المقدمة
تعتبر العلوم من أهم المجالات التي نالت الكثير من اهتمام علماء المسلمين، والتي حققوا فيها إنجازات عظيمة ورائدة أسهمت بدور كبير في تطور المعرفة الإنسانية ؛ فعدد كبير من المؤرخين والباحثين الغربيين يعترفون بإسهامات العلماء المسلمين وإضافاتهم الجديدة في مجالات عديدة كالطب، والفلك، والرياضيات وغيرها، ويقرون بدورهم الريادي في وضع الأسس التي يقوم عليها العلم الحديث.
وإسهاماً منا في التعريف ببعض الشخصيات الإسلامية وما قدمته للإنسانية في مختلف العلوم، فكرنا في إنجاز بيبليوغرافيا لبعض علماء المسلمين. وقد سعينا للجمع في هذه البيبليوغرافيا، بين الشخصيات العلمية البارزة والذائعة الصيت، وبين الشخصيات التي لم تحظ بالشهرة العلمية الكافية، رغم ما قدمته من أعمال ومنجزات، وما أسهمت به في تطور مختلف العلوم، وذلك بهدف إتاحة الفرصة للمثقفين ولطلبة الجامعات ولتلاميذ المدارس الثانوية للتعرف على بناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية وإلقاء نظرة سريعة وموجزة على بعض ما حققوه من إنجازات وما تركوه من مؤلفات في مختلف العلوم.
وإذا كان العلماء المسلمون يوصَفون بالموسوعيين، الذين يحيطون بعدد من المعارف في حقول معرفية متعددة ، تجمع عادة ما بين الفلسفة، والفلك، والرياضيات، والطب، وعلوم أخرى، فقد رأينا أن نخصص هذه البيبليوغرافيا، فقط، لبعض علماء المسلمين الذين أسهموا في تطوير المعرفة العلمية في ميادين محددة مثل : الكيمياء، والطب، والنبات، والصيدلة، وعلم الفلك، والرياضيات والهندسة، وأن نعطي نبذة مركزة عن حياة كل عالم، وفكرة مختصرة عن أهم ابتكاراته وإنجازاته العلمية، مع ذكر أهم مصنفاته وما حملته من جديد في الميدان العلمي، وذلك حسب ما تتفق عليه المراجع التي اعتمدنا عليها في إنجاز هذا العمل.(1/1)
يتناول هذا العمل الذي نقدمه إلى القارئ نبذة مختصرة عن حياة أربعين عالماً من عصور مختلفة، تمتد من القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، إلى القرن الثامن الهجري / الخامس عشر الميلادي. وإذا كنا قد اقتصرنا في هذه الرحلة الطويلة على بعض الشخصيات التي كان لها دور مهم في تطور العلوم وتقدم المعارف، فنحن واعون بأن هناك حاجة ملحة للعمل مستقبلاً، على التعريف بكل الشخصيات العلمية الأخرى التي لم نتمكن من تخصيص حيز لها في هذا العمل.
ولا يسعني وأنا أختتم هذه المقدمة، إلا أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى معالي الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، الذي كان له الفضل في إخراج هذا العمل إلى حيز الوجود، كما أتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور فائق بلال مدير العلوم بالمنظمة الإسلامية الذي تبنى هذا العمل واقترح إدماجه ضمن البرامج العلمية للمنظمة.
حليمة الغراري
الرباط 23 من غشت 2001(1/2)
جابر بن حيان
199-102هـ/815-721 م
جابر بن حيان شخصية بارزة، ومن أعظم علماء القرون الوسطى(1). وهو أبو موسى جابر بن حيان الأزدي. ويلقب أحياناً بالحراني والصوفي. وعرف عند الأوربيين في القرون الوسطى باسم Geber. ويقال إنه كان من الصابئة ومن ثم جاء لقبه الحراني. ودخل جابر في الإسلام بعد ذلك وأظهر غيرة عظيمة على دينه الجديد، ويذكر الأب جورج قنواتي أن جابراً أرسل إلى الجزيرة العربية بعد وفاة والده، وهو صغير حيث درس القرآن والرياضيات، وذهب ابن النديم في "الفهرست" إلى أن الناس اختلفوا في نسبة جابر إلى جهة معينة كالشيعة والبرامكة والفلاسفة، >بل هناك من أنكر وجوده أصلاً<، لذلك يجب التحفظ بشأن نسبته إلى الصابئة. وإن كان أصله من خراسان فقد عاش معظم حياته في الكوفة. ولد جابر في طوس حوالي 721/102م، وتوفي حوالي 199 هـ موافق سنة 815م على اختلاف بين المؤرخين.
مارس جابر الطب في بداية حياته تحت رعاية الوزير جعفر البرمكي أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد. وبعد نكبة البرامكة سجن في الكوفة وظل في السجن حتى وفاته.
إسهاماته العلمية
كانت أهم الإسهامات العلمية لجابر في الكيمياء، فهو الذي أدخل البحث التجريبي إلى الكيمياء، وهو مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي Alkali، وماء الفضة. وهو كذلك صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر، وماء الذهب، والبوتاس، وزيت الزاج. كما أنه تناول في كتاباته الفلزات، وأكسيدها، وأملاحها، وأحماض النتريك والكبريتيك، وعمليات التقطير، والترشيح، والتصعيد.(2/1)
ومن أهم إسهاماته العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها. فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية. وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن، وتحضير الفولاذ، وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود، وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.
وقد قسم جابر المواد حسب خصائصها إلى ثلاثة أنواع مختلفة، وهي :
1. الكحوليات، أي تلك المواد التي تتبخر عند تسخينها مثل الكافور وكلوريد الألمنيوم ؛
2. المعادن مثل الذهب، والفضة، والرصاص، والحديد ؛
3. المركبات، وهي التي يمكن تحويلها إلى مساحيق. وخلاصة القول، حسب "سارطون"، >إنه لا يمكن معرفة القيمة الحقيقية لما قام به جابر إلا إذا تم تحقيق وتحرير جميع مؤلفاته ونشرها.
مؤلفاته
تعود شهرة جابر بن حيان إلى مؤلفاته العديدة، ومنها :
ـ"كتاب الرسائل السبعين"، ترجمه إلى اللاتينية جيرار الكريموني سنة 1187م ؛
ـ"كتاب أصول الكيمياء" ؛
ـ"صندوق الحكمة" ؛
ـ" كتاب الملك" ؛
ـ"كتاب الموازين الصغير" ؛
ـ" كتاب الرحمة" ؛
ـ "كتاب الخواص" ؛
ـ "كتاب السموم ودفع مضارها".(2/2)
وتضاف إلى هذه الكتب تصانيف أخرى عديدة تتناول، إلى جانب الكيمياء، شروحاً لكتب أر سطو وأفلاطون ؛ ورسائل في الفلسفة، والتنجيم، والرياضيات، والطب، والموسيقي. وجاء في "الأعلام" للزركلي أن جابراً >له تصانيف كثيرة تتراوح ما بين مائتين واثنين وثلاثين (232) وخمسمائة (500) كتاب، لكن ضاع أكثرها. وقد ترجمت بعض كتب جابر إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما ترجم بعضها من اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1678م. وظل الأوربيون يعتمدون على كتبه لعدة قرون، وقد كان لها أثر كبير في تطوير الكيمياء الحديثة. وفي هذا يقول ماكس مايرهوف : يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوربا إلى جابر ابن حيان بصورة مباشرة. وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوربية.(2/3)
الخوارزمي
توفي سنة 236هـ ــ 850م
يُعَدُّ الخوارزمي من أكبر علماء العرب، ومن العلماء العالميين الذين كان لهم تأثير كبير على العلوم الرياضية والفلكية. وفي هذا الصدد يقول ألدو مييلي : وإذا انتقلنا إلى الرياضيات والفلك فسنلتقي، منذ البدء، بعلماء من الطراز الأول، ومن أشهر هؤلاء العلماء أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي.
لا يعرف تاريخ ميلاد الخوارزمي، كما أن تاريخ وفاته غير مدقق. وكل ما يعرف عنه أنه ولد في خوارزم (خيوة) (أوزبكستان اليوم) جنوب بحر الآرال، وعاش في بغداد أيام حكم المأمون العباسي، وأن المأمون عينه على رأس خزانة كتبه، وعهد إليه بجمع الكتب اليونانية وترجمتها. وقد استفاد الخوارزمي من الكتب التي كانت متوافرة في خزانة المأمون فدرس الرياضيات، والجغرافية، والفلك، والتاريخ، إضافةً إلى إحاطته بالمعارف اليونانية والهندية.
إسهاماته العلمية
يُعَدُّ الخوارزمي مؤسس علم الجبر كعلم مستقل عن الحساب، وقد أخذه الأوربيون عنه. كما أنه أول من استعمل كلمة "جبر" للعلم المعروف الآن بهذا الاسم. فلحد الآن ما زال الجبر يعرف باسمه العربي في جميع اللغات الأوربية. وترجع كل الكلمات التي تنتهي في اللغات الأوربية بـ "algorism/algorithme" إلى اسم الخوارزمي. وهو أول من ألف في الجبر. كما يرجع إليه الفضل في تعريف الناس بالأرقام الهندية (وهي التي تعرف بالأرقام العربية). ومن الإسهامات الهامة للخوارزمي في الرياضيات اكتشافه بعض القواعد وتطويرها، ومنها : قاعدة الخطأين، والطريقة الهندسية لحل المربعات المجهولة وهي التي تسمي اليوم باسم المعادلة من الدرجة الثانية، كما نشر الخوارزمي أول الجداول العربية عن المثلثات للجيوب والظلال، وقد ترجمت إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر.(3/1)
إضافةً إلى إسهاماته الكبرى في الحساب، أبدع الخوارزمي في علم الفلك وأتى ببحوث جديدة في المثلثات، ووضع جداول فلكية (زيجاً). وقد كان لهذا الزيج الأثر الكبير على الجداول الأخرى التي وضعها العرب فيما بعد، إذ استعانوا به واعتمدوا عليه وأخذوا منه.
ومن أهم إسهامات الخوارزمي العلمية التحسينات التي أدخلها على جغرافية بطليموس سواء بالنسبة للنص أو الخرائط.
مؤلفاته
ألف الخوارزمي عدة كتب من أهمها :
ـ كتاب "الجبر والمقابلة" وهو يعد الأول من نوعه، وقد ألفه بطلب من الخليفة المأمون. وهذا الكتاب >لم يؤد فقط إلى وضع لفظ الجبر وإعطائه مدلوله الحالي، بل إنه افتتح حقاً عصراً جديداً في الرياضيات. وقد ترجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، وكانت هذه الترجمة هي التي أدخلت هذا العلم إلى الغرب. وظل هذا الكتاب قروناً عديدة مرجعاً في أوربا. وقد حققه الأستاذان علي مصطفى مُشَرَّفَة ومحمد مرسي أحمد، ونشر أول مرة في القاهرة سنة 1939م.
ـ "كتاب صورة الأرض"، وهو مخطوط موجود في ستراسبورغ بفرنسا، وقد ترجم إلى اللاتينية، وتمت مقارنة المعلومات الموجودة فيه بمعلومات بطليموس.
ـ "كتاب العمل بالأسطرلاب" و"كتاب عمل الأسطرلاب".
وخلاصة القول إن الخوارزمي يعد من أعظم العلماء في عصره، وقد >كان له أعظم الفضل في تعريف العرب والأوربيين، من بعدهم، بنظام العدد الهندي. فهو واضع علم الجبر وواضع كثير من البحوث في الحساب والفلك والجغرافيا. وقد عبر ألدو مييلي عن عظمة الخوارزمي بقوله : >وقد افتتح الخوارزمي افتتاحاً باهراً سلسلة من الرياضيين العظام. وقد ظلت كتبه تدرس في الجامعات الأوربية حتى القرن السادس عشر.(3/2)
ابن ربَّن الطبري
توفي سنة ـ 247هـ ـ 861م
اسمه الكامل هو أبو الحسن علي بن سهل ربَّن الطبري. ولد في مرو من أعمال طبرستان سنة 780 م 164 - هـ أوسنة 770م ـ 153هـ. وهو ينحدر من أسرة فارسية مسيحية حسب كل من ألدو مييلي وابن خلكان ؛ لكنه اعتنق الإسلام على يد المعتصم. ويقول محمد زبير الصديقي محقق كتاب "فردوس الحكمة" : إن المتوكل هو الذي >دعاه إلى الإسلام فلباه واعتنقه، فلقبه بلقب مولى أمير المؤمنين، ولشرف فضله جعله من ندمائه<.
أما لقب ربَّن فيعني الأستاذ حسب ألدو مييلى الذي يقول : >إن اللقب السرياني، ربان، كان مستعملاً عند المسيحيين مطابقاً للفظ : أستاذ عندنا.
وكان والده سهل عالماً بارعاً في الطب، والهندسة، والتنجيم، والرياضيات، والفلسفة. ويقال إنه أول من ترجم إلى العربية كتاب "المجسطي" لبطليموس. وقد تلقى أبو الحسن دراسته الأولى على والده الذي علمه الطب، والهندسة، والفلسفة، إلى جانب اللغتين العربية والسريانية. وبعد وفاة والده تعمق في دراسة الطب وأصبح طبيباً مشهوراً. وقد مارس الطب في مدينة الري، ثم ذهب إلى العراق واستقر بمدينة "سر من رأى (سامراء)، حيث صار كاتباً للخلفاء : المعتصم والواثق والمتوكل.
إسهاماته في الطب
تتجلى الإسهامات العلمية لعلي بن ربَّن في تصنيفه في عدد من المواضيع الطبية التي تطرق لها بتفصيل في كتابه "فردوس الحكمة"، ومنها : وضع المبادئ العامة للطب، وقواعد الحفاظ على الصحة الجيدة، وذكر بعض الأمراض التي تصيب العضلات، ووصف الحمية للحفاظ على الصحة الجيدة، والوقاية من الأمراض ؛ إضافةً إلى مناقشة جميع الأمراض من الرأس إلى القدم، وأمراض الرأس والدماغ، وأمراض العين، والأنف، والأذن، والفم، والأسنان، وأمراض العضلات، وأمراض الصدر والرئة، وأمراض البطن والكبد والأمعاء، وأنواع الحمى. كما وصف النكهة والطعم واللون، وتعرض للعقاقير والسموم.
مؤلفاته(4/1)
لعلي بن ربن عدد من الكتب الطبية و أشهرها :
ــ كتاب "فردوس الحكمة"، (850م) 236هـ وهو عبارة عن موسوعة طبية، تطرق فيه لجميع فروع الطب ؛ إضافةً إلى بحوث في الفلسفة، وعلم النفس، والحيوان، والفلك، والظواهر الجوية. وقد كتبه بالعربية وترجمه في الوقت نفسه إلى اللغة السريانية. ونشرت منه عدة نسخ في بلدان مختلفة. وقام الدكتور محمد زبير الصديقي بتحقيق هذا الكتاب، وقد طبع في الهند عام 1928. وفي سنة 1996 تم طبع الكتاب ونشره من طرف معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في إطار جامعة فرانكفورت الألمانية.
ــ "كتاب تحفة الملوك"، و"حفظ الصحة"، و"كتاب في ترتيب الأغذية"، و"منافع الأطعمة والأشربة والعقاقير".
وأضاف الزركلي إلى مؤلفاته كتاب "الدين والدولة" الذي يدافع فيه عن الإسلام.(4/2)
الفرغاني
توفي بعد سنة 247هـ ـ 861م
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني. ولد في فرغانة وعاش في بغداد أيام المأمون العباسي في القرن التاسع الميلادي. ويعرف عند الأوربيين باسم Alfraganus. ويُعَدُّ من أعظم الفلكيين الذين عملوا مع المأمون وخلفائه. يقول سارطون عنه : >كان مازال على قيد الحياة في 861م. وهو من معاصري الخوارزمي وبني موسى وسند بن علي.
إسهاماته العلمية
كان الفرغاني عالماً في الفلك وأحكام النجوم ومهندساً. من إسهاماته أنه حدد قطر الأرض بـ 6500 ميل، كما قدر أقطار الكواكب السيارة.
يقول ألدو مييلي : >والمقاييس التي ذكرها الفرغاني لمسافات الكواكب وحجمها عمل بها كثيرون، دون تغيير تقريباً، حتى كوبرنيكوس. وبذلك فقد كان لهذا العالم الفلكي المسلم تأثير كبير في نهضة علم الفلك في أوربا. وفي سنة 861 كلفه الخليفة المتوكل على الله بالإشراف على بناء قياس منسوب مياه نهر النيل في الفسطاط، فأشرف عليه وأنجز بناءه وكتب اسمه عليه.
مؤلفاته
ترك الفرغاني عدداً من المؤلفات القيمة، من أشهرها :
ــ كتاب "جوامع علم النجوم والحركات السماوية". وقد ترجمه جيرار الكريموني إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد كما ترجم إلى العبرية. وكان له تأثير كبير على علم الفلك في أوربا قبل ريجيومونتانوس Regiomontanus الرياضي الفلكي الذي برز في القرن الخامس عشر الميلادي. وقد طبعت ونشرت ترجمات هذا الكتاب عدة مرات خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين.
ــ كتاب "في الأسطرلاب"، و"كتاب الجمع والتفريق".(5/1)
سند بن علي
توفي بعد سنة 250هـ ـ 864م
سند بن علي ويكنى أبا الطيب، عاصر الخليفة العباسي المأمون، يقال إنه نبغ حوالي 850م. وحسب "سارطون" فقد توفي بعد سنة 864م. وهو فلكي ورياضي مسلم. ويذكر أن "سند" كان يهودياً وأسلم على يد الخليفة المأمون، الذي جعله من بين منجميه، وعينه رئيساً على الأرصاد كلها.
إسهاماته
يعود الفضل إلى سند في إنشاء مرصد بغداد، كما أنه وضع جداول فلكية أطلق عليها اسم "أزياج المأمون"، عمل بها المنجمون في زمانه وبعده. واشتهر بصناعة آلات الرصد الفلكية والأسطرلاب، كما أنه حقق مواضع بعض الكواكب. وشارك في قياس المساحات الأرضية والفلكية التي أمر بها المأمون.
مؤلفاته
كان سند بن علي، إضافةً إلى اهتمامه بالأرصاد، يهتم بالعلوم الرياضية ؛ وله فيها مؤلفات عديدة منها :
ــ " كتاب الحساب الهندي" ؛
ــ " كتاب الجمع والتفريق" ؛
ــ " كتاب الجبر والمفارقة" ؛
ــ " كتاب المنفصلات والمتوسطات" في النجوم والحساب.
إضافةً إلى ذلك، فَسَّرَ "سند" تسع مقالات من كتاب "الأصول في الهندسة" لإقليدس(6/1)
بنو موسى بن شاكر
توفي محمد سنة 259هـ ـ 872م
عاش موسى بن شاكر في بغداد زمن الخليفة العباسي المأمون، وكان من المقربين من الخليفة، وقد اهتم بالفلك والتنجيم. وعندما توفي موسى بن شاكر، ترك أولاده الثلاثة صغاراً فرعاهم المأمون، وكلف إسحاق بن إبراهيم المصعبي بالعناية بهم. فأدخلهم إسحاق إلى بيت الحكمة الذي كان يحتوي على مكتبة كبيرة وعلى مرصد فلكي، إضافةً إلى القيام بترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية من اليونانية. فنشأ بنو موسى في هذا الوسط العلمي وأصبحوا أبرز علماء بيت الحكمة. وقد اشتهر الأبناء الثلاثة، وهم محمد وأحمد والحسن باسم بنو موسى، أو الإخوة الثلاثة. وقد كان أكبرهم أبو جعفر محمد عالماً بالهندسة والنجوم و"المجسطي" ؛ وكان أحمد متعمقاً في صناعة الحيل (الهندسة الميكانيكية) وأجاد فيها، وتمكن من الابتكار فيه ؛ أما الحسن فكان متعمقاً في الهندسة. توفي أكبرهم سنة 872م ـ 259هـ.
