تحذير الأنام
بما في الأقوال والأفعال
من الآثام
تأليف
ماجد إسلام البنكاني
أبي أنس العراقي
قرأهُ وقدَّم لَهُ فضيلةُ الشيخ
محمد إبراهيم شقرة
أبو مالك
طبعَة جَديدة منقحَة وَمزيدَة
كتابي فيه تحذير الأنام
من الآثام فانْجُ من العقَابِ
له صِنو وفيه الخيرُ جَمّ
فَخُذْ وانْهَلْ مِنَ البَحْرِ العُبَابِ
بهدي المصطفى بالنُّورِ ننجو
برحمةِ ربِّنا يومَ الحسابِ
فَسَدِّدْ يا أُخيَّ بصدقِ قلبٍ
وقارِبْ ما استَطَعْتَ من الصوَّابِ
كلا السفْرَيْنِ مِنْ قَوْلٍ وفعلٍ
دواء جَرّبوه بلا ارتيابِ
فيا ربّي تَقَبَّلْ مِنْ فقيرٍ
لعفوكَ راجياً حسن الإيابِ
مقدمة الشيخ محمد إبراهيم شقرة
حفظه الله تعالى
الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
أَما بعد:فقد جلَّت الأُمَّة في أَعين أنفسها، وعَظُمت أقدارُها في ذاتها، ومضت على مدرجةِ الزمن،تدثِّرُ معالم الخَيرْ وأَسبابه بأَدثرةِ الحفظ الممنَّعة، كي تصون للعالم حقوقه التي أَوجب الله علينا القيام بها، فتبقى ممسكةً بحبل النُّور، الذي تهتدي به إِلى مقاصدِ الحياة المطمئنَّة الوادعة، في غير جفاءٍ ولا جَنَفٍ، وما كان لهذه الأمَّة أَن تختار لنفسها حبلاً غيره، فهو موثوقٌ إلى السماءِ، وحتى لو أَنَّها كانت قادرةً على الاختيار، وقد شطَّ بالأُمَّة اليوم النَّوى، فَباعدت نفسها عنه فأَضَّلتها الأَهواءُ، وساقتها إلى مراتع الهلكة، وهي تدري أَنَّها تدري أَنَّ هلاكها في ما صنعت، فليس لها ذلك، لأنَّه هو حبلُ الوحي الأَمين الذي لا يضلُّ الممسكون ولا يشقون.
وكان حقاً على الأُمَّة أَن تأويَ دائماً إِلى ما حفظ الله سبحانه، فتحفظ به وجودَها على الأَرض حتى تقوم الساعة، ولم تجدْ مشقَّة ولاعنَتاً في حفظ الوحي الأَول.(1/1)
أما الوحي الثاني وهو السُّنة، فقد لقيت الأُمة في حفظه الكثير من المشقة والعنت، إِذ عرضت له عوارض السُوءِ إِلى أَن أَذن الله سبحانه له أَن يستقر على القواعدِ والأُصول التي اصطلح عليها علماءُ الرواية والدراية، فكانت هي الحوافظَ الأَمينة، والعيْبات الواقية، للإِخبارات، والكلمات، النبويَّة، التي أَهبطها الله سبحانه على نبيِّه محمد عليه الصلاة والسلام، وبقيت من بعدُ هي الردءَ القائمَ من وراءِ ظهر القرآن، بحروفها ومعانيها، لا تتقدَّم عليه إِلا تمهيداً بتأْويل لآية أَو بياناً لمشكلٍ في أُخرى، أَو تقييداً لمطلق في ثالثةٍ، أو تخصيصاً لعامٍ في رابعةٍ، أو إِحداثاً لحكمٍ جديدٍ في خامسةٍ، أَراد الله سبحانه أَن يتفضَّلَ به تكرِمةً لنبيه عليه الصلاة والسلام فيكون بياناً جلياً لقوله: (( أَلا وإِنِّي أُوتيت الكتاب ومثله معه )) فتكون السُّنَّة طائفةً على الناس بنصوصها وكلماتها، في كل الأَعصار والأَمصار، أَنَّها حجَّةٌ باقيةٌ ثابتةٌ مكلؤَةٌ، تقف إِلى جانب الصِّنوِ الأعلى، كتابِ الله سبحانه .(1/2)
وإذا كانت رسائلُ قد أُلِّفت قديماً في الإِبانة عن فضلِ الأَعمال الصالحةٍ بتركٍ أَو بفعلٍ، مما أَنعم الله على أُمَّةِ الأسلام لتكون بها خير أُمةٍ أُخرجت للناس، لا تخاف انتقاصاً في أَجرٍ بفعلٍ قليلٍ أَو كثير، إِلا بما يكون من غفلةٍ عن الإِخلاص فيه، أَو مجانبةٍ عن الصِّدق في أَدائه والقيام بحقه، فكان لكلِّ رسالة منها بسط في النصوص التي أَوردها هذا المُؤَلِّف أَو ذاك، أَو إِقلالٌ فيها باختيار الجوامع الواسعة منها، فان هذا الكتاب، الذي تخيَّر نصوصه، وجمعها، وأَلَّف بينها، حتى غدا على ما تنعم به عيون القرَّاءِ بظاهر أَلفاظه ومبانيه، وبباطن فحواه ومعانيه، صورةً علميَّة كاملةً، كاشفةً المرادات التي جيئَت إِليها هذه النصوص، أو جيءَ بها هي إِلى النصوص، على نحوٍ لم يُسبق إِليه صاحبنا أبو أَنس ( أورثه الله الحُسنّى )، أستطيع القول معه، إنه أَوفى على الغاية، وبلغ به القصد، وأَنال القارئَ وداداً موصولاً، وحبَّاً مأمولاً، بينه وبين كتابه هذا، فيأخذ النصَّ الواحد أَو النصوص على عشوائيَّة مأمونة، وعلى ثقةٍ مطمأَنَّةٍ، إِذ قد أَوثقها بحبل التخريج الأَمين، ووصلها برُمَّةِ العزوِ الصَّادق الدقيق، من غير إيهام بنسبةِ شيءٍ منه له، أَو إِلباسٍ بفعلٍ مشابٍ بكذب، أَو استراق الخطى بسراويل فضفاضة مسروقة،أو عباءَاتٍ واسعة مغصوبة، أو ملءِ بطنه بفرث منهوب، إِلى غير هذه الصنائع الفاحشة التي إِن دلَّت فإنَّما تدل على أَخلاق مجلوبة من مستنقعاتٍ آسنةٍ،والعلم إِن لم يكن الورع يسانده، يسدِّده إِلى العمل به، ويرخي عليه ثوبه، ويهديه إِلى صوابه، فهو دليلٌ إلى كل الرذائل، وسبيل تفضي إلى كل ما يزهِّد في الفضائل، ولقد علمت الأنس والجنُّ، أَن نابتةَ سوءٍ مُنتنةً، أَظلَّت بسواد حميمها طائفةً من المتكسبين بالعلم، ظنت أن لها من سرائرها المعتمه، ما يستر ظاهرها المتعثرَ بالكسب الحرام، الوالغِ في أُجاج الشِّرب الضَّاحي،(1/3)
وغشَّاه بكلاَّت الهوان الصفيق، وصار بصاحبه كالجُعل المنفوخ، يدفع النتن بخرطومه المقطوع، صنيع فريق من أُولئَك الذين أَخزاهم الله بنوال الحرام، ولم يحرصوا على شيءٍ من العلم إِلا إِن كان يمدُّهم بمال، قائلين بأَلسنتهم، أَين غيرنا منا ؟ في مباهاة مجلوبةٍ من وراءِ ستار، إِن بدا منه فضل فإِنه عليهم عار وشنار، ومن أَراد أَن يعلم شيئًا من سيرة أَقلامهم فليسأَل دار عمار، وأَدراج مكتبة المنار، ومن كان يدخل عليهم دورهم للعمل معهم تحت وطأَة الحاجة الراغمة، ليل نهار!! فتسمع منهم العجب العجاب، والدليل لذلك، الحجة الفاضحة عليهم التي صارت عند جلِّ أصحاب المنهج السَّلفي تقدَّم على صريح السُّنة والكتاب: (هي إِخبارات الثقات)!!! وواحدٌ من أولئك الذين كانوا يدخلون عليهم من كل باب، صاحبنا هذا صاحب هذا الكتاب: أَبو أَنس، الضحيَّةُ الواترة، وإِن سأَلتموه عن أَمره، فلا تسأَلوه من وراءِ حجاب، فهو ليس من ربَّات الحجال والخضاب!حتى يكون الخبرُ أَصدق وأَرضى من مذاقِ الحلاب.
وبعد: فقد أَودعَ الله سبحانه أَرضَ الإسلام مواهبَ كثيرةً أَحاطت بكثير من الناس، ومنحتهم من ذاتها، بما لاقبل للكثيرين من تحمُّل بعضٍ منها،وأَرادتهم على سواءِ الأَمر مما أَودعها الله سبحانه من خصائصها، فمنهم من صار إِلى أَعلاها، ومنهم من صار إِلى أَدناها ومنهم من أَخذ بحظٍّ بين بين، بيد انَّهم اشتركوا في قدر أَصابوه بفضلٍ من الله ونعمةٍ .
وأجلُّ هذه المواهب وأَشرفها قدراً موهبة العلم، التي من أُتِيَها فقد أُوتي حَظَّاً حناً، ومن حُرِمَها فقد أَناخ طَفَلٍ من السوءِ، لا ينقى منه صدرُه، ولا تبرأُ منه دِرّةُ نفسه، إلا إِن هو عطف قَلبه على هذه الموهبة، فكان له منها نصيب . ولا يُحرص، وما كان ينبغي أَن يُسعى إِلى هذه الموهبة، إِلا لكي يقيم الإِنسانُ نفسه على صواب الأَمر أَو أَمرِ الصواب .(1/4)
وكان طائفة ممن أَصابوا من هذه الموهبة، أَنالتهم هِمَّتُهم شيئاً من الوُسع، فكانت لهم تواليفُ حسنةٌ، أَفرغوا سطورها بمداد أَقلامهم على صحائف، ازدانت وزهَتْ بهم على الدهر، رضوا بعلمهم، ورضي علمهم عنهم، فكانوا على مآدبه العامرة بأَطايبه، وحَفُّوا بها على أَحسن وتيرة، وأَقوى جبيرة، وتداولت القرونُ تواليفهم، وحنت لهم الأَجيال هاماتها، وانتهت إِليهم العقول بصادرها وواردها، وليس يشكُّ في أَن هذه التواليف ما كان يُكْتب لها البقاءُ والخلود من بعد موتِ مؤَلِّفيها وناظمي عقودها، وينقطع العلماءُ وطلاب العلم إِليها،ويقبلون بنهمٍ شديدٍ على قراءَتها، والإِفَادةِ من فصولها وأَبوابها، لو لم يكن الإِخلاص هو وطاءَها وسقفها، ودثارها وشعارها . وهذا ـ ولعمر الحق ـ هو البرهان القائم أَبدا الدَّهر على هذا الدعوى الشاهدةِ بنفسها على نَفسها .وكان طائفة ممن خلفوا هؤُلاءِ العظماءَ، قد أَخذوا بحظٍّ على نحوٍ مما كان منهم، فأَخلصوا النية، وعقدوا العزم، وترسموا الخطى، فأَنالتهم أَقلامُهم ما أَنالت من قَبْلَهم أَقلامُهم، فتشابهت كتبهم، وتماثلت رسائِلهم، وتحاكت تواليفُهم، واَمدُّوا الماضي بأَن جعلوا الحاضر جزءاً منه في سجلِّ ثقافة الأُمة وحاضرها، وهيَّأُوا المستقبل على وصله بحاضرهم، فأَغْنَوْه بالرجاءِ الضاهي الزاهر، فانعقدت آصرة الأزمنةِ الثلاثة على أَشرف وأَوثق ما يكون الانعقاد، وكانت جهودُ هذه الطائفة ردءاً مباركاً، ونصرةً طيِّبةً لما أَنزل الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، على تفاوتٍ فيما بينها، فمنها الأَعلى، ومنها الأدنى، ومنها الأَوسط، كما أَلمحنا إِلى هذا من قبل.(1/5)
والعلم الصحيحُ، النَّقيُّ، النظيفُ، هو من صنائع المعروف، الواقية مصارعَ السُّوءِ، وكتابُ صاحبنا هذا، وأَخينا الفاضل (أَبو أَنس) من تلكم الصنائع، فالجهد المبذول فيه من حسن الانتقاءِ والاختيار، وأَناقة الإِخراج والتبويب، والحرص على تدوين النصوص الثابتة، وعزوها إِلى مظانِّها ومواطنها، وبيان معاني الغريب والكشف عنها، وقفو الطرائق المتَّبعة المعهودة عند الأَولين السابقين في ذلك، وغيره من محاسن التأْليف والجمع، كلُّ أُولئك يحقق المرادات الطيَّبة من هذا المؤَلَّفِ الجيِّد النافع، التي تظهر بجلاءٍ ووضوح فيه من غير إِطالةِ نظرٍ، ولا إِشقاقٍ .
وواحدة فاتت أَخانا (أَبو أَنس) ما كان ينبغي أَن تفوته، وهي: أَن يبني باباً خاصاً، يأْتي فيه على التعريف بالإِيمان، على ما درج عليه السلف السَّابقون، ويدحض التمويه بالباطل، الذي سَّرده أَهله واجتباه المتردُّون بأَهوائهم في حقب القرون، وبخاصة أُولئك الأَصاغر البُلْه، ممن حسبوا أَنفسهم أَنهم على شيءٍ، حين أَتوا على وادٍ غير ذي زرعٍ، جفَّ ماؤُه، واستطال شوكه، وانقطع رجاؤُه، ومن ورائهم، ظالم لنفسه غير محسن بجهله، آبٍ على الحق والصواب .
جزى الله الأَخ الفاضل (أَبو أَنس) على إِحسانهِ، بإِحسانِ ((طرقه)) بابَ ((إِحسانٍ)) ليأْخذ عنه ((أَحسن)) العلم، بأَحسن شبيه، فيحسن به على الناس، من غير منٍّ بشيءٍ ممَّا ((أَحسن)) الله به عليه، فأَصاب من ((أَحسنه)) لنفسه، شاكراً لأَنعُم الله، الذي أَحسن صنع كل شيءٍ، سبحانه، وهو الغني بمحاسنه، هو أَحسن الخالقين .(1/6)
فإن من حقِّ العلم أَهله أَن يوقِّروه ويعظِّموه ، وذلك بأَن يكون سلوكاً صالحاً يجري على جوارحهم ، وكلاماً حسناً يطرق أَلسنتهم ، وتفكيراً طيباً سديداً تجرحه قلوبهم ، فإذا هذا العلم بيان صريح يفصح عن دخائلهم ، وسناً مشرق يجلِّل وجوههم ، وبرهان جليُّ يبين للناس عن سرائرهم وخفيِّ أَحوالهم ، فيكون لهم بعلمهم خير أَمين ما حض ، يعبق شذاه في الدنيا ، يصرِّفونه حيثما وكيفما وأَينما أَرادوا ، فقد ـ بما حواه من الأَحكام والآداب والأُصول ـ سجيَّةً راعية تضعُ من ذاتها فضلاً لكلِّ من يحبه ويحرص عليه ، وذلك فضلُ الله يؤْتيه من يشاءُ.
أَما أَن يكون العلم كتوراه اليهود ، فأَحسن وأَدقُّ ما يكون ظهوراً وبيانا ً في وصف أَهله ـ الموتورةِ قلوبهم ، الممعَّرَةِ وجوهُهم المبسوطةِ بالأَذى والسُّوءِ أَلسنتهم ـ قول الله سبحانه: ((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، كمثل الحمار يحمل أَسفاراً))، وهؤُلاءِ، نسأَل الله العافية والسلامة من كل سوءِ ـ كثيرون في زماننا هذا ، الذي فُئدَ قلبُه، وحار أَمره ، وعَشي بصره بهم ـ حتى إِني لأَكاد أَقول: إِن هذا الزمان يودُّ أَن لو ييكون تمنَّى على الله ، أَن يجعل مولد هؤُلاءِ خراسان، ليكونوا أَسرع أَنصار الدَّجال حين يخرج من خراسان فيفرحون به ويفرح بهم، وعندنا ـ والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، أَرهُط منهم، كانوا من إِرهاصات الدَّجال ، تجرَّعت منهم الأُمة الصَّابَ، وأَصناف الأَذى والبلاءِ، ومن كان مثلي فهو شجاع بصبره عليهم .(1/7)
ولعلَّ أخانا (أَبو أَنس) وفقه الله ، كان واحداً ممن صبروا ، فآنَسَ من سنِّ قلم إلهاماً ، شد إِليه رحلَ فكره ، فأَنشأ كتابه الأَول (إتحاف ذوي الألباب بما في الأقوال والأفعال من الثواب)، الذي أَسعدني بطلب منه أَن أَقدِّم له فكان ،ثم كان كتابه الثاني (تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الثواب)، وطلب إليَّ أن أُقدمه على نحو صنوه، وها أَنا ذا أَصنع له كالذي صنعت له من قبل، وهو حقيق أَن لا يُخلَفَ ظنُّه. ومعلوم أَن الإِنسان الذي كرَّمه الله ، وخاطبه بوصفه إِنساناً ، ((ياأَيها الإنسان إنك كادح إِلى ربك كدحاً فملاقيه))، ماثل بخطابات الله سبحانه إِياه في منزلةٍ بين أَوامر الله ، وبين نواهيه، امتثالاً وتحقيقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إِذا أَمرتكم بأَمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيءِ فاتركوه" .
فمن استجاب لما أَمر ففعل، ولما نهى عنه فترك ، مخلصاً لله في ذلك ، فقد ركب فلك النجاة ، وإِلا سقط في حفرة الهلاك ، وقد نَهَجَ الأَخ الفاضل ((أَبو أَنس)) في كتابه هذا نهج كتابه الأول في كل ما وصفتُ، وهما معاً يشكِّلان حلقةً واحدة، لا غِنَى لواحدة منهما عن الآخر، فلا حاجة لأَن أَذكر في هذا الجزء من المقدمة خصائصَ هذا الكتاب، وساجعل مقدمة الأَوَّلَ هي المقدمةَ لهذا الكتاب الثاني، صنيع السابقين، وهو الذي فعله الشيخ ناصر الدين الأَلباني في كتابه المعروف القيِّم: ((الجامع الصغير وزيادته)) صحيحه وضعيفه ، جزى الله الأَخ الفاضل على صنيعه في هذا الكتاب خير ما يجزي أَهل العلم المخلصين ، وجعله في العاملين الراغبين إِلى سبيل المتقين .
وأسأل الله العليَّ المتعالى الكبير، أَن ينفع بهذا السِّفر الطيِّب كل من يقرؤُه، ويبارك على مؤَلفه وأهله وولدهِ في الأَوَّلين السابقين، انه سميع مجيب،
وصلى الله وسلَّم وبارك على النبي الهادي الأَمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين(1/8)
وكتب أبو مالك / محمد إبراهيم شقرة 7 / جمادى الثاني / 1422 26 / آب / 2001
المقدمة
أن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون } ،(1) { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } .(2) { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطِع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } .(3)
أما بعد:
إن أمة من الأمم لا ترتقي وتسموا على مثيلاتها إلا إذا تمسكت بما تحمله من مبادئ وعقائد وأفكار وأُسُسٍ ومسلماتٍ، فحينئذ تزهو وتزهر فتخرج ثمراً يانعاً وعملاً نافعاً، وإن الناس في مجمل حياتهم إذا ملكوا زمام نفوسهم وردع أهوائهم، وشهواتهم ارتقوا نحو منازل الأولياء المقربين، أما إذا أطلقوا العنان لرغباتهم فإن مآلهم الفساد كُلُّ الفساد، نتيجة حتمية، والأمة الإسلامية اليوم في حال يرثى له، تدمع العين لما هي عليه من الذل والهوان، وأن القلب يحزن ويتمزق، كيف لا وهذا التفرق بين المسلمين، والوهن أُشرب في القلوب وما هذا إلا نتيجة لأعمالنا، فرقة في الصفوف، ومعاصي في الأقوال والأفعال، كما قال الله تعالى: { فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } .(4)
__________
(1) آل عمران: (102).
(2) النساء: (1).
(3) الأحزاب: (70-71).
(4) الشورى: (30).(1/9)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم".(1)
وبدل من أن ترجع الأمة الى دينها والى خالقها جل وعلا، وأن تتوب من المعاصي والذنوب، نرى ألسناً تلوك في أعراض المسلمين، وكلمات تغضب الباري عز وجل، وأعمال تهدم وتنخر في الأمة الاسلامية.
كم بهذه الأقوال والأفعال عبد غير الله تعالى، وأُشرك به، وكم بها أحدثت البدع، وكم بها فرقت الأمة ، وكم بها قُطِعت أرحام وحطمت أوصال، وكم بها نزفت دماء وقتل أبرياء، وكم وكم ...
فهل من أوبةٍ وهل من عودة، فرب كلمة ألقت بصاحبها في جهنم، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يرفع الله تعالى بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم".(2)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا".(3)
ورب عمل أوبق صاحبه والعياذ بالله.
ولما كان رب العزة وخالق البشرية حكيم في أحكامه وبديع في صنعه، اقتضت رحمته أن يجعل للناس ما يردع نفوسهم ويوقف نزواتهم عن التدني الى مدارك البهيمية، والنزول الى الحضيض، فجاءت الآيات، والأحاديث ترهب وتحذر وتنذر من الوقوع في مثل هذه الدركات.
__________
(1) رواه أبو داود برقم (3462)، والدولابي في الكنى (2/65)، وابن عدي في الكامل (256/2) والبيهقي في "السنن الكبرى": (5/316)، والطبراني في مسند الشاميين ( ص 464)، السلسلة الصحيحة رقم (11).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب حفظ اللسان برقم (6478)، ومسلم برقم (2988).
(3) صحيح الترمذي برقم (1962).(1/10)
فإن التوبة من المعاصي والذنوب والرجوع الى الله تهدم الخطيئات، وتنزل الرحمات و المكرمات ... وبعكس أمورها يحصل خرابها وذهابها.
لذا فإني حرصاً وألماً لما يجري على ساحة الإسلام والمسلمين وثبت الى قلمي وامسكته ببناني، فسطرت بخطي أحاديث نبوية انتقيتها من بطون أمهات الكتب الحديثية أخترت منها ما فيه الترهيبُ، والتحذير من الوقوع في خطايا الأقوال والأفعال، راجياً لها أن تجد طريقاً لقلب كل مؤمن يخاف الله، وكل باحث عن سبيل الخلاص.
واجتهدت في ترتيب الأحاديث كما هو نهج المحدثين على الأبواب الفقهية.
وقد خرجت الأحاديث من تخريجات الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، ومن كتاب الكبائر للذهبي بتخريج الشيخ مشهور حسن. وباقي التخريجات هي من كتب العلماء في هذا الشأن. أسأل الله العظيم أن يجزل لهم المثوبة، وأن يثيبهم على عملهم، وأن يجعل مأواهم الجنة .
هذا وأشكر كل من قدم لي يد المساعدة لإخراج هذا الكتاب لما فيه من المنفعة، وأخص بالذكر زوجتي أم أنس جزاها الله خيراً لما قامت به من الكتابة والتبييض ومقابلة الصفحات، وكذلك أشكر الأخوة القائمين على مكتبة مركز الدعوة العلمي في صنعاء اليمن، وكذلك الأخوة القائمين على مركز أبي بكر الصديق للأبحاث العلمية في صنعاء اليمن لما قدموه لي من المساعدة في الحصول على بعض المصادر، "ولا يشكر الله من لا يشكر الناس"(1) كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
والله أسأل أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعل له القبول في الأرض وأن يكون سبباً لإصلاح كثير من المسلمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتب
ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
19/ ربيع أول/ 1422هـ
الشرك بالله تعالى
__________
(1) صحيح الترمذي برقم (1592)، السلسلة الصحيحة برقم (417)، المشكاة برقم (3025)، التعليق الرغيب (2/56)، وقد ورد بألفاظ عديدة.(1/11)
قال الله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .(1)
وقال تعالى: { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار } .(2)
وقال تعالى: { إن الشرك لظلم عظيم } .(3)
والآيات في الباب كثيرة.
فالشرك هو أن تجعل لله نداً وهو خلقك وتعبد معه غيره وتصرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى من شجر، أو حجر، أو بشر، أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو جني، أو نجم، أو مَلَكٍ وغير ذلك.
وسُئل - صلى الله عليه وسلم - : أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك".(4)
و (الند) هو: المثل. قال تعالى: { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } .وقال تعالى: { وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار } .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فمن جعل لله نداً من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية فقد كفر بإجماع المسلمين. (5) أ.هـ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى – في معرض كلامه على أنواع الشرك-: النوع الأول : شرك أكبر مخرج عن الملة ؛ وهو : "كل شرك أطلقه الشارع وهو مناف للتوحيد منافاة مطلقة" مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله؛ بأن يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو أن يدعو غير الله تعالى؛ مثل أن يدعو صاحب قبر، أو يدعو غائباً لإنقاذه من أمر لا يقدر عليه إلا الحاضر. (6) أ.هـ
فالذي يموت مشركاً بالله تعالى والعياذ بالله فهو من أهل النار خالداً فيها.
__________
(1) النساء الآية (47).
(2) المائدة الآية (72).
(3) لقمان الآية (13).
(4) أخرجه البخاري برقم (4207)، باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون، ومسلم برقم (86)، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده .
(5) مجموع الفتاوى (1/88).
(6) مجموع فتاوى ورسائل (7/115).(1/12)
و عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور"، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".(2)
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والإخلاص يعافيك منها.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : "من الكبائر أربعة هي في القلب: الشرك بالله، والإصرار على معصيته، والقنوط من رحمته، والأمن من مكره".
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار".(3)
ومن أنوع الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين:عبادة القبور: واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم.
يقول الله عز وجل: { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون } .(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الشهادات برقم (2654)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (87).
(2) رواه البخاري في كتاب الوصايا برقم (2766)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (89).
(3) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (129)، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا ، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (93)، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار .
(4) الأحقاف الآية (5).(1/13)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الكبائر سبعٌ أولُهُنَّ الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقِّها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وفرارُ يومِ الزحفِ، وقَذفُ المحصناتِ، والانتقالُ إلى الأعرابِ بعدَ هجرتِهِ".(2)
وكذلك من أنواع الشرك الأكبر الذبح لغير الله.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من ذبح لغير الله".(3)
وكذلك السحر والكهانة والعرافة.
قال الله تعالى: { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } .(4)
فالسحر كفر ، والساحر كافر وحكمه القتل وكسبه حرام .
وأما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم إذا ادَّعيا علم الغيب ولا يعلم علم الغيب إلا الله تعالى.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".(5)
وأما الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب لا يكفر ولكن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً عقوبة له على ما فعل .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً".(6)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر".(7)
__________
(1) رواه البخاري (8/176 فتح).
(2) رواه البزار من رواية عمرو بن أبي سلمة، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1848).
(3) رواه مسلم برقم (1978).
(4) البقرة (102).
(5) رواه الإمام أحمد (2/429)، صحيح الجامع (5939).
(6) رواه مسلم في صحيحه برقم (1715).
(7) أخرجه النسائي في كتاب الأشربة (8/318) وأحمد في المسند (3/314) وصححه الحاكم كما في فتح الباري (10/405).(1/14)
ومن أنواع الشرك: الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس.
وعن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب".(1)
وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
قال تعالى: { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركي العرب لأنهم أشركوا في الإلهية أ.هـ(2)
فمن أشرك بربوبية الله فزعم أن شيئاً في الوجود يشارك الله في الخلق والتدبير، والحياة والموت والرزق، والنفع والضر، وغير ذلك من خصائص الرب الخالق، فهو كافرٌ ومن أشرك بألوهية الله، فزعم أن أحداً غير الله يستحق أن يُعبد من دون الله، أو عَبَدَ مع الله إلهاً آخر، أو تقرب إلى غير الله عز وجل بالعبادة، فهو كافر.
السجود عند التحية أو الإنحناء
أما السجود فلا يرتاب عاقل ولا يشك في صرفه لله سبحانه وتعالى، دون غيره، فالسجود لله تعالى وحده، ولا يجوز صرفه لغيره سبحانه وتعالى، ولما كان السجود فيه من التعظيم ما فيه كان فعله لغير الله حراماً.
__________
(1) رواه البخاري برقم (991)، باب قول الله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال بن عباس شكركم ، ومسلم برقم (71)، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء .
(2) مجموع الفتاوى (1/91).(1/15)
والدليل على ذلك أنه لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "ما هذا يا معاذ؟" قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددتُ في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فلا تفعلوا فإني لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفسُ محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه".(1)
وأما الانحناء عند التحية فكذلك لا ينبغي فعله إلا لله سبحانه وتعالى.
روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "قال رجل: يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه أينحني له؟ قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا" قال: فيلتزمه ويقبله؟ قال: "لا" قال: فيصافحه؟ قال: "نعم إن شاء".(2)
فالحديث يقتضي التحريم وهو صريح في النهي ولا يجوز الانحناء لمخلوق أبداً ولا يكون إلا للخالق جل وعلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما الانحناء عند التحية: فينهي عنه، كما في الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم سألوه عن الرجل يلقى أخاه ينحني له؟ قال : "لا" ، ولأن الركوع والسجود لا يجوز فعله إلا لله عز وجل".(3) أ. هـ
الرياء وهو من النفاق
قال الله تعالى: { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً } .(4)
وقال الله تعالى: { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون } .(5)
وقال الله تعالى: { كالذي ينفق ماله رئاء الناس } .(6)
__________
(1) رواه أحمد (18913)، وابن ماجة (1853) واللفظ له، وقال الألباني: "حسن صحيح"، صحيح ابن ماجة رقم (1515).
(2) رواه الترمذي برقم (2728) وابن ماجة برقم (3702)، السلسلة الصحيحة رقم (160).
(3) مجموع الفتاوى (1/377).
(4) النساء (142).
(5) الماعون (4-6).
(6) البقرة (264).(1/16)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول الناس يُقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمته فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت ليقال جرئ فقد قيل ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه الله نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمة فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت لك قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار".(1)
(جريء) هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد أي: شجاع.
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ به ومن يُرائي يُرائي الله به".(2)
قوله: "سمع" معناه: من أظهر عمله للناس رياءً أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأشهاد.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1905) والترمذي في الزهد برقم (2383) والنسائي في الجهاد (6/23 و 24).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6499)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (3986).(1/17)
وعن معاذ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اليسير من الرياء شرك".(1)
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أُثني عليه وينقص إذا ذم به".(2)
وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك.
وعن أبي سعيد الخدري مرفوعاً : "ألا أُخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟" قالوا: بلى. قال: "الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يَرى من نظر رجل إليه".(3)
الخفي: ما كان في القلب مثل الرياء لأنه لا يتبين، إذ لا يعلم ما في القلوب إلا الله، ويسمى "شرك السرائر" وهذا هو الذي بينه الله بقوله: { يوم تبلى السرائر } (4) .
فيزين صلاته: أي يحسنها بالطمأنينة، ورفع اليدين عند التكبير ونحو ذلك.
__________
(1) أخرجه ابن ماجةبرقم (3989) مطولاً وابن أبي الدنيا،والحاكم في المستدرك (4/328 و 3/270)،وأبو نعيم في حلية الأولياء(2/5) ، والطبراني في"الصغير"(2/123) رقم (892 مع الروض الداني)وقال: "لم يروه عن زبيد إلا الفياض ولا عنه إلا طلحة تفرد به إسحاق بن سليمان". وأخرجه من طريق صحيح الحاكم في المستدرك (1/4) وعنه البيهقي في الأسماء والصفات (ص 499-500) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(2) الكبائر للذهبي.
(3) أخرجه أحمد (3/30) وابن ماجة في الزهد (2/1406)، والحاكم (4/329) وصححه، و رواه البيهقي، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (30).
(4) الطارق (9).(1/18)
وفي رواية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" فسئل عنه؟ فقال: "الرياء، يقول الله عزوجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً".(1)
وعن يعلى بن شداد، عن أبيه قال: "كنا نعد الرياء في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرك الأصغر".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن ناساً قالوا له: إنا ندخل على أمرائنا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم به إذا خرجنا من عندهم، قال ابن عمر: "كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".(3)
وعن أبي هند الداريِّ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قام مقام رياء وسمعة، راءى الله به يوم القيامة وسَمَّع".(4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا أيها الناس! اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل".
فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله! قال: "قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه".(5)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من راءى بشيء في الدنيا من عمله، وكله الله إليه يوم القيامة، وقال: انظر هل يُغني عنك شيئاً؟!(6)
__________
(1) أخرجه أحمد (5/428)،وابن أبي شيبة في "الإيمان"ص 86،وقال الهيثمي في المجمع(10/222)،"رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن شبيب بن خالد وهو ثقة"وصححه الألباني في الترغيب رقم (32).
(2) رواه البيهقي والحاكم (4/329) وقال: "صحيح"، وقال الألباني "صحيح" الترغيب (35).
(3) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم (7178).
(4) رواه أحمد بإسناد جيد، والبيهقي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (24).
(5) رواه أحمد والطبراني، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (36).
(6) رواه البيهقي موقوفاً، وقال الألباني "صحيح موقوف" الترغيب (29).(1/19)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سمَّع الناس بعمله، سمَّع الله به مسامع خلقه، وصغرَّه وحقَّره".(1)
قال القرافي رحمه الله : "الفرق الثاني والعشرون والمئة بين قاعدة الرياء في العبادة، وبين قاعدة التشريك فيها.
اعلم أن الرياء شرك وتشريك مع الله تعالى في طاعته، وهو موجب للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة، فالرياء: إن يعمل المأمور به المتقرب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى، وأن يعظمه الناس أو يعظمهم، فيصل إليه نفعهم أو يندفع به ضررهم".(2)أ.هـ
وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: المراء في الدين يُقسيّ القلب، ويورث الضغائن.(3)
المرتد
قال الله تعالى: { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .(4)
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية : وقوله وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يعني الذين ارتدوا عن دينهم فماتوا على كفرهم هم أهل النار المخلدون فيها ، وإنما جعلهم أهلها لأنهم لا يخرجون منها فهم سكانها المقيمون فيها كما يقال هؤلاء أهل محلة كذا يعني سكانها المقيمون فيها ويعني بقوله هم فيها خالدون هم فيها لابثون لبثا أمد ولا نهاية .اهـ . تفسير الطبري (2/355) .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بدل دينه فاقتلوه".(5)
سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير" ، والبيهقي، وأحمد (6509 و 6986 و 7085 – طبعة شاكر)، وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (25).
(2) الفروق (3/22).
(3) سير أعلام النبلاء (10/28).
(4) سورة البقرة الآية (217).
(5) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (3017).(1/20)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل قال: من عادا لي ولياً آذنته بالحرب".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه".(2)
وقالت عائشة رضي الله عنها: "أُمِروا بالاستغفار لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فسبوهم".(3)
وقال علي - رضي الله عنه - : والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهدُ النبي الأمي إلي: "لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق".(4)
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فإذا كان هذا قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق علي فالصِّدِّيقُ بالأولى والأحرى لأنه أفضل الخلق بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومذهب عمر وعلي رضي الله عنهما أن من فضل على الصديق أحداً فإنه يجلد حد المفتري. انتهى(5)
وروى شعبة عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الجارود بن المعلى العبدي قال: أبو بكر خير من عمر فقال آخر: عمر خير من أبي بكر فبلغ ذلك عمر فضربه بالدرة حتى سعر برجليه وقال: إن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أخير الناس في كذا وكذا من قال غير ذلك وجب عليه حد المفتري.
وروى حجاج بن دينار عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة قال: سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: بلغني أن قوماً يفضلوني على أبي بكر وعمر من قال شيئاً من هذا فهو مفترٍ، عليه ما على المفتري.
وعن أبي عبيدة بن حجل أن علياً - رضي الله عنه - قال: لا أُوتي برجل فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
__________
(1) رواه البخاري في "الرقاق" رقم (6502).
(2) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم(3673)ومسلم في فضائل الصحابة برقم (2541).
(3) رواه مسلم في "التفسير" برقم (3022) عن هشام عن أبيه عن عائشة.
(4) رواه مسلم في "الإيمان" برقم (78).
(5) الكبائر (ص 181).(1/21)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما".(1)
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فأقول: من قال لأبي بكر ودونه: يا كافر! فقد باء القائل بالكفر هنا قطعاً لأن الله تعالى قد رضي عن السابقين الأولين قال الله تعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه } ومن سب هؤلاء فقد بارز الله تعالى بالمحاربة، بل من سب المسلمين وآذاهم وازدراهم فقد قدمنا أن ذلك من الكبائر فما الظن بمن سب أفضل الخلق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ لكنه لا يخلد بذلك في النار، إلا أن يعتقد نبوة علي - رضي الله عنه - أو أنه إله فهذا ملعون كافر. أ.هـ (2)
قال أيوب السختياني رحمه الله تعالى: من أحب أبا بكر فقد أقام منار الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى ومن قال الخير في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد برئ من النفاق.
سب الأنصار رضي الله عنهم
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق".(4)
الذبح لغير الله تعالى
قال الله تعالى: { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } .(5)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5752)، باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال ، ومسلم برقم (60)، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر .
(2) الكبائر (ص 182).
(3) رواه البخاري في مناقب الأنصار برقم (3784) ورواه مسلم في الإيمان برقم (74).
(4) رواه البخاري في مناقب الأنصار، برقم (3783) ورواه مسلم في الإيمان برقم (75).
(5) الإنعام (121).(1/22)
وعن هانئ مولى علي أن علياً - رضي الله عنه - قال: يا هانئ ماذا يقول الناس؟ قال: يدّعون أن عندك علماً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تظهره فاستخرج صحيفة من سيفه فيها: هذا ما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من ذبح لغير الله ومن تولى غير مواليه ولعن الله العاق لوالديه ولعن الله منتقص منار الأرض".(1)
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:قال - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من ذبح لغير الله".(2)
المكذب بالقدر
قال الله تعالى: { إنا كل شئ خلقناه بقدر } .(3)وقال الله تعالى: { والله خلقكم وما تعملون } .(4)وقال الله تعالى: { ومن يضلل فلا هادي له } .(5)
وقال تعالى: { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } .(6)وقال تعالى: { فألهمها فجورها وتقواها } .(7)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل عليه السلام قال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره".(8)
__________
(1) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/153)، وأصله في "الصحيحن" من وجه آخر عن علي - رضي الله عنه -
(2) أخرجه أحمد في "المسند" (1/217 و 317 و 309) والحاكم في "المستدرك" (4/356) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/231) ورجال أحمد رجال الصحيح كما في "المجمع" (1/103).
(3) القمر (49).
(4) الصافات (96).
(5) الأعراف: (186).
(6) الإنسان (30).
(7) الشمس (8).
(8) رواه البخاري في "الإيمان" رقم (50) ومسلم في "الإيمان" (6).(1/23)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب: المكذب بالقدر والزائد في كتاب الله والمتسلط بالجبروت والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي".(1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة عاق ولا مكذب بالقدر ولا مدمن خمر".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "القدرية مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم".(3)
وقال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله العباد وقهرهم على ما قدره وقضاه وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه بما يكون من اكتساب العبد وتقدير أعماله وخلقه لها فهو علم شامل لما كان وما سيكون وفرق بين العلم بوقوع الشيء وتقديره وبين الإجبار عليه.
وقال ابن عمر: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر".(4)
__________
(1) أخرجه الترمذي في "أبواب القدر" (2154) والحاكم في "المستدرك" (1/36) و (4/90 و 525)، والطبراني في "الكبير" (3/136) و "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (7/205) وابن حبان (52 – موارد)وابن أبي عاصم في "السنة"(1/24 و 149)والطحاوي في"مشكل الآثار"(4/366)من طرق عن عائشة.وأخرجه الحاكم(4/525)من حديث علي بن أبي طالب، وصححه.
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أبو داود (4691) والبيهقي في "الاعتقاد" (ص 236) والحاكم (1/85) وقال: "صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر" ووافقه الذهبي.
(4) أخرجه الحاكم "المستدرك" (1/84) وأحمد في "المسند" (2/90) وابنه عبد الله "السنة" (2/140) من حديث عبد الله بن عمر رضي عنهما وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي في التلخيص "صحيح الجامع" (3669).(1/24)
وعن نافع: أن ابن عمر - رضي الله عنه - جاءه رجل فقال: إن فلاناً يقرأ عليك السلام فقال: إنه بلغني أنه قد أحدث فإن كان قد أحدث فلا تقرئه مني السلام إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكون في
هذه الأمة خسف ومسخ أو قذف في أهل القدر".(1)
وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويؤمن بالبعث ويؤمن بالقدر".(2)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آخر كلام في القدر لشرار
هذه الأمة".(4)
__________
(1) أخرجه الترمذي "أبواب القدر" (2152) و (2153) وأحمد في "المسند" (2/108 و 137) وابن ماجة في "الفتن" (2/1350) رقم (4061) والبغوي "شرح السنة" (1/151) رقم (82).
(2) أخرجه الترمذي "ابواب القدر" (2145) وابن ماجة "المقدمة" (1/32) رقم (81) وأحمد "المسند" (1/97 و 133) وابنه عبد الله "السنة" (1/122) والطيالسي "المسند" (106) وابن حبان (130) والحاكم "المستدرك" (1/32 - 33) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) أخرجه ابن ماجة (92) وابن عدي "الكامل" (1-190) وابن أبي عاصم "السنة" (1/144) والطبراني"الصغير"(1/221)والآجري "الشريعة"(ص 190)وابن الجوزي "العلل المتناهية"(1/160)
(4) أخرجه الحاكم "المستدرك" (2/473) والعقيلي "الضعفاء الكبير" (3/366) وابن أبي عاصم "السنة" (1/155) برقم (350)، "السلسلة الصحيحة" (1124) وصحيح الجامع (226).(1/25)
وعن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خلق الله كل صانع وصنعته".(1)
الحكم بغير ما أنزل الله
قال الله تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } .(2)
وقال تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } .(3)
وقال الله تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } .(4)
فالذي يجحد حكم الله سبحانه وتعالى يكون كافراً خارجاً من ملة الإسلام، والعباذ بالله.
ومن حكم بغير حكم الله تعالى لهوى في نفسه فهذا سماه الله تعالى فاسقاً.
ونفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن الذين لا يحكمون الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقسم بنفسه على ذلك وأن ينتفي الحرج من صدورهم والضيق ويسلموا تسليما حيث قال سبحانه وتعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } .(5)
وقال الله تعالى: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } .(6)
عن عدي بن عميرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من استعملناه على عمل فكتم منه مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة".(7)
الكذب على الله تعالى وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه البخاري في"خلق أفعال العباد"(ص 25)وابن أبي عاصم "السنة" (357و358) والحاكم "المستدرك"(1/31)والبيهقي الاعتقاد(ص75)والأسماء والصفات (ص 26و388)،وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي في "التلخيص"السلسلة الصحيحة(1637)وعزاه إلى المحاملي في "الأمالي"(ج6 رقم 13).
(2) المائدة (44).
(3) المائدة (45).
(4) المائدة (47).
(5) النساء (65).
(6) الأحزاب (26).
(7) رواه مسلم برقم (1833).(1/26)
قال تعالى: { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } .(1)وقال تعالى: { فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } .(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من يقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار".(3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن كذباً عليّ ليس ككذب على غيري من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من كذب عليّ بني له بيت في جهنم".(5)
وقال عليه الصلاة والسلام: "يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب".(6)
وقال عليه الصلاة والسلام: "من روى عني حديثاً وهو يُرى أنه كذب فهو أحد الكذابين".(7)
__________
(1) الزمر (60).
(2) الأنعام (144).
(3) أخرجه أحمد (5/297) والدارمي (1/77) وابن ماجة (35) والطحاوي في مشكل الآثار (1/172) والحاكم في المستدرك (1/111)، السلسلة الصحيحة (1753).
(4) أخرجه البخاري في الجنائز (1291) ومسلم في المقدمة (3) عن المغيرة بن شعبة.
(5) أخرجه أحمد (2/22 و 103 و 144) وأبو نعيم "ذكر أخبار أصبهان" (2/80) والحاكم "المدخل إلى الصحيح" (ص 91).
(6) أخرجه أحمد في "المسند" (5/252) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/197) وعبد الرزاق في "المصنف" (11/161) وابن أبي الدنيا في "الصمت" رقم (472) و "مكارم الأخلاق" رقم (144)، و "السنة" لابن أبي عاصم رقم (114) والدارقطني في "العلل" (4/329) وابن أبي حاتم في "العلل" (2/328 –329)وابن الجوزي في العلل المتناهية(2/217)والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/197).
(7) أخرجه مسلم في المقدمة(1/9) والترمذي في كتاب العلم(2664) ابن ماجة في كتاب "السنة" (38).(1/27)
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في تفسيره: قد ذهب طائفة من العلماء الى أن الكذب على الله وعلى رسوله كفر ينقل عن الملة ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله في تحليل حرام وتحريم حلال كفر محض. أ.هـ.الكبائر الذهبي (ص 70)
وعن سمرة - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين".(1)
وعن هشام بن أبي رقية قال: سمعت مسلمة بن مخلد وهو على المنبر يخطُبُ الناس يقول: يا أيها الناسُ! أما لكم في العَصْب والكتانِ ما يُغنيكُم عن الحرير؟ وهذا رجل يخبرُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُمْ يا عقبة! فقام عقبة بن عامر –وأنا أسمع- فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".
وأشهدُ أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من لَبِس الحرير في الدنيا، حُرِمَه أن يَلبسه في الآخِرَةِ".(2)
(العَصْب) بفتح العين وسكون الصاد مهملتين: هو ضرب من البُرود.
من ترك السنة أو سنَّ سنة سيئة أو دعا إلى ضلالة
قال الله تعالى: { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } .(3)
وقال تعالى: { وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم } .(4)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".(5)
وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ".
__________
(1) رواه مسلم في المقدمة "باب وجوب الرواية عن الثقات" برقم (1/9)، وغيره.
(2) رواه ابن حبان في "صحيحه" وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (2052).
(3) القصص (50).
(4) الأنعام (119).
(5) رواه البخاري في كتاب الصلح برقم (2697) ومسلم في كتاب الأقضية برقم (1718).(1/28)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، كأنه منذر جيش، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك دنيا أو ضياعاً فإليّ و عليّ".(1)
(الضياع) : العيال، والمراد: من ترك أطفالاً وعيالاً ذوي ضياع.
وزاد النسائي وابن خزيمة : "وكل ضلالة في النار".(2)
(إذا خطب احمرت عياه وعلا صوته) الخ قال الألباني رحمه الله: يفعل عليه الصلاة والسلام ذلك حال الخطبة إزالة للغفلة من قلوب الناس، ليتمكن فيها كلامه - صلى الله عليه وسلم - كل التمكن، أو ليتوجه فكره إلى الموعظة فتظهر عليها آثار الهيبة الإلهية. أ.هـ. صحيح الترغيب (1/128)
قوله (صبحكم ومساكم) هو بتشديد الباء في الأولى أي: نزل بكم العدو صباحاً، والمراد سينزل وبتشديد السين المهملة في الثاني.
قوله (محدثاتها) بفتح الدال، والمراد بها ما لا أصل له في الدين مما أحدث بعده - صلى الله عليه وسلم - .
ضياعاً بفتح الضاد المعجمة : العيال وأصله مصدره أو بكسرها: جمع ضائع، كجياع جمع جائع، والله أعلم.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "... ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".(3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجمعة برقم (867)، وابن ماجة وغيرهما.
(2) رواه النسائي (1/234)، وابن خزيمة في "صحيحه" (3/143/ 1785) وغيرهما، وصححهما الألباني في الترغيب برقم (50).
(3) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1017)، والنسائي في كتاب الزكاة برقم (75 و 76).(1/29)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "... ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه في الإثم مثل آثام من تبعه ولا ينقص ذلك من آثامهم شيئا".(1)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستتفرق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة".(2) أي: الصحابة كما في بعض الروايات.
وفي رواية: "هي ما أنا عليه وأصحابي".(3)
ورواه أبو داود وزاد في رواية: "وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء،
كما يتجارى الكلب بصاحبه، ولا يبقى من عرق ولا مفصل إلا دخله".(4)
(الكلب) بفتح الكاف واللام، قال الخطابي: هو داء يعرض الإنسان من عضة الكلْب الكَلِب، قال: وعلامة ذلك في الكلب أن تحمر عيناه، ولا يزال يُدخل ذنبه بين رجليه، فإذا رأى إنساناً ساوَرَه: أي وثب عليه.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله حَجَبَ التوبة عن كلِّ صاحب بدعة حتى يَدَع بِدْعَته".(5)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رَغِبَ عن سنتي فليس مني".(6)
(
__________
(1) رواه مسلم في كتاب العلم برقم (2674)، وأحمد.
(2) رواه أحمد، وأبو داود، وقال الألباني "حسن صحيح"، الترغيب (51).
(3) رواه الترمذي وغيره: السلسلة الصحيحة.
(4) رواه أبو داود برقم (4597) وأحمد (4/102)، وحسنه الألباني في الترغيب (51).
(5) رواه الطبراني بإسناد حسن، أخرجه في "الأوسط" (5/113/ 4214 – ط)، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1620)، والترغيب (54).
(6) أخرجه البخاري في كتاب النكاح برقم (5063)، ومسلم في كتاب النكاح برقم (1401)، والحديث قطعه من حديث الرهط الثلاثة الذين سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عبادته.(1/30)
رغب) الرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي وأخذ طريقة غيري فليس مني.
وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك".(1)
(البيضاء) أي: الملة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلاً.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لكل عمل شرَّة، ولكل شِرةٍ فترةٌ، فمن كانت فترتُه إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هَلَكَ".(2)
وفي رواية عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل عمل شرَّةٌ، ولكل شرّة فترة، فإن كان صاحبُها سدّد أو قارب فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعُدّوه".(3)
(الشّرَّة) بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء، وبعدها تاء تأنيث: هي النشاط والهمة، وشرة الشباب: أوله وحدّته.
وعن أبي برزة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم، ومضلات الهوى".(4)
__________
(1) رواه ابن أبي عاصم في "السنة"برقم (48)، وأحمد وابن ماجة والحاكم، وصححه الألباني في الترغيب برقم (59).
(2) رواه أحمد والطحاوي بإسنادين صحيحين عن عبد الله بن عمرو، وابن أبي عاصم، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في "تخريج السنة" برقم (51) والترغيب برقم (56).
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والطحاوي، وصححه الألباني الترغيب (57).
(4) رواه أحمد والبزار والطبراني في "معاجمه الثلاثة"، وقال الألباني:"صحيح"،الترغيب برقم (52).(1/31)
وعن عمرو بن زرارة قال: وقف عليَّ عبد الله –يعني ابن مسعود- وأنا أقُصُّ، فقال: يا عمرو! لقد ابتدعت بدعةً ضلالةً، أو إنّك لأهدى من محمدٍ وأصحابه! فلقد رأيتُهم تفرّقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحدٌ.(1)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس من نفس تُقتَل ظلماً إلا كان على ابن آدَمَ الأول كِفلٌ من دَمِها، لأنه أول من سن القتل".(2)
النذر
قال الله تعالى: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } (3)
النذر في اللغة: الإلزام والعهد.
واصطلاحا: إلزام المكلف نفسه لله شيئاً غير واجب.
والنذر في الأصل مكروه بل وبعض العلماء يميل إلى تحريمه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، وقال: "لا يأتي بخير، وإنما يستخرج من البخيل".(4)
وفيه إلزام النفس بالوفاء بالنذر، أي من نذر فعليه أن يعمل ما ألزم نفسه به من النذر.
فعن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟". قالوا: لا. قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟" قالوا: لا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أَوْفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم".(5)
__________
(1) أخرجه الدارمي، والطبراني في "الكبير" وقال الألباني: "صحيح لغيره موقوف" الترغيب (60).
(2) رواه البخاري في كتاب الاعتصام برقم (7321) وفي كتاب الأنبياء برقم (3335)، ورواه مسلم في كتاب القسامة برقم (1677).
(3) البقرة: (270).
(4) رواه البخاري في كتاب الإيمان (4/277)، ومسلم في كتاب النذر، باب النهي عن النذر (3/1260).
(5) رواه أبو داود في كتاب الإيمان والنذور (3/607)، والبيهقي في السنن (10/83). وصححه العلامة الألباني في سنن أبي داود برقم (3313).(1/32)
فعلى المسلم أن لا ينذر، وإذا نذر فعليه بالوفاء، وأن لا يذبح بمكان يذبح فيه لغير الله، وهو ما جاء في الحديث وأن لا يؤدي ذلك بالتشبه بالكفار.
فعلى المسلم أن لا ينذر لما تقدم.
هذا بالنسبة إلى النذر لله تعالى، فمن باب أولى عدم جواز النذر لغير الله لأنه حرام، فمن نذر لله فعليه الوفاء، ومن نذر لغير الله فلا يجوز له الوفاء وعليه كفارة يمين.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "النَّذر نَذران: فما كان لله، فكفارتُهُ الوَفاء، وما كان للشيطان، فلا وفاء فيه، وعليه كفارةُ يمين".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نذر أن يطيع الله، فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه".(2)وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أقسام النذر فقال:
الأول: ما يجب الوفاء به، وهو نذر الطاعة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من نذر أن يطيع الله، فليطعه".(3)
الثاني: ما يحرم الوفاء به، وهو نذر المعصية، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه"(4)، وقوله: "فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله".
الثالث: ما يجري مجرى اليمين، وهو نذر المباح، فيخير بين فعله وكفارة اليمين، مثل لو نذر أن يلبس هذا الثوب، فإن شاء لبسه وإن شاء لم يلبسه، وكفر كفارة يمين.
__________
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (935)، والبيهقي (10/72)، السلسلة الصحيحة رقم (479).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان والنذور (4/229).
(3) من حديث عائشة السابق.
(4) من حديث عائشة السابق.(1/33)
الرابع: نذر اللجاج والغضب، وسُمي بهذا الاسم، لأن اللجاج والغضب يحملان عليه غالباً، وليس بلازم أن يكون هناك لجاج وغضب، وهو الذي يقصد به معنى اليمين، الحث، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، مثل لو قال: حصل اليوم كذا وكذا، فقال الآخر: لم يحصل، فقال: إن كان حاصلاً فعلي لله نذر أن أصوم سنة، فالغرض من هذا التكذيب، فإذا تبين أنه حاصل، فالناذر مخيّر بين أن يصوم سنة، وبين أن يكفّر كفارة يمين، لأنه إن صام فقد وفى بنذره وإن لم يصم حنث، والحانث في اليمين يكفر كفارة يمين.
الخامس: نذر المكروه، فيكره الوفاء به، وعليه كفارة يمين.
السادس: النذر المطلق، وهو الذي ذكر فيه صيغة النذر، مثل أن يقول: لله علي نذر، فهذا كفارته يمين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين". القول المفيد.(1) أ.هـ (1/237، 238)
التحذير من التعلم للدنيا وكتمان العلم وعدم العمل به
قال الله تعالى: { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } .(2)
وقال تعالى: { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يُكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } .(3)
وقال تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون } .(4)
وتقدم حديث أبي هريرة في الثلاثة الذي يسحبون إلى النار أحدهم الذي يقال له: "إنما تعلمت ليقال عالم وقد قيل".(5)
__________
(1) رواه ابن ماجة برقم (2127)، والترمذي برقم (1528)، وأصله في مسلم برقم (1645). وصححه العلامة الألباني في سنن ابن ماجه برقم (2127).
(2) البقرة (159).
(3) البقرة (174).
(4) آل عمران (187).
(5) سبق تخريجه.(1/34)
وعن جابر مرفوعاً قال: "لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء أو تماروا به السفهاء ولتغيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله جهنم".(2)
وعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار".(3)
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في المقدمة (254) وابن حبان (90 – موارد الظمان) وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/187)، وصححه الحاكم والمنذري في "الترغيب والترهيب"(1/116) ، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/111): (هذا إسناد رجاله ثقات على شرط مسلم)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/86)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (1/86 – 87)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (107).
(2) رواه ابن ماجة، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (110).
(3) أخرجه ابن حبان (1/154) رقم (96) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/5) والحاكم في المستدرك (1/102) وقال: "هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وليس له علة" ووافقه الذهبي. وقال الألباني "حسن صحيح" الترغيب (121).(1/35)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار".(1)
وفي رواية لابن ماجة قال: "ما من رجل يحفظُ علماً فيكتمهُ؛ إلا أتى يوم القيامة ملجوماً بلجامٍ من نار".(2)
وتقدم حديث أبي هريرة في باب الرياء وفيه: "... رجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرأن، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار..." الحديث. (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أنه قال: كيف بكم إذا لبستكم فتنةٌ، يربو فيها الصغير، ويَهرَمُ فيها الكبير، وتتخذُ حسنةً، فإن غُيرت يوماً قيل: هذا منكرٌ! قيل: ومتى ذلك؟ قال: إذا قلّت أمناؤكم، وكَثُرت أمراؤكُم، وقلّت فقهاؤكم، وكثُرت قراؤكم، وتُفُقه لغير الدين، والتُمست الدنيا بعمل الآخرة. (4)
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب العلم (3658) والبغوي في "شرح السنة" (140) وابن ماجة في "المقدمة" (261)، وابن حبان (1/154) رقم (95 – مع الإحسان) والترمذي في "أبواب العلم" (2649) وأحمد في "المسند" (1/263 و 296 و 300 و 344 و 353 و 495 و 499 و 508) والقضاعي "مسند الشهاب" (1/266) والطبراني في "الصغير" (1/60 و 14 و 162) والحاكم في "المستدرك" (1/101) وابن عبد البر في "الجامع" (1/4-5) والبيهقي، وصححه الحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وقال البغوي: "هذا حديث حسن" وكذا قال الترمذي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (120).
(2) صحيح الترغيب (1/160).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه الدارمي وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ورواه عبد الرزاق في المصنف (11/352) موقوفا، وقال الألباني في الترغيب "صحيح لغيره موقوف" رقم (111).(1/36)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من تعلم علماً يُبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة".(1) يعني ريحها.
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُجاء بالعالم السوء يوم القيامة فيقذف في جهنم فيدور بقصبة كما يدور الحمار بالرحى، فيقال: بم لقيت هذا وإنما اهتدينا بك؟! فيقول: كنت أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه".(2)
القصب : المِقى وجمعه أقصاب، كذا في القاموس.
وفي رواية عن أسامة بن زيد - صلى الله عليه وسلم - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيُلقى في النار، فتندلق أقتابُه، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فتجتمع أهل النار عليه، فيقولون: يا فلان! ما شأنك؟ ألست كنت تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت أمرُكم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشرِّ وآتيه".
قال: وإني سمعتُهُ يقول – يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مررت ليلةَ أُسري بي بأقوام تقرضُ شفاهُهم بمقاريض من نار، قلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون".(3)
(فتندلق) الاندلاق خروج الشيء من مكانه بسرعة.
(أقتابه) جمع (قتب) بكسر القاف: الأمعاء أي: المصارين.
(برحاه) أي: الطاحون.
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب العلم (3664) بإسناد صحيح، وأحمد في المسند (2/338) وابن ماجة في المقدمة (252)، والحاكم (1/85) المستدرك وقال: (هذا حديث صحيح سنده ثقات رواته على شرط الشيخين، ولم يخرجاه) ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (105).
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3267) وفي الفتن (13/48) رقم (7098 فتح الباري)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2989) من حيث أسامة بن زيد.
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3267)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2989).(1/37)
ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي وزادوا في رواية لهما: "ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - :"من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار".(2)
وعن زيد بن ارقم - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها".(3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: من تعلم علماً لم يعمل به لم يزده العلم إلا كبراً.
وعن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَثَل الذي يُعلِّم الناس الخيرَ وينسى نفسَهُ كمثل السِّراج يضيء للناس ويحرقُ نفسه".(4)
وقال هلال بن العلاء: طلب العلم شديد وحفظه أشد من طلبه، والعمل به اشد من حفظه والسلامة منه أشد من العمل به.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به، كمثل الذي يكنز الكنز ثم لا يُنفِق منه".(5)
__________
(1) السلسلة الصحيحة (291).
(2) أخرجه الترمذي في أبواب العلم (2655) وابن ماجة في المقدمة (258) والآجري في أخلاق العلماء (ص 100) وقال الترمذي "حسن غريب"، وقال المنذري: "ورجال إسنادهما ثقات".
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2722) مطولا، وأخرجه الترمذي في أبواب الدعوات (3572) والنسائي في "المجتبي" في الاستعاذة برقم (8/255).
(4) أخرجه الطبراني في "الكبير"، "السلسلة الصحيحة" (3379)، وصحيح الترغيب برقم(131).
(5) رواه الطبراني في "الأوسط"،وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(3479)والترغيب(122).(1/38)
وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه".(1)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما عَلِمَ؟"(2)
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي، كلُّ منافقٍ عَلِيمِ اللسانِ".(3)
وعن لقمان –يعني ابن عامر- قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عُويمرُ! فأقول: لبيك ربِّ، فيقول: ما عملت فيما علمتَ. (4)
التحذير من الجدال والمراء واللدد
قال الله تعالى: { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه، وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل } .(5)
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (126).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث حسين بن قيس"، وقال الألباني: "حسن لغيره"، السلسلة الصحيحة برقم (946).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" والبزار، وابن حبان في "صحيحه" (51/91-موارد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (132).
(4) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" والدارمي وابن بعد البر وابن المبارك في "الزهد"، وقال الألباني: "صحيح لغيره موقوف" الترغيب (129).
(5) البقرة (204-205).(1/39)
وقال تعالى: { ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } .(1)وقال تعالى: { إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } .(2)
وقال تعالى: { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } .(3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الألدُّ الخصم".(4)
الألد: هو الشديد في الخصومة، وقيل هو: الدائم الخصومة.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا { وما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } ".(5)
وعن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المراء في القرآن كفرٌ".(6)
المراء: الجدال، والتماري، والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة.
__________
(1) الزخرف (58).
(2) غافر (56).
(3) العنكبوت (46).
(4) رواه البخاري في كتاب (الأحكام) رقم (7188) ومسلم في كتاب (العلم) برقم (2668).
(5) أخرجه الترمذي في (أبواب التفسير) (3253) وابن ماجة في (المقدمة) (48) وأحمد في (المسند) (5/552و 556) وابن جرير في (جامع البيان) (25/53) والحاكم (المستدرك) (2/447 - 448) والطبراني في (المعجم الكبير) (8/333) وابن أبي عاصم في (السنة) (101) والآجري في (الشريعة) (ص54) والخطيب في (الفقيه والمتفقه) (1/320 و 231) وابن عبد البر (الجامع) (2/97) والبغوي في (معالم التنزيل) (6/138)، وقال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح)، صحيح الجامع (5633)، وصحيح الترغيب برقم (141).
(6) رواه أبو داود، وابن حبان في (صحيحه) وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (143).(1/40)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "كنا جلوساً عند باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتذاكر، يَنْزِعُ هذا بآية، ويَنزِع هذا بآية، فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما يُفقأ في وجهه حبُّ الرمان، فقال: "يا هؤلاء أبهذا بعثتم، أم بهذا أمرتم؟ لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض".(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع".(2)
وفي لفظ: "فقد باء بغضب من الله".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الحياء والعي شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق".(4)
__________
(1) رواه الطبراني في (الكبير) وفي المجمع (1/157) "رجاله ثقات أثبات"، وصححه الألباني في الترغيب (140).
(2) أخرجه أحمد في (المسند) (2/82) وأبو داود (3/305) رقم (3598) والبيهقي في (السنن الكبرى) (6/82) والحاكم في (المستدرك) (4/99) والطبراني في (الكبير) رقم (13084 مختصرا) وابن ماجة في (السنن) (2/778) رقم (2320) والرامهرمزي (أمثال الحديث) (ص 108)، وقال الحاكم "صحيح" وأقره الذهبي في (التلخيص) وقال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح" أنظر (فيض القدير) (6/72) (صحيح الجامع) (6196).
(3) المصدر السابق
(4) أخرجه الترمذي في (أبواب البر والصلة) رقم (5028) وأحمد في (المسند) (5/269) وعلي بن جعد (المسند) (2/1058) رقم (3059) والحاكم في (المستدرك) (1/52)، وقال "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وقال الترمذي "حسن غريب" وقال المناوي في (الفيض): "قال الترمذي حسن وقال غيره صحيح".(1/41)
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان".(1)
التحذير من التخلي على طرق الناس أو ظلهم
أو مواردهم والبول في الماء الراكد
عن سراقة بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا ذهبتم إلى الغائط فاتقوا المجالس على الظل والطريق،خذوا النبل ،واستنشبوا على سوقكم،واستجمروا وترا" . الصحيحة (2749) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتقوا اللاعنيْن". قالوا: وما اللاعِنان يا رسول الله؟ قال: "الذي يُتَخلّى في طُرق الناس، أو في ظلهِّم".(2)
قوله: "اللاعَنين": يريد الأمرين الجالبين اللعن، وذلك أنّ من فعلهما لُعِن وشُتِم، فلما كانا سبباً لذلك، أضيف الفعل إليهما، فكانا كأنهما اللاعنان.
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا المَلاعِنَ الثلاث: البَراز في الموارِد، وقارعة الطرق، والظلِّ".(3)
__________
(1) أخرجه أحمد في (المسند) (1/22 و 44) والفريابي (صفة النفاق) ( ص 13) والطبراني في (الكبير) والبيهقي في (شعب الإيمان) كما في (فيض القدير) (1/420)، وقال المنذري: "رواته محتج بهم في الصحيح" وقال الهيثمي: "رجاله موثوقون".
(2) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (269)، وأبو داود في سننه في كتاب الطهارة برقم (25)، وغيرهما.
(3) رواه أبو داود وابن ماجة، كلاهما عن أبي سعيد الحميَري عن معاذ، وقال أبو داود: "وهو مرسل" يعني أن أبا سعيد لم يُدرك مُعاذاً، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (146)، الإرواء (1/100) .(1/42)
الملاعن: مواضع اللعن، قال الخطابي: والمراد هنا بـ (الظل) هو الظل الذي اتخذه الناس مقيلاً ومنزلاً ينزلونه، وليس كلُّ ظل يحرم الحاجة تحته، فقد قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - حاجته تحت حايش من النخل، وهو لا محالة له ظل (1).أ.هـ
البراز بفتح الموحدة اسم للفضاء الواسع فكنوا به عن الغائط، كما كنوا بالخلاء، لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة الخالية من الناس، كما في النهاية.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اتقوا الملاعن الثلاث"، قيل: ما الملاعنُ الثلاثُ يا رسول الله؟ قال: "أن يقعد أحدكم في ظلٍّ يُستظلُّ به، أو في طريقٍ، أو في نقع ماء".(2)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : يُلحق بالظل، الذي يتشمس فيه الناس أيام الشتاء، وهذا قياسٌ جلي. الشرح الممتع (1/102)
وعن مكحول قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبال بأبواب المساجد. (3)
وعن حذيفة بن أسيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أذى المسلمين في طرقهم، وَجَبَت عليه لَعنَتُهم".(4)
وعن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه نهى أن يبالَ في الماء الراكد.(5)
وعن حميد بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلاً صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما صَحَبه أبو هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يَمْشِط أحدنا كلَّ يومٍ، أو يبول في مُغتسَله. (6)
التحذير من استخدام اليد اليمنى في قضاء الحاجة.
