوري، وثناء الله الأمرسترى، والشيخ عبيد الله المباركفوري، هؤلاء من القارة الهندية.
وجرى مجراهم في نصرة السنة وإعلانها والذب عنها ونشر علومها، الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد الله القرعاوي، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ حافظ الحكمي، والشيخ عبد العزيز ابن باز، والشيخ عبد الرحمن المعلمي، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ محمد بن عبد الله الصومالي، والشيخ حمود التويجري، وهؤلاء من بلاد الحرمين.
والشيخ محمد ناصر الدين الألباني وبهجت البيطار من الشام.
والشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، والشيخ محمد حامد الفقي والشيخ أبو السمح، وهؤلاء من أهل مصر، والشيخ محمد الجاندلوي، والشيخ محمد إسماعيل السلفي، والشيخ بديع الدين السندي، وهم من باكستان، والشيخ مقبل بن هادي الوادعي في اليمن.
وللكل أو المعظم اهتمام بالأسانيد، والأثبات والإجازات، و نقد وتحذير وجرح لأهل البدع وجهاد عظيم في إعلاء السنة، ومن آثارهم: إنشاء المعاهد، والكيات، والمدارس، والجامعات، في الجزيرة، وفي الهند، وباكستان، وبنجلاديش، وذلك من تحقيق وعد الله بحفظ هذا الدين.
ثم بدا لي أن أترجم لهؤلاء الذين ذكروا بصورة مجملة تراجم مفصلة حسب ما يتيسر لي.
فمن أهل القرن العاشر:
78- السخاوي ت (902) ق (10)(1/228)
هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر السخاوي القاهري الشافعي، ولد في ربيع الأول سنة (831)، حفظ في صغره كثيراً من المختصرات، وأخذ العلم عن عدد من الشيوخ: الحافظ ابن حجر وابن خضر، والجمال هشام الحنبلي، وصالح البلقيني، والشرف المناوي، وابن خضر،وابن الهمام، ولازم الحافظ ابن حجر، وانتفع به وتخرج به في الحديث، وأقبل على هذا الشأن بكليته، وتدرب فيه، وسمع العالي والنازل، وأخذ عن مشايخ عصره بمصر، ونواحيها، حتى بلغوا أربعمائة شيخ، ثم حج وأخذ عن مشايخ مكة، والمدينة، ثم عاد إلى وطنه، وارتحل إلى الإسكندرية، والقدس، والخليل، ودمياط، ودمشق، وسائر جهات الشام، ومصر، وبرع في هذا الشأن، وفاق فيه الأقران، وحفظ من الحديث ما صار به متفرداً عن أهل عصره،... وأملى الحديث على ما كان عليه عادة أكابر مشايخه ومشايخهم، وانتفع به الناس.
وخرَّج لجماعة من شيوخه أحاديث، وجمع كتاباً في تراجم شيوخه في ثلاث مجلدات، والتذكرة في مجلدات، وتخريج الأربعين للنووي في مجلد لطيف، وتكملة تخريج ابن حجر للأذكار، وتخريج أحاديث العالين لأبي نعيم، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث، وبلوغ الأمل في تلخيص كتاب الدار قطني في العلل، ومؤلفات أخرى، منها: الضوء اللامع فضلَّه الشوكاني على كتاب شيخه الحافظ ابن حجر الدرر الكامنة في أهل المائة الثامنة، والقول المنبي في ذم ابن عربي، في مجلد.
قال ابن فهد في ترجمته: إنه انفرد بفنه، وطار اسمه في الآفاق، وكثرت مصنفاته فيه وفي غيره، وكثير منها طار شرقا وغربا وشاما ويمنا.
وأخذ عنه علماء الآفاق من المشايخ، والطلبة، والرفاق.
توفي سنة اثنتين وتسعمائة ، انظر البدر الطالع (2/184-187).
79 - عثمان بن محمد الديمي الأزهري ت ( 908)(1/229)
الشيخ الإمام، العلامة، المحدث المسند الحافظ شيخ السنة، أبو عمرو فخر الدين الديمي، الأزهري، المصري، الشافعي، مولده في سنة تسع عشرة - بتقديم التاء - وثمانمائة، وكان ممن شافه تلامذة ابن حجر - رحمه الله تعالى - ،قال السخاوي: قرأ عليه مسند الشهاب، وغالب النسائي انتهى.
وقرأت بخطه أنه قرأ جميع البخاري على الشيخ الإمام المسند المعمر الحبر برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم ابن الشيخ فتح الدين صدقة بن إبراهيم بن إسماعيل الحنبلي الصالحي، وجميع مسلم على الشيخ المسند المعمر شمس الدين أبي عبد الله محمد ابن الشيخ الإمام المحدث جمال الدين أبي محمد عبد الله ابن محمد ابن شيخ الإسلام أبي إسحاق برهان الدين إبراهيم الحبر الخطيب، الرشيدي.
وقال جلال الدين السيوطي: كان الشيخ عثمان الديمي يحفظ عشرين ألف حديث، وهو الذي عناه السيوطي أيضاً بقوله:
قل للسخاوي إن تعروك نائبة علمي كبحر من الأمواج ملتطم
والحافظ الديمي غيث السحاب فخذ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
وأخذ عنه جماعة كثيرة، منهم البرهان بن عون، وأبو الفرج فخر الحلبي، والشيخ شمس الدين الداوودي، والمقريء الكريم السيد عبد الرحيم العباسي الإسلامبولي، وغيرهم.
ذكر ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بدمشق، بالجامع الأموي، بعد صلاة الجمعة ثاني رجب سنة ثمان وتسعمائة.
انظر ترجمته في الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة(1/260)، وفي فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات (1/409-410).
80- يوسف بن حسن بن المبرد الحنبلي ت (909) ق ( 10)
هو يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، الشيخ الإمام العلامة، المصنف، المحدث جمال الدين الشهير بابن المبرد الصالحي، الحنبلي.(1/230)
ولد سنة أربعين وثمانمائة، قرأ القرآن على الشيخ أحمد الصفدي الحنبلي، وجماعة، ثم على الشيخ محمد، والشيخ عمر العسكريين، والشيخ زين الحبال، وصلى بالقرآن ثلاث مرات، وقرأ المقنع على الشيخ تقي الدين الجراعي، والشيخ تقي الدين بن قندس، والقاضي علاء الدين المرداوي، وحضر دروس خلائق، منهم القاضي برهان الدين بن مفلح، والشيخ برهان الدين الزرعي، وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر، وابن العراقي، وابن البالسي، والجمال بن الحرستاني، والصلاح بن أبي عمر، وابن ناصر الدين وغيرهم، وكان الغالب عليه علم الحديث والفقه، وشارك في النحو، والتصريف، والتصوف(1)، والتفسير، وله مؤلفات كثيرة، وغالبها أجزاء، ودرس وأفتى، وله نظم ليس بذاك.
وقد ألف تلميذه الشيخ شمس الدين بن طولون في ترجمته مؤلفاً ضخماً وقفت عليه في تعاليقه.
وكانت وفاة صاحب الترجمة يوم الاثنين سادس عشر المحرم سنة تسع وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون، وكانت جنازته حافلة- رحمه الله تعالى- ".
انظر ترجمته في الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة( 1/317)، وشذرات الذهب لابن العماد (8/43).
81- السيوطي ت (911) ق (10)
هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن خليل بن نصر بن الخضر بن الهمام الجلال السيوطي الحافظ الكبير صاحب التصانيف، ولد في أول ليلة مستهل رجب سنة (849)هـ ونشأ يتيما، فحفظ القرآن، والعمدة، والمنهاج الفرعي، وبعض الأصلي، وألفية النحو.
وأخذ عن الشمس محمد بن موسى الحنفي في النحو، وعلى العلَم البلقيني، والشرف المناوي، والشمني، والكافياجي، في فنون عديدة، وعن جماعة كثيرة كالبقاعي.
__________
(1) 1- هذا بعيد فإنه معروف بمحاربة البدع.(1/231)
وسمع الحديث من جماعة، وسافر إلى الفيوم، ودمياط، والمحلة، وغيرها، وأجاز له أكابر علماء عصره من سائر الأمصار، وبرز في جميع الفنون، وفاق الأقران، واشتهر ذكره، وبعد صيته، وصنف التصانيف المفيدة، كالجامعين في الحديث، والدر المنثور في التفسير، والإتقان في علوم القرآن، وتصانيفه في كل فن من الفنون مقبولة، وقد سارت في الأقطار مسير النهار.
ومن مؤلفاته كتاب النقول في أسباب النزول، وعين الإصابة في معرفة الصحابة والنكت البديعات على الموضوعات، والمدرَج إلى المدرج، وتذكرة المؤتسي بمن حدث ونسي، وتحفة النابه بتلخيص المتشابه، وما رواه الواعون في أخبار الطاعون، والأساس في مناقب بني العباس، وجزء في أسماء المدلسين، وكشف النقاب عن الألقاب، ونشر العبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير.
توفي سنة إحدى عشرة وتسعمائة - رحمه الله -.
انظر البدر الطالع (1/328-334).
82- إبراهيم بن علي القلقشندي ت (922 ) ق (10)
هو إبراهيم بن علي بن أحمد، الشيخ الإمام العلامة الهمام، والمحدث الحافظ الرحلة القدوة شيخ الإسلام قاضي القضاة أبو الفتح الجمالي، والبرهاني ابن الشيخ العلامة علاء الدين القلقشندي القاهري، الشافعي أحد أجلاء شيوخ الوالد - رحمهم الله تعالى -.
أخذ عن جماعة، منهم الحافظ ابن حجر، والمسند عز الدين بن الفرات الحنفي وغيرهم، وخرج لنفسه أربعين حديثاً، وقال البدر العلائي: إنه آخر من يروي عن الشهاب الواسطي، وأصحاب الميدومي، والتاج الشرايشي، والتقي الغزنوي، وعائشة الكنانية وغيرهم، وقال الشعراوي: كان عالماً صالحاً زاهداً، قليل اللهو والمزاح، مقبلاً على أعمال الآخرة حتى ربما يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل.(1/232)
انتهت إليه الرئاسة، وعلو السند في الكتب الستة، والمسانيد والإقراء، قال: وكان لا يخرج من داره إلا لضرورة شرعية، وليس له تردد إلى أحد من الأكابر، وكان إذا ركب بغلته وتطيلس يصير الناس كلهم ينظرون إليه من شدة الخشوع والهيبة التي عليه، وكانت وفاته بمصر يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة بحصر البول عن إحدى وتسعين سنة بتقديم التاء المثناة فوق.
قال العلماء: سواء لا تزيد ولا تنقص يوماً بعد أن ضعف بصره مع سلامة الحواس، وحسن الإسماع، وتوفي فقيراً وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بتربة الطويل خارج باب الحديد من صحراء القاهرة.
قال الشعراوي: وكأن الشمس كانت في مصر، فغربت - أي عند موته - قال: وكانت جنازته حافلة خاصة بالأمراء، والعلماء والصالحين - رحمه الله تعالى -.
انظر ترجمته في الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة للشيخ نجم الدين محمد بن محمد الغزي (1/108- 109)
من القرن الحادي عشر:
83- ابن طاهر ت (1044) ق (11)
هو العلامة المحدث الحافظ، أبو محمد عبد الله بن علي بن طاهر الحسني السلجماسي.
قال البوسعيدي: سيدي عبد الله من كبار الشرفاء، وعظماء العلماء، كان ثاقب زمانه في حفظ أيام الصحابة، وأنساب العرب، وسير السلف الصالح، ذا بصيرة بالمذاهب السنية والابتداعية، لسان الانتقاد على الفرق الباغية، وهو يروي فهارس كثيرة.
قال البوسعيدي: إنها محيطة بأسانيده الكثيرة.
توفي سنة (1044).
انظر فهرس الفهارس (1/469)، والأعلام للزركلي (4/224).
84- نجم الدين الغزي ت (1061) ق (11)
هو نجم الدين محمد بن بدر الدين بن رضى الدين الغزي العامري الدمشقي الشافعي مسند الدنيا في عصره، ومصره، الإمام المعمر الرحلة شيخ الإسلام، ملحق الأحفاد بالأجداد، المنفرد بعلو الإسناد، شيخ أئمة الحديث، ولد بدمشق سنة (977) هـ.(1/233)
يروي عامة عن والده الشيخ بدر الدين إجازة خاصة، وعن شيخ الإسلام أبي الفضل محمد محب الدين القاضي الحنفي، وعن محدث حلب محمود بن محمد البيلوني، وعن محدث مكة الشمس محمد ابن عبدالعزيز الزمزمي الشافعي.
له عدة مؤلفات، توفي سنة (1061) هـ" انظر فهرس الفهارس (2/669)، وخلاصة الأثر للمحبي (4/189).
85- البابلي ت (1077) ق (11)
هو الحافظ المسند الرحلة، أبو عبد الله محمد بن العلاء البابلي المصري.
قال عنه الأمين المحبي في خلاصة الأثر: أحد الأعلام في الحديث والفقه، وهو أحفظ أهل عصره لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها ورجالها، وصحيحها وسقيمها، وكان شيوخه وأقرانه يعترفون له بذلك.
قال المحبي: ومشايخه في العلوم لا يمكن حصرهم، منهم الشيخ حجازي الواعظ، والشيخ أحمد عيسى الكلبي، والجمال يوسف الزرقاني، والشيخ عبد الله النحريري، والشيخ يوسف الغزي، وذكر شيوخاً آخرين.
وأفرد الزبيدي ترجمته بالتأليف.
وقال الزبيدي: " اتفق أهل العصر على تسميته بالحافظ ".
توفي سنة (1077).
انظر فهرس الفهارس (1/210)، وخلاصة الأثر للمحبي (4/39)، والأعلام للزركلي (7/152).
86 - الروداني ت (1094) ق (11)
هو الإمام المسند المحدث الرحال، أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الفاسي، الروداني ثم المكي جال في المغرب الأقصى، والأوسط، ودخل مصر، والشام، والأستانة، والحجاز واستوطنه، ورأس فيه، وله التآليف في السنة.
منها: الجمع بين الكتب الستة وغيرها، المسمى (جمع الفوائد لجامع الأصول ومجمع الزوائد) اشتمل على أحاديث صحيحي البخاري ومسلم وبقية الستة، والموطأ، ومسند أبي داود، والدارمي، وأحمد، وأبي يعلى الموصلي، والبزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة وغيرها، وفهرسته (صلة الخلف بموصول السلف).
توفي سنة (1094)، انظر فهرس الفهارس(1/425).
87- إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكورانى الشهرزورى الشهرانى الكردي ت ( 1101)(1/234)
الشافعي الإمام الكبير المجتهد ولد في سنة (1025) هـ خمس وعشرين وألف ببلاد شهران من جبال الكرد، ونشأ في عفة طاهرة.
فأخذ في بلاده العربية، والمنطق، والحساب، والهيئة والهندسة، وغير ذلك، وكان دأبه إذا عرضت له مسألة في فن أتقن ذلك الفن غاية الإتقان، ثم قرأ في المعاني، والبيان والأصول، والفقه، والتفسير، ثم سمع الحديث عن جماعة في غير بلاده، كالشام، ومصر، والحجاز، والحرمين، وقد ذكر مشايخه في الأمم، وترجم لكل واحد منهم.
وله مصنفات كثيرة، حتى قيل إنها تنيف على ثمانين.
منها: (إتحاف الخلف بتحقيق مذهب السلف) و (إتحاف المنيب الأواه بفضل الجهر بذكر الله)، و(إعمال الفكر)، و(الروايات في شرح حديث إنما الأعمال بالنيات)، و(لوامع اللآل في الأربعين العوال)، و(مسلك الإرشاد إلى الأحاديث الواردة في الجهاد)، و(إنباه الأنباه في إعراب لا إله إلا الله) (وقصد السبيل) وغير ذلك.
وبرع في جميع الفنون، وأقرأ باللغة العربية، والفارسية والتركية، وسكن بعد ذلك مكة المشرفة، وانتفع به الناس، ورحلوا إليه، وأخذوا عنه في كل فن حتى (مات) في ثامن عشر شهر جمادى الأولى سنة (1101) هـ واحدة ومائة وألف ودفن بعد المغرب ببقيع الغرقد.
وأنا(1)أروي عن يوسف بن محمد بن علاء الدين عن أبيه، عن جده عنه بالسماع من علاء الدين منه".
انظر ترجمته في البدر الطالع (1/11-12).
القرن الثاني عشر
88 - عبد الله بن سالم البصري ت ( 1134)
" مسند الحجاز على الحقيقة لا المجاز، الأستاذ الكبير، عبد الله بن سالم بن محمد بن سالم بن عيسى البصري أصلاً المكي مولداً، ومدفنا الشافعي المولود سنة (1050) أو (1049) أو( 1048) والمتوفى سنة (1134)هـ.
وأرخ بعضهم وفاته بقوله: (اعلم الحديث ماتا )، وآخر بقوله: (ابك له مات إمام الحديث).
__________
(1) يعني الشوكاني نفسه.(1/235)
قال عنه الحافظ مرتضى في التعليقة الجليلة، بعد وصفه للبصري - بالإمام المحدث الحافظ -: قد اتفقوا على أنه حافظ البلاد الحجازية، وقال عنه الشيخ إسماعيل بن الشيخ محمد سعيد سكر في إجازته للدمنتي: أمير المؤمنين في الحديث.
وقال عنه الشيخ أبو العباس بن ناصر الدرعي في رحلته وقد لقيه، وأخذ عنه:" زعم طلبة الحرم أنه فاق أهل الحرمين في الحديث، وغيره من سائر العلوم، اهـ".
والثبت المذكور(1)في نحو ثلاث كراريس، طبع قريبا في الهند، وعندي منه نسخة مصححة عتيقة انتسخها في المسجد الحرام تجاه الكعبة المعظمة، العلامة المؤرخ الضابط أبو العباس أحمد بن محمد الخياط ابن أبي الفضل قاسم بن إبراهيم الفاسي بخطه عام (1126)هـ وقرأ بها على الشيخ عبد الله بن سالم، وكتب له في آخرها الإجازة به بالتاريخ المذكور، وهي في ملكي، والحمد لله، وعندي منه نسخة أخرى عليها خط الشمس الحفني مجيزا به لأبي محمد حمدون ابن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بناني بتاريخ(1166) هـ. ...
يروي فيه عامة، عن عيسى الثعالبي، وشيخه البابلي، والشمس محمد بن علي المكتبي الدمشقي، ويحيى الشاوي المغربي، وعبد الملك التجموعتي السجلماسي، و عبد الله بن سعيد باقشير المكي، ومنصور الطوخي، وأحمد البشبيشي، وعلي بن أبي بكر بن الجمال المكي، والشهاب أحمد البنا الدمياطي، وأحمد ابن سليمان الصيني، وعبد العزيز الزمزمي، وزين العابدين الطبري، وعلي بن عبد القادر الطبري، ومحمد الشرنبلالي، والبرهان الكوراني، ومحمد بن سليمان الرداني، وغيرهم من مشايخ الطريق(2)وهو من جمع ولده الشيخ سالم.
__________
(1) يعني الإمداد بمعرفة علو الإسناد .
(2) لو قلت: من مشايخ الحديث.(1/236)
ذكر في أوله أن والده قد انتهى إليه في هذا الزمان علو الإسناد، وألحق الأبناء والأحفاد بالأجداد، وورد له طلب الإجازة من كل مكان سحيق، وكثر الارتحال إليه من كل فج عميق، وكانت أسانيده مفرقة يخشى اندراسها، فجمعها في كتاب سماه (الإمداد بمعرفة علو الإسناد )، فجاء اسمه تاريخا لعام تأليفه من غير قصد على سبيل الاتفاق.
وبعد أن ذكر الشيخ الأمير في فهرسته أن اسمه جاء تاريخا لعام تأليفه زاد سنة (1122) ، كذا في نسخة بيدي، ووجدت في نسخة أخرى سنة(1136) ، وعليها بخط الشهاب أحمد بن الطاهر المراكشي دفين المدينة ما نصه: بهامش نسخة شيخنا عبد القادر المشرفي مبينا محل الرمز هو (1126) فليحرر، ا هـ. من خطه.
وفي إجازة صاحبنا الشهاب العطار للشمس محمد أمين رضوان، حين ذكر الإمداد لسالم البصري هذا قال: وهو المتداول بين المشايخ، وقد اختصره من ثبت والده المسمى أيضا بالإمداد قاله الشيخ عمر ابن عبد الرسول(1) كما رأيته بخطه.
قلت: وقد رأيت الكبير أيضا، اهـ، من خطه، وهذا مالم نسمع به قط وسيأتي في ترجمة سالم البصري من حرف السين، أنه أطلع الحافظ الغربي الرباطي على فهارس والده، فانظر هل أراد الفهارس المجاز بها، أو الفهارس التي ألف هو، أو ألفت له.
ومن شيوخ البصري الذين يترجم لهم في الإمداد: مباركة وزين الشرف الطبريتان، ذكرهما في مشيخته الحافظ الزبيدي في (العقد المكلل).
__________
(1) ليتك قلت ابن عبد رب الرسول.(1/237)
اتصل بالبصري فيما له من طريق أغلب تلامذته كالجوهري، والملوي، والشبراوي وعبد الحي البهنسي، والحافظ محمد بن إسماعيل الأمير، وعلي بن العربي السقاط، والسيد مصطفى البكري، والعلجوني، والمنيني، وعبد الرحمن بن عبدالله بلفكيه باعلوي، وحسن بن عبد الرحمن عيديد الحسني، وإبراهيم بن سعيد الإدريسي، وعبد الله بن عمر الأمين الزبيدي، والإمام محمد بن إسحاق ابن أمير المؤمنين الصنعاني، والشمس محمد بن عبد الوهاب بن علي الطبري، ومحمد بن حسن بن همات الدمشقي، وعبد الرحمن بن أسلم الحسيني، وعيد بن علي النمرسي، وعبد المنعم بن التاج القلعي المكي، وأبي الحسن السندي الكبير، وابن عقيلة المكي، والسبط عمر بن عقيل المكي، وأبي طاهر الكوراني وعبد الله المحجوب المرغني الطائفي، ويحيى بن عمر الأهدل، والشهاب أحمد بن محمد مقبول الأهدل، ومحمد بن إبراهيم الحسيني الطرابلسي، نزيل حلب، وعبد الكريم الشراباتي الحلبي، وعلي الدباغ الحلبي، وأبي العباس بن ناصر الدرعي، كلهم عنه إلا أن فيها ما هو نازل وما هو عال.
قال الكتاني: " وأعلى ما حصل لنا به من الاتصالات من طريق تلميذه العلامة المحدث المسند المعمر، الشمس محمد بن محمد بن عبد الله المغربي المدني المتوفى سنة (1201) بعد موت البصري، بست وستين سنة، فإنه لتأخر وفاته عن جميع أصحابه المذكورين، حصل لنا الاتصال به بعلو.
وقد اتصلت بالمغربي المذكور، من طريق خمسة من تلاميذه، وهم: صالح بن عمر الفلاني، وزين العابدين بن علوي جمل الليل المدني، ورفيع الدين القندهاري الدكني، ومحمد شاكر العقاد الدمشقي، وابن عبد السلام الناصري الدرعي، وغيرهم.(1/238)
ولنقتصر هنا على أعلاها، وهو مسلسل بالمدنيين، أرويه عن الشهاب أحمد بن إسماعيل البرزنجي، عن أبيه، عن صالح الفلاني، عن محمد بن عبد الله المغربي عنه، ح: وأرويه –أيضا- عن الجمال عبد الله ابن محمد بن صالح البنا الاسكندري، عن أبيه عن السيد زين العابدين، عن المغربي المذكور عنه، ح: ومساوٍ لهما عن الشيخ محمد خضر بن عثمان الرضوي الحيدرابادي الهندي مكاتبة، عن المعمر محمد شهاب الدين العمري المدراسي، عن رفيع الدين القندهاري، عن محمد بن عبد الله المغربي، عن البصري، ح: ومساوٍ لهم عن صاحبنا الشهاب العطار، عن المعمر عليم الدين بن رفيع الدين القندهاري المذكور، عن أبيه عن المغربي، عن البصري، وهو أعلى ما حصل لصاحبنا العطار المذكور، فإنه بروايته عن عليم الدين المذكور ساوى كبار مشايخه،وأشياخهم.
وكانت وفاة شيخه المذكور سنة (1316) بحيدراباد وولادته كانت سنة(1232) .
ومساوٍ له أيضا عن المعمرعبد الله السكري، ومحمد أمين البيطار، كلاهما بدمشق ،عن المعمر شمس الدين محمد التميمي المصري، عن العلامة الأمير الكبير، عن الشهابين الجوهري والملوي، كلاهما عن البصري ثبته.
وأرويه أيضا عاليا، عن المعمر عبد الله السكري الدمشقي، عن الشيخ سعيد الحلبي الدمشقي، عن الشهاب العطار، والشيخ شاكر العقاد، كلاهما عن الملوي، والجوهري كلاهما عنه.
وأرويه، عن السكري، عن الحلبي أيضا، عن إسماعيل بن محمد المواهبي، عن أبيه عنه، ح وأرويه عن الشيخ فالح، عن الشيخ السنوسي، عن ابن عبد السلام الناصري، عن أبي بكر بن تامر القابسي، عن عبد الله السوسي عنه.
ح وعن نصر الله الخطيب، عن والده عبد القادر، عن محمد بن مصطفى الرحمتي، عن قاسم بن علي يبزير التونسي، عن عبد الله السوسي التونسي عنه.(1/239)
ح وأخبرنا نصر الله الخطيب، وسليم المسوتي وغيرهما، عن القاوقجي، عن أحمد بن حسن الحنبلي، عن محمد بن عبد الله بن فيروز الحنبلي الأحسائي، عن عبد الله بن عبد اللطيف الأحسائي، عن البصري ثبته.
ومن أغرب أسانيدنا المتصلة بالبصري وأحسن، وإن كان نازلا، وهو مسلسل بالهنديين والأقارب، روايتنا عن ظهير الدين أحمد الأجملي الهندي كتابة من إله أباد، عن أبيه علي الشهير بميرنجان، عن علي جعفر الإله بادي، عن خاله محمد أجمل العباسي، عن ابن عمه غلام قطب الدين العباسي، عن والده محمد فاخر العباسي، عن محمد حياة السندي، عن البصري.
قال الشمس ابن عقيلة عن شيخه البصري المترجم: تفرد في مكة بإقراء جميع الكتب الستة فكثرت النسخ بإقرائه، وانتشرت بأيدي الناس بكتابتهم، واستكتابه لها، وشرح البخاري، وذكر فيه عيون ما في فتح الباري، والكرماني وغيرهما، فهو أبسط من القسطلاني، وفتح الباري، ووصل إلى الثلث ونحوه، وأقرأ الموطأ وغيره، وانتهت الرياسة في ذلك إليه.
وفي (النفس اليماني) للوجيه الأهدل، عن الجمال البصري هذا، أنه قرأ صحيح البخاري في جوف الكعبة المشرفة مرارا، وأن شرحه على الصحيح عز أن يلقى له مثال، سماه "ضياء الساري"، قال: وهذا الاسم كاد أن يكون من قبيل المعمى، فإنه موافق لعام الشروع في تأليفه، قال: ومن مناقبه تصحيحه للكتب الستة حتى صارت نسخته يرجع إليها من جميع الأقطار، قال: ومن أعظمها صحيح البخاري الذي وجد فيه ما في اليونينية، وزيادة، أخذ في تصحيحه وكتابته نحوا من عشرين سنة، وجمع مسند أحمد، بعد أن تفرق أيادي سبا وصححه وصارت نسخته أمة.
وإقراؤه لمسند أحمد في الروضة النبوية كان في 56 مجلسا عام 1121.(1/240)
وقال الشيخ الجليل أحمد بن إدريس الشهير بالشماع الصعيدي المكي في ترجمة البصري: جمع مسند الإمام أحمد بعد أن تفرق أيادي سبا، وكاد أن يكون كالهبا، وصحح منه نسخة صارت كعبة لمن أمها، نقل منها السادة العلماء نسخا سارت في الآفاق، وانتشرت في الحرمين انتشاراً طار في الخافقين، وأرسل ابنه البار نسخة أوقفت بطيبة الشريفة وأخرى بجامع مصر، تقبل الله بكرمه آمين.
وفي الحطة نقلا عن السيد آزاد البلجرامي الهندي في (تسلية الفؤاد) لما ترجم للبصري قال: وله شرح على البخاري سار في الأنفس والآفاق سير الروح، ولعمري لقد عزّ أن يلقى له مثل في سائر الشروح، لكن ضاق الوقت عن إكماله، وضن الزمان بإفاضة نواله.
والنسخة التي نسخها الشيخ بيده الشريفة، هي أصل الأصول للنسخ الشائعة في الآفاق، رأيتها عند مولانا محمد أسعد الحنفي المكي، من تلامذة الشيخ تاج الدين المكي ببلد أركات، كان أخذها الشيخ عن ولد المصنف بالاشتراء، فقلت للشيخ محمد أسعد: هذه النسخة المباركة حقها أن تكون في الحرمين، ولا ينبغي أن تنقل منها إلى مواضع أخرى لاسيما إلى الديار الشاسعة، فقال الشيخ: هذا الكلام حسن، ولكن ما فارقتها لفرط محبتي لها، ثم أرسل الشيخ كتبه من أركات إلى أورنقاباد احتياطا لما رأى من هيجان الفتنة بتلك البلاد، فوصلت النسخة إلى أورنقاباد، وهي موجودة بها إلى الآن حفظها الله اهـ، بواسطة الحطة.
قلت: رأيت في المدينة المنورة عند الحكيم المسند، الشيخ طاهر سنبل نسخة عبد الله بن سالم البصري بخطه من الصحيح ثمانية، وهي نهاية في الصحة والمقابلة والضبط والخط الواضح.(1/241)
وأخبرني أنه أحضرها إلى الآستانة، ليصحح عليها النسخة الأميرية التي طبعت هناك من الصحيح، وفرقها السلطان عبد الحميد، على المساجد، والآفاق، وعليها ضبطت، ولا أدري من أين اتصلت بسلفه؛ كما عندي كراسة بخط البصري في ختم صحيح مسلم للحافظ السخاوي، وعندي إجازة بخطه أيضا لمحمد بن مصطفى الفراوي الدمشقي، وهي عامة بتاريخ (1127)، وقال عن البصري أيضا الحافظ أبو الفيض الزبيدي في إجازة له بعد أن ذكره هو ورفيقه النخلي والعجيمي: "وعلى هؤلاء الثلاثة مدار أسانيد الحرمين الشريفين، بل وما والاهما من الأقطار النائية، والبلدان الشاسعة، اهـ".
وقال عن البصري أيضا المحدث المسند الشمس محمد بن أحمد الجوهري المصري:" محدث العصر وإمامه، وجهبذه وهمامه، أمير المؤمنين في الحديث.
انظر فهرس الفهارس(1/193-199)، وهدية العارفين وأسماء المؤلفين وآثار المصنفين (1/480) والأعلام للزركلي ( 4/219-220).
89- الصنعاني ت ( 1182)
هو السيد محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي بن حفظ الدين بن شرف الدين بن صلاح ابن الحسن بن المهدى بن محمد بن إدريس بن علي بن محمد بن أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان ابن حمزة بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل ابن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضى الله عنهم -.
الكحلانى، ثم الصنعانى المعروف بالأمير، الإمام الكبير المجتهد المطلق صاحب التصانيف.
ولد ليلة الجمعة نصف جمادى الآخرة سنة(1099) تسع وتسعين وألف بكحلان، ثم انتقل مع والده إلى مدينة صنعاء سنة( 1107)، وأخذ عن علمائها كالسيد العلامة زيد بن محمد بن الحسن، والسيد العلامة صلاح بن الحسين الأخفش، والسيد العلامة عبد الله بن علي الوزير، والقاضي العلامة علي بن محمد العنسي.(1/242)
ورحل إلى مكة، وقرأ الحديث على أكابر علمائها، وعلماء المدينة، وبرع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرد برئاسة العلم في صنعاء، وتظهر بالاجتهاد، وعمل بالأدلة ونفر عن التقليد وزيف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية، وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن.
منها في أيام المتوكل على الله القاسم بن الحسين، ثم في أيام ولده الإمام المنصور بالله الحسين ابن القاسم، ثم في أيام ولده الإمام المهدى العباس بن الحسين، وتجمع العوام لقتله مرة بعد أخرى، وحفظه الله من كيدهم، ومكرهم، وكفاه شرهم، وولاه الإمام المنصور بالله الخطابة بجامع صنعاء، فاستمر كذلك إلى أيام ولده الإمام المهدى.
واتفق في بعض الجمع أنه لم يذكر الأئمة الذين جرت العادة بذكرهم في الخطبة الأخرى، فثار عليه جماعة من آل الإمام الذين لا أنسة لهم بالعلم، وعضدهم جماعة من العوام، وتواعدوا فيما بينهم على قتله في المنبر يوم الجمعة المقبلة، وكان من أعظم المحشدين لذلك السيد يوسف العجمى الإمامى، القادم في أيام الإمام المنصور بالله، والمدرس بحضرته، فبلغ الإمام المهدى ما قد وقع التواطأ عليه، فأرسل لجماعة من أكابر آل الإمام، وسجنهم، وأرسل لصاحب الترجمة أيضا وسجنه، وأمر من يطرد السيد يوسف المذكور حتى يخرجه من الديار اليمنية، فسكنت عند ذلك الفتنة، وبقى صاحب الترجمة نحو شهرين، ثم خرج من السجن، وولي الخطابة غيره.
