عن الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن نافع بن ذؤيب عن أبيه قال: قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك فخرج برجله قرحة الآكلة، فبعث إليه الوليد بالأطباء فأُجمع على إن لم ينشروها قتلته، قال: فنشروها بالمنشار فما حرك عضواً من عضو، وصبر، فلما رأى القدم بأيديهم دعا بها فقلبها(1) في يده، ثم قال: أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بها إلى حرام، أو قال: معصية؛ قال الوليد: قال عبد الله بن نافع بن ذؤيب – أو غيره من أهل دمشق - عن أبيه أنه حضر عروة حين فعل به ذلك قال هذه المقالة ثم أمر بها فغسلت وطيبت ولفت في قبطية ثم بعث بها إلى مقابر المسلمين. (7/197)
عن الشعبي أن شريحاً قال: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي؛ وأحمده إذ رزقني الصبر عليها؛ وأحمده إذ وفقني للإسترجاع لما أرجو فيه من الثواب؛ وأحمده إذ لم يجعلها في ديني. (7/197)
عن محمد بن عبد الوهاب البلخي قال: إذا رأيت المكروه فاذكر المدفوع. (7/197)
عن أبي صالح حمدون القصار قال: سمعت أبا النصر [بشر بن الحارث] يقول: أدخل على أبي بكر بن عياش في مرضه طبيب نصراني، فولى وجهه إلى الحائط، فلما خرج اتبعه بصره فقال(2): أما(3) بعدما صرفت عني ما هو فيه(4) فاصنع بي ما شئت. (7/197)
عن عبد الله بن خبيق قال: كان موسى بن طريف يقول:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه
فما فاته منها فليس بضائر (7/199)
__________
(1) تصحفت إلى (فقبلها).
(2) يخاطب الله تعالى جده.
(3) كانت (ما).
(4) أي النصرانية والمراد الكفر عامة.(2/138)
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا هشيم قال: زعم العوام قال: لما قدم بإبراهيم التيمي علينا، قال: فلما انتهي به إلى باب السجن وقيل له: هل لك من حاجة تبلغ الأمير؟ قال: فقال له: أذكرني عند ربٍّ هو خير من رب صاحب يوسف، قال: وزعم بعض أصحابنا أنه لما دخل السجن وقد كان محزوناً رحمه الله، وكان يأمرهم بالصبر ويقول: إن الفرج قريب، قال: كانوا يقولون: لو فتح لنا الباب ما تركناه(1). (7/199)
عن أسماء بن عبيد قال: دخلنا على أبي بكر - أو قال: دخلوا على أبي بكر - فقال: يا إخوتاه لقد بت ليلة ما أحب أنها أعيدت علي، وأن لي كذا وكذا من شيء عظيم، وما أحب أنها إذا كانت أنها لم تكن. (7/199)
عن عمرو بن مرة قال: كان ربيع بن خيثم قد أصابه فالج، قال: فسال من فيه ماء أخذ(2) على لحيته، فرفع يده فلم يستطع أن يمسحه، فقام إليه بكر بن ماعز(3) فمسحه عنه(4) فلحظه ربيع ثم قال: يا بكر والله ما أحب أن هذا الذي بي بأعتى(5) الديلم على الله عز وجل. (7/199)
__________
(1) ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/92) عن علي بن محمد قال: كان سبب حبس إبراهيم التيمي أن الحجاج طلب إبراهيم النخعي فجاء الذي طلبه فقال: أريد إبراهيم، فقال إبراهيم التيمي: أنا إبراهيم فأخذه وهو يعلم أنه إبراهيم النخعي فلم يستحل أن يدله عليه فجاء به الحجاج فأمر بحبسه في الديماس ولم يكن لهم ظل من الشمس ولا كن من البرد وكان كل اثنين في سلسلة فتغير إبراهيم فجاءته أمه في الحبس فلم تعرفه حتى كلمها فمات في السجن فرأى الحجاج في منامه قائلاً يقول: مات في هذه الليلة رجل من أهل الجنة فلما اصبح قال هل مات الليلة أحد بواسط قالوا نعم إبراهيم التيمى مات في السجن فقال: حلم، نزغة من نزغات الشيطان، فأمر به فألقي على الكناسة.
(2) كانت (آخر).
(3) كانت (ماغر).
(4) كانت (عنده).
(5) كانت (بأغنى).(2/139)
عن عبد الله بن المبارك أنا سفيان عن أبيه عن بكر بن ماعز(1) قال كان في وجه ربيع بن خيثم شيء قال فكان فمه يسيل فرأى في وجهه المساءة فقال يا بكر ما يسرني أن هذا الذي بي بأعتى [الديلم] على الله. (7/199)
عن سفيان قال قيل للربيع بن خيثم وكان أصابه فالج: لو(2) تداويت، فقال: لقد هممت، ثم ذكرت عاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً، كانت فيهم أوجاع وكانت لهم أطباء، فما بقي المداوي ولا المداوى إلا وقد فني. (7/199)
عن محمد بن العباس السليطي قال: سمعت محمد بن أسلم ينشد:
إن الطبيب بطبه ودوائه
لا يسطيع دفاع مقدور أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي
قد كان يبرئ مثله فيما مضى
هلك المداوى والمداوي والذي
جلب الدواء وباعه ومن اشترى
(7/200)
عن محمد بن إسماعيل البخاري قال: قال يوسف الصفار: سمع يحيى الأموي سمع الأعمش سمع حيان ([جد] ابن أبجر)(3) يقول: دع الدواء ما احتمل جسمك الداء(4). (7/200)
__________
(1) كانت (ماغر).
(2) كانت (لقد).
(3) كانت (بن أبحر).
(4) قال البخاري في التاريخ الكبير 3/58: "حيان جد ابن أبجر: دع الدواء ما احتمل جسمك الداء، قاله يوسف الصفار، سمع يحيى الأموي سمع الأعمش سمع حيان ابن أبجر، هو الهمداني".(2/140)
عن رقبة قال: قيل لإبراهيم التيمي وهو في الديماس(1): لو دعوت الله عز وجل أن يفرج عنك! قال: إني لأستحي أن أدعو الله أن يفرج عني مما(2) لي فيه أجر. (7/200)
عن حبيب أبي محمد الهزاني قال: عادني الحسن في مرض لي فقال: يا حبيب إن لم نؤجر إلا فيما نحب(3) قل أجرنا، وإن الله كريم يبتلي العبد وهو كاره ويعطيه عليه الأجر العظيم. (7/200)
عن مبارك عن الحسن أنه ذكر الوجع(4) فقال: أما والله ما [هو] بشر(5) أيام المسلم، أيام قورب له فيها من أجله، وذكر فيها ما نسي من معاده، وكفر بها عنه خطاياه. (7/201)
__________
(1) اسم سجن الحجاج؛ جاء في لسان العرب 6/88: "والدِّيماس والدَّيْماسُ: الحَمَّامُ؛ وفي الحديث في صفة الدجال: كأَنما خَرَجَ من ديماس؛ قال بعضهم: الدِّيماسُ الكِنُّ؛ أَراد أَنه كان مُخَدَّراً لم يَرَ شمساً ولا ريحاً، وقيل: هو السَّرَبُ المظلم، وقد جاءَ في الحديث مفسّراً أَنه الحَمَّام؛ والدِّيْماسُ: السَّرَب؛ ومنه يقال: دَمَسْتُه أَي قَبَرْتُه. أَبو زيد: دَمَسْته في الأَرض دَمْساً إِذا دفنته، حيّاً كان أَو ميّتاً؛ وكان لبعض الملوك حبس، سماه دَيْماساً لظلمته. والدِّيماسُ: سجن الحجاج بن يوسف، سمّي به على التشبيه، فإِن فتحتَ الدال جمع على دَياميسَ مثل شيطان وشياطين، وإِن كسرتها جمعت على دَماميس مثل قِيْراطٍ وقَرارِيطَ، وسمّي بذلك لظلمته. وفي حديث المسيح: أَنه سَبْطُ الشَّعرِ كثيرُ خِيلان الوجه كأَنه خَرَجَ من دِيماس؛ يعني في نَضْرَتِهِ وكثرة ماء وجهه، كأَنه خرج من كِنّ لأَنه قال في وصفه: كأَنَّ رأْسَه يَقْطُرُ ماءً. والمُدَمِّسُ والمُدَمَّسُ: السجن".
(2) يحتمل أن (مما) محفوظة ويحتمل أنها مصحفة عن (ما).
(3) كانت (تحب) بالتاء وكذلك (نؤجر).
(4) كانت (الوجه).
(5) كانت (يسر).(2/141)
عن حاتم بن بشر قال: مرض جدي عطاء الخراساني فدخل عليه محمد بن واسع يعوده قال: سمعت الحسن يقول: إن العبد ليبتلى في ماله فيصبر فلا يبلغ بذلك الدرجات العلى، ويبتلى في بدنه فيصبر فيبلغ بذلك الدرجات العلى؛ قال: وكان عطاء قد أصابته مرضات. (7/201)
عن إبراهيم بن الوليد(1) قال: دخلت على إبراهيم المغربي(2) وقد رفسته بغلته فكسرت رجله فقال: لولا مصائب الدنيا قدمنا على الله مفاليس. (7/201)
عن ذي النون قال: ما ضرك ما ضرك(3) إذا أعقبك ما سرك؛ [و]لقد ضرك ما سرك إذا أعقبك ما ضرك(4). (7/201)
عن علي بن عثام قال: (قال علي)(5): من صبر على ما يكره رأى ما يحب. (7/201)
عن الجنيد قال: الصبر مفتاح كل خير. (7/201)
__________
(1) كانت (المولد) والتصحيح عن حلية الأولياء 10/164.
(2) كانت (المقري) والتصحيح عن حلية الأولياء 10/164.
(3) كانت (عزك) في الموضعين.
(4) روى البيهقي في الزهد الكبير ص182 عن جعفر بن برقان قال: قال صالح بن مسمار: ما بارك الله لرجل في دنيا صار بعدها إلى النار، قلت: صدقت، قال: ولقد بارك الله لرجل في دنيا صار بعدها إلى الجنة، قلت: صدقت؛ وسمعت صالح بن مسمار يقول: عجبت للناس، فقلت: وما لهم؟ قال: خرجوا من الدنيا مفاليس وتركوا خزائنهم؛ وسمعت صالح بن مسمار يقول: نعمة الله علينا فيما زوى من الدنيا أعظم من نعمته علينا فيها بسط منها.
