تجديد الخِطَابُ الدَّعويّ الإسلاميّ بين الأصالة والمعاصرة
( د. مُحَمَّد البشير مُحَمَّد عبد الهادي (1) ()
مُقَدِّمَة:
إنَّ غاية المسلم وهدفه الأسمى في هذه الدنيا هو خلافة الله في الأرض وإعمارها، وتحقيق العبودية له سبحانه وتعالى، قال تعالى: [الذاريات: 56] وبهذا يحتاج لمعينات يحقق بها هذا الغرض الكبير الذي مِن أجلهِ خُلِق ،ومن هذه المُعِينات الضوابط التي تضبط خطابه الدَّعويّ؛ يحتاجها لتوصيل رسالته الدَّعويّة السَّامية إلى أفراد المجتمع كافّة ؛ وهو ما عُرِف بالخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ .
إنَّ الإسلام اليوم أصبح مُتَّهَماً في قِيَمِهِ الحضاريّة ومنهجه ، الّذي يخاطب به النّاس ويدلّهم به ، ويقنعهم بالتمسُّك به ، وما من حركة غير راشدة تجتاح بلداً من بلدان العالم إلاّ وجهت سهامها الإبليسيّة نحو هذه الدّعوة السّامية التي جاءت هداية للنّاس متمشيةً مع نواميس الكون ، وما جُبِلَتْ عليه الفطرة السليمة وانسجمت معه .
إنَّ من أسباب هذه التُّهَم الطريقةَ التي يُعْرَضُ بها الإسلام ، والطبق الذي يُقدَّم فيه، وإنَّ مِن أوجب واجبات الإسلام على المسلمين في هذا الظَّرْف من الحياة بتعقيداتها الكثيرة، وبهذا التّداعي الكونيّ على الإسلام كتداعي الأكلة على قصعتها . إنَّ الواجب في هذا الوقت أنْ يُقَدَّم الإسلامُ منهجَ حياةٍ بدراسةٍ علميّة تتضح فيها الموجِّهات، والسياسات، والخطط الهادفة، والبرامج، والمشروعات المقنعة التي يمكن تنفيذها بسهولة ويسر لتتحقَّق رسالةُ السَّماءِ على الأرض.
__________
(1) (() مدير إدارة التقويم والقياس التربوي بالجامعة، مدير مركز بحوث القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية (المكلَّف).(1/1)
إنَّ هذه الضوابط تتمثل في طريقة خطاب النّاس بالإسلام وامتثال القدوة والأسوة الحسنة ؛ حيث إنَّ الرسالات السماويّة جاءت كُلُّها لتدُلَّ النّاس على وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى ـ وأنَّه الخالق ، وهو الرّزاق ذو القوة المتين ؛ كما أنَّها جاءت لتحدِّد للنّاس حدود العبوديّة الّتي لاتصحُّ إلاّ لله الذي خلق الكون.
كما أنّ الرسالات لتكون واقعيةً قابلةً للتطبيق جاءت بمنهج المعاملة الحسنة واليُسر، فأصبح الدّين هو المعاملة . إنَّ العداء للإسلام الذي اعتور العالم وعَمَّهُ نتيجة ـ في بعض الأحيان ـ للمعاملة غير الإسلاميّة التي سلكها بعض المسلمين في التعامل مع الآخرين ، ممّا أبرز صورةً شائهةً في الإعلام الغربيّ، وفي أذهان الغربيين عموماً عن الإسلام والمسلمين ، رغم أنَّ مِنهم مَنْ يعرِفُ حقيقة الإسلام، إلاَّ أنّ الغرض والتعصُّب لمنهج الإقصاء والإحلال هو الدّاعي لذلك، وهو أكثر ما يعاني منه الخطاب الإسلاميّ.
وتأسيساً على ذلك فإنَّ الحاجة تبرز لتعزيز قيم الدِّين ومضامينه مِن خلال خطابٍ دعويّ متجدِّد يضع في حسبانه كُلَّ ما يحيط به من ظروف ،ولكن قبل أن نتناول تجديد الخطاب الإسلاميّ حريُّ بنا أن نقف على أسباب الدعوة إليه.
المبحث الأول
تجديد الخطاب الإسلاميّ (الأسباب والمقاصد)
أسباب الدّعوة إلى تجديد الخطاب الإسلاميّ:
إنَّ أسباب الدعوة لتجديد الخطاب كثيرة نذكر منها:
[1] بعض الحكومات الإسلاميّة تطالب بتجديد الخطاب الإسلاميّ بسبب الأعمال العنيفة التي واجهتها، والضغوط التي خدشت مسيرتها، والقرارات التي وجَّهتْ سهاماً إليها.
[2] بعض الحكومات الإسلاميّة تطالب بتجديد الخطاب الإسلاميّ بسبب الضغط الذي يمارسه الغرب عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .(1/2)
[3] بعض التيارات غير الإسلاميّة من الكُتَّاب والمُثَقَّفين والإعلاميين يطالبون العلماء والمفكرين والدُّعاة المسلمين بإدخال العديد من التطويرات والتحويرات على بنية الخطاب الإسلاميّ، ولكلٍّ غرضه .