واستمر ناشراً للعلم تدريسا، وإفتاء، وتصنيفا، وما زال في محن من أهل عصره، وكانت العامة ترميه بالنصب، مستدلين على ذلك بكونه عاكفا على الأمهات، وسائر كتب الحديث عاملا بما فيها، ومن صنع هذا الصنع رمته العامة بذلك، لاسيما إذا تظهر بفعل شئ من سنن الصلاة، كرفع اليدين وضمهما، ونحو ذلك فإنهم ينفرون عنه، ويعادونه، ولا يقيمون له وزنا مع أنهم في جميع هذه الديار منتسبون إلى الإمام زيد بن علي وهو من القائلين بمشروعية الرفع والضم.(1/243)
وكذلك ما زال الأئمة من الزيدية، يقرأون كتب الحديث الأمهات، وغيرها، منذ خرجت إلى اليمن، ونقلوها في مصنفاتهم الأول، فالأول لا ينكره إلا جاهل أو متجاهل، وليس الذنب في معاداة من كان كذلك للعامة الذين لا تعلق لهم بشئ من المعارف العلمية، فإنهم أتباع كل ناعق، إذا قال لهم من له هيئة أهل العلم: إن هذا الأمر حق، قالوا: حق، وإن قال: باطل، قالوا: باطل، إنما الذنب لجماعة قرأوا شيئا من كتب الفقه ولم يمعنوا فيها ولا عرفوا غيرها، فظنوا لقصورهم، أن المخالفة لشيء منها مخالفة للشريعة بل القطعي من قطعياتها مع أنهم يقرأون في تلك الكتب مخالفة أكابر الأئمة وأصاغرهم لما هو مختار لمصنفها، ولكن لا يعقلون حقيقة، ولا يهتدون إلى طريقة، بل إذا بلغ بعض معاصريهم إلى رتبة الاجتهاد، وخالف شيئا باجتهاده جعلوه خارجا عن الدين، والغالب عليهم أن ذلك ليس لمقاصد دينية، بل لمنافع دنيوية تظهر لمن تأملها، وهي أن يشيع في الناس، أن من أنكر على أكابر العلماء ما خالف المذهب من اجتهاداتهم كان من خلص الشيعة الذابين عن مذهب الآل، وتكون تلك الشهرة مفيدة في الغالب لشيء من منافع الدنيا وفوائدها.(1/244)
فلا يزالون قائمين، وثائرين في تخطئة أكابر العلماء، ورميهم بالنصب، ومخالفة أهل البيت فتسمع ذلك العامة، فتظنه حقا وتعظم ذلك المنكر، لأنه قد نفق على عقولها صدق قوله وظنوه من المحامين عن مذهب الأئمة، ولو كشفوا عن الحقيقة، لوجدوا ذلك المنكر، هو المخالف لمذهب الأئمة من أهل البيت، بل الخارج عن إجماعهم، لأنهم جميعا حرموا التقليد على من بلغ رتبة الاجتهاد، وأوجبوا عليه أن يجتهد رأي نفسه، ولم يخصوا ذلك بمسألة دون مسألة، ولكن المتعصب أعمى، والمقصر لا يهتدي إلى صواب، ولا يخرج عن معتقده إلا إذا كان من ذوي الألباب، مع أن مسألة تحريم التقليد على المجتهد، هي محررة في الكتب التي هى مدارس صغار الطلبة فضلا عن كبارهم، بل هي في أول بحث من مباحثها يتلقنها الصبيان وهم في المكتب.
ومن جملة ما اتفق لصاحب الترجمة من الامتحانات، أنه لما شاع في العامة ما شاع عنه، بلغ ذلك أهل جبل برط من ذوي محمد، وذوي حسين، وهم إذ ذاك جمرة اليمن الذين لا يقوم لهم قائم، فاجتمع أكابرهم، ومن أعظم رؤسائهم حسن بن محمد العنسى البرطي، وخرجوا على الإمام المهدى في جيوش عظيمة، ووصلت منهم الكتب، أنهم خارجون لنصرة المذهب، وأن صاحب الترجمة قد كاد يهدمه، وأن الإمام مساعد له على ذلك، فترسل عليهم العلماء الذين لهم خبرة بالحق وأهله، ورتبة في العلم، فما أفاد ذلك، وآخر الأمر جعل لهم الإمام زيادة في مقرراتهم، قيل إنها نحو عشرين ألف قرش في كل عام، فعادوا إلى ديارهم، وتركوا الخروج، لأنه لا مطمع لهم في غير الدنيا، ولا يعرفون من الدين إلا رسوما، بل يخالفون ما هو من القطعيات، كقطع ميراث النساء، والتحاكم إلى الطاغوت، واستحلال الدماء، والأموال، وليسوا من الدين في ورد ولا صدر.(1/245)
ومن محن الدنيا أن هؤلاء الأشرار، يدخلون صنعاء لمقررات لهم في كل سنة ويجتمع منهم ألوف مؤلفة، فإذا رأوا من يعمل باجتهاده في الصلاة، كأن يرفع يديه أو يضمها إلى صدره، أو يتورك، أنكروا ذلك عليه، وقد تحدث بسبب ذلك فتنة، ويتجمعون ويذهبون إلى المساجد التي تقرأ فيها كتب الحديث على عالم من العلماء فيثيرون الفتن، وكل ذلك بسبب شياطين الفقهاء الذين قدمنا ذكرهم.
وأما هؤلاء الأعراب الجفاة، فأكثرهم لا يصلي ولا يصوم، ولا يقوم بفرض من فروض الإسلام سوى الشهادتين على ما في لفظه بهما من عوج.
واتفق في الشهر الذي حررت فيه الترجمة، أنه دخل جماعة منهم، وفيهم عجب وتيه واستخفاف بأهل صنعاء على عادتهم، وقد كانوا نهبوا في الطرقات، فوصلوا إلى باب مولانا الإمام -حفظه الله- فرأى رجل بقرة له معهم فرام أخذها، فسل من هي معه من أهل بكيل السلاح على ذلك الذي رام أخذ بقرته، فثار عليهم أهل صنعاء الذين كانوا مجتمعين في باب الخليفة، وهم جماعة قليلون من العوام، وهؤلاء نحو أربعمائة فوقع الرجم لهؤلاء من العامة، ثم بعد ذلك أخذوا ما معهم من الجمال التي يملكونها، وكذلك سائر دوابهم فضلا عن الدواب التي نهبوها على المسلمين، وأكثر بنادقهم وسائر سلاحهم، وقتلوا منهم نحو أربعة أنفار أو زيادة، وجنوا على جماعة منهم، وما وسعهم إلا الفرار إلى المساجد، وإلى محلات قضاء الحاجة، ولولا أن الخليفة بادر بزجر العامة عند ثوران الفتنة لما تركوا منهم أحداً، فصاروا الآن في ذلة عظيمة، زادهم الله ذلة، وقلل عددهم.
وقد كان كثر أتباع صاحب الترجمة من الخاصة والعامة، وعملوا باجتهاده، وتظهروا بذلك، وقرأوا عليه كتب الحديث، وفيهم جماعة من الأجناد، بل كان الإمام المهدي يعجبه التظهر بذلك، وكذلك وزيره الكبير الفقيه أحمد بن على النهمي، وأميره الكبير الماس المهدي.(1/246)
وما زال ناشرا لذلك في الخاصة والعامة غير مبال بما يتوعده به المخالفون له، ووقعت في أثناء ذلك فتن كبار وقاه الله شرها.
وله مصنفات جليلة حافلة منها:
1- سبل السلام، اختصره من البدر التمام للمغربي.
2- ومنها منحة الغفار، جعلها حاشية على ضوء النهار للجلال.
3- ومنها العدة ،جعلها حاشية على شرح العمدة لابن دقيق العيد.
4- ومنها شرح الجامع الصغير للأسيوطي، في أربعة مجلدات، شرحه قبل أن يقف على شرح المناوى.
5- ومنها شرح التنقيح في علوم الحديث للسيد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير، وسماه التوضيح.
6- ومنها منظومة الكافل لابن مهران في الأصول، وشرحها شرحا مفيدا.
وله مصنفات غير هذه، وقد أفرد كثيرا من المسائل بالتصنيف بما يكون جميعه في مجلدات، وله شعر فصيح منسجم، جمعه ولده العلامة عبد الله بن محمد في مجلد، وغالبه في المباحث العلمية، والتوجع من أبناء عصره، والردود عليهم.(1/247)
... وبالجملة فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدين، وقد رأيته في المنام في سنة(1206) وهو يمشى راجلا وأنا راكب في جماعة معي، فلما رأيته نزلت وسلمت عليه، فدار بيني وبينه كلام حفظت منه أنه قال: دقق الإسناد وتأنق في تفسير كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فخطر ببالي عند ذلك أنه يشير إلى ما أصنعه في قراءة البخاري في الجامع، وكان يحضر تلك القراءة جماعة من العلماء، ويجتمع من العوام عالم لا يحصون، فكنت في بعض الأوقات أفسر الألفاظ الحديثية بما يفهم أولئك العوام الحاضرون، فأردت أن أقول له إنه يحضر جماعة لا يفهمون بعض الألفاظ العربية، فبادر وقال قبل أن أتكلم: قد علمت أنه يقرأ عليك جماعة وفيهم عامة، ولكن دقق الإسناد، وتأنق في تفسير كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم سألته عند ذلك عن أهل الحديث ما حالهم في الآخرة، فقال: بلغوا بحديثهم الجنة، أو بلغوا بحديثهم بين يدي الرحمن الشك منى، ثم بكى بكاء عاليا، وضمني إليه، وفارقني، فقصصت ذلك على بعض من له يد في التعبير، وسألته عن تأويل البكاء والضم فقال: لا بد أن يجري لك شيء مما جرى له من الامتحان، فوقع من ذلك بعد تلك الرؤيا عجائب وغرائب، كفى الله شرها.
... وتوفي -رحمه الله- سنة (1182) اثنتين وثمانين ومائة وألف، في يوم الثلاثاء ثالث شهر شعبان منها.
... ونظم بعضهم تاريخه فكان هكذا: ( محمد في جنان الخلد قد وصلا).
ورثاه شعراء العصر، وتأسفوا عليه، وله تلامذة نبلاء علماء مجتهدون، منهم شيخنا السيد العلامة عبد القادر بن أحمد، والقاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن، والقاضى العلامة أحمد بن صالح ابن أبي الرجال، والسيد العلامة الحسن بن إسحاق بن المهدي، والسيد العلامة محمد بن إسحاق ابن المهدي، وقد تقدمت تراجمهم، وغيرهم مما لا يحيط بهم الحصر.(1/248)
... ووالده كان من الفضلاء الزاهدين في الدنيا، الراغبين في العمل، وله عرفان تام وشعر جيد، ومات في ثالث شهر ذي الحجة سنة(1142) اثنتين وأربعين ومائة وألف، وكان ولده صاحب الترجمة إذ ذاك بشهارة.
انظر البدر الطالع (2/133-139).
90- السفَّاريني الصوفي(1)ت ( 1188)
هو الإمام المحدث البارع الزاهد محمد بن أحمد بن سالم أبو عبد الله النابلسي الحنبلي، ولد كما وجد بخطه سنة (1114)هـ تقريبا بسفَّارين، وقرأ القرآن في سنة إحدى وثلاثين في نابلس، واشتغل بالعلم، قليلاً وارتحل إلى دمشق سنة ثلاث وثلاثين، ومكث بها قدر خمس سنوات، فقرأ بها على الشيخ عبد القادر التغلبي دليل الطالب للشيخ مرعي الحنبلي، من أوله إلى آخره قراءة تحقيق، والإقناع للشيخ موسى الحجازي، وحضره في الجامع الصغير للسيوطي بين العشائين، وغيره مما كان يقرأ عليه في سائر أنواع العلوم، وذاكره في عدة مباحث من شرحه على الدليل فمنها: ما رجع عنها ومنها ما لم يرجع لوجود الأصول التي نقل منها، وكان يكرمه ويقدمه على غيره، وأجازه بما في ضمن ثبته الذي خرجه له الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي، في سنة خمس وثلاثين.
وعلى الشيخ عبد الغني النابلسي، الأربعين النووية، وثلاثيات البخاري، والإمام أحمد وحضر دروسه في تفسير القاضي، وتفسيره الذي صنفه في علم التصوف، وأجازه عموما بسائر ما يجوز له وبمصنفاته كلها، وكتب له إجازة مطولة، وذكر فيها مصنفاته.
وعلى الشيخ عبد الرحمن المجلد ثلاثيات البخاري، وحضر دروسه العامة وأجازه.
... وعلى الشيخ عبد السلام بن محمد الكاملي، بعض كتب الحديث، وشيئا من رسائل إخوان الصفا(2).
وعلى ملا إلياس الكوراتي، كتب المعقول.
__________
(1) لو قلت السلفي لأصبت لأن عقيدته ومؤلفاته كلها تنطلق من الكتاب والسنة ومنهج السلف إلا ما لا يسلم من مثله البشر.
(2) لعل هذه القراءة لنقد وبيان ما فيها من الضلال.(1/249)
وعلى الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني، الصحيح بطرفيه، مع مراجعة شروحه الموجودة في كل رجب، وشعبان، ورمضان، من كل سنة مدة إقامته بدمشق، وثلاثيات البخاري، وبعض ثلاثيات أحمد، وشيئاً من الجامع الصغير، وشرحه للمناوي، والعلقمي وشيئا من الجامع الكبير، وبعضاً من كتاب الإحياء، مع مراجعة تخريج أحاديثه للزين العراقي، والأندلسية في العروض، مع مطالعة بعض شروحها وبعضا من شرح شذور الذهب، وشرح رسالة الوضع، مع حاشيته التي ألفها، وحاشية ملا إلياس، وأجازه بكل ذلك، وبما يجوز له روايته.
وعلى الشيخ أحمد بن علي المنيني، شرح جمع الجوامع للمحلى، وشرح الكافية لملا جامي، وشرح القطر للفاكهي، وحضر دروسه للصحيح، وشرحه على منظومة الخصائص الصغرى للسيوطي.
وقد أجازه بكل ذلك إجازة مطولة كتبها بخطه.
وعلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي بعضا من شرح ألفية العراقي لزكريا، وأول سنن أبي داود.
وعلى قريبه الشيخ أحمد الغزي غالب الصحيح بالجامع الأموي، بحضرة جملة من كبار شيوخ المذاهب الأربعة.
وعلى الشيخ مصطفى بن سوار، أول صحيح مسلم.
وعلى حامد أفندي مفتي الشام، المسلسل بالأولية، وثلاثيات البخاري، وبعض ثلاثيات أحمد.
وحج سنة ثمان وأربعين، فسمع بالمدينة على الشيخ محمد حياة المسلسل بالأولية، وأوائل الكتب الستة.
وتفقه على شيخ المذهب مصطفى بن عبد الحق اللبدي، وطه بن أحمد اللبدي، ومصطفى بن يوسف الكرمي، وعبد الرحيم الكرمي، والشيخ المعمر السيد هاشم الحنبلي، والشيخ محمد السلقيني وغيرهم.
ومن شيوخه: الشيخ محمد الخليلي، سمع عليه أشياء، والشيخ عبد الله البصروي سمع عليه ثلاثيات أحمد مع المقابلة بالأصل المصحح، والشيخ محمد الدقاق أدركه بالمدينة.
وقرأ عليه أشياء، واجتمع بالسيد مصطفى البكري، فلازمه وقرأ عليه مصنفاته، وأجازه بما له، وكتب له بذلك، وله شيوخ أخر غير من ذكرت.
وله مؤلفات منها:
1- شرح عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني في مجلدين.(1/250)
2- وشرح ثلاثيات أحمد في مجلد ضخم.
3- وشرح نونية الصرصرى الحنبلي سماه "معارج الأنوار في سيرة النبي المختار".
4 - وبحر الوفا في سيرة النبي المصطفى.
5 - وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب.
6 - والبحور الزاخرة في علوم الآخرة.
7- وشرح الدرة المضية في اعتقاد الفرقة الأثرية.
8 - ولوائح الأنوار السنية في شرح منظومة أبي بكر بن أبي داود الحائية.
وكان المترجم شيخا ذا شيبة منورة مهيبا، جميل الشكل، ناصراً للسنة قامعاً للبدعة، قوالا بالحق مقبلاً على شأنه، مداوما على قيام الليل في المسجد، ملازما على نشر علوم الحديث، محبا في أهله.
ولا زال يملي، ويفيد ويجيز، من سنة ثمان وأربعين إلى أن توفي يوم الاثنين ثامن شوال من سنة ثمان وثمانين ومائة وألف بنابلس، وجهز وصلي عليه بالجامع الكبير، ودفن بالمقبرة الزاركنية، وكثر الأسف عليه، ولم يخلف بعده مثله، رحمه الله رحمة واسعة.
انظر عجائب الآثار للجبرتي (1/324-325).
91- السيد سليمان بن يحيى بن عمر الأهدل الزبيدي الشافعي
ت (1197)
أخذ عن جماعة من أعيان بلده، منهم والده، ومحمد بن علاء الدين المزجاجي، وغيره، وبرع في العلوم العقلية والنقلية، وعكف على التدريس، فأخذ عنه الطلبة من أهل بلده وغيرهم.
وصار محدث الديار اليمنية غير مدافع، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وتفرد بهذا الشأن، واجتمع لديه آخر أيامه، منهم جماعة وافرة، وهو المفتي في الجهات الزبيدية والمرجوع إليه في جميع المشكلات.
ولما مات في يوم الجمعة خامس عشر شهر شوال سنة( 1197) سبع وتسعين ومائة وألف قام مقامه ولده العلامة عبد الرحمن سليمان، في وظيفة التدريس، والإفتاء مع حداثة سنه.
وله شغلة كبيرة بالعلوم العقلية، والنقلية، وميل إلى التعبد، وأفعال الخير، وهو الآن حي وفتاويه تصل إلينا، وهى فتاوى متقنة، ينقل في كل ما يرد عليه من السؤالات نصوص أئمة مذهبه من الشافعية.(1/251)
وقد كتب إلي معاهدة مشتملة على نثر حسن، يدل على تعلقه بالأدب.
ووالد المترجم له السيد يحيى بن عمر هو مسند الديار اليمينة.
وله مجموع في الأسانيد نفيس، ومن بعده من المشتغلين بعلم الرواية عيال عليه.
انظر البدر الطالع ( 1/ 267- 268 ) والنفس اليماني (ص30) فما بعدها.
92- البخاري ت (1200) ق (11)
هو مسند الشام، محمد بن أحمد بن محمد بن خير الله، البخاري الأصل والشهرة، الحنفي الأثري المحدث، نزيل نابلس المولود سنة (1154) هـ والمتوفى سنة (1200) هـ مطعونا.
روى عن سليمان بن يحيى الأهدل، وحسن بن عبد الرحمن عيديد نزيل مخا اليمن، ومحمد ابن علاء الدين الزبيدي، ومحمد بن عبد ربه الشهير بابن السبت، وعبد الله بن موسى الحريري المحلي، وغيرهم.
قال عنه الحافظ الزبيدي في معجمه: " يعرف فن الحديث معرفة جيدة، لا نعلم في هذا العصر من يدانيه فيها، مع ما عنده من قوة الحافظة، والفهم السريع، وإدراك المعاني الغريبة.
ووصفه ابن عبد السلام الناصري بالحافظ الحجة، المتقن، وأثنى عليه بالاستحضار لتراجم الرجال والعلل.
انظر فهرس الفهارس (1/214).
ومن أهل القرن الثالث عشر:
93- شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب(1)ت (1206) ق (13)
هو الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي ينتهي نسبه إلى مضر بن نزار بن معد ابن عدنان.
العالم النحرير، والمجدد الكبير صاحب الهمة القعساء، والعزيمة والمضاء، الصادق المخلص في دينه، والناصح لله، ولكتابه، ولرسوله، وللإسلام، والمسلمين، وللصديق والعدو.
دفعه هذا النصح لدراسة أحوال بلده والعالم الإسلامي، فوجد أمراضاً تفتك بعقائد الإسلام وشرائعه، وسياسته وأخلاقه.
وجد أمة قد غرق معظمها في البدع والضلالات، ومزقتها الأهواء، فصارت أشلاءً عقائدياً، وسياسياً، واجتماعياً، يصدق على واقعها، وأحوالها قول النبي - صلى الله عليه وسلم-:
__________
(1) معروف أن معظم حياة هذا الإمام كان في القرن الثاني عشر.(1/252)
" لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموه"، وقوله:" الله أكبر إنها السنن لتتبعن سنن من كان قبلكم.."، وقوله:
" افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنين وسبعين فرقة وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا من هي يا رسول الله؟ قال: الجماعة"، وفي رواية:" من كان على ما أنا عليه وأصحابي".
لقد تحقق فعلاً ما أخبر به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلّم - فما تركت الأمة شيئاً كان عليه من قبلهم، من اليهود والنصارى، وفارس والروم في العقائد والأعمال والتقاليد والعادات إلا ما شاء الله.
تعطيل لصفات الله يتمثل في مدارس هنا وهناك، وشرك في العبادة تمثله الآلاف من القبور الرافضية، والصوفية، وغلو شنيع مخز في الأولياء، يلجأ فئام من الناس إليهم في الشدائد، يستغيثون بهم، ويستنجدون، بل يعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيب، ويتصرفون في الكون، لأنهم أقطاب، وأغواث، حركات الكون رهن إشارتهم، والناس بما فيهم الملوك يعيشون تحت رحمتهم ونقمتهم.
والفساد السياسي قد استحكم، والفوضى في الجزيرة العربية ضاربة أطنابها، الدماء تسفك، والأموال تنهب، والأعراض تنتهك، والخوف المرعب والجوع، والجهل المطبق فحدث عنها ولا حرج.
أدرك هذا الإمام كل هذه الأمراض المردية، فشمر عن ساعد الجد تشمير الطبيب النطاسي لعلاج من أنهكتهم هذه الأمراض الفتاكة، لتستعيد هذه المجتمعات، صحتها وقوتها ومكانتها من السيادة، والعزة والكرامة.(1/253)
فأدرك - وهو الخبير بالأمراض والدواء – أنه لا علاج لهذه المجتمعات إلا ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الكتاب الهادي، والسنة النبوية المضيئة، ذلكم الدواء الذي أنقذ الله به الناس من الهلاك الماحق في الدنيا والآخرة، { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } ، { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } .
تقدم بهذا العلاج الناجع، فتقبله بشغف، من أراد الله به خيراً، ورفضه من قتله الهوى والجهل، والضلال، ولم يكتف بهذا الرفض، بل سل سيف اللسان، والسنان، والقلم والبيان.
فصبر هذا الإمام الطبيب الصادق المخلص، صبر الكرام الحريص على نفع الناس وشفائهم من أمراضهم يبلغ حجج الله، وبياناته في دروسه، ومواعظه، ومؤلفاته، ومراسلاته، وبعث دعاته هنا وهناك، فينفع الله بهذا الجهاد والصبر من يريد الله به خيراً " من يرد الله به خيراً يفقه في الدين"، ويأبى الظالمون المستكبرون إلا رفضاً، وعداءً، ونفوراً.
انبرى هؤلاء الظالمون من سياسيين جاهلين مستبدين، وخرافيين، ومن جهلاء متعالمين، أو أغبياء مقلدين متعصبين، لعقائد ضالة، وخرافات سخيفة يسخر منها العقلاء من المسلمين وأهل النحل الأخرى من الضالين.
شيوخ الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-
تلقى العلم على عدد كبير من جلة العلماء الأعلام منهم:
1- أبوه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان.
2- الشيخ شهاب الدين الموصلي قاضي البصرة.
3- الشيخ حسن الإسلامبولي من علماء البصرة.
4- الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي.
5- الشيخ زين الدين المغربي.
6- الشيخ حسن التميمي.
7- الشيخ محمد حياة السندي، وقد توفي عام 1165هـ.(1/254)
وقد قال للشيخ محمد بن عبد الوهاب حينما رأى الناس يتمسحون ويستغيثون عند قبور آل بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويطوفون: ما ذا تقول في هؤلاء؟ قال تاليا:
( إن هؤلاء متبَّر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ).
8- الشيخ محمد المجموعي، نسبة إلى قرية من قرى البصرة اسمها المجموعة.
9- الشيخ يوسف آل سيف.
10- الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف آل سيف من أهل المجمعة بنجد، واستفاد الشيخ من مصاحبته فوائد عظيمة.
وأجازه الشيخ عبد الله بالحديث المشهور المسلسل بالأولية: " الراحمون يرحمهم الرحمن " من طريقين:
أحدهما: من طريق ابن مفلح، عن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، وينتهي إلى الإمام أحمد.
والثاني: من طريق عبد الرحمن بن رجب، عن العلامة ابن القيم، عن شيخه شيخ الإسلام، وينتهي أيضاً إلى الإمام أحمد.
كما أجازه الشيخ بكل ما رواه الشيخ عبد الباقي الحنبلي شيخ علماء عصره، قراءة وعلماً وتعليماً، من صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه، وصحيح مسلم، وشروح الصحيحين، وسنن الترمذي، والنسائي، وأبي داود، وابن ماجه، ومؤلفات الدارمي، كل بسنده المتصل إلى المؤلف، ومسند الإمام الشافعي، وموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، إلى غير ذلك مما رواه الشيخ عبد الباقي(1).
تلاميذ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله –
وقد نهل العلم على يدي الشيخ، وتخرج به عدد كبير من العلماء الأجلاء منهم:
1- الشيخ أحمد بن راشد العريني قاضي سدير.
2- الشيخ حمد بن حسين، والشيخ عبد العزيز بن حسين.
3-الشيخ حمد بن إبراهيم قاضي مرات، وصهره.
4- الشيخ علي ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
5- الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
6- الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
7- الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
8- الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر.
9- الشيخ أحمد بن سويلم.
__________
(1) علماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام (1/161-162).(1/255)
10- الشيخ حسين بن عبد الله قاضي حريملاء.
11- الأمير سعود ابن الإمام عبد العزيز.
12- الشيخ سعيد بن حجي قاضي حوطة بني تميم.
13- الشيخ عبد الرحمن بن خميس إمام الدرعية.
14- الشيخ عبد العزيز بن سويلم قاضي القصيم.
15- الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود.
16- الشيخ حسن بن عبدان قاضي حريملاء.
17- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين قاضي الوشم.
18- الشيخ عبد الرحمن بن نامي قاضي العيينة، ثم الأحساء(1).
من المستحسن أن أترك الحديث هنا لغيري ألا وهو العلامة الشيخ عبد القادر بن بدران علامة الشام، قال - رحمه الله - في ترجمة الإمام محمد بن عبد الوهاب:" العالم الأثري والإمام الكبير محمد ابن عبد الوهاب، رحل إلى البصرة، والحجاز، لطلب العلم، فأخذ عن الشيخ علي أفندي الداغستاني، وعن الشيخ المحدث إسماعيل العجلوني، وغيرهما من العلماء، وأجازه محدثو العصر بكتب الحديث، وغيرها على اصطلاح أهل الحديث من المتأخرين.
ولما امتلأ وِطَابُه من الآثار وعلم السنة، وبرع في مذهب أحمد، أخذ ينصر الحق ويحارب البدع، ويقاوم ما أدخله الجاهلون في هذا الدين الحنيف، والشريعة السمحاء وأعانه قوم(2) أخلصوا العبادة لله وحده، على طريقته التي هي إقامة التوحيد الخالص، والدعوة إليه، وإخلاص الوحدانية والعبادة كلها بسائر أنواعها لخالق الخلق وحده، فهب إلى معارضته قوم ألفوا الجمود على ما كان عليه الآباء، وتذرعوا بالكسل عن طلب الحق وهم لا يزالون إلى اليوم يضربون على ذلك الوتر، وجنود الحق تكافحهم لتردهم إلى صوابهم، وما أحقهم بقول القائل:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ... ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
__________
(1) 1- علماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام (1/167-168).
(2) وعلى رأسهم الإمام محمد بن سعود – رحمه الله- وأسرته.(1/256)
ولم يزل مثابراً على الدعوة إلى دين الله تعالى حتى توفاه الله تعالى"(1).
عقيدة الإمام محمد ومنهجه
هو على عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعقيدة أئمة السنة والهدى لم يخالفهم في شيء لا في باب أسماء الله وصفاته، ولا في الإيمان والكفر، ولا في الوعد والوعيد، والشفاعة، ولا في أمر من الأمور الغيبية، ولا في غيرها.
ولا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، وكفره السلف الصالح، واقتضى ذلك أصول أهل السنة ومنهجهم.
وهذا شيء معروف عنه، وواضح وضوح الشمس،- ولله الحمد - لا ينكره إلا أعمى البصيرة، وقد بين ذلك عدد من العلماء في مؤلفاتهم الخاصة بالذب عن الإمام محمد وفي ثنايا مؤلفات أتباعه وأنصاره.
ويوالي الأئمة الأربعة، ويرى فضلهم وأمانتهم، وأنهم من الفضل والفضائل في غاية ورتبة يقصر عنها المتطاول.
ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائه من أهل الحديث والفقه والتفسير، وأهل الزهد والعبادة.
ويرى المنع من الانفراد عن أئمة الدين من السلف الماضين برأي مبتدع، وقول مخترع، فلا يحدث في الدين ما ليس له أصل يتبع، وما ليس من أقوال أهل العلم والأثر.
ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه، من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع، وأهدره الرسول، ومن نسب إليه خلاف هذا، فقد كذب وافترى، وقال ما ليس له به علم، وسيجزيه الله ما وعد به أمثاله من المفترين.
انظركتاب" دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-" للشيخ ربيع المدخلي(ص35-37).
مؤلفات الإمام محمد منها:
1-كتاب التوحيد فيما يجب من حق الله على العبيد.
2- كتاب الكبائر.
3- كتاب كشف الشبهات.
4- كتاب مختصر السيرة النبوية.
5- كتاب أصول الإيمان وفضائل الإسلام.
__________
(1) وانظر كتاب " علماء نجد خلال ثمانية قرون " للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام (1/142).(1/257)
6- كتاب مختصر زاد المعاد.
7- كتاب مجموع الحديث على أبواب الفقه.
8- كتاب مختصر الشرح الكبير.
9- كتاب مختصر الإنصاف.
10- كتاب أحاديث الفتن.
11- كتاب مسائل الجاهلية.
انظر كتاب" دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله-" للشيخ ربيع المدخلي (ص 44)، وكتاب "علماء نجد" للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام ( ص 149-150).
وله غير هذه الكتب مجموعة مؤلفات أخرى هي:
1- قسم الحديث في أربع مجلدات.
2- التفسير ومختصر زاد المعاد في مجلد.
3- الفقه في مجلدين.
4- مختصر سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والفتاوى في مجلد.
5- والحق مصنفاته في مجلد.
6- رسائل شخصية في مجلد.
وكلها مستمدة من الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح، في العقيدة والعبادة والمنهج.
ثناء العلماء على الإمام محمد وتأييدهم له بالحجة والبرهان
فمن هؤلاء العلماء:
1- الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
2- الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
3- الشيخ حسين بن غنام صاحب كتاب (روضة الأفكار والأفهام).
4- الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، فإنه حين طلب الشريف غالب من الإمام عبد العزيز بن محمد ابن سعود أن يبعث إليه عالما لمناظرة علماء مكة، فبعثه الإمام عبد العزيز والإمام محمد، فذهب إليهم، وناظرهم وظهر عليهم، وكتب رسائل في الذود عن الدعوة السلفية.
5- سليمان بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
6- الشيخ عبد العزيز الحصين الناصري قاضي بلدان الوشم، فإنه حين أعاد الشريف غالب الطلب لمجيء عالم من نجد لمناظرة علماء الحرم الشريف، فبعثه الإمام عبد العزيز بن محمد إليهم وزوده الإمام محمد بن عبد الوهاب، برسالة إلى علماء مكة، يوضح لهم فيها طريق دعوته، ونفى عنها الأكاذيب والأراجيف.
7- الشيخ محمد بن علي بن غريب، كان هو الذي يتولى الرد والإجابة على شبهات علماء الأمصار التي توجه ضد الدعوة.(1/258)
8- الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر، صاحب كتاب (عنوان المجد في تاريخ نجد).
9- العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، صاحب كتاب (سبل السلام) وغيره، وله قصيدة مشهورة في تأييد الشيخ.
10- الشيخ أحمد بن دعيج بن علي الكثيري نسبا من أهل مرات، له قصائد وبعض الردود على مخالفي الدعوة.
11- العلامة محمد بن علي الشوكاني، وله ثناء على دعوته وله أبيات رائعة في رثائه.
12- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين.
13 - ومن المتأخرين الشيخ عبد الرحمن بن حسن.
14- الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن.
15- الشيخ سليمان بن سحمان.
16- الشيخ حمد بن عتيق.
17- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق.
18- الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز.
19- الشيخ محمد خليل هراس، له رد على مقال للدكتور محمد البهي، في نقد الوهابية.
فلهؤلاء، ردود مفحمة وأجوبة مسكتة -رحمهم الله تعالى-.
وهناك مؤلفات كتبت في الثناء على الإمام محمد ودعوته والذب عنه منها:
1- كتاب صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان تأليف العلامة الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي.