(5) كانت (يقال على)، ولعلها (يقال).(2/142)
عن يحيى بن معاذ الرازي حدثنا عثمان بن عمار عن إبراهيم بن أدهم قال: دخلت الاسكندرية فلقيت شيخاً يقال له أسلم بن زيد الجهني، فقال لي: من أين أنت؟ قلت من أهل خراسان، فقال: ما حملك على الخروج من الدنيا؟ قلت: زهد فيها ورجاء ثواب من الله عز وجل، فقال لي: إن العبد لا يتم له رجاء ثواب من الله عز وجل حتى يحمل نفسه على الصبر، فقال رجل من أصحابه: وأي شيء الصبر؟ قال هو أن يروض نفسه على احتمال مكاره الأنفس، قال إبراهيم: هذا تصبر وليس بصبر، ففزع وراعه قولي وقال: يا غلام من أين لك هذا الذي قلت؟ قلت: عطاء من الله عز وجل، فقال لي: صدقت، هو تصبر وليس بصبر؛ يا غلام أحفظ عني وعه واحتمل واعقل واعلم ان أدنى منازل الزاهدين في الدنيا احتمال المكاره للأنفس فإذا كان العبد محتملاً للمكاره أورث الله عز وجل قلبه نوراً، قلت: وما ذاك النور؟ قال: سراج يضيء قلبه. (7/202)
عن ليث عن مجاهد قال: يؤتى بثلاثة يوم القيامة: بالغني والمريض والعبد المملوك؛ فقال للغني: ما يمنعك من عبادتي؟ فيقول: يا رب أكثرت لي من المال فطغيت، فيؤتى بسليمان في ملكه فيقول: أنت كنت أشد شغلاً من هذا؟ قال: يقول: لا، بل هذا، قال: فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني؛ قال: ثم يؤتى بالمريض، قال: فيقول: ما يمنعك من عبادتي؟ قال: يقول: شغلت على جسدي، قال: فيؤتى بأيوب في ضره فيقول: أنت كنت أشد ضراً من هذا؟ قال: لا، بل هذا، قال: فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني، قال: ثم يؤتى بمملوك فيقول: ما منعك من عبادتي؟ فيقول: يا رب جعلت علي أرباباً يملكونني، قال: فيؤتى بيوسف في عبوديته فيقول: أنت كنت أشد عبودية أم هذا؟ قال: لا، بل هذا، قال: فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني(1). (7/202)
__________
(1) سبحان الله، من تدبر وجد أنه لا توجد طائفة من الناس في زمان من الأزمنة أو مكان من الأمكنة إلا وفيهم من تقوم به حجة الله عليهم.(2/143)
عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال: من يكثر الدعاء في الرخاء يستجاب له عند البلاء، ومن يكثر قرع الباب يفتح له. (7/202)
عن أبي هلال الراسي عن الحسن قال: ابتلاه [يعني ابراهيم] بالكواكب فوجده صابراً فأثنى عليه (فأتمهن) قال: يقول: فعلمهن. (7/205)
عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أن أبا عبيدة حضر فكتب إليه عمر يقول: مهما ينزل بامرئ شدة يجعل الله بعدها فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين(1)، وإنه يقول: (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). (7/205)
عن عبد الله بن مسعود قال: لو أن العسر دخل في جحر لجاء اليسر حتى يدخل معه، ثم قال: قال الله عز وجل: (فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً). (7/205)
عن محمد بن موسى الباساني قال: أنشدني محمد بن عامر البلخي:
أيا فارج الهم عن نوح وأسرته
وصاحب الحوت مولى كل مكروب
وفالق البحر عن موسى وشيعته
ومذهب الحزن عن ذي البيت يعقوب
وجاعل النار لابراهيم باردة
ورافع السقم عن أوصال أيوب
إن الأطباء لا يغنون عن وصب
أنت الطبيب طبيب غير مغلوب
(7/205)
عن أبي بكر بن أبي الدنيا قال: أنشدني أحمد بن يحيى قوله:
مفتاح باب الفرج الصبر
وكل عسر معه يسر
والدهر لا يبقى على حالة
والأمر يأتي بعده الأمر
والكره تفنيه الليالي التي
يفنى عليها الخير والشر
وكيف يبقى حال من حاله
يسرع فيها اليوم والشهر
(7/207)
محمد بن الحسين [البرجلاني]: وكان القاسم بن محمد بن جعفر يقول كثيراً:
عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى
له فرجاً مما ألح(2)به الدهر
__________
(1) يشير إلى قول الله (إن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً)، فالتكرار للتأكيد، واليسر ورد منكّراً لأنه يكون في كثير من الأحوال مما لا يتوقع المرء جهته وأسبابه؛ وقال بعضهم ما معناه: العسر تكرر معرفاً فالثاني هو الأول فهما واحد؛ واليسر تكرر نكرة فالثاني غير الأول، فهما اثنان. والله أعلم.
(2) أخشى أنها محرفة عن (ألم).(2/144)
عسى فرجاً يأتي به الله إنه
له كل يوم في خليقته أمر
إذ[ا] لاح عسر فارج يسراً فإنه
قضى الله أن العسر يتبعه يسر
(7/207)
عن إبراهيم بن مسعود قال: كان رجل من تجار المدينة يختلف إلى جعفر بن محمد فيخالطه ويعرفه بحسن الحال فتغيرت حاله فجعل يشكو ذلك إلى جعفر بن محمد فقال جعفر:
فلا تجزع وإن أعسرت يوماً
فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تيأس فإن اليأس كفر
لعل الله يغني عن قليل(1)
ولا تظنن بربك ظن سوء
فإن الله أولى بالجميل
قال: فخرجت من عنده وأنا أغنى الناس. (7/207)
عن يونس بن حبيب قال: قال لي أبو عمرو بن العلاء: كنا نفر أيام الحجاج بصنعاء فسمعت منشداً ينشد:
ربما(2) تكره النفوس من الأمر
له فرجة كحل العقال
فاستظرفت قوله فرجة فإني لكذلك(3) إذ سمعت قائلاً يقول: مات الحجاج؛ فما أدري بأي الأمرين كنت أشد فرحاً بموت الحجاج أم بذلك البيت(4). (7/208)
__________
(1) أي بعد قليل من الوقت.
(2) كانت (وبما).
(3) كانت (لك ذلك)!
(4) قال المزي في تهذيب الكمال 34/128: "وقال عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه: أنشدنا أبو عمرو بن العلاء قال سمعت أعرابياً ينشد وقد كنت خرجت الى ظاهر البصرة متفرجاً مما نالني من طلب الحجاج لي واستخفائي منه:
صبر النفس عند كل ملم----إن في الصبر حيلة المحتال
لا تضيقن في الأمور فقد يكشف لأواؤها بغير احتيال
ربما تجزع النفوس من الأمر-----له فَرجة كحل العقال
قد يصاب الجبان في آخر الصف--وينجو مقارع الأبطال
فقلت: ما وراءك يا أعرابي؟ [قال]: مات الحجاج، فلم أدر بأيهما أفرح، بموت الحجاج أو بقوله فرجة لأني كنت أطلب شاهداً [أي من اللغة] لاختياري القراءة في سورة البقرة (إلا من إغترف غرفة) [أي بفتح الغين]". انتهى وقد أصلحت شيئاً من خلل وقع في الأبيات. وانظر (الفرج بعد الشدة) لأبي علي التنوخي ص323-324.(2/145)
عن أبي بكر [ابن أبي الدنيا] حدثني محمد بن الحسين [البرجلاني] قال: رأيت مجنوناً قد ألجأه الصبيان إلى مسجد فجاء فقعد في زاوية فتفرقوا عنه فقام وهو يقول:
إذا ضاق أمر فانتظر فرجا
فأصعب الأمر أدناه من الفرج (7/208)
عن أبي بكر [ابن أبي الدنيا] حدثني الحسين بن عبد الرحمن أن وزير الملك نفاه الملك لموجدة وجدها عليه فاغتم لذلك غماً شديداً فبينما هو ذات ليلة في مسير له إذ أنشده رجل كان معه:
أحسن الظن بربٍّ عوَّدك
حسَناً أمس وسوّى أوَدَك
إن رباً كان يكفيك الذي
كان بالأمس سيكفيك غدك
قال: فسري عنه فأمر له بعشرة آلاف درهم. (7/208)
عن أبي بكر بن أبي الدنيا قال: أنشدني رجل من قريش:
ألم تر أن ربك ليس تحصى
أياديه الحديثة والقديمه
تسلَّ عن الهموم فليس شيء
يقيم وما همومك بالمقيمه
لعل الله ينظر بعد هذا
إليك بنظرة منه رحيمه
(7/208)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن بكران الواسطي قال: أنشدنا علي بن مهدي لبعضهم:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرج قريب
فيأمَنُ خائف(1) ويُفك عانٍ
ويأتي أهله النائي الغريب
فيا ليت الرياح مسخرات
بحاجتنا تغادر(2) أو تؤوب
فتخبرنا الشمال إذا أتينا
وتخبر أهلنا عنا الجنوب
فإن يك صدر هذا اليوم لي
فإن غداً لناظره قريب
(7/208)
عن الخلادي قال أنشدنا السمري وذكر أنه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
كم فرجة لك بين الثنيا النوائب
رأيت لها من موضع اليأس مخرجا (7/209)
عن وريزة بن محمد الغساني قال: سمعت سالم بن الحسين يقول: قرأت على مواضع في بعض القصور:
إذا ما أراد الله تيسير حاجة
رأيت لها من موضع اليأس مخرجا
قال: وأنشدني:
وكم حاجة كادت تكون، تعسرت
وأخرى أتت واليأس منها يقودها
قال: وأنشدني سالم بن الحسين:
ما هم عبد من الدنيا بذي حزن
إلا لذلك مفتاح من الفرج
لو يمس بدار الهم مفترش الحشا
متفكر في عظم ما فيه ولج
__________
(1) كانت (من خائف).