[4] أعداد لا يُستهان بها من أهل الغيرة على الدِّين وعلى المنهج الرَّبَّانيّ الأقوم ، وعلى مصالح الأمة ، ومستقبلها ؛ تطالب هي الأخرى بتجديد الخطاب الإسلاميّ على نحو ينسجم مع الذائقة الثقافيّة (الصَّحوة الإسلاميّة) التي تبلورت عبر العقدين الأخيرين، كما ينسجم مع المفاهيم والأوضاع الجديدة التي بثَّتْها العولمةُ وأوجدتْهَا بما هي رمزٌ للاستثمار المكثَّف في الثقافة والاقتصاد.
[5] استعادة أمجاد الأمة الإسلاميّة، وكذلك استعادة امتلاك ناصية المعرفة والعلم؛ ( وعليه فمن الأفضل للمسلمين أن يتعاملوا مع هذا القرن بعيون وعقول مفتوحة تعرف تماماً ماذا تريد؟ وما هو الدَّور الذي تأمل الاضطلاع به) (1) .
[6] الحاجة الماسّة للانتقال بالمجتمع من مرحلة التذكُّر والاطمئنان والدِّفاع إلى مرحلة التطبيق والعمل.
ماذا يعني تجديد الخطاب الإسلاميّ؟
تجديد الخطاب الإسلاميّ يعني الآتي :
[1] تأسيسه على الإخلاص لله ـ سبحانه وتعالى ـ وشحنه بالصَّفاء والمشاعر النَّبيلة وحب الخير للنّاس .
[2] وضعه على سابق عهده على مستوى التمسُّك بالأصول والالتزام بالضوابط المنهجيّة المتفق عليها ، فيُصان عن الكذب والمبالغة والخُرافة والتَّزوير ؛ ويُنأَى به عن أن يُستخدم لمآرب شخصيّة ، ومنافع خاصة .
[3] تحديد الأفكار والمفاهيم وأوجه البرهنة والاستدلال وبلورة التَّداعيات المنطقية التي تُسْتَخَدم في ذلك الخطاب .
__________
(1) د. محضير محمد: الإسلام والأُمَّة الإسلاميّة، خطب مختارة للدكتور محضير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، أعَدَّه: (هاشم مكرو الدين)، كوالامبور، ماليزيا، 2001م، ص 246.(1/3)
[4] استخدام الأساليب الكتابيّة والقوليّة الحديثة والملائمة للذّائقة الثقافية المتجدِّدة لدى النّاس.
[5] ملامسة حاجات النّاس والحرص على تبصيرهم بالتَّحديات والفرص التي تنتظرهم، ولعلَّ أكبر التَّحديات هي التطبيق؛ أمّا وقد تقدّمت الدعوة الإسلاميّة منذئذٍ بمجتمع الخطاب من مرحلة التذكُّر والاطمئنان إلى مرحلة التدبُّر والعمل، وطرحت قضايا التطبيق) (1) .
[6] الوعي الذاتي؛ وهذا يعني الآتي :
[أ] المعرفة المتعمِّقة بواقع الخطاب الإسلاميّ.
[ب] الفهم الدَّقيق لمكوِّنات ذلك الخطاب وفهم القضايا التي يشتمل عليها .
[ج] الفهم للنتائج التي نحصل عليها من وراء خطابنا .
[د] المناسبة الفعليّة لأولويات الجماهير وحاجتهم المعرفيّة والإصلاحيّة .
[هـ] الانفتاح على الآخرين وعدم النُّفور منهم .
[و] الاهتمام بالقضايا المشتركة مع الآخرين مثل الجهل ، والفقر، والمرض، والبطالة ، والاستبداد ،والتفكُّك الاجتماعيّ، وهيمنة الأجنبيّ، وتحرير الأراضي الإسلاميّة المغتصبة، ومسائل أخرى مثل الحرية، والعدالة، وتكافؤ الفرص، واستقلال القضاء والتعليم ، والمرأة ، والتربيّة، والطفولة .
[ز] النَّقد الذَّاتيّ، وهذا يتطلَّب الوعي العميق بالخطاب ومفرداته، وهذا لا يحدث إلاّ بالنَّقد الذَّاتيّ.
__________
(1) المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ( هيرندان، فرجينيا ـ الولايات المتحدة الأمريكية): منهجيّة العلوم الإسلامية، تحرير الطَّيِّب زين العابدين، ط/1، 1412هـ ـ 1992م، ص 11.(1/4)
[7] الخطاب الموضوعيّ، والمقصود بالموضوعيّة (رؤية الأشياء على ما هي عليه في واقع الحال بناءً على علمٍ صحيحٍ ثابتٍ مُعْتَرَفٍ به؛ بعيداً عن الهوى وكل المؤثِّرات الخارجيّة ، ثُمَّ الحكم عليها والتعامل معها وفق تلك الرؤية) (1) .