إسهاماتهم العلمية
كان بنو موسى مبرزين في العلوم الرياضية، والفلكية، والميكانيكية، والهندسية؛ وأسهموا في تطويرها بفضل اختراعاتهم واكتشافاتهم المهمة.
فقد ظهرت إسهاماتهم العلمية في مجال الميكانيكا في اختراع عدد من الأدوات العملية والآلات المتحركة، حيث ابتكروا عدداً من الآلات الفلاحية، والنافورات التي تظهر صوراً متعددة بالمياه الصاعدة، كما صنعوا عدداً من الآلات المنزلية، ولعب الأطفال، وبعض الآلات المتحركة لجر الأثقال، أو رفعها أو وزنها.
وفي الرياضيات، "كان لبني موسى باع طويل بشكل عام. كما أنهم استخدموا هذه المعارف الرياضية في أمور عملية، من ذلك أنهم استعملوا الطريقة المعروفة في إنشاء الشكل الأهليليجي (elliptic).
والطريقة هي أن تغرز دبوسين في نقطتين، وأن تأخذ خيطاً طوله أكثر من ضعف البعد بين النقطتين، ثم بعد ذلك تربط هذا الخيط من طرفيه وتضعه حول الدبوسين وتدخل فيه قلم رصاص، فعند إدارة القلم يتكون الشكل الأهليليجي.(7/1)
أما في مجال الفلك، فقد حسب بنو موسى الحركة المتوسطة للشمس في السنة الفارسية، ووضعوا تقويمات لمواضع الكواكب السيارة، و مارسوا مراقبة الأرصاد وسجلوها.
كما لعب بنو موسى دوراً مهماً في تطوير العلوم الرياضية، والفلكية، والهندسية وذلك من خلال مؤلفاتهم ؛ ومن خلال رعايتهم لحركة الترجمة والإنفاق على المترجمين والعلماء. وفي هذا الصدد تقول المؤلفة الألمانية زغريد هونكة عن بني موسى : >وقد قاموا بإيفاد الرسل على نفقتهم الخاصة إلى الإمبراطورية البيزنطية بحثاً عن المخطوطات الفلسفية، والفلكية، والرياضية، والطبية القديمة، ولم يتوانوا عن دفع المبالغ الطائلة لشراء الآثار اليونانية وحملها إلى بيتهم... وفي الدار التي قدمها لهم المتوكل على مقربة من قصره في سامراء، كان يعمل، دون إبطاء، فريق كبير من المترجمين من أنحاء البلاد....
مؤلفاتهم
كتب بنو موسى في علوم عدة مثل الهندسة، والمساحة، والمخروطات، والفلك، والميكانيكا، والرياضيات. ومن مؤلفاتهم :
ــ "كتاب الحيل"، وهو أشهر كتبهم، جمعوا فيه علم الميكانيكا القديمة، وتجاربهم الخاصة. يقول أحمد يوسف حسن محقق هذا الكتاب، إن الاهتمام بكتاب الحيل بدأ في الغرب منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولكن الدراسات الجادة لم تظهر إلا مع بداية القرن العشرين، وذلك عندما نشر كل من فيديمان وهاو سر مقالات حول هذا الكتاب. وفي سنة 1979 قام هيل (Hill) بترجمة الكتاب إلى الإنجليزية. وفي سنة 1981 نشر معهد التراث العلمي العربي في سوريا "كتاب الحيل" بعد أن قام الدكتور أحمد يوسف حسن وآخرون بتحقيقه.
ــ " كتاب مساحة الأكر" ؛
ــ "كتاب قسمة الزوايا إلى ثلاثة أقسام متساوية"، ترجمه جيرارد كريموني إلى اللاتينية ؛
ــ " كتاب الشكل المدور والمستطيل" ؛
ــ "كتاب الشكل الهندسي" ؛
ــ "كتاب حركة الفلك الأولى".(7/2)
وتجب الإشارة إلى أن بني موسى قد تعاونوا فيما بينهم لدرجة يصعب معها التمييز بين العمل الذي قام به كل واحد منهم. لكن المهم هو أنهم لعبوا دوراً مهماً في تطوير علوم الرياضيات، والفلك، والهندسة ؛ و أثروا في عصرهم تأثيراً كبيراً.(7/3)
الكندي
260-175هـ/873-800م
يلقب الكندي بفيلسوف العرب، ويعد >من الإثني عشر عبقرياً الذين هم من الطراز الأول في الذكاء وهو عالم موسوعي، فإضافةً إلى شهرته كفيلسوف، فقد كان عالماً بالرياضيات، والفلك، والفيزياء، والطب، والصيدلة، والجغرافيا.
واسمه الكامل هو يعقوب بن إسحاق ابن الصباح الكندي، أبو يوسف. وهو من قبيلة كنده. ويعرف عند اللاتينيين باسم Alkindus ولد بالكوفة، وكان والده أميراً عليها.
نشأ الكندي في البصرة ودرس بها، ثم أتم تحصيله على يد أشهر العلماء في بغداد. وكانت له معرفة واسعة بالعلوم والفلسفة اليونانية. عاصر ثلاثة من الخلفاء العباسيين وهم المأمون، والمعتصم، والمتوكل. كما عاصر الإخوة الفلكيين الثلاثة بنو موسى، والفلكي سند بن علي. وقد بلغ منزلة كبيرة عند المأمون والمعتصم، حتى إن المأمون عهد إليه بترجمة مؤلفات أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان. كما أن المتوكل استخدمه كخطاط، لكن نظراً لآرائه الفلسفية ووشاية بعض الحاسدين به، فقد أمر المتوكل بمصادرة جميع كتبه ؛ غير أنها أعيدت إليه جميعها.
إسهاماته العلمية
كتب أربعة كتب عن استعمال الأرقام الهندية. كما قدم الكثير في مجال الهندسة الكروية لمساعدته في دراساته الفلكية.
راقب أوضاع النجوم والكواكب ـ خاصة الشمس والقمر ـ بالنسبة للأرض، وما لها من تأثير طبيعي وما ينشأ عنها من ظواهر. وأتى بآراء خطيرة وجريئة في هذه البحوث، وفي نشأة الحياة على ظهر الأرض، مما جعل الكثيرين من العلماء يعترفون بأن الكندي مفكر عميق من الطراز الرفيع.
أما في الكيمياء فقد عارض الفكرة القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب، من المعادن الخسيسة. وكتب في ذلك رسالة سماها "رسالة في بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم".(8/1)
أما في الفلك، فلم يكن الكندي يؤمن بأثر الكواكب في أحوال الناس، ورفض ما يقول به المنجمون من التنبؤات القائمة على حركات الأجرام. ووجه اهتمامه إلى الدراسة العلمية للفلك وعلم النجوم وأرصادها. ويعدّه بعض المؤرخين واحداً من ثمانية أئمة لعلوم الفلك في القرون الوسطى.
وقدم الكندي في علم الفيزياء الكثير في البصريات الهندسية والفيزيولوجية، وألف فيها كتاباً كان له تأثير فيما بعد على روجر بيكون (Roger Bacon) ووايتلو (Witelo) وغيرهما.
كما أن الكندي كان مهندساً بارعاً، يرجع إلى مؤلفاته ونظرياته عند القيام بأعمال البناء، خاصة بناء القنوات، كما حدث عند حفر القنوات بين دجلة والفرات.
وتتجلى إسهاماته في الطب في محاولته تحديد مقادير الأدوية على أسس رياضية. وبذلك يكون الكندي هو "أول من حدد بشكل منظم جرعات جميع الأدوية المعروفة في أيامه".
مؤلفاته
ألف الكندي وشرح كتباً كثيرة، اختلف في تقدير عددها ما بين 230، و270، و300 ما بين رسالة وكتاب ؛ تناولت مواضيع مختلفة منها الفلسفة، والفلك، والحساب، والهندسة، والطب، والفيزياء، والمنطق، والمد والجزر، وعلم المعادن، وأنواع الجواهر، وأنواع الحديد، والسيوف. كما كان من أوائل مترجمي مؤلفات اليونان إلى العربية.
وسنكتفي، فقط، بذكر بعض مؤلفاته، وذلك استناداً إلى ما ذكره كل من طوقان والزركلي :
ــ "رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقى : خمس مقالات" ؛
ــ "كتاب رسالة في استعمال الحساب الهندسي : أربع مقالات" ؛
ــ "رسالة في علل الأوضاع النجومية" ؛
ــ "رسالة في صنعة الإسطرلاب" ؛
ــ "رسالة في التنجيم" ؛
ــ "إلهيات أرسطو" ؛
ــ "الأدوية المركبة" ؛
ــ "رسالة في الموسيقي" ؛
ــ "المد والجزر" ؛
ــ "السيوف وأجناسها".
وقد ترجم "جيرار الكريموني" في القرن الثاني عشر للميلاد، معظم كتب الكندي إلى اللغة اللاتينية.فكان لها تأثير كبير على تطور علوم كثيرة على امتداد عدة قرون.(8/2)
الرازي
313-251هـ/925-865م
هو محمد بن زكريا الرازي، أبو بكر، ويعرف عند اللاتينيين باسم Rhazes. طبيب، وكيماوي، وفيلسوف مسلم. وقد أجمع المؤرخون على أن الرازي أعظم أطباء الإسلام، وأشهر أطباء القرون الوسطى، "وأحد مشاهير أطباء العالم في كل زمن... كان واسع الإطلاع إلى درجة الإحاطة بكل علم وفن". وقد وصفه ابن خلكان بأنه : >كان إمام وقته في علم الطب والمشار إليه في ذلك العصر، وكان متقناً لهذه الصناعة، حاذقاً فيها، عارفاً بأوضاعها وقوانينها، تشد إليه الرحال في أخذها عنه".
ولد الرازي في الري جنوب طهران. درس الرياضيات، والفلك، والفلسفة، والكيمياء، والمنطق، والأدب. ثم درس الطب على يد إسحاق بن حنين، الذي كان متضلعاً في الطب اليوناني، والفارسي، والهندي. ورغم أنه درس الطب بعد أن تجاوز الأربعين من عمره، فقد حقق فيه إنجازات مهمة ونال فيه شهرة واسعة. وقد عمل رئيساً لبيمارستان الري، ثم رئيساً لبيمارستان بغداد الذي أمر ببنائه الخليفة العباسي المقتدر.
إسهامات الرازي في الطب
إن إسهامات الرازي في الطب كثيرة ومتنوعة، ولذا سنكتفي بالإشارة إلى البعض منها، ونذكر من ذلك اهتمامه بالملاحظات السريرية التي تتعلق بدراسة سير المرض مع العلاج المستعمل، وتطور حالة المريض ونتيجة العلاج(5). كما أنه سبق إلى الاهتمام بالأحوال النفسية في تشخيص الأمراض، وكان يرى أن بعض أمراض الجهاز البطني تكون ناتجة بالدرجة الأولى عن أسباب نفسية. ويعتبر تشخيص مرض الجذري ومرض الحصبة من أعظم منجزات الرازي الطبية، فقد وصف المرضين وصفاً دقيقاً، خاصة فيما يتعلق بأعراضهما الأولية وطريقة علاجهما. وكان يؤكد على أهمية الممارسة والخبرة والتجربة في علاج المرضى، كما كان يجرب العقاقير الجديدة على الحيوان قبل أن يصفها للمرضى.(9/1)
ويعترف الغربيون بابتكارات الرازي في أمراض النساء والولادة، وفي الأمراض التناسلية، وجراحة العيون. كما تعرض لشلل الوجه وأسبابه، وميز بين الشلل الناتج عن سبب مركزي في الدماغ، والناتج عن سبب محلي، ووصف تشعب الأعصاب في القفص الصدري.كما أن الرازى من أوائل الذين طبقوا معلوماتهم في الكيمياء على الطب، وممن ينسبون شفاء المريض إلى تفاعل كيماوي في جسمه.
إسهاماته في الكيمياء
لم يكن الرازي طبيباً عظيماً فحسب، بل كان أيضاً كيماوياً ذا مقام رفيع. وهو أحد الأوائل الذين جعلوا من الكيمياء علماً صحيحاً. ويعدّه بعض الباحثين مؤسس الكيمياء الحديثة. قام بتجارب كيماوية مهمة، حيث استحضر بعض الحوامض، ولا تزال الطرق التي اتبعها في ذلك مستعملة حتى الآن. فهو أول من ذكر حامض الكبريتيك، وقد سماه "زيت الزاج" أو "الزاج الأخضر". واستخرج الكحول باستقطار مواد نشوية وسكرية مختمرة، وكان يستعمله في الصيدليات، لاستخراج الأدوية والعلاجات. ويتجلى فضل الرازي على الكيمياء بصفة واضحة، في تصنيفه للمواد الكيماوية إلى ثلاثة أصناف : نباتية، وحيوانية، ومعدنية ؛ وهذا التصنيف ما زال حتى الآن ثابتاً في العلم الحديث.
مؤلفاته
ألف الرازي مجموعة من التصانيف، يذكر البعض أنها تزيد عن المائتين والعشرين مؤلفاً، لكن أغلبها ضاع ولم يبق منها إلا القليل.
ففي الطب، ألف الرازي العديد من الكتب المهمة، وهي تشتمل إضافةً إلى أبحاثه المبتكرة، علوم اليونان والهنود. ومن أشهر هذه الكتب :(9/2)
ــ كتاب "الحاوي" : يعتبر هذا المؤلف من أشهر ما كتبه الرازي. وهو أكبر موسوعة طبية عربية، جمع فيها الرازي، مقتطفات أخذها من الأطباء الإغريق والعرب، وأضاف إليها النتائج التي توصل إليها من تجاربه وآرائه الخاصة. وقد ترجمه إلى اللاتينية، الطبيب اليهودي "فرج بن سالم" بأمر من شارل الأول ملك صقلية (سنة 1279م)، واستبدلت بكلمة "الحاوي" مقابلها باليونانية' Continens' وترجم مرات عديدة في أوربا حتى سنة 1542م. واعتمد عليه كبار علماء أوربا، وأخذوا منه الشيء الكثير، وبقي مرجعهم في مدارسهم وجامعاتهم حتى القرن السادس عشر.
ــ "كتاب الجذري والحصبة" : يشتمل على صورة مفصلة ودقيقة عن هذين المرضين وعن طرق علاجهما. وقد ترجم إلى اللاتينية بالبندقية سنة 1565، ثم ترجم إلى عدة لغات أوربية، ونشر في أوربا أربعين مرة ما بين 1498 و1866.
ــ "طب الفقراء" : وهو عبارة عن قاموس شعبي يصف فيه كل الأمراض وظواهرها، وطرق علاجها، بالأغذية الرخيصة بدلاً من شراء الأدوية المرتفعة الثمن والتراكيب النادرة.
ــ كتاب "المنصوري" : سماه المنصوري نسبة إلى المنصور بن إسحاق حاكم خرا سان. تناول فيه موضوعات طبية متعددة كالجراحة، وأمراض العيون، وأمراض البطن. نشر لأول مرة في ميلانو سنة 1481م. وترجم إلى اللاتينية، وظل معتمداً من قبل الأطباء في الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر للميلاد.
ومن أشهر كتبه في الكيمياء، نذكر :
ــ كتاب : "الأسرار في الكيمياء" : يصف الرازي في هذا الكتاب الطريقة التي يتبعها في القيام بتجاربه الكيماوية، وكيفية تحضير المواد الكيماوية، وكيفية استعمالها ؛ كما يصف الآلات والأدوات التي كان يستعملها.
ومن أشهر كتبه في الفلك :
ــ "كتاب هيئة العالم": يبرهن الرازي في هذا الكتاب : "على أن الأرض تدور حول محورين، وبأن الشمس أكبر حجماً من الأرض والقمر أصغر حجماً منها".(9/3)
وللرازى كتب أخرى في الطب، و الصيدلة، والفلك والرياضيات، والفيزياء، والمنطق، والفلسفة، والعلوم الشرعية.
وخلاصة القول، إن الرازي قد أسهم، بفضل كتاباته واختراعاته، إسهاماً فعالاً في تقدم الطب والكيمياء، وتطور البحوث فيهما، وظلت كتبه مرجعاً في الطب في الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر.(9/4)
البتاني
317-244هـ/929-858م
هو أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الرقي الحراني، المعروف بالبتاني. كنى بالرقي، نسبة إلى "الرقة" بلدة على نهر الفرات. ويعرف البتاني عند الغربيين في العصور الوسطى باسم Albategnius أو Albategni.
ولد البتاني في "بتان" من نواحي حران الواقعة على أحد روافد نهر الفرات بالعراق، وتاريخ ولادته غير معروف بدقة، إلا أن المرجح أنه ولد سنة 244هـ/ 858م. وإذا كان هناك شك في تاريخ ميلاده، "فقد أجمع المؤرخون على أن تاريخ وفاته كان عام 317هـ/929م"، قرب مدينة الموصل في العراق. ويعدّ البتاني من أكبر علماء الفلك عند العرب، فقد أوقف حياته على رصد الأفلاك من عام 264هـ حتى وفاته. درس في البداية على يد والده جابر البتاني الذي كان بدوره عالماً مشهوراً، ثم انتقل إلى "الرقة" حيث انكب على دراسة مؤلفات من سبقوه، وخاصة مؤلفات "بطليموس"، ثم انتقل إلى ميدان البحث في الفلك، والمثلثات، والجبر، والهندسة، والجغرافيا. وقد عاش حياته العلمية متنقلاً بين "الرقة" و"إنطاكية" في سوريا، وبها أنشأ مرصداً يحمل اسمه (مرصد البتاني).
وقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية، أن البتاني يعدّ أحد المشهورين برصد الكواكب والمتقدمين في علم الهندسة، وهيئة الأفلاك، وحساب النجوم. كما يجمع علماء الإفرنج على أن البتاني كان في علمه أسمى مكانة من الفلكي الإغريقي بطليموس. "وقال لالاند Lalande الفلكي الفرنسي، إن البتاني من الفلكيين العشرين الأئمة الذين ظهروا في العالم كله".
وذكر قدري طوقان في كتابه "تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك" أن "كاجوري" و"هاليه"يعدّان البتاني من أقدر علماء الرصد، وسماه بعض الباحثين "بطليموس العرب". كما وصفه جورج سارطون بأنه أعظم فلكيي جنسه وزمنه، ومن أعظم علماء الإسلام.
إسهاماته في الفلك(10/1)
من أهم إسهامات البتاني في علم الفلك اكتشافه السمت azimuth والنظير nadir، وتحديد نقطتيهما في السماء ؛ كما أنه حدد بدقة ميل الدائرة الكسوفية، وطول السنة المدارية، والفصول، والمدار الحقيقي والمتوسط للشمس. وخالف بطليموس في ثبات الأوج الشمسي، وبرهن على تبعيته لحركة المبادرة الاعتدالية. وله أرصاد دقيقة للكسوف والخسوف اعتمد عليها الغربيون (دنثورن Dunthorne سنة 1749م) في تحديد تسارع حركة القمر في حركته خلال قرن من الزمن.