(2) كانت (تبادر).(2/146)
فلعل أن يأتي الصباح بنعمة
من ربه فيراه فيها قد خرج
(7/209)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا جعفر محمد بن حاتم الكشتي أن عبد بن حميد قال لرجل يشكي إليه العسرة في أموره:
ألا أيها المرء الذي في عسره أصبح
إذا اشتد بك الأمر فلا تنس (ألم نشرح)(1) (7/209)
عن عبيد الله بن أبي صالح قال: دخل علي طاوس وأنا مريض فقلت: يا أبا عبد الرحمن ادع لنا، فقال: ادع لنفسك فإنه يجيب المضطر إذا دعاه. (7/210)
عن سفيان بن عيينة قال: مر محمد بن علي بمحمد بن المنكدر قال: ما لي أراك مغموماً؟! فقال أبو حازم: ذلك لدين قد فدحه، قال محمد بن علي: أفتح له في الدعاء؟ قال: نعم، فقال: لقد بورك لعبد في(2) حاجة أكثر فيها دعاء ربه كائنة ما كانت. (7/210)
عن ابن عيينة قال: ما يكره العبد خير له مما يحب، لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء وما يحبه يلهيه. (7/211)
عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال داود: سبحان الله مستخرج الدعاء بالبلاء؛ سبحان الله مستخرج الشكر بالرخاء. (7/211)
__________
(1) قال القرطبي في التفسير 9/220: "وأنشدوا:
أما في رسول الله يوسف أسوة----لمثلك محبوساً على الظلم والإفك
أقام جميل الصبر في الحبس برهة--فآل به الصبر الجميل إلى الملك
وكتب بعضهم إلى صديق له:
وراء مضيق الخوف متسع الأمن--وأول مفروح به آخر الحزن
فلا تيئسن فالله ملك يوسفاً خزائنه-- -بعد الخلاص من السجن
وأنشد بعضهم:
إذا الحادثات بلغن النهى-- -وكادت تذوب لهن المهج
وحل البلاء وقل العزاء---فعند التناهي يكون الفرج
والشعر في هذا المعنى كثير".
قلت: وعقد القاضي التنوخي في كتابه الحافل (الفرج بعد الشدة) فصلاً في ما اختير من ملح الأشعار في باب الفرج بعد الشدة، وختم به الكتاب ص374-407؛ أضف إلى ذلك ما أورده في أثناء الفصول الأخرى من الكتاب من أشعار في هذه المعاني.
(2) كانت (من).(2/147)
عن ثابت قال: بلغنا أن الله تبارك وتعالى وكل جبريل عليه السلام بحاجات، أو قال بحوائج، الناس فإذا دعا المؤمن قال: يا جبريل إحبس حاجته فإني أحب دعاءه، وإذا دعا الكافر قال: يا جبريل إقض حاجته فإني أبغض دعاءه. (7/211)
عن ثابت قال: أخذ عبيد الله بن زياد ابن أخي صفوان بن محرز فحبسه في السجن فلم يدع صفوان أحداً من الوجوه إلا تحمل(1) به عليه فلم ير لحاجته نجاحاً فبات في مصلاه فأتاه آت في منامه فقال: قم يا صفوان فاطلب حاجتك من قبل وجهها، قال: فقام فزعاً فتوضأ ثم صلى ثم دعا فإذا بابن أخيه يضرب الباب فقال: من هذا؟ فقال: أنا فلان، يعني ابن أخيه، فقال: وأي هذه الساعة؟! قال: انتبه الأمير في جوف الليل فدعا بالنيران والشرط [فـ]ـفتحت أبواب السجون ونودي: أين ابن أخي صفوان بن محرز؟ أخرجوه فإني قد منعت النوم منذ الليلة. (7/211)
عن محمد بن محمود السمرقندي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: عيل صبري وضاق صدري واشتدت فاقتي إلى مغفرتك وعظم رجائي لرحمتك، ألححت في الدعاء اضطراراً وأنت تجيبني إذا شئت اختياراً؛ أما ترحمني محتاجاً إليك ومعتمداً في حاجتي عليك؟! ليس لي إله سواك فألتجئ إليه ولا لك شريك فأعتمد عليه! بنور جلال وجهك أسألك إلا عجلت فرجي يا أرحم الراحمين. (7/211)
عن محمد بن عمرو بن علقمة قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه من ذلك الصبر إلا كان ما عاضه خيراً مما انتزع منه وقرأ (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). (7/211)
عن الفيض بن إسحاق قال: سئل الفضيل بن عياض عن قول الله تبارك وتعالى (سلام عليكم بما صبرتم) ثم قال: بما احتملتم من المكاره وصبرتم عن اللذات في الدنيا. (7/211)
عن ذي النون قال: أفضل الصبر الصبر على المخالفات. (7/211)
__________
(1) كانت (تجمل) فجعلتها كما في حلية الأولياء 2/214-215 وصفة الصفوة 3/228-229.(2/148)
عن سري قال: أصبر الناس من صبر على الحق. (7/211)
عن أبي الدرداء قال: ثلاث من ملاك أمرك يا ابن آدم: أن لا تشكو مصيبتك وأن لا تحدث بوجعك وأن لا تزكي نفسك بلسانك. (7/213)
عن علي بن قادم حدثنا سفيان عن بعض الفقهاء قال: من الصبر أن لا تحدث بمصيبتك ولا وجعك ولا تزكي نفسك. (7/217)
عن عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول: وجدت في التوراة أربعة أسطر متوالية: من شكى مصيبته فإنما يشكو ربه؛ ومن تضعضع لغني ذهب ثلثا دينه؛ ومن حزن على ما في يد غيره فقد سخط قضاء ربه؛ ومن قرأ كتاب الله عز وجل يظن أن لا يغفر له فهو من المستهزئين بآيات الله عز وجل. (7/213)
عن فرقد [السبخي] قال: قرأت في التوراة: من أصبح حزيناً على الدنيا أصبح ساخطاً على ربه، ومن جالس غنياً فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، ومن أصابته مصيبة فشكاها إلى الناس فإنما يشكو ربه. (7/214)
عن الليث بن سعد، عمن يرضى، عن الحسن البصري قال: من ابتلي ببلاء فكتمه ثلاثاً لا يشكوه إلى أحد أثابه الله برحمته. (7/215)
عن عمر بن ذر عن يعقوب بن عطاء قال: كان عطاء يريد المسجد فيلبس ثيابه ويرى أن ليس عنده أحد، قال: وهو لا يبصر من أحد شقيه، قال: فقلت له: يا أبه كأنك تشتكي عينك هذه، قال: وفطنت لها؟! قال: قلت: نعم، قال: ما أبصرت منها منذ أربعين سنة، وما علمت بذلك أمك. (7/216)
عن مغيرة قال: شكا ابن أخي الأحنف بن قيس وجعاً بضرسه، فقال الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة فما ذكرتها لأحد. (7/216)
عن علي بن عثام قال: دخل الفضيل بن عياض على ابنه علي وهو مريض يئن فقال: تئن والدته [كذا] لا تئن، فما أن حتى مات. (7/216)
عن علي بن عثام قال: دخل الفضيل بن عياض على ابنه وهو مريض يئن فقال: يا بني إن الله أمرض فلا تئن، قال: فصاح ابنه صيحة وغشي عليه، قال الفضيل: فقلت: ابني ابني، قال: فما أنَّ حتى فارق الدنيا. (7/216)(2/149)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عمرو محمد بن أحمد المقري يقول: سمعت أبا عثمان يقول: دخلت مع أبي حفص على عليل فقال العليل: أوه فقال أبو حفص: مِن من؟! فسكت العليل تصبراً، فقال: أبو حفص: مع من؟! (7/216)
عن يحيى بن معين حدثني منجاب [قال]: قال رجل لشريك: كيف تجدك؟ قال: أجدني شاكياً غير شاكر لله عز وجل(1). (7/217)
عن خلف بن حوشب عن الحسن البصري (إن الإنسان لربه لكنود) قال: يذكر المصيبات وينسى النعم. (7/217)
عن ابن عون قال: كان محمد بن سيرين إذا اشتكى لم يكد يشكو ذاك إلى أحد، قال: وربما أطلع على الشيء. (7/217)
عن يحيى بن سعيد عن ربيعة بن كلثوم قال: دخلنا على الحسن وهو يشتكي ضرسه وهو يقول: مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. (7/217)
عن النضر بن عيسى بن يحيى قال: قال رجل لأبي عبد الله النباجي(2) وأنا أسمع: يا أبا عبد الله الراضي يسأل؟ قال: يعرض، قال: مثل أي شيء؟ قال: مثل قول أيوب (مسني الضر وأنت أرحم الراحمين). (7/217)
عن علي بن عثام قال: دعاء الأنبياء تعريض: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)، (إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين)، (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)(3). (7/217)
عن فضيل بن عياض عن مالك بن دينار عن محمد بن واسع أنه قال: طوبى لمن أمسى جائعاً وأصبح جائعاً وهو عن الله راض. (7/218)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون المصري يقول: ليس العجب ممن ابتلي فصبر، وإنما العجب ممن ابتلي فرضي. (7/218)
__________
(1) أي أنه يعيب على نفسه ما يراه منافياً للشكر وهو الشكوى إلى غير الله تبارك وتعالى.
(2) كانت (الساجي).
(3) أضف إليها الآية االواردة في الأثر السابق.(2/150)
عن محمد بن حمدون القاضي قال: قلت لأبي حفص الكبير: من المريد؟ قال: ما لم يجز(1) العتبة لا يسمى مريداً، قلت: وما العتبة؟ قال: يجد في المنع العطاء، ويخاف في العطاء من البعد، ويذكر الحق في خفاء الخلق، ويجد لذة السرور في المحنة. (7/218)
عن محمد بن مهاجر عن يونس بن ميسرة قال: ليست الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما(2) في يديك، وأن يكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون ذامك ومادحك في الحق سواء. (7/218)
عن أبي رجاء عن الحسن في قوله تعالى (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً) قال: يقول الفقير: لو شاء الله لجعلني غنياً مثل فلان، ويقول السقيم: لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان، [و]يقول الأعمى: لو شاء الله لجعلني بصيراً مثل فلان. (7/219)
عن عبد الله بن بكر المزني عن الحسن قال: إن هذا الحق جهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم، وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته؛ إن من الناس ناساً قرأوا القرآن لا يعلمون سنته؛ وإن أحق الناس بهذا القرآن من اتبعه بعمله وإن كان(3) لا يقرؤه؛ إنك لتعرف الناس ما كانوا في عافية، فإذا نزل بلاء صار الناس إلى حقائقهم: صار المؤمن إلى إيمانه، والمنافق إلى نفاقه(4). (7/219)
عن حاتم الأصم قال: قال شقيق: من شكا مصيبة نزلت به إلى غير الله لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبداً. (7/219)
عن أبي يعلى حدثنا الأصمعي قال: نظر الفضيل بن عياض إلى رجل يشكو فقال: يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك. (7/219)
__________
(1) كانت (يجر).
(2) كانت (مما).
(3) كانت (كانوا).
