...
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فإن نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم يترك خيرًا إلا دلنا عليه وأرشدنا إليه ولا شرًا إلا نهى عنه وحذرنا منه، ولما كان اللباس والأكل والشرب من ضروريات الحياة وملازمة الإنسان طول حياته فقد بين لنا أحكامها وآدابها أتم بيان وأوضحه وقال الله عز وجل: { يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى } [سورة الأعراف: آية26].(1/1)
فامتن على عباده بهذا اللباس الذي يستر العورات ويُتجمل به. ثم امتن عليهم بالتوفيق للباس المعنوي الذي يبقى مع الإنسان ويسعد به في الآخرة وهو لباس التقوى. الإيمان الصادق والعمل الصالح وطاعة الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فهو خير من اللباس الحسي وأبقى منه. وقال عز وجل: { يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [سورة الأعراف: آية31] فأمر بأخذ الزينة والتجمل عند كل صلاة وأمر بالأكل والشرب اللذين بهما قوام، البدن ولهذا قال بعض السلف إن الله جمع الطب كله في نصف آية فقال (ونهى عن الإسراف فيهما الذي فيه مضرة البدن وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) وأحكام وآداب اللباس والأكل والشرب موجودة في كتب التفسير والحديث والفقه. ولما كان كثير من الناس قد يجهل هذه الأحكام والآداب ولا يطبقها، رأيت من واجبي جمعها في رسالة مستقلة، وإتحاف أحبابي من المسلمين والمسلمات بها وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكلام المحققين من أهل العلم وقد نسبت كل قول إلى قائله وذكرت المراجع والفهرس في آخر الرسالة أسأل الله تعالى أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو قرأها أو سمعها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المؤلف 12/11/ 1410هـ
كتاب اللباس
قال الله تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } سورة الحشر.
باب استحباب الثوب الأبيض
وجواز الأحمر والأخضر والأصفر
والأسود وجوازه من قطن وكتان
وشعر وصوف وغيرها إلا الحرير(1/2)
قال تعالى: { يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } [سورة الأعراف: 26] وقال تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُم } (1) [سورة النحل: 81].
1 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم» رواهُ أبو داود والترمذي (2) وقال: حديث حسن صحيح.
2 - وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «البسوا البياض؛ فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم» رواه النسائي، والحاكم (3) وقال: حديث صحيح.
3 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مربوعًا (4) ولقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئًا قط أحسن منه. متفق عليه (5) .
__________
(1)
( ) السرابيل: القمص. والبأس: الحرب* أي: يستر عوراتكم «وريشا»: ما يتجمل به من الثياب.
(2) أبو داود (3878)، والترمذي (994) وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1439).
(3) النسائي (8/205) والحاكم (4/185) وأخرجه الترمذي (2811) وصححه هو والحاكم. ووافق الأخير الذهبي وهو كما قالوا.
(4) مربوعًا: لم يكن طويلاً ولا قصيرًا، وكان إلى الطول أقرب. و«الحلة» ثوب له ظهارة وبطانة من جنس واحد.
(5) البخاري (10/258)، ومسلم (23337) وأخرجه أبو داود (4072) والترمذي (1724)، والنسائي (8/203).(1/3)
4 - وعن أبي جحيفة وهب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وهو بالأبطح (1) في قبة له حمراء من أدم، فخرج بلال بوَضوئه، فمن ناضح ونائل، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه حلة حمراء، كأنِّي أنظر إلى بياض ساقيه، فتوضأ وأذَّن بلال، فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا، يقول يمينًا وشمالاً: حي على الصلاة، حي على الفلاح، ثم ركزت (2) له عنزة فتقدَّم فصلى يمر بين يديه الكلب والحمار لا يمنع. متفق عليه (3) .
العنزة بفتح النون: نحو العكازة.
5 - وعن أبي رمثة رفاعة التيمي - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوبان أخضران. رواه أبو داود والترمذي (4) بإسناد
صحيح.
6 - وعن جابر - رضي الله عنه - ، أن رسول - صلى الله عليه وسلم - : دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء. رواه مسلم (5) .
7 - وعن أبي سعيد عمرو بن حريث - رضي الله عنه - قال: كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها بين كتفيه. رواه مسلم (6) .
وفي رواية له: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس، وعليه عمامة سوداء.
8 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كُفِّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة. متفق عليه (7) .
__________
(1) «الأبطح» - وهو المُحَصَّب -: براح من الأرض بينه وبين منى قدر ميل. و«القُبَّة» الخيمة. «ولأدَم» بفتح الهمزة والدال المهملة: جمع أديم: الجلد المدبوغ، و«الوضوء» بفتح الواو: الماء المعد للوضوء.
(2) أي: غرزت.
(3) البخاري (1/408، 409) ومسلم (503).
(4) أبو داود (4065)، والترمذي (2813) وأخرجه النسائي (8/204) وسنده صحيح.
(5) مسلم (1358).
(6) مسلم (1359) و(453).
(7) البخاري (3/ 112)، ومسلم (941)، وأخرجه أحمد (6/40 و 93 و118).(1/4)
«السحولية» بفتح السين وضمها وضم الحاء المهملتين: ثياب تنسب إلى سحول: قرية باليمن. «والكرسف» القطن.
9- وعنها قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة، وعليه مرطٌ مرحل من شعر أسود. رواه مسلم (1) .
«المرط» بكسر الميم: وهو كساء «والمرحل» بالحاء المهملة هو الذي فيه صورة رحال الإبل، وهي الأكوار (2) .
10- وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة في مسير، فقال لي: «أمعك ماء؟» قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى (3) ، في سواد الليل ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعية ومسح برأسه، ثم أهويت (4) لأنزع خفيه فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» ومسح عليهما. متفق عليه (5) .
وفي رواية: وعليه جبة شامية ضيقة الكمين.
وفي رواية: أن هذه القضية كانت في غزوة تبوك.
باب استحباب القميص
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان أحب الثياب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القميص. رواه أبو داود، والترمذي (6) ، وقال: حديث حسن.
باب صفة طول القميص والكم والإزار
وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء من ذلك على سبيل الخيلاء.
وكراهته من غير خيلاء:
__________
(1) مسلم (2081)، وأخرجه أحمد (6/162).
(2) الأكوار: جمع كور، وهو الرحل بأداته.
(3) أي: غاب عن رؤية البصر. «والإداوة» بكسر الهمزة وبالدال المهملة: المطهرة.
(4) أي: مددت يدي.
(5) البخاري (10/228)، ومسلم (274) (77) و(79).
(6) أبو داود (4025)، والترمذي (1762) وهو حسن.(1/5)
1 - عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها قالت: كان كم قميص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرسغ (1) ، رواه أبو داود والترمذي (2) وقال: حديث حسن.
2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» فقال أبو بكر: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنك لست ممن يفعله خيلاء».
رواه البخاري، وروى مسلم (3) بعضه.
3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا» (4) – متفق عليه (5) .
4 - وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» (6) رواه البخاري (7) .
__________
(1) «الرسُغ» بضم فسكون أو ضمتين: المفصل بين الساعد والكف.
(2) أبو داود (4027) والترمذي (1765) وقد تقدم وهو ضعيف.
(3) البخاري (10/217) ومسلم (2085)، وأخرجه أبو داود (4085) والنسائي (8/206).
(4) أي عجبًا وخيلاء.
(5) البخاري (10/219)، ومسلم (287)، وأخرجه مالك (2/914).
(6) قال الخطابي: يريد - صلى الله عليه وسلم - أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار، فكنَّى بالثوب عن لابسه، ومعناه: أن ما دون الكعب من القدم يعذب عقوبة.
(7) البخاري (10/218)، وأخرجه النسائي (8/207).(1/6)
5 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم» قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات. قال أبو ذر: خابوا وخسروا! من هم يا رسول الله؟ قال: «المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» رواه مسلم (1) .
وفي رواية له: «المسبل إزاره» (2) .
6 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة؛ من جرَّ شيئًا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» رواه أبو داود، والنسائي (3) بإسنادٍٍ صحيح.
__________
(1) المُسبل: أي: المرخي لثوبه خيلاء، والمنان: الذي يذكر إحسانه ممتنًا به على المحسن إليه.
(2) مسلم (106).
(3) أبو داود (4094)، والنسائي (8/208) وهو صحيح.(1/7)
7 - وعن أبي جُرَي جابر بن سليم - رضي الله عنه - قال: رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئًا إلا صدروا عنه؛ قلت: من هذا؟ قالوا: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: عليك السلام يا رسول الله – مرتين – قال: «لا تقل عليك السلام، عليك السلام تحية الموتى (1)
__________
(1) قال ابن القيم: في «مختصر» السنن (6/49): الدعاء بالسلام دعاء بخير، والأحسن في دعاء الخير أن يقدم الدعاء على المدعو له كقوله تعالى: { رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } وقوله: { وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ } ، وقوله: { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ } ، وأما الدعاء بالشر فيقدم المدعو عليه على الدعاء غالبًا كقوله تعالى لإبليس: { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } ، وقوله: { وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ } وقوله: { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ } وقوله: { وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } وإنَّما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك إشارة إلى ما جرت منهم في تحية الأموات، إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء، وهو مذكور في أشعارهم كقوله عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما.
وكقول الشماخ:
عليك سلامٌ من أديم وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق
وليس مراده أن السنة في تحية الميت أن يقال له: عليك السلام، كيف وقد ثبت في «الصحيح» عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه دخل المقبرة، فقال: «السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين» فقدم الدعاء على اسم المدعو كهو في تحية الأحياء، فالسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات.(1/8)
– قل: السلام عليك» قال: قلت: أنت رسول الله؟ قال: «أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإذا أصابك عام سنة (1) – فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة، فضلَّت راحلتك، فدعوته ردَّها عليك» قال: قلت: اعهد إلي (2) . قال: «لا تسبن أحدًا» قال: فما سببت بعده حرًا، ولا عبدًا، ولا بعيرًا، ولا شاة «ولا تحقرن من المعروف شيئًا، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك؛ إن ذلك من المعروف. وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة (3) وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه؛ فإنما وبال ذلك عليه» رواه أبو داود والترمذي (4) .
بإسناد صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
8- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما رجل يصلي مسبلٌ إزاره، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ فقال: اذهب فتوضأ» فقال له رجل: يا رسول الله، مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه؟ قال: «إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل».
رواه أبو داود (5) بإسناد صحيح على شرط مسلم.
__________
(1) السنة: القحط العام الذي لم تنبت الأرض فيه شيئًا. والقفر: الأرض التي لا ماء بها ولا ناس والفلاة: الأرض التي لا ماء فيها.
(2) أي: أوص لي.
(3) «المخيلة» بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة؛ الاختيال والكبر.
(4) أبو داود (4084) والسياق له، والترمذي (2722) مختصرًا، وأخرجه أحمد (5/63 و 64) وإسناده صحيح.
(5) أبو داود (638) و(4086) قال المنذري: وفي سنده أبو جعفر رجل من أهل المدينة لا يعرف اسمه، وأخرج أبو داود (637) من حديث ابن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أسبل إزاره في صلاته خيلاء، فليس من الله في حل ولا حرام» وسنده صحيح.(1/9)
9- وعن قيس بن بشر التغلبي قال: أخبرني أبي – وكان جليسًا لأبي الدرداء – قال: كان بدمشق رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له سهل بن الحنظلية، وكان رجلاً متوحدًا (1) قلما يجالس الناس. إنما هو صلاة، فإذا فرغ فإنما هو تسبيح وتكبير حتى يأتي أهله. فمر بنا ونحن عند أبي الدرداء. فقال له أبو الدرداء: كلمة (2) تنفعنا ولا تضرك. قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فقدمت فجاء رجل منهم فجلس في المجلس الذي يجلس فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لرجل إلى جنبه: لو رأيتنا حين التقينا نحن والعدو. فحمل فلان وطعن، فقال: خذها مني، وأنا الغلام الغفاري، كيف ترى في قوله؟ قال: ما أراه (3) إلا قد بطل أجره. فسمع بذلك آخر فقال: ما أرى بذلك بأسًا، فتنازعا حتى سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «سبحان الله؟ لا بأس أن يؤجر ويحمد» فرأيت أبا الدرداء سُرَّ بذلك، وجعل يرفع رأسه إليه ويقول: أنت سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟! فيقول: نعم. فما زال يعيد عليه حتى إني لأقول ليبركن على ركبتيه.
قال: فمرَّ بنا يومًا آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المنفق على الخيل (4) كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها».
__________
(1) أي: يحب التوحد والانفراد عن الناس، وقوله: «إنما هو صلاة» أي: ذو صلاة. وكذا: فإنما هو تسبيح وتكبير».
(2) أي: قل لنا كلمة.
(3) أي: ما أظنه.
(4) أي: في رعيها وسقيها وعلفها ونحو ذلك. والمراد: الخيل المعدة للجهاد في سبيل الله تعالى.(1/10)
ثم مر بنا يومًا آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «نعم الرجل خريم الأسدي! لولا طول جمته (1) وإسبال إزاره!» فبلغ خريمًا، فعَجَّل، فأخذ شفرة فقطع به جمته إلى أذنيه، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه.
ثم مر بنا يومًا آخر فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش».
رواه أبو داود (2) بإسناد حسن، إلاَّ قيس بن بشر، فاختلفوا في توثيقه وتضعيفه، وقد روى له مسلم.
10- وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج – أو لا جناح فيما بينه وبين الكعبين، فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ومن جر إزاره بطرًا لم ينظر الله إليه».
رواه أبو داود (3) بإسناد صحيح.
11 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي إزاري استرخاء، فقال: «يا عبد الله، ارفع إزارك» فرفعته ثم قال: «زد» فزدت، فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: إلى أنصاف الساقين. رواه مسلم (4) .
__________
(1) «الجُمَّة» بضم الجيم وتشديد الميم: هي الشعر إذا طال حتى بلغ المنكبين وسقط عليهما.
