بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ
تحكيم الشريعة ومعوقات التطبيق
(دراسة قرآنية)
بحث مقدم إلى مؤتمر
"الإسلام والتحديات المعاصرة"
المنعقد بكلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية
في الفترة: 2-3/4/2007م
إعداد:
د. عصام العبد زهد
أستاذ مشارك في قسم التفسير
كلية أصول الدين - الجامعة الإسلامية ... د. جمال الهوبي
أستاذ مساعد في قسم التفسير
كلية أصول الدين - الجامعة الإسلامية
أبريل/ 2007
ملخص البحث
إن قضية تحكيم الشريعة الإسلامية من أهم القضايا التي تواجه العالم الإسلامي؛ لأن مصير العرب والمسلمين بل البشرية مرتبط بتحكيم الشريعة الإسلامية فإذا احتكم الناس للمنهج الإسلامي في جميع جوانب حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية سُعدوا في الدنيا والآخرة.
والتاريخ البشري يشهد أن أسعد فترات البشرية في حياتها عندما قامت الخلافة الإسلامية، حيث تحقق الأمن والسلام وساد العدل والرخاء والحضارة حياة الناس.
وكانت أكثر فترات الحياة البشرية شقاءً ونكداً عندما حَكَمَ الناس بفلسفات ساقطة مستوردة من الشرق أو الغرب، ودخلت شبهات المستشرقين والمبشرين عالمنا الإسلامي للتشكيك في تطبيق الشريعة الإسلامية، وإبعاد المسلمين عن عقيدتهم التي هي مصدر قوتهم وبها انتصرنا ألف عام، وبغيرها هُزمنا، ثم تطرق البحث لوضع الحلول والعلاج لإعادة الحاكمية لله سبحانه، وتضمنت الخاتمة لأهم النتائج والتوصيات.
ABSTRACT(1/1)
…The Arbitration of legitimate legislation. This case of study is one of the most important difficulties which faces the Islamic world. That’s due to a big linkage for Islamic people with the legislations of Islam. When people apply and accept these legislated roles in their system of life in all its aspects, the will not have this much of suffer and conflect also they live happy and gain happiness in their after death life. History shows that the most human happiness goes back to the time of relment states, and the most suffering time when human depended on their philosophy in man made legislations.
المقدمة
إن قضية تحكيم الشريعة الإسلامية واجب شرعي، وهي جزءٌ لا يتجزأ عن عقيدة المسلمين، وإذا حدثت الزحزحة في حياة الأمة عن تحكيم الشريعة الإسلامية والاحتكام إلى المناهج الأرضية الهابطة المستوردة من الشرق أو الغرب، فهذا يعني الكفر والفسوق والظلم وضياع لمقدرات الأمة ومصدر قوتها وازدهار حضارتها.
ولقد اهتم القرآن الكريم بتطبيق الشريعة واعتنى بها عناية فائقة فجاء ذكرها في أكثر من مائتي آية في حوالي خمسين سورة من القرآن الكريم.
وهذا الاهتمام يرجع إلى أن مصير الإنسانية مرتبط بتحكيم الشريعة، فإذا احتكم الناس إليها في جميع جوانب حياتهم سعدوا في الدنيا والآخرة، واطمأنت نفوسهم لتطبيقها؛ لأنها توافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها.(1/2)
والتاريخ البشري يشهد أن أسعد فترات البشرية في حياتها، كانت حينما احتكم الناس إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في عهد الخلافة الإسلامية حيث نعمت بالأمن والإيمان والسلامة والاستقرار وساد العدل والرخاء المجتمع الإسلامي بأسره، بينما كانت أكثر فترات البشرية شقاءً حينما عطل طواغيت الأرض الحاكمية لله، وحكموا الناس بفلسفاتهم الساقطة التي لم تحقق إلا النكد والكراهية والشقاء للبشرية.
ولتحقيق الفائدة جعلنا خطة البحث من ثلاثة مباحث وهي:
المبحث الأول: "معنى الحكم بما أنزل الله وحكمه وثمراته" وفيه المطالب التالية:
المطلب الأول: …تعريف الحاكمية، والثاني: وجوب الحكم بما أنزل الله، والثالث: مفاسد الإعراض عن الحكم بما أنزل الله، والرابع: مقتضيات الحاكمية لله، والخامس: ثمرات الحكم بما أنزل الله.
المبحث الثاني: "معوقات وتحديات الحكم بما أنزل الله"، ويتكون من:
المطلب الأول: …إثارة الشبهات، والثاني: معارضة الحكام، والثالث: جهل
المسلمين وتقصير العلماء.
المبحث الثالث: "الحلول والعلاج لإعادة حكم الله"، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: …يتحدث عن الصبر، والثاني: نشر العلم والوعي، والثالث:
الوحدة والتعاون والاعتصام، والرابع: التغيير والإصلاح، ثم أتبعنا البحث بخاتمة تضمنت أهم النتائج والتوصيات، وثبت بأسماء المصادر والمراجع.
المبحث الأول
معنى الحكم بما أنزل الله وحكمه وثمراته
المطلب الأول: تعريف الحاكمية:
الحاكمية في اللغة: هي اسم مصدر من الفعل الثلاثي حكم بمعنى قضى، ومنه قول العرب: "حكم بالأمر حكماً" أي قضى به، ويقال: حكم له، وحكم عليه وحكم فيه(1).
…قال تعالى: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } (النساء: 58).
__________
(1) تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم لسميح عاطف الزين، ص 250، 251.(1/3)
…والحكم أصله المنع ومنه سُميت اللجام حَكَمةَ الدّابةِ فقيلَ حكمتُ الدابةَ، أي منعتها بالحكمة، وكذلك يقال حكمت السفينة وأحكمتها، أي جعلت لها حكمة (1).
الحاكمية في الاصطلاح الشرعي:
…الحاكمية لله سبحانه لأنه بيده القضاء في شئون العباد وهو صاحب الحكم فيهم، خلقهم ولم يتركهم هملاً فأنزل لهم الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى وموعظة للمتقين، وله حق التشريع للناس جميعاً إلى يوم الدين، ولا يحق لأي إنسان من البشر أن يشرع غير شرع الله، أو يأمر أحداً باتباع شرع مخالف لشرع الله عز وجل (2).
…قال تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ - إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } (الجاثية: 18-19).
…وبحث العلماء في معنى الحاكمية فكانت من أهم الأبحاث؛ لأن على معرفتها يتوقف معرفة الحكم ونوعه، وليس المراد بالحاكم صاحب السلطان المنفذ لكل شيء في المجتمع بما له من سلطان عليهم، بل المراد بالحاكم من يملك إصدار الحكم على الأفعال وعلى الأشياء.
…والحاكم على الأفعال والأشياء من حيث الثواب والعقاب هو الله وحده(3)، قال تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } (يوسف: 40).
__________
(1) انظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، ص 126، 127.
(2) النظم الإسلامية، ص 219، الطبعة الرابعة.
(3) موقع شبكة المعلومات: www.alokab.com(1/4)
…يتضح من ذلك أن توحيد الله في الحاكمية وإفراده بها أمرٌ لازم لكل مسلم لزوم نطقه بالشهادتين التي تعني توحيد الربوبية والألوهية فلا يكفي من الإنسان أن يؤمن بوحدانية الله في الخلق والأجل والرزق، ولا يوحده في الربوبية، قال تعالى: { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (الأعراف: 54).
الحاكمية في الاصطلاح القانوني:
…وتطلق الحاكمية في القانون على السلطة العليا والسلطة المطلقة، وهو ما يصطلح عليه اليوم في علم السياسة، أن الحاكم هو الذي يمتلك الصلاحيات التامة والسلطات الكلية غير المحدودة لينفذ حكمه في أفراد الدولة، وهم مضطرون إلى طاعته طوعاً أو كرهاً.
…ولا يوجد من يحد صلاحياته في الحكم غير إرادته ومشيئته هو نفسه، وأن القانون يسن بإرادته فهو صاحب الحاكمية ويجب على الأفراد طاعته فهو القادر المطلق في ذاته ولا يجوز سؤاله فيما أصدر من أحكام عن الخير أو الشر ولا عن الصواب أو الخطأ، ولا يحل لأحد ممن يتبعه أن يرى منه شيئاً خطأ، فلا بد أن يعترف له الجميع بكونه سبوحاً قدوساً منزهاً عن الخطأ (1).
…وخلاصة الأمر: يجب أن نؤمن أن الحاكمية لله وحده، والأمر له سبحانه وحده، والطاعة واجبة له وحده، والالتزام واجب بأمره وحده ولا طاعة لأحد والالتزام بأمر أحد إلا إذا أمر سبحانه بذلك.
__________
(1) انظر: نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، ص 251.(1/5)
…قال تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (التوبة:31)، فقد شنع الله سبحانه على اليهود والنصارى عندما قبلوا أن يكون الآمر والناهي فيهم رهبانهم وأحبارهم واعتبر ذلك شركاً ليس فقط من الأحبار والرهبان، بل ومن الذين اتبعوا الأحبار والرهبان فأطاعوهم فيما حللوا لهم وحرموا عليهم (1).
المطلب الثاني: وجوب الحكم بما أنزل الله:
…إن مسألة الحكم بما أنزل الله من المسائل الخطيرة في حياة الأمة المسلمة لأنها ترتبط بمسألة العقيدة حيث إنها تمثل الجانب الأهم من عقيدتنا الإسلامية، وهي تمثل القالب العملي لعقيدة التوحيد المتمثلة في الشهادتين والتي تعني الرفض لكل الآلهة المصطنعة من دون الله عز وجل، والحكم بما جاء عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل: 36).
…فالطاغوت هو كل ما يعبد من دون الله سواء من الشجر والحجر والبشر أو الشعارات الجوفاء (2).
…ونجد أن الله سبحانه قد اختص نفسه بالتشريع ووضع الأحكام التشريعية للمجتمع، قال تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } (الشورى: 21).
__________
(1) تفسير الطبري، مجلد 6، ص 355.
(2) انظر: أعلام الموقعين لابن القيم، ج2/50، ط1، 1374هـ-1955م.(1/6)
…ولم يكتف سبحانه بطلب الالتزام بتطبيق شرعه في الأرض، بل حرص على حصول الرضا والاطمئنان لحكمه، وأنه لن يتم الإيمان إلا إذا احتكم المجتمع لهذه الشريعة، قال تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } (النساء:65)، فهو سبحانه يُقسم بربوبيته قسماً مؤكداً أنه لا يصلح الإيمان إلا بالتحاكم في كل نزاع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن تنشرح الصدور بحكمه، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه، وأن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وأنزل في كتابه الكريم (1).