أما أهم أرصاده، فهي تصحيح حركات القمر والكواكب، ووضع جداول جديدة لموقعها، إضافةً إلى تحقيق مواقع عدد كبير من النجوم ضمنها زيجه الشهير الذي اعتمد عليه علماء الفلك قروناً عدة.
ويعترف "نللينو" بأنه استنبط نظرية جديدة "تشف عن شيء كثير من الحذق وسعة الحيلة لبيان الأحوال التي يرى فيها القمر عند ولادته".
إسهاماته في الرياضيات
يُعَدّ البتاني من أوائل العرب الذين استعملوا الجيب بدل الوتر، كما أنه استعمل الظل وظل التمام في المثلث الكروي، وبحث بعض المسائل التي عالجها اليونان بالطرق الهندسية وحاول حلها بالجبر. والبتاني من الذين أسسوا علم المثلثات، ومن الذين عملوا على توسيع نطاقها.
مؤلفاته
نذكر من مؤلفاته المهمة :(10/2)
1. كتاب ''زيج الصابي" وهو أهم مؤلفات البتاني جميعاً، وهو يحتوي على نتائج أرصاده للكواكب الثابتة لسنة 299هـ، وجداول تتعلق بحركات الأجرام التي هي من اكتشافاته الخاصة، وما قام به من الأعمال الفلكية المختلفة التي امتدت طوال اثنتين وأربعين سنة، من سنة 264 إلى 306هـ، فقد كان أول زيج (الزيج هو لفظ يطلق على الجداول الفلكية القديمة، وأصل اللفظ فارسي) يحتوي على معلومات صحيحة دقيقة. وكان للكتاب أثر بالغ في تقدم علم الفلك والرياضيات سواء خلال النهضة العربية الإسلامية أو عند بداية النهضة الأوربية. فقد اعتمد عليه كثير من علماء العرب في حساباتهم، كما قام بعضهم باقتباس بعض محتوياته أو تفسيرها.
وقد ترجمه إلى اللاتينية بلاتوف تيفوك Platoof Tivok في القرن الثاني عشر الميلادي باسم "Sciencia de Sttellarum" ويقابلها في اللغة الإنجليزية "Science of Stars" أو علم النجوم. وطبع في نورمبرغ عام 1537م. وفي القرن الثالث عشر الميلادي، أمر ألفونس العاشر ملك قشتالة بأن يترجم هذا الزيج من العربية إلى الإسبانية مباشرة. ويوجد مخطوط غير كامل لهذه الترجمة في باريس. كما توجد نسخة من هذا الكتاب في مكتبة الفاتيكان. وقد نشر كارلو نللينو بروما 1907-1899 طبعة للأصل العربي منقولاً عن النسخة الموجودة بمكتبة الأسكريال في ثلاثة مجلدات مصحوبة بترجمة لاتينية وتعليق على بعض الموضوعات.
2. ''كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك"، يتناول البتاني في هذا المؤلف الحل الرياضي للمسألة التنجيمية لاتجاه الراصد.
3. "رسالة في مقدار الاتصالات".
4. "رسالة في تحقيق أقدار الاتصالات".
وقد تناول البتاني في هاتين الرسالتين موضوع اتفاق كوكبين في خط الطول أو في خط العرض السماوي، سواء أكانا على فلك البروج، أو كان أحدهما أو كلاهما خارج هذه الدائرة.(10/3)
5. "شرح المقالات الأربع لبطليموس"، وهي أربع مقالات ذيل بها بطليموس كتابه "المجسطي" عالج فيها مسائل التنجيم وتأثير النجوم على المسائل الدنيوية.
6. "كتاب تعديل الكواكب"، بحث البتاني في هذا الكتاب الفرق بين حركات الكواكب في مساراتها باعتبارها ثابتة المقدار، وبين حركاتها الحقيقية التي تختلف من موضع لآخر.
وخلاصة القول إن البتاني من عباقرة العالم الذين وضعوا نظريات هامة، وأسهموا في إغناء التراث العلمي للإنسانية بإضافة أبحاث جديدة في الفلك، والجبر، والمثلثات. فقد اشتهر برصد الكواكب والأجرام السماوية، وتمكن من القيام بأرصاد ما زالت تحظى باهتمام العلماء وتثير إعجابهم(10/4)
الفارابي
339-257هـ/950-870م
"كان الفارابي فيلسوفاً ورياضياً فذاً ذائع الصيت، بالإضافة إلى كونه موسيقياً بارعاً".
وهو محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، أبو نصر الفارابي، ويعرف بالمعلم الثاني لدراسته كتب أرسطو (المعلم الأول) وشرحه لها. ويعرف الفارابي في اللاتينية باسم Alpharabius. ولد في مدينة "فاراب" في تركستان حيث كان والده تركياً من قواد الجيش. ويقول الدكتور علي عبد الواحد وافي : >إنه لا يعرف شيء يقيني عن طفولة الفارابي الأولى أو مراحل حياته التالية<. وكل ما يعرف عنه أنه درس في مسقط رأسه مجموعة من المواد المختلفة كالعلوم، والرياضيات، والآداب، والفلسفة، واللغات خاصة التركية، والفارسية، واليونانية، والعربية. وفي سن متقدمة، غادر مسقط رأسه وذهب إلى العراق لمتابعة دراساته العليا، فدرس الفلسفة، والمنطق، والطب على يد الطبيب المسيحي يوحنا بن حيلان، كما درس العلوم اللسانية العربية والموسيقي. ومن العراق انتقل إلى مصر والشام، حيث التحق بقصر سيف الدولة في حلب واحتل مكانة بارزة بين العلماء، والأدباء، والفلاسفة.
وبعد حياة حافلة بالعطاء في شتى علوم المعرفة طوال ثمانين سنة، توفي الفارابي أعزب، بمدينة دمشق سنة 339هـ/950م.
إسهاماته العلمية
يعدّ الفارابي أكبر فلاسفة المسلمين. وقد أطلق عليه معاصروه لقب "المعلم الثاني" لاهتمامه الكبير بمؤلفات أرسطو "المعلم الأول"، وتفسيرها، وإضافة الحواشي والتعليقات عليها. ومن خصائص فلسفة الفارابي أنه حاول التوفيق من جهة، بين فلسفة أرسطو وفلسفة أفلاطون، ومن جهة أخرى بين الدين والفلسفة. كما أنه أدخل مذهب الفيض في الفلسفة الإسلامية ووضع بدايات التصوف الفلسفي.(11/1)
ورغم شهرة الفارابي في الفلسفة والمنطق، فقد كانت له إسهامات مهمة في علوم أخرى كالرياضيات والطب والفيزياء. فقد برهن في الفيزياء على وجود الفراغ. وتتجلى أهم إسهاماته العلمية في كتابه "إحصاء العلوم" الذي وضع فيه المبادئ الأساس للعلوم وتصنيفها ؛ حيث صنف العلوم إلى مجموعات وفروع، وبين مواضيع كل فرع وفوائده.
وبجانب إسهامات الفارابي في الفلسفة، فقد برز في الموسيقى. وكانت رسالته فيها النواة الأولى لفكرة اللوغارتم حسب ما جاء في كتاب "تراث الإسلام"، حيث يقول كارا دي فو Carra de Vaux : >أما الفارابي الأستاذ الثاني بعد أر سطو وأحد أساطين الأفلاطونية الحديثة ذو العقلية التي وعت فلسفة الأقدمين، فقد كتب رسالة جليلة في الموسيقى وهو الفن الذي برز فيه، نجد فيها أول جرثومة لفكرة النسب (اللوغارتم)، ومنها نعرف علاقة الرياضيات بالموسيقى<. وتؤكد زغريد هونكه الفكرة نفسها حين تقول : >إن اهتمام الفارابي بالموسيقى ومبادئ النغم والإيقاع قد قربه قاب قوسين أو أدنى من علم اللوغارتم الذي يكمن بصورة مصغرة في كتابه عناصر فن الموسيقى<.
مؤلفاته
من بين أهم الشروح والكتب التي ألفها الفارابي في العلوم نذكر ما يلي :
ــ شرح كتاب "المجسطي" في علم الهيئة لبطليموس ؛
ــ شرح المقالتين الأولى والخامسة من كتاب إقليدس في الهندسة ؛
ــ كتاب في المدخل إلى الهندسة الوهمية ؛
ــ كلام في حركة الفلك ؛
ــ مقالة في صناعة الكيمياء ؛
ــ كتاب إحصاء العلوم : قسم الفارابي، في هذا الكتاب، العلوم، إلى ثماني مجموعات، ثم ذكر فروع كل مجموعة، وموضوع كل فرع منها، وأغراضه، وفوائده. ترجمه جيرار الكريموني إلى اللاتينية.
ــ صناعة علم الموسيقى : شرح فيه الفارابي مبادئ النغم والإيقاع.
وللفارابي عدد كبير من المؤلفات الأخرى في الفلسفة والمنطق ومن أشهرها :
ــ "آراء أهل المدينة الفاضلة" ؛(11/2)
ــ "الجمع بين رأى الحكيمين أفلاطون الإلهي و أرسطوطاليس" : وهو كتاب يوفق فيه الفارابي بين آراء أفلاطون وأرسطو.
>وأكثر الكتب التي ألفها الفارابي، إما أنها فقدت أو أنها لا تزال في الخزائن والمكتبات، والمعروف منها إلى الآن قليل، إذا قيس بمجموع ما كتبه في شتى العلوم والفنون<.(11/3)
عبد الرحمن الصوفي
376-291هـ/986-903م
أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر بن سهل الصوفي الرازي. ولد بالري، وكان من كبار علماء الفلك والتنجيم. وهو من أعظم فلكيي الإسلام، على حد تعبير المؤرخ جورج سارطون. وقد كان صديقاً للخليفة البويهي عضد الدولة الذي اتخذه منجماً ومعلماً له لمعرفة مواضع النجوم الثابتة وحركاتها.
إسهاماته العلمية
قدم الصوفي في علم الفلك إسهامات مهمة تتجلى في المنجزات التالية : رَصَدَ النجوم، وعدَّها وحدد أبعادها عرضاً وطولاً في السماء، واكتشف نجوماً ثابتة لم يسبقه إليها أحد من قبل. ثم رسم خريطة للسماء حسب فيها مواضع النجوم الثابتة، وأحجامها، ودرجة شعاع كل منها. ووضع فهرساً للنجوم لتصحيح أخطاء من سبقوه. وقد اعترف الأوربيون بدقة ملاحظاته الفلكية حيث يصفه ألدومييلي بأنه >من أعظم الفلكيين العرب الذين ندين لهم بسلسلة دقيقة من الملاحظات المباشرة<، ثم يتابع قائلاً : >ولم يقتصر هذا الفلكي العظيم على تعيين كثير من الكواكب التي لا توجد عند بطليموس، بل صحح أيضاً كثيراً من الملاحظات التي أخطأ فيها، ومكن بذلك الفلكيين المحدثين من التعرف على الكواكب التي حدد لها الفلكي اليوناني مراكز غير دقيقة<.
مؤلفاته
ــ "كتاب الكواكب الثابتة" : يعدّه سارطون أحد الكتب الرئيسة الثلاثة التي اشتهرت في علم الفلك عند المسلمين. أما الكتابان الآخران، فأحدهما لابن يونس، والآخر لألغ بك. ويتميز كتاب الكواكب الثابتة بالرسوم الملونة للأبراج والصور السماوية.
ــ "رسالة العمل بالأسطرلاب" ؛
ــ "كتاب التذكرة" ؛
ــ "كتاب مطارح الشعاعات" ؛
ــ "كتاب الأرجوزة في الكواكب الثابتة".
وتوجد نسخ من بعض هذه المؤلفات في مكتبات عدد من الدول مثل الأسكوريال بمدريد، وباريس، وأكسفورد(12/1)
أبو الوفاء البوزجاني
387-328هـ/998-940م
أبو الوفاء محمد بن محمد بن يحيى بن إسماعيل بن العباس البوزجاني. وهو مهندس، وفلكي، ورياضي. وقد وصفه سارطون بأنه من أعظم الرياضيين في الإسلام.
ولد أبو الوفاء في "بوزجان" بخرا سان سنة (328هـ/940م). درس الرياضيات على عمه أبو عمر المغازلي، وخاله المعروف باسم أبي عبد الله محمد بن عنبة، كما درس الهندسة على أبي يحيى الماوردي، وأبي العلاء بن كرنيب. وفي سنة 348هـ/959 للميلاد ذهب إلى العراق وعاش في بغداد حتى وفاته (387هـ/998م). وقد أمضى حياته في بغداد في التأليف والرصد والتدريس. وأصبح عضواً في المرصد الذي أنشأه شرف الدولة سنة 377هـ.
إسهاماته العلمية
كان أبو الوفاء من العلماء البارزين في الفلك والرياضيات. كما اعترف كثير من العلماء الغربيين بأنه من أشهر الذين برعوا في الهندسة.
وترجع أهمية البوزجاني إلى إسهامه في تقدم علم حساب المثلثات، حيث يعترف "كارادي فو" بأن الخدمات التي قدمها أبو الوفاء لعلم المثلثات لا يمكن أن يجادل فيها، فبفضله أصبح هذا العلم أكثر بساطة ووضوحاً. فقد استعمل القاطع وقاطع التمام، وأوجد طريقة جديدة لحساب الجيب. كما أنه أول من أثبت القانون العام للجيوب في المثلثات الكروية.
أما في الهندسة، فقد كان أبو الوفاء عالماً عبقرياً، حيث عالج عدداً من المسائل بخبرة كبيرة.
مؤلفاته
ترك البوزجاني مؤلفات قيمة منها :
1. "كتاب فيما يحتاج إليه الكتاب والعمال من علم الحساب"، وهو كتاب في الحساب. وتوجد منه نسختان ناقصتان في كل من ليدن بهولندا، والقاهرة.
2. "كتاب الكامل"، وتوجد منه نسخة ناقصة بباريس. وقد ترجم "كارادي فو" بعض أجزائه.
3. "كتاب فيما يحتاج إليه الصناع في أعمال الهندسة"، وقد كتبه أبو الوفاء بأمر من "بهاء الدولة". وتوجد نسخة منه في مكتبة جامع أيا صوفيا في استانبول.(13/1)
4. "كتاب المجسطي" وهو من أشهر مؤلفاته، وتوجد نسخة ناقصة منه في مكتبة باريس الوطنية.
5. "كتاب الهندسة".
وإضافة إلى هذه المؤلفات، فقد كتب أبو الوفاء شروحاً وتعليقات على أقليدس، وديو فنطيس، والخوارزمي، إلا أن هذه الأعمال ضاعت.
وخلاصة القول إن بحوث البوزجاني ومؤلفاته كان لها تأثير كبير على تقدم العلوم، وبصفة خاصة على علم الفلك وعلم المثلثات. كما يُعدّ من الذين مهدوا الطريق لظهور الهندسة التحليلية، وذلك بإيجاده حلولاً هندسية لبعض المعاملات والأعمال الجبرية(13/2)
المجريطي
338 ـ 398هـ / 950 ـ1007م
"كان المجريطي إمام الرياضيين بالأندلس، وأوسعهم إحاطة بعلم الأفلاك وحركات النجوم". وهو أبو القاسم مسلمة بن أحمد بن قاسم بن عبد الله المجريطي، ولد في مدريد بإسبانيا سنة 338هـ/950م. وعاش في قرطبة، وتوفي بها سنة 398هـ/1007م.
سافر إلى الشرق واتصل بعلماء العرب والمسلمين وتداول معهم في ما توصل إليه من أبحاثه في الرياضيات وعلم الفلك. وبنى مدرسة في قرطبة تتلمذ عليه فيها عدد من كبار علماء الرياضيات، والفلك، والطب، والفلسفة، والكيمياء، والحيوان.
إسهاماته العلمية
كان المجريطي يعد حجة عصره في الكيمياء، وقد كانت له في هذا المجال إسهامات عديدة، فقد ميز بين الكيمياء والسيمياء، وحرر علم الكيمياء من الخرافات والسحر، ودعا إلى دراسة الكيمياء دراسة علمية تعتمد على التجربة والاستقراء. وكان يرى أن الرياضيات ضرورية في دراسة الكيمياء. كما أولى المجريطي عناية خاصة للتجارب الخاصة بالاحتراق والتفاعلات التي تنتج عنه. واشتهر بتحضيره أوكسيد الزئبق حيث لم يسبقه أحد إلى تحويل الزئبق إلى أوكسيد الزئبق.
أما في مجال علم الفلك، فقد اختصر الجداول الفلكية للبتاني، فكان مختصره مرجعاً لعلماء الفلك. وهو أول من علق على الخريطة الفلكية لبطليموس. كما أن المجريطي نال شهرة عظيمة "بتعليقه وتقويمه للجداول الفلكية للخوارزمي وتعويض تاريخها الفارسي بالتاريخ الهجري"، كما أنه طور نظريات الأعداد وهندسة إقليدس.
وإضافةً إلى ذلك، اهتم المجريطي كثيراً بعلم الحيوان، فقد تكلم عن تكوين الحيوانات وتفضيل بعضها على بعض وفوائدها.
مؤلفاته
ألف المجريطي في علوم مختلفة كالكيمياء، والفلك، والرياضيات، والحيوان ؛ ومن هذه المؤلفات ما ذكره سارطون والزركلي :
ــ "رتبة الحكيم"، تكلم فيه عن السيمياء والكيمياء والفرق بينهما ؛ وتبرز فيه تجربته عن الزئبق.(14/1)
ــ "غاية الحكيم"، يشتمل على تاريخ الكيمياء. ترجم إلى اللاتينية سنة 1252 بأمر من الملك ألفونس تحت عنوان Picatrix.
ــ "رسالة في الاسطرلاب"، ترجم إلى اللاتينية ؛
ــ "شرح كتاب المجسطي لبطليموس" ؛
ــ "كتاب ثمار العدد في الحساب".
ونشير إلى أن كتب المجريطي العلمية ظلت تدرس لعدة سنوات في الجامعات الأوربية، وأن علماء الغرب هم أول من أبرز إنتاج المجريطي وعرفوا به.(14/2)
ابن الجزار
توفي سنة 399هـ/1009م
أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد القيرواني، ابن الجزار المعروف عند اللاتين باسم Algizar. وهو طبيب عربي مسلم عاش في القيروان بتونس في القرن العاشر الميلادي، وتوفي عام 1009م عن سن تجاوزت ثمانين سنة. لا تتوافر معلومات كثيرة عن حياته وإسهاماته العلمية. ويكتفي معظم المؤرخين بالإشارة إلى مؤلفاته. إلا أن "زغريد هونكة" تذكر أنه كان كثيراً ما يصاحب السفن العربية التي تذهب من تونس إلى الشواطئ الأوربية ويعمل كطبيب على ظهرها.
إسهاماته العلمية
وصف ابن الجزار في كتبه أسباب الأمراض التي قد تصيب المرء في رحلة ما، وعوارض هذه الأمراض، وطرق علاجها. كما قدم وصفاً دقيقاً لمرضَيْ الجذري والحصبة، ومعلومات جيدة عن الأمراض الباطنية، و تعرض لأنواع الحمى، وكتب عن الأوبئة.
مؤلفاته
لابن الجزار تصانيف طبية كثيرة، نذكر منها :
ـــ "زاد المسافر" : وهو أشهر كتب ابن الجزار في الطب، ترجمه قسطنطين الإفريقي إلى اللاتينية، كما ترجم إلى اليونانية والعبرية. وقد كانت للكتاب شهرة واسعة بين أطباء القرون الوسطى، وظل يدرس في الجامعات الأوربية حتى القرن السادس عشر. وتوجد نسخ مخطوطة من هذا الكتاب في عدد من المكتبات عبر العالم.