__________
(1) المعالم (1/30).
(2) رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (147).
(3) رواه أبو داود في "مراسيله"، وحسنه الألباني في الترغيب (150).
(4) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (148).
(5) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (281)، وابن ماجة والنسائي.
(6) رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (154).(1/43)
روى أبو قتادة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا بال أحدكم فليأخذ ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء".(1)
وعند مسلم وغيره: "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه".
قال النووي رحمه الله تعالى : أجمع العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين، ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم. أ.هـ . شرح مسلم (3/127)
وقال ابن الجوزي رحمه الله: وإنما وقع النهي عن مس الذكر والاستنجاء باليمين لمعنيين: "أحدهما: لرفع اليمين عن الاستعمال في خساس الأحوال، ولهذا تجعل في آخر دخول الخلاء وأول دخول المسجد، وتُعجل اليمين للأكل والشرب والتناول، وتمتهن اليسرى في الأقذار.
والثاني: أنه لو باشرت اليُمنى النجاسة لكان الإنسان يتذكر عند تناول طعامه بيمينه ما باشرت ومست، فينفر الطبع ويستوحش، ويخيل إليه بقاء ذلك الأثر فيها. فنزهت عن هذا ليطيب عيشه في التناول. أ.هـ. مشكل الصحيحين (2/138) برقم (604)
التحذير من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه.
قال الله تعالى: { وثيابك فطهر } .(2)
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بقبرين، فقال: "إنَّهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله".(3)
وفي رواية في الصحيحين: "فكان لا يستنزه من بوله".
__________
(1) رواه البخاري برقم (153) ومسلم برقم (267).
(2) المدثر (4).
(3) رواه البخاري في كتاب (الوضوء) برقم (216)، وهذا أحد ألفاظه، ومسلم في كتاب (الطهارة) برقم (292).(1/44)
وفي رواية للبخاري، وبوب عليه "باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله": إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بحائط من حيطان مكة أو المدينة، فسمع صوت إنسانينِ يُعذَّبان في قبورهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير"، ثم قال: "بلى، كان أحدهما لا يستتر من بولهِ، وكان الآخرُ يمشي بالنميمة".
قال الخطابي: قوله: (وما يعذبان في كبير) معناه: أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما، أو يشق فعله لو أرادا أن يفعلا، وهو التنزه من البول، وترك النميمة، ولم يُرد أنّ المعصية في هاتين الخصلتين ليست بكبيرة في حق الدين، وأن الذنب فيهما هين سهل. (1)
والنميمة: حقيقتها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثر عذاب القبر من البول".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر من البول".(3)
__________
(1) معالم السنن (1/27).
(2) رواه أحمد وابن ماجة -واللفظ له- والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة"، قال الحافظ: "وهو كما قال"، وصححه الألباني في الترغيب (161).
(3) رواه الدارقطني في (السنن) (1/127) وقال: "المحفوظ مرسل"، إرواء الغليل (1/310/280) وصحيح الترغيب (159).(1/45)
وعن عبد الرحن بن حسَنة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده الدَّرَقةُ، فوضعها ثم جَلَس، فبالَ إليها، فقال بعضهم: انظروا إليه يبولُ كما تبول المرأةُ! فسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ويحك! ما علمتَ ما أصاب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البولُ قرضوه بالمقاريض، فنهاهم، فعُذِّب في قبره".(1)
(الدرقة) بفتحات: الترس إذا كان من جلد، وليس فيه خشب ولا عصب، وقوله (فوضعها) أي: جعلها حائلة بينه وبين الناس، وبال مستقبلاً إليها.
وقوله (ويحك): كلمة ترحم وتهديد.
التحذير من عدم إسباغ الوضوء
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً لم يغسل عقبيه فقال: "ويل للأعقاب من النار".
وفي رواية: أن أبا هريرة رأى قوماً يتوضؤون من المطهرة فقال: أسبغوا الوضوء، فإني سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويلٌ للأعقاب من النار، أو ويل للعراقيب من النار".(2)
(المطهرة): كل إناي يُتطهر به، وهي بكسر الميم وفتحها.
(العراقيب): جمع عرقوب بضم العين في المفرد وفتحها في الجمع، وهو العصبة التي فوق العقب.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى قوماً وأعقابُهُم تَلُوح، فقال: "ويلٌ للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء".(3)
(تلوح) أي : تظهر، وقيل تضيء.
قوله (للأعقاب) أي : المرئية، والعقب مؤخر القدم.
قال البغوي : معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها.
__________
(1) رواه ابن ماجة، وابن حبان في (صحيحه) وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني في (صحيح أبي داود) برقم (16)، والترغيب برقم (162).
(2) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (165)، ومسلم في كتاب الطهارة برقم (242).
(3) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (60) وفي كتاب الطهارة برقم (163)، ومسلم في كتاب الطهارة برقم (241).(1/46)
التحذير من دخول الرجال الحمام بغير أُزُرٍ،
ومن دخول النساء بأُزُرٍ وغيرها
عن جابر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يُدخل حليلته الحمّام".(1)
وعن قاص الأجناد بـ (القسطنطينية)، أنه حدَّث: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: يا أيها الناس! إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقعدنَّ على مائدة يُدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام".(2)
وعن أبي المليح الهُذَلي: أن نساء من أهل (حِمصَ) أو من أهل (الشام) دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: أنتن اللاتي يَدخُلْنَ نساؤكن الحمّامات؟! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها، إلا هَتَكَت السِّتر بينها وبين ربِّها".(3)
وفي رواية: أن نساء دَخلْنَ على أمِّ سلمة رضي الله عنها، فسألتهنَّ: من أنتنَّ؟ قلن: من أهل (حمص). قالت: من أصحاب الحمَّامات؟ قلن: وبها بأسٌ؟ قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيما امرأةٍ نزعت ثيابها في غير بيتها، خرق الله عنها بستره".(4)
__________
(1) رواه النسائي، والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، السلسلة الصحيحة برقم (3439) وصحيح الترغيب (164).
(2) رواه أحمد، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (167).
(3) رواه الترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن" وأبو داود وابن ماجة، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب (170).
(4) رواه أحمد وابو يعلى والطبراني والحاكم، من طريق درَّاج ابي السمح عن السائب، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (171).(1/47)
وعن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: خرجت من الحمام، فلقيني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من أين يا أمّ الدرداء؟" فقلت: من الحمام، فقال: "والذي نفسي بيده ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيت أحدٍ من أمهاتها، إلا وهي هاتكة كلَّ ستر بينها وبين الرحمن عز وجل".(1)
التحذير من ترك الصلاة
قال الله تعالى: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } .(2)
وقال تعالى: { ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين } .(3)
وقال تعالى: { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون } .(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".(5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة".(6)
وفي رواية: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".(7)
__________
(1) رواه أحمد والطبراني في (الكبير)، قال في المجمع (1/277): "رجال أحدهما رجال الصحيح"، وعند أحمد (6/361-362) وسنده صحيح كما قال الألباني في الترغيب برقم (169).
(2) مريم (59-60).
(3) المدثر (42-43).
(4) الماعون (4-7).
(5) أخرجه أحمد في المسند (5/346)، والترمذي في كتاب الإيمان برقم (2623) والنسائي في المجتبى (1/231) والحاكم في المستدرك (1/6-7) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان (46) وابن ماجة في السنن (1079) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وهو عن بُريدة - رضي الله عنه - ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (564).
(6) رواه مسلم في كتاب الإيمان(82)،وأبو داود في السنة(4678)والترمذي في الإيمان(2622).
(7) رواه مسلم في كتاب الإيمان والنسائي والترمذي وأبو داود.(1/48)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمه الله".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من فاتته صلاة العصر حبط عمله".(2)
وفي فتوى اللجنة الدائمة عن حكم ترك الصلاة فأجابت:
الصلاة ركن من أركان الإسلام فمن تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً فهو كافر على الصحيح من قولي العلماء في ذلك، والأصل في ذلك عموم الأدلة التي دلت على الحكم بكفره ولم تفرق بين من يتركها تهاوناً ومن تركها جاحداً لوجوبها. أ.هـ. فتاوى اللجنة الدائمة (1/37)
وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك الصلاة فقد كفر".
قال محمد بن نصر المروزي: سمعت إسحاق يقول: صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر". أ. هـ.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أن: "لا تُشرك بالله شيئا وإن قُطعت أو حرقت، ولا تترك صلاةً مكتوبةً متعمداً، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذِّمة، ولا تشرب الخمر، فإنها مفتاح كل شرّ".(3)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الفتن برقم (4034) والبخاري في الأدب المفرد برقم (18)، وتلخيص الحبير (2/148)، الإرواء (7/89-91).
(2) رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (553).
(3) رواه ابن ماجة والبيهقي عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عنه.. "إرواء الغليل" (2026) وصحيح الترغيب (567).(1/49)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ فقال: يا رسول الله! علمني عملاً إذا أنا عملته دخلت الجنة. فقال: "لا تشرك بالله شيئاً وإن قُتلت وحُرِّقت، ولا تعُقَّن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً؛ فإنَّ من ترك صلاة مكتوبة متعمداً؛ فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربنَّ خمرا، فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية، فإن بالمعصية حلَّ سخط الله، وإياك والفرار من الزحف، وإن هلك الناس، وإن أصاب الناس موت فاثبُت، وأنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخفهم في الله".(1)
وعن مصعب بن سعد قال: قلت لأبي: يا أبتاه أرأيت قوله: { الذين هم عن صلاتهم ساهون } أيّنا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟
قال: ليس ذلك، إنما هو إضاعة الوقت، يلهو حتى يضيع الوقت. (2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له. (3)
__________
(1) رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، وله شواهد بعضها في "الأدب المفرد" للبخاري و "المجمع"(4/216-217)، وحسنه الألباني الترغيب (570)، إرواء الغليل (7/89-91).
(2) رواه أبو يعلى بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (576).
(3) رواه هبة الله الطبري في "شرح الأصول" (2/828/1536) وابن نصر (2/93/945) وإسناده صحيح، ورواه عبد البر موقوفا، قال الألباني: "صحيح موقوف" الترغيب (575).(1/50)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله".(2)
وعن أبي سعيد الخدري: أن رجلاً قال: يا رسول الله! اتق الله فقال: "ويلك ألست أحق أهل الأرض أن أتقي الله؟! فقال خالد بن الوليد - رضي الله عنه - : ألا أضرب عنقه يا رسول الله؟ فقال: "لا لعله أن يكون يصلي".(3)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من لم يحافظ على الصلاة لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع
قارون وفرعون وهامان وأبي جهل وأبي بن خلف".(4)
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (2/290 و 425) و (4/60و 103)و(5/72 و 377)،وأبو داودبرقم(864) و (413)والنسائي(1/232) وابن ماجة (1425)و(1426)والترمذي برقم(411)وابن أبي عاصم في الأوائل رقم(35)والطبراني في الكبير(2/39)والحاكم في المستدرك (1/262و 263)وصححه الترمذي والحاكم .
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (25)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (21).
(3) رواه البخاري في كتاب المغازي برقم (4351)، ورواه مسلم في كتاب الزكاة برقم(1064).
(4) أخرجه أحمد في المسند (2/169) والدارمي (2/301) وابن حبان رقم (254) وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/292) إلى الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" وقال: "ورجال أحمد ثقات" وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/386) إسناده جيد.(1/51)
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي - رضي الله عنه - قال: "كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يَرونَ شيئاً من الأعمال تركُه كُفر، غيرَ الصلاة".(1)
وعن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يُكثرُ أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا" فيقصُ عليه ما شاءَ الله أن يُقصّ، وإنه قال لنا ذات غداة: "إنه أتاني الليلة" اثنان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فَيَتدهده الحجر، فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصحَّ رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى. قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق، انطلق..."الحديث.
"أما الرجل الأولَ الذي أتيتَ عليه يثلغُ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة".(2)
قوله: "يثلغُ رأسه" أي: يشدخ.
قوله: (فيتدهده) أي: فيتدحرج.
قال أبو محمد بن حزم : وقد جاء عن عُمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها، فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفا.(3) أ.هـ
(
__________
(1) رواه الترمذي، والحاكم (1/1) عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة به، وصححه ووافقه الذهبي، وقال الألباني: "صحيح موقوف" الترغيب (565)، و"حكم تارك الصلاة".
(2) رواه البخاري في كتاب (التعبير) برقم (7047).
(3) المحلي (2/242).(1/52)
وقال الحافظ) عبد العظيم: وقد ذهبت جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمداً لتركها، حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم، ومن غير الصحابة: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وغيرهم رحمهم الله تعالى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: وقول الإمام أحمد: بتكفير تارك الصلاة كسلاً، هو القول الراجح،(1) والأدلة تدل عليه من كتاب الله، وسنة الرسول، وأقوال السلف، والنظر الصحيح. أ.هـ. الشرح الممتع (2/26)
التحذير من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر
عن أبي الشعثاء المحاربي قال: كنا قعوداً في المسجد، فأذن المؤذنُ، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بَصَره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - .(2)
ورواه أحمد وزاد :
ثم قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كنتم في المسجد فنُودي بالصلاةِ، فلا يخرج أحدُكم حتى يصلي".(3)
وعن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخرج من المسجد أحدٌ بعد النداء إلا منافقُ، إلا أحد أخرجته حاجةٌ، وهو يريد الرجوع".(4)
__________
(1) مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله(1/190و191) وانظر (الإنصاف)(1/401 و 402).
(2) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (655)، وأحمد في المسند برقم (2/537).
(3) المسند (2/537).
(4) رواه أبو داود في مراسيله، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (264).(1/53)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق".(1)
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أدركه الأذانُ ثم خرج لم يخرج لحاجةٍ، وهو لا يريد الرجعة، فهو منافق".(2)
قوله (فهو منافق) يعني : يفعل فعل المنافق، إذ المؤمن حقاً ليس من شأنه ذلك، فالنفاق هنا عملي، وليس قلبياً، فتنبه فإنه هام، قاله الألباني رحمه الله.
التحذير من البصاق في المسجد و إلى القبلة،
وإنشاد الضالة فيه وغير ذلك
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوماً، إذ رأى نخامة في قِبلة المسجد، فتغَّيظَ على الناس، ثم حكَّها -قال: وأحسِبُهُ قال-: فدعا بِزعفران فَلَطخهُ به وقال: "إن الله عز وجل قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلّى، فلا يَبصق بين يديه".(3)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تفل تُجاه القبلة، جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه".(4)
(تفل) بالتاء المثناة فوق، أي: بصق، بوزنه ومعناه.
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها
دفنها".(5)
__________
(1) رواه الطبراني في "الأوسط"، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (262).
(2) رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في الترغيب (263).
(3) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم(408 و 409)،ومسلم في كتاب المساجد برقم(547).
(4) رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما"، وصححه الألباني في الترغيب (284).
(5) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (415)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (552).(1/54)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجدنا، وفي يده عُرجون فرأى في قِبلة المسجد نُخامة، فأقبل عليها، فحتّها بالعرجون، ثم قال: "أيكم يحبُّ أن يُعرض الله عنه؟ إن أحدكم إذا قام يصلّي، فإنّ الله قبل وجهه، فلا يبصقنّ قِبَلَ وجهه، ولا عن يمينه، وليبصقنَّ عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجِلت به بإدرة فليتفل ثوبه هكذا، ووضعه على فيه، ثم دلكه..."الحديث. (1)
(عرجون) هو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق.
(بادرة) أي: شيء سبق من الإنسان من مخاط أو بزاق.
قال الألباني رحمه الله: "فائدة هامة: اعلم أن قوله في هذا الحديث: "فإن الله قبل وجهه" لا ينافي كونه تعالى على عرشه فوق مخلوقاته كلها كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسنة، وآثار الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم، ورزقنا الاقتداء بهم، فإنه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله، وقد أخبر أنه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله عز وجل، بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه، فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط ويواجهه، وإذا كان عالي المخلوقات يستقبله سافلها المحاط بها بوجهه من جميع الجهات والجوانب، فكيف بشأن من هو بكل شيء محيط، وهو محيط ولا يحاط به؟
وراجع بسط هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، (الحموية) و (الواسطية) و (شرحها) للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ص 203 - 213) رحمه الله. أ.هـ. صحيح الترغيب (1/234)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يبعث صاحب النُّخامة في القبلة يوم القيامة، وهي في وجهه".(2)
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه (8/232)، وأبو داود.
(2) رواه البزار، وابن خزيمة في "صحيحه" -وهذا لفظه- وابن حبان في "صحيحه" وصححه الألباني في الترغيب برقم (285).(1/55)
وعن أبي سهلة: السائب بن خّلاد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلاً أمَّ قوماً، فبصق في القبلة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظُر، فقال رسول الله حين فرغ: "لا يصلي لكم هذا"، فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم، فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَذُكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "نعم، وحسِبت أنه قال: إنك آذيت الله ورسوله".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سَمع رجلاً ينشد ضالةً في المسجد فليقل: لا ردها عليك -فإن المساجد لم تُبن لهذا".(2)
ينشد ضالة: يطلبها ويعرفها، وهو من النشيد، رفع الصوت، والضالة: الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره. نهاية (3/98)
وعنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربَحَ الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشُد ضالةً فقولوا: لا ردها الله عليك".(3)
وعن بريدة - رضي الله عنه - : أن رجلاً نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا وجدت، إنما بُنيت المساجد لما بُنيت له".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم
__________
(1) رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه"، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (288).
(2) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (568)، وأبو داود وابن ماجة وغيرهم.
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن خزيمة، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه بالشطر الأول، وصححه الألباني في الترغيب برقم (291).
(4) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (569)، والنسائي وابن ماجة.(1/56)
أتى المسجد، كان في الصلاة حتى يرجع، فلا يقل هكذا، شبك بين أصابعه".(1)
وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامداً إلى الصلاة، فلا يشبكن بين يديه، فإنه في صلاة".
وفي رواية قال: "دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، وقد شبكت بين أصابعي، فقال: "يا كعب إذا كنت في المسجد فلا تشبكّن بين أصابعك فأنت في صلاة ما انتظرت الصلاة".(2)
وعن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "... ولا تتخذوا المساجد طُرُقا إلا لِذِكرٍ أو صلاة".(3)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم، ليس لله فيهم حاجةٌ".(4)
التحذير من إتيان المسجد لمن أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو فجلاً ونحو ذلك مما له رائحة كريهة
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل من هذه الشجرة (يعني الثوم) فلا يقربنَّ مسجدنا".(5)
وفي رواية لمسلم: "فلا يقربن مساجدنا".
وفي رواية لهما: "فلا يأتينَّ المساجد".
__________
(1) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1294) و "الترغيب (293).
(2) رواه أحمد في "المسند" (4/243-244) وابن خزيمة في "صحيحه" (1/277/441) وابن حبان في "صحيحه" بنحوه هذا،وأبو داود،والترمذي،وقال الألباني:"صحيح لغيره"الترغيب(294).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" وصححه الألباني في الترغيب برقم (295).
(4) رواه ابن حبان في "صحيحه" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (296).
(5) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (853)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (561).(1/57)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنّا، ولا يصلينّ معنا".(1)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أكل بصلا أو ثوماً فليعتزلنا، أو فليعتزل مساجدنا، وليقعُد في بيته".(2)
وفي رواية لمسلم: :من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنَّ مسجدنا، فإنَّ الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
وفي رواية له: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: "من أكل مِنْ هذه الشجرة المنتنة فلا يقربنّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس".
وعن عمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - : أنه خطب الناس يوم الجمعة فقال في خُطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين، لا أراهما إلاّ خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وجَدَ ريحهما من الرجل في المسجد، أمر به فاُخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليُمتهما طبخا".(3)
قال النووي: معناه: من أراد أكلها فليمت رائحتهما بالطبخ، وإماتة كل شيء كسر قوته وحدته. شرح النووي (5/54).
يقاس على الثوم والبصل والكراث كل رائحة خبيثة تؤذي المصلين وتؤذي الملائكة، سواء الروائح المنبعثة من الجسد أو الملابس المنتنة أو الدخان، فعلى المصلي أن ينظف نفسه وأن يتجنب كل شيء يؤذي المصلين عند حضوره إلى المسجد لكي لا يأثم بذلك.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (856)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (562).
(2) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5452)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (564).
(3) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (567) والنسائي وابن ماجة.(1/58)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أكلَ من هذه الشجرة: الثوم، فلا يؤذينا بها في مسجدنا هذا".(1)
وعن أبي ثعلبة - رضي الله عنه - ، أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، فوجدوا في جنانها بصلاً وثوماً، فأكلوا منه وهم جياع، فلما راح الناس إلى المسجد إذا ريحُ المسجد بصل وثوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا" فذكر الحديث بطوله. (2)
التحذير من ترك حضور الجماعة لغير عذر
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سَمِعَ النداءَ فلم يُجبْ، فلا صلاة له إلا من عُذر".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حُزَماً من حطب، ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم، ليست بهم علة، فأحرِّقَها عليهم".
فقيل ليزيد -هو ابن الأصم- الجمعة عنى أو غيرها؟ قال: صُمَّت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ما ذكر جمعة ولا غيرها. (4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (563) والنسائي،وابن ماجة في إقامة الصلاة برقم(1015)واللفظ له.
(2) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - بنحوه في المساجد برقم (565)، ورواه الطبراني في "الكبير" (22و 215) رقم (574).
(3) رواه ابن ماجة، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (426).
(4) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (651)، وابو داود في سننه في كتاب الصلاة برقم(549) واللفظ له، وابن ماجة والترمذي مختصراً.(1/59)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلُ أعمى، فقال: يا رسول الله! ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخِّص له فيصلي في بيته، فرخَّص له، فلما ولَّى دعاه، فقال: "هل تسمعُ النداء بالصلاة؟" فقال: نعم. قال: "فأجب".(1)
وعن أبي الشعثاء المحاربيّ قال: كنا قعوداً في المسجد، فأذَّن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بَصَره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - .(2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من سمع "حي على الفلاح" فلم يُجب، فقد ترك سنة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يصلي في جماعة ولا يجمع فقال: إن مات هذا فهو في النار".(4)
لا يجمع: أي لا يصلي الجمع.
وحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ، وفيه: "ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنَّة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم".(5) الحديث
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من ثلاثة في قريةٍ ولا بدوٍ، لا تقام فيهم الصلاةُ، إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكلُ الذئبُ من الغنم القاصية".(6)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سمع النداء
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (653)، والنسائي وغيرهما.
(2) سبق تخرجه.
(3) رواه الطبراني في "الأوسط"، وصححه الألباني في الترغيب (432).
(4) رواه الترمذي.
(5) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما.
(6) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما" والحاكم وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (427).(1/60)
فارغاً صحيحاً فلم يُجب، فلا صلاةَ له".(1)
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لينتهين رجالٌ عن ترك الجماعة، أولا حرّقن بيوتهم".(2)
التحذير من فوات صلاة العصر بغير عذر
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من ترك صلاة العصر، فقد حَبط عمله".(3)
(حبط عمله) أي : بطل عمله.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذي تفوته صلاةُ العصر، وُتِر أهله وماله".(4)
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" وزاد في آخره: "قال مالك: تفسيره ذهاب الوقت".
وعن نوفل بن معاوية - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من فاتته صلاةٌ فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ".
وفي رواية: قال نوفل: "صلاة من فاتته فكأنما وُتِر أهلَهُ ومالَهُ".
قال ابن عمر: قال - صلى الله عليه وسلم - : "هي العصر".(5)
ورواه البخاري ومسلم بلفظ: "من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله".
التحذير من تأخر الرجال إلى أواخر الصفوف،
وتقدم النساء إلى أوائل الصفوف واعوجاج الصفوف
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها".(6)
__________
(1) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (434).
(2) رواه ابن ماجة، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (433).
(3) رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (594).
(4) رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (552)،ومسلم في كتاب المساجد برقم(626).
(5) رواه النسائي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (481).
(6) سبق تخريجه.(1/61)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: "تقدموا، فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله".(1)
قوله (حتى يؤخرهم الله): أي حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله، ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك. شرح النووي (4/159)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار." (2)
وعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبُكم، ليَليني منكم أوُلو الأحلامِ والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".(3)
(النهى): جمع نُهية، العقول.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".(4)
وفي رواية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسوي بها القِداح حتى رأى أنا قد عَقِلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبّر، فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: "عباد الله! لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".(5)
(القداح): بكسر القاف جمع (قِدح) هو خشب السهم إذا بُري قبل أن يجعل فيه النصل والريش.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (438)، وأبو داود والنسائي، وابن ماجة.
(2) رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان، إلا أنهما قالا: "حتى يخلفهم الله". وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (510).
(3) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (432)، وغيره.
(4) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (717)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (436).
(5) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (436)، ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.(1/62)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلل الصف من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ، يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: "لا تختلفوا، فتختلف قلوبكم"، وكان يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول".(1)
وفي رواية: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينا فيمسح عواتقنا وصدورنا، ويقول: "لا تختلف صفوفكم فتختلف قلوبكم إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول".(2)
وفي رواية لابن خزيمة: "لا تختلف صدوركم فتختلف قلوبكم".
التحذير ممن أَمَّ قوماً وهم له كارهون
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثةٌ لا تجاوزُ صلاتهم آذانهم، العبد الآبق، حتى يرجع، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون".(3)
وعن طلحة بن عبيد الله: أنه صلى بقوم، فلما انصرف قال: إني نسيت أن أستأمركم قبل أن أتقدم، أرضيتم بصلاتي. قالوا: نعم، ومن يكره ذلك يا حواريّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيما رجلٍ أمّ قوماً وهم له كارهون، لم تجاوز صلاته أذنيه".(4)
وعن عطاء بن دينار الهذلي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ لا يقبل الله منهم صلاةً، ولا تصعد إلى السماء، ولا تجاوز رؤوسهم، رجلٌ أمَّ قوماً وهم له كارهون، ورجل صلى على جنازة ولم يؤمر، وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه".(5)
__________
(1) رواه ابو داود وابن خزيمة، وصححه الألباني في الترغيب برقم (513).
(2) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (513).
(3) رواه الترمذي وقال: "حدث حسن غريب"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (487).
(4) رواه الطبراني في "الكبير" (1/74/210) وحسنه الألباني في الترغيب برقم (484).
(5) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني، الترغيب (485).(1/63)
قوله:"رجل أم قوماً وهم له كارهون": الكراهة هنا كراهة شرعية، كأن يكون مبتدعاً، أو مدخناً، أو حليق اللحية، أو مسبلاً إزاره، إلى غير ذلك. والله أعلم.
التحذير من عدم إتمام الركوع والسجود وإقامة الصلب بينهما
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المسجد فصلى، ثم جاء فسلم عليه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "و عليك السلام ارجع فصلِّ فإنك لم تصل" فصلى ثم جاء فسلم فقال: "وعليك السلام فارجع فصل فإنك لم تصل" فصلى ثم جاء فسلم فقال: "وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل" فقال في الثانية أو في التي تليها: علمني يا رسول الله فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تستوي قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".
وفي رواية: "ثم ارفع حتى تستوي قائماً" يعني من السجدة الثانية. (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً، ثم انصرف فقال: "يا فلان ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي فإنما يصلي لنفسه إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يديّ".(2)
__________
(1) رواه البخاري، في كتاب الأذان برقم (757)، وفي كتاب الاستئذان برقم (6251)، وفي كتاب الإيمان والنذور برقم (549)، ورواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (397).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (423).(1/64)
قال النووي: قال العلماء: معناه أن الله تعالى خلق له - صلى الله عليه وسلم - إدراكاً في قفاه يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضي: قال أحمد بن حنبل رحمه الله وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية بالعين الحقيقية.
وعن عقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه".(1)
التحذير من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أما يخشى أحدُكم إذا رفع رأسَه قبل الإمام أن يَجعلَ الله رأسَه رأسَ حِمار، أو يجعلَ الله صورته صورةَ حمارٍ؟!".(2)
قال الخطابي: اختلف الناس فيمن فعل ذلك، فروي عن ابن عمر أنه قال: "لا صلاة لمن فعل ذلك". وأما عامة أهل العلم فإنهم قالوا: قد أساء، وصلاته تجزئه، غير أنّ أكثرهم يأمرونه بأن يعود إلى السجود، وقال بعضهم: يمكث في سجوده بعد أن يرفع الإمام رأسه بقدر ما كان ترك". أ.هـ. (3)
التحذير من رفع البصر إلى السماء في الصلاة
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!" فاشتّد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهُنَّ عن ذلك، أو لتخطَفَنَّ أبصارُهم".(4)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (691)، ومسلم في الصلاة برقم (427).
(3) معالم السنن (1/320).
(4) رواه البخاري في كتاب ألأذان برقم (750).(1/65)
قيل: إن المعنى أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلين، وقال القاضي عياض: رفع البصر إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراض عن القبلة وخروج عن هيئته، فتح الباري (2/233، 234).
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء عند الدعاء في الصلاة، أو لتخطفن أبصارهم".(2)
وفي رواية لمسلم قال: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجعُ إليهم".
وفي رواية لأبي داود:
دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، فرأى فيه ناساً يُصلُّون، رافعي أبصارهم إلى السماء، فقال: "لينتهين رجالُ يَشخَصُون أبصارَهم في الصلاةِ، أو لا ترجعُ إليهم أبصارُهم".(3)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدُكم في
الصلاة، فلا يَرفع بَصَرَه إلى السماء، لا يُلتمعُ".(4)
التحذير من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نُهيَ عن الخصر في الصلاة".(5)
وفي رواية لمسلم والترمذي ولفظهما: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصليَ الرجل مختصراً".
ورواه أبو داود وقال: "يعني: يضع يده على خاصرته".(6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (428).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (429)، والنسائي.
(3) صحيح الترغيب (551).
(4) رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية ابن لهيعة، وصححه الألباني في الترغيب برقم (550).
(5) رواه البخاري في كتاب العمل في الصلاة برقم(1219)ومسلم في كتاب المساجد برقم(545)
(6) سنن أبي داود في كتاب الصلاة برقم (947)، وصحيح الترغيب (1/363).(1/66)
التحذير من الالتفات في الصلاة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التلفت في الصلاة؟ فقال: "اختلاس يختَلِسُهُ الشيطانُ من صلاة العبد".(1)
الاختلاس من الخلسة، وهي ما يؤخذ سلباً مكابرة.
قال الطيبي: سمي اختلاساً تصويراً لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي يقبل على الرب سبحانه وتعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه،فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة.فتح الباري(2/235)
وعن أبي الأحوص عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صَرَف وجهه انصرف عنه".(2)
وفي حديث الحارث الأشعري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلماتٍ أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، ..".
وفيها: "وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهَه لوجه عبده في صلاتِهِ، ما لم يلتفت".الحديث (3)
التحذير من مسح الحصى في موضع السجود
عن مُعيقيب - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تمسح الحصى وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلاً، فواحدةً تسوِيَةَ الحَصَى".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (751).
(2) صحيح الترغيب (554).
(3) رواه الترمذي وهذا لفظه، وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (552).
(4) رواه البخاري في كتاب العمل في الصلاة برقم(1207)ومسلم في كتاب المساجدبرقم(546).(1/67)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسح الحصى في الصلاة؟ فقال: "واحدةٌ، ولأن تُمِسكَ عنها خيرٌ لك من مئةِ ناقةٍ، كلُّها سودُ الحَدَقِ".(1)
التحذير من المرور بين يدي المصلي
عن أبي الجُهيم عبد الله بن الحارث بن الصِّمَّة الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين، خيراً له من أن يَمُرَّ بين يديه".
قال أبو النضر: لا أدري قال: "أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة".(2)
قوله: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه) أي: لو يعلم ماذا عليه من الإثم والخطيئة لوقف، ولكان وقوفه خيراً له.
(يمر بين يديه) أي: أمامه بالقرب منه، وحده ما بينه وبين موضع سجوده وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما. والله أعلم. قاله الألباني
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستُرُه من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان".
وفي لفظ آخر: "إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحداً يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى، فليقاتله، فإنَّما هو شيطان".(3)
ولفظ البخاري: "فليدفعه".
قوله: (وليدرأه) بدال مهملة أي: فليدفعه، بوزنه ومعناه
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى، فليقاتله، فإن معه القرين".(4)
__________
(1) رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني في الترغيب برقم (557).
(2) رواه البخاري في كتاب سترة المصلي برقم (510) ومسلم في كتاب الصلاة برقم (507).
(3) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (509)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (505).
(4) رواه مسلم في (2/58)، وابن ماجة، وابن خزيمة في "صحيحه".(1/68)
وعن عبد الله بن عمر قال: "لأن يكون الرجلُ رماداً يُذرَى به، خير له من أن يمرَّ بين يدي رجل متعمداً وهو يصليَّ".(1)
قوله: "فليدفعه" قال القطربي: أي بالإشارة ولطيف المنع، وقوله الآتي "فليقاتله" أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول .أ.هـ. فتح الباري (1/583)
التحذير من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه".(2)
قال النووي: فيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلبه ونشاطه، وفيه أمر الناس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس، وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار ... ولكن لا يخرج فريضة عن وقتها. شرح النووي (6/74)
يسب نفسه: يدعو على نفسه.
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ".(3)
ورواه النسائي إلا أنه قال: "إذا نعسَ أحدُكم في الصلاة فليَنم، حتى يعلمَ ما يقرأُ".(4)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قام أحدكم من الليل، فاستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فليضطجع".(5)
(فاستعجم القرآن على لسانه): أي استغلق ولم ينطق به لسانه لغلبة النعاس.
__________
(1) أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (21/149) موقوفا،وأبو نعيم في"أخبار أصبهان"(1/354) من طريق أبي عمران الغافقي عنه: وقال الألباني: "صحيح موقوف" الترغيب (562).
(2) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (212)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم(786).
(3) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (213).
(4) صحيح الترغيب (1/408).
(5) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (787).(1/69)
وفي رواية للنسائي ولفظه: "إذا نَعَسَ أحدُكم وهو يصلي فلينصرف، فلعله يدعو على نفسه، وهو لا يدري".(1)
التحذير من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شيء من الليل.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل نام ليلة حتى أصبح قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه - أو قال في أذنه".(2)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعقدُ الشيطان على قافيةِ رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاثَ عُقد، يضرِبُ على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقُد، فإن استيقظَ فذكر الله انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلّت عقدةٌ، فإن صلى انحلّت عقدةٌ، فأصبح نشيطاً طيِّبَ النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفس كسلان".(4)
قافية الرأس: مؤخره، ومنه سُمي آخر بيت الشعر قافية.
وعن جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم ذكرٍ ولا أنثى ينامُ إلا وعليه جَرير معقودٌ، فإن هو توضأ وقام إلى الصلاة، أصبح نشيطاً قد أصاب خيراً، وقد انحلت عُقَدهُ كلّها، وإن استيقظ ولم يذكر الله، أصبح وعُقَدُه عليه، وأصبح ثقيلاً كسلانَ، ولم يُصِب خيراً".(5)
التحذير من تخطي الرقاب يوم الجمعة
__________
(1) صحيح الترغيب (1/408).
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3270) وفي كتاب التهجد برقم (1144)، ورواه مسلم.
(3) رواه البخاري في كتاب التهجد برقم(1152)، ورواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1159).
(4) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3269)،و مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (776).
(5) رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وصححه الألباني في الترغيب برقم (648).(1/70)
عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما قال: جاء رجل يَتَخطّى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطبُ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجلس فقد آذيتَ، وآنيتَ".(1)
(آذيتَ) بتخطيك رقاب الناس. (آنيتَ) بمد الهمز وبعدها نون ثم ياء مثناة تحت، أي: أخَّرتَ المجيء. وعند ابن خزيمة: "فقد آذيتَ وآُذِيتَ".
التحذير من الكلام والإمام يخطب
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قلتَ لصاحبكَ يومَ الجمعةِ: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت".(2)
قوله: (لغوت) قيل: معناه خِبت من الأجر، وقيل: تكلمت. وقيل: أخطأت. وقيل: بطلت جمعتك. وقيل: صارت جمعتك ظهراً.
والقول الأخير هو الراجح وكذلك القول الذي قبله، لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حديث: "ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً".
وهو الذي جزم به الإمام ابن خزيمة. (3)
وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تكلمتَ يوم الجمعة فقد لَغَوتَ وألغَيتَ: يعني والإمام يخطب".(4)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "احضروا الذكر ،وادنوا من الإمام ،فإن الرجل لايزال يتباعد حتى يؤخلر في الجنة وإن دخلها" . الصحيحة رقم (365) .
__________
(1) رواه أحمدذ1 وابو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (714).
(2) رواه البخاري في كتاب الجمعة برقم (394)، ومسلم في كتاب الجمعة برقم (851).
(3) صحيح ابن خزيمة (3/55/ باب 71).
(4) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (717).(1/71)
وعن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يحضر الجمعة ثلاثةُ نفر، فرجلٌ حضرها يَلغو، فذلك حظُّه منها، ورجلٌ حضرها بدعاءٍ فهو رجل دعا الله، إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطَّ رقبةَ مسلم، ولم يؤذِ أحداً، فهي كفارةُ إلى الجمعة التي تليها و زيادة ثلاثة أيام. وذلك أن الله يقول: "مَن جاء بالحسنةِ فله عشرُ أمثالها" ".(1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كفى لغواً أن تقول لصاحبك: أنصت، إذا خرج الإمام في الجمعة. (2)
وعن أبي ذر أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فجلستُ قريباً من أُبيّ بن كعب ، فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة (براءة) فقلت لأُبيّ: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهَّمني، ولم يكلمني، ثم مكثت ساعةً، ثم سألته؟ فتجهمني ولم يكلمني. ثم مكثتُ ساعة، ثم سألته؟ فتجهمني، ولم يكلمني فلما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت لأُبيٍّ: سألتك فتجهمتني، ولم تكلمني؟ قال أُبيَ: مالك من صلاتك إلا ما لغوتَ! فذهبتُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا نبي الله! كنت بجنب أُبيّ وأنت تقرأ (براءة) فسألته: متى نزلت هذه السورة؟ فتجهَّمني ولم يكلمني، ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت! قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "صدق أُبيّ".(3)
قوله: (فتجهمني) معناه: قطَّب وجهه وعبس، ونظر إليَّ نظر المغضب المنكر.
__________
(1) رواه أبو دواد، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (723).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" (9/ رقم 9543) موقوفاً بإسناد صحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (720).
(3) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني في "الترغيب" برقم (718).(1/72)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اغتسل يوم الجمعة، ومسَّ من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغُ عند الموعظةِ، كان كفارةً لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً".(1)
وعن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "احضروا الذكر ،وادنوا من الإمام ،فإن الرجل لايزال يتباعد حتى يؤخلر في الجنة وإن دخلها" الصحيحة رقم (365) .
التحذير من ترك الجمعة ليصلي وحده
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".(2)
وعن أبي هريرة ، وابن عمر رضي الله عنهم، أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن وَدْعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين".(3)
قوله (وَدْعِهم الجمعات) هو بفتح الواو وسكون الدال، أي: تركهم الجمعات.
__________
(1) رواه أبو داود وابن خزيمة في "صحيحه" من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو وصححه الألباني، الترغيب (721).
(2) أخرجه مسلم في كتاب "المساجد" برقم (952).
(3) رواه مسلم في "الجمعة" برقم (865).(1/73)
وعن أبي الجعد الضمري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه".(1)
وفي رواية: "من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر فهو منافق" .
طبع الله على قلبه أي : ختم عليه وغشاه ومنعه الألطاف.
وعن حفصة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رواح الجمعة واجب على كل محتلم".(2)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : أنه قال: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر".(3)
وعن محمد بن عبد الرحمن بن زُرارة قال: سمعت عميّ -ولم أر رجلاً منّا به شبيهاً- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سمع النداء يوم الجمعة فلم يأتها، ثم سمعه فلم يأتها، ثم سمعه فلم يأتها، طبع الله على قلبه، وجعل قلبه قلب منافق".(4)
وعن أسامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ترك ثلاث جمعاتٍ من غير عذر، كُتب من المنافقين".(5)
__________
(1) أخرجه أحمد في "المسند" (3/424) وأبو داود في كتاب "الصلاة" (1052) والنسائي في كتاب "الجمعة" (3/88) وابن ماجة (1125) في "إقامة الصلاة" والترمذي في "أبواب الصلاة" (500)، والحاكم "المستدرك" (1/280) وابن حبان (258) و (2775 مع الإحسان) وابن خزيمة الصحيح (3/175 و 176). والبغوي في "شرح السنة" (4/213) والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/21-22) وصححه الألباني في الترغيب برقم (727).
(2) أخرجه النسائي في "المجتبي" كتاب "الجمعة" (3/89) وابن خزيمة في "صحيحه" (1721) وأبو داود في كتاب "الطهارة" (342) وحسنه الترمذي.
(3) رواه ابن ماجة وابن حبان، "صحيح الجامع" (6300).
(4) رواه البيهقي، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (735).
(5) رواه الطبراني في "الكبير" من رواية جابر الجعفي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (729).(1/74)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الأهل عسى أحدُكم أن يتخذ الصُّبَّة من الغنم على رأس ميل أو ميلين، فيتعذرَ عليه الكلأُ، فيرتفع، ثم تجيءُ الجمعة فلا يجيء ولا يشهدها، وتجيءُ الجمعة فلا يشهدها وتجيء الجمعة فلا يشهدها، حتى يُطبَعُ على قلبه".(1)
(الصُّبَّة) بضم الضاء المهملة، وتشديد الباء الموحدة: هي السِّربة، إما من الخيل أو الإبل أو الغنم، ما بين العشرين إلى الثلاثين، تضاف إلى ما كانت منه، وقيل: هي ما بين العشرة إلى الأربعين.
(الكلأ) بفتح الكاف واللام في آخره همزة غير ممدودة: هو العشب الرطب واليابس.
التحذير من إفطار رمضان بلا عذر ولا حاجة
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } .(2)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهم ما اجتنبت الكبائر".(3)
وقال عليه الصلاة والسلام: "رغم أنف امرئٍ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له".(4)
قال الذهبي رحمه الله تعالى: وعند المؤمنين أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عذر أنه شر من المكاس والزاني بل يشكون إسلامه ويظنون به الزندقة والإنحلال.
التحذير من تخصيص يوم الجمعة بالصوم
__________
(1) رواه ابن ماجة، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب برقم(731).
(2) البقرة (183-184).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (233).
(4) أخرجه الترمذي في الدعوات برقم (3545) والحاكم في المستدرك (1/549)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".(1/75)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبلهُ أو يوماً بعده".(2)
وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: "أصمت أمس؟" قالت: لا. قال: "تريدين أن تصومي غداً؟" قالت: لا. قال: "فأفطري".(3)
وعن محمد بن عباد قال: سألت جابراً وهو يطوف بالبيت: أنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيام الجمعة؟ قال: نعم ورب هذا البيت".(4)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: ذكر ابن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنهم كرهوا صوم الجمعة ليقوموا على الصلاة.
قلت (أي ابن قيم الجوزية): المأخذ في كراهيته: ثلاثة أمور: هذا أحدها، ولكن يُشكل عليه زوال الكراهية بضم يوم قبله، أو بعده إليه.
والثاني: أنه يوم عيد، والمأخذ الثالث: سد الذريعة من أن يُلحق بالدِّين ما ليس فيه، ويوجب التشبه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرد عن الأعمال الدنيوية.. إلى آخر كلامه(5)
تحذير المرأة أن تصوم تطوعاً وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1144).
(2) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1985) ومسلم في كتاب الصيام برقم (1144).
(3) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1986).
(4) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1984) ومسلم في كتاب الصيام برقم (1143).
(5) زاد المعاد (1/320 - 321).(1/76)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأةٍ أن تصومَ وزوجها شاهدٌ إلا بإذنه، ولا تأذنَ في بيته إلا بإذنه".(1)
وفي رواية:
"لا تصم المرأةُ وزوجها شاهدٌ يوماً من غير شهر رمضان إلا بإذنه".(2)
تحذير الصائم من الغيبة والفحش والكذب ونحو ذلك
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه".(3)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّك أحدٌ أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم".(4)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا السَّهرُ".(5)
وفي رواية للحاكم. "رب صائمٍ حظًّه من صيامِهِ الجوعُ والعطشُ، وربَّ قائم حظُّه من قيامه السهر".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رب صائم حظُّه من صيامه الجوعُ والعطش، وربَّ قائم حظُّه من قيامه السهر".(6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5195)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1026).
(2) رواه الترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1052).
(3) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1903).
(4) رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" والحاكم و قال: "صحيح على شرط مسلم" وصححه الألباني في الترغيب برقم (1082).
(5) رواه ابن ماجة واللفظ له، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري" وصححه الألباني في الترغيب (1083).
(6) رواه الطبراني في "الكبير" وقال الألباني "صحيح لغيره" الترغيب (1084).(1/77)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد فليقل: إني صائم،إني صائم".(1)
تحذير المسافر من الصوم إذا يشق عليه
عن جابر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان [فصام] حتى بلغ كراع الغميم؛ فصام الناس ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: "أولئك العصاة أولئك العصاة".
كراع الغميم: موضع على ثلاثة أميال من عسفان.
وهذا محمول على من تضرر بالصوم.
وفي رواية: "فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت. فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر".(2)
وعن جابر أيضاً قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأى رجلاً قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه فقال: (مالُه؟) قالوا: رجل صائم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس البر أن تصوموا في السفر".
زاد في رواية: "وعليكم برخصة الله التي رخَّص لكم".
وفي رواية: "ليس من البر الصوم في السفر".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال: فنزلنا منزلاً في يومٍ حار أكثرنا ظلاّ صاحب الكساء فمنا من يتقي الشمس بيده قال: فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ذهب المفطرون اليوم بالأجر".(4)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1114).
(3) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1946) ومسلم في كتاب الصيام برقم (1112).
(4) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1119).(1/78)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
وفي رواية: "يرون أن من وجد قوةً فصام فإن ذلك حَسَن ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن".(1)
التحذير من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل
عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته".(2)
(القتلة والذبحة) بكسر القاف والذال المعجمة فيها: اسم الهيئة والحالة.
وقوله: (فأحسنوا القِتلة) قال الألباني رحمه الله: "عام في كل قتيل من الذبائح والقتل والقصاص وفي الحد ونحو ذلك. وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقاعدة هامة من قواعد الإسلام، ألا وهو الرفق بالحيوان". أ.هـ. صحيح الترغيب (1/630)
(وليرح ذبيحته) بإحداد السكين وتعجيل أمرها وغير ذلك، وأن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رحم -ولو ذبيحة عصفور - رحمه الله يوم القيامة" . السلسلة الصحيحة رقم (27) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجلٍ واضعٍ رجله على صفحة شاة، وهو يُحدّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: "أفلا قبل هذا؟ أو تريد أن تميتها موتات؟!".
ورواه الحاكم إلا أنه قال: "أتريد أن تميتها موتات؟! هلا أحددت شفرتك قبل أن تُضجعها".(3)
__________
(1) رواه مسلم في الصيام برقم (1116).
(2) رواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح برقم (1955)، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
(3) صحيح الترغيب (1/630 و 631) ، والصحيحة رقم (24)، وغاية المرام رقم (40).(1/79)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحد الشفار، وأن توارى عن البهائم، وقال: "إذا ذبح أحدكم فليُجهز".(1)
(الشفار) جمع شفرة: وهي السكين.
وقوله: (فليجهز) هو بضم الياء وسكون الجيم وكسر الهاء وآخره زاي أي: فليسرع ذبحها ويتمه".
وعن ابن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها، إلا سأله الله عز وجل عنها".
قيل يا رسول الله: وما حقها؟ قال: "يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها ويرمي بها".(2)
وعن مالك بن نضلة - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هل تُنتج إبلُ قومك صحاحاً أذناها، فتعمد إلى الموس فتقطع آذانها وتشق جلودها، وتقول: هذه صُرم، فتحرمها عليك وعلى أهلك؟". قلت: نعم. قال: "فكلّ ما آتاك الله حِلُّ، ساعد الله أشدّ من ساعدك، وموس الله أحدّ من موسك".
"الصُّرم" بضم الصاد المهملة، وسكون الراء جمع (الصري) : وهو الذي حرم أذنه، أي : قطع .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: قلت: كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية يوقفونا لأصنامهم ويحرمونها على أنفسهم، يسيبونها ليس لها راع، وهي (البحيرة) المذكورة في قوله تعالى: { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام، ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب واكثرهم لا يعقلون } .المائدة آيه (103).
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثم عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".(3)
__________
(1) رواه ابن ماجة، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (3130).
(2) رواه النسائي، والحاكم وصححه، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (1092).
(3) أخرجه البخاري برقم (3295) ، ومسلم برقم (2242)(1/80)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: معناه عذبت بسبب هرة ، ومعنى دخلت فيها أى بسببها .
وخشاش الأرض: بفتح الخاء المعجمة وكسرها وضمها وهى هوامالأرض وحشرراتها كما وقع فى الرواية الثانية .
وفى الحديث دليل لتحريم قتل الهرة وتحريم حبسها بغير طعام أو شراب وأما دخولها النار بسببها فظاهر الحديث أنها كانت مسلمة وإنما دخلت النار بسبب الهرة . اهـ. شرح النووي (14/240) .
قال الله تعالى: { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } . البقرة (271). وقال تعالى: { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } .البقرة(276).وقال تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . التوبة (60) .وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرهم فيها ما بذلوها،فإذا منعوها نزعها منهم،فحولها إلى غيرهم"(1).
وعن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة،إلا من قال بالمال هكذا وهكذا،وكسبه من طيب"(2) .
التحذير من منع الزكاة
قال الله تعالى: { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } .(3)
__________
(1) السلسلة الصحيحة حديث رقم (1692) .
(2) السلسلة الصحيحة حديث رقم (1766) .
(3) آل عمران (180).(1/81)
وقال الله تعالى: { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون } .(1)
وقال تعالى: { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } .(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي منها زكاتها إلا بُطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها كلما نفدت عليه أخراها عادت عليه أُولاها حتى يُقضى بين الناس في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا مثل له كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع..". (3)
وقد قاتل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مانعي الزكاة وقال: والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها. (4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله تعالى من ماله وفقير فخور".(5)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حَقَّها إلا جاءت يومَ القيامة أكثرَ ما كانت، وقعد لها بقاع قَرقرة، تَستَنُّ عليه بقوائمها وأخفافها.
ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقَّها إلا جاءت يوم القيامة أكثرَ مما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها.
__________
(1) فصلت (6-7).
(2) التوبة (34-35).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (978) وذكر الشجاع الأقرع البخاري برقم (1403).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1400) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (20).
(5) رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".(1/82)
ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقَّها إلا جاءت يومَ القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، ليس فيها جَمّاءُ، ولا منكسرٌ قرنُها.
ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقَّه إلا جاء كنزُه يومَ القيامة شجاعاً أقرع، يتبعُه فاتحاً فاه، فإذا أتاه فَرَّ منه، فيناديه: خذ كنزك الذي خبأته، فأنا عنه غنيٌّ، فإذا رأى أن لا بد له منه سلك يده في فيه، فيقضمها قضم الفحل".(1)
(القاع): المكان المستوي من الأرض.
و (القَرقَر) بقافين مفتوحتين وراءين مهملتين: الأملس.
و (الظلف): للبقر والغنم، بمنزلة الحافر للفرس.
و (العقصاء): هي الملتوية القرن.
و (الجلحاء): هي التي ليس لها قرن.
و (العضباء) بالضاد المعجمة: هي المكسورة القرن.
و (الطَوّل) بكسر الطاء وفتحها وفتح الواو: هو حبل تشد به قائمة الدابة وترسلها ترعى، أو تمسك طرقه وترسلها.
و (استنَّت) بتشديد النون، أي: جرّت بقوة.
و (شَرَفاً) بفتح الشين المعجمة والراء، أي: شوطاً، وقيل: نحو ميل.
و (الشجاع) بضم الشين المعجمة وكسرها: هو الحية، وقيل: الذكر خاصة، وقيل: نوع من الحيات.
و (الأقرَع) منه: الذي ذهب شعر رأسه لكثرة سمه.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحد لا يؤدي زكاةَ ماله إلا مُثِّل له يومَ القيامة شجاعاً أقرع حتى يُطوَّق به عُنُقُه". ثم قرأ علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مصداقه من كتاب الله: { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله } (2) الآية.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (988).
(2) رواه ابن ماجة واللفظ له، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه" وصححه الألباني في الترغيب برقم (756).(1/83)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان يُطوّقُه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتَيه (يعني شدقيه) ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك!".
ثم تلا هذه الآية: { ولا يحسبن الذي يبخلون } الآية (1)
(الزبيبتان): هما الزبدتان في الشدقين: وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبيه وظهره".(2)
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين".(3)
(السنين): القحط والجدب، ورواه الحاكم والبيهقي في حديث إلا أنهما قالا: "ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر".
وعن الأحنف بن قيس قال: جلستُ إلى ملأ من قريش، فجاء رجلٌ خَشِنُ الشعر والثياب والهيئة، حتى قام عليهم فَسَّلم، ثم قال: "بشِّر الكانزين برصف يُحمى عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حَلَمة ثَدي أحدهم حتى يخرج من نُغضِ كتفِهِ، ويوضع على نُغض كتفه حتى يخرج من حَلَمة ثديه يتزلزل".
ثم ولَّى فجلس إلى سارية، وتَبعْتُه، وجلستُ إليه، وأنا لا أدري من هو؟ فقلت: لا ارى القومَ إلا قد كرهوا الذي قلت. قال: إنهم لا يعقلون شيئاً، قال لي خليلي.. قلت: من خليلك؟ قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا ذر! أتبصر أحُداً؟".
قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار؟ وأنا أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرسلني في حاجة له -قلت: نعم. قال: "ما أُحِبُ أن لي مثل أحدٍ ذهباً أنفقه كلَّه إلا ثلاثة دنانير".
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه الطبراني والحاكم والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (763).(1/84)
وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دُنيا ولا أستفتيهم عن دينٍ، حتى ألقى الله عز وجل. (1)
وفي رواية لمسلم أنه قال:
"بشر الكانزين بكيٍّ في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكيٍّ من قبل أقفائهم يخرج من جباههم".
قال: ثم تَنحَّى فقعد. قال: قلتُ: من هذا؟ قالوا: أبو ذر
قال: فقمت إليه فقلت: ما شيءٌ سمعتُك تقول قُبَّيلُ؟
قال: ما قلت إلا شيئاً قد سمعته من نبيهم - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟
قال: خُذه، فإن فيه اليوم معونةً، فإذا كان ثمناً لدينك فَدَعه.
(يتزلزل): يضطرب ويتحرك.
(الرَّضف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة: هو الحجارة المحماة.
(النغض) بضم النون وسكون الغين المعجمة بعدها ضاد معجمة، وهو غضون الكتف.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خمسٌ بخمسٍ" قيل: يا رسول الله: ما خمسٌ بخمسٍ؟ قال: "ما نقص قومٌ العهد، إلا سُلِّط عليهم عدُّوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله، إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة، إلا فشا فيهم الموت، ولا منعوا الزكاة إلا حُبس عنهم القَطر، ولا طفّفُوا المكيال، إلا حُبس عنهم النبات وأخذوا بالسنين".(2)
(السنين): جمع (سَنَة) وهي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئا، سواء وقع قطر أو لم يقع.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1407 و 1408)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (992).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (765).(1/85)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا معشر المهاجرين! خصالُ خمسٌ إن ابتُليتُم بهنّ، ونَزَلْنَ بكم وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشةُ في قوم قطّ حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقُضُوا المكيال والميزان، إلا أُخذوا بالسنين وشدّة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا نَقَضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلِّط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعضَ ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جُعل بأسهم بينهم".(1)
وعن مسروق قال: قال عبد الله: آكلُ الربا، ومُوكله وشاهداه إذا علماه، والواشمة والموتَشِمَة، ولاوي الصدقة، والمرتدُّ أعرابيا بعد الهجرة، ملعنون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة".(2)
(لاوي الصدقة): هو المماطل بها، الممتنع من أدائها.
وعن علي - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا، وموكله، وشاهده، وكاتبه، والواشمة، والمستوشمة، ومانع الصدقة، والمحلل والمحلل له".(3)
__________
(1) رواه ابن ماجة والبزار، والبيقي وهذا لفظه، وصححه الألباني في الترغيب برقم (764).
(2) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" واللفظ له، ورواه أحمد وأبو يعلى، وان حبان في "صحيحه" وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (757).
(3) رواه أحمد والنسائي والأصبهاني وغيرهما، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (758).(1/86)
وعن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال: "ما هذا يا عائشة؟" فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله! قال: "أتؤدين زكاتهنّ؟" قلت: لا، أو ما شاء الله. قال: "هي حسبك من النار".(1)
(الفتخات) بالخاء المعجمة: جمع (فتخة): وهي حَلقة لا فص لها، تجعلها المرأة في أصابع رجليها وفي يدها، وقال بعضهم، هي خواتم كبار كان النساء يتختمن بها.
قال الخطابي: والغالب أن الفتخات لا تبلغ بانفرادها نصاباً، وإنما معناه: أن تضم إلى بقية ما عندها من الحلي، فتؤدى زكاتها فيه.(2)
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مانع الزكاة يوم القيامة في النار".(3)
التحذير من المن
قال الله تعالى: { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } .(4)
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: عاق ومنان ومكذب بالقدر".(5)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"، فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: "المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".(6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان".(7)
__________
(1) رواه أبو داود والدارقطني، وصححه الألباني في الترغيب برقم (769).
(2) معالم السنن (2/176).
(3) رواه الطبراني في "الصغير" وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (762).
(4) البقرة (264)
(5) أخرجه الطبراني في "الكبير" برقم (7547و7938) وابن أبي عاصم في "السنة"(323)، "السلسلة الصحيحة" (1785).
(6) سبق تخريجه.
(7) رواه النسائي.(1/87)
وسمع ابن سيرين رجلاً يقول لآخر: أحسنت إليك وفعلت وفعلت وفعلت فقال له ابن سيرين: أسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي.
التحذير من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمع
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزال المسألةُ بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزعةُ لحمٍ".(1)
(المزعة) بضم الميم وسكون الزاي وبالغين المهملة: هي القطعة. قيل معناه يأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عند الله، وقيل: هو على ظاهره، فيحشر و وجهه عظم لا لحم عليه عقوبة له وعلامة له بذنبه حيث طلب وسأل بوجهه. شرح النووي (7/130)
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سأل الناس في غير فاقةٍ نزلت به، أو عيال لا يطيقهم، جاء يوم القيامة بوجهٍ ليس عليه لحم".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سأل الناس تكثراً، فإنما يسأل جمراً، فَليستَقلَّ أو ليستكثِر".(3)
معناه: أنه يعاقب بالنار، ويحتمل أن يكون على ظاهره، وأن الذي يأخذ يصير جمراً يكوى به كما ثبت في مانع الزكاة. شرح النووي (7/131)
وعن أبي بشر قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: تحمَّلتُ حَمالة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، اسأله فيها، فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها" ثم قال: "يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَها ثم يمسك. ورجل أصابته جائحةٌ اجتاحَت ماله، فحلت له المسألةُ حتى يصيبَ قِواماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1474) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1040).
(2) صحيح الترغيب (794).
(3) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1041)، وابن ماجة.(1/88)
ورجل أصابته فاقةٌ حتى يقول ثلاثةٌ من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سُحتٌ يأكلها صاحبُها سُحتاً".(1)
الحَمالة بفتح الحاء المهملة: هو الدية يتحملها قوم عن قوم، وقيل: هو ما يتحمله المصلح بين فئتين في ماله، ليرتفع بينهم القتال ونحوه.
والجائحة: الآفة تصيب الإنسان في ماله.
والقوام بفتح القاف وكسرها أفصح: هو ما يقوم به حال الإنسان من مال وغيره.
و (السِّداد) بكسر السين المهملة: هو ما يسد حاجة المعوز ويكفيه.
و الفاقة: الفقر والاحتياج.
و الحجى بكسر الحاء المهملة مقصورا: هو العقل.
وعن أبي سفيان صخر بن حرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تلحفوا بالمسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئاً فتخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته".(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : "ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل وفخذه ومالا فلا تتبعه نفسك"، قال سالم بن عبد الله : فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحداً شيئاً،ولا يَردُّ شيئاُ أُعطيه. (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أصابتهُ فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل".(4)
يوشك أي : يسرع.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1044)، وأبو داود والنسائي.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1038).
(3) أخرجه البخاري في كتاب "الأحكام" برقم (71163و 7164)، ومسلم في كتاب "الزكاة" برقم (1045).
(4) رواه أبو داود في كتاب "الزكاة"برقم (1645)،والترمذي في كتاب "الزهد"برقم(2326) وقال:"حديث حسن صحيح غريب"وصححه الألباني في الترغيب برقم(838)،الصحيحة(2787)(1/89)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يتفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس".(1)
وعنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل".(2)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً، أتكفل له بالجنة؟" فقلت: أنا فكان لا يسأل أحداً شيئاً. (3)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمرٍ لا بد منه".(4)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سأل الناس ليثري ماله، فإنما هي رضْفٌ من النار ملهبة، فمن شاء فيُقِلَّ ومن شاء فليكثر".(5)
وعن أسلم قال: قال لي عبد الله بن الأرقم: ادللني على بعير من العطايا استحمل عليه أمير المؤمنين.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب "الزكاة" برقم (1476) ومسلم في كتاب "الزكاة"برقم (1039).
(2) أخرجه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2588).
(3) رواه أبو داود بإسناد صحيح في كتاب "الزكاة" برقم (1643) والنسائي في كتاب "الزكاة" برقم (5/96)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (813).
(4) أخرجه الترمذي في كتاب الزكاة برقم(681)،وقال:"حديث حسن صحيح" ورواه أبو داود في كتاب الزكاة برقم(1936)والنسائي في الزكاة برقم(5/100)وصححه الألباني في الترغيب(792).
(5) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (806).(1/90)
قلت: نعم، جمل من إبل الصدقة، فقال عبد الله بن الأرقم: أتحب لو أنَّ رجلاً بادناً في يوم حار، غسل ما تحت إزاره ورُفغيه، ثم أعطاكه فشربته؟
قال: فغضبت، وقلت: يغفر الله لك، لِم تقول مثل هذا لي؟ قال: فإنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم. (1)
(البادن) السمين، و (الرّفغ) بضم الراء وفتحها وبالغين المعجمة: هو الإبط، وقيل: وسخ الثوب.
و (الأرفاغ): المغابن التي يجتمع فيها العرق والوسخ من البدن.
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال: "يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى".
قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا.
فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعوا حكيماً ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئاً، ثم إن عمر - رضي الله عنه - دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله فقال: يا معشر المسلمين أشهدكم عل حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي. (2)
وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله".(3)
__________
(1) رواه مالك، وقال الألباني: "صحيح موقوف" الترغيب (807).
(2) رواه البخاري في كتاب "الزكاة" برقم (1472) ومسلم في كتاب "الزكاة" برقم (1035).
(3) رواه البخاري في كتاب "الزكاة" برقم (1427) ومسلم في "الزكاة" برقم (1034).(1/91)
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفاً عليهن: لا ينقصُ مالٌ من صدقة، فتصدقوا، ولا يعفو عبد من مظلمة، إلا زاده الله بها عزاً يوم القيامة، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من فتح على نفسه باب مسألة من غير فاقة نَزَلَتْ به، أوعيالٍ لا يطيقهم، فتح الله عليه باب فاقةٍ من حيث لا يحتسب".(2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو يعلم صاحب المسألة ماله فيها، لم يسأل".(3)
وعن حُبْشي بن جُنادة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سأل من غير فقرٍ، فكأنما يأكل الجمرَ".(4)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الذي يسأل من غير حاجة، كَمَثل الذي يلتقط الجمر".(5)
__________
(1) رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (814).
(2) رواه البيهقي وحسنه الألباني في الترغيب برقم (795).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (797).
(4) رواه الطبراني في "الكبير" وصححه الألباني في الترغيب برقم (802).
(5) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" والبيهقي، وصححه الألباني في الترغيب (1/488 و 489).(1/92)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهو واقف بعرفة أتاه أعرابي، فأخذ بطرف ردائه، فسأله إياه، فأعطاه، وذهب،..فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المسألةَ لا تحلُّ لغنيٍّ، ولا لذي مرَّةٍ سويٍّ، إلا لذي فقرٍ مُدقعٍ، أو غُرم مُقطع، ومن سأل الناس لِيَثرى به ماله، كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورضْفاً يأكله من جهنم، فمن شاء فليُقلِل، ومن شاء فليكثر".(1)
(المِرَّة) بكسر الميم وتشديد الراء: هي الشدة والقوة.
و(السويّ) بفتح السين المهملة وتشديد الياء: هو التام الخلق، السالم من موانع الاكتساب.
(يثرى): بالثاء المثلثة أي: يزيد ماله به.
و(الرضف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة بعدها فاء: هو الحجارة المحماة.
وعن عائذ بن عمرو - رضي الله عنه - : أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله فأعطاه، فلما وضع رِجله على اسْكُفّة الباب.قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسأله".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال: "إن المسألة لا تصلحُ إلا لثلاث: لذي فقر مُدقع، أو لذي غرم مُفظع، أو لذي دم موجع...".(3)
(الفقر المدقع) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف: هو الشديد الملصق صاحبه بـ (الدقعاء): وهي الأرض التي لا نبات بها.
و(الغُرم): بضم الغين المعجمة وسكون الراء: هو ما يلزم أداؤه تكلفاً لا في مقابلة عوض.
و(المفظع) بضم الميم وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة: هو الشديد الشنيع.
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث غريب"، وصححه الألباني في الترغيب (1/489).
(2) رواه النسائي، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (896).