…وبناءً على ما سبق فإن الحاكم واحد هو الله، والمشرع للقوانين واحد هو الله سبحانه وهو الخالق للكون والإنسان والحياة، لذلك أنزل هذه الشريعة لتلبي حاجات الأجيال إلى يوم الدين، وأن على الدولة الإسلامية التطبيق الكامل لكل ما شرعه الله في كتابه أو جاء على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فحيث يوجد نص رباني يجب اتباعه، ولا يكون لرجال التشريع حينئذ إلا التطبيق والعمل بما جاء عن الله سبحانه، وإذا لم يوجد نص في هذا القانون الرباني كان لرجال التشريع الإسلامي مجال للاجتهاد والاستنباط وفق روح الشريعة الإسلامية، فيشرعون الأحكام فيما لا نص فيه بواسطة القياس (2).
الأدلة على وجوب الحكم بما أنزل الله:
__________
(1) انظر: تفسير الشعراوي، مجلد 4، ص 2377.
(2) السياسة الشرعية، عبدالوهاب خلاف، ص 43.(1/7)
…إن تحكيم الشريعة الإسلامية ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، والآيات الدالة على وجوب تحكيم شرع الله والتحاكم إليه، والمحذرة من التحاكم إلى غيره كثيرة في كتاب الله تعالى وكلام العلماء في تفسيرها معروف حتى أضحى ذلك عِلماً ضرورياً عند المسلمين، حيث قال العلامة ابن باز – رحمه الله – ومعنى هذا أن العبد يجب عليه الانقياد التام لقول الله تعالى وقول رسوله وتقديمهما على قول كل أحد، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة (1).
أولاً: القرآن الكريم:
…جاءت آيات كثيرة توجب الحكم بما أنزل الله والتحاكم إليه، وبيان التحذير من التحاكم إلى الطاغوت:
قال تعالى: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ } (البقرة: 213)، وقال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ } (النساء: 105). أوضح الحق سبحانه أن الغاية من إنزال الكتاب هو الحكم بين الناس بالعدل، قال ابن تيمية – رحمه الله -: "إن الله سبحانه هو الحَكَم الذي يحكم بين عباده والحكم له وحده، وقد أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ليحكم بينهم فمن أطاع الرسول كان من أوليائه المتقين، وكانت له سعادة الدنيا والآخرة، ومن عصى الرسول كان من أهل الشقاء والعذاب (2).
قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } (النساء: 58)، حيث أمر الحق سبحانه بالمحافظة على أمانات الناس وإرجاعها إلى أصحابها غير منقوصة وأمر أيضاً بتحقيق العدالة في الحكم بين الناس.
__________
(1) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 1/82.
(2) مجموع الفتاوى لابن تيمية 35/361.(1/8)
وحذر سبحانه من الركون إلى أحكام وأعراف الجاهلية، وقد أنزل لنا خير كتاب وأفضل منهج عرفته البشرية في تاريخها الطويل، قال تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (المائدة:50).
…فقد ذمَّ الله – سبحانه – من يبتغي حكم الجاهلية، وهو كل حكم مخالف لشرع الله، فكيف بمن يشرِّعون ما لم يأذن به الله، ويجعلون تشريعهم عاماً لازماً ويصفونه بالقداسة والحرمة، ويعتبرون من خالفه أو لم يرض به من أكابر المجرمين الذين تجب معاقبتهم، مع أنه مخالف لحكم الله جهاراً نهاراً كأن يستغيث بميت أو يدعو إلى بدعة أو يشرب الخمر أو يقدم هواه وما يستحسنه عقله على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله (1).
أوجب الله عز وجل على عباده تحكيم شرع الله بالصيغة الطلبية، وهي فعل الأمر في قوله تعالى: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } (الأعراف:3)، فالأمر هنا باتباع ما أنزل الله يشمل كل ما جاء في المصحف من أوامر ونواهي وأحكام وحدود وإرشاد وتوجيه في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والعلاقات الدولية في الحرب والسلم وآيات الجهاد والمال وذلك كله ونظائره مما أنزله الله فهو واجب الاتباع (2).
__________
(1) انظر: تفسير ابن كثير، 3/122، 123، ط دار الفيحاء، وانظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، مجلد 2، ص 89.
(2) انظر: التفسير المنير، الجزء: 8، ص (138، 139).(1/9)
قال تعالى: { لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } (الكهف: 26) لقد ذكر الشنقيطي في تفسيره " الإشراك بالله في حكمه والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد، لا فرق بينهما ألبتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله وتشريعاً غير تشريع الله، كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد وكلاهما شرك بالله " (1).
وقال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (النور:63)، وقال تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } (الأحزاب:36).
ذكر المفسرون أنه إذا ثبت لله ورسوله في كل مسألة من المسائل حكم طلبي أو خبري، فإنه ليس لأحد أن يتخير لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه، وأنه ليس لمؤمن ولا مؤمنة ذلك التخير لأن ذلك منافٍ للإيمان، وما ثبت بالكتاب والسنة فهو مقطوع بإتيانه وتطبيقه، وإن ترك مسلم أو مسلمة ما علم من أمر الله ورسوله وذهب إلى غيره كان مستحقاً للعذاب، ومن اتبع منهج الله ورسوله كان مهتدياً وفائزاً في الدنيا والآخرة(2).
ثانياً: السنة النبوية المطهرة:
…لقد جاءت الأحاديث النبوية المطهرة بالنص الصريح والقاطع على وجوب الحكم بما أنزل الله واتباع شرع الله في كل مسألة من المسائل أو قضية من القضايا التي تواجه الأمة في أي مجال من مجالات الحياة ، نذكر من هذه الأحاديث ما يلي:
__________
(1) الإيمان: أركاهنه حقيقته نواقضه، ص (174، 175).
(2) انظر: ابن كثير 3/539 دار الفيحاء، وانظر: تفسير القاسمي 8/262، 362، وانظر: صفوة التفاسير 2/527.(1/10)
عن أبي هريرة – - رضي الله عنه - – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " (1).
عن أبي هريرة – - رضي الله عنه - – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: " من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى " (2).
عن أبي نجيح العرباض بن سارية – - رضي الله عنه - – قال: " وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا. قال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كبيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجد، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة "(3).
ثالثاً: الإجماع:
…إن حقيقة الإسلام هي الاستسلام التام لله عز وجل ولا يتم ذلك إلا بقبول دينه والتسليم لشرعه والرضا بحكمه، ومن أسلم لله ولغيره كان مشركاً ومن لم يذعن لمنهج الله كان مستكبراً، والمشرك والمستكبر فهو في عداد الكافرين.
__________
(1) صحيح مسلم، ك 15 (الحج)، ب 74 (فرض الحج...) 2/975، ح (1337).
(2) صحيح البخاري مع الفتح، ك (الاعتصام بالكتاب والسنة)، ب (الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) 13/214.
(3) سنن أبي داود، ك (السنة)، ب (في لزوم السنة) 4/200، حديث رقم (4607) وسنن الترمذي، ك 42(العلم) ب 16 (ما جاء في الأخذ بالسنة) 5/44، حديث رقم (2676)، وقال عنه حديث حسن صحيح.(1/11)
…وأجمع علماء الأمة على أنه لا شرع إلا ما شرعه الله، ولا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، وأن تشريع الأحكام هو حق لله وحده، فمن أعطى غيره هذا الحق أو أعرض عن شرع الله ولم يرض به فهو كافر بإجماع المسلمين (1).
المطلب الثالث: مفاسد الإعراض عن الحكم بما أنزل الله:
…إن من أعظم ما ابتلى به المسلمون في هذا القرن الأخير سقوط الخلافة الإسلامية الذي كان من نتائجه الوخيمة تنحية شرع الله تعالى وعدم التحاكم إليه في سائر شئون الحياة واستبداله بمناهج أرضية ساقطة مستوردة من الشرق أو من الغرب لم تحقق للأمة إلا الهزائم والدمار والعواقب الوخيمة، ولأجل عظم هذه المفاسد وصف الله سبحانه في موضع واحد من سورة المائدة من لم يحكم بكتابه الكريم بالكفر والظلم والفسوق.
…ونستطيع أن نوجز هذه المفاسد المترتبة عن الابتعاد عن منهج الله في التالي:
انتشار الشرك وشيوع البدع وظهور الدعاة إليهما، وتمكنهم من بث شبهاتهم الماكرة حول هذا الدين ونشر دعواتهم الهدامة.
تعطيل الكثير من الأحكام الشرعية كفريضة الزكاة والصلاة وإقامة الحدود وغير ذلك.
ظهور الفرقة والاختلاف والشقاق والنزاع بين المسلمين الذي يؤدي إلى سفك الدماء وسلب الأموال وإضعاف الشوكة وتقوية مطامع الأعداء في أمة الإسلام(2).
زعزعة العقيدة في قلوب المسلمين من خلال إحداث الزحزحة في حياة المسلمين عن مبادئ هذا الدين الحنيف، كمبدأ الولاء والبراء، ومبدأ الأخوة على أساس الدين لا على أساس الجنس أو الوطن أو اللغة.
ظهور المعاصي والإعلان بها جهاراً نهاراً، بل التبجح بها والتنافس في ارتكابها، عند بعض الناس.
سيطرة أصحاب المبادئ الهدامة على مراكز النفوذ في بلاد المسلمين مما سهل لهم تحقيق مخططاتهم الهدامة وتطبيق برامجهم المنافية لهذا الدين.
__________
(1) انظر مجموع الفتاوي 3/267، 268، وانظر تفسير السعدي 2/90.
(2) النظام السياسي في الإسلام، ص39.(1/12)
تحقيق الذل والهوان في حياة المسلمين نتيجة لخضوعهم لقرارات الكفرة والخارجين عن دين الله.
إلى غير ذلك من المفاسد الكثيرة المترتبة عن الإعراض عن الحاكمية بكتاب الله سبحانه وتعالى والتي لا يعلم مدى خطورتها وضررها على الأمة إلا الله تبارك وتعالى.