ــ " كتاب الاعتماد" : وهو كتاب في الأدوية ألفه ابن الجزار لأحد ملوك الفاطميين بإفريقية، وتوجد مخطوطات منه في الجزائر واستنبول.
ــ "طب الفقراء والمساكين" : وهو رسالة مخطوطة توجد في المتحف العراقي.
ــ " أسباب الوباء بمصر والحيلة في دفعه".(15/1)
ابن يونس
توفي سنة 399هـ/1009م
كان ابن يونس راصداً رفيع المنزلة للظواهر السماوية، وعالماً نظرياً من الطراز الأول. ويقول عنه سارطون ربما كان أعظم فلكي مسلم.
واسمه الكامل هو أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري. لا يعرف تاريخ ولادته، أما وفاته فكانت عام 399هـ/1009م بالقاهرة. ينتمي لأسرة اشتهرت بالعلم، فقد كان أبوه محدثاً ومؤرخاً كبيراً ، كما كان جده من المتخصصين في علم النجوم.
وقد حظي ابن يونس بمكانة كبيرة لدى الخلفاء الفاطميين الذين شجعوه على متابعة بحوثه الفلكية والرياضية، و بنوا له مرصداً قرب الفسطاط (القاهرة)، وجهزوه بكل ما يلزم من الآلات والأدوات.
إسهاماته
برع ابن يونس في المثلثات، وله فيها بحوث قيمة ساعدت في تقدم علم المثلثات، فهو أول من وضع قانوناً في حساب المثلثات الكروية، كانت له أهمية كبرى عند علماء الفلك، قبل اكتشاف اللوغاريتمات، إذ يمكن بواسطة ذلك القانون تحويل عمليات الضرب في حساب المثلثات إلى عمليات جمع، فسهل حل كثير من المسائل الطويلة المعقدة. ويرجع إلى ابن يونس اختراع رقاص الساعة. كما أظهر ابن يونس براعة كبرى في حل كثير من المسائل العويصة في علم الفلك.
وقد رصد ابن يونس كسوف الشمس والقمر في القاهرة حوالي 978م، فجاء حسابه أقرب ما عرف، إلى أن ظهرت آلات الرصد الحديثة.
مؤلفاته
أهم كتاب ألفه ابن يونس هو :(16/1)
ـــ "الزيج الكبير الحاكمي" : بدأ تأليفه، بأمر من الخليفة العزيز الفاطمي سنة 380هـ/990م، وأتمه سنة 1007م في عهد الخليفة الحاكم ولد العزيز. وسماه الزيج الحاكمي، نسبة إلى الخليفة. وتوجد أجزاء من هذا الكتاب في عدد من المكتبات العالمية مثل اكسفورد، وباريس، والاسكريال، وبرلين، والقاهرة. وقد قام كوسان Caussin بنشر وترجمة أجزاء هذا الزيج التي فيها أرصاد الفلكيين القدماء وأرصاد ابن يونس نفسه عن الخسوف والكسوف، واقتران الكواكب. وكان هدف ابن يونس من تأليف كتابه هو تصحيح أرصاد وأقوال الفلكيين الذين سبقوه وتتميمها.(16/2)
الزهراوي
توفي سنة 404هـ/1013م
يعدّ الزهراوي من أعظم الجراحين المسلمين والعالميين. وهو أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي، ويعرف عند الغربيين باسم Abulcassis. ولد بمدينة الزهراء في ضواحي قرطبة بالأندلس. عاش في الأندلس خلال القرن الرابع،حيث كان طبيب عبد الرحمن الثالث، ثم طبيب ابنه الحكم الثاني المستنصر.
وإذا كان تاريخ ولادته غير معروف، فإن المؤرخين يرجحون أن وفاته كانت عام 404هـ/1013م.
إسهاماته العلمية
تتجلى إسهامات الزهراوي العلمية فيما حققه من إنجازات وابتكارات متعددة في الطب بصفة عامة، وفي الجراحة بصفة خاصة، فهو أول من فرق بين الجراحة وغيرها من المواضيع الطبية، وجعلها علماً مستقلا قائماً على دراسة تشريح الأجسام الحية والميتة. وهو أول من أجرى عملية استئصال الحصى من المثانة عن طريق المهبل، وهو أول من نجح في عملية شق القصبة الهوائية حيث أجرى هذه العملية على خادمه. كما نجح في إيقاف نزيف الدم بربط الشرايين الكبيرة، وعلم تلاميذه خياطة الجروح خياطة داخلية لا تترك أثراً مرئياً، وكيفية الخياطة بإبرتين وخيط واحد مثبت بهما.
أما في ميدان الطب العام، فهو أول من وصف استعداد بعض الأجسام للنزيف (هيموفيليا)، كما اهتم بالتهاب المفاصل وبالسل في فقرات الظهر. كما أدخل طرقاً وآلات جديدة على فرع الأمراض النسائية. وقد استفاد الجراحون وأطباء الأسنان الأوربيون من الرسوم التي وضعها لصنع الآلات اللازمة لإجراء العمليات الجراحية.
مؤلفاته(17/1)
أكبر تصانيف الزهراوي وأشهرها هو كتابه المسمى : ــ "التصريف لمن عجز عن التأليف"، وهو عبارة عن دائرة معارف طبية تقع في ثلاثين جزءاً. ويمتاز بكثرة رسومه ووفرة أشكال الآلات التي كان الزهراوي يستعملها في الجراحة. وقد ترجم جيرار الكريموني الجزء الخاص بالجراحة من هذا الكتاب إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي، وصدرت منه طبعات مختلفة، واحدة في البندقية 1497م، وثانية في بازل سنة 1541م، وثالثة في أكسفورد سنة 1778م. كما أن الدكتور لوكليرك ترجمه إلى الفرنسية في القرن التاسع عشر.
وتقول زغريد هونكه عن هذا الجزء من الكتاب : >وقد لعب القسم الثالث من هذا الكتاب دوراً هاماً في أوربا إذ وضع أسس الجراحة الأوربية، وسما بهذا الفرع من الطب إلى مقام رفيع، فأصبحت الجراحة مستقلة بذاتها ومعتمدة في أصولها على علم التشريح<. وقد كان لكتاب الزهراوي أثر كبير في النهضة الأوربية على مدى خمسة قرون، حيث كان يدرس في جامعات أوروبا، كما كان الجراحون الأوربيون يرجعون إليه ويقتبسون منه.(17/2)
أبو سهل القوهي
توفي سنة 405هـ/1014م
القوهي من العلماء المسلمين الذين اشتهروا في الفلك والرياضيات في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي. وهو أبو سهل ويجن بن رستم القوهي. وإذا كان تاريخ ميلاده غير معروف، فإن وفاته كانت سنة 405هـ/1014م. وهو من كوه في جبال طبرستان، لكنه عاش في بغداد. ولما تولى شرف الدولة البويهي الحكم، قرَّبه وعينه سنة 378هـ/988م رئيساً للمرصد الذي أسسه في بغداد، وطلب منه أن يقدم له دراسة عن رصده للكواكب السبعة من حيث مساراتها وتنقلها في بروجها.
إسهاماته العلمية
كان القوهى من نوابغ علماء الفلك في القرن الرابع الهجري/القرن العاشر الميلادي ؛ فقد وضع عدداً من الأرصاد التي كان يعتمد عليها في عصره، وانتقد بعض فرضيات علماء اليونان في الفلك، كما اشتهر بصناعة الآلات الرصدية.
أما في الرياضيات، فقد >اهتم القوهي بمسائل أرشميدس وأبولونيوس التي تؤدي إلى معادلات ذات درجة أعلى من معادلات الدرجة الثانية، ووجد حلاً لبعضها، كما ناقش شروط إمكانية ذلك. وتعتبر دراساته هذه من أحسن ما كتب عن الهندسة عند المسلمين<.
وأسهم القوهي أيضاً في دراسة الأثقال، وكان له السبق في هذا المجال، حيث استخدم البراهين الهندسية لحل كثير من المسائل التي لها علاقة بإيجاد الثقل. كما أنه ترك بحوثاً قيمة في المبادئ التي تقوم عليها الروافع.
مؤلفاته
ذكر كل من د.عبد الله الدفاع، والزركلي، عدداً من مؤلفات القوهي في الفلك والرياضيات، منها :
ــ "كتاب مراكز الأكر" ؛
ــ "كتاب الأصول على تحريكات أقليدس" ؛
ــ "كتاب صنعة الأسطرلاب بالبراهين" ؛
ــ كتاب الزيادات على أرشميدس في المقالة الثانية" ؛
ــ "إخراج الخطين من نقطة على زاوية معلومة" ؛
ــ "تثليث الزاوية وعمل المسبع المتساوي الأضلاع في الدائرة".(18/1)
ويقول د. عبد الله دفاع في كتابه "العلوم البحتة في الحضارة العربية الإسلامية" : "إلا أن معظم مؤلفات القوهي قد ضاعت، ولم يعرف عنها إلا القليل من بعض الإشارات في المراجع اللاتينية".(18/2)
الكَرَخِي
توفي ما بين 420-410 هـ/ 1029-1019م
يُعدُّ الكرخي من كبار الرياضيين المسلمين، و>من أعظم الرياضيين الذين كان لهم أثر حقيقي في تقدم العلوم الرياضية<. ورغم ذلك لا تتوافر عنه معلومات كافية.
وهو أبو بكر محمد بن الحسن (أو الحسين) الحاسب الكرخى، نسبة إلى كرخ من ضواحي بغداد. عاش في بغداد أيام الوزير أبو غالب محمد بن خلف فخر الملك، وزير بهاء الدولة البويهي.
إسهاماته العلمية
توجد في كتب الكرخي، لأول مرة عند العرب، حلول للمعادلات غير المحددة، كبقية المعادلات، على أساس الطرق التي اتبعها ديو فنطس.
كما جاء الكرخي بحلول متنوعة لمعادلات الدرجة الثانية، وقدم بحوثاً في إيجاد الجذور التقريبية للأعداد، وبراهين للنظريات التي تتعلق بإيجاد مجموع مربعات ومكعبات الأعداد الطبيعية التي عددها.
مؤلفاته
ــ "الفخري في الجبر"، سمي الكتاب بالفخري نسبة إلى فخر الملك. وقد ألفه ما بين 401 و407هـ.
ويقول سمث في كتابه "تاريخ الرياضيات"، إن كتاب الفخري أهم أثر في الجبر ؛ وقد ترجمه المستشرق الفرنسي "فرانز ويبك Franz Woepcke" سنة 1853.
ــ "الكافي في الحساب"، ألفه ما بين 401 و407هـ، وأهداه إلى فخر الملك. ويشتمل الكتاب على مبادئ الحساب المعروفة في ذلك الوقت، وكذلك بعض القوانين والطرق الحسابية المبتكرة لتسهيل بعض المعاملات. ولم يستخدم فيه الأرقام الهندية، بل وضع الأرقام كتابة بالحروف. وقد ترجمه "هوشايم Hocheim" إلى الألمانية، ونشر في ثلاثة أجزاء ما بين سنتي 1878 و1880.
ــ كتاب "البديع في الحساب".(19/1)
ابن سينا
428-370هـ/1037-980م
ابن سينا هو أعظم علماء المسلمين، ومن أشهر مشاهير العلماء العالميين ؛ فقد كان فيلسوفاً، وطبيباً، ورياضياً، وفلكياً.
واسمه الكامل هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، الملقب بالشيخ الرئيس، كما عرف بالمعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي، ويعرف عند الأوربيين باسم "Avicenna". ولد قرب بخارى (في أوزبكستان حالياً) سنة 370هـ/980م ؛ وتوفي في همذان سنة 428هـ/1037م. تلقى تعليمه الأول في بخارى حيث درس القرآن وأصول اللغة ؛ ودرس الأدب، والفلسفة، والمنطق، والهندسة، وعلم النجوم، والطب، والطبيعيات. وأصبح حجة في الطب، والفلك، والرياضيات، والفلسفة قبل بلوغه سن العشرين.
ولشهرته في الطب، دعاه الأمراء ليعالجهم. ووفق في مداواة أمير بخارى "نوح بن منصور"، كما عالج "شمس الدولة" أمير همذان، و"علاء الدولة" أمير أصفهان. فأنعموا عليه وفتحوا له أبواب دور كتبهم، فوجد فيها مجالاً كبيراً لإتمام دراساته والتعمق في مختلف فروع المعرفة.
وإضافةً إلى اهتمامات ابن سينا العلمية، فقد اشتغل بالسياسة وتدبير شؤون الدولة، حيث استوزره شمس الدولة في همذان، ولكن ابن شمس الدولة سجنه ؛ إلا أنه تمكن، بعد قضاء عدة أشهر في السجن، من الفرار إلى أصفهان حيث قضى أيامه الأخيرة في كنف أميرها "علاء الدولة"، وقد وافته المنية في همذان.
إسهاماته الطبية
برز ابن سينا بصفة خاصة في الطب، حيث حقق فيه اكتشافات جديدة. فهو أول من تحدث، بتفصيل، عن دودة سماها الدودة المستديرة، وهي ما يعرف الآن باسم "الأنكلستوما"، ودرس الاضطرابات العصبية وتوصل إلى بعض الحقائق النفسية والمرضية عن طريق التحليل النفسي. وكان يرى أن العوامل النفسية والعقلية لها تأثير كبير على أعضاء الجسم ووظائفها.كما وصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم.(20/1)
وقد أضاف ابن سينا إلى الطب الكثير بناء على مشاهداته الخاصة، حيث كان يعطي للتجربة المكانة الأولى وتوصل بفضلها إلى ملاحظات أصيلة ؛ ومن أمثلة ذلك : إدراكه للطبيعة المعدية للسل الرئوي، وانتشار الأمراض عن طريق الماء والتربة، ووصفه الدقيق لأمراض الجلد، والأمراض التناسلية. هذا إضافةً إلى وصفه للطرق الصيدلية لتحضير عدد من الأدوية.
كما كان ابن سينا أول من اكتشف التهابات غشاء الدماغ المعدية، وميزها عن غيرها من الالتهابات المزمنة، ووضع أول وصف لتشخيص مرض تصلب الرقبة والتهاب السحايا بشكل واضح. وتحدث عن شلل الوجه وأسبابه، وميز بين الشلل الناتج عن سبب مركزي في الدماغ والناتج عن سبب محلي.
إسهاماته العلمية في علوم أخرى
تمثَّل إسهام ابن سينا في الفيزياء في دراسة عدد من الظواهر الطبيعية مثل : الحركة، والقوة، والفراغ، واللانهاية، والنور، والحرارة. ولاحظ أنه إذا كان إدراك الضوء ناتجاً عن انبعاث نوع ما من الجسيمات من مصدر مشع، فإن سرعة الضوء لا بد أن تكون محدودة.
أما في علم الجيولوجيا، فقد أسهم ابن سينا برسالته في تكون الجبال والأحجار الكريمة والمعادن التي ناقش فيها تأثير الزلزال، والماء، ودرجة الحرارة، والرواسب، والتحجر، والتعرية.
وإضافةً إلى ذلك، برع ابن سينا في الرياضيات والفلك، وعالج مسائل الأجسام اللامتناهية حجماً، دينياً وفيزيائياً ورياضياً، مما ساعد كلاً من "نيوتن" Newton و"لايبنز" Leibniz، في القرن السابع عشر، على وضع الحساب اللامتناهي.
مؤلفاته
تجاوزت مؤلفات ابن سينا المائتين ما بين كتب ورسائل، ومن أشهرها :(20/2)
ــ كتاب "القانون" : وهو من أهم مؤلفات ابن سينا وأنفسها، وإليه ترجع شهرته في الطب. وقد عرف هذا الكتاب انتشاراً واسعاً في الغرب والشرق. ترجمه "جيرار الكريموني" إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، وطبع في الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الخامس عشر ستَّ عشرة طبعة، واحدة منها باللغة العبرية والباقي باللاتينية ؛ وفي القرن السادس عشر أعيدت طباعته أكثر من عشرين مرة، وظل يدرس في أوربا حتى القرن التاسع عشر. وقد أعيد سنة (1996م) طبعه من طرف معهد تاريخ العلوم العربية الإسلامية في إطار جامعة فرانكفورت ضمن سلسلة الطب الإسلامي التي يصدرها فؤاد سزكين.
ــ كتاب"الشفاء"، وهو موسوعة فلسفية تضم حصيلة المعارف التي توصل إليها ابن سينا في المنطق، والطبيعيات، والفلسفة ؛
ــ وكتاب"النجاة" وهو ملخص لكتاب الشفاء وأقل تعقيداً منه ؛
ــ وكتاب "الإشارات والتنبيهات"الذي يشتمل على دراسات في الطبيعيات، والإلهيات، والتصوف، والأخلاق.
ولابن سينا مؤلفات أخرى في الطب، والفلسفة، والموسيقى، واللغة، والإلهيات، والنفس، والمنطق، والطبيعيات، والرياضيات، والفلك.(20/3)
ابن الهيثم
430-354هـ/1038-965م
ابن الهيثم من أعظم علماء العرب في البصريات، والرياضيات، والطبيعيات، والطب، والفلسفة، وله إسهامات مهمة فيها.
وهو أبو علي الحسن ابن الحسن ابن الهيثم، المسمى عند الغربيين "الهازن Alhazen". ولد بالبصرة ودرس بها. ولما سمع الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله، أن ابن الهيثم له طريقة لتنظيم الفيضان السنوي لنهر النيل، دعاه إلى مصر وكلفه بتقنين مياه نهر النيل لمواجهة الفيضانات. ولما أخفق ابن الهيثم في مهمته تظاهر بالجنون، وظل على تلك الحال حتى توفي الخليفة، فعاد إلى حالته الطبيعية، واشتغل بنسخ كتب من سبقوه في الرياضيات والطبيعيات، إلى جانب التأليف في مواضيع مختلفة.
إسهاماته في البصريات
يعترف المؤرخون الغربيون بأهمية ابن الهيثم في تطوير علم البصريات، فأرنولد في كتاب " تراث الإسلام"، قال >إن علم البصريات وصل إلى الأوج بظهور ابن الهيثم<، أما سارطون فقال : >إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند المسلمين في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطى، ومن أعظم علماء البصريات القليلين المشهورين في كل زمن، وأنه كان أيضاً فلكياً، ورياضياً، وطبيباً<. أما دائرة المعارف البريطانية، فقد وصفته بأنه رائد علم البصريات بعد بطليموس.
وابن الهيثم هو أول من قال بأن العدسة المحدبة ترى الأشياء أكبر مما هي عليه. وأول من شرح تركيب العين ووضح أجزاءها بالرسوم وأعطاها أسماء أخذها عنه الغربيون وترجموها إلى لغاتهم، ما زالت مستعملة حتى الآن. ومن ذلك مثلاً الشبكية Retina، والقرنية (Cornea)، والسائل الزجاجي (Viteous Humour، والسائل المائي( (Aqueous Humour). كما أنه ترك بحوثاً في تكبير العدسات مهدت لاستعمال العدسات في إصلاح عيوب العين.(21/1)
وتوصل ابن الهيثم إلى أن الرؤية تنشأ من انبعاث الأشعة من الجسم إلى العين التي تخترقها الأشعة، فترسم على الشبكية وينتقل الأثر من الشبكية إلى الدماغ بواسطة عصب الرؤية، فتتكون الصورة المرئية للجسم. وبذلك أبطل ابن الهيثم النظرية اليونانية لكل من أقليدس وبطليموس، التي كانت تقول بأن الرؤية تحصل من انبعاث شعاع ضوئي من العين إلى الجسم المرئي. كما بحث في الضوء والألوان والانعكاسات الضوئية على بعض التجارب في قياس الزوايا المحدثة والانعكاسية. ويعدّه بعض الباحثين رائد علم الضوء.