(3) رواه أبو داود واللفظ له، والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (834).(1/93)
و (ذو الدم الموجع): هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل بدفعها إلى أولياء المقتول ولو لم يفعل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يحتطب أحدكم حزمةً على ظهره، خيرٌ له من أن يسألَ أحداً، فيعطيه أو يمنعه".(1)
وعن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أكل أحدٌ طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده".(2)
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تُلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحدٌ منكم شيئاً فتُخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره، فيبارك الله له فيما أعطيته".(3)
وفي رواية لمسلم: قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما أنا خازن، فمن أعطيته عن طيب نفس، فيبارك له فيه، ومن أعطيته عن مسألةٍ وشَرَه نفسٍ، كان كالذي يأكل ولا يشبع".
(لا تلحفوا) أي: لا تُلحُّوا في المسألة.
(الشّره) بشين معجمة هو محركاً: هو الحرص.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل يأتيني فيسألني فأعطيه، فينطلق وما يحمل في حِضنه إلا النار".(4)
(حِضنه): بكسر المهملة وإسكان الضاد المعجمة: ما دون الإبط إلى الكشح.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1470)، وفي كتاب البيوع برقم (2074)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1042).
(2) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2072).
(3) رواه مسلم والنسائي والحاكم.
(4) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (842).(1/94)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقسم ذهباً، إذ أتاه رجل فقال: يا رسول الله! أعطني: فأعطاه ثم قال: زدني فزاده ثلاث مرات ثم ولى مدبراً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يأتيني الرجل فيسألني، فأعطيه، ثم يسألني، فأعطيه ثلاث مرات، ثم يولي مُدبراً وقد جعل في ثوبه ناراً إذا انقلب إلى أهله".(1)
وعن أبي عبيدة مولى رفاعة عن رافع، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ملعون من سأل بوجه الله، وملعونٌ من سُئل بوجه الله فمنع سائله".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: "اليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة".(3)
رد من جاءه بشيءٍ من غير مسألة، وإن كان غنياً
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو إليه أفقر مني. قال: فقال: "خُذْهُ، إذا جَاءَكَ من هذا المال شيء وأنت غير مشرفٍ ولا سائل، فخذه فتموله، فإن شئت كُلْهُ، وإن شئت تصدق به، ومالا فلا تتبعه نَفْسَك".
قال سالم بن عبد الله: فلأجلِ ذلك كان عبدُ الله لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يرد شيئاً أعطيه".(4)
التحذير من المكر والخديعة
قال الله تعالى: { والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور } .(5)
وقال الله تعالى: { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } .(6)
وقال تعالى: { أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (844).
(2) رواه الطبراني، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (853).
(3) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1429)، ورواه مسلم في كتاب الزكاة برقم(1033).
(4) سبق تخريجه.
(5) فاطر (10).
(6) فاطر (42).(1/95)
يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون } .(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المكر والخديعة في النار".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وأهل النار خمسة... وذكر منهم رجلاً لا يصبح ولا يمسي وهو يخادعك عن أهلك ومالك".(3)
وقد ذكر رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يُخدع في البيوع فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بايعت فقل لا خلابة".(4)
الخلابة: بخاء مكسورة وباء موحدة هي الخديعة.
التحذير من منع فضل الماء
قال الله تعالى: { قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين } .(5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ".(6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا تبيعوا فضل الماء".(7)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة".(8)
__________
(1) النحل (45)
(2) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، "السلسلة الصحيحة" برقم (1057).
(3) رواه مسلم.
(4) متفق عليه.
(5) الملك (30).
(6) رواه البخاري في كتاب "الأشربة والمساقاة" برقم (2354) ومسلم في كتاب "المساقاة" برقم (1566).
(7) أخرجه البخاري في كتاب "المساقاة" برقم (2354) ومسلم في كتاب المساقاة برقم(1566).
(8) أخرجه أحمد في "المسند" (2/179و 183 و 221) وفي مسنده ليث بن أبي سليم، قال أحمد: "مضطرب الحديث لكن حدث عنه الناس". صحيح الجامع (6560).(1/96)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل ورجل بايع الإمام لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى له و إن لم يعطه منها لم يفٍ له ورجل باع رجلاً سلعة بعد العصر فحَلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك".(1)
ورواه البخاري وزاد: "ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: "اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ماء لم تعمل يداك".
التحذير من ترك الحج مع المقدرة عليه
قال الله تبارك وتعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } .(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان".(3)
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : من ملك زاداً أو راحلة تبلغه حج بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً.(4)
وجاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: "نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء".(5)
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : لقد هممت أن اكتب في الأمصار بضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع إليه سبيلا.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "المساقاة" برقم (2358 و 2369) وفي كتاب "الشهادات" (2672) وفي كتاب "الأحكام"(7212) وكتاب "التوحيد"رقم(7446)ورواه مسلم في "الإيمان"رقم(108).
(2) آل عمران (97).
(3) متفق عليه.
(4) رواه الترمذي والبيهقي.
(5) رواه البخاري.(1/97)
وكان سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله عز وجل: إن عبداً صححت له جسمه، ووسَّعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يَفُد إليَّ لمحروم".(1)
قال البيهقي: "قال علي بن المنذر: أخبرني بعض أصحابنا قال: كان حسن بن حيّ يعجبه هذا الحديث، وبه يأخذ، ويجب للرجل الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين".
التحذير من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء
عن سعد - رضي الله عنه - : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يكيدُ أهل المدينة أحد، إلا انماع كما ينماعُ الملحُ في الماء".(2)
قوله: "لا يكيد أهل المدينة أحد" أي : من يريد بهم سوءاً .
وقوله: "إلا انماع كما ينماع الملح في الماء"، قال الألباني: وجه هذا التشبيه أنه شبه أهل المدينة مع وفور علمهم وصفاء قرائحهم بالماء، وشبه من يريد الكيد بهم بالملح، لأن نكاية كيدهم لما كانت راجعة إليهم شبهوا بالملح الذي يريد إفساد الماء فيذوب هو بنفسه. والمعنى: ما أحد يكيد أهل المدينة، ويريد بهم الأذى والسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، ولا يستحق هذا ذاك العذاب إلا لارتكابه إثما عظيما. والله أعلم. أ.هـ.صحيح الترغيب (2/62)
وفي رواية لمسلم: "ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء، إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاصِ، أو ذوب الملح في الماء".
وعن السائب بن خلاد - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم، فأخِفْه، وعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عملاً".(3)
(
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه" والبيهقي وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1166).
(2) رواه البخاري في كتاب فضائل المدينة برقم (1877)، وعند مسلم بمعناها (4/122) في كتاب الحج.
(3) رواه النسائي والطراني، وصححه الألباني، الترغيب (1215).(1/98)
الصرف): هو الفريضة و (العدل) التطوع، قاله سفيان الثوري.
وقيل: هو النافلة و (العدل): الفريضة.
وقيل: (الصرف) هو التوبة، و (العدل): الفدية، فاله مكحول.
وقيل: (الصرف): الوزن، و (العدل): الكيل. وقيل غير ذلك.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن أميرا من أمراء الفتنة، وكان قد ذهب نظرُ جابر، فقيل لجابر: لو تنحيت عنه، فخرج يمشي بين ابنيه، فانكبَّ، فقال: تعِسَ من أخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال ابناه أو أحدهما: يا أبتاه! وكيف "أخافَ رسول الله" وقد مات؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أخاف أهل المدينة، فقد أخاف ما بين جنتي".(1)
ورواه ابن حبان، مختصراً في "صحيحه" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أخاف أهل المدينة، أخاف الله".
وزاد في حديث آخر: "من أخاف أهلَ المدينة ظالماً لهم، أخافه الله".(2)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . المائدة (35) . وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب"(3) .
التحذير من الفرار من الزحف
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا منحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } .(4)
وقال عليه الصلاة والسلام : "اجتنبوا السبع الموبقات...." .
وذكر منها يوم الزحف.(5)
__________
(1) رواه أحمد، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1213).
(2) "السلسلة" الصحيحة برقم (2671).
(3) السلسلة الصحيحة حديث رقم (2663) .
(4) الأنفال (16).
(5) سبق تخريجه.(1/99)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } فكتب الله عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت: { الئن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرةُ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين } فكتب أن لا يفر من مائتين. (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لقي الله عزّ وجل لا يشركُ به شيئاً، وأدى زكاة مالِهِ طيبةً بها نفسُه محتسباً، وسمع وأطاع، فله الجنة، أو دخَلَ الجنة.
وخمسٌ ليس لهنَّ كفارة: الشرك بالله، وقتلُ النفس بغير حقٍّ، وبَهتُ مؤمنٍ، والفرار من الزحف، ويمين صابرةٌ يقتطعُ بها مالاً بغير حق".(2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فقال: "لا أقسمُ، لا أقسمً"، ثم نزل فقال: "أبشروا، أبشروا! من صلى الصلوات الخمس، واجتنب الكبائر، دخل من أي أبواب الجنة شاء".
قال المطلب: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عمرو: أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكُرُهن؟ قال: نعم: عقوق الوالدين، والشرك بالله، وقتل النفس، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وأكل الربا".(3)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه أحمد، وابن ابي عاصم في "الجهاد" (98/1) وحسنه الألباني، الإرواء (1202) والترغيب (1339).
(3) رواه الطبراني: "السلسلة الصحيحة" (3451)، "صحيح الترغيب" (1340).(1/100)
وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض، والسنن، والديات، فذكر فيه: "وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحقّ، والفرارُ في سبيل الله يومَ الزحفِ، وعقوقُ الوالدين، ورمي المحصنةِ، وتعلّم السحر، وأكلُ الربا، وأكل مالِ اليتيم"الحديث. (1) .
التحذير من الغلول من الغنيمة ومن بيت المال والزكاة
قال الله تعالى: { وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأتِ بما غل يوم القيامة } .(2)
وقال تعالى: { إن الله لا يحب الخائنين } .(3)
الغلول: هو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصاً به، ولا يحضره إلى أمير الجيش ليقسمه بين الغزاة، سواء قل أو كثر، وسواء كان الآخذ أمير الجيش أو أحدهم.
عن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياك والذنوب التي لا تغفًر، الغُلول، فمن غلّ شيئاً أتى به يوم القيامة وأكل الربا، فمن أكل الربا، بُعث يوم القيامة مجنوناً يتخبَّط، ثم قرأ { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } (4).(5)
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه" وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (1341).
(2) آل عمران (161).
(3) الأنفال (58).
(4) البقرة (275)
(5) رواه الطبراني، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1862).(1/101)
قال أبو حميد الساعدي: استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أُهدي إلي: فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي لي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حق إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن رجلاً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رُغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه فقال: اللهم هل بلغت".(1)
الخوار: صوت البقرة.
واليعار: صوت الشاة.
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم ثم يقول :مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم .ثم يقول :إياكم والغلول ،فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة ،فأدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك .وجاهدوا في الله القريب والبعيد ،في الحضر والسفر ،فإن الجهاد باب من الجنة ،إنه ينجي صاحبه من الهم والغم ،وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ،ولا تأخذكم في الله لومة لائم"(2) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الحيل" برقم (6979) ورواه مسلم في كتاب "الإمارة" برقم (1832).
(2) السلسلة الصحيحة رقم (1942) .(1/102)
وعن المقدام بن معد - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إن هذه الوبرة من غنائمكم ،وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم ،إلا الخمس ،والخمس مردود عليكم ،فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ،ولا تغلوا ،فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة .وجاهدوا الناس في الله تبارك وتعالى القريب والبعيد ،ولاتبالوا في الله لومة لائم ،وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر ،وجاهدوا في سبيل الله ،فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيمة ،ينجي الله تبارك وتعالى به من الغم والهم"(1) .
وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر فلم تغنم ذهباً ولا ورقاً غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدٌ له وَهَبه له رجل من جذام فلما نزلنا قام عبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحل رحله فرمي بسهم فكان فيه حتفه فقلنا: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله! فقال: "كلا والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه ناراً أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم" قال: ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال: "شراك أو شراكان من نار".(2)
(لم تصبها المقاسم) أي: أخذها قبل قسمة الغنائم، فكان غلولاً.
(بِشِراك) بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء: هو سير النعل الذي يكون على وجهه.
(الشملة): كساء أصغر من القطيفة يتَّشح بها.
وأخرج أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر حرَّقوا متاع الغال وضربوه. (3)
__________
(1) السلسلة الصحيحة حديث رقم (1972) .
(2) رواه البخاري في كتاب "المغازي"برقم (4234)ورواه مسلم في كتاب "الإيمان"برقم (115).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب "الجهاد" رقم (2715).(1/103)
وقال عبد الله بن عمرو: كان رجل على ثَقَلِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ يُقالُ له (كَرْكِرة) فمات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هو في النار" فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءةً قد غلَّها"(1).
(الثقل): متاع السفر، والثقل: ضد الخفة.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول".(2)
وقال زيد بن خالد الجهني: إن رجلاً غل في غزوة خيبر فامتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه وقال: "إن صاحبكم غل في سبيل الله" ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزاً ما يساوي درهمين. (3)
وقال الإمام أحمد : ما نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر قال: لما كانَ يومُ خيبر أقبل نفرٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: فلانٌ شهيد، وفلانٌ شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجلٍ فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلا، إني رأيته في النار في بُردةٍ غلَّها، أو في عباءةٍ غلَّها". ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا ابن الخطاب! اذهب فناد في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الجهاد" برقم (3074) ومسلم في كتاب "القسامة"برقم(10679).
(2) رواه مسلم في كتاب "الطهارة" برقم (224|) والترمذي في "أبواب الطهارة" برقم (1).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب"الجهاد"برقم(4/64)ومالك في الموطأ في كتاب "الجهاد"برقم(23).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (114)، والترمذي وغيرهما.(1/104)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فذكر الغُلول فعظّمهُ، وعظّم أمرَهُ حتى قال: "لا أُلفِيَنَّ أحدكم يجيءُ يوم القيامة على رقبتِه بعيرٌ له رُغاء، فيقول: يا رسول الله! أغِثني، فأقول لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك.
لا ألفيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حَمحَمةٌ، فيقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتُك.
لا أُلفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاءٌ فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول : لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتُك.
لا أُفليَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبتِه نفسٌ لها صياحٌ، فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك.
لا أُلفيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامتٌ فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك".(1)
(لا ألفَيِنَّ) بالفاء أي: لا أجِدَنَّ
و(الرغاء) بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: هو صوت الإبل وذوات الخف.
و(الحمحمة) بحاءين مهملتين مفتوحتين: هو صوت الفرس.
و(الثغاء) بضم المثلثة وبالغين المعجمة والمد: هو صوت الغنم.
و(الرقاع) بكسر الراء، جمع رقعة، وهي ما تكتب فيه الحقوق.
(وتخفق) أي : تتحرك وتضطرب.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الجهاد" برقم (3073)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1831).(1/105)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم، فيُخمسُهُ ويقسمُه فجاء رجل يوماً بعد النداء بزمام من شعرٍ، فقال: يا رسول الله! هذا كان فيما أصبناه من الغنيمة، فقال: "أسمعت بلالاً ينادي ثلاثا؟" قال: نعم. قال: "فما منعك أن تجيء به؟" فاعتذر إليه، فقال: "كن أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله عنك".(1)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جاء يوم القيام بريئاً من ثلاثٍ دخل الجنةَ الكِبْرِ، والغلول، والدَّين".(2)
التحذير من أن يموت الإنسان ولم يغز
عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذ تم إذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مات ولم يغزو ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق".(4)
وعن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما ترك قوم الجهاد، إلا عمّهم الله بالعذاب".(5)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو
__________
(1) رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1348).
(2) رواه الترمذي والنسائي، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1351).
(3) رواه أبو داود وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (11).
(4) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1910) وأبو داود والنسائي.
(5) رواه الطبراني في "الأوسط" (3851)، وحسنه الألباني في الترغيب (1392).(1/106)
يخلِف غازياً في أهله بخير، اصابَهُ الله تعالى بقارعةٍ قبل يوم القيامة".(1)
التحذير من ترك الرمي بعد تعلمه
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من علم الرمي ثم تركهُ فليس منا، أو فقد عصى".(2)
ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم
عن أبي موسى اأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم:رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها،ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه،ورجل آتى سفيها ماله وقد قال الله عز وجل:ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) (3) .
المجلس الذي لا يذكر اسم الله فيه
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما جلس قوم مجلسا ،فلم يذكروا الله فيه ،إلا كان عليهم ترة ،وما من رجل مشى طريقا ،فلم يذكر الله عز وجل ،إلا كان عليه ترة ،وما من رجل أوى إلى فراشه ،فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة"(4) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه ،إلا رأوه حسرة يوم القيامة"(5) .
التحذير من استبطاء الإجابة وقوله : دعوت فلم يستجب لي
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُستجاب لأحدكُم ما لم يُعجلْ، فيقول: دَعوتُ فلم يُستَجَب لي".(6)
ومن رواية لمسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ، ما لم يَستَعجل".
__________
(1) رواه ابو داود وابن ماجة عن القاسم عن أبي أمامة وحسنه الألباني في الترغيب برقم(1391).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1919).
(3) السلسلة الصحيحة حديث رقم (1805) .
(4) السلسلة الصحيحة حديث رقم (79) .
(5) السلسلة الصحيحة حديث رقم (80) .
(6) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6340)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2735).(1/107)
قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: "يقول: قد دَعَوت، وقد دَعوتُ، فلم يُستَجَب لي، فسَيَتحسر عند ذلك، ويَدَع الدُّعاء".
فسيتحسر أي: يملّ ويعي فيترك الدعاء.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال العبد بخير مالم يَستَعجِلُ؟ قال: "يقول قد دعوت ربِّي فلم يَستَجِب لي".(1)
التحذير من دعاء الانسان على نفسه وولده وخادمه وماله
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تدعوا على أنفُسِكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاء، فيستَجيب لكم".(2)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث دَعَوات لا شكّ في إجابتهنَّ، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالِد على وَلَده".(3)
التحذير من رفع المصلي رأسه إلى السماء في الصلاة وقت الدعاء
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهينَّ أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو ليخطفن أبصارهم".(4)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بالُ أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!"
فاشتد قوله في ذلك حتى قال: " لينتهين عن ذلك، أو لتخطفنَّ أبصارهم".(5)
__________
(1) رواه أحمد واللفظ له، وأبو يعلى، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1650).
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (3009)، وابو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" وغيرهم.
(3) رواه الترمذي وحسنه، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1655).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه البخاري.(1/108)
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء، فتَلتمع، يعني في الصلاة".(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدُكم في الصلاة، فلا يَرفعْ بَصَرَه إلى السماء، لا يُلتَمَعُ".(2)
(يلتمع بصره) بضم الياء المثناة تحت، أي: يذهب به.
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهين أقوامٌ يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجعُ إليهم".(3)
وفي رواية لأبي داود: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، فرأى فيه ناساً يصلُّون، رافعي ابصارهم إلى السماء، فقال: "لينتهين رجالً يشخصون أبصارهم في الصلاة، أو لا ترجعُ إليهم أبصارهم".(4)
التحذير من الحرص وحُبّ المال
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قلب الشيخ شاب على حب اثنين: حب العيش -أو قال: طول الحياة- وحب المال".(5)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كانت الدنيا هِمّته وسَدَمه، ولها شَخصٌ وإياها ينوي، جعل الله الفقر بين عينيه، وشتت عليه ضَيعتهُ، ولم يأته منها إلا ما كُتِبَ لهُ منها، ومن كانت الآخرة همته وسَدَمه، ولها شخص، وإياها ينوي، جعل الله عز وجل الغنى في قلبه، وجمع عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي صاغرة".(6)
"سَدَمه" بفتح السين والدال المهملتين، أي: همّه وما يحرص عليه ويلهج به.
__________
(1) رواه ابن ماجة، والطبراني في"الكبير"، ورواه ابن حبان في "صحيحه". وصححه الألباني، الترغيب (548).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط" والنسائي، صحيح الترغيب (550).
(3) رواه مسلم.
(4) صحيح الترغيب (1/357).
(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6420) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1046).
(6) صحيح الترغيب رقم (1707).(1/109)
وقوله: "شتت عليه ضيعته" بفتح الضاد المعجمة، أي: فرق عليه حاله وضاعته وما هو مهتم به، وشعب عليه.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجدِ الخَيْف فحمد الله، وذكرَه بما هو أهله، ثم قال: "من كانت الدنيا همه، فرق الله شَملَه، وجعل فقرُه بين عينيه، ولم يُؤتِه من الدنيا إلا ما كُتِب له".(1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرزق ليطلُبُ العبد كما يطلُبه أجلُه".
ورواه الطبراني إلا أنه قال: "إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلُبُه أجَلُهُ".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب".(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لو ان لابن آدم وادياً من ذهب لأحب أن يكون إليه مثله ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب".(4)
وعن عباس بن سهل بن سعد قال: سمعت ابن الزبير على منبر مكة في خطبته يقول: يا أيها الناس إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "لو أن ابن آدم أعطي وادياً [ملآن] من ذهب أحب إليه ثانياً ولو أعطي ثانياً أحب إليه ثالثاً ولا يسد جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب".(5)
__________
(1) صحيح الترغيب (1708).
(2) صحيح الترغيب (1703).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6439) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1048).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6437) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1049).
(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6438).(1/110)
وفي رواية : "لو أنّ لابن آدم مِلء وادٍ مالاً لأحبّ أن يكون إليه مثلُهُ، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على مَنْ تاب".(1)
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصلاة: "لو أن لابن آدم وادياً من ذهب لابتغى إليه ثانياً، ولو أعطي ثانياً لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوفَ ابن آدمَ إلا الترابُ، ويتوبُ الله على من تاب".(2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما طلعت شمسٌ قط إلا بعث بجنبيتها ملكان يناديان، يُسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس! هلموا إلى ربكم، فإن ما قل وكفى، خيرٌ مما كثُر وألهى، ولا آبت شمسٌ قط إلا بعث بجنبتيها ملكان ينادينا، يُسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، وأعط ممسِكاً تلفاً".(3)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قامَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناس فقال: "هلموا إليَّ". فأقبلوا إليه فجلسوا، فقال: "هذا رسولُ رب العالمين، جبريل - صلى الله عليه وسلم - نفَثَ في روعي: أنه لا تموتُ نفسٌ حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعته".(4)
التحذير من اكتساب الحرام وأكله ولُبسِه ونحو ذلك
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) صحيح الترغيب (1716)، الصحيحة (2911).
(3) سبق تخريجه.
(4) صحيح الترغيب (1702).(1/111)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم } وقال: { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب! يا رب! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ المال أمِن الحلال أم من الحرام".(2)
التحذير من الغش
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على صُبرة طعامٍ، فأدخل يدهُ فيها، فنالَت أصابِعُه بَلَلاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطَّعام؟!"
قال: أصابتْهُ السماء يا رسول الله! قال: "أفلا جَعَلْتَهُ فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منّا".(3)
وفي لفظ لمسلم: "من غش فليس مني".
ولفظ ابن ماجة: "ليس منا من غش".
وفي هذين اللفظين عموم سواء كان المسلمين أم الكفار فلا يجوز الغش بأي نوع من أنواعه لأنك تعامل الناس بدينك وعقيدتك وأخلاقك التي يتحلى بها كل مسلم المستمدَّ من الكتاب والسنة.
ومن المعروف أن الإسلام انتشر في دول الكفر بعد الجهاد وفتح البلدان، انتشر من خلال التجار حيث كان تعاملهم مع الناس بأخلاق الإسلام من الصدق وعدم الغش وإيفاء الوعود ولين الكلام وما أشبه ذلك.
وفي رواية لأبي داود ولفظه:
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1015).
(2) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2059).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (102)، وابن ماجة والترمذي.(1/112)
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ برجلٍ يبيع طعاماً فسأله، كيف تبيعُ! فأخبرَه، فأوحي الله إليه: أن أدخل يدك فيه، فإذا هو مَبْلول! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من غشَّ".(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: خرجَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السوق، فرأى طعاماً مصبَّراً، فأدخل يده، فأخرج طعاماً رطباً قد أصابته السماء، فقال لصاحِبِه: "ما حملك على هذا؟". قال: والذي بعثك بالحقِّ إنه لطعامُ واحد. قال: "أفلا عزلت الرَّطب على حِدَتِه، واليابس على حِدَته، فيبتاعون ما يعرفون، من غشَّنا فليس منَّا".(2)
(مصبراً) أي: مكوَّماً وزناً ومعنى.
والصبرة : بضم الصاد وإسكان الباء، قال الإزهري: الصبرة: الكومة المجموعة من الطعام، سميت صبرة الإفراع بعضها على بعض.
و عن أبي سباع قال: اشتريت ناقةً من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجتُ بها أدركني وهو يجر إزاره، فقال: يا عبد الله اشتريت؟ قلت": نعم. قال: تبيّن لك ما فيها؟ فقال: وما فيها؟ إنها لسمينةٌ ظاهرةُ الصحة. قال: أردتَ بها سفراً، أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحجَّ. قال: فإن بخفها نقباً. فقال صاحبها: ما أردت أي هذا -أصلحك الله- تفسد عليّ؟! قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يحل لأحدٍ يبيع شيئاً إلا بيّن ما فيه، ولا يحلّ لمن عَلِمَ ذلك إلا بيّنه".(3)
قوله: بخفها نقباً النقب محركة: رقة الأخفاف.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حَمَلَ علينا السِلاحً فليس منَّا، ومن غشَّنا فليسَ مِنَّأ".(4)
__________
(1) صحيح الترغيب (2/334).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط"، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1767).
(3) رواه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح اإلإسناد" ووافقه الذهبي. وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1774).
(4) رواه مسلم .(1/113)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلمُ أخو المسلمِ، ولا يحلُّ لمسلم إذا باعَ مِنْ أخيه بيْعاً فيه عيبٌ أن لا يُبَيِّنه".(1)
وعن تميم الداري - رضي الله عنه - ، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الدين النصيحة".
قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامَّتهم".(2)
ولفظ النسائي: "إنَّما الدِّين النصحية".
ولفظ أبي داود: "إنَّ الدِّين النصيحة، إنَّ الدِّين النصيحة، إنَّ الدِّين النصيحة". الحديث
وعن زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبد الله يقول يوم ماتَ المغيرة بن شعبة: أما بعد، فإني أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أبايعك على الإسلام. فشرط عليَّ: "والنصح لكلِّ مسلم"، فبايعته على هذا، وربِّ هذا المسجِدِ، إنِّي لكم لناصح".(3)
وعن جرير أيضا - رضي الله عنه - قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. (4)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن أحدُكم حتى يحِبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه".(5)
وفي رواية لابن حبان، ولفظه: "لا يبلغ العبدُ حقيقة الإيمان حتى يُحبَّ للناس ما يحبُّ لِنفسِه".
التحذير من الإحتكار
عن معمر بن أبي معمر –وقيل ابن عبد الله بن نضلة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من احتَكَر فهو خاطئ".(6)
وفي رواية: "لا يَحْتَكر إلا خاطئ".(7)
__________
(1) رواه البخاري معلقاً، وهو موقوف على عقبة بن عامر.
(2) رواه مسلم والنسائي وابو داود.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه البخاري ومسلم.
(6) رواه مسلم في كتابا المساقاة برقم (1605).
(7) رواه مسلم (5/56)، وأبو داود (3447).(1/114)
قال الإمام النووي رحمه الله: الاحتكار هو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة، ولا يبيعه في الحال، بل يدخره ليغلو ثمنه، فأما إذا اشتراه في وقت الرخص وأدخره ليبيعه في قوت الغلاء فليس باحتكار. أ.هـ. شرح مسلم.
قوله: (خاطئ): بالهمزة بمعني آثم.
التحذير من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من فرّق بين الوالدة وولدها، فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة".(1)
التحذير من الدَّين
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تُخيفوا أنفسكم بعد
أمْنِها" قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "الدَّين".(2)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من فارق الروحُ الجسد وهو برئٌ من ثلاث، دخَلَ الجنَّة: الغلول، والدَّينُ، والكبرُ".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أخذ أموال الناسِ يريد أداءها أدّى الله عنه، ومّنْ أخذ أموالَ الناسٍ يريد إتلافها، أتلَفَه الله".(4)
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من مات وعليه دينارٌ أو دِرهم قُضِي من حسناتِه، ليس ثمَّ دينارٌ ولا دِرهم".(5)
ورواه الطبراني في الكبير، ولفظه:
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، والحاكم والدارقطني، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1796).
(2) رواه أحمد واللفظ له، وأبو يعلى والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1797).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه البخاري في كتاب الاستقراض برقم (2387).
(5) صحيح ابن ماجة برقم (1958).(1/115)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الدين دينان، فمن مات وهو ينوي قضاءه، فأنا وليه، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه، فذاك الذي يؤخذ من حسناته، ليس يومئذ دينار ولا درهم".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالرجل المّيت، عليه الدين، فيسال: "هل ترك لدينه قضاءً؟" فإن حُدِّث أنه ترك وفاءً صلى عليه، وإلا قال: "صلوا على صاحبكم"، فلما فتح الله عليه الفُتُوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوفي وعليه دين فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته".(1)
وعن محمد بن عبد الله بن جحش - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً حيث توضعُ الجنائز، فرفع رأسه قِبَلَ السماء، ثم خفض بصره، فوضع يده على جبهته فقال: "سبحان الله! سبحان الله ما أنزل من التشديد!".
قال: ففرقنا وسكتنا، حتى إذا كان الغدُ، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: ما التشديد الذي نزل؟ قال: "في الدَّين، والذي نفسي بيده لو قُتِل رجل في سبيل الله ثم عاش، ثم قُتِل وعليه دين ما دَخَل الجنَّة حتى يُقضى ديْنُهُ".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تزوج امرأة على صَداق، وهو ينوي أن لا يؤديه إليها، فهو زانٍ، ومن أدان ديناً وهو ينوي أن لا يؤديه إلى صاحبه -أحسِبُه قال:- فهو سارقٌ"(3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الفرائض برقم (1619).
(2) رواه النسائي في البيوغ الصغرى والكبرى، ورواه أحمد، والطبراني في الأوسط، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح الإسناد" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1804) وفي أحكام الجنائز (ص 136).
(3) صحيح الترغيب (1806).(1/116)
وعن ميمون الكردي عن أبيه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ايما رجل تزوج امرأةً عليها ما قلَّ من المهر أو كثُرَ، ليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها، خدعها، فمات ولم يؤدِّ إليها حقِّها، لقي الله يوم القيامة وهو زانٍ، وإيما رجل استدان ديناً لا يريد أن يؤدي إلى صاحبه حقَّه، خدعَه حتى أخذ مالُه، فماتَ ولم يؤدِّ إليه دينَهُ، لقي الله وهو سارقٌ".(1)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حالت شفاعته دون حدٍ من حدود الله، فقد ضادَّ الله في أمره، ومن مات وعليه دين فليس ثمَّ دينارٌ ولا ردهمٌ، ولكنها الحسنات والسيئات، ومن خاصم في باطل وهو يعلمُ، لم يزَلْ في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمنٍ ما ليس فيه حُبِسَ في رَدغِة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال".(2)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ههنا أحدٌ من بني فلان؟". فلم يجبه أحدٌ، ثم قال: "ههنا أحدٌ من بني فلان؟!". فلم يجبه أحدٌ، ثم قال: "ههنا أحدٌ من بني فلان؟!". فقام رجلٌ فقال: أنا يا رسول الله! فقال: "ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين؟ قال: إني لم أنوِه بكم إلا خيراً، إن صاحبكم مأسورٌ بدينه". فلقد رأيته أدى عنه، حتى ما أحدٌ يطلبه بشيء.
وفي رواية: "إن صاحبكم حُبِسَ على باب الجنة بدينٍ كان عليه"
وفي رواية أخرى: "فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فاسلموه إلى عذاب الله".
فقال رجلٌ: عليَّ دينه فقضاه. (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نفسُ المؤمن معلَّقةٌ بدينه حتى يُقضى عنه".
وفي رواية: "نفس المؤمن معلقةٌ ما كان عليه دينٌ".(4)
التحذير من مطل الغني
__________
(1) صحيح الترغيب (1807).
(2) صحيح الترغيب (1809).
(3) صحيح الترغيب (1810).
(4) صحيح الترغيب (1811).(1/117)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مُطْلُ الغنيِّ ظلمٌ، وإذا أتْبع أحدكم على مَلئٍ فليُتبَع".(1)
"أُتبع" بضم الهمز وسكون التاء أي : أحيل .
قال الخطابي: "وأهل الحديث يقولون: اتّبع بتشديد التاء وهو خطأ".
وعن عمرو بن الشريد عن أبيه رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وعقوبَتَه".(2)
"لي الواجد" بفتح اللام وتشديد الياء أي: مطل الواجد الذي هو قادر على وفاء دينه.
"يحل عرضه" أي : يبيح أن يذكر بسوء المعاملة.
"عقوبته" : حبسه.
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا قُدِّست أمَّة لا يعطي الضعيف فيها حقَّه غير متَعتَع"
ورواه ابن ماجة بقصة ولفظه قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقاضاه ديْناً كان عليه، فاشتَّدَّ عليه حتَّى قال: أخرِّجُ عليك إلا قضَيتَني. فانتَهرَهُ أصحابُه، فقالوا: ويْحك! أتدري مَنْ تُكلِّمُ؟ فقال: إنِّي أطلُبُ حقِّي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هلا مع صاحِب الحقِّ كنتم؟" ثم أرسل إلى خَوْلة بنت قيسٍ فقال لها: "إنْ كان عندك تمرٌ فأقرضينا حتى يأتينا تمرٌ فنقضيك"
فقالت: نعم، بأبي أنتَ وأمي يا رسول الله ! فأقرَضَتْه، فقضى الأعرابيَّ وأطعمه. فقال: أوْفَيت أوفَى الله لك، فقال: "أولئك خيار الناسِ، إنَّه لا قُدِّست أمَّة لا يأخذ الضعيف فيها حقَّه غير مُتعتع".(3)
(متعتع) أي: أقلقه وأتعبه بكثرة ترداده إليه ومطله إياه.
التحذير من البناء فوق الحاجة
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب (1815).
(3) صحيح الترغيب (2/358 - 359).(1/118)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سلوني". فهابُوه أن يسألُوه، فجاء رجلٌ فجلس عند ركبتيه فقال: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال: "لا تشرك بالله شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان" قال: صدقت. قال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: "أن يؤمن بالله وملائكته، وكتابه ولقائِهِ ورُسُله، وتؤمن بالبعث الآخر، وتؤمن بالقدر كلِّه" قال: صدقت. قال: يا رسول الله! ما الإحسان؟ قال: "أن تخشى الله كأنك تراه فإنَّك إن لم تكُن تراه فإنه يراكَ". قال: صدقت. قال: يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلَمَ من السائل، وسأحدثك عن أشراطها؛ إذا رأيت المرأة تلِد ربَّها فذاك من أشراطها، وإذا رأيت الحُفاة العُراة الصُّمَّ والبكم ملوك الأرض، فذاك من أشراطها، وإذا رأيت رِعاء البَهْمِ يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقُبة على باب رجل من الأنصار فقال: "ما هذه؟". قالوا: قبة بناها فلان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلُّ ما كان هكذا فهو وبالٌ على صاحبه يوم القيامة". فبلغ الأنصاري ذلك، فوضعها، فمرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدُ فلم يرها، فسأل عنها، فأُخبر أنه وضعها لما بلغه، فقال: "يرحمه الله، يرحمه الله".(2)
وعن حارثة بن مضرب قال: أتينا خبّاباً نعودُه، وقد اكتوى سبع كيَّات، فقال: لقد تطاول مرضي، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تتمنوا الموت" لتمنيت. وقال: "يؤجر الرجل في نفقته كلِّها، إلا التراب أو قال: في البناء".(3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (50) وفي كتاب التفسير برقم (4777) ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (10).
(2) صحيح الترغيب (1874) والصحيحة (6/794 - 799).
(3) رواه البخاري في كتاب المرض.(1/119)
وعن الحسن قال: لما بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد قال: "ابنوه عريشاً كعريش موسى".
قيل للحسن:وما عريش موسى. قال: إذا رفع يده بلغ العريش يعني السقف. (1)
التحذير من إنفاق السلعة بالحلف الكاذب
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدق البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحاً ويمحقا بركة بيعهما اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب".(2)
منفقة : بفتح الميم والفاء بينهما نون، وهو الرواج ضد الكساد، محقه من المحق وهو النقص والإبطال.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات فقلت: خابوا وخسروا ومن هم يا رسول الله. قال: "المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم: رجل على فضل ماء بفلاةٍ يمنعه ابن السبيل ورجل بايع رجلاً سلعةٍ بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه فأخذها وهو على غير ذلك ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها ما يريد وفى له وإن لم يعطه لم يف".
__________
(1) السلسلة الصحيحة (616) وصحيح الترغيب (1876).
(2) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2114)، ومسلم في كتاب البيوع برقم (1532).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (106).(1/120)
وفي رواية نحوه وقال: "ورجل حلف على سلعته لقد أعطي بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبةً بعد العصر ليقتطع بها مال امرئٍ مسلم ورجل منع فضل ماءٍ فيقول الله عز وجل له: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب".(2)
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق".(3)
التحذير من اليمين الغموس
قال الله تعالى: { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الأخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم } .(4)
سميت غموس : لأنها تغمس الحالف في الإثم وقيل تغمسه في النار.
عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس".(5)
وفي رواية في البخاري أيضا: أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ما الكبائر. قال: "الإشراك بالله".
قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس".
قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: "الذي يَقتَطع مال امرئٍ مسلمٍ -يعني- بيمين هو فيها كاذبٌ".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب المساقاة برقم (2358)،وفي كتاب الشهادات برقم (2672)وفي كتاب التوحيد برقم(7446)وفي الأحكام برقم(7212)ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم(108)
(2) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2114) ومسلم في كتاب البيوع برقم (1532).
(3) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (1607).
(4) آل عمران (77).
(5) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" رقم (6675).(1/121)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لقي الله لا يشرك به شيئاً، وأدى زكاة ماله طيبة بها نفسه محتسباً، وسمع وأطاع، فله الجنة -أو دخل الجنة- وخمس ليست لهن كفارة: الشركُ بالله، وقتلُ النفس بغير حقٍّ، وبَهْتُ مؤمنٍ، والفرار من الزَّحف، ويمينٌ صابرة يُقتطعُ بها مال بغير حقٍّ".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان فقال الله تعالى: من ذا الذي يتألى عليّ أني لا أغفر لفلان قد غفرت له وأحبطت عملك".(3)
يتألى : يحلف .
وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف بغير الله فقد كفر" وفي لفظ "فقد أشرك".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف علي يمين ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان". قيل وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: "وإن كان قضيباً من أراك".(5)
__________
(1) رواه أحمد، صحيح الترغيب (1836).
(2) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" (106) وابو داود في كتاب "اللباس" (4087) والترمذي "البيوع" (1211) والنسائي في كتاب "البيوع" (7/245).
(3) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2621).
(4) أخرجه الترمذي في "أبواب الإيمان والنذور" برقم (5335) والحاكم في "المستدرك" (1/18) والطيالسي (1896) وأحمد (2/34 و 86 و 125) وأبو داود (3251) والبيهقي (10/2/) والطحاوي في مشكل الآثاب(1/359) وابن حبان(1177 - موارد)وأبو نعيم "ذكر أخبار أصبهان" (2/141)، والحديث صححه الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص، وحسنه الترمذي.
(5) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (137 و 139) والنسائي في كتاب "القضاء" (8/46).(1/122)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحلف عبد عند هذا المنبر على يمين آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت"(3).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلفَ على مال امرئ مسلمٍ بغير حقهِ، لَقيَ الله وهو عليه غضبان"
قال عبد الله: ثمَّ قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصداقَهُ من كتاب الله عزَّ وجلَّ { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانِهم ثمناً قليلاً } إلى آخر الآية".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6107) ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1647).
(2) أخرجه ابن ماجة في كتاب "الأحكام" (2326) وأحمد في "المسند" (2/329 و 515)، والحاكم في "المستدرك" (4/297) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فإن حسن بن يزيد هذا هو أبو يونس العابد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في "التلخيص": "صحيح فأجاد لأنه ليس على شرط الشيخين كما قال الحاكم فإن أبا يونس هذا لم يخرج له من الستة سوى ابن ماجة".
(3) "السلسلة الصحيحة" (1/131) و (3/155)، "المشكاة" (3419).(1/123)
زاد في رواية بمعناه قال: فَدَخل الأشعثُ بن قيس الكنديِّ فقال ما يحدثكم ابو عبد الرحمن. فقلنا: كذا وكذا. قال: صدَقَ أبو عبد الرحمن، كان بيني وبين رجلٍ خصومةٌ في بئرٍ، فاختصَمْنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "شاهداك أو يمينه". قلت: إذاً يحلف ولا يبالي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلفَ على يمين صبر يُقتطعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ هو فيها فاجرٌ، لقيَ الله وهو عليه غضبانٌ، ونَزَلت: { إنّ الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } إلى أخر الآية".(1)
يمين الصبر : هي التي تلزم وتجبر عليها حالفها.
وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ مِنْ (حَضرَمَوت) ورجلٌ من كِندَة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الحَضرَميُّ: يا رسول الله! إنَّ هذا قد غلبني على أرضٍ كانت لأبي. فقال الكنديُّ: هي أرضي في يدي، أزرعُها، ليست له فيها حقٌ. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي: "ألك بيِّنة؟" قال: لا. قال: "فلك يمينُه". قال: يا رسول الله! إن الرجل فاجرٌ لا يبالي على ما حَلَف عَليهِ، وليس يَتَورع عن شيءٍ، فقال: "ليس لك منه إلا يمينُه". فانطلق ليَحلِف فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أدبر: "لئن أحلف على مالٍ ليأكله ظُلماً، ليلقيَّنَّ الله وهو عنه مُعرِض".(2)
أفاد الخطابي قال: فيه دليل على أن اليمين إنما كانت في عهده - صلى الله عليه وسلم - عند منبره - صلى الله عليه وسلم - ولولا ذلك لم يكن لإنطلاقه في مجلسه - صلى الله عليه وسلم - وإدباره عنه معنى.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب المساقاة برقم (2356، 2357) وفي كتاب الرهن رقم (2515، 2516)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (138).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (139)، وأبو داود والترمذي.(1/124)
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلَف على يمينٍ مصبورةٍ كاذبَةٍ، فليتبوّأ مقعَدَه من النار".(1)
قال الخطابي: "اليمين المصبورة: هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم، فيصبر من أجلها إلى أن يحبس، وهي يمين الصبر، وأصل الصبر الحبس، ومنه قولهم: قُتل فلان صبراً، أي: حبساً على القتل، وقهراً عليه. أ.هـ.(2)
وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منِ اقتَطَع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه، فقد أوْجَبَ الله له النار، وحرَّم عليه الجنَّة".
قالوا:وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟فقال:"وإن كان قضيباً من أراكٍ".(3)
ورواه مالك، إلا أنه كرر: "وإن كان قضيباً من أراكٍ -ثلاثاً-".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحلفُ عند هذا المِنبر عبدٌ ولا أمةٌ على يمينٍ آثمةٍ ولو على سواكٍ رَطْبٍ، إلا وجَبَت له النار".(4)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ حَلَفَ على يمينٍ آثمةٍ عند منبَري هذا، فليَتَبوَّأ مقعَده من النار، ولو على سِواك أخضر".(5)
وهذان الحديثان استدل بهما أبو عبيد الخطابي كذلك: على أن اليمين كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند المنبر.
__________
(1) رواه أبو داود والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1837).
(2) "معالم السنن" (4/355).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (137)، والنسائي، وابن ماجة.
(4) رواه ابن ماجة وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (1842).
(5) رواه ابن ماجة -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه" لم يذكر السواك، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1843).(1/125)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كنا نعد من الذنب ليست له كفارة، اليمينَ الغموسً. قيل: وما اليمين الغموس؟ قال: الرجل يقتَطعُ بيمينه مال الرجُل".(1)
وعن عبد الله بن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أكبر الكبائر، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، والذي نفسي بيده لا يحلِفُ رجلٌ على مثلِ جَناحٍ بعوضةٍ، إلا كانت نُكتةً في قلبه يوم القيامة".(2)
ورواه البيهقي إلا أنه قال فيه: "وما حلفَ حالفٌ بالله يمين صَبرٍ، فأدخل فيها مثل جناح البعوضة إلا كانت نُكتةً في قلبه يوم القيامة".
التحذير من أكل الربا
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون } .(3)
وقال تعالى: { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } إلى قوله { ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .(4)
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } .(5)
وتقدم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها وأكل مال اليتيم".(6)
__________
(1) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما" وصححه الألباني في الترغيب (1833).
(2) رواه الترمذي وحسنه، والطبراني في "الأوسط" وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، صححه العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (3364).
(3) آل عمران الآية (130).
(4) البقرة الآية (275).
(5) البقرة : (278-279).
(6) سبق تخريجه(1/126)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله آكل الربا وموكله".(1)
وزاد الترمذي: "وشاهديه وكاتبه".
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "آكل الربا وموكله وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة".(2)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها أن ينكح الرجل أمه وأن أربى الربا عرض الرجل المسلم".(3)
وفي رواية عن أبي هريرة: "الربا سبعون بابا، أدناها كالذي يقع على أمِّه".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكِل الرِّبا وموكِله، وكاتِبَه، وشاهدَيه".
وقال: "هم سَواء".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (1597)، والترمذي برقم (1206)، وابو داود برقم (3333)، وابن ماجة (2277)، والبيهقي (5/275) والطيالسي (343)، وأحمد (1/393 و 394و 402 و 453) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه العلامة الألباني، إرواء الغليل (5/185).
(2) أخرجه النسائي (8/147) والطحاوي في مشكل الآثار (2/297) وأحمد في المسند (1/409و430و464-465) وابن حبان برقم (1154 - موارد) والحاكم في المستدرك(1/387)وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بيحيى بن عيسى الرملي ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي في "التلخيص".
(3) أخرجه الحاكم وهذا لفظه، وابن ماجة، وقال الحاكم: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، صحيح الترغيب (1851).
(4) رواه مسلم وغيره.(1/127)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرَجاني إلى ارضٍ مقدسةٍ، فانطلقنا حتى أتَينا على نهرٍ من دم فيه رجلٌ قائم - وفي رواية: "في النهر رجل سابح يسبح"- وعلى شطِّ النهر رجلٌ بين يديه حجارةٌ، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أرادَ أن يخرج رمى الرجلُ بحجرٍ في فيه فردَّه حيث كان، فجعل كلّما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا الذي رأيتُهُ في النهرِ؟ قال: آٍكِلُ الرِّبا".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الكبائر سبع: اولُهُنَّ الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقِّها، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، وفرارُ يومِ الزحف، وقذفُ المحصَنَات، والانتقال إلى الأعرابِ بعدَ هجرتِهِ".(2)
وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ونهى عن ثمن الكلب، وكسب البغي، ولعنَ المصوِّرين".(3)
الوشم:هو أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يُحشى بكُحل أو نيل، فيزرق أثره أو يخضر.
وعن عبد الله بن حنظلة - غسيل الملائكة - رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "درهمُ رِباً يأكُله الرجلُ وهو يعلَمُ أشدُّ من ستَّةٍ وثلاثين زَنْية".(4)
قال الحافظ: "حنظلة والد عبد الله لُقِّب بغسيل الملائكة، لأنه كان يوم أحدٍ جنباً، وقد غسل أحد شقي رأسه، فلما سمع الهيعة خرج فاستشهد، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "لقد رأيت الملائكة تغسِلُه".
__________
(1) رواه البخاري في "البيوع" وتقدم في الصلاة.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه البخاري في كتاب الطلاق برقم (5347).
(4) رواه أحمد والطبراني في "الكبير" وقال الترمذي: "رجال أحمد رجال الصحيح"، وصححه الألباني في الترغيب (1855) والإرواء (3/167/713).(1/128)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لَيَبيتنَّ أناسٌ من أمتي على أشرٍ وبطرٍ، ولَعب ولَهْوٍ، فيُصبحوا قردةً وخنازير باستحلالهم المحارم، واتخاذهم القينات، وشُربهم الخمر، وأكلهمُ الربا، ولِبسهم الحرير".(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر أمرَ الربا وعظَّم شأنه وقال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظمُ عند الله في الخطيئة مِنْ ستٍّ وثلاثين زَنْية يزنيها الرجل، وإن أربى الربا عرضُ الرجل المسلم".(2)
وروى أحمد عن كعب الأحبار قال: لأن أزني ثلاثا وثلاثين زنية، أحبُّ إليَّ من أن أكُلَ درهم رباً يعلم الله أني أكلته حيث أكلته رباً".
وفي رواية عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أُمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه".(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تشتري الثمرة حتى تُطعم. وقال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد احَلُّوا بأنفُسِهِم عذاب الله".(4)
وفي رواية عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ذكر حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ما ظهر في قومٍ الزنا والربا، إلا أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله".
__________
(1) رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائده" وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1864).
(2) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "ذم الغيبة"والبيهقي،وقال الألباني:"صحيح لغيره"الترغيب(1856)
(3) صحيح الجامع رقم (3537) .
(4) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" صحيح الترغيب (1859).(1/129)
وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياك والذنوب التي لا تغفر، الغُلول، فمن غلّ شيئاً أتى به يوم القيامة وأكل الربا، فمن أكل الربا، بُعثَ يوم القيامة مجنوناً يتخبَّط، ثم قرأ: { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } ".(1)
التحذير من المطفف في وزنه وكيله
قال الله تعالى: { ويلٌ للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين } .(2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله عز وجلَّ: { ويل للمطففين } ، فأحسنوا الكيل
بعد ذلك. (3)
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: وذلك ضرب من السرقة والخيانة وأكل المال بالباطل. (الكبائر)
وقال تعالى: { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط } .(4)
وقال تعالى: { ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } .(5)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) المطففين: (1-6).
(3) رواه ابن ماجة وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. وقال الألباني: "حسن"، الترغيب رقم(1760).
(4) الأنعام : (152).
(5) الرحمن : (7-9).(1/130)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا معشرَ المهاجرين: خمسُ خِصالٍ إذا ابتُليتم بهنَّ، وأعوذ بالله أن تُدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القِطر من السماء، ولولا البهام لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلَّط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأُخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيَّروا فيما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم".(1)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة -وإن قتل في سبيل الله- فيقال: أدِّ أمانتك، فيقول: أي ربّ! كيف وقد ذهبت الدنيا؟ قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنطلق به إلى الهاوية، وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه حتى إذا نظر ظن أنه خارج زلت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الأبدين، ثم قال: الصلاة أمانة والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عددها، وأشدُّ ذلك الودائع.
قال -يعني زاذان- فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا، قال: كذ قال: صدق، أما سمعت الله يقول: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ".(2)
التحذير من المكس
قال الله تعالى: { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } .(3)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه البيهقي موقوفا، ورواه أحمد، وحسنه الألباني في الترغيب (1763).
(3) الشورى: (42).(1/131)
وفي الحديث في المرأة التي طهرت نفسها بالرجم: "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له أو لقبلت منه".(1)
والمكاس داخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أتدرون من المفلس؟ قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال: إن المفلس من أمتي من يأتي بصلاة وزكاة وصيام وحج ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة صاحب مكس".(3)
التحذير من كفران نعمة المحسن
قال الله تعالى: { أن اشكر لي ولوالديك } .(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يشكر الله من لا يشكر الناس".(5)
وقال بعض السلف، كفران النعمة من الكبائر وشكرها بالمجازاة أو بالدعاء.
التحذير من غصب الأرض وغيرها
عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ظلم قيد شبرٍ من الأرض، طُوِّقه من سَبع أرضين".(6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب "الحدود" برقم (1659)، وأبو داود في كتاب "الحدود"برقم(4440).
(2) رواه مسلم والترمذي.
(3) رواه أبو داود.
(4) لقمان: (14).
(5) أخرجه أحمد في "المسند"(2/258،359،303،388،461،492)والطيالسي"المسند"(2491) وابن حبان رقم(2070-موارد)والبخاري في"الأدب المفرد"(65،218)وأبو داود رقم(4811) والترمذي(1955)وأبو نعيم في "الحلية"(9/22،7/165،8/389)،والطبراني في"الكبير"(1/162) و (2/408)،وقال الترمذي:"حسن صحيح"وفي تحفة الأشراف(3/424):"حسن"وقال الهيثمي في "المجمع"(8/181)،وعزاه للطبراني في"الأوسط"،صحيح الجامع(3/58)و"السلسلة الصحيحة"(667)
(6) رواه البخاري في كتاب المظالم برقم (2453)، ومسلم في كتاب المساقاة برقم (1662).(1/132)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أخذ من الأرض شبرا بغير حقه طوِّقه من سبع أرضين".(1)
وفي رواية لمسلم أيضا: "لا يأخذ أحدٌ شبراً من الأرض بغير حقه، إلا طوَّقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة".
قوله: "طوقه من سبع أرضي" قيل: أراد طوق التكليف لا طوق التقليد، وهو أن يطوق حملها يوم القيامة. وقيل: إنه أراد أنه يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة في عنقه كالطوق. قال البغوي: وهذا أصح.
وعن سالم عن أبيه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه، خُسف به يوم القيامة إلى سبع ارضين".(2)
وعن يعلى بن مرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيما رجل ظلم شبرا من الأرض، كلَّفه الله عز وجل أن يحفِره حتى يبلغ به سبع أرضين، ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس".(3)
وفي رواية لأحمد والطبراني عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أخذ أرضا بغير حقها، كلِّف أن يحمل ترابها على المحشر".
وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من غصب رجلاً أرضاً ظلماً، لقي الله وهو عليه غضبان".(4)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعظم الغُلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض، تجدون الرجلين جارَين في الأرض أو في الدار، فيقتطع أحدهما من حظِّ صاحبه ذراعا، إذا اقتطعه، طوَّقه من سبع أرضين".(5)
__________
(1) رواه مسلم وأحمد بإسنادين.
(2) رواه البخاري في كتبا المظالم برقم (2454).
(3) رواه أحمد والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1868).
(4) رواه ابن حبان في "صحيحه"، "السلسلة الصحيحة" (3365).
(5) رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (1869).(1/133)
التحذير من منع الأجير أجره والأمر بتعجيل إعطائه
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أُعطوا الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أُعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".(3)
تحذير العبد الآبق ونحوه
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا آبقَ العبد لم تُقبل له صلاة".(4)
وفي رواية لمسلم: "فقد كفر حتى يرجع إليهم".
وقال عليه الصلاة والسلام: "أيُّما عبدٍ أبق فقد برئت منه الذمَّة".(5)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ولا تصعد لهم حسنة: العبد الأبق حتى يرجع إلى مواليه والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى والسكران حتى يصحو".(6)
وعن علي - رضي الله عنه - مرفوعا: "لعن الله من تولى غير مواليه".(7)
__________
(1) رواه ابن ماجة من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقد وثق، وصححه الألباني "إرواء الغليل" (5/320 - 324).
(2) رواه أبو يعلى وغيره، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1878).
(3) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2227).
(4) رواه مسلم في "الإيمان" (68).
(5) رواه مسلم في "الإيمان" (69).
(6) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (940)، وابن حبان (5331 - مع الإحسان) والبيهقي "شعب الإيمان" برقم (43814، 43927).
(7) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/153)، وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني وابن حبان، صحيح الترغيب (1887).(1/134)
وعن فضالة بن عبيد مرفوعا: "ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وعبدٌ أبق من سيِّده فمات، وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤونة الدنيا فخانته بعده.
وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله رداءه، فإنّ رداءه الكِبر، وإزاره العزُّ،
ورجل في شك من أمر الله، والقانط من رحمة الله".(1)
وعند الحاكم: "فتبرجت بعده" بدل "فخانته".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد أبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع".(2)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الأبق، حتى يرجع وأمرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون".(3)
وعن أشعث بن سليم قال: سمعت رجاء بن حيوة، عن معاذ بن جبل قال: ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسوّرن الذهب، ولبسنّ رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغني وكلّفن الفقير ما لا يجد".(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (590) وأحمد في "المسند" (6/19) والحاكم "المستدرك" (1/119)، والطبراني في "الكبير" كما في "المجمع" (1/105) و (5/221) و (1/99) وزاد (والبزار) وأخرجه عبد الرزاق والبيهقي كما في "الكنز" (16/30) ورجاله ثقات كما قال الهيثمي.
(2) رواه الطبارني في "الأوسط" و "الصغير" والحاكم، وصححه الألباني في الترغيب (1888).
(3) سبق تخريجه.
(4) صفة الصفوى (1/497).(1/135)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وفي غض البصر عدة فوائد: أحدها تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظرة دامت حسرته، فأضرّ شيء على القلب وإرسال البصر، فإنه يريه ما يشتد طلبه ولا صبر له عنه ولا وصول له إليه، وذلك غاية ألمه وعذابه، قال الأصمعي: رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة، فجعلت أنظر إليها وأملأ عيني من محاسنها، فقالت لي: يا هذا ما شأنك؟ قلت: وما عليك من النظر؟ فأنشأت تقول:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ... ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرَّميَّة، فإن لم تقتله جرحته، وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه، كما قيل:
كل الحوادث مبدأها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... ... في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه وهو لا يشعر، فهو إنما يرمي قلبه، ولي من الأبيات:
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا ... ... أنت القتيل بما يرمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له ... ... توقه إنه يأتيك بالعطب (1)
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء".(2)
وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".(3)
__________
(1) روضة المحبين (ص 97).
(2) أخرجه البخاري في النكاح برقم (5096)، وأخرجه مسلم في الذكر والدعاء برقم (2740).
(3) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء برقم (2742).(1/136)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وقد جعل الله سبحانه العين مرأة القلب، فإذا غضّ العبد بصره غضّ القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته.
التحذير من النظر إلى الأجنبية
قال الله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } (1).
وقال تعالى: { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } (2).
وقال تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } (3).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، واللسان يزني وزناه النطق، والرجل تزني وزناها الخطى، واليد تزني وزناها البطش، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"(4).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والجلوس في الطرقات"، قالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، قال: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله، قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(5).
__________
(1) النور ( 30-31 ) .
(2) غافر ( 19 ) .
(3) الإسراء ( 36 ) .
(4) متفق عليه : أخرجه البخاري في الاستئذان برقم ( 6243 )، وأخرجه مسلم في القدر برقم (20و21 )
(5) رواه البخاري برقم (2333) ، باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات ، ومسلم برقم (2121) ، باب النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه .(1/137)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - : "يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية"(1).
وعن جرير، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجأة فقال: "أصرف نظرك"(2).
فالنظر من الرجل إلى المرأة التي لا تحل له ومن المرأة إلى الرجل الذي لا يحل لها حرمها الإسلام، فإن العين مفتاح القلب والنظر رسول الفتنة وبريد الزنا، وسهم من سهام إبليس.
وفي الحديث: "النظر سهم من سهام إبليس فمن تركه لله أورث قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة"(3).
فإن السهم من شأنه أن يسري في القلب فيعمل فيه عمل السهم الذي يسقاه المسموم، فإن بادر واستفرغه وإلا قتله ولا بدّ(4).
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحموُ؟ قال: "الحموُ الموتُ"(5).
التحذير من الإختلاط
قال الله تعالى: { وإذا سألتموهن متاعاً فسئلوهن من وراء حجاب } (6).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (فإن ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية، وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق في الخلوة مع من لا تحل له، فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله، وأحصن لنفسه، وأتم لعصمته).
__________
(1) أخرجه أبو داود في النكاح برقم (44)، والترمذي في الأدب، باب نظر الفجأة : (2778)، وحسنه الألباني في ( صحيح أبي داود ) (2/403) رقم (1881) .
(2) رواه مسلم في كتاب الآداب برقم (2159)، ورواه الترمذي، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة .
(3) رواه أحمد في مسنده، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/314) وقال : (صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وفي سنده ضعف.
(4) روضة المحبين (95).
(5) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5232) ومسلم في كتاب السلام برقم (2172).
(6) الأحزاب (53).(1/138)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما خلا رجل بإمرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يخلون أحدكم بإمرأة إلا مع ذي محرم"(2) .
ذكر ابن قيم الجوزية في كتابه "الطرق الحكمية" فصلا بين فيه أنه يجب على أولي الأمر أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ومجامع الرجال، وذكر فيه أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر ومن أعظم أسباب نزول العقوبة العامة كما أنه من أسباب فساد الأمور العامة والخاصة، وسبب لكثرة الفواحش والزنا . أ.هـ
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو، قال: "الحمو الموت"(3).
الحمو: هو قريب الزوج.
قال ابن الأثير: (الحمو الموت) كلمة تقولها العرب كما تقول (الأسد الموت) و (السلطان النار) أي لقاؤهما مثل الموت لأنه يميت الأخلاق والعفة ويؤدي إلى هلاك النفس، وخلوة الحمو أشد وأخطر من خلوة غيره من الغرباء، وكم سمعنا من الفواحش والمصائب بسبب دخول أخو الزوج على المرأة ويخلو بها وإلى الله المشتكى.
التحذير من عصيان المرأة زوجها والحذر من إسخاطه ومخالفته
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهِدٌ إلا بإذنِه، ولا تأذَنَ في بيتِهِ إلا بإذنه"(4).
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دعا الرجلُ إمرأتهُ إلى فراشه، فلم تأتِهِ، فباتَ غَضْبَانَ عليها، لعنتها الملائكة حتى تُصْبحَ"(5) .
__________
(1) رواه الترمذي والطبراني عن أبي أمامة.
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3237) ومسلم في كتاب النكاح برقم (1436).(1/139)
وفي رواية لهما: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده، ما مِنْ رجلٍ يَدْعُو امرأتَهُ إلى فراشِه، فتأبَى عليه إلا كانَ الذي في السماء ساخطاً عليها، حتى يَرْضَى عنها".
ومن رواية لهما: "إذا باتَتِ المرأةُ هاجرةً فِراشَ زوجها لعنتها الملائكةٌ
حتى تصبحَ"(1).
التحذير من ترجيح إحدى الزوجات وترك العدل بينهن
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن المقسطينَ عِندَ الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يَديه يمين، الذين يعدلون في حُكْمِهِمْ وأهليهمْ وما وَلُوا"(2).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". وفي رواية عند أحمد: "وأحد شقيه ساقط"(3) .
والعدل المأمور به هو العدل في القسم بين الزوجات في المبيت، والنفقة والكسوة ونحو ذلك مما يغلب على الظن العدل فيه.
وفي رواية: "من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشِقُّه ساقِطٌ".(4)
التحذير من ترك النفقة على الزوجة والعيال
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إثماً أن يُضيع من يقوت".
وفي رواية: "من يعول"(5) .
__________
(1) فتح الباري رقم (5194) كتاب النكاح، وصحيح مسلم رقم (1436) كتاب النكاح .
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1827) . وأحمد برقم (6449) والنسائي برقم(5379).
(3) رواه أبو داود برقم (2133) واللفظ له، وأحمد برقم (8363) والترمذي برقم (1141) والنسائي برقم (3942) وابن ماجه برقم (1969) والدارمي برقم (2206). وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
(4) صحيح الترغيب (1949) .
(5) صحيح الترغيب (1965) .(1/140)
وعن الحسن - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله سائلُ كل راعٍ عما استرعاه، حفظ أم ضَيَّعَ، حتى يَسْأَلَ الرجُلَ عن أهلِ بيتِه"(1) .
وعن أنس بن مالك - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حَفِظَ أم ضَيَّعَ ـ زاد في رواية: حتى يَسأَلَ الرجل عن أهل بيْتِهِ"(2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كلكم راع ومسؤولٌ عن رعيته، الإمامُ راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهلِه ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها، والخادم راعٍ في مالِ سيدهِ ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته"(3).
التحذير من إتيان الرجل أهله وهي حائض
قال الله تعالى: { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } (4).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ملعون من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها"(5) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد"(6).
وعن مسروق بن الأجدع قال: سألت عائشة: ما للرجل من إمرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت: "كل شيء إلا الفرج"(7).
وقال النووي رحمه الله تعالى: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافراً مرتداً، وإن فعله عامداً عالماً بالحيض والتحريم مختاراً فقد ارتكب معصية كبيرة يجب عليه التوبة منها.
التحذير من الغناء والموسيقى
__________
(1) صحيح الترغيب (1966) .
(2) صحيح الترغيب (1967) .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(4) البقرة (222) .
(5) رواه أحمد وابو داود .
(6) رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه .
(7) رواه البخاري في التاريخ(1/141)
قال الله تعالى: { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } (1) .
وقال تعالى: { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } (2).
(لهو الحديث) فسره ابن عباس بأنه الغناء وكذلك ابن مسعود حيث قال: والذي لا إله إلا هو لهو الغناء. والمكاء والتصدية: هو التصفيق والصفير.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة"(3).
وصح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الربيع البقل".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير
والخمر والمعازف"(4).
(الحِرَ) هو الفرج والزنا به. ( المعازف ) اسم لآلات اللهو والطرب .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام"(5).
(الكوبة): هو الطبل الصغير وهو آلة من آلات الطرب.
وقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء" فذكر منها: "إذا اتخذت القينات والمعازف"(6).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الجرس مزمار الشيطان"(7) .
وقال أبو سعيد الخدري: بينما كنا نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عرض شاعر نشيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان، لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً"(8).
__________
(1) لقمان (6) .
(2) الأنفال (35) .
(3) رواه الترمذي وإسناده حسن .
(4) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم .
(5) رواه أحمد في مسنده وأبو داود عن عبد الله بن عمر،صحيح الجامع برقم(1747)و(1748).
(6) رواه الترمذي عن علي - رضي الله عنه - ، ضعيف الجامع برقم (608).
(7) رواه مسلم .
(8) رواه مسلم .(1/142)
وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى معلم أولاده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن فقد بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء.
وقال الإمام الشافعي: "من داوم على سماع الأغاني رُدَت شهادته وبطلت عدالته ومن جمع الناس على مغنية فهو ديوث".
التحذير من السحاق
قال الله تعالى: "ويحفظن فروجهن"(1) .
(السحاق): هو مباشرة المرأة المرأة بشهوة عن طريق الدلك دون إيلاج، وهو عمل خبيث يدل على إنتكاس في الفطرة، ولذلك يقام فيه التعزير دون الحد فهو من انحطاط في الأخلاق.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد"(2).
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (عشر خصال من أعمال قوم لوط، تصفيف الشعر وحل الأزرار و ... وقال وستزيد عليها هذه الأمة مساحقة النساء).
التحذير من أن ينتسب إلى غير أبيه
قال تعالى: { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } (3).
وقال تعالى: { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } (4).
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدعى إلى غير أبيه وهو يعلمُ أنَّه غيرُ أبيهِ، فالجنَّةُ عليه حرام"(5).
__________
(1) النور (31).