ما مستلزمات أن يكون الخطاب موضوعيّاً ؟
[أ] تتمثّل الموضوعيّة في الخطاب في الإقرار بمحدوديّة ما لدينا من فهم وإدراك وإحاطة ومعرفة وسيطرة على الأهواء والرَّغبات، قال تعالى:
[الإسراء: 85]، وقال تعالى: [الإسراء: 36]، وقال تعالى: [النجم: 28].
[ب] وتتمثَّل موضوعيّة الخطاب الإسلاميّ في عدم اتِّباعِ الهوى والاستسلام للرَّغبة لأنَّها من العوائق الأساسية أمام صياغة خطاب إسلاميّ موضوعيّ.
[ج] وتتمثَّل موضوعيّة الخطاب الإسلاميّ في الوقوف في أطروحاته ونظريّاته عند الحدود البيانيّة التي ترسمها الأدلّة والبراهين المعتبرة والمعطيات العمليّة الثابتة .
وهنا لا بُدَّ من ملاحظة الآتي :
أولاً: إنَّ الإعتزاز بالمنهج الذي يحمله الدَّاعية، مع ضرورة الثِّقة بصِحَّة ما يدعو إليه، لا يصحّ له أَنْ يُلِغي الفروقات القائمة فِعلاً بين القطعيّات والظَّنِّيّات؛ فكُلَّما كان الحديث يدور حَولَ أصل كبير، وقضيّة عامة؛ فإنَّ الخلاف يقِلُّ واليقين يزداد ؛ كقولنا: إنَّ بِرَّ الوالدين والوفاء بالعهود والصِّدق وفريضة الصلاة واجب على المسلم، نكاد لا نجد منازعاً أو مخالفاً فيه. وفي المقابل كُلَّما كانت المسألة فرعيّة وجزئيّة وإجرائيّة فإنَّ إمكانيّة الاختلاف والتباين تصبح أكبر. وهكذا فالقطعيّات لا خلاف حولها وهي الثوابت المقصودة.
__________
(1) أ. د. عبد الكريم بكّار: تجديد الخطاب الإسلاميّ (الشكل والسِّمات)، دار المسلم للنَّشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط/1، 1426هـ ـ 2005م، ص 53-54.(1/5)
ثانياً: إنَّ الأمور الإجرائيّة والتنظيميّة تختلف بين زمان وزمان، ومكان ومكان؛ لأنَّها تُظهِر درجة التقدُّم الحضاريّ السَّائد؛ وهذا الاختلاف استدعى قِلَّة النُّصوص الشرعيّة المفصَّلة الواردة فيها؛ وذلك من لطف الله بعباده، وهذه القلَّة في النُّصوص المفصَّلة تعني بداهةً الحاجة إلى الاجتهاد، والاجتهاد لا يَنْسَخُ الاجتهاد، وكُلٌّ مأجورٌ في اجتهاده، فقد ورد في الحديث الشَّريف عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا حَكَمَ الحَاكِمُ فاجْتَهَدَ فأصَابَ فَلَهُ أجران، وإذا اجْتَهَدَ فأخْطَأَ فَلَهُ أجرٌ واحِدٌ) (1) .
نماذج للقضايا التي تقِلُّ فيها النُّصوص، وبالتالي تكون مجالاً لاختلاف وجهات النَّظَر:
[1] مسائل السياسة الشرعيّة .
[2] مسائل الحُكم والإدارة والشُّورى .
[3] مسائل العلاقات الدوليّة .
[4] مسائل الشئون التنظيميّة عامّة .
[5] مسائل الخلافات الفرعيّة في أمور الجماعات الإسلاميّة ومواقفها من كثير من الأمور.
هذه المسائل رغم أنّها هي مجالات للاجتهاد إلا أنَّها لا بُدَّ أن تُحقِّق المقاصد العُليا للدِّين مثل إسناد الأمر كلّه لله سبحانه وتعالى، وإخلاص النِّيَّة وأن تخدم المشروع الإسلاميّ.
تجديد الخطاب الإسلاميّ:
__________
(1) أحمد بن شعيب بن علي: سنن النسائي، كتاب آداب القضاة، باب الإصابة في الحكم، برقم 5386.(1/6)
إنَّ الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ هو التعبير عن الإسلام ثقافةً ، واقتصاداً ، واجتماعاً ؛ ويمكن تعريفه أيضاً بأنَّه: (هو تعبيرٌ عن رؤية الواقع والأخذ بأيدي الناّس نحو ما يجعلهم أكثر صلاحاً واستقامة ،كما يجعلهم أكثر أمناً واطمئناناً ورخاءً واستقراراً ) (1) . وحتّى يتمكَّن الخطاب من ملاءمة المهامِّ الكثيرة والمطلوبة لا بُدَّ من مطابقة القول للفعل . قال تعالى: [الصف: 2-3].
المبحث الثاني
مرتكزات الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ وضوابطه
[1] فهم مقاصد الإسلام :
... ويُقْصَد بها الغايات التي أنزل الله تعالى الشَّرائع مِن أجلِ الوصولِ إليها وتحقيق مصالح الدِّين والدُّنيا ؛ حيث إنَّ الإنسان بدون تلك المقاصد يسير بعيداً عن طريق الله تعالى.