(4) أخرجه أحمد في الزهد ص287.(2/151)
عن الحسن بن عمرو قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الناس(1). (7/220)
قال: وسمعت بشر بن الحارث يقول: من لم يحتمل الغم(2) والأذى لم يدخل فيما يحب؛ قال: وسمعت بشراً يقول: إذا أحب الله أن يتحف العبد سلط عليه من يؤذيه؛ قال: وقال سفيان: لا خير فيمن لا يؤذى. (7/220)
عن يوسف بن أسباط قال: سمعت سفيان الثوري يقول: ما أصاب إبليس من أيوب عليه السلام في مرضه إلا الأنين؛ ثم قال سفيان: لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة. (7/220)
عن إبراهيم بن فاتك قال: قال رويم: الصبر ترك الشكوى؛ قال: وقال رويم: الرضا استلذاذ البلوى. (7/220)
عن محمد بن سعيد قال: الشاكر من يشكر على النعماء، والشكور من يشكر على البلاء، وقال: الشاكر من يشكر على النعماء، والشكور من يتلذذ بالبلاء. (7/220)
عن إبراهيم بن السري السقطي قال: مرض أبو المغيرة القاص ووقع في بطنه الأكلة فبعث إلى أبي بالسلام فقال أبي: اقرأ عليه السلام وقل(3) له: ليس من حمد الله على سيلان الصديد كمن حمده على أكل الثريد. (7/220)
عن ثمامة بن عبد الله بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول: لما طعن حرام بن ملحان - وكان خاله - يوم بئر معونة، فقال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: فزت ورب الكعبة(4). (7/221)
عن شعبة حدثني شيخ عن أبي الدرداء قال: أحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب الموت اشتياقاً إلى ربي، وأحب المرض كفارة لخطيئتي. (7/221)
__________
(1) وقال الطبري في تفسيره 12/165: "وقيل إن الصبر الجميل هو الصبر الذي لا جزع فيه"؛ ثم روى ذلك عن مجاهد.
(2) كانت (الفم).
(3) كانت (وقال).
(4) رواه البخاري في الصحيح.(2/152)
عن عثمان بن عطاء عن أبيه أن معاذ بن جبل قام في الجيش الذي كان عليه حين وقع الوباء فقال للناس: هذه رحمة ربكم ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم وكفت الصالحين قبلكم، ثم قال معاذ وهو يخطب: اللهم ادخل على آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة، فبينما هو كذلك إذ أتي فقيل له: قد طعن ابنك عبد الرحمن فلما رأى أباه معاذاً قال يقول عبد الرحمن: يا أبت (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين)، قال يقول: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين)؛ قال: فمات من الجمعة إلى الجمعة آل معاذ كلهم ثم هو كان آخرهم. (7/221)
عن عروة بن الزبير أن وجع عمواس كان معافى منه أبو عبيد بن الجراح وأهله فقال: اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة؛ قال: فخرجت بأبي عبيدة في خصره بثرة فجعل ينظر إليها فقيل: إنها ليست بشيء فقال: إني أرجو أن يبارك الله فيها فإنه إذا بارك في القليل كان كثيراً(1). (7/221)
__________
(1) قال البيهقي]: وقد روينا هذا المعنى في دلائل النبوة عن معاذ بن جبل وهو أنه أخبر فيما روى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعه يذكر في قدومهم الشام وخروج ذلك بهم، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم إني سمعت هذا فارزق معاذا وآل معاذ من ذلك الحظ الآوفى قال فطعن في السبابه فجعل ينظر إليها وهو يقول: اللهم بارك فيها فإنك إذا باركت في الصغير كان كبيراً. (7/222)(2/153)
عن معمر عن قتادة قال: وقع طاعون بالشام في عهد عمر رضي الله عنه حتى كان الرجل لا يرفع إليه ساقيه، فقام عمرو بن العاص وهو أمير بالشام يومئذ فقال: تفرقوا من هذا الرجز في هذه الجبال وهذه البرية، فقال شرحبيل بن حسنة: بل رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموتة الصالحين قبلكم، لقد أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن هذا لأضل من حمار أهله، قال: فقال معاذ بن جبل: وسمعته يقول ذلك، اللهم أدخل على آل معاذ نصيبهم من هذا البلاء، قال: فطعنت له امرأتان فماتتا حتى طعن له ابن فدخل عليه فقال: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) قال: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) قال: ثم مات ابنه ذلك فدفنه؛ قال: ثم طعن معاذ فجعل يغشى عليه، فإذا أفاق قال: رب عمني عمتك فوعزتك إنك لتعلم أني أحبك، قال: ثم يغشى عليه، فإذا أفاق قال مثل ذلك. (7/221)
عن الشعبي عن حذيفة قال: كنتم تسألون [رسول الله صلى الله عليه وسلم] عن الرخاء وكنت أسأله عن الشدة؛ ولقد رأيتني وما من يوم أحب إلي من يوم يشكو(1) لي فيه أهلي(2) الحاجة؛ إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه؛ يا موت عظ عظك وسد (سدك، أبى)(3) قلبي إلا حبك. (7/222)
عن الأحنف بن قيس قال: ما سمعت بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حيث يقول: إن للنكبات نهايات، لا بد لأحد إذا نكب من أن ينتهي إليها؛ فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أن ينام لها حتى تنقضي مدتها؛ فإن في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها؛ قال الأحنف وفي مثله يقول القائل:
الدهر يخنق أحياناً قلادته
فاصبر عليه ولا تجزع ولا تثب
حتى يفرجها في حال مدتها
فقد يزيد(4) احتناناً كل مضطرب
(7/222-223)
عن علي بن القاسم أنه أنشد لأبي تمام:
ومن لم يسلم للنوائب أصبحت
__________
(1) كانت (شكوا) ولها وجه صحيح كما لا يخفى.
(2) كانت (أهل).
(3) كانت (سدل أي)، وجملة (سد سدك) لست على يقين من صحتها.
(4) كانت (يريد).(2/154)
خلائقه جمعاً عليه نوائبا (7/223)
عن المبرد قال: قال لي الجاحظ: أتعرف مثل قول اسماعيل بن القاسم(1):
ولا خير فيمن لا يوطن نفسه
على نائبات الدهر حين ينوب
فقلت: قول كثير، ومنه أخذ:
فقلت لها يا عز(2) كل مصيبة
إذا وطئت لها النفس ولت
قال أبو العباس المبرد: ويروى أن عبد الملك بن مروان لما سمع هذا قال: لو قاله في صفة الحرب كان فيه أشعر الناس. (7/223)
أنشدنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن دوست لنفسه:
لا تبع(3) سرك غير قلبك موضعاً
فالسر بين مضيع ومباحث
وأعد لصبرك(4) للنوائب جنة
فالمرء برهن مصائب وحوادث
واسمح بمالك في الحقوق فإنما
مال البخيل لحادث(5) أو وارث
واحرث لنفسك حرث خير إنه
لا يحصد المعروف غير الحارث
لا ينفع التدبير والحزم امرأً
حتى يعززه القضاء بثالث
(7/223)
أنشد أحمد بن يحيى النحوي ثعلب:
هون عليك الأمر صفحاً يهن
فقل ما سكنت إلا سكن
اقبل من الدهر تصاريفه
واقنع به إن لان أو إن خشن
كم لذة قد نلت في ساعة
ثم تولت فكأن لم تكن
صن(6) كلما شئت فإن البلى
يمضي بما صنت وما لم تصن
إن كنت بالأيام مستأنساً
فهات يوماً واحداً لم يخن
(7/224)
الحسن بن علي البصري قال أنشدنا عمر بن تدرك لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:
اصبر على مضض الإدلاج بالسحر
وبالرواح على الحاجات بالبكر
لا يعجزنك ولا يضجرك مطلبه
فالعمر يتلف(7) بين العجز والضجر
إني رأيت وفي الأيام تجربة
للصبر عاقبة محمودة الأثر
فقل من جد في شيء يطالبه
فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر(8)
(7/224)
أنشدنا أبو نصر بن قتادة قال أنشدنا الشيخ أبو بكر القفال الشاشي(9) فذكر بيتين ثم قال:
وأحسن شيء في النوائب أنها
__________
(1) هو أبو العتاهية.
(2) كانت (بأعز).
(3) لعلها (تبح)، أو (تبغ).
(4) لعلها (صبرك).
(5) كانت (لحارث).
(6) كانت (هن).
(7) كانت (فالحجج تتلف) فاجتهدت في اصلاحها على وجه التقريب.
(8) اللهم اجعلنا من الصابرين بك ولك، واجعلنا من الظافرين بكل خير.
(9) كانت (الشاش).(2/155)
إذا هي نابت ناوبت لم تدم خلدا (7/224)
عن أبي الحسين علي بن محمد الصوفي قال: أنشدني أبو الحسن علي بن محمد البيكندي:
خليلي لا والله ما من ملمة
تدوم على حر وإن هي جلت
فكم من كريم ثرثرته(1) بنابها(2)
فصابرها حتى مضت فاضمحلت
(7/225)
أنشدنا أبو عبد الله محمد بن ابراهيم بن عبدان الكرماني رحمه الله قال: أنشدني أبو الفتح علي بن محمد الكاتب لنفسه:
لا بد للإنسان في
دنياه من فرح وغمْ
ومن التقلب دائماً
في راحة أو في ألم
فإذا فرحت براحة
فاشكر لوهاب النعم
وافزع إلى الصبر الجميل
إذا أذى المر ألم
(7/225)
عن أبي عبد الله بن أبي ذهل أنه حكى أن يحيى بن زيد العلوي حمل إلى بخارى مقيداً ونعي إليه والده فدخل بعض الشعراء فأنشده فصيدة فقال: دع ما تقول واسمع مني ما أقول، فأنشأ يقول:
إن يكن نالك الزمان ببلوى
عظمت شدة عليك وجلت
ونلتها فذارع داهيات سمت(3)
دونها النفوس وملت
فاصطبر وانتظر بلوغ مداها
فالرزايا إذا توالت تولت
(7/225)
عن أحمد بن محمد بن يحيى المعروف بابن ابنة الذهلي قال: سمعت جدي الذارع يقول: الطلاق الثلاث البت له لازم لقد سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول: الطلاق الثلاث البت له لازم قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: الطلاق الثلاث البت له لازم إن كانت العرب قالت أجود من هذه الأربع الأبيات
كن للمكاره بالعزاء معلقاً(4)
فلقل يوم لا ترى ما تكره
فلربما اشتهر الفتى فتنافست
فيه العيون وإنه لمموه
ولربما خزن الكريم لسانه
حذر الجواب وإنه لمفوه
ولربما ابتسم الكريم من الأذى
وفؤاده من حره يتأوه
(7/225-226)
عن أبي بكر بن أبي الدنيا قال: حدثني أبو بكر الثقفي قال: قال رجل أصابني هم ضقت به ذرعاً فرأيت في منامي كأن قائلاً يقول لي:
كن للمكاره بالعزاء مقطعاً
فلقل يوم لا ترى ما تكره
ولربما ابتسم الوقور من الأذى
__________
(1) لعلها (جرجرته).