(2) رواه مسلم .
(3) الأحزاب (5) .
(4) الأحزاب (4) .
(5) رواه البخاري في "الفرائض" رقم (6766) ومسلم في "الإيمان رقم (63) .(1/143)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليسَ مِنْ رجلٍ أدّعى لغيرِ أبيهِ وهو يعلمْ، إلا كَفَر، ومن ادَّعى ما ليسَ له، فليس منا، وليتبوأ مقْعَدَهُ مِنَ النارِ، ومن دعا رجلاً بِالكُفرِ، أو قال عَدُوَّ الله، وليس كذلك، إلا حارَ عليهِ"(1).
(حار) بالحاء المهملة والراء، أي: رجع عليه ما قال.
وعن يزيد بن شريك بن طارق التميمي قال: رأيت علياً - رضي الله عنه - على المنبر يخطُبُ، فسمعتهُ يقولُ: لا والله ما عندنا من كتابٍ نقرؤه إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة فنثرها فإذا فيها أسنان الإبِلِ، أشياءٌ مِنَ الجِراحاتِ وفيها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المدينةُ حرمُ ما بين عير إلى ثَوْر، فَمَنْ أحْدَثَ فيها حدثاً، أو آوى مُحدثاً فعليه لَعنةُ الله الملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يقبل الله منهُ يومَ القيامة عدلاً ولا صرفاً، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدْناهُم، فمن أخْفَر مسلماً فعليه لعنةُ الله والملائكة والناسٍ أجمعين، لا يقبل الله منه يومَ القيامة عدلاً ولا صَرفاً، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمَى إلى غير مواليه فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً"(2).
وعن أنس - صلى الله عليه وسلم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة"(3).
__________
(1) رواه البخاري في ( المناقب ) رقم (3508) وفي (الأدب)رقم(6045)ومسلم في( الإيمان)رقم(61).
(2) رواه البخاري في ( فضائل المدينة ) رقم (1870) ومسلم في ( الحج ) (1370).
(3) رواه أبو داود وصححة الألباني في الترغيب برقم (1990).(1/144)
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كُفرُ تبوءً مِنْ نَسْبٍ وإن دَقَّ، وادِّعاءُ نسبٍ لا يُعْرَفُ"(1).
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ادعى إلى غير أبيه لم يرَ رائحة الجنةِ، وإن ريحها ليوجَدُ مِنْ قدرِ سبعينَ عاماً، أو مسيرةِ سبعينَ عاماً"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ترغبوا عن آبائَكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر"(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أدعى إلى غير أبيه فعليه لعنة الله"(4).
وعن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كفر بالله تبرؤً من نسب، وإن دَقَّ"(5).
التحذير من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده
عن بُريدةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليسَ منّا مَنْ حلَف بالأمانَةِ، ومن خَبَّبَ على امْرئٍ زوجتَه أوْ مَمْلوكَه فليسَ مِنَّا"(6).
خَبَّبَ بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى، معناه: خدع وأفسد.
__________
(1) رواه أحمد والطبراني في "الصغير"، وذكره الهيثمي في " المجمع" (1/97) وعزاه لأحمد والطبراني في "الأوسط" و "الصغير" . وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (3370).
(2) رواه أحمد . وصححه الألباني في الترغيب (1988).
(3) رواه البخاري في "الفرائض" (6768) ورواه مسلم في "الإيمان" رقم (62).
(4) رواه البخاري في كتاب "العلم" رقم (111) ومسلم في كتاب "الحج"رقم(1370)واللفظ له.
(5) رواه أحمد، وابن ماجة، والطبراني في "الصغير" بسند حسن، كما في تخريج "كتاب الإيمان" لابن تيمية (ص340).
(6) رواه أحمد واللفظ له ـ والبزار وابن حبان في "صحيحه".وصححه الألباني،الترغيب(2013).(1/145)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من خبب امرأةً على زوجها أو عبداً على سيِّدهِ"(1).
ورواه ابن حبان في "صحيحه" ولفظه: "من خبب عبداً على أهله فليس منا، ومن أفْسَد امرأةً على زوجها فليس منا".
وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدْناهُم منه منزِلةً أعظمهم فتنةً، يجيءُ أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا. فيقولُ: ما صنعتَ شيئاً. ثم يجئُ أحدُهم فيقولُ: ما تركْتُه حتى فَرَّقْتُ بينه وبينَ امْرأَتِهِ! فيُدْنيهِ منه ويقولُ: نعم أنتَ. فيلْتَزِمُه "(2).
قوله: "فيلتزمه": أي يضمه إلى نفسه ويعانقه.
التحذير من إفشاء السّر سيما ما كان بين الزوجين
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من شر الناسِ عند الله منزلة يوم القيامة، الرجلَ يُفضي إلى امرأتِهِ أو تفضي إليه، ثم ينشُرُ أحدُهما سِرَّ صاحبه"(3).
وفي رواية: "إن من أعظمِ الأمانة عند الله يومَ القيامة، الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سِرَّها"(4).
قال النووي رحمه الله: "في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيلَ ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه، لأنه خلاف المروءة.أ.هـ. شرح النووي (10/8)
تحذير المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس
__________
(1) رواه أبو داود وهذا أحد ألفاظه ـ والنسائي. وقال الألباني "صحيح" الترغيب (2014).
(2) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2813).
(3) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2813).
(4) رواه مسلم في كتاب النكاح برقم (1437).(1/146)
عن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقها من غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنَّةِ".
وفي رواية: "وإن المختلعات والمنتزعات هنَّ المنافِقاتُ، وما مِن امْرأَةٍ تسألُ زوجَها الطلاقَ مِن غيرِ بأسٍ، فتجد ريحَ الجنةِ، أو قال: رائِحة الجنَّةِ"(1).
تحذير المرأة من النشوز
قال الله تعالى: { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } (2).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وإذا دعا امرأته إلى فراشه فلم تأتهِ فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"(3).
وفي لفظ في الصحيحين:"إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة".
وفي لفظ قال: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها"(4).
قال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في
بيته إلا بإذنه"(5).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(6).
__________
(1) صحيح الترغيب (2018)، والإرواء (7/100)، والصحيحة (632).
(2) النساء (34).
(3) رواه البخاري في كتاب "النكاح" (5193) ومسلم في كتاب "النكاح" (1436).
(4) رواه البخاري في كتاب "النكاح" (5193) ورواه مسلم في كتاب "النكاح" (1436).
(5) رواه البخاري في كتاب "النكاح" برقم (5195).
(6) أخرجه الترمذي "أبواب الرضاع" برقم (1159) وابن حبان رقم (1291ـ موارد) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/291) والحاكم في "المستدرك" (4/171ـ172) والبزار كما في "المجمع" (9/4) عن أبي هريرة، وقال الحاكم "صحيح الإسناد"، إرواء الغليل (7/54) .(1/147)
وقالت عمة ابن محصن وذكرت زوجها للنبي - صلى الله عليه وسلم - : فقال: "أنظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك"(1).
وعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ينظر الله إلى امراةٍ لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه"(2).
التحذير من المحلل والمحلل له
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله المحلل والمحلل له"(3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له"(4).
وسئل عمر بن الخطاب عن تحليل المرأة لزوجها فقال: "ذلك السفاح"(5).
وقال إبراهيم النخعي: (إذا كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة التحليل فنكاح الآخر باطل ولا تحل للأول).
وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين في رجل تزوج إمرأة ليحلها لزوجها (الأول) فقال: (لا تحل له).
__________
(1) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (13/113ـ114) وأحمد في "المسند" (4/241) .
(2) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (6/300) والحاكم في "المستدرك" (2/190) و(4/174) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/294) والديلمي الفردوس (5/133) رقم (7723) والبزار والطبراني كما في "مجمع الزوائد" (4/309) وقال الهيثمي: "رواه البزار بإسنادين والطبراني وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح، والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي .
(3) رواه النسائي (6/149) والترمذي (3/428) رقم (1120) وأحمد (1/448 و 462) والدارمي (2/158) وابن أبي شيبة (4/295) والبيهقي (7/208) وعبدالرزاق (6/269) وابن راهويه كما في "نصب الراية" (3/293)، كلهم من حديث ابن مسعود، الإرواء (6/307).
(4) رواه ابن ماجة بإسناد جيد.
(5) الكبائر للذهبي.(1/148)
ومن قال بذلك مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري والإمام أحمد وقال إسماعيل بن سعيد سألت الإمام أحمد عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يحلها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك ؟ فقال: هو محلل وإذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون.
التحذير من لباس الشهرة
نجد في هذا الزمان كثيراً من الناس يتسابقون إلى ارتداء الملابس النفيسة وغالية الأثمان -وخصوصاً النساء- لكي يلفتوا إليهم أنظار الناس ولكي يشتهروا بها.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة"(1).
قال ابن الأثير: الشهرة ظهور الشيء والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع الناس إليه أبصارهم ويختال عليهم بالعجب والتكبر(2).
قوله: "ثوب مذلة": أي ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة، والمراد به ثوب يوجب ذلته يوم القيامة كما لبس في الدنيا ثوباً يتعزز به على الناس ويترفع عليهم(3).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمنخفض الخارج عن العادة، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين، المرفع والمنخفض، وفي الحديث: "من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة" وخيار الأمور أوساطها"(4).
وقال ابن رسلان: لأنه لبس الشهرة في الدنيا ليعز بها ويفتخر على غيره فيلبسه الله يوم القيامة ثوباً يشتهر مذلته واحتقاره بينهم عقوبة له، والعقوبة من جنس العمل. أ.هـ. عون المعبود.
التحذير من إسبال الإزار تعززاً ونحوه
__________
(1) رواه أحمد برقم (5631) واللفظ له، وأبو داود برقم (4029) وابن ماجه برقم (3066)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم (3399).
(2) عون المعبود المجلد السادس (11/50ـ51).
(3) عون المعبود المجلد السادس (11/50ـ51).
(4) مجموع الفتاوى (22/138).(1/149)
قال الله تعالى: { ولا تمش في الأرض مرحاً } (1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"(2).
قال الخطابي: يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار، فكني بالثوب عن بدن لابسه، ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة.فتح الباري (10/257)
وعنه قال - صلى الله عليه وسلم - : "لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً"(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب
أليم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما رجل يمشي في حُلةٍ تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة"(5).
__________
(1) لقمان (18 ).
(2) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم (5787) "باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار".
(3) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم (1/382) "باب من جر ثوبه من الخيلاء".
(4) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (106) وأبو داود في "اللباس" (4087) والترمذي في "أبواب البيوع" (1211) والنسائي في "البيوع" (7/245) والطيالسي في "المسند" (467).
(5) رواه البخاري في كتاب "اللباس" رقم (5789) ومسلم في "اللباس" (2088).(1/150)
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"(1).
وعن جابر بن سليم: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما رجل يصلي مسبلاً إزاره قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اذهب فتوضأ" فذهب فتوضأ ثم جاء فقال "اذهب فتوضأ" فقال له رجل: يا رسول الله ! مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه؟ قال: "إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره"(3).
__________
(1) أخرجه أبو داود في "اللباس" (4094) والنسائي كتاب "الزينة" (8/208) وفي "السنن الكبرى" كما في "تحفة الإشراف" (5/385) وابن ماجه في "اللباس" (3576) والبغوي في "شرح السنة" (12/9) وهناد في "الزهد" (2/432) . وقال الحافظ في "الفتح" (10/262) : "أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي واستغربه ابن أبي شيبة وفيه عبدالعزيز بن أبي رواد فيه مقال".
(2) أخرجه أبو داود في "اللباس" (4/344) وأحمد في "المسند" (5/64و94) وعبدالرزاق في "المصنف" (11/82) والبخاري في "التاريخ الصغير" (1/118) والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/20و66) والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص18) وابن حبان (350ـ مواد) والمروزي في "زوائد الزهد" (360) وأبو عبيد في "الخطب والمواعظ" (15).
(3) أخرجه أبو داود في "الصلاة" (638) وفي "اللباس" (486) وأحمد في "المسند" (4/67) من طريق أبي جعفر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة . وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" كتاب "الزينة" كما في "تحفة الأشراف" (11/188) عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .(1/151)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة" فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال: "إنك لست ممن يفعله خيلاء"(1).
نجد ممن يحتج بهذا الحديث على الإسبال، ويقولون نحن لا نفعل ذلك خيلاء ! فنقول لهم أنتم على حق إذا توفرت فيكم ثلاثة أمور.
الأول: أن يكون ثوبك قصيراً أصلاً، لأن أبا بكر كان إزاره قصيراً ويسترخي وأن أحد شقي إزارك يسترخي وليس من جميع جوانبه.
الثاني: أن تتعاهد ثوبك برفعه كلما سقط، كما كان أبو بكر رضي الله عنه يفعل، فيكون ذلك بغير اختيار منك.
قال ابن حجر: "عند أحمد ـ أي في رواية عند أحمد ـ: "إن إزاري يسترخي أحياناً" قال: فكأن شده كان ينحل إذا تحرك بمشي أو غيره بغير اختياره، فإذا كان محافظاً عليه لا يسترخي لأنه كلما كان يسترخي شده. إ.هـ.فتح الباري (10/266)
الثالث: أن يشهد لك النبي - صلى الله عليه وسلم - أنك ممن لا يفعله خيلاء !
وهذا الأمر الأخير منتفٍ الآن، ولا سبيل إليه. فتنبه رحمك الله.
فإذا كان إسبال الثوب للخيلاء، فهذا لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.
وإذا كان بشكل دائم وليس خيلاء وإنما يتبع للعادة فهذا ينطبق عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار".
وهذا يتعذب عقوبة كما قال الخطابي رحمه الله.
__________
(1) رواه البخاري في "اللباس" رقم (5791) "باب من جر ثوبه من الخيلاء" و(5784) "باب من جر ثوبه من غير خيلاء".(1/152)
وإذا كان لعارض طارئ ولا يكون فيه خيلاء فهذا لا بأس به. لوقوعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما خسفت الشمس: "فقام يجر ثوبه مستعجلاً حتى أتى المسجد"(1). قال ابن حجر(2) فيه أن الجر إذا كان بسبب الإسراع لا يدخل في النهي. أ.هـ. وكذلك لوقوعه من أبي بكر رضي الله عنه كما مر معنا.
وقال أبو سعيد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج أو ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار من جر إزاره بطراً لم ينظر الله إليه"(3).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "مررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي إزاري استرخاء فقال: يا عبدالله! ارفع إزارك فرفعته ثم قال: زد فردت فما زلت أتحراها بعد"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً"(5).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خُيلاءَ"(6).
__________
(1) رواه البخاري برقم (5785).
(2) فتح الباري (10/267).
(3) رواه أبو داود في "اللباس" (4093) وأخرجه الطيالسي "المسند" (2228) وابن حبان (7/399-400 - مع الإحسان) ومالك في "اللباس" (12) والبغوي في "شرح السنة" (3080) وابن ماجة في "اللباس" (3573)، صحيح الجامع برقم (921).
(4) رواه مسلم في كتاب "اللباس" رقم (2086).
(5) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم (5788) ومسلم في كتاب "اللباس والزينة " برقم(2087).
(6) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم (5783) ومسلم في كتاب "اللباس والزينة" برقم (2085).(1/153)
وعن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم". قال فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات. قال أبو ذر: خابوا وخسِرُوا، من هم يا رسول الله؟ قال: "المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب". وفي رواية "المسبل إزاره".(1)
المسبل:هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبراً واختيالاً.
وقال طاووس في قوله تعالى: {وثيابك فطهر}: أي وثيابك فقصر ، لأن تقصير الثياب طهرة لها . (2)
التحذير من لبس الرقيق من الثياب ووجوب ستر العورة
قال الله تعالى: { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون. يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنُون } (3).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ( من الله على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش، فاللباس يستر العورات وهي السوآت، والريش ما يتجمل به ظاهراً، فالأول من الضروريات والريش من التكملات والزيادات )(4) إ.هـ.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجلُ إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" (5).
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) مدارج السالكين(1/445).
(3) الأعراف (26 ـ 27) .
(4) تفسير القرآن العظيم (2/217).
(5) رواه مسلم برقم (338) وأحمد (1127) والترمذي (2793) وابن ماجة (661).(1/154)
وعن المسور بن حمزه - رضي الله عنه - قال: أقبلت بحجرٍ أحمله ثقيلٍ وعليَّ إزارٌ خفيفٌ، قال: فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغتُ به موضعه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ارجع إلى ثوبك فخذهُ ولا تمشوا عراة"(1).
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها". قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: " الله أحق أن يستحيا منه من الناس" (2).
وروى يعلى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يغتسل بالبراز بلا إزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل حييٌ ستير يحبُ الحياءَ والسترَ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر"(3).
البَراز: بالفتح: المكان الفضاء من الأرض البعيد الواسع.
__________
(1) رواه مسلم برقم (341) وأبو داود برقم (4016).
(2) رواه أبو داود برقم (4017)، والترمذي برقم (2794)، وابن ماجة برقم (1920). وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم (3391).
(3) رواه أبو داود برقم (4012) ورواه أحمد برقم (17509) والنسائي برقم (406). وصححه الألباني في صحيح أبي داود.(1/155)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكون في آخر أُمتي رجال يركَبون على سُروجٍ كأشْباهُ الرِّحال، ينزلون على أبْوابِ المساجِدَ، نساؤهم كاسياتٌ عاريات، على رؤوسهنَّ كأَسْنِمَةِ البُخْتِ العِجافِ، العَنُوهُنَّ فإنَّهُنَّ مَلْعونَاتٌ. لَو كَان وراءَكُم أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ خَدَمَتْهُنَّ نساؤكم كما خَدَمَكُم نساءُ الأمَمِ قبلَكُمْ"(1).
سُرُوج: جمع سراج.
الرحال بالحاء المهملة جمع (رحل): وهو كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير. كما في "المصباح المنير".
قال الألباني رحمه الله: الحديث يشير إلى السيارات التي تتجمع اليوم على أبواب المساجد يوم الجمعة، أو يوم إدخال الجنازة إلى المسجد للصلاة عليها، والمشيعون ينتظرون ولا يصلون ونساؤهم كاسيات عاريات.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان مِنْ أهلِ النارِ لم أرَهُما: قومٌ معهم سياطٌ كَأذْناب البَقَرِ يضربونَ بها الناسَ، ونساءً كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسُهنَّ كأسْنِمَةِ البُخْتِ المائلَةِ، لا يدْخُلْنَ الجنَّةَ ولا يجْدنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِنْ مسيرَة كذا وكذا"(2).
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه" واللفظ له ـ والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". "السلسة الصحيحة" (2682) وصحيح الترغيب (2043).
(2) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2128).(1/156)
وعن عائشة رضي الله عنها: أن أسماءَ بنت أبي بكر دخلَتْ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثيابٌ رِقاقٌ فأعرضَ عنها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "يا أسماءُ ! إنَّ المرأة إذا بلَغَت المحيضَ لم يَصلُح أنْ يُرى مِنْها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجْهِهِ وكَفَّيْهِ. (1).
وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله كلام في لبس الضيق من اللباس، نذكره للفائدة، فقال: لبس الملابس الضيقة التي تبين مفاتن المرأة وتبرز ما فيه الفتنة محرم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجالٌ معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس-يعني ظلماً وعدواناً- ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ". فقد فسر قوله: "كاسيات عاريات " بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة لا تستر ما يجب ستره من العورة، وفُسر بأنهن يلبسن ألبسة تكون خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة، وفُسرت بأن يلبسن ملابس ضيقة فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس الضيقة إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده وهو زوجها فإنه ليس بين الزوج وزوجته عورة لقول الله تعالى: { والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } (2).
وقالت عائشة: "كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد تختلف أيدينا فيه" (3).
__________
(1) رواه أبو داود وقال: "هذا مرسل"،وقال الألباني: "حسن بغيره" "الترغيب" برقم(2045)، جِلباب المرأة"(ص57 ـ60).
(2) المؤمنون (5 ـ 6).
(3) رواه البخاري برقم (261) ومسلم برقم (316).(1/157)
فالإنسان بينه وبين زوجته لا عورة بينهما، وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها، والضيق لا يجوز عند المحارم ولا عند النساء إذا كان ضيقاً شديداً يبين مفاتن المرأة (1). أ.هـ.
التحذير من ارتداء الملابس التي عليها صلبان أو تصاوير
انتشر بين الناس وخصوصاً الشباب منهم إلا من رحم الله ارتداء الملابس التي عليها صور أو صليب، ونرى بعض الشباب يدخلون المسجد وهم يرتدون ملابس عليها تصاوير أو صلبان.
فعن عائشة رضي الله عنها: أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالباب فلم يدخل، فقلت أتوب إلى الله مما آذيت. قال: "ما هذه النمرقة؟" قالت: لتجلس عليها وتوسدها. قال: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه الصورة"(2).
وعنها قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر، وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هتكه، وقال: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله" قالت فجعلناه وسادة أو وسادتين" (3).
وعن عمران بن حطان، أن عائشة رضي الله عنها، حدثته: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم
يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه" (4).
يتبين لنا فيما سبق أن التصاوير من ذوات الأرواح أو الصلبان إذا كانت على الملابس أو الستائر أو نحوها،لا يجوز لبسها أو تعليقها،فالواجب طمسها ونقضها.
فهل تصح صلاة من صلى بلباس فيه تصاوير أو صلبان؟
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين (2/825 ـ 826) . ط دار عالم الكتب .
(2) رواه البخاري برقم (5957) ومسلم برقم (2107) .
(3) رواه البخاري برقم (5954) ومسلم برقم (2107) .
(4) رواه البخاري برقم (5952) .(1/158)
أجابت اللجنة الدائمة: لا يجوز له أن يصلي في ملابس فيها صور ذوات الأرواح من إنسان أو طيور أو أنعام أو غيرها من ذوات الأرواح، ولا يجوز للمسلم لبسها في غير الصلاة، وتصح صلاة من صلى في ثوب فيه صور مع الإثم في حق من علم الحكم الشرعي.
وفي جواب آخر لها عن لبس الساعة أو صليب قالت اللجنة: لا يجوز لبس الساعة أو صليب لا في الصلاة ولا في غيرها حتى يزال الصليب بحك أو بوية تستره، لكن لو صلى وهي عليه فصلاته صحيحة. والواجب عليه البدار بإزالة الصليب، لأنه من شعار النصارى، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه بهم(1).
أما الصور التي تكون على النقود أو الأوراق الرسمية كالبطاقة الشخصية ونحوها، فلها حكم الضرورة، ولا تدخل في النهي والله أعلم.
التحذير من لباس الحرير والذهب للرجل
قال الله تعالى: { ولباس التقوى ذلك خير } (2).
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"(3).
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنما يلبس الحرير من لا خلاق له في الآخرة" (4).
الخلاق: النصيب.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "حرم لباس الذهب والحرير على ذكور أمتي وأحل لإناثهم" (5).
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة رقم (3932) (6/178) .
(2) الأعراف (26) .
(3) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم (5834) ورواه مسلم في كتاب "اللباس" برقم (2073) .
(4) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم 5835) ومسلم في كتاب "اللباس والزينة برقم (2068) .
(5) أخرجه الترمذي في كتاب "اللباس" برقم (1720) والنسائي في "المجتبى" كتاب "الزينة" (8/161) من حديث أبي موسى الأشعري في "صحيح الترمذي" (1404) .(1/159)
وقال حذيفة: "نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه" (1).
( الديباج ) بكسر الدال: هو الثياب المتخذة من الإبريسم، فارسي معرب.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من شرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" (2).
وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - رخص في الحرير للحكة.
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسهُ في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"(3).
وقال ابن الزبير: مَنْ لَبِسَه في الدنيا، لم يَدْخُلِ الجنَّة، قال الله تعالى: { ولبَاسُهُم فيها حرير } (4).
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: أُهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَرُّوجُ حرير، فلَبسَه، ثم صلى فيهِ، ثم انْصرَف فَنَزَعهُ نَزْعاً شديداً كالكارِهِ لَهُ، ثم قال: "لا ينبغي هذا للمتقينَ" (5).
الفروج: بفتح الفاء وتشديد الراء وضمها وبالجيم: هو القباء الذي شق من خلفه.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الأطعمة" رقم (5426) وفي "الأشربة" رقم (5633) .
(2) رواه البخاري في كتاب "الأشربة" رقم (5634) ومسلم في كتاب "اللباس والزينة" رقم (2065).
(3) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5830)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2069).
(4) رواه النسائي في "الكبرى" (5/465/9584) وأحمد (1/37) والحاكم (4/191) وصححه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني "صحيح موقوف" "إرواء الغليل" (1/309) صحيح الترغيب (2/464) .
(5) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5801) وفي كتاب الصلاة برقم (375) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2075).(1/160)
وعن علي - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخَذّ حريراً فجعَلهُ في يَمينهِ، وذَهباً فجعلَه في شماله، ثم قال: "إنَّ هذينِ حرامٌ على ذكورِ أُمَّتي"(1).
ورواه البيهقي وزاد: "حل لإناثهم".
وعن هشام بن أبي رقيه قال: سمعت مسلمة بن مخلد وهو على المنبر يخطُبُ الناسَ يقول: يا أيها الناسُ! أمَا لكم في العَصْبِ والكتَّانِ ما يُغنيْكُمْ عنِ الحريرِ؟ وهذا رجلٌ يخبرُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُمْ يا عقبةُ! فقام عقبة بن عامرٍ -وأنا أسمَع- فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من كَذبَ عليَّ متعَمّداً فليتبوأْ مقعَدهُ مِنَ النارِ".
وأشهدُ أني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من لَبِسَ الحريرَ في الدنيا، حُرِمَهُ أن يَلْبَسه في الآخِرَةِ".(2)
(العَصْب) بفتح العين وسكون الصاد مهملتين: هو ضرب من البُرود.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهمُ الدمار: إذا ظَهر التلاعُنُ، وشرِبوا الخمورَ، ولَبسوا الحريرَ، واتخَذوا القِيانَ، واكتَفى الرجالُ بالرجالِ والنساءُ بالنساءِ"(3).
(القيان) جمع (قينة): هي الأمة المغنية. وتجمع على قينات أيضاً. قاله الألباني.
وعن عبد الله بن عمرُ رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ماتَ مِنْ أُمتي وهو يَشربُ الخمرَ، حرَّم الله عليه شُرْبَها في الجنَّةِ، ومّنْ ماتَ من أمتي وهو يتحَلَّى بالذهَبِ، حرّمَ الله عليه لِباسَهُ في الجنَّةِ"(4).
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/215/2)، وصححه الألباني، الترغيب (2049).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه البيهقي عقب حديث ، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (2054).
(4) رواه أحمد والطبراني وقال الألباني: "حسن صحيح"، الترغيب (2059).(1/161)
وعن خليفة بن كعب قال: سمعتُ ابن الزبير يخطُب ويقول: لا تُلبِسوا نساءَكم الحريرَ، فإنِّي سمعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تَلْبَسوا الحريرَ، فإنّهُ منْ لبسَهُ في الدنيا، لم يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن يسقيَه اللهُ الخمرَ في الآخرةِ، فليتركه في الدنيا، ومن سَرَّه أن يكسِيَه الله الحريرَ في الآخرةِ فليَتركه في الدنيا"(2).
وعن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر ـ والله ما كذبني ـ أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليكونَنَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الخمر والحرير"
وذكر كلاماً قال:"يُمسَخُ منهم آخرون قردةً وخنازيرَ إلى يوم القيامة" (3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعَهُ وطرحه، وقال: "يعمدُ أحدكم إلى جمرةٍ من نار فيطرحها في يدهِ". فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خُذْ خاتمك وانتفع به. قال: لا والله لا آخذه وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4).
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: نهى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثٍ أو أربع.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5834) ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم(2069)
(2) رواه الطبراني في "الأوسط"، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (2065) .
(3) رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5590) .
(4) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2090) .(1/162)
ويباح استخدام الذهب للرجال للضرورة، كما حدث لعرفجة رضي الله عنه. فعن عبدالرحمن بن طرفة أن جده عرفجة بن أسعد قُطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من وِرق فأنتن عليه فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتخذ أنفاً من ذهب (1).
تحذير المترجلة من النساء والمخنث من الرجال
قال الله تعالى: { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } (2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله الرجلة من النساء"(3).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنَّثينَ من الرجالِ والمترجلات من النساء" (4).
(المخنث) بفتح النون وكسرها: مَنْ فيه انخناث وهو التكسر والتثني كما يفعله النساء لا الذي يأتي الفاحشة الكبرى.
والمترجلة: اللاتي يتشبهن بالرجال في الحركة والكلام والمخالطة ونحو ذلك.
وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين مِنَ الرجال بالنساء، والمتشبِّهات مِنَ النساءِ بالرجالِ" (5).
وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يَدْخُلونَ الجنَّةَ أبداً: الديُّوث، والرُجلَةُ مِنَ النساءِ، ومُدْمِنُ الخَمرْ".
قالوا: يا رسول الله! أما مُدمنُ الخمرِ فقدْ عَرْفناه، فما الديُّوثُ؟
قال: "الذي لا يُبالي مَنْ دَخلَ على أهْلهِ"
قلنا: فما الرجُلَةُ مِنَ النساء؟ قال:
__________
(1) رواه أبو داود برقم (4232) وأحمد برقم (18527) والترمذي برقم (1770) والنسائي برقم (5161) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم (3561) .
(2) الشورى (37) .
(3) أخرجه أبو داود في "اللباس" عن عائشة (4099)، صحيح الجامع برقم (5096)، وحجاب المرأة المسلمة (ص 67).
(4) رواه البخاري في كتاب " اللباس" برقم (5886).
(5) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم (5885).(1/163)
"التي تتشّبه بالرجالِ"(1) .
قال الإمام الذهبي رحمه الله: ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأزر والحرير والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت.
وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء. وقال: "أخرجوهم من بيوتكم".
قال: فأخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلاناً، وأخرج عمر فلاناً (2).
فيه لعن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووعيد شديد لهذا الصنف من الناس.
وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - : "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسةَ المرأة والمرأة تلبس لبسة
الرجل"(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا"(4).
__________
(1) رواه الطبراني ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2071).
(2) رواه البخاري في اللباس برقم (5885) و (5886).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (2/325) وابن حبان (5721) و (5722) مع الإحسان ، وأبو داود في "اللباس" برقم (4098) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/194) وقال: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.وصححه الألباني في الترغيب برقم(2069) .
(4) رواه مسلم في كتاب "اللباس والزينة" برقم (2128) ومالك في "الموطأ" كتاب "اللباس" (7). وأحمد في "المسند" (2/356و440) .(1/164)
قال الإمام النووي: هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان وفيه ذم هذين الصنفين.أ.هـ شرح مسلم (14/13)
وقال - صلى الله عليه وسلم - :"ألا هلك الرجال حين أطاعوا النساء"(1).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثَةٌ لا يدخلونَ الجنَّة: العاقُ لوالِدَيْهِ، والديوث، ورَجُلَةُ النساءِ" (2).
التحذير من حلق اللحية
قال الله تعالى: { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك } (3).
وقال تعالى: { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } (4).
وقال جل في علاه: { فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدينُ القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } (5).
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن صورة، وزيَّنه في أحسن زينة، ومن الزينة التي زين الله سبحانه الرجال هي اللحية، حتى أن عائشة رضي الله عنها كانت كثيراً ما تحلف (والذي زين الرجال باللحى)، فاللحية هي من الزينة الظاهرة، ومن الفطرة التي فطر الناس عليها.
__________
(1) أخرجه أحمد في "المسند"(5/45) والطبراني كما في "كنز العمال" (16/287) وأبو نعيم "ذكر أخبار أصبهان" (2/37) وابن عدي "الكامل في الضعفاء" (2/475) والحاكم في "المستدرك" (4/291) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي "فيض القدير"(6/356).
(2) رواه النسائي والبزار ، والحاكم واللفظ له وقال : "صحيح الإسناد" وقال الألباني : "حسن صحيح" الترغيب (2070) .
(3) الانفطار (6ـ7) .
(4) التين (4) .
(5) الروم (30) .(1/165)
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عشرة من سنن الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتفاض الماء" (1).
وقال الراوي ونسيت العاشرة لعلها المضمضة فهي من خصال الفطرة.
حد اللحية لغة وشرعاً:
قال المجد الفيروز آبادي في "القاموس المحيط": اللحية: بالكسرِ، شعر
الخدين والذَّقن(ِ(2).
وقال الشيخ عبدالستار الدهلوي: فإذا فهمتَ ما جاء بكتب اللغة العربية عرفت حينئذٍ أن جميع شعر الوجه مما ينبت على الذقن وتحت اللحيين، وما على الخدين والعارضين يقال له: لحية، ما عدا الشارب(3).
والذي يحلق لحيته يكون مطيعاً للشيطان ومن المنفذين لأمره وهي تغيير وتبديل خلق الله.
قال الله تعالى حكاية عن الشيطان: { ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً } (4).
أي يأمرهم بتغيير الفطرة التي فطروا عليها.
فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذنٍ منه سبحانه وتعالى إطاعة لأمر الشيطان، وعصيان للرحمن جل جلاله. قال الشيخ التهانوي في تفسيره "بيان القرآن": أن حلق اللحية داخل في هذا التغيير.
أدلة تحريم حلق اللحية من السنة المطهرة:
__________
(1) رواه مسلم برقم (261) وأحمد برقم (6/137) وأبو داود برقم (53) والترمذي برقم (296) والنسائي (8/126ـ127) ، وابن ماجة برقم (293) والدارقطني برقم (1/95) والبغوي في شرح السنة (205) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/52،53) .
(2) القاموس المحيط (4/387) ، وكذلك الحافظ ابن حجر قال مثله في الفتح (10/350).
(3) جواهر السنة في إعفاء اللحية ، وانظر آداب الزفاف للشيخ الألباني (ص120).
(4) النساء (119).(1/166)
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خالفوا المشركين واتركوا اللحى وأعفوا الشوارب". وفي رواية: "أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى" (1).
قوله: "أنهكوا" النهك: التنقص، وهو المبالغة في كل شيء، والناهك والنهيك المبالغ في جميع الأشياء. فأنهكوا الشوارب أي بالغوا في الأخذ منها.فتح الباري (10/351)
ولكن نجد بعضهم من يحلق شاربه، وهذا الفعل لا يجوز، وثبت عن الإمام مالك أنه قال: أنها مثلى.
وعنه أيضاً قال: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بإعفاء اللحية"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"جزوا الشوارب وأعفوا اللحى"(3)
فهذه الأحاديث بصيغة الأمر، والأمر يقتضي الوجوب، والذي يخالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل في عموم قوله تعالى: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } (4).
وقال تعالى: { ما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن اللهشديد العقاب } (5).
ورد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، وأبو يعلى قاضي المدينة شهادة من كان ينتف لحيته(6).
أقوال الأئمة في حلق اللحية
ومذهب أبي حنيفة رحمه الله: ما نصه: ويحرم على الرجل قطع لحيته."الدر المختار".
ومذهب المالكية: ويحرم حلق اللحية ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال. "التمهيد".
ومذهب الشافعية: قالوا بحرمة من حلق اللحية وكذا قصها إذا كان يحصل به مثله.
وقد نص الإمام الشافعي رحمه الله على تحريم حلق اللحية. الأم.
__________
(1) رواه البخاري برقم (5892،5893) ، ومسلم برقم (259).
(2) رواه مسلم برقم (259) وأحمد برقم (2/52) والترمذي برقم (2913) و (2914) والبيهقي (1/151) في سننه.
(3) رواه مسلم برقم (260) وأحمد (2/366).
(4) النور (63).
(5) الحشر (7).
(6) الإحياء (1/144).(1/167)
ومذهب الحنابلة: اتفق جميع فقهاء المذهب على حرمة حلق اللحية حيث قال السفاريني: المعتمد في المذهب حرمة حلق اللحية. غذاء الألباب.
والمذهب الظاهري: قال ابن حزم رحمه الله: واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا يجوز. مراتب الإجماع.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يحرم حلق اللحية للأحاديث الصحيحة ولم يبحه أحد(1).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه حديث: "أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى": أنه وردت روايات خمس في ترك اللحية، وكلها على اختلاف ألفاظها تدل على تركها على حالها وقد ذهب كثير من العلماء إلى منع الحلق والاستئصال، لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإعفائها من الحلق ولا خلاف بين فقهاء المسلمين في أن إطلاق اللحى من سنن الإسلام فيما عبر عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق الذي روته عائشة "عشرة من الفطرة".
ومما يشير إلى أن ترك اللحية وإطلاقها أمر تقره أحكام الإسلام وسسنه مما أشار إليه فقه الشافعي من أنه: "يجوز التعزير بحلق الرأس لا اللحية" وظاهر هذا حرمة حلقها على رأي أكثر المتأخرين.
ونقل ابن قدامة الحنبلي في المغنى: أن الدية تجب في شعر اللحية عند أحمد وأبي حنيفة والثوري، وقال الشافعي ومالك: فيه حكومة عدل.
وقال ابن عبد البر في "التمهيد": ويحرم حلق اللحية، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال.
تحذير الواصلة في شعرها والمتفلجة والواشمة
قال الله تعالى عن إفساد الشيطان للفطرة البشرية: { لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ولآضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً } (2).
__________
(1) الاختيارات العلمية (ص6).
(2) النساء (118و119).(1/168)
عن أسماء رضي الله عنها: أن امرأةً سألتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالتْ: يا رسولَ الله إنَّ ابنَتي أصابَتْها الحَصْبَة فتمرَّقَ شَعْرُهَا،، وإني زَوَّجْتُها، أفأصِلُ فِيهِ؟ فقال: "لعن الله الواصِلة والموصُولَةَ".
وفي رواية قالت أسماء: لعن النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - الواصلة والمستوصِلَةَ(1).
الحصبة: مرض يصاب به الأطفال غالباً، وضرره في الكهول قليل.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "لعن الله الواشِمات والمستوشماتِ والمتَنَمِّصَاتِ والمتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المغيرات خلق الله" فقالت لهُ امرأةٌ من في ذلك فقال: وما لي لا ألْعَنُ مَنْ لعَنَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله؟ قال الله تعالى: { وما آتاكم الرسولُ فخذوه وما نهاكُم عنه فانْتَهُوا } قالت بلى. قال: فإنه قد نهى عنه. قالت: إني أرى أهلك يفعلونه. قال: فاذهبي فانظري: فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً.فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها"(2).
وعن حميد بن عبدالرحمن بن عوف أنه سمع معاوية عامَ حَجٍّ، فقام على المنبر وتناوَل قُصَّةً من شَعَرٍ كانتْ في يد حَرَس فقال: يا أهل المدينة أين عُلماؤكم؟ سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنْ مثلِ هذه ويقول: "إنَّما هلَك بنو إسْرائيلَ حين اتخذ هذه نِساؤُهم" (3).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5941)،ومسلم في اللباس والزينة برقم (2122).
(2) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5931و5939و5943)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2125).
(3) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3468) وكتاب اللباس برقم (5932)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2127).(1/169)
وفي رواية: قدم معاوية المدينة، فخطَبنا، وأخرج كُبَّةً من شَعَرٍ، فقال: ما كنت أرى أنَّ أحداً يفعله إلا اليهود. إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَلَغَهُ، فسمَّاه "الزُّورَ" (1).
وفي رواية: أنَّ معاوية قال ذاتَ يوم: إنكُم أحدثتم زيَّ سوءٍ، وإنَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نَهى عنِ الزورِ. قال: وجاءَ رجلٌ بعَصاً رأْسِها خِرْقَةٌ فقال مُعاويَةُ: ألا هذا الزُّورُ.
قال قتادة: يعني ما يكثِّر به النساءُ أشعارَهُنَّ مِنَ الخِرَق(2).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" (3).
الواصلة: هي التي تصل شعرها والمستوصلة: التي يوصل لها. الواشمة: هي التي تزين جلد غيرها ببعض الرسوم أو النقط وخاصة في الوجه واليدين وذلك بغرز إبرة في المكان المراد وذر مادة ( النيلج ) عليه. المتنمصة: النمص: ترقيق الحواجب وتدقيقها طلباً لتحسينها.المتفلجة: الفلج تباعد ما بين الثنايا والمتفلجة: تفعل ذلك بأسنانها طلباً للحسن.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثمن الكلب والدم حرام وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وأكل الربا وموكله ولعن المصورين" (4).
وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ جاريةً من الأنصارِ تزوَّجت، وأنَّها مرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شعْرُها، فأرادوا أنْ يَصِلوها، فسألوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لعن الله الواصِلَة والمسْتَوْصِلَة".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم(5938)،ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم(2127).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري في "اللباس" (5931و5939و5940و5947) ومسلم في "اللباس" رقم (2125).
(4) رواه البخاري في كتاب "البيوع" برقم (2238و2086).(1/170)
وفي رواية: أنَّ امرأةَ مِنَ الأنصار زوَّجت ابنتهَها، فتمعط شعْرُ رأسِها، فجاءَتْ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكَرتْ ذلك له وقالتْ: إنَّ زوْجَها أمَرني أنْ أصِلَ في شعرها. فقال: "لا إنَّه قد لُعِنَ الموصولاتُ" (1).
معط شهرها: سقَط وتناثر.
واللعن لا يختص النساء فقط بل يدخل فيه الرجال إذا فعلوا ذلك، سواء نمصوا، أو وشموا، أو وصلوا الشعر الذي تسمى ( الباروكة )، أو تفلجوا للحسن.
ونجد وللأسف الشديد بعض الناس ينمصون سواء لنفسهم أو لغيرهم، فإذا فعلوا ذلك فإنهم آثمون هم والذين ينمصون لهم، فهم في الإثم سواء.
التحذير من إظهار المرأة زينتها إلا لمن استثناهم الله
والتحذير من خروجها معطرة
قال الله تعالى: { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن } (2).
قال الشيخ السعدي رحمه الله: أي الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها.أ.هـ. تيسير الكريم الرحمن.
وقوله: { ولا يبدين زينتهن } أي الباطنة كالوجه والعنق والحلي والكفين، فلا يجوز لها إظهار هذه الزينة إلا لمن استثناهم الله عز وجل.
ثم قال تعالى: { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } (3). قال ابن سعدي: أي: لا يضربن بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة. تيسير الكريم الرحمن (5/412)
عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلُّ عينٍ زانيةٌ، والمرأةُ إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا. وكل عين زانيةٌُ"(4).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5934) وفي كتاب النكاح برقم (5205) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2123).
(2) النور (31).
(3) النور (31).
(4) صحيح الترغيب (2019).(1/171)
وعن موسى بن يسار قال: مرت بأبي هريرة امرأةٌ وريحُها تَعصِفُ، فقال لها: أين تريدين يا أمةَ الجبار؟ قالت: إلى المسجد. قال: وتطيَّبْتِ؟ قالت: نعم. قال: فارْجعي فاغتسلي، فإنني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقبل الله من امرأةٍ صلاةَ خرجَتْ إلى المسجد وريحُها تَعْصِفُ حتى ترجع فتَغْتَسِلَ"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما امرأةٍ أصابت بخوراً فلا تشهدَنَّ مَعنا العِشاءَ -قال ابن نفيل:- الآخِرَةَ"(2).
التحذير من إعانة المبطل
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حالت شفاعَتُه دونَ حدٍّ من حدود الله، فقد ضاد الله عز وجل، ومن خاصمَ في باطلٍ وهو يعلَمُ، لم يَزَلْ في سَخَط الله حتى يَنزِعَ، ومَنْ قال في مؤمنٍ ما ليس فيه، أسكنه الله رَدْغَة الخَبالِ، حتى يَخْرُجَ مِما قال"(3).
وفي لفظ للحاكم مختصراً ولفظه: "من أعانَ على خُصومَةٍ بغير حقٍّ، كانَ في سَخَطِ الله حتى يَنْزِعَ".
وفي رواية لأبي داود: "من أعانَ على خُصومَةٍ بظُلمٍ، فقد باءَ بغضبٍ منَ الله"(4).
(الرَّدْغَةُ) بفتح الراء وسكون الدال المهملة وتحريكها أيضاً وبالغين المعجمة: هي الوحل. و"ردعةُ الخَبالِ) بفتح الخاء المعجمة وبالباء الوحدة:هو عصارة أهل النار أو عرقهم، كما جاء مفسراً في صحيح مسلم من حديث جابر (6/100)
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَثَلُ الذي يُعينُ قومَهُ على غيرِ الحقِّ، كَمثَلِ بعيرٍ تَرَدَّى في بئْرٍ، فهو يُنزَعُ منها بذَنَبِه"(5).
التحذير من الرشوة
__________
(1) صحيح ابن خزيمة (3/91) وصحيح الترغيب (2020) .
(2) صحيح الترغيب (2021) .
(3) سبق تخريجه .
(4) صحيح الترغيب (2/545) .
(5) السلسة الصحيحة رقم (198) وصحيح الترغيب برقم (2249) .(1/172)
قال الله تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } (1).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لَعنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتَشِي"(2).
قال الشيخ الألباني رحمه الله: (الرشوة): الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة. وما يعطى توصلاً إلى أخذ الحق، أو دفع ظلم، فغير داخل فيه. والله أعلم.
وقال: (الراشي): أصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء، فـ (الراشي) من يعطي الذي يعينه على الباطل.
وقال: (المرتشي): الآخذ، والذي يسعى بينهما. يسمى (رائش)، يستزيد لهذا ويستنقص لهذا (3).
ورواه ابن ماجة ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعنةُ الله على الراشي والمرْتَشي" (4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:"لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي في الحُكْمِ" (5).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: الرشوة في الحكم كُفْرٌ، وهي بينَ الناسِ سُحْتٌ(6).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى بابا كبيراً من أبواب الربا"(7).
التحذير من استعمال أواني الذهب والفضة
وتحريمه على الرجال والنساء
__________
(1) البقرة (188) .
(2) رواه أبو داود، والترمذي وقال: (حديث حسن صحيح)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2211).
(3) صحيح الترغيب (2/529).
(4) صحيح الترغيب (2/529).
(5) رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني "صحيح لغيره" الترغيب (2212)، وإرواء الغليل (8/245) .
(6) صحيح الترغيب برقم (2213) .
(7) رواه أبو داود .(1/173)
عن أمِّ سلَمَة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذي يشربُ في آنيَةِ الفِضَّةِ، إنما يُجَرْجِرُ في بطنهِ نارُ جَهنَّمَ"(1).
وفي رواية لمسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الذي يأكلُ أو يشربُ في آنيةِ الذهَبِ والفضَّةِ، إنما يُجَرْجِرُ في بَطنه نارَ جَهنَّمَ".
وفي رواية أخرى له: "من شربَ في إناءٍ مِنْ ذهَبِ أو فضَّة، فإنَّما يُجرْجِرُ في بطنهِ ناراً مِنْ جَهنَّمْ".
قوله "يجرجر": الجرجرة: الصوت، والجرجرة هي تردد هدير الفحل، وهو صوت يردده البعير في حنجرته وقد جرجر. وفي الحديث: "الذي يشرب في إناء الفضة والذهب إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" أي يَحدُرُ فيه، فجعل الشرب والجرع جرجرة ، وهو صوت وقوع الماء فيه.اللسان (4/131) مادة: (جرجر)
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: "وأجمع العلماء على أنه لا يجوز الشرب بها وليس ثمة نصٌ في علة هذا الحكم، والمسلم إذا جاءه الدليل من الكتاب أو من السنة الصحيحة، لا ينبغي له أن يتعداه قيد أنملة، ولا يتكلف التأويل ليستسيغ الفعل، وقد تطرق بعض أهل العلم لحكمة هذا النهي واختلفوا فيه، فمن هذه العلل: التشبه بالجبابرة وملوك الأعاجم، والسرف والخيلاء، وأذى الصالحين والفقراء الذين لا يجدون من ذلك ما بهم الحاجة إليه"(2)أ.هـ.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5634) ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2065).
(2) التمهيد (16/105) وانظر فتح الباري (10/97).(1/174)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبسَ الحَريرَ في الدنيا لَمْ يلبَسْهُ في الآخرةِ، ومَنْ شرِبَ الخمرَ في الدنيا لَمْ يشربْهُ في الآخِرَةِ، ومن شربَ في آنيَةِ الذهَبِ والفضَّةِ لَمْ يشرَبْ بها في الآخرةِ ـ ثم قال:لِباسُ أهلِ الجنَّةِ، وشرابُ أهلِ الجنَّةِ، وآنيةُ أهلِ الجنَّة"(1).
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تَلبَسوا الحريرَ ولا الدِّيبَاجَ، ولا تشْرَبوا في آنيةِ الذهبِ والفضَّةِ، ولا تأكُلوا في صِحافِها، فإنَّها لهُمْ في الدنيا، ولكمُ في الآخِرَةِ" (2).
الديباج: الثياب المتخذة من الإبريسم، وهو من أجود الحرير، فارسي معرب. النهاية.
صحاف: جمع صحفة: كالقصعة مسلطحة عريضة. قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة، ثم القصعة تليها تشبع العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة ونحوهم، اللسان.
قال الإسماعيلي: قوله: "ولكم في الآخرة" أي: تستعملونه مكافأة لكم على تركه في الدنيا، ويمنعه أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعماله. قلت: (أي: ابن حجر): ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى الذي يتعاطى ذلك في الدنيا لا يتعاطاه في الآخرة كما تقدم في شرب الخمر"(3).أ.هـ.
التحذير من الأكل والشرب بالشمال، وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يأكُلنَّ أحدكم بشمالهِ، ولا يشْرَبَنَّ بها، فإنَّ الشيطانَ يأكلُ بشمالِهِ ويشربُ بِها".
__________
(1) رواه الحاكم وقال "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (2112).
(2) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5426)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2067).
(3) فتح الباري (10/98).(1/175)
قال: وكان نافعُ يزيد فيها: "ولا يأخُذْ بها، ولا يُعْطِ بها" (1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليأكل أحدُكم بيمينه، وليشرب بيمينه، وليأخذ بيمينهِ، وليُعْطِ بيَمينهِ، فإن الشيطان يأكل بشمالِهِ، ويشرب بشِمالهِ، ويُعطي بشِمالهِ، ويأخذ بشِمالِه" (2).
قال ابن الجوزي: لما جُعلت الشمال للاستنجاء ومباشرة الأنجاس، واليُمنى لتناول الغذاء، لم يصلح استعمال أحدهما في شغل الأخرى لأنه حطاًّ لرتبة ذي الرتبة، ورفع للمحطوط، فمن خالف ما اقتضته الحكمة وافق الشيطان.أ.هـ كشف المشكل(2/594)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الشراب".
فقال رجلٌ: القذاة أراها في الإناءِ ؟ فقال: "أهرقها".
قال: فإني لا أروى من نَفَسٍ واحدٍ ؟
قال: "فَأبِنِ القَدحَ إذاً عَنْ فيكَ ثم تَنَفَّسْ"(3).
وعنه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنِ الشربِ من ثُلْمَةِ القَدحِ، وأن يُنفَخَ في الشرابِ"(4).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2020)، والبخاري في الأدب المفرد برقم (1089)، والترمذي بدون الزيادة.
(2) رواه ابن ماجة. وقال الألباني "صحيح لغيره" الترغيب (214) والصحيحة (1236).
(3) رواه الترمذي برقم (1887) وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد برقم (10819) ومالك (1718) واللفظ له. وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2115)، والصحيحة برقم (386).
(4) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب رقم (2116)، والصحيحة (2689).(1/176)
قال الألباني رحمه الله: (ثلمة القدح) أي: موضع الكسر منه كما جاء مصرحاً بذلك في حديث آخر، والظاهر أن ذلك لما قد يخشى أن يتجمع في الثلمة من الأوساخ والجراثيم، فيتسرب شيء منها إلى الجوف إذا شرب منها، فالنهي طبي دقيق، والله أعلم. انظر الحديث (2689ـ الصحيحة).أ.هـ (1).
وعن ثمامة عن أنس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتنفس في الإناء ثلاثاً" (2).
قال الحافظ عبد العظيم: "وهذا محمول على أنه كان يبين القدح عن فيه كل مرة، ثم يتنفس كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم، لا أنه كان يتنفس في الإناء"أ.هـ.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - الله عنهما: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُتَنَفَّسَ في الإناءِ، ويُنفَخَ فيهِ"(3).
ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يشربَ الرجلُ مِنْ فِي السقاءِ، وأن يَتَنَفَّسَ في الإناءِ"(4).
قال الحافظ: "وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي النهي عن التنفس في الإناء من حديث أبي قتادة" أ.هـ.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اخْتِناثِ الأسْقِيَة، يعني أن يُكْسَر أفْواهُها فيشرَبَ مِنها"(5).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُشرَب مِنْ فِي السقاء"(6).
وزاد الحاكم: فأنبئت أن رجلاً شرِبَ من في السقاء فخرجت حية.
__________
(1) صحيح الترغيب (2/294).
(2) رواه مسلم، ورواه الترمذي وقال: "هذا حديث حسن صحيح" (1885).
(3) رواه أبو داود وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب (2117).
(4) صحيح الترغيب (2/494).
(5) رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5625)، ومسلم في كتاب الأشربة برقم (2023).
(6) رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5628).(1/177)
وعن أنس - رضي الله عنه - : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَتنفَّسُ في الإناءِ ثلاثاً. ويقول: "هو أَمْرأُ وأرْوَى"(1).
التحذير من الإمعان في الشبع والتوسع في المآكل
والمشارب شرهاً وبطراً
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم يأكل في معىً واحد والكافر في سبعة أمعاء"(2).
وعن أبي حُجيفَةَ - رضي الله عنه - قال: "أكلت ثريدَةً من خُبزٍ ولحم ثُم أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلتُ أتجشأُ فقال: "يا هذا ! كُفَّ مِنْ جُشائِكَ، فإنَّ أكثر الناسِ شِبعَاً في الدنيا، أكثرُهُم جوعاً يومَ القيامةِ" (3).
وفي رواية للبخاري: أن رجلاً كان يأكل أكلاً كثيراً فأسلم فكان يأكل أكلاً قليلاً فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن المؤمن يأكل في معىً واحد وإن الكافر يأكل في سبعة أمعاء"(4).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أهْل الشِبَع في الدنيا هُم أهْلُ الجوعِ غداً في الآخِرَةِ"(5).
وفي رواية لمسلم: أضاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضيفاً كافراً فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاةِ فحُلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبع شياهٍ ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاةٍ فشرب حِلابها ثم أخرى فلم يستتمه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المؤمن ليشرب في معىً واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء" (6).
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". وصححه الألباني في الترغيب برقم (2119).
(2) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5396) ومسلم في كتاب الأشربة برقم (2061).
(3) صحيح الترغيب (2136)، والإرواء (7/41ـ43).
(4) في كتاب الأطعمة برقم (5397).
(5) صحيح الترغيب (2138).
(6) في كتاب الأشربة برقم (5063).(1/178)
الحِلاب: اللبن الذي يحلبه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزنُ عند الله جناح بعوضة" (1).
وروي عن عطية بن عامر الجهني قال: سمعتُ سَلْمانَ رضي الله عنه وأُكْرِهَ على طعامٍ يأْكُلُه، فقال: حَسْبي إني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"إن أكثر الناس شبعاً في الدنيا، أطولُهُم جوعاً يومَ القيامَةِ".
وزاد البيهقي في رواية: "يا سلمان الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافِر"(2).
التحذير من الأكل مُتكئاً أو منبطحاً على وجهه
روى أبو جحيفة أنه قال: "كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لرجل عنده لا آكُلُ وأنا متكئ"(3).
قال ابن حجر: وإذا ثبت كونه مكروهاً أو خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى.أ.هـ. فتح الباري (9/452)
ووجه الكراهة في ذلك أن هذه الهيئة من فعل الجبابرة وملوك العجم، وهي جلسة من يريد الإكثار من الطعام.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مطعمين، عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل وهو منبطح على بطنه"(4).
التحذير من أن يدعى الإنسان إلى طعام
فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله"(5).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4729) ومسلم في كتاب صفة القيامة برقم(2785).
(2) صحيح الترغيب (2139).
(3) انظر زاد المعاد (4/222)، وفتح الباري (9/452).
(4) رواه أبو داود (3774) وصححه الألباني، ورواه ابن ماجة برقم (3370).
(5) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5177) ومسلم في كتاب النكاح برقم (1432).(1/179)
ورواه مسلم أيضاً مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : "شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله"(1)
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها"(2).
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه"(3).
وفي روايةٍ لمسلم: "إذا دعيتم إلى كراعٍ فأجيبوا" (4).
الكراع: مستدق الساق.
وعن جابر هو ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا
دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك"(5).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس" (6).
وعن عكرمة قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول:
"إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهى عن طعامِ المتباريين أن يُؤكَلَ" (7).
التحذير من أكل الميتة والدم ولحم الخنزير
قال الله تعالى: { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس } (8).
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به" (9).
__________
(1) في كتاب النكاح برقم (1432).
(2) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5173) ومسلم في كتاب النكاح برقم (1429).
(3) رواه مسلم في كتاب النكاح برقم (1429).
(4) في كتاب النكاح برقم (1430).
(5) رواه مسلم في النكاح برقم (1430).
(6) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1240) ومسلم في كتاب السلام برقم (2162).
(7) صحيح الترغيب (2158)، والصحيحة (626).
(8) الأنعام (145).
(9) سبق تخريجه.(1/180)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه"(1).
التحذير من القضاء والولاية وغيره
قال الله تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } (2).
وقال الله تعالى: { أفحكم الجاهلية يبغون } (3).
وقال تعالى: { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه لناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } (4).
وعن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قاضيان في النار وقاض في الجنة قاضٍ عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاضٍ عرف الحق فجار متعمداً فهو في النار وقاضٍ قضى بغير علم فهو في النار"(5).
قالوا: فما ذنب الذي يجهل ؟ قال: ذنبه أن لا يكون قاضياً حتى يعلم.
وفي رواية عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "القُضاةُ ثلاثة، واحِدٌ في الجنَّةِ واثْنان في النارِ، فأما الذي في الجنَّةِ، فرجل عرفَ الحقَّ فقَضى به، ورجلٌ عَرفَ الحقَّ فجارَ في الحُكْمِ فهو في النارِ، ورجل قَضى لِلنَّاسِ على جَهْلٍ فهو في النارِ". صحيح الترغيب (2172)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب "الشعر" (2260) وأبو داود في كتاب "الأدب" برقم (4939).
(2) المائدة (44).
(3) المائدة (50).
(4) البقرة (159).
(5) أخرجه أبو داود في كتاب "الأقضية" (3573) والترمذي في "أبواب الأحكام" (1322) والنسائي في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (2/95) وابن ماجة في كتاب "الأحكام" (2/776) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/116) والحاكم في المستدرك (4/90) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"،وقال أيضاً:"له شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم" وتعقبه الذهبي فقال في سند هذا الحديث:"قلت:ابن بكير الغنوي منكر الحديث"،"الإرواء"(8/235).(1/181)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جُعِلَ قاضياً بين الناس فكأنما ذبح بغير سكين"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئاً" . حسنه الألباني رحمه الله في غاية المرام (ص129) تحت حديث رقم (173) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر"(2).
وعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعنة الله على الراشي والمرتشي"(3).
وقال: "أيما راعٍ غش رعيته فهو في النار"(4).
__________
(1) أخرجه أبو داود في "أبواب الأقضية" (3571) والترمذي في كتاب "الأحكام" (1325) وأحمد في "المسند" (2/230و365) والدارقطني في "السنن" (4/204) والنسائي في "السنن الكبرى" في كتاب "القضاء" كما في "تحفة الأشراف" (9/481) والحاكم في "المستدرك" (4/91) وابن ماجة في كتاب الأحكام" (2/774) وأبو يعلى وابن أبي شيبة، والبزار كما في "نصب الراية" (4/64) من طرق عن أبي هريرة.
(2) رواه البخاري في كتاب "الإعتصام" (7352) ومسلم في كتاب "الأقضية" (1716).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (2/164و190و194و212) والترمذي في "الجامع" "أبواب الأحكام" (1337) وابن الجارود في "المنتقى" (585) وأبو داود في "السنن" (3/300) رقم (3580) وابن ماجة في "السنن" (2/775) رقم (2313) والحاكم في "المستدرك" (4/102ـ103). و "الترغيب والترهيب" (3/143).
(4) أخرجه في "المسند" (5/25) وابن مندة في "الإيمان" برقم (560و561)، "السلسة الصحيحة" (1754).(1/182)
وقال: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به مغلولةً يداه إلى عنقه أطلقه عدله أو أوبقه جوره"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم من ولي أمر هذه الأمة شيئاً فرفق بها فارفق به ومن شق عليها فاشقق عليه"(2).
قال النووي: هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم، وقد تظاهرت الأحاديث بهاذ المعنى.أ.هـ شرح مسلم (12/167ـ168)
وقال: "سيكون أمراء فسقة جورة فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض"(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله ثم لم يغيروا إلا عمهم الله بعقاب"(4).
__________
(1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" والبيهقي في "الشعب" (3/129 ) و (10/95و96)، وقال الطبراني: "لم يروه عن عبدالله إلا ابراهيم" وأخرجه أبو نعيم فضل العادلين (3/1) مع تخريج السخاوي، وأبو يعلى في "مسنده" والبغوي في شرح السنة (10/59) وابن أبي شيبة وابن عساكر كما في كنز العمال (6/33). وصححه الألباني في "الترغيب" (2200).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1828).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (6/395) و (5/111) من حديث خباب بن الأرت، والنسائي في "المجتبى" (7/160) و"السنن الكبرى " كما في "تحفة الأشراف"(8/297)، والترمذي في "جامعه" (2259) وابن حبان (1571ـ موارد) والحاكم في "المستدرك" (1/79) و (4/422) وأبو نعيم في "الحلية" (1/79) والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/136) من طرق عن كعب بن مجرة، والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الترمذي.
(4) أخرجه أبو داود في "الملاحم" (4339) وابن حبان (300) و (302ـ الإحسان) الطيالسي رقم (663).والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/65).(1/183)
وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد المسيء ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعَنكم كما لعنهم -يعني بني إسرائيل- على لسان عيسى وداود وعيسى ابن مريم"(1).
وعن معقد بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: سلطان ظلوم غشوم وغالٍ في الدين يشهد عليهم وتبرأ منهم"(2).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر"(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"(4).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً"(5).
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب "الملاحم" برقم (4336)، والترمذي في "أبواب تفسير القرآن" برقم (3050) وابن ماجة في كتاب "الفتن والملاحم" رقم (4006).
(2) قال الهيثمي في "المجمع" (5/236): "رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما منيع قال ابن عدي: له أفراد وأرجو أنه لا بأس به وبقية رجال الأول ثقات " "السلسلة الصحيحة" (470).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (3/22و55) والترمذي في كتاب الأحكام (1329) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/88) والطبراني في "الأوسط" و "الكبير" كما في "المجمع" (5/236) و البغوي في "معالم التنزيل" (2/93ـ94) كلهم من طريق عطية العوضي عن أبي سعيد قال ابن القطان: عطية ضعيف، وقال ابن معين فيه: "صالح الحديث به حسن".
(4) رواه البخاري في كتاب"الصلح" برقم (2697) ومسلم في كتاب "الأقضية" برقم (1718).
(5) أخرجه البخاري في كتاب "فضائل المدينة" برقم (1870)، ورواه مسلم في كتاب "الحج" برقم (1365و1366).(1/184)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من لا يرحم لا يُرحم"(2).
وقل - صلى الله عليه وسلم - : "لا يرحم الله من لا يرحم الناس"(3).
وعن أبي مريم عمرو بن مرة الجهني - رضي الله عنه - ، أنه قال لمعاوية: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة" (4).
وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "سبعة يظلهم الله في ظله" وذكر منها إمام عادل(5).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المقسطون على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم
وما وَلوُا"(6).
وقال: "شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم" قالوا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم؟ قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة"(7).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب "الأحكام" (7150) ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (142) وفي كتاب "الإمارة" برقم (21).
(2) أخرجه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (5997) ومسلم في كتاب "الفضائل " برقم (2318).
(3) أخرجه البخاري في كتاب "التوحيد" رقم (7376) ومسلم في كتاب "الفضائل" رقم(2319).
(4) رواه أبو داود في "السنن" (2948) والترمذي (1332و1333) و "العلل الكبير" (213) وأحمد في "المسند" (4/231) و (3/441و480) وأبو يعلى في "المسند" (3/134) رقم (1565) وصححه الألباني، الترغيب (2208).
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه مسلم في كتاب "الإمارة" (1827) ورواه النسائي في كتاب "آداب القضاة" (8/221) ورواه أحمد في "المسند" (2/160).
(7) رواه مسلم في كتاب "الإمارة" برقم (1855).(1/185)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } (1)"(2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم ... " فذكر منهم الملك الكذاب(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: "إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"(4).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن شر الرعاء الحطمة"(5).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه"(6).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "يا كعب بن عجرة! أعاذك الله من إمارة السفهاء وأمراء يكونون من بعدي ولا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي"(7).
__________
(1) هود.
(2) رواه البخاري في كتاب"التفسير"برقم(4686)ورواه مسلم في كتاب"البر والصلة والآداب"برقم(2583).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه البخاري في كتاب "المغازي" برقم (4347). ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (190).
(5) رواه مسلم في كتاب "الإمامة" برقم (1830).
(6) رواه البخاري في كتاب"الأحكام"برقم(7149)ورواه مسلم في كتاب"الإمارة"برقم(1733).
(7) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/79) و ( 4/422) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" كما في تحفة الأشراف (8/297) و"المجتبى" (7/160) والترمذي في "الجامع" (4/525) رقم (2259) وابن حبان رقم (1571) موارد، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/136) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/79) من طرق عن كعب بن عجرة. وحسنه الترمذي.(1/186)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن، دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال شريك: لا أدري رفعه أم لا - قال: "الإمارةُ أولُها ندامةٌ، وأوسطُها غرامةٌ، وآخرها عذابُ يوم القيامة"(2).
وعن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارَةَ فإنَّك إنْ أُعطيتَها مِنْ غير مسألةٍ، أُعِنْتَ عليها وإنْ أُعطيتها عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها" الحديث(3).
قال الله تعالى: { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } (4).
وقال تعالى: { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } (5).
وقال تعالى: { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } (6).
وقال تعالى: { ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء } (7).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصح إلا حرم الله عليه الجنة".
وفي لفظ "يموت حين يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
__________
(1) أخرجه أحمد في "المسند" (2/258و348و523) والترمذي في "الجامع" (1905) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (32) و (481) والطيالسي "المسند" (7/25) والبغوي في "شرح السنة"(5/195) رقم (1394) وأبو داود في "السنن" (20/89) رقم (1536) وابن ماجة "السنن" (2/1270) رقم (3862) وابن حبان (2406) "موارد الظمآن"، صحيح الجامع برقم (3031).