(2) أبو داود (4089)، وأخرجه أحمد (4/ 179، 180) وسنده قابل للتحسين، وصححه الحاكم (4/183)، ووافقه الذهبي.
(3) أبو داود (4093) وأخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 914، 915) وابن ماجه (3573) وسنده صحيح كما قال المصنف رحمه الله.
(4) مسلم (2086).(1/11)
12 - وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن، قال: «يرخين شبرًا» قالت: إذًا تنكشف أقدامهن. قال: «فيرخينه ذراعًا لا يزدن».
رواه أبو داود، والترمذي (1) وقال: حديث حسن صحيح.
باب استحباب ترك الترفع
في اللباس تواضعًا
قال النووي قد سبق في باب فضل الجوع وخشونة العيش جمل تتعلق بهذا الباب.
وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ترك اللباس تواضعًا لله، وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها» رواه الترمذي (2) وقال: حديث حسن.
باب استحباب التوسط في اللباس
ولا يقتصر على ما يزرى به لغير حاجة ولا مقصود شرعي.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده». رواه الترمذي (3) وقال: حديث حسن.
باب تحريم لباس الحرير على الرجال
وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه
وجواز لبسه للنساء
__________
(1) أبو داود (4119)، والترمذي (1736)، وأخرجه النسائي (8/209) وإسناده صحيح.
(2) الترمذي (2483) وسنده حسن، وأخرجه أحمد (3/438 و439) وصححه الحاكم (4/183، 184).
(3) الترمذي (2820) وسنده حسن، وفي الباب عن أبي الأحوض أن أباه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أشعث سيئ الهيئة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أما لك مال؟» قال: من كل المال قد آتاني الله عز وجل: قال فإن الله عز وجل: «إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن ترى عليه». أخرجه أحمد (3/473 و 474) والنسائي (8/ 196) وسنده قوي.(1/12)
1 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» متفق عليه (1) .
2 - وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما يلبس الحرير من لا خلاق له» متفق عليه (2) .
وفي رواية للبخاري: «من لا خلاق له في الآخرة».
قوله: «من لا خلاق له»، أي: لا نصيب له.
3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
«من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» متفق عليه (3) .
4 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرًا، فجعله في يمينه، وذهبًا فجعله في شماله، ثم قال: «إن هذين حرام على ذكور أمتي».
رواه أبو داود (4) بإسناد حسن.
5 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «حُرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم» رواه الترمذي (5) وقال حديث حسن صحيح.
6 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه. رواه البخاري (6) .
باب جواز لبس الحرير لمن به حكة
__________
(1) البخاري (10/243)، ومسلم (2069) (11)، وأخرجه الترمذي (2818)، والنسائي (8/200).
(2) البخاري (10/244)، ومسلم (2068)، وأخرجه النسائي (18/ 201).
(3) البخاري (10/242)، ومسلم (2073).
(4) أبو داود (4057)، وأخرجه النسائي (8/ 160) وابن حبان (1465) وهو حديث صحيح بشواهد، ومنها حديث أبي موسى الآتي، وانظر بقيمتها في «نصب الراية» (4/223، 225).
(5) الترمذي (1720)، وأخرجه النسائي (8/ 161).
(6) البخاري (10/ 246).(1/13)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: رخص رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - ، للزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكة بهما. متفق عليه (1) .
باب النهي عن افتراش جلود
النمور والركوب عليها
1 - عن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تركبوا الخزَّ ولا النمار».
حديث حسن، رواه أبو داود (2) وغيره بإسناد حسن.
2 - وعن أبي المليح عن أبيه، - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن جلود السباع.
رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي (3) بأسانيد صحاح وفي رواية الترمذي (نهى عن جلود السباع أن تفترش).
باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدًا
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استجد ثوبًا سماه باسمه – عمامة، أو قميصًا، أو رداء – يقول: «اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له».
رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن (4) (5) .
من آداب اللباس
__________
(1) البخاري (1/249)، ومسلم (2076)، وأخرجه الترمذي (1722)، وأبو داود (4056).
(2) أبو داود (4129)، وأخرجه ابن ماجه (3656) وسنده قوي.
(3) أبو داود (4132) والترمذي (1771) والنسائي (7/ 176) واختلف في وصله وإرساله، وقال الترمذي: والمرسل أصح.
(4) أبو داود (4020) والترمذي (1767) وأخرجه أحمد (3/30 و50) وهو حسن.
(5) رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - بتحقيق شعيب الأرنؤوط ص (352).(1/14)
المسلم يرى أن اللباس قد أمر الله تعالى به في قوله: { يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } (1) . وامتن به في قوله: { يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } (2) ، وفي قوله: { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ } (3) . وفي قوله { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } (4) . وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر به في قوله: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا نحيلة» أخرجه أبو داود وأحمد وعلقه البخاري. كما قد بين - صلى الله عليه وسلم - وسلم ما يجوز مه، وما لا يجوز، وما يستحب لبسه، وما يكره، فلهذا كان على المسلم أن يلتزم في لباسه بالآداب التالية:
1 – أن لا يلبس الحرير مطلقًا، سواء كان في ثوب أو عمامة أو غيرهما لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» (5) . وقوله وقد أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وذهبًا فجعله في شماله: «إن هذين حرام على ذكور أمتي» (6) . وقوله: وحرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحلَّ لنسائهم» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
__________
(1) سورة الأعراف: 26.
(2) سورة الأعراف: 31.
(3) سورة النحل: 17.
(4) سورة الأنبياء: 80
(5) متفق عليهما.
(6) متفق عليهما.(1/15)
2 – أن لا يطيل ثوبه، أو سرواله، أو برنسه أو رداءه إلى أن يتجاوز كعبيه لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار. رواه أحمد والبخاري وقوله: «الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئًا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وقوله: «لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء» (1) .
3 – أن يؤثر لباس الأبيض على غيره، وأن يرى لباس كل لون جائزًا لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم» (2) . ولقول البراء بن عازب
- رضي الله عنه - : «كان رسول الله عليه الصلاة والسلام مربوعًا، ولقد رأيته في حلَّة حمراء ما رأيت شيئًا قط أحسن منه» (3) . ولما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - من أنه لبس الثوب الأخضر، واعتم بالعمامة السوداء.
__________
(1) أبو داود بإسناد حسن
(2) النسائي والحاكم وصححه.
(3) البخاري.(1/16)
4 – أن تطيل المسلمة لباسها إلى أن يستر قدميها، وأن تسبل خمارها على رأسها فتستر عنقها ونحرها وصدرها لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ } (1) . وقوله تعالى: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } (2) ولقول عائشة رضي الله عنها: «يرحم الله نساء المهاجرات الأوُل لمَّا أنزل الله: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } شققن أكثف مروطهن فاختمرن بها» (3) . ولقول أم سلمة رضي الله عنها: «لما نزلت: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ } خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية» رواه أبو داود وغيره.
5 – أن لا يتختم بخاتم الذهب لقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الذهب والحرير: «إن هذين حرام على ذكور أمتي» ولقوله: «حَرُم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأُحل لنسائهم» وقوله وقد رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده. فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذ خاتمك انتفع به، فقال: لا، والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » (4) .
6 – لا بأس للمسلم أن يتختم بخاتم الفضة أو ينقش في فصه اسمه ويتخذه طابعًا يطبع به رسائله وكتاباته، ويوقع به الصكوك وغيرها: «لاتخاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا من فضة نقشه: (محمد رسول الله) وكان يجعله في الخنصر من يده اليسرى».
__________
(1) سورة الأحزاب: 59.
(2) سورة النور: 31.
(3) البخاري.
(4) مسلم.(1/17)
ولقول أنس - رضي الله عنه - : «كان خاتم النبي عليه الصلاة والسلام في هذه – وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى» (1) .
7 – أن لا يشتمل الصماء وهي أن يلف الثوب على جسمه، لا يترك مخرجًا منه ليديه لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، وأن لا يمشي في نعل واحدة لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ليُحفهما، أو لينعلهما جميعًا» (2) .
8 – أن لا يلبس المسلم لبسة المسلمة، ولا المسلمة لبسة الرجل لتحريم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: «لعن الله المخنثين من الرجل والمترجلات من النساء» (3) . وقوله: «لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل»، كما لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال (4) .
9 – إذا انتعل بدأ باليمين، وإذا نزع بدأ بالشمال لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا نزع فليبدأ بالشمال لتكون اليمنى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع» (5) .
10 – أن يبدأ في لبس ثوبه باليمين لقولة عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب التيمن في شأنه كله في تنعله، وترجله، وطهوره» (6) .
11 – أن يقول إذا لبس ثوبًا جديدًا، أو عمامة أو أي ملبوس جديد: «اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره، وشر ما صنع له»، لورود ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - (7) .
12 – أن يدعو لأخيه المسلم إذا رآه لبس جديدًا يقول له: [أبل وأخلق] لدعائه - صلى الله عليه وسلم - بذلك لأم خالد لما لبست جديدًا (8) .
حكم إسبال الثياب للرجال
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار» رواه البخاري.
__________
(1) مسلم.
(2) مسلم.
(3) مسلم,
(4) مسلم.
(5) البخاري
(6) البخاري.
(7) أبو داود والترمذي وحسنه.
(8) منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري ص (141 – 143).(1/18)
وقال عليه الصلاة والسلام «لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا» وفي رواية: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرَّ ثوبه خيلاء» رواه مالك والبخاري ومسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، والمسبل هو الذي يسبل ثوبه أو إزاره أو سراويله فيطيلها حتى تكون أسفل من الكعبين، والمنان – هو الذي يمن بما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب – البائع الذي يروج بضاعته بالحلف الكاذب فيحلف أنه اشترى السلعة بكذا أو أنها سيمت بكذا أو أنه باع بكذا وهو كاذب من أجل ترويج سلعته.
وفي الحديث أيضا «بينما رجل يمشي في حلَّة تعجبه نفسه مرجلاً رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» متفق عليه وقال - صلى الله عليه وسلم - : «الإسبال في الإزار والقميص والعمامة» من جر شيئًا منها خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إزرة المؤمن إلى نصف ساقيه ولا حرج فيما بينه وبين الكعبين وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار» رواه أبو داود بإسناد صحيح.(1/19)
وهذه الأحاديث عامة في الثياب والسراويل وغيرها من اللباس وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل – رواه أبو داود بإسناد صحيح ولما تقدم من الأحاديث النبوية الشريفة فإن إسبال الثياب أسفل من الكعبين يعتبر حرامًا وكبيرة من كبائر الذنوب متوعد عليه بالنار وتقصير الثياب فوق الكعبين أنظف لها وأنقى لها من الأوساخ وأتقى لله تعالى لذا يجب عليك يا أخي المسلم أن تقصر ملابسك فوق الكعبين طاعة لله تعالى ورسوله وخوفًا من عقاب الله ورجاء لثوابه ولتكون قدوة حسنة للآخرين فتب إلى الله تعالى توبة نصوحًا بلزوم طاعة الله تعالى والندم على ما حصل منك من تقصير في طاعة الله والعزم على عدم العودة إلى معصية الله في المستقبل فإن الله يتوب على من تاب ويغفر لمن استغفر وهو التواب الرحيم اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم وفقنا وسائر إخواننا المسلمين لما تحب وترضى، إنك على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من أحكام اللباس (1)
قال الله تعالى: { يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون } (2) يروي لنا أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» رواه البخاري «يلعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال» (3) .
الحمد لله رب العالمين , وأصلي وأسلم على خيرته من خلقه نبينا محمد وآله وصحبه.
__________
(1) للشيخ عبد الله بن علي الغضية
(2) سورة الأعراف: 26.
(3) كما في الحديث الذي رواه البخاري وغيره.(1/20)
أخي المسلم هل نظرت معي إلى أولئك الناس الذين أظهروا معصية رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث عصوه علنًا في ملابسهم ومشابهة ذكرهم أنثاهم، وبالعكس مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الرجل يتشبه بالمرأة والمرأة تشبه بالرجل (1) والتشبه يكون في اللباس وغيره مما هو من خصوصيات
الرجل التي لا تصلح إلاَّ له وللمرأة التي لا تصلح إلاَّ لها شرعًا، فالمرأة مثلاً يباح لها لبس الحرير والذهب وجر الثوب إلى ذراع للتستر ولإخفاء قدميها وزينتها.
لكن اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله انعكس الأمر وانتكس فالمرأة هي التي قصرت ثيابها وكشفت عن مفاتها والرجل حل محلها فأسبل ثيابه وستر قدميه فلا يظهر منه إلا الوجه وأطراف القدمين وقد قيل:
وما عجب أن النساء ترجلت ... لكن تأنيث الرجال عجيب
__________
(1) رواه البخاري وغيره.(1/21)
ومعلوم أن إسبال الثياب وجرها للرجل منهي عنه ومعدود عند أهل العلم من كبائر الذنوب. فيروى لنا أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» رواه البخاري. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات قال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» رواه مسلم وفي رواية له المسبل إزاره، وفي النسائي عن حذيفة - رضي الله عنه - قال قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة فإن أبيت فأسفل فإن أبيت فمن وراء الساق ولا حق للكعبين في الإزار، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرَّ إزاره بطرًا» رواه البخاري وغيره، والأحاديث كثيرة جدًا هذا طرف منها وكلها توحي إلى أن غضب الله ومقته ينصب على أولئك المعاندين الذين أبوا إلا أن يعصوا أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - : وإلا فأي فائدة في جر الثوب على الأرض الذي أصبح عادة عند كثير من الناس، مع ما فيه من الوعيد الشديد، ويكفي أن الله لا ينظر يوم القيامة إلى المسبلين ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.(1/22)
قد يحتج أحد المعاندين بسؤال أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عندما قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء» (1) فأنت ترى أن الصديق - رضي الله عنه - وهو الذي لا يخفى فضله ويكفيه فخرًا أن إيمانه يرجح بإيمان الأمة المحمدية ومع ذلك فقد خاف من عقاب الله عندما كان إزاره يسترخي في بعض الأحيان فيلامس الأرض دون قصد منه.