(2) كانت (منا بها).
(3) لعلها (سئمت).
(4) لعلها (مقطعاً) كما يأتي في الأثر التالي.(2/156)
وضميره من حره يتأوه
قال: فحفظت الشعر وانتبهت وأنا أردده فلم ألبث أن فرج الله عني ما كنت فيه. (7/226)
عن عبد الملك بن هشام الذماري: أثاروا قبراً بذمار فوجدوا حجراً مكتوباً فيه:
اصبر لدهر نال منك
فهكذا مضت الدهور
فرح وحزن مرة
لا الحزن دام ولا السرور
(7/226)
وفيما قرأت على أبي عبد الرحمن السلمي قال: وقال الحسين بن منصور: البلاء إذا دام ألفه صاحبه وأنشدت في معناه:
تعودت مس الضر حتى ألفته
وصيرني حسن العزاء إلى الصبر
فصيرني يأسي(1)من الناس راجياً
لسرعة(2) لطف الله من حيث لا أدري
(7/226)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنشدنا موفق بن محمد الهروي قال: أنشدنا أبو زيد السامي:
تعودت مس الضر حتى ألفته
وصيرني(3) مر الليالي على الصبر
ووسع صدري للأذى كثرة الأذى
وقد كنت أحياناً يضيق به صدري
وصيرني يأسي من الناس راجياً
لسرعة صنع الله من حيث لا أدري
إذا أنا لم أقبل الدهر كلما
تكرهت منه طال عتبي على الدهر
(7/226)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي قال أنشدنا أبو عمرو بن نجيد:
رُبَّ أمر نتقيه
جر أمراً نرتجيه
خفي المكروه منه
وبدا(4)المحبوب فيه
(7/227)
عن الجنيد قال: في الأمراض والأوجاع خصال أربع: تطهير وتكفير وتذكير وتقييد: تطهير عن الكبائر، وتكفير للصغائر، وتذكير للرب(5)، وتقييد عن المعاصي. (7/227)
__________
(1) كانت (يأس).
(2) كانت (بسرعة).
(3) لعلها (وصبرني)، أو أن (على) الآتية صوابها (إلى).
(4) كانت (ويد).
(5) أي بالرب.(2/157)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الصبر: التباعد عن الخلطاء في الشدة والسكون عليه مع تجرع غصص البلية وإظهار الغنى مع كثرة العيال وجفاء الخلق وهجرانهم له وقوله الحق فيهم باحتمال الضرر في المال والبدن؛ وقال في موضع آخر: وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحة المعيشة؛ قال الشيخ: وثلاثة من أعلام التسليم مقابلة القضاء بالرضا والصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء(1)
__________
(1) قال أبو نعيم في حلية الأولياء 9/361-363: حدثنا أبي ثنا احمد ثنا سعيد قال سمعت ذا النون يقول: ثلاثة علامات الخوف: الورع عن الشبهات بملاحظة الوعيد، وحفظ اللسان مراقبة للتعظيم، ودواء الكمد إشفاقاً من غضب الحليم؛ وثلاثة من أعمال الاخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤيتهم في الأعمال نظراً إلى الله، واقتضاء ثواب العمل في الآخرة بحسن عفو الله في الدنيا بحسن المدحة؛ وثلاثة من أعمال الكمال: ترك الجولان في البلدان وقلة الاغتباط لنعماه عند الامتحان وصفو النفس في السر والاعلان؛ وثلاثة من أعمال اليقين: قلة المخالفة للناس في العشرة وترك المدح لهم في العطية والتنزه عن ذمهم في المنع والرزية؛ وثلاثة من أعلام التوكل: نقض العلائق وترك التملق في السلائق واستعمال الصدق في الخلائق؛ وثلاثة من أعلام الصبر: التباعد عن الخلطاء في الشدة والسكون اليه مع تجرع غصص البلية وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحة المعيشة؛ وثلاثة من أعلام الحكمة: إنزال النفس من الناس كباطنهم ووعظهم على قدرعقولهم ليقوموا عنه بنفع حاضر؛ وثلاثة من أعلام الزهد: قصر الأمل وحب الفقر واستغناء مع صبر؛ وثلاثة من أعلام العبادة: حب الليل للسهر بالتهجد والخلوة وكراهة الصبح لرؤية الناس والغفلة، والبدار بالصالحات مخافة الفتنة؛ وثلاثة من أعلام التواضع: تصغير النفس معرفة بالعيب، وتعظيم الناس حرمة للتوحيد، وقبول الحق والنصيحة من كل أحد؛ وثلاثة من أعمال السخاء: البذل للشيء مع الحاجة إليه وخوف المكافأة استقلالاً للعطية، والخوف على النفس استغناء لإدخال السرور على الناس؛ وثلاثة من أعلام حسن الخلق: قلة الخلاف على المعاشرين، وتحسين ما يرد عليه من أخلاقهم، وإلزام النفس اللائمة فيما يختلفون فيه كفاً عن معرفة عيوبهم؛ وثلاثة من أعلام الرحمة للخلق: انزواء العقل للملهوفين وبكاء القلب لليتيم والمسكين وفقدان الشماتة بمصائب المسلمين وبذل النصيحة لهم متجرعاً لمرارة ظنونهم وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهلوه وكرهوه؛ وثلاثة من أعظم الاستغناء بالله: التواضع للفقراء المذللين والتعظم على الأغنياء المتكبرين، وترك المعاشرة لأبناء الدنيا المستكبرين؛ وثلاثة من أعلام الحياء: وجدان الانس بفقدان الوحشة والامتلاء من الخلوة بإدمان التفكر واستشعار الهيبة بخالص المراقبة؛ وثلاثة من أعلام المعرفة: الاقبال على الله والانقطاع إلى الله والافتخار بالله؛ وثلاثة من أعلام التسليم: مقابلة القضاء بالرضا والصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء".(2/158)
. (7/228)
عن ابراهيم بن بشار خادم ابراهيم بن أدهم قال: نظر ابراهيم بن أدهم إلى رجل قد أصيب بمال ومتاع كثير وقع الحريق في دكانه فاشتد جزعه حتى خولط في عقله فقال له: يا عبد الله إن المال مال الله متعك به إن شاء وأخذه منك إن شاء فاصبر لأمره ولا تجزع فإن من تمام شكر الله على العافية الصبر له على المصيبة، ومن قدم وجد، ومن أخر فقد وندم. (7/228)
عن أحمد بن أبي الحواري حدثنا علي بن المديني قال: قيل لسفيان بن عيينة: ما حد الزهد؟ قال: أن تكون شاكراً في الرضا صابراً في البلاء. (7/228)
عن أبي عبد الله المعروف بنفطويه قال: كان يقال: العاقل من كرم صبره عند البلاء ولم يظهر منه ترفع عند الرضا. (7/228)
عن سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام التسليم: مقابلة القضاء بالرضا والصبر عند البلاء والشكر على الرخاء. (7/229)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سئل أبو عبد الله الصبيحي عن أصول الدين فقال: اثنان: صدق الافتقار إلى الله عز وجل، وحسن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وفر[و]عه أربعة أشياء: الوفاء بالعهود وحفظ الحدود والرضا بالموجود والصبر على المفقود. (7/229)
عن وهب بن منبه قال: قال عبد الله بن عباس: ما من مؤمن تقي يحبس الله عنه الدنيا ثلاثة أيام وهو في ذلك راض عن الله تعالى من غير جزع إلا وجبت له الجنة. (7/229)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عثمان سعيد بن عثمان السمرقندي العابد المجتهد قال: سمعت أبا عثمان سعيد بن اسماعيل غير مرة يقول لمن يحضره ويطلب صحبته من الأصحاب: من طلب جواري ولم يوطن نفسه على ثلاثة أشياء فليس له في جواري موضع أولها إلقاء العز وحمل الذل والثاني سكون قلبه على جوع ثلاثة أيام ولياليهن والثالث أن لا يغتم ولا يهتم إلا لدينه أو طلب إصلاح دينه فمن راض نفسه على هذه الثلاث الخصال حصل مستقره في جواري. (7/229)(2/159)
عن يحيى بن معين قال: أمر ابن زياد لصفوان بن محرز بألفي درهم فسرقت فقال: عسى أن يكون خيراً، فقال أهله: كيف يكون في هذا خير؟! فبلغ ابن زياد فأمر له بألفين فوجد الأولى التي سرقت فصارت أربعة آلاف درهم. (7/229)
عن ضمرة بن ربيعة عن ابن عطاء عن أبيه قال: المؤمن لا يتم له فرح يوم. (7/230)
عن الحسن بن الصباح بن محمد الواسطي قال: بلغني عن عاصم أبي عبد الرحمن الجرجاني [قال] إن لله عباداً رفعاء إلا أن بعضهم أرفع من بعض، ذهبت أعزي رجلاً وقد قتل ابنه الترك فبكى حين رآني فقلت له: ما يبكيك؟! قد قتل ابنك في سبيل الله عز وجل! قال: فقال لي: يا أبا عبد الرحمن أنت تظن أني أبكي لقتله، إنما أبكي كيف رضاه عن الله حين أخذته السيوف. (7/230)
عن أحمد بن أبي الحواري حدثنا ابراهيم بن نوح الموصلي قال: رجع فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة وكان صائماً فقال: عشوني فقالـ[ـوا]: ما عندنا من شيء نعشيك! قال: فما لكم جلوساً؟؟ في الظلمة؟! قالوا: ما عندنا زيت نسرج به، فجلس يبكي من الفرح فقال: يا إلهي مثلي يترك بلا عشاء ولا سراج؟! بأي يد كانت مني إليك؟! فما زال يبكي إلى الصبح. (7/230)
عن جعفر قال: سمعت ثابتاً البناني يقول: كان لنا جار إذا أمسى وليس عندهم شيء أمسى فرحاً وإذا أمسى وعندهم شيء أمسى مغموماً، فقالت له امرأته: يا فلان خالفت الناس! قال: فإني إذا أمسيت وليس عندي شيء أمسيت فرحاً، إذ كان لنا بآل محمد صلى الله عليه وسلم إسوة؛ وإذا كان عندنا شيء أصبحت مغموماً، إذ(1) لم يكن لنا بآل محمد صلى الله عليه وسلم إسوة. (7/230)
عن عبد الوهاب بن علي المصري قال: أغارت الروم على جواميس لبشير الطبراني فأتاه عبيد[ه] الرعاة فأخبروه فقال: أنتم أحرار (أيضاً، و)(2)كانت قيمتهم ألف دينار، فقال له ابنه: أفقرتنا! فقال: يا بني الله عز وجل أراد أن يختبرني فأردت أن أشكره وأزيده. (7/231)
__________
(1) كانت (إذا).