إسهاماته في الرياضيات
كان ابن الهيثم رياضياً بارعاً، فقد طبق الهندسة والمعادلات والأرقام في حل المسائل الفلكية. كما حل معادلات تكعيبية وأعطى قوانين صحيحة لمساحات الكرة، والهرم، والأسطوانة المائلة، والقطاع الدائر، والقطعة الدائرية.
إسهاماته في الفلك
اهتم ابن الهيثم بالفلك، وكتب فيه عدداً من الكتب وقام بعدد من الأرصاد. ومن أهم إسهاماته في علم الفلك : توصله إلى طريقة جديدة لتحديد ارتفاع القطب، فقد وضع نظرية عن تحركات الكواكب ؛ ولايزال أثر هذه النظرية قائماً حتى الآن، حيث توجد في ضواحي فينا بالنمسا طاولة صنعت بألمانيا سنة 1428 وعليها رسم لحركات كواكب سيارة حسب نظرية ابن الهيثم. واكتشف ابن الهيثم أن كل الأجسام السماوية، بما فيها النجوم الثابتة، لها أشعة خاصة ترسلها، ما عدا القمر الذي يأخذ نوره من الشمس.
مؤلفاته
ترك ابن الهيثم تراثاً علميا غنياً في مختلف العلوم، ومن أهم ما ألفه :(21/2)
ــ "كتاب المناظر" : يشتمل الكتاب على بحوث في الضوء، وتشريح العين، والرؤية. وقد أحدث الكتاب انقلاباً في علم البصريات، وكان له أثر كبير في معارف الغربيين (روجر بيكون و كيبلر)، وظلوا يعتمدون عليه لعدة قرون، إذ تمت ترجمته إلى اللاتينية مرات عديدة في القرون الوسطى. ويشتمل الكتاب على سبع مقالات، حقق منها عبد الحميد صبرة المقالة الأولى والثالثة ونشرهما في كتاب سنة 1983 بالكويت. كما أن الدكتور رشدي راشد حقق المقالة السابعة في كتابه "علم الهندسة والمناظر في القرن الرابع الهجري"، المطبوع في بيروت سنة 1996. وتوجد مخطوطات كاملة من الكتاب أو لبعض مقالاته، في العديد من المكتبات، خاصة باستانبول بتركيا.
ــ "حل شكوك أقليدس" ؛
ــ "مقالة الشكوك على بطليموس" ؛
ــ "كتاب شرح أصول إقليدس في الهندسة والعدد" ؛
ــ "كتاب الجامع في أصول الحساب" ؛
ــ "كتاب في تحليل المسائل الهندسية".
ويذكر أن ابن الهيثم صنَّف ثمانين كتاباً ورسالة في الفلك شرح فيها سير الكواكب، والقمر، والأجرام السماوية، وأبعادها.
وقد كان لترجمة بعض كتب ابن الهيثم إلى اللاتينية، تأثير كبير على علماء الغرب من أمثال كبلر، وفرنسيس بيكون. ويؤكد مصطفى نظيف أن ابن الهيثم سبق"فرنسيس بيكون" في وضع المنهج التجريبي القائم على المشاهدة والتجربة والاستقراء. كما يقول عباس محمود العقاد في كتابه "أثر العرب في الحضارة الأوربية" إن ترجمة كتب ابن الهيثم كان عليها معول الأوربيين اللاحقين جميعاً في البصريات.(21/3)
البيروني
439-363هـ/1048-973م
هو محمد بن أحمد أبو الريحان البيروني الخوارزمي، ولد سنة 363هـ/973م بإحدى ضواحي خوارزم في فارس (أوزبكستان حالياً). لا يعرف تاريخ وفاته على وجه التحديد، لكن الراجح أنه توفي عام 439هـ/1048م.
كان البيروني عالماً في الرياضيات، والطبيعيات، والفلك، والطب، والفلسفة، والتصوف، والأديان ؛ ومؤرخاً ولغوياً وأديباً. وعلى الرغم من اطلاعه الواسع على مختلف مجالات المعرفة في عصره، فإن اهتمامه كان مركزاً أكثر على الرياضيات والفلك. ويعدّه أعلام المستشرقين من العباقرة المسلمين العالميين الواسعي الاطلاع. ويعترف المؤرخ جورج سارطون بمكانته العلمية فيقول : >كان البيروني رحالة وفيلسوفاً، ورياضياً، وفلكياً، وجغرافياً، وعالماً موسوعياً، ومن أكبر عظماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم في كل زمن<.
وإذا كانت المصادر لا تذكر شيئاً عن أسرة البيروني أو عن صباه وما تعلمه في أول حياته، فهي تذكر أنه درس على ثلاثة أساتذة وهم : أبو نصر بن عراق، وأبو سهل بن يحيى المسيحي، وأبو الحسن بن علي الجبلي، وأنه عاصر الطبيب المشهور ابن سينا، وكانت بينهما مراسلات في مواضيع مختلفة، وأنه كان يتقن عدة لغات منها اليونانية، والسنسكريتية والفارسية، والعبرية، إضافةً إلى العربية.
ولما بلغ البيروني الخامسة والعشرين من عمره، رحل إلى جرجان حيث التحق ببلاط السلطان أبي الحسن قابوس بن وشمكير، ثم عاد إلى وطنه خوارزم بعد عدة سنوات، ودخل في خدمة أبي العباس المأمون بن المأمون آخر أمراء دولة المأمونيين، وبعد أن استولى السلطان محمود الغزنوي على خوارزم، ضمَّ البيروني إلى حاشيته ثم اصطحبه معه في رحلاته المتعددة إلى الهند. ويقال إن البيروني بقي في الهند مدة طويلة درس فيها ثقافتها وعلومها، ومعارفها، وأصبح بذلك أكثر العلماء المسلمين اطلاعاً على تاريخ الهند ومعارفها. كما نقل إلى الهنود العلوم اليونانية والعربية.(22/1)
إسهاماته العلمية
يعترف للبيروني بإسهام في مختلف العلوم، فقد حدَّد بدقة خطوط الطول وخطوط العرض، وناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها أم لا، وبحث في الوزن النوعي، وقدر بدقة كثافة 18 نوعاً من الأحجار الكريمة والمعادن، وتوصل إلى أن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت، كما شرح كيفية عمل الينابيع الطبيعية والآبار الارتوازية بناء على مبدأ هيدروستاتيكي. كما قدم وصفاً للمخلوقات الغريبة، منها ما يعرف باسم التوائم "السيامية".
وكان البيروني ألمع علماء زمانه في الرياضيات كما يعترف بذلك"سمث" في الجزء الأول من كتابه "تاريخ الرياضيات". وبجانب ذلك اشتغل بالفلك، وبحث في هيئة العالم وأحكام النجوم، ووضع طريقة لاستخراج مقدار محيط الأرض تعرف عند العلماء الغربيين باسم " قاعدة البيروني" ؛ ووصف ظواهر الشفق وكسوف الشمس وغير ذلك من الظواهر الطبيعية بجانب إشارته لدوران الأرض حول محورها.كما كان ملمًا بعلم المثلثات، وهو من الذين بحثوا في التقسيم الثلاثي للزاوية.
كان البيروني متصفاً بالروح العلمية، والإخلاص للحقيقة، إضافةً إلى دقة البحث والملاحظة.
مؤلفاته
ترك البيروني مؤلفات عديدة، تزيد عن مائة وخمسين كتاباً، وقد ذكر أغلبها في رسالته المعروفة بالفهرس، وتتناول مواضيع متنوعة منها الجغرافيا، والرياضيات، والفلك. ومن أشهر مؤلفاته :
ــ "كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية"، ناقش فيه البيروني دوران الأرض حول نفسها، وتسطيح الكرة ؛ وهو بذلك واضع أصول الرسم على سطح الكرة. ترجم "إدوارد ساخاو Sachau" هذا الكتاب إلى الإنجليزية، وطبع في لندن عام 1789. كما ترجم إلى الألمانية والإنجليزية في القرن التاسع عشر.
ــ "القانون المسعودي في الهيئة والنجوم"، ألفه البيروني (421هـ/1030م) بطلب من "مسعود بن محمد الغزنوي". وهو كتاب ضخم يشتمل على 143 باباً تناول فيه مختلف موضوعات الفلك والرياضيات. و طبع الكتاب في حيدرآباد بالهند.(22/2)
ــ "تاريخ الهند"، ضمنه البيروني خلاصة دراساته في الهند. ترجمه "ساخاو" أيضاً إلى الإنجليزية، وطبع في لندن سنة 1887م. وتناول فيه البيروني لغة أهل الهند وعاداتهم وعلومهم.
ــ "كتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم"، يبحث هذا الكتاب الحساب، والهندسة، والجبر، والعدد، والفلك. وقد كتبه البيروني على شكل سؤال وجواب، ووضحه بالأشكال والرسوم.
إضافةً إلى هذه الكتب الكبيرة، ترك البيروني عدة رسائل في الهندسة، والحساب، والفلك، والآلات العلمية، والطب، والصيدلة. كما كانت له مراسلات مع ابن سينا. وإضافةً إلى ذلك، فقد ترجم عدداً من الكتب من اللغة السنسكريتية إلى العربية.
وقد ترجمت معظم كتبه إلى اللغات الفرنسية، والألمانية، والإنجليزية، ونشرت في القرنين التاسع عشر والعشرين.(22/3)
ابن رضوان
453-389هـ/1061-998 م
طبيب مصري ذائع الصيت. كان طبيب الخليفة الحاكم بأمر الله، وعميد أطباء القاهرة.
واسمه الكامل هو أبو الحسن المصري علي بن رضوان بن علي بن جعفر. ولد بالجيزة قرب القاهرة سنة 998م، وعاش فيها وتوفي بها ما بين 1061 (453هـ) و1067م. وكان طبيباً ورياضياً ومنجماً، ومن كبار الفلاسفة في الإسلام.
لا يعرف الكثير عن حياته. ويقال إن أباه كان فَرَّاناً أو سقَّاء، ولذا اضطر ابن رضوان في صغره إلى العمل ليحصل على ما يشتري به ما يحتاجه من الكتب.
إسهاماته العلمية
من أهم إسهاماته في الطب اهتمامه بمعاينة المريض والتعرف على المرض، وذلك بالنظر إلى هيئة أعضاء المريض وسحنته وبشرته، وتفقد أعضائه الباطنية والخارجية، وطريقة نظره وكلامه ومشيته، والتعرف على نبض قلبه وعلى مزاجه عن طريق توجيه الأسئلة إليه.
كما حدد ابن رضوان واجبات الطبيب في معالجة أعدائه بنفس الروح والإخلاص والاستعداد التي يبذلها عند معالجة أحبائه.
وكانت بين ابن رضوان وابن بطلان طبيب بغداد، مراسلات دارت حول صغار الطير وعدد من المواضيع، الأخرى خاصة منها تعلّم الطب اليوناني.
مؤلفاته
ألف ابن رضوان عدة كتب في الطب، أشهرها :
ــ "كتاب في دفع مضار الأبدان بأرض مصر"، ترجم ماكس مايرهوف فصلاً منه في كتابه : "دراسة المناخ والصحة في مصر القديمة" (1923).
ــ "شرح الصناعة الصغيرة لجالينوس"، كان لهذا الكتاب شهرة عظيمة، وقد ترجمه جيرار الكريموني إلى اللاتينية. ونشر في البندقية سنة 1496م.
ــ "شرح المقالات الأربع في القضايا بالنجوم لبطليموس".
ــ "كفاية الطبيب فيما صح لدي من التجارب".
ــ "الكتاب النافع في تعلم صناعة الطب"، ويحتوي هذا الكتاب على عرض لأفكار ابن رضوان وأفكار كثير من زملائه الآخرين عن الطب اليوناني القديم، وتطوره، وقيمته، وطريقة تعلمه(23/1)
الزرقالي
480-420هـ/1087-1029م
الزرقالي من أعظم راصدي الفلك في عصره، وواحد زمانه في علم العدد، والرصد، وعلم الأبراج. وهو فلكي عربي مسلم أندلسي من مدينة طليطلة، قام بأكثر أرصاده بها، ثم انتقل منها إلى قرطبة وبقي فيها حتى وفاته.
واسمه الكامل هو إبراهيم بن يحيى النقاش، المعروف بابن الزرقالة أو الزرقالي. ويعرف في اللاتينية باسم Arzachel.
إسهاماته العلمية
اخترع الزرقالي نوعاً جديداً من الأسطرلاب معروف باسم "الصفيحة الزرقالية" التي حظيت بأهمية كبيرة. وقد دخلت هذه الصفيحة إلى مجال علم الفلك تحت اسم " الأسطرلاب الزرقالي"، وفي القرن الخامس عشر، نشر راجيومونتانوس مخطوطاً يبين فيه مجمل فوائدها. و هو من الأوائل الذين أثبتوا حركة أوج الشمس بالنسبة للنجوم، ووجد أنها تصل إلى 04.12 دقيقة في السنة (والقيمة الحقيقية هي 8.11 دقيقة).
كما وضع الزرقالي جداول عن الكواكب، وهي المعروفة بالزيج الطليطلي، بناء على أرصاده التي قام بها في مدينة طليطلة من 1061إلى 1080م.
وصحَّح الزرقالي المعلومات الجغرافية لبطليموس والخوارزمي. فقد وجد أن طول البحر الأبيض المتوسط هو 42 درجة وليس 62 درجة كما قال بطليموس.
وتقول هونكة أثناء حديثها عن تأثير علماء الفلك العرب على الغرب، بأن أعمال الزرقالي حظيت عند الغربيين بأهمية كبيرة، ففي القرن الثاني عشر ترجم جيرار الكريموني أعمال الزرقالي إلى اللاتينية، وفي القرن الخامس عشر، ألف راجيومونتانيوس كتاباً عن فوائد الصفيحة الزرقالية، وفي عام 1530م كتب العالم البافاري يعقوب تسيجلرJacob Ziegler تعليقاً على كتاب الزرقالي، وفي عام 1530م ذكر كوبرنيك اسمي الزرقالي والبتاني في كتابه : "دوران الأجرام السماوية" Revolutionibus de Clestium Orbium)(1، واقتبس من آرائهما.
مؤلفاته
ذكر الزركلي من كتب الزرقالي المصنفات التالية :
ــ "العمل بالصفيحة الزيجية" ؛
ــ "التدبير" ؛(24/1)
ــ "المدخل في علم النجوم" ؛
ــ "رسالة في طريقة استخدام الصفيحة المشتركة لجميع العروض".
كان لمؤلفات الزرقالي تأثير كبير على الفلكيين الإسبان الذين وضعوا الزيج المعروف باسم "ألفونسية" نسبة إلى ألفونس ملك قشتالة، الذي أمر بعد 200 سنة على وفاة الزرقالي، بترجمة كل آثاره إلى اللغة المحلية في قشتالة(24/2)
ابن جِزْلَة
توفي سنة493هـ/1100م
هو أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة طبيب عربي مسلم من بغداد. وإذا كان تاريخ ولادته غير معروف، فإن وفاته كانت سنة 493هـ/1100م. يعرف عند الغربيين باسم Bengesla. كان مسيحياً، لكنه اعتنق الإسلام سنة 466هـ/1074م، متأثراً بأستاذه أبي علي بن الوليد المعتزلي. وقد درس الطب على سعيد بن هبة الله طبيب الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله. كان ابن جزلة >يطبب أهل محلته ومعارفه بغير أجر، ويحمل إليهم الأشربة والأدوية بغير عوض، ويتفقد الفقراء ويحسن إليهم<.
إسهاماته العلمية
كان ابن جزلة إمام الطب في عصره. وقد تجلت إسهاماته الطبية في وضع جداول تشتمل على شروح وافية عن كل مرض، كما استعرض أنواع الأوبئة والأمراض وأوقات ظهورها، ثم البلدان التي تنتشر فيها، وطرق تشخيصها، وكيفية علاجها. وقد اتبع طريقة منتظمة في متابعة أعضاء جسم الإنسان وأمراضها، ووضع ذلك في جداول تسهل على المثقف العادي في عصره استعماله في العلاج.
كما كان ابن جزلة من الصيادلة المشهورين في بغداد، وقد أسهم في هذا الميدان من خلال وصف العقاقير والأعشاب والأدوية، وكل ما يستعمله الإنسان في التطبب من لحوم ونباتات ومستحضرات كيماوية.
ومما يتميز به ابن جزلة في ميدان العلاج، أنه كان يؤمن بأهمية الموسيقى في شفاء الأمراض والوقاية منها. وقد قال في هذا الشأن : >إن موقع الألحان من النفوس السقيمة مثل موقع الأدوية من الأبدان المريضة<.
مؤلفاته
أشهر مصنفات ابن جزلة هي :
ــ "تقويم الأبدان في تدبير الإنسان"، رتب فيه ابن جزلة أسماء الأمراض في جداول، مع وصف طريقة علاج اثنين وخمسين وثلاثمائة (352) مرض. وقد طبعت منه نسخة باللاتينية في ستراسبورغ سنة 1532.
ــ "منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان"، كتبه للخليفة العباسي المقتدي. وهو قائمة للعقاقير والأعشاب الطبية مرتبة على الأحرف الهجائية .
ــ "الإشارة في تلخيص العبارة" ؛(25/1)
ــ "رسالة في مدح الطب وموافقته للشرع" ؛
ــ "رسالة في الرد على النصرانية".(25/2)
عمر الخيام
518-440هـ 1124-1048 /م
أبو الفتح عمر بن إبراهيم الخيام، فيلسوف وشاعر فارسي وعالم في الرياضيات، والفلك، واللغة، والفقه، والتاريخ. ولد في نيسابور ما بين 1038 و1048، وتوفي فيها ما بين 1123 و1124م. لقب بالخيام لأنه كان في بداية حياته يصنع الخيام. لكن لما أصبح صديقه "نظام الملك" وزيراً للسلطان "ألب أرسلان"، ثم لحفيده "ملكشاه"، خصص له راتباً سنوياً من خزينة نيسابور ضمن له العيش في رفاهية مما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة. وقد عاش معظم حياته في نيسابور وسمرقند. وكان يتنقل بين مراكز العلم الكبرى مثل بخاري وبلخ وأصفهان رغبة منه في التزود من العلم وتبادل الأفكار مع العلماء. وقد استقر في الأخير في بغداد.
إسهاماته العلمية
وترجع شهرته إلى عمله في الرياضيات حيث حلَّ معادلات الدرجة الثانية بطرق هندسية وجبرية. كما نظم المعادلات وحاول حلها كلها، ووصل إلى حلول هندسية جزئية لمعظمها. وقد بحث في نظرية ذات الحدين عندما يكون الأس صحيحاً موجباً، ووضع طرقاً لإيجاد الكثافة النوعية.
ولم ينبغ الخيام في الرياضيات فحسب، بل برع أيضاً في الفلك. وقد طلب منه السلطان "ملكشاه" سنة 467هـ/1074م مساعدته في تعديل التقويم الفارسي القديم. ويقول "سارطون" إن تقويم الخيام كان أدق من التقويم الجريجوري.