فهل هذا يصلح حجة لمن يقف أمام الخياط ويأخذ مقاسه.
ويوصيه أن يجعل الثوب طويلاً يلامس الأرض فهذا عاص على بصيرة وفعله هذا يجعله مصرًا على الذنب ومعلنا بفعله هذا على أنه عاص لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغير مهتم بأوامره. فمن كانت هذه حالته فسيجد أمامه عذاب الله ينتظره أعاذنا الله من العذاب ووفقنا جميعًا للصواب.
إلى الخياطين:
وأنتم معشر الخياطين عليكم كفل من الوزر والعذاب متى ساعدتم على معصية الله ورسوله واستجبتم لهؤلاء الناس الذين يطيلون ثيابهم فعليكم بتقوى الله وعدم مساعدة أحد على معصيته وما أسفل من الكعبين ففي النار.
الصور في الثياب:
يوجد بعض الملابس والمشالح وغيرها صور آدمية أو حيوانية ومعلوم أن تصوير ذوات الأرواح حرام وأن المصورين من أشد الناس عذابًا يوم القيامة كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذًا فلا يجوز للمسلم أن يشتري الملابس ذات الصور ويلبسها أطفاله أو يلبسها، وتشتد الحرمة ويعظم الذنب إذا صلى وعليه لباس فيه صورة إذ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غلظ في أمر الصور وأمر عائشة رضي الله عنها وقد سترت جانب بيتها بسترة فيها تصاوير فقال لها: «أميطي عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي» رواه البخاري، فإذا كان هذا أمره بإتلاف الصورة وهي على الجدار بعيدة عنه فكيف بمن يلبسها في ثوبه ويصلي فيه.
إلى التجار:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(1/23)
وأنتم معاشر التجار اتقوا الله لا تستوردوا الملابس المصورة فإن فعلتم عليكم كفل عظيم من غضب الله ولعنته للمصورين وكسبكم من الحرام حرام.
المسئولية العظمى على ولاة الأمر:
كما يلزم ولاة أمر المسلمين مساعدة الرعية على الخير وأطرهم على الحق ومنع كل ما هو ضار ومحرم فهذه الصور المجسدة وأدوات التصوير ولوازمه تباع في أسواق المسلمين علنًا حتى في أشرف بقاع الأرض تعرض هذه الصور فتجد أن معظم هدايا الحجاج والزوار لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشترون من جوار الحرمين هذه الصور المحرمة. فأرجوا الله أن يوفقنا جميعًا حكامًا ومحكومين على تغيير هذه المنكرات وأن تقوم رئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمسؤولياتها كاملة فعليها مسؤولية عظيمة أمام الله وأمام الحكومة والأمة التي قلدتها هذه المهمة العظيمة فيجب عليها ملاحظة هذه الشرور التي غزت مجتمعنا وأسواقنا مثل الملابس المصورة ولعب الأطفال، الصور منها وآلات التصوير وأجهزة السينما والفيديو وغيرها من الشرور والأفلام الجنسية فمهمة هيئات الأمر بالمعروف هي الأمر به والنهي عن المنكر وليست مقتصرة على تنبيه صاحب الدكان للصلاة وهو يبيع المنكرات كما على كل المجتمع حكامًا ومحكومين التعاون على الخير فعلى المسلم أن يلاحظ أهله ويمنعهم عن الشرور فلا يسمح مثلاً لابنته أو زوجته أن تستعمل الباروكة الشعر الصناعي إذ أن وصل شعر المرأة حرام فكيف بالشعر كاملاً، فتروي عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت فتمعط شعرها فأرادوا أن يصلوها فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» رواه البخاري فدل على أن الباروكة حرام حتى لو لبستها المرأة لزوجها. كذلك يلعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله» رواه البخاري وغيره.(1/24)
والمتفلجة هي التي تحك أسنانها بمبرد أو غيره والواشمة هي التي تغرز الإبر باليد أو بالوجه وتضع صبغًا، والنامصة هي التي تنقش الحاجب بصبغ أو إزالة شعره وهو أشد وهذا تفعله بعض النساء وهو حرام. كذلك يدخل ضمن ذلك العمليات الجراحية للتجميل فهي داخلة ضمن هذا الوعيد إذا لم يكن مرض مؤذ يدعو لذلك.
تحلي الرجل بالذهب حرام:
كذلك يحرم على الرجل لبس الذهب كالخاتم والدبلة والساعة والنظارة والأزارير والكبك وغير ذلك فكل هذه حرام على الرجل إذا كانت من ذهب وكذلك الأسنان لغير ضرورة. فعلينا رجالاً ونساءً التقيد بأوامر الشرع وأن نترك التشبه بالأعداء وأن لا يتشبه رجل بامرأة ولا امرأة برجل فكل ذلك حرام نسأل الله أن يوفقنا حكامًا ومحكومين لفعل المأمورات وترك المحظورات وأن يلبسنا جميعًا لباس التقوى ذلك خير وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
1 – الألبسة المحرمة (1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وبعد:
يقول الله تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } (2) .
أخي المسلم: نقدم لك هذه النصحية وهي تحتوي موضوعًا هامًا وتعالج مشكلة كبيرة وقع فيها كثير من الناس اليوم وهي مشكلة اللباس غير الشرعي حيث أطال كثير من الرجال أثوابهم. وجروا رداء الخيلاء وذيل الكبرياء وبمقدار ما أطال الرجل ثوبه رفعت المرأة ثوبها في كثير من بلاد الإسلام وتبرجت وعرَّضت المجتمع لفتنة عمياء وبلاء عظيم ونحن يا أخي إذ نقدم لك هذه النصيحة مشفقين عليك نأمل منك أن تعيها وتسعى في نشرها وتطبق ما تحتويه.
ونبدأ بالرجال فنقول:
__________
(1) للشيخ عبد الله محمد الجلالي.
(2) سورة الأعراف: 26(1/25)
أخي المسلم إن نعم الله عليك اليوم سابغة وإن من أكبر نعمه عليك هذا اللباس الذي تمتاز به على الحيوان حيث يقول سبحانه وتعالى { قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ } ثم تذكر نوعًا ثانيًا من اللباس وهو لباس الزينة ثم يأمرك وأنت تنعم باللباسين أي ما تستر عورتك وما تتجمل به أن لا تغفل عن خشية الله وتقواه فيقول سبحانه { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } إذًا عليك أن تتجنب ما حرم الله عليك من الألبسة ونذكر لك أهمها.
1 – الحرير والذهب: فقد قال عنهما - صلى الله عليه وسلم - «هما حرام على ذكور أمتي» (1) وعلى هذا فلا يجوز لك يا أخي المسلم أن تلبس ملابس الحرير أو شيئًا من الذهب سواء أردت التجمل أو لم ترد ولقد اعتاد كثير من الرجال اليوم لبس خاتم من الذهب وهذا محرم شرعًا وقد شبهه الله - صلى الله عليه وسلم - بجمرة يضعها الإنسان في يده (2) وأخطر من ذلك حينما يعتقد طائفة ممن يستعملون ذلك أنه يؤلف بين الزوج الزوجة وهذا خطر على عقيدة المسلم بحيث يعرضها للشرك فإن الله سبحانه هو الذي يجمع القلوب ويؤلفها.
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي.
(2) في الحديث الذي رواه مسلم.(1/26)
2 – إسبال الثياب: تحت الكعب وربما يبالغ طائفة من الناس فيجرها وراءه بحيث تصل إلى الأرض فكثيرًا ما ترى أناسًا يجرون ثيابهم أو سراويلهم أو مشالحهم أو بنطلوناتهم والكثير منهم يفعل ذلك خيلاء وبعضهم يفعله تساهلاً وكلا الفريقين على خطر فمن فعل ذلك خيلاء وتكبرًا لم ينظر الله إليه يوم القيامة كما في الحديث الصحيح: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فقال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يا رسول الله فقال - صلى الله عليه وسلم - المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» (1) والمسبل هو المطيل لثوبه وفي حديث: «لا ينظر الله إلى من جر إزاره خيلاء» (2) وعدم النظر إليه يعني إحباط عمله وعدم الاهتمام وهذا هو جزاء المتكبرين ففي الحديث القدسي: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني في شيء من ذلك عذبته» (3) فكيف يا أخي تُعرِّضُ نفسك لهذا الوعيد ولهذه العقوبات بسبب هوى النفس وشهواتها وماذا تستفيد حينما تسبل ملابسك، أما إذا لم تقصد الخيلاء فهناك وعيد أيضا لكن دون السابق فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما أسفل من الكعبين فهو في النار» (4) فهل تطيق ذلك وعلى هذا فإن الفاصل بين الحلال والحرام هو ما تعدى الكعبين، والمسبل على خطر ألاَّ تقبل صلاته كما رُوي في الأثر (5)
__________
(1) رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
(2) رواه مالك والبخاري ومسلم.
(3) رواه مسلم بلفظ ألقيته في النار والمنازعة المجاذبة.
(4) رواه البخاري.
(5) كما في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم قاله النووي في رياض الصالحين من 402 باب صفة طول القميص حديث
رقم 8.(1/27)
كذلك ابتلي كثير من الرجال بلبس ملابس شفافة تصف لون البشرة مع سراويل قصيرة لا تستر ما بين السرة والركبة وهذه مصيبة كبرى بحيث لا تصح معها الصلاة فالمسلم مطالب بستر عورته في الصلاة حتى الركبة بما لا يصف لون البشرة وعلى هذا فتكون الصلاة مع هذه الثياب الشفافة غير صحيحة لأنَّ ستر العورة شرط كالوضوء واستقبال القبلة وغيرها فانتبه يا أخي لنفسك ولأولادك ولا تُعرِّضْ صلاتك للبطلان وإذا ابتليت بها فأطل السراويل حتى الركبتين.
كما ندعو الخياطين إلى مراعاة أحكام الشرع فلا يتعدون حدود الله فهم مسؤولون.
3 – أما بالنسبة للنساء: فلقد ابتلينا في هذا العصر بنساء كاسيات عاريات مميلات مائلات كما وصفهن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين أنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها (1) فهناك الملابس القصيرة التي ابُتلي بها كثير من النساء تتربى عليها الصغيرات تقليدًا للكافرات وهذا يتنافى مع قوله تعالى: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } الآية وهذا من أكبر المحرمات أن يظهر شيء من جسم المرأة أمام رجل أجنبي سواء الساقان أو الوجه أو الذراع أو النحر أو الشعر وغير ذلك من جسدها وهذا خطر عظيم.
__________
(1) كما في الحديث الذي رواه مسلم.(1/28)
4 – ومما ابتليت به نساؤنا اليوم الملابس الضيقة التي تصف حجم الجسم وتقاسيمه أو رفع العباءة ليبرز حجم الجسم أو إخراج اليد من فتحاتها ليبرز جمالها وكل ذلك معصية لله ورسوله وإثارة لكوامن الشهوة في الرجال فانتبهي أيتها الأخت المسلمة وتجنبي هذا الخطر واعلمي أن النار محفوفة بالشهوات فلا تُعَرِّضي نفسك لغضب الله تعالى وما أصيبت المجتمعات المجاورة إلاَّ بسبب هذه الفتنة، وما ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعده فتنة هي أضر على الرجال من النساء (1) فلا تكثري الخروج إلى الأسواق بدون ضرورة ولا تستعملي الطيب خارج البيت ولا تزاحمي الرجال، ومُري أخواتك المسلمات بالمعروف وانهيهنَّ عن المنكر. أختي المسلمة احذري الإسراف في شراء الأقمشة وخياطتها بأثمان كثيرة فإن الله لا يحب المسرفين فاقتصدي في الملابس والحلي واعلمي أنك مسؤولة عن هذا المال في كسبة وإنفاقه فلا تكتسبينه إلا من الحلال ولا تسرفي في إنفاقه.
وفق الله الجميع إلى سلوك طريق الخير والاستقامة والسلام عليكم.
2 – ما يحرم من اللباس
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا.
__________
(1) كما في الحديث الصحيح المتفق عليه.(1/29)
أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم عليكم بما أخرجه لكم من طيبات الرزق واللباس قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } (1) لقد بين الله تعالى فوائد هذا اللباس بأنه زينة ومواراة للسوأة أي ستر للعورة ولم يجعل الله للإنسان ساترًا طبيعيًا من أصل الخلقة ليتذكر الإنسان أنه دائمًا في عورة ومحتاج إلى الستر فينتقل من معرفة الحاجة إلى الستر الحسي للعورة الحسية إلى معرفة الحاجة إلى الستر المعنوي للعورة المعنوية: وهي عورة نقص الدين والأخلاق فيسترها بتكميل دينه وأخلاقه. ولقد دلت النصوص أن اللباس بقسميه لباس الزينة ولباس الحاجة جائز والأصل فيه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه قال الله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } (2) وقال سبحانه: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } (3) قاله إنكارًا على من يحرمون شيئًا من اللباس والطعام بغير دليل.
ولقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته ما لا يجوز لهم من اللباس بيانًا ظاهرًا فمن ذلك لباس.
1 – ما يختص بالكفار سواء كان لباسًا شاملاً للجسم كله أو لعضو منه فكل لباس يختص بالكفار ولا يلبسه غيرهم فإنه لا يجوز للمسلم لبسه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من تشبه بقوم فهو منهم» (4) فإن التشبه بهم يقتضي شعور المتشبه بأنهم أعلى منه فيعجب بهم وبصنيعهم حتى يؤدي به ذلك إلى إعجابه بعقائدهم وأعمالهم.
__________
(1) سورة الأعراف: 26.
(2) سورة البقرة آية 29.
(3) سورة الأعراف: آية 32.