المطلب الرابع: مقتضيات الحاكمية لله:
…رأينا أنه من الأهمية بمكان الحديث عن مقتضيات تتعلق بوجوب الحكم بما أنزل الله وقد حصرنا أهمها في التالي:
البيعة للحاكم بتحكيمه للشريعة: يجب أن يكون الحاكم مسلماً ولا يبايع إلا على الحكم بما أنزل الله، وهذا تجلى واضحاً في بيعة علي بن أبي طالب عندما اشترط عليه عبدالرحمن بن عوف قائلاً: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه، وفعل أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما؟ قال: اللهم نعم، لذلك لا يجوز للأمة أن تنصب حاكماً ليحكمها بشرع غير شرع رب العالمين، وإن فعلت ذلك فقد أثمت لأنها بهذا الفعل تكون خارجة عن دين الله عز وجل(1).
وجوب الخروج على الحاكم إذا لم يحكم بالشريعة الإسلامية، فإذا غير الحاكم وبدل أحكام رب العالمين بعد تنصيبه فلم يحكم بما أنزل الله فيجب الخروج عليه بحد السيف وقتاله وهي الحالة الوحيدة التي يُخرج فيها على الحاكم لعظم جرمه ولنقضه شروط بيعته حيث جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت أنه قال: " دعانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "(2).
__________
(1) مذكرات في نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية، ص (36)، وانظر: النظام السياسي في الإسلام، ص 311.
(2) صحيح مسلم، ك (33) الإمارة، ب 8 (وجوب طاعة الأمراء...) 3/1470، 1471، ح (1709).(1/13)
ضلال من لم يحكم بالشريعة: لا يجوز لأحد أن يتخير لنفسه غير حكم رب العالمين، لأنه مناف للإيمان ومخالف لمعنى العبودية لله، وقد جعل الله سبحانه أي حكم غير حكمه حكماً جاهلياً، وجعل من يبتغي غير حكمه جاهلاً كافراً إن كان غير موقن بحسن وعدل حكم رب العالمين أو كان معتقداً بصلاح غيره من الأحكام قال تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } (المائدة:44) (1).
الفتنة والعذاب لمن لم يحكم بالشريعة: إن الاحتكام لغير شرع الله يعني الاحتكام إلى الطاغوت وقد حذر الحق سبحانه من الالتفات عن شرعه أو الزحزحة عن دينه، قال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (النور: 63) وما نشاهده من فتن وآلام في مجتمعاتنا اليوم ما هو إلا نتيجة عن ابتعادنا عن شريعتنا والحكم بمناهج وضعية (2).
حرمة انتخاب من يشارك في سن قوانين منافية لشرع الله: إن النظام الإسلامي قائم على الشورى لذلك لا بد من مجلس ليجمع فيه من يؤخذ برأيهم نيابة عن الأمة وليسمع الخليفة رأي الناس ويمكن أن يطلق عليه " مجلس الأمة " لأنه نائب عن الأمة في المحاسبة والشورى قال تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } (الشورى: 21)، لذلك لا يجوز لأحد أن ينتخب أحداً ليمارس سن تشريعات أو يصادق على تشريعات مخالفة لشرع الله، خاصة ونحن نعيش في ظروف لا يطبق فيها إلا أحكام الكفر والضلال.
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، مجلد 3، ج5، ص 187، ط دار الفكر، وانظر: زاد المسير، مجلد 2، ص 148.
(2) أيسر التفاسير، مجلد 3، ص 595.(1/14)
لذلك ينبغي على المنتخب أن يستوثق من المرشح قبل انتخابه للبرلمان أي مجلس الأمة، وعلى المرشح أن يعلن صراحة أنه لن يشارك في سن أي تشريع مخالف لشرع الله وأنه لن يعطي الثقة لأي حكومة لم تحكم بشرع الله.
المطلب الخامس: ثمرات الحكم بما أنزل الله:
…إن الأمة الإسلامية إن أرادت أن تعيش في سعادة وهناء عليها أن تعود إلى تطبيق شريعة الله في كافة المجالات الحياتية السياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والجهادية وعلى وجه الخصوص تطبيقها لنظام العقوبات في الإسلام فإنه يساعد على تهذيب الشخصية والتزامها بكتاب ربها وتحليها بالأخلاق الحسنة، لذلك لا بد من تطبيق شريعة الله لأنه في ظلالها تتحقق الهداية وتطيب الحياة ويهنأ الأحياء، والإنسانية اليوم والمسلمون على وجه الخصوص في أمسّ الحاجة إلى تطبيق هذا الدين والحكم بشرع الله ليسود الأمن والإيمان والسلام والاستقرار في المجتمع، قال تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } (النساء:125).
…ونستطيع حصر الثمرات الناتجة عن تطبيق الشريعة الإسلامية في التالي:
تحقيق العدالة وحماية المجتمع من أذى المجرمين:
إن تطبيق العقوبات سبيل لتحقيق العدالة، وقد أوجبتها الشريعة الإسلامية لأنها تؤدي إلى مصلحة الجماعة والمنفعة العامة للبلاد والعباد.
…العقوبات في الإسلام تقوم على العدالة وأيضاً تهدف إلى حماية المجتمع والمصلحة العامة والفضيلة والأخلاق والمحافظة على المصالح الضرورية لكيان المجتمع لذلك قررت الشريعة عقوبات رادعة لمن ينتهك حرمات المجتمع التي هي حرمات الله سبحانه (1).2- حفظ الأصول الخمسة التي يقوم عليها أمن المجتمع:
__________
(1) التشريع الجنائي الإسلامي، الجزء الأول، ص627.(1/15)
…إن المصالح التي يحميها الإسلام بتقرير نظام العقوبات حين الاعتداء عليها ترجع إلى أصول خمسة وصيانتها تعتبر أساسية في المجتمع، وقد عملت الشرائع السماوية على حفظ هذه المصالح الخمسة وبفقدان أي منها تنهار الحياة الإنسانية في المجتمع، وهي تتمثل فيما يلي:
حفظ الدين، من حيث حرية العقيدة وصون المقدسات وتعظيم حرمات الله فإنها من تقوى القلوب.
حفظ النفس البشرية، من حيث حقها في الحياة وصون الكرامة والحريات الشخصية والفكرية، وأنه لا يجوز قتل النفس بغير حق، وأنه من قتلها فكأنما قتل الناس جميعاً، قال تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ } (الإسراء: 33).
حفظ العرض، وذلك بمنع وقوع جرائم الزنا، قال تعالى: { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً } (الإسراء:32).
حفظ المال: يمنع الإسلام الاعتداء على المال الشخصي للأفراد والمال العام سواء بالسرقة أو النصب أو الاستيلاء على ممتلكات الغير، أو أن يأكل الناس أموالهم بينهم بالباطل ، قال تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة:188).
حفظ العقل: تعمل الشريعة الإسلامية على حفظ العقل من أن يصاب بسوء وعملت على وقايتها بالابتعاد عن الخمر وكل ما يفسد العقل (1).
ومن يعتدي على هذه الأصول الخمسة التي قصد الشارع الحكيم حمايتها والحفاظ عليها حق عليه العقاب، وبتطبيق نظام العقوبات تصان الحياة الإنسانية ويحافظ على أمن وسلامة واستقرار المجتمع.
3- حفظ الأخلاق والمساواة بين الناس:
__________
(1) انظر الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، ص34، وانظر المدخل الفقهي العام إلى الحقوق المدنية، ص64.(1/16)
إن القوانين الوضعية تكاد تهمل المسائل الأخلاقية إهمالاً تاماً إلا إذا أصاب ضررها المباشر الأفراد أو الأمن أو النظام العام.
…والعقوبات السماوية تختلف عن الوضعية من حيث إنها لا تميز بين البشر بل تتوخى العدالة والفضيلة وتشمل السلطان والرعيّة وتقيم العقوبة على أي كان مهما كان لونه وجنسه ومركزه الاعتباري في المجتمع (1).
4- إصلاح للفرد ومنع للجريمة:
إن العقوبة شرّعت في الإسلام لإصلاح الأفراد ولتمنع كافة الجرائم وبتطبيق نظام العقوبات زجر للآخرين، فلا يجرؤ أحد على الإقدام على ارتكاب الجريمة، حيث إن العقوبات في الإسلام تكون بالقدر الكافي لزجر الآخرين عن الإقدام عليها.
5- تحفظ التوازن الاقتصادي بين أبناء المجتمع:
إن الساسة والاقتصاديين في المجتمع لا يمكنهم رسم سياسة اقتصادية ثابتة إلا بالرجوع إلى عقيدة الأمة ومصدر فكرتها الكلية عن الكون والإنسان والحياة، وهذا يعني أن السياسة الاقتصادية للبلاد يجب أن تكون أحكاماً شرعية مستقاة من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
…أما عدا ذلك فسيؤدي إلى تزايد المشكلات الاقتصادية وانتشار الفقر في حياة الناس، ومن هنا كانت سياسة الاقتصاد في الإسلام هي ضمان إشباع حاجات الإنسان الأساسية إشباعاً تاماً في حين يجب مساعدته في إشباع حاجاته الكمالية قدر استطاعته لأنه يعيش في مجتمع مميز له طابعه الخاص يعمل على رفع مستوى معيشة الفرد وزيادة الدخل القومي وتوفير سبل العيش الكريمة لجميع أبناء المجتمع من خلال توزيع ثروة البلاد الداخلية والخارجية على جميع أفراد الدولة الإسلامية.
المبحث الثاني
معوقات وتحديات الحكم بما أنزل الله
مدخل البحث:
__________
(1) انظر المدخل الفقهي العام، ص618.(1/17)
…إن أعداء الإسلام لم يرق لهم أن تظل أمة الإسلام في مركز الصدارة والقيادة للبشرية جمعاء في جميع مجالات الحياة فمكروا الليل والنهار لتنحية الأمة وزحزحتها عن إسلامها ومنهجها الرباني، فكان من أعظم المفاسد التي ابتلي بها المسلمون في القرن الأخير هو سقوط الخلافة الإسلامية الذي كان من نتائجه الوخيمة تنحية شرع الله تعالى وعدم التحاكم إليه في شئون الحياة.
…ولقد ازداد الأمر سوءاً عندما توالت شبهات الكفار والمبشرين والمستشرقين وأذنابهم من المنتسبين إلى الإسلام التي كان الغرض من ورائها التشكيك في صلاحية أحكام الإسلام في عصر التقدم العلمي التكنولوجي، وسلكوا سبلاً يتسللون منها للتشكيك في هذا الدين القويم من خلال قضايا المرأة، وقضايا الرق، وقضايا الحدود كقطع يد السارق ورجم الزاني المحصن، وقضايا الحرية الشخصية كقتل المرتد إلى غير ذلك من القضايا التي أرادوا من خلالها الطعن في الإسلام.