(2) رواه الطبراني بإسناد حسن وقال الألباني "صحيح لغيره"، الترغيب (2174).
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) الشورى (42).
(5) الشعراء (227).
(6) المائدة (79).
(7) ابراهيم (43ـ44).(1/187)
وفي لفظ "لم يجد رائحة الجنة"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"(2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من غشنا فليس منا"(3).
وقال: "الظلم ظلمات يوم القيامة"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قل - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ وَلِيَ القَضاءَ أوْ جُعِلَ قاضياً بينَ الناسِ فقد ذُبِحَ بغيرِ سكِّين"(5).
قال الحافظ: ( ومعنى قوله "ذبح بغير سكين" أن الذبح بالسكين تحصل به إراحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها فإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها. وقيل: إن الذبح لما كان في ظاهر العرف وغالب العادة بالسكين، عدل - صلى الله عليه وسلم - عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك، ليعلم أن مراده - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه ودون هلاك بدنه. ذكره الخطابي.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ الله سائلُ كلَّ راعٍ عما اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ أمْ ضَيعَّ، حتى يسأل الرجُلَ عن أهلِ بَيْتهِ"(6).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأحكام (126و127)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (142).
(2) رواه البخاري في الأحكام برقم (7138)، ورواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1829).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (101)، والترمذي في كتاب البيوع برقم (1315).
(4) رواه البخاري في كتاب المظالم برقم (2447)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2579).
(5) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب" ورواه ابن ماجة، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وقال الألباني: "حسن صحيح" "الترغيب" (2171).
(6) رواه ابن حبان في "صحيحه ". وقال الألباني: "حسن صحيح" "الترغيب" (2170) و "السلسلة الصحيحة" (1626).(1/188)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله! ألا تَسْتعْمِلني؟ قال: فَضَرَبَ بيدِهِ على مَنْكِبيَ ثُمَّ قال: "يا أبا ذر! إنَّك ضعيفٌ، وإنَّها أمانَةٌ، وإنَّها يومَ القيامَةِ خِزْيٌ وندامَةٌ، إلا مَنْ أخذَهَا بحقِّها، وأدَّى الَّذي عليه منها"(1).
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا أبا ذر إني أراكَ ضعيفاً، وإني أُحِبُّ لك ما أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تأَمَّرنَّ على اثنين، ولا تَلِيَنَّ مال اليتيم"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّكم سَتَحْرِصون على الإمارَةِ،وستكونُ ندامَةً يومَ القيامةِ، فنِعْمتِ المرْضِعَةُ، وبِئْسَتِ الفاطِمَةُ"(3).
(نعمت المرضعة) أي: في الدنيا فإنها تدل على المنافع واللذات العاجلة.
(وبئست الفاطمة) عند انفصاله عنها بالموت أو غيره، فإنها تقطع عنه اللذائذ والمنافع، وتبقى عليه الحسرة والتبعة. قاله الألباني.
التحذير من الظلم وأخذ أموال الناس بالباطل ودعاء المظلوم
قال الله تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } (4).
وقال الله تعالى: { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } (5).
وقال تعالى: { والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير } (6).
وقال تعالى: { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } (7).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الظلم ظلمات يوم القيامة" (8).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1825).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1826)، وأبو داود، والحاكم وقال "صحيح على شرطهما".
(3) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم (7148).
(4) البقرة (188).
(5) الشورى (42).
(6) الشورى (8).
(7) النساء (40).
(8) رواه البخاري في كتاب "المظالم" برقم (2447) ومسلم في كتاب "البر" رقم (2579).(1/189)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من ظلم شبراً من الأرض طوقه إلى سبع أرضين يوم القيامة"(1).
وفي الحديث: "وديوان لا يترك الله منه شيئاً وهو ظلم العباد"(2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "مطل الغني ظلم"(3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اقتطع حق امرئٍ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار" قيل: يا رسول الله أو إن كان شيئاً يسيراً؟ قال: "وإن كان قضيباً من أراك"(4).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من استعلمناه على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة" (5).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرونَ ما المفْلِسُ؟". قالوا: المُفْلِسُ فينا مَنْ لا درهمَ له ولا مَتاعَ. فقال: "إن المفْلِسَ من أمتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتم هذا، وقَذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعطي هذا مِنْ حَسناتِه، وهذا من حَسناتِه، فإنْ فَنيتْ حسَناتُه قبْلَ أنْ يَقْضيَ ما عليه، أُخِذَ من خطاياهُمْ، فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النارِ"(6).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حَرمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا" (7).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "بدء الخلق" برقم (3195) وفي كتاب "المظالم" برقم (2453) ورواه مسلم في كتاب "المساقاة" برقم (1612).
(2) أخرجه أحمد في "المسند" (6/240) والحاكم في "المستدرك" (4/575ـ576)، "فيض القدير" (3/552).
(3) رواه البخاري في كتاب "الإستقراض" برقم (2400) ومسلم في كتاب "المساقاة" (1564).
(4) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (137).
(5) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1833).
(6) رواه مسلم والترمذي.
(7) رواه مسلم والترمذي وابن ماجة.(1/190)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَعثَ معاذاً إلى اليمن فقال: "اتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليسَ بينها وبينَ الله حِجابٌ"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثُ دعَوات لا شكَّ في إجابتِهِنَّ دعوَةُ المظْلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على الولدِ"(2).
وعن خزيمة بن ثابت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا دعوةَ المظلوم، فإنها تُحملُ على الغَمامِ، يقولُ الله: وعزتي وجلالي لأنْصُرنَّك ولو بعد حينٍ"(3).
وعن أبي عبدالله الأسْدي قال: سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوة المظلوم وإنْ كانَ كافِراً، ليسَ دونَها حِجَابٌ".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دع ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ"(4).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه ناراً" فقام رجل فجاء بشراك كان أخذه لم تصبه المقاسم فقال: "شراك من نار"(5).
وقال رجل: يا رسول الله: إن قتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر أتكفر عني خطاياي ؟ قال: "نعم إلا الدين" (6).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم
القيامة"(7).
وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة: "لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به".
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه أبو داود والترمذي. وقال الألباني:"حسن لغيره" الترغيب (2226).
(3) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في الترغيب (2230).
(4) رواه أحمد. وقال الألباني "حسن لغيره" الترغيب (2231).
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه مسلم في كتاب "الإمارة" (1885).
(7) رواه البخاري في كتاب "الجهاد" رقم (3118).(1/191)
وفي رواية: "لا يدخل الجنة جسد غُذي بحرام"(1).
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ الله لَيُملي للظالِم، فإذا أَخَذَهُ لم يُفْلِتْهُ"، ثم قرأ: "وكذلِكَ أخْذُ ربك إذا أَخَذَ القُرى وهي ظالِمةٌ إنَّ أَخذَهُ أليم شديد"(2).
يملي: يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة، وهو مشتق من المَلْوَة، وهي المدة والزمان. ومعنى لم يفلته: لم يطلقه. شرح النووي (16/137)
فما من يدٍ إلا يد الله فوقها
ولا ظالمٌ إلا سيبلى بأظلمِ
تنام عينك والمظلوم منتبه
يدعوا عليك وعين الله لم تنم .
تحذير الحاكم وغيره من إرضاء الناس
بما يسخط الله عز وجل
عن رجل من أهل المدينة قال: كتبَ معاويَةُ إلى عائشة: أن اكْتُبي إلي كتاباً توصيني فيه، ولا تُكثِري عَلي، فكتبتْ عائشةُ إلى معاويَةَ: سلامٌ عليك، أما بعْد، فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنِ التمس رضا الله بسخط الناسِ، كفاه الله مؤونَةَ الناسِ، ومَنِ الْتَمَسَ رضا الناسِ بسخط الله، وكَلَه إلى الناس" والسلام عليك(3).
وفي رواية لابن حبان: ولفظه: قالتْ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من التمس رضا الله بسخط الناسِ، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. ومن التَمس رضا الناسِ بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناسَ".
التحذير من البغي
قال الله تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والأثم والبغي بغير الحق } (4).
وقال الله تعالى: { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } (5).
__________
(1) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/422) وأحمد في "المسند" (3/321و399) وابن حبان (7/436ـ437) رقم (5541مع الإحسان ).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه الترمذي وابن حبان والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (2250).
(4) الأعراف (33).
(5) الشورى (42).(1/192)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد" (1).
البغي: هو الظلم وطلب الأذى وقصد الفساد والتكبر والتبختر والاستطالة على الناس.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يرضى الله له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" (2).
قال ابن مسعود: قال مالك الرهاوي: يا رسول الله: قد أُعطيت من الجمال ما ترى وما أحب أن أحداً يفوقني بشراكي أفذاك من البغي ؟ قال: "ليس ذلك من البغي ولكن البغي بطر الحق أو قال سفه الحق وغمط الناس"(3).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عذبت امرأة في هرةٍ سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لاهي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشائش الأرض"(4).
الخشائش: الحشرات.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب "صفة الجنة" برقم (2865) وأبو داود في كتاب "الأدب"برقم(4895).
(2) أخرجه وكيع في "الزهد" (243و429) وهناد في "ازهد" (1398) و (1399) وأحمد في "المسند" (5/36) والبخاري في "الأدب المفرد" (29و67) وأبو داود في "السنن" (4902) والترمذي "الجامع" (2511) وابن ماجة في "السنن" (4211) وابن حبان (456و457 مع الإحسان) والبغوي في "شرح السنة" (13/26) والحاكم في المستدرك (4/163) وأبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان (1/319)، والمروزي "زوائد الزهد" (252).
(3) أخرجه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1/93)والترمذي "أبواب البر والصلة"برقم(1999) وأحمد في "المسند" (1/385و427) والحاكم في "المستدرك" (4/182) و (1/26) والطبراني في "المعجم الصغير" (10/273).
(4) أخرجه البخاري في كتاب "أحاديث الأنبياء" برقم (3482) وفي كتاب "المساقاة" برقم (2365) ومسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2242).(1/193)
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً"(1).
الغرض: الهدف أو ما يرمي إليه.
وقال أبو مسعود: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتاً من خلفي: "أعلم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: "إن الله أقدر عليك منك عليه" ) فقلت: لا أضرب لي مملوكاً بعده.
وفي لفظ: فسقط السوط من يدي من هيبته.
وفي رواية: فقلت: يا رسول الله ! هو حر لوجه الله فقال: "أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار"(2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقهُ"(3).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا"(4).
ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله من وسمه"(5).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل نفساً معاهدة بغير حقها لم يجد رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام".
وفيه "وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً"(6).
تحذير فيمن خص عبده أو جدعه أو عذبه ظلماً
قال الله تعالى مخبراً عن إبليس: { ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } (7).
قال بعض المفسرين: هو (الخصاء) رواه عكرمة عن ابن عباس وهو مروي عن أنس بن مالك وعن مجاهد وعن قتادة وعكرمة (زاد الميسر 2/205)
__________
(1) رواه البخاري في"الذبائح والصيد" برقم (5515) ومسلم في كتاب "الصيد والذبائح" برقم (1958).
(2) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1659).
(3) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1657).
(4) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2613).
(5) رواه مسلم في كتاب "اللباس والزينة" برقم (2117).
(6) رواه البخاري في كتاب "الجزية والموادعة" برقم (3166).
(7) النساء (119).(1/194)
وعن سمرة بن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه"(1).
وعن سمرة بن جندب مرفوعاً قال: "من أخصى عبده أخصيناه".
وفي الصحيحين: "من قذف مملوكه أُقيم عليه الحد يوم القيامة".
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم".
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - : "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إخصاء الخيل والبهائم".
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
وفي حديث لمسلم في الظَّلمة: "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: (وفيه دليل على أن من لم ينكر المعاصي بقلبه ولا يود زوالها فإنه عديم الإيمان ، ومن جهاد القلب التوجه إلى الله تعالى أن يمحق الباطل وأهله أو أن يصلحهم).
__________
(1) أخرجه أبو داود في "الديات" (4515) و (4516و4518) وابن أبي عاصم "الديات": ( ص95و96و100) والنسائي في كتاب "القسامة" باب "القود من السيد للمولى" (8/20ـ21) والترمذي "أبواب الديات" رقم (1414) والدرامي في ال "الديات"(2/191) وأحمد "المسند" (5/10و11و12و18و19) والبيهقي "السنن الكبرى" (8/35) وابن ماجة في "الديات" (2/888) رقم (2663) وعلي بن الجعد "المسند" (1/513ـ514) رقم (1019) والطيالسي "المسند" رقم (905) والحاكم "المستدرك" (4/367) والبغوي "شرح السنة" (10/177) وقال: "هذا حديث حسن غريب" وقال الحاكم: "هذا حديث حسن صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في التلخيص.(1/195)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع وقيل: أفلا نقاتلهم ؟ قال "لا ما أقاموا فيكم الصلاة".
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعان على خصومةٍ بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع".
التحذير من وسم الدابة في الوجه
عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بحمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله الذي وسمه"(1).
وعند أبي داود فقال: "أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها ونهى عن ذلك"(2).
وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - "رأى امرأة معلقة في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها وهي تعذبها كما عذبتها في الدنيا بالحبس والجوع"(3).
وعن جابر: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضرب في الوجه، وعن الوسْمِ في الوجْهِ"(4).
وعنه قال: مر حمارٌ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قد كُوِيَ في وجهه، يفورٌ منخَراهٌ من دَمٍ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لَعَنَ الله مَنْ فعَل هذا".
ثم نهى عن الكي في الوجه، والضربِ في الوجْهِ(5).
التحذير من شهادة الزور
قال الله تعالى: { والذين لا يشهدون الزور } (6).
وقال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } (7).
وقال الله تعالى: { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } (8).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب "اللباس والزينة" برقم (2116).
(2) رواه أبو داود في كتاب "الجهاد" رقم (2564) "صحيح الجامع" (1326).
(3) رواه البخاري.
(4) رواه مسلم.
(5) رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه الترمذي مختصراً وصححه. وصححه الألباني في الترغيب برقم (2295).
(6) الفرقان (72).
(7) النساء (35).
(8) الحج (30).(1/196)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "يُطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب"(1).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قضيت له من مال أخيه بغير حق لا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار"(2).
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين ألا وقول الزور وكان متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"(3).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: عَدَلَتْ شهادةٌ الزور الشركَ بالله، قرأ: { واجتنبوا قول الزور } (4).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر فقال: "الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس" وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور" أو قال: "شهادة الزور"(5).
الزور: الكذب والباطل والتُهمة. النهاية (2/318)
التحذير من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر
ويخالف قوله فعله
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه".(6)
فتندلق : أي تخرج. والأقتاب : الأمعاء، واحدها قَتَب.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه البخاري في كتاب "الشهادات" برقم (2680) ومسلم في كتاب "الأقضية" برقم (1713).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً على ابن مسعود. وقال الألباني: "حسن موقوف"، الترغيب (2301).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5977) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (88).
(6) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3267) ومسلم في كتاب الزهد برقم (2989).(1/197)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رأيتُ ليلة أُسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من النار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أُمتِك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟!".(1)
وفي رواية لابن أبي الدنيا: "مررتُ ليلة أُسري بي على قوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قُرضت عادت، فقلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: خطباء من أمتك، يقولون ما لا يفعلون".(2)
وعن طريف بن مجالد الهجيمي عن جندب بن عبد الله الآزدي صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، كمثل السِّراج، يضيءُ للناس ويحرِقُ نفسهُ" الحديث.(3)
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخوف ما أخافُ عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يبصر أحدكم القَذَاةَ في عين أخيه، وينسى الجِذع أو الجِذل في عَينْه معترضاً".(5)
التحذير من هتك ستر المسلم وتتبع عورته
عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ستر عورة أخيه، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته".(6)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) صحيح الترغيب (2331)، والصحيحة برقم (33) طبعة عمان.
(6) صحيح الترغيب (2338).(1/198)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: "يا معشر من أسلَمَ بلسانه، ولم يُفضي الإيمان إلى قلبه! إلا تُؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحْله".
ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال: ما أعظمك! وأعظم حُرمتك! والمؤمن أعظم حُرمة عند الله منك. (1)
ورواه ابن حبان في صحيحه إلا أنه قال فيه: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تطلبوا عثراتهم".(2)
وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته".(3)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت تفسدهُم".(4)
وعن شريح بن عبيد بن جبير بن نُفير وكثير بن مرة وعمرو ابن الأسود والمقدام بن معد يكرب وابي أمامة رضي الله عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهُم".(5)
التحذير من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه".(6)
__________
(1) صحيح الترغيب (2339).
(2) صحيح الترغيب (2/589).
(3) صحيح الترغيب (2340).
(4) صحيح الترغيب (2342).
(5) صحيح الترغيب (2343).
(6) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5223) ومسلم في كتاب التوبة برقم (2761).(1/199)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا آخذ بحجزكم أقول: إياكم وجهنم، إياكم والحدود! إياكم وجهنم، إياكم والحدود، إياكم وجهنم، إياكم والحدود، ثلاث مرات فإذا أنا متُّ تركتكم، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح"الحديث.(1)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأعلمنَّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمالٍ أمثال جبال تهامةَ بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثورا".
قال ثوبان: يا رسول الله! صِفهُم لنا، جلِّهم لنا، لا نكون منهم ونحن لا نعلمُ. قال: "أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".(2)
(جلهم لنا): التجلية: كشف الحال، أي: اكشف حالهم لنا.
(جلدتكم): بالجيم: أي من جنسكم.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعن جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحةُ وعلى الأبواب سُتور مرخاة، وعند رأس الصراط داعٍ يقول: استقيموا على الصراط ولا تعوجُّوا، وفوق ذلك داعٍ يدعو كلما هم عبد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويلك! لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجْهُ، ثم فسَّرهُ، فأخبر أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله وأن الستور المرخاة حدود الله، والداعي على رأس الصراط هو القرآن، والداعي من فوقه هو واعظ الله في قلب كلِّ مؤمن".(3)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يأخُذ مني هذه الكلمات فيعمل بهنّ، أو يُعلِّم من يعمل بهنّ؟".
__________
(1) صحيح الترغيب (2344).
(2) صحيح الترغيب (2346).
(3) صحيح الترغيب (2348).(1/200)
فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله! فأخذ بيدي وعدَّ خمساً، قال: "اتق المحارمَ تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسنْ إلى جارِكَ تكن مؤمناً، وأحبَّ للناس ما تحبُّ لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلبَ".(1)
التحذير من شرب الخمر
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } .(2)
وقال تعالى: { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } (3) الآية.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرقُ السارقُ حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ".(4)
وزاد مسلم في رواية: "ولكن التوبة معروضةٌ بعدُ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أتاني جبريلُ فقال: يا محمد إن الله لعن الخمرَ، وعاصرها، ومعصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها".(5)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكل مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمرَ في الدنيا، فمات وهو يُدمنُها، لم يشربها في
الآخرة".(6)
__________
(1) صحيح الترغيب برقم (2349).
(2) المائدة: (90-91).
(3) البقرة: (219).
(4) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3475)، ومسلم في كتاب الحدود برقم (1688).
(5) رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2360).
(6) رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5575)، ومسلم في كتاب الأشربة برقم (2203).(1/201)
وفي رواية للبيهقي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شرب الخمرَ في الدنيا ولم يتُب، لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة".(1)
وفي رواية لمسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتُب منها، حُرمها في الآخرة".
وعن ابي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة مُدمنُ خمرٍ، ولا مؤمنُ بسحرٍ ولا قطاع رحمٍ".(2)
وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قيل: وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار. أو قال: عصارة أهل النار".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من شرب الخمر في الدنيا حرمها في الآخرة".(4)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن".(5)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "مدمن الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن شربها فاجلدوه فإن شربها الرابعة فاقتلوه".(6)
__________
(1) صحيح الترغيب (2/599).
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه مسلم في كتاب "الأشربة" (2002).
(4) أخرجه البخاري في كتاب "الأشربة" (5575)، ومسلم في كتاب "الأشربة" برقم (2003).
(5) أخرجه أحمد في "المسند" (1/272) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/129) وابن ماجة في كتاب الأشربة (2/1120) رقم )3375)، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (2364).
(6) أخرجه الترمذي في كتاب "الحدود" (1444) وابو داود في "الحدود" (4482) وابن ماجة (2572 و 2573) والبغوي في "شرح السنة" (10/335) وأبو يعلى في "المسند"(10/51-52) والحاكم في "المستدرك" (4/372) وابن حبان (6/309 و 310) رقم (4428-4429) و (4430 مع الإحسان) وعبد الرزاق في "المصنف"، كما في "نصب الراية" (3/346-347) والبزار في "كشف الأستار" (2/221) والنسائي في "السنن الكبرى" و "المجتبي" (8/314) وصححه الألباني في الترغيب (2380).(1/202)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعنت الخمر بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها".(1)
وفي رواية لابن ماجة والترمذي، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرةً: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشترية لهُ".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل مسكر خمر وكل خمر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا ومات ولم يتب منها وهو مدمن لها لم يشربها في الآخرة".(2)
قال الخطابي ثم البغوي في "شرح السنة": وفي قوله "حرمها في الآخرة" وعدٌ بأنه لا يدخل الجنة لأن شراب أهل الجنة خمر، { إلا أنهم لا يصدعون عنها ولا ينزفون } ومن دخل الجنة لا يحرم شرابها.
وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة بعضهم إلى بعض وقالوا حرمت الخمر وجعلت عدلاً للشرك وذهب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى أن الخمر أكبر الكبائر وهي بلا ريب أم الخبائث وقد لعن شاربها في غير ما حديث.
وقال عمر بن الحارث حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك الصلاة سكراً مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ومن ترك الصلاة أربع مرات سكر كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: "عصارةُ أهل جهنم".(3)
وقال عليه الصلاة والسلام عن الخمر: "أنه ليس بدواء ولكنه داء".(4)
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب (2356).
(2) رواه مسلم.
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (2/178) والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/389).
(4) رواه مسلم.(1/203)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر"(1). الحديث
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ قد حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمنُ الخمر، والعاقّ، والديّوث الذي يقر في أهله الخبث".(2)
وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة.. والديوت، والرجُلة من النساء، ومدمن الخمر".
قالوا: يا رسول الله! أمَّا مدمن الخمر قد عرفتها، فما الديوث؟ قال: "الذي لا يبالي من دخل على أهله". قلنا: فما الرَّجلة من النساء؟ قال: "التي تشبَّه بالرجال".(3)
وعن جابر - رضي الله عنه - : أن رجلاً قدم من جيشان - وجيشانُ من اليمن- فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: "المِزر"؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أو مسكر هو؟" قال: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل مسكر حرام، وإنّ عند الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخُبال". قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: "عرق اهل النار، أن عصارة أهل النار".(4)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ثلاثةٌ لا تقربهم الملائكةُ: الجُنُب، والسكرانُ، والمتضمخ بالخَلوقِ".(5)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه أحمد واللفظ له والنسائي والبزار، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وحسنه الألباني في الترغيب (2366)، و"السلسلة الصحيحة" (674).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2002)، والنسائي.
(5) سبق تخريجه.(1/204)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مطعمين، عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل وهو منبطح على بطنه".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سرَّه أن يسقيه الله الخمر في الآخرة، فليتركها في الدنيا، ومن سرّه أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا".(2)
وعن ابي مالك الأشعري - صلى الله عليه وسلم - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يشرب ناسٌ من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يُضرب على رؤوسهم بالمعازفِ والقانياتِ، يخسفُ الله بهم الأرض، ويجعل الله منهم القردة والخنازير".(3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شرب الخمر لم تقبل ه صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم تقبل له صلاة اربعين صباحاً، فإن تاب لم يتُب الله عليه وغضب الله عليه وسقاه من نهر الخبالِ".
قيل: يا أبا عبد الرحمن! وما نهر الخبال؟ قال: نهر يجري من صديد أهل النار.(4)
ورواه النسائي موقوفا عليه مختصرا، ولفظه: "من شرب الخمر فلم ينْتشِ، لم تقبل له صلاة ما دام في جوفه أو عروقه منها شيء، وإن مات مات كافراً، وإن انتشى، لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوما، وإن مات فيها، مات كافراً".(5)
(
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه ابن ماجة، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2378).
(4) رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (2383).
(5) صحيح الترغيب (2/307).(1/205)
الانشاء): أول السكر ومقدماته، وقيل هو السكر نفسه، والظاهر أن المراد به السكر هنا قال الألباني.
ورواه الحاكم مختصرا قال: "لا يشرب الخمر رجل من أمتي فتقبل له صلاة أربعين صباحاً".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك الصلاة سكراً مرةً واحدةً، فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها، ومن ترك الصلاة أربع مرات سكرا، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبّال".
قيل: وما طينة الخبال؟ قال: "عصارة أهل جهنّم".(1)
ورواه أحمد: "من ترك الصلاة سكراً مرةً واحدةً، فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها".(2)
وتقدم حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار: إذا ظهر التلاعن، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء"(3)
التحذير من الزنا وبعضه أكبر إثما من بعض
قال الله تعالى: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } .(4)
وقال تعالى: { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } .(5)
وقال تعالى: { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } .(6)
وقال تعالى: { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } .(7)
__________
(1) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وحسنه الألباني في الترغيب (2385).
(2) "السلسلة الصحيحة" (3419).
(3) سبق تخريجه.
(4) الفرقان: (68).
(5) الإسراء: (32).
(6) النور: (2).
(7) النور: (3).(1/206)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".(1)
وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تفتح أبوابُ السماء نصف الليل، فينادي منادٍ: هل من داعٍ فيُستجاب له؟ هل من سائل فيعطى؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ، إلا استجاب الله عزَّ وجل له، إلا زانيةً تسعى بفرجها أو عشّارا".(2)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرضٍ مقدسةٍ" فذكر الحديث إلى أن قال: "فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاهُ ضيق، وأسفله واسع، يتوقد تحته نارٌ، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجالٌ ونساءٌ عراة".
وفي رواية: "فانطلقنا على مثل التنور قال: فأحسبُ أنه كان يقولُ: فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، قال: فاطّلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا"... الحديث وفي آخره: "وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين هم في مثل بناء التَّنُّور، فإنهم الزُّناة والزَّواني".(3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الديات برقم (6876)، ومسلم في كتاب القسامة برقم (1676).
(2) رواه أحمد، والطبراني واللف له، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2391).
(3) سبق تخريجه.(1/207)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسئل أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" قال: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".(2)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان عليه كالظُّلة فإذا أقلع منها رجع إليه الإيمان".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم وما من رجل يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم؟".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4477)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (86).
(2) رواه البخاري في كتاب المظالم برقم (2475)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (57).
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/22) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بروايته)، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة برقم (4690) وأخرجه ابن مندة في الإيمان (5/600) رقم (519)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2394)، و "الصحيحة" (509).
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/22) وقال: "على شرط مسلم"، وقال الذهبي في "الكبائر": إسناده جيد.
(5) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1897).(1/208)
وقال عليه الصلاة والسلام: "أربعة يبغضهم الله البياع الحلاف والفقير المختال والشيخ الزاني والإمام الجائر".(1)
وحديث البراء أن خاله بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل عرَّس بامرأة أبيه أن يقتله ويخمس ماله".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملكٌ كذَّاب، وعائلٌ مستكبرٌ".(3)
(العائل): الفقير.
وفي لفظ للطبراني: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني، ولا
العجوز الزانية".(4)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ظهر الزنا في قريةٍ، فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله".(5)
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟" قالوا: حرام حرَّمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جارهِ".(6)
__________
(1) أخرجه النسائي في الزكاة (6/86) وابن حبان (7/434) رقم (5532) مع الإحسان والخطيب في تاريخ بغداد (9/358) والبيهقي في شعب الإيمان (16/86) ، وفي كنز العمال، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2397).
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام (1362) وقال: "حديث حسن غريب"، وابن ماجه في كتاب الحدود برقم (2607) وأحمد في المسند (4/295) وأبو داود في كتاب الحدود (4456)و (4457) والنسائي في النكاح (6/109-110).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (107)، والنسائي.
(4) صحيح الترغيب (2/613).
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"و "الأوسط"والبخاري في "الأدب المفرد"، "الصحيحة" (65).(1/209)
وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، فأوشك أن يعمهم الله بعذاب".(1)
وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ظهر في قوم الزنا أو الربا، إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله".(2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا شباب قريش! احفظوا فروجكم ولا تزنوا، الا من حفظ فرجه فله الجنة".(3)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييهِ وما بين رجليه، اضمن له الجنة".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنّة شائت".(5)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستا من انفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وافوا إذا وعدتم، وأدوا إذا إئتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا ابصاركم، وكفوا أيديكم".(6)
تحذير القواد المستحسن على أهله
قال الله تعالى: { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } .(7)
__________
(1) رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (2400).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم "صحيح على شرط مسلم" و "السلسلة الصحيحة" (2696).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6474).
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (2416).
(7) النور: (3).(1/210)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق والديه والديوث ورجلة النساء".(1)
التحذير من ب وإيتان البهيمة والمرأة في دبرها
سواء كانت زوجته أو غيرها
قال الله تعالى: { أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } .(2)
واللواط أفحش وأقبح من الزنا.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوطٍ، فاقتلوا الفاعل والمفعول له".(3)
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب "الزكاة" (5/80-81) والحاكم في "المستدرك" (4/146-147) وأحمد في "المسند" (2/69 و 28) وأبو يعلى في "المسند" (9/408-409) رقم (5559) والبيهقي في "شعب الإيمان" (16/32) كما في "كنز العمال" و "السنن الكبرى" (10/226). وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/147-148): "رواه البزار والنسائي بإسنادين جيدين" والضياء في "المختارة" (1/75) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه والقلب إلى رواية أيوب بن سليمان أميل حيث لم يذكر في إسناده عمر". وقال الذهبي في "التلخيص": "صحيح الإسناد وبعضهم يقول: عن أبيه عن عمر"، وصححه ابن حبان برقم (2032 - موارد).
(2) الشعراء: (165-166).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب "الحدود" برقم (4462) والترمذي في "أبوبا الحدود" برقم (1456)، و "العلل الكبير" (251)، وابن ماجة في كتاب "الحدود" رقم (4462) والدارقطني في "السنن" (3/124) وأحمد في "المسند" (820) وابن الجارود في "المنتقى" (820) والحاكم في "المستدرك" (4/355) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/232) ، "إرواء الغليل" (8/16-18)، و"صحيح الترغيب" (2422).(1/211)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من عمل عمل قوم لوط -قالها ثلاثاً- في عمل قوم لوطٍ".(1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكراً أو امرأة في دبرها".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى النساء في أعجازهن فقد كفر".
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدَّقه، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".
وفي رواية: "فقد برئ مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".(3)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله الذين يأتون النساء في محاشِّهنّ".(4)
المحاش: بفتح الميم وبالحاء المهملة وبعد الألف شين معجمة مشددة، جمع (مَحِشة) بفتح الميم وكسرها: وهي الدبر.
وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن محاشّ النساء. (5)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "استحيوا، فإن الله لا يستحي من الحق، ولا تأتوا النساء في أدبارهنّ".(6)
وعن خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله لا يستحي من الحق -ثلاث مرات-: لا تأتون النساء في أدبارهنّ".(7)
__________
(1) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" كتاب "الرجم" (5/159)والترمذي في"جامعه"(4/58)، صحيح الترغيب (5421)، والسلسلة الصحيحة (3462).
(2) رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في "صحيحه"وصححه الألباني في الترغيب برقم(2424).
(3) صحيح الترغيب (2/626).
(4) صحيح الترغيب برقم (2429).
(5) صحيح الترغيب (2428).
(6) رواه أبو يعلى، صحيح الترغيب (2426).
(7) رواه ابن ماجة واللفظ له، والنسائي، صحيح الترغيب (2427).(1/212)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخوف ما أخاف على
أمتي عمل قوم لوط".(1)
وعن بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما نقض قوم العهد، إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشةُ في قوم، إلا سلّط الله عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة، إلا حبس عنهم القطرُ".(2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هي اللوطية الصغرى: يعني الرجل يأتي امرأته في دبرها".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "... ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من أتى شيئا من البهائم، ملعون من عق والديه، ...، ملعون من غير حدود الأرض، ملعون من أدعى إلى غير مواليه".(4)
وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى بهيمة فاقتلوه، واقتلوها معه".
وفي رواية عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به، والذي
يأتي البهيمة".(5)
__________
(1) رواه الترمذي، وابن ماجة وقال: "حديث حسن غريب، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2417).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه أحمد (2/210،182) ، والبزار، وحسنه الألباني في غاية المرام برقم (234) ص149 ، و صحيح الترغيب (2425).
(4) رواه الطبراني في "الأوس"، ورواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب (2420).
(5) صحيح الترغيب (2/623).(1/213)
قال البغوي: "اختلف أهل العلم في حد اللوطي، فذهب قوم إلى أن حد الفاعل حد الزنا، إن كان محصناً يرجم، وإن لم يكن محصنا يجلد مئة، وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح و الحسن وقتادة والنخعي، وبه قال الثوري والأوزاعي، وهو أظهر قولي الشافعي، ويحكى أيضا عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مئة، وتغريب عام، رجلاً كان أو امرأة، محصناً كان أو غير محصن، وذهب قوم إلى أن اللوطي يرجم محصنا كان أو غير محصن". رواه سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس.
وروي ذلك عن الشعبي، وبه قال الزهري، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق. (1)
قال الحافظ: "حرّق اللوطية بالنار أربعة من الخلفا: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها".(2)
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ملعون من أتى امرأة في دبرها".(3)
التحذير من القول على الله بغير علم
قال الله تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } .(4)
وقال تعالى: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاعٌ قليل ولهم عذاب أليم } .(5)
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } .(6)
__________
(1) صحيح الترغيب (2/623).
(2) رواه ابن ماجة والبيهقي، صحيح الترغيب (2432).
(3) رواه أحمد وأبو داود، صحيح الترغيب (2423).
(4) الأعراف: (33).
(5) النحل: (116 و 117).
(6) المائدة: (87).(1/214)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه".(1)
قال الشوكاني، رحمه الله تعالى: ومعناه: أي لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قولٍ تنطق به ألسنتكم من غير حجة. (2)أ.هـ.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".(3)
وروي عن الإمام مالك رحمه الله أنه سئل عن مائة مسألة فأجاب عن اربع منها، وقال في الباقيات: الله أعلم، فعوتب في ذلك، فقال: من قال الله أعلم فقد أفتى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعليقاً على كلمة: (حرام عليك) أو (حرام عليك أن تفعل كذا) قال: لا يجوز أن يوصف شيء بالتحريم إلا أن يكون شيئاً حرمه الله أو رسوله، وذلك أن وصف شيء غير محرم بالحرمة -ولو مع سلامة النية- فيه تعدي على جناب الربوبية، وفيه إيهام بأن ذلك الشيء محرم وهو ليس كذلك، والأسلم للمرء في دينه أن يبتعد عن هذا اللفظ. (4) أ.هـ.
التحذير من الإعراض عن الله تعالى بالغفلة
قال الله تعالى: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون } .(5)
وقال تعالى: { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } .(6)
وقال تعالى: { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمر فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } .(7)
__________
(1) أخرجه أبو داود.
(2) فتح القدير (3/227).
(3) رواه البخاري عن ابن عمر - صلى الله عليه وسلم - .
(4) انظر فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، إعداد: أشرف عبد المقصود. دار عالم الكتب، الطبعة الثانية (1/200-201).
(5) الزخرف: (36، 37).
(6) الحشر: (19).
(7) الحديد: (16).(1/215)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت".(1)
التحذير عن أن يلتقي المسلمان بسيفيهما
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه".(2)
قال القاضي عياض: إنما هم من أهل النار لأنهم ما قصدوا بتلك المقاتلة والخروج إليه إعلاء دين، أو دفع ظالم، أو إعانة محق، وإنما كان قصدهم التباغي والتشاجر طعما في المال أو الملك.
وفي رواية: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار".
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المؤمن فسوق وقتاله كفرٌ".(3)
التحذير من قتل النفس
قال الله تعالى: { ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً } .(4)
وقال الله تعالى: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهنا إلا من تاب وآمن } .(5)
وقال تعالى: { من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل
الناس جميعاَ } .(6)
وقال تعالى: { وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت } .(7)
وتقدم حديث: "اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها قتل النفس التي حرم الله. (8)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) النساء: (93).
(5) الفران: (68-70).
(6) المائدة: (32-10).
(7) التكوير: (8-9).
(8) سبق تخريجه.(1/216)
وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: ثم أي: قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قيل: ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل أخيه".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال المرء في فسحةٍ من دينه ما لم يتند بدم حرام".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".(4)
وقال بشير بن مهاجر عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا".(5)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً".(6)
قال ابن عمر: من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم والحرام بغير حِلِّه.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "التفسير" برقم (4477)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (86).
(2) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (31) ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة برقم (2888).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (4/148) وابن ماجة في كتاب "الديات" (2/873) رقم (2618)، والحاكم في المستدرك (4/351) من حيدث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - وصححه الحاكم .
(4) رواه البخاري في كتاب "العلم" (1/217) رقم (121) ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" رقم (65).
(5) أخرجه النسائي في كتاب "تحريم الدم" (7/83 و 84) والبيهقي وابن ماجة والضياء المقدسي في المختارة كما في "المقاصد الحسنة" (ص 340) من حديث بريدة.
(6) رواه البخاري في كتاب "الديات" (6862) وهذا لفظه.(1/217)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء".(1)
وفي رواية للنسائي: "أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، وأنّ أول ما يقضى بين الناس في الدماء".
قال ابن حجر: والمعنى: اول القضايا في الدماء ويحتمل أن يكون التقدير: أول ما يقضى فيه الأمر الكائن في الدماء. فتح الباري (11/396)
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكبر الكبائر: الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين واليمين الغموس".(2)
وعن عقبة بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله أبى عليَّ من قتل مؤمناً"(3). قالها ثلاثاً
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل".(4)
وعن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة اربعين عاماً".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الديات" برقم (6864) ورواه مسلم في كتاب "القسامة" برقم (1678).
(2) رواه البخاري في كتاب "الإيمان والنذور" رقم (6675).
(3) أخرجه ابن أبي عاصم في "الديات" (ص 42) والنسائي في "الكبرى" في كتاب "الدين" (7/343) كما في تحفة الأشراف وأحمد في "المسند" (4/110) و (5/288-289) من طريق بشر بن عاصم وأخرجه ابن سعد في الطبقات (7/48-49) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/22) و(9-116) والحاكم في "المستدرك" (1/18-19) وقال على شرط مسلم.
(4) رواه البخاري في كتاب "أحاديث الأنبياء" (3335) ورواه مسلم في كتاب "القسامة" برقم (1677).
(5) رواه البخاري في كتاب "الجزية والموادعة" (3166).(1/218)
وعن ابي هريرة - صلى الله عليه وسلم - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا من قتل نفسا معاهدةً لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفاً".(1)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق".(2)
وزاد الأصبهاني في رواية: "ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن، لأدخلهمُ الله النار".
وفي رواية للبيهقي: "لزوال الدنيا جميعاً، أهون على الله من دمٍ يسفك بغير حقِّ".(3)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلمٍ".(4)
وعنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك، وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمةً منك، ماله ودمه وأن تظن به إلا خيراً".(5)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمداً".(6)
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب "الديات" (3/14) وابن ماجة في كتاب "الديات" (2687) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
(2) رواه ابن ماجة، والبيهقي والأصبهاني، "صحيح الترغيب" (2438).
(3) قال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (2/629).
(4) رواه النسائي والترمذي مرفوعاً وموقوفاً، ورجح الوقوف: "صحيح الترغيب" (2439).
(5) رواه ابن ماجة، "السلسلة الصحيحة" (3420).
(6) رواه النسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب (2445).(1/219)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت مشركا، أو يقتل مؤمناً متعمداً".(1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سأله سائلٌ فقال: يا أبا العباس! هل للقاتل من توبة؟ فقال ابن عباس كالمعجب من شأنه: ماذا تقول؟! فأعاد عليه مسألته، فقال: ماذا تقول؟! مرتين أو ثلاثا، ثم قال ابن عباس: أنَّى له التوبة! سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبِّباً قاتله بيده الأخرى تشحب أوداجه دماً، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني، فيقول الله للقاتل: تعست ويذهب به إلى النار".(2)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجيء المقتول آخذاً قاتله وأوداجه تشحب دماً عند ذي العزة، فيقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ فيقول: فيم قتلته؟ قال: قتلته لتكون العزة لفلان. قيل: هي له".(3)
وعن ابن سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج عنق من النار يتكلم فيقول: وكلت اليوم بثلاثةً: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله آلها آخر، ومن قتل نفسا بغير حق، فينطوي عليهم، فيقذفهم في غمرات جهنم".(4)
تحذير الذي يقتل نفسه
__________
(1) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني، الترغيب (2446).
(2) رواه الترمذي وحسنه، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" و "السلسلة الصحيحة" (2697).
(3) رواه الطبراني في "الأوسط" والنسائي، "السلسلة الصحيحة" (2698)، صحيح الترغيب(2448).
(4) رواه أحمد، والطبراني بإسنادين، وحسنه الألباني في "الترغيب" (2451).(1/220)
قال الله تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ومن يفعل ذلك عدواناً وظلما فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً } .(1)
وقال تعالى: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } .(2)
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كان ممن كان قبلكم رجل به جرح فَجَزِعَ فأخذ سكيناً فحزَّ بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".(4)
والرجل الذي آلمته الجراح فاستعجل الموت فقتل نفسه بذباب سيفه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هو من أهل النار".(5)
وعن ثابت الضحاك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن المؤمن كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة".(6)
__________
(1) النساء: (29-31).
(2) الفرقان: (68).
(3) رواه البخاري في كتاب "الأنبياء" برقم (3463)، ومسلم في كتاب "الإيمان" (113).
(4) رواه البخاري في "الطب" برقم (5778)ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (109).
(5) رواه البخاري في كتاب "الجهاد" برقم (3062) ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (112).
(6) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (6652)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (110).(1/221)
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تردى من جبل، فقتل نفسه، فهو في نار جهنم، يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً، فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً".(1)
تردى: أي رمى بنفسه من الجبل وغيره فهلك.
يتوجأ، مهموز: أي يضرب بها نفسه.
وفي رواية لأبي داود ولفظه: "ومن حسا سماً فسمه في يده يتحسا، في نار جهنم".
وعن ابي قلابة، أن ثابت بن الضحاك أخره: أنه بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الاسلام كاذباً متعمداً، فهو كما قال: ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة، ومن رمى مؤمناً بكفرٍ فهو كقاتله، ومن ذبح نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة".(2)
وفي رواية للترمذي ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على المرءِ ندرٌ فيما لا يملك، ولا عن المؤمن كقتلِهِ، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله، ون قتل نفسه بشيء، عذبه الله بما قتل به نفسه يوم القيامة".
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن رجلاً كان ممن كان قبلكم، خرجت بوجهه قرحة، فلما آذته انتزع سهماً من كنانته، فنكأها، فلم يرقأ الدم حتى مات، قال ربكم: قد حرمتُ عليه الجنة".(3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الطب برقم (5778)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (109).
(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1363) وفي كتاب الأدب برقم (6047) وفي كتاب الإيمان برقم (6652)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (110).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (113).(1/222)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا أتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أما إنه من أهل النار؟!" فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبداً، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جُرحاً شديداً، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض، وذُبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أشهد أنك رسول الله قال: "وما ذاك؟" قال: الرجل الذي ذكرت آنفا إنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديداً، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة".(1)
الشاذة والفاذة: هي التي انفردت عن الجماعة، وأصل ذلك في المنفردة عن الغنم، فنقل إلى كل من فارق جماعة وانفرد عنها.
التحذير من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب
عن أنس - رضي الله عنه - قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات. (2)
الموبقات: المهلكات.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2898) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (112).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6492).(1/223)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يُهلكنه".
وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهن مثلا: "كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيءُ بالعود، والرجل يجيءُ بالعود، حتى جمعوا سواداً، وأججوا ناراً، وانضجوا ما قذفوا فيها".(1)
صنيع القوم : أي طعامهم.
وسواداً : أي شخصاً يبين من بعد.
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب، كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ، حتى جملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب، متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا عائشة! إياك ومحقِّرات الذنوب، فإنّ لها من الله طالباً".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو أن يُؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئاً"، قال وأشار بالسبابة والتي تليها.
وفي رواية: "لو يُؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان -يعني الإبهام والتي تليها- لعذبنا، ثم لم يظلمنا شيئاً".(4)
وعن أبي الأحوص قال: قرأ ابن مسعود: "ولو يؤاخذُ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم" الآية، فقال: كاد الجُعل يعذَّب في جحره بذنب ابن آدم".(5)
الجُعل: بضم الجيم وفتح العين: دُويبة تكاد تشبه الخنفساء تدحرج الروث.
التحذير من عقوق الوالدين
__________
(1) صحيح الترغيب (2470).
(2) صحيح الترغيب (2471).
(3) صحيح الترغيب (2472).
(4) صحيح الترغيب (2475).
(5) صحيح الترغيب (2477).(1/224)
قال الله تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .(1)
وقال تعالى: { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } .(2)
وقال تعالى: { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } .(3)
العقوق مأخوذ من العق وهو القطع، ومنه سميت العقيقة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع لأنها تعق: يعني تقطع رقبتها عند الذبح.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس".(4)
واليمين الغموس التي يحلفها كاذباً عامداً سميت غموساً لأنها تغمس الحالف في الإثم.
وعنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من الكبائر شتم الرجل والديه!" قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: "نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".(5)
وفي رواية: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه!" قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".(6)
__________
(1) محمد: (22-23).
(2) الرعد: (25).
(3) الإسراء: (23-24).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان والنذور برقم (6675).
(5) أخرجه البخاري، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (90) وهذا لفظه.
(6) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5973).(1/225)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد".(1)
وعن أبي محمد جبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة قاطع". قال سفيان في روايته: يعني قاطع رحم. (2)
وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال".(3)
(منعاً) معناه: منع ما وجب عليه
و (وهات): طلب ما ليس له.
و (وأد البنات) معناه: دفنهن في الحياة، و (قيل وقال): معناه: الحديث بكل ما يسمعه فيقول: قيل كذا وقال فلان كذا مما لا يعلم صحته ولا يظنها وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع.
و (إضاعة المال) تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا وترك حفظه مع إمكان الحفظ.
و (كثرة السؤال): الإلحاح فيما لا حاجة إليه.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟..." فذكر منها عقوق الوالدين. (4)وقد تقدم
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (1900) والعلل الكبير (340) وابن حبان (429 الإحسان) والبخاري في الأدب المفرد برقم (2) والبغوي في شرح السنة برقم (3424) ومعالم التنزيل (3/490) والخطيب في جامع أخلاق الراوي (2/230) وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/215)، السلسلة الصحيحة (516).
(2) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5984)، ومسلم في البر والصلة برقم (2556).
(3) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5975) وفي كتاب الاستقراض برقم (2408).
(4) سبق تخريجه.(1/226)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فاحفظ وإن شئت فضيع".(1)
وجاء رجل يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد معه فقال له: "أحي والداك؟" قال: نعم قال: "ففيهما فجاهد".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة".(3)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أهله".(4)
وعن ابي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يقبل الله عز وجل منهم صرفاً، ولا عدلاً: عاق، ومنان، ومكذب بقدر".(5)
وعن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من غير تخوم الأرض، ولعن الله من سبَّ والديه".(6)الحديث
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (1901) وأحمد في المسند (5/196) و (6/445 و 451) وابن ماجة برقم (2089) و (3663) والبغوي في معالم التنزيل (3/490) والحميد المسند رقم (395) والطيالسي في المسند (2/34) وابن حبان رقم (425 الإحسان) والطحاوي في مشكل الآثار (2/158) والحاكم في المستدرك (4/152) وصححه وأقره الذهبي.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (6/140) رقم (3004) وفي الأدب برقم (59)، وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2549).
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" وحسنه الألباني في الترغيب (2513) و "السنة" برقم (323).
(6) سبق تخريجه.(1/227)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من عمل عمل قوم لوط، معلون من عمل عمل قوم لوط، معلون من ذبح لغير الله، معلون من عق والديه".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا مكذب بالقدر".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها إسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته".(4)
وعن عمرو بن مرة الجهني - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله! أرأيت إن صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وأديت الزكاة وحججت البيت فماذا لي، قال: "من فعل ذلك كان مع النبيين والصديقيين والشهداء إلا أن يعق والديه".(5)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أحمد في المسند (6/441) والبغوي في معالم التنزيل (3/490) والبزار (3/36) رقم (2182 كشف الأستار) والطبراني وزاد (ولا منان) كما في مجمع الزوائد (7/203).
(4) رواه أبو داود والترمذي.
(5) رواه ابن حبان (5/184) رقم (3429 مع الإحسان) والخطيب في جامع أخلاق الراوي (2/207) وأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/333).(1/228)
وعن ابي بكر: "كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".(2)
قال النووي رحمه الله تعالى: من استحل قطيعة الرحم بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهو كافر مخلد في النار، ومن لم يستحل قطيعتها فإنه لا يدخل الجنة في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريد الله سبحانه وتعالى.
التحذير من قطع الرحم
قال الله تعالى: { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } .(3)
وقال تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .(4)
وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل الجنة قاطع". قال سفيان: يعني قاطع رحم. (5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه".(6)
__________
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (67) وأخرجه وكيع في الزهد رقم (243) و (429). وهناد في الزهد رقم (1398) وأحمد في المسند (5/36) وابن المبارك في الزهد (252) والطيالسي (2/58 مع منحة المعبود) وأبو داود رقم (4902) والترمذي (2513) وابن ماجة (4211)، وابن حبان رقم (455) و (456) مع الإحسان والحاكم في المستدرك (2/356) و (4/162 - 163) والبغوي في شرح السنة (13/26) وقال الترمذي: "حسن صحيح" وقال الحاكم: "صحيح الاسناد".
(2) رواه البخاري.
(3) النساء: (1).
(4) محمد: (22-23).
(5) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (5984)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2556).
(6) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6138) ورواه مسلم في كتاب الإيمان (74).(1/229)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائد بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى. قال: فذاك لكِ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقرأوا إن شئتم: "فهل عسيتم أن توليتم إن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسا له في اثره فليصل رحمه".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله".(3)
وفي لفظ: "قال الله عز وجل: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته".(4)
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن عز وجل، فمن قطعها حرم الله عليه الجنة".(5)
قوله: (شجنة) يعني قرابة مشتبكة كأشباك العروق. قاله أبو عبيد.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "التوحيد" برقم (7502) وفي كتاب "التفسير" برقم (8/575 - 580 فتح)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2554).
(2) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (5986) وفي كتاب "البيوع" برقم (4/306)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2556).
(3) رواه البخاري في كتاب"الأدب"برقم(5988)ورواه مسلم في كتاب"البر والصلة"برقم(2555)
(4) رواه أبو داود في كتاب "الزكاة" برقم (1694) ورواه الترمذي في "أبواب البر والصلة" برقم (1908)، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2528).
(5) رواه أحمد والبزار، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2532).(1/230)
وقال تعالى: { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } .(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول الله تعالى: "أنا الرحمن وهي الرحم من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بلو أرحامكم ولو بالسلام".(3)
وعن ابي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يُقبل عمل قاطع رحم".(5)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر".(6)
التحذير من أذية الجار
قال الله تعالى: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت إيمانكم } .(7)
__________
(1) الرعد: (25).
(2) رواه هناد في "الزهد" (2/487) رقم (999) والحاكم في "المستدرك" (4/157) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال الحاكم: "قد روي بأسانيد واضحة عن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وعائشة وعبد الله بن عمرو".
(3) أخرجه وكيع في "الزهد" (1011) وابن حبان في "الثقات" (4/324)، "السلسلة الصحيحة" (1777).
(4) رواه ابن ماجة، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2537).
(5) رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن" الترغيب (2538).
(6) سبق تخريجه.
(7) النساء: (36).(1/231)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "والله لا يؤمن من لا يأمن جاره
بوائقه".(1)
وفي رواية: "لا يدخل الجنة من لايؤمن جاره بوائقه".(2)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت".(3)
وفي رواية لمسلم: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره".
وعن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟"
قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره". قال: "ما تقولون في السرقة؟"
قالوا: حرمها الله ورسوله، فهي حرام. قال: "لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره".(4)
وعن ابي شريح الكعبي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - رضي الله عنه - : "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن".
قيل: يا رسول الله! لقد خاب وخسر، من هذا؟ قال: "من لا يؤمن جاره بوائقه"
قالوا: وما بوائقه؟ قال: "شره".(5)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه".
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (46).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6018)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (47).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6016)، ولكن لفظه "خاب وخسر" ليست عنده وإنما هي عند أحمد (4/31 و 6) 85.(1/232)
وفي رواية عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبدٌ لا يأمن جاره بوائقه".(1)
وعن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكو جاره قال: "اطرح متاعك على الطريق".
فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! لقيت من الناس، قال: "وما لقيت منهم؟"
قال: "يلعنونني" قال: "قد لعنك الله قبل الناس".
فقال: إني لا أعود، فجاء الذي شكاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ارفع متاعك فقد كُفيت.
وفي رواية أنه قال: "ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق" فوضعه، فكان كل من مر به قال: ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. قال: فيدعو عليه، فجاء جاره فقال: رد متاعك، فإني لا أوذيك أبدا".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لجاره أو قال -لأخيه- ما يحب لنفسه".(3)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما هو بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه".(4)
(البوائق): جمع (بائقة) وهي: الشر وغائلته.
وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".(5)
__________
(1) رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2555).
(2) رواه الطبراني والبزار، والبخاري في الأدب المفرد (125) والحاكم (4/166)، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2558).
(3) رواه مسلم في كتاب الايمان برقم (45).
(4) رواه أبو يعلى من رواية إسحاق وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2552).
(5) رواه البخاري ومسلم.(1/233)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه".(1)
وفي رواية عن أنس: "ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله! إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: "هي في النار".
قال: يا رسول الله! فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: "هي في الجنة".(2)
(الأثوار) بالمثلثة: جمع (ثور) وهي القطعة من الأقط.
و (الأقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما: هي شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي، وهو لبن جامد مستحجر، كما في النهاية.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره".(3)
وعن مطرف يعني ابن عبد الله قال: كان يبلغني عن أبي ذر حديث، وكنت اشتهي لقاءه، فلقيته، فقلت: يا أبا ذر! كان يبلغني عنك حديث، وكنت أشتهي لقاءك، قال: لله أبوك، لقد لقيتني فهات. قلت: حديث بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثك فقال: "إن الله عز وجل يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة".
قال: فما أخالني أكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) رواه الطبراني و أبو يعلى، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (149) و الترغيب (2562).
(2) رواه البخاري في الأدب المفرد برقم (119)، وأحمد والبزار، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (190).
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما" والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني، الترغيب (2568).(1/234)
قال: فقلت: فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال: "رجل غزا في سبيل الله صابراً محتسباً فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدونه عندكم مكتوباً في كتاب الله عز وجل ثم تلا: { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } .
قلت: ومن؟
قال: "رجل كان له جار سوء يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يكفيه الله إياه بحياة أو موت" فذكر الحديث. (1)
التحذير من البخل والإدخار شحاً
قال الله تعالى: { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتولَّ فإن الله هو الغني الحميد } .(2)
وقال تعالى: { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } .(3)
وقال تعالى: { ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء } .(4)
وقال تعالى: { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى } .(5)
وقال تعالى: { ما أغنى عني مالية } .(6)
وقال تعالى: { ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون } .(7)
وقال تعالى: { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .(8)
البخل: هو منع ما يجب وما ينبغي بذله.
والشح: هو الطمع فيما ليس عنده وهو أشد من البخل لأن الشحيح يطمع فيما عند الناس ويمنع ما عنده والبخيل يمنع ما عنده مما أوجب عليه من زكاة ونفقات ومما ينبغي بذله فيما تقتضيه المروءة.
__________
(1) رواه أحمد، والطبراني واللفظ له، ورواه الحاكم وغيره بنحوه، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب (2569).
(2) الحديد : (24).
(3) آل عمران: (18).
(4) محمد: (38).
(5) الليل: (8-11).
(6) الحاقة: (28).
(7) الأعراف: (48).
(8) الحشر: (9).(1/235)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".(2)
وعن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه، فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه، إلا أخرج الله له من جهنم حيةً يقال لها: (شجاع) يتلمظ، فيطوّق به".(3)
(التلمظ): تطعّم ما يبقى في الفم من آثار الطعام.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما رجل أتاه ابن عمه يسأله من فضله، فمنعه، منعه الله فضله يوم القيامة، ومن منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ، منعه الله فضله يوم القيامة".(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وأي داء أدوى من البخل".(5)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث مهلكات شح مطاع وهو
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب "الزكاة" برقم (996) وأحمد في "المسند" (2/160 و 193 - 195)، والحاكم في "المستدرك" (1/415) و (4/500) والبيهقي في "السنن الكرى" (7/467).
(2) أخرجه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2578).
(3) رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (896).
(4) أخرجه أحمد، والطبراني في "الصغير" و "الأوسط" وقال الألباني: "حسن لغيره" "الترغيب" (897)، "الروض النضير" (581).
(5) رواه البخاري في كتاب "فرض الخمس" برقم (3137) وفي كتاب "المغازي" برقم (4383).(1/236)
متبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "شر ما في الرجل، شحٌ هالع، وجبن خالع".(2)
(شح هالع): أي محزن، والهلع أشد من الفزع.
(جبن خالع): هو شدة الخوف وعدم الاحترام، ومعناه: أنه يخلع قلبه من شدة تمكنه منه. قاله المنذري.
وعنه قال: قال رسول الله - رضي الله عنه - : "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبدٍ أبداً، ولا يجتمع شحٌ وإيمان في قلب عبدٍ أبداً".(3)
وروي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخُلُق".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المؤمن غِرٌ كريم، والفاجر خبٌ لئيم".(5)
(غر كريم): أي ليس بذي مكرٍ ولا فطنة للشر، فهو ينخدع لانقياده ولينه.
و (الخبّ): بفتح الخاء المعجمة وقد تكسر: هو الخدّاع الساعي بين الناس بالشر والفساد.
التحذير من عود الإنسان في هبته
عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لرجل أن يعطي لرجل عطية، أو يهب هبة ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يرجع في عطيته أو هبته، كالكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه".(6)
__________
(1) أخرجه البزار (80-83 مع كشف الأستار) والطبراني في "الأوسط" (1/91) كما في "مجمع الزوائد" "الترغيب والترهيب" (1/286) والديلمي "الفردوس" (2475) والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/447)، صحيح الترغيب (2607).
(2) صحيح الترغيب (2605).
(3) سبق تخريجه.
(4) صحيح الترغيب (2608).
(5) صحيح الترغيب (2609).
(6) رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وصححه الألباني "الإرواء" (1622).(1/237)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذي يرجع في هبته، كالكلب يرجع في قيئه".
وفي رواية: "مثل الذي يعود في هبته، كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله".(1)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، فظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تَشْتَرِه، ولا تعد في صدقتك، وإن اعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته، كالعائد في قيئه".(2)
حملت على فرس في سبيل الله: أي أعطيت فرساً لبعض الغزاة ليجاهد عليه.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يسترد ما وهب كمثل الكلب، يقيء فيأكل قيئه فإذا استرد الواهب فليوقف، فليعرف بما أستردّ، ثم ليدفع إليه ما وهب".(3)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تُعرض الأعمال في كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1490) وفي كتاب الهبة برقم (2623)، والسياق له، مسلم في كتاب الهبات برقم (1620).
(2) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1490) وفي كتاب الهبة برقم (2623) والسياق له، ومسلم في كتاب الهبات برقم (1620).
(3) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2613).
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2562)، ومالك وأبو داود والترمذي.(1/238)
وفي رواية لمسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تفتح ابواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبدٍ لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا".
قال أبو داود: "إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - هجر بعض نسائه اربعين يوماً، وابن عمر هجر إبنا له إلى أن مات". انتهى
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: لا يتهاجر الرجلان قد دخلا في الإسلام، إلا خرج أحدهما منه حتى يرجع إلى ما خرج منه، ورجوعه أن يأتيه فيسلم عليه. (1)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم".(2)
(التحريش): هو الإغراء وتغيير القلوب والتقاطع.
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".(3)
وفي رواية عن مكحول عن كثير بن مرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "في ليلة النصف من شعبان يغفر الله عز وجل لأهل الأرض، إلا مشرك أو مشاحن".(4)
__________
(1) رواه الطبراني موقوفا، وقال الألباني: "صحيح لغيره موقوف" الترغيب برقم (2764).
(2) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2812).
(3) رواه الطبراني في "الأوسط" وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (2767).
(4) رواه البيهقي وقال: "هذر مرسل جيد" وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2770).(1/239)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل الهجر فوق ثلاثة أيام، فإن التقيا فسلم أحدهما فرد الآخر اشتركا في الأجر وإن لم يرد برئ هذا من الإثم، وباء الآخر -وأحسبه قال:- وإن ماتا وهما متهاجران لا يجتمعان في الجنة".(1)
وعن ابي حراش حدرد بن أبي حدرد الأسلمي - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من هجر أخاه سنةً، فهو كسفك دمه".(2)
التحذير من الفحش وبذاء اللسان
قال الله تعالى: { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } .(3)
وقال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً } .(4)
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" فقال له معاذ بن جبل: يا رسول الله وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم –وفي رواية على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم".(5)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".(6)
وقال عقبة بن عامر - رضي الله عنه - : قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك".(7)
__________
(1) رواه الطبراني في "الأوسط"، والحاكم واللفظ له وقال: "صحيح الإسناد" وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2760).
(2) رواه أبو داود والبيهقي، وصححه الألباهي في الترغيب (2762).
(3) ق: (18).
(4) الأحزاب: (70).
(5) رواه البخاري ومسلم.
(6) رواه البخاري ومسلم.
(7) رواه الترمذي واحمد.(1/240)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شئ إلا زانه".(1)
وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اطلع على ابي بكر - رضي الله عنه - وهو يمد لسانه فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله فقال: "إن هذا أوردني الموارد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته".(2)
وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "كف عليك هذا". (3)
وسئل النبي - رضي الله عنه - عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: "الفم والفرج".(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".(5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أكثر خطايا ابن آدم في لسانه".(6)
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: "زنا اللسان النطق".(7)
يعني الكلام الباطل بالفحش والرفث من القول.
ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن تصف المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها".(8)
__________
(1) رواه الترمذي، وابن ماجة، وغيرهما، "صحيح سنن الترمذي"، وصححه الألباني في الترغيب(2635).
(2) رواه أحمد ومالك وأبو يعلى وقال: "رجاله رجال الصحيح"، رقم (1607).
(3) رواه مسلم ، ورواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
(4) رواه الترمذي وقال: "صحيح غريب" وصححه الحاكم.
(5) متفق عليه.
(6) السلسلة الصحيحة (534).
(7) متفق عليه.
(8) رواه البخاري برقم (4942) ، باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها .(1/241)
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - عن شرار الخلق فقال عليه الصلاة والسلام: "شرار أمتي: الثرثارون المتشدقون المتفيقهون".(1)
الثرثارون: هم المتوسعون في الكلام من غير احتراز ولا احتياط.
والمتشدق: قيل هو المستهزئ بالناس في كلامه.
وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: والله الذي لا إله إلا هو، ويقول: ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان!!
وقال الأصمعي: الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها كان أسيراً في وثاقها.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا بالفاحش ولا بالبذيء".(2)
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش".(3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن شر الناس عند الله بمنزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شرّه".(4)
التحذير من الغضب
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني. قال: "لا تغضب" فردد مراراً، قال: "لا تغضب".(5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".(6)
الصرعة: هو الذي يصرع الناس كثيراً بقوته.
__________
(1) رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني.
(2) أخرجه أحمد، وابن أبي شيبة في كتاب"الإيمان"والبخاري في "الأدب المفرد"،السلسلة الصحيحة(320).
(3) أخرجه أحمد، السلسلة الصحيحة، رقم (876).
(4) رواه البخاري (3132) فتح، ومسلم في كتاب "البر والصلة".
(5) رواه البخاري في الأدب برقم (6116).
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6114) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2609).(1/242)
وعن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: استب رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه، وتنتفخ أوداجه: فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فقام إلى الرجل رجل سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل تدري ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: لا. قال: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". فقال له الرجل: أمجنون تراني؟(1)
وعن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رجل: يا رسول الله! أوصني. قال: "لا تغضب". قال: ففكرت حين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قاله، فإذا الغضب يجمع الشرَّ كلَّه. (2)
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما: أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يباعدني من غضب الله عز وجل؟ قال: "لا تغضب". وفي رواية ابن حبان قال: "ما يمنعني".(3)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دلني على عمل يدخلني الجنة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تغضب، ولك الجنَّة".(4)
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من جُرعة أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله".(5)
التحذير من ابتداء أهل الكتاب بالسلام
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3282) وفي كتاب الأدب برقم (6048) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2610).
(2) صحيح الترغيب (2746)
(3) صحيح الترغيب (2747).
(4) صحيح الترغيب (2749).
(5) صحيح الترغيب (2752).(1/243)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه".(1)
فيه النهي عن ابتداء أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالسلام، وظاهر الحديث المنع، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك فليكن بغير السلام، ككيف أصبحت، أو كيف أمسيت ونحو ذلك.
قال ابن مفلح: قال الشيخ تقي الدين: إن خاطبه بكلامٍ غير السلام مما يؤنسه به، فلا باس بذلك. (2)
وإما إذاً لا تكون هناك حاجة فلا يجوز، قال النووي رحمه الله: إما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئاً، فإن ذلك بسط له وإيناس وإظهار صورة ود، ونحن مأمورون بالإغلاظ عليهم ومنهون عن ودهم فلا تظهره، والله أعلم.(3)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم".(4)
فالحديث بين لنا أن صفة الرد على أهل الكتاب أن تقول وعليكم.
ولكن إذا سمعنا الكتابي يقول: "السلام عليكم" بلفظ واضح، فهل نرد عليه بـ "وعليكم" عملاً بظاهر الحديث، أم نرد عليه سلامه ونقول "وعليكم السلام".
أجابت اللجنة الدائمة: قالت "ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا تحققنا من لفظ السلام ولم نشك فيه فإنه ينبغي علينا أن نرد السلام، وقالوا: إن هذا هو مقتضى العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان. (5) وذهب آخرون - وهو الراجح- أننا نرد عليهم كما جاء في الحديث الصحيح الصريح (وعليكم). (6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2167).