2- كتاب محمد بن عبد الوهاب، مصلح مظلوم مفترى عليه للشيخ مسعود الندوي.
3- الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مجدد القرن الثاني عشر المفترى عليه ودحض تلك المفتريات تأليف العلامة أحمد بن حجر بوطامي البنعلي.
4- من مشاهير المجددين في الإسلام شيخ الإسلام: ابن تيمية وشيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله تعالى- نبذة عن حياتهما وجهادهما وثمرات دعوتهما تأليف العلامة صالح بن فوزان الفوزان.
5- حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تأليف حسين خلف خزعل.
6- عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي للشيخ صالح بن عبد الله العبود.
7- كتاب دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقد، إعداد عبد العزيز ابن محمد بن علي العبد اللطيف.(1/259)
8- السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب للدكتور: علي عبد الحليم محمود.
9- الإمام محمد بن عبد الوهاب، أو انتصار المنهج السلفي لعبد الحليم الجندي.
10- انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية، تأليف: محمد كمال جمعة.
11- تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية للدكتور: محمد بن سعد الشويعر.
وهناك مجموعة من البحوث باسم (بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب) من ضمنها:
1- كلمة في إبراز دعوة الإمام محمد ومزاياها الإصلاحية وآثارها الطيبة في حياة المسلمين للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز- رحمه الله -.
2- بحث قيم للشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري باسم (حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية.
3- حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية للشيخ محمد بن أحمد العقيلي.
4- اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة لمعالي الشيخ عبد العزيز بن محمد ابن إبراهيم آل الشيخ.
5- اعتماد فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة للشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم.
وقد كتب في سيرته مؤلفات - رحمه الله -.
انظر ترجمته في "دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب للشيخ ربيع المدخلي ( ص 39- 42).
94- الفلاني ت (1218)
هو الإمام المحدث الحافظ المسند الأصولي الأثري، صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله بن عمر العمري نسبة إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ولد سنة ( 1166).
ارتحل في طلب العلم وعمره إذا ذاك نحو اثني عشر عاماً إلى تونس إلى باغي، ثم إلى تنبكيت، ثم إلى درعة، ثم إلى مراكش، ثم إلى تونس، ثم إلى مصر، ثم إلى المدينة، يأخذ عن علماء هذه البلدان.(1/260)
ومن شيوخه ابن سنة الفلاني وهو أعلى شيوخه إسناداً، ومنهم خاله عثمان بن عبد الله الفلاني، ومنهم صالح بن محمد بن عبد القادر العمري، ومنهم إبراهيم البار إجازة، ومنهم الشيخ محمد سعيد سفر المحدث الشهير، وغيرهم، ومنهم عدد آخرون يروي عنهم بالإجازة وهم كثير.
وصفه الشيخ محمد عابد السندي: " الإمام الذي لا يجارى، والفهامة الذي لا يمارى(1)، ملحق الأصاغر بألاكابر".
قال فيه الشمس القاوقجي: " كاد أن يكون مجتهداً ".
وممن جزم ببلوغه رتبة الاجتهاد، صاحب كتاب" الدين الخالص"( يعني صديق حسن خان ) وأثنى عليه غير هؤلاء.
من تصانيفه:
الثمار اليانع أو إحياء مراسم الأسانيد العالية بعد اندراسها، وتوثيق عرى المسلسلات السامية بعد انفصامها، وإيضاح الطرق الهادية بعد خفاء أعلامها، وهو ثبته الكبير، وله كتاب إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار والتحذير من البدع الشائعة في القرى والأمصار.
وقد وصف الفلاني بأنه مسند الحجاز - رحمه الله -.
انظر ترجمته في فهرس الفهارس (2/901) فما بعدها، وحلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر لعبد الرزاق البيطار (2/722).
95 -الشيخ سليمان بن عبد الله ابن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ت ( 1233)
هو الحافظ المحدث الفقيه المجتهد الثقة، أوحد الحفاظ، تاج عصره جمال الزمان، الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولد سنة (1200)هـ.
كان آية في العلم، والحلم، والحفظ والذكاء، له المعرفة التامة في الحديث ورجاله، وصحيحه، وحسنه وضعيفه، والفقه والتفسير والنحو.
وكان في معرفة رجال الحديث يسامي أكابر الحفاظ، وضرب به المثل في زمنه بالذكاء، وكان حسن الخط، ليس في زمنه من يكتب بالقلم مثله.
أخذ العلم:
1- عن أبيه.
2- والشيخ حمد بن معمر.
3- وعن عمه الشيخ حسين.
4- والشيخ علي.
5- والشيخ حسين بن غنام.
6- والشيخ عبد الله بن فاضل.
__________
(1) - لعله لا يبارى.(1/261)
7- والشيخ عبد الرحمن بن خميس.
8- والشيخ عبد الله الغريب.
9- وأجازه الشيخ: محمد بن علي الشوكاني.
برع في الفنون، كانت له اليد الطولى في الحديث، ورجاله، يروى عنه أنه كان يقول: أنا برجال الحديث أعرف مني برجال الدرعية، لم ير شخص حصل له من الكمال، والعلوم والصفات الحميدة، التي لم يحصل بها الكمال لسواه، على صغر سنه.
صنف شرح كتاب التوحيد لجده، فمن بعده عيال عليه، ولكنه لم يكمله، وله حاشية على شرحه، والدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك، كان طلبة العلم يحفظونه عن ظهر قلب.
ورسالة في عدد الجمعة،لم ينسج على منوالها، وأجوبة فرقناها على حسب الترتيب، ومن وقف على كلامه، شهد له بالشهامة والجودة، والذكاء والحفظ، وحسن الفهم.
أخذ عنه العلم: عدد كثير من أهل الدريعة، وغيرهم، منهم الشيخ محمد بن سلطان وغيره ؛ وكان - رحمه الله - آمراً بالمعروف، ناهيا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، فلا يتعاظم رئيساً في الأمر والنهي، ولا يتصاغر ضعيفاً أتى إليه يطلب فائدة.
احترمته المنية في عنفوان شبابه، بكت عليه العيون بأسرها، فياله من خطب ما أعظمه، وعاجل أجل ما أوجعه، ومصاب ما أكبره وأهوله، نمي به - رحمه الله - عند إبراهيم باشا فقتله، أكرمه الله بالشهادة، سنة (1233)هـ، - رحمه الله - وأسكنه الفردوس الأعلى.
انظر ترجمته في الدرر السنية (16/384-386).
96- الشوكانى ت ( 1250)(1/262)
هو محمد بن على بن محمد بن عبد الله الشوكاني، ثم الصنعاني، ولد حسبما وجد بخط والده في وسط نهار يوم الاثنين، الثامن والعشرين، من شهر ذي القعدة سنة (1173) ثلاث وسبعين ومائة وألف بمحل سلفه المتقدم، ذكره في ترجمة والده، وهو هجرة شوكان وكان إذ ذاك قد انتقل والده إلى صنعاء، واستوطنها، ولكنه خرج إلى وطنه القديم في أيام الخريف، فولد له صاحب الترجمة هنالك، ونشأ بصنعاء، فقرأ القرآن على جماعة من المعلمين، وختمه على الفقيه حسن بن عبدالله الهبل، وجوده على جماعة من مشائخ القرآن بصنعاء، ثم حفظ الأزهار، للإمام المهدي، ومختصر الفرائض للعصيفري، والملحة للحريري، والكافية الشافية لابن الحاجب، والتهذيب للتفتازانى، والتلخيص للقزوينى، والغاية لابن الإمام، وبعض مختصر المنتهى لابن الحاجب، ومنظومة الجزري، ومنظومة الجزاز في العروض، وآداب البحث للعضد، ورسالة الوضع له أيضا، وكان حفظه لهذه المختصرات قبل الشروع في الطلب، وبعضها بعد ذلك، ثم قبل شروعه في الطلب كان كثير الاشتغال بمطالعة كتب التواريخ، ومجاميع الأدب من أيام كونه في المكتب، فطالع كتبا عدة، ومجاميع كثيرة، ثم شرع في الطلب، وقرأ على والده - رحمه الله - في شرح الأزهار، وشرح الناظري لمختصر العصيفري، وقرأ في شرح الأزهار أيضا على السيد العلامة عبد الرحمن بن قاسم المداني، والعلامة أحمد بن عامر الحدائي، والعلامة أحمد بن محمد ابن الحرازي وبه انتفع في الفقه، وعليه تخرج، وطالت ملازمته له نحو ثلاث عشرة سنة، وكرر عليه قراءة شرح الأزهار، وحواشيه، وقرأ عليه بيان ابن مظفر، وشرح الناظري، وحواشيه.(1/263)
وفي أيام قراءته في الفروع، شرع في قراءة النحو، فقرأ الملحة وشرحها على السيد العلامة إسماعيل ابن الحسن بن أحمد بن الحسين ابن الإمام القاسم بن محمد، وقواعد الإعراب وشرحها للأزهري، والحواشي جميعا على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي، وشرح السيد المفتي على الكافية على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني، والعلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي، وأكمله من أوله إلى آخره على كل واحد منهما.
وقرأ شرح الخبيصي على الكافية، وحواشيه على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي من أوله إلى آخره، وكذلك قرأه من أوله إلى آخره على شيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخولاني، وقرأ شرح الجامي من أوله إلى آخره، وقرأ شرح الرضى على الكافية على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني، وبقى منه بقية يسيرة.
وقرأ شرح الشافية للطف الله الغياث جميعا، على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني، وقرأ شرح ايساغوجى للقاضي زكريا على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي جميعا، وشرح التهذيب للشيرازى، واليزدي على شيخه العلامة القاسم بن يحيى الخولانى، من أولهما إلى آخرهما، وشرح الشمسية للقطب، وحاشيته للشريف على شيخه العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي، واقتصر على البعض من ذلك، وشرح التخليص المختصر للسعد وحاشيته للطف الله الغياث على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني، جميعا ما عدا بعض المقدمة فعلى العلامة علي بن هادى عرهب.
والشرح المطول للسعد التفتازاني أيضا، وحاشيته للشلبي، وللشريف.
أما المطول فجميعه، وكذلك حاشية الشلبي، وأما حاشية الشريف فما تدعو إليه الحاجة، وقرأ الكافل وشرحه لابن لقمان، على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي جميعا، وشرح الغاية على العلامة القاسم بن يحيى الخولانى، وحاشيته لسيلان.(1/264)
وشرح العضد على المختصر وحاشيته للسعد، وما تدعو الحاجة إليه من سائر الحواشي، وكمل ذلك على العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي، وشرح جمع الجوامع للمحلى، وحاشيته لابن أبى شريف على شيخه السيد الإمام عبد القادر بن أحمد، وكذلك شرح القلائد للنجري، وشرح المواقف العضدية للشريف، واقتصر على البعض من ذلك، وقرأ شرح الجزرية على العلامة هادي بن حسين القارني.
وقرأ جميع شفاء الأمير الحسين على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي، وسمع أوائله على العلامة عبد الرحمن بن حسن الأكوع.
وقرأ البحر الزخار، وحاشيته وتخريجه، وضوء النهار على شرح الأزهار على السيد العلامة عبد القادر بن أحمد، ولم يكملا.
وقرأ الكشاف، وحاشيته للسعد، وبعد انقطاعها حاشيته للسراج مع مراجعة غير ذلك من الحواشي على شيخه العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى، وتم ذلك إلا فوتا يسيرا في آخر الثلث الأوسط.
وسمع البخاري من أوله إلى آخره على السيد العلامة علي بن إبراهيم بن على بن إبراهيم بن أحمد ابن عامر، وسمع صحيح مسلم جميعاً وسنن الترمذي جميعاً، وبعض موطأ مالك، وبعض شفاء القاضي عياض على السيد العلامة عبد القادر بن أحمد، وكذلك سمع منه بعض جامع الأصول، وبعض سنن النسائي، وبعض سنن ابن ماجة، وسمع جميع سنن أبى داود وتخريجها للمنذري، وبعض المعالم للخطابي، وبعض شرح ابن رسلان على العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي، وكذلك بعض المنتقى لابن تيمية على السيد عبد القادر بن أحمد، وكذلك سمع شرح بلوغ المرام على العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي وفات بعض من أوله.(1/265)
وكذلك سمع على العلامة عبد القادر بن أحمد بعض فتح الباري، وعلى الحسن بن إسماعيل المغربى بعض شرح مسلم للنووي، وبعض شرح العمدة على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني، والتنقيح في علوم الحديث على العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى، والنخبة وشرحها على العلامة القاسم بن يحيى، وبعض ألفية الزين العراقى، وشرحها له، على العلامة عبد القادر بن أحمد، وجميع منظومة الجزاز، وجميع شرحها له في العروض على شيخنا المذكور، وشرح آداب البحث، وحواشيه على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني، والخالدي، في الفرائض والضرب، والوصايا، والمساحة، وطريقة ابن الهايم في المناسخة، على السيد العارف يحيى بن محمد الحوثي، وبعض صحاح الجوهري، وبعض القاموس على السيد العلامة عبد القادر بن أحمد، مع مؤلفه الذي سماه ( فلك القاموس).
هذا ما أمكن سرده من مسموعات صاحب الترجمة ومقروآته، وله غير ذلك من المسموعات، والمقروآت.
وأما ما يجوز له روايته بما ما معه من الإجازات، فلا يدخل تحت الحصر كما يحكى ذلك مجموع أسانيده، وكانت قراءته لما تقدم ذكره في صنعاء اليمن، ولم يرحل لأعذار أحدها عدم الإذن من الأبوين.(1/266)
وقد درَّس في جميع ما تقدم ذكره، وأخذه عنه الطلبة وتكرر أخذهم عنه في كل يوم من تلك الكتب، وكثيرا ما كان يقرأ على مشايخه، فإذ فرغ من كتاب قراءة أخذه عنه تلامذته، بل ربما اجتمعوا على الأخذ عنه قبل أن يفرغ من قراءة الكتاب على شيخه، وكان يبلغ دروسه في اليوم والليلة إلى نحو ثلاثة عشر درساً، منها ما يأخذه عن مشايخه، ومنها ما يأخذه عنه تلامذته، واستمر على ذلك مدة، حتى لم يبق عند أحد من شيوخه، مالم يكن من جملة ما قد قرأه صاحب الترجمة، بل انفرد بمقروآت بالنسبة إلى كل واحد منهم على انفراده إلا شيخه العلامة عبد القادر بن أحمد، فإنه مات، ولم يكن قد استوفى ما عنده، ثم إن صاحب الترجمة فرغ نفسه لإفادة الطلبة، فكانوا يأخذون عنه في كل يوم زيادة على عشرة دروس في فنون متعددة، واجتمع منها في بعض الأوقات: التفسير، والحديث والأصول، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والمنطق، والفقه، والجدل والعروض.
وكان في أيام قراءته على الشيوخ، وإقرائه لتلامذته يفتي أهل مدينة صنعاء، بل ومن وفد إليها، بل ترد عليه الفتاوي من الديار التهامية، وشيوخه إذ ذاك أحياء، وكادت الفتيا تدور عليه من عوام الناس، وخواصهم، واستمر يفتي من نحو العشرين من عمره فما بعد ذلك.
مصنفاته
صنف تصانيف مطولات ومختصرات فمنها:
1- شرح المنتقى كان تبييضه في أربع مجلدات كبار، أرشده إلى ذلك جماعة من شيوخه كالسيد العلامة عبد القادر بن أحمد، والعلامة الحسن بن إسماعيل المغربي، وعرض عليهما بعضاً منه، وماتا قبل تمامه.
2- ومنها حاشية شفاء الأوام في مجلد.
3- والدرر البهية، وشرحها الدرارى المضية، في مجلد.
4- والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة في مجلد وهذا الكتاب في مجلد.
5- ومن المختصرات،( الإعلام بالمشايخ الأعلام، والتلامذة الكرام) جعله كالمعجم لشيوخه، وتلامذته، وقد ذكر أكابرهم فيما يتقدم، ويأتي من هذا الكتاب.(1/267)
6- و(بغية الأريب من مغنى اللبيب) نظم، ذكر فيها ما تمس الحاجة إليه وشرحها.
7- ونظم كفاية المحتظ، ولم يبيض، وكان نظمه لهاتين المنظومتين في أوائل أيام طلبه.
8- والمختصر البديع في الخلق الوسيع، ذكر فيها خلق السموات والأرض، والملائكة، والجن، والإنس، وسرد غالب ماورد من الآيات والأحاديث، وتكلم عليها فصار في مجلد لطيف، ولكنه لم يبيضه.
9- والمختصر الكافي من الجواب الشافي.
10- وطيب النشر في جواب المسائل العشر.
11- وعقود الزبرجد في جيد مسائل علامة ضمد.
12- والصوارم الهندية المسلولة على الرياض الندية.
13- رسالة في أحكام الاستجمار.
14- ورسالة في أحكام النفاس.
15- ورسالة في كون تطهير الثياب والبدن من شرائط الصلاة أم لا ؟.
16- ورسالة في الكلام على وجوب الصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة.
17- ورسالة في صلاة التحية.
18- والقول الصادق في إمامة الفاسق.
19- ورسالة في أسباب سجود السهو.
20- و(تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع).
21- والرسالة المكملة في أدلة البسملة.
22- واطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال.
23- ورسالة في وجوب الصوم على من لم يفطر، إذا وقع الإشعار في دخول رمضان في النهار.
24- ورسالة في زيادة ثواب من باشر العبادة مع مشقة.
25- ورسالة في كون أجرة الحج من الثلث.
26- ورسالة في كون الخلع طلاقا، أو فسخا.
27- ورسالة في حكم الطلاق ثلاثا.
28- ورسالة في الطلاق البدعي.
29- ورسالة في نفقة المطلقة.
30- ورسالة في كون رضاع الكبير يقتضي التحريم لعذر، وفيما يقتضى التحريم من الرضاع.
31- ورسالة في من حلف ليقضين دينه غدا إن شاء الله.
32- ورسالة في بيع الشيء قبل قبضه.
33- وتنبيه ذوى الحجى في حكم بيع الرجا.
34- وشفاء العلل في حكم زيادة الثمن لأجل الأجل.
35- ورسالة في الهيئة لبعض الأولاد.
36- ورسالة في جواز استناد الحاكم في حكمه إلى تقويم العدول.(1/268)
37- والقول المحرر في حكم لبس المعصفر، وسائر أنواع الأحمر.
38- والبحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر.
39- ورسالة في الوصية بالثلث ضراراً.
40- ورسالة في القيام للواصل لمجرد التعظيم.
41- ورسائل في أحكام لبس الحرير.
42- ورسالة في حكم المخابرة.
43- وإتحاف المهرة بالكلام على حديث" لا عدوى ولا طيرة ".
44- ورسالة في حكم بيع الماء.
45- ورسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبواهم.
46- ورسائل على مسائل من السيد العلامة علي بن إسماعيل.
47- ورسالة في حكم طلاق المكره، وإبطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع.
48- ورسالة في حكم الجهر بالذكر.
49- وعقود الجمان في شأن حدود البلدان، وما يتعلق بها من الضمان.
50- ورسالة على مسائل لبعض علماء الحجاز.
51- ورسالة في الكسوف هل لا يكون إلا في وقت معين على القطع أم ذلك يتخلف ؟.
52- وزهر النسرين الفائح بفضائل العمرين.
53- وحل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال.
54- والإبطال لدعوى الاختلال في حل الإشكال.
55- وتفويق النبال إلى إرسال المقال.
56- ورسالة في مسائل وقع الاختلاف فيها بين علماء كوكبان.
57- ورسالة في لحوق ثواب القراءة المهداة من الأحياء إلى الأموات.
58- والتشكيك على التفكيك لعقود التشكيك.
59- وإرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي.
60- ورفع الجناح عن نافي المباح.
61- والبغية في مسألة الرؤية.
62- ورسالة في حكم المولد.
63- والقول المقبول في رد خبر المجهول، من غير صحابة الرسول.
64- وأمنية المتشوق في تحقيق حكم المنطق.
65- وإرشاد المستفيد إلى رفع كلام ابن دقيق العيد في الإطلاق والتقليد(1).
66- والصوارم القاطعة الحداد لعلائق مقالات أرباب الاتحاد.
67- والبحث الملم بقوله تعالى ( إلا من ظلم ).
68- وجواب السائل عن تفسير تقدير القمر منازل.
__________
(1) 1-كذا ولعله( والتقييد).(1/269)
69- وبل الغمامة في تفسير (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ).
70- وتحرير الدلائل، فيما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والاحتفاظ(1) والبعد والحائل.
71- وفتح القدير، في الفرق بين المعذرة والتعذير.
72- وإتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر.
73- وتنبيه الأعلام على تفسير المشتبهات بين الحلال والحرام.
74- ورفع الخصام في الحكم بالعلم من الأحكام.
75- والدر النضيد في إخلاص التوحيد.
76- وإيضاح الدلالات على أحكام الخيارات، ودفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات.
77- والتوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر، والدجال، والمسيح.
78- والأبحاث الوضية في الكلام على حديث حب الدنيا رأس كل خطية.
79- وإشراق النيرين في بيان الحكم إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين.
80- والقول الجلي في لبس النساء الحلي.
81- والأبحاث البديعة في وجوب الإجابة إلى حكام الشريعة.
82- والقول المفيد في حكم التقليد.
83- والوشي المرقوم في تحريم حلية الذهب على العموم.
84- وإرشاد السائل إلى دلائل المسائل.
85- وكشف الرين عن حديث ذى اليدين.
86- وهداية القاضي إلى نجوم(2) الأراضي.
87- وإيضاح القول في إثبات العول.
88- واللمعة في الاعتداد بركعة من الجمعة.
89- وأدب الطلب ومنتهى الأرب.
وقد يعقب هذه المصنفات مصنفات كثيرة يطول تعدادها وهو الآن يجمع تفسيراً لكتاب الله جامعا بين الدارية والرواية، ويرجو الله أن يعين على تمامه بمنه وفضله، ثم من الله وله الحمد بتمامه في أربعة مجلدات كبار، وشرع في كتاب في أصول الفقه، سماه إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، وهو الآن في عمله أعان الله على تمامه، ثم تم ذلك بحمد الله في مجلد.
وقد جمع من رسائله ثلاث مجلدات كبار، ثم لحق بعد ذلك قدر مجلد، وسمى الجميع: الفتح الرباني في فتاوى الشوكاني، وجميع ذلك رسائل مستقلة وأبحاث مطولة.
__________
(1) 2- لعله الانخفاض.
(2) 3- لعله تخوم.(1/270)
وأما الفتاوى المختصرة لا تنحصر أبداً، وهو الآن يشتغل بتصنيف الحاشية التي جعلها على الأزهار، وقد بلغ فيها إلى كتاب الجنايات، وسماها (السيل الجرار على حدائق الأزهار) وهى مشتملة على تقرير ما دل عليه الدليل، ودفع ما خالفه والتعرض لما ينبغي التعرض له، والاعتراض عليه من شرح الجلال، وحاشيته، وهذا الكتاب إن أعان الله على تمامه، فسيعرف قدره من يعترف بالفضائل وما وهب الله لعباده من الخير".
مات - رحمه الله - سنة (1250هـ).
انظر البدر الطالع (2/214-223).
97- الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ت (1285)
هو الإمام العالم العلامة، الحبر البحر الفهامة، مفيد الطالبين، مرجع الفقهاء والمتكلمين، المحفوف بعناية رب العالمين، العلم الرباني والمجدد الثاني، جامع أنواع العلوم الشرعية، ومحقق العلوم الدينية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية، وارث العلم كابر عن كابر.
رجع العلم به غضا بعد أن كان دابراً، وظاهرا بعد أن كان غابراً، مفتي فرق الأنام، ناصر شريعة سيد الأنام، الموفق للصواب في الجواب شيخ الإسلام، الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ، ولد سنة (1196) هـ، في بلد الدرعية، وشب بها.
وأخذ العلم عن:
1- جده الشيخ محمد وعمومته.
2- والشيخ عبد الله.
3 - والشيخ علي.
4- والشيخ حسين.
5- وعن الشيخ حمد بن ناصر بن معمر.
6- والشيخ عبد الله بن فاضل.
7- وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن خميس، في الفرائض.
8- وفي الجزرية على أحمد بن حسن الحنبلي.
9- وشرح الفاكهي على المتممة في النحو على الشيخ حسين بن غنام.
وأخذ العلم –أيضا- عن علماء مصر إذ كان، ثم مع أعمامه، ومن فضلائهم:
1- الشيخ حسن القويسيني.
2- والشيخ عبد الله سويدان.
3- والشيخ عبد الرحمن الجبرتي.
4- وأخذ العلم عن مفتي الجزائر: محمد بن محمود الجزائري الحنفي.
5- وقرأ على الشيخ إبراهيم العبدي، شيخ مصر في القراءات، قرأ عليه أول القرآن.(1/271)
6- وقرأ على الشيخ أحمد سلمونة كثيراً من الشاطبية، وشرح الجزرية.
7- وقرأ على الشيخ يوسف الصاوي.
8- والشيخ إبراهيم البيجوري شرح الخلاصة، وأجازه جماعة من المحدثين، وأخذ العلم أيضا عن جماعات سوى هؤلاء المذكورين.
وكان -رحمه الله-: له اليد الطولى في الأصول، والفروع، حتى لم يكن في زمانه أفقه ولا أروع ولا أزهد ولا أتبع للسنة منه.
وكان من الجبال التي لا ترتقي ذروتها، ولا ينال سنامها، ومن أكابر السلف وأعلامها، غزير الفضل،كامل العقل، شديد التثبت، حسن السمت، إماما في جميع الفنون الدينية، معرضاً عن الدنيا وأهلها، هيناً ليناً شجاعاً مهيباً، متواضعاً محباً للطلبة والمساكين، حسن الخلق والخلق، جواداً سخياً كثير العبادة والتضرع، والدعاء، كأن النور يخرج من وجهه.
عن الدنيا ما كان أصبره، وبالسلف ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه ؛ اختصه الله بنصر دينه، والقيام بحفظ سنته، ورضيه لإقامة حجته، قام مقام نبوة، واشتهر ذكره وانتشر، وأجمع على إمامته في الدين أهل نجد والأمصار، وشاع صيته في الأقطار وشمائله.
وما قاله الأئمة في مدحه كثير.
قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع -رحمه الله-:
فلا يبعدنك الله من شيخ طاعة بعيد عن الأدناس ناء عن الكبر
قوي بأمر الله شهم مهذب أشد لدى هتك الحدود من النمر
تجرد للتدريس والحفظ دائبا وأسقى غراس العلم في سائر العمر
ففي الفقه والتفسير بحر غطمطم وفي بحثه التوحيد نادرة العصر
وفي النحو والتأصيل قد صار آية وكل فنون العلم لبحر أربى على البحر
يجيب على الفتيا جوابا مسدداً يزيح به الإشكال عن مرتج الفكر
فيضحى عويص المشكلات موضحا بتحقيق أبحاث أدق من الشعر
* * *
فسل عنه في التوحيد تهذيبه الذي غدا بين تلك الكتب كالكوكب الدر
وفي رده تشبيه كل مشبه من الملحدين المعتدين أولى الغدر
إذا مبطل يأتي بتزويق شبهة جلاها كما يجلى دجا الليل بالفجر(1/272)
ففي كل إقليم له الرد فانتهت تصانيفه في كل مصر وفي كل قصر
ولما طغى علج العراق بجهله وغرره ما لفقوه من الهذر
رماه كما يرمي الرجيم بثاقب فراح ابن جرجيس على الذل والصغر
وباء ابن منصور بإرغام حجة ودحض فولى بالبوار وبالخسر
وفي كل معنى وفي الله قسمه وفضل إله العرش يسمو على الحصر
ولست بمحص بعد تعداد فضله ولكن ذا نزر يدل على الغمر
وقال الشيخ أحمد بن علي بن مشرف بعد ثنائه على الشيخ محمد:
كذا عابد الرحمن أعني حفيده بنور الهدى يهدي فمن ذا يعادله
ينافح عن دين الهدى كل مبطل فيبطل تمويهاته ويناضله
وقال الشيخ عثمان بن بشر: هو العالم النحرير، والبحر الزاخر الغزير، مفيد الطالبين، وافتخار العلماء الراسخين، ومرجع الفقهاء والمتكلمين، المحفوظ بعناية رب العالمين، عمدة السلف وبقية الخلف، جامع أنواع العلوم الشرعية، ومحقق العلوم الدينية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية، مفتي فرق الأنام، ومؤيد شريعة سيد الأنام.
وقال الشيخ إبراهيم بن عيسى: هو الإمام العالم الفاضل القدوة، رئيس الموحدين، وقامع الملحدين، كان إماماً بارعاً محدثاً فقيهاً، ورعاً تقياً نقياً صالحاً، له اليد الطولى في جميع العلوم الدينية، وكان ملازماً للتدريس، مرغباً في العلم، معيناً عليه، كثيرا الإحسان للطلبة، لين الجانب، كريماً سخياً، ساكناً وقوراً، كثير العبادة.
ولو تتبعنا محاسنه وفضائله لطال المقام.
وله مصنفات شهيرة مقبولة، منها:
1- كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
2- قرة عيون الموحدين حاشية على التوحيد.
3- كشف ما ألقاه إبليس، على داود بن جرجيس مجلد ؛ورد عليه أيضا غيره.
4- كتاب في الرد على عثمان بن منصور مجلد.
5- وله الرد والردع على داود أيضاً.
6- مشاركة مع عمه الشيخ عبد الله، في رده على الزيدية.
7- اختصر قطعة من العقل والنقل.
8- تفسير الفاتحة.
9- مختصر تفسير قل هو الله أحد.(1/273)
وله ردود مختصرات على ابن منصور وغيره، وأجوبة مفيدة، ورسائل، ونصائح عديدة، أكثر من مجلد، فرقناها في موضعها على حسب الترتيب.
وبالجملة: فهو رئيس قضاة المسلمين، وانتفع بعلمه الفئام.
فممن أخذ عنه العلم، من القضاة، والعلماء، من ذريته، وذرية أعمامه:
1- ابناه الشيخ عبد اللطيف، وإسماعيل.
2- والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف.
3- والشيخ حسن بن حسين ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
4- والشيخ عبد الرحمن بن حصين.
5- وابنه عبد العزيز.
6- والشيخ عبد الملك.
7- وابنه إبراهيم.
8- والشيخ حسين بن حمد بن حسين.
9- والشيخ حسين وحسن ابنا علي بن حسين.
10- والشيخ عبد الله بن حسن بن حسين.
11- والشيخ عبد الله بن محمد بن علي.
12- وأبناء الشيخ علي ابن الشيخ، وغيرهم ممن لم يل القضاء خلق.
وأخذ عنه من القضاة والفقهاء:
1- الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن بشر.
2- والشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد.
3- والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم.
4- والشيخ محمد بن عمر بن سليم.
5- والشيخ صالح بن محمد الشثري.
6- والشيخ زيد بن محمد آل سليمان.
7- والشيخ عبد العزيز بن شلوان.
8- والشيخ علي بن عبد العزيز بن سليم.
9- والشيخ إبراهيم بن عيسى وابنه أحمد.
10- والشيخ علي بن عبد الله بن عيسى.
11- والشيخ عمر بن محمد بن يوسف.
12- والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع.
13- والشيخ عبد الله الخرجي.
14- والشيخ عبد الله المخضوب.
15- والشيخ مرشد.
16- والشيخ محمد بن علي بن موسى.
17- والشيخ عبد العزيز بن فرحان.
18- والشيخ عيسى بن إبراهيم الشثري.
19- والشيخ عيسى الزير.
20- والشيخ الصيرامي.
21- والشيخ حمد بن فارس.
22- والشيخ عثمان بن عبد الجبار.
23- والشيخ عبد الله بن نصير.
24- والشيخ ناصر بن عيد.
25- والشيخ محمد بن سلطان.
26- والشيخ عبد الرحمن بن حمد الثميري.
27- والشيخ حمد بن عتيق.
28- والشيخ عبد الله بن جبر.
29- والشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف.(1/274)
30- والشيخ عبد العزيز بن حسن بن يحيى.
31- والشيخ محمد بن إبراهيم ين عجلان.
32- والشيخ عبد الله بن علي بن مرخان.
33- والشيخ حمد بن عبد العزيز.
34- والشيخ عبد الرحمن بن عدوان، وغيرهم ممن ولي القضاء.
وأما من أخذ عنه ممن تأهل ولم يل القضاء فخلق كثير لا يحصى، نفع الله الطالب بحسن تعليمه، بحيث لا يلبث إلا يسيراً حتى يكون فائقاً، ضربت إليه آباط الإبل من جميع نواحي نجد والأمصار، وظهرت آثار البركة من تعليمه، وبذل نصحه للأئمة، ولسائر الأمة، وكان مشهورا بالكرم، وحسن الخلق، وحسن الدعوة، والغيرة لله، ولدينه، والقيام بذلك علما وعملا، وكان يتفقد طلبة العلم والفقراء، ويبذل لهم مما خوله الله مع تعفف مشهور.
وفضائله ومحاسنه ومناقبه، أشهر من نار على علم ؛ فرحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء ؛ فلقد بذل نفسه لله، وفي ذات الله، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ولا عذل عاذل ؛ وألقي عليه من المهابة والجلالة والبهاء، ما لا يعرف لغيره.