مؤلفاته
للخيام عدة مؤلفات في الرياضيات والفلسفة والشعر، وأكثرها بالفارسية. أما كتبه بالعربية فمنها :
ــ "الجبر والمقابلة" : ترجمه إلى الفرنسية العالم فرانز وبكه Franz Woepcke، ونشره سنة 1851 في باريس. كما ترجمه إلى الإنجليزية داود قصير سنة 1931.
ــ "شرح ما أشكل من مصادرات كتاب أقليدس" ؛
ــ "الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما"، وفيه طريقة قياس الكثافة النوعية ؛
ــ "رسالة في الموسيقى" .(26/1)
وبلغت شهرة الخيام قمتها بمقطوعاته الشعرية "الرباعيات" التي كتبها بالفارسية وترجمت إلى العربية، واللاتينية، والفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، وغيرها من اللغات.(26/2)
ابن باجة
توفي سنة 533هـ/1138م
فيلسوف أندلسي وعالم في الفلك والطب والرياضيات.
وهو أبو بكر محمد بن يحيى التجيبي السرقسطي ابن باجة ؛ (و"باجة" كلمة إفرنجية تعني الفضة، كما يقول ابن خلكان)، ويعرف أيضاً بابن الصائغ. ويسمي عند الأوربيين Avempace. لا تعرف أشياء كثيرة عن حياته، وكل ما يعرف أنه ولد بمدينة سرقسطة من أعمال الأندلس في أواخر القرن الخامس الهجري / الحادي عشر ميلادي.
درس معظم علوم عصره من طب، وفلسفة، ورياضيات، وفلك وموسيقى. واشتغل بالسياسة، حيث كان وزيراً لأبي بكر إبراهيم صهر علي بن يوسف المرابطى، الذي كان والياً على غرناطة ثم على سرقسطة.
بعد استيلاء ألفونس الأول على مدينة سرقسطة، هاجر ابن باجة إلى إشبيلية (513هـ) ثم إلى غرناطة. وذهب، بعد ذلك، إلى فاس وقصد بلاط المرابطين وعمل طبيباً به ؛ وهنا تحامل عليه أعداؤه ورموه بالإلحاد والجهل. وتوفي مسموماً سنة 533هـ/1138م.
إسهاماته العلمية
رغم شهرة ابن باجة بالفلسفة، فقد نبغ في العلوم الطبيعية، والرياضية، والفلك، والطب، والموسيقى.
ويذكر حافظ قدري طوقان أن ابن باجة كانت له ملاحظات قيمة على النظام الفلكي الذي وضعه بطليموس، فقد انتقد هذا النظام وبين مواضع الضعف فيه. وقد أَيَّدَ سارطون هذه الفكرة، وقال إن البطروجي تأثر بآراء ابن باجة في الفلك. كما أن ابن البيطار استشهد في كتابه "الأدوية المفردة" بابن باجة، واعتمد على رسالته في الطب.
مؤلفاته
ترك ابن باجة عدداً من المؤلفات بلغت الثلاثين في المنطق، والفلسفة والرياضيات، والطب، والطبيعة، والنبات، والأدوية ؛ لكن ضاع معظمها، ولم يبق منها إلا رسائل وصفحات في ترجمات لاتينية وعبرية.
فمن شروحه وتعليقاته العلمية :
ــ تعاليق في الهندسة وعلم الهيئة ؛
ــ شرح كتاب "السماع الطبيعي" لأرسطوطاليس ؛
ــ قول على بعض كتاب "الكون والفساد" لأرسطوطاليس ؛
ــ كلام على شيء من كتاب"الأدوية المفردة" لجالينوس ؛(27/1)
ــ كتاب اختصار الحاوي للرازي ؛
ــ كتاب التجربتين على أدوية بن وافد.
وإضافةً إلى هذه المصنفات العلمية، فقد كتب ابن باجة عدداً من الشروحات والمؤلفات الفلسفية، ومن أشهرها :
ــ "رسالة الوداع" ؛
ــ "رسالة تدبير المتوحد" ؛
توجد مؤلفات ابن باجة في عدد من المكتبات العالمية مثل أكسفورد، والأسكريال، وبرلين.(27/2)
أبو مروان ابن زُهْر
557-465هـ/1162-1072م
ابن زهر كنية أسرة من علماء المسلمين نشأوا في الأندلس من بداية القرن العاشر إلى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي. وأشهرهم هو الطبيب أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر، ويسمى عادة أبو مروان ويعرف عند الأوربيين باسم Avenzoar. وهو ينحدر من عائلة عريقة في الطب، فقد كان والده أبو العلاء طبيباً ماهراً في التشخيص والعلاج، وكان جده طبيباً. ولد في إشبيلية سنة 465هـ/ 1072م. وبعد أن درس الأدب والفقه وعلوم الشريعة، تعلم الطب على والده. وكان صديقاً للطبيب والفيلسوف ابن رشد.
اشتغل أبو مروان أول الأمر مع أمراء دولة المرابطين وأصابه من أميرها "علي بن يوسف بن تاشفين" ما أصاب والده من قبله من محنة، فسجن نحواً من عشر سنوات" في مراكش. وبعد زوال الدولة المرابطية وقيام الدولة الموحدية، اشتغل ابن زهر طبيباً ووزيراً مع عبد المؤمن مؤسس الدولة فشمله برعايته، مما مكنه من تأليف أفضل كتبه. وتوفي أبو مروان في إشبيلية مسقط رأسه سنة 557هـ/1162م.
إسهاماته العلمية
يمثل ابن زهر حالة استثنائية في زمانه، إذ بالرغم من سعة معارفه وتنوعها فقد تخصص في الطب ومارسه طول حياته، فأضاف أشياء جديدة، منها وصفه لمختلف الأمراض الباطنية والجلدية، إضافةً إلى الجراحة. كما بحث في قروح الرأس وأمراضه، وأمراض الأذنين، والأنف، والفم، والشفاه، والأسنان، والعيون، وأمراض الرقبة، والرئة، والقلب، وأنوع الحمى، والأمراض الوبائية، ووصف التهاب غشاء القلب ومَيَّزَ بينه وبين التهاب الرئة.
وقد اعتمد ابن زهر على التجربة والتدقيق العلمي، وتوصل بذلك إلى الكشف عن أمراض لم تدرس من قبل، فقد درس أمراض الرئة، وأجرى عملية القصبة المؤدية إلى الرئة، كما كان أول من استعمل الحقن للتغذية الصناعية.(28/1)
وأبو مروان هو من أوائل الأطباء الذين اهتموا بدراسة الأمراض الموجودة في بيئة معينة، فقد تكلم عن الأمراض التي يكثر التعرض لها في مراكش. كما أنه من أوائل الأطباء الذين بينوا قيمة العسل في الدواء والغذاء.
يُعدّ ابن زهر أحد أعظم أطباء الأندلس، فقد نال إعجاب كثير من معاصريه وعلى رأسهم صديقه ابن رشد الذي وصف ابن زهر في كتابه"الكليات" بأنه أعظم الأطباء بعد جالينوس. وقد استمر تأثير بن زهر في الطب الأوربي حتى القرن السابع عشر ميلادي، وذلك بفضل ترجمة كتبه إلى اللاتينية والعبرية.
مؤلفاته
أشهر كتب ابن زهر هي :
ــ "كتاب التيسير في المداواة والتدبير"، وهو موسوعة طبية يبرز فيها تضلع ابن زهر في الطب وموهبته فيه، وقد أهداه لصديقه ابن رشد الذي ألف فيما بعد "كتاب الكليات في الطب"، فكان الكتابان متممين أحدهما للآخر. وترجم الكتاب إلى اللاتينية سنة 1490م، وكان له أثر كبير على الطب الأوربي حتى القرن السابع عشر. وتوجد نسخ منه في عدد من الخزانات، منها الخزانة العامة بالرباط، وخزانات باريس، وأكسفورد بإنجلترا، وفلورانسا بإيطاليا. وفي سنة 1991م قامت أكاديمية المملكة المغربية بطبعه ضمن "سلسلة التراث" بعدما حققه وهيأه للطبع الباحث محمد بن عبد الله الروداني.
ــ "كتاب الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد"، وهو خلاصة للأمراض، والأدوية، وعلم حفظ الصحة، والطب النفسي. توجد منه عدة نسخ مخطوطة، منها نسخة بالخزانة الملكية بالرباط.
ــ "كتاب الأغذية والأدوية"، يصف فيه ابن زهر مختلف أنواع الأغذية والعقاقير وآثارها على الصحة، وقد ترجم إلى اللاتينية. وهو لا يزال مخطوطاً، وتوجد منه نسختان بالخزانة الملكية بالرباط.
وإضافةً إلى هذه الكتب الثلاثة، ألف أبو مروان عدداً آخر من الكتب والرسائل في الطب.(28/2)
ابن طُفَيْل
توفي سنة 581هـ/1185م
هو أبو بكر محمد بن عبد المالك بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي، يرجع نسبه إلى قبيلة بني قيس العربية. ولد قرب مدينة غرناطة بالأندلس، وتاريخ ولادته غير معروف، لكن من المحتمل أن يكون قد ولد في بداية القرن الثاني عشر الميلادي. كما لا يعرف شيء عن أسرته وتعلمه. وكل ما يعرف عنه أنه درس على علماء وحكماء عصره، وكانت له معرفة جيدة وشاملة بمختلف العلوم، خاصة منها الطب، والفلسفة، والفلك.
وقد تقلب ابن طفيل في مناصب عدة ، فاشتغل في البداية كاتباً في ديوان والي غرناطة، ثم في ديوان الأمير أبي سعيد بن عبد المؤمن حاكم طنجة ؛ ثم أصبح وزيراً وطبيباً للسلطان الموحدي "أبي يعقوب يوسف". ويقال إن ابن طفيل كان له تأثير كبير على الخليفة، وقد استغل ذلك في جلب العلماء إلى البلاط. ونذكر منهم بصفة خاصة الفيلسوف والطبيب ابن رشد الذي قدمه ابن طفيل عندما تقدم به السن إلى السلطان ليقوم بشرح كتب أرسطو وليخلفه في عمله كطبيب. وقد ظل ابن طفيل في بلاط السلطان إلى أن توفي بمراكش عام 581هـ/1185م.
إسهاماته العلمية
إسهاماته في الطب : ذكر لسان الدين ابن الخطيب أن ابن طفيل ألف في الطب كتاباً من مجلدين. كما ذكر ابن أبي أصيبعة أنه كان بين ابن الطفيل وابن رشد مراجعات ومباحث في "رسم الدواء" جمعها ابن رشد في كتابه "الكليات"، كما كانت لابن طفيل أرجوزة في الطب تتألف من 7700 بيت.
إسهاماته في الفلك : ويقال إن ابن طفيل كانت له آراء مبتكرة في الفلك ونظريات في تركيب الأجرام السماوية وحركاتها.(29/1)
يقول الباحث ليون غوتيه في كتابه عن ابن طفيل : على الرغم من عدم وجود أي شيء مكتوب عن الفلك، باستثناء بعض الفقرات القصيرة في كتاب حي ابن يقظان، فإننا نعرف أن ابن طفيل لم يكن راضياً عن النظام الفلكي الذي وضعه بطليموس، وأنه فكر في نظام جديد. واستشهد الكاتب على ذلك بما كتبه كل من ابن رشد والبطروجي. فابن رشد في شرحه الأوسط لِـ "الآثار العلوية" لأرسطو، انتقد بدوره فرضيات بطليموس عن تكوين الأفلاك وحركاتها، وقال إن ابن طفيل يتوفر في هذا المجال على نظريات رائعة يمكن الاستفادة منها كثيراً. كما أن البطروجي في مقدمة كتابه الشهير عن الفلك، ذكر أن ابن طفيل أوجد نظاماً فلكياً ومبادئ لحركاته، غير تلك المبادئ التي وضعها بطليموس. ويتساءل الباحث الفرنسي عن احتمال أن تكون فرضيات ابن طفيل تشتمل على بعض العناصر الأساس من الإصلاح الفلكي العظيم الذي جاء به كوبرنيك وجاليلي بعد أربعة قرون.
مؤلفاته
ــ "مراجعات ومباحث" جرت بينه وبين ابن رشد في " رسم الدواء"، جمعها ابن رشد في كتابه "الكليات" ؛
ــ "أرجوزة في الطب" : توجد في خزانة جامع القرويين بفاس بالمملكة المغربية؛
ــ "رسالة في النفس" في الفلسفة ؛
ــ "حي بن يقظان" أشهر ما ترك ابن طفيل، وهي قصة فلسفية عرض فيها أفكاره الفلسفية عرضاً قصصياً، محاولاً التوفيق فيها بين الدين والفلسفة. وقد عرفت هذه القصة في الغرب منذ القرن السابع عشر، وترجمت إلى عدة لغات، منها اللاتينية، والعبرية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والهولندية.(29/2)
ابن رشد
595-520هـ/1198-1126م
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد الأندلسي. ويعرف عند الغربيين باسم Averroes. فيلسوف وطبيب وفقيه عربي مسلم، ولد بمدينة قرطبة، ونشأ في أسرة عريقة في العلوم الإسلامية ؛ مارس كل من جده وأبيه القضاء. تعلم ابن رشد العلوم الشرعية على يد والده، ثم درس بعد ذلك الطب والفلسفة. وقد عاصر الفيلسوف الطبيب ابن طفيل، والطبيب المشهور ابن زهر.
زار ابن رشد مراكش عام 548هـ/1153م بدعوة من السلطان الموحدي عبد المؤمن بن علي لاستشارته في إنشاء عدد من المدارس في المغرب. وعاد مرة ثانية إلى مراكش، حيث قدمه الفيلسوف الطبيب ابن طفيل إلى السلطان أبي يعقوب يوسف الذي كلفه سنة 565هـ/1169م بشرح فلسفة أرسطو، وعينه قاضياً في مدينة إشبيلية، ثم قاضياً للقضاة قي قرطبة. وفي سنة 578هـ/1182م استدعاه أبو يعقوب إلى مراكش وجعله طبيبه الخاص بدل ابن طفيل، ثم عينه قاضياً في قرطبة. وبعد وفاة الخليفة أبي يعقوب، خلفه ابنه أبو يوسف يعقوب، فقرب إليه ابن رشد، إلا أن بعض العلماء حملوا عليه فحوكم وأحرقت كتبه باستثناء مؤلفاته في الطب والفلك؛ ونفي إلى "أليسانة" قرب قرطبة، ثم عفي عنه، ورجع إلى المغرب سنة 1198. لكنه توفي في السنة نفسها.
إسهاماته العلمية(30/1)
كان طبيباً باحثاً، ودارساً ومعالجاً، ومطبباً ؛ وإن كان أميل إلى البحث والدرس منه إلى التمريض والمعالجة. وقد أشار في كتابه "الكليات" إلى ممارسته للطب وإن كانت محدودة. وبيَّن ضرورة الاعتماد على المشاهدة والتجربة، وعلى الإلمام بكل ما وصل إليه العلم الطبيعي بمعرفة التشريح ووظائف الأعضاء. كما أضاف إلى الطب طريقة الشورى بين الأطباء. ومن إسهاماته الطبية توصله إلى أن مرض الجذري لا يصيب المريض إلا مرة واحدة، وأن داء الكَلبَ سببه "سؤر" الكلب المصاب بداء الكَلبَ. كما أنه اتفق مع ابن سينا حول انتقال الأمراض بالوراثة من الآباء إلى الأبناء. وقد أشار السير ستيوارت دوك ألدر Sir Stewart Duke Elder في موسوعة "طب العيون" System of Ophtalmology إلى أن ابن رشد سبق إلى القول بأن الشبكة هي المستقبِلة للضوء.
وكان ابن رشد يرى أن الحفاظ على الصحة يكون بالغذاء الجيد والشراب النظيف والهواء الصحي، ويعدّ الدواء مادة غريبة عن الجسم، تضر ببعض الأعضاء بسبب انعكاساتها وتأثيراتها المختلفة خاصة على الكبد والكلي، وهي الأعضاء التي تقوم بتخليص الجسم من السموم. كما وصف ابن رشد الكثير من الأمراض وعلاماتها ومضاعفاتها، وتكلم عن الأعراض النفسية مثل الغضب، والحزن، والقلق، والصرع. واهتم ابن رشد كذلك بمادة العلاج الطبي، وخصص جزءاً كبيراً من كتابه"الكليات" لأنواع الأغذية والأدوية وأفعالهما. كما حدد الأسس الواجب اتباعها في تقدير الأدوية.
مؤلفاته
ــ "كتاب "الكليات في الطب" : هو أهم مؤلفات ابن رشد في الطب، وقد تناول فيه المبادئ العامة في الطب وقسمه إلى سبعة أقسام بحسب المواضيع التي تناوله فيه.(30/2)
ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر الميلادي تحت اسم Colliget، كما ترجم إلى العبرية. وأعيد طبعه عدة مرات في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. أما النص العربي فلم ينشر إلا سنة 1984 في نيودلهي. وفي سنة 1989 نشر المجلس الأعلى للثقافة الجزائري بالتعاون مع الاتحاد الدولي للأكاديميات، كتاب "الكليات" بعدما قام كل من د.سعيد شيبان، ود. عمار الطالبي بتحقيقه والتعليق عليه.
ــ "تلخيص كتاب النفس" لأرسطو ؛
ــ "شرح كتاب النفس" لأرسطو؛
ــ "تلخيص العلل والأمراض لجالينوس" ؛
ــ "مسألة في علم النفس" ؛
ــ "كتاب "الترياق" (الترياق هو الدواء الذي يقاوم السموم)، حدد فيه ابن رشد الأمراض التي يمكن أن يعالجها الترياق، وشرح أسباب استخدامه وكيفية استعماله.
ــ "شرح أرجوزة ابن سينا في الطب" ؛
وإضافةً إلى هذه الكتب الطبية، ألف ابن رشد عدداً من الكتب في الفلسفة من أهمها : كتاب "تهافت التهافت" الذي رد فيه على كتاب الغزالي " تهافت الفلاسفة".
كما ألف ابن رشد في الفلك :"كتاب في حركات الأفلاك".
وخلاصة القول، إن ابن رشد كان من أعظم المفكرين والعلماء في القرن الثاني عشر الميلادي، وإن تأثيره في الغرب استمر حتى القرن السادس عشر.
وقد كان له تأثير كبير على تطور الطب نظرياً، لأنه مهد الطريق لفهم نظريات الإغريق في الطب بتلخيصه النقدي لمؤلفات جالينوس وغيره من جهة، وبانتقاده لنظرياتهم وإبداء آراء مخالفة لهم، من جهة أخرى.(30/3)
ابن الرزاز الجَزَرِي
عاش في القرن السادس للهجرة
هو بديع الزمان أبي العز إسماعيل بن الرزاز الجزري. وقد سمي بالجزري، لأنه من أبناء الجزيرة التي تقع بين دجلة والفرات. عاش في ديار بكر (تركيا الآن) في القرن السادس للهجرة، ودخل في خدمة ملوكها لمدة خمس وعشرين سنة، وذلك ابتداء من سنة 570هـ/1174م.
رغم أن الجزري يعدّ من كبار المخترعين الميكانيكيين، إلا أن المعلومات عن حياته ليست كثيرة، وكل ما يعرف عنه هو ما كتبه عن نفسه في كتابه "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل".
إسهاماته العلمية
تتجلى إسهامات ابن الرزاز في وصفه لعدد من الآلات الميكانيكية المختلفة من ضاغطة، ورافعة، وناقلة، ومحركة. كما أنه وصف بالتفصيل تركيب الساعات الدقيقة التي أخذت اسمها من الشكل الخاص الذي يظهر فوقها : ساعة القرد، وساعة الفيل، وساعة الرامي البارع، وساعة الكاتب، وساعة الطبال...إلخ.