(2) الآداب الشرعية (1/391).
(3) الأذكار ( ص 366-367).
(4) رواه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (6258) ومسلم في كتاب السلام برقم (2163).
(5) انظر أحكام أهل الذمة (1/425 - 426) وانظر فتاوى العقيدة لابن عثيمين ( ص 235 - 236) والسلسلة الصحيحة للألباني (2/327 - 330).
(6) فتاوى اللجنة الدائمة (3/312) رقم (11123).(1/244)
ويجوز السلام على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين.
روى البخاري ومسلم وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب حماراً عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، واردف وراءه أسامة بن زيد وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج -وذلك قبل وقعة بدر- حتى مرّ في مجلس فيه أخلاطٌ من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبيّ بن سلول، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمَّر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن..." الحديث. (1)
قال النووي: "والابتداء بالسلام على قوم فيهم مسلمون وكفار مجمع على جوازه".(2)
قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: نعامل اليهود والنصارى ونأتيهم في منازلهم وعندهم قوم مسلمون، أسلم عليهم؟ قال: نعم، وتنوي السلام على المسلمين. (3)
وأما السلام على أهل المعاصي، قال النووي: "اعلم أن الرجل المسلم الذي ليس بمشهور بفسق ولا بدعة يسلمَّ ويسلَّم عليه، فيسن له السلام ويجب الرد
عليه".(4)أ.هـ.
وأما أهل البدعة فإن من البدع ما يكون مكفراً ومنها دون ذلك فصاحب البدعة المكفرة لا يسلم عليه بحال، وقد حجب الله سبحانه وتعالى عنه التوبة حتى يدع بدعته، كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله حَجَب التوبة عن كل صاحب بدعةٍ حتى يدع بدعته".(5)
وأما صاحب البدعة غير المكفرة فإنه يأخذ حكم أهل المعاصي، ويكون حسب المصلحة الراجحة.
__________
(1) رواه البخاري برقم (6254) ومسلم برقم (1798).
(2) شرح مسلم (12/125).
(3) الآداب الشرعية (1/390).
(4) الأذكار ( ص 364).
(5) سبق تخريجه.(1/245)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في بيان هجر أهل البدع: "أما هجرهم -أي المبتدعة- فهذا يترتب على البدعة، فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره إن كان في هجره مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه، وذلك أن الأصل في المؤمن تحريم هجره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يحل لرجل مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث".(1)أ.هـ.
التحذير من أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن
قال الله عز وجل: { يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم } .(2)
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما رجل كشف ستراً، فأدخل بصره قبل أن يؤذن له، فقد أتى حداً لا يحل له أن يأتيه، ولو أن رجلاً فقأ عينه لهدرت، ولو أن رجلاً على باب لا ستر له، فرأى عورة أهله فلا خطيئة عليه، إنما الخطيئة على أهل المنزل".(3)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه".(4)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص أو بمشاقص، فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه".(5)
وفي رواية للنسائي ولفظه:
__________
(1) فتاوى العقيدة (ص 614).
(2) سورة النور الأية رقم (28-29).
(3) رواه أحمد، ورواه الترمذي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3463).
(4) رواه البخاري في كتاب الديات برقم (6902)، ومسلم في كتاب الآداب برقم (2158).
(5) رواه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (6242)، ومسلم في كتاب الآداب برقم (2157).(1/246)
أن أعرابياً أتى باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فالقم عينه خصاصة الباب، فبصُر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوخاه بحديدة أو عود ليفقأ عينه، فلما أن أبصره انقمع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أما إنك لو ثبت لفقأت عينك".(1)
(المشقص): بكسر الميم بعدها شين معجمة ساكنة وقاف مفتوحة: هو السهم له نصل عريض، وقيل: طويل. وقيل: هو النصل العريض نفسه. وقيل: الطويل.
(يختله): بكسر التاء المثناة فوق، أي: يخدعه ويراوغه.و(خصاصة الباب): بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الثقب فيه والشقوق، ومعناه أنه جعل الشق الذي في الباب محاذياً له. (توَّخاه): بتشديد الخاء المعجمة أي: قصده.
وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - : أن رجلاً اطلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جحر في حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدراة يحكُّ بها رأسه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر".(2)
مداراة : شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد.
وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تأتوا البيوت من أبوابها، ولكن ائتوها من جوانبها، فاستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا".(3)
تحذير المتسمع على الناس ما يُسرّونه
قال الله تعالى: { ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً } .(4)
__________
(1) صحيح الترغيب (3/36).
(2) رواه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (6241)، ومسلم في كتاب الآداب برقم (2156).
(3) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ورواه الطبراني في "الكبير"، وحسنه الألباني "المشكاة" (46730) وصحيح الترغيب (2731).
(4) الحجرات: (12).(1/247)
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تحلم بِحُلمٍ لم يره كلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الأنك يوم القيامة ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".(1)
الآنك: الرصاص المذاب.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تتبعوا عورات المسلمين ولا عثراتهم فإنه من يتبع عثرات المسلمين يتبع الله عثرته ومن يتبع الله عثرته يفضحه وإن كان في بيته".(3)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم".(4)
تناجي اثنين دون الثالث
لا يجوز تناجي الاثنين دون الثالث لكي لا يكون ذلك طريقاً للشيطان، ولكي لا يظن المسلم بإخوانه سوءاً، ولا يكونوا هم سبب لحزن أخيهم المسلم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه".(5)
وفي رواية: "لا ينتجي اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه".(6)
وفي رواية: "لا يتسارَّ اثنان دون الثالث".(7)
وأما إذا كان القوم أربعة فما فوق فلا بأس بذلك لانتفاء العلة. والله أعلم.
التحذير من التهاجر والتشاحن والتدابر
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب "التعبير" برقم (7042).
(2) متفق عليه.
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه البخاري برقم (6290)، ومسلم برقم (2184) واللفظ له.
(6) رواه البخاري برقم (6288)، ومسلم برقم (2183).
(7) رواه أحمد برقم (4650).(1/248)
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ".(2)
وزاد الطبراني: "يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام".
قال مالك: "ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن المسلم، يُدبِر عنه بوجهه".(3)
وعن هشام بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاث ليالٍ، فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما، وأولهما فيئاً يكون سبقه بالفيء كفارةً له، وإن سلَّم فلم يقل ورد عليه سلامه، ردت عليه الملائكة، ورد على الآخر الشيطان، فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعاً أبداً".(4)
ورواه ابن حبان في "صحيحه"إلا أنه قال: "لم يدخلا الجنة ولم يجتمعا في الجنة".
وعن أبي ثعلبة - رضي الله عنه - ، أن النبي - رضي الله عنه - قال: "يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6077)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2560).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6065)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2559).
(3) الموطأ (3/100).
(4) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2759).
(5) صحيح الترغيب (2771).(1/249)
وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من هجر أخاه فوق ثلاثٍ فهو في النار، إلا أن يتداركه الله برحمته".(1)
تحذير من دعا إلى عصبية
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً } .(2)
وقال تعالى: { ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا } .(3)
وقال تعالى: { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } .(4)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية".(5)
التحذير من ترويع المسلم
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله قال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يُشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح
فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار".(6)
(ينزع): معناه بالمهملة يرمي وبالمعجمة يرمي ويفسد، وأصل النزع: الطعن.
فيه النهي عن رفع السلاح بوجه المسلم سواء كان على سبيل الهزل أو الجد، لأن ترويع المسلم وتخويفه حرام، ولعن الملائكة لفاعل ذلك دليل على عظم التحريم.
ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخاه لأبيه وأمه".(7)
__________
(1) رواه الطبراني،وقال المنذري:"رواته رواه الصحيح"وقال الألباني:"حسن لغيره"الترغيب(2761)
(2) النساء: (135).
(3) المائدة: (8).
(4) المجادلة: (22).
(5) رواه أبو داود عن جبير بن مطعم.
(6) متفق عليه، فتح الباري (7072) كتاب الفتن، وصحيح مسلم (2617) كتاب البر والصلة.
(7) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2616).(1/250)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أن يتعاطى السيف مسلولاً".(1)
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسيرٍ، فخفق رجلٌ على راحلته، فأخذ رجل بسهماً من كنانته، فانتبه الرجل ففزع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لرجل أن يروَّع مسلماً".(2)
خفق الرجل: إذا نعس، وقال الجوهري: "خفق الرجل": إذا حرك رأسه وهو ناعس.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - : أنهم كانوا يسيرون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبلٍ معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً".(3)
التحذير من أذية المسلمين وشتمهم واللعن سيما لمعين
قال الله تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا } .(4)
وقال تعالى: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } .(5)
وقال تعالى: { ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا } .(6)
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم } .(7)
وقال تعالى: { ويل لكل همزةٍ لمزة } .(8)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما، حتى يتعدّى المظلوم".(9)
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن" وأبو داود.
(2) رواه الطبراني في "الكبير" وقال المنذري: "رواته ثقات"، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (2806).
(3) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب (2805).
(4) الأحزاب: (158).
(5) النور: (19).
(6) الحجرات: (12).
(7) الحجرات: (11).
(8) الهمزة: (1).
(9) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2587).(1/251)
وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قلت: يا نبي الله! الرجل يشتمني وهو دوني، أعليَّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال: "المستبان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان".(1)
وعن عبد الله بن عمرو رفعه قال: "سباب المسلم كالمشرف على الهلكة".(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن شر الناس منزلة عند الله من ودعه الناس اتقاء فحشه".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يبغض الفاحش البذيء".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "عباد الله إن الله وضع الحرج إلا من اقترض عرض أخيه فذاك الذي حرج أو هلك".(5)
اقترض عرض أخيه: أي نال منه وعابه وقطعه بالغيبة.
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2781).
(2) رواه البزار، صحيح الترغيب (3/57).
(3) رواه البخاري في كتاب "الأدب" (3132)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" رقم (2591).
(4) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (464) والترمذي "أبواب البر والصلة" (2002) وابن حبان ( ص 474) رقم (1920 - موارد) والبيهقي "السنن الكبرى" (10/193) وقال الترمذي: "حسن صحيح" صحيح الجامع (134).
(5) أخرجه أحمد "المسند" (4/278) وابن ماجة كتاب "الطب" (3436) وأبو داود كتاب "المناسك" (2015) وابن حبان (1924 - موارد) والحميدي "المسند" (824) والحاكم "المستدرك" (4/198 و 199)، و 3999 و 400 والخطيب "تاريخ بغداد" (9/197-198).(1/252)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كل المسلم على المسلم حرام: عرضه وماله ودمه، التقوى ها هنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".(2)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".(3)
وفي الصحيحين: "والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه".(4)
وفي لفظ على شرط الصحيحن: "لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه".(5)
__________
(1) أخرجه مسلم في "البر والصلة" (2564) وأحمد "المسند" (3/491) و (22/36) والترمذي "أبواب البر والصلة" (1927) وأبو داود "الأدب" (4882) وابن ماجة كتاب "الفتن" (3933) والطبراني"الكبير" (22/183) وابن أبي الدنيا "الصمت" رقم (162) والقضاعي "مسند الشهاب" (1/36) رقم (121) مختصرا ومطولا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" رقم (2564).
(3) رواه البخاري في "الأدب" رقم (6044) ورواه مسلم في "الإيمان" رقم (64).
(4) البخاري في "الأدب" رقم (6016) ومسلم في "الإيمان" رقم (73).
(5) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/547) والحاكم "المستدرك" (4/165) والأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (9/ب) مخطوط وأحمد في "المسند" (2/372-373) والذهبي في "حق الجار" رقم (16 و 17) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/169): "رجال أحمد رجال الصحيح". وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة" وذكر الحافظ ابن خجر في "فتح الباري" (10/444) تعقيب على كلام الحاكم مع موافقته له في صحة الحديث فراجعه.(1/253)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره".(1)
وفي لفظ لمسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره".(2)
وعن الأعمش عن أبي يحيى مولى جعدة، قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول قيل: يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها سليطة فقال: "لا خير فيها هي في النار".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم".(4)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن المؤمن كقتله".(5)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".(6)
وقال عليه الصلاة والسلام:"لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار".(7)
__________
(1) رواه البخاري في "الأدب" رقم (6018) ومسلم في "الإيمان" رقم (47).
(2) رواه في "الإيمان" برقم (48).
(3) أخرجه أحمد في "المسند"، السلسلة الصحيحة (190).
(4) أخرجه أبو داود في "الأدب" (4/375) والترمذي "أبواب الجنائز" (1019) والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/75) وابن حبان (3009 - مع الاحسان) والطبراني في "الصغير" (1/166)، والحاكم في "المستدرك" (1/385). وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(5) رواه البخاري في "الأدب" برقم (6047) ومسلم في كتاب "الإيمان" (110).
(6) رواه البخاري في "الأدب" ومسلم في "الإيمان" برقم (64).
(7) أخرجه أبو داود في كتاب "الأدب" برقم (4906) والبخاري في "الأدب المفرد" برقم (320)، والترمذي في "أبواب البر والصلة" برقم (1976) وأحمد في "المسند" (5/15) والحاكم في "المستدرك" (1/48) كلهم من حديث هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" وقال الحاكم: "صحيح" ووافقه الذهبي. وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (2789).(1/254)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة".(1)
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً".(2)
وقال عليه الصلاة والسلام: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا
البذيء".(3)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن إن كان أهلاً لذلك وإلا رجعت إلى قائلها".(4)
وعن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" قال عمران: فكأني أنظر إليها الآن تمشي في النار ما يعرض لها أحد. (5)
"ضجرت": أي: أصابها الضجر من علاج الناقة وصعوبتها.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2598).
(2) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2597).
(3) أخرجه الترمذي في ابواب "البر والصلة" (1977) والبخاري في "الأدب المفرد" (312) وأحمد في "المسند" (1/405 و 416) والحاكم في "المستدرك" (1/12) والبزار والطبراني في "الكبير" كما في مجمع الزوائد (8/72).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب "الأدب" (4905) والطبراني كما في "تحفة الأشراف" (11000)، "السلسلة الصحيحة" (1269)، و"صحيح الجامع" (4/78)، وصحيح الترغيب (2792).
(5) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" (2595).(1/255)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن اربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تعالى: من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب".
وفي لفظ: "فقد بارزني بالمحاربة".(2)
وفي الحديث: "يا أبا بكر! إن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك". يعني: فقراء المهاجرين. (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".(4)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه".
قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟
قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسبُّ أمه فيسبُّ أمه".(5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر يسير، فلعن رجل ناقة، فقال: "أين صاحب الناقة؟" فقال الرجلُ: أنا، فقال: "أخرها فقد أجيب فيها".(6)
وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة".(7)
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب "الأدب" (4877) وأحمد في "المسند" (190) وابن أبي شيبة "المصنف" (6/561) والمروزي في "السنة" (56)، وهناد في "الزهد" (2/564)، والطبراني في " الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (4/116)، "السلسلة الصحيحة" برقم (1871 و 1433)، "الترغيب والترهيب" (3/7).
(2) رواه البخاري في كتاب "الرقاق" (6502).
(3) رواه مسلم في كتاب "فضائل الصحابة" رقم (2504).
(4) متفق عليه.
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (2796).
(7) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه" إلا أنه قال: "فإنه يدعو للصلاة" ورواه النسائي مسنداً ومرسلاً، وصححه الألباني في الترغيب (2797).(1/256)
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن ديكاً صرخ قريباً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: اللهم العنه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مه! كلا، إنَّه يدعوا إلى
الصلاة".(1)
وعن أبي جُري جابر بن سليم - رضي الله عنه - قال: رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قلتُ: عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك".
قال: قلتُ: أنت رسول الله؟ قال: "أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضرٌ فدعوته، كشف عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته، أنبتها لك، وإذا كنت بارض قفر أو فلاة، فضلّت راحلتك، فدعوته، ردها عليك".
قال: قلت: اعهد إليَّ، قال: "لا تسبَّن أحداً".
قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاةً.
قال: "ولا تحقرن شيئا من المعروف، وأن تُكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، وإن امرؤٌ شتمك وعيَّرك بما يعلم فيك، فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبالُ ذلك عليه".
وفي رواية:
وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيره بشيء تعلمه فيه، ودعه يكون وباله عليه، وأجره لك، ولا تسبَّنَ شيئاً". قال: فما سببت بعد ذلك دابة ولا إنساناً. (2)
(السّنة):هي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواء أنزل غيث أم لم ينزل. (المخيلة): بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من (الاختيال): هو الكبر واستحقار الناس.
التحذير من سب الدهر
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تعالى: يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار".
__________
(1) صحيح الترغيب (3/63).
(2) رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2782).(1/257)
وفي رواية: "أقلب ليله ونهاره وإذا شئت قبضتهما".(1)
كان من عادة الجاهلية إذا أصيبوا بنازلة أو مصيبة أن يسبوا الدهر، قاصدين بذلك مصرف لأمور وخالق الضر معترضين على مواقع القدر وكذلك فعل هذا بعض الجهلة من هذه الأمة فسبوا الدهر عند نزول المصيبة بهم فشابهوا أهل الجاهلية بقولهم، والعياذ بالله.
وفي رواية لمسلم: "لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر".(2)
فيه النهي عن سب الدهر لأن سب الدهر سبٌ للخالق سبحانه وتعالى لأنه هو خالق الدهر ومصرفه ومقلبه، فنهوا عن سب الدهر لكي لا يقعوا في سب خالقه سبحانه وتعالى.
وفي رواية للبخاري: "لا تسمّو العنب الكرم ولا تقولوا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر".(3)
سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يقال هذا "زمان أقشر" أو "الزمن غدار" أو "يا خيبة الزمن الذي رأيتك فيه".
فأجاب رحمه الله قائلاً: هذه العبارات التي ذكرت في السؤال تقع على وجهين:
الوجه الأول: أن تكون سباً وقدحاً في الزمن فهذا حرام، ولا يجوز، لأن ما حصل في الزمن فهو من الله عز وجل، فمن سبّه فقد سبّ الله، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار".
والوجه الثاني: أن يقولها على سبيل الإخبار فهذا لا بأس به، ومنه قوله تعالى عن لوط عليه الصلاة والسلام: "وقال هذا يوم عصيب"(4). أي شديد، وكل الناس يقولون: هذا يوم شديد، وهذا يوم فيه كذا وكذا من الأمور وليس فيه شيء.
وأما قوله: "هذا زمن غدار" فهذا سب لأن الغدر صفة ذم ولا يجوز.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6181) ومسلم في كتاب الألفاظ برقم (2246).
(2) صحيح مسلم برقم (2246) كتاب الألفاظ.
(3) فتح اباري كتاب الأدب برقم (6182).
(4) هود: (77).(1/258)
وأما قول: "يا خيبة اليوم الذي رأيتك فيه" إذا قصد يا خيبتي أنا، فهذا لا بأس به، وليس سبا للدهر،وإن قصد الزمن أو اليوم فهذا سبٌ له فلا يجوز.(1)أ.هـ.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يَقُل أحدكم يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدَّهر".(2)
التحذير من القول للفاسق أو المبتدع: يا سيدي
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقولوا للمنافق سيداً، فإنه إن يك سيداً، فقد أسخطتم ربكم عز وجل".(3)
ورواه الحاكم ولفظه:
"إذا قال الرجل للمنافق: يا سيد! فقد أغضب ربه".(4)
قال ابن الأثير: "لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن كان سيدكم وهو منافق فحالكم دون حاله، والله لا يرضى لكم ذلك.أ.هـ. (عون المعبود)
التحذير من ذي الوجهين و اللسانين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهة، وتجدون أشر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه".(5)
وروي عن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان ذا لسانين، جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار".(6)
__________
(1) فتاوى العقيدة ( ص 614-615).
(2) صحيح الترغيب (3/65).
(3) رواه أبو داود برقم (4977)، والنسائي والبخاري في الأدب المفرد (760)، وأحمد (22420)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2923).
(4) السلسلة الصحيحة برقم (3/112).
(5) رواه البخاري ومسلم.
(6) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" والطبراني و الأصبهاني وغيرهم، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2950).(1/259)
وعن محمد بن زيد: أن ناساً قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلطاننا فنقول بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟ فقال: "كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".(1)
وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان له وجهان في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار".(2)
التحذير من قذف المحصنات
قال الله تعالى: { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } .(3)
وقال الله تعالى: { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } .(4)
وقال الله تعالى: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } .(5)
وقال الله تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً } .(6)
تقدم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات..." فذكر منها قذف
المحصنات الغافلات المؤمنات. (7)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قذف مملوكة بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال".(8)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".(9)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2949).
(3) النور: (23).
(4) النور: (4).
(5) النور: (19).
(6) الأحزاب: (58).
(7) سبق تخريجه.
(8) رواه البخاري في "الحدود" (6858)، ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1660).
(9) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" (10) ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (40).(1/260)
وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ: "ثكلتك أمك! وهل يكب الناس على مناخرهم –وفي رواية على وجوههم- يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم".(1)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب".(2)
التحذير من السرقة
قال الله تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم } .(3)
وعن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أتشفع في حدٍّ من حدود الله!" ثم قام فخطب فقال: "يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".(4)
قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فقال: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".(5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده".(6)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".(7)
__________
(1) رواه البخاري في "خلق أفعال العباد" رقم ( ص 55).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) المائدة: (38).
(4) صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد.
(5) متفق عليه.
(6) رواه البخاري في كتاب "الحدود" برقم (6783) ومسلم في كتاب "الحدود" برقم (1687).
(7) رواه البخاري في كتاب "الحدود" برقم (3788)، ومسلم في كتاب "الحدود" برقم(1688).(1/261)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولكن التوبة معروضة بعد".(1)
وعن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا إنما هن أربع: أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا".(2)
قال القاضي عياض: صان الله الأموال بإيجاب القطع على السارق ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالإختلاس والانتهاب والغصب لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالإستدعاء إلى ولاة الأمور وتسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة فإنه تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها.أ.هـ. شرح مسلم للنووي
التحذير من قطع الطريق
قال الله تعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } .(3)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا أو صلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل الطريق ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض". هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة.
تحذير الغادر بأميره وغير ذلك
قال الله تعالى: { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } .(4)
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أوفو بالعقود } .(5)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" كتاب "التفسير" (4/51) كما في تحفة الأشراف وأحمد في "المسند" (4/331) وابن أبي عاصم "السنة" (2/470) والحاكم في "المستدرك" (4/351) وقال: "هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(3) المائدة: (33).
(4) الإسراء: (34).
(5) المائدة: (1).(1/262)
وقال تعالى: { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } .(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أربع من كن فيه كان منافقا حقا: من إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر".(2)
وقال: "لكل غادر لواء يوم القيامة عند إسته يقال: هذه غدرة فلان ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامةٍ".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من خلع يداً من طاعةٍ لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".(5)
وقال عليه الصلاة والسلام: "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر".(6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني".(7)
وقال عليه الصلاة والسلام: "من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة الجاهلية".(8)
__________
(1) النحل: (91).
(2) متفق عليه.
(3) رواه مسلم في كتاب "الجهاد" برقم (1738).
(4) رواه البخاري في كتاب "البيوع" برقم (2227).
(5) رواه مسلم في كتاب "الإمارة" برقم (1851).
(6) رواه مسلم في كتاب "الإمارة" برقم (1844).
(7) رواه البخاري في كتاب "الأحكام" برقم (7137)، ورواه مسلم في كتاب "الإمارة" برقم (1835).
(8) رواه البخاري في كتاب "الفتن" (3/5) برقم (70) ومسلم في كتاب "الإمارة برقم(1849).(1/263)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع رقبة الإسلام من عنقه".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من حمل علينا السلاح فليس منا".(2)
التحذير من الخروج بالسيف والتكفير بالكبائر
قال الله تعالى: { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } .(3)
وقال تعالى: { ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا } .(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قال لأخيه المسلم: يا كافرّ! فقد باء بها أحدهما".(5)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخوارج: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم".(6)
وقال فيهم: "شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه".(7)
وعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الخوارج كلاب النار".(8)
__________
(1) أخرجه أحمد في "المسند" (5/180) والحاكم في "المستدرك" (4/117)، وأبو داود في كتاب "السنة" (4758) وابن أبي عاصم "السنة" (892 و 1053و 1054) "تلخيص الكبير" (4/41)، "السلسلة الصحيحة" (984).
(2) رواه البخاري في كتاب "الفتن" برقم (7070) ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (100).
(3) البقرة: (190).
(4) الأحزاب: (36).
(5) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6103 و 6104).
(6) رواه البخاري في كتاب "فضائل القرآن" برقم (5057) ورواه مسلم في كتاب "الزكاة" رقم (1066).
(7) أخرجه الحميدي في "المسند" (2/404) رقم (908) والترمذي "الجامع أبواب تفسير القرآن" (3000)، وابن ماجة في "المقدمة" (176) والطبراني كما في "مجمع الزوائد" (6/234) والآجري في "الشريعة" (ص 35، 36)، وقال الهيثمي في "المجمع" (6/234): "رجاله ثقات".
(8) أخرجه ابن ماجة في "المقدمة" (173)، وابن أبي عاصم في "السنة" (176) والخطيب في "تاريخ بغداد" (6/319 و 320) والآجري في "الشريعة" (ص 37) عن إسحاق الأزرق به.
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/83): "إسناد ابن ابي أوفى رجاله ثقات إلا أنه منقطع الأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى قاله غير واحد".(1/264)
عن سعيد بن جمهان قال: دخلت على ابن أبي أوفى وهو مكفوف فقال: من أنت! قلت سعيد بن جمهان قال: ما فعل والدك! قلت: قتله الأزارقة فقال: قتل الله الأزارقة ثم قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنهم كلاب النار قلت: الأزارقة وحدهم؟ قال: الخوارج كلها. (1)
وعن عبد الله بن ابي أوفى وهم يقاتلون الخوارج يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "طوبى لمن قتلهم وقتلوه".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه".(3) حار: أي رجع.
التحذير من قوله لمسلم يا كافر
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه".(4)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه".(5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".(6)
__________
(1) أخرجه الطيالسي في "المسند" (822) وأحمد في "المسند" (4/382) وأحمد بن منيع في "المسند" كما في "مصباح الزجاجة" (1/84) وابن أبي عاصم في "السنة" (905) وقال محققه الإمام الألباني: "إسناده حسن رجاله ثقات وفي حشرج بن نباته كلام من قبل حفظه".
(2) أخرجه أحمد في "المسند" (2/382) والآجري في "الشريعة" (ص 35-36) وابن أبي عاصم "السنة" (2/438 - 439) رقم (906) وإسناده حسن.
(3) متفق عليه.
(4) رواه البخاري في كتاب الآدب برقم (6104) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (60).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6045) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (61).
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6103).(1/265)
وعن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أخبره أنه بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة وليس على رجل نذر فيما لا يملك ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة".(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أكفر رجلٌ رجلاً، إلا باءَ أحدهما بها، إن كان كافراً، وإلا كفر بتكفيره".(2)
التحذير من النميمة
قال الله تعالى: { ولا تطع كل حلاف مهين همازٍمشآءٍ بنميم } .(3)
وقال تعالى: { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً } .(4)
(النميمة): نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة نمام" وفي رواية: "قتات".(5)
(القتات) و (النمام) بمعنى واحد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما احدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله".(6)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تجد من شرار الناس ذا الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجه".(7)
وفي لفظ: "تجد شرار الناس ذا الوجهين".
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) صحيح الترغيب (2775).
(3) نون (10-11).
(4) الحجرات: (12).
(5) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6056)، ورواه مسلم في كتاب "الإيمان"برقم(105).
(6) رواه البخاري في كتاب "الوضوء" برقم (216) ورواه مسلم في كتاب "االطهارة" برقم (292).
(7) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6058)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2526).(1/266)
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر".(1)
وعن كعب قال: اتقوا النميمة فإن صاحبها لا يستريح من عذاب القبر.
وروى منصور عن مجاهد: حمالة الحطب قال: كانت تشمي بالنميمة.
وعن ابي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا: بلى. قال: "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة".
وفي رواية: "هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن أقول تحلق الدين".(2)
وعن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب".(3)
وفي رواية: "المفسدون بين الأحبة".
التحذير من الغيبة والبهت
قال الله تعالى: { ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه } .(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغيبة ذكر أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن ما تقول فقد بهته".(5)
__________
(1) أخرجه أبو داود في "الأدب" برقم (4860) والترمذي في "أبواب المناقب" (3896 و 3897) ، والبغوي في "شرح السنة" (3571) وأحمد في "المسند" (1/396) والبيهقي في "الآداب" (142) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه".
(2) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه" والترمذي وصححه، وصححه الألباني في الترغيب (3/75).
(3) رواه أحمد وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (2824).
(4) الحجرات: (12).
(5) أخرجه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2589)، وأبو داود والترمذي والنسائي.(1/267)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : حسبك من صفية كذا وكذا يعني أنها قصيرة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". -يعني لأفسدته وأنتنته.
قالت: وحكيت له أسناناً فقال: "ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا وكذا".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. (2)
يخمشون: أي يجرحون.
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت".(3)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، والفرار من الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير حق".(5)
__________
(1) أخرجه الترمذي وأبو داود والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2834).
(2) أخرجه أبو داود وصححه الألباني في الترغيب برقم (2839).
(3) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (67) وفي كتاب "الفتن" برقم (7078)، ومسلم في كتاب "القسامة" برقم (1679).
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.(1/268)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم، اتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته".(1)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول.
ولا يدري هؤلاء أن كلمة واحدة يمكن أن تحبط جميع أعمالهم، وتوبق دنياهم وأخراهم.
ينبغي على من حلت إليه نميمة ستة أمور. (2)
الأول: أن لا يصدقه لأن النمام فاسق. الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح له فعله. الثالث: أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من أبغضه الله تعالى. الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي عنه فيقول: فلان حكى كذا فيصير نماماً، ويكون آتيا ما نهى عنه هذا آخر كلام أبي حامد الغزالي رحمه الله.
وبعد هذا كله عليه كذلك أن يتثبت إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأن ينصح إذا تيقن، وأن يستر والله أعلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله".(3)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر أمر الربا، وعظّم شأنه وقال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أدنى الربى عرض الرجل المسلم".(4)
__________
(1) رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
(2) كتاب الآداب للأخ فؤاد عبد العزيز الشلهوب.
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2564)، والترمذي.
(4) سبق تخريجه.(1/269)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه".
وفي رواية لأبي داود أنه قال: "إن من الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق، ومن الكبائر السُّباب بالسُّبة".(1)
ورواه ابن ابي الدنيا ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا تسعون حُوباً، وأيسرها كنكاح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم".(2)
(الحوب): بضم الحاء المهملة هو الإثم .
وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : إنه مر على بغل ميت فقال لبعض أصحابه: لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه، خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم".(3)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام رجل فوقع فيه رجل من بعده، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تخلل!" فقال: ومما أتخلّل؟ ما أكلت لحماً! قال: "إنك أكلت لحم أخيك".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
فقال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار".(5)
__________
(1) رواه البزار وأبو داود، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2832).
(2) صحيح الترغيب (3/77).
(3) رواه أبو الشيخ ابن حيان وغيره، وصححه الألباني، الترغيب (2838).
(4) رواه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2608).
(5) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2581)، والترمذي وغيرهما.(1/270)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال".(1)
(ردغة الخبال): هي عصارة أهل النار.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من نصر أخاه المسلم بالغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة".(2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة".(3)
تحذير من جس على المسلمين ودل على عوراتهم
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا } .(4)
وقال تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد
احتملوا بهتانا وإثما مبنيا } .(5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا".(6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم".(7)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله أخواناً".(8)
التحذير من كثرة الكلام
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".(9)
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2845).
(2) رواه ابن ابي الدنيا موقوفا، ورواه بعضهم مرفوعا، الصحيحة (1217).
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2848).
(4) الحجرات: (12).
(5) الأحزاب: (58).
(6) متفق عليه.
(7) أخرجه أبو داود.
(8) رواه مسلم.
(9) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (11)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (42).(1/271)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".(1)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن العالم ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".(3)
ما يتبين فيها: أي ما يتفكر هل هي خير ام شر.
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم".(4)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأود البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".(5)
قوله: "وكره لكم ... قيل وقال" قال النووي: فهو الخوض في أخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم. أ.هـ. شرح النووي (12/10)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ، الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب ،يتشدقون بالكلام"(6) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (10) ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (40).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6474).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6477)، ومسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (2988).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6478).
(5) رواه البخاري برقم (5975)، ومسلم برقم (593).
(6) السلسلة الصحيحة حديث رقم (1891) .(1/272)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيقهون". قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيقهون؟ قال: "المتكبرون".(1)
الثرثار المتشدق: كثير الكلام، والثرثرة في الكلام، الكثرة والترديد.
قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : لا خير في فضول الكلام.
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : من كثر كلامه كثر سقطه.
وقال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: لا خير في كثرة الكلام، واعتبر ذلك بالنساء والصبيان، أعمالهم أبدا يتكلمون ولا يصمتون.
وقال الآخر:
يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه ... وليس يموتُ المرء من عثرة الرِّجل
فعثرتُهُ من فِيهِ ترمي برأسه ... وعثرتُهُ بالرِّجل تبرا على مهل (2)
التحذير من الحسد
قال الله تعالى: { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } .(3)
وقال تعالى: { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله } .(4)
وقال تعالى: { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق } .(5)
وقال الله تعالى: { من شر حاسد إذا حسد } .(6)
الحسد: هو أن يتمنى الحاسد زوال النعمة عن أخيه شفاء لحقد نفسه وغيظ قلبه.
__________
(1) رواه الترمذي من حديث جابر برقم (2018)، واللفظ له، قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وأحمد من حديث أبي ثعلبة الخشني (17278).
(2) هذا القول والأقوال السابقة من الآداب الشرعية لابن مفلح (1/66-67) بتصرف.
(3) النساء: (54).
(4) النساء: (32).
(5) البقرة: (103).
(6) الفلق: (5).(1/273)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه".(2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس افضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان".
قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟
قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد".(3)
وعن ابن الزبير - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء هي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد".(5)
وعن حمزة بن ثعلبة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا".(6)
التحذير من الكبر والفخر والخيلاء والعجب
قال الله تعالى: { إنه لا يحب المستكبرين } .(7)
وقال تعالى: { وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } .(8)
قال تعالى: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } .(9)
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه ابن ماجة، والبيهقي وغيره، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2889).
(4) سبق تخريجه.
(5) أخرجه النسائي في الجهاد (2/55)، وابن حبان في "صحيحه"، ومن طريقه البيهقي، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2886).
(6) رواه الطبراني، وقال الألباني: "حسن" الترغيب (2887).
(7) النحل: (23).
(8) غافر: (27).
(9) غافر: (60).(1/274)
وقال تعالى: { ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور } .(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تبارك وتعالى: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من رجل يختال في مشيته ويتعاظم في نفسه إلا لقي الله وهو عليه غضبان".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذا خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".(5)
ويقول - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال الرجل يتكبر ويذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم".(6)
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا ثعلبة باعتزال أهل العجب فقال: "إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك".(7)
ومر عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - وعلى رأسه حزمة خطب فقيل له: ما يحملك على هذا وقد أغناك الله عز وجل؟ الله أردت أن أدفع به الكبر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال ذرة من كبر".(8)
__________
(1) غافر: (60).
(2) لقمان: (18).
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2620).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (91).
(5) رواه الطبراني والحاكم.
(6) متفق عليه.
(7) رواه مسلم.
(8) أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة.(1/275)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بينما رجل يتبختر في برديه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".(2)
وقال عليه الصلاة والسلام: "يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس".(3)
وقال بعض السلف: أول ذنب عصي الله به الكبر قال الله تعالى: { وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين } .(4)
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكبر سفه الحق وغمص الناس".
وفي لفظ: "الكبر بطر الحق وغمط الناس".(5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تعالى: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار".(6)
المنازعة: المجاذبة.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اختصمت الجنة والنار إلى ربها فقالت الجنة: يا رب مالي يدخلني ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار أوثرت بالجبارين والمتكبرين".(7)
قال الله تعالى: { تلك الدار الأخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً } .(8)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (142 و 148 و 149) وأحمد في "المسند" (1/385 و 427) والحاكم في "المستدرك" (4/182).
(2) رواه البخاري في كتاب "اللباس" (5790) ومسلم في كتاب "اللباس" (2088).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (2/179) والترمذي في "الجامع" رقم (2492) وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
(4) البقرة: (34).
(5) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" (1/93) رقم (91).
(6) رواه مسلم في كتاب"البر والصلة"رقم(2620)ورواه أبو داود في كتاب"اللباس"رقم(4090),
(7) رواه البخاري في "التفسير" رقم (4850). ومسلم في كتاب "الجنة" رقم (2846).
(8) القصص: (83).(1/276)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من رجل يختال في مشيته ويتعاظم في نفسه إلا لقي الله وهو عليه غضبان".(1)
وقال سلمة بن الأكوع: أكل رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشماله فقال: "كل بيمينك" قال:لا أستطيع ما منعه إلا الكبر قال:"لا استطعت"فما رفعها إلى فيه بعد.(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر". (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : "أول ثلاثة يدخلون النار: أمير متسلط وغني لا يؤدي الزكاة وفقير فخور".(4)
وعنه - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وجبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تدرون ما هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا فهو يهوي في النار إلى الآن حتى انتهى إلى قعرها".(5)
__________
(1) أخرجه أحمد في "المسند" (2/118) والبخاري في "الأدب المفرد" (2/8) رقم (549) والحاكم في "المستدرك" (1/60) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وقال الذهبي: "على شرط مسلم"، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/198): "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح".
(2) رواه مسلم في "الأشربة" رقم (2021).
(3) رواه البخاري في "تفسير سورة (ن)"برقم (4918)، ومسلم في "صفة الجنة" برقم (2853).
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/926 و 351). وأحمد في "المسند" (2/425 و 479) ، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/82)، والحاكم في "المستدرك"(1/387) وابن حبان(203و1610 - موارد) والترمذي في "جامعه" رقم (1642) وحسنه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في "التلخيص".
(5) رواه مسلم في كتاب الجنة برقم (2844).(1/277)
وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن حجراً مثل سبع خلفات ألقي عن شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفا لا يبلغ قعرها".(1)
(الخلفات): جمع (خَلِفة): وهي الناقة الحامل.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر وبالمصورين".(2)
التحذير من الكذب
قال الله تعالى: { إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } .(3)
قال الله تعالى: { قتل الخراصون } .(4) الخراصون: الكذابون.
وقال الله تعالى: { ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } .(5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا".(6)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان".(7)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصل من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر".(8)
__________
(1) صحيح الجامع (5124).
(2) صحيح الجامع (7907).
(3) غافر: (28).
(4) الذاريات: (10).
(5) آل عمران: (61).
(6) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6094)، ومسلم في كتاب "البر" برقم (2606 و 2607).
(7) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (23) ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (59).
(8) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (34) ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (58).(1/278)
الكذب في الرؤيا أو الحلم وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين يوم القيامة ولن يفعل".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن أفرى الفرى أن يرى الرجل عينيه مالم تريا".(2)
عقوبة الذي يكذب
أخرج البخاري من حديث سمرة بن جندب بطوله في منام النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "أما الرجل الذي رايته يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم الله..." الحديث وفيه "ملك كذاب".(4)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب".(5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع".(6)
الكذب في إظهار الفضل وإيحاء ما ليس له
وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المتشبع ما لم يعط كلابس ثوبي زور".(7)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".(8)
الكذب بقصد المزاح
وعن معاوية بن بهز قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له". (9)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "التعبير" برقم (7042).
(2) رواه البخاري في كتاب "المناقب" برقم (3509 - مع فتح الباري).
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه مسلم في "المقدمة" (1/10).
(7) رواه مسلم في كتاب "اللباس" (2130).
(8) رواه البخاري في "النكاح" برقم (5143) ورواه مسلم في "البر والصلة" برقم (2563).
(9) اخرجه ابو داود في الأدب برقم (4990)، وحسنه الألباني، صحيح أبي داود رقم (4175).(1/279)
والكذب في البيع والشراء كالذي يخفي عن الناس عيوب سلعته أو يتعمد الحلف يجعل الحلف والأيمان أداة في ترويج بضاعته وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب".(1)
والكذب لإفساد ذات البين:قال الله تعالى: { فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } .(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا".(3)
إلى غير ذلك من أنواع الكذب أعاذنا الله وإياكم منه.
التحذير من التدخين
قال الله تعالى: { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } .(4)
وقال تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم } .(5)
فلقد ابتلينا في هذه الأزمان ببلوى عمت وطمت إلا من رحم الله تعالى منهم.
لقد انتشر في الشعوب الإسلامية شرب الدخان الذي لا يشك عاقل أنه من الخبائث، بحيث أدرك كل عاقل خبثه وبشاعته ونفور العقول والفطر عنه، لذا وجب إظهار حكمها وإدراجها تحت عموم النصوص الشرعية على أصل القياس الصحيح لبيان حكمها.
قال الله تعالى في وصف نبيه - صلى الله عليه وسلم - : { يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } .(6)
اعلم أن الأطعمة على قسمين لا ثالث لهما: طيب أو خبيث.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، قال تعالى: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } [المؤمنون: 51]وقال: { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما زرقناكم } .[البقرة: 172](7)
ومفهوم هذه النصوص تحريم ما ليس بطيب، والنهي عنه.
__________
(1) متفق عليه.
(2) محمد: (22).
(3) أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.
(4) الأنعام: (151).
(5) النساء: (29).
(6) الأعراف: (157).
(7) رواه مسلم.(1/280)
وقال تعالى: { قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث } .(1)
هذا أولا.
أما ثانيا: فهو من إضاعة المال وإذهابه، فيكون إسرافا، وقد ذم الله سبحانه وتعالى المسرفين والمبذرين.
قال تعالى: { وأتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين } .(2)
وقال تعالى: { ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } .(3)
قال مجاهد: "لو أنفق إنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيرا، ولو أنفق منه مدا في باطل كان تبذيرا".
وقال قتادة: "التبذير النفقة في معصية الله، وفي الفساد، وفي غير الحق".
وفسر ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهم الإسراف بأنه النفقة في معصية الله وفي غير الحق.
وقد تكاثرت الأحاديث بالنهي عن إضاعة المال، ففي حديث المغيرة في الصحيح: "وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزول قدما عبد، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به".(5)
ثالثا: الاضرار التي يسببها التدخين، إن التدخين يسبب أضرار في الجسم بليغة تسبب الموت وتهلك الجسم كما هو ظاهر من حال المدخنين وصرح به الأطباء المختصون، وقد علم القاصي والداني ما يتركه التدخين على الأجسام من آفات منها:
1. تصلب الشرايين.
2. ارتفاع في نسبة النكتين في الدم.
3. ضعف القلب.
4. التسبب في أمراض السرطان والرئة.
هذا إلى جانب آثار عامة أخرى على الجهاز التنفسي أهمها:
1. زيادة إفراز المخاط.
2. توقف النشاط الشعيري في إخراج البلغم.
3. زيادة تقلص العضلات الصغيرة المحيطة بشعب الهوى.
4. توقف نشاط البلاعيم وخلايا أكله الموجودة في الحويصلات الهوائية.
__________
(1) المائدة: (100).
(2) الأنعام: (141).
(3) الإسراء: (27).
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.(1/281)
5. تغيرات في الغشاء المخاطي للقصبة الهوائية والشعب الهوائية.
إلى غير ذلك من التأثيرات على القلب وعلى الجسم بشكل عام.
وكذلك الأضرار بالآخرين عند استنشاق الدخان من المدخنين.
وقد تكاثرت النصوص من الكتاب والسنة بالنهي عن الإضرار بالنفس وبالآخرين.
قال الله تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .(1)
وقال تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا ضرر ولا ضرار".(2)
ونقل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى عن الأطباء قولهم في التبغ: هو نبات حشيشي مخدر من الطعم، وبعد التحقيق والتجربة ظهر أن التبغ بنوعيه: التوتوت، والتنباك، من الفصيلة الباذنجانية، التي تشمل على أشر النباتات السامة، كالبلادونا، والبرش، والنبج، وهما مركبان من أملاح البوتاس، والنوشادر، ومنه مادة صمغية، ومادة حريفة، تسمى "نيكوتين" قالوا: وهي من أشد السموم فعلا. أ.هـ. الفتاوى ص 1
وقال حجر أحمد حجر -كلية الطب- جامع (كولورادو):
هناك أمراض كثيرة يسببها التدخين، أو يزيدها سوءاً لا يمكن حصرها هنا، مثل قرحة المعدة، الإجهاض، موت الجنين، وخفة وزن المولود لأم مدخنة، وأمراض الشرايين وضعف البصر ...الخ.
وهكذا فإن الحقائق السابقة تشير إلى مدى اضرار التدخين، وأن التدخين ليس إلا انتحار بطيء، وإننا نشجع من لا يدخن ألا يتشبث بالتدخين، والمدخن أن يبادر إلى الاقلاع، وترك الهواء النقي يتسرب إلى رئتيه.أ.هـ. (3)
رابعا: أنه مفتر.
في اللسان: المفتر الذي يفتر الجسد إذا شرب، أو يحمي الجسد، ويصير فتورا.
__________
(1) البقرة: (195).
(2) رواه أحمد عن ابن بعباس، وابن ماجة عن ابن عباس وعبادة رضي الله عنهما، صحيح الجامع برقم (7393)، والسلسلة الصحيحة برقم (250) والإرواء (888).
(3) الخمر وسائر المسكرات ( ص 162).(1/282)
وقال الخطابي: المفتر كل شراب يورث الفتور والخدر في الأطراف، أ.هـ. معالم السنن الجزء الخامس
وفي القاموس فتر: سكن بعد مدة ولان بعد شدة، وفتر جسمه فتورا، لانت مفاصله وضعف، وأفتره الداء: أضعفه، والفتار كغراب ابتداء النشوة، فالتفتير في الدخان فلا شك فيه وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
فعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل مسكر ومفتر. (1)
وهذا الحديث من اصرح الأدلة في تحريم الدخان والخمر.
وهناك عدة رسائل نافعة في التدخين وضرره وحكمه.
ومنها رسالة للشيخ ابن جبرين حفظه الله تعالى. واسمها (التدخين مادته وحكمه في الاسلام).
وقال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي في منظومته (نصيحة الإخوان عن تعاطي القات والشمة والدخان) ( ص 5-6) واصفا شجرة الدخان:
داء عضال ووهن في القوى ولها ... ريحٌ كريهٌ مخلٌّ بالمروآت
سألتهم: أحلال هذا الشراب لكم من طيبات أحلَّت بالدّلالات
أجابني القوم: ما حلّت ولا حرمت ... فقلت: لا بدّ من إحدى العبارات
أنافع أم مضري بيّنوه لنا ... قالوا: مضرّ يقينا لا ممارات
قلنا: فلا شك أن الأصل مطردٌ ... بأنه الحظر في كل المضرات
أليس في آية الأعراف مزدجرٌ ... ... لطالب الحقّ عن كل الخبيثات
إن تنكروا كون ذا منها فليس لكم ... إلا ببرهان حقٍّ واضح يأتي
أنّى لكم ذا و أنتم شاهدون بتخدير ... يليه و تفتير لآلات ...
و النهي جاء عن التبذير متضحاً وعن إضاعة مال في البطالات ...
جاءت بذلك آيات مبينة ... مع الأحاديث من أقوى الدلالات
فكيف إحراقه بالنار جاز لكم ... يا قوم هل من مجيب عن سؤالاتي
دع ما يريبك يا ذا اللبِّ عنك إلى ... ما لا يريبك في كلِّ المهمات
تحريم السحر
__________
(1) رواه أحمد في المسند وابو داود في سننه.(1/283)
قال الله تعالى: { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } إلى قوله: { ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق } . (1)
فالسحر كفر والساحر لا بد أن يكفر وحد الساحر القتل لأنه كفر بالله تعالى.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "حد الساحر ضربه بالسيف".(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات..." (3) وقد تقدم.
وقال بجالة بن عبدة:أتانا كتاب عمر - رضي الله عنه - قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة(4)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر".(5)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: "الرقا والتمائم والتولة شرك".(6)
__________
(1) البقرة: (102).
(2) أخرجه الترمذي برقم (1460) ، والدراقطني (3/114) ، وعبد الرزاق في "المصنف" (10/184) ، والحاكم في "المستدرك" (4/360) والطبراني في "الكبير" (2/172) رقم(1665). ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم (241) .
(3) سبق تخريجه.
(4) أخرجه أحمد في "المسند" (1/190 و 191) وابو داود (3403) وابن حزم في المحلى(1/397)،وعبد الرزاق في "المصنف"(10/179و10و181) وأبو عبيد في "الأموال" (ص35).
(5) أخرجه أحمد في "المسند" (4/399) والحاكم في "المستدرك" (4/146) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. صحيح الترغيب (3050).
(6) أخرجه أبو داود في "الطب" برقم (3883) وابن ماجة (3530) في "الطب" وأحمد في "المسند" (1/381)، والبغوي في "شرح السنة" (12/156-157) وابن حبان برقم (1412) والطبراني في "الكبير" (10503)، والحاكم في "المستدرك" (4/217) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.(1/284)
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تكهن له، أو سحر أو سُحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".(1)
وعن صفية بنت ابي عبيد عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة اربعين يوما".(2)
وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كتبه إلى أهل اليمن في الفرائض والسنن والديات والزكاة، فذكر فيه: "وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة، الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم".(3)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد".(4)
(العراف): هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها كالمسروق من الذي سرقه، ومعرفة مكان الضالة ونحو ذلك، ومنهم من يسمى المنجم كاهنا. انتهى.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لن ينال الدرجات العلى من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفرٍ تطيراً".(5)
__________
(1) رواه البزار صحيح الترغيب برقم (3041).
(2) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2230).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجة، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3047).
(5) رواه الطبراني وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب برقم (3045).(1/285)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا، فسأله فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - .(1)
وعنه قال: "من أتى عرافا أو كاهنا، يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".(2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اقتبس علما من النجوم، اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد".(3)
تصديق الكاهن والمنجم
قال الله تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسؤولا } .(4)
وقال الله تعالى: { إن بعض الظن إثم } .(5)
وقال تعالى: { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } .(6)
وقال تعالى: { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول } .(7)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقة بما يقول: فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".(8)
__________
(1) رواه البزار وأبو يعلى، وصححه الألباني في الترغيب (3048).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" (10/93/10005) وصححه الألباني في الترغيب برقم (3049).
(3) صحيح الترغيب (3/173).
(4) الإسراء: (36).
(5) الحجرات: (12).
(6) آل عمران: (179).
(7) الجن (26-27).
(8) أخرجه أحمد في " المسند" (2/408 و 429 و 476)، والحاكم في "المستدرك" (1/8) وابو داود في كتاب "الطب" (3904) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/135) والدارمي في "السنن" (1/259) والترمذي "أبواب الطهارة" (1/209) رقم (639) وابن الجارود "المنتقى" (ً 58)، والحديث صححه الحاكم وقواه الذهبي وصححه العراقي في "أماليه" كذا في "فيض القدير" (6/23).(1/286)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "صبيحة ليلة مطيرة يقول الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن وكافر فمن قال مطرنا بفضل الله فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من اقتبس شعبة من النجوم اقتبس شعبة من السحر".(3)
التحذير من الحلف بغير الله وقول أنا بريء من الإسلام
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ألا إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت".(4)
ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، روى الترمذي: "أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: لا والكعبة. فقال ابن عمر: لا يُحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو اشرك".(5)
ومنه الحلف بملة غير ملة الاسلام
فعن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف بملةٍ غير الاسلام كاذباً فهو كما قال".(6)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أحمد (1/227 و 311) وأبو داوود رقم (3905) وابن ماجة (3726) والطبراني في "الكبير" (11278) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/138) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/39).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6108) ومسلم في كتاب الأيمان برقم (1646).
(5) رواه الترمذي برقم (1535) وقال: "حديث حسن"، وأحمد برقم (6036)، وأبو داود برقم (3251)، وصححه الألباني.
(6) رواه البخاري في كتاب الأيمان برقم (6552) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (110).(1/287)
ومنه الحلف بالطلاق: لقد شاع على ألسنة بعض الناس الحلف بالطلاق، مثل أن يقول: علي الطلاق لأفعلن كذا، أو علي الطلاق ثلاثاً لا أفعله ونحو ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين في جواب له: أما أن يحلفوا بالطلاق مثل عليّ الطلاق أن تفعل كذا، أو علي الطلاق ألا تفعل كذا، أو أن فعلت كذا فامرأتي طالق، أو إن لم تفعل فامرأتي طالق، وما أشبه ذلك من الصيغ فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قال كثير من أهل العلم بل اكثر أهل العلم: إنه إذا حنث في ذلك فإن الطلاق يلزمه وتطلق منه امرأته، وإن كان القول الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد، فإن حكمه حكم اليمين لقول الله تعالى: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم، قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } .(1)
فجعل الله التحريم يميناَ، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وهذا لم ينو الطلاق إنما نوى اليمين أو نوى معنى اليمين، فإذا حنث فإنه يجزيه كفارة يمين، وهذا هو القول الراجح. (2) أ.هـ
ومنه الحلف بالأمانة: فعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف بالأمانة فليس منا".(3)
ومن ذلك الحلف بالنبي، وبالحياة، كأن يقول: (وحياتك) أو (وحياة فلان) وغير ذلك من الحلف بغير الله.
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف فقال: إني برئ من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الاسلام سالماً".(4)
__________
(1) التحريم: (1-2).
(2) فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2/796).
(3) رواه أبو داود برقم (3253) واللفظ له، ورواه أحمد برقم (22471)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
(4) صحيح الترغيب (2955).(1/288)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "لأن أحلف بالله كاذباً أحبُّ إليَّ من أن أحلف بغيره وأنا صادق".(1)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين فهو كما حلف، إن قال: هو يهودي فهو يهودي، وإن قال: هو نصراني، فهو نصراني، وإن قال: هو برئ من الاسلام، فهو برئٌ من الإسلام، ومن دعى دعاء الجاهلية، فإنّه من جثا جهنم" قالوا: يا رسول الله! وإن صام وصلى؟ قال: "وإن صام وصلى".(2)
(جثا): جمع جثوة بالضم: وهو الشيء المجموع.
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يُذهبه بالتوكل".(3)
__________
(1) صحيح الترغيب (2953).
(2) صحيح الترغيب (2956).
(3) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (909) وابو داود (3910) والترمذي "الجامع" رقم (1614) وقال: "حسن صحيح"، وأخرجه الطيالسي (1780 - مع منحة المعبود)، وأحمد (1/389 و 438 و 440) وابن ماجة (3538) والحاكم في "المستدرك" (1/17-18) وابن حبان (7/642) رقم (6089 - مع الإحسان) والبيهقي "السنن الكبرى" (8/139) والبغوي "شرح السنة" (12/177 - 178) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وصححه العراقي في أماليه "فيض القدير" (4/294)، وقال سليمان بن حرب: "وما منا..." هو من قول ابن مسعود.
قال البخاري حكاه عنه تلميذه الترمذي في "الجامع" وفي "العلل الكبير" (2/691) ونص على ذلك جمع من الحفاظ منهم المنذري في "الترغيب" (4/64) وابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (2/234) والهيثمي في "موارد الظمآن" ( ص 345) وابن حجر في "فتح الباري" (10/213) وغيرهم، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3098).(1/289)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة".(1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لن ينال الدرجات العلى من تكهن أو استقسم، أو رجع من سفر تطيراً".(2)
التحذير من احتقار المسلم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا التقوى هاهنا التقوى هاهنا" ويشير إلى صدره "بحسب امرئ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله".(3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال: "إن الله تعالى جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".(4)
(بطر الحق): أي دفعه ورده.و(غمط الناس): هو احتقارهم وازدراؤهم كما جاء مفسراً عند الحاكم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم".(5)
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان: فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر له إني قد غفرت له وأحبطت عملك".(6)
(يتألى): يحلف، والألية: اليمين.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب"الطب"رقم(5756و5776)ورواه مسلم في كتاب"السلام"(2224).
(2) رواه الطبراني والبيهقي، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (3099).
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2623).
(6) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2621).(1/290)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "انظر! فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود، إلا أن تفضُله بتقوى".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله عز وجل أذهب عنكم عُبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنو آدم، وآدم من تراب، مؤمن تقيً، وفاجر شقيٌّ، لينتهين أقوامٌ يفتخرون برجال إنما هم فحم من جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجِعلان، التي تدفع النَتن بأنفها".(2)
التحذير من الخيانة
قال الله تعالى: { لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } .(3)
وقال الله تعالى: { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } .(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له".(5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان".(6)
ورواه مسلم وزاد في رواية: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم".
__________
(1) صحيح الترغيب (2963).
(2) صحيح الترغيب (2965).
(3) الأنفال: (27).
(4) يوسف: (52).
(5) أخرجه ابن أبي شيبة "الإيمان" رقم (7) و "المصنف" (11/11) وأحمد في "المسند" (3/135 و 145 و 210 و 251)، وابن حبان (1/208)، رقم (194 مع الإحسان) والبيهقي "السنن الكبرى" (6/288) و (9/231) و "شعب الإيمان" كما في "فيض القدير" (6/381)، والطبراني في "الأوسط" كما في "المجمع" (1/96) والبغوي "شرح السنة" (1/75) رقم (38) وقال: "هذا حديث حسن"، وأبو يعلى في "المسند" (5/247) رقم (2863) وأخرجه هناد في "الزهد"(2/502) رقم (1033 و 1135) عن الحسن مرسلاً.
(6) سبق تخريجه.(1/291)
وعن عدي بن عميرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة، فقام إليه رجل أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه فقال يا رسول الله! أقبل عني عملك. قال: "وما لك". قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: "وأنا أقوله الآن: من استعملنا منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهى عنه انتهى".(1)
وعن يزيد بن شريك قال: رأيت عليّا - رضي الله عنه - على المنبر يخطب فسمعته يقول: لا والله ما عندنا من كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات، وفيها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً".(2)
أخفر: يقال اخفر بالرجل: إذا غدره ونقض عهده.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أن الأمانة نزلت في جذْر قلوب الرّجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظلُّ أثرها مثل الوكت، ثم ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظلّ أثرها مثل أثر المجل كجمرٍ دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً وليس فيه شيء حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أمينا، حتى يقال للرجل: (ما أجلَدَه!) ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان".(3)
الجذر: هو أصل الشيء.
الوكت: هو الأثر اليسير، قاله الهروي، وقال غيره: هو سواد يسير.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1833).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (143).(1/292)
المجل: هو تنفّط اليد من العمل وغيره، ويصير كالقبة فيه ماء قليل والنفطة: بثرة تخرج في اليد من العمل ملأن ماء.
منبترا: أي مرتفعاً.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السّمن".(1)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جمع الله الأولين والاخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان".(3)
وفي رواية: "لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به، يقال: هذه غدرة فلان".(4)
اللواء: الراية العظيمة، ولا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش، ويكون الناس تبعاً له.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً، فاستوفى منه العمل، ولم يوفه أجره".(5)
التحذير من تصوير الحيوانات والطيور
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الشهادات برقم (2651) وفي كتاب الرقاق برقم )6428)، ورواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2532).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير برقم (1735).
(4) رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير برقم (1736).
(5) سبق تخريجه.(1/293)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الذين يضعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم".(1)
وعن حيان بن حصين قال: قال لي عليّ - رضي الله عنه - : ألا أبعثك على ما بعثني عليه
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفا إلا سويته".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلمّا رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلون وجهه وقال: "يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله" فقالت: قطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين.
السهوة: هي الطاق في الحائط، يوضع فيه الشيء، وقيل: هي الصفة تكون بين يدي البيت.
وقيل: المخدع بين البيتين، وقيل بيت صغير كالخزانة الصغيرة. فتح الباري (10/387)
والقرام: هو الستر فيه رقم ونقش.
وفي رواية قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه وقال: "من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور".
وفي رواية للبخاري ومسلم: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة، المصوّرون".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (4951) وفي كتاب الأدب برقم (6109) ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2106).
(2) رواه مسلم.(1/294)
وفي اخرى: "أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية قالت: فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله والى رسوله ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بال هذه النمرقة؟ فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم" وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة".(1)
النمرقة: المخدة، وقيل: هي مرفقة. شرح النووي (14/90)
وقوله: "يقال لهم أحيوا ما خلقتم" فهو الذي يسميه الأصوليون أمر تعجيز كقوله تعالى: { قل فأتوا بعشر سور مثله } . قاله النووي،شرح مسلم (14/90)
وقال النووي: قال العلماء: سبب امتناعهم أي الملائكة من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى.
وعن أبي طلحة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة: بمن جعل مع الله إلها آخر، وبكل جبار عنيد، وبالمصورين".(3)
تحذير المصور في الثياب والحيطان ونحو ذلك
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5954) وفي كتاب الأدب برقم (6109) ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2106).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) السلسلة الصحيحة: (512)، وصحيح الترغيب (3061).
(4) رواه البخاري في كتاب "البيوع" (2225) وفي كتاب "اللباس" (5963) ورواه مسلم في كتاب "اللباس" (2110).(1/295)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم: أحيوا ما خلقتم".(1)
وقالت عائشة رضي الله عنها: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فهتكه وتلون وجهه وقال: "أشد الناس عذابا عند الله الذين يضاهون خلق الله".(2)
السهوة: كالمجلس والصفة في البيت. والقرام: الستر الرقيق.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج عنق من النار فيقول: إني وكلت بكل من دعا مع الله إلها آخر وبكل جبار عنيد وبالمصورين".(3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم".(4)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورةٍ صورها نفسا فتعذبه في جهنم".(5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة أو ليخلقوا ذرة".(6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم (5950) ومسلم في كتاب "اللباس" (2109).
(2) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم (5954)ورواه مسلم في كتاب"اللباس"برقم(2107).
(3) اخرجه الترمذي في "أبواب صفة جهنم" برقم (2574) وأحمد في "المسند" (2/336)، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب صحيح".
(4) رواه البخاري في "اللباس" (950 و 5951) ورواه مسلم في "اللباس" برقم (2018).
(5) رواه البخاري في كتاب "البيوع" (2225) ورواه مسلم في "اللباس" برقم (2110).
(6) رواه البخاري في كتاب "اللباس" برقم (5953) ورواه مسلم في كتاب "اللباس" برقم (2111).(1/296)
وعن سعيد بن ابي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني رجل اصور هذه الصور فافتني فيها. فقال له: ادن مني فدنا ثم قال: ادن مني فدنا حتى وضع يده على رأسه وقال: أنبئك بما سمعت عن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورةٍ نفسا فيعذبه في جهنم" قال ابن عباس: فإن كانت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له. (1)
وفي رواية للبخاري قال: كنت عند ابن عباس إذ جاءه رجل فقال: يا ابن عباس إني رجل إنما معيشتي من صنعة يدي وإني اصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول: "من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها ابداً" فربا الرجل ربوةً شديدة فقال: ويحك! إن ابيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح".(2)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسو الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: ومن أظلم من ذهب يخلق كخلقي! فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة وليخلقوا شعيرة".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2225)ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم(2110).
(2) سبق تخريجه في الرواية السابقة.
(3) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5950) ومسلم في كتاب "اللباس والزينة"م (2109).
(4) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5953) وفي كتاب التوحيد برقم (7559) ورواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2111).(1/297)
وعن حيان بن حصين قال: قال لي علي - رضي الله عنه - : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ "أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته".(1)
وعن أبي طلحة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: واعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبرائيل عليه السلام أن يأتيه فراث عليه حتى اشتد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج فلقيه جبرائيل عليه السلام فشكا إليه فقال: "أنا لا أدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة".(3)
التحذير من القمار واللعب بالنرد
قال الله تعالى: { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } .(4)
وقال تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } .(5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق".(6)
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فإذا كان مجرد القول معصية موجبة للصدقة المكفرة فما ظنك بالفعل؟! وهو داخل في اكل المال بالباطل. أ.هـ(7)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة".(8)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (969).
(2) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم(5949)،ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم(2106).
(3) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5960).
(4) المائدة: (9-91).
(5) البقرة: (188).
(6) رواه البخاري في "التفسير" (4860) ومسلم في الإيمان (1647).
(7) الكبائر.
(8) رواه البخاري.(1/298)
عن بريدة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه".(1)
وفي رواية لأبي داود وابن ماجة: "فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه".(2)
النرد:بفتح النون وسكون الراء": لعب معروف، ويسمى: الكعاب، والنردشير.
قال النووي: هو النرد، فـ (النرد) عجمي معرب و (شير) معناه حلو).
قال الحافظ: ذهب جمهور العلماء إلى أن اللعب بالنرد حرام، ونقل بعض مشايخنا الإجماع على تحريمه، واختلفوا في اللعب بالشطرنج، فذهب بعضهم إلى إباحته، لأنه يستعان به في أمور الحرب ومكائده، لكن شروط ثلاث: أحدهما: أن لا يؤخر بسببه صلاة عن وقتها.
والثاني: أن لا يكون فيه قمار.
والثالث: أن يحفظ لسانه حال اللعب في الفحش والخناء وردئ الكلام، فمتى لعب به أو فعل شيئا من هذه الأمور كان ساقط المروءة مردود الشهادة، وممن ذهب إلى إباحته سعيد بن جبير والشعبي، وكرهه الشافعي كراهة تنزيه، وذهب جماعات من العلماء إلى تحريمه كالنرد وقد ورد ذكر الشطرنج في أحاديث لا اعلم لشيء منها إسناداً صحيحاً ولا حسنا. والله أعلم. أ.هـ(3)
تحذير فيمن ليس في جوفه شيء من القرآن
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن أفقر البيوت بيت ليس فيه شيء من كتاب الله.(4)
(افقر) أي: أفرغها وأجوعها.
التحذير من أن يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه
ولا يصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الشعر برقم (2260).
(2) صحيح الترغيب (3/180).
(3) صحيح الترغيب (3/180 - 181).
(4) رواه الحاكم موقوفا، وقال: "رفعه بعضهم"، وقال الألباني: "حسن لغيره موقوف" الترغيب.(1/299)
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرةً فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم".(1)
وفي رواية: قال: "من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه، كان عليه من الله تِرةً، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه، كانت عليه من الله ترة، وما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه، إلا كان عليه من الله ترة".(2)
(الترة) بكسر التاء المثناة فوق اوتخفيف الراء: هي النقص، وقيل التبعة.