توفي -رحمه الله تعالى وقدس روحه ونور ضريحه-، في ثمانية من ذي الحجة، سنة (1285)هـ، وصلي عليه بعد طلوع الشمس في مسجد العيد، وحضر جنازته خلائق لا يحصون، وأصاب المسلمين بموته من الحزن والبكاء والتوجع، حتى ربات الخدور، حصل لهن من الفزع والحزن ما يعز وصفه، وجاءت التعازي من جميع النوحي.
قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع:
ترد رداء الصبر في حادث الأمر وفوض بتسليم مع الحمد والشكر
فنعم احتساب المرء في حال رزئه ونعم الدرع الصبر في العسر واليسر
لقد ساءنا ما جاءنا من مبلغ مشيع بما يهدي إلى المسمع الوقر
فصخت له سمعا وألححت سائلا بماذا ينادي والفؤاد على جمر
فقيل ينادي أخطأ الله شره بأن إمام الدين أوفى على العمر
فقلت نعي جاء من نحو داره لفيه الحصا ما ذا يقول من الشر
فقال سراج الدين أصبح ثاويا وهيل عليه الترب من جانب القبر
فأزعج من ألبابنا كل ساكن وحرك أشواقا بها عيل من صبري(1/275)
* * *
وأيقنت أن الأرض مادت بأهلها وأن الفضا مما بنا صار كالشبر
لقد ظل أهل الحق من بعد موته حيارى كأيتام أصيبوا على صغر
فيا مهجتي حقا عليه تفتتي ويا عبرتي خلي غروب الأسى تجري
ويا أضلعي لا تسأمي إن تصدعت سعير حريق القلب أو أنة الصدر
فلا يبعدنك الله من شيخ طاعة يعيد عن الأدناس ناء عن الكبر
رفيق لدى الإفتا لطيف لدى النجا رقيق لدى النجوى إلى عالم السر
وأطال في الثناء عليه ثم قال:
عسى يحيي ذكره بعد فقده ويثني به القاري ويدعو له المقري
فلو كان يبقى بالفضائل فاضل لخلد نحرير الهدى سائر الدهر
أو الأجل المحتوم يدفع برهة لزدناه من وقت به منتهى العمر
أو الحتف تدفعه جنود وجحفل لسمنا نفوسا تحت راياتها الخضر
ولكن أطواق المنايا قلائد بأعناقنا لا تفديها من الأسر
لقد بان فينا النقص من بعد موته وموت أهيل العلم قاصمة الظهر
فكان كسلك قد وهى من نظامه فلهفي على أهل النهي الجلة الطهر
فهذه علامات القيامة قد بدت ونقل خيار الناس من جملة النذر
فنرجو إله العالمين يثيبنا ويجبر منا ما تصدع من كسر
ويسكنهم في جنة الخلد إنه رحيم ودود قد تفرد بالأمر
انظر ترجمته في الدرر السنية( 16/404-413 ).
من أهل القرن الرابع عشر
98 - السيد نذير حسين الدهلوي ت (1320)
هو الشيخ الإمام العالم الكبير المحدث، العلامة نذير حسين بن جواد علي بن عظمة الله ابن الله بخش الحسيني البهاري ثم الدهلوي، المتفق على جلالته ونبالته في العلم، والحديث.(1/276)
ولد سنة عشرين وقيل خمس وعشرين ومائتين وألف، بقريته سورج كدها من أعمال بهار - بكسر الموحدة - ونشأ بها، وتعلم الخط والإنشاء، ثم سافر إلى عظيم آباد وأدرك بها السيد الإمام الشهيد أحمد بن عرفان الحسني البريلوي، وصاحبيه: الشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي، والشيخ عبد الحي بن هبة الله البرهانوي، سنة سبع وثلاثين، ومائتين وألف، فملأ قلبه من الإيمان وغشيه نور المعرفة، فسافر للعلم وأقام ببلدة إله آباد أياماً، وقرأ المختصرات على أعيان تلك البلدة، ثم سافر إلى دهلي وأقام في مقامات عديدة في أثناء السفر حتى دخل دهلي سنة ثلاث وأربعين.
فقرأ الكتب الدرسية على السيد عبد الخالق الدهلوي، والشيخ شير محمد القندهاري، والعلامة جلال الدين الهروي، وأخذ الأصول والبلاغة والتفسير، عن الشيخ كرامة العلي الإسرائيلي صاحب السيرة الأحمدية، والهيئة، والحساب، عن الشيخ محمد بخش الدهلوي، والأدب عن الشيخ عبد القادر الرامبوري، وفرغ من ذلك في خمس سنين، ثم تزوج بابنة الشيخ عبد الخالق المذكور، ولازم دروس الشيخ المسند إسحاق بن محمد أفضل العمري الدهلوي سبط الشيخ عبد العزيز بن ولي الله، وأجازه الشيخ المذكور سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف حين هجرته إلى مكة المشرفة، فتصدر للتدريس والتذكير والإفتاء.
ودرس الكتب الدرسية من كل علم، وفن، لاسيما الفقه والأصول إلى سنة سبعين ومائتين وألف.
وكان له ذوق عظيم في الفقه الحنفي، ثم غلب عليه حب القرآن والحديث، فترك اشتغاله بما سواهما إلا الفقه.(1/277)
وإني حضرت دروسه سنة اثنتي عشرة، وثلاثمائة وألف، فوجدته إماماً جوالاً في الحديث والقرآن حسن العقيدة، ملازما للتدريس، ليلا ونهارا، كثير الصلوات والتلاوة، والتخشع والبكاء، شديد التعصب على من خالفه، مداعباً مزاحاً، متواضعاً حليماً، ذا جرأة ونجدة، لا يخاف في الله لومة لائم، ورزقه الله سبحانه عمراً طويلاً، ونفع بعلومه خلقاً كثيراً من أهل العرب، والعجم، انتهت إليه رئاسة الحديث في بلاد الهند.
(ابتلاؤه بالظالمين الحاسدين)
وكان - رحمه الله - ممن أوذي في ذات الله سبحانه غير مرة، واتهمه الناس بالاعتزال عن أهل السنة والجماعة، وبالخروج على ولاة الهند، فقبض عليه الإنكليز سنة ثمانين أو إحدى وثمانين، فنقلوه إلى بلدة راولبندي من أرض بنجاب، فلبث في السجن سنة كاملة، ثم أطلقوه، فعاد إلى دهلي واشتغل بالدرس، والإفادة، كما كان يشتغل بها قبل ذلك، ثم إنه لما رحل إلى الحجاز سنة ثلاثمائة وألف، رموه بالاعتزال بأنه(1) يقول بحلة(2) شحم الخنزير، وبأن النكاح بالعمة والخالة جائزة، وبأن الزكاة ليست في أموال التجارة، وهكذا رموه بما هو بريء(3) عن ذلك، فرفعوا تلك القصة إلى والي مكة فقبض عليه الوالي، واستنطقه وحبسه يوماً وليلة، ثم أطلقه، ثم إنه لما عاد إلى الهند وكفروه، كما كفر الناس في الزمن السالف كبار العلماء من الأئمة المجتهدين(4)، والله سبحانه مجازيهم في ذلك.
__________
(1) 1- كذا ولعل الصواب " وبأنه ".
(2) 2- كذا والصواب بحلِّية.
(3) 3- هكذا يفعل أهل الضلال والبدع بأهل العلم والفضل والهدى في كل زمان ومكان ومن ذلك ما يفعله أهل البدع والتحزب والضلال بأهل السنة اليوم من كيل الافتراءت والأكاذيب والشائعات( تشابهت قلوبهم).
(4) 4- هكذا يفعل أهل البغي والإفك أعداء الحق في كل زمان ومكان بأهل الحق والهدى ( أتواصوا به بل هم قوم طاغون ).(1/278)
فإن الشيخ كان آية ظاهرة، ونعمة باهرة من الله سبحانه في التقوى والديانة، والزهد والعلم والعمل, والقناعة والعفاف، والتوكل والاستغناء عن الناس، والصدق وقول الحق، والخشية من الله سبحانه، والمحبة له ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، اتفق الناس ممن رزقه الله سبحانه حظاً من علم القرآن والحديث على جلالته في ذلك.
وكان شيخنا حسين بن محسن الأنصاري اليماني يحبه حبا مفرطاً، ويثني عليه، وقد كتب في جواب عن سؤال ورد عليه في حق السيد نذير حسين المترجم له: إن الذي أعلمه، وأعتقده، وأتحققه في مولانا السيد الإمام، والفرد الهمام، نذير حسين الدهلوي، أنه فرد زمانه، ومسند وقته وأوانه، ومن أجل علماء العصر، بل لا ثاني له في إقليم الهند، في علمه، وحلمه، وتقواه، وأنه من الهادين، والمرشدين إلى العمل بالكتاب والسنة، والمعلمين لهما، بل أجل علماء هذا العصر المحققين في أرض الهند أكثرهم من تلامذته، وعقيدته موافقة لعقيدة السلف الموافقة للكتاب والسنة ع:
وفي رؤية الشمس ما يغنيك عن زحل
فدع عنك قول الحاسد العذول، والأشر المخذول، فإن وبال حسده راجع إليه وآيل عليه , ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله )، فمن نال من هذا الإمام الهادي إلى سنة خير الأنام، فقد باء بالخسران المبين، وما أحسن ما قال القائل:
ألا قل لمن كان لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في ملكه لأنك لم ترض لي ما وهب
اللهم زد هذا الإمام شرفاً ومجداً، واخذل شانئه ومعاديه، ولا تبق منهم أحداً ؛ هذا ما أعلمه وأتحققه في مولانا السيد نذير حسين أبقاه الله، والله يتولى السرائر- انتهى ما كتب شيخنا حسين بن محسن المذكور.
ولم يكن للسيد نذير حسين كثرة اشتغال بتأليف، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يقدر عليه غيره، وله رسائل عديدة، أشهرها:
1- معيار الحق.
2- وواقعة الفتوى ودافعة البلوى.
3- وثبوت الحق الحقيق.
4- ورسالة في تحلي النساء بالذهب.(1/279)
5- والمسائل الأربعة- كلها باللغة الأردوية.
6- وفلاح الولي باتباع النبي.
7- ومجموعة الفتاوى بالفارسي.
8- ورسالة في إبطال عمل المولد - بالعربي.
وأما الفتاوى المتفرقة التي شاعت في البلاد، فلا تكاد أن تحصر، وظني أنها لو جمعت لبلغت إلى مجلدات ضخام.
وأما تلامذته فعلى طبقات، فمهم العالمون الناقدون، المعروفون، فلعلهم يبلغون إلى ألف نفس، ومنهم المقاربون بالطبقة الأولى في بعض الأوصاف، ومنهم من يلي الطبقة الثانية، وأهل هاتين الطبقتين يبلغون إلى الآلاف.
... وأما أشهرهم في الهند، فمنهم:
1- ابنه السيد الشريف حسين المتوفى في حياته.
2- والشيخ عبد الله الغزنوي العارف المشهور وبنوه الأتقياء محمد، وعبد الجبار، وعبد الواحد، وعبد الله.
3- ومنهم الشيخ محمد بشير العمري السهسواني.
4- والسيد أمير حسن، وابنه، أمير أحمد الحسيني السهسواني.
5- والشيخ المحدث عبد المنان الوزير آبادي.
6- والشيخ محمد حسين شيخ البطالوي صاحب إِشاعة السنة.
7- والعلامة عبد الله بن عبد الرحيم الغازيبوري.
8- والسيد مصطفى بن يوسف الشريف الحسنى الطوكي.
9- والسيد أمير علي بن معظم علي الحسيني المليح آبادي.
10- والقاضي طلا محمد بن القاضي محمد حسن البشاوري.
11- والشيخ غلام رب الرسول(1) القلعوى.
12- والمحدث شمس الحق بن أمير علي الديانوي صاحب عون المعبود.
13- والشيخ عبد الله بن إدريس الحسني السنوسي المغربي.
14- والشيخ محمد بن ناصر بن المبارك النجدي.
15- والشيخ سعد بن حمد بن عتيق النجدي، وخلق لا يحصون.
ثناء العلماء عليه
وقد مدحه العلماء بقصائد غراء، وترجم له الشيخ شمس الحق المذكور في مقدمة غاية المقصود ترجمة حافلة، وأفرد لترجمته المولوي فضل حسين المهدانوي المظفر بوري كتابه (الحياة بعد الممات)، وهو كتاب حافل بأخباره في اللغة الأردوية.
__________
(1) 1- في الأصل غلام رسول وهي تسمية لا يقرها الإسلام.(1/280)
وإني قد صحبته أياما ببلدة دهلي، وأجاز لي إجازة عامة تامة، وكتب لي الإجازة بيده الكريمة، سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف.
وكانت وفاته يوم الإثنين لعشر ليال مضين من رجب سنة عشرين وثلاثمائة وألف ببلدة دهلي رحمه الله ونفعنا ببركاته(1)، آمين .
انظر ترجمته في نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر للعلامة الشريف عبد الحي بن فخر الدين الحسني (8/ 497-501).
99- محمد بشير السهسواني ت ( 1323)
الشيخ الفاضل العلامة المحدث محمد بشير بن بد ر الدين بن صدر الدين العمري السهسواني، أحد العلماء المشهورين ببلاد الهند.
ولد ببلدة سهسوان سنة أربع وخمسين ومائتين وألف، واشتغل أياما على علماء بلدته، ثم دخل لكهنؤ سنة ثلاث وسبعين، ولازم المفتى واجد علي بن إبراهيم الحنفي البنارسي، وقرأ عليه الزواهد، وشرح السلم للقاضي، والشمس البازغة، وإلهيات الشفاء،وغيرها، ثم سافر إلى متهرا، وقرأ على الحكيم نور الحسن السهسواني، ثم دخل دهلي وأخذ الحديث عن السيد المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي، ثم لازم الدرس والإفادة، فدرس سنة كاملة ببلدة سلهت - بكسر السين المهملة آخره تاء عجمية - وهي بلدة مشهورة من آسام، ودرس سنة كاملة ببلدة شهسرام، وخمس عشرة سنة ببلدة أكبر اباد، وثلاثين سنة ببلدة بهوبال، وبعد ذلك إلى سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة دهلي.
وكان من كبار العلماء، ورعاً صالحاً، تقياً نقياً، مفرط الذكاء، جيد القريحة، له مهارة تامة في أصول الفقه.
ولي التدريس في بهوبال أول قدومه بها، ثم ولي نظارة المدارس كلها، وكان السيد صديق حسن القنوجي يحترمه غاية الاحترام، وهو قرأ بها على شيخنا حسين بن محسن الأنصاري اليماني، وسافر إلى مكة المباركة فحج وأخذ بمكة عن الشيخ محمد بن عبد الرحمن السهارنبوري، والشيخ أحمد بن عيسى الشرقي.
وله مصنفات منها:
1- صيانة الإنسان في الرد على الشيخ أحمد بن زين دحلان.
__________
(1) 2- هذه الجملة فيها توسل غير مشروع.(1/281)
2- والقول المحكم.
3- والقول المنصور.
4- والسعي المشكور.
5- والسيف المسلول.
6- والبرهان العجاب في فرضية أم الكتاب.
7- ورسالة في تحقيق الربا.
8- ورسالة في الرد على القادياني.
9- ورسالة في إثبات البيعة المروجة.
10- ورسالة في جواز الأضحية إلى آخر ذي الحجة.
وكان في تلك المسألة طرفاً لشيخه حسين بن محسن المذكور، ولكن الشيخ كان يحبه ويعترف بفضله، وقد كتب في بعض مكاتيبه إلى الشيخ شمس الحق صاحب عون المعبود وقد رأيته بخطه، قال:
" ورحم الله أخانا العلامة محمد بشير، فقد كان عالماً محققاً متمسكاً بالكتاب والسنة، وقد مضى - رحمه الله - إلى رحمة الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار، انتهى.
مات بدهلي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف.
انظر ترجمته في نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر للعلامة الشريف عبد الحي بن فخر الدين الحسني (8/ 415-416).
100- العلامة حسين بن محسن اليماني ت ( 1327)
الشيخ الإمام العلامة المحدث القاضي، حسين بن محسن بن محمد بن مهدي بن أبي بكر بن محمد ابن عثمان بن محمد بن عمر بن محمد بن مهدي بن حسين بن أحمد بن حسين بن إبراهيم بن إدريس ابن تقي الدين بن سبيع بن عامر بن عتبة بن ثعلبة بن عوف بن مالك بن عمرو بن كعب بن الخزرج ابن سعد الأنصاري الصحابي.
كانت ولادته ببلدة الحديدة، لأربعة عشر مضين من جمادى الأولى سنة خمس وأربعين ومائتين وألف.
وبعد بلوغه سن التمييز شرع في قراءة القرآن الكريم، وختم في حياة والده وقد بلغ من العمر ثلاث عشرة سنة، وبعد وفاة والده رحل إلى قرية المراوعة، ومكث بها ثماني سنين.
اشتغل بعد إتقان النحو، وغيره بالفقه على مذهب الإمام الشافعي، حتى أتقنه حق الإتقان، ثم شرع في قراءة علم الحديث على الترتيب:(1/282)
أولاً: سنن ابن ماجة، ثم النسائي، ثم أبي داود، ثم الترمذي، ثم الجامع الصحيح للبخاري، ومسلم، وكل ذلك على شيخه السيد العلامة حسن بن عبد الباري الأهدل، ثم توجه بعد ذلك إلى مدينة زبيد، من أرض اليمن إلى مفتي زبيد، وابن مفتيها السيد العلامة سليمان بن محمد بن عبد الرحمن الأهدل، فقرأ عليه الصحاح الستة وغيرها، كحزب الإمام النواوي، وابن العربي، وأجازه إجازة كاملة عامة بخطه الشريف.
والسيد سليمان بن محمد المذكور قد أدرك جده السيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل صاحب النفس اليماني، وأخذ عنه، وعن أبيه محمد بن عبد الرحمن، وأخذ عن جمع من العلماء، ولم يزل شيخنا حسين يتردد إليه كل سنة للأخذ عنه، فإذا تأخر استدعاه إليه.
ومن نعم الله عليه أن الشيخ صفي الدين أحمد بن القاضي محمد بن علي الشوكاني، وصل من مدينة صنعاء إلى الحديدة لأمر اقتضى ذلك، فحضر شيخنا لديه ولازمه مدة إقامته، وقرأ عليه أطرافاً من الأمهات الست، وأجازه إجازة خاصة وعامة، وكان يحبه حباً شديداً، ويقول له: أبوك تلميذ أبي وأنت ابني وتلميذي.
ومن نعم الله عليه أنه كان كثير التردد إلى الحرمين الشريفين، لاسيما مكة شرفها الله تعالى، فاجتمع بالشريف العلامة الحافظ محمد بن ناصر الحازمي، وكان الشريف المذكور يمكث بمكة المشرفة من شهر رجب إلى تمام أشهر الحج، فكان شيخنا يلازمه كل سنة، وأول سنة لقيه فيها سنة ثمانين ومائتين وألف، فأول ما قرأ عليه مسند الدارمي من أوله إلى آخره مع مشاركة المفتي أيوب بن قمر الدين البهلتي نزيل بهوبال له في ذلك وغيره في تلك السنة ومن بعدها.
وكان شيخنا يحضر عليه من غرة رجب إلى آخر أشهر الحج وأيامه، فقرأ عليه أطرافاً صالحة من الأمهات الست، وجميع المسلسلات للعلامة أحمد بن عقيلة، وأجازه بخطه الشريف إجازة وافية كافية، وأحبه محبة صافية، ودعا له بأدعية مرجوة القبول إن شاء الله تعالى.(1/283)
وشيخنا حسين، ولي القضاء ببلدة لحية - بضم اللام - بلدة من بلاد اليمن قريبة من الحديدة مسافة ثلاثة أيام، أو أكثر، وتولى بها القضاء نحو أربع سنين ثم استعفى منها بواقعة وقعت عليه، وهو أن رجل من نواب الحديدة ممن لديه الحل والعقد من الأتراك يقال له أحمد باشا، طلب من تجار اللحية مكساً غير معين على اللؤلؤ الذي يستخرجونه من البحر من غير أن يعلم مقداره وثمنه، وأحضر العلماء على ذلك، وأراد منهم الفتوى، فامتنع الشيخ حتى إن الباشا المذكور أحضر المدفع لتخويفه، وقال له: إن لم تكتب على هذه الفتوى، أرميك بهذا المدفع حتى يصير جسمك أوصالاً، فقال: افعل ما أردت هذا لا يضر قطعاً لا عند الله ولا عند الناس، ولا في العرف، ولا في الاصطلاح، ولا عندك من مولانا السلطان في ذلك حكم تحتج به علينا، ولو فرضنا أن عندك في ذلك حكماً، فطاعة السلطان إذا أمر بما أمر الله به، فأمره مطاع، وإن أمر بخلاف الكتاب والسنة، فلا طاعة له علينا، وحاشاه أن يحكم بغير كتاب أو سنة، وهذا الاستعفاء مقدم في خدمتكم من هذه العهدة، فشدد عليه ثلاثة أيام، ومنعه من الأكل والشرب، وأصهره في الشمس ثلاثة أيام حتى تغيرت صورته، وأنكره كل من عرفه، فتحمل هذه المشاق، ولم يرض أن يحكم بخلاف الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة، وترك وطنه، ومسقط رأسه، فقدم أرض الهند، وذلك بعد خمس سنين من الفتنة العظيمة بالهند، فدخل بهو بال في عهد سكندر بيكم، وأقام بها سنتين، ثم رجع إلى وطنه، ثم عاد بعد خمس سنين في عهد شاهجهان بيكم، وأقام ببلدة بهو بال أربع سنوات، ثم رجع إلى وطنه.(1/284)
ثم عاد إلى الهند بعد خمس سنين، وتوطن ببلدة بهو بال، وكان في مدة إقامته هنالك قد طارصيته في جميع الأقطار الهندية، وأقر له بالتفرد في علم الحديث، وأنواعه كل أحد من كبار العلماء، وإني رأيتهم يتواضعون له، ويخضعون لعلمه، ويستفيدون منه، ويعترفون بارتفاع درجته عليهم، وأخذ عنه جماعة، من أعيانهم كالسيد صديق حسن بن أولاد حسن الحسيني البخاري القنوجي، والشيخ محمد بشير بن بدر الدين السهسواني، والشيخ شمس الحق بن أمير علي الديانوي، والشيخ عبد الله الغازبيوري، والشيخ عبد العزيز الرحيم آبادي، والمولوي سلامة الله الجيراجبوري، والمولوي وحيد الزمان الحيدر آبادي، والشيخ طيب بن صالح المكي، وأبو الخير أحمد بن عثمان المكي، والشيخ الصالح إسحاق بن عبد الرحمن النجدي، وخلق كثير من العلماء.
وهذا العبد الضعيف أصلح الله شأنه، وصانه عما شانه، قد أخذ عنه شيئاً كثيراً من علم الحديث، فقرأت عليه أوليات الشيخ محمد سعيد سنبل، والحصن الحصين، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود، وصحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري، وصحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، قرأتها عليه كلها من أولها إلى آخرها.
وقرأت عليه جملة صالحة من بلوغ المرام، وسمعت بقراءة غيري عليه سنن النسائي، وسنن ابن ماجة، ومسند الدارمي، والموطأ، والمشكاة، وغيرها.
وسمعت منه كثيراً من الأحاديث المسلسلة، كالحديث المسلسل بالأولية، والمسلسل بالمحبة، والمسلسل بيوم العيد، والمسلسل بيوم عاشوراء، والمسلسل بالمصافحة، والمسلسل بالمشابكة، والمسلسل بالصحبة وغيرها.
وقد أجازني إجازة عامة تامة نفعنا الله ببركاته(1).
__________
(1) 1- هذه الجملة فيها توسل غير مشروع.(1/285)
وشيخنا حسين لم يكن له كثرة اشتغال بتأليف(1)، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يقدر عليه غيره، وله رسائل حافلة، ومباحث مطولة هي مجموعة في مجلد، وقد فاته كثير وذهب، ولكنه لم يحرص على جمع ذلك، وله تعليقات على سنن أبي داود.
وقد كان كثير التردد إلى بلدة لكهنؤ في آخر عمره، وكان ينزل عندي، ويحبني كحب الآباء للأبناء.
وقد دخل لكهنؤ قبل موته بنحو أربعة أشهر، وأقام بها نحو شهر، أو أقل، ثم رحل عنها إلى حبيب كنج قرية من أعمال عليكذه(2)، بعد طلب مولانا حبيب الرحمن بن محمد تقي الشرواني، فأقام عنده نحو أربعة أشهر، وفي آخر جمادى الأولى قوض خيام الارتحال منها إلى مدينة بهوبال، فلم يمكث بها إلا نحو خمسة عشرة يوما، ثم انتقل إلى رحمة الله سبحانه.
__________
(1) 2- كذا ولعله أراد (بالتأليف) .
(2) 3- ولعله (عليكرة ).(1/286)
وقبل وفاته بنحو عشر ساعات خرج من البيت، وكان يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة على أحسن حالة لملاقاة أحبابه، وطلب منهم الدعاء بحسن الختام عند حلول الحمام، ثم دار على بيوت أولاده كالمودع لهم، وكان ذلك بعد صلاة الظهر إلى بعد صلاة العصر في اليوم المذكور، وبعد أن صلى العصر ورجع إلى بيت ولده عبد الله بن حسين عرضت له مذاكرة معه في أن خديجة - رضي الله عنها - كان لها ولد في الجاهلية يسمى بعبد العزى أم لا ؟ فأمر ولده المذكور بإحضار بعض الكتب التي كان يتخيل حل تلك المسألة منها، فأحضرها، وأملى عليه ما شاء الله أن يملي منها، فقارب ذلك غروب الشمس، فنهض عبد الله للوضوء فتوضأ ورجع، وكان شيخنا متكئا على وسادة له وإذا برأسه قد خفق، وعلى تلك الوسادة قد أطرق، فاستلقى على ظهره ممدودة يديه ورجليه مغمضة(1) بلا تغميض عينيه، وإن جبينه ليتفصد من العرق، فظنه عبد الله نائما فحركه وإذا بروحه قد فارقت جسده، وكانت تلك الليلة ليلة الأربعاء، وفي صبيحتها، لعله قبيل الضحى، خرجوا بنعشه، وأودعوه في رمسه، وكان ذلك في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف، رحمه الله ونفعنا ببركاته(2).
انظر ترجمته في نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر للعلامة الشريف عبد الحي بن فخر الدين الحسني (8/111-115).
101- الشيخ حافظ الحكمي ت ( 1377)
هو العلامة الفذ المحدث حافظ بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي الحكمي، نسبة إلى الحكم ابن سعد العشيرة من مذحج أشهر، وأعظم قبيلة من شعب كهلان بن سبأ بن يعرب بن قحطان ولد سنة ( 1342)هـ.
أوصافه:
هو مربوع القامة، أسمر اللون، خفيف اللحية، قوي البنية، نشيطاً صحيحاً في بدنه، مرحاً مع زملائه كان يداعبهم ويغلبهم.
__________
(1) 1- كذا ولعل مراده "مغمدة ".
(2) 2- مع الأسف هذا الرجل يكرر هذه الجملة البدعية.(1/287)
وكان آمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، كان مساعداً للشيخ عبدالله، ومسانداً له في دعوته، ويتجول على مدارس الشيخ على حمار اشتراها لهذا الشأن، وكان حافظ مع الشيخ عبدالله بمنزلة الروح من الجسد لا يخالف له أمراً - رحمه الله -.
طلبه للعلم:
يتميز الشيخ حافظ من صغره بالذكاء الحاد، والحافظة القوية، ابتدأ الدراسة على الشيخ القرعاوي في عام (1359)هـ، وكانت دراسته متقطعة لاشتغاله برعيه الغنم لوالديه.
ولقد أملى الشيخ عبد الله القرعاوي على تلاميذه، ومنهم تلميذه حافظ بن أحمد الحكمي تحفة الأطفال، فحفظها الشيخ في نفس المجلس، فتعجب من ذلك زملاؤه.
ثم من أول عام (1360)هـ تفرغ لطلب العلم والجد فيه.
فمن عجائب ذكائه، وقوة حافظته وفهمه، أن شيخه القرعاوي كان يلقي عليه وعلى زملائه الدرس، فإذا انتهى الشيخ من الدرس أمر حافظا بإعادته على زملائه، فيعيده كما يلقيه الشيخ حرفا بحرف، وذلك لما أعطاه الله من الذكاء الوقاد والرغبة في تحصيل العلم.
ولما دخل شهر رمضان من ذلك العام، كان يقرأ كل ليلة من بعد صلاة الظهر جزءاً من القرآن، ثم يصلي به صلاة التراويح حفظا بجماعة مسجد الأشراف، وهو المسجد الذي كان يصلي فيه طلبة العلم.
واستمر في طلب العلم ليلا ونهارا حتى عام(1362)هـ.
وقد تفوق في طلب العلم في كثير من الفنون، ولا يصدق ذلك إلا من زامله بالمدرسة، فقد كان آية في الحفظ والذكاء.
وفي هذا العام كلفه الشيخ بتأليف نبذة في علم التوحيد.
فكتب حسب طلب شيخه منظومة في علم التوحيد، وكانت سبباً في معرفة علماء نجد وغيرهم به، وهي ( سلم الوصول )، وهكذا استمر في طلبه للعلم، والتدريس معاً، ولم يدرس العلم على أحد سوى الشيخ عبد الله بصامطة، إلا أنه لما طلبه الشيخ عبد الله إلى مكة، وزوجه ابنته عام (1367)هـ كان يقرأ على الشيخ عبد الرزاق عفيفي بالحرم مدة إقامته بمكة - رحمهم الله -.(1/288)
قلت: ومن شيوخه أيضا محمد عبد الرزاق حمزة، درس عليه الشيخ حافظ فترات متقطعة أكثرها بعد الحج، وفي أول عام ( 1367) هـ بقي الشيخ حافظ في مكة أكثر من أربعة أشهر، وكان له درسان على الشيخ محمد عبد الرزاق، أولهما وقت الضحى إلى صلاة الظهر، وفي هذه الفترة تكون القراءة في الأمهات الست يقرأ أحد الطلاب والشيخ يشرح لهم، والفترة الثانية وهي خاصة بالشيخ حافظ - رحمه الله - حيث يدرس على الشيخ محمد عبد الرزاق في علوم اللغة وخاصة البلاغة.
وقد استمر في الدراسة على شيخه محمد عبد الرزاق كلما تيسر له ذلك.
ودرس الشيخ حافظ أيضا على عبد الرحمن المعلمي في مكة، خاصة في علوم الحديث، وكان يزوره في المكتبة، وقد أعجب الشيخ حافظ بالمعلمي، وأعجب هو بالشيخ حافظ، وكان صديقاً له يدفع إليه من مؤلفاته المخطوطة ما لا يدفعه إلى غيره.
حدثني(1) الشيخ محمد الحكمي أنه أدى العمرة مع أخيه الشيخ حافظ، والشيخ عبد الله القرعاوي عام ( 1376) هـ تقريبا، وبعد أداء مناسك العمرة، قال الشيخ حافظ لأخيه محمد: تعال أدلك على رجل يعد من بقية علماء الحديث في العصر الحاضر، فدله على الشيخ المعلمي، ووجد عنده دفتراً صغيراًً قد كتب فيه فوائد في علوم الحديث، فطلبه الشيخ حافظ من شيخه، فدفعه إليه، وقال: لو طلبه غيرك ما أعطيته.
ورجع به إلى مقر سكنه في مكة مع شيخه عبد الله القرعاوي فأخذه الشيخ عبد الله وقرأه وهو واقف حتى أتمه.
وقد اطلع الشيخ المعلمي على كثير من كتب الشيخ حافظ، وأشرف على تصحيح كتابه (دليل أرباح الفلاح)، وكتب له مقدمة جيدة.
تلاميذه:
الطبقة الأولى:
1- الشيخ أحمد محمد جابر المدخلي.
2- الشيخ أحمد بن يحيى النجمي.
3- الشيخ حسن بن زيد النجمي.
4- الشيخ حسن بن يحيى حملي.
5- الشيخ ناصر خلوفة طياش مباركي.
6- الشيخ إسماعيل حسن مذكور.
7- الشيخ جابر بن سلمان بن جابر مدخلي.
8- الشيخ جابر بن ناصر المدخلي.
__________
(1) - القائل حدثني هو الشيخ أحمد علوش.(1/289)
9- الشيخ حسين بن أحمد حسين النجمي.
10- الشيخ حسين بن محمد شبير النجمي.
11- الشيخ علي بن حمد عريشي.
12- الشيخ محمد بن محمد جابر المدخلي.
13- الشيخ محمد بن يحيى القرني.
14- الشيخ منصور بن منصور بهلول مدخلي.
15- الشيخ موسى بن جابر السهلي.
16- الشيخ يحيى بن علي شعبي.
الطبقة الثانية:
17- الشيخ علي بن قاسم الفيفي.
18- الشيخ محمد صغير المحسن.
19- الشيخ إبراهيم بن يوسف بن يحيى الفقيه.
20- الشيخ أحمد بن أحمد علوش.
21- الشيخ جبريل بن يحيى حكمي.
22- الشيخ الحسن بن علي العكبري.
23- الشيخ علي بن موسى دلاك.
24- الشيخ علي بن يوسف بن يحيى الفقيه.
25- الشيخ غالب بن إبراهيم موسى غازي.
26- الشيخ محمد بن أحمد سراج مباركي.
27- الشيخ محمد بن إسماعيل مهدي فقيه.