(4) رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان.(1/30)
2 – ومن ذلك لباس الرجل ما يختص بالمرأة ولباس المرأة ما يختص بالرجل فكل لباس يختص بالرجل سواء كان شاملاً لجميع الجسم كالقميص أم مختصًا بعضو منه كالسراويل والحذاء وغيرها، فإنه لا يجوز للمرأة أن تلبسه، وكل لباس يختص بالمرأة فإنه لا يجوز للرجل لبسه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال (1) .
3 – ومن ذلك لباس ما يقصد به الفخر والخيلاء من ثوب أو سروال أو نعل أو غيرها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يفخر أحد على أحد (2) فيتظاهر بالرفعة والعلو عليه وما يدري هذا المفتخر فلعل الأحوال تتغير فيحل محل من افتخر عليه في الفقر والإعواز ويحل الثاني محله في الغنى والوجود وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بينما رجل يمشي في حلة (إزار ورداء) تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، وفي الحديث عن ابن عمر قال سمعت
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من تعاظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان» (3) .
4 – ومن ذلك أن ينزل لباس الرجل إلى ما تحت الكعبين سواء كان قميصًا أم سروالاً أم مشلحًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما أسفل من الكعبين فهو في النار» (4) فإن جره خيلاء كانت العقوبة أعظم وأشد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» (5) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيام ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» (6) .
__________
(1) رواه البخاري وغيره.
(2) في الحديث الذي رواه مسلم.
(3) رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.
(4) رواه البخاري.
(5) رواه البخاري ومسلم.
(6) رواه مسلم.(1/31)
5 – ومن ذلك لباس الرجل الحرير الطبيعي فكل لباس من حرير سواء كان ثوبًا أم سروالاً أم شرابًا أم غترة أم طاقية أم غيرها فهو حرام على الرجال. ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة». وقال: «إنما يلبس الحرير من لا خلاق له» (1) .
6 – ومن ذلك لبس الرجل الذهب فلا يجوز للرجل أن يلبس ذهبًا لا خاتمًا ولا سوارًا ولا أزرارًا ولا غيرها ففي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده فقال الناس للرجل بعدما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذ خاتمك انتفع به فقال والله لا آخذه وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وفي سنن النسائي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً قدم من نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه خاتم من ذهب فأعرض عنه رسول الله وقال إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة (رواه أحمد) وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرًا وذهبًا فقال: «هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم» (رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم).
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(1/32)
7 – ومن ذلك لبس خاتم الخطبة الذي يسمونه (الدبلة) فهو سيئ للرجال والنساء؛ لأن هذه العادة سرت من النصارى، قاله محدث الشام في عصره الألباني، قال: ويرجع ذلك إلى عادة قديمة يضع الرجل -العروس- الخاتم على رأس إبهام العروسة -المرأة- ويقول: باسم الأب، ثم يضعه على رأس السبابة، ويقول: باسم الابن يعنون بالأب الله وبالابن عيسى. تعالى الله عن قولهم، ثم يضعه على رأس الوسطى ويقول باسم روح القدس وعندما يقول: آمين يضعه في البنصر حيث يستقر.
أيها المسلم إذا كانت هذه العادة مُتلقاة من النصارى، فكيف ترضى لنفسك بصفتك مسلمًا أن تقلدهم فيها، وتتشبه بهم وقد علمت أن نبيك - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»؟!! كيف تذهب بعقلك إلى هذه الخرافة التي لا حقيقة لها؟!! فليست الدبلة بالتي تجلب المودة، وليس عدمها بالذي يطرد المودة. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» (1) .
وفسر العلماء «التولة» بأنها شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والدبلة شبيهة بالتولة لأنهم يعتقدون أنها رابطة بين الزوج وزوجته، وهي بعيدة من ذلك فليست بربط شرعي؛ لأن الربط الشرعي بين الزوجين يكون بعقد النكاح وليست ربطًا كونيًّا؛ لأنها لا تأثير لها حسًّا سوى ما يقع في وهم لابسيها.
بناء على عقيدة لا أصل لها؛ ولا تعجبوا أن تكون التولة نوعًا من الشرك وذلك لأن الخلق والأمر كله لله عز وجل وحده، فوضع السببية في الأسباب إلى الله وحده، فمن جعل شيئًا ما سببًا لشيء لم يجعله الله سببًا له -فقد شارك الله فيما يختص به.
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم.(1/33)
إذن فخاتم الخطبة (الدبلة) إن كان من ذهب فهو حرام سيئ على الرجل من جهتين: من جهة أنه ذهب، ومنه جهة العقيدة الفاسدة والتقليد الأعمى الذي مصدره من النصارى، وإن كان غير ذهب أو استعملته الأنثى فهو سيئ من جهة واحدة وهي العقيدة الفاسدة.
8 – ومن اللباس المحرم لبس الرجل والمرأة ما لا يستر من الثياب ما يجب ستره كلبس الخفيف الذي لا يستر، والقصير، ويتضح ذلك في الرجال في أيام الصيف حيث يلبسون سراويل قصيرة يبدو منها بعض الفخذ، وثيابًا خفيفة عليها لا تستر، وهذا غير ساتر في الصلاة؛ فلا تصح الصلاة حينئذ، فيقعون في خطر عظيم حيث يصلون صلاة لا تنفعهم. ويتضح ذلك في النساء حيث تلبس خمارًا خفيفًا وتخرج إلى السوق فتبدو كأنها غير ساترة وجهها.
فاتقوا الله أيها المسلمون واستعينوا بنعم الله على طاعته، ولا تجعلوا هذه النعم وسيلة للأشر والبطر والرفاهية الموقعة في الإثم { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (1) (2) .
كتاب أدب الطعام من السنة النبوية (3)
باب التسمية في أوله والحمد في آخره
1- عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: «قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» متفق عليه (4) .
2- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أنْ يذكر اسْمَ الله تَعَالَى في أوَّله فَليقلْ: بسْم الله أَوَّلَهُ وَآخِرِهُ».
__________
(1) سورة آل عمران.
(2) خطب الشيخ محمد الصالح العثيمين (ص 415 – 418).
(3) رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - (ص 338).
(4) رواه البخاري (9/458)، ومسلم (2022)، وأخرجه مالك (2/934)، وأبو داود (3777)، والترمذي (1858).(1/34)
رواه أبو داود، والترمذي (1) ، وقال: حديث حسن صحيح.
3- وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سَمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل، فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت؛ وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء» رواه مسلم (2) .
4- وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كنا إذا حضرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا، لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع يده. وإنا حضرنا معه مرة طعامًا، فجاءت جارية كأنها تُدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع، فأخذ بيده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما» ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل. رواه مسلم (3) .
__________
(1) أبو داود (3767)، والترمذي (1859)، وصححه الحاكم (4/108) ووافقه الذهبي.
(2) مسلم (2018)، وأخرجه أبو داود (3765) وابن ماجة (3887).
(3) مسلم (2017)، وأخرجه أبو داود (3766).(1/35)
5- وعن أمية بن مخشي الصحابي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا، ورجل يأكل، فلم يسم الله حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه، قال: بسم الله أوله وآخره، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال: «ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه» رواه أبو داود والنسائي (1) .
6- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل طعامًا في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي، فأكله بلقمتين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أما إنه لو سمى لكفاكم».
رواه الترمذي (2) ، وقال حديث حسن صحيح.
7- وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع مائدته قال: «الحمد لله كثيرًا طيبًا (3) مباركًا فيه، غير مكفي ولا مودَّع، ولا مستغنى عنه ربنا» رواه البخاري (4) .
__________
(1) أبو داود (3768)، وأخرجه الحاكم (4/108)، وفي سنده المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي وهو مجهول، لكن يشهد له حديث ابن عباس مرفوعًا بلفظ: (قال إبليس: كل خلقك بينت رزقه ففيم رزقي؟ قال: فيما لم يذكر اسمي عليه) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (8/126) وسنده صحيح.
(2) الترمذي (1859) وهو صحيح.
(3) «طيبًا»: أي منزهًا عن سائر ما ينقصه من رياء أو سمعة، أو إخلال بإجلال. وقوله: «غير مكفي»: قال الخطابي: معناه أن الله سبحانه هو المُطْعم والكافي وهو غير مُطعَم ولا مكفي كما قال سبحانه: { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ } وقوله: «ولا مودَّع» أي: غير متروك الطلب إليه، والرغبة فيما عنده، ومنه قوله تعالى: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } أي: ما تركك ولا أهانك، ومعنى المتروك: المستغنى عنه.
(4) البخاري (9/ 501، 502)، وأخرجه الترمذي (3452)، وأبو داود (3849).(1/36)
8- وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من أكل طعامًا فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه أبو داود، والترمذي (1) ، وقال: حديث حسن.
باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه) متفق عليه (2) .
2- وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خل. فدعا به، فجعل يأكل ويقول: «نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل» رواه مسلم (3) .
باب ما يقوله من حضر الطعام
وهو صائم إذا لم يفطر
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا دُعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصل، وإن كان مفطرًا فليطعم» رواه مسلم (4) .
قال العلماء: معنى «فليصل» فليدع، ومعنى «فليطعم» فليأكل.
باب ما يقوله من دعي إلى طعام فتبعه غيره
عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: دعا رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه له خامس خمسة، فتبعهم رجل، فلما بلغ الباب، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن هذا تبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع» قال: بل آذن له يا رسول الله. متفق عليه (5) .
باب الأكل مما يليه ووعظه
وتأديبه من يسيء أكله
__________
(1) أبو داود (4023)، والترمذي (3454)، وأخرجه ابن ماجة (3285)، وحسنه الحافظ ابن حجر في «أمالي الأذكار».
(2) البخاري (9/477)، ومسلم (2064)، وأخرجه أبو داود (3763)، والترمذي (2932)، وابن ماجة (3259).
(3) مسلم (2052)، وأخرجه أبو داود (3820) و(3821)، والترمذي (1840) و(1843)، والنسائي (7/ 14).
(4) مسلم (1431).
(5) البخاري (9/484، 485، 505)، ومسلم (2036) واللفظ له.(1/37)
1- عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت غلامًا في حجر (1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا غلام سم الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك» متفق عليه (2) .
قوله: (تطيش) بكسر الطاء وبعدها ياء مثناة من تحت، معناه: تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة.
2- وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - أن رجلاً أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله، فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع، قال: «لا استطعت ما منعه إلا الكبر!» فما رفعها إلى فيه. رواه مسلم (3) .
باب النهي عن القران بين تمرتين
ونحوهما إذا أكل جماعة إلا بإذن رفقته
1 – عن جبلة بن سحيم قال: أصابنا عام سنة مع ابن الزبير، فرزقنا تمرًا، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمر بنا ونحن نأكل، فيقول: لا تقارنوا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الإقران، ثم يقول: «إلا أن يستأذن الرجل أخاه» متفق عليه (4) .
باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع
عن وحشي بن حرب - رضي الله عنه - أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع قال: «فلعلكم تفترقون» قالوا: نعم، قال: «فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله -يبارك لكم فيه».
رواه أبو داود (5) .
باب الأمر بالأكل من جانب القصعة
والنهي عن الأكل من وسطها
فيه: قوله - صلى الله عليه وسلم - : «وكل مما يليك» متفق عليه كما سبق.
__________
(1) أي: في كنفه وحمايته - صلى الله عليه وسلم - .
(2) البخاري (9/458)، ومسلم (2022).
(3) مسلم (2021).
(4) البخاري (9/493)، ومسلم (2045).
(5) أبو داود (3764)، وأخرجه أحمد (3/ 501)، وابن ماجة (3286)، وابن حبان (1345)، والحاكم (2/103) وسنده ضعيف، لكن الحديث حسن لأنَّ له شواهد في معناه. انظرها في «الترغيب والترهيب» (3/115 و 121).(1/38)
1- وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه (1) ولا تأكلوا من وسطه» رواه أبو داود، والترمذي (2) ، وقال: حديث حسن صحيح.
2- وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه - قال: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قصعة يقال لها: الغراء (3) يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة، يعني وقد ثرد فيها، فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا (4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله جعلني عبدًا كريمًا، ولم يجعلني جبارًا عنيدًا (5) ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كلوا من حواليها، ودعوا ذروتها يبارك فيها» رواه أبو داود (6) بإسناد جيد.
«ذروتها» أعلاها: بكسر الذال وضمها.
باب كراهية الأكل متكئًَا
1- عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا آكل متكئًا» رواه البخاري (7) .
__________
(1) «من حافتيه» بتخفيف الفاء: أي: من ناحيتيه
(2) أبو داود (3772)، والترمذي (1806)، وأخرجه ابن ماجة (3277)، وإسناده صحيح.
(3) سميت غَرَّاء لبياضها بالألية والشحم، أو لبياض برها، أو لبياضها باللبن.
(4) أي: قعد على ركبتيه جالسًا على ظهور قدميه.
(5) العنيد: الجائر عن القصد، الباغي الذي يردُّ الحق مع العلم به.
(6) أبو داود (3773)، وأخرجه ابن ماجة (3263) و(3275)، والبيهقي (7/283) وإسناده صحيح.
(7) البخاري (9/472)، وأخرجه الترمذي (1831)، وأبو داود (3796).(1/39)
قال الخطابي: المتكئ هنا: هو الجالس معتمدًا على وطاء تحته، قال: وأراد أنه لا يقعد على الوطاء والوسائد كفعل من يريد الإكثار من الطعام، بل يقعد مستوفزًا لا مستوطئًا، ويأكل بلغة (1) هذا كلام الخطابي، وأشار غيره إلى أن المتكئ هو المائل على جنبه (2) ، والله أعلم.
2- وعن أنس - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا مقعيًا يأكل تمرًا، رواه مسلم (3) .
(المقعي): هو الذي يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه.
باب استحباب الأكل بثلاث أصابع
واستحباب لعق الأصابع، وكراهة مسحها قبل لعقها
واستحباب لعق القصعة وأخذ اللقمة التي تسقط منه وأكلها
ومسحها بعد اللعق بالساعد والقدم وغيرها
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا أكل أحدكم طعامًا، فلا يمسح أصابعه حتى يَلْعَقَهَا أو يُلْعِقَهَا».