…ولإيضاح ذلك جعلنا هذا المبحث من ثلاثة مطالب، تحدث الأول منها عن إثارة الشبهات حول التحاكم إلى منهج الله، أما المطلب الثاني تم الحديث فيه معارضة الحكام وابتعادهم عن الحكم بما أنزل الله، وكان الثالث منها يتحدث عن جهل المسلمين وتقصير العلماء في رد الأمة إلى دينها والتصدي لشبهات الحاقدين في زمن الضعف الذي انتاب الأمة.
المطلب الأول: إثارة الشبهات:
…لقد توالت شبهات الكفرة والملحدين والتقت مع شبهات الحاقدين من المبشرين والمستشرقين وبثوا سمومهم في جسد الأمة، في فترة ضعف المسلمين وتناحرهم وبعدهم عن الدين الصحيح، وتلك الشبهات الغبية الضعيفة التي أثاروها لم تفعل فعلتها الشنيعة وتصل إلى قلوب المسلمين إلا عندما روّج لها من هم أذناب للاستعمار في شرقنا الإسلامي.
…فأصبح من يدعُ إلى تحكيم الشريعة، قد أتى جريمة فظيعة، لذلك أردنا حصر الشبهات التي أثاروها حول تطبيق الشريعة الإسلامية والرد عليها بالنقل والعقل.(1/18)
أولاً: شبهة تعارض أحكام الشريعة مع متطلبات الحضارة:
…قضية تعارض أحكام الشريعة مع مقتضيات الحضارة الحديثة نابع من الفهم الخاطئ، "أن كل جديد هو بالضرورة خير من كل قديم، لمجرد أن هذا جديد وذاك قديم"، وقد نشأ هذا الوهم أو هذه الشبهة في أوروبا في العصر الذي ساد فيه الدين الكنسي، وأخذ بعض المسلمين تنطلي عليهم هذه الشبهات فمنهم من نادى بإقصاء الدين عن الدولة كي تتقدم الحضارة (1).
الرد على هذه الشبهة:
…إن مفهوم الحضارة في الإسلام يختلف عن المفهوم الغربي، فالحضارة في المفهوم الإسلامي هي مجموع النشاط الذي يقوم به الإنسان في شتى مجالات حياته ليحقق غاية وجوده المتمثل في تحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى (2)، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذريات:56)، وقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (الملك:15).
…نفهم من الآيتين أن الإنسان خلق ليعبد الله وليكون خليفة لله في أمره وأرضه ليعمر الأرض بالسعي والإعمار، وهذا يعني المفهوم الصحيح للحضارة فهي ليست مقصورة على العمارة المادية وإنما هي عمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني – الحكم بما أنزل الله – الذي يحقق معنى العبودية الواسع الذي تشمله الآية الكريمة: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الأنعام:162).
…أما بالنسبة لتطبيق الحدود الشرعية، فالدين الإسلامي هو التشريع الوحيد الذي أخذ موضوع الجريمة والعقاب من جميع جوانبه.
__________
(1) شبهات حول الإسلام، ص: 157.
(2) شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي، ص: 241.(1/19)
…فالإسلام لا يبدأ بالعقوبة وإنما يبدأ بالوقاية من الجريمة من خلال التربية الإسلامية التي تربط الفرد بملكة المراقبة لله سبحانه فيستقيم في حياته ويبتعد عن الشر والآثام.
…والإسلام نظام واقعي يكافح أسباب المرض في الوقت الذي يربي فيه الأفراد على التقوى، وعلى سبيل المثال السرقة، مرض سببه الجوع والفقر، والنظام الإسلامي يسعى إلى مكافحة الجوع والفقر بتشريعاته حتى لا يضطر جائع للسرقة.
…والزنا أيضاً مرض سببه الفتنة والإثارة والتبرج وضعف الإيمان، والإسلام يمنع ذلك ويحاربه ويدعو إلى التعجيل في الزواج الشرعي، وكذلك في بقية الحدود، ينظر الإسلام في كل حالة إذا كان مرتكبها معذوراً لا يقيم الحد ولا يوقعه إلا عند التيقن وأنه غير معذور وإن قامت الشبهة فإن الإسلام يدرأ الحد بالشبهات (1).
ثانياً: شبهة عدم إمكان تطبيق الشريعة بسبب وجود الأقليات غير المسلمة:
…الرد على هذه الشبهة المنكرة من جانبين:
لا يحق في التاريخ البشري لأقلية أن تتحكم في الأغلبية ولنتصور حال الأقليات المسلمة في بلاد الأرض في واقعنا المعاصر، أنها طالبت الأكثرية الحاكمة بالكف عن ممارسة دينها، فكيف يكون رد الفعل عند الأكثرية الحاكمة؟!
إننا نتصور المذابح تنصب للمسلمين لتسيل منها الدماء كالأنهار، ففي الهند يذبح المسلمون لمجرد أنهم مسلمون "من الوثنيين الهندوس! وفي روسيا والصين قتل المسلمون" في ظل النظام الشيوعي، وفي الحبشة يُحرم المسلمون من حقوقهم السياسية لأنهم مسلمون.
__________
(1) انظر: المسلمون في معركة البقاء، ص 78-84.(1/20)
إن الأقليات غير المسلمة عاشت في ظل الدولة المسلمة المطبقة للشريعة الإسلامية ردحاً من الزمن لا تشكوا، بل تعيش حياة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها بأمن وسلام، والتاريخ والواقع يشهد بذلك، إذن لا خوف على الأقليات الغير مسلمة في ظل تطبيق الشريعة؛ لأن الإسلام يدعو إلى التسامح وتحقيق العدالة بين أبناء المجتمع الإسلامي والأقليات الأخرى التي تعيش في كنف الدولة الإسلامية، حيث يقول سيرت أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" "لما بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن وعسكر أبو عبيدة بن الجراح في محل، كتب الأهالي المسيحيون في هذه البلاد إلى العرب يقولون: يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا" (1).
ثالثاً: شبهة عدم إمكان تطبيق الشريعة بسبب ضغط الدول العظمى:
…الرد على هذه الشبهة يكون من جانبين:
إن معظم الدول التي أقصت الشريعة الإسلامية عن الحكم نتيجة التدخل العسكري لأعداء الإسلام ما تزال عاجزة عن السيطرة الحقيقية على شئونها ومواردها، وإن كانت قد استقلت ظاهرياً أمام الدول والشعوب، فهي ما تزال واقعة تحت نير الاستعمار وتحت السيطرة الاقتصادية والسياسية لهذه الدولة أو تلك من القوى العالمية التي تسمى (بالدول العظمى) التي تملك حق الفيتو في الاعتراض على أي قرار في مجلس الأمن الدولي.
لا يستطيع أحد أن يقول إننا لا نستطيع فعل أي شيء إزاء الأعداء فإننا نملك الجهاد والعزيمة الصادقة إذا أردنا التحرر وامتلاك حرية القرار والحكم بما أنزل الله.
__________
(1) شبهات حول الإسلام، ص 195.(1/21)
…والذين يتهيبون جهاد الأعداء، يقدمون بدائل يحسبونها تؤدي إلى الخلاص وتعفيهم من الجهاد، ويركزون على الجانب الاقتصادي، فهذا لا يعفينا من الجهاد، والذين يتحكمون في بلادنا ويمنعونا من تطبيق شريعتنا الإسلامية هم أنفسهم يتحكمون فينا ليبقى اقتصادنا عالة عليهم ولا يستقل عنهم، وخير شاهد على ذلك: البلاد التي انتشر فيها الإسلام هي من أغنى البلاد بثرواتها البشرية والمعدنية والمائية وكل أنواع الطاقة لكن أهلها أفقر سكان الأرض وأشدهم جوعاً وتخلفاً (1).
…فمن الذي يمنعهم من امتلاك مقدراتهم؟ الإجابة واضحة هم الأعداء الذين يمنعونهم من تطبيق الشريعة، ففي السودان مساحة كبيرة من الأرض، يقول الخبراء: إنها لو زرعت قمحاً لكفت الوطن العربي بأسره، ولكانت سلة غذاء للأمة العربية بأسرها.
…لذلك ينبغي أن نتعلم كيف نرفع الجور والظلم المحيط بالأمة الإسلامية، ولكن أبناءنا حينما يتعلمون بغير روح الجهاد في ظل الأنظمة الهاربة عن الحكم لله يتعلمون قشوراً من العلم للحصول على ورقة تؤهلهم للوظيفة هنا أو هناك في ظل المناهج الوضعية.
…ويقول بعضهم: كيف نجاهد الأعداء ونحن في قبضتهم؟
…نقول لهؤلاء: انظروا إلى الجهاد في فلسطين، فمن كان يتصور أن أمة شبه عزلاء بدأت جهادها بالحجر، تُرغم أكبر قوة وحشية في التاريخ المعاصر أن تسحب قطعان مستوطنيها وجيشها بالكامل من قطاع غزة.
…لقد فعلت الحجارة في يد الأطفال الفلسطينيين ما لم تفعله المناورات الكاذبة والمحادثات الجوفاء والمفاوضات العمياء، لا بد للأمة الإسلامية لكي تستعيد مجدها أن تتحاكم إلى شرع الله، ولا بد لها من الجهاد والمشوار طويل يحتاج على تربية جيل يحمل القرآن في يد وشعلة الجهاد في اليد الأخرى.
__________
(1) انظر: شبهات التغريب، ص: (359 -361).(1/22)
…وإذا تعلمنا روح الجهاد وعملنا بروحه، وطبقنا الشريعة اقتربنا من النصر بإذن الله قال تعالى: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } (غافر:51).
المطلب الثاني: معارضة الحكام:
أولاً: المراد بالحكام:
…نقصد بالحكام أو الحاكم هو الذي يلي أمر المسلمين، ويحكم المسلمين، والذي يأمر فيطاع وينهى فيطاع، وينفذ الأحكام على الدولة وأفرادها من المسلمين ورعايا المسلمين من أهل الذمة وسواء وصل الحكم بطريق شرعيّ أو بتأول ومسوِّغ غير شرعي أو خطأ، وسواء كان لقبه خليفة، أو أميراً، أو ملكاً، أو سلطاناً، أو رئيساً، أو ما إلى ذلك، وسواء حكم بالإسلام أو ببعضه أو بغيره.
…ومن مقتضيات حكمه أنه يبسط سلطانه ونفوذه على أرض محددة تضم المسلمين وغيرهم وله قوة وأعوان في ذلك من جيش ووزراء وأمراء... الخ.