هذه المقاصد هي التي تحقِّق مصلحة العباد في الدِّين والدُّنيا، وفَهْمُها يساعد على تضييق مساحة الخلاف بين المسلمين وتجعلهم متفقين نحو الاتّحاد ومختلفين نحو التفكُّك، وفهم هذه المقاصد يساعد على احترام الرأي الآخر خاصّةً في الأمور الاجتهادية، التي لا نصّ فيها.
[2] مراعاة آداب الخلاف :
أنواع المخالفين :
[أ] مسلمٌ مخالِفٌ غيرُ محارِب .
[ب] مسلمٌ مخالِفٌ محارِبٌ .
[ج] كافِرٌ مُخالفٌ غيرٌ محارِب .
[د] كافِرٌ مٌخالفٌ محارِبٌ .
إنَّ المسلم المٌخالِفَ غير المحارِب له الحقوق التي أمر بها الإسلام كافّة ؛ من المناصرة والدُّعاء له، ولا بُدَّ أن يتعلَّم المسلم أن يختلف مع أخيه المسلم في إطارٍ من الحُبّ، ولذلك فإنَّ الإرغام على رأيٍ واحد في الدّعوة خطأ كبير.
__________
(1) أ.د. عبد الكريم بكّار: تجديد الخطاب الإسلامي (الشكل والسِّمات)،مرجع سابق، ص 37.(1/7)
أمَّا المُسْلِمُ المُخالِفُ المحارِبُ فيُسْلَكُ معه طريق الصُّلح والنُّصرة .قال - صلى الله عليه وسلم - : (اُنْصُرْ أخاكَ ظالماً أو مظلوماً، فقال رجلٌ: يا رسول الله أَنْصُرُهُ إذا كان مظلوماً؛ أرأيت إنْ كان ظالماً كيف أنْصُرُهُ؟ قال: ( تحجزه أو تمنعه من الظُّلم فإنَّ ذلك نَصْرُهُ) (1) .
وأمَّا المُخالِفُ الكافِرُ غيرَ المحارب فقد وضع الإسلام قواعد للتعامل معه قال تعالى: [الممتحنة: 8].
وهذه القواعد تهدف إلى مجادلته بالتي هي أحسن ؛ قال تعالى: [النحل: 125].
والمخالِفُ المُحارِبُ فيُتَعامَلُ معه بمقتضى المرحلة والحال، التي أشار إليها القرآن الكريم في عدة مواضع، منها على سبيل المثال: قوله تعالى [البقرة: 191]، وقوله تعالى [التوبة: 36] .
[3] مراعاة فقه الأولويات:
ويُقْصَدُ بهذا البدءُ بأهمِّ الأمورِ في الدِّين عند بدايةِ دعوةِ الآخَرين؛ والتدرُّجُ في الدَّعوة، والحِرْصُ على تعليم النّاس الفرائض قبل النَّوافل، والحرام قبل المكروه.
وهنا أولوية الدَّاعية أن يبدأ بما هو مُتَّفَقٌ عليه، وألاَّ يبدأ بما هو مُخْتَلَفٌ حوله ؛ ولا بُدَّ أن يُرتِّبَ الأمور بحسب مقتضاها ، وأن يراعي عادات النّاس وظروفهم ، ويضعها في ميزان الشَّرع، ( الأخذ بفقه الأولويات، وتقديم الأهم على المهم من الفقه في الدين، حتى لا ينشغل النَّاس بصغائر الأمورِ وتفاصيلها عن كُلِّيَّاتها، وكُبرياتها) (2) .
[4] التفريق بين الفتوى والدَّعوة :
__________
(1) الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري: صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1401هـ، 1981م، باب نصر المظلوم، برقم 65521، 6/2550.
(2) د. محمَّد البشير محمَّد عبد الهادي: السُّلوك الإداريّ في المؤسسات التربويّة، دار الأصالة للصَّحافة والنَّشر والإنتاج الإعلامي، الخرطوم، السُّودان، ط/1، 1424هـ ـ 2003م، ص 156.(1/8)
يُقْصَدُ به الاهتمام بالدَّعوة بحسبانها واجبة على كُلِّ مسلم ، والدَّعوة بحاجة ماسَّة إلى المسلم القُدوة في سلوكه وأخلاقه قبل خطابه. وإنَّ مهمة الفتوى والقضاء يقوم بها أُناس آخرون يمتلكون مقوِّماتها بحسبانها مهمة خطيرة، وفيها حُكْمٌ؛ والحُكْم يقتضى العِلْمَ والعدالة.
ومع هذا لا مانع من أنْ يكون الدَّاعية مفتياً إنْ كان أهلاً لذلك؛ لأنَّه سيقول: (هذا حلال وهذا حرام)، و(افعلوا هذا واتركوا ذاك).
[5] إعادة النَّظر في المصطلحات :
ومن هذه المصطلحات: دار الكفر ، ودار الإسلام ، وهي مصطلحات اجتهادية وُضِعَتْ لظروف مُعيَّنة ولا نستطيع تطبيقها الآن ؛ وعلينا أن نضع في الحسبان أنَّ ديننا صالح لكل زمان ومكان ، وهذا يعني دراسة الواقع والنَّظر في كثير من الاجتهادات ، وإيجاد الفئة المجتهدة اجتهاداً جماعياً، حتى تصل إلى مصطلحات منضبطة بالأصل، مراعية لظروف العصر.