متفق عليه (4) .
2- وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها. رواه مسلم (5) .
3- وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: «إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» رواه مسلم (6) .
4 - وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وقعت لقمة أحدكم، فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه؛ فإنه لا يدري في أي طعامه البركة» رواه مسلم (7) .
__________
(1) أي: ما يكتفي ويجتزئ به.
(2) وبه جزم ابن الجوزي، ولم يلتفت إلى إنكار الخطابي ذلك.
(3) مسلم (2044).
(4) البخاري (9/499، 500) ومسلم (2031)، وأخرجه أبو داود (3847).
(5) مسلم (2032)، وأخرجه أبو داود (3848).
(6) مسلم (2033) وأخرجه الترمذي (1803).
(7) مسلم (2033) (134).(1/40)
5- وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان. فإذا فرغ فليلعق أصابعه؛ فإنه لا يدري في أي طعامه البركة» رواه مسلم (1) .
6- وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل طعامًا، لعق أصابعه الثلاث، وقال: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان» وأمرنا أن نسلت (2) القصعة وقال: «إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» رواه مسلم (3) .
7- وعن سعيد بن الحارث أنه سأل جابرًا - رضي الله عنه - عن الوضوء مما مست النار، فقال: لا، قد كنا زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نجد مثل ذلك الطعام إلا قليلا، فإذا نحن وجدناه، لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلي ولا نتوضأ. رواه البخاري (4) .
باب تكثير الأيدي على الطعام
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة» متفق عليه (5) .
2- وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية» رواه مسلم (6) .
باب أدب الشرب واستحباب
التنفس ثلاثًا
خارج الإناء وكراهة التنفس في الإناء
واستحباب إدارة الإناء على الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ
__________
(1) مسلم (2033) (135).
(2) أي: نمسحها.
(3) مسلم (2034)، وأخرجه الترمذي (1804)، وأبو داود (3845).
(4) البخاري (9/ 501).
(5) البخاري (9/467)، ومسلم (2058)، وأخرجه مالك (2/ 928)، والترمذي (1821).
(6) مسلم (2059)، وأخرجه الترمذي (1821).(1/41)
1- عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتنفس في الشراب ثلاثًا. متفق عليه (1) .
يعني: يتنفس خارج الإناء.
2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تشربوا واحدًا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم رفعتم» رواه الترمذي (2) وقال: حديث حسن.
3- وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتنفس في الإناء. متفق عليه (3) .
يعني: يتنفس في نفس الإناء.
4- وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر - رضي الله عنه - ؛ فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: «الأيمن فالأيمن» متفق عليه (4) .
قوله: «شيب» أي: خلط.
5- وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بشراب، فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا، لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، فتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده» متفق عليه (5) .
قوله: «تله» أي: وضعه، وهذا الغلام هو ابن عباس
رضي الله عنهما.
باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها
وبيان أنه كراهة تنزيه لا تحريم
__________
(1) البخاري (10/81)، ومسلم (2028)، وأخرجه الترمذي (1885)، وأبو داود (3727).
(2) الترمذي (1886)، في سنده يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وهو ضعيف، وشيخه مجهول، ولذا ضعفه الحافظ في الفتح (10/81).
(3) البخاري (1/221، 222)، و(10/80)، ومسلم (267)، (65)، واللفظ له، وأخرجه الترمذي (1890)، والنسائي (1/43).
(4) البخاري (5/ 148)، (10/66)، ومسلم (2029)، وأخرجه مالك (2/926)، والترمذي (1894)، وأبو داود (3726).
(5) البخاري (10/76)، ومسلم (2030).(1/42)
1- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اختناث الأسقية (1) . يعني: أن تكسر أفواهها، ويشرب منها متفق عليه (2) .
2- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشرب من في السقاء (3) ، أو القربة. متفق عليه (4) .
3- وعن أم ثابت كبشة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت - رضي الله عنه - وعنها قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فشرب من في قربة معلقة قائمًا، فقمت إلى فيها فقطعته. رواه الترمذي (5) وقال: حديث حسن صحيح.
وإنما قطعتها، لتحفظ موضع فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتتبرك به، وتصونه عن الابتذال. وهذا الحديث محمول على بيان الجواز، والحديثان السابقان لبيان الأفضل والأكمل والله أعلم.
باب كراهة النفخ في الشراب
1- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ فقال: «أهرقها» قال: إني لا أروى من نفس واحد؟ قال: «فابن القدح (6) إذًا عن فيك» رواه الترمذي (7) وقال: حديث حسن صحيح.
2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه. رواه الترمذي (8) وقال: حديث حسن صحيح.
__________
(1) الأسقية: جمع سقاء، والمراد المتخذ من الجلد، واختناثها من الخنث، وهو الانطواء والانثناء.
(2) البخاري (10/78)، ومسلم (2023)، وأخرجه أبو داود (3720)، والترمذي (1891).
(3) أي: فمها.
(4) البخاري (10/78، 79) ولم نجده في مسلم.
(5) الترمذي (1893)، وأخرجه ابن ماجة (3422)، وإسناده صحيح.
(6) أي: أزله.
(7) الترمذي (1888)، وأخرجه مالك (2/925)، وأحمد (3/32) وسنده جيد، وصححه ابن حبان (1367)، والحاكم (4/139).
(8) الترمذي (1889)، وأخرجه أبو داود (3728)، وابن ماجة (3428) وإسناده صحيح.(1/43)
باب بيان جواز الشرب قائمًا
وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعدًا
فيه حديث كبشة السابق.
1- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من زمزم، فشرب وهو قائم. متفق عليه (1) .
2- وعن النَّزَّال بن سبرة - رضي الله عنه - قال: أتى علي - رضي الله عنه - باب الرحبة (2) فشرب قائمًا، وقال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كما رأيتموني فعلت. رواه البخاري (3) .
3- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نأكل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام. رواه الترمذي (4) ، وقال: حديث حسن صحيح.
4- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب قائمًا وقاعدًا رواه الترمذي (5) وقال: حديث حسن صحيح.
5- وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يشرب الرجل قائمًا. قال قتادة: فقلنا لأنس: فالأكل؟ قال: ذلك أشر – أو أخبث – رواه مسلم (6) .
وفي رواية له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر عن الشرب قائمًا.
6- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يشربن أحد منكم قائمًا، فمن نسي فليستقئ» رواه مسلم (7) .
باب استحباب كون ساقي
القوم آخرهم شربًا
__________
(1) البخاري (10/74، 75)، ومسلم (2027)، وأخرجه الترمذي (1883)، والنسائي (5/237).
(2) (الرحبة) المكان المتسع، والرحبة هنا: رحبة الكوفة.
(3) البخاري (10/ 71)، وأخرجه أبو داود (3718)، والنسائي (1/84، 85).
(4) الترمذي (1881) وسنده حسن، وأخرجه أحمد (2/12، 24، 29، 108) والدارمي (2/ 120)، وابن ماجة (3301).
(5) الترمذي (1884).
(6) مسلم (2024)، (113) وأخرجه الترمذي (1880) وأبو داود (3717).
(7) مسلم (2026).(1/44)
1- عن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ساقي القوم آخرهم شربًا».
رواه الترمذي (1) وقال: حديث حسن صحيح.
باب جواز الشرب
من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة
وجواز الكرع –وهو الشرب بالفم من النهر
وغيره– بغير إناء ولا يد
وتحريم استعمال إناء الذهب والفضة
في الشرب والأكل والطهارة وسائر وجوه الاستعمال
1- عن أنس - رضي الله عنه - قال: حضرت الصلاة: فقام من كان قريب الدار إلى أهله، وبقي قوم فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمخضب من حجارة، فصغُر المخضب (2) أن يبسط فيه كفه فتوضأ القوم كلهم. قالوا: كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة متفق عليه (3) . هذه رواية البخاري
وفي رواية له ولمسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بإناء من ماء، فأتي بقدح رحراح (4) فيه شيء من ماء، فوضع أصابعه فيه. قال
أنس: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه، فحزرت من توضأ ما بين السبعين إلى الثمانين.
2- وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: أتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ. رواه البخاري (5) .
«الصُفر» بضم الصاد، ويجوز كسرها؛ وهو النحاس، و «التور» كالقدح، وهو بالتاء المثناة من فوق.
3- وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على رجل من الأنصار، ومعه صاحب له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة وإلا كرعنا» (6) رواه البخاري (7) .
«الشن»: القربة.
__________
(1) الترمذي (1895)، وأخرجه مسلم (681) في حديث مطول، وفي الباب عن عبد الله بن أبي أوفى عند أبي داود (3725).
(2) المخضب: إناء من حجارة.
(3) البخاري (1/ 161 و 262)، ومسلم (2279).
(4) أي: قريب القعر مع سعة.
(5) البخاري (1/ 261).
(6) الكرع: تناول الماء بالفم من غير إناء ولا كف.
(7) البخاري (10/ 77).(1/45)
4- وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الحرير والديباج (1) والشرب في آنية الذهب والفضة.
وقال: «هي لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة» متفق عليه (2) .
5- وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذي يشرب في نية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليه (3) .
وفي رواية لمسلم: «إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب» وفي رواية له: «من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارًا من جهنم».
هديه - صلى الله عليه وسلم -
وسيرته في الطعام (4)
كان هديه - صلى الله عليه وسلم - ، وسيرته في الطعام لا يردُ موجودًا، ولا يتكلف مفقودًا، فما قُرِّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضب لمَّا لم يعتده، ولم يحرمه على الأمة, بل أكل على مائدته وهو ينظر.
__________
(1) الديباج: ضرب من الثياب سداه ولحمته الحرير.
(2) البخاري (10/82، 83)، ومسلم (2067).
(3) البخاري (10/83، 84)، ومسلم (2065)، وأخرجه أحمد (6/301).
(4) زاد المعاد في هدي خير العباد - صلى الله عليه وسلم - لابن القيم رحمه الله (1/147).(1/46)
وأكل الحلوى والعسل، وكان يحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحبارى، ولحم حمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرطب والتمر، وشرب اللبن خالصًا ومشوباً، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر، وأكل الخزيرة، وهي حساء يتخذ من اللبن والدقيق، وأكل القثاء بالرطب، وأكل الأقط، وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل، وأكل الثريد وهو الخبز باللحم، وأكل الخبز بالإهالة، وهي الودك، وهو الشحم المذاب، وأكل من الكبد المشوية، وأكل القديد، وأكل الدباء المطبوخة، وكان يحبها وأكل المسلوقة وأكل الثريد بالسمن، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب، وأكل التمر بالزبد، وكان يحبه، ولم يكن يردُّ طيبًّا، ولا يتكلفه، بل كان هديه أكل ما تيسر، فإن أعوزه، صبر حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع، ويُرى الهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار. وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة، وهي كانت مائدته، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقها إذا فرغ، وهو أشرف ما يكون من الأكلة فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة، والجشعُ الحريص يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة.
وكان لا يأكل متكئًا والاتكاء على ثلاثة أنواع، أحدها الاتكاء على الجنب، والثاني، التربع، والثالث: الاتكاء على إحدى يديه، وأكله بالأخرى، والثلاث مذمومة.
وكان يسمي الله تعالى على أول طعامه، ويحمده في آخره فيقول عند انقضائه: «الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه غير مكفي ولا مُوَدَّع ولا مستغن عنه ربنا» (1)
__________
(1) أخرجه البخاري (9/ 501، 502) في الأطعمة: باب ما يقول إذا فرغ من طعامه، والترمذي (3452) في الدعوات: باب ما يقول إذا فرغ من الطعام، وأبو داود (3849) في الأطعمة. باب ما يقول الرجل إذا طعم، وابن ماجة (3284) في الأطعمة: باب ما يقال إذا فرغ من الطعام، والحاكم في «المستدرك» (4/136).
وقوله: «غير مكفي»، من الكفاية، «ولا مودع» أي غير متروك الطلب. وقوله: «ربنا» بالنصب على النداء أو بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف.(1/47)
وربما قال: «الحمد لله الذي يُطِعم ولا يُطَعم، مَنَّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكلَّ بلاء حسن أبلانا، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العُري، وهدى من الضلالة، وبصر من العمى، وفضّل على كثير ممن خلق تفضيلا، الحمد لله رب العالمين» (1) .
وربما قال: «الحمد لله الذي أطعم وسقى، وسوَّغه» (2) .
وكان إذا فرغ من طعام لعق أصابعه، ولم يكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم، ولم يكن عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا.
__________
(1) رواه ابن حبان (1352) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وسنده قوي.
(2) رواه أبو داود (3851) في الأطعمة، باب ما يقول الرجل إذا طعم، وابن حبان (1351) من حديث أبي أيوب الأنصاري وتتمته: «وجعل له مخرجًا» وإسناده صحيح.(1/48)
وكان أكثر شربه قاعدًا، بل زجر عن الشرب قائمًا (1) وشرب مرة قائمًا (2) فقيل: هذا نسخ لنهيه، وقيل: بل فعله لبيان جواز الأمرين، والذي يظهر فيه –والله أعلم– أنها واقعة عين شرب فيها قائمًا لعذر، وسياق القصة يدل عليه، فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدلو، وشرب قائمًا.
والصحيح في هذه المسألة النهي عن الشرب قائمًا، وجوازه لعذر يمنع من القعود، وبهذا تجمع أحاديث الباب، الله أعلم (3) .