ويستفاد من كتابه أنه اخترع عدداً كبيراً من النماذج الميكانيكية، إلا أنه اقتصر فقط على وصف خمسين نموذجاً. كما حرص على الجمع بين العلوم الميكانيكية النظرية التي كانت معروفة في زمانه، وبين النواحي التطبيقية العملية.
ويذكر دونالدهيل بأن الجزري صنع ساعات مائية وساعات تتحرك بفتائل القناديل، وآلات قياس، ونافورات، وآلات موسيقية، وأخرى لرفع المياه. كما صنع إبريقاً جعل غطاءه على شكل طير يصفر عند استعماله لفترة قصيرة قبل أن ينزل الماء. كما ذكر ألدومييلي أن الجزري صنع ساعة مائية لها ذراعان تشيران إلى الوقت.
مؤلفاته(31/1)
يعدّ "كتاب الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل" أهم كتب الجزري. وقد كلفه بتصنيفه الملك ناصر الدين محمود بن محمد بن قرا أحد سلاطين بنى ارتق بديار بكر، أيام الخليفة العباسي ناصر دين الله أبو العباس أحمد سنة 1181م. وقد أتم كتابته سنة (1206م)، أي أن الكتاب كان نتيجة عمل دام خمس وعشرين سنة من الدراسة والبحث في الساعات، والفوارات المائية، والآلات الرافعة للماء والأثقال. ويعد الكتاب "أروع ما كتب في القرون الوسطي عن الآلات الميكانيكية والهيدروليكية".
وتوجد نسخ من كتاب الجزري في عدد من المتاحف العالمية كطوب كابي في استنبول، ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن، ومتحف اللوفر بفرنسا، ومكتبة اكسفورد.
وقد اشتهر الكتاب كثيراً في الغرب، وقام بترجمة بعض فصوله إلى الألمانية كل من فيدمان Wiedmann وهاو سر Hawser في الربع الأول من القرن العشرين. كما ترجمه إلى الإنجليزية دونالد هيل Hill المتخصص في تاريخ التكنولوجيا العربية. وقد أصدر معهد التراث العلمي العربي في حلب بسورية، سنة 1979 النص العربي، بعد أن قام بمراجعته وتحقيقه أحمد يوسف.(31/2)
البطروجي
توفي سنة 600هـ/ 1204م
أبو إسحاق نور الدين البطروجي الإشبيلي. ويعرف في الغرب باسم Alpetragius. فلكي من الأندلس، يقال إنه ولد في إشبيلية في القرن الثاني عشر للميلاد. أما الدكتور زهور فيقول إنه ولد في المغرب، ثم هاجر إلى إسبانيا وعاش في مدينة إشبيلية. وتوفي في بداية القرن الثالث عشر، أي حوالي 1204م موافق 600هـ. وقد عاصر ابن طفيل وتتلمذ عليه.
إسهاماته العلمية
وصف البطروجي نظرية فلكية جديدة، أحيا بها نظرية أودكسوس Eudoxos في الأفلاك المتعددة المركز، مع إدخال تعديل جذري عليها. وانتقد نظرية بطليموس الشهيرة في انحراف الكواكب ودورانها الدائري، فمهد الطريق بذلك أمام كوبرنيكوس. وقد كان معاصروه يعدّون آراءه تجديداً إيجابياً مهماً، بل إنهم كانوا، آنذاك، يتحدثون عن علم الفلك الجديد.
قال عنه كارادي فو : "أما البطروجي فله آراء مبتكرة في حركة الكواكب السيارة".
مؤلفاته
"كتاب الفلك" : كان هذا الكتاب معروفاً في أوربا في القرن الثالث عشر، وقد ترجمه ميشيل سكوت إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر، كما ترجم إلى العبرية في القرن السادس عشر. وقد طبعت الترجمة اللاتينية لهذا الكتاب في فيينا عام 1531م.(32/1)
ابن البيطار
646-593هـ/1248-1197م
كان ابن البيطار أعظم النباتيين والصيادلة في الإسلام، وأوحد زمانه في معرفة النبات، وأعظم عالم نباتي وصيدلي في العصور الوسطى كلها.
واسمه الكامل هو أبو محمد عبد الله بن أحمد ضياء الدين الأندلسي المالقي المعروف بابن البيطار، والملقب بالعشاب. ولد بمدينة مالقة بالأندلس عام 593هـ/1197م. كان والده بيطرياً. وقد درس ابن البيطار علم النبات على أبي العباس النباتي المعروف بابن الرومية، ولما بلغ العشرين من عمره، سافر إلى عدد من البلاد، كاليونان، وبلاد الروم، وشمال إفريقيا، والشام، ومصر للبحث عن النباتات الطبية ومشاهدتها بنفسه والتيقن منها. وفي مصر دخل في خدمة الملك الكامل الأيوبي، الذي عينه رئيساً على سائر العشابين. وبعد وفاة الكامل، ظل في خدمة ابنه الملك الصالح نجم الدين الذي كان يقيم في دمشق. ومن دمشق شرع ابن البيطار في دراسة النباتات في الشام وآسيا الصغرى بصفته طبيباً عشاباً. وقد تتلمذ عليه ابن أبي أصيبعة، ورافقه في رحلاته وأسفاره للبحث عن النباتات. وقد اشتهر ابن البيطار بكثرة أسفاره التي زار فيها الكثير من بقاع العالم لدراسة النباتات دراسة عالم خبير. توفي في دمشق عام 646هـ/1248م
إسهاماته في علم النبات والصيدلة
وصف ابن البيطار 1400 نبتة طبية، منها 300 لم يسبقه أحد إلى وصفها، وذكر أسماءها، وطرق استعمالها، وما قد يستعمل بديلاً لها. كما اكتشف أنواعاً كثيرة من النبات لم تكن معروفة من قبل. وقد درس النبات دراسة علمية تعتمد على التجربة التي تقوم على المشاهدة، والملاحظة، والاستنباط، مع ذكر المصادر التي نقل عنها وتحري الصدق والدقة.
وابن البيطار هو أول عالم اهتم بدراسة الحشائش التي تضر بالمحاصيل وصنفها حسب كل محصول.(33/1)
إضافةً إلى اهتمامه بالنبات، اهتم ابن البيطار بدراسة الحيوانات البحرية والبرية، وذكر فوائدها في معالجة الأمراض، وهو بذلك يعد من كبار علماء علم الحيوان.
كما كان ابن البيطار من أعظم الصيادلة. ويقول سيد حسن في كتاب "العلوم والحضارة في الإسلام" : >إن ابن البيطار أعظم عالم مسلم في علمي النبات والعقاقير، وقد طغت سمعته الواسعة على جميع الصيادلة في القرون الوسطى، وبدون شك، فهو أعظم صيدلي منذ عصر ديسقوريدس حتى العصر الحديث<. ولم يقتصر ابن البيطار على استخلاص الأدوية من الأعشاب الطبية، بل استخرج كثيراً منها من الحيوانات والمعادن.
مؤلفاته
ألف ابن البيطار عدة كتب، من أشهرها :
ــ "كتاب جامع مفردات الأدوية والأغذية"، طبع عام 1291هـ. وهو مجموعة من الأدوية البسيطة المستخرجة من المعادن والنبات والحيوان، وقد جمعت من كتب اليونان والعرب، ومن التجارب الخاصة للمؤلف ؛ وهو مرتب على حروف المعجم. ترجم الكتاب إلى اللاتينية، وظل مرجعاً للغربيين حتى عصر النهضة الأوربية. ويقول جورج سارطون في كتابه "مدخل إلى تاريخ العلوم" :
ولقد رتب ابن البيطار مؤلفه "الجامع في الأدوية المفردة" ترتيباً يستند إلى الحروف الأبجدية ليسهل تناوله، وقد سرد أسماء الأدوية بسائر اللغات المختلفة. واعتمد علماء أوربا على هذا المؤلف حتى عصر النهضة الأوربية.
ــ "كتاب المغني في الأدوية المفردة"، وهو كتاب في العقاقير تناول فيه ابن البيطار علاج الأعضاء عضواً عضواً، وذلك بطريقة مختصرة كي ينتفع به الأطباء(33/2)
نصير الدين الطوسي
672-597هـ/1274-1201م
أحد الأفذاذ القلائل الذين ظهروا في القرن السادس للهجرة، وأحد حكماء الإسلام المشار إليه بالبنان، وهو من الذين اشتهروا بلقب "العلامة".
واسمه الكامل هو : أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن نصير الدين الطوسي، ولد في مدينة طوس، قرب نيسابور (فارس) سنة 597هـ (1201م)، وتوفي في بغداد سنة 672هـ (1274م). ودرس على كمال الدين بن يونس الموصلي وعلى عبد المعين سالم بن بدران المعتزلي.
بدأ حياته العملية كفلكي للوالي نصير الدين عبد الرحمن بن أبي منصور في سرتخت. وبلغ الطوسي مكانة كبيرة في عصره، فقد كرمه الخلفاء وجالس الأمراء والوزراء، وهو ما أثار عليه حسد الحاسدين، فوشوا به وحكم عليه بالسجن في قلعة "ألموت"، مع السماح له بمتابعة أبحاثه، فكتب معظم مصنفاته العلمية في هذه القلعة.
ولما استولى هولاكو، ملك المغول، على بغداد (656هـ1258-م)، أراد أن يستفيد من علماء أعدائه العباسيين، فأطلق سراح الطوسي وقربه إليه وأسند إليه نظارة الوقف. ثم عينه على رأس مرصد مدينة مراغة (إيران) الذي تم إنشاؤه بطلب من الطوسي. وفي هذا المرصد، كان الطوسي يشرف على أعمال عدد كبير من الفلكيين الذين استدعاهم هولاكو من مختلف أنحاء العالم. ومنهم المؤيد العُرْضِي من دمشق، والفخر المراغى من الموصل، ونجم الدين القزويني، ومحيى الدين المغربي. وقد اشتهر هذا المرصد بآلاته وبمقدرته في الرصد. وبنى بالمرصد مكتبة عظيمة ملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة. وقدر عدد الكتب بها بنحو أربعمائة ألف مجلد.
إسهاماته العلمية(34/1)
كتب الطوسي في المثلثات، وفي الهيئة، والجبر، وإنشاء الأسطرلابات وكيفية استعمالها. ففي المثلثات كان الطوسي أول من جعلها مستقلة عن الفلك. كما ابتكر براهين جديدة لمسائل فلكية متنوعة. وهو أول من استعمل الحالات الست للمثلث الكروي القائم الزاوية. ويقول كارادي فو إن الطوسى قد بسط في كتابه "الشكل الرباعي" : علم المثلثات بأوضح أسلوب وأسهله، أولاً على طريقة منالاووس وبطليموس، ثم على طرق استنبطها هو مشيراً إلى نتائجها. وقاعدته التي سماها "قاعدة الأشكال المتتامة"، تخالف استعمال نظرية بطليموس في الأشكال الرباعية''.
وتساوي عبقرية نصير الدين الطوسي الهندسية عبقريته الفلكية. فقد برع الطوسي في معالجة المتوازيات الهندسية، وجرب أن يبرهنها، وبنى برهانه على فروض. وقد ذكر سارطون أن الطوسى برهن في "كتاب التذكرة" على عدد من المسائل الهندسية. ويمتاز الطوسى في بحوثه الهندسية بإحاطته الكلية بالمبادئ والقضايا الأساس التي تقوم عليها الهندسة، ولا سيما ما يتعلق بالمتوازيات.
وله في الفلك إسهامات وإضافات مهمة، فقد أوضح كثيراً من النظريات الفلكية، وانتقد كتاب "المجسطي"، واقترح نظاماً فلكياً أبسط من النظام الذي وضعه بطليموس، فمهد بذلك الطريق أمام الإصلاحات التي جاء بها كوبرنيك فيما بعد. وللطوسي أيضاً بحوث في الكرة السماوية ونظام الكواكب.
مؤلفاته
كتب نصير الدين في المثلثات، والفلك، والجبر، والهندسة، والحساب، والتقاويم، والطب، والجغرافية، والمنطق، والأخلاق، والموسيقي، وغيرها من المواضيع. كما ترجم بعض كتب اليونان وعلق على مواضيعها شارحاً ومنتقداً. ومن أشهر مؤلفاته :
ــ "كتاب شكل القطاع"، وهو أول مؤلف فرق بين حساب المثلثات وعلم الفلك. يقول عنه كارادي فو : "وهو مؤلف من الصنف الممتاز في علم المثلثات الكروية". ترجم إلى اللاتينية والفرنسية والإنجليزية، وظل الأوربيون يعتمدون عليه لعدة قرون.(34/2)
ــ "التذكرة النصيرية"، وهو كتاب عام لعلم الفلك. أوضح فيه كثيراً من النظريات الفلكية، وفيه انتقد "كتاب المجسطي" لبطليموس. ويعترف "سارطون" بأن هذا الانتقاد يدل على عبقرية الطوسي وطول باعه في الفلك.
ــ "زيج الإيلخاني" يشتمل على حسابات أرصاده التي قام بها خلال اثنتي عشرة سنة ؛
ــ "كتاب قواعد الهندسة" ؛
ــ "كتاب في الجبر والمقابلة" ؛
ــ "كتاب ظاهرات الفلك" ؛
ــ "كتاب تحرير المناظر" في البصريات.
وقد كتب نصير الدين مصنفاته بالعربية والفارسية، وترجمت إلى اللاتينية وغيرها من اللغات الأوربية في العصور الوسطى، كما تم طبع العديد منها.
وخلاصة القول، فقد كان الطوسي من أعظم علماء الإسلام ومن أكبر رياضييهم، فقد أسهم بشكل كبير في تطوير العلوم ولا سيما الفلك والرياضيات، وظلت كتبه مراجع لعدة قرون، ونالت شهرة كبيرة بفضل ما قدم مؤلفها من إسهامات غنية.(34/3)
ابن النفيس
687-607هـ/1288-1210م
علاء الدين علي بن أبي الحزم القرشي، الملقب بابن النفيس. ولد في نواحي دمشق ونشأ وتعلم بها. فدرس الطب على الدخوار، رئيس المستشفي النوري، وعلى مشاهير الأساتذة أمثال عمران الإسرائيلي، وراضي الدين الرحابى. ثم درَّس الطب بدوره وأشرف على جناح في المستشفى النوري. ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة واشتغل في المستشفى الناصري. وقد ترقى في مناصب الطب إلى أن أصبح رئيس أطباء مصر. وكان معاصروه يعدّونه في مستوى ابن سينا نفسه من حيث المكانة العلمية والمعرفة بالطب. ويروى أنه كان يحفظ قانون ابن سينا عن ظهر قلب، وملماً بكتب جالينوس. "وكانت طريقته في التأليف أن يكتب من حفظه، وتجاربه، ومشاهداته، ومستنبطاته" دون الرجوع إلى أي مرجع.
وكانت لابن النفيس معرفة واسعة بعلوم أخرى كالفلسفة، والمنطق، والنحو، وعلوم الشريعة. ولم يكن ابن النفيس يتقبل الأشياء، وإن كانت منقولة عن مشاهير العلماء، دون جدل أو نقاش. فقد انتقد تعابير جالينوس الطبية ووصفها بالضعف والتعقيد.
إسهامات ابن النفيس في مجال الطب
يعتبر ابن النفيس إمام الطب في عصره، وأحد أطباء دمشق المشهورين. و قد سبق غيره إلى اكتشاف الدورة الدموية الرئوية، ووصفها وصفاً علمياً صحيحاً، فسبق بذلك مايكل سرفتيس Miguel Servede الذي ينسب إليه الأوربيون هذا الاكتشاف.
وقد اعتمد ابن النفيس التشريح طريقةً للعمل وتوصل إلى عدد من النتائج منها :
1. اكتشاف الدورة الدموية في الشرايين الإكليلية ؛
2. جريان الدم إلى الرئتين لمدهما بالهواء وليس لمدهما بالغذاء ؛
3. عدم وجود هواء أو رواسب في شرايين الرئتين (كما ادعى جالينوس) بل وجود الدم فقط.
مؤلفاته
ترك ابن النفيس عدداُ من المؤلفات، منها :(35/1)
ــ "شرح تشريح القانون"، وقد شرح فيه باب التشريح من كتاب القانون لابن سينا، وانتقد عدداً من أقواله في هذا الباب. وقد ظل هذا الكتاب مغموراً في المكتبات إلى أن عثر عليه الطبيب المصري الدكتور محي الدين الطراوي سنة 1924 في مكتبة برلين، وقام بدراسته في رسالة لنيل دكتوراه من جامعة فريبورج بألمانيا.
ــ "الكتاب الشامل في الطب"، وهو موسوعة من ثمانية أجزاء. ولا توجد سوى فقرات من هذا الكتاب في مكتبة أكسفورد.
ــ "المهذب في الكحل"، وهو مؤلف عن الرمد.
ــ "المختار في الأغذية "، وهو كتاب عن الغذاء.
ــ "شرح فصول أبقراط"، توجد نسخة منه في المكتبة الوطنية بباريس والأسكوريال. وقد تم طبعه في إيران عام 1298هـ/1881م.
ــ "موجز القانون"، وهو موجز لقانون ابن سينا، يقع في خمسة أجزاء. وتوجد نسخ منه في كل من باريس وأكسفورد، وفلورنسا، وميونيخ، والأسكوريال. وقد ترجم هذا المؤلف إلى التركية والعبرية، وطبع بالإنجليزية لأول مرة سنة 1838م في مدينة كالكوتا بالهند تحت عنوان ''المغني في شرح الموجز".(35/2)
الحسن المراكشي
توفي سنة 660هـ/1262م
هو أبو علي الحسن بن علي بن عمر المراكشي، من علماء المغرب، عاش في عصر الموحدين في النصف الأول من القرن السابع الهجري / منتصف القرن الثالث عشر للميلاد.
وقد اشتهر المراكشي في الفلك، والرياضيات، والجغرافيا، وصناعة الساعات الشمسية.
إسهاماته العلمية :
له بحوث في المثلثات مع إدخال عدد من التجديدات عليها. فقد أدخل فيها الجيب، وجيب التمام، والسهم. وعمل أيضاً الجداول للجيب، كما جاء بحلول لبعض المسائل الفلكية. وقدم تفصيلات عن أكثر من 240 نجماً لسنة 622هـ. وهو أول من استعمل الخطوط الدالة على الساعات المتساوية.
وإضافةً إلى ذلك، فقد قام المراكشي بإدخال تصحيحات جغرافية مهمة، وجدد في رسم خريطة المغرب.
مؤلفاته
ــ "جامع المبادئ والغايات في علم الميقات" : بهذا الكتاب اشتهر المراكشي بين علماء الغرب، واعتبروه من أعظم فلكيي العرب والمسلمين. واعتبر حاجي خليفة الكتاب أعظم ما صنف في هذا الفن، وقال إنه مرتب على أربعة فنون، هي الحساب، ووضع الآلات، والعمل بالآلات، ومطارحات تحصل بها الدراية والقوة على الاستنباط ؛ وهو يشتمل على بعض المسائل في الجبر والمقابلة. أما "سارطون" فيقول عنه إنه من أحسن الكتب وفيه بحوث نفيسة في المثلثات، والساعات الشمسية المتنوعة. وقد ترجمه "إمانويل سيديو"، ونشر ابنه (لويس أميلي سيديو) هذه الترجمة 1836-1834، كما أن "كارادي فو" نشر من هذا الكتاب الجزء المتعلق بالأسطرلاب.