ولا يعني هذا أننا نريد أنْ ننسخ كلمة الكفر والإسلام؛ وإنَّما تقسيمياً للجهة الجغرافية، حيث المسلم يدعو حيثما حَلَّ.
[6] فهم واقع الفتوى :(1/9)
الفتوى مربوطة بالزمان والمكان وحالة الأشخاص المُقدَّمة لهم الفتوى؛ فمنهم مَنْ جَاء إلى الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - وقال له : أيُّ العمل أفْضَلُ يا رسولَ الله؟ قال: (الصَّلاة في وقتها)، وبعضهم قال له: (بِرُّ الوالدين)؛ وبعضهم قال له: (الجِهادُ في سبيلِ الله)؛ وهكذا يؤثر اختلاف أوضاع الناّس وحالاتهم في الفتوى، وعلى الذين يتصَدَّون لها أن يعلموا هذه الأمور علاوة على الشروط الأساسية ؛ من علم وغيره، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أيُّ العمل أفْضَل؟، فقال: إيمانٌ بالله ورسولِهِ، قيل: ثُمَّ ماذا؟ قال: الجهاد في سبيلِ الله، قيل: ثُمَّ ماذا؟ قال: حجٌّ مبرور) (1) .
وورد في فتح الباري بشرح صحيح البخاري؛ فائدة؛ قال النوويّ: ( ذكر في الحديث الجهاد بعد الإيمان، وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج وذكر العتق، وفي حديث ابن مسعود، بدأ بالصلاة، ثُمَّ البِر، ثُمَّ الجهاد، وفي الحديث المتقدِّم ذكر السّلامة من اليد واللِّسان ( المسلم مَنْ سَلِمَ المسلمون مِن لسانِهِ ويده). قال العلماء: اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال، واحتياج المخاطبين، وذكر ما لم يعلمه السائل والسَّامعون وترك ما علموه) (2) .
ضوابط تجديد الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ:
من خلال التعريفات التي سُقناها آنفاً نجد أنَّ الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ لا بُدَّ أن يتحلَّى بالضَّوابط الآتية:
__________
(1) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت، لبنان، (بدون تاريخ)، كتاب العلم، باب من قال: إنَّ الإيمان هو العمل، برقم 26، 1/77.
(2) المرجع السابق نفسه، ص 79.(1/10)
[1] الانطلاق من الخصائص العامّة للإسلام: الرَّبّانيَّة؛ الشمول، الوسطيّة، والتَّوازن ، والواقعيَّة ، والمرونة ، والعالميّة ، وكُلُّ واحدةٍ من هذه الخصائص تحتاج لِشُرَّاحٍ يفصِّلونها ، ويوضّحون كيف تُنزلُ على واقع الحياة.
[2] الانطلاق من التصوُّر الإسلاميّ الصَّحيح بحيث يكون الخطاب الدَّعويّ شارحاً لقضاياه الكبرى ومرسِّخاً لها ؛ وهذه القضايا الكبرى هي؛ العقيدة الصحيحة ، والعبادة الموافقة للسُّنَّة ، والتَّربية المستقيمة ، والأخلاق الفاضلة ، والموقف المعتدل دون إفراط أو تفريطٍ في كل قضايا الحياة.
[3] الانطلاق مِن المَحَبّة التي تعمل على علاج أمراض المجتمع ؛ مثل العنصريّة ، والطبقيّة وغيرها؛ وأن تكون الدَّعوة لهذه المحبَّة بالتي هي أحسن، مع إشاعة روح التكافل والتَّراحم .
[4] الانطلاق من الأسس العلميَّة التي تَحُضُّ على التَّعليم والتَّعلُّم، والاهتمامِ بالعلمِ والعلماء وترفعهم درجات ؛ قال تعالى: [المجادلة: 11].
[5] اعتماد مرجعيَّة الوحي ، وترسيخ المفاهيم السياسيّة الإسلاميّة، وأساليب الإسلام في الحُكم من خلال النُّصوص والتَّاريخ الموثَّق، هذه المفاهيم مثل: الشُّورى، والعدل، والمساواة.
[6] ترسيخ العدالة الاجتماعيّة، وإحياء روح الجهاد بمفهومه الواسع بمعنى المجاهَدَة، وبذل الجهد في مُدافَعَةِ النَّفْسِ وصَدِّها عن النَّزوة ، والشَّهوة ، والجري وراء حبائلِ الشَّيطان ومكائِدِه؛ حتى يُفْهَمَ الجهادُ بمعناه الحقيقي الذي لم يُحْصَر في القتال؛ والقتال جزء من الجهاد إنْ توفَّرتْ أسبابه، وأهمُّها الدّفاع عن النَّفْس، وحماية بيضة الإسلام ، إذا داهم العدوُّ بلاد المسلمين، وفتح الطريق أمام الدَّعوة إنْ استطاع المسلمون ذلك.(1/11)
[7] التَّركيز على فرضيّة الدَّعوة والعناية ببيان أهدافها ووسائلها وأساليبها والتَّدريب عليها؛ وتركيز مفهوم أنَّها ـ أي الدَّعوة ـ بقصد حبِّ الخير للنّاس وحضِّهم عليه، قال تعالى: [آل عمران: 110].