…وفي الإسلام تحديداً المراد بالحكام الخلافة، وهي: "تعني الخلافة أو الإمامة العظمى رئاسة الدولة الإسلامية، فالخليفة أو الإمام الأعظم هو رئيس الدولة الإسلامية الأعلى"(1).
…وقد أشار القرآن الكريم إلى الحكام الشرعيين في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } (النساء: 59)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأنه رأس زبيبة) (2).
__________
(1) الإسلام لسعيد حوى، ص: 142.
(2) صحيح البخاري مع الفتح، ك (الأحكام) ب (السمع والطاعة للإمام...) 13/104.(1/23)
…ومن الأنبياء الذين أوتوا الحكم داود – عليه السلام – وابنه سليمان – عليه السلام - قال تعالى: { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلكَ وَالْحِكْمةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ } (البقرة: 251)، قال المفسرون: "المراد بالملك: السلطان في بني إسرائيل، والحكمة: النبوة، ولم يجتمعا لأحد قبله" (1).
وقال تعالى: { يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } (ص: 26)، وفي التفسير: "وخلافة داود بالنبوة والملك (2) والملك: السلطان والحكم"، وقال تعالى: { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ - وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } (النمل:16،17). …وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - معروف ملكه حيث أنشأ الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة وأسسها على المساجد (بيوت الله) والجيش (جند الله) والدستور (القرآن والسنة) ثم توسعت في عصره حتى شملت غالب الجزيرة العربية.
ثانياً: واجب الحاكم في الإسلام:
…أهم ما يجب على الحاكم المسلم واجبان وهما من شروط البيعة وهما من حق المسلمين عليه وهما:
أ- حكم المسلمين بالشريعة الإسلامية:
__________
(1) تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي / 55.
(2) التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي 2/184، وانظر: الدر المنثور للسيوطي 7/169، 170.(1/24)
يعتبر هذا الواجب من شروط صحة بيعته، بحيث لو خالفه لانتقضت بيعته(1)، والمقصود بذلك أن يحكم بالإسلام جملة وتفصيلاً في سائر مناحي الحياة، قال تعالى: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ } (المائدة: 49).
…والأمر في الآية للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويشمل أيضاً حكام المسلمين إلى يوم القيامة لأنهم خلفاء الرسول في إقامة حكم الله في الأرض، والأدلة على ذلك كثيرة ذكرناها في المبحث الأول مما أغنى عن إعادتها هنا، ولكن نذكر هنا يقول أبي بكر – - رضي الله عنه - – عندما خطب الناس بعد بيعته خليفة للمسلمين: "أيها الناس... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم... " (2).
ب- حكم المسلمين بالعدل:
__________
(1) انظر: الإسلام لسعيد حوى، ص: 161-163.
(2) البداية والنهاية لابن كثير 6/301، قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح.(1/25)
…أي يجب على الحاكم المسلم أن يحكم بين رعايا الدولة المسلمة من المسلمين وأهل الذمة بالعدل والإنصاف بعيداً عن الهوى والظلم والجور فلا يفرق في ذلك بين مسلم وذمي، وبين غني وفقير، وبين قوي وضعيف، وبين شريف ووضيع، وبين حاكم ومحكوم، وبين كبير وصغير، وبين ذكر وأنثى، والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: { يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } (ص: 26)، وقوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } (النساء: 58)، وقد روى الترمذي عن عائشة أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلمه أسامة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) (1)، وقال تعالى: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } (المائدة: 8).
ثالثاً: واجب المحكومين في الإسلام:
…إذا وفى الحاكم المسلم بشروط البيعة من الحكم بما أنزل الله وبالعدل بين الناس وجب على المسلمين أن يطيعوه فيما يأمر وفيما ينهى مما لا يخالف الإسلام.
__________
(1) سنن الترمذي، ك 1 (الحدود)، ب 6 (ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود) 4/29، ح (1430) قال عنه: حديث حسن صحيح.(1/26)
قال تعالى في وجوب طاعة أولي الأمر: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } (النساء: 59)، وقال تعالى في النهي عن طاعة الحاكم أو غيره حتى الوالدين في معصية الله: { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا } (لقمان: 15)، وهذا الأمر من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) (1)، وقال أبو بكر الصديق الخليفة الأول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن بويع بالخلافة: "... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم..." (2).
رابعاً: أسباب معارضة بعض الحكام لتحكيم الشريعة الإسلامية:
هناك بعض الحكام الذين يلون أمور بعض المسلمين في أزمنة معينة وأماكن معينة يعطلون كل أحكام الشريعة أو أكثرها أو بعضها، وأهم أسباب معارضتهم لتحكيم الشريعة ما يلي:
أ- ضعف الإيمان والتقوى:
فالإيمان هو اعتقاد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان، والإيمان ما انبثق من القلب في صورة عمل صالح.
__________
(1) صحيح البخاري مع الفتح، ك (الأحكام) ب (السمع والطاعة للإمام...) 13/105، وصحيح مسلم ك(33) (الامارة) ب8 (وجوب طاعة الأمراء) 3/2469، ح (1839).
(2) البداية والنهاية لابن كثير 6/301، قال ابن كثير عن الرواية: وهذا إسناد صحيح.(1/27)
والتقوى هي طاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتحكيم الشريعة الإسلامية هي الجزء الأكبر من الإيمان ومن التقوى، ولذلك حكم الله على الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة بالكفر والظلم والفسق والجاهلية والبعد عن الإيمان، قال تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } (المائدة: 44)، { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (المائدة: 45)، { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (المائدة:47)، فالصفات الثلاثة المذكورة في الآيات من الكفر والظلم والفسق تنطبق جميعها على فاعل واحد وهو الذي لا يحكم بما أنزل الله ويعدل إلى غير شريعة الله (1)، قلنا: ويضاف إليها صفتان أخريان وهما: الجاهلية، ونفي الإيمان، ويدل على ذلك قوله تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (المائدة:50)، وقوله: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } (النساء: 65).
ب- الجهل بوجوب تحكيم الشريعة:
…هذا السبب نادر الوقوع، لأن وجوب تحكيم الشريعة من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة.
…وإن حدث فلا عذر للحاكم لأنه يجب عليه شرعاً كما يعلم أمور دنياه وسلطانه وسياسته أن يعلم أمور الدين، وقد قال تعالى: { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } (النحل: 43).
…ثم على أي أساس يحكم البلاد والعباد ويأخذ البيعة لنفسه من الناس وهو جاهل لا يعلم هذا الحكم الشرعي؟!
ج- خوف السلطان من تحكيم الشريعة:
…ونقصد بذلك أن السلطان يعطل تحكيم الشريعة لأنه يخشى على نفسه أو أهله أو حاشيته أو أعوانه أو أنصاره أن تطالهم أحكام الشريعة الغراء لأنهم أول من يخالفوها.
__________
(1) انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب 2/901.(1/28)
…وبذلك يكون الحاكم قد ارتكب إثمين كبيرين أولهما: تعطيل تحكيم الشريعة، وثانيهما: مخالفة وانتهاك أحكام الشريعة من ظلم وقتل أو سكر أو سرقة أو زنى...إلخ.
…وفي هذا المقام نذكر قوله تعالى: { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً } (مريم:12) ومعنى الآية: أي تعلم التوراة بقوة أي بجد وحرص واجتهاد، وأتاه الله الحكم أي: الفهم والعلم والعمل كما فسرها ابن كثير (1).
…وقال الكلبي: "(خذ الكتاب) يعني التوراة (بقوة) أي: في العلم به والعمل به"(2).
د- خضوع السلطان للأعداء:
…أي أن أعداء الله من الكفار يهود أو نصارى أو منافقين أو غير ذلك من الكفار يشيرون عليه ويأمرونه بتعطيل تحكيم الشريعة فيستجيب لهم، قال تعالى: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ } (البقرة:120).
وأسباب استجابته لهم واتباعه أهواءهم نلخصها فيما يلي:
موافقة هواه لهواهم: وذلك كونه كافر أو منافق لهم فاتحدت أهواؤهم والتقت على تعطيل الشريعة.
طمعه في إغراءاتهم: وذلك أنه يعطل تحكيم الشريعة لتحصيل منافع مادية ومعنوية منهم، كأن يعطونه مالاً، أو سلاحاً، أو طعاماً، أو جيشاً منهم يحارب معه، أو تأييداً سياسياً في المحافل الدولية، أو يقفوا معه ضد أعدائه.... إلخ.
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/113، ط "دار المعرفة".
(2) التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي 3/3.(1/29)
وهنا نذكر قوله تعالى: { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } (الذاريات:22)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (نفث روح القدس في روعي أن نفساً لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته) (1).
خوفه من تهديداتهم: وذلك بأن يخوفوه ويرعبوه ويهددوه بالحرب والغزو، أو بالحصار، أو بتأليب الأعداء والمنافقين عليه... إلخ.
وهنا نذكر قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً - وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً - وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً } (الأحزاب:1-3).
خامساً: أساليب ووسائل الحكام في تعطيل تحكيم الشريعة:
…إن الحاكم الذي يتجرأ على تعطيل أحكام الشريعة يتجرأ أيضاً على استخدام كل أسلوب ممكن وكل وسيلة ممكنة لتحقيق هدفه الخبيث، فيستخدم في ذلك أساليب ووسائل الترهيب من التشهير، والتعذيب، والسجن، والحرمان من التوظيف بل والفصل من الوظيفة، والحصار، والقتل... إلخ.
…ويستخدم أساليب ووسائل الترغيب من المال، والوظائف والرتب، والمنح... إلخ.
ويستعين في ذلك بسلطانه وجيشه وعملائه بل وبالمنافقين والكفار وبوسائل الإعلام المختلفة وغير ذلك.
وقصص الأنبياء – عليهم السلام – في القرآن الكريم عامة، وقصة محمد - صلى الله عليه وسلم - في القرآن وفي السيرة النبوية خاصة حافلة بوسائل وأساليب الترغيب والترهيب لإبعاد المؤمن عن دينه، وكل هذا من باب الفتنة ويكفي هنا أن نذكر دليلين:
__________
(1) المعجم الكبير للطبراني 8/166، ح (7694).(1/30)
قال تعالى: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ } (المائدة: 49).
…وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمه حين هددته قريش ورغبته: (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمين والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته) (1).