وللمراكشي كتب أخرى في الرياضيات منها :
ــ "كتاب القطوع المخروطية" ؛
ــ "رسالة تلخيص العمل في رؤية الهلال".(36/1)
قطب الدين الشيرازي
710-634هـ/1311-1236م
هو قطب الدين الشيرازي محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي. ولد في شيراز (إيران). وتعلم الطب على والده وعمه، ثم تتلمذ على "نصير الدين الطوسي". وقد زار عدداً من البلدان، فذهب إلى خراسان، والعراق، وفارس، ومصر. ومارس الشيرازي إلى جانب نشاطه العلمي، القضاء والدبلوماسية حيث عين قاضياً في إحدى مدن فارس، ثم دخل في خدمة ملوكها. وقد أرسله أحدهم في بعثة إلى المنصور (سيف الدين قلاوون) سلطان المماليك في القاهرة، لعقد معاهدة سلام بين الطرفين. فبقي مدة في مصر،ثم رجع أخيراً إلى "تبريز" حيث كانت وفاته سنة 710هـ/1311م.
إسهاماته العلمية
يعدّ "جورج سارطون" قطب الدين الشيرازي من علماء الرياضيات، والفلك، والفيزياء، والفلسفة البارزين. وقد تجلت إسهاماته في الفيزياء في شرحه لقوس قزح "شرحاً وافياً هو الأول من نوعه، فبين أن ظاهرة القوس هذه، تحدث من وقوع أشعة الشمس على قطيرات الماء الصغيرة الموجودة في الجو عند سقوط الأمطار، وحينئذ تعاني الأشعة انعكاساً داخلياً، وبعد ذلك تخرج الأشعة إلى عين الرائي".
أما في الفلك، فقد تابع أعمال أستاذه نصير الدين الطوسي، فطور نموذجاُ فلكياً لعطارد كان الطوسي قد بدأه، كما شرح أفكار أستاذه الغامضة في الفلك والهندسة. وكان الشيرازي يعتمد في بحوثه على المشاهدة والتجربة والاستنتاج، مع الأخذ بالبرهان الرياضي على المسائل الفيزيائية والفلكية.
مؤلفاته
لقطب الدين مؤلفات عديدة، نذكر من أهمها :
ــ "نهاية الإدراك في دراية الأفلاك"، وهو كتاب ـ كما يقول سارطون ـ يشتمل "على موضوعات مختلفة، تتعلق بالفلك، والأرض، والبحار، والفصول، والظواهر الجوية، والميكانيكا، والبصريات".
ــ "كتاب التحفة الشاهية في الهيئة" ؛
ــ "كتاب التبصرة في الهيئة" ؛
ــ "كتاب نزهة الحكماء وروضة الأطباء" : وهو شرح وتعليق على كتاب القانون لابن سينا ؛(37/1)
ــ "كتاب رسالة في بيان الحاجة إلى الطب وآداب الأطباء ووصاياهم" ؛
ــ "رسالة في البرص".
وللشيرازي أيضاً عدد آخر من المؤلفات في الفلك وفي علوم مختلفة. وقد توجه في أواخر حياته إلى التصوف، ووضع بعض المصنفات في علوم القرآن والحديث.(37/2)
ابن البناء
721-654هـ/1321-1256م
"عالم مراكشي متفنن في علوم جمة، برز بصفة خاصة في الرياضيات، والفلك، والتنجيم، والعلوم الخفية، وكذلك في الطب".
وهو أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المعروف بأبي العباس بن البناء المراكشي. كان أبوه بناء. ولد في مراكش بالمغرب عام 654هـ/1256م، وقضى أغلب فترات حياته بها، وهذا هو السبب في انتسابه لها، وبها درس النحو والحديث والفقه، ثم ذهب إلى فاس و درس الطب والفلك والرياضيات. وكان من أساتذته ابن مخلوف السجلماسي الفلكي، وابن حجلة الرياضي. وقد حظي ابن البناء بتقدير ملوك الدولة المرينية في المغرب الذين استقدموه إلى فاس مراراً. وتوفي في مدينة مراكش عام 721هـ/1321م.
إسهاماته العلمية
من إسهامات ابن البناء في الحساب أنه أوضح النظريات الصعبة والقواعد المستعصية، وقام ببحوث مستفيضة عن الكسور، ووضع قواعد لجمع مربعات الأعداد ومكعباتها، وقاعدة الخطأين لحل معادلات الدرجة الأولى، والأعمال الحسابية. وأدخل بعض التعديل على الطريقة المعروفة "بطريقة الخطأ الواحد" ووضع ذلك على شكل قانون.
وجاء في دائرة المعارف الإسلامية أن ابن البناء قد تفوق على من سبقه من علماء الرياضة من العرب في الشرق وخاصة في حساب الكسور، كما عُدَّ من أهم الذين استعملوا الأرقام الهندية في صورتها المستعملة عند المغاربة.
مؤلفاته
ألف ابن البناء أكثر من سبعين كتاباً في الحساب، والهندسة، والجبر، والفلك، والتنجيم، ضاع أغلبها ولم يبق إلا القليل منها، وأشهرها :(38/1)
ــ "كتاب تلخيص أعمال الحساب" : يعترف "سمث" و"سارطون" بأنه من أحسن الكتب التي ظهرت في الحساب. وقد ظل الغربيون يعملون به إلى نهاية القرن السادس عشر للميلاد، وكتب كثير من علماء العرب شروحاً له، واقتبس منه علماء الغرب. كما اهتم به علماء القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد ترجم إلى الفرنسية عام 1864م على يد مار Marre، ونشرت ترجمته في روما. وقد أعاد ترجمته إلى الفرنسية الدكتور محمد سويسي، ثم نشر النص والترجمة مع تقديم وتحقيق سنة 1969.
ــ "مقالات في الحساب"، وهو بحث في الأعداد الصحيحة، والكسور، والجذور، والتناسب ؛
ــ "كتاب الجبر والمقابلة" ؛
ــ "كتاب الفصول في الفرائض" ؛
ــ "رسالة في المساحات" ؛
ــ "كتاب الأسطرلاب واستعماله" ؛
ــ "كتاب اليسارة في تقويم الكواكب السيارة" ؛
ــ "منهاج الطالب في تعديل الكواكب"، وقد حقق المستشرق الإسباني فيرنه خينس مقدمة الكتاب وبعض فصوله وترجمها إلى الإسبانية سنة 1952 ؛
ــ "كتاب أحكام النجوم".
وقد صدر للأستاذين محمد أبلاغ وأحمد جبار كتاب بعنوان "حياة ومؤلفات ابن البنا" ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 2001، يتضمن جرداً شاملاً لمؤلفاته.(38/2)
ابن الشاطر
777-704هـ/1375-1304م
عالم دمشقي برع في الهندسة، والحساب، والفلك. هو أبو الحسن علاء الدين علي بن إبراهيم بن محمد الأنصاري الموقت، المعروف بابن الشاطر. ولد وتوفي بدمشق، وكني بـ "المطعم"، لأنه كان في صغره يطعم العاج.
توفي والده وتركه صغيراً فكفله جده، ثم ابن عم أبيه وزوج خالته الذي علمه تطعيم العاج. وقد كون ثروة كبيرة مكنته من زيارة عدد من البلدان كمصر، حيث درس في القاهرة والإسكندرية علمي الفلك والرياضيات. وقد قضى معظم حياته في وظيفة التوقيت ورئاسة المؤذنين في المسجد الأموي بدمشق.
إسهاماته العلمية
تظهر إسهامات ابن الشاطر في ابتكاره لكثير من الآلات مثل الأسطرلاب وتصحيحه للمزاول الشمسية، ووضعه لنظريات فلكية ذات قيمة علمية رفيعة. كما ظلت كتبه في الأسطرلاب والمزاول الشمسية متداولة لعدة قرون في كل من الشام، ومصر، وفي أرجاء الدولة العثمانية وسائر البلاد الإسلامية ؛ حيث كانت يعتمد عليها لضبط الوقت في العالم الإسلامي.
كما نجح ابن الشاطر في قياس زاوية انحراف دائرة البروج بدقة كبيرة، حيث قدَّرها بـ 23 درجة و31 دقيقة. وفي هذا الشأن يقول جورج سارطون :
"إن ابن الشاطر عالم فائق في ذكائه، فقد درس حركة الأجرام السماوية بكل دقة، وأثبت أن زاوية انحراف دائرة البروج تساوي 23 درجة و31 دقيقة سنة 1365 علماً بأن القيمة المضبوطة التي توصل إليها علماء القرن العشرين بواسطة الآلات الحاسبة هي 23 درجة و31 دقيقة و19,8 ثانية".
كما برهن ابن الشاطر، بفضل الأرصاد التي قام بها، على عدم صحة نظرية بطليموس. وقال بأن الأرض تدور حول الشمس، والقمر يدور حول الأرض. وهذا هو الاكتشاف الذي توصل إليه كوبرنيك بعد عدة قرون.
مؤلفاته
ألف ابن الشاطر عدداً من الكتب مازال أغلبها مفقوداً. ومن مؤلفاته التي أشار الزركلي إليها في كتابه "الأعلام" نذكر :(39/1)
ــ "الزيج الجديد"، كتبه بطلب من الخليفة العثماني مراد الأول الذي حكم الشام ما بين 1360 و1389م. وقد قدم فيه ابن الشاطر نماذج فلكية قائمة على التجارب والمشاهدة والاستنتاج الصحيح.
ــ "إيضاح المغيب في العمل بالربع المجيب" ؛
ــ "أرجوزة في الكواكب" ؛
ــ "رسالة في الأسطرلاب" ؛
ــ "مختصر العمل بالأسطرلاب" ؛(39/2)
الكاشي
توفي سنة 839هـ/1436م
هو غياث الدين بن مسعود بن محمد الكاشي. ولد في أواخر القرن الثامن الهجري في مدينة قاشان (إيران). درس الكاشي النحو والصرف والفقه والمنطق، ثم درس الرياضيات وتفوق فيها. ولا غرابة في ذلك، فإن والده كان من أكبر علماء الرياضيات والفلك. وقد عاش الكاشي معظم حياته في سمرقند، وفيها بنى مرصداً سماه "مرصد سمرقند".
إسهاماته العلمية
شرح الكاشي كثيراً من إنتاج علماء الفلك الذين اشتغلوا مع نصير الدين الطوسي في مرصد "مراغة"، كما حقق جداول النجوم التي وضعها الراصدون في ذلك المرصد. وقدر الكاشي تقديراً دقيقاً ما حدث من كسوف للشمس خلال ثلاث سنوات (بين 809 و811هـ/1407 و1409م). وهو أول من اكتشف أن مدارات القمر وعطارد إهليليجية.
وفي الرياضيات، ابتكر الكاشي الكسور العشرية، ويقول سمث في كتابه "تاريخ الرياضيات" : "إن الخلاف بين علماء الرياضيات كبير، ولكن غالبيتهم تتفق على أن الكاشي هو الذي ابتكر الكسر العشري".
كما وضع الكاشي قانوناً خاصاً بمجموع الأعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الرابعة. ويقول كارادي فو في حديثه عن علماء الفلك المسلمين : "ثم يأتي الكاشي فيقدم لنا طريقة لجمع المتسلسلة العددية المرفوعة إلى القوة الرابعة، وهي الطريقة التي لا يمكن أن يتوصل إليها بقليل من النبوغ".
مؤلفاته
وضع الكاشي مصنفات في علوم مختلفة نذكر منها :
ــ "كتاب زيج الخاقاني"، وفيه ضبط لجداول النجوم التي وضعها الراصدون في مرصد مراغة.
ــ "رسالة في الحساب" ؛
ــ "رسالة في الهندسة" ؛
ــ "رسالة الجيب والوتر" ؛
ــ "رسالة عن إهليليجي القمر وعطارد".(40/1)
ويقول عبد الله الدفاع عن أهمية مؤلفات الكاشي وخاصة "مفتاح الحساب" : "وكان كتابه "مفتاح الحساب" منهلاً استقى منه علماء الشرق والغرب على حد سواء، واعتمدوا عليه في تعليم أبنائهم في المدارس والجامعات عدة قرون، كما استخدموا كثيراً من النظريات والقوانين التي أتى بها وبرهنها وابتكرها".(40/2)
ألغ بك
853-796هـ/1449-1393م
ألغ بك محمد تورغاى بن شاه رخ بن تيمور ، ولد سنة 796هـ/1393م في "سلطانية" بآسيا الوسطى. ونشا في بيت إمارة وسلطان، فقد كان أبوه يحكم بلداناً كثيرة ومقاطعات واسعة.
وقبل سن العشرين، عينه والده أميراً على "تركستان" وبلاد ما وراء النهر. واتخذ ألغ بك سمرقند عاصمة له، وجعلها مركزاً للحضارة الإسلامية. وقد قام خلال مدة حكمه التي دامت ما يقرب من أربعين سنة، بعدة أعمال عظيمة وقدم خدمات كثيرة للعلوم والفنون.
إسهاماته العلمية
توصل ألغ بك إلى اختراع آلات فلكية جديدة أعانت الفلكيين على بحوثهم، وفي هذا يقول "L. Bouvat" : >استطاع "ألغ بك" أثناء عمله معهم، أي الفلكيين، استنباط آلات جديدة قوية، تعينهم في بحوثهم المشتركة". كما اشتغل بالمثلثات، وقد ساعدت جداوله في الجيوب والظلال على تقدم هذا العلم. واعتنى بفروع الرياضيات الأخرى، لا سيما الهندسة التي حلّ بعض مسائلها المعقدة.
وقد بنى في سمرقند مرصداً وجهزه بجميع الآلات والأدوات التي كانت معروفة في زمانه، وكان هذا المرصد "يعد في زمانه إحدى عجائب الدنيا"، وجمع فيه عدداً من كبار العلماء الفلكيين والرياضيين مثل "قاضي زاده الرومي"، و"معين الدين القاشاني" وغيرهما، وعكف معهم (من 827 إلى 839هـ) على تصحيح الأرصاد اليونانية.
لم يكن ألغ بك عالماً بالفلك والرصد والرياضيات فقط، بل كان كذلك أديباً ومؤرخاً وفقيهاً، فقد درس القرءان الكريم وحفظه وجوده بالقراءات السبع.
مؤلفاته
ــ "زيج ألغ بك"، جمع فيه نتائج الأرصاد التي تمت خلال اثنتي عشرة سنة.ويشتمل هذا الزيج على طرق عملية لحساب الخسوف والكسوف، وجداول النجوم الثابتة، ولحركات الشمس والقمر والكواكب، ولخطوط الطول والعرض للمدن الكبيرة في العالم. وهناك اختلاف حول اللغة التي كتب بها هذا الزيج، هل هي العربية أم الفارسية أم التركية ؟.(41/1)
طبع هذا الكتاب لأول مرة في لندن سنة 1650م. ونقل فيما بعد إلى اللغات الأوربية. وترجم "سيديو" المقدمة إلى الفرنسية ونشرها في باريس سنتي 1847م و1853م في مجلدين. وفي عام 1419هـ/1998م قام فؤاد سزكين، بتعاون مع مجموعة من الباحثين، بجمع وإعادة طبع أعمال ألغ بك الفلكية باللغة الألمانية.(41/2)
المراجع
1. أحمد عبد الباقي : معالم الحضارة العربية في القرن الثالث الهجري، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة التراث القومي، 1991، بيروت.
2. أحمد جبار ـ محمد أبلاغ : حياة ومؤلفات ابن البنا المراكشي، منشورات كلية الآداب بالرباط، ط 1، 2001.
3. ابن أبي اصيبعة : كتاب عيون الأنباء، تحقيق عامر النجار، 1996.
4. أرنولد، سير توماس : تراث الإسلام، تعريب جرسيس فتح الله، بيروت، دار الطليعة، 1972.
5. ابن خلكان، أبو بكر : وفيات الأعيان، تحقيق د. إحسان عباس، بيروت، دار الصادر.
6. ابن رشد : الكليات في الطب، تحقيق د. سعيد شيبان ود. عمار الطالبي، المجلس الأعلى للثقافة الجزائري، 1989، الجزائر.
7. ابن زهر، أبو مروان عبد الملك : كتاب التيسير في المداواة والتدبير، تحقيق محمد بن عبد الله الروداني، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، "سلسلة التراث"، 1991، الرباط.
8. ابن طفيل : نصوص ودراسات، جمع وإعادة طبع فؤاد سركيس، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في إطار جامعة فرانكفورت، ألمانيا.
9. بنو موسى بن شاكر : كتاب الحيل، تحقيق أحمد يوسف حسن، جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، دمشق، 1981.
10. المجموعة الكاملة من مجلة تراث الإنسانية : وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، مصر.
11. التليلي : ابن رشد الفيلسوف العالم.
12. حركات، د. إبراهيم : المغرب عبر التاريخ، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 1993.
13. حكيم محمد سعيد : أعلام ومفكرون : لمحات عن مشاهير العلماء والمفكرين في عصور الإسلام الذهبية، ط. 2، 2000، الأكاديمية الإسلامية للعلوم، عمان، الأردن.
14. الخطابي، محمد العربي : الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
15. دائرة المعارف الإسلامية : الترجمة العربية، أكتوبر، 1932.(42/1)
16. الدفاع، عبد الله : إسهام علماء العرب والمسلمين في علم الحيوان، ط. 1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1986.
17. الدفاع، عبد الله : العلوم البحتة في الحضارة العربية الإسلامية، ط. 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1981.
18. الدفاع، عبد الله : الموجز في التراث العلمي العربي الإسلامي، جون وايلي وأولاده، نيويورك، 1979.
19. ألدو مييلي : العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي،عربه د. عبد الحليم النجار ود. محمد يوسف موسى، دار القلم.
20. الزركلي، خير الدين : الأعلام؛ قاموس لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط. 4، بيروت، دار العلم للملايين، 1979.
21. طوقان، قدري حافظ : تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك، ط. 3، القاهرة"، دار القلم، 1963.
22. طوقان، قدري حافظ : العلوم عند العرب، دار اقرأ، بيروت.
23. كنون، عبد الله : النبوغ المغربي في الأدب العربي، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، بيروت، ط. 2، 1961.
24. مرحبا، محمد عبد الرحمن : الجامع في تاريخ العلوم عند العرب، ط. 2، بيروت، منشورات عويدات، 1988.
25. مريزن، سعيد مريزن عسيري : الحياة العلمية في العراق في العصر السلجوقي، مكتبة الطالب، مكة المكرمة، 1987.
26. المنوني، محمد : ورقات عن حضارة المرينيين، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1996.
27. الموسوعة العربية الميسرة، بإشراف محمد شفيق غربال، ط. 2، دار الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، 1972، القاهرة.
28. نليينو، كارلو : علم الفلك، تاريخه عند العرب في القرون الوسطى. ملخص المحاضرات التي ألقاها بالجامعة المصرية.
29. فروخ، د. عمر : تاريخ العلوم عند العرب.
30. هونكه، زغريد : شمس العرب تسطع على الغرب، أثر الحضارة العربية على أوربا، تعريب فاروق بيضون وكمال الدسوقي، ط. 8، بيروت، دار الجيل، دار الأفاق الجديدة، 1993.(42/2)
31. Sarton, George : Introduction to the History of Science, Carnegie Institution of Washington , by The Williams and Wilkins Company, Baltimore.
32 . Zahoor, Akram : Muslim History 570-1950, Chronology, ZMD Corporation, MD., 2000.(http: www. cyberistan. Org/ muslimhistory 570.htm).(42/3)