[8] تَبَنِّي قضايا المجتمع، والارتباط بواقعه، وتُراثِهِ لتحقيق المرجعيّة، مع النُّصح وخفض الجناح وعدم الإقصاء للآخرين.
[9] ترتيب الأوليَّات وعدم الغرق في الجزئيَّات ، والمسائل الخلافيَّة، وَسَفْسَاف الأمور، وإصلاح ذات البين بين المسلمين عامّة ليتوحَّد صفُّهم ويجتمع شملهم.
[10] التزام الموضوعيَّة، وعدم التضخيم لِلذَّات والتقزيم للآخرين حيث يُعْطَى كُلُّ موضوع حَقُّهُ ومُسْتَحَقُّه مهما كان مصدره.
[11] اجتناب التّجريح والتَّكفير والتَّنفير والتَّعسير، والتَّحدي، واستعراض القوّة إلاَّ عندما يقتضيها الحال، مثل مشية أبي دجانة في ساحة الحرب، أو عندما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بالرَّمَلَ وكشف الذراع الأيمن في عمرة القضاء، لِيُرِيَ المشركين قوتهم، وهي من قبيل الحرب النَّفْسَيَّة.
[12] جعل الجرعة السياسيّة في الخطاب المسجديّ غيرَ مباشرة لتجنيب المساجد تشويش المتربِّصين، وأصحاب الغرض والمرض، حتى يخرج المسلم من الجمعة بشُحنةٍ يعيش عليها إلى الجمعة التي تليها، ولتكون الجمعة إلى الجمعة كَفَّارةً لما بينهما إلاَّ إذا كانت من قبيل السَّياسة الشرعيّة المحايدة التي يجب تبيينها للنَّاس.
المبحث الثالث
الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ (الإجراءات والأدوات والأشكال)
إجراءات الخطاب الدَّعويّ:
وللخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ بعض الإجراءات التي لا بُدَّ من الاهتمام بها؛ ويمكن تلخيصها في الآتي:
[1] مراعاة الفوارق بين الأوقات والأماكن والأشخاص المستهدفين، بمعنى التَّخوُّل بالموعظة خوف السآمة.(1/12)
[2] الوضوح والصَّرامة في بسط الموضوعات مع تحرِّي الدِّقَّة؛ والصِّدق في المعلومات والأخبار، والتأكُّد منها من مصادرها؛ والتّبيُّن ؛ قال تعالى : [الحجرات: 6].
[3] العناية بالتَّأصيل والتَّخريج والاستيعاب الكامل للموضوعات المتناولة .
[4] العناية بالمظهر للمتحدِّث الذي يعرض الموضوع حتّى يجعل النّاس يركِّزون على موضوعه، ولا يلفت أنظارهم عن مَخْبَرِهِ إلى مَظْهَرِهِ، فالمَظْهَرُ لا يكون جَذَّاباً لدرجة الشُّهرة، ولا رَثَّاً لدرجة السُّخرية.
[5] عدم التّشنج ، والانفعال الزَّائد ، والاقتصاد في الصَّوت ، حتى لا تفوت الفرصة بسبب الانفعال، فتضيع القضيّة بسبب فقدان الموضوعيّة والمنهجيّة العلميّة.
[6] العناية باللُّغة والأُسلوب دون تقعُّر أو صَخَب.
[7] التَّحضير العلميّ والواقعيّ، والعناية بالمنهجيَّة في الموضوعات؛ وذلك بغرض ترتيب الذِّهن وإفادة المجتمع.
[8] العناية بالمداخل، وبالخواتيم المؤثِّرة التي تترك انطباعاً جيِّداً في نفوس المستمعين، مع عدم الإكثار، والتّكرار، والإطالة من غير حاجة، وهذا ما يُعْرَفُ عند علماء التَّربية وطُرق التَّدريس بالتمهيد والإغلاق.
أدوات الخطاب الإسلاميّ وأشكاله:(1/13)
إنَّ الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ هو تعبيرٌ عن الإسلام في شَتَّى جوانبه الحيويَّة؛ فيجب أن تكون سِماتُهُ مُعَبِّرَةً تعبيراً دقيقاً عن الإسلام عِلماً وعملاً، وأن يكون محيطاً إحاطةً كاملةً بالمجتمع حوله، وأن يلتزم بالأدب النبويّ في التّناول والحديث إلى النّاس، حيث كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتخوَّل أصحابه بالموعظة خشية السآمة ، ويخاطب النّاس ببيانٍ ووضوحٍ حتَّى يكون الغرض بَيِّناً ؛ كما كان يخاطب النَّاس على قَدْرِ أفهامهم وعقولهم حتّى يخرجوا من عنده وهم يعلمون ما قاله لهم ، قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : (حدِّثُوا النَّاسَ بما يعرفون، أتُحِبُّوَن أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ ورسُولُه؟) (1) .
والخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ يتطلب حَذْقَ بعض اللُّغات لمخاطبة النّاس بألسنتهم، فالأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ أُرْسِلوا إلى أقوامِهم بألسنتهم، قال تعالى: [إبراهيم: 4] ، كما كانوا مُختصِّين، بمعنى أنَّهم كانوا يُصْلِحون أحوالَ أقوامهم:
فمنهم من جاء مصلحاً اجتماعياً للأخلاق والسُّلوك كسيدنا لوط - عليه السلام - ؛ قال تعالى: [الأعراف: 80–81].
ومنهم من جاء مصلحاً سياسياً كسيِّدنا موسى - عليه السلام - ؛ قال تعالى: [الأعراف: 103].
ومنهم من جاء مصلحاً اقتصادياً كسيِّدنا شُعيب - عليه السلام - ؛ قال تعالى: [الأعراف: 85].
__________
(1) الإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، مؤسَّسة مناهل العرفان، بيروت، لبنان، ( بدون تاريخ)، كتاب الإيمان، باب من خصّ قوماً دون قومٍ كراهية ألا يفهموا، 1/225.(1/14)
وهكذا كانوا إلى أن جاء سيِّدنا محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وخاطب النَّاس بالرّسالة الخاتمة الشَّاملة الجامعة لِكُلِّ معاني الحياة ، فكانت بلسماً شافياً لكل أمراض المجتمع وعِلله، ومُنقِذاً للأُمَّة من براثن الشِّرك والضَّلال إلى حياض الإسلام المُتْرَعة بالخير العميم، والمُفعمة بأمري الدُّنيا والآخرة.
جاءت الرسالة الخاتمة مُستخدمةً الوسائل المختلفة من حوار وجدال؛ وقصّة تحكي تاريخ الأمم الغابرة بقصد الدُّروس والعِبَر والاستفادة من التَّجارب ؛ والكشف عن مخازي المتربِّصين بالإسلام مستخدمةً المصطلحات التي أضافت لِلُّغة مفردات مكَّنتها من التَّعبير عن الجوانب المختلفة بواقعيّةٍ تامَّة بعيداً عن الوعود الكاذبة والبرامج السّرابيّة، التي لا تجد لها في الواقع أثراً.
وفوق هذا وذاك جاء الخطاب الإسلاميّ بمرجعيّات أساسيّة وضّحت الثَّوابت؛ وأفسحت المجال لتفريخ العقل ، لتتحقَّق الكُسوب المستفادة من اجتهادات البشر في تفاصيل الحياة ودقائقها .
هكذا كان الخطاب الإسلاميّ يعرض الإسلام في مواعين مناسبة ، ويُقْنِعُ النَّاسَ بحيثيات كل موقف ؛ حتى يلج الناس إلى الدِّين بقناعة وبحُرِّيَّة تامة، وبتعبير لا تنقصه الصَّراحة والوضوح، حتى في أدَقِّ الأمور مثل العقيدة، قال تعالى: [البقرة: 256].
فالمسلمون مأمورون بالاعتماد على هذه المرجعيّات، ومعرفة تقنيات العصر، حتى يعرضوا بضاعتهم طَبَقَاً شَهِيَّاً يأخذه الكُلُّ بنفْسٍ طيّبةٍ، وحُرِّيَّة مُطْلَقَةٍ، بعد أن تبيَّنَ الرُّشُد من الغيِّ فَمَنْ يَكْفُر بالطَّاغوتِ ويؤمِنْ باللهِ فقد استمسكَ بالعُروةِ الوْثْقَى لا انفصام لها والله سميعٌ عليم .
هل من اختلاف بين خِطَاب وخَطَابَة ؟(1/15)
الخَطَابَةُ شَكْلٌ من أشكالِ الخِطَابِ الكثيرة .والخِطَابُ هو كُلُّ ما يَحْمِلُ رسالةً للمتلقِّي ، وكُلُّ ما يشكِّلُ أداةَ اتصالٍ وتفاهُمٍ ، والخِطَابُ كُلٌٌ والخَطَابَةُ جُزْءٌ منه .
بعض أشكال الخطاب :
الخَطَابة ، والمقالة ، والكِتاب ، والمحاضرة ، والحوار ، والحديث الإذاعيّ، والمسرحيّة والحديث الوعظيّ ، والقصة ، والرواية ... وغيرها. ويمكن أنْ تُعَدَّ كُلُّ هذه من أدوات الخطاب الإسلاميّ وأشكاله؛ ووسائله وأساليبه، وليست هي الخطاب الإسلاميّ.
ورُغم أنَّ الخطاب الإسلاميّ لا يُهْمِلُ المسألة النَّظريَّة؛ بل هي لُبُّهُ وأساسه ولكنَّهُ يَهْتمُّ أكثر بالجانب العمليّ، قال تعالى: [محمد: 19].