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما قعد قوم مقعداً لا يذكرون الله عز وجل ويصلون على النبي إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة، وإن دخلوا الجنة للثواب".(3)
وعن عبدالله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم اجتمعوا في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله، إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة".(4)
وعن ابي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة".(5)
التحذير من جليس السوء والجلوس وسط الحلقة
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال: "حديث حسن"، ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1512).
(2) رواه أبو داود وأحمد وبان ابي الدنيا والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، السلسلة الصحيحة" (78 و 79).
(3) رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري" وصححه الألباني الترغيب (1513).
(4) رواه الطبراني في " الكبير" و "الأوسط" والبيهقي وقال بالألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1515).
(5) رواه أبو داود و الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب (1514).(1/300)
عن ابي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة".(1)
الكير، بالكسر: كير الحداد، وهو المبني من الطين. وقيل: الزِّق الذي ينفخ به النار، والمبني: الكور. النهاية (4/217)
ويحذيك: يعطيك.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ومثل الجليس الصالح كمثل المسك، إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير، إن لم يصبك منه سواده أصابك من دخانه".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا وتفسحوا يفسح الله لكم".
وفي رواية قال: وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه. (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قام أحدكم من مجلسٍ ثم رجع إليه فهو أحق به".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2101) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2628).
(2) صحيح الترغيب (3065).
(3) رواه البخاري في كتاب الجمعة برقم (911) وفي كتاب الاستئذان برقم (6269 و 6271)، ورواه مسلم في كتاب السلام برقم (2177).
(4) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2179).(1/301)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والجلوس بالطرقات" قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر المعروف والنهي عن المنكر".(1)
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما".
وفي رواية: "لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما".(2)
التحذير من أن ينام المرء على سطح لا تحجير له،
أو يركب البحر عند ارتجاجه
عن عبد الرحمن بن علي -يعني ابن شيبان- عن ابيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بات على ظهر بيت ليس له حجارة، فقد برئت منه الذّمة".(3)
وروي عن جابر - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينام الرجل على سطحٍ ليس بمحجور عليه".(4)
وروي عن أبي عمران الجوني قال: كنا بفارس وعلينا أمير يقال له (زهير بن عبد الله)، فأبصر إنسانا فوق بيت أو جار ليس حوله شيء، فقال لي: سمعت في هذا شيئا؟ قلت: لا. قال: حدثني رجل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بات فوق بيت جار أو فوق بيت ليس حوله شيء يردّ رجله، فقد برئت منه الذمة، ومن ركب البحر بعد ما يرتجّ، فقد برئت منه الذمة".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصيد برقم (2121).
(2) صحيح الترغيب (3071).
(3) صحيح الترغيب (3076).
(4) صحيح الترغيب (3077).(1/302)
وفي رواية للبيهقي عن أبي عمران أيضا قال: "كنت مع زهير الشنوي، فأتينا على رجل نائم على ظهر جدار، وليس له ما يدفع رجليه، فضربته برجله، ثم قال: قم، ثم قال زهير: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بات على ظهر جدار وليس له ما يدفع رجليه، فوقع فمات، فقد برئت منه الذمة، ومن ركب البحر في ارتجاجه، فغرق، فقد برئت منه الذمة".(1)
التحذير من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من اقتنى كلبا إلا صيدٍ أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان".(2)
وفي رواية للبخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اقتنى كلباً ليس بكلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان".(3)
ولمسلم: أيما أهل دارٍ اتخذوا كلباً إلا كلب ماشية أو كلباً صائداً نقص من عملهم كل يوم قيراطان".(4)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أمسك كلباً
فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية".(5)
وفي رواية لمسلم: "من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم".(6)
__________
(1) صحيح الترغيب (3078).
(2) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد برقم (5481)، ومسلم في كتاب المساقاة برقم (1574).
(3) فتح الباري كتاب الذبائح والصيد برقم (5482).
(4) صحيح مسلم كتاب المساقاة برقم (1574).
(5) رواه البخاري في كتاب الخلق برقم (3324)، ومسلم في كتاب المساقاة برقم (1575).
(6) صحيح مسلم في كتاب المساقاة برقم (1575).(1/303)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: واعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبرائيل عليه السلام في ساعة أن يأتيه فجاءت تلك الساعة ولم يأته قالت: وكان بيده عصا فطرحها من يده وهو يقول: "ما يخلف الله وعده ولا رسله"! ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره فقال: "متى دخل هذا الكلب؟" فقلت: والله ما دريت فأمر به فأخرج فجاءه جبريل عليه السلام فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وعدتني فجلست لك ولم تأتيني" فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة. (1)
وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: إني لممّن يرفع أغصان الشجرة عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب فقال: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم، وما من أهل بيت يرتبطون كلبا، إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط إلا كلب صيد، أو كلب حرث، أو كلب غنم".
ورواه ابن ماجة إلا أنه قال: وما من قوم اتخذوا كلبا إلا كلب ماشية، أو كلب صيد، أو كلب حرث، إلا نقص من أجورهم كلّ يوم قيراطان".(2)
التحذير من سفر الرجل وحده
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده".(3)
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلاً قدم من سفرٍ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صحبت؟" قال: ما صحبت أحداً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2104).
(2) صحيح الترغيب (3102).
(3) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2998).
(4) رواه أبو داود برقم (2607) وأحمد برقم (6709) والترمذي برقم (1674) ومالك برقم (1831)، وحسنه الألباني، صحيح ابن خزيمة (4/151)، وقال في الترغيب: "حسن صحيح" (3108).(1/304)
قال الخطابي: معناه أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان، وهو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعو إليه، وكذلك الاثنان، فإذا صاروا ثلاثة فهو ركب جماعة وصحب قال: والمنفرد في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه، ولا عنده من يوصي إليه في ماله ويحمل إلى أهله ويورد خبره إليهم، ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة، فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا وتناوبوا المهنة والحراسة وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ فيها. (1) أ.هـ
تحذير المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها".(2)
وفي رواية لهما: "لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرمٍ منها أو زوجها".(3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرمٍ منها"".(4)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها".
وفي رواية: "مسيرة يوم".
وفي أخرى: "مسيرة ليلة إلا ومعها ذو محرم منها".(5)
__________
(1) عون المعبود، المجلد الرابع (7/191).
(2) رواه البخاري في كتاب جزاء الصيد برقم (1764) ومسلم في كتاب الحج برقم (1340).
(3) رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة برقم (1197) ومسلم في كتاب الحج برقم (827).
(4) رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة برقم (1086 و 1087) ومسلم في كتاب الحج برقم (1338).
(5) رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة برقم (1088) ومسلم في كتاب الحج برقم (1339).(1/305)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم فقام رجل فقال يا رسول الله: اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجَّة. قال: "اذهب فحج مع امرأتك".(1)
انظر أخي وفقك الله في هذا الحديث، فإن النهي فيه صريح في منع المرأة من السفر مسيرة يوم وليلة بدون محرم لها، ومع ذلك نجد في هذا الزمان وللأسف الشديد بعض النساء يسافرن بدون محرم سواء إلى العمرة أو إلى غيرها، وتقوم على الرحلات بعض الجمعيات!!!
قال النووي: فيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة لأنه لما تعارض سفره في الغزوة وفي الحج معها رجح الحج معها لأن الغزو يقوم غيره في مقامه عنه بخلاف الحج معها. أ.هـ.شرح مسلم (9/93)
التحذير من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصحب الملائكة رفقةً فيها كلب ولا جرس".(2)
الجرس: الذي يضرب به، وأجرسه: ضربه.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس"، هو الجلجل الذي يعلق علي الدواب. لسان العرب (6/36) مادة جرس
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجرس مزامير الشيطان".(3)
__________
(1) رواه البخاري برقم (2844) ، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة وكان له عذر هل يؤذن له ، ومسلم برقم (1341) ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره .
(2) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2113)، وأحمد برقم (7512) والترمذي برقم (1703) وأبو داود برقم (2555) والدارمي برقم (2676).
(3) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2114)، وأحمد برقم (8565) وابو داود برقم (2556).(1/306)
قال النووي رحمه الله: وأما الجرس فقيل سبب منافرة الملائكة له أنه شبيه بالنواقيس أو لأنه من المعاليق المنهي عنها، وقيل سببه كراهة صوتها، وتؤيده رواية مزامير الشيطان.. شرح مسلم (14/78)
ويقاس على الجرس الذي هو مزامير الشيطان، المعازف كذلك هي من مزامير الشيطان فيشتركان في العلة، فالراجح لا تصحب الملائكة الرفقة التي فيها الجرس والمعازف. والله أعلم
وأما الكلب فقد اختلف في سبب النهي عن اصطحابه، فقيل لما كان الكلب منهيا عن اقتنائه -إلا كلب ماشية أو صيد- عوقب متخذه بتجنب الملائكة عن صحبته فحرم من بركتهم واستغفراهم وإعانتهم على طاعة الله، وقيل لكونه نجسا. (1) والله أعلم.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمر بالأجراس أن تقطّع من أعناق الإبل يوم بدر".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقطع الأجراس. (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تصحب
الملائكة رفقةً فيها جُلجُل".(4)
الجلجل: هو الجرس الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب وغيرها النهاية.
التحذير من إرسال المواشي أول الليل والتعريس في الطريق
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ترسلوا مواشيكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء فإن الشياطين تبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء".(5)
مواشيكم، وجاء: (فواشيكم) قال أهل اللغة: الفواشي كل منتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها وهي جمع فاشية لأنها تفشوا أي تنتشر في الأرض.
فحمة العشاء: ظلمتها وسوادها، وفسرها بعضهم هنا بإقباله وأول ظلامه.
__________
(1) انظر عون المعبود (7/162) المجلد الرابع.
(2) صحيح الترغيب (3118).
(3) صحيح الترغيب (3119).
(4) صحيح الترغيب (3121)
(5) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2013).(1/307)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها وبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طريق الدواب ومأوى الهوام بالليل".(1)
الخِصب: بكسر الخاء، هو كثرة العشب والمرعى وهو ضد الجدب.
نقيها: أي فحيها ومعناه: اسرعوا حتى تصلوا مقصدكم قبل أن يذهب مخّها من ضنك السير والتعب.
والتعريس: النزول (في أواخر الليل للنوم والراحة).
التحذير من الجلوس بين الظل والشمس
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدكم في الفيء فقلص عنه الظل فصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل، فليقم".(2)
وعن أبي عياض عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يجلس الرجل بين الضح والظل، وقال: "مجلس الشيطان".(3)
(الضح): بكسر الضاد المعجمة وبالحاء المهملة: هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض، وقال ابن الأعرابي: هو لون الشمس.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجلس الرجل بين الظلّ والشمس".(4)
التحذير من "الأمن من مكر الله تعالى"
قال الله تعالى: { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } .(5)
وقال تعالى: { إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون } .(6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الامارة برقم (1926).
(2) رواه أبو داود برقم (4821)، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (838)، وصحيح الترغيب (3084).
(3) رواه أحمد، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3081).
(4) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب (3/191).
(5) الأعراف: (99).
(6) الأنعام: (44).(1/308)
وقال تعالى: { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } .(1)
مبلسون: الإبلاس، اليأس من النجاة عند ورود الهلكة وقال ابن عباس: آيسوا من كل خير.
وقال الزجاج: المبلس الشديد الحسرة اليائس الحزين.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك" فقيل له يا رسول الله أتخاف علينا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن القلوب بين إصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها".(3)
التحذير من الإياس من روح الله تعالى والقنوط
قال الله تعالى: { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } .(4)
وقال الله تعالى: { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } .(5)
وقال تعالى: { وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا } .(6)
وقال تعالى: { قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } .(7)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يموتن أحدكم إلا وهو حسن الظن بالله تعالى".(8)
التحذير من تعليق التمائم والحروز
عن عقبة بن عامر: انه جاء ركب عشرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايع تسعة، وأمسك عن رجل منهم، فقالوا: ما شأنه؟ فقال: "إن في عضده تميمة"، فقطع الرجل التميمة، فبايعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "من علّق فقد أشرك".(9)
__________
(1) يونس: (7).
(2) رواه أحمد والترمذي والحاكم "صحيح الجامع" (1685).
(3) رواه البخاري.
(4) الحج: (56).
(5) يوسف: (87).
(6) الشورى: (28).
(7) الزمر: (73).
(8) رواه مسلم في كتاب "صفة الجنة" برقم (2877) ورواه أبو داود في "الجنائز" برقم (2389).
(9) صحيح الترغيب (3455).(1/309)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أنه دخل على امرأته وفي عنقها شيء معقود، فجذبه فقطّعه، ثم قال: لقد أصبح آل عبد الله أغنياء أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ثم قال: سمعت رسول لله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الرقي والتمائم والتولة شرك".
قالوا: يا أبا عبد الرحمن! هذه الرقي والتمائم قد عرفناهما، فما التولة؟ قال: شيءٌ تصنعه النساء يتحبّبن إلى أزواجهن".(1)
(التولة): بكسر المثناة فوق وبفتح الواو: شيء شبيه بالسحر أو من أنواعه، تفعله المرأة ليحبِّبها إلى زوجها.
وعن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: دخلت على عبد الله بن حكيم أبي معبد الجهني نعوده وبه حمرةٌ، فقلت: ألا تعلِّق شيئا؟ فقال: الموت أقرب من ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تعلَّق شيئا وكل إليه".
ورواه الترمذي إلا أنه قال: فقلنا: ألا تعلّق شيئا؟ فقال: الموت أقرب من ذلك. (2)
قال الخطابي: (التميمة) يقال: إنها خرزة كانوا يعلقونها، يرون أنها ترفع عنهم الآفات، واعتقاد هذا الرأي جهل وضلالة، إذ لا مانع إلا الله، ولا دافع غيره. أ.هـ(3)
التحذير من كراهية الانسان الموت
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه؟؟ فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، قال: "ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه، كره لقاء الله، وكره
الله لقاءه".(4)
__________
(1) صحيح الترغيب (3457).
(2) صحيح الترغيب (3456).
(3) صحيح الترغيب (3/348).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2684).(1/310)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني عن الله-: "إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه".(1)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه". قلنا: يا رسول الله! كلنا يكره الموت؟ قال: "ليس ذلك كراهية الموت، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحبّ الله لقاءه، وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر جاءه ما هو صائر إليه من الشر، أو ما يلقى من الشر، فكره لقاء الله، فكره الله لقاءه".
ورواه النسائي إلا أنه قال: قيل: يا رسول الله! ما منّا أحد إلا يكره الموت؟ قال: "إنه ليس بكراهية الموت، إن المؤمن إذا جاءه البشرى من الله عز وجل لم يكن شيء أحب إليه من لقاء الله، وكان الله للقائه أحبّ، وإن الكافر إذا جاءه ما يكره لم يكن شيء أكره إليه من لقاء الله، وكان الله عز وجل للقائه أكره".(3)
وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك، فحبب إليه لقاءك، وسهل عليه قضاءك، وأقلل له من الدنيا، ومن لم يؤمن بك، ولم يشهد أني رسولك، فلا تحبب إليه لقاءك، ولا تسهل عليه قضاءك، وأكثر له من الدنيا".(4)
التحذير من سب الميت والإساءة له
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم(7505)ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(2685).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507)ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(2683).
(3) صحيح الترغيب (3485).
(4) رواه ابن ابي الدنيا، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، صحيح الترغيب (3488).(1/311)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضوا إلى ما قدموا".(1)
قوله: "أفضوا إلى ما قدموا" : أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر.
قال ابن حجر رحمه الله: "واستدل به على منع سب الأموات مطلقا، وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساوئهم للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأموات. أ.هـ. فتح الباري (3/259)
التحذير من النياحة واللطم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اثنتان هما بالناس كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت".(2)
وقال - رضي الله عنه - : "النائحة إذا لم تتب أُلبست درعاً من جرب وسربالا من قطران
يوم القيامة".(3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".(4)
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه".(5)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نيح
عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة".(6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1393).
(2) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (67).
(3) رواه مسلم في كتاب "الجنائز" برقم (974).
(4) رواه البخاري في كتاب "الجنائز" برقم (1297) ورواه مسلم في كتاب "الإيمان"برقم(103).
(5) رواه البخاري في كتاب "الجنائز" برقم (1292)،ورواه مسلم في كتاب"الجنائز"برقم (927).
(6) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1291)، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (933).(1/312)
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تعدد عليه فتقول: واكذا واكذا، فقال حين افاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذا أنت كذا".(1)
وزاد البخاري: "فلما مات لم تبك عليه" أي بعد هذه القصة، فإنه مات شهيداً في غزوة مؤتة كما هو معروف في كتب الحديث والسيرة. قاله الألباني
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه، واسيداه! أو نحو ذلك، إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا أنت؟!".(2)
(اللهز): هو الدفع بجمع اليد في الصدر.
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي، إذا قالت: واعضداه! وامانعاه، واناصراه، واكاسياه، جبذ الميت فقيل: أنا حِرها أنت؟! أكاسيها أنت؟!".(3)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة".
وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة من الكفر بالله، شقً
الجيب، والنياحة، والطعن في النسب".(5)
وفي رواية لابن حبان: "ثلاثة هي الكفر".
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4267).
(2) رواه ابن ماجة، والترمذي واللفظ له وقال: "حديث حسن صحيح"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3522).
(3) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وحسنه لألباني في الترغيب برقم (3523).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (934).
(5) رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (3525).(1/313)
وفي أخرى: "ثلاث من عمل الجاهلية لا يتركهن أهل الاسلام" فذكر الحديث
(الجيب): هو الخرق الذي يخرج الانسان منه رأسه في القميص ونحوه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة رن إبليس رنةً اجتمعت إليه جنوده. فقال: ايأسوا بأن تردوا أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم، وافشوا فيهم النوح. (1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "النياحة من أمر الجاهلية، وإن النائحة إذا ماتت ولم تتب قطّع الله لها ثيابا من قطران، ودرعاً من لهب النار".(3)
(القطران) بتفح القاف وكسر الطاء، قال ابن عباس: "هو النحاس المذاب"
وقال الحسن: "هو قطران الإبل" وقيل غير ذلك.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
ولما مات أبو سلمة قلت: غريب وفي أرضه غربة، لأبكيّنه بكاءً يتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة تريد أن تساعدني، فاستقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه؟". فكففت عن البكاء، فلم أبك. (4)
تساعدني: أي في البكاء والنوح، قولها (غريب في أرض غربة) لأنه من أهل مكة ومات بالمدينة.
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو يعلى في "المسند الكبير"، والضياء في امختارة، وحسنه الألباني في الترغيب (3526)، والصحيحة برقم (3417).
(2) رواه البزار،وقال المنذر في الترغيب: "رواته ثقات" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3527).
(3) رواه ابن ماجة، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (3/382).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (922).(1/314)
وعن أسيد بن أبي أسيد التابعي ، عن امرأة من المبايعات قالت: "كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا، أن لا نخمش وجها، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، ولا ننشر شعراً".(1)
وعن أبي امامة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية يالويل والثبور".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلُ زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف فيه الحزن، قالت: وأنا أطلع من شق الباب فأتاه رجل فقال: أي رسول الله! إن نساء جعفر - وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن، فذهب الرجل ثم أتى فقال: والله لقد غلبنني أو غلبننا.
فزعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاحثِ في أفواههن التراب".
فقلت: أرغم الله أنفك، فو الله ما أنت بفاعل ولا تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العَنا. (3)
قال النووي: مرادها أن الرجل قاصر عن القيام بما أمر به من الإنكار والتأديب، ومع ذلك لم يفصح بعجزه عن ذلك ليرسل غيره فيستريح من التعب. أ.هـ.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - ، أنه قال: إذ حُضِر: إذا أنا مت فلا يؤذن علي أحد، إني أخاف أن يكون نعياً وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي. (4)
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3535).
(2) رواه ابن ماجة، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني، الترغيب (3536).
(3) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم(1305)،واللفظ له،ومسلم في كتاب الجنائز برقم(935).
(4) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3531)، وأحكام الجنائز ( ص 44).(1/315)
ورواه ابن ماجة إلا أنه قال: كان حذيفة إذا مات له الميت قال: لا تؤذنوا به أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذني هاتين ينهى عن النَّعي. (1)
وعن أبي بردة قال: وجِعَ أبو موسى الأشعري - صلى الله عليه وسلم - ورأسه في حجر امرأة من أهله، فأقبلت تصيح برنة، فلم يستطيع أن يردّ عليها شيئا، فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة".(2)
(الصالقة): التي ترفع صوتها بالندب والنياحة.
(الحالقة): التي تحلق رأسها عند المصيبة.(الشاقة): التي تشق ثوبها.
و (الرنة) هي صوت مع البكاء فيه ترجع كالقلقلة واللقلقة، والقلقلة: الصوت الشديد.
واللقلقة: الصياح والجلبة عن الموت. شرح النووي (2/111)
ورواه النسائي إلا أنه قال: أبرأ إليكم كما برئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من حلق، ولا فرق، ولا صلق".(3)
التحذير من حداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث
عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجةً، غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوجٍ اربعة أشهر وعشرا".
__________
(1) صحيح الترغيب: (3/383).
(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1296)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (104).
(3) صحيح الترغيب (3/384).(1/316)
قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمسّت منه ثم قالت، أما والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج اربعة أشهر وعشرا".(1)
(الخلوق): طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب.
(بعارضيها): عارضا الإنسان: صفحتا خدّيه، "النهاية" (3/212)
والإحداد والحداد في اللغة مشتق من الحد، وهو المنع، لأنها تمنع الزينة والطيب، وفي الشرع: ترك الطيب والزينة. شرح النووي (10/111)
التحذير من أكل مال اليتيم
قال الله تعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا } .(2)
وقال تعالى: { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده } .(3)
وقال تعالى: { وءاتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً } . (4)
وتقدم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها أكل مال اليتيم. (5)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعراج: "فإذا أنا برجال وقد وكل بهم رجال يفكون لحاهم وآخرون يجيشون الصخور من النار فيقذفونها بأفواههم وتخرج من أدبارهم فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً".(6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الطلاق برقم (5334، 5335)، ورواه مسلم في كتاب الطلاق برقم (1486، 1487).
(2) النساء: (10).
(3) الأنعام: (152).
(4) النسا: (2).
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه مسلم(1/317)
وجاء رجل إلى ابي الدرداء - رضي الله عنه - فقال له: أوصني وصية فقال: ارحم اليتيم وأدنه منك وأطعمه من طعامك فقد شكا رجل قسوة قلبه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين".(1)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا أبا ذر! إني أراك ضعيفا، وإني أحبّ لك ما أحب لنفسي، لا تأمّرن على اثنين، ولا تولين مال اليتيم".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الكبائر السبع: أولهن الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".(3)
التحذير من المرور بقبور الظالمين وديارهم،
وبعض ما جاء في عذاب القبر ونعيمه
وسؤال منكر ونكير عليهما السلام
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه -يعني لما وصلوا الحجر ديار ثمود- "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم".(4)
وفي رواية قال: لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين ثم قنّع راسه واسرع السير حتى أجاز الوادي".(5)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1826).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (433) ومسلم في كتاب الزهد برقم (2980).
(5) رواه البخاري في كتاب المغازي برقم (4420).(1/318)
وعن عائشة رضي الله عنها أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر قالت عائشة فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر؟ فقال: "نعم عذاب القبر حق" قالت: فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد كل صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر. (1)
وعن ابن مسعود - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الموتى ليعذبون في قبورهم، حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر".(3)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر فتان القبر، فقال عمر: أتردّ علينا عقولنا يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم كهيئتك اليوم" فقال عمر: بفيهِ الحجر!(4)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا؛ أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فيراهما جميعا".
وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيه! فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1372)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (586).
(2) صحيح الترغيب (3548)، الصحيحة (1377).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة برقم (2868).
(4) صحيح الترغيب (3553).
(5) رواه البخاري ومسلم(1/319)
وفي رواية: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه قال: كنت أعبد الله، فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء غيرها، فينطلق به إلى بيت كان له في النار فيقال له هذا (بيتك) كان لك في النار، ولكن الله عصمك فأبدلك به بيتا في الجنة، فيراه فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن. قال: وإن الكافر أو المنافق إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري! فيقال (له): لا دريت ولا تليت. فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس! فيضربه بمطراق (من حديد) بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين".(1)
ورواه أحمد بإسناد صحيح من حديث أبي سعيد الخدري بنحو الرواية الأولى، وزاد في آخره: فقال بعض القوم: يا رسول الله! ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هيل. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت".
قوله: "إلا هيل" أي : فقد عقله.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت يهودية استطعمت على بابي فقالت: أطعموني أعاذكم الله من فتنة الدجال، ومن فتنة عذاب القبر. قالت: فلم أزل أحبسها حتى جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت: يا رسول الله! ما تقول هذه اليهودية؟ قال: "وما تقول؟".
قلت: تقول: أعاذكم الله من فتنة الدجال، ومن فتنة عذاب القبر. قالت عائشة: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع يديه مداً، يستعيذ بالله من فتنة الدجال، ومن عذاب القبر. ثم قال: "أما فتنة الدجال، فإنه لم يكن نبي إلا (قد) حذر أمته، وسأحدثكما بحديث لم يحذره نبي أمته: إنه أعور، وإن الله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن.
__________
(1) صحيح الترغيب (3/394 - 395).(1/320)
فأما فتنة القبر، فبي تفتنون، وعني تسألون، فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشعوف، ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول في الاسلام. فيقال: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله، جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه، فيفرج له فرجة قبل النار، فينظروا إليها يحطم بعضها بعضا، فيقال له: أنظر إلى ما وقاك الله، ثم يفرج له فرجة إلى الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك منها، ويقال: على اليقين كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله.
وإذا كان الرجل السوء، أجلس في قبره فزعا مشعوفا فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما قالوا، فيفرج له فرجة إلى الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، ويقال له: هذا مقعدك منها، على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، ثم يعذب".(1)
قوله "غير مشعوف": هو بشين معجمة بعدها عين مهملة وآخره فاء، قال أهل اللغة: (الشعف): هو الفزع حتى يذهب بالقلب.
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، ولما يُلحد بعد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير، وبيده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر، (مرتين أو ثلاثا)".
زاد في رواية: وقال: "وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولَّوا مدبرين، حين يقال له: يا هذا! من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟".
وفي رواية: "ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له:من ربك؟ فيقول: ربيَّ الله. فيقولان له: وما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، وآمنت وصدقت".
__________
(1) صحيح الترغيب (3/395).(1/321)
زاد في رواية: "فذلك قوله: { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة } ، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره.
وإن الكافر - فذكر موته قال: فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري، فيقولا: ما دينك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم. فيقول: هاه، هاه، لا أدري. فينادي مناد من السماء: أن قد كذب، فأفرشوه من النار، والبسوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار. فيأتيه من حرّها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، -زاد في رواية-: ثم يقيّض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد، لو ضرب بها جبل لصار ترابا، فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً، ثم تعاد فيه الروح".
مرزبة: بتخفيف الباء، وهي المطرقة الكبيرة.(1/322)
ورواه أحمد بإسناد رواته محتج به في "الصحيح" أطول من هذا، ولفظه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر مثله إلى أن قال: فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر. (مرتين أو ثلاثاً). ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام؛ حتى يجلس عند راسه فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون يعني بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان ابن فلان، بأحسن أسمائه التي كان يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض (فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه) في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان: من ربك ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الاسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرات كتاب الله فآمنت به، وصدقته. فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد.(1/323)
فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي.
وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند راسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال: فتفرّق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان ابن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { لا تفتح له أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } ، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ: { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } ، فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري، قال: فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه، هاه، لا ادري، قال: فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه،هاه، لا أدري، قال: فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه، هاه، لا أردي، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه اضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول له: ابشر بالذي يسؤوك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث.(1/324)
فيقول: رب لا تقم الساعة".
وفي رواية له بمعناه، وزاد: "فيأتيه آت قبيح الوجه قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بهوان من الله وعذاب مقيم، فيقول: وأنت بشرك الله بالشر من انت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا في معصيته، فجزاك الله شرا. ثم يقيض له أعمى أصم في يديه مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة فيصير ترابا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى؛ فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين. -قال البراء-: ثم يفتح له باب من النار، ويمهد له من فرش النار".(1)
قال الحافظ: هذا الحديث حديث حسن، رواته محتج بهم في "الصحيح" كما تقدم، وهو مشهور بالمنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء. كذا قال أبو موسى الأصبهاني رحمه الله. والمنهال روى له البخاري حديثا واحدا. وقال ابن معين: المنهال ثقة. وقال أحمد العجلي: كوفي ثقة، وقال أحمد بن حنبل: تركه شعبة على عمد. قال عبد الرحمن بن ابي حاتم: لأنه سمع من داره صوت قراءة بالتطريب. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت ابي يقول: ابو بشر أحب إلي من المنهال، وزاذان فثقة مشهور، ألانه بعضهم، وروى له مسلم حديثين في صحيحه.
قوله: (هاه، هاه): هي كلمة تقال في الضحك، وفي الإيعاد، وقد تقال للتوجع، وهو أليق بمعنى الحديث. والله أعلم.
__________
(1) صحيح الترغيب (3558).(1/325)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحرير بيضاء، فيقولون: اخرجي إلى روح الله، فتخرج كأطيب ريح المسك حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا، فيشمّونه، حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من الأرض؟ ولا يأتون سماء إلا قالوا مثل ذلك، حتى يأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحاً من أهل الغائب بغائبهم، فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح؛ فإنه كان في غم الدنيا، فيقول: قد مات، أما أتاكم؟ فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية.
وأما الكافر، فيأتيه ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي إلى غضب الله، فتخرج كأنتن ريح جيفة، فيذهب به إلى باب الأرض. (1)
وعن أبي هريرة أيضا؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قبر الميت –أو قال: أحدكم- أتاه ملكان أسودان ازرقان، يقال لأحدهما المنكر، وللآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وان محمداً عبده ورسوله. فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم؟ فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.
وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله: لا ادري؟ فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك".(2)
(العروس): يطلق على الرجل وعلى المرأة، ما داما في أعراسهما.
__________
(1) صحيح الترغيب (3559).
(2) صحيح الترغيب (3560).(1/326)
وعن ابي هريرة أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند راسه وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل، فيقال له: اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس، وقد آذنت للغروب، فيقال له: ارأيتك هذا الذي كان قبلكم؛ ما تقول فيه، وماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك ستفعل، أخبرنا عما نسألك عنه، أرايتك هذا الرجل الذي كان قبلكم، ماذا تقول فيه، وماذا تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمد، أشهد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من ابواب الجنة فيقال له: هذا مقعدك منها، وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسروراً، ثم يفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطة وسرورا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا، وينور له فيه، ويعاد الجسد لما بدئ منه، فتجعل نسمته في النسم الطيب، وهي طير تعل من شجر الجنة، فذلك قوله: { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } الآية.(1/327)
وإن الكافر إذا أُتي من قبل رأسه لم يوجد شيء ثم أتي عن يمينه فلا يوجد شيء، ثم أتي عن شماله فلا يوجد شيء، ثم أتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء، فيقال له: اجلس، فيجلس مرعوبا خائفا، فيقال: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم؛ ماذا تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ فيقول: أي رجل؟ ولا يهتدي لاسمه، فيقال له: محمد، فيقول: لا أدري، سمعت الناس قالوا قولا، فقلت كما قال الناس! فيقال له: على ذلك حييت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك من النار، وما أعد الله لك فيها، فيزداد حسرة وثبورا، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له: هذا مقعدك منها، وما أعد الله لك فيها لو أطعته، فيزداد حسرة وثبورا، ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: { فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } ".(1)
وزاد الطبراني: "قال أبو عمير يعني الضرير: قلت لحماد بن سلمة: كان هذا من أهل القبلة؟ قال: نعم. قال أبو عمر: كان يشهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه؛ كان يسمع الناس يقولون شيئا فيقوله".
وفي رواية للطبراني: "يؤتى الرجل في قبره، فإذا أتي من قبل رأسه دفعته تلاوة القرآن، وإذا اتي من قبل يديه دفعته الصدقة، وإذا أتي من قبل رجليه دفعه مشيه إلى المساجد.." الحديث. (2)
(النسمة) بفتح النون والسين: هي الروح.
قوله (تعلق) بضم اللام؛ أي: تأكل.
قال الحافظ: وقد أملينا في "الترهيب من إصابة البول الثوب" وفي "النميمة" جملة من الأحاديث في أن عذاب القبر من البول والنميمة، لم نعد من تلك الأحاديث هنا شيئا، والأحاديث في عذاب القبر وسؤال الملكين كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية. والله الموفق، لا رب غيره.
__________
(1) صحيح الترغيب (3561).
(2) صحيح الترغيب (3/405).(1/328)
وقد روي عن ابن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر".(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا النبي محمد؟ فأما المؤمن فيقول: اشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له: انظر إلى مقعدك من النارأبدلك الله به مقعداً من الجنة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فيراهما جميعاً وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيه فيقال: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين".(3)
قوله: "تليت" أصله تلوت، أي لا فهمت ولا قرأت القرآن، والمعنى لا دريت ولا اتبعت من يدري.
والمراد بالثقلين الإنس والجن.
__________
(1) صحيح الترغيب (3/405).
(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1379) ومسلم في كتاب الجنة برقم (2866).
(3) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1338) ومسلم في كتاب الجنة برقم (2870)، صحيح الترغيب برقم (3550).(1/329)
وعن هانئ مولى عثمان بن عفان قال: كان عثمان - صلى الله عليه وسلم - إذا وقف على قبر بكى حتى يبلَّ لحيته، فقيل له: تذكروا الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إني سمعت رسول الله الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد".(1)
قال: وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء، فيرحَّب له في قبره سبعين ذراعا، وينور له كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية: { فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } . قال: "أتدرون ما المعيشة الضَّنك؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا، أتدرون ما التنين؟تسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس يلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة".(2)
__________
(1) رواه الترمذي (3/259)، ابن ماجة (4267)، والحاكم (4/330) وقال: صحيح الإسناد، وحسنه الترمذي.
(2) صحيح الترغيب (3552)، الصحيحة (3350)، أحكام الجنائز ص 156-157.(1/330)
وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه قال: كنت أعبد الله فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله فما يسأل عن شيء بعدها فينطلق به إلى بيت كان له في النار فيقال له: هذا كان لك ولكن الله عصمك فأبدلك به بيتا في الجنة فيراه فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي فيقال له: اسكن قال: وإن الكافر أو المنافق إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول لا أدري فيقال: لا دريت ولا تليت. فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس فيضربه بمطراق بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين".(1)
التحذير من الجلوس على القبر وكسر عظم الميت
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يجلس احدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر".(2)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي، أحبّ إلي من أن أمشي على قبر".(3)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "لأن أطأ على جمرة أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم".(4)
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كسر عظم الميت ككسره حيّا".(5)
وعن عمرو بن حزم - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "انزل عن القبر ، لاتؤذ صاحب هذا القبر" . السلسلة الصحيحة رقم (2960) .
ظهور المهدي
__________
(1) رواه أبو داود في سننه برقم (4751).
(2) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (971).
(3) صحيح الترغيب (3564).
(4) صحيح الترغيب ( 3565)
(5) صحيح الترغيب ( 3567)(1/331)
يظهر في آخر الزمان وهو أول العلامات الكبرى للساعة التي إذا ظهر أولها تتابعت بقيتها كتتابع الخرز في العقد إذا انفرط.
فعن أبي سعيد الخدري - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانيا يعني حججا".(1)
وعن قرة بن إياس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لتملأن الأرض جورا وظلما،فإذا ملئت جورا وظلما،بعث الله رجلا مني،اسمه اسمي ، فيملؤها قسطا وعدلا،كما ملئت جورا وظلما"(2) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المهدي من آل البيت يصلحه الله في ليلة".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يملك سبع سنين".(4)
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة".(5)
أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم".(6)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" قال: "فينزل عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيقول أميرهم: تعالى صلّ لنا فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة".(7)
__________
(1) السلسلة الصحيحة (1/7).
(2) السلسلة الصحيحة حديث رقم (1529) .
(3) صحيح الجامع رقم (6611).
(4) رواه أبو داود برقم (4285).
(5) صحيح الجامع برقم (6610).
(6) متفق عليه.
(7) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (156).(1/332)
قال ابن كثير: في زمانه تكون الثمار كثيرة، و الزروع غزيرة، والمال وافراً، والسلطانُ قاهراً، والدين قائماً، والعدو راغماً، والخير في أيامه دائماً"(1).أ.هـ
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحا" فقال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: "بالسوية بين الناس" قال: "ويملأ الله قلوب أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - غنى ويسعهم عدله حتى يأمر مناديا فينادي فيقول: من له في مال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل فيقول: أئت السدان يعني الخازن فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا فيقول له: احث حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفساً أو عجز عني ما وسعهم؟!" قال: "فيردونه فلا يقبل منه فيقال له: إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ثم لا خير في العيش بعده" أو قال: "ثم لا خير في الحياة بعد".(2)
الدجال صفته ومكان خروجه ومدة مكثه
"إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق،يقال لها:(خراسان)،يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة"(3) .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بينما أنا نائم أطوف بالبيت -وذكر فيه أنه رأى الدجال فقال-: فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأن عينه عنبة طافئة".(4)
وعنه - رضي الله عنه - أنه قال: "إن مسيح الدجال رجل قصير أفجح جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجراء فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور".(5)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وإن بين عينيه مكتوب كافر".(6)
__________
(1) الفتن والملاحم (1/31).
(2) مسند أحمد رقم (10933).
(3) السلسلة الصحيحة حديث رقم (1591) .
(4) متفق عليه.
(5) رواه أبي داود وأحمد.
(6) متفق عليه.(1/333)
وعند مسلم: "ثم تهجاها (ك ف ر) يقرؤه كل مسلم".(1)
وفي حديث الجساسة وهو حديث تميم الداري الذي روته فاطمة بنت قيس تحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير فإذا فيه أغظم! إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد قلنا: ويلك ما أنت؟ ... قال... إني أنا المسيح (أي الدجال)". (2)
مكان خروجه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان".(3)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يخرج من يهودية أصبهان معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان".(4)
مدة مكثه في الأرض
سأل الصحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما: يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم".
قالوا: قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث إذا استدبرته الريح".(5)
مكة والمدينة لا يدخلها الدجال
جاء في تمام حديث الجساسة أن الدجال قال: "فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلداً يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها".(6)
وفي رواية قال: "وإنه يمكث في الأرض اربعين صباحاً يبلغ فيها كل منهل ولا يقرب أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة ومسجد الطور، ومسجد الأقصى".(7)
شدة فتنة الدجال والوقاية منها
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الفتن برقم (2933).
(2) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2942).
(3) رواه الترمذي في كتاب الفتن برقم (1263).
(4) رواه أحمد في مسنده برقم (12865).
(5) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2937).
(6) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2942).
(7) مجمع الزوائد (7/343).(1/334)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبر من فتنة الدجال".(1)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما كانت فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال".(2)
ولقد ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع (قال الراوي) "حتى ظنناه في طائفة النخل".(3) وذلك لما يكون معه من الفتن الشديدة فمنها:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار".(4)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "... معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماء أبيض والآخر رأى العين نار تأجج فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد".(5)
ولمسلم أيضا من حديث النواس ابن سمعان - رضي الله عنه - في ذكر الدجال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "... فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصِر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل (أي: ذكور النحل) ثم يدعوا رجلاً ممتلئا شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك".(6)
__________
(1) رواه أحمد في مسنده برقم (15674).
(2) رواه أحمد في مسنده برقم (13598).
(3) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2937).
(4) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2934).
(5) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2934).
(6) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2937).(1/335)
وعند البخاري من رواية أبي سعيد مرفوعا أن هذا الرجل الذي يقتله الدجال: "من خيار الناس أو خير الناس يخرج إلى الدجال من مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا فيقتله ثم يحييه فيقول (أي الرجل): والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه".(1)
وفي لفظ يقول الرجل للدجال: "أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من فتته أن يقول للأعرابي: أرايت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول نعم فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني! اتبعه فإنه ربك".(2)
أتباعه: يتبع الدجال الكثير من الدهماء ومن النساء، ومن اليهود والعجم.
فعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة".(3)
وعند أحمد مرفوعا: "سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان".(4)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل الدجال في هذه السبخة فيكون أكثر من يخرج إليه النساء حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه والى أمه وابنته واخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه".(5)
الوقاية من فتنة الدجال
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال".(6)
قال - صلى الله عليه وسلم - : "من سمع بالدجال فلينا عنه فوالله إن الرجل يأتيه وهو
يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث من الشبهات".(7)
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الفتن برقم (7132).
(2) صحيح الجامع برقم (7752).
(3) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2944).
(4) مسند أحمد برقم (12865).
(5) مسند أحمد برقم (5099).
(6) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1342).
(7) رواه أبو داود في الملاحم برقم (3762).(1/336)
نزول عيسى عليه السلام
قال الله تعالى: { ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يَصِدُّونَ } .(1)
إلى قوله تعالى: { وإنه لَعِلْم للساعة فلا تمترُنَّ بها واتبعون } .(2)
قال أهل التفسير: أي: نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة
علامة على قرب الساعة.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها".(3)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كيف أنتم إذا أنزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم".(4)
صفة نزوله وقتله للدجال
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه (أي: يطلب الدجال) حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة".(5)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يقتل ابن مريم الدجال بباب لد".(6)
__________
(1) الزخرف: (57).
(2) الزخرف: (61).
(3) متفق عليه.
(4) متفق عليه.
(5) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2937).
(6) رواه الترمذي في كتاب الفتن برقم (2170).(1/337)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم (وذكر فيه) ثم ينزل عيسى بن مريم فينادى من السَّحَر فيقول: أيها الناس! ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث فيقولون: هذا رجل جني فينطلقون فإذا هم بعيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فتقام الصلاة فيقال له: تقدم يا روح الله! فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه قال: فحين يرى الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله حتى إن الشجرة والحجر ينادي: يا روح الله! هذا يهودي فلا يترك ممن كان يتبعه أحداً إلا قتله".(1)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: في زمن عيسى: "يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون في قحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقمة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقمة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "وتقع الأمنة كل الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمار مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات ولا تضرهم".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء، والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد".(4)
جاء عن أحمد: "يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون".(5)
خروج يأجوج ومأجوج
يخرجون في زمان عيسى عليه السلام ويهلكهم الله ببركة دعائه عليهم في ليلة واحدة.النهاية في الفتن لابن كثير (99)
__________
(1) رواه أحمد في مسنده برقم (14426).
(2) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2937).
(3) مسند أحمد (8902).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (155).
(5) المسند (8902).(1/338)
قال الله تعالى: { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج هم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين } .(1)
وقال تعالى حاكيا عن قصة ذي القرنين: { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً } إلى قوله { ما استطاعوا له نقبا } .(2)
وعن ابن حرملة عن خالته قالت: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عاصب إصبعهُ من لدغة عقرب فقال: "إنكم تقولون: لا عدو وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف من كل حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرقة".(3)
وذكر الحافظ ابن حجر في صفتهم ثلاثة أصناف:
1. صنف أجسادهم كالأرز وهو شجر كبار جداً.
2. وصنف أربعة أذرع في أربعة أذرع.
3. وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى.
اقتراب خروجهم من السد
عن زينب بنت جحش: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام عندها ثم استيقظ محمراً وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله ويلٌ للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين أصبعيه قالت: قلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث".(4)
الإذن في خروجهم من السد
قال الله تعالى: { قال هذا رحمةٌ من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا } .(5)
__________
(1) الأنبياء: (96، 97).
(2) الكهف: (94، 97).
(3) مسند أحمد (21299).
(4) متفق عليه.
(5) الكهف: (98 و 99).(1/339)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً فيعودون إليه كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله عز وجل أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كانوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله ويستثنى فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس".(1)
فسادهم في الأرض وهلاكهم بدعاء عيسى
عليه السلام عليهم
جاء في حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - المرفوع: "إذا أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء".(2)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما كان ليلة أسري بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لقى إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام (إلى أن قال) فردوا الحديث إلى عيسى (فذكر هلاك يأجوج ومأجوج فقال): "فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون لا يمرون بماء إلا شربوه ولا بشيء إلا أفسدوه يجأرون إلي فأدعو الله فيميتهم فتجوى الأرض من ريحهم فيجأرون إلي فأدعو الله فيرسل السماء بالماء فيحملهم فيقذف بأجسامهم في البحر".(3)
__________
(1) مسند أحمد: (22 و 102).
(2) رواه مسلم برقم (2937).
(3) متسدرك الحاكم (4/488 - 489).(1/340)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (وفيه) أنه قال: "فيخرجون على الناس فيستقون الماء ويفر الناس منهم فيدمون بسهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون: قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسوة وعلواً قال: فيبعث الله عز وجل عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكون فوالذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض تسمن وتبطر وتشكر شكراً من لحومهم".(1)
وفي تمام حديث النواس السابق قال - صلى الله عليه وسلم - : "فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى (أي: قتلى) كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع إلا ملأه رهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله".(2)
طلوع الشمس من مغربها
قال الله تعالى: { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون } .(3)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { ذلك حين تطلع الشمس من مغربها } .(4)
قال البخاري (وساقه بسنده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) عند تفسيره هذه الآية قال: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. (5)
__________
(1) رواه الترمذي برقم (3078).
(2) رواه مسلم برقم (2939).
(3) الأنعام: (158).
(4) تفسير القرطبي (8/103).
(5) متفق عليه، واللفظ للبخاري.(1/341)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوما: "أتدرون أين تذهب الشمس؟" قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقهرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارتفعي اصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا".(1)
إغلاق باب الايمان والتوبة إذا طلعت الشمس من مغربها
قال تعالى: { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } .(2)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا".(3)
وفي رواية: "فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها ثم قرأ الآية".(4)
وعند مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".(5)
__________
(1) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
(2) الأنعام: (158).
(3) رواه البخاري برقم (4635).
(4) رواه البخاري برقم (4636).
(5) رواه مسلم برقم (2759).(1/342)
قال القرطبي: قال العلماء: وإنما لا تنفع نفساً إيمانها عند طلوع الشمس من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس وتفتر كل قوة من قوى البدن فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانهم من أبدانهم فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من يحضره الموت".(1)
قال ابن كثير: "إذا أنشأ الكافر إيماناً يومئذ لا يقبل منه فأما من كان مؤمناً قبل ذلك فإن كان مصلحاً في عمله فهو بخير عظيم وإن كان مخلصاً فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبة".(2)
قال ابن حجر: بعد أن ذكر أحاديث وآثاراً تدل على استمرار إغلاق باب التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها إلى يوم القيامة قال: "فهذه آثار يشد بعضها بعضاً متفقة على أن الشمس إذا طلعت من المغرب أغلق باب التوبة ولم يفتح بعد ذلك وأن ذلك لا يختص بيوم الطلوع بل يمتد إلى يوم القيامة".(3)
خراب الكعبة شرفها الله تعالى
على يدي ذي السويقتين الأفجح قبحه الله
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرب الكعبة ذو السَّويِقُتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها ولكأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله".(4)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "كأني أنظر إليه أسود أفحج ينقضها حجراً حجراً " يعني الكعبة. (5)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ذو السويقتين من الحبشة يخرب بيت الله عز وجل".(6)
وخراب الكعبة -شرفها الله على يدي هذا الأفجح- قبحه الله تعالى إنما يقع في آخر الزمان حين لا يبقى في الأرض أحد يقول: الله، الله.
__________
(1) تفسير القرطبي (7/146)
(2) تفسير ابن كثير (3/173).
(3) فتح الباري (11/354 - 355).
(4) أحمد (6756).
(5) أحمد (1906).
(6) أحمد (9036).(1/343)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "يبايع الرجل ما بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله فإذا استحلوه فلا يسأل عن هلكة العرب ثم تأتي الحبشة فيخربونه خراباً لا يعمر بعده أبداً وهم الذين يستخرجون كنزه".(1)
خروج الدابة
قال الله تعالى: { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابةً من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يقونون } .(2)
قال العلماء: أي وجب عليهم الوعيد لتماديهم في العصيان والفسوق والطغيان وانتهائهم في المعاصي إلى ما لا ينجح معه فيهم موعظة ولا يصرفهم عن غيرهم تذكرة، فإذا صاروا كذلك (يقول عز من قائل): أخرجنا لهم دابة من الأرض، أي: دابة تعقل وتنطق والدواب في العادة لا كلام لها ولا عقل ليعم الناس أن ذلك آية من عند الله تعالى. (3)
وخروج الدابة يكون قريب من طلوع الشمس ومن مغربها
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريب".(4)
مكان خروج الدابة: قيل إنها تخرج من المسجد الحرام
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس عنها شتى ومعا، وبقيت عصابة من المؤمنين، وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله فبدأت بهم فجلّت وجوههم حتى جعلتها مثل الكوكب الدري وَ وَلت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليعوذ فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان: الآن تصلي؟ فيقبل عليها فتسمه في وجهه".(5)
كلام الدابة وعملها
__________
(1) السلسلة الصحيحة (579).
(2) النمل: (82).
(3) التذكرة للقرطبي (697).
(4) رواه مسلم برقم (2941).
(5) رواه الطيالسي (2/221).(1/344)
قال تعالى: { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلمهم } .(1)
قال ابن عباس والحسن وقتادة: أي تخاطبهم مخاطبة وقال ابن جرير تقول لهم: "إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون". (2)
وقال ابن كثير: خروج الدابة على شكل غير مألوف ومخاطبتها للناس ووسمها إياهم بالكفر، أمر خارج عن مجرى العادات، وهو أول الآيات الأرضية كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها أول الآيات السماوية. (3)
وعن ابي أمامة - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطمين".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تخرج الدابة ومعها عصا موسى عليه السلام، وخاتم سليمان عليه السلام فتخطم الكافر، قال عفان -أحد رواة الحديث- أنف الكافر بالخاتم وتجلو وجه المؤمن بالعصا حتى إن أهل الخوان -ما يوضع عليه الطعام- ليجتمعون على خوانهم فيقول هذا: يا مؤمن! ويقول هذا: يا كافر".(5)
الخسوفات الثلاثة والدخان
عن حذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - قال: أطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر الساعة قال: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف المغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم".(6)
__________
(1) النمل: (82).
(2) الفتن والمالجم/ ابن كثير (1/106).
(3) المصدر السابق (1/109).
(4) السلسلة الصحيحة برقم (322).
(5) أخرجه أحمد (7596 و 9966).
(6) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2901).(1/345)
ويرى بعض العلماء أن هذه الخسوفات قد وقعت، والظاهر -والله أعلم- أنها لم تقع بعد وأنها من الأشراط الكبرى.
يقول الحافظ ابن حجر : قد وجد الخسف في مواضع، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد".(1)
الدخان
قال تعالى: { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم } .(2)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "بادروا بالأعمال ستا -ثم ذكر منهن- الدخان".(3)
وقد اختلف العلماء في أمر الدخان، هل هو الذي أصاب قريش في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن العلماء من يراه ذلك على قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وجماعة من السلف ومنهم من يرى أنه لم يظهر بعد وأنه من العلامات الكبرى على قول عبد الله بن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين والله أعلم بالصواب.
النار التي تسوق الناس إلى محشرهم
هذه آخر العلامات من عمر الدنيا، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة، وهذا الحشر ليس المقصود به الحشر من القبور، ولكنه حشر من عمر الدنيا كما قال جمهور العلماء.
وعن حذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - قال: اطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر الساعة قال: "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات -إلى أن قال- وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم".(4)
وفي رواية: "ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس".(5)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سيخرج نار من حضرموت أو من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس".(6)
__________
(1) فتح الباري (13/84).
(2) الدخان: (10و11).
(3) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2947).
(4) سبق تخريجه
(5) صحيح مسلم كتاب الفتن.
(6) مسند أحمد (5121).(1/346)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يحشر الناس على ثلاث طرائق -وذكر فيه- ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا".(1)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تبعث نار على أهل المشرق فتحشرهم إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا ويكون لها ما سقط منهم وتخلف وتسوقهم سوق الجمل الكسير".(2)
قال الشيخ يوسف الوابل: "كون النار تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها ... وعندما تنتشر يكون حشرها لأهل المشرق أولا".(3)
وقد ذهب بعض من أهل العلم إلى أن حشر النار المذكور في الآخرة ولكن الحق الذي عليه الجمهور وذكره القرطبي وابن كثير وغيرهم أن حشر النار هذا يكون في الدنيا وقبيل النفخ في الصور.
فصل في قبض أرواح المؤمنين قبل الساعة
ويبقى شرار الخلق عليهم تقوم الساعة
روى مسلم في صحيحه بعد أن ساق الحديث بسنده إلى عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "... يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد لدخلته عليه حتى تقبضه".(4)
وفي رواية: "ريحاً طيبة فتأخذهم من تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة".(5)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء".(6)
__________
(1) متفق عليه.
(2) مجمع الزوائد.
(3) أشراط الساعة
(4) صحيح مسلم كتاب الفتن برقم (2939).
(5) صحيح مسلم كتبا الفتن برقم (2937).
(6) صحيح البخاري كتاب الفتن برقم (7067).(1/347)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية".(1)
فصل النفخ في الصور وقيام الساعة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بين النفختين أربعون" قيل: أربعون يوماً؟ قال أبو هريرة: أبَيْتُ. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيتُ "ثم ينزلُ من السماءِ ماءً، فينبتون كما ينبت البقل، وليس من الإنسان شيءٌ إلا يَبْلَى إلا عظمٌ واحِدٌ وهو عجب الذنب، منه يركب الخلق يومَ القيامة".(2)
أبيت: معناه أن أجزم أن المراد أربعون يوماً أو سنة أو شهراً، بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة. وقد جاءت مفسرة من رواية غيره في غير مسلم: أربعون سنة. شرح النووي (18/91، 92).
عجب الذنب: هو العظم الحديد الذي يكون في أسفل الصُّلْب، وأصل الذنب ذوات الأربع.
قال النووي: وهو رأس العصعص، ويقال له "عجم" بالميم، وهو أول ما يُخلق من الأدمي.شرح النووي (18/92).
وفي رواية لمسلم قال: "إن في الإنسان عَظْماً لا تأكُلُه الأرضُ أبداً، فيه يركب الخلق يوم القيامة". قالوا: أي عظم هو يا رسول الله؟ قال: "عجب الذَّنب"(3).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما الصُّورُ؟ قال:"قرنٌ يُنفَخُ فيهِ".(4)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كيف أنعَمُ وقد التقم صاحبُ القرْنِ القَرنَ، وحنى جبهَتَهُ، وأصْغَى سَمْعَهُ، ينتظرُ أن يؤمَر فَيَنْفُخَ؟!".
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الفتن برقم (1924).
(2) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4953) ومسلم في كتاب الفتن برقم (2955).
(3) صحيح مسلم رقم (2955) كتاب الفتن.
(4) صحيح الترغيب (3568).(1/348)
فكأن ذلك ثَقُلَ على أصحابه فقالوا: كيفَ نفعل يا رسول الله! أو نقولُ؟ قال: "قولوا: حسبنا الله، ونعم الوكيلُ، على الله توكلنا، وربما قالَ: توكلنا على الله".(1)
وعنه أنه لما حضَره الموتُ دَعا بثيابٍ جُدُدٍ فَلبسَها، ثم قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الميتُ يُبْعَثُ في ثيابه التي يَموتُ فيها".(2)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ... فوالذي نفسي بيده إن الرجلين ينشران الثوابَ فلا يطويانه، وإن الرجل ليمدُرُ حوضَه فلا يسقي منه شَيئاً أبداً، والرجل يحلبُ ناقته فلا يشربه أبداً"(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "لتقومُ الساعةُ وثوبُهما بينهما لا يبايِعانِه ولا يصويانه، ولتقوم الساعةُ وقد انصرف بَلبن لقحته لا يطعَمُه، ولتقومُ الساعةُ يلوط حَوْضَهُ لا يسقيه، وتقوم الساعةُ وقد رفع لُقْمتَهُ إلى فيه لا يَطعَمُها".(4)
(لاطَه) بالطاء المهملة بمعنى: مَدَرَه.
والمدر: هو الطين المتماسك.
فصل في الحشر وغيره
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطُبُ على المنبر يقول: "إنكم مُلاقُو الله حفاةً عراةً غُرْلاً".
زاد في رواية: "مشاةً".
__________
(1) صحيح الترغيب (3569).
(2) صحيح الترغيب (3575).
(3) صحيح الترغيب (3572).
(4) رواه ابن حبان في صحيحه ورواه البخاري (6506) في حديث بنجوه، ومسلم (8/210) دون الجملة الأخيرة.(1/349)
وفي رواية قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموعظة، فقال: "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حُفاةً عراةً غُرلاً { كما بدأنا أول خلقٍ نعيده، وعدا علينا إنا كنا فاعلين } (1) ألا وإن أول الخلائق يُكسى إبراهيمُ عليه السلام، ألا وإنه سيجاءُ برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمالِ فأقول: كما قال العبد الصالح: { و كنت عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم } إلى قوله: { العزيز الحكيم } (2) قال فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذُ فارقتهم"
زاد في رواية: "فأقول سُحقاً سُحقاً".(3)
غرلاً: جمع أغرل، وهو الأقلف. وقال النووي في شرحه على مسلم. غرلاً: معناه غير مختونين، جمع أغرل وهو الذي لم يختن، وبقيت معه غرلته، وهي قلفته، وهي الجلدة التي تقطع في الختان.
سحقاً: قال ابن عباس: بعداً.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يُحشرُ الناسُ حُفاةً عُراةً غرلاً". قالت عائشة: فقلت: الرجال والنساءُ جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: "الأمر أشدُّ من أن يُهِمهمْ ذلك". وفي رواية: "مِنْ أنْ ينظُرَ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ".(4)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يحشر الناسُ يوم القيامة على أرضٍ بيضاءَ عَفْراءَ، كقُرصةٍ النقي ليس فيها علَمٌ لأحَدٍ".
وفي رواية: قال سهل أو غيره: "ليس فيها معلمٌ لأحَدٍ".(5)
عفراء: هي البيضاء ليس بياضها بالناصع. والنقي: هو الخبر الأبيض.
__________
(1) الأنبياء (104).
(2) المائدة (17،18).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6524و 6525و 6526) وفي كتاب التفسير رقم (4625) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2860).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6527) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2859).
(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6521) ومسلم في كتاب المنافقين برقم (2790).(1/350)
المعلم: ما يجعل علماً وعلامة لطريق والحدود. ومعناه: أنها لم توطأ قبلُ، فيكون فيها أثر علامة لأحد.
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله! قال الله تعالى: { الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم } (1) أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أليس الذي أمشاهُ على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهِهِ". قال قتادةُ حين بلغه: بَلى وعِزَّةِ ربِّنا".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يُحشر الناس يوم القيامة على ثلاثِ طرائق: راغِبينَ وَرَاهِبينَ، واثنانِ على بَعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعَشرَةٌ على بعير، ويُحشر بقيتهمُ النارُ، تقيلُ معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتُصبحُ حيث أصبحوا، وتُمسِي معهم حيثُ أمسَوْا".(3)
الطرائق: جمع طريقة، وهي الحالة.
قال الخطابي: هذا الحشر يكون قبل قيام الساعة، تحشر الناس أحياء إلى الشام. وأما الحشر من القبور إلى الموقف فهو على خلاف هذه الصورة من الركوب على الإبل والتعاقب عليها، وإنما ورد هو على ما ورد في حديث ابن عباس في الباب "حفاة عراة مشاة". وهو الصحيح لظاهر الحديث.فتح الباري (11/379)
وقال النووي: وهذا آخر أشراط الساعة كما ذكر مسلم بعد هذا في آيات الساعة وقال: وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس، وفي رواية تطرد الناس إلى محشرهم.شرح النووي (17/195)
__________
(1) الفرقان (34).
(2) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4760) ومسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2806).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6522) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2861).(1/351)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَعْرقُ الناسُ يومَ القيامة حتى يذهَبَ في الأرض عَرَقُهم سبعينَ ذِرَاعاً وإنه يُلُجِمُهُمْ حتى يَبْلُغَ آذانَهُمْ".(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: { يوم يقومُ الناس لربِّ العالمين } ،(2) يقومُ أحَدُهُمْ في رَشْحِةِ إلى أنصاف أذُنَيْه".(3)
وعن المقداد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تُدْنى الشمسُ يومَ القيامة من الخَلْقُ، حتى تكونَ منهم كمقدار ميلٍ". قال سليم بن عامر: والله ما أدْرِي ما يعني بالميلِ، مسافةَ الأرض، أو الميلَ التي تكحل به العَيْن؟ قال: "فيكونُ الناسُ على قدْرِ أعمالهم في العرق، فمنهم من يكونُ إلى كعبيه ومنهم من يكونُ إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجُمه العَرَقُ إلجاماً" وأشارَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدهِ إلى فيه".(4)
وعن سودة بنت زمعة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يُبعثُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرلاً، قد ألجمَهم العرقُ، وبلغ شُحوم الأذانِ". فقلت: يُبصرُ بعضُنا بعضاً؟ فقال: "شُغِلَ الناسُ، { لكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأْنٌ يغنيه } .(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6532)، ومسلم في كتاب الجنة نعيمها برقم(2863).
(2) المطففين (6).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6531) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2862).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2864).
(5) صحيح الترغيب (3579)، والصحيحة (3469).(1/352)
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذَّرِّ في صُوَرِ الرجال، يَغْشاهُم الذُّلُّ من كل مكان، يُساقون إلى سجْنٍ في جَهنَّم يُقالُ له: (بُولَسُ)، تعلوهُمْ نَارُ الأنيار، يُسقونَ من عُصَارةِ أهل النار: طينَةِ الخَبالِ".(1)
الرشح: بفتح فسكون: هو العرق شبه برشح الإناء لكونه يخرج من البدن شيئاً فشيئاً.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنكم تُحشَرون رجالاً ورُكْبَاناً، وتجرونَ على وجوهكُمْ".(2)
فصل في ذكر الحساب وغيره
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نُوقِشَ الحسابَ عُذِّب". فقلت: أليس يقول الله: { فأما من أُوتيَ كتابَهُ بيمينِهِ فسوف يُحاسَبْ حسابا يسيراً، وينقلِبُ إلى أهله مسرورا } (3)؟
فقال: "إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسَبُ يوم القيامة إلا هلَك".(4)
وعنها أنها كانت تقولُ: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لن يُدْخِلَ أحَداً الجنةَ عَمَلُهُ". قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برَحْمتِه".(5)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) صحيح الترغيب (3582).
(3) الانشقاق (7،8).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6536و 6537) وفي كتاب العلم برقم (103) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2876).
(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6467) ومسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2818).(1/353)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المفلسُ من أمتي مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، ويسفَكَ دَمَ هذا، وضربَ هذا، فَيُعطَي هذا من حَسَناتِه، وهذا من حَسَناتِه، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قَبلَ أن يَقْضِيَ ما عَلَيه أُخِذَ من خَطايَاهُمْ فطُرِحَتْ عليه، ثم طُرِح في النار".(1)
__________
(1) سبق تخريجه.(1/354)
وعنه قال: قالوا:يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تضارونَ في رؤية الشمسِ في الظهيرَة ليسَتْ في سحابَةٍ؟". قالوا: لا. قال: "هل تضارون في رؤيةِ القمر ليلة البَدْر ليسَ في سَحَابة؟" قالوا: لا. قال: "فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤيةِ أحدهما، فَيَلْقَى العبد ربه فيقول: أي فُلْ ألم أُكْرِمْكَ وأُسَودْكَ وأَزوجْكَ وأُسخر لك الخيل والإبل، وأذَرْكَ ترأسُ وتربعُ؟ فيقول: بَلَى يا رَب. فيقول: أظَنَنْتَ أنكَ مُلاَقِيّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساكَ كما نسيتني، ثم يَلْقَى الثاني فيقول: أيْ فُلْ، ألم أُكرمْكَ وأُسَودْكَ وأُزوجْكَ وأُسخرْ لكَ الخَيْلَ والإبلَ، وأذَرْكَ ترأسُ وتربَعُ؟ فيقول: بَلَى يا رَب. فيقول: أظَنَنْتَ أنكَ مُلاقِيّ؟ فيقول: لا. فيقول: إني أنساكَ كما نسيتني. ثم يَلْقَى الثالث فيقول: أيْ فُلْ، ألم أكرِمْكَ وأُسودْك وأُزوِجْكَ، وأُسخر لك الخيلَ والإبل، وأذَرْكَ ترأسُ وتربعُ؟ فيقول: بلى يا رب. فيقول: أظَننتَ أنك ملاقِيّ؟ فيقول: أي رب، آمنتُ بك وبكتابك وبُرُسلك، وصليتُ وصُمتُ وتصدقتُ. ويثني بخير ما استطاع فيقول: ههنا ذا. ثم يقول: إلا أن نبعَثُ شاهداً عليك. فيتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد علي؟ فيختمُ على فيه، ويُقال لِفَخْذِهِ: انْطِقي، فتنطِقُ فخذه ولحمه وعظامه بعَملِه، وذلك ليُعذِرَ من نفسه، وذلك المنافق. وذلك الذي يسخط الله عليه".(1)
قوله: "لا تضارون": أي لا تتخالفون ولا تتجادلون في صحة النظر إليه، لوضوحه وظهوره. وقوله: "أي فل": أي يا فلان، قيل، هو ترخيم على خلاف القياس. وقيل: هي لغة بمعنى فلان. "وأسودك": أي: أجعلك سيداً في قومك. و"ترأس": أي: تصير رئيساً. وتربع: معناه، تأخذ ما يأخذ رئيس الجيش لنفسه، وهو ربع المغانم.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2968).(1/355)
"فإني أنساك كما نسيتني": أي: أمنعك الرحمة وأتركك في العذاب كما امتنعت من طاعتي. وقوله: "ههنا ذا": معناه: قف ههنا حتى يشهد عليك جوارحك. وقوله: "وذلك ليعذر من نفسه": أي ليمكن من نفسه فيستجوب العقوبة، ويكون لمن يعذر عُذر.النهاية (3/197)
وعن أبي برزة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزول قدما عبد يومَ القيامة حتى يُسأَلَ عن أربَع: عن عُمره فِيمَ أفناه؟ وعن علمه ماذا عَمِلَ بِه؟ وعن مالِه من أينَ اكتسبَهُ وفيم أنفقَهُ؟ وعن جسْمِه فيمَ أبلاهُ؟".(1)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لن تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامَةِ حتى تُسأَلَ عن أربعة خِصالٍ: عن عُمرهِ فيما أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاهُ؟ وعن مالهِ من أين اكتسبه وفيمَ أنْفَقَهُ؟ وعن علمِهِ ماذا عَمِلَ فيه".(2)
وعن محمد بن أبي عَميرة: وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أحسبه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن رجلاً خَرَّ على وجهه مِنْ يوم وُلِدَ إلى يوم يَموتُ هَرَماً في طاعَةِ الله عز وجَلَّ لَحقَرَهُ ذلك اليومَ، ولَوَدَّ أنه رُدَّ إلى الدنيا كَيْما يَزْدادَ مِنَ الأجر والثوابِ".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَتُوَدُّنَّ الحقوقَ إلى أهلها يومَ القيامَةِ، حتى يُقادَ للشاةِ الجَلْحاءِ من الشاةِ القَرناءِ".(4)
ورواه أحمد ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُقتص للخلقِ بعضهم من بعضٍ، حتى للجماءِ، من القرناءِ، وحتى للذرةِ من الذرةِ".(5)
(الجلحاء): التي لا قرن لها.