__________
(1) رواه مسلم (2024) في الأشربة: باب كراهية الشرب قائمًا، والترمذي (1880) في الأشربة. باب في النهي عن الشرب قائمًا. وأبو داود (3717) في الأشربة: باب في الشرب قائمًا، وابن ماجة (3424) في الأشربة: باب الشرب قائمًا، وأحمد في «المسند» (3/199 و250 و 291) من حديث أنس رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري (10/71) في الأشربة: باب الشرب قائمًا، وأبو داود (3718) في الأشربة: باب في الشرب قائمًا من طريق النزال عن علي رضي الله عنه، أخرجه الترمذي (48) في الطهارة: باب ما جاء في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - . والنسائي (1/87) في الطهارة: باب الانتفاع بفضل الوضوء من طريق أبي حية عنه، ولفظه عند البخاري: أتى علي رضي الله عنه على باب الرحبة، فشرب قائمًا، فقال: (إن ناسًا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم، وإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كما رأيتموني فعلت).
(3) قال الحافظ في «الفتح»(10/73، 74): وسلك العلماء في ذلك مسالك:
أحدها: الترجيح وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي.
الثاني: دعوى نسخ أحاديث النهي.
الثالث: الجمع بين الخبرين بضرب من التأويل.
ثم قال: وسلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، وأحاديث الجواز على بيانه، وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين، وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض، وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيرًا فقال: إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم، وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزًا ثم حرمه، أو كان حرامًا ثم جوزه، لبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بيانًا واضحًا، فلما تعارضت الأخبار بذلك جمعنا بينها بهذا.(1/49)
وكان إذا شرب، ناول من على يمينه، وإن كان من على يساره أكبر منه (1) .
من آداب الأكل والشرب (2)
المسلم ينظر إلى الطعام والشراب، باعتبارهما وسيلة إلى غيرهما، لا غاية مقصودة لذاتها، فهو يأكل ويشرب من أجل المحافظة على سلامة بدنه الذي به يمكنه أن يعبد الله تعالى، تلك العبادة التي تؤهله لكرامة الدار الآخرة وسعادتها، فليس هو يأكل ويشرب لذات الأكل والشرب وشهوتهما فلذا هو لم يجع لم يأكل، ولو لم يعطش لم يشرب، وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا فلا نشبع» (3) .
ومن هنا كان المسلم يلتزم في مأكله ومشربه بآداب شرعية خاصة منها.
أ – آداب ما قبل الأكل، وهي:
1 – أن يستطيب طعامه وشرابه بأن يعدهما من الحلال الطيب الخالي من شوائب الحرام والشبه؛ لقوله تعالى: { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } (4) ، والطيب هو الحلال الذي ليس بمستقذر ولا مستخبث.
2 – أن ينوي بأكله وشربه التَّقوية على عبادة الله تعالى، ليثاب على ما أكله أو شربه، فالمباح يصير بحسن النية طاعة يثاب عليها المسلم.
3 – أن يغسل يديه قبل الأكل إن كان بهما أذى، أو لم يتأكد من نظافتهما.
__________
(1) أخرج البخاري (10/66) في الأشربة: باب شرب اللبن بالماء من حديث أنس بن مالك أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنًا وأتى داره. فحلبت شاة، فشبت لرسول - صلى الله عليه وسلم - من البئر، فتناول القدح، فشرب، وعن يساره أبو بكر، وعن يمينه أعرابي، فأعطى الأعرابي فضله، ثم قال: «الأيمن فالأيمن».
(2) من كتاب «منهاج المسلم» لأبي بكر الجزائري (ص 129 – 133).
(3) لم أقف على من خرجه، ولعله أثر من آثار الصحابة رضي الله عنهم وليس بحديث نبوي، والله أعلم.
(4) سورة البقرة آية 172.(1/50)
4 – أن يضع طعامه على سفرة فوق الأرض لا على مائدة، إذ هذا أقرب إلى التواضع، ولقول أنس - رضي الله عنه - : (ما أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خوان، ولا في سكرجة) (1) (2) .
5 – أن يجلس متواضعًا بأن يجثو على ركبتيه، ويجلس على ظهر قدميه، أو ينصب رجله اليمنى، ويجلس على اليسرى، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «لا آكل متكئًا، إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد» (3) .
6- أن يرضى بالموجود من الطعام، وأن لا يعيبه، إن أعجبه أكل، وإن لم يعجبه ترك، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : «ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا قط إن اشتهاه أكل، وإن كرهه ترك» (4) .
7- أن يأكل مع غيره من ضيف أو أهل أو ولد، أو خادم لخبر: «اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه» (5) .
(ب) آداب الأكل أثناءه، وهي:
1- أن يبدأ بـ «بسم الله» لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره»(4).
2- أن يختمه بحمد الله تعالى، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «من أكل طعامًا وقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه»(5 (6) .
3- أن يأكل بثلاثة أصابع من يده اليمنى، وأن يصغر اللقمة ويجيد المضغ، وأن يأكل مما يليه لا من وسط القصعة لقوله عليه الصلاة والسلام لعمر بن سلمة: «يا غلام سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك»(6)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه» (7) .
__________
(1) البخاري.
(2) (الخوان) ما يؤكل عليه. و(السكرجة) إناء صغير، وكان يأكل على السفر.
(3) البخاري.
(4) أبو داود.
(5) ( ، 4) أبو داود والترمذي وصححه.
(6) (5، 6) متفق عليه.
(7) ( ، 2) متفق عليه.(1/51)
4- أن يُجيد المضغ وأن يلعق الصحفة وأصابعه قبل مسحها بالمنديل، أو غسلها بالماء لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يمسح أصابعه حتى يَلْعَقَهَا أو يُلْعِِقْهَا»(2)، ولقول جابر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة»(3 (1) .
5- إذا سقط منه شيء مما يأكل أزال عنه الأذى وأكله، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها، وليمط (ينح) عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان»(4 (2) .
6- أن لا ينفخ في الطعام الحار، وأن لا يطعمه حتى يبرد، وأن لا ينفخ في الماء حال الشرب، وليتنفس خارج الإناء ثلاثًا، لحديث أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كان يتنفس في الشراب ثلاثًا»(54)، ولحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «نهى عن النفخ في الشراب»(6 (3) ، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه»(76).
7- أن يتجنب الشبع المفرط لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنه، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن لم يفعل فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه» (4) .
__________
(1) أبو داود والترمذي وحسنه.
(2) (4، 5) مسلم.
(3) (6، 7) الترمذي وصححهما.
(4) أحمد وابن ماجه والحاكم (حسن).(1/52)
8- أن يتناول الطعام أو الشراب أكبر الجالسين، ثم يديره إلى الأيمن فالأيمن، وأن يكون هو آخر القوم شربًا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «كَبِّر كَبِّر» أي ابدأ بالأكبر من الجالسين، ولاستئذانه عليه الصلاة والسلام ابن عباس في أن يناول الشراب الأشياخ على يساره، إذ كان ابن عباس رضي الله عنهما على يمينه والأشياخ الكبار على يساره، فاستئذانه دال على أن الأحق بالشراب الجالس على اليمين (1) ، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «الأيمن فالأيمن »(3)، وقوله: «ساقي القوم آخرهم» يعني شربًا. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
9- أن لا يبدأ بتناول الطعام أو الشراب، وفي المجلس من هو أولى منه بالتقديم لكبر سن، أو زيادة فضل؛ لأن ذلك مخل بالآداب، معرض صاحبه لوصف الجشع المذموم، قال بعضهم:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
10- أن لا يُحوِّج رفيقه أو مضيِّفه إلى أن يقول له: كل، ويلح عليه، بل عليه أن يأكل في أدب كفايته من الطعام من غير حياء أو تكلف للحياء، إذ في ذلك إحراج لرفيقه أو مضيِّفه، كما فيه نوع رياء، والرياء حرام.
11- أن يرفق برفيقه في الأكل فلا يحاول أن يأكل أكثر منه، ولا سيما إذا كان الطعام قليلاً؛ لأنه في ذلك يكون آكلاً لحق غيره.
12- أن لا ينظر إلى الرفقاء أثناء الأكل وأن لا يراقبهم فيستحون منه بل عليه أن يغض بصره عن الأكلة حوله، وأن لا يتطلع إليهم إذ ذلك يؤذيهم، كما قد يسبب له بغض أحدهم، فيأثم لذلك.
13- أن لا يفعل ما يستقذره الناس عادة فلا ينفض يده في القصعة، ولا يدني رأسه منها عند الأكل والتناول لئلا يسقط من فمه شيء فيقع فيها، كما إذا أخذ بأسنانه شيئًا من الخبز لا يغمس باقيه في القصعة، كما عليه أن لا يتكلم بالألفاظ الدالة على القاذورات والأوساخ، إذ ربما تأذى بذلك أحد الرفقاء، وأذية المسلم محرمة.
__________
(1) ( ، 3) متفق عليه.(1/53)
14- أن يكون أكله مع الفقير قائمًا على إيثاره، ومع الإخوان قائمًا على الانبساط والمداعبة المرحة، ومع ذوي الرتب والهيئات على الأدب والاحترام.
(جـ) آداب ما بعد الأكل، وهي:
1- يمسك عن الأكل قبل الشبع اقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام وحتى لا يقع في التخمة المهلكة، والبطنة المذهبة للفطنة.
2- أن يلعق يده ثم يمسحها، أو يغسلها، وغسلها أولى وأحسن.
3- أن يقول: الحمد لله الذي أطعمني وسقاني من غير حول مني ولا قوة.
4- أن يلتقط ما تساقط من طعامه أثناء الأكل؛ لأنه من باب الشكر للنعمة.
5- أن يخلل أسنانه ويتمضمض تطيبًا لفمه إذ به يذكر الله تعالى ويخاطب الإخوان، كما أن نظافة الفم قد تبقي على سلامة الأسنان.
6- أن يحمد الله تعالى عقب أكله أو شربه وأن يقول إذا شرب لبنا: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه.
وإن أفطر عند قوم قال: «أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة».
فصل في آداب الأكل
من الفقه الإسلامي(1/54)
يستحب غسل اليد قبل الطعام وبعده ولو كان على وضوء، وأن يتوضأ الجنب قبل الأكل، ولا يكره غسل يديه في الإناء الذي أكل فيه، ويكره بطعام وهو القوت ولو بدقيق حمص وعدس وباقلاء ونحوه – قال الشيخ (1) الملح ليس بقوت وإنما يصلح به القوت – ولا بأس بنخالة وإن دعت الحاجة إلى استعمال القوت – مثل الدبغ بدقيق الشعير والتطبب للجرب باللبن والدقيق ونحو ذلك رخص فيه، وغسل الفم بعد الطعام مستحب، ويسن أن يتمضمض من شرب اللبن، ويسن أن يلعق أصابعه قبل الغسل والمسح، أو يُلعقها غيره، ويعرض رب الطعام الماء لغسلها ويقدمه بقرب طعامه، ولا يعرض الطعام (2) وتسن التسمية على الطعام والشراب ويجهر بها فيقول: بسم الله – قال الشيخ: ولو زاد الرحمن الرحيم لكان حسنًا – وأن يأكل بيمينه ومما يليه، ويكره تركهما، والأكل والشرب بشماله إلا من ضرورة، وأن جعل بيمينه خبزًا وبشماله شيئًا يأتدم به وجعل يأكل من هذا كره لأنه آكل بشماله ولما فيه من الشره، فإن أكل أو شرب بشماله أكل وشرب معه الشيطان، وإن نسي التسمية في أوله قال إذا ذكر: بسم الله أوله وآخره، فإن كانوا جماعة سموا كلهم، ويسمي المميز ويسمي عن من لا عقل له ولا تمييز، ويحمد الله جهرًا إذا فرغ، ويقول ما ورد: ومنه: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين، ويسن الدعاء لصاحب الطعام، ومنه: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة، ويستحب إذا فرغ من الأكل ألا يطيل الجلوس من غير حاجة بل يستأذن رب المنزل وينصرف، يسمي الشارب عند كل ابتداء، ويحمد عند كل قطع، وقد يقال مثله في أكل كل لقمة.