28- محمد بن عقيل بن أحمد الهمداني.
29- الشيخ منصور بن غانم.
الطبقة الثالثة:
30- الشيخ إبراهيم بن حسن الشعبي.
31- والشيخ زيد بن محمد هادي.
32- والشيخ علي بن صديق عريشي.
33- والشيخ علي بن محمد أبو زيد.
34- والشيخ محمد بن ناصر الحازمي.
35- والشيخ قاسم الشماخي.
36- والشيخ إبراهيم بن محمد خلوفة.
37- والشيخ محمد بن عبده جابر المدخلي.
38- والشيخ أحمد جابر المدخلي.
39- والشيخ إسماعيل بن علي بن محمد شعبي.
40- والشيخ علي بن عبد الله الأهدل.
41- والشيخ الدكتور علي بن ناصر فقهي.
42- والشيخ الدكتور ربيع بن هادي عمير المدخلي.
43- والشيخ الدكتور هادي بن أحمد طالبي.
44- والشيخ طاهر بن أحمد طالبي.
45- والشيخ علي مديش بجوي.
46- والشيخ محمد بن عبد الله القرعاوي.
47- والشيخ محمد بن يحيى علي فقيه حكمي.
وكل هؤلاء جلهم قد تخرجوا من الجامعات الإسلامية، ومنهم المدرسون في المعاهد، ومنهم المدرسون في الجامعة الإسلامية، ومنهم القضاة ونفع الله بهم وله الحمد.
مؤلفاته:(1/290)
كان الشيخ حافظ عالماً بارعاً في جل العلوم، وقد صنف فيها نثراً ونظماً، والحقيقة لم يكن له نظير في زمانه بهذه المناطق، وقد حوى هذا العلم الغزير في وقت لذكائه الوقاد.
وله مؤلفات عديدة في التوحيد، والحديث، ومصطلح الحديث، والفقه، وأصوله، والفرائض والتاريخ، والسيرة النبوية، والنصائح، والوصايا، والآداب العامة، ومن هذه المؤلفات المطبوع وغير المطبوع، وهي كالتالي:
1- سلم الوصول إلى علم الأصول في توحيد الله، واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، انتهى من تأليفه عام (1362)هـ.
2- معارج القبول شرح سلم الوصول، في مجلدين.
3- المنظومة الميمية في الوصايا العلمية.
4- نيل السول في تاريخ الأمم وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
5- وسيلة الحصول إلى مهمات الأصول، في أصول الفقه انتهى من تأليفه عام 1373هـ.
6- السبل السوية في فقه السنن المروية، في الفقه.
7- أعلام السنة المنشورة باعتقاد الطائفة الناجية المنصورة سؤال وجواب في التوحيد، فرغ من تسويده نهار الإثنين أول يوم من شعبان 1365هـ، وفرغ من تبييضه نهار الأحد الرابع عشر من الشهر المذكور.
8- الجوهرة الفريدة في تحقيق العقيدة.
9- النور الفائض من شمس الوحي، في علم الفرائض، انتهى من تأليفه في 15/8/1365هـ.
10- دليل أرباح الفلاح في تحقيق فن الاصطلاح، في المصطلح، انتهى من تأليفه في 5/2/1365هـ.
11- اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون، في المصطلح، انتهى من تأليفه عام 1366هـ.
12- اللامية في الناسخ والمنسوخ، في أصول الفقه.
13- نصيحة الإخوان عن تعاطي القات والشمة والدخان، عام 1367هـ، وقد طبعت هذه المؤلفات طبعتها الأولى في مطابع البلاد السعودية، بمكة المكرمة عام 1373هـ، و1374هـ، على نفقة الملك سعود بن عبد العزيز، وزعت مجاناً.
14- مقررات في أصول الفقه، لم تطبع.
15- مقررات في السيرة النبوية، لم تطبع.
16- مقررات في النحو والصرف، لم تطبع.(1/291)
17- مقررات في أدب السلوك، لم تطبع.
18- خطبة منبرية في الجمع والأعياد، لم تطبع.
19- الأحاديث الثلاثية من البخاري،لم تطبع.
20- منظومة عن العزوف عن الدنيا، وشرحها الشيخ زيد بن محمد هادي مدخلي أحد تلاميذه وهي مطبوعة.
21- مفتاح دار السلام بتحقيق شهادتي الإسلام، لم تطبع.
22- شرح الورقات في أصول الفقه، لم يطبع.
23- شرح بعض العوامل في النحو (محفوظ لدي بقلمي من عام 1361هـ، لم يطبع).
استقيت هذه المعلومات من كتاب " النهضة الإصلاحية في جنوب المملكة العربية السعودية لصاحبها فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي " بقلم تلميذه عمر بن أحمد جردي المدخلي، ومن ترجمته التي ألفها الشيخ أحمد بن علي علوش مدخلي باسم ( الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، حياته ومنهجه في تقرير العقيدة ونشرها في منطقة الجنوب).
وأنا أعرف كثيرا مما ذكراه في كتابيهما.
وأنا ممن عرف الشيخ حافظاً عن كثب ودرس عليه وأحبه، وعرف مزاياه التي حباه الله بها - رحمه الله -.
102- الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف ت (1386)
هو العالم الجليل، والفهامة المهيب الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن ابن حسن، خليفة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، ولد سنة( 1311) هـ بمدينة الرياض، في بيت علم وشرف ودين.
رباه والده إبراهيم أحسن تربية، ونشأ نشأة حسنة، وحفظ القرآن نظرا وهو في العاشرة، وحفظ مباديء العلوم، وفقد بصره وهو في السادسة عشرة من عمره، فأخذ يحفظه شيئاً فشيئاً حتى أكمله، وصار يدارس والده القرآن، ويحفظ المتون، وكان أبوه قاضيا في مدينة الرياض.
ولازم علماء الرياض، ومن أبرزهم الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس، والشيخ عبد الله بن راشد، ولازم أباه وعمه عبد الله، وأقبل على العلم إقبالاً منقطع النظير.(1/292)
وكان المشائخ معجبين بفرط ذكائه، ونبله، فصار على حسن ظنهم، حيث كان خليفة الشيخ عبد الله في الإفتاء، ورئاسة القضاء، وكل مرفق يحتاج في رئاسته إلى عالم يرجع إليه، فله فيه الباع الطويل.
فله الأثر الكبير في التعليم، وحسن التأسيس له، والحرص التام على التخصص في العلوم الشرعية، بل والحرص على تعلم الناس دينهم الذي لا نجاة لهم إلا به.
وقد أخذ العلم عنه خلق كثير، منهم الآن من تولى الرئاسة في الإفتاء والقضاء، وهيئة التمييز، وهيئة كبار العلماء، ومنهم المدرسون والدعاة إلى الله، ورؤساء الهيئات، والمستشارون، وغير ذلك من آثار طيبة وجليلة، رحم الله الشيخ رحمة واسعة وجزاه أحسن الجزاء، ولا شك أن المسند إليه ذلك له نصيب كبير في ذلك.
وقد أجمع عارفوه، كما تدل سيرته وتصرفاته، وأعماله، على أن الله تعالى وهبه عقلاً كبيراً وأعطاه فهماً ثاقباًً، ومنحه جَلَداً وصبراً، ورزقه قوة في بدنه، وفكره وما أبقاه له من حواسه.
هذه المنح الربانية صاحَبَها ظروف واتت حياة الشيخ، فصارت منها هذه الشخصية الكبيرة في علمها، العظيمة في فكرها، الحكيمة في تصرفها.
وأسند إلى سماحته الإفتاء في المملكة العربية السعودية، فصار للفتوى دار ومجلس هو رئيسه، وعنده أعضاء لتحضير الفتاوى، والبحوث، سواء كان السؤال جاء من المقام السامي، أو من الدوائر الحكومية، أو من القضاة، أو من الأفراد.
وقد جُمعت بعض هذه الفتاوى المحررة، والمراسلات فبلغت ثلاثة عشر مجلداً.
كان الشيخ - رحمه الله - مرجع البلاد، في جميع شؤونها الدينية، والإسلامية، فهو المرجع في دقيق هذه الأمور، وجليلها، وهو ركن مكين عند ولاة الأمور، عليه المعتمد في كل ما يشكل عليهم، وهو المرضيُّ عند العامة.(1/293)
وهو في كل ذلك الرجل الذي يسير إلى الله تعالى على نهج سليم مستقيم، فلا جمود، ولا انغلاق، ولا وقوف في وجه التطور السليم المحمود، ولا هو ذلك الإمّعة المندفع وراء كل ناعق، وإنما يسير بنفسه، ويُسَيّر أموره بخطى ثابتة ومتزنة.
وهو يكره الشاذ من الأقوال، والخروج عن المنهج الذي عليه سلفه، ويحب الاعتدال في الأمور، وعدم المخالفة فيما عليه جمهور المسلمين، وما سلك عليه أسلافهم مما له مستند من الشرع.
تلاميذه
1- الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد.
2- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
3- الشيخ إبراهيم بن سليمان آل مبارك.
4- الشيخ حسن بن عبد اللطيف آل مانع.
5- الشيخ حمد بن محمد بن جاسر.
6- الشيح حمد بن محمد بن فريان.
7- الشيخ حمود العقلاء.
8- الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض.
9- الشيخ سعد بن رشود.
10- الشيخ سعد بن عبد العزيز بن رويشد.
11- الشيخ سعد بن غرير.
12-الشيخ سعد بن محمد بن مبارك.
13- الشيخ سليمان بن عبيد.
14-الشيخ صالح بن سليمان بن سحمان.
15-الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
16-الشيخ صالح بن علي بن غصون.
17-الشيخ صالح بن محمد بن لحيدان.
18-الشيخ عبد الرحمن بن سحمان.
19-الشيخ عبد الرحمن بن سعد القاضي.
20-الشيخ عبد الرحمن بن سعد.
21-الشيخ عبد الرحمن بن سعد الفضلي.
22-الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ.
23-الشيخ عبد الرحمن بن فارس.
24-الشيخ عبد الرحمن بن فريان.
25-الشيخ عبد الرحمن بن هويمل.
26-الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ.
27-الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم.
28-الشيخ عبد العزيز أبو عباه.
29-الشيخ عبد العزيز بن زاحم.
30-الشيخ عبد العزيز بن شلهوب.
31-الشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد.
32-الشيخ عبد العزيز بن حسن آل الشيخ.
33-الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
34-الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن مرشد.
35-الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ.(1/294)
توفي -رحمه الله- في 24/9/ (1386) هـ، وجمع له رسائل وفتاوى بلغت (13) جزءاً مرتبة ترتيبا جيدا، لا يستغني عنها طالب العلم لما فيها من الوضوح، ولما فيها من حسن الجواب، وما يربط بين الماضي، والحاضر في معرفة الأمور، وحل المشاكل وغير ذلك، ولا تزال شجرته خضراء -ولله الحمد - فقد خلف أولاداً و أحفاداً فيهم خير وبركة.
انظر ترجمته في كتاب ( علماء نجد خلال ثمانية قرون) للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام ( 1/ 242-263) والدرر السنية في الأجوبة النجدية(16/474-475).
103- الشيخ عبد الرحمن المعلمي ت (1386)
هو العلامة المحدث الناقد الفذ ذهبي عصره، كما يقال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى بن علي ابن أبي بكر المعلمي العتمي اليماني.
دراسته:
قرأ في صغره القرآن على رجل من عشيرته، وعلى والده قراءة متقنة مجودة، وسافر مع والده إلى بلدة أخرى قبل أن يختم القرآن.
ثم اشتغل بدراسة النحو في عدد من الكتب، حتى شدا فيه، ثم طلب العلم على الفقيه العلامة الجليل أحمد بن محمد بن سليمان المعلمي، وكان متبحراً في العلم، فلازمه ملازمة تامة، وقرأ عليه في الفقه، والفرائض، والنحو.
أعماله:
ثم ارتحل إلى جيزان سنة (1329) والتحق بها بخدمة السيد محمد الإدريسي أمير عسير، فولاه رئاسة القضاة، وهذا يدل على منزلة علمية كبيرة، ولما ظهر له من ورعه، وعلمه وزهده، وعدله لقبه بشيخ الإسلام، وكان إلى جانب القضاء يشتغل بالتدريس، واستمر مع السيد محمد الإدريسي، حتى توفى الإدريسي سنة (1341هـ)، فارتحل إلى عدن، ومكث فيها سنة مشتغلاً بالتدريس والوعظ، ثم ارتحل إلى الهند، وعين في دائرة المعارف العثمانية ( بحيدر آباد الدكن ) مصححا لكتب الحديث، وما يتعلق بها، وغيرها من الكتب، في الأدب، والتاريخ.(1/295)
وبقي بها مدة، ثم سافر منها إلى مكة المكرمة، فوصل إليها في عام (1371هـ) عين أمينا لمكتبة الحرم المكي الشريف، حيث بقي بها يعمل بكل جد وإخلاص، في خدمة رواد المكتبة من المدرسين، وطلاب العلم، حتى أصبح موضع الثناء العاطر من جميع رواد المكتبة على جميع طبقاتهم، بالإضافة إلى استمراره في تصحيح الكتب، وتحقيقها لتطبع في دائرة المعارف العثمانية بالهند، حتى وافاه الأجل المحتوم صبيحة يوم الخميس السادس من شهر صفر عام (1386)هـ بعد أن أدى صلاة الفجر في المسجد الحرام، وعاد إلى مكتبة الحرم حيث كان يقيم، وتوفي على سريره - رحمه الله -.
وله إجازة من صدر شعبة الدينيات وشيخ الحديث في كلية الجامعة العثمانية بـ (حيدر آباد الدكن) الشيخ عبد القدير محمد الصديقي القادري، قال فيها بعد البسملة والحمد لله والصلاة على النبي الأعظم، -صلوات الله عليه-:
" إن الأخ الفاضل، والعالم العامل، الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي اليماني، قرأ علي من ابتداء (صحيح البخاري)، و(صحيح مسلم)، واستجازني ما رويته عن أساتذتي، ووجدته طاهر الأخلاق، طيب الأعراق، حسن الروية، جيد الملكة في العلوم الدينية، ثقة عدلا، أهلا للرواية بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث، فأجزته برواية (صحيح البخاري )، و( صحيح مسلم)، و( جامع الترمذي)، و(سنن أبي داود)، و(ابن ماجة)، و(النسائي)، و(الموطأ) لمالك - رضي الله عنهم –".
شيوخه:
1- الشيخ يحيى بن علي المعلمي- رحمه الله - وقد قرأ عليه القرآن الكريم، وقد ذكر المؤلف ذلك.
2- الشيخ محمد بن يحيى بن علي-رحمه الله – وقد قرأ عليه القرآن والتجويد والنحو والحساب واللغة التركية، وقد ذكر ذلك.
3- أحمد بن مصلح الريمي، وقد درس عليه النحو.
4- أحمد بن محمد بن سليمان المعلمي.(1/296)
5- محمد بن علي الإدريسي، درس عليه بعض الفنون ولا سيما النحو، وقد جمع ما ألقاه الإدريسي من دروس في النحو في كتاب سماه المعلمي بـ " الأمالي النحوية ".
6- عبد القادر محمد الصديقي القادري، شيخ الحديث في كلية الجامعة العثمانية، قرأ عليه " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم "، وأجازه بروايتهما، وأجازه أيضاً بـ " جامع الترمذي " و " سنن أبي داود " و "سنن ابن ماجة" و " سنن النسائي " و " الموطأ ".
7- الشيخ العلامة سالم بن عبد الرحمن باصهي، ذكره المعلمي- رحمه الله - في مقدمة رسالته " الرد على حسن الضالعي " (ق/2).
تلاميذه:
1- محمد بن علي بن حسن الرواقي.
2- مشرف بن عبد الكريم بن محسن بن أحمد المحرابي.
3- عبد الكريم الخراشي.
4- عبد الرحمن بن حسن بن محمد شجاع الدين.
5- أحمد بن محمد المعلمي.
6- محمد بن أحمد المعلمي.
7- عبد الرحمن بن أحمد المعلمي.
8- عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعلمي.
9- محمد بن عبد الرحمن المعلمي.
وكلهم ما بين مدرس، أو صاحب وظيفة نافعة في اليمن والمملكة العربية السعودية.
مؤلفاته وما حقق من كتب:
مؤلفاته، المطبوع منها:
1- (طليعة التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل).
2- ورسالة في مقام إبراهيم، وهل يجوز تأخيره.
3- و(الأنوار الكاشفة بما في كتاب (( أضواء على السنة))، من الزلل والتضليل والمجازفة)).
4- ومحاضرة في كتب الرجال، وأهميتها، ألقيت في حفل ذكرى افتتاح دائرة المعارف بالهند عام ( 1356) هـ
أما الكتب التي قام بتحقيقها، وتصحيحها والتعليق عليها فهي:
1 – التاريخ الكبير للبخاري إلى الجزء الثالث.
2 - وخطأ الإمام البخاري في تاريخه، لابن أبي حاتم الرازي.
3 – وتذكرة الحفاظ للذهبي.
4 – والجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي.
5- وكتاب موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي.
6 - والمعاني الكبير في أبيات المعاني لابن قتيبة.
7- والفوائد المجموعة، في الأحاديث الموضوعة للشوكاني.(1/297)
8 و9 – وآخر ما كان يقوم بتصحيحه، كتابا ( الإكمال ) لابن ماكولا و( الأنساب) للسمعاني، وصل إلى خمسة أجزاء، وشرع في السادس من كل منهما حيث وافاه الأجل المحتوم.
هذا بالإضافة إلى اشتراكه في تحقيق، وتصحيح عدد من أمهات كتب الحديث والرجال، وغيرها مع زملائه في دائرة المعارف العثمانية بـ ( حيدر أباد) بـ ( الهند).
وأهمها:
1- (السنن الكبرى ) للبيهقي.
2- و( مسند أبي عوانة ).
3- و( الكفاية في علم الرواية) للخطيب البغدادي.
4- و( صفة الصفوة ) لابن الجوزي.
5- و( المنتظم) لابن الجوزي أيضا.
6- و ( الأمالي الشجرية ).
7- مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم للمولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده طبعة أولى.
8- تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر، لكمال الدين أبي الحسن الفارسي.
9- الأمالي اليزيدية ( فيها مراث وأشعار وأخبار ولغة وغيرها ).
10- عمدة الفقه لموفق الدين ابن قدامة، ( قابل الأصل وصححه وعلق عليه).
11- كشف المخدرات لزين الدين عبد الرحمن بن عبد الله المعلى، ثم الدمشقي.
12- شرح عقيدة السفاريني.
13- موارد الظمآن إلى زوائد صحيح ابن حبان.
14- الجواب الباهر في زوار المقابر، لابن تيمية ( شارك في تحقيقه وإخراج حديثه).
15- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة،لا بن حجر العسقلاني.
16- نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، لعبد الحي بن فخر الدين الحسيني.
وغير ذلك، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
قال الشيخ المعلمي في كتابه التنكيل -: هذا وقد أكثر الأستاذ(1) من رد توثيق ابن حبان.
والتحقيق أن توثيقه على درجات.
الأولى: أن يصرح به، كأن يقول (كان متقنا)، أو ( مستقيم الحديث)، أو نحو ذلك.
الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.
الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.
__________
(1) 1- يعني الكوثري.(1/298)
الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذلك الرجل معرفة جيدة.
الخامسة: ما دون ذلك.
فالأولى: لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم.
والثانية: قريب منها، والثالثة، مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل والله أعلم.
قال العلامة الألباني معلقا على هذا الكلام: هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف - رحمه الله تعالى-، وتمكنه من علم الجرح والتعديل، وهو مما لم أره لغيره فجزاه الله خيرا، غير أنه قد ثبت لدي بالممارسة أن من كان منهم من الدرجة الخامسة، فهو على الغالب مجهول لا يعرف، ويشهد بذلك صنيع الحفاظ، كالذهبي، والعسقلاني، وغيرهما من المحققين فإنهم نادرا ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة، بل والتي قبلها أحيانا.
ولقد أجريت لطلاب الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة يوم كنت أستاذ الحديث فيها سنة (1382) تجربة عملية في هذا الشأن، في بعض دروس (الأسانيد)، فقلت لهم: لنفتح على أي راو في كتاب( خلاصة تذهيب الكمال) تفرد بتوثيقه ابن حبان، ثم لنفتح عليه في ( الميزان ) للذهبي، و(التقريب) للعسقلاني فسنجدهما يقولان فيه:
( مجهول)، أو( لا يعرف)، وقد يقول العسقلاني فيه ( مقبول) يعني لين الحديث، ففتحنا على بضعة من الرواة تفرد بتوثيقهم ابن حبان، فوجدناهم عندهما كما قلت: إما مجهول، أو لا يعرف، أو مقبول.
إلا أن ما ذكر المؤلف من رد الكوثري، لتوثيق ابن حبان، فإنما يفعل ذلك حين يكون هواه في ذلك وإلا فهو يعتمد عليه، ويتقبله حين يكون الحديث الذي فيه راو وثقه ابن حبان يوافق هواه، كبعض الأحاديث التي رويت في ( التوسل)، وقد كشفت عن صنيعه هذا في كتابي ( الأحاديث الضعيفة) رقم ( 23) اهـ، انظر التنكيل للمعلمي (1/481).
أقول:(1/299)
والثناء عليه كثير والذي يقرأ للمعلمي كتابه التنكيل، أو غيره يجد رجلا عاقلا فاضلا راسخ القدم في العلم، مدرسة في التثبت، ووزن الكلام بميزان الشرع المحمدي والعقل النير المهتدي.
وقال العلامة حماد بن محمد الأنصاري - رحمه الله -:
" إن الشيخ عبدالرحمن المعلمي عنده باع طويل، في علم الرجال جرحاً، وتعديلاً، وضبطاً، وعنده مشاركة جيدة في المتون تضعيفاً، وتصحيحاً، كما أنه ملم إلماماً جيداً بالعقيدة السلفية".
وقال سلطان محي الدين في كتاب علماء العربية في الأدب العربي في عهد الاصفهجانية ص (472) نقلاً عن ماجد بن عبد العزيز الزيادي:
"... هو نادرة الزمان، علامة الأوان، والأستاذ الناقد، والباحث المحقق الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني... كان من أجل العلماء الربانيين، وفضلاء اليمن الكبار... كان بارعاً في جميع العلوم، والفنون وتمهر في علم الأنساب، والرجال، ونبغ في تصحيح الكتب، والتعليق عليها، وله براعة في البحث، والتحقيق، وتبحر وتمييز بين الخطأ والصواب، وكان واسع الاطلاع على تاريخ الرجال، ووقائعهم... صحح كثيراً من المخطوطات القيمة، وعلق عليها التعليقات البسيطة، والتقديمات النافعة، كثيرة الفوائد العلمية والتاريخية... ".
وصفه العلامة المحقق محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - في الكلمة التعريفية لكتاب ( الأدب المفرد ) والتي كتبها المعلمي - رحمه الله - بقوله:
"... وأقول: هذا كلام جيد متين من رجل خبير بهذا العلم الشريف يعرف قدر كتب السنة وفضلها، وتأثيرها في توحيد الأمة... ".
قال عنه شيخه العلامة عبد القادر محمد الصديقي القادري:
" وجدته طاهر الأخلاق، طيب الأعراق، حسن الرواية، جيد الملكة في العلوم الدينية، ثقة عدل، أهل للرواية بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث ".
والثناء عليه كثير - رحمه الله -.(1/300)
استقيت هذه المعلومات عن الشيخ المعلمي من مقدمة التنكيل بقلم عبد الله بن عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المعلمي، ومن مقدمة كتاب " عمارة القبور " بقلم ماجد بن عبد العزيز الزيادي.
104- الشيخ عبد الله القرعاوي ت ( 1389)
هو المصلح الكبير أحد أفراد المجددين الشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن علي ابن نجيد القرعاوي العنزي.
طلبه للعلم وشيوخه، منهم:
1- الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
2- والشيخ عبد الله بن سليم.
3- والشيخ عمر بن سليم.
4- والشيخ عبد الله بن مانع.
5- والشيخ عبد الكريم.
أسفاره:
سافر إلى الأحساء، وقرأ على ابن بشر وابن دهيش.
وسافر إلى الهند مرتين، فدرس بالمدرسة الرحمانية بدلهي، في المرة الأولى عشرة أشهر أو أكثر، ثم وصله كتاب من أمه تطلب حضوره، فقطع الدراسة مستجيبا طاعة لأمه، فلم يصل إلى عنيزة إلا بعد أن فارقت أمه الحياة.
وسافر إلى مصر، والشام، وغيرهما فلم يجد من العلماء من يروي غلته.
ثم قام برحلة ثانية إلى الهند، ومكث بها سنتين، وحاز الإجازة،وهي الشهادة من شيخه أحمد الله ابن أمير الدهلوي القرشي، وهي إجازة قيمة، قال فيها الشيخ المذكور:
"... إني أجزت لعبد الله المذكور أن يروي عني كلما أخذت قراءة، وسماعا، وإجازة عن مشايخ أجلاء أعلام، وسادة كرام، من أجلهم شيخنا الشريف الإمام الهمام المحقق سيدنا نذير حسين الدهلوي - رحمه الله - إلى أن قال: فاعلم أني قد أجزت لعبد الله المذكور، أن يروي عني جميع ما في هذه الكراسة من الكتب المذكورة بأسانيدها إلى مصنفيها المدركين، وأوصيه بمراجعة الكتب المؤلفة في أسماء الرجال، والكتب المصنفة في ضبط الألفاظ المشكلة في متون الأحاديث، وإيضاح معانيها، وكتب مصطلح الحديث، إلى آخر إجازته ووصيته.
صفاته:(1/301)
كان - رحمه الله - مربوع القامة، أبيض اللون، مشرباً بحمرة، كث اللحية، قوي البنية، نشيطا في جسمه، قويا في بدنه، لا يستطيع أحد من طلابه في ذلك الزمان أن يقوم بما يقوم به من نشاط علمي وعملي، منحه الله قسطاً وافراً من الذكاء، وصحة الفراسة.
كان داعياً إلى الله بالحكمة واللين والرفق، عالماً،ً ورعاً، زاهداً، مخلصاً صابراً، محتسباً في دعوته إلى الله تعالى، كان سلفي العقيدة، يعتقد عقيدة أهل السنة والجماعة، أما الفروع فلا يتقيد فيها بمذهب من المذاهب الأربعة، فقد كان يقول: مذهبي مذهب السلف الصالح، إذا صح الحديث فهو مذهبي.
نشاطه وإصلاحاته في جنوب المملكة واليمن:
كانت منطقة جازان كغيرها من البلدان، تسودها الخرافات، والجهل والشركيات، والبدع، فجاء هذا المصلح الكبير، وبذل جهودا عظيمة في تبديد هذه الظلمات، فأنشأ في أول أمره مدرسة بصامطة، كان فيها مثالا للجد والإخلاص في التعليم وتبليغ دعوة الله - رحمه الله -.
منهج هذه المدرسة:
قسم طلابه إلى قسمين:
القسم الأول: المبتدؤن، كان يدرسهم التجويد، والأربعين النووية، والثلاثة الأصول، وآداب المشي إلى الصلاة وشروطها، وأركانها وواجباتها، والقواعد الأربع، وضوابط الفرق بين التوحيد والشرك، والسنة والبدعة، والعبادة والعادة.
وأما القسم الثاني: فهم الطلاب الكبار، فكان يدرسهم القرآن حفظا، وقراءة في تفسير ابن كثير، وفي التوحيد: كتاب التوحيد حفظا وقراءة، شرحه فتح المجيد، وكتاب التوحيد لابن خزيمة، ويدرس حفظا متن الطحاوية، والعقيدة الواسطية، وفي الحديث: بلوغ المرام حفظا، وقراءة شرحه سبل السلام.
وفي صحيح البخاري، ومسلم، وسنن النسائي، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجة، وموطأ مالك قراءة.(1/302)
وفي الفقه: الدرر البهية حفظا، وقراءة العدة شرح العمدة، وفي الفرائض: الرحبية حفظا، وقراءة الشنشورية وحاشية الباجوري، وفي التجويد: هداية المستفيد ومقدمة ابن الجزري وتحفة الأطفال، ومخارج الحروف كلها حفظا.
وفي النحو الأجرومية، وعوامل الإعراب، وملحة الإعراب، والمتممة، وألفية ابن مالك حفظا، وقراءة شرح ابن عقيل، وقطر الندى لابن هشام، وفي الصرف متن البناء ولامية الأفعال حفظا، وفي مصطلح الحديث: البيقونية، ونخبة الفكر حفظا، ونزهة النظر ومقدمة ابن الصلاح مع نظمها للعراقي قراءة، وفي أصول الفقه: الورقات لإمام الحرمين حفظا، وفي التاريخ: سيرة ابن هشام، ونور اليقين للخضري قراءة، وفي الأدب والإنشاء، والإملاء والخط والحساب، والمحفوظات.
وتخرج على يديه طلاب علم، ودعاة إلى الله كثر، ثم اتجه هذا المصلح الكبير لإنشاء المدارس لنشر العلم والتوحيد في منطقة جيزان، وغيرها، فأنشأ حوالي ألفين ومائتين وخمسين مدرسة، شملت مناطق كثيرة، منها قرى جيزان، ومنطقة غامد، وزهران والطائف، ونجران.
المدارس في اليمن:
وتخرج على يدي الشيخ وتلاميذه الكبار عدد كثير من أبناء اليمن، فذهبوا إلى بلدانهم لنشر العلم والتوحيد، فأنشأوا لذلك المدارس الكثيرة التي بلغت ستا وثمانين مدرسة في مناطق مختلفة، وكان لها آثار كبيرة في تبصير الناس بدينهم، وإخراجهم من ظلمات الجهل، والخرافات الشركية، والشعوذة.
ثم هبت الحكومة اليمنية في ذلك العهد لإيقاف هذه المدارس فتوقفت مع الأسف.
وفاة الشيخ:
توفي - رحمه الله - يوم الثلاثاء الموافق (8/5/1389)هـ بعد قيامه بتلك الجهود الإصلاحية العظيمة، نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته، وأن يرفع درجاته في عليين.
استقيت هذه الشذرات من المعلومات من كتاب " النهضة الإصلاحية في جنوب المملكة العربية السعودية لصاحبها فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي " بقلم تلميذه الشيخ عمر بن أحمد جردي المدخلي - حفظه الله -.(1/303)
مع معرفتي بالشيخ القرعاوي وكثير من جهوده، وأعماله الجليلة - رحمه الله - ومع معرفتي بكثير من تلاميذه الذين أصبحوا دعاة وقضاة، ورؤساء هيئات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد استوفى جل ذلك أو كله الشيخ عمر بن أحمد في كتابه المذكور، وهناك كتابان يتحدثان عن حياة الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي وجهاده، وجهوده العظيمة، أحدهما - للشيخ علي بن قاسم الفيفي الذي تولى منصب القضاء ثم العضوية في هيئة التمييز بمكة.
والثاني - لموسى بن حاسر السهلي، أحد تلاميذ الشيخ القرعاوي والذي كان من الدعاة إلى الله والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وكان من المساعدين للشيخ عبد الله في صرف رواتب المدرسين ومكافآت الطلاب في عدد من المناطق - رحمه الله -.
انظر كتاب ( النهضة الإصلاحية في جنوب المملكة العربية السعودية لصاحبها فضيلة الشيخ عبد الله ابن محمد القرعاوي يرحمه الله ) بقلم تلميذه عمر بن أحمد جردي المدخلي.
105- الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة ت (1392) ق (14)
هو العلامة المحدث النبيل محمد بن عبد الرزاق بن حمزة بن إبراهيم بن نور الدين بن حمزة المصري، ثم المكي.
أكمل حفظ القرآن وهو في نحو الرابعة عشرة، من عمره، وتعلم شيئاً من مباديء العلوم كالحساب، والإملاء، والجغرافيا.
ثم التحق بالجامع الأزهر، فدرس مقرراته حينئذ من مختلف العلوم، وتخرج فيه بعد خمس سنوات.
ثم التحق بدار الدعوة والإرشاد التي أنشاها رشيد رضا، صاحب المنار والتفسير المشتهر باسم (تفسير القرآن الحكيم ).
ومن شيوخه:
1- الشيخ سليم البشري.
2- ورشيد رضا.
3- والشيخ عبيد الله السندي.
4- والشيخ مصطفى القاياني وغيرهم.
والحق أنه تخرج على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وفي طليعتها كتاب التوسل والوسيلة.(1/304)
كما أنه تأثر في بداية أمره بكتاب( الصارم المنكي في الرد على السبكي)، ومنهما ومن مؤلفات شيخ الإسلام انطلق إلى دراسة الحديث، وعلومه، وأسانيده، ومعرفة رجاله، ومعرفة منهج السلف الصالح، حتى رسخت قدمه فيه، فظل طول حياته يدرس الحديث ويدرسه، رواية ودراية، ويدرس منهج السلف، ويربي عليه، ويحارب البدع الشركية وغيرها حتى لقى ربه - رحمه الله تعالى -.
من تلاميذه:
1- الشيخ عبد الله بن عبد الغني خياط الخطيب بالمسجد الحرام.
2- الشيخ علي بن محمد الهندي.
3- الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع.
4- الشيخ المحدث محمد بن عبد الله الصومالي.
5- الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري.