(2) كانت (أنصار).(2/160)
عن أبي حفص عمرو(1) بن علي قال: كان هجير يحيى(2) القطان إذا سكت ثم تكلم قال: نحيا ونموت وإليه المصير؛ قلت ليحيى في مرضه الذي مات فيه: يعافيك الله إن شاء الله، قال: أحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل. (7/231)
عن فرات بن سلمان قال: قال كعب: من رضي بقضاء الله وصبر على البلاء كتب من خالصي عباد الله عز وجل. (7/231)
عن أفلح الأسود العابد الشامي قال: الرضا عن الله ينتظم الصبر انتظاما. (7/231)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنشدني الإمام أبو سهل محمد بن سليمان [الصعلوكي] رحمه الله لنفسه:
وعظت فأحسنت المواعظ جهرة
وأشبعت لو أن المواعظ تنفع
إذا كانت الأيام أم مصائب
وهن جميع الدهر، لم يبق ممتع
إذا كان دهري كله يدر فرقة
ففرقة أحبابي هو الرتع يرتع
إذا كان عمري للفناء مسيره
فعمري بلا ريب بعمري مقطع
شكوت إلى دهري ورود فجيعة
فقال شكوت الورد والورد يشرع
رويداً أبا سهل فما الدهر صانع
وما للذي شاء المهيمن مدفع
(7/235)
عن أبي علي الحسن بن عبد الله الأديب قال: أنشدني محمد بن أعين:
أعاجيب هذا الدهر تُبكي قرونه(3)
وتضحكهم والحكم لله دونه
فمن سب دهراً كان بالله كافراً
ومن عاند الأيام أبدى جنونه
(7/235)
أخبرنا أبو عبدالله الحافظ قال سمعت أبا زكريا يحيى بن عمرو بن صالح البستي يقول: سمعت أبا العباس الدغولي ينشد لقيس بن الخطيم:
وما بعض الإقامة في ديار
يهان بها الفتى إلا بلاء
وبعض خلائق الأعداء داء
كداء البطن ليس له دواء
يريد المرء أن يعطي مناه
ويأبى الله إلا ما يشاء
وكل شديدة نزلت بحي
سيأتي بعد شدتها رخاء
ولا يعطى الحريص غنى(4)بحرص
وقد يمسي لذي الجود الثراء
غنى النفس ما عمدت غناها
وفقر النفس ما عمدت شقاء
وليس بنافع ذا البخل مال
وذو(5) النول ليس له دواء
(7/236)
__________
(1) كانت (عمر) فجعلتها (عمرو) وهو الفلاس.
(2) كان في الأصل (بن يحيى) وهو خطأ.
(3) يعني الناس.
(4) كانت (عنا).
(5) كانت (وذا).(2/161)
عن الحسين بن منصور قال: كثيراً ما كنت أسمع علي بن عثام يقول: اللهم لا تبل أخبارنا. (7/236)
عن علي بن الحسين قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: إلهي تبرني(1) بنعمائك فإنك لطيف ولا تبرني(2) ببلواك فإني ضعيف. (7/236)
عن ابراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض وهو يقول: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) قال: فجعل يردد هذه الآية وهو يقول: إنك إن بلوت أخبارنا هتكت أستارنا؛ إنك إن بلوت أخبارنا فضحتنا. (7/236)
عن قتادة قال: سأل عبيد الله بن زياد أبا بكرة: ما أعظم المصيبة؟ قال: مصيبة الرجل في دينه، قال: ليس عن هذا أسألك، قال: فموت الأب قاصمة الظهر، وموت الولد صدع في الفؤاد، وموت الأخ قص الجناح، وموت المرأة حزن ساعة. (7/236)
سمعت أبا القاسم المفسر ينشد في هذا المعنى قول الشاعر:
اصبر لكل مصيبة وتجلد
واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا ذكرت مصيبة تشجو بها
فاذكر مصابك بالنبي محمد
(7/238)
فصل
__________
(1) لعلها (برني) أو (ابلني).
(2) لعلها (تبلني).(2/162)
عن مبارك بن فضالة قال: شهدت الحسن في مسجد الجامع وجاء رجل من فارس فقال: إني لم أجئ حتى مات سعيد بن أبي الحسن، قلنا: فلا تخبره، قال: وكأنا قلنا أخبره، فما ترك الحسن يبلغ إلى البيت حتى نعاه إليه، فقال: فما تمالك الحسن أن وضع يده على الحائط؛ ثم قال: دخلنا عليه ولما نفق يبكي ومعنا بكر بن عبد الله المزني فقال: يا أبا سعيد إنك تعلم هذا المصر ومودتهم وإنهم لا يرون منك اليوم شيئاً إلا سعوا به إلى عشائرهم وقبائلهم؛ فتكلم الحسن فقال: الحمد لله الذي جعل هذه الرحمة في قلوب المؤمنين فرحم بها بعضهم بعضاً، تدمع العين ويحزن القلب وليس ذلك بالجزع، إنما الجزع ما كان من اللسان واليد؛ الحمد لله الذي لم يجعل حزن يعقوب عليه ذنباً إذ قال: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) رحم الله سعيداً وتجاوز عن سيئته في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون؛ ثم قال: والله ما كانت لتنزل شديدة إلا أن يكون به دوني(1)---. (7/242-243)
__________
(1) روى ابن سعد في الطبقات (7/178) عن مبارك بن فضالة قال: دخلنا على الحسن حين نعي له أخوه وهو يبكي فدخل عليه بكر بن عبد الله فعزاه وقال يا أبا سعيد إنك تعلم الناس وإنهم يرونك تبكي فيذهبون بهذا إلى عشائرهم فيقولون: رأينا الحسن يبكي عند المصيبة فيحتجون به على الناس، فحمد الله وأثنى عليه وقد خنقته العبرة فقال: الحمد لله إن الله جعل هذه الرحمة في قلوب المؤمنين فيرحم بها بعضهم بعضاً فتدمع العين ويحزن القلب وليس ذلك بجزع إنما الجزع ما كان من اللسان أو اليد، قال: ثم قال: إن الله لم يجعل حزن يعقوب عليه ذنباً إذ قال: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) ورحم الله سعيد بن أبي الحسن دعا له بدعاء كثير، ثم قال: ما علمت في الأرض من شدة كانت تنزل بي إلا كان يود أنه كان وقى ذلك بنفسه.(2/163)
عن أبي زيد العبدي قال: نظر علي بن أبي طالب إلى عدي بن حاتم كئيباً حزيناً فقال له: ما لي أراك كئيباً حزيناً؟! فقال: وما يمنعني يا أمير المؤمنين وقد قتل ابني(1) وفقئت عيني؟! فقال: يا عدي بن حاتم إنه من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجراً، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله. (7/243)
عن إبراهيم التيمي قال: نعي لعبد الله أخوه عتبة فقال: كان أعز الناس علي، قال: وأراه استرجع وقال: ما يسرني أنه بين ظهرانيكم حياً! قالوا: كيف يكون هذا وهو أعز الناس عليك؟! قال: إني [إن] أؤجر فيه أحب إلي من أن يؤجر في. (7/243)
عن ثابت قال: كان عبد الله بن مطرف(2) بن عبد الله بلغ في الدنيا حتى استعمل، فمات، فخرج مطرف وعليه ثياب من صالح ما كان يلبس فقالوا له: يموت عبد الله وتلبس مثل هذه الثياب؟! قال مطرف: أستكين لها(3) وقد وعدني الله عليها ثلاث خصال أحب إلي من الدنيا كلها؟! قال الله عز وجل: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) إلى قوله (هم المهتدون) فقد استرجعت كما أمرني ربي وكل واحدة من هذه الخصال أحب إلي من الدنيا وما فيها، قال مطرف: وما من شيء أعطي به في الآخرة قدر كوز من ماء إلا وددت أنه أخذ مني في الدنيا. (7/243)
__________
(1) كانت (أبي)!
(2) كانت (مظفر).
(3) كانت (بها) والمراد المصيبة..(2/164)
عن عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا سفيان بن عيينة أن ابناً لأبي جعفر محمد بن علي مرض، قال: فخشينا عليه، فلما توفي جزع عليه فصار مع الناس فقال له قائل: خشينا عليك فقال: إنا ندعو الله فيما نحب فإذا وقع ما نكره لم نخالف الله فيما يحب(1). (7/243)
عن قتادة قال: فرح صاحبا موسى عليه السلام بالغلام حين ولد لهما وجزعا عليه حين مات، ولو عاش كان فيه هلكتهما؛ فارض(2) أمراً قضاه الله فإن خيرة الله للمؤمن فيما يكره أكثر من خيرته فيما يحب. (7/243)
عن عبد الله بن المبارك أن عمر بن عبد العزيز عزي على ابنه عبد الملك فقال: إن الموت (أمر قد)(3) كنا وطَّنا أنفسنا عليه فلما وقع لم نستنكره(4). (7/245)
عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن صلة بن أشيم أنه كان يأكل يوماً فجاءه رجل فقال له: مات أخوك، فقال: هيهات، نعي إلي، اجلس فكل!! قال: ما سبقني إليك أحد! قال: قال الله عز وجل: (إنك ميت وإنهم ميتون) . (7/245)
عن عبد الملك بن قريب الأصمعي عن بعض أهل العلم قال: نعي مجزأة بن ثور(5) إلى أخيه شقيق فكأنه لم يُرَ ذاك فيه، فقال له البريد: هل نعاه إليك أحد قبلي؟ قال: نعم، أخبرنا الله عز وجل أنا سنموت. (7/245)
__________
(1) هذا الأثر وقع فيه هنا ما يمنع من فهمه على وجهه الصحيح ولكن رواه ابن أبي الدنيا في (الرضا عن الله بقضائئه) ص106 عن ابن عيينة عن رجل عن محمد بن علي أن بعض أهله اشتكى فوجد عليه ثم أخبر بموته فسري عنه فقيل له؟ فقال: ندعو الله فيما نحب فإذا وقع ما نكره لم نخالف الله فيما أحب.
(2) كانت (فرضي).
(3) كانت (مرقد).
(4) كانت (نستكره).