المطلب الثالث: جهل مسلمين وتقصير علماء:
أولاً: جهل بعض المسلمين:
إنه لمن العجيب أن يجهل بعض المسلمين مسألة وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية، وهذا سبب لا يُعذر صاحبه، لأن وجوب تحكيم الشريعة من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، فطالما كتاب الله بيننا قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر:9)، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيننا قال تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (الحشر: 7)، وقال: { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } (الجمعة: 2)، قال الطبري: الكتاب: القرآن، والحكمة: السنة (2)، والعلماء الثقات الذين نثق بدينهم وأمانتهم وعلمهم بيننا فلا حجة لأحد بجهله بوجوب تحكيم الشريعة، قال تعالى: { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } (النحل: 43).
__________
(1) السيرة النبوية لابن هشام 1/276، 277.
(2) جامع البيان للطبري 28/94، ط3، الحلبي، مصر.(1/31)
وهذا الجهل ناتج عن ثلاثة أمور أولها تقصير هذا البعض من الناس في السؤال عن أمور دينهم وذلك بسبب انشغالهم بالدنيا، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } (فاطر:5) وبسبب ضعف الوازع الديني عندهم، وثانيها ضعف أولي الأمر في الاهتمام بالمسلمين دينياً وتثقيفهم وتعليمهم أمور دينهم بكافة الأساليب والوسائل، وثالثها تقصير بعض العلماء في تبليغ هذا الحكم الشرعي للناس، وهو ما سنتناوله بالحديث في النقطة التالية.
وجهل بعض المسلمين أو كثير منهم بوجوب تحكيم الشريعة وبوجوب العمل بكافة الأساليب والوسائل الشرعية المتاحة لتحكيم الشريعة، هذا الجهل يساعد في تعطيل تحكيم الشريعة لما يترتب عليه من آثار سيئة تقع من بعض الناس نجملها فيما يلي:
إهمال أو ضعف معارضة الحاكم في تعطيله لحكم الله في الأرض.
إهمال أو ضعف مطالبة الحاكم بوجوب تحكيم شريعة الله في الأرض.
الرضا أو السكوت على تعطيل حكم الله وعلى تحكيم الجاهلية أي: القوانين الوضعية، أي: الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا جرم كبير يؤثر على إيمان المسلم وعقيدته.
تأييد ومناصرة المعارضين لتحكيم الشريعة من الحكام والمنافقين والجهلة والأعداء الكفرة.
معارضة وعداوة المؤمنين الملتزمين بالإسلام المطالبين بتطبيق شريعة الله بين الناس في الأرض.(1/32)
وهذا الجهل بآثاره السيئة يذكرنا بخطر الجهل على المسلم، قال تعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } (الزمر9)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير) (1).
ثانياً: تقصير بعض العلماء:
يجب على العلماء أن يبلغوا أحكام الله للناس بما فيها حكم وجوب تحكيم الشريعة وخاصة ما تركه الناس من أحكام الإسلام كإهمالهم تحكيم الشريعة، وذلك لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } (المائدة: 67)، "قال ابن عباس: المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك فإن كتمت شيئاً منه فما بلغت رسالته، وهذا تأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئاً من أمر شريعته" (2)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (... وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)(3).
__________
(1) سنن الترمذي ك42 (العلم)، ب 19 (ما جاء في فضل الفقه على العبادة) 5/48، ح (2685)، صححه شعيب الأرنؤوط، رياض الصالحين / 526.
(2) صفوة التفاسير للصابوني 1/355.
(3) سنن الترمذي ك42 (العلم)، ب 19 (ما جاء في فضل الفقه على العبادة) 5/47، ح (2682)، وسنن أبي داود ك (العلم)، ب (الحث على طلب العلم) 3/317، ح (3641).(1/33)
ولا يجوز للعلماء أن يكتموا عن الناس شيئاً من تعاليم الإسلام كالحاكمية مثلاً، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (البقرة:159، 160)، قال الشوكاني: "فيه الإخبار بأن الذي يكتم ذلك ملعون واختلفوا من المراد بذلك؟ فقيل أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقيل كل من كتم الحق وترك بيان ما أوجب الله بيانه، وهو الراجح لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول" (1).
…وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من سئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار) (2).
ويرجع تقصير بعض العلماء في إهمال تبليغ حكم الله إلى أسباب عديدة أهمها:
عدم الدعوة إلى الإسلام بشموليته، فقد يركز العالم على مسائل العقيدة، أو مسائل العبادة، أو مسائل الجهاد أو مسائل الدعوة إلى الله... إلخ.
…وهذا خطأ كبير لأن أخطر ما يعاني منه المسلمون تضييع الخلافة، وتعطيل أحكام الشريعة لأنه على هاتين يقوم الدين.
__________
(1) فتح القدير للشوكاني 1/161، وانظر: الدر المنثور للسيوطي 1/390.
(2) سنن أبي داود ك (العلم)، ب (كراهية منع العلم) 3/321، ح (3658)، وسنن الترمذي ك 42 (العلم) ب 3 (ما جاء في كتمان العلم) 5/29، ح (2649)، قال الترمذي: حديث حسن، وقال شعيب الأرنؤوط: (وإسناده صحيح)، رياض الصالحين/527.(1/34)
إرضاء الحكام رغبة فيما عندهم من عروض الدنيا كالأموال والوظائف والرتب... إلخ، وهذه معصية كبيرة في دين العالم لقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (البقرة:174)، قال القرطبي في تفسير الآية الكريمة: "يعني علماء اليهود كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحة رسالته... وهذه الآية وإن كانت في الإخبار فإنها تتناول من المسلمين من كتم الحق مختاراً لذلك السبب دنيا يصيبها" (1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من سكن البادية جفا، ومن ا تبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن) (2).
عدم إغضاب الحكام رهبة من بطشهم وفتنتهم كالتعذيب أو السجن والفصل من الوظيفة أو الحصار أو ربما القتل... إلخ.
وهنا نذكر العالم بقوله تعالى: { وَكَأَيّنْ مِنْ نَبيٍّ قَاتلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } (آل عمران:146)، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله) (3)، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن من أعظم الجهاد كلمةُ عدلٍ عند سلطان جائر) (4).
المبحث الثالث
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/625، ط "دار الحديث".
(2) سنن الترمذي، ك 34 (الفتن)، ب (69) 4/454، ح (2256)، قال عنه الترمذي (هذا حديث حسن صحيح غريب).
(3) المستدرك للحاكم 3/215، ح (4884)، صححه الحاكم.
(4) سنن الترمذي، ك 34 (الفتن)، ب 13 (ما جاء أفضل الجهاد...) 4/409، ح (2174)، قال عنه الترمذي: "وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه".(1/35)
الحلول والعلاج لإعادة حكم الله
المطلب الأول: الصبر:
أولاً: تعريف الصبر وحكمه وخصاله:
…تعريف الصبر: الصبر لغة: الحبس وهو نقيض الجزع، أي: حبس النفس عن الجزع (1) واصطلاحاً: " الصبر في القرآن حبس النفس على ما تكره ابتغاء مرضاة الله" (2) على الابتلاء بأنواعه.
…خصال الصبر: أهم خصال الصبر: الصبر عند الصدمة الأولى، والرضا بقضاء الله وقدره وأن لا نقول إلا ما يرضي ربنا، والاحتساب عند الله، والاسترجاع أي نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها.
…حكم الصبر: الصبر واجب على المسلم فيما ابتلي به لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران:200)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) (3). أنواع الصبر:
الصبر على المصيبة: كالمذكورات في قوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (البقرة:155)، ومن ذلك الصبر على الحكام المعطلين أحكام الشريعة.
__________
(1) انظر: لسان العرب لابن منظور 5/267، ومختار الصحاح للرازي، ص 354.
(2) الصبر في القرآن الكريم للقرضاوي، ص 3.
(3) سنن الترمذي ك37 (الزهد)، ب56 (ما جاء في الصبر على البلاء) 5/519، ح (2396)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.(1/36)
الصبر على النعمة: أي أن يصبر المسلم على نعم الله التي أنعمها الله عليه فيستخدمها في الحلال دون الحرام كنعمة المال يخرج زكاته ويتصدق على الفقراء والمحتاجين ويصل الأرحام وينصر الإسلام والمسلمين، ولا يستغله في الحرام كالزنى أو السكر أو الميسر قال تعالى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } (الأنبياء: 35).
ج- الصبر على أوامر الله: أي يصبر المسلم على ما أمره الله من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد في سبيل الله ونصرة الإسلام والمسلمين والدعوة إلى الله، ومن ذلك: توعية الناس بوجوب تحكيم الشريعة... إلخ فلا يقصر في شيء من ذلك.
د- الصبر على نواهي الله: أي أن يصبر المسلم على ما نهاه الله عنه فلا يسرق ولا يسكر ولا يزني ولا يقتل ولا يتكبر ولا يكذب ولا يغش ولا يعق ولا يأكل أموال الناس بالباطل.... إلخ فلا يفعل شيئاً من ذلك.
…قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } (النساء: 59)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) (1).
ثالثاُ: ثمرات الصبر وأثره على الحاكمية:
أ- ثمرات الصبر:
للصبر ثمرات في الدنيا والآخرة يمكننا أن نلخص أهمها فيما يلي:
__________
(1) صحيح مسلم، ك43 (الفضائل)، ب 37 (توقيره - صلى الله عليه وسلم -...) 4/1830، ح (1337).(1/37)
التبشير والرحمة والهداية: قال تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون } (البقرة:155-157)، قال الصابوني: أي الصابرون الموصوفون بما ذكر في الآيات لهم البشرى بجنات النعيم، ولهم ثناء وتمجيد ورحمة من الله، وهم المهتدون إلى طريق السعادة، وقوله (ربهم) لإظهار مزيد العناية بهم، وقوله (هم المهتدون) صيغة قصر وهو من نوع قصر الصفة على الموصوف (1) وهاتان صورتان بلاغيتان جميلتان.
الفلاح: قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران:200)، قال المفسرون: فقوله: (لعلكم تفلحون) أي: لعلكم تفوزون بسعادة الدارين، أما في الآخرة بالفوز بالجنة والنجاة من النار، وأما في الدنيا (2) فبخيرها ومن ذلك التمكين لشريعة الله، وعبر بالمضارع ليدل على الاستمرارية في هذا الفلاح.
__________
(1) صفوة التفاسير للصابوني بتصرف 1/107، وانظر: جامع البيان للطبري 2/42، 43.