6- الشيخ محمد بن عبد الله بن عبد الهادي الشايقي السوداني، ثم المكي، مدير دار الحديث.
7- الشيخ يحيى بن عثمان بن حسين العظيم أبادي، ثم المكي.
8- الشيخ عبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي.
9- الدكتور محمد بن سعد الشويعر وغيرهم.
تضلعه في علم الحديث:
كان حجة في علم الحديث وإماما فيه، ذا حفظ ومعرفة، وإتقان لمتونه، وأسانيده، وتخاريجه وعلله، وجرح رجاله وتعديلهم، مع مشاركته في علوم أخرى.
له مؤلفات منها:
1- كتاب الصلاة، جمع فيه كل ما يتعلق بالصلاة، وأنواعها، وأحكامها، وفضائلها وحكم تاركها، مطبوع.
2- كتاب الشواهد، والنصوص، وهو رد على القصيمي، مطبوع.
3- رسالة في الرد على الكوثري في طعنه في علماء السنة، وبعض الصحابة، والتابعين، وقد طبع.
4- ظلمات أبي رية، وهو رد على محمود أبي رية في كتابه (أضواء على السنة المحمدية) الذي طعن فيه في الكتب الصحاح، وتهجم فيه على الصحابي الجليل أبي هريرة - رضي الله عنه -، مطبوع.
وقام – رحمه الله – بتحقيق بعض الكتب النافعة مثل:
1- كتاب " عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر "، طبع بمطبعة مكة المكرمة.
2- رسالة التوحيد للإمام أبي جعفر الباقر، طبع بمطبعة دار العباد ببيروت.
3- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، مطبوع.(1/305)
4- الباعث الحثيث تحقيق وتعليقات على شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير.
5- تعليقات على الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية، مطبوع.
6- تعليقات على رسالة الحلف بالطلاق لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وله مؤلفات وجهود أخرى - رحمه الله -.
استقيت هذه المعلومات عن الشيخ عبد الرزاق من كتاب ألفه الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد، المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة في ترجمة الشيخ عبد الرزاق حمزة.
106- أبو محمد عبد الحق الهاشمي ت ( 1392) هـ
هو العلامة المحدث أبو عبد الحق الهاشمي بن عبد الواحد بن محمد الهاشمي، ساق نسبه إلى عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه -.
قال(1)– رحمه الله –: وأما مشايخي فكثيرون، أذكر منهم ههنا أشهر شيوخي الذين استفدت منهم العلوم، وأقدمهم على غيرهم؛ لاعتقادهم مذهب السلف، وصحة عقائدهم في التوحيد والإيمان ومسائل الصفات الآلهية، وهجرهم التقليد، واتباعهم الكتاب والسنة المطهرة، وقد أجازونى بأسانيدهم المذكورة في ثبتى قراءة عليهم، وسماعاً، وإجازة منهم.
فمنهم شيخنا أبو القاسم عيسى بن أحمد الراعي، قرأت عليه كثيراً من كتب النحو، والمشكاة، والصحاح، وأجزاء من تفسير الطبري، وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وسمعت عليه كثيراً من الكتب، وكان من تلامذة شيخ الهند محمود الحسن الديوبندي وغيره.
ومنهم شيخنا أبو الفضل إمام الدين بن محمد بن ماجة القنبرى الغزالي السلماني، قرأت عليه الصحيحين بتمامهما، وسنن أبي داود، وسمعت عليه السنن الثلاثة، وقرأت عليه مسند الإمام أحمد بتمامه، وبعض تفسير ابن جرير، وقرأت عليه البيضاوي، وكتب البلاغة كالمطول للتفتازانى، وغيرها من الكتب في الأدب، واللغة، وكان من تلامذة الشيخ عبد القادر اللديانوى، والشيخ أبي الخير يوسف ابن محمد البغدادي.
__________
(1) ترجم لنفسه - رحمه الله -.(1/306)
ومنهم شيخنا أبو الفضل محمد بن عبد الله الرياسي، حصلت منه الإجازة بالمشافهة، وكان من تلاميذ شيخ الكل السيد نذير الدهلوى.
ومنهم شيخنا أبو عبد الرب محمد بن أبي محمد الغيطي، قرأت عليه الموطأ للإمام مالك، وكثيراً من كتب الأدب، كالمقامات الحريرية، والدواوين، وسمعت عليه كثيراً من كتب الفقه، والحديث، وكان من تلاميذ شيخ الهند.
ومنهم شيخنا أبو اليسار محمد بن عبد الله الغيطي، قرأت عليه أطرافاً من صحيح البخاري، وكان من تلاميذ المحدث السيد نذير الدهلوى.
ومنهم شيخنا أحمد بن عبدالله بن سالم البغدادي المدني، قرأت عليه صحيح البخاري، ومسند الإمام أحمد، وأطرافاً من الكتب الأخرى في الحديث، وله مشايخ كثيرون، وهو من تلامذة السيد عبد الرحمن ابن عباس بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الله بن حميد المكي، وكتب لي الإجازة بخطه.
ومنهم شيخنا أبو إسماعيل إبراهيم بن عبد الله اللاهورى، قرأت عليه أطرافاً من صحيح البخاري.
ومنهم شيخنا أبو محمد بن محمود الطنافسي، سمعت عليه أطرافاً من صحيح البخاري، وكان من تلامذة السيد نذير المحدث الدهلوي.
ومنهم شيخنا عبد التواب القدير ابادي، قرأت عليه أطرافاً من الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وهو من تلامذة السيد نذير الدهلوي.
ومنهم شيخنا أبو عبد الله عثمان بن الحسين العظيم ابادي، قرأت عليه أطرافاً من صحيح البخاري، وهو من تلامذة السيد نذير حسين.
ومنهم شيخنا أبو الحسن محمد بن الحسين الدهلوي، حصلت منه الإجازة بالمشافهة.
ومنهم شيخنا أبو الوفاء الأمرتسرى، حصلت منه الإجازة بالمشافهة.
ومنهم شيخنا أبو سعيد حسين بن عبد الرحيم البتالوى، قرأت عليه الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وأطرافاً من المعاجم، والمسانيد، وكتب لي الإجازة بخطه، وكان من تلامذة السيد نذير حسين شيخ الكل.
ومنهم شيخنا حسين بن حيدر الهاشمي، قرأت عليه أطرافاً من صحيح البخاري، وهو يروي عن حسين بن محسن الأنصاري.(1/307)
ومنهم شيخنا أبو إدريس عبد التواب بن عبد الوهاب الإسكندر ابادي، قرأت عليه صحيح البخاري، وهو يروى أيضاً، عن حسين بن محسن الأنصاري.
ومنهم شيخنا أبو محمد هبة الله بن محمود الملاني، قرأت عليه بعض صحيح البخاري، وسمعت عليه بعضه، وسمعت عليه السنن الأربعة، وصحيح مسلم، وهو يروى أيضاً عن الأنصارى.
ومنهم شيخنا خليل بن محمد بن حسين بن محسن الأنصاري، قرأت عليه صحيح البخاري بالمسجد الحرام، وهو يروي عن جده.
ومنهم شيخنا سعيد بن محمد المكي، سمعت منه أطرافاً من صحيح البخاري.
ومنهم شيخنا هبة الله أبو محمد المهدوى، قرأت عليه كثيراً من الكتب، وسمعت منه الكثير، وكان من تلامذة حسين بن محسن الأنصاري اليماني.
ومنهم شيخنا السيد نذير حسين المحدث الدهلوى، أروي عنه بالإجازة العامة، فإنه أجاز أهل عصره، وهو يروي عن أربعة من المشايخ الكبار، منهم عبد الرحمن بن سليمان اليماني، ومحمد عابد السندي، وأكبر شيوخه الذين قرأ عليهم: الشاه إسحاق المحدث الدهلوي، وهو يروي عن الشاه عبد العزيز المحدث الدهلوي، وهو يروي عن والده الشاه ولي الله بن عبد الرحيم المحدث الدهلوي، وهو يروى عن أبي الطاهر الكردي المدني وسنده مشهور مذكور في ثبت الشوكاني، وقد ذكرت أسانيدي في ثبتى.
وقرأت على بعض هؤلاء المشايخ، من كتب الصرف: كتاب الزرادي، والزنجاني، وشرحه للتفتازاني، والشافية لابن الحاجب، وشرحها للجاربردي والرضي، وغيرها.
ومن كتب النحو: شرح عوامل الجرجاني للجامي، وهداية النحو لأبي حيان، والكافية لابن الحاجب، واستظهرت متنها وشرحها للجامي، والرضي، وألفية ابن مالك وشروحها لابن الناظم، وابن عقيل والمكودي، والأشموني، ومفصل والزخشري، وشرحه لابن يعيش، وشرح القطر، والشذرات، وأوضح المسالك، ومغنى اللبيب لابن هشام، وكتاب سيبويه، والأشباه والنظائر للسيوطي، وغيرها.(1/308)
ومن كتب الأدب: مقامات الحريري، ومقامات البديع الهمذاني، وحماسة أبي تمام، وديوان المتنبي، والبحتري، وأبي تمام، وديوان حسان، ودواوين شعراء الجاهلية، وطالعت كتاب الأغاني لأبي فرج الأصبهاني.
ومن كتب المعاني والبيان: مفتاح العلوم للسكاكي، والتلخيص للقزويني، والمختصر والمطوّل للتفتازاني، ودلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة للجرجاني، والطراز ليحيى بن حمزة.
وقرأت على بعضهم كتب المنطق المشهورة، كايساغوجي، وشرح التهذيب، والسلم وشروحه، وكنت لا أرغب في هذا العلم في أوان الطلب، وما جعل الله في قلبي حبه، وما درسته بعد ما قرأته.
وقرأت من علم فروع الفقه، وأصوله رسالة الإمام الشافعي، وكتاب الأم له، وأصول ابن الحاجب، وأصول القاضي البيضاوي، وطالعت المدونة الكبرى لسحنون، والمغنى لابن قدامة، وشرح المهذب للنووي، وقرأت مختصر القدوري، والكنز للنسفي، وشرح الوقاية، والهداية للمرغيناني، وطالعت فتح القدير لابن الهمام، وقرأت أصول الشاشي، وأصول الحسامي، وشرح نور الأنوار، والتلويح والتوضيح، وطالعت العالمكيرة وغيرها من الفتاوى، وكنت أحب من كتب الفقه كتب الأئمة القدماء، دون المتأخرين.
وقرأت على بعض المشايخ تفسير ابن جرير، والبغوي، وابن كثير، والجلالين، والبيضاوي، والكشاف للزمخشري، وطالعت الفخر الرازي، والدر المنثور للسيوطي والقرطبي.
وقرأت على بعضهم شرح العقائد النسفية، وعقيدة الطحاوي مع الشرح، وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وطالعت كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في مسائل العقائد والتوحيد.
وقرأت السراجية، والشريفية على المشايخ.
ثم قرأت بلوغ المرام لابن حجر، ومشكاة المصابيح للتبريزي، والمصابيح للبغوي، وتيسير الوصول لابن الديبع، وجامع الأصول لابن الأثير، ومجموع الفوائد للهيثمي، وكنز العمال للمتقي، والمنهج له، والجامع الكبير للسيوطي، والترغيب والترهيب للمنذري.(1/309)
وقرأت على المشايخ النخبة لابن حجر وشرحها، وألفية العراقي مع شرحها للمؤلف والسخاوي، وطالعت ألفية السيوطي، وكفاية الخطيب البغدادي، وتدريب الراوي للسيوطي.
ثم أخذت قراءة على المشايخ، الموطأ والصحيحين، والسنن الأربعة، ومسند الطيالسي، والدارمي، ومسند الإمام أحمد، والسنن الكبرى للبيهقي، والمستدرك للحاكم، وسنن الدارقطني،ومسند الشافعي، والأدب المفرد للبخاري، ومسانيد أبي حنيفة، ومعجم الطبراني الصغير، وصحيح ابن حبان، ومسند أبي يعلى، والبزار، والفردوس، ومصنف عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، ومسند أبي عوانة، والمنتقى لابن الجارود، والمختارة للضياء، وشرح معاني الآثار، ومشكل الآثار للطحاوي، ومعجم الطبراني الكبير، وسنن سعيد بن منصور، وحصلت قطعة من صحيح ابن خزيمة، ومسند ابن راهويه، وغيرها.
وطالعت طبقات ابن سعد، والإصابة لابن حجر، وأسد الغابة لابن الأثير، والتجريد للذهبي، وتقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب لابن حجر، والخلاصة للخزرجي، ورجال الصحيحين للقيسراني، وميزان الاعتدال للذهبي، والكاشف له، وكذلك تذكرة الحفاظ، وسير النبلاء، وتهذيب المزّي، ولسان الميزان لابن حجر، والتاريخ الصغير والكبير للبخاري، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وعلل الحديث له، وعلل الدارقطني، وسيرة ابن هشام، والروض للسهيلي، والبداية والنهاية لابن كثير، والحلية لأبي نعيم، وتاريخ ابن جرير، وابن عساكر، والخطيب البغدادي، وتاريخ أصبهان لأبي نعيم، وتاريخ ابن الأثير، وتاريخ ابن خلدون، والمنتظم لابن الجوزي، وطبقات السبكي، وابن خلكان، وأنساب السمعاني، والإكمال لابن ماكولا، ومشتبه النسبة للذهبي، وتبصير المنتبه لابن حجر، والضعفاء للعقيلي، والثقات لابن حبان، والكامل لابن عدي وغيرها.(1/310)
وطالعت صحاح الجوهري، وقاموس المجد، وشرحه تاج العروس للزبيدي ومقاييس ابن فارس، وجمهرة ابن دريد، ولسان العرب لابن منظور، والمخصص لابن سيدة، والنهاية لابن الأثير، والفائق للزمخشري، وغريب الحديث لابن سلام، وابن قتيبة وغيرها.
وطالعت نصب الراية للزيلعي، والدراية لابن حجر، وتلخيص الحبير له، والمنتقى للباجي، وشرح الموطأ للزرقاني، والاستذكار لابن عبد البر، والتمهيد له، وشرح الكرماني، والعيني، والقسطلاني، والزين زكريا، وفتح الباري مع المقدمة، وعون المعبود، وغاية المقصود، والمنهل المورود، ومعالم السنن، وعارضة الأحوذي لابن العربي، وتحفة الأحْوذي، وفيض الباري، وشرح النووي، وعون الباري للنواب، ومشارق القاضي عياض وغيرها، وطالعت أكثر تصانيف شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم - رحمهم الله-، وكذلك تواليف الحافظ ابن حزم، وأنا أحبه لمناضلته عن الحديث.
عقيدته
وقال -رحمه الله -: " فإن عقيدتي هي عقيدة السلف الصالح من أهل السنة والجماعة من الفقهاء والمحدثين، وهي عقيدة العمل بالكتاب والسنة، وحملها على ظواهرهما من دون تأويل ولا تحريف فيهما، فمذهبي هو مذهب أهل الحديث اعتقادا وعملا، والحمد لله تعالى على أن جعلني محبا للسنة المطهرة، وهجرت التقليد مع تعظيم الأئمة الأربعة وغيرهم وترك الاعتراض عليهم في اجتهادهم مع تقديم السنة على الرأي المجرد ".
ومن تأليفاتي:
1-كشف المُغَطى عن رجال الصحيحين والموطّأ.
2- ومفتاح الموطأ والصحيحين.
3- ومسند الصحيحين.
4- ومصنف الصحيحين.
5- وشرح الصحيحين والموطأ.
6-وشرح تراجم البخاري.
7- وشرح مسند الإمام أحمد.
8- وفهرسة مسند الإمام أحمد.
9- وتراجم رجال مسند أحمد.
10- وتفسير القرآن بالقرآن والسنة.
11- والرد على ابن التركماني.
12- وشرح منظومة الأمير اليماني.
13- ونظم رجال الصحيحين.
14- والبدور العارجة بين الفصحى والدارجة.
15- وشرح مقدمة الإمام مسلم.(1/311)
ولي مصنفات أخرى في مختلف المسائل مذكورة في رسائلي بأسمائها.
أملاه أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي ربيع الأول 1382 هـ.
استقيت هذه الترجمة من كتاب ألفه المترجم له سماه ( عقيدة الفرقة الناجية ) ذكر فيه ترجمته لنفسه - رحمه الله -.
من أهل القرن الخامس عشر
107- عبيد الله ابن العلامة المباركفوري ت (1414هـ)
هو أبو الحسن عبيد الله ابن العلامة محمد بن عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين.
ولد في المحرم سنة (1327هـ) ببلدة مباركفور التابعة لمديرية أعظم كره، إحدى مديريات الولاية الشمالية ( اتر برديش ) في الهند.(1/312)
ودرس كتب الأردية، و الفارسية الرائجة في المدارس الأهلية آنذاك في المدرسة العالية ببلدة مؤمن بلاد أعظم كره، وكتب النحو، والصرف، والأدب، والفقه والمنطق، والهندسة أمثال الكافية لابن حاجب، وشرحها للملا جامي، وشرح الوقاية ومشكاة المصابيح، والسراجية في علم الفرائض، وشرح التهذيب، وشرح الشمسية المعروف بالقطبى، وديوان المتنبي، وأقليدس، على والده العلامة محمد بن عبد السلام صاحب سيرة البخاري - رحمه الله - حينما كان هو مدرسا في مدرسة سراج العلوم بقرية بونديهار من قرى مديرية كونده، في الولاية الشمالية، ثم انتقل مع والده -رحمه الله- إلى دار الحديث الرحمانية بدلهى، وكمل دراسته هناك، وتخرج على أيدي الأساتذة المتخصصين في كل فن من فنون العلم، فدرس من كتب الحديث: الصحيحين للإمامين البخاري ومسلم، والموطأ للإمام مالك، على العلامة المحدث الشيخ أحمد الله البرتابكرهي، ثم الدهلوي - رحمه الله- تلميذ الشيخ السيد نذير حسين المحدث الدهلوي، والشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي، وقد كتب هو له الإجازة برواية كتب الحديث وهي محفوظة عندنا، وكتب العلوم العقلية الآلية من المنطق، والفلسفة، والهيأة، وعلم الكلام، وكتب الفقه مع أصوله، كشرح هداية الحكمة للصدر الشيرازي، والشمس البازغة، وشرح السلم للمولوي حمد الله، والقاضي مبارك، وشرح العقائد النسفية، وشرح المواقف، والتصريح، وشرح الجغميني، وشرح المطالع، ومسلم الثبوت، والتلويح مع التوضيح، والجزئين الأخيرين من الهداية، والتفسير للبيضاوي على العلامة الشيخ غلام يحيى الكانبوري، ونور الأنوار، وتفسير الجلالين، وجامع الترمذي، والمقامات الحريرية، وديوان الحماسة على الشيخ الحافظ عبد الرحمن النكَرنهسوي، والهدية السعيدية، وسنن أبي داود على الشيخ أبي طاهر البهاري، والمقدمة لابن خلدون، وشيئا من الشمس البازغة على العلامة الشيخ عبد الغفور الجيراجبوري، والفوز الكبير في أصول التفسير(1/313)
على الشيخ محمد إسحاق الآروي، ودرس أيضا صدراً من شرح المطالع على العلامة الشيخ عبد الوهاب الآروي، وشيئاً من تفسير البيضاوي على العلامة الحافظ محمد الكونجراوالي البنجابي.
وحصل الشهادة العالمية من المدرسة الرحمانية سنة خمس وأربعين بعد الألف وثلاثمائة ( 1345) من الهجرة.
وقرأ أيضا في أيام العطلة المدرسية أوائل جامع الترمذي، وقدرا معتدا به من شرح النخبة، ومقدمة ابن الصلاح، والسراجية في علم الفرائض على الإمام المحدث الشيخ عبد الرحمن المباركفوري صاحب تحفة الأحوذى - رحمه الله - وأجاز له الشيخ - رحمه الله - برواية كتب الحديث شفاها.
ونظرا إلى ذكائه، ونجاحه في الاختبار دائماً بالدرجة الممتازة، عينه الشيخ عطاء الرحمن صاحب دار الحديث الرحمانية، والمشرف الوحيد عليها، والمتكفل لجميع ما تحتاج إليه من النفقات مدرسا فيها في نفس السنة التي تخرج فيها.(1/314)
وكما هو معلوم لدى الإخوان أن الشيخ الأجل المحدث المباركفوري، قد كف بصره قبل أن يكمل شرحه ( تحفة الأحوذي )، وكان بحاجة إلى عالم له مناسبة خاصة بعلوم الحديث، وفنونه يساعده في عمله ذاك، فاختار الشيخ المباركفوري - رحمه الله - لذلك فضيلة والدنا الشيخ عبيد الله الرحماني المباركفوري لمساعدته، فأرسله الشيخ عطاء الرحمن على اقتراح الشيخ المباركفوري - رحمه الله - إليه، فقضى لديه سنتين خير مساعد له في تكميل الجزئين الأخيرين لشرح جامع الترمذي-تحفة الأحوذي- مع زميليه الفاضل الشيخ عبد الصمد المباركفوري، والعالم الشيخ محمد اللاهوري البنجابي، وقرأ عليه أطرافاً من الصحاح الستة، وغيرها، وبذل جهده في الاستغراف من بحار علومه، والتأدب بآدابه، والاستفادة من فوائده، ثم استدعاه الشيخ عطاء الرحمن للتدريس في دار الحديث الرحمانية، وفوض إليه تدريس كتب الحديث، خاصة جامع الترمذي، وسنن أبي داود، والصحيحين للإمام البخاري، وللإمام مسلم، والموطأ للإمام مالك، مع خدمة الإفتاء، فاشتغل به إلى أن انقسم الهند إلى الدولتين الباكستان والهند في أغسطس عام( 1947)م الموافق لعام (1366)هـ، وقفلت دار الحديث الرحمانية لأجل هجرة مشرفه الشيخ عبد الوهاب نجل الشيخ عطاء الرحمن - رحمهما الله - إلى كراتشي ( الباكستان ).
وهو مرجع للمسلمين فيما يشكل عليهم من الأمور الدينية، والمسائل الشرعية لما أن فتاواه تكون مدعمة بالدلائل من الكتاب والسنة، ولا يبالي في ذلك لومة لائم، وقد طبع كثير منها في مجلتي " محدث " و " مصباح " وغيرهما.(1/315)
وقد بدأ تأليف شرح المشكاة - مرعاة المفاتيح - الذي بأيدي القارئين في عام (1948)م الموافق لعام(1367)هـ بأمر الحافظ محمد زكريا اللائلبوري - رحمه الله - وأمر والده التقي الورع الزاهد الشيخ محمد باقر - أطال الله حياته - وهو إلى الآن مشتغل به حسبما تسنح له فرصة، ويجد إفاقة من الأمراض التي لازمته مدة طويلة - عجل الله شفاءه ووفقه لخدمة سنة رسوله، وتكميل الشرح- إلى جانب رده على المسائل التي ترد إليه كل يوم، وله بحوث قيمة في بعض المسائل طبعت في أجزاء، منها " بيان الشرعة في بيان محل أذان خطبة الجمعة " عين فيها محل أذان خطبة الجمعة من المسجد، وبحث بسيط في عقد التأمين، وغير ذلك.
وقد وفقه الله لزيارة الحرمين الشريفين أربع مرات: الأولى في رمضان سنة (1366هـ) الموافق لعام (1947)م، مع العلامة الشيخ خليل بن محمد بن حسين بن محسن الأنصاري، وفدا إلى الملك عبد العزيز - برد الله مضجعه - في شأن مدرسة دار الحديث الأهلية بالمدينة المنورة، فقابل الوفد الملك عبد العزيز، ونائبه في الحجاز إذ ذاك جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز - حفظه الله -، ولقى في الرياض الشيخ محمد بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم، وعمر بن حسن، وفي الطائف عبد الله بن حسن آل الشيخ، وفي المدينة عبد الله بن زاحم، وغيرهم من المشائخ، واعتمر أولا في آخر رمضان، ثم في شوال حين رجوعه من المدينة، ورجع الوفد بعد قضاء مهمته، ونجاحه فيها في أوائل ذي القعدة في نفس السنة، ثم إن والدنا الشارح طالت حياته في صحة وعافية قد أدى فريضة الحج عام (1375)هـ الموافق لعام (1956)م عن نفسه، وبعده في عام (1382)هـ الموافق لعام (1963)م، وعام (1391)هـ الموافق لعام (1971)م نيابة، تقبل الله حجه ومد في أجله، ووفقه لإتمام عمله، آمين.(1/316)
أقول: نقلت هذه الترجمة للشيخ عبيد الله من مقدمة مرعاة المفاتيح لابنه عبد الرحمن- حفظه الله ووفقه - وكانت هذه الترجمة في حياة صاحبها الشيخ عبيد الله - رحمه الله -.
ثم توفي - رحمه الله - في عام ( 1414) هـ.
أقول:
إني قد عرفت الشيخ عبيد الله معرفة جيدة، فقد كان يزور الجامعة السلفية ومن أعظم أهدافه أن يلقى الشيخ صالح بن حسين العراقي وربيعاً المنتدبين من الجامعة الإسلامية، يزورنا في الجامعة وفي منزلنا، عرفناه بكرم أخلاقه وتواضعه الذي لا يلحق فيه.
وكانت تدور بيننا وبينه مسائل علمية تطرح للمناقشة فنجد لديه اطلاعاً واسعاً وحفظاً قوياً لتلك المسائل التي تطرح للمناقشة، فما يزداد عندنا إلا حباً وتقديراً، كما أنه من جانبه يبادلنا تلك المشاعر نفسها، ولقد زرته في بلدته مباركفور، فلقيت منه كل حفاوة وسرور وأجازني إجازة عامة في كل ما قرأه وسمعه من مصادر السنة وغيرها – رحمه الله رحمة واسعة -.
108- بديع الدين الراشدي ت (1416)
الشيخ العلامة المحدث الفقيه الفهامة، مفيد الطلبة، عالي الرتبة: السيد الشريف أبو محمد بديع الدين شاه بن السيد شاه إحسان الله بن رشد الله شاه بن السيد الشريف رشيد الدين شاه بن السيد الشريف محمد ياسين شاه بن السيد الشريف محمد راشد شاه الراشدي الحسيني.
ولادته ونشأته:
ولد عام (1342)هـ بقرية " بيرجنده " من قرى السند، وهي موطن آبائه، وانتقل والده الشريف إحسان الله شاه منها، وأسس قرية جديدة تسمى " درغاه شريف " وأقام بها مدرسة التحق بها الشيخ أبو محمد - صاحب الترجمة -، فتلقى فيها على بعض الشيوخ مباديء العربية، وغيرها من العلوم، ولا تزال هذه المدرسة موجودة إلى الآن، ولقد منَّ الله على الشيخ بجودة الحفظ، فحفظ القرآن الكريم بنفسه في أقل من أربعة أشهر، وكان حينئذ ابن ثلاث وعشرين سنة، ومن غريب ما وقع له أنه حفظ سورة النور على ظهور الجمال في بعض أسفاره.
شيوخه:(1/317)
تلقى العلم والرواية عن كثير من أهل العلم، بعضهم بالقراءة عليهم، وبعضهم بالإجازة فمن شيوخه بالقراءة:
1- الشيخ الحافظ أمين الكشي.
2- الشيخ بهاء الدين خان الجلال أبادي ت (1365هـ ).
3- الشيخ محمد شفيع المنكيو السكرندي.
4- عبد الله الكدهري.
5- الشيخ عبد الكريم النواب شامي.
6- الشيخ قطب الدين الهاليجوي.
7- الشيخ محب الدين شاه الراشدي، وهو أخوه الأكبر، وكان محدثاً علامة.
8- الشيخ محمد إسماعيل البنت عربي.
9- الشيخ محمد السندي الهالائي، ثم المدني، ثم الكراتشوي.
10- الشيخ محمد نور عيسى خيلي.
أما شيوخه بالإجازة، فهم كثيرون، إذ كان حريصاً على علم الإسناد، فأخذ الإجازة مع القراءة من عدة شيوخ ذكرهم في " ثبته "، منهم:
1- المحدث أبو الوفاء ثناء الله الآمرتسري.
2- المحدث أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد بن محمد بن هاشم الهاشمي المتوفى (1393هـ).
3- الشيخ محمد خليل بن محمد سليم الخيربوري.
هجرته إلى مكة المكرمة ورحلاته:
بلغت شهرة الشيخ الآفاق، وذاع صيته، وحرص الطلاب على تلقي العلم عنه، وأتوه من كل حدب وصوب، وقد تصدى للتدريس ببلده، فأخذ عنه جماعة، ثم هاجر إلى مكة المكرمة في أواخر سنة (1395هـ)، وجاور بيت الله الحرام أربع سنوات، ودرس فيه الكتب الستة، والمحلى لابن حزم، وكان في كل سنة يذهب إلى بلاده وذلك للوعظ والإرشاد، وزار الكويت عام 1414هـ، وقرأ عليه الطلبة كتابي التوحيد، والاعتصام بالسنة من " صحيح البخاري " وكتاب " الباعث الحثيث " لابن كثير، و" الورقات في أصول الفقه " لإمام الحرمين الجويني مع شرحها.
واستجازه الناس من بلاد السند، والهند، والشام والعراق، وجزيرة العرب وبلاد المغرب.(1/318)
وكان يقتني مكتبة ضخمة عامرة بأمهات الكتب، ونوادرها من مخطوطات ومطبوعات، من ذلك كتاب " مسند الشاميين " للطبراني، فقد كان لديه نسخة منقولة عن نسخة مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة، ثم لما فقد الأصل صارت نسخته هي الوحيدة في العالم، وعليها اعتمد الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي في إخراج الكتاب وتحقيقه.
مؤلفاته:
للشيخ يد طولى في التأليف، وله أكثر من (80) كتاباً أغلبها لا يزال مخطوطاً، وقد تناولت مؤلفاته وتحقيقاته فنوناً عديدة، ومسائل شتى، تعالج كثيراً من القضايا الشرعية، منها:
1- الإجابة مع الإصابة في ترتيب أحاديث البيهقي على مسانيد الصحابة.
2- مقدمة التفسير، وتفسير القرآن المسمى " الاستنباط العجيب ".
3- الفتاوى البديعية.
4- جزء منظوم في أسماء المدلسين.
5- الصريح الممهد في وصل تعليقات موطأ الإمام محمد.
6- تراجم شيوخ الإمام البيهقي.
7- مسند السنن الكبرى للبيهقي.
8- التبويب لأحاديث تاريخ الخطيب.
9- غاية المرام في تخريج جزء القراءة خلف الإمام.
10-القول اللطيف في الاحتجاج بالحديث الضعيف.
11- رفع الارتياب عن حكم الأصحاب، ثم ذيل عليه.
12- تحفة الأحباب في تخريج أحاديث قول الترمذي: " وفي الباب ".
وبعد حياة حافلة بالعطاء العلمي، قضى الشيخ - رحمه الله - يوم 17 شعبان عام (1416)هـ بعد مرض أقعده -رحمه الله -.
انظر ترجمته في معجم المعاجم والمشيخات للدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي(3/96-98) .
أقول:
إني قد عرفت الشيخ بديعاً – رحمه الله – بذكائه المتوقد وقوة حافظته واستحضاره لنصوص الكتاب والسنة، وجالسته مراراً وتكراراً في مكة والمدينة وفي المسجد الحرام وغيره، وذاكرته في عدد من المسائل وقرأت عليه في "سبل السلام" وشيء من " صحيح مسلم " فأجازني إجازة عامة بكل مقروءاته ومسموعاته وفيما أجيز فيه من مصادر في مخنلف الفنون.
109- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ت (1420)(1/319)
قال -رحمه الله- مترجما لنفسه:" أنا عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز، ولدت بمدينة الرياض في ذي الحجة سنة (1330)هـ، وكنت بصيرا في أول الدراسة، ثم أصابني المرض في عيني عام ( 1346) هـ فضعف بصري بسبب ذلك، ثم ذهب بالكلية في مستهل محرم من عام (1350)هـ، والحمد لله على ذلك، وأسأل الله - جل وعلا - أن يعوضني عنه بالبصيرة في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة، كما وعد بذلك سبحانه على لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم-، كما أسأله سبحانه أن يجعل العاقبة حميدة في الدنيا والآخرة.
وقد بدأت الدراسة منذ الصغر، وحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ، ثم بدأت في تلقي العلوم الشرعية، والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض، من أعلامهم:-
1- الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله -.
2- الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( قاضي الرياض ) - رحمهم الله -.
3- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق ( قاضي الرياض).
4- الشيخ حمد بن فارس ( وكيل بيت المال بالرياض).
5- الشيخ سعد وقاص البخاري ( من علماء مكة المكرمة)، أخذت عنه علم التجويد في عام (1355) هـ.
6- سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، وقد لازمت حلقاته نحوا من عشر سنوات، وتلقيت عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة ( 1347) هـ إلى سنة ( 1357) هـ، حيث رشحت للقضاء من قبل سماحته.
جزى الله الجميع أفضل الجزاء وأحسنه، وتغمدهم جميعاً برحمته ورضوانه.
وقد توليت عدة أعمال هي:
1- القضاء في منطقة الخرج مدة طويلة استمرت أربعة عشر عاماً وأشهرا وامتدت بين سنتي (1357) هـ إلى عام ( 1371) هـ، وقد كان التعيين في جمادى الآخرة من عام( 1357) هـ، وبقيت إلى نهاية عام ( 1371 ) هـ.(1/320)
2- التدريس في المعهد العلمي بالرياض سنة ( 1372) هـ وكلية الشريعة بالرياض بعد إنشائها سنة ( 1373) هـ في علوم الفقه، والتوحيد والحديث، واستمر عملي على ذلك تسع سنوات انتهت في عام ( 1380) هـ.