فصل في الشفاعة وغيرها
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) صحيح الترغيب (3597).
(4) رواه مسلم والترمذي.
(5) صحيح الترغيب (3/426).(1/356)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كُل نبي سألَ سؤالاً" أو قال: "لكل نبي دعوةٌ قد دعَاهَا لأمتِه، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمَّتي".(1)
وعن حذيفة ، وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يجمعُ الله تباركَ وتعالى الناسَ، قال: فيقوم المؤمنونَ حتى تُزْلَفَ لهم الجنة، فيأتونَ آدم فيقولون: يا أبانا، أستفتح لنا الجنة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئةُ أبيكُم؟ لستُ بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال: فيقول إبراهيم: لستُ بصاحِب ذلك، إنما كنت خليلاً من وراءَ وراءَ، اعمدُوا إلى موسى الذي كلمهُ الله تكليماً. قال: فيأتون موسى فيقول: لستُ بصاحبِ ذلك، اذهبوا إلى عيسى كَلِمَةِ الله ورُوحِه. فيقول عيسى: لستُ بصاحبِ ذلك، فيأتونَ محمداً - صلى الله عليه وسلم - فيقومُ، فيؤذَنُ له، وتُرسَلُ الأمانةُ والرحِم، فيقومان جنبتي الصِّراط يميناً وشمالاً، فيمر أوَّلُكُم كالبَرْق" قال: قلتُ بأبي وأمي أيُّ شيءٍ كالبرق؟ قال: "ألم تَروا إلى البرق كيف يمر ويرجعُ في طَرفَةِ عَيْن؟ ثم كمر لريح، ثم كمر الطير، وكشدِّ الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائمٌ على الصراط يقول: رَبِّ اسلم سلم. حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيءَ الرجل فلا يستطيع السيرَ إلا زحفاً، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذِ من أمَرْت به، فمخدوش ناجٍ، ومكدُوسٌ في النار".
والذي نفسُ أبي هريرة بيده إنَّ قعر جهنَم لسبعينَ خَريفاً".(2)
"تزلف": معناهُ تُقَرب.
وقوله: "إنما كنت خليلاً من وراءَ وراءَ": قال صاحب التحرير: هذه كلمة تذكر على سبيل التواضع، أي: لستُ بتلك الدرجة الرفيعة.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6305) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (200).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (195).(1/357)
وقوله: "وترسل الأمانةُ والرحم": إرسال الأمانة والرحم: لعظم أمرها وكثير موقعهما.
"جنبنا الصراط": أي جانبناه.
"شد الرجال": عَدْوُها البالغ وجَرْيها.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في دَعْوَة، فَرفعَ إليه الذراع ـ وكانتْ تُعجبه ـ فَنَهَسَ منها نَهْسَةً، وقال: "أنا سيدُ الناسِ يوم القيامة، هل تدرونَ ممَّ ذاك؟ يَجْمَعُ الله الأولينَ والأخِرينَ في صعيدٍ واحد، فيبصرُهُمُ الناظِرُ ويَسْمَعُهُم الداعِي، وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس: ألا ترون ما أنتم فيه؟ وإلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فيأتونه فيقولون: يا آدم: أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضبُ بعدَهُ مثْلَه، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبداً شكوراً ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبلهُ مِثلهُ ولن يغضب بعدهُ مثله وإنه قد كان لي دعوةً دعوتُ بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقولون: أنتَ نبيُّ الله وخليلُهُ من أهلِ الأرض، اشفَعْ لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقولُ لهم: إن ربي قد غضبَ اليومَ غضباً لم يغضَبْ قبله مِثله، ولن يغضب بعدَه مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرها، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى.(1/358)
فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك أما ترى إلى ما نحنُ فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبلهُ مثلهُ ولن يغضب بعدهُ مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وكلّمتَ الناسَ في المهد، اشْفع لنا إلى ربك ألا تَرَى إلى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ عيسى: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبلهُ مثله، ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنباً ـ نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فيأتون فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي ثم يفتح الله علي من محامِدِهِ وحُسْن الثناء عليه شيئاً لم يفتحهُ على أحدٍ قبلي، ثم يقال: يا محمد، أرفع رأسك، سل تُعْطَهُ واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب! أمتي يا رب! أمتي يا رب! فيقال يا محمد أَدْخِل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة. وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب" ثم قال: "والذي نفسي بيدهِ إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة و هجرَ أو كما بين
مكة وبصرى".(1)
"نهس نهسة": أي أخذ منها بأطراف أسنانه.
والصعيد: الأرض الواسعة المستوية.
"هجر": مدينة عظيمة، هي قاعدة بلاد البحرين. قال النووي: هذه غير هجر المذكورة في حديث "إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر" تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع بها.شرح النووي (3/69).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3340) وفي كتاب لتفسير برقم (4712)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (194).(1/359)
وعن أم حبيبة رضي الله عنها، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أُريت ما يَلْقي أُمتي من بعدي، وسَفْكَ بعضهم دماء بعضٍ، فأحْزَنَني، وسبق ذلك من الله عز وجل، كما سبقَ في الأُمم قَبلَهُم، فسألتُه أنْ يوليني فيهم شفاعةً يومَ القيامَةِ، فَفَعَلَ".(1)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أُعطيتُ خمساً لم يُعطهن أحدٌ قبلي: جُعِلَتْ لي الأرضَ طَهوراً ومسجداً، وأُحلت ليَ الغنائم، ولم تُحَلَّ لنبي كان قبلي، ونُصرتُ بالرعب مسيرَةَ شهرٍ على عدوي، وبُعثتُ إلى كل أحمر وأسْوَد، وأُعطيت الشفاعَةَ، وهي نائلة من أمتي من لا يشرك بالله شيئا".(2)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواءُ الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذٍ آدمَ فَمَنْ سواهُ إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشقُ عنه الأرضُ ولا فخر ... قال: فآخذُ بحَلقَةِ باب الجنة فأقعقعها ... فأخر ساجداً، فيلهمني الله من الثناء والحمد، فيقالُ لي: ارفع رأسَك، سَل تُعْطَه، واشفع تشفع، وقل يُسمَعْ لقولك، وهو المقامُ المحمودُ الذي قال الله: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً"
وروى ابن ماجة صدره ، قال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرضُ يوم القيامَةِ ولا فخر، وأنا أول شافع، وأول مشفعٍ ولا فخرَ، ولواءُ الحمْدِ بيدي يومَ القيامة ولا فَخْر".(3)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".(4)
__________
(1) صحيح الترغيب (3633)، والصحيحة (1440).
(2) صحيح الترغيب (3636).
(3) صحيح الترغيب (3643).
(4) صحيح الترغيب (3649).(1/360)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟" قالوا: لا يا رسول الله، قال: "هل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟". قالوا: لا قال: "فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة" فيقول: "من كان يعبد شيئاً فليتبع. فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيِأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا. فيدعوهم، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذٍ أحدٌ إلا الرُّسُل، وكلام الرسل يومئذٍ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السَّعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟" قالوا: نعم. قال: "فإنها مثل شوك السعدان، غير أنّه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يُوبِقُ بعمله، ومنهم من يُخردَلُ، ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمةَ من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبُدُ الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السُّجُود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار وقد امتَحشُوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينتبون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار ـ وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة ـ مقبل بوجهه قِبَلَ النار، فيقول يا رب! اصرف وجهي عن النار، قد قَشَبَني ريحُها واحرقَني ذكاها، فيقول: هل عَسَيْتَ ـ إن أفعل ـ أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزتك. فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة، أي بهجتها، فسكَتَ ما شاء الله أن يسكُت، ثم قال: يا رب! قدمني عند باب الجنة.(1/361)
فيقول الله: أليس قد أعطيت العهد والميثاقَ أن لا تسألَ غير الذي كنتُ سألتُ؟ فيقول: يا رب: لا أكونُ أشقى خَلْقِكَ. فيقول: فما عَسَيْتَ إن أعطيتُكَ ذلك أنْ تسألَ غيرَه. فيقول: لا وعزتك لا أسألُكَ غيرَ هذا. فيعطي ربهُ ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمُهُ إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها رآى زهرتها وما فيها من النضرةِ والسُّرُور، فسكَت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب! أدخِلني الجنة، فيقول الله: وَيْحَكَ يا ابن آدم، ما أغدَرَك! أليسَ قد أعطيتني العهد أن لا تسألَ غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب! لا تجعلني أشقي خلقِك، فيضحك الله منه، ثم يأذن له في دُخُولِ الجنة فيقول: تَمنَّ، فيتمنى، حتى إذا انقطعَتْ أمنيتهُ قال الله: تَمَّن من كذا وكذا ـ يذكرهُ ربُّه ـ حتى إذا انتهت بهِ الأماني قال الله: لك ذلك ومثله معه".
قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله: { لك ذلك وعشرةُ أمثالِهِ } .
قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قوله: "لك ذلك ومثله مَعه".
قال أبو سعيد: أشهد أني سمعتُهُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لك ذلك وعَشْرَةُ أمثالهِ".
قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً الجنة(1).
"الطواغيت":جمع طاغوت، وهو الشيطان والضم جمعاً ومفرداً ومذكراً ومؤنثاً.
وقال الطبري: "الصواب عندي: كل طاغٍ طغى على الله يُعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبَّد، وإما بطاعةٍ ممن عَبَد، إنساناً كان أو شيطاناً أو حيواناً أو جماداً فتح الباري (11/448)
"السَّعْدان": نبت ذو شوك معقَّف. قال ابن الأثير: وهو من جيد مراعي الإبل. سَمن عليه.النهاية (2/367)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (806) وفي كتاب الرقاق برقم (6573) وفي كتاب التوحيد برقم (7437 و7438) باب قول الله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة).(1/362)
"يُوبِقُ": بلفظ المجهول، يقال وبق الرجل: إذا هلك، وأوبقه الله: أهلكه الله.شرح الأماني (5/162)
وقوله: "يخردل" المخردل: المرمي المصروع، وقيل المقطع، يقال: لحم خراديل إذا كان قطعاً. والمعنى: أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار.
"امتحشوا": أي احترقوا. وقال الهيثم: هو أن يذهب النار بالجلد وتُبدي العظم.
الحِبَّة: بكسر الحاء المهملة: هي بروز البقول والرياحين، وقيل بزار العشب، وقيل نبت في الحشيش صغير.
"قشبني ريحها": أي آذاني. وذكاها: اشتعالها ولهبها.
وعن عبد الله بن أنيسٍ - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يَحشُر الله العبادَ يومَ القيامةِ ـ أو قال: الناسَ ـ "عُراةً غُرلاً بُهماً".
قال: قلنا: وما "بُهماً"؟ قال: "ليس معهم شيءٌ، ثم يناديهم بصوتٍ يسمَعُه مَنْ بَعدَ كما يسمَعُه مَنْ قَرُبَ؛ أنا الديان، أنا الملك، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النارَ ولهُ عند أحدٍ من أهلِ الجنةَ حقٌ، حتى أقصَّهُ منه، ولا ينبغي لأحدٍ من أهلِ الجنة أن يدخل الجنة ولأحدٍ من أهل النارِ عندَه حَقٌ حتى أقصَّهُ منه، حتى اللطمَةَ". قال: قلنا كيفَ، وإنما نأتي عراةً عُزْلاً بُهْماً؟! قال: "الحسَنات والسَّيِّئَاتُ"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليختصمَنَّ كلُّ شيءٍ يومَ القيامة، حتى الشاتانِ فيما انْتَطحتا"(2).
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ضرب مملوكه سَوطاً ظلماً اقتُصَّ منه يوم القيامة"(3).
__________
(1) تقديم في الغيبة.
(2) صحيح الترغيب (3604).
(3) سبق تخريجه.(1/363)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم فهل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيها سحاب"؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: "فما تضارون في رؤية الله تعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما؛ إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجرٍ وغير أهل الكتاب فيدعي اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً بن الله فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبةٍ ولا ولد فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا فيثار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار ثم تدعي النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله.(1/364)
فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبةٍ ولا ولد فماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم: ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجرٍ أتاهم الله في أدنى صورةٍ من التي رأوه فيها قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمةٍ ما كانت تعبد قالوا: ربنا! فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً مرتين أو ثلاثاً حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياءً إلا جعل الله ظهره طبقةً واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فقال: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم سلم" قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: "دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحَسَكَة يكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناجٍ مسلم ومخدوش مرسل ومكدوش في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحدٍ منكم بأشد منا شدةً لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار"(1/365)
وفي رواية: "فما أنتم بأشد منا شدةً في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذٍ للجبار إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم فيقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقه وإلى ركبته ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقال: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينارٍ من خير فأخرجوه خلقاً كثيراً يقولون: ربنا لم نذر ممن أمرتنا أحداً ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرةٍ من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً".
وكان أبو سعيد يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم { إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً } .
"فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون [وشفع المؤمنون] ولم يبق إلا أرحم الراحمين. فيقبض قبضةً من النار فيخرج منها قوماً من النار لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حُمماً فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض" فقالوا: يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال: "فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عملٍ عملوه ولا خيرٍ قدموه ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون: يا ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين فيقول: لكم عندي أفضل من هذا فيقولون: يا ربنا: أي شئ أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم أبداً".(1)
الغبر : جمع غابر، وهو الباقي. أي بقاياهم.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد رقم (7439) ومسلم في كتاب الإيمان رقم (183).(1/366)
أما السراب فهو الذي يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لا معاً مثل الماء.
"فيكشف عن ساق" فيه إثبات الساق لله تعالى تليق بجلاله من غير تكييف ولا تعطيل ولا تأويل.
الطبق: فقار الظهر. أي صار فقاره واحدة كالصحيفة فلا يقدر على السجود والله أعلم.شرح النووي (3/28)
الدَّحْض: هو الزلق والمزلة: هو المكان الذي لا تثبت عليه قدم إلا زلت.
الخطاطيف: جمع خُطَّاف وهو الحديدة المعوجة يختطف بها الشيء. والكلاليب جمع كلوب وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور. والحسكة: شوك صلب من حديد.النهاية (2/49)
الأجاويد: جمع أجواد، وأجواد: جمع جواد. والركاب: هي الرواحل من الإبل.النهاية (1/312و2/256)
المكدوش: هو المدفوع في نار جهنم دفعاً عنيفاً. ورواية مسلم "مكدوس" بالسين المعجمة: معناه بالمعجمة السَّوق، وبالمهملة كون الأشياء بعضها بعض ومنه تكدست الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضاً.
الحمم: جمع حممة، وهي الفحمة.
وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك فقال: "هل تدرون مم أضحك"؟ قلنا: الله ورسوله أعلم قال: "من مخاطبة العبد ربه فيقول: يا رب! ألم تجرني من الظلم يقول: بلى فيقول: إني لا أجير اليوم على نفسي شاهداً إلا مني فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا والكرام الكاتبين شهوداً قال: فيختم على فيه ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله يخلي بينه وبين الكلام فيقول: بعداً وسحقاً فعنكن كنت أناضل".(1)
أناضل: أي أجادل وأخاصم وأدافع.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حَوضي مسيرةُ شَهْر، ماؤهُ أبيضُ من اللَّبَن، وريحُهُ أطيب من المسك، وكيزانُهُ كنجومِ السماء، مَنْ شرِبَ منه لا يظمأ أبداً".
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزهد في أوائله برقم (2969).(1/367)
وفي رواية: "حوضي مسيرة شهر، وزواياهُ سواءٌ، وماؤهُ أبيضُ من الوَرِق".(1)
قوله: "سواءٌ": قال العلماء: معناه، طوله كعرضه. كما في حديث أبي ذر "عرضه مثل طوله".
وعن ثوبان - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني لبِعُقْرِ حَوضِي، أَذُودُ الناسَ لأهلِ اليَمَن، أضرِبُ بَعَصايَ حتى يَرْفَضَّ عليهم". فَسُئل عن عَرْضِه، فقال: "من مَقامي إلى عمان" وسُئِل عن شَرابهِ، فقال: "أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العَسَل، يَغُتُّ فيهِ مِيزَابَان يمدانِهِ من الجنة، أحَدُهما من ذَهَبَ، والآخَرُ من وَرقِ".(2)
قوله: "لبعقر حوضي" هو مؤخرهُ.
وقال النووي: موقف الإبل من الحوض إذا وردته.
وقيل مؤخره،شرح النووي (15/62)
"أذود الناس لأهل اليمن" أي أطردهم وأدافعهم ليَرِدَ أهلُ اليمن.
قال النووي: "وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه، مجازاةً لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام، والأنصار من اليمن فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعداءه والمكروهات. شرح النووي (15/62)
"يرفض": أي يسيل ويترشش.
"يغت فيه ميزابان": أي يجريان فيه جرياً له صوت. وقيل: يَدْفُقانِ فيه الماء دفقاً متتابعاً دائماً، من قولك غت الشاب الماء جرعاً بعد جرع.
"يمدانه": أي يزيدانه ويُكثرانه، شرح النووي (15/63و64)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما بين ناحيتي حوضي كما
بين صنعاء والمدينة"
وفي رواية: "مثل ما بين المدينة وعَمان".
وفي رواية: "تُرى فيه أباريقُ الذهَبِ والفضة كعدد نجوم السماء".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6579) ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2292).
(2) رواه البخاري في كتاب الفضائل برقم (2301).(1/368)
وزاد في رواية: "أو أكثر من عدد نجوم السماء".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: وهو بين ظهراني أصحابه: "إني على الحوضِ أنظر من يَرِدُ عليَّ منكم، فوالله ليقطَعَنَّ دُوني رجالٌ، فلأقولَنَّ: أي رَبَّ مني أو من أمتي؟ فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بَعْدَك، وما زالوا يرجِعونَ على أعقابِهِمْ".(2)
وعن أبي أُمامة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وعدني أن يُدخِلَ من أمتي سبعين ألفاً من غير حساب". فقال يزيد بن الأخنس: والله ما أولئك في أمتِك إلا كالذبابِ الأصْهَبِ في الذبابِ. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قد وعَدني سَبْعين ألفاً، مع كل ألفٍ سَبْعونَ ألفاً، وزادني ثلاث حَثَياتٍ". قال: فما سَعَةُ حوضِكَ يا نبي الله؟ قال: "كما بينَ (عَدَنٍ)، إلى (عَمّانَ) وأوسَعُ، وأوْسَعُ". يشيرُ بيده. قال: فيه مَثْعبَانِ من ذَهبٍ وفضَّةٍ". قال: فما ماءُ حوضِك يا نبيَّ الله؟ قال: "أشدُّ بياضاً من اللبن، وأحْلى (مذاقةً) من العَسلِ، وأطيبُ رائحةً مِنَ المِسكِ، من شربَ منه شربةً لم يظمأ أبداً، ولم يَسوَدَّ وجْهُه أبداً".
وفي رواية لابن حيان ولفظة: عن أبي أمامة، أن يزيد بن الأخنس قال: يا رسول الله! ما سعَةُ حوضِكَ؟ قال: "ما بين (عَدَنٍ) إلى (عمَّانَ)، وإنّ فيه مثْعَبَيْن مِن ذهبٍ وفِضةٍ"
قال: فما ماء حوضِكَ يا بني الله؟ قال: "أشد بياضاً من اللبن، وأحلى مذاقاً من العَسلِ، وأطيبُ رائحةً مِنَ المسْكِ، من شرِبَ منه لم يظمأ أبداً، ولم يسْوَدَّ وجهُهُ أبداً".(3)
(المثعب) بفتح الميم والعين المهملة جميعاً بينهما ثاء مثلثة وآخره موحدة: وهو مسبل الماء.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6580) ومسلم في كتاب الفضائل رقم (2303).
(2) رواه مسلم في كتاب الفضائل برقم (2294).
(3) صحيح الترغيب (3614).(1/369)
وعن أبي الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لي حوضاً من بينَ (الكعبة) و (بيتِ المقْدِسِ)، أبيضُ مِنَ اللبنِ، آنيَتُه عَددَ النجومِ، وإنِّي لأكثَرُ الأنبياءَ تَبَعاً يومَ القيامَةِ"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرَةً، حتى إذا عرفتهم خرجَ رجلٌ من بيني وبينهم فقال: هَلُمَّ فقلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله. فقلت: ما شأنُهم؟ فقال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري. ثم إذا زمرة أخرى، حتى إذا عرفهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم، فقال لهم: هلم. قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم، فلا أراهُ يخلُصُ منم إلا مِثْلُ هَمَلِ النعَم".(2) ولمسلم قال: "ترد علي أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجلُ إبل الرجُل عن إبله". قالوا: يا نبي الله تعرفُنا؟ قال: "نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ غيركم، تردون علي غُرا محجلين من آثار الوضوء، ولَيَصُدَّنَّ عني طائفةٌ منكم، فلا يصلون، فأقول: يا رب! هؤلاءِ من أصْحَابي، فيجيبني مَلكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثُوا بعدك؟".(3)
همل النعم: ضوالُّها، ومعناه: أن الناجي قليل كضالَّة النعم بالنسبة إلى جملتها.
وعن أم مبشرٍ الأنصارية رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند حَفْصَة: "لا يدخل النار إن شاءَ الله تعالى من أهلِ الشجرةِ أحدٌ، الذين بَايَعُوا تحتها"، قالت: بلى يا رسول الله. فانتَهرها، فقالت حَفْصَة، (وإن منكم وارِدُهَا(4)) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "قد قَالَ الله تعالى:
{
__________
(1) صحيح الترغيب (3622).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6580) ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2303).
(3) صحيح مسلم كتاب الطهارة رقم (247).
(4) مريم (71).(1/370)
ثم ننجي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثيا } (1)"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يَلقى رجلٌ أباهُ يوم القيامة فيقول: يا أبت، أي ابن كنتُ لك؟ فيقول: خيرَ ابن، فيقول: هل أنتَ مُطِيعي اليومَ؟ فيقول: نعم. فيقول: خُذ بارزتي، فيأخذ بازرته، ثم ينطلِقُ حتى يأتيَ الله تعالى وهو يَعْرِضُ بعض الخَلْق، فيقول: يا عبدي، ادخل من أي أبواب الجنة شئت، فيقول: أي رب! وأبي معي؟ فإنك وعدتني أن لا تخزيني. قال: فيمسخُ أباهُ ضَبُعاً فيهوي في النار، فيأخذ بأنفِه، فيقول الله: يا عبدي أبوكَ هُو؟ فيقول: لا وعِزَّتِك".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم (3)".
ورواه البخاري وقال: "يَلْقَى إبراهيمُ أباهُ آزرَ" وذكر القصة(4).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "حوضي كما بين (عدن) و (عمان)، أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيبُ ريحاً من المسك، أكوابُه مثلَ نجومِ السماءِ، مَن شرِبَ منه شربةً لم يظمأ بَعدها أبداً، أولُ الناسِ عليه وروداً صعاليكُ المهاجرين".
قال قائل: من هم يا رسولَ الله؟ قال: "الشعثَةُ رُؤوسُهم، الشَّحِبَة وجُوهُهم، الدنِسَةُ ثيابُهم، لا تفتح لهم السدَدُ، ولا ينكحون المنعماتِ، الذين يُعطُون كل الذي عليهم، ولا يأخذون كل الذي لَهُمْ"(5).
"الشحبةُ وجوههم" بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها باء موحدة: هو من الشحوب، وهو تغير الوجه من جوع أو هزال أو تعب.
وقوله: "لا تفتح لهم السدد" أي: لا تفتح لهم الأبواب.
__________
(1) مريم (72).
(2) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2496).
(3) مستدرك الحاكم (4/589) كتاب الأهوال.
(4) رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3350).
(5) صحيح الترغيب (3616).(1/371)
وعن سلمانَ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يوضعُ الميزانُ يومَ القيامةِ، فلو وُزِنَ فيه السموات والأرض لوُسِعَتْ، فتقول الملائكةُ: يا رب! لِمن يزنُ هذا؟ فيقولُ الله تعالى: لمن شئتُ من خلقي، فيقولون: سبحانكَ! ما عبدناك حَقَّ عبادتِكَ"(1).
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "يوضع الصراطُ على سواءِ جهنم، مثل حد السيف المرهف، مدحَضةٌ مزلةٌ، عليه كلاليبُ من نارٍ يَخطفُ بها، فممسكٌ يهوي فيها، ومصروعٌ، ومنهم من يمرون كالبرق فلا ينشَبُ ذلك أن ينجُو، ثم كالريح فلا ينشب ذلك أن ينجو، ثم كجري الفرس، ثم كَرَملِ الرجُلِ، ثم كمشي الرجُلِ، ثم يكون آخرهم إنساناً رجلٌ قد لفحتهُ النارُ، ولقي فيها شرّاً حتى يُدخِلَهُ الله الجنة بفضل رحمته، فيقالُ له: تَمَنَّ وسَلْ. فيقول: أي رب! أتهزأُ مني وأنت رب العزةِ؟ فيقال له: تَمنَّ وسَلْ حتى إذا انقَطعَتْ به الأماني قال: لك ما سأَلْتَ ومثلُهُ مَعُه"(2).
قال الله تعالى: { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } .(3)
وقال الله تعالى: { إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } .(4)
وقال الله تعالى: { وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً } .(5)
وقال تعالى: { وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً } .(6)
وفي الباب آيات كثيرة تثبت وجود النار إثباتاً لا ريب فيه ولا شبهة.
فصل الاستعاذة من النار
__________
(1) صحيح الترغيب (3626)، والصحيحة (941).
(2) تقدم بمعناه في حديث أبي هريرة الطويل.
(3) البقرة (24).
(4) الكهف: (29).
(5) الفتح (6).
(6) الفرقان (11).(1/372)
عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمُهُم السورة من القرآن "قولوا: اللهم إني أعوذُ بكَ من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فِتنةِ المسيحِ الدجال، وأعوذ بك من فِتنةِ المحيا والمَمَات".(1)
وعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سَمِعَني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أقول: اللهم أمْتعني بزوجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبأبي أبي سُفيان، وبأخي مُعَاوية فقال: "سألْتِ الله لآجَالٍ مطرُوبَة، وأيامٍ معدودة، وأرزاقٍ مقسومة، لن يُعجل شيئاً منها قبل حلِّة ولا يؤخر، ولو كنتِ سألتِ الله أن يعيذك منَ النار وعَذابِ القبر كان خيراً و أفْضَل".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما استجار عبدٌ من النار سبع مرات إلا قالت النارُ: يا رب إن عبدَك فلاناً استجارَ مني، فأجِرهُ، ولا سأل عبدٌ الجنة سبعَ مراتٍ إلا قالتِ الجنةُ: يا رب إن عبدَك فلاناً سألني، فأدخِلْه الجنَّةَ".(3)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله ملائكةً سيارةً يتبعون مجالسَ الذكْرِ" فذكر الحديث إلى أن قال: "فيسألهم الله عز وجل ـ وهو اعلمُ ـ: من أين جئتم؟ فيقولون: جئْنا مِنْ عند عبادٍ لكَ يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونَك، ويحمدونَك، ويسألونك. قال: فما يسْألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب! قال: فكيف لو راوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا رب! قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقولُ قد غفرتُ لهم، وأعطيهم ما سَألوا، وأجرتهم ما استجاروا". الحديث.(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (590).
(2) رواه مسلم في كتاب القدر برقم (2663).
(3) صحيح الترغيب (3653).
(4) رواه البخاري ومسلم.(1/373)
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سال الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم اجره من النار".(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً".(2)
وعن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشقِ تمرة فليفعل".(3)
صفة النار أعاذَنا الله منها بمنه وكرمه
عن أنس قال: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".(4)
وعن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها".(5)
الزمام: هو زمام الناقة تُقاد به، وهو الخيط الذي يشد في الإبرة، وهي الحلقة في أنف البعير، ثم يشد في طرفه المقود. "اللسان".
قال الأُبي في شرح مسلم 7/216: "لا مانع من حمله على الحقيقة".
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة".(6)
وفي الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العزة قدميه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وعزتك".
__________
(1) صحيح الجامع رقم (6151).
(2) متفق عليه.
(3) صحيح الجامع (5893).
(4) رواه البخاري ومسلم
(5) رواه مسلم في كتاب الجنة "باب في شدة حر نار جهنم" برقم (2842).
(6) رواه البخاري.(1/374)
وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، قيل يا رسول الله، إن كانت لكافية؟ قال: فإنها فضلت عليه بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرِّها".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "والذي نفسي بيده، لو رأيتمْ ما رأيتُ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً". قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيتُ الجنة والنار".(2)
وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا النار" قال: وأشَاحَ، ثم قال: "اتقوا النار" ثم أعْرَضَ وأشَاحَ ثلاثاً حتى ظننا أنه ينظرُ إليها، ثم قال: "اتقوا النارَ ولو بشِقِّ تَمرَة، فمن لم يَجِدْ فبكلمةٍ طَيبَةٍ".(3)
"أشاح": معناه، حذر النار كأنه ينظر إليها. وقال ابن حجر في لفتح: أشاح بوجهه عن الشيء: نحاه عنه (11/450).
وعن أنس بن مالك، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب ... .".(4)
وفي رواية عنه: "ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له: يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب؟ شر منزلة فيقول له: أتفتدي منه بطلاع الأرض ذهباً! فيقول: أي رب! نعم فيقول: كذبت قد سألتك أقل من ذلك وأيسر، فلم تفعل فيرد إلى النار".(5)
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (426).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6540) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1016).
(4) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2807).
(5) صحيح الجامع (7873).(1/375)
وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لي بنفسين: نفس في الشتاء ونفسٍ في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير".(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لجبريل: "مالي لا أرى ميكائيلَ ضاحكاً قَطُّ؟". قال: ما ضَحِكَ ميكائيلُ منذ خُلِقَتِ النارُ".(2)
فصل في بُعد قعرها
عن خالد بن عُمير قال: خطبَ عُتبةُ بن غزوانَ - رضي الله عنه - فقال: إنه ذكر لنا أن الحجر يُلْقَى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعينَ عاماً، ما يُدرِكُ لها قَعْراً، والله لتُملأنَّه، أفعجِبتم؟.(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسمعنا وَجْبَةً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أتدرُونَ ما هذا؟". قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا حجر أرسَلَهُ الله في جهنم منذُ سبعين خريفاً فالآن حينَ انتهى إلى قَعْرِها".(4)
الوجبة: السَقطة.
طعام أهل النار
قال الله تعالى: { ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع } .(5)
الضريع: نوع من الشوك لا تأكله الدواب لخباثته.
وقال تعالى : { أن لدينا أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً } .(6)
{ طعاما ذا غصَّة } : قال ابن عباس رضي الله عنهما: شوك بالحلق لا يدخل ولا يخرج.
وقال تعالى: { ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجرة من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين } .(7)
__________
(1) صحيح الجامع (1001).
(2) صحيح الترغيب (3664).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها باب في شدة نار جهنم برقم (2842).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها باب في شدة جهنم برقم (2844).
(5) الغاشية ( 6،7).
(6) المزمل (12-13).
(7) الواقعة (51- 56).(1/376)
وقد وصف سبحانه وتعالى شجرة الزقوم فقال : { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } .(1)
والشوب هو الخلط والمزج أي يخلط الزقوم المتناهي في القذارة والمرارة والحميم المتناهي في اللهب والحرارة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية { اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون } .(2) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه".(3)
وقال تعالى: { فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين } .(4)
قال ابن عباس: الغسلين الدم والماء والصديد الذي يسيل من لحومهم.
فصل دخول المتكبرين النار
عن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يسافون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار: طينة الخبال).(5)
فصل في عظم أهل النار وقُبحهم فيها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو كان في هذا المسجد مائة [ ألف ] أو يزيدون ،وفيه رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه ،لاحترق المسجد ومن فيه" . السلسلة الصحيحة حديث رقم (2509) .
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحدٍ وغلظ جلده مسيرة ثلاث".(6)
__________
(1) الصافات (64- 68).
(2) آل عمران (102).
(3) صحيح الجامع (5126)، والمشكاة رقم (5684).
(4) الحاقة (35،36).
(5) صحيح الجامع (7896).
(6) رواه مسلم في كتاب الجنة برقم (2851).(1/377)
وعنه - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار، وإن ضرسه مثل أحد وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة".(1)
وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما بين منكبي الكافِر مسيرةُ ثلاثةِ أيامٍ للراكب المُسْرِع".(2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "احتجت الجنة والنار فقالت الجنة: يدخلني الضعفاء والمساكين، وقالت النار: يدخلني الجبارون والمتكبرون فقال الله للنار: أنت عذابي أنتقم بكِ ممن شئت وقال للجنة أنتِ رحمتي أرحم بك من شئت ولكل واحدةٍ منكن علي ملؤها".(3)
وعن سراقة بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أهل النار كل جعظري جواظٍ، مستكبر ... .".(4)
جعظري: هو الفظُّ الغليظ المتكبر."نهاية" (1/276)
جواظ: هو الكثير اللحم المختال في مشيته، وقيل هو : الجموع المنوع. "نهاية" (1/316)
وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ... وأهل النار من ملأ الله تعالى أذنيه من ثناء الناس وهو يسمع".(5)
وعن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض".(6)
__________
(1) صحيح الجامع (2110)، وصحيح الترغيب (3/482).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6551) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها باب النار يدخلها الجبارون برقم (2852).
(3) صحيح الجامع (183).
(4) صحيح الجامع (2526).
(5) صحيح الجامع (2524).
(6) صحيح الجامع (5826).(1/378)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات عميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".(1)
عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قمتُ على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجد محبوسون، إلا أنَّ أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من يدخلها النساء".(2)
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون".(3)
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبياً أو قتله نبيٌ والمصور يصور التماثيل".(4)
عن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشدهم عذاباً للناس في الدنيا".(5)
عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يجاء برجل فيطرح، في النار فيطحنَّ فيها كطحن الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا أفعله وأنهى عن المنكر وأفعله".(6)
وعن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتيت ليلة أسري بي على أقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت ردت قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء خطباء أمتك الذين
يقولون ما لا يفعلون ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به".(7)
__________
(1) صحيح الجامع رقم (3693).
(2) صحيح الجامع (4287).
(3) صحيح الجامع (1559).
(4) صحيح الجامع (1011).
(5) صحيح الجامع (1009).
(6) صحيح الجامع (7878).
(7) صحيح الجامع (128).(1/379)
عن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وقال: { لو أن قطرةً من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن تكون طعامه } .(1)
عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود لو أرسلت فيها السفن لجرت".(2)
وعن عبد بن قيس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إن أهل النار ليبكون،حتى لو أجريت السفن في دموعهم،لجرت،وإنهم ليبكون الدم - يعني - مكان الدمع" . السلسلة الصحيحة حديث رقم (1679) .
وعن النعمان بن بشير، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل بالقمقم".(3)
المرجل: قدر نحاس.
والقُمقُم: معروف من آنية العطار، ويقال: هو إناء ضيق الرأس، يسخن فيه الماء يكون من نحاس وغيره، فارسي ويقال: رومي وهو معرَّب. فتح الباري (11/430، 431)
ورواه لفظة مسلم ولفظة: "إن أهون أهلِ النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً".(4)
عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذا الأمة أمةٌ مرحومة عذابها بأيديها فإذا كان يوم القيامة دُفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال: هذا فداؤك من النار".(5)
__________
(1) صحيح الجامع (5126).
(2) صحيح الجامع (7939).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6562).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (213).
(5) صحيح الجامع (2257).(1/380)
عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما منكم من أحدٍ إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار
فإذا مات فدخل الجنة ورث أهل الجنة منزله قوله تعالى: { أولئك هم الوارثون } ".(1)
عن أبي سعيد الخدري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ـ أو قال: بخطاياهم فأماتهم إماتةً حتى إذا كانوا فحماً أذن لهم بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليها فينبتون نباتا في حميل السيل".(2)
عن ابن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي منادٍ يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم".(3)
عن جابر، أن رسول الله قال: "يعذب ناس من أهل التوحيد حتى يكونوا فيها حُميماً ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة قال: فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة".(4)
__________
(1) صحيح الجامع (5675).
(2) صحيح الجامع (1362).
(3) صحيح الجامع (649).
(4) صحيح الجامع (7959).(1/381)
وأخيراً وليس آخِراً ، وبَعدَ أن تعرفنا على المعاصي بأنواعها وأضرابها ، وعَرَضنا لآثارها في الدنيا والآخرة ، حيثُ أنها سبب لسخطِ الله في الدنيا والآخرة، وهي طريق لِضَنك العيش أيضا في الدنيا، فإنّ المرجوَ منَ المسلمِ العاقلِ الذي لا بُدَّ له أن يلقيَ سمعه وأن يُحْضِرَ قلبه ، وأن يجعله شاهداً حاضراً حتى تنفعه الذِّكرى ، أن ينكب باكياً نادماً إذا كان من أصحاب المعاصي والذنوب مقلعاً عنها تاركاً لها عبادةً وديانةً ، وخوفاً من الله سبحانه وتعالى الذي يأخذُ بالذَّنب ويعاقبُ عليه ، وهو أيضاً جَلَّ في عُلاه يقبلُ توبةَ التائبين ويَسمعُ أَنينَ العائدينَ المنيبينَ، فيغفرُ لهم بسعةِ رحمتهِ وعظيمِ مَنّهِ وكرمهِ.
يقولُ أَحدُ السلفِ:
رَأيْتُ الذّنُوبَ تُمِيتُ القلوب
وقَدْ يُورِثُ الذّلّ إدمَانُها
وتَركُ الذّنُوبِ حياةُ القُلُوبِ
وخُيْر لنفْسِكَ عِصْيَانُها
ويقولُ آخرُ:
نُحْنُ ندعوا الإلهَ في كلِّ كَرْبِ
ثُمَّ نَنْساهُ عِنْدَ كَشْفِ الكُرُوبِ
كَيْفَ نرجو إجابةً لدعاءٍ
قد سدَدْنا طريقَها بالذّنوبِ
وبهذا تم الكتاب، ولله الحمد والمنَّة، فهذا هو جهدنا وهو جُهدُ المُقِلِّ، وهذه مقدرتُنا، فنسألُ الله العظيمَ أنْ ينفعَ بِه المسلمينَ، وأن يكونَ زاداً يَتزوّدون بهِ في يومِ الدين ...
اللهم آمين
وآخرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ لله رَبِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمُرسلين محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبِه أَجْمَعينَ
كتبه
العبد الفقير الراجي عفو ربه
ماجدإسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
مصادر الكتاب
1- القرآن الكريم .
2- موطأ الإمام مالك .
3- مسند الإمام أحمد .
4- صحيح البخاري .
5- صحيح مسلم .
6- مستدرك الحاكم .
7- سنن الدارمي .
8- مسند أبي يعلى .
9- فتح الباري .
10- شرح صحيح مسلم للنووي .
11- تفسير الطبري .
12- تفسير القرآن العظيم لابن كثير .
13- تفسير القرطبي .
14- تفسير الجلالين .(1/382)
15- أحكام القرآن .
16- تفسير السعدي .
17- طبقات المفسرين للداودي .
18- مصنف عبد الرزاق .
19- مصنف ابن أبي شيبة .
20- مجمع الزوائد للهيثمي .
21- مستدرك الحاكم .
22- عمل اليوم والليلة لابن السني .
23- شعب الإيمان للبيهقي .
24- موارد الظمآن .
25- فيض القدير .
26- سنن النسائي .
27- سنن أبي داود .
28- زوائد البوصيري .
29- المنة الكبرى شرح السنن الصغرى للبيهقي .
30- معالم السنن على حاشية سنن أبي داود .
31- المعجم الكبير .
32- المعجم الأوسط .
33- المعجم الصغير .
34- الطحاوي في مشكل الآثار .
35- جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر .
36- مسند البزار .
37- الأدب المفرد للبخاري .
38- تذكرة الحفاظ .
39- مسند الحارث زوائد الهيثمي .
40- مسند الشهاب للقضاعي .
41- السنن الواردة في الفتن .
42- الترغيب والترهيب .
43- المحلى لابن حزم .
44- عون المعبود .
45- رياض الصالحين .
46- شرح رياض الصالحين لابن عثيمين . طبعة مكتبة الأنصار مصر .
47- مسند الطيالسي .
48- مسند الشاميين .
49- الفردوس بمأثور الخطاب .
50- الطبقات الكبرى .
51- كشف المشكل .
52- أسد الغابة .
53- مقدمة المجموع شرح المهذب .
54- السنة لابن أبي عاصم .
55- مجموع الفتاوى .
56- الفتاوى الكبرى .
57- الصارم المسلول .
58- الأمالي للمحاملي .
59- جامع الأصول .
60- حلية الأولياء .
61- كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك .
62- كتاب الزهد لهناد .
63- كتاب الزهد لوكيع .
64- كتاب الصمت لابن أبي الدنيا .
65- كتاب ذم الغيبة لابن أبي الدنيا .
66- السلسلة الصحيحة .
67- التعليقات الحسان .
68- صحيح الجامع للألباني .
69- ضعيف الترغيب .
70- صحيح الترغيب .
71- صحيح الترمذي .
72- صحيح ابن ماجة .
73- صحيح ابن خزيمة .
74- مشكاة المصابيح .
75- الروض النضير .
76- إرواء الغليل .
77- صحيح موارد الظمآن .
78- فضل الصلاة .
79- صفة الصلاة .
80- حجاب المرأة المسلمة .(1/383)
81- آداب الزفاف .
82- مختصر الشمائل المحمدية للترمذي.
83- الثمر المستطاب .
84- أحكام الجنائز .
85- العلل المتناهية لابن الجوزي .
86- الرجال الذين ترجم لهم الألباني في الإرواء .
87- تحفة الأحوذي .
88- الفتوحات .
89- حادي الأرواح .
90- القصيدة النونية .
91- الجواب الكافي
92- زاد المعاد .
93- الطب النبوي .
94- مدارج السالكين .
95- الآداب الشرعية لابن مفلح . طبعة الرسالة .
96- مفتاح دار السعادة .
97- الأمالي للمحاملي .
98- الأحاديث المختارة .
99- معالم التنزيل للبغوي.
100- شرح السنة للبغوي .
101- مكارم الأخلاق للخرائطي .
102- كتاب الزهد لابن أبي عاصم .
103- كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك .
104- سير أعلام النبلاء .
105- تلبيس إبليس .
106- وكتاب الناسخ والمنسوخ بتحقيق محمد صالح المديفر .
107- التذكرة في أحوال الموتى والآخرة للقرطبي .
108- تاريخ ابن عساكر .
109- تهذيب الأسماء واللغات .
110- كتاب الأذكار للنووي .
111- نيل الأوطار .
112- إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد .
113- مختصر الإتقان في علوم القرآن .
114- فتاوى اللجنة الدائمة .
115- القول المفيد شرح كتاب التوحيد للعلامة ابن عثيمين .
116- كتاب العلم لابن عثيمين .
117- تنبيه الأفهام شرح عمدة الأحكام لابن عثيمين .
118- فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين . ط دار عالم الكتب .
119- الشرح الممتع على زاد المستقنع .
120- موسوعة الآداب الإسلامية لعبد العزيز ندا .
121- جواهر السنة في إعفاء اللحية .
122- الاختيارات العلمية .
123- تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الآثام .
124- آداب اللسان فيما يخص اللسان من خير أو شر في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف .
125- نزْهَة العِبَاد بِفَوَائِد زَاد المعَادْ .
126- اللؤلؤ والمرجان بوصف الجنة والحور الحسان .
127- صحيح الطب النبوي .
128- رحلة العلماء في طلب العلم .(1/384)
129- كتاب الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية .
130- كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب .
131- غذاؤك حياتك .
132- أسرار التداوي بالأعشاب .
133- رسالة في المعاني المستنبطة .
134- معجم البلدان .
135- النهاية في غريب الحديث .
136- الغريب لابن سلام .
137- لسان العرب .
138- القاموس المحيط .
139- معجم مقاييس اللغة .
140- مختار الصحاح .
141- الفائق .
142- التعاريف للمناوي .
143- معجم البلدان لياقوت الحموي .
144- معجم ما استعجم للأندلسي .
الموضوع ... الصفحة
?? مقدمة الشيخ أبو شقرة ...................................... ... 3
? مقدمة الكتاب ........................................ ... 8
?? كتاب الشرك بالله تعالى ............................. ... 11
السجود عند التحية أو الإنحناء ........................ ... 15
الرياء وهو من النفاق .................................. ... 16
المرتد ..................................... ... 19
سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ......................... ... 19
سب الأنصار رضي الله عنهم .......................... ... 21
الذبح لغير الله تعالى ............................... ... 21
المكذب بالقدر ............................. ... 21
الحكم بغير ما أنزل الله ................................. ... 23
الكذب على الله تعالى وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .......................... ... 24
من ترك السنة أو سن سنة سيئة أو دعا إلى ضلالة ............. ... 25
? النذر .................................. ... 28
? كتاب العلم ............................
التحذير من التعلم للدنيا وكتمان العلم وعدم العمل به ........... ... 31
التحذير من الجدال والمراء واللدد .................... ... 35
?? كتاب الطهارة .................................. ... 38
التحذير من التخلي على طرق الناس أو ظلمهم أو مواردهم والبول في الماء الراكد ... 38(1/385)
التحذير من استخدام اليد اليمنى في قضاء الحاجة ............... ... 39
التحذير من إصابة البول الثوب وغيره وعدم الاستبراء منه ..... ... 40
التحذير من عدم إسباغ الوضوء ....................... ... 42
التحذير من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها .... ... 24
?? كتاب الصلاة .............................. ... 44
التحذير من ترك الصلاة ................................... ... 44
التحذير من الخروج من المسجد بع الأذان لغير عذر ........... ... 48
التحذير من البصاق في المسجد وإلى القبلة وانتشار الضالة فيه وغير ذلك ...... ... 49
التحذير من إتيان المسجد لمن أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو فجلاً ونحو ذلك مما له رائحة كريهة ......................... ... 52
التحذير من ترك حضور الجماعة لغير عذر ............... ... 54
التحذير من فوات صلاة العصر بغير عذر ... ... ... ... ... 56
التحذير من تأخر الرجال إلى أواخر الصفوف وتقدم النساء إلى أوائل الصفوف واعوجاج الصفوف ............................. ... 57
التحذير ممن أم قوماً وهم له كارهون ................. ... 58
التحذير من عدم إتمام الركوع والسجود وإقامة الصلب بينهما ... ... 59
التحذير من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود .. ... 60
التحذير من رفع البصر إلى السماء في الصلاة ... 61
التحذير من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة ........... ... 62
التحذير من الالتفات في الصلاة ........ ... 62
التحذير من مسح الحصى في موضع السجود ............... ... 63
التحذير من المرور بين يدي المصلي .................... ... 63
التحذير من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس ........ ... 64
التحذير من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شيء من الليل . ... 68
?? كتاب الجمعة .............................. ... 67
التحذير من تخطي الرقاب يوم الجمعة ...................... ... 67
التحذير من الكلام والإمام يخطب ...................... ... 67(1/386)
التحذير من ترك الجمعة ليصلي وحده ... ... ... ... ... ... ... ... 69
?? كتاب الصيام ........................ ... 71
التحذير من إفطار رمضان بلا عذر ولا حاجة ................ ... 71
التحذير من تخصيص يوم الجمعة بالصوم ................................... ... 74
تحذير المرأة أن تصوم تطوعاً وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه .............. ... 76
تحذير الصائم من الغيبة والفحش والكذب ونحو ذلك ........ ... 76
تحذير المسافر من الصوم إذا يشق عليه .......... ... 76
?? كتاب العيدين والأضحية .................................. ... 76
التحذير من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل ........ ... 76
?? كتاب الصدقات ............................. ... 79
التحذير من منع الزكاة .......................... ... 79
التحذير من المن ....................................... ... 85
التحذير من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمع .. ... 86
رد من جاءه شيء من غير مسألة وإن كان غنياً ............. ... 93
التحذير من المكر والخديعة ............... ... 93
التحذير من منع فضل الماء ........................... ... 94
? كتاب الحج .............................................. ... 96
التحذير من ترك الحج مع المقدرة عليه .......... ... 96
التحذير من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء ................ ... 97
?? كتاب الجهاد ..................................... ... 99
التحذير من الفرار من الزحف ............................ ... 99
التحذير من الغلول من الغنيمة ومن بيت المال والزكاة ......... ... 105
التحذير من أن يموت الإنسان ولم يغز ....................... ... 105
التحذير من ترك الرمي بعد تعلمه ........................ ... 106
? كتاب الذكر والدعاء ........................................ ... 106
التحذير من استبطاء الإجابة وقوله: دعون فلم يستجب لي ... 106
التحذير من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله .... ... 107(1/387)
التحذير من رفع المصلي رأسه إلى السماء في الصلاة وقت الدعاء .. ... 108
? كتاب البيوع وغيرها .................................... ... 109
التحذير من الحرص وحب المال ......................... ... 110
التحذير من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك ......... ... 112
?? التحذير من الغش ................................... ... 112
التحذير من الاحتكار ........................... ... 115
التحذير من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه ............ ... 116
التحذير من الدين ................................ ... 116
التحذير من مطل الغني ....................... ... 118
التحذير من البناء فوق الحاجة ....................... ... 119
التحذير من إنفاق السلعة بالحلف الكاذب ............... ... 121
التحذير من اليمين الغموس .................................... ... 122
التحذير من أكل الربا ..................................... ... 126
التحذير من المطفف في وزنه وكيله ........... ... 130
التحذير من المكس ................... ... 131
التحذير من كفران نعمة المحسن ......................... ... 132
التحذير من غصب الأرض وغيرها ................... ... 132
التحذير من منع الأجير أجره والأمر بتعجيل إعطائه .......... ... 133
تحذير العبد الآبق ونحوه ............................. ... 134
? كتاب النكاح .......... ... 137
التحذير من النظر إلى الأجنبية ............................... ... 137
التحذير من الاختلاط .................................. ... 138
التحذير من عصيان المرأة وزوجها والحذر من إسخاطه ومخالفته.................................................... ... 139
التحذير من ترجيح إحدى الزوجات وترك العدل بينهن ......... ... 140
التحذير من ترك النفقة على الزوجة والعيال ................. ... 141
التحذير من إيتان الرجل أهله وهي حائض ................ ... 141(1/388)
التحذير من الغناء والموسيقى ............................ ... 142
التحذير من السحاق .......................... ... 144
التحذير من أن ينتسب إلى غير أبيه .................... ... 144
التحذير من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده ...... ... 146
التحذير من إفشاء السر سيما كان بين الزوجين ............... ... 147
تحذير المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس ........ ... 147
تحذير المرأة من النشوز .............................. ... 147
التحذير من المحلل والمحلل له .............................. ... 149
?? كتاب اللباس والزينة ....................................... ... 150
التحذير من لباس الشهرة ...................... ... 150
التحذير من إسبال الإزار تعززاً ونحوه ........................ ... 151
التحذير من لبس الرقيق من الثياب ووجوب ستر العورة ........ ... 155
التحذير من ارتداء الملابس التي عليها صلبان أو تصاوير ...... ... 158
التحذير من لباس الحرير والذهب للرجل ............... ... 160
تحذير المترجلة من النساء والمخنث من الرجال ............ ... 164
التحذير من حلق اللحية ......................... ... 165
حد اللحية لغة وشرعاً ......................................... ... 166
أدلة تحريم حلق اللحية من السنة المطهرة ... 167
أقوال الأئمة في حلق اللحية .............. ... 168
تحذير الواصلة في شعرها والمتفلجة والواشمة ..... ... 169
التحذير من إظهار المرأة زينتها إلا لمن استثناهم الله و التحذير من خروجها معطرة ............................ ... 172
التحذير من إعانة المبطل ........................ ... 173
التحذير من الرشوة .......................................... ... 174
? كتاب الطعام وغيره ................................... ... 175
التحذير من استعمال أواني الذهب والفضة وتحريمه على الرجال والنساء . ... 176(1/389)
التحذير من الأكل والشرب بالشمال وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح ...... ... 177
التحذير من الإمعان في الشبع والتوسع في المآكل والمشارب شرها وبطراً. ... 179
التحذير من الأكل متكئاً أو منبطحاً على وجهه ............... ... 180
التحذير من أن يدعي الإنسان إلى طعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي. ... 181
التحذير من أكل الميتة والدم ولحم الخنزير........ ... 182
?? كتاب القضاء وغيره .................................... ... 183
التحذير من القضاء والولاية وغيره ........... ... 183
التحذير من الظلم وأخذ أموال الناس بالباطل ودعاء المظلوم .... ... 190
تحذير الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل . ... 193
التحذير من البغي ................................. ... 193
تحذير فيمن خصى عبده أو جدعه أو عذبه ظلماً ............... ... 196
التحذير من وسم الدابة في الوجه ......................... ... 198
التحذير من شهادة الزور ......................... ... 198
?? كتاب الحدود ...................................... ... 200
التحذير من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله ........ ... 200
التحذير من هتك ستر المسلم وتتبع عورته ........... ... 201
التحذير من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم ............ ... 202
التحذير من شرب الخمر .............................. ... 204
التحذير من الزنا وبعضه أكبر إثما من بعض ............ ... 209
تحذير القواد المستحسن على أهله ............................ ... 214
التحذير من اللواط وإيتان البهيمة والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته ....... ... 214
التحذير من القول على الله بغير علم ................... ... 217
التحذير من الإعراض عن الله تعالى بالغفلة ............ ... 219
التحذير من أن يلتقي المسلمان بسيفيهما ............. ... 219
التحذير من قتل النفس ......................................... ... 220(1/390)
تحذير الذي يقتل نفسه ................................... ... 224
التحذير من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب .......... ... 227
?? كتاب البر والصلة................................ ... 229
التحذير من عقوق الوالدين ..................................... ... 229
التحذير من قطع الرحم ........................... ... 233
التحذير من أذية الجار ................................. ... 236
التحذير من البخل والادخار شحاً ............................... ... 240
التحذير من عود الإنسان في هبته .............................. ... 242
?? كتاب الأدب وغيره............................. ... 245
التحذير من الفحش وبذاء اللسان .......................... ... 245
التحذير من الغضب . ... 248
التحذير من ابتداء أهل الكتاب بالسلام .................. ... 249
التحذير من أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن ...... ... 252
تحذير المتسمع على الناس ما يسرّونه .......................... ... 253
تناجي اثنين دون الثالث.................... ... 254
التحذير من التهاجر والتشاحن والتدابر ............ ... 255
تحذير من دعا إلى عصبية ............................ ... 256
التحذير من ترويع المسلم........................ ... 256
التحذير من أذية المسلمين وشتمهم واللعن سيما لمعين ........ ... 258
التحذير من سب الدهر...................................... ... 264
التحذير من القول للفاسق أو المبتدع: يا سيدي ............ ... 265
التحذير من ذي الوجهين واللسانين ............... ... 266
التحذير من قذف المحصنات ..... ... 266
التحذير من السرقة .............. ... 267
التحذير من قطع الطريق .................... ... 269
تحذير الغادر بأميره وغير ذلك ................ ... 269
التحذير من الخروج بالسيف والتكفير بالكبائر ......... ... 271
التحذير من قوله لمسلم يا كافر ..................... ... 272
التحذير من النميمة....................... ... 273(1/391)
التحذير من الغيبة والبهت .................................. ... 274
تحذير من جس على المسلمين ودل على عوراتهم ........... ... 278
التحذير من كثرة الكلام .............................. ... 279
التحذير من الحسد ......................................... ... 281
التحذير من الكبر والفخر والخيلاء والعجب ............ ... 282
التحذير من الكذب ............................. ... 286
عقوبة الذي يكذب ........................................... ... 287
الكذب في إظهار الفضل وإيحاء ما ليس له ....... ... 288
الكذب بقصد المزاح .............................. ... 288
التحذير من التدخين............................ ... 293
تحريم السحر ....................................... ... 293
تصديق الكاهن والمنجم ................................ ... 295
التحذير من الحلف بغير الله وقول أنا بريء من الإسلام .... ... 297
الطيرة ....................................................... ... 299
التحذير من احتقار المسلم............................... ... 299
التحذير من الخيانة...................................... ... 301
التحذير من تصوير الحيوانات والطيور .................. ... 303
التحذير المصور في الثياب والحيطان ونحو ذلك ....... ... 305
التحذير من القمار واللعب بالنرد ... 307
تحذير فيمن ليس في جوفه شيء من القرآن ........... ... 309
التحذير من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه ولا يصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم - . ... 309
التحذير من جليس السوء والجلوس وسط الحلقة .......... ... 310
التحذير من أن ينام المرء على سطح لا تحجير له، أو يركب البحر عند ارتجاجه ... 313
التحذير من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية..... ... 314
التحذير من سفر الرجل وحده ...................... ... 315
تحذير المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم ............. ... 315
التحذير من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره ....... ... 316(1/392)
التحذير من إرسال المواشي أول الليل والتعريس في الطريق ... ... 318
التحذير من الجلوس بين الظل والشمس ................. ... 318
التحذير من الأمن من مكر الله تعالى ................... ... 319
التحذير الإياس من روح الله تعالى والقنوط ................... ... 320
?? كتاب الجنائز وما يتقدمها ................................... ... 321
التحذير من تعليق التمائم والحروز ............ ... 322
التحذير من كراهية الإنسان الموت ... 322
التحذير من سب الميت والإساءة له ............................. ... 324
التحذير من النياحة واللطم .............. ... 324
التحذير من حداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث ........ ... 328
التحذير من أكل مال اليتيم ............................. ... 329
التحذير من المرور بقبور الظالمين وديارهم، وبعض ما جاء في عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير عليهما السلام ....... ... 330
التحذير من الجلوس على القبر وكسر عظم الميت .......... ... 338
? كتاب علامات الساعة الكبرى ............................... ... 339
ظهور المهدي .............................. ... 339
الدجال صفته ومكان خروجه ومدة مكثه ............... ... 340
مدة مكثه في الأرض ............................. ... 341
مكة والمدينة لا يدخلهما الدجال ...................... ... 341
شدة فتنة الدجال والوقاية منها .................. ... 342
الوقاية من فتنة الدجال .......................... ... 343
نزول عيسى عليه السلام ................................... ... 344
صفة نزوله وقتله للدجال ........................... ... 344
خروج يأجوج ومأجوج ............................... ... 345
اقتراب خروجهم من السد .............................. ... 346
الإذن في خروجهم من السد ......................... ... 346
فسادهم في الأرض وهلاكهم بدعاء عيسى عليه السلام عليهم ... ... 347
طلوع الشمس من مغربها ............................... ... 348(1/393)
إغلاق باب الإيمان والتوبة إذا طلعت الشمس من مغربها ... ... 348
خراب الكعبة شرفها الله تعالى على يدي ذي السويقين الأفحج قبحه الله ... 350
خروج الدابة ................................................... ... 350
خروج الدابة يكون قريب من طلوع الشمس ومن مغربها ... ... 351
مكان خرود الدابة: قيل إنها تخرج من المسجد الحرام ..... ... 351
كلام الدابة وعملها......................................... ... 351
الخسوفات الثلاثة والدخان .............................. ... 352
الدخان .................................... ... 352
النار التي تسوق الناس إلى محشرهم .................. ... 353
فصل في قبض أرواح المؤمنين قبل الساعة ............. ... 354
? كتاب البعث وأهوال القيامة .......................... ... 355
فصل النفخ في الصور وقيام الساعة ........... ... 355
فصل في الحشر وغيره ............................ ... 356
فصل في ذكر الحساب وغيره .................. ... 359
فصل في الشفاعة وغيرها ................... ... 361
?? كتاب صفة النار ............................................ ... 374
فصل الاستعاذة من النار ....................... ... 374
صفة النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه .................. ... 375
فصل في بُعد قعرها ........................ ... 377
طعام أهل النار ... 377
فصل في دخول المتكبرين النار ............ ... 378
فصل في عظم أهل النار وقبحهم فيها ...... ... 379
الخاتمة نسأل حسنها .. ... 383
الفهرس ................................ ... 384
الكتب التي صدرت للمؤلف بفضل الله وحده
1- إتحاف ذوي الألباب بما في الأقوال والأفعال من الثواب. طبع دار النفائس عمان.
قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .
2- تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الآثام . طبع دار النفائس عمان .
قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .(1/394)
3- آداب اللسان فيما يخص اللسان من خير أو شر في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف.دار النفائس.
4- الرواة الذين ترجم لهم العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى من إرواء الغليل ومقارنتها بأحكام الحافظ ابن حجر رحمه الله، ويليه الفوائد الفقهية والحديثية. طبع مكتبة الصحابة الإمارات الشارقة .
5- رحلة العلماء في طلب العلم . طبع دار النفائس عمان .
6- صحيح الطب النبوي في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف. طبع دار النفائس عمان.
8- أشراط الساعة الكبرى . طبع مكتبة عباد الرحمن ، ومكتبة العلوم والحكم القاهرة .
9- قصص وعبر وعظات من سيرة الصحابيات.طبع مكتبة عباد الرحمن ، ومكتبة العلوم والحكم القاهرة.
10- تحذير الخلان من فتنة آخر الزمان المسيح الدجال . طبع دار النفائس عمان .
11- تنزيه كلام خير الأنام عما لا يصح من أحاديث الصيام . طبع مكتبة الصحابة ، ومكتبة أهل الحديث الإمارات الشارقة ، ومكتبة التابعين القاهرة .
12- نزْهَة العِبَاد بِفَوَائِد زَاد المعَادْ .طبع مكتبة المعارف بيروت ومكتبة الصحابة الإمارات الشارقة، مكتبة التابعين القاهرة .
13- ابن لك بيتاً في الجنة . طبع الأردن .
14- خمسة أخطاء في الصلاة . طبع الأردن .
15- فضل الصيام والاستقامة على الأعمال . طبع الأردن .
16- رد السهام الطائشة في الذب عن أمنا السيدة عائشة .
18- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة . طبع مكتبة أهل الحديث الإمارات الشارقة.
19- تحفة الأقران بفضل القرآن . طبع مكتبة أهل الحديث الإمارات الشارقة .
20 - أحكام المرأة المسلمة .
21 – القول المبين في قصص الظالمين . طبع مكتبة عباد الرحمن ، مصر .
22- وجوب طاعة ولاة الأمر بالمعروف وعدم الخروج عليهم .
23- كشف الإلباس عن مسائل الحيض والنفاس .
وهناك كتب تحت الطبع في مكتبة المعارف في الرياض :
1- الياقوت والمرجان في وصف الجنة والحور الحسان .(1/395)
2- إتحاف الصالحين بسيرة أمهات المؤمنين .
3- جواب السؤول عن سيرة بنات وعمات الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
4- مكانة الصلاة وفضلها في الإسلام .
5- إعلام الأصحاب بما في الإسلام من الآداب .
6- معاني الأذكار وثوابها .
7- يبتدعون ولا يعلمون .
8- إعلام شباب الإسلام بحرمة التفجيرات والخروج على الحكام .
9- إعلام الجماعة عن الفتن والأحداث .
10- حفظ اللسان والتحذير من الغيبة والبهتان ، ويليه تحذير المسلم بما في الحسد من الإثم، ويليه تحصين البيت والأولاد من كيد الشيطان .
11- سباق أهل الإيمان إلى قصور الجنان . طبع مكتبة الصحابة الشارقة .
12- الثواب في بناء المساجد والمشي إليها .
13- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة .
14- أحلى الكلام عن صلة الأرحام .
15- تحفة الأقران بفضل القرآن .
وكتب تحت الطبع أيضاً :
1- سلوك المرأة المسلمة .
2- فتاوى عطاء في الحج .
وإني لأرجو من كل أخٍ كريم يطلع على أي مؤلف من هذه المؤلفات إذا وجد خطأ أن يعلمني به، عملاً بحديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "الدين النصيحة"، و "رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي" حتى نحق الحق، ولم آلُ جهداً من تحري الحق ، فإن وُفقت إليه فإنه من فضل الله عليَّ ، وله المنّة وحده، وإن كانت الأخرى فحسبي أنّي قد بذلت قصارى جهدي في جمع الأدلة الصحيحة والأخذ من علماء الإسلام، مع الحرص على معرفة الحق والصواب .
علماً أن كل ما كتبت في أي موضع هي نقولات من كتب أهل العلم، وأشرت في غالبها إلى قائليها، وقسم يسير لم أعزو لمن قاله أما بسبب لم أتمكن من قائله أو تقصيراً مني، وأسأل الله أن يجزل المثوبة لكل من أخذت منه وأن يجعله في ميزان حسناتهم، وأستغفر الله وأتوب إليه إنه تواب رحيم .(1/396)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لقد أَلَّفتُ هذه الكتب ولم آلُ جهداً فيها، ولابُدَّ أن يُوجد فيها الخطأ، لأنَّ الله تعالى يقول: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً). النساء (82). فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالفُ الكتابَ والسُّتة، فقد رجعت عنه، أخرجه عبدالله بن شاكر في مناقب الشافعي كما في كشف الخفاء (1/35) . بالمناسبة يُروى في هذا المعنى حديثٌ لا أصل له بلفظ: "أبى الله أن يصح إلا كتابه . وقد أورده علي القاري في الموضوعات . والشوكاني في الفوائد المجموعة .
وإني متراجع عما يصدر مني من خطأ في أي موضع مما كتبت وأستغفر الله منه، تأسياً بقول بعض سلفنا الصالح: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، وأستغفر الله ذا الكمال من خطئي ، وما زل به قلمي، ودينُ الله بريء منه ، وأنا تائب عنه ، والله خيرُ مأمول ألا يضيع سعينا ، ولا يخيب رجاءنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والله الموفق ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وجزاكم الله خيراً .
المؤلف
ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
نزيل الإمارات العربية المتحدة/عجمان
جوال 00971502040542(1/397)