(5) انظر صفة بطولته وقصة استشهاده في فتح تستر في تاريخ الطبري 2/500-502 وفي كتب الصحابة كالإصابة وغيره وفي صور من حياة الصحابة للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا.(2/165)
عن ابن عون قال: كان محمد بن سيرين إذا أصابته مصيبة يكون كما كان قبل ذلك، يتحدث ويضحك إلا أنه يوم ماتت حفصة جعل يكشر وأنت تعرف في وجهه. (7/245)
عن يزيد بن موهب قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عون بن عبد الله يعزيه على ابنه: أما بعد فإنا من أهل الآخرة سكنا الدنيا، أموات أبناء أموات، فالعجب من ميت يكتب إلى ميت يعزيه عن ميت والسلام. (7/245)
عن عبد الله بن خبيق قال: قال سفيان: مات ابن لرجل فأتاه عبد الله بن ثعلبة يعزيه فقال له: إن أباك كان أصلك، وإن ابنك كان فرعك، وإن أمرأً ذهب أصله وفرعه لحري أن يقل بقاؤه. (7/246)
عن سهم بن عبد الحميد قال: سمعت يونس بن عبيد وعزاه عمرو بن عبيد على ابن له يقال له: عبد الله، قال: وكان فيما عزاه أن قال: إن أباك كان أصلك وإن ابنك كان فرعك وإن أمرأ ذهب أصله وفرعه لحري أن يقل بقاؤه. (7/246)(2/166)
عن عمر بن غياث عن محمد بن حارث قال: لما دفن عمر [بن ذر] ابنه وقف على قبره فقال: قد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك، ليت شعري ماذا تقول وماذا يقال لك؟! لولا هول المطلع لتمنيت اللحاق بك، اللهم إني قد وهبت له ما قصر فيه من بري، فاغفر له ما قصر فيه من طاعتك(1). (7/246)
عن محمد بن حارث(2) قال: عزى رجل نصراني رجلاً فقال: مثلي لا يعزي مثلك، ولكن انظر ما زهد فيه الجاهل فارغب فيه(3). (7/246)
__________
(1) رواه أبو نعيم في الحلية (5/108) مطولاً، ففيه أنه "لما مات ذر بن عمر بن ذر الهمداني - وكان موته فجأة - جاء أباه أهل بيته يبكون فقال: ما لكم إنا والله ما ظلمنا ولا قهرنا ولا ذهب لنا بحق ولا أخطىء بنا ولا أريد غيرنا! وما لنا على الله معتب؛ فلما وضعه في قبره قال: رحمك الله يا بني والله لقد كنت بي باراً، ولقد كنت عليك حدباً، وما بي اليك من وحشة ولا إلى أحد بعد الله فاقة، ولا ذهبت لنا بعز ولا أبقيت علينا من ذل، ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، يا ذر لولا هول المطلع ومحشره لتمنيت ما صرت اليه فليت شعري يا ذر ما قيل لك وماذا قلت؟! ثم قال: اللهم إنك وعدتني الثواب بالصبر على ذر، اللهم فعلى ذر صلواتك ورحمتك، اللهم إني قد وهبت ما جعلت لي من أجر على ذر لذر صلة مني فلا تعرفه قبيحاً، وتجاوز عنه، فإنك أرحم به مني، اللهم وإني قد وهبت لذر إساءته الي فهب له إساءته اليك، فإنك أجود مني وأكرم؛ فلما ذهب لينصرف، قال: يا ذر قد انصرفنا وتركناك ولو أقمنا ما نفعناك".
(2) كانت (حرث) فجعلتها (الحارث)، لأن المصنف قال في هذا الخبر: "وبإسناده [يعني إسناد الخبر الذي قبله] عن محمد بن حرب---"، فتبين إن إحدى الكلمتين مصحفة عن الأخرى.
(3) يعني ثواب الصبر على المصيبة.(2/167)
عن سفيان بن عيينة قال: لما مات ذر بن عمر بن ذر وقف عمر بن ذر على شفير قبره وهو يقول: يا بني شغلني الحزن لك عن(1) الحزن عليك، فليت شعري ما قلت وما قيل لك! اللهم إنك أمرته بطاعتك وأمرته ببري فقد وهبت له ما قصر فيه من حقي فهب له ما(2) قصر فيه من حقك. (7/246)
عن علي بن عثام عن إسماعيل بن سهيل قال: جاء ذر بن عمر وقد اشترى كذا ومعه(3) جمال، فسقط فمات، فقيل لأبيه عمر وكان يكنى به: مات ذر قال: فجاء فأكب عليه ثم قال: ما علينا من موت ذر غضاضة(4) وما لنا إلى أحد سوى الله حاجة؛ ثم قال: جهزوا ابني فلما كان عند القبر قال: شغلنا يا ذر الحزن لك عن الحزن عليك، ليت شعري ما قيل لك وما قلت؟! ثم قال: اللهم إني قد وهبت أجري من مصيبتي له فلا تعذبه. (7/247)
عن علي بن عثام قال: قال عمر بن ذر: إن لكل الهموم مؤنة(5) تحتمل إلا ما كان من هم الآخرة. (7/247)
عن علي بن عثام قال: بلغني عن ابن جريج أنه عزى رجلاً فقال: أسلُ صابراً قبل أن تسلو ناسياً. (7/247)
عن الحسن الهمداني قال: توفي للرشيد ابن فكتب إليه الفضيل بن عياض: أما بعد يا أمير المؤمنين فإن استطعت أن يكون شكرك له حين أخذه منك أفضل من شكرك له حين وهبه لك [فافعل]؛ يا أمير المؤمنين إنه جل ثناؤه لما وهبه لك أخذ هبته ولو بقي لك لم تسلم من فتنته، أرأيت جزعك عليه وتلهفك على فراقه؟! أرضيت الدنيا لنفسك(6) فترضاها(7) لابنك؟! أما هو قد خلص من الكدر، وبقيت أنت في الخطر. (7/247)
__________
(1) كانت (على).
(2) كانت (من).
(3) كانت (أو معه).
(4) كانت (غصاصة) وهو تصحيف؛ وفي مختار الصحاح ص199: "غَضّ منه: وضَع ونقص من قدره، وبابه ردَّ؛ ويقال: ليس عليه في هذا الأمر غَضَاضَة: أي ذلة ومنقصة".
(5) كانت (موتة).
(6) أي مع مثل هذا الجزع والتلهف والفرقة!
(7) كانت (وترضاها).(2/168)
عن السري قال: سمعت رجلاً يسأل الفضيل قال له: يا أبا علي علمني الرضا، فقال له الفضيل: يا ابن أخي إرض عن الله فبرضاك عن الله يهب لك الرضا. (7/247)
عن محمد بن عيسى الزاهد قال: فيما بلغنا أن عبد الرحمن بن مهدي مات له ابن فجزع عليه جزعاً شديداً حتى امتنع عن الطعام والشراب فبلغ ذلك محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله فكتب إليه: أما بعد فعز نفسك بما تعز[ي] به غيرك، ولتستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمضى المصائب فقد سرور مع حرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر وأقول:
إني معزيك لا أني على طمع
من الخلود ولكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد صاحبه
ولا المعزي ولو عاشا إلى حين
قال: وكانوا يتهادونه(1) بينهم بالبصرة. (7/248)
عن ابن الأنباري قال: بلغني أن ابن السماك حضر جنازة فعزى أهلها وقال: عليكم بتقوى الله والصبر فإن المصيبة واحدة إن صبر لها أهلها، وهي اثنتان إن جزعوا؛ ولعمري للمصيبة بالأجر أعظم من المصيبة بالميت، ثم قال: لو كان من جزع على ميته رُدَّ إليه لكان الصابر أعظم أجراً وأجزل ثواباً. (7/248)
عن ابن الأنباري قال: عزى إبراهيم بن يحيى بعض الخلفاء فقال: إن أحق من عرف حق الله فيما أخذ منه من عظَّم حق الله عنده فـ[يـ]ـما أبقى؛ واعلم أن الماضي قبلك الباقي لك، وأن الباقي بعدك المأجور فيك؛ [و]أن أجر الصابرين فيما يصابون به أعظم من النعمة عليهم فيما يعانون فيه. (7/249)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن الحسين يقول: لما تغير الحال على أبي عثمان وقت وفاته مزق ابنه أبو بكر قميصاً على نفسه ففتح أبو عثمان عينه وقال: يا بني خلاف السنة في الظاهر من رياء باطن في القلب. (7/249)
عن ابن الأنباري أنشد لعبد الله بن المعتز:
هو الدهر قد جربته وعرفته
فصبراً على مكروهه وتجلدا
وما الناس إلا سابق ثم لاحق
وابن موت(2) سوف يلحقه غدا
(7/249)
__________
(1) أي كتاب الشافعي.
(2) لعلها (ميت).(2/169)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الحافظ المصري لمنصور:
ما بين كان فلان وبين ابن فلان
إلا عقد له ما ينقضي به النفسان (7/249)
عن محمد بن الحسين بن الحذاء قال: قال سهل بن هارون: للتهنئة على آجل ثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة. (7/249)
عن محمد بن الحسين [بن الحذاء] قال: كتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه: من أيقن بالثواب عد المصيبة نعمة؛ ومصيبة وجب أجرها خير من نعمة لا يؤدى شكرها. (7/249)
عن أبي العباس سعيد السراج قال: مات أبو الحسن بن عبد العزيز الجردي فدخلت على أمه فقلت لها: تعزي، فقالت: مصيبتي أعظم من أن أفسدها بجزع. (7/250)
عن العلاء بن هلال قال: قيل للعتبي: مات محمد بن عباد؛ فقال: نحن متنا بفقده وهو حي بمجده. (7/250)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنشدني يوسف بن صالح اليشكري قال: أنشد بعض إخواني:
وقلت أخي قالوا أخ من قرابة
فقلت: نعم إنا السلوك أقارب
يسيني في أرى(1) وغرمي ومنصبي
وإن باعدتنا في الديار المناسب(2)
عجبت لصبري بعده وهو ميت
وقد كنت أبكيه دماً وهو غائب
علي إنما الأيام قد صرن كلها
عجائب حتى ليس فيها عجائب
(7/250)
عن ذي النون المصري قال: كنت في الطواف وإذا أنا بجاريتين قد أقبلتا فتعلقت إحداهما بأستار الكعبة فإذا هي تقول:
أما لفتاة جرد الهجر(3)بينها
وبين الذي تهواه يا رب من وصل
حججت ولم أحج لسوء عملته
ولكن لتعذيبي على قاطع الحبل
ذهبت بعقلي في هواه صغيرة
فقد كبرت سني فرد به عقلي
وإلا فساء الحب بيني وبينه
فإنك يا مولاي توصف بالعدل
__________
(1) لعلها (نسيبي في أرشي).
(2) وقع في هذين البيتين الأولين أو في ثانيهما فقط تصحيف كما تراه.