(2) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/447، ط "دار المعرفة، وتفسير الجلالين للمحلي والسيوطي ص: 4، وصفوة التفاسير للصابوني 1/254.(1/38)
معية الله ومحبته: قال تعالى: { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } (آل عمران: 146)، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (البقرة:153)، ومعنى الآية: "أي استعينوا على أمور دنياكم وآخرتكم بالصبر والصلاة، فبالصبر تنالون كل فضيلة، وبالصلاة تنهون عن كل رذيلة { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } أي معهم بالنصر والمعونة والحفظ والتأييد " (1)، ثم إن الله يحب الصابرين، فما ظن من يحبهم الله؟
رضا الله: قال - صلى الله عليه وسلم -: (...وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) (2).
الثواب بغير حساب: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (الزمر: 10)، أي: الصابرون يأخذون حسناتهم ودرجاتهم في الجنة بلا حساب، أي حسنات ودرجات كثيرة وعظيمة لا يعلمها إلا الله سبحانه.
ب- أثر الصبر على تحقيق الحاكمية:
…الصابر المحتسب المسترجع على ما ابتُلينا به من هؤلاء الحكام المعطلين لحاكمية الشريعة، والعامل على تغيير هذا المنكر الفاحش بكل الأساليب والوسائل لشرعية موعود من الله تعالى برضاه سبحانه وتوفيقه وتسديده وهدايته ومحبته ومعيته ورحمته ورحماته وتبشيره بالفلاح وبخير الدنيا والآخرة – كما سبق توضيحه في النقطة الماضية -.
…فالصبر إذن يساعد في الدعوة إلى الحاكمية، والمطالبة في تطبيقها واقعاً عملياً، والتخطيط والتنفيذ لإعادتها إلى واقع الحياة مرة أخرى.
__________
(1) صفوة التفاسير للصابوني 1/106، وانظر: جامع البيان للطبري 2/38.
(2) سبق تخريجه ص 30.(1/39)
…ذلك أن الصابر المحتسب المسترجع الهادئ المؤيد من الله أقرب وبكثير من تحقيق هدفه في نصرة الحاكمية من الجازع غير الصابر المضطرب المتسرع المتهور، قال تعالى: { إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً - إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً - وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً } (المعارج:19-21).
…قال القرطبي في تفسيره للآيات الكريمة: "والمعنى: أنه لا يصبر على خير ولا شر حتى يفعل فيهما ما لا ينبغي" (1)، وقال الصابوني: "قال المفسرون: الهلع شدة الحرص وقلة الصبر.... أي: إذا نزل به مكروه من فقر، أو مرض، أو خوف، كان مبالغاً في الجزع مكثراً منه، واستولى عليه اليأس والقنوط... وإذا أصابه خير من غنى وصحة وسعة رزق كان مبالغاً في المنع والإمساك" (2).
المطلب الثاني: نشر العلم والوعي:
…نقصد بذلك أن على العلماء والدعاة والوعاظ والخطباء والكتاب والصحفيين وعموم المسلمين وجوب وضرورة توعية الناس وتفهيمهم وجوب تحكيم شريعة الله المعطلة والمختطفة من قبل الطواغيت ويبينوا لهم ويعلموهم معناها، وحكمها الواجب، وأهميتها، وثمرات تطبيقها في الدنيا والآخرة،وآثار تعطيلها على الفرد والمجتمع والدولة دنيا وآخرة.
…وعليهم أن يستخدموا في ذلك كافة الأساليب والوسائل الشرعية المتاحة وبأحسن صورة وطريقة ليلاً ونهاراً، وسراً وعلناً ومن ذلك استخدام أساليب: تأليف الكتب، وكتابة المقالات، وإلقاء الخطب والمحاضرات، والدروس والمواعظ، والبرامج الموثقة، والمهرجانات... إلخ، ومن ذلك استخدام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية: كالكتب والصحف والمناشير والإذاعة والتلفاز والنت والكمبيوتر والهاتف.. إلخ.
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن 9/494، ط "دار الحديث".
(2) صفوة التفاسير 3/444-445، وانظر: التفسير المنير للزحيلي 29/121.(1/40)
…قال تعالى على لسان نوح – عليه السلام -: { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } (نوح:5)، وقال أيضاً: { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً - ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } (نوح:8،9)، وقال تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (النحل: 125).
…قال المفسرون: أي: ادع يا محمد الناس إلى دين الإسلام وشريعته القدسية بالأسلوب الحكيم، واللطف واللين، بما يؤثر فيهم وينجح، بالزجر والتأنيب والقسوة والشدة ومن ذلك المقالة المتضمنة للحجج القطعية المفيدة لليقين، والمقالة المشتملة على الموعظة الحسنة التي يستحسنها السامع وينتفع بها وجادل المخالفين بأحسن طرق المناظرة والمجادلة بالحجج والبراهين، وبالرفق واللين (1)، ومن المعلوم أن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمته داخلة فيه لأنه قدوتهم وأسوتهم ونورهم الذي يستنيرون به.
المطلب الثالث: الوحدة والتعاون والاعتصام:
أولاً: وجوب الوحدة:
…يجب على أفراد المجتمع الإسلامي من العلماء، والدعاة، والمجاهدين والمثقفين، والكتاب والصحفيين، والمفكرين وبقية المسلمين أغنياء وفقراء أقوياء وضعفاء... إلخ، أن يوحدوا مطلبهم وجهدهم في إعادة الحاكمية لله التي اختطفها الطواغيت وعطلوها.
__________
(1) انظر: فتح القدير للشوكاني 3/203، وصفوة التفاسير للصابوني 2/148.(1/41)
…قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } (الصف:4)، التفسير: إن خير ما يفسر ويوضح المراد بهذه الآية هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) (1)، وعلى المسلمين أن يحذروا التنازع والاختلاف لأنه يضيع الجهد ويضعف القوة ويؤدي إلى الفشل، قال تعالى: { وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم َاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (الأنفال: 46).
ثانياً: وجوب التعاون:
…يجب على أفراد المجتمع الإسلامي أن يتعاونوا في تحقيق هذا الهدف النبيل، قال تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (المائدة: 2)، و(البر): "اسم جامع لأنواع الخير والطاعات المقربة إلى الله تعالى" (2) بالقلب واللسان والجوارح كما دلت آية البقرة رقم (177).
…وقال - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً، ستره الله يوم القيامة) (3).
ثالثاً: وجوب الاعتصام بحبل الله:
…يجب أن تكون الوحدة والتعاون والاعتصام بين العاملين في الحقل الإسلامي لإعادة تحكيم الشريعة على أساس الإسلام، القرآن والسنة، طاعة الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وليس على أساس غير إسلامي كالعلمانية والوطنية والقومية والاشتراكية... إلخ.
__________
(1) صحيح مسلم ك45 (البر والصلة والآداب)، ب17 (تراحم المؤمنين) 4/1999 ح (2585).
(2) روح المعاني للألوسي 1/442، وانظر: في ظلال القرآن لسيد قطب 1/159.
(3) صحيح مسلم ك45 (البر والصلة والآداب)، ب 15 (تحريم الظلم) 4/1996، ح (2580).(1/42)
…قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } (آل عمران: 103)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ)(1). ومعنى الآية: أي: تمسكوا بدين الله الإسلام وبكتابه وسنة نبيه متحدين مجتمعين مؤتلفين غير متفرقين لأن الجماعة نجاة، والفرقة هلكة (2).
المطلب الرابع: التغيير والإصلاح:
أولاً: المراد بالتغيير والإصلاح:
…المراد بذلك: تغيير هذا المنكر المتمثل في تحكيم الجاهلية (أي كل ما يخالف الإسلام)، والإصلاح: وذلك بإحلال حاكمية الشريعة مكانه وبدلاً منه بعد تعطيلها وإهمالها.
…قال تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (المائدة:50)، قال تعالى: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (الحج:41).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (3).
__________
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، سبق تخريجه ص 8.
(2) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/519، وفتح القدير للشوكاني 1/367، وصفوة التفاسير للصابوني 1/220.
(3) صحيح مسلم، ك1(الإيمان)، ب20(بيان كون النهي عن المنكر...) 1/69، ح (49).(1/43)
وهل هناك منكر أكبر من منكر تعطيل حكم الله في الأرض، لا أكبر منه إلا الكفر والشرك البواح، وقد حذرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فقال: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبثت بالتي تليها، وأول نقضها الحكم وآخرها الصلاة) (1)، وعن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله) فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال... والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق" (2).
ويكفي الناس حجة عند الله أن ينقضوا بيعتهم للحاكم لتعطيله أحكام الشريعة الغراء ويجوز بل وربما يجب استخدام ما أمكن من الأساليب والوسائل الشرعية المتاحة الموافقة للكتاب والسنة غير المعارضة لهما لتحكيم الشريعة الإسلامية، قال تعالى: { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى } (البقرة: 120)، وقد سبق في المبحث الأول وغيره ذكر الآيات القرآنية الدالة على وجوب وفرضية تحكيم الشريعة، والقاعدة الشرعية تقول: ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب.
__________
(1) المستدرك للحاكم ك(الأحكام) 4/92، صححه الحاكم.
(2) صحيح البخاري مع الفتح، ك (الاعتصام بالكتاب والسنة) ب (الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) 13/218 وصحيح مسلم ك1 (الإيمان) ب8 (الأمر بقتال الناس...) 1/51، 52، ح (20)..(1/44)
وكل ذلك ما لم يترتب عليه مفسدة أكبر من مفسدة تعطيل الحاكمية، لأن القاعدة الشرعية تقول: درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
وقد روى الترمذي عن عائشة أنها قالت: (ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل) (1)، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة بعد فتح مكة: (لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم فإن قريشاً، حين بنت البيت استقصرت (2)، ولجعلت له خلفاً (3))(4)، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - درأ مفسدة ردة بعض أو كثير من حديثي العهد بالإسلام على مصلحة إكمال بناء الكعبة، لأن المفسدة هنا أكبر وأخطر بكثير من هذه المصلحة.
ثانياً: أساليب التغيير والإصلاح:
ومن هذه الأساليب الشرعية للتغيير والإصلاح ما يلي:
دعوة الحكام بالحسنى: أي ندعو الحاكم إلى تطبيق حكم الله بالحسنى والموعظة الحسنة، ونذكره بالله ونعمه عليه وبمآله إليه، ونرغبه بما عند الله من الجنة إن أقام حكم الله، ونحذره من عذاب الله بتعطيله لحكمه، نخلص له النصيحة ونأمره بالمعروف وننهاه عن المنكر بالكلام اللين، قال تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } (النحل: 125).