3- عينت في عام ( 1381 ) هـ نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وبقيت في هذا المنصب إلى عام ( 1390) هـ.
4- توليت رئاسة الجامعة الإسلامية في سنة ( 1390) هـ بعد وفاة رئيسها شيخنا الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - في رمضان عام ( 1389) هـ وبقيت في هذا المنصب إلى سنة (1395هـ).
5- وفي 14/10/1395هـ صدر الأمر الملكي بتعيني في منصب الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية، والإفتاء، والدعوة، والإرشاد، ولا أزال إلى هذا الوقت في هذا العمل.
أسأل الله العون، والتوفيق والسداد.
ولي إلى جانب هذا العمل في الوقت الحاضر عضوية في كثير من المجالس العلمية والإسلامية من ذلك:-
1- عضوية هيئة كبار العلماء بالمملكة.
2- رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الهيئة المذكورة.
3- عضوية ورئاسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
4- رئاسة المجلس الأعلى العالمي للمساجد.
5- رئاسة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
6- عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
7- عضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية في المملكة.
أما مؤلفاتي فمنها: -
1- الفوائد الجلية في المباحث الفرضية.
2- التحقيق والإيضاح، لكثير من مسائل الحج، والعمرة، والزيارة ( توضيح المناسك).
3- التحذير من البدع، ويشتمل على أربع مقالات مفيدة، ( حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من الشعبان، وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد).
4- رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
5- العقيدة الصحيحة وما يضادها.(1/321)
6- وجوب العمل بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكفر من أنكرها.
7- الدعوة إلى الله، وأخلاق الدعاة.
8- وجوب تحكيم شرع الله، ونبذ ما خالفه.
9- حكم السفور والحجاب، ونكاح الشغار.
10- نقد القومية العربية.
11- الجواب المفيد في حكم التصوير.
12- الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ( دعوته وسيرته).
13- ثلاث رسائل في الصلاة، ( 1- كيفية صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- 2- وجوب أداء الصلاة في جماعة، 3- أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع ).
14- حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن، أو في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
15- حاشية مفيدة على فتح الباري، وصلت فيها إلى كتاب الحج.
16- رسالة الأدلة النقلية، والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب.
17- إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله، أو صدق الكهنة، والعرافين.
18- الجهاد في سبيل الله.
19- الدروس المهمة لعامة الأمة.
20- فتاوى تتعلق بأحكام الحج، والعمرة، والزيارة.
21- وجوب لزوم السنة، والحذر من البدع ".
أقول:
وله مجموع فتاوى، ومقالات في ثلاثين مجلدا إلى الآن بعمل وإشراف الشيخ محمد بن سعد الشويعر - حفظه الله – وتفصيلها كالآتي:
1- التوحيد وما يلحق به في عشرة مجلدات.
2- الصلاة وما يتعلق بها في ستة أجزاء.
3- الزكاة في مجلد.
4- الحج في مجلدين.
5- الحج- القسم الأخير- والجهاد في مجلد.
6- العلم والتفسير في مجلدين.
7- الحديث في مجلدين.
8- الدعوة إلى الله في مجلد.
9- البيوع في مجلد.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في الدرر السنية (16/484-485):
" الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -:
هو العالم الجليل، والمحدث الفقيه، المفيد للطالبين، المحفوف بعناية رب العالمين، الورع الزاهد، المحبوب المعمر في طاعة رب العالمين، قد خيب الله بطول عمره، نوقع الجاهلين وظن الحاقدين.(1/322)
ولد - رحمه الله - في سنة 1330 من الهجرة، بمدينة الرياض، وكان بصيرا ففقد بصره سنة (1350) هـ، حفظ القرآن قبل سن البلوغ، ثم جد في طلب العلم على علماء الرياض.
ومن أبرزهم:
1- الشيخ محمد بن عبد اللطيف.
2- والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
3- والشيخ سعد بن عتيق.
4- والشيخ حمد بن فارس.
5- والشيخ محمد بن إبراهيم وغيرهم.
ولما برز في العلوم الشرعية واللغة العربية، عين في القضاء سنة 1357 هـ.
ولم ينقطع عن العلم والتعليم بما شغل به من مناصب في القضاء في أي مدينة كان، فهو القاضي والمفتي، والداعية، والمصلح، والرئيس، والإمام، والمعلم، والمكرم للضيوف، والحنون على الأرامل والأيتام، ومطعم المساكين، والواسطة في الأمور الخيرة.
نشأ على يديه عدد فيهم خير وبركة، له تأسيس كبير في الندوات، والمحاضرات واختيار الموضوعات، ظهر له كتب، ورسائل كثيرة، وأشرطة عديدة، يعجز عن إحصائها المتتبع لها، لا يضيع عليه شيء من أوقاته، فما أحسن وأحلى وأعظم حياته.
فهنيئاً له ولكل من سار على نهجه في حياته، فصبر وصابر، وعمر أوقاته في طاعة ربه ومرضاته ".
وقال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الباز في كتابه " القول الوجيز في حياة شيخنا عبد العزيز" ص (13-15):
" ورغم تعدد مسؤوليات سماحته - رحمه الله – وتنوعها، وشمولها، فإنه لم ينسَ دوره كعالم وداعية، فكان أن أخرج العديد من المؤلفات والكتب العلمية القيّمة التي فاق عددها الستين كتاباً، ما بين رسالة، وفتاوى، وغيرها من أنواع العلم الشرعي، مما احتاج إليه الأمة في هذا الزمن، وقد بدأ في التأليف وهو قاضٍ في الخرج(1).
أبرز شيوخه وتلاميذه - رحمه الله تعالى -:
كان الذين يحضرون دروس الشيخ في الجامع الكبير قرابة المائتين، إلى ثلاثمائة، أما الذين يحضرون في مسجد الأميرة سارة، في المغرب الأحد، والأربعاء، فيصلون إلى خمسمائة.
__________
(1) مجلة الشباب، العدد الخامس ربيع الأول 1420هـ.(1/323)
... وهؤلاء بعض الشيوخ والتلاميذ الذين أخذوا العلم عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله -، وكانوا أكثر الناس المتأثرين بوفاته - رحمه الله - وهم على النحو التالي:
1- معالي الشيخ راشد بن صالح بن خنين، المستشار بالديوان الملكي، وهو من الدلم.
2- معالي الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله السالم، أمين عام مجلس الوزراء وهو من الرياض.
3- معالي الشيخ عبد الله بن سليمان المسعري، رئيس ديوان المظالم سابقاً وهو من حوطة بني تميم.
4- الشيخ عبد العزيز بن سليمان آل سليمان، وهو من الحريق.
5- الشيخ محمد بن سليمان آل سليمان، القاضي في المحكمة الكبرى بالدمام سابقاً، وهو من الحريق.
6- الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود، عضو هيئة كبار العلماء سابقاً، وهو من الحريق.
7- الشيخ محمد بن زيد آل سليمان، رئيس المحاكم الشرعية في الدمام وهو من الحريق.
8- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الشثري، المستشار بالحرس الوطني، وهو من حوطة بني تميم.
9- الشيخ سعد بن سليمان المسعري، وهو من حوطة بني تميم.
10- الشيخ عبد العزيز بن سليمان المسعري، وهو من حوطة بني تميم.
11- الشيخ عبد الرحمن بن مجلي، وهو من حوطة بني تميم.
12- الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سحمان، كان كاتباً للشيخ في المحكمة،وهو من الأفلاج.
13- الشيخ حمد بن سعد بن حمد بن عتيق، عمل قاضياً في محكمة التمييز وهو من الأفلاج.
14- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، وهو من الأفلاج.
15- الشيخ إبراهيم بن محمد بن خرعان، وهو من الأفلاج.
16- الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن ناصر البراك، يعمل حالياً أستاذاً في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، وهو من الرياض.
17- مسفر بن سعد الزهراني، وهو من زهران.
18- حامد بن أحمد الغامدي، وهو من غامد.
19- سعود بن محمد عشبان - رحمه الله -، وهو من الدلم.
20- سعد بن رشيد الخرجي - رحمه الله -، وهو من الدلم".
أقول: ومن تلاميذه بالمدينة:(1/324)
21- الشيخ الدكتور علي بن ناصر فقيهي.
22- الشيخ الدكتور ربيع بن هادي عمير المدخلي.
23- الشيخ علي بن محمد يتيم المدخلي.
24- الشيخ ياسين محمد المدخلي.
25- الشيخ الدكتور هادي بن أحمد طالبي المدخلي.
26- الشيخ عبد الرحمن بن عبيد الله المباركفوري من الهند.
27- الشيخ السركمال الدين من السودان.
28- الشيخ أحمد صالح الفلسطيني.
29- الشيخ عبد العزيز الشيشاني من الأردن.
وغيرهم من زملائنا الذين درسهم العلامة ابن باز في شرح الطحاوية لابن أبي العز في السنة الأولى في الجامعة الإسلامية في عام (1381) هـ حين كان فيها نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية العلامة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم.
ثم أقول:
إني قد عرفت هذا الإمام العلم الفذ في علمه وعمله وأخلاقه واهتمامه بأمر الإسلام والمسلمين، واهتمامه بالدعوة السلفية وأهلها ودعاتها في مشارق الأرض ومغاربها، يمد لهم يد العون المادي بسخاء ويتعرف على أحوالهم ومشاكلهم فيسعى في حلها.
ويدعمهم معنويا بعطفه، وأخلاقه، وسعة صدره لا يلحقه فيها أحد في زمانه وقبل زمانه بقرون.
ولقد كان بابه مفتوحاً للناس، وخاصة طلاب العلم يسألهم عن أحوالهم ويجيب على أسئلتهم ويسعى في حل مشاكلهم التي يعرضونها عليه.
وكنت أزوره فأجد منه والداً محباً مكرماً واثقاً مشجعاً على طلب العلم والدعوة إلى الله والذب عن السنة ومنهج السلف الصالح.
ولقد كنت أحضر دروسه حينما كنت في الرياض حين التحقت بكلية الشريعة، وكان مما يدرسه كتاب " السبل السوية في فقه السنن المروية " للعلامة الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي - رحمه الله -.
كان يقرأ عليه في هذا الكتاب شاب فاضل اسمه إبراهيم الشاجري من جهة القنفذة بعد صلاة الفجر، كان يقرأ قراءة جيدة تشوق للاستماع، وتنشط المدرس.(1/325)
ولما أسست الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية انتقل إليها نائباً عن رئيسها شيخه العلامة مفتي المملكة العربية السعودية محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -.
وانتقل إلى الجامعة الإسلامية عدد من طلاب العلم في كلية الشريعة، فزادت الصلة والمحبة بيننا وبين هذا الإمام الفذ، وكان مع ما يضطلع به من أعمال يقوم بالتدريس في المسجد النبوي يدرس في (صحيح مسلم) بين العشاءين، يقرأ عليه ابن أخيه أبو عبد الرحمن عبد العزيز بن ناصر الباز.
ودرس فترة في تفسير ابن كثير، وكنت أحضر كثيراً في هذه الدروس، ودرسنا في السنة الأولى من سنيّ الجامعة الإسلامية في شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي مدة، ثم أسند تدريسها إلى الشيخ عبد المحسن العباد.
ولما تخرجنا في السنة الرابعة من الجامعة الإسلامية، اختار عدداً من هؤلاء الخريجين للتدريس بالمعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية - أنا أحدهم - وقبلها أرسلني في مجموعة من طلاب الجامعة الإسلامية ونحن في السنة الثالثة برئاسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب البناء للدعوة إلى الله في السودان.
وأرسلني مرة ونحن في السنة الثالثة أو الرابعة مع مجموعة من الطلاب للدعوة إلى الله في منطقة الليث والقنفذة مدة شهر تقريباً.
وحينما كنت مدرساً في المعهد الثانوي ابتعثني مع زميله الفاضل الشيخ صالح بن حسين العراقي إلى الهند للتدريس في الجامعة السلفية لمدة ثلاث سنوات، نعود منها أيام الإجازات إلى المملكة، ثم نعود أيام التدريس، كما انتدب معي في السنة الثانية أو الثالثة الشيخ هادي بن أحمد طالبي.
ولقد استفادت منا هذه الجامعة الطيبة في وضع المناهج، واستفاد من هذا المنهج كثير من طلاب الجامعة السلفية في الهند، وأظن حتى في باكستان.
ولما انتقل - رحمه الله - إلى الرياض بعد وفاة شيخه الإمام محمد بن إبراهيم ليتسلم منصب الإفتاء والبحوث العلمية والدعوة إلى الله، استمرت هذه الصلة والمحبة.(1/326)
فكنت أشد الرحال لزيارته والاستفادة من غزير علمه، وأخلاقه، وأجلس معه جلسة خاصة في كلّ زيارة، أعرض عليه ما تواجهه الدعوة السلفية من مشاكل خصومها فأجد منه التفاهم العالي اللائق بأمثاله والصدر الرحب، والإصغاء الواعي، والأخذ والإعطاء في الكلام، وبذل الجهد فيما ينفع الدعوة السلفية ويدفع عنها الضرر - رحمه الله -، والحق يقال: إنّ الدعوة السلفية قد فقدت هذا الإمام الألمعي، فقدته في كل مكان فقدانا لا نظير له، وتجرّأ عليها وعلى دعاتها حتى خفافيش الظلام، وفي الله العوض، ومنه يستمد النصر والعون.
لقد كنت وما زلت أحب هذا الرجل لما يتمتع به من الصفات العظيمة، وأشيد به وبأخلاقه في كثير وكثير من مجالسي ودروسي؛ لأن مثل هذا الرجل وأخلاقه تفرض عليّ في دروسي في التوحيد وغيره تذكّره وتذكّر أخلاقه ومجالسه، فأحثّ الشباب أن يتّخذوا منه بعد كتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف وأخلاقهم أسوة حسنة في دينهم وأخلاقهم، ومعاملاتهم.
ولقد قلت في كتابي " أهل الحديث هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية " ( ص 90-91 ) خلال ردّي على حطّ سلمان العودة على أهل الحديث:
" فهل تجد في الدنيا مثل الشيخ ابن باز والعثيمين والشيخ عبد العزيز السلمان والفوزان، وحمود التويجري، والغديان، وعبد الرزاق عفيفي، وآل الشيخ... وكثير من علماء هذا البلد وطلاب العلم منهم؟!
هل تجد مثلهم في الأخلاق والعقيدة، والبذل في سبيل الله ؟!.
لتأتِنا الطوائف والأحزاب بأمثالهم.
ولتأتِنا بأمثال الشيخ الألباني وتلاميذه علما بالسنة وجهادا في سبيل التوحيد، ومحاربة الشرك والبدع، وأمثال علماء الهند؛ كالشيخ عبيد الله المباركفوري وإخوانه في الهند وباكستان ديناً، وخلقاً وعقيدة، وعلماً وصدعاً بالحق، وصبراً على الأذى في سبيل الله.
وهات مثل الشيخ عبد الباري وإخوانه في بنجلاديش! هات مثلهم في الدين وعلوّ الأخلاق !.(1/327)
فكيف ترمي أهل هذا المنهج بالتحزب على جزء من الدين والجفاء والغفلة عن واقع الأمة وما يدبّر لهم، وفيهم الشيخ العلامة المجاهد اليقظ والمتابع لأحوال المسلمين في أقطار الدنيا كلها حتى ليعتقد فيه أنه لو كانت في المريخ حركة إسلامية، لكان وراءها ألا وهو الشيخ ابن باز ؟! ".
وقد كان يكتب إليّ أحيانا في أمور تتعلق بالدعوة وغيرها منها ما يأتي:
110- الشيخ محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني ت (1420)
هو الإمام المحدث أحد أئمة الحديث والتوحيد والسنة في هذا العصر.
طلبه للعلم:
عندما استقربه المقام في دمشق، ألحقه والده بمدرسة الإسعاف الخيرية الابتدائية، بدمشق، ثم انتقل في أثناء هذه المرحلة من تلك المدرسة إلى مدرسة أخرى بسوق (ساروجة) وفيها أنهى الفتى دراسته الأولية.
ثم أخرجه والده من المدرسة؛ إذ كان يرى أن هذه الدراسة النظامية لا فائدة منها إلا بقدر ما يتعلم الطفل فيها القراءة والكتابة.
ثم وضع له منهجاً علمياً مركزاً درس من خلاله الفتى، وتعلم القرآن الكريم والتجويد، والصرف، وركز له على دراسة الفقه الحنفي ؛ إذ كان يريده والده فقيهاً حنفياً !.
كما درس على بعض المشايخ والعلماء من أصدقاء والده.
وكان ولع الشيخ بالقراءة لا يوصف، حتى وهو في هذه السن المبكرة، فكان يبحث ويقرأ في أوقات فراغه، وكان في بداية أمره يقرأ في كل شيء، حتى إني سمعته يقول:
" في أول عمري قرأت ما يقرأ، وما لا يقرأ ".
طلبه لعلم الحديث:
يقول الشيخ - رحمه الله - وهو إذ ذاك في العشرين من عمره تقريباً:
" ذات يوم لاحظت بين الكتب المعروضة لدى أحد الباعة جزءاً من مجلة المنار فاطلعت عليه، ووقعت فيه على بحث بقلم السيد رشيد رضا يصف فيه كتاب ( الإحياء ) للغزالي، ويشير إلى محاسنه، ومآخذه، ولأول مرة أواجه مثل هذا النقد العلمي، فاجتذبني ذلك إلى مطالعة الجزء كله، ثم أمضي لأتابع موضوع تخريج الحافظ العراقي على ( الإحياء ).(1/328)
ورأيتني أسعى لاستئجاره ؛ لأني لا أملك ثمنه، فاستهواني ذلك التخريج الدقيق حتى صممت على نسخه".
وقام الشيخ بنسخ هذا الكتاب، وهو ( المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار ) بخطه الحسن الدقيق، ورتبه ونسقه أحسن تنسيق، وهو أول عمل حديثي يقوم به الشيخ - رحمه الله - وما زال في مكتبته إلى الآن.
ومن هنا ارتبط الشيخ بمجلة المنار، وبما كانت تنشر من بحوث في السنة، وأعجب بها أيما إعجاب، وعلى إثر ذلك جذبه علم الحديث، وأحب كتبه، فأقبل على دراسة كتب الحديث وتحصيلها بهمة عالية، ووفقه الله عز وجل في ذلك بما حباه به من ذهن وقاد، ونبوغ ظاهر، وعقلية علمية نادرة.
فكان إذا اكتسب من عمله ما يكفي حاجته، ترك العمل، وأقبل على العلم، وتحول دكانه إلى ملتقى لطلبة العلم.
وسبحان الله ! كيف ملك علم الحديث لب وفؤاد هذا الفتى، وهو الذي نشأ في بيئته - وإن كانت بيئة علم وتدين – مذهبية! ومع ما كان يسمع من والده عندما رأى إقباله على هذا العلم:
" يا محمد ! علم الحديث صنعة المفاليس " !!
وعندما رأى مؤرخ حلب ومحدثها الشيخ محمد راغب الطباخ نبوغ الفتى، وإقباله على العلم أجازه بمروياته، وهي مذكورة في ثبته " الأنوار الجليلة في مختصر الأثبات الحلبية ".
وليس من الأسرار أن الشيخ - رحمه الله – كان يقول عن هذه الإجازة: " هي لا تعني لي شيئاً، وإنما نرد بها فقط على الحاقدين ".
قلت: وهذا عين الحق والصواب، إذ من المعروف أن مثل هذه الإجازات لا تكسب أصحابها علماً(1)وكلنا يعرف كم من الجهال لديهم عشرات الإجازات ومع هذا ما زالوا جهالاً.
__________
(1) كلا إن الإجازات لمهمة جداً وإن كان فيمن يأخذها أناس من أهل الجهل فهناك من يأخذها لمقاصد عظيمة منها أن فيها حفاظا على سلسلة الأسانيد إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وحفاظا على الكتب التي تضمنت هذه السنة النبوية وكما يقال : الأسانيد أنساب الكتب .(1/329)
ولكن المؤكد أن من سيطر الحقد على قلبه، لا يقنع بإجازة، بل ولا بعشرات الإجازات، ويغلب على هؤلاء الحاقدين الجمع بين الحقد والجهل، وربما الجبن والتخفي أيضاً، كما في مقال بتاريخ (20/7/1420) هـ الموافق (29/10/1999)مـ.
جلده في البحث:
وهذا أمر بارز جداً في حياة الشيخ – رحمه الله – وأكتفي هنا بمثالين اثنين:
الأول: قصة الورقة الضائعة.
قال الشيخ – رحمه الله – في مقدمة " فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية المنتخب من مخطوطات الحديث ":
" لم يكن ليخطر في بالي وضع مثل هذا الفهرس ؛ لأنه ليس من اختصاصي، وليس عندي متسع من الوقت ليساعدني عليه، ولكن الله - تبارك وتعالى- إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه، فقد ابتليت بمرض خفيف أصاب بصري، منذ أكثر من اثني عشر عاماً، فنصحني الطبيب المختص بالراحة، وترك القراءة، والكتابة، والعمل في المهنة ( تصليح الساعات ) مقدار ستة أشهر.
فعملت بنصيحته أول الأمر، فتركت ذلك كله نحو أسبوعين، ثم أخذت نفسي تراودني، وتزين لي أن أعمل شيئاً في هذه العطلة المملة، عملاً لا ينافي – بزعمي – نصيحته، فتذكرت رسالة مخطوطة في المكتبة، اسمها " ذم الملاهي ": للحافظ ابن أبي الدنيا، لم تطبع فيما أعلم يومئذ.
فقلت: ما المانع من أن أكلف من ينسخها لي؟ وحتى يتم نسخها، ويأتي وقت مقابلتها بالأصل، يكون قد مضى زمن لا بأس به من الراحة، فبإمكاني يومئذ مقابلتها وهي لا تستدعي جهداً ينافي الوضع الصحي الذي أنا فيه، ثم أحققها بعد ذلك على مهل، وأخرج أحاديثها، ثم نطبعها، وكل ذلك على فترات؛ لكي لا أشق على نفسي!.
فلما وصل الناسخ إلى منتصف الرسالة، أبلغني أن فيها نقصاً، فأمرته بأن يتابع نسخها حتى ينتهي منها، ثم قابلتها معه على الأصل، فتأكدت من النقص الذي أشار إليه، وأُقدّره بأربع صفحات في ورقة واحدة في منتصف الكراس، فأخذ ت أفكر فيها، وكيف يمكنني العثور عليها ؟(1/330)
والرسالة محفوظة في مجلد من المجلدات الموضوعة في المكتبة، تحت عنوان " مجاميع " وفي كل مجلدٍ منها على الغالب عديد من الرسائل، والكتب، مختلفة الخطوط والمواضيع والورق لوناً وقياساً، فقلت في نفسي: لعل الورقة الضائعة قد خاطها المجلِّدُ سهوا في مجلد آخر من هذه المجلدات ! فرأيتني مندفعاً بكل رغبة ونشاط باحثاً عنها فيها على التسلسل.
ونسيت أو تناسيت نفسي، والوضع الصحي الذي أنا فيه! فإذا ما تذكرته لم أعدم ما أتعلل به ؛من مثل القول: بأن هذا البحث لا ينافيه ؛ لأنه لا يصحبه كتابة ولا قراءة مضنية !
وما كدت أتجاوز بعض المجلدات، حتى أخذ يسترعي انتباهي عناوين بعض الرسائل والمؤلفات، لمحدثين مشهورين، وحفاظ معروفين، فأقف عندها باحثاً لها، دارساً إياها، فأتمنى لو أنها تنسخ، وتحقق، ثم تطبع، ولكني كنت أجدها في غالب الأحيان ناقصة الأطراف، والأجزاء، فأجد الثاني دون الأول مثلاً، فلم أندفع لتسجيلها عندي، وتابعت البحث عن الورقة الضائعة، ولكن عبثاً حتى انتهت مجلدات (المجاميع ) البالغ عددها ( 152 ) مجلداً، بيد أني وجدتني في أثناء المتابعة أخذت أسجل في مسودتي عناوين بعض الكتب التي راقتني، وشجعني على ذلك أنني عثرت في أثناء البحث فيها على بعض النواقص التي كانت قبل من الصوارف عن التسجيل.
ولما لم أعثر على الورقة في المجلدات المذكورة، قلت في نفسي: لعلها خِيطت خطأ في مجلد من مجلدات كتب الحديث، والمسجلة في المكتبة تحت عنوان (حديث )! فأخذت أقلبها مجلداً مجلداً، حتى انتهيت منها دون أن أقف عليها ! ولكني سجلت أيضاً عندي ما شاء الله تعالى من المؤلفات والرسائل.
وهكذا لم أزل أعلل النفس، وأمنيها بالحصول على الورقة، فأنتقل في البحث عنها بين مجلدات المكتبة، ورسائلها من علم إلى آخر، حتى أتيت على جميع المخطوطات المحفوظة في المكتبة، والبالغ عددها نحو عشرة آلاف مخطوط دون أن أحظى بها !(1/331)
ولكني لم أيأس بعد، فهناك ما يعرف بـ( الدشت )، وهو عبارة عن مكدسات من الأوراق، والكراريس المتنوعة التي لا يعرف أصلها، فأخذت في البحث فيها بدقة وعناية، ولكن دون جدوى.
وحينئذ يئست من الورقة! ولكني نظرت فوجدت أن الله -تبارك وتعالى- قد فتح لي من ورائها باباً عظيماً من العلم، طالما كنت غافلاً عنه كغيري، وهو أن في المكتبة الظاهرية كنوزاً من الكتب، والرسائل في مختلف العلوم النافعة التي خلفها لنا أجدادنا -رحمهم الله تعالى-، وفيها من نوادر المخطوطات التي قد لا توجد في غيرها من المكتبات العالمية،مما لم يطبع بعد.
فلما تبين لي ذلك، واستحكم في قلبي استأنفت دراسة مخطوطات المكتبة كلها من أولها إلى آخرها، للمرة الثانية، على ضوء تجربتي السابقة التي سجلت فيها ما انتقيت فقط من الكتب، فأخذت أسجل الآن كل ما يتعلق بعلم الحديث منها مما يفيدني في تخصصي؛ لا أترك شاردة ولا واردة إلا سجلتها، حتى ولو كانت ورقة واحدة، من كتاب أو جزء مجهول الهوية!
وكأن الله -تبارك وتعالى- كان يعدني بذلك كله للمرحلة الثالثة والأخيرة.
وهي دراسة هذه الكتب دراسة دقيقة، واستخراج ما فيها من الحديث النبوي مع أسانيده وطرقه، وغير ذلك من الفوائد.
فإني كنت في أثناء المرحلة الثانية، التقط نتفاً من هذه الفوائد التي أعثر عليها عفوياً فما كدت أنتهي منها حتى تشبعت بضرورة دراستها كتاباً كتاباً، وجزءاً جزءاً. ... ولذلك فقد شمرت عن ساعد الجد، واستأنفت الدراسة للمرة الثالثة، لا أدع صحيفة إلا تصفحتها، ولا ورقة شاردة إلا قرأتها، واستخرجت منها ما أعثر عليه من فائدة علمية، وحديث نبوي شريف، فتجمع عندي بها نحو أربعين مجلداً، في كل مجلد نحو أربعمائة ورقة، في كل ورقة حديث واحد، معزواً إلى جميع المصادر التي وجدته فيها مع أسانيده وطرقه.(1/332)
ورتبت الأحاديث فيها على حروف المعجم، ومن هذه المجلدات أغذي كل مؤلفاتي ومشاريعي العلمية، الأمر الذي يساعدني على التحقيق العلمي، الذي لا يتيسر لأكثر أهل العلم، لا سيما في هذا الزمان الذي قنعوا فيه بالرجوع إلى بعض المختصرات في علم الحديث، وغيره من المطبوعات !
فهذه الثروة الحديثية الضخمة التي توفرت عندي؛ ما كنت لأحصل عليها لو لم ييسر الله لي هذه الدراسة بحثا ًعن الورقة الضائعة! فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وإن من ثمراتها المباركة: أنني اكتشفت في أثنائها بعض المؤلفات، والأجزاء والكراريس القيمة التي لم يكن من المعلوم سابقاً وجودها في المكتبة أصلاً، أو كاملة لذهاب الورقة الأولى وغيرها منها التي بها يمكن عادة الكشف عن هوية المؤلِّف والمؤلَّف أو لإهمال الناسخ كتب ذلك على نسخته من الكتاب، أو غير ذلك من الأسباب التي يعرفها أهل الاختصاص في دراسة المخطوطات، ولذلك خفيت على (بروكلمن) وغيره من المفهرسين، فلم يرد لها ذكر في فهارسهم إطلاقاً، ولا بأس من أن أذكر هنا بعض المهمات منها مما يحضرني الآن:
1- المستخرج على ( الصحيحين ) للحافظ سليمان بن إبراهيم الأصبهاني الملنجي.
2- ( مجمع البحرين في زوائد المعجمين ) للحافظ نور الدين الهيثمي.
3- ( الحفاظ ) لأبي الفرج ابن الجوزي.
4- ( الكلم الطيب ) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
5- ( إثبات صفة العلو لله تعالى ) لابن قدامة المقدسي.
6- ( تحفة المحتاج إلى أدلة المنهج ) لابن الملقن.
7- ( السنن الكبرى ) للنسائي.
8- ( فضائل مكة ) للجندي.
وأما الأجزاء والكراريس التي اكتشفتها وبعضها مما أتممت به بعض الكتب التي كانت ناقصة، أو مجهولة الهوية، فشيء كثير والحمد لله، وإليك بعضها على سبيل المثال:
1 – ( أحكام النساء ) لابن الجوزي
2- ( الضعفاء) للذهبي.
3- ( مسند الشهاب) للقضاعي.
4- ( الصلاة) لعبد الغني المقدسي.
5- ( تاريخ أصبهان) لابن منده.(1/333)
6- ( الكلام على ختان النبي -صلى الله عليه وسلم-) لابن العديم.
7- ( جزء نعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ) لأبي اليمن ابن عساكر
8- ( المغازي) لابن إسحاق.
9- صحيح ابن حبان(1).
اتباعه للسنة:
لقد كان الشيخ ناصر - رحمه الله - أحد كبار العلماء العاملين بعلمهم، لم نر مثله في اتباعه للسنة(2)، فهو أحد المجددين بحق إذ كان الشيخ -رحمه الله- من فحول علماء السنة الناصرين لها، المتبعين لها، المميزين لصحيحها من سقيمها، الرافعين للوائها، فكان- نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا - كما قال الله -عز وجل-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}.
إذ كان شديد الإتباع للنبي- صلى الله عليه وسلم-، بل كان شديد الفرح بكل متبع للنبي-صلى الله عليه وسلم، كان لا يقدم قول أحد كائنا من كان على كتاب الله- عز وجل-، وعلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع عودة بالكتاب والسنة إلى فهم السلف الصالح، وكان هذا القيد أحد ركائز دعوته المباركة.
وكتبه- رحمه الله - تدل على شدة اتباعه للسنة ونصرته لها، بما لا يدع مجالا للشك في ذلك.
وأكتفي هنا بنقل واحد عنه في بيان تعظيمه للسنة، ونصرته لها، يقول: " إني حين وضعت هذا المنهج لنفسي - وهو التمسك بالسنة الصحيحة - وجريت عليه في كتبي، كنت على علم أنه سوف لا يرضي ذلك كل الطوائف والمذاهب، بل سوف يوجه بعضهم، أو كثير منهم ألسنة الطعن، وأقلام اللوم إلي، ولا بأس من ذلك علي، فإني أعلم أيضا أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، وأن (من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس) كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولله در من قال:
ولست بناج من مقالة طاعن ولو كنت في غار على جبل وعر
__________
(1) 1- انظر مقدمة فهرس مخطوطات الظاهرية للعلامة الألباني نفسه.
(2) 2- إلا مثل العلامة المحدث ابن باز – رحمه الله – فما كان أحرصه على اتباع السنة.(1/334)
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً ولو غاب عنهم بين خافيتي نسر
فحسبي أنني معتقد أن ذلك هو الطريق الأقوم الذي أمر الله تعالى به المؤمنين، وبينه نبينا محمد سيد المرسلين، وهو الذي سلكه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، وفيهم الأئمة الأربعة - الذين ينتمي إلى مذاهبهم جمهور المسلمين - وكلهم متفق على وجوب التمسك بالسنة، والرجوع إليها، وترك كل قول يخالفها، مهما كان القائل عظيما، فإن شأنه-صلى الله عليه وسلم- أعظم، وسبيله أقوم".
ولا يخفى على أحد ما بذله الشيخ- رحمه الله - من جهود لنشر سنن كانت مهجورة، من ذلك: صلاة العيدين في المصلى، وصلاة التراويح ( قيام رمضان) بعدد ركعاتها وصفاتها، وخطبة الحاجة، وكثير من صفة الصلاة، كتسوية الصفوف، واتخاذ السترة، والتأمين، والخرور للسجود، وتحريك الإصبع في التشهد... وغير ذلك.
ومن ذلك أيضا كثرة تطوعه، وتنفله قبل صعود الخطيب يوم الجمعة، والإقبال على الخطيب وقت الخطبة.