__________
(1) يعني بالشيخ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
(2) السنة تقديم الطعام من غير أن يعرضه أولاً باستشارة المدعو فقد يستحي الضيف أن يطلبه.(1/55)
فعله أحمد وقال: أكل وحمد خير من أكل وصمت، ويكره الأكل من ذروة الطعام ومن وسطه بل من أسفله، وكذلك الكيل، ويكره نفخ الطعام والشراب والتنفس في إناءيهما، وأكله حارًّا إن لم تكن حاجة ومما يلي غيره إن كان الطعام نوعًا واحدًا. فإن كان أنواعًا أو فاكهة قال الآمدي: أو كان يأكل وحده فلا بأس، وكره أحمد أن يتعمد القوم حين وضع الطعام فيفاجئهم، وكذا من غير أن يُدعي: وهو الطفيلي، وفي الشرح لا يجوز، وإن فجأهم بلا تعمد أكل نصًا، وكره الخبز الكبار، وقال ليس فيه بركة، ويكره أن يستبذله فلا يمسح يده ولا السكين به، ولا يضعه تحت القصعة ولا تحت المملحة، بل يوضع الملح وحده على الخبز، ويستحب أن يصغر اللقمة ويجيد المضغ ويطيل البلع: قال الشيخ: إلا أن يكون هناك ما هو أهم من الإطالة: واستحب بعض الأصحاب تصغير الكسر، وينوي بأكله وشربه التقوى على الطاعة، ويبدأ الأكبر والأعلم وصاحب البيت، ويكره لغيرهما السبق إلى الأكل وإذا أكل معه ضرير استحب أن يعلمه بما بين يديه، ويسن مسح الصحفة وأكل ما تناثر منه والأكل عند حضور رب الطعام وإذنه والأكل بثلاث أصابع، ويكره بما دونها وبما فوقها ما لم تكن حاجة، ولا بأس بالأكل بالملعقة.(1/56)
فصل: ويكره القران في التمر ونحوه مما جرت العادة بتناوله أفرادًا وفعل ما يُستقذر من بصاق ومخاط وغيره، وأن ينفض يده في القصعة، وأن يُقدِّم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه، وأن يغمس اللقمة الدسمة في الخل أو الخل في الدسم فقد يكره غيره، ولا بأس بوضع الخل والبقول على المائدة: غير الثوم والبصل وماله رائحة كريهة ويكون عنده ما يدفع به الغصة، وينبغي أن يحوِّل وجهه عند السعال والعطاس عن الطعام أو يبعده عنه أو يجعل على فيه شيئًا لئلا يخرج منه بصاق فيقع في الطعام، وإن خرج من فيه شيء ليرمي به صرف وجهه عن الطعام وأخذه بيساره، ويكره رده إلى القصعة، وأن يغمس بقية اللقمة التي أكل منها في المرقة، وكذا هندسة اللقمة وهو أن يقضم بأسنانه بعض أطرافها ثم يضعها في الأدم، وأن يتكلم بما يستقذر أو بما يضحكهم أو يخزيهم، وأن يأكل متكئًا أو مضطجعًا أو منبطحًا، وفي الغنية وغيرها أو على الطريق، وأن يعيب الطعام، وأن يحتقره؛ بل إن اشتهاه أكله وإلا تركه، ولا بأس بمدحه، ويستحب أن يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى أو يتربع – قال ابن الجوزي: ولا يشرب الماء في أثناء الطعام فإنه أجود في الطب – وينبغي أن يقال إلا أن يكون ثم عادة، ولا يعب الماء عبَّا، وأن يأخذ إناء الماء بيمينه ويسمي وينظر فيه ثم يشرب منه مصًّا مقطعًا ثلاثًا ويتنفس خارج الإناء، ويكره أن يتنفس فيه وأن يشرب من في السقاء وثلمة الإناء أو محاذيًا للعروة المتصلة برأس الإناء، ولا يكره الشرب قائمًا، وقاعدًا أكمل، وأما ماء آبار ثمود فلا يباح شربه ولا الطبخ به ولا استعماله، فإن طبخ منه أو عجن أكفأ القدور وعلف العجين النواضح، ويباح منها بئر الناقة: وديار قوم لوط مسخوط عليها فيكره شرب مائها واستعماله، وظاهر كلامهم لا يكره أكله قائمًا، وإذا شرب سن أن يناوله الأيمن، وكذا في غسل يده ورش الماء ورد ونحوه، ويبدأ في ذلك بأفضلهم ثم بمن على اليمين، ويستحب أن يغض طرفه(1/57)
عن جليسه، ويؤثر على نفسه المحتاج، ويخلل أسنانه إن علق بها شيء، لا في أثناء الطعام، لا بعود يضره، ويلقي ما أخرجه الخلال ويكره أن يبتلعه. وإن قلعه بلسانه لم يكره ابتلاعه، ولا يأكل مما شرب عليه الخمر ولا مختلطًا بحرام، ولا يلقم جليسه ولا يفسح لغيره إلا أن يأذن رب الطعام، وفي معنى ذلك تقديم بعض الضيفان ما لديه ونقله إلى البعض الآخر – قال في الفروع: وما جرت العادة به كإطعام سائل وسنور ونحوه وتلقيم وتقديم: يحتمل كلامهم وجهين: وجوازه أظهر لحديث أنس في الدباء، ولا يخلط طعامًا بطعام، ولا يكره قطع اللحم بالسكين، والنهي عنه لا يصح، وينبغي ألا يبادر إلى تقطيع اللحم الذي يقدم للضيفان حتى يأذنوا له في ذلك، والسنة أن يكون البطن أثلاثًا ثلثًا للطعام، وثلثًا للشراب وثلثًا للنفس، ويجوز أكله أكثر بحيث لا يؤذيه: ومع خوف أذى وتخمة يحرم، ويكره إدمان أكل اللحم وتقليل الطعام بحيث يضره. وليس من السنة ترك أكل الطيبات، ولا بأس بالجمع بين طعامين، ومن السرف أن تأكل كل ما اشتهيت ومن أذهب طيباته في حياته الدنيا واستمتع بها نقصت درجاته في الآخرة، وقال أحمد «يؤجر في ترك الشهوات» ومراده ما لم يخالف الشرع ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب والمروءة، ويأكل مع الفقراء بالإيثار ومع الإخوان بالانبساط، ومع العلماء بالتعلم، ولا يتصنع بالانقباض ولا يكثر النظر إلى المكان الذي يخرج منه الطعام، ويستحب الأكل مع الزوجة والولد ولو طفلا والمملوك، وأن تكثر الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده، ويسن أن يُجلس غلامه معه على الطعام وإن لم يجلسه أطعمه منه، وألا يرفع يده قبلهم حتى يكتفوا، ويكره لصاحب الطعام مدح طعامه وتقويمه لأنه دناءة.(1/58)
فصل: ويستحب أن يباسط الإخوان بالحديث الطيب والحكايات التي تليق بالحال إذا كانوا منقبضين، ويقدم رب الدار ما حضر من الطعام من غير تكلف ولا يحتقره، وإذا كان الطعام قليلا والضيوف كثير فالأولى ترك الدعوة: لا سيما إذا كان قليلا، ويسن أن يخص بدعوته الأتقياء والصالحين، وإذا طبخ مرقة فليكثر من مائها ويتعاهد منه بعض جيرانه، وإذا حضر الطعام والصلاة بدأ بالطعام ما لم يتخذ ذلك عادة، ولا خير فيمن لا يضيف. ومن آداب إحضار الطعام تعجيله لا سيما إذا كان الطعام قليلا، ونقدم الفاكهة قبل غيرها لأنه أصلح من باب الطب، ويكره أكل ما لم يطب أكله منها ولا يستأذنهم في التقديم، ومن التكلف أن يقدم جميع ما عنده – قال الشيخ: إذا دعي إلى أكل دخل بيته فأكل ما يكسر نهمته قبل ذهابه انتهى، ولا يجمع بين النوى والتمر في طبق واحد ولا يجمعه في كفه، ولا يخلط قشر البطيخ الذي أكله بما لم يؤكل ولا يرمي به لأن في جمعه ليطرح كلفة وربما صدم رأس الجليس أو قطر منه شيء في حالة الرمي، ولرب الطعام أن يخص بعض الضيفان بشيء طيب إذا لم يتأذ غيره، ويستحب للضيف أن يفضل شيئًا لا سيما إن كان ثم حاجة، وفي شرح مسلم يستحب لصاحب الطعام الأكل بعد فراغ الضيفان، لحديث أبي طلحة الأنصاري في الصحيح والأولى النظر في قرائن الحال، ولا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشرع، ويكره أن يأكل ما انتفخ من الخبز ووجهه ويترك الباقي ولا يقترح طعاما بعينه وإن خير بين طعامين اختار الأيسر: إلا أن يعلم أن مضيفة يسر باقتراحه ولا يقصر، وينبغي ألا يقصد بالإجابة إلى الدعوة نفس الأكل بل ينوي به الاقتداء بالسنة وإكرام أخيه المؤمن، وينوي صيانة نفسه عن مسيء به الظن والتكبر، ويكره أكل الثوم والبصل ونحوهما، ويستحب أن يجعل ماء الأيدي في طشت واحد فلا يرفعه إلا أن يمتلئ ولا يضع الصابون في ماء الطست بعد غسل يديه، وظاهر كلامهم لا يكره غسل اليد بالطيب.(1/59)
ومن أكل طعامًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه، وإذا شرب لبنا قال: بارك لنا فيه وزدنا منه، وإذا وقع الذباب ونحوه في طعام أو شراب سن غمسه كله ثم ليطرحه، ويغسل يديه وفمه من ثوم وبصل وزهومة ورائحة كريهة ويتأكد عند النوم، وفي الثريد فضل على غيره من الطعام، وهو أن يثرد الخبز أي يفته ثم يبله بمرق لحم أو غيره، وإذا ثرد غطاه شيئًا حتى يذهب فوره، فإنه أعظم للبركة، ويكره رفع يده قبلهم بلا قرينة، وأن يقيم غيره عن الطعام قبل فراغه لما فيه من قطع لذته ولا يقوم عن الطعام حتى يرفع، وأن أكل تمرًا عتيقًا ونحوه فتشه وأخرج سوسه، وإطعام الخبز البهيمة تركه أولى إلا لحاجة أو كان يسيرًا، ومن السنة أن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار. ويحسن أن يأخذ بركابه، وروي مرفوعًا من أخذ بركاب من لا يرجوه ولا يخافه غفر له: «قال ابن الجوزي» وينبغي أن يتواضع في مجلسه، وإذا حضر ألا يتصدر، وإن عين له صاحب البيت مكانًا لم يتعده، والنثار في العرس وغيره والتقاطه مكروهان؛ لأنه شبه النهبة، والتقاطه دناءة وإسقاط مروءة، ومن أخذ منه شيئُا ملكه، ومن حصل في حجره منه شيئًا فهوله، وليس لأحد أخذه منه فإن قسم على الحاضرين لم يكره، وكذلك أن وضعه بين أيديهم وأذن لهم في أخذه على وجه لا يقع فيه تناهب، ويسن إعلان النكاح، والضرب عليه بدف لا حلق ولا صنوج: للنساء، ويكره للرجال، ولا بأس بالغزل في العرس، وضرب الدف في الختان وقدوم الغائب ونحوهما كالعرس، ويحرم كل ملهاة سوى الدف كمزمار وطنبور ورباب وناي وعود وزمارة الراعي ونحوها: سواء استعملت لحزن أو سرور (1) .
فوائد تتعلق بآداب الطعام
والشراب واللباس
1 – ينهى عن النفخ في الإناء والتنفس فيه.
2 – يتنفس الشارب خارج الإناء ثلاث مرات.
3 – لا بأس بنفخ الطعام والشراب إذا كان حارًّا لحاجة.
__________
(1) كتاب الإقناع في الفقه للشيخ موسى الحجاوي المقدسي رحمه الله (3/231).(1/60)
4 – يكره جولان الأيدي في الطعام إذا كان نوعًا واحدًا.
5 – يكره الأكل من أعلى الطعام ومن وسطه بل من نواحيه.
6 – يكره كراهة شديدة الأخذ والإعطاء والأكل والشرب باليد اليسرى لغير ضرورة.
7 – يكره الأكل متكئًا وهو احتقار للنعمة.
8 – يكره الأكل بأقل من ثلاث أصابع أو أكثر منها.
9 – أول من أتخذ الملعقة إبراهيم الخليل عليه السلام.
10 – يكره أكل كل ذي رائحة خبيثة كالثوم والبصل والكراث.
11 – يكره مباشرة الأذى باليد اليمنى لأنها لما شرف واليسرى لما خبث.
12 – ينبغي للآكل أن يجهر بالبسملة لينبه غيره.
13 – يسمي الشارب عند كل ابتداء ويحمد عند كل قطع وانتهاء.
14 – يكره سبق القوم بالأكل لأنه دناءة.
15 – يبتدئ رب الطعام بالأكل ما لم يكن أفضل منه.
16 – لا بأس بالشبع غير المفرط.
17 – يكره الإسراف في الأكل والشبع المفرط.
18 – على الآكل أن يجعل ثلثًا لطعامه وثلثًا لشرابه وثلثًا لنفسه.
19 – تحرم المبالغة في تقليل الطعام.
20 – الأكل فوق الشبع حرام إلا في موضعين، أحدهما: إذا أكل ليتقوى به على الصيام. الثاني: إذا أكل مراعاة للضيف.
21 – من أذهب طيباته في حياته واستمتع بها نقصت درجاته في الآخرة.
22 – من تأمل مدخل الطعام ومستقره ومخرجه رأى فيه العجائب والعبر (انظر تفسير قوله تعالى: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } في كتاب التبيان في أقسام القرآن، وفي مفتاح دار السعادة لابن القيم رحمه الله تعالى.
23 – يستحب تصغير اللقمة، ولعق الأصابع، وأكل ما تساقط من الطعام. وتخليل ما بين الأسنان. وغسل اليد قبل الطعام وبعده.
24 – ينبغي ترك ما تعافه النفس بلا تعنيف ولا عيب.
25 – يكره الشرب من فم السقا وثلمة الإناء.(1/61)
26 – ذكر بعض الأطباء أنه لا يسوغ شرب الماء في عشرة مواضع: بعد الطعام، والحمام، والحلوى، والجماع، والتعب، وشرب دواء مسهل، وأكل الفاكهة، وإذا استيقظ من النوم، وبعد أكل ساخن، والشرب هو جائع، وقال ابن القيم رحمه الله ينبغي أن يجتنب شرب الماء على الريق وبعد الحمام وعقب الجماع، وبعد الفاكهة، وعند الانتباه من النوم.
وأما على الطعام فلا بأس إذا اضطر إليه ولا يكثر منه بل يمص مصًّا فإنه لا يضره.
27 – إذا شرب يناول من على يمينه.
28 – يباح الأكل من بيت القريب والصديق من مال غير محرز.
29 – يكره مسح الأصابع والسكين في الخبز.
30 – تجب ضيافة المسلم المسافر النازل به في القرى دون الأمصار.
31 – ينبغي للمضيف أن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار.
من آداب اللباس
32 – يكره لباس ما فيه شهرة عند الناس ولبس ما فيه صورة حيوان.
33 – ويكره لبس ما يصف البشرة من بياض أو سواد.
34 – ويحرم تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في الكلام واللباس وغير ذلك.
35 – أحسن ما يلبس من الثياب للحي والميت البياض.
36 – يحرم لبس الحرير إلى لضرورة كالحكة.
37 – الحرير محرم على الذكور دون الإناث.
38 – (قاعدة) ما حُرم استعماله من حرير ومذهب ومصور حرم بيعه ونسجه.
39 – يحرم لبس ما نسج من فضة أو ذهب.
40 – يحرم اتخاذ الستر المحتوي على صورة.
41 – يكره كتب القرآن في الستر وما هو مظنة بذله.
42 – يكره لبس الرقيق من الثياب وتطويل اللباس وتقصيره.
43 – يحرم على الرجل تطويل ملابسه وإسبالها أسفل من الكعبين.
44 – يكره مخالفة أهل بلده في اللباس لئلا يشار إليه بالأصابع ويكون ذلك حاملا لهم على غيبته فيشاركهم في إثم الغيبة.
45 – يسن تنظيف الثياب وطيبها.