__________
(1) صحيح مسلم، ك 43 (الفضائل)، ب 20 (مباعدته للآثام...) 4/1813، ح (2327).
(2) استقصرت: أي قصرت في إتمام بناءها مثل بناء إبراهيم – عليه السلام – واقتصرت على هذا القدر.
(3) خلفاً: الخلف: الظاهر والمراد: باب من خلفها أو ظهرها، انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3/68.
(4) صحيح مسلم، ك15(الحج)، ب69 (نقض الكعبة وبنائها) 2/968، ح (1333).(1/45)
قال تعالى لموسى وهارون – عليهما السلام -: { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } (طه:43،44)، وقال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (آل عمران: 110) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) (1).
الدعاء للحكام: أي: ندعو الله مخلصين له الدين أن يهدي الحكام إلى تحكيم شريعة الله في الأرض، فلعل الله يستجيب للمخلصين منا.
قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } (البقرة: 186)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل) (2).
المشاركة في الانتخابات:أي: نشارك في الانتخابات وننتخب الفئة التي يثبت أنها تريد أن تحكم شريعة الله إن نجحت في الانتخابات ووصلت إلى الحكم.
قال تعالى: { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر } (الأنفال: 72)، وقال عن الأنصار الذين نصروا إخوانهم المهاجرين { وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } (الأنفال: 72)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً، قال: تأخذ فوق يديه) (3)، أي: تمنعه من الظلم.
الخاتمة
…وتشتمل على أهم النتائج التي توصل إليها الباحثان، إضافة إلى توصياتهم، وتفصل ذلك كما يلي:
__________
(1) صحيح مسلم، ك1(الإيمان)، ب23(بيان أن الدين النصيحة) 1/74، ح (55).
(2) صحيح مسلم، ك48 (الذكر والدعاء...)، ب23(فضل الدعاء للمسلمين...) 4/2094، ح (2732).
(3) صحيح البخاري مع الفتح، ك(المظالم)، ب(أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً) 5/74.(1/46)
أولاً: أهم النتائج:
الحاكمية لله تعني اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - والحكم بما أنزل الله والسير على هداه وإذا عدلت الدولة عن شرع الله عز وجل إلى الحكم بقوانين وضعية مخالفة دين الله، فإنها تفقد شرعية بقائها وعندئذٍ يجب على المسلمين الخروج عليها.
يجب على المسلمين عامةً وأمرائهم وحكامهم خاصة أن يتقوا الله ويحكموا بشريعته في كل شئون حياتهم، وأنه لن تصلح أحوالهم، ويرفع تسلط الأعداء عليهم سياسياً وفكرياً... الخ إلا إذا عادوا إلى الله واحتكموا إلى شريعته.
إن أعداءنا يمكرون بنا الليل والنهار ليبثوا شبهاتهم الماكرة لكي يحرفونا عن حقيقة الإسلام، وما كان لهذه الشبهات أن تثار لو أن الناس كانوا على فهم حقيقي لشريعة الإسلام.
من شروط صحة بيعة الإمام تحكيمه لشرع الله في الأرض ومن حق المسلمين على إمامهم أن يحكمهم بشرع الله، وعليهم أن ينقضوا بيعته إن عطل تحكيم الشريعة.
أهم أسباب تعطيل الحاكم لحكم الشريعة:
……أ- ضعف الإيمان والتقوى.
……ب- الجهل بوجوب تحكيم الشريعة.
……ج- خوف السلطان من تحكيم الشريعة.
د- خضوع السلطان للأعداء من الكفار والمنافقين لموافقته أهواءهم أو لطمعه في إغراءاتهم أو خوفه من تهديداتهم.
الحاكم المعطل لأحكام الشريعة يستخدم في ذلك كل الأساليب والوسائل الممكنة المتاحة لديه.
إن جهل بعض المسلمين بوجوب تحكيم الشريعة وعدم بذل جهدهم في ذلك بكافة الأساليب والوسائل يساعد في تعطيل تحكيم الشريعة.
إن تقصير بعض العلماء في تبليغ الناس فريضة تحكيم الشريعة يساعد في تعطيلها.
بعض العلماء يحجمون عن تبليغ وجوب تحكيم الشريعة لعدم دعوتهم إلى الإسلام بشموليته، أو إرضاءً للحكام رغبةً فيما عندهم أو رهبةً منهم.
الصبر يساعد في الدعوة إلى الحاكمية، والمطالبة بتطبيقها، والتخطيط لنصرتها والتنفيذ لإعادتها واقعاً عملياً في الحياة، وهذا بعكس الجزع.(1/47)
إن جميع عناصر المجتمع من العلماء والدعاة والخطباء والوعاظ والكتاب والصحفيين والمثقفين وعموم المسلمين لا يعيدوا تحكيم الشريعة إلا باتحادهم وتعاونهم واعتصامهم بحبل الله وبذلهم جهدهم في ذلك واستخدامهم كافة الأساليب والوسائل المشروعة المتاحة.
ثانياً: أهم التوصيات:
نوصي الباحثين المسلمين بضرورة تناول موضوع (تحكيم الشريعة) بالبحث والاستقصاء ونشر أبحاثهم في كافة أنحاء العالم الإسلامي.
نوصي جميع أفراد المجتمع الإسلامي كلٌ حسب موقعه ووظيفته وعمله ورتبته... الخ بضرورة بذل الجهد الأكبر وبكل الأساليب والوسائل المشروعة للعمل على إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية التي تحكم بشرع الله عز وجل في جميع جوانب الحياة السياسية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية... الخ.
نوصي جميع أفراد الأمة الإسلامية بضرورة تغيير هذا المنكر الكبير المتمثل في تعطيل تحكيم الشريعة، وإحلال حكم الله في الأرض ليتحقق في المجتمع كل معاني الأمن والسلام والاستقرار والبناء الحضاري.
فهرس المصادر والمراجع
الإسلام لسعيد حوى، مراجعة أ. وهبي سليمان الفاوجي، ط1 (1389هـ-1970م).
أعلام الموقعين لابن القيم، الطبعة الأولى (1374هـ-1955م).
أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ط3، (1418هـ-1997م)، مكتبة العلوم والحكم.
الإيمان أركانه حقيقته نواقضه لمحمد نعيم ياسين، ط: 3 (1402هـ-1982م).
البداية والنهاية للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير، دار الفكر – بيروت ط(1398هـ - 1978م).
التسهيل لعلوم التنزيل لمحمد بن أحمد بن جزى الكلبي، دار الفكر.
التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، عبدالقادر عودة.
تفسير الإمامين الجليلين لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، مطبعة الأنوار المحمدية – القاهرة.
تفسير الشعراوي، الشيخ محمد متولي الشعراوي، طبعة أخبار اليوم.(1/48)
تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير، دار المعرفة – بيروت لبنان، ط(1388هـ - 1969م) وطبعة 1 (1413هـ-1995م)، دار الفيحاء.
التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر المعاصر – لبنان، ودار الفكر – سوريا.
تفسير محاسن التأويل للقاسمي، ط1 (1398هـ-1978م)، دار الفكر.
تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم، سميح عاطف الزين، ط2 (1404هـ-1984م).
جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، مطبعة الحلبي – مصر – ط3(1388هـ - 1968م).
الجامع لأحكام القرآن لأبي عبدالله محمد بن احمد القرطبي، تحقيق: محمد الحفناوي ومحمد عثمان، دار الحديث – القاهرة، ط(1423هـ - 2002م) وطبعة (1413هـ-1993م)، دار الكتب العلمية، وطبعة دار الفكر.
الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، محمد أبو زهرة، دار الكتب العلمية.
الدر المنثور في التفسير المأثور للإمام عبدالرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي ط (دار الفكر).
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للعلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي، ط1 (1415هـ-1994م)، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
رياض الصالحين لأبي زكريا يحيى النووي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – مؤسسة الرسالة، ط5(1406هـ - 1986م).
زاد المسير في علم التفسير، جمال الدين الجوزي، ط1 (1407هـ-1987م)، دار الفكر.
سنن أبي داود للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، الأزدي، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، ط (دار الفكر).
سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن سورة، دار الحديث – الأزهر – القاهرة، ط1(1408هـ - 1987م).
السيرة النبوية لأبي محمد عبدالملك بن هشام، دار الفكر – القاهرة.
شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي لأتور الجندي ط (1398هـ-1978م)، المكتب الإسلامي.
شبهات حول الإسلام لمحمد قطب، ط10 (1402هـ) دار الشروق.(1/49)
الصبر في القرآن الكريم، د. يوسف القرضاوي، ط: دار المعرفة.
صحيح مسلم للإمام أبي الحسين النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي.
صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني، دار القرآن الكريم – بيروت، ط4 (1402هـ - 1981م).
فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، دار إحياء التراث العربي – بيروت ط2 سنة 1402هـ.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي الشوكاني، دار الفكر – بيروت – لبنان ط(1403هـ - 1983م).
في ظلال القرآن لسيد قطب، دار الشروق، ط8(1399هـ - 1979م).
لسان العرب للإمام العلامة ابن منظور، ط (دار الحديث – القاهرة).
مجموع الفتاوى، شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب عبدالرحمن النجدي.
مختار الصحاح للإمام محمد بن أبي بكر الرازي ط (1393هـ-1973م) دار الفكر بيروت، لبنان.
المدخل الفقهي العام إلى الحقوق المدنية، مطصفى الزرقا.
مذكرات في نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية لعمر شريف ط (1399هـ-1979م) مطبعة السعادة.
المستدرك على الصحيحين في الحديث للحافظ الحاكم أبي عبدالله النيسابوري، دار الفكر – بيروت ط(1398هـ - 1978م).
المسلمون في معركة البقاء، د. عبدالحليم عويس، ط1 (1399هـ-1979م).
المعجم الكبير لسليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي السلفي، مكتبة العلوم والحكم الموصل، ط2 (1404هـ-1983م).
المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تحقيق محمد كيلاني، ط البابي الحلبي.
موقع الإنترنت www.alokab.com.
النظام السياسي في الإسلام، محمد عبدالقادر أبو فارس، ط 1980م، بدون ناشر.
نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، أبو الأعلى المودودي، مؤسسة الرسالة.
النظم الإسلامية، د. أحمد دياب شويدح وآخرون، ط4، (1419هـ-1999).
النهاية في غريب الحديث والأثر للإمام مجد الدين بن محمد الجزري، دار الفكر – بيروت – ط2 (1399هـ - 1979م).(1/50)