وغير ذلك من السنن التي أميتت في كثير من بلاد المسلمين، والتي لو قام أحد بجمعها وذكر أدلتها لجاءت في كتاب لطيف.
مؤلفات الشيخ:
لقد أثرى الشيخ - رحمه الله - المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتب النافعة الماتعة التي لا تخلو منها - أو من بعضها - مكتبة عامة، أو خاصة، حتى خصومه كانوا من أحرص الناس على اقتناء كتبه؛ لاعترافهم بعلمه.
وأما أهل الإنصاف والعدل فكانوا - فضلا عن حرصهم على كتبه - يوصون الطلاب بها، ويحثونهم على دراستها ؛ وذلك لما تتميز به من الفوائد العديدة والتي لا توجد في كتب غيره.
وهذه الكتب نذكر منها ما يلي:
1- أحكام الجنائز ( تأليف ).
2- أحكام الركاز ( تأليف ).
3- آداب الزفاف ( تأليف ).
4- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ( تأليف ).
5- إزالة الدهش.
6- إزالة الشكوك عن حديث البروك ( تأليف )
7- إصلاح المساجد من البدع والعوائد ( تحقيق ).
8- اقتضاء العلم العمل ( تحقيق ).(1/335)
9- الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة ( تأليف ).
10- الأحاديث المختارة ( تحقيق ).
11- الاحتجاج بالقدر ( تحقيق ).
12- الأحكام لعبد الحق ( تحقيق ).
13- الأمثال النبوية ( تأليف ).
14- الآيات البينات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنفية السادات ( تحقيق ).
15- الإيمان لا بن أبي شيبة ( تحقيق ).
16- الإيمان لابن تيمية ( تحقيق ).
17- الإيمان لأبي عبيد ( تحقيق ).
18- الباعث الحثيث ( تعليق ).
19- التعليق على الموسوعة الفلسطينية.
20- التعليقات الجياد على زاد المعاد ( تأليف ).
21- التعليقات الحسان على الإحسان.
22- التعليقات على الروضة الندية ( تأليف ).
23- التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ( تحقيق ).
24- التوسل أنواعه، وأحكامه ( تأليف ).
25- الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب ( تأليف ).
26- الحديث حجة بنفسه ( تأليف ).
27- الذب الأحمد عن مسند أحمد ( تأليف ).
28- الرد المفحم على من خالف العلماء، وتشدد، وتعصب، وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب، ولم يقنع بقولهم إنه سنة ومستحب ( تأليف).
29- الرد على التعقب الحثيث ( تأليف ).
30- الروض النضير في ترتيب، وتخريج معجم الطبراني الصغير.
31- الشهاب الثاقب في ذم الخليل والصاحب ( تحقيق ).
32- الصراط المستقيم رسالة فيما قرره الثقات الأثبات في ليلة النصف من شعبان ( تخريج ).
33- العقيدة الطحاوية شرح، وتعليق ( تأليف ).
34- العلم لابن أبي خيثمة ( تحقيق ).
35- الكلم الطيب ( تحقيق ).
36- المرأة المسلمة ( تخريج ).
37- المسح على الجوربين والنعلين ( تحقيق وتذييل ).
38- المصطلحات الأربعة في القرآن ( تخريج ).
39- بداية السول في تفضيل الرسول ( تحقيق ).
40- تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ( تأليف ).
41- تحريم آلات الطرب ( تأليف ).
42- تحقيق سنن أبي داود.
43- تخريج أحاديث مشكلة الفقر ( تأليف ).
44- تصحيح حديث إفطار الصائم ( تأليف ).(1/336)
45- تلخيص أحكام الجنائز ( تأليف ).
46- تلخيص صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ( تأليف ).
47- تمام المنة في التعليق على فقه السنة ( تأليف ).
48- تيسير انتفاع الخلان بترتيب ثقات ابن حبان ( تأليف ).
49- جلباب المرأة المسلمة ( تأليف ).
50- حجاب المرأة ولباسها في الصلاة ( تحقيق ).
51- حجة النبي-صلى الله عليه وسلم- كما رواها عنه جابر- رضي الله عنه - (تأليف).
52- حديث الآحاد، وحجيته في العقائد والأحكام ( تأليف ).
53- حقوق النساء في الإسلام ( تحقيق ).
54- حقيقة الصيام ( تحقيق ).
55- خطبة الحاجة ( تأليف ).
56- دفاع عن الحديث النبوي ( تأليف ).
57- رسالة في حكم اللحية ( تأليف ).
58- رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار ( تحقيق ).
59- رياض الصالحين ( تحقيق ).
60- زوائد منتقى ابن الجارود ( تأليف ).
61- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها( 1- 6 مطبوع) والمجلد السابع تحت الطبع وبه ينتهي الكتاب، ( تأليف ).
62- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة ( 1-5 ) مطبوع ( السادس والسابع تحت الطبع) والكتاب ( 14) مجلدا (تأليف).
63- شرح العقيدة الطحاوية ( تحقيق ).
64- صحيح ابن خزيمة ( مراجعة ).
65- صحيح أدب المفرد ( تأليف ).
66- صحيح الترغيب والترهيب ( اختيار وتحقيق ).
67- صحيح الجامع الصغير وزيادته ( تأليف ).
68- صحيح السيرة النبوية ( تأليف ).
69- صحيح الكلم الطيب ( تأليف ).
70- صحيح سنن ابن ماجه ( تأليف ).
71- صحيح سنن أبي داود ( تأليف ).
72- صحيح سنن الترمذي ( تأليف ).
73- صحيح سنن النسائي ( تأليف ).
74- صحيح موارد الظمآن ( تأليف ).
75- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ( تحقيق ).
76- صفة صلاة النبي- صلى الله عليه وسلم- ( تأليف ).
77- صلاة التراويح ( تأليف ).
78- صلاة العيدين في المصلى خارج البلد هي السنة ( تأليف ).
79- صوت العرب تسأل ومحمد ناصر الدين يجيب.(1/337)
80- صيد الخاطر ( تخريج ).
81- ضعيف الأدب المفرد ( تأليف ).
82- ضعيف الترغيب والترهيب (اختيار وتحقيق ).
83- ضعيف الجامع الصغير وزيادته ( تأليف ).
84- ضعيف سنن ابن ماجه ( تأليف).
85- ضعيف سنن أبي داود ( تأليف ).
86- ضعيف سنن الترمذي ( تأليف ).
87- ضعيف سنن النسائي ( تأليف ).
88- ضعيف موارد الظمآن ( تأليف ).
89- ظلال الجنة في تخريج السنة ( تأليف ).
90- غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام ( تأليف ).
91- فضائل الشام ودمشق( تخريج ).
92- فضل الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- ( تحقيق ).
93- فقه السيرة للغزالي ( تخريج ).
94- فهرس المخطوطات الحديثية في مكتبة الأوقاف الحلبية ( تأليف ).
95- فهرس مخطوطات الحديث ( تأليف ).
96- قاموس البدع ( تأليف ).
97- قصة نزول عيسى- عليه السلام- وقتله الدجال ( تأليف ).
98- قيام رمضان ( تأليف ).
99- كتاب الصلاة الكبير ( تأليف ).
100- كشف النقاب ( تأليف ).
101- كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ( تخريج ).
102- لفتة الكبد إلى نصيحة الولد ( تحقيق ).
103- ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة ( تخريج ).
104- مجموع الفتاوى.
105- مختصر الشمائل المحمدية ( اختصار وتحقيق ).
106- مختصر العلو للعلي الغفار ( اختصار وتحقيق ).
107- مختصر صحيح البخاري ( 1-4) ( اختصار وتعليق ).
108- مختصر صحيح مسلم ( اختصار وتحقيق ).
109- مسائل غلام الخلال التي خالف فيها الخرقي ( تعليق ).
110- مساجلة علمية ( تخريج ).
111- مشكاة المصابيح ( تحقيق ).
112- مناسك الحج والعمرة ( تأليف ).
113- منزلة السنة في الإسلام ( تأليف ).
114- موسوعة أحاديث البيوع ( تأليف ).
115- نصب المجانيف لنسف قصة الغرانيق ( تأليف ).
116- نقد نصوص حديثية في الثقافة الإسلامية ( تأليف ).
117- وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة ( تأليف ).(1/338)
استقيت هذه المعلومات من كتاب ( محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني بقلم سمير بن أمين الزهيري ).
ولي معرفة بكثير من أحواله وجهوده، ومؤلفاته.
وأقول
إني عرفت هذا الرجل العظيم بعلمه الغزير، واطلاعه الواسع عن كثب إذ قد درسني وزملائي في الجامعة الإسلامية ثلاث سنوات فكان من أبرز علمائها المرموقين بل هو واحد من ثلاثة في الدرجة الأولى في العلم والفضل والأخلاق ألا وهم العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
وكان طلاب الجامعة الإسلامية يتهافتون على الشيخ الألباني ومجالسه العلمية الجذابة تهافت الذباب على العسل لقوة عارضته ونصاعة حجته، و يجتمع حوله طلاب المرحلة الجامعية وطلاب المرحلة الثانوية حيث كانت المدرستان في ذلك الوقت متجاورتين.
وكان في تدريسه متأنيا ينثر خلال تدريسه قواعد علم الحديث وعلم أصول الفقه نثر الدرر فيحفظها النبلاء الذين يعرفون قيمتها ويفقهونها.
ولقد عرف طلاب العلم هذه القواعد من فيه واستفادوا منها قبل أن يدرسوها في بطون الكتب.
والمقام لا يحتمل الإطالة وقد ألفت في مزاياه وعلمه وعقيدته مؤلفات فمن أراد التوسع فعليه بها.
ولا يلتفت إلى طعن الجاهلين الحاسدين الحاقدين على عظماء الإسلام المجاهدين.
111 - الشيخ مقبل الوادعي ت (1422)
هو العلامة المحدث، المجاهد، مجدد الدعوة السلفية باليمن الشيخ مقبل بن هادي بن مقبل بن قائدة الهمداني الوادعي من قبيلة آل راشد -رحمه الله -.
كان سيفاً مسلولا على أهل الباطل، من روافض، وشيوعين، وصوفية، وأحزاب منحرفة.
قام بالدعوة السلفية في اليمن خير قيام، وأنشأ مدرسة علمية سلفية بدماج سماها بدار الحديث يفد إليها طلاب العلم من أنحاء اليمن، بل من بلدان كثيرة، عربية، وإسلامية، و أوروبية، وأمريكية.
وتخرج على يديه علماء أنشأوا مدارس في عدد من مناطق اليمن، نفع الله بهم كثيراً والدعوة السلفية عندهم قوية.(1/339)
ومدارسهم تمثل مدارس السلف في النزاهة، و العفة، والزهد في الدنيا متوكلين هم وطلابهم الكثيرون على الله.
ولا يدنسون أنفسهم، وأيديهم بأخذ الأموال من المؤسسات الحزبية ؛ لأنهم يدركون أهداف هذه المؤسسات، ومنها: صرف من يستطيعون صرفه عن منهج السلف أهل الحديث، والسنة وربطهم بروؤس الأحزاب الضالة ومناهجهم.
وسن لهم هذه السنة الحسنة ذلكم الجبل النزيه العفيف الزاهد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الذي يذكرنا بسيرة السلف الصالح، ولاسيما الإمام أحمد - رحمه الله -.
طلبه للعلم
طلب العلم في اليمن، ثم بمعهد الحرم المكي، ثم بالجامعة الإسلامية، فدرس بكلية أصول الدين انتظاماً، وبكلية الشريعة انتساباً، ثم واصل دراسته فيها حتى حصل على الشهادة العالمية الماجستير، ثم أقبل على كتب السنة، والتفسير، وكتب الرجال، ينهل منها، ويستمد منها مؤلفاته القيمة - رحمه الله -.
مشايخه:
لقد تتلمذ الشيخ مقبل على مشايخ عدة، وفي مدارس متنوعة، وفنون متفرعة، فمن مشايخه في المدرسة الأولى ( مدرسة التشيع ):
1- أبو الحسين مجد الدين المؤيدي، يقول عنه الشيخ: هو أعلم شيعي في اليمن ويعتبر حامل المذهب الهادوي، استفاد منه كثيراً في النحو في نجران.
2- إسماعيل حطبة.
3- محمد بن حسن المتميز.
4- قاسم بن يحيى شويل.
ومن مشايخه الآخرين:
1- العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -، رحل من الجامعة الإسلامية قبل أن يدخلها الشيخ، إلا أنه كان يزور طلبة العلم في المدينة، وينصحهم فربما يأتي، وقد صار بعضهم من جماعة التكفير فيبقى معهم في مشاددة حتى يهديهم الله على يديه، وكان الشيخ يحضر جلساته الخاصة بطلبة العلم " قواعد في الحديث " لا العامة لأن المحاضر يتنزل على مستوى الحاضرين فكان يتجه إلى المكتبة.
2- العلامة الفقيه(1) عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -، كان يحضر دروسه في " صحيح مسلم " في الحرم المدني.
__________
(1) 1- والمحدث.(1/340)
3- محمد بن عبد الله الصومالي - رحمه الله -، درس عنده سبعة أشهر، أو أكثر واستفاد منه كثيراً في علم الحديث، ومعرفة رجال الشيخين، يقول عنه الشيخ: لعل أمثاله قليل في معرفة رجال الشيخين أو ليس له مثيل. اهـ
4- عبد الله بن محمد بن حميد، درسه في " التحفة السنية " وكان يتعجب من إجابات الشيخ واعتراضاته، وكان يتوسع فتفرق الطلاب، فقال للشيخ: وأنت انصرف.
5- حماد بن محمد الأنصاري، من مشايخه في الدراسات العليا.
6- يحيى بن عثمان الباكستاني، من مشايخه في الحرم المكي درس عنده في " صحيح البخاري" و " صحيح مسلم " و " تفسير ابن كثير ".
7- عبد العزيز بن راشد النجدي، من مشايخه في الحرم المكي يقول عنه الشيخ: كان له معرفة قوية بعلم الحديث، وينفر عن التقليد، وهو خريج الأزهر، وكان متشدداً في التضعيف حتى أنه ألف " تيسير الوحيين في الاقتصار على القرآن والصحيحين "، وكان يقول - رحمه الله -: الصحيح الذي في غير الصحيحين يعد على الأصابع فبقيت كلمته في ذهني منكراً لها حتى عزمت على تأليف " الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين " فازددت يقيناً ببطلان كلامه، وقد أنكر عليه الشيخ فقال: هذا من أجل العامة، وأما أنتم فلو تقرءون في التوراة والإنجيل ما منعتكم.
8- القاضي يحيى الأشول، صاحب معمرة درسه في " سبل السلام " وفي أي شيء يطلب.
9- عبد الرزاق الشاحذي المحويتي، كان يدرسه فيما يطلب.
10- محمد السبيل، درس عنده في علم الفرائض.
11- محمد الأمين المصري - رحمه الله -، استفاد منه في علم الحديث وهو من مشايخه في الدراسات العليا.
12- السيد محمد الحكيم المصري، المدافع والمشرف على رسالة الماجستير درس عنده في " سبل السلام " وهو من مشايخه في كلية الدعوة.
13- محمود عبد الوهاب فايد، من مشايخه في كلية الدعوة درسهم التفسير قال فيه الشيخ: قوي ومحقق.
14- عبد العزيز السبيل، من مشايخه في معهد الحرم المكي.(1/341)
15- بديع الدين الراشدي، يقول الشيخ:كان يبغض التقليد.
16- محمد تقي الدين الهلالي.
17- طه الزيني.
18- عبد العظيم فياض.
19- عبد المحسن العباد تتلمذ عليه بالأسئلة.
20- الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، تتلمذ عليه بالأسئلة وعرض المشكلات،يقول الشيخ: كان آية من آيات الله في الحفظ ما رأت عيني مثله يسرد الفوائد سردًا دون أن يتعتع، وقد نصح الشيخ بحضور دروسه إلا أنه كان يؤثر العكوف على الكتب والقراءة الهادئة.
يقول الشيخ: على أن أكثر استفادتي من الكتب فليبلغ الشاهد الغائب.اهـ
مؤلفاته:
وكتب الشيخ في فنون متشعبة، وأبواب متفرعة وإليك ما طبع منها:
( أ ) في التفسير:
1- تحقيق وتخريج مجلدين من " تفسير ابن كثير " إلى سورة المائدة والباقي يقوم به الطلاب.
2- الصحيح المسند من أسباب النزول.
(ب) في العقيدة:
3- الشفاعة.
4- الجامع الصحيح في القدر.
5- الصحيح المسند من دلائل النبوة.
6- صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال.
7- السيوف الباترة لإلحاد الشيوعية الكافرة.
8- رياض الجنة في الرد على أعداء السنة.
9- الطليعة في الرد على غلاة الشيعة.
10- بحث حول القبة المبنية على قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
11- الإلحاد الخميني في أرض الحرمين.
12- فتوى في الوحدة مع الشيوعيين.
13- إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن، حاشية على الرسالة الوازعة للمعتدين ليحيى بن حمزة.
14- ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر.
15- المخرج من الفتنة(1).
16- هذه دعوتنا وعقيدتنا.
17- إيضاح المقال في أسباب الزلزال.
(ج) في الحديث ومصطلحة:
18- الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين، في مجلدين صنعه على عينه صنع من طب لمن حب وقد رتبه ترتيباً فقهياً في ستة مجلدات سماه " الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين ".
__________
(1) وقد تراجع عن رأيه في الحكومة السعودبة في مقال سماه ( براءة الذمة).(1/342)
19- تتبع أوهام الحاكم في المستدرك، التي لم ينبه عليها الذهبي في خمسة مجلدات مع المستدرك.
20- تحقيق ودراسة الإلزامات والتتبع للدارقطني.
21- تراجم رجال الحاكم الذين ليسوا من رجال تهذيب التهذيب، في مجلدين.
22- تراجم رجال الدارقطني الذين ليسوا في تهذيب التهذيب، ولا رجال الحاكم، وشاركه بعض تلامذته.
23 - نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة.
24 - المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح.
(د) في فقه السنة القائم على الأحاديث النبوية:
25- الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين، نهج في ترتيبه وتبويبه منهج إمام هذه الصنعة الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه.
26- الجمع بين الصلاتين في السفر.
27- شرعية الصلاة في النعال.
28- تحفة الشباب الرباني في الرد على الإمام محمد بن علي الشوكاني في شأن الاستمناء.
29- تحريم الخضاب بالسواد.
(هـ) متنوعات:
30- غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة، في مجلدين.
31- قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد.
32- تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب.
33- إجابة السائل عن أهم المسائل.
34- المصارعة.
35- الفواكه الجنية في المحاضرات والخطب السنية.
36- تحريم تصوير ذوات الأرواح.
37- إقامة البرهان على ضلالات عبد الرحيم الطحان.
38- القول الأمين في بيان فضائح المذبذبين.
39- قرة العين بأجوبة العلابي وصاحب العدين.
40- ترجمة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي.
41- الباعث على شرح الحوادث.
42- ذم المسألة.
43- مقتل الشيخ جميل الرحمن الأفغاني.
44- فضائح ونصائح.
45- البركان لنسف جامعة الإيمان ومعه الرد على يوسف بن عبد الله القرضاوي.
46- رثاء الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -.
أقول: أخذت هذه المعلومات عن الشيخ مقبل عن كتاب ( الإبهاج بترجمة العلامة المحدث أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي ) بقلم أبي إبراهيم حميد بن قائد بن علي العتمي.
أقول:(1/343)
وقد عرفت هذا الرجل بالصدق والإخلاص، والعفة، والزهد في الدنيا، والعقيدة الصحيحة والمنهج السلفي السليم، والرجوع إلى الحق على يد الصغير والكبير.
وقد بارك الله في دعوته فأقبل عليها الناس، فله ولتلاميذه آثار كبيرة في شعب اليمن، يشهد بذلك كل ذي عقل ودين وإنصاف.
الخلاصة
من هذا العرض الموجز يتضح أن الحفاظ المعتنين بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينقطعوا ولن ينقطعوا إن شاء الله، وأن الاهتمام بأسانيد سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستمر لم ينقطع، كل ذلك من تحقيق وعد الله { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.
ومن تحقيق قول الصادق لمصدوق - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله عزوجل ".
هذا وقد اعتنيت بتراجم القليل من حفاظ الحديث النبوي وأعتذر عن الكثير والكثير ممن لم أذكرهم فلم أتركهم زهداً فيهم ولا غمطًا لهم والعياذ بالله ولا لدنو منازلهم –حاشاهم- إذ فيهم من لا يقل منزلة عن من ترجمت لهم بل فيهم من هو أفضل من كثير ممن ذكرتهم.
ويرجع ذلك إلى ضعفي وعجزي وضيق شرطي في هذا البحث، أسأل الله العلي العظيم الرحيم أن يتغمدنا وإياهم برحمته، وأن يسبل علينا جميعاً شآبيب رحمته ورضوانه إن ربنا لسميع الدعاء.
اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفرلي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كان الفراغ من هذا العمل في 23/من شهر رجب من عام 1428هـ
فهرس الأحاديث
أحرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ؟. ... 161
ادن مني فقد غفر الله لك.
إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن. ... 88
إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة.
إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول. ... 122
إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء.(1/344)
أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً.
أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.
ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم.
اعتكف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المسجد. ... 42
أكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصلي في النعلين. ... 4
أكثروا الصلاة علي. ... 2
أما إن أحدكم إذا قام في الصلاة فإنه يناجي ربه.
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله.
إن الله تعالى يقول: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.
إن الملائكة لا تحضر من لهوكم إلا الرهان والرمي. ... 156
أن رجلا زار أخا له. ... 6
أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة. ... 9
أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرض. ... 2
إنك لتنظر إلى الطير في الجنة، فتنتهبه، فيخر بين يديك مشويا. ... 70
إنما كان يكفيك هكذا وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما.
إنها كائنة ولم يأت تأويلها. ... 5
إني أراك تحب الغنم والبادية.
أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا من النار.
بايعنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على السمع والطاعة في اليسر والعسر.
بلغوا عني ولو آية.
حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات. ... 4
خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. ... 7
الذي يجر ثوبه خيلاء. ... 3
الراحمون يرحمهم الرحمن.
رحم الله عبداً كانت لأخيه عنده مظلمة. ... 40
سئل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن الوسوسة قال: تلك محض الإيمان. ... 174
سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة فقال: صريح الإيمان. ... 4
سمعت أبا ذر يقسم قسما. ... 7
طعام الواحد يكفي الاثنين. ... 110
طيبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بيدي لحرمه وطيبته بمنى قبل أن يفيض. ... 31
طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاِحرامه حين أحرم.
عن أنس أن الربيع عمته لطمت جارية فكسرت سنها. ... 153
فانطلقنا حتى إذا رأينا جدر المدينة، هششنا إليها. ... 1
فليبلغ الشاهد الغائب.(1/345)
قال علي: عهد إلي- النبي صلى الله عليه وسلم - أن الأمة ستغدر بك من بعدي.
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تخرج له حربة في السفر فينصبها، فيصلي إليها. ... 9
كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصوم حتى نقول لا يفطر.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحمل معه العنزة في العيدين. ... 158
كان في رأسه شعرات بيض كان إذا ادهن يتغيبن.
كانت الحربة تركز مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ... 8
كانت تركز له الحربة فيصلي إليها. ... 8
كن أزواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يأخذن من رؤوسهن حتى يكون كالوفرة.
كنا نصلي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شدة الحر.
لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة قبل منهم.
لك أجران أجر السر وأجر العلانية. ... 1
لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا. ... 4
ليس أحد ينجيه عمله. ... 2
ليس في الخيل والرقيق زكاة. ... 79
ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها. ... 9
ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف.
ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه.
ما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر فرأى جدر المدينة. ... 150
ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر.
ما منكم من أحد ينجيه عمله. ... 1
من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد.
من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار.
من جر ثوبه. ... 183
من حفظ علما فسئل عنه فكتمه جيء به يوم القيامة ملجوما بلجام من نار. ... 3
من سئل عن علم، فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة. ... 3
من قضى نهمته من الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة. ... 8
من كتم علما علمه الله ألجمه الله تعالى بلجام من نار. ... 3
من لا يرحم الناس لا يرحمه الله.
نهى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يرفع الرجل صوته بالقراءة قبل العتمة وبعدها.
نهى عن المزابنة. ... 9
لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته. ... 85
لا تبع ما ليس عندك.(1/346)
لا تحضر الملائكة من اللهو شيئا إلا ثلاثة. ... 6
لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين. ... 4
لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.
لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته.
لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن. ... 8
لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم.
يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب.
يا رسول الله إنا حي من ربيعة وبيننا وبينك كفار مضر. ... 2
يا رسول الله إني أعمل العمل سرا. ... 1
يا رسول الله متى الساعة.
يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت. ... 171
يعرض على الله الأصم والأحمق والهرم. ... 65
فهرس المحتويات
المقدمة ... 1
فما هي الوسائل التي ينبغي البدء بها والسعي لتحقيقها؟. ... 1
الطبقات. ... 1
تعريف الطبقة: ... 1
نظرات قاصرة من بعض الناس إلى جهود المتأخرين في العناية بالسنة وأسانيدها وعلومها. ... 1
ثانياً – تعريف الحافظ: ... 1
منهجي في هذا العمل: ... 1
وقد آن الأوان للشروع في المقصود وهو تراجم الحفاظ الذين تم اختيارهم. ... 1
1- ابن المنذر ت (318) (ط11) ... 1
2- الطحاوي ت (321) (ط11) ... 1
3- ابن أبي حاتم ت (327) (ط11) ... 1
4- علي بن حمشاذ ت (338) (ط 11) ... 1
5- ابن الأخرم أبو عبد الله النيسابوري ت (304) (ط 11) ... 1
6- أبو بكر الشافعي ت (354) (ط 12) ... 1
7- أبو علي الحافظ ت (349) (ط12) ... 1
8- الطبراني ت (360) (ط12) ... 1
9 – أبو بكر الآجري ت (360) (ط12) ... 1
10- الإسماعيلي ت (371) (ط12) ... 1
11 - الحافظ الدارقطني ت (385) (ط12) ... 1
12 - الجوزقي ت ( 388) (ط13) ... 1
13- ابن منده ت (395) (ط13) ... 1
14- عبد الغني بن سعيد ت (409) (ط13) ... 1
15- البرقاني ت (425) (ط13) ... 1
16 - اللالكائي ت (418) (ط13) ... 1
17- الطلمنكي ت(429) (ط13) ... 1
18- أبو نصر السجزي ت (444) (ط14) ... 1
19- الإمام ابن عبد البر ت (463) (ط14) ... 1
20- الحافظ البيهقي ت (458) ط (14) ... 1
21- الخطيب البغدادي ت ( 463) (ط14) ... 1(1/347)
22- شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري ت (481) (ط14) ... 1
23- ابن ماكولا ت (475وقيل 486) ط(15) ... 1
24- أبو علي الغساني ت (498) (ط 15) ... 1
25 - ابن منده يحيى بن عبد الوهاب ت (511) (ط 15) ... 1
26- البغوي ت (516) ط(15) ... 1
27- أبو القاسم التيمى ت (535) (ط15) ... 1
28- محمد بن ناصر بن محمد ت(550) ط (16)() ... 1
29- أبو طاهر السلفي() ت (576) (ط16) ... 1
30- الحافظ أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز اللخمي الأندلسي ابن الدباغ ت (546) (ط16) ... 1
31- أبو سعد السمعاني ت (562) (ط16) ... 1
32- أبو موسى المديني ت (581) ط (16) ... 1
33- الحافظ أبو القاسم ابن بشكوال () ت (578) ط (17) ... 1
34- أبو بكر محمد بن موسى الحازمى ت (584) (ط17) ... 1
35- أبو بكر بن خير الإشبيلى ت (575) ط (17) ... 1
36- الحافظ عبد الغني المقدسي ت (600) (ط17) ... 1
37- الحافظ عبد القادر الرهاوي ت (612) (ط17) ... 1
38- أبو الفتح محمد بن عبد الغني الحافظ ت (610) (ط18) ... 1
39- الضياء المقدسي ت (643) (ط 18) ... 1
40- الحافظ أبو موسى عبد الله بن عبد الغني الحافظ ت (629) (ط 18) ... 1
41- الحافظ ابن النجار ت (643) (ط18) ... 1
42- أبو العباس سيف الدين المقدسي ت (643) (ط 19) ... 1
43- عز الدين أبو محمد الرسعنى ت (661) (ط19) ... 1
44- ابن الحاجب عز الدين أبو الفتح الدمشقي ت(630) ط(19) ... 1
45- شهاب الدين أبو شامة ت (665) (ط19) ... 1
46- ابن العمادية وجيه الدين أبو المظفر ت (677) (ط20) ... 1
47- الإسعردي تقي الدين أبو القاسم ت (692) (ط20) ... 1
48- الدمياطي عبد المؤمن بن خلف ت (705) (ط20) ... 1
49- ابن الظاهري جمال الدين ت (696) (ط20) ... 1
50- أبو الفتح ابن دقيق العيد ت (702) ط (20) ... 1
51- شهاب الدين ابن فرح ت (699) ط (21) ... 1
52- شمس الدين بن جعوان الأنصاري ت (682) ط (21) ... 1
53- أبو محمد الحارثي الحنبلي ت (711) ط (21) ... 1
54- شيخ الإسلام ابن تيمية ت (728) ط (21) ... 1
55- الإمام أبو الحجاج المزي ت (742) ط (21) ... 1(1/348)
56- الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس ت (734) ط (22) ... 1
57- علم الدين البرزالي ت (739) ط (22) ... 1
58- أبو محمد بن المحب ت (737) ط (22) ... 1
59-ابن الفخر ت (732) ط (22) ... 1
60- الحافظ الذهبي() ت (748) ط (22) ... 1
61- الحافظ ابن القيم ت(751) ط(22) ... 1
62- ابن عبد الهادي ت (744) ط (22) أو (21) بترتيب السيوطي ... 1
63- العلائي ت (761) ط (22) بترتيب السيوطي ... 1
64- ابن كثير ت (774) ط (22) ... 1
65- الزيلعي ت (762) ط (22) ... 1
66- الحافظ الحسيني ت (765) ط (22) ... 1
67- ابن رافع السلامي ت (774) ط (22) ... 1
68- الحافظ ابن رجب ت (795) ط (23) ... 1
69- ابن مسلم القرشي ت (792) ط (23) ... 1
70 - الحافظ سراج الدين البلقيني ت ( 805 ) ط (23) ... 1
71- الفضل زين الدين العراقي ت (606) ط (23) ... 1
72- الحافظ نورالدين الهيثمي ت (807) ط (23) ... 1
73 - ولي الدين العراقي ت ( 826 ) ط ( 24) ... 1
74 - تقي الدين الفاسي ت (826) ط (24) ... 1
75- ابن ناصر الدين ت (842) ط (24) ... 1
76 - البرهان الحلبي ت (841) ط (24) ... 1
77- الحافظ ابن حجر العسقلاني ت (852) ط (24) ... 1
78- السخاوي ت (902) ق (10) ... 1
79 - عثمان بن محمد الديمي الأزهري ت ( 908) ... 1
80- يوسف بن حسن بن المبرد الحنبلي ت (909) ق ( 10) ... 1
81- السيوطي ت (911) ق (10) ... 1
82- إبراهيم بن علي القلقشندي ت (922 ) ق (10) ... 1
83- ابن طاهر ت (1044) ق (11) ... 1
84- نجم الدين الغزي ت (1061) ق (11) ... 1
85- البابلي ت (1077) ق (11) ... 1
86 - الروداني ت (1094) ق (11) ... 1
87- إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكورانى الشهرزورى الشهرانى الكردي ت ( 1101) ... 1
88 - عبد الله بن سالم البصري ت ( 1134) ... 1
89- الصنعاني ت ( 1182) ... 1
90- السفَّاريني الصوفي ت ( 1188) ... 1
91- السيد سليمان بن يحيى بن عمر الأهدل الزبيدي الشافعي ت (1197) ... 1
92- البخاري ت (1200) ق (11) ... 1
93- شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ت (1206) ق (13) ... 1
94- الفلاني ت (1218) ... 1(1/349)
95 -الشيخ سليمان بن عبد الله ابن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ت ( 1233) ... 1
96- الشوكانى ت ( 1250) ... 1
97- الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ت (1285) ... 1
98 - السيد نذير حسين الدهلوي ت (1320) ... 1
99- محمد بشير السهسواني ت ( 1323) ... 1
100- العلامة حسين بن محسن اليماني ت ( 1327) ... 1
101- الشيخ حافظ الحكمي ت ( 1377) ... 1
102- الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف ت (1386) ... 1
103- الشيخ عبد الرحمن المعلمي ت (1386) ... 1
104- الشيخ عبد الله القرعاوي ت ( 1389) ... 1
105- الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة ت (1392) ق (14) ... 1
106- أبو محمد عبد الحق الهاشمي ت ( 1392) هـ ... 1
107- عبيد الله ابن العلامة المباركفوري ت (1414هـ) ... 1
108- بديع الدين الراشدي ت (1416) ... 1
109- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ت (1420) ... 1
110- الشيخ محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني ت (1420) ... 1
111 - الشيخ مقبل الوادعي ت (1422) ... 1
الخلاصة ... 1
فهرس الأحاديث ... 1
فهرس المحتويات ... 1(1/350)