46 – يكره للغني لبس ردي الثياب فإن الله إذا أنعم على عبده يحب أن ترى أثر نعمته عليه.
47 – يسن حمد الله في كل حالة لا سيما عند لبس الثياب.(1/62)
48 – لا بأس بلبس خاتم من فضة، ويكره اتخاذ الخاتم من نحاس ورصاص وحديد.
49 – يحرم اتخاذ خاتم الذهب للذكور.
50 – يسن جعل الخاتم في خنصر اليسرى.
51 – يكره الخاتم في الوسطى والسبابة.
52 – لا يجوز أن ينقش على الخاتم وغيره صورة حيوان.
53 – تحرم إجابة دعوة المرأة إلا بمحرم لها لأنها عورة وفتنة وتحرم الخلوة بها.
54 – عدم إجابة دعوة من عنده معاصي لا يستطيع المدعو تغييرها.
55 – ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة (1) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
آداب الأكل والشرب من منظومة
الآداب لابن عبد القوي
ويكره نفخ في الغذا وتنفس ... وجولان أيد في طعام موحد
فإن كان أنواعًا فلا بأس فالذي ... نهى في اتحاد قد عفى في التعدد
وكل بثلاث من أصابع جالسًا ... ومع قائم فاكرههما وممدد
وأكلك بالثنتين والأصبع أكرهن ... ومع نتن العرف أكره إتيان مسجد
وأخذ وإعطاء وأكل وشربه ... بيسراه فأكره ومتكئًا زد
وكل جالسًا فوق اليسار وناصب الـ ... يمين وبسمل ثم في الانتها احمد
ويكره سبق القوم للأكل نهمة ... ولكن رب البيت إن شاء يبتدي
ومن قبل مسح فالعق اليد والإنا ... يبارك ويستغفر لك الصحن اسند
وكن رافعًا قبل القيام الطعام قد ... نهي عن قيام قبل رفع المميد
وجمع على الزاد العيال يزد نما ... لهم وانههم عن أكلهم بتفرد
ولا بأس أن يخبئ الفتى قوت أهله ... لعام وفي ذا بالنبي لتقتدي
ويكره أكل الهجم أن يترصدن ... مع الاذن لكن دونه احضره واطرد
وبش إلى الضيفان وامزح على القرى ... لتذهب عنه خجلة المتنكد
وكن مؤثرًا إن كان في الزاد قلة ... ولا تتكلف تعجزن فتفند
ومع أهل دنيا إن أكلتن فاحتشم ... ومع فقراء آثرنهم تسدد
__________
(1) انظر كتاب غذاء الألباب شرح منظومة الآداب المجموع من ثلاثمائة كتاب للشيخ محمد السفاريني رحمه الله (2/83 – 274).(1/63)
والإخوان معهم إن أكلتن فانبسط ... ووانس ولا تذكر كلامًا ينكد
ولا تحكين المضحكات فيشرقوا ... ولا تذكرن بولا ولا قذرا ردي
ولا تحقرن شيئًا يقدم للقرى ... وتعجيل نزر زينة للمصرد
ويكره أكل الترب إلا تداويا ... وأكل خبيث الريح غير مصخد
ويكره في التمر القران ونحوه ... وقيل مع التشريك لا في التفرد
ولا بأس عند الأكل من شبع الفتى ... ومكروه الإسراف والثلث أكد
ويحسن قبل المسح لعق أصابع ... وأكل فتات ساقط بتشرد
ويحسن تصغير الفتى لقمة الغذا ... وبعد ابتلاع ثن والمضغ جود
وتخليل ما بين الأصابع بعده ... والق وجانب ما نهى الله تهتد
وغسل يد قبل الطعام وبعده ... ويكره بالمطعوم غير مقيد
ويكره نوم المرء من قبل غسله ... من الدهن والألبان للفم واليد
وكل طيبًا لا ضده والبس الذي ... تلاقيه من حل ولا تتقيد
وما عفته فاتركه غير معنف ... ولا عائبا رزقا وبالشارع اقتد
ولا تشربن من في السقاء وثلمة الـ ... إنا وانظرن فيه ومصا تزرد
ونح الإنا عن فيك واشرب ثلاثة ... هو أهنى وأمرى ثم أروى لمن صدى
ولا تكرهن الشرب من قائم ولا ... انتعال الفتى في الأظهر المتأكد
وأخذ وإعطاء وأكل وشربه ... بيسراه فأكرهه ومتكئًا زد
ويكره باليمنى مباشرة الأذى ... وأوساخه مع نثر ماء أنفه الردي
كذا خلع نعليه بها واتكاؤه ... على يده اليسرى ورا ظهره اشهد
وأن تأكلن عند امرئ فادعون له ... فقد أمر الهادي به ودعا اشهد
وكن مكرمًا للخبز غير مهينه ... وأرغفة صغر وللعجن جود
وضيفك أكرمه وعجل قراءه ... وقل مرحبًا في ذا بأحمد فاقتد
(انظر شرح هذه الأبيات في كتاب غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني جـ 2 (ص 83 – 200).
آداب اللباس
ويكره لبس فيه شهرة لابس ... وواصف جلد لا لزوج وسيد
وإن كان يبدي عورة لسواهما ... فذلك محظور بغير تردد
وأشرف ملبوس إلى نصف ساقه ... وما تحت كعب فأكرهنه وصعد
وللرسغ كم المصطفى فإن ارتخى ... تناهى إلى أقصى أصابعه قد
وللرجل أحظر لبس أنثى وعكسه ... للعن عليه واكرهنه بأبعد
ولا بأس في لبس السراويل سترة ... أتم من التأزير فالبسه واقتد(1/64)
بسنة إبراهيم فيه وأحمد ... وأصحابه والإزار أشهر وأكد
وعمة مُخلي حلقة من تحنك ... لدى أحمد مكروهة بتأكد
ويحسن أن يرخي الذؤابة خلفه ... ولو شبرا أو أدنى على نص أحمد
وأحسن ملبوس بياض لميت ... وحي فبيض مطلقًا لا تسود
ولا بأس بالمصبوغ من قبل غسله ... مع الجهل في إصباغ أهل التهود
وقيل اكرهنه مثل مستعمل الإنا ... وأن تعلم التنجيس فاغسله تهتدي
وأحمر قان والمعصفر فاكرهن ... للبس رجال حسب في نص أحمد
وليس بلبس الصوف بأس ولا القبا ... ولو للنسا والبرنس أفهمه واقتد
ويحسن تنظيف الثياب وطيبها ... ويكره مع طول الغنى لبسك الردي
وما يشبه الزنار يكره مطلقًا ... ومزربه أو شبه لبس التهود
ويحرم جر اللبس للخيلاء من ... فتى مطلقًا بل في الصلاة فأكد
وما يشبه الزنار يكره مطلقًا ... ولا بأس في شد الإزار لسجد
ولبس الحرير احظر على كل بالغ ... سوى لضني أو قمل أو حرب جحد
فجوزه في الأولى وحرمه في الأصح ... على هذه الصبيان من مصمت زد
ويحرم بيع للرجال للبسهم ... وتخييطه والنسج في نص أحمد
وحظر على الذكران ما نسجوه من ... لجين وعين غالب أو مصرد
ويحرم في منصوص أحمد تكة الـ ... حرير كذا شرابة لا تردد
وحل على الذكران خاتم فضة ... وحلية سيف مع قبيعة عسجد
وأنف وربط السن منه ضرورة ... وقول أبي بكر مبيح المزهد
وفي الستر أو ما هو مظنة بذله ... ليكره كتب للقران الممجد
وليس بمكروه كتابة غيره ... من الذكر فيما لم يدس ويمهد
وحل لمن يستأجر البيت حكه الـ ... تصاوير كالحمام للداخل اشهد
وحل شرى والي اليتيمة لعبة ... بلا رأس أن تطلب وبالرأس فاصدد
ولا يشتري ما كان من ذاك صورة ... ومن ماله لا مالها في المجود
ويحرم تصوير لذي الروح كاملا ... وذنبا كبيرا عده للتوعد
ولا بأس في لبس الفرا واشترائها ... جلود حلال موته لم يؤطد
وكاللحم في الأولى احضرن جلد ثعلب ... وعنه ليلبس والصلاة به اصدد
وفي نصه لا بأس في جلد أرنب ... وكل السباع احظر كهر بأوطد
ولا بأس بالختام من فضة ومن ... عقيق وبلور وشبه المعدد
ويكره من صفر رصاص حديدهم ... ويحرم للذكران خاتم عسجد(1/65)
ويحسن في اليسرى كأحمد وصحبه ... ويكره في الوسطى وسبابة اليد
ومن لم يضعه في الدخول إلى الخلا ... فعن كتب قرآن وذكر به أصدد
ويحسن باليمنى ابتداء انتعاله ... وفي الخلع عكس واكره العكس ترشد
ويكره مشي المرء في فرد نعله اخـ ... تيارًا أصخ حتى لا صلاح مفسد
ولا بأس في نعل تصلي بها بلا ... أذى وافتقدها عند أبواب مسجد
ويحسن الاسترجاع في قطع شسعه ... وتخصيص حاف بالطريق الممهد
وقد لبس السبتي وهو الذي خلا ... من الشعر مع أصحابه بهم اقتد
ويكره سندي النعال لعجبه ... فصرارها زي اليهود فأبعد
وفي نصه أكره للرجال وللنسا الر ... قيق سوى للزوج يخلو وسيد
وإن كان يبدي عورة لسواهما ... فذلك محظور بغير تردد
ويكره تقصير اللباس وطوله ... بلا حاجة كبرا ترك التعود
ويحسن حمد الله في كل حالة ... ولا سيما في لبس ثوب مجدد
وقل لأخ أبل وأخلق ويخلف الله ... كذا قل عش حميدًا تسدد
ومن يرتضي أدنى اللباس تواضعًا ... سيكسي الثياب العبقريات في غد
تبارك ذو المن المدبر خلقه ... بما شاءه من غير منع مصرد
فكم حكم في طي أحكامه له ... يدبرها تجلو القلوب فتهتدي
فليس بمسئول ولكن مسائل ... بريته عما يقولون في غد
وأزكى صلاة الله جل ثناؤه ... وعز على خير البرايا محمد
(انظر شرح هذه الأبيات في كتاب غذاء الألباب شرح منظومة الآداب) للسفاريني جـ 2.
مراجع تحفة الأحباب بآداب
اللباس والطعام والشراب
1- رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - بتحقيق شعيب الأرنؤوط.
2- زاد المعاد لابن القيم رحمه الله.
3- منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري وفقه الله وأثابه.
4- الإقناع في الفقه للشيخ موسى الحجاوي رحمه الله.
5- خطب الشيخ محمد الصالح العثيمين وفقه الله وأثابه.
6- غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للشيخ محمد السفاريني رحمه الله.
7- بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين للمؤلف.
8- الثمار اليانعة من الكلمات الجامعة للمؤلف وفقه الله.
فهرس
مقدمة ... 5
كتاب اللباس ... 6
باب استحباب الثوب الأبيض ... 6(1/66)
وجواز الأحمر والأخضر والأصفر ... 6
والأسود وجوازه من قطن وكتان ... 6
وشعر وصوف وغيرها إلا الحرير ... 6
باب استحباب القميص ... 6
باب صفة طول القميص والكم والإزار ... 6
وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء من ذلك على سبيل الخيلاء. ... 6
وكراهته من غير خيلاء: ... 6
باب استحباب ترك الترفع ... 6
في اللباس تواضعًا ... 6
باب استحباب التوسط في اللباس ... 6
باب تحريم لباس الحرير على الرجال ... 6
وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه ... 6
وجواز لبسه للنساء ... 6
باب جواز لبس الحرير لمن به حكة ... 6
باب النهي عن افتراش جلود ... 6
النمور والركوب عليها ... 6
باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدًا ... 6
من آداب اللباس ... 6
حكم إسبال الثياب للرجال ... 6
من أحكام اللباس ... 6
1 – الألبسة المحرمة ... 6
2 – ما يحرم من اللباس ... 6
كتاب أدب الطعام من السنة النبوية ... 6
باب التسمية في أوله والحمد في آخره ... 6
باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه ... 6
باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر ... 6
باب ما يقوله من دعي إلى طعام فتبعه غيره ... 6
باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله ... 6
باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل
جماعة إلا بإذن رفقته ... 6
باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع ... 6
باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي
عن الأكل من وسطها ... 6
باب كراهية الأكل متكئًَا ... 6
باب استحباب الأكل بثلاث أصابع واستحباب لعق الأصابع،
وكراهة مسحها قبل لعقها واستحباب لعق القصعة وأخذ
اللقمة التي تسقط منه وأكلها ومسحها بعد اللعق بالساعد
والقدم وغيرها ... 6
باب تكثير الأيدي على الطعام ... 6
باب أدب الشرب واستحباب التنفس ثلاثًا خارج الإناء
وكراهة التنفس في الإناء واستحباب إدارة الإناء
على الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ ... 6
باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة
تنزيه لا تحريم ... 6
باب كراهة النفخ في الشراب ... 6
باب بيان جواز الشرب قائمًا وبيان أن الأكمل والأفضل
الشرب قاعدًا فيه حديث كبشة السابق. ... 6(1/67)
باب استحباب كون ساقي القوم آخرهم شربًا ... 6
باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة
وجواز الكرع -وهو الشرب بالفم من النهر وغيره– بغير
إناء ولا يد وتحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الشرب
والأكل والطهارة وسائر وجوه الاستعمال ... 6
هديه - صلى الله عليه وسلم - وسيرته في الطعام ... 6
من آداب الأكل والشرب ... 6
فصل في آداب الأكل من الفقه الإسلامي ... 6
فوائد تتعلق بآداب الطعام والشراب واللباس ... 6
من آداب اللباس ... 6
آداب الأكل والشرب من منظومة الآداب لابن عبد القوي ... 6
آداب اللباس ... 6
مراجع تحفة الأحباب بآداب ... 6
اللباس والطعام والشراب ... 6
فهرس ... 6(1/68)