وأكثر ما يعاني منه الخطاب الإسلاميّ اليوم في كل الأصعدة تلك الفجوة الكبيرة والمساحة الشاسعة بين القول والفعل. فالمساحة بين القول والفعل هي عين المساحة بين الصحة والمرض، والتقدُّم والتخلُّف، والاستقامة والانحراف؛ فأولويات الخطاب الإسلاميّ العمل على تحجيم تلك المسافة السوداء، من خلال إدخال بعض التغييرات على طريقة عرضه وعلى المفردات التي يتناولها، وفي معنى عدم مطابقة الفعل للقول يقول المولى عزَّ وجلَّ : [الصف: 2-3].
خاتمة:
إنَّ الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ وسيلة مهمة، وسلاح من أسلحة العصر التي يجب أن تجد الاهتمام عند المسلمين حتى يُعرض الإسلام منهجاً مستقيماً يتقبَّله كل مهتم؛ باحث عن الحقِّ والعدل.(1/16)
كما يجب أن تُعَدَّ مادتُه إعداداً جيِّداً يُشخِّصُّ المرض ويضع اليد على مواطن الدَّاء، متناولة أهمّ القضايا المعاصرة مثل قضايا الحُرِّيَّات، والعدل، والمساواة، والشُّورى، وحقوق الإنسان، ومنظَّمات المجتمع المدنيّ التي أصبحت رقماً لا يمكن تجاوزه، وكذلك قضايا الأقليات المستضعفة، ومناصرتها، وحريٌّ بالخطاب الإسلاميّ أن يتناول قضايا التَّربية والتَّعليم والتَّعلُّم والثَّقافة وغيرها من القضايا الخدميَّة التي تمسُّ حياة النَّاس مَسَّاً مباشراً، حتى لا يكون للنَّاس حُجَّة بعد البيان والتبيين، وحتى لا يَظُنَّ الظّانُّون أنَّ الإسلام ليس بمشروعِ نهضةٍ قابلٍ للتّطبيق.
والخطاب الإسلاميّ يجب أن يكون بأهدافه، وبمحتواه، رامياً بسهمه في نشر الدَّعوة ويقوِّي شوكة المسلمين، ويرفع مقامهم بين الأمم التي أصبحت لا يقنعها إلاَّ الطَّرح الموضوعيّ الذي يحمل منهجه وأساليبه ووسائله التي تلتزم بأصولها وتواكب عصرها مراعيةً ركائز الدِّين في القيم العدليّة وتحريم الظلم. عن علقمة بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما نَزَلَتْ [يونس: 82] ، قال أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيُّنا لَمْ يَظْلِم؟ فأَنْزَلَ اللهُ تعالى [لقمان: 13].
[أ] أهم النتائج:
[1] هنالك ضغوط على المسلمين لتجديد الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ.
[2] اعتماد كثير من المسلمين على الوعظ والإرشاد في المساجد وغيرها دون الاهتمام بتنزيل المعاني إلى الواقع.
[3] ظهور بعد الصُّور من الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ التي يشوبها كثير من التفريط، وأخرى يشوبها الإفراط.
[4] الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ في بعض جوانبه لا يركِّز على المقاصد العليا ولا يراعي آداب الخلاف، ولا يهتم بالأولويات.
[5] يخلط كثيرٌ من المسلمين بين المفتي والدَّاعية.
[6] كثير من المصطلحات التي تعجُّ بها كتب التراث تحتاج لفهم لتناسب الواقع مثل دار الحرب ودار الإسلام.(1/17)
[7] لم يستفد كثير من حاملي الخطاب الإسلاميّ من التكنولوجيا الحديثة ويستخدمها بالصورة المطلوبة، وإنْ استخدمها فبمقدار لا يلبي الطموحات.
[8] الخطاب الإسلاميّ في كثير من الأحيان يهمل الرأي الآخر ولا يحسب له حسباناً ولا يعطيه وزناً.
[ب] أهم التَّوصيات:
[1] نشر ثقافة الخطاب الدَّعويّ الإسلاميّ؛ بمقاصده ومفرداته، المطلوبة.
[2] يجب أن يحتوي الخطاب الإسلاميّ على مضامين تعبّر عن الثقة في الله سبحانه وتعالى، والتمسُّك بالإسلام عقيدة وشريعة.
[3] يجب أن يكون الخطاب الإسلاميّ متّزناً؛ لا إفراط ولا تفريط.
[4] تركيز الخطاب الإسلاميّ على المقاصد العُليا، والقضايا الحيَّة مثل: قضايا الحُرِّيَّات والعدل والمساواة.
[5] الاستفادة القصوى من التكنولوجيا الحديثة واستخدامها في وسائل الدَّعوة.
[6] يجب أن يحترم الخطاب الإسلاميّ الرأي الآخر ويعطيه مساحة واسعة في معالجة القضايا خاصّة القضايا الاجتهاديّة والكُسُوب البشريّة.
[7] أن يعتمد الخطاب الإسلاميّ العلميّة والواقعيّة في تناوله.
[8] ينبغي في الخطاب الإسلاميّ أنْ تكون المسائل الإجرائيّة، والقضايا التنظيمية ليست مواطن خلاف.
.. نسأل الله التوفيق والسداد وهو الهادي إلى سواء السبيل ..(1/18)