(3) كانت (والهجر).(2/170)
قال: فصحت بها فقلت: ويحك! أمثل هذا الشعر يقال لله عز وجل؟! فقالت: إليك عني يا ذا النون فلو أطلعك الخبير على الضمير لرحمت من عذلتَ(1) ؛ بمرو بيت(2) الأخرى فقالت: يا ذا النون لأقولن أعجب من هذا، ثم أنشأت تقول:
صبرت وكان الصبر مغبة(3)
وهل جزع يجري علي فأجزع
صبرت على ما لو تحمل بعضه
جبال مرودي لأصبحت تتصدع
ملكت دموع العين ثم رددتها
إلى ناظري فالعين في القلب تدفع
قلت: من ماذا يا جارية؟ فقالت: من مصيبة نالتني لم تصب أحداً قط، قلت: وما هذه المصيبة؟ قالت: يا ذا النون كان لي شبلان يلعبان أمامي وكان أبوهما ضحى بكبشين فقال أحدهما لأخيه: يا أخيه أريك كيف ضحى أبونا بكبشه؟! فنام أحدهما وأخذ الآخر شفرة فنحره وهرب القاتل فدخل أبوهما فقلت: إن ابنك قتل أخاه فهرب فخرج في طلبه فوجده قد افترسه السبع فرجع الأب فمات في الطريق ظمأ وجوعاً؛ وكان لي طفل صغير وكنت أطبخ قدراً فغفلت عنه فأصاب؟؟ فسقط القدر عليه فمات حرقاً؛ قال ذو النون: فلم أسمع بشيء أعجب من ذلك. (7/250-251)
عن عمر بن محمد بن بجير قال: خرجت في جنازة أحمد بن صالح بمصر فرأيت على قبر مكتوب:
قبر عزيز علينا
لو أن من فيه يفدى(4)
أسكنت قرة عيني
ومنية النفس لحدا
ما صار خلق(5)علينا
لا القضاء تعدى
والصبر أحسن ثوب
به الفتى يتردى
(7/251)
عن عبيد الله بن محمد العائشي قال: قدمت امرأة إلى البصرة في سنة شهباء ومعها اثنان لها فلم يأت عليها الحول حتى دفنتهما فقعدت بين قبريهما فقالت:
فلله عيناي اللذان؟؟ أراهما
قريبين مني والمزار بعيد
هما تركا عيني لا ماء فيهما
وشكا سواد القلب فهو عميد
مقيمان بالبيداء لا يبرحانه(6)
__________
(1) كانت (عزلت).
(2) كذا ولعل هاتين الكلمتين صوابهما هذا: (ثم وقفت).
(3) لعله سقطت قبل (مغبة) كلمة نحو (أجدى) أو (أولى).
(4) كانت (يغدى).
(5) لعل الصواب: (ما صار حق) وتكون (ما) موصولة، أو (ما جار خالق) على النفي.
(6) كانت (لا يرجانه).(2/171)
ولا يسألان الركب أين تريد
فقيل لها: لو أتيت عبد الله بن العباس فقصصت عليه القصة فأتته فقالت له: يا ابن عم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إني أصبحت لا عند قريب يحميني ولا عند عشير يؤويني، وإني سألت عن المرء خاشيه(1) المأمول نائله المعطى سائله فأرشدت إليك فاعمل بي واحدة من ثلاث: إما أن تقيم أودي، أو تحسن صلتي، أو تردني إلى أهلي، فقال عبد الله: كل يُفعل بك. (7/251-252)
عن القاسم بن معن قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رحم الله زيداً، يعني أخاه، هاجر قبلي واستشهد قبلي؛ ما هبت الرياح من تلقاء اليمامة إلا أتتني برياه(2) وما ذكرت قول متمم بن نويرة إلا ذكرته(3):
وكنا كندماني جذيمة حفنة
من الدهر حتى قيل لن(4) يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً
بطول اجتماع لم نبت ليلة معا
(7/252)
عن سفيان بن عيينة قال: كان عمر إذا أصيب بمصيبة قال: قد أصبت بزيد فصبرت. (7/252)
عن عبد الله بن المبارك عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد أن عمر قال لمتمم بن نويرة: لو كنت شاعراً أثنيت على أخي كما أثنيت على أخيك متمم فقال: لو كان مهلك أخي كمهلك أخيك لتعزيت عنه فقال عمر: ما رأيت تعزية أحسن من هذه. (7/252)
عن الأعمش عن إبراهيم بن يزيد بن أوس قال: شهد علقمة ابن أخ له لما حضر فجعل يعرق جبينه فضحك فقيل له: ما يضحكك يا أبا شبل؟! فقال: سمعت ابن مسعود يقول: إن نفس المؤمن تخرج رشحاً، وإن نفس الكافر أو الفاجر تخرج من شدقه كما تخرج نفس الحمار، وإن المؤمن ليكون قد عمل السيئة فيشدد عليه عند الموت ليكفر بها، وإن الكافر أو الفاجر ليكون قد عمل الحسنة فيهون عليه عند الموت ليكفر؟؟ بها. (7/255)
عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال: قال عمر بن عبدالعزيز: ما أحب أن يهون علي سكرات الموت لأنه آخر ما يؤجر عليه المؤمن ويكفر به عنه. (7/255)
__________
(1) كأن في هذه الجملة سقطاً.
(2) لعلها (برثاه).
(3) وفي رواية: إلا هاج بي شجياً.
(4) كانتا (قل أن).(2/172)
عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أن امرأة دخلت بيت عائشة فصلت عند بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صحيحة فلم ترفع رأسها حتى ماتت، قالت عائشة: الحمد لله الذي يحيي ويميت إن هذا لعبرة لي في أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان عبد الرحمن رقد في مقيل قال(1) فذهبوا يوقظونه فوجدوه قد مات، فدخل نفس عائشة تهمة أن يكون صنع به شيء أو عجل عليه فدفن وهو حي، فرأت أنها عبرة لها وذهب ما كان في نفسها. (7/256)
عن أبي بكر بن أبي الدنيا حدثني أبو بكر الصيرفي قال عباية أبو غسان: حممت بنيسابور فأطبقت علي الحمى فدعوت بهذا الدعاء: اللهم كلما أنعمت علي نعمة قل عندها شكري، وكلما ابتليتني ببلية قل عندها صبري، فيا من قل شكري عند نعمته فلم يخذلني، ويا من قل عند بلائه صبري فلم يعاقبني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، اكشف ضري؛ قال: فذهب(2) عني. (7/258)
الحادي والسبعون من شعب الإيمان
وهو باب في الزهد وقصر الأمل(3)
__________
(1) لعلها (قاله) من القيلولة.
(2) لعلها (فذهبت) والكلمتان صحيحتان؛ الأولى تعود على المرض والثانية على الحمى.
(3) فيما يلي طائفة من أسماء كتب الزهد أذكرها للفائدة:
الزهد: زائدة بن قدامة أبو الصلت االكوفي (ت160) ذكره الداودي في طبقات المفسرين 1/175.
الزهد والرقائق: عبد الله بن المبارك (ت181)؛ طبع مع زوائده بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
زيادات على زهد ابن المبارك: الحسين بن الحسن المروزي (ت246).
زيادات على زهد ابن المبارك: نعيم بن حماد (ت228).
زيادات على زهد ابن المبارك: يحيى بن صاعد (ت318).
الزهد: المعافى بن عمران الموصلي (ت185)؛ توجد نسخة خطية منه في الظاهرية، حديث 359، في مجموع، 19 ورقة ، انظر تاريخ التراث العربي 2/433.
الرقائق: الفضيل بن عياض ( ت 187)، ذكره ابن خير في فهرسته باسم رقائق الفضيل بن عياض (268).
الزهد: محمد بن فضيل بن غزوان (ت195)، ذكره الذهبي في التذكرة 1/315 وابن حجر في المعجم المفهرس 1/238، وذكر أنه في جزء؛ والداودي في طبقات المفسرين ؛ ومنه اقتباسات في الإصابة، وانظر تاريخ التراث االعربي 1/139.
الزهد: وكيع بن الجراح (ت197)، نشرته مكتبة الدار في المدينة المنورة سنة 1404 بتحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي.
الزهد: سيار بن حاتم (ت 200 أو قبلها)، ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب 3/483؛ وانظر أمثال الحديث للرامهرمزي ص38.
الزهد: سعيد بن منصور المروزي (ت 227)، ذكره ابن خير في فهرسته (271) والسمعاني في التحبير في المعجم الكبير (2/22 و 345).
الزهد: أسد بن موسى المعروف بأسد السنة (ت 212)، ذكره ابن حجر في المعجم المفهرس (1/239) وذكره ابن خير في فهرسته (270) بإسم الزهد والعبادة والورع، وذكره غيرهما، وقام بتحقيقه وترجمته إلى الألمانية آر، جي، خوري ( R. G. KHOURY) ، وطبع الكتاب في سنة 1976 م في فيسادون (WIESBADEN) ، وقد نقل ابن رجب في رسالته (الخشوع في الصلاة) من كتاب الورع لأسد بن موسى، ويظهر أنه هذ الكتاب نفسه.
التصوف: بشر الحافي (ت 227)، منه نسخة محفوظة في مكتبة خدابخش ، بتنة ، الهند، انظر تاريخ التراث العربي 2/436؛ ويغلب على ظني أن هذا الكتاب منسوب إلى بشر الحافي وليس من تأليفه في حقيقة الأمر، لأمور يطول ذكرها في هذا المقام.
الزهد: أحمد بن حرب النيسابوري (ت 234)، ذكره حاجي خليفة 2/1422.
الزهد والرقائق: محمد بن الحسين البرجلاني (ت 238)؛ ذكره الخطيب في ترجمته من تاريخ بغداد 2/222، قال الخطيب: "وهو صاحب كتاب الزهد والرقائق"، ولكني أخشى أن تكون كلمة (كتاب) مصحفة عن (كتب).
الزهد: أبو بكر ابن أبي شيبة، ذكر السمعاني منه الأول والثاني والثالث والرابع من مسموعاته (التحبير في المعجم الكبير 2/276).
الزهد: أحمد بن حنبل (ت 241)، مطبوع، وفيه – أعني المطبوع - نحو 2345 خبراً ما بين مرفوع وموقوف، وهذه النسخ المطبوعة التي بين أيدي الناس ناقصة فقد قال ابن خير: هو عشرون جزءاً، وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة: إنه كتاب كبير يكون في قدر ثلث المسند، مع كبر المسند، وفيه من الأحاديث والآثار مما ليس في المسند شيء كثير. انتهى.
زيادات عبد الله بن أحمد على زهد أبيه، وهي زيادات مفرقة في مواضعها من أبواب الأصل.
الورع: أحمد بن حنبل، مطبوع، ولو نسب إلى أبي بكر المروزي تلميذ أحمد لكان ذلك أصح وأليق بالحقيقة.
الزهد: هناد بن السري (ت 243)، مطبوع.
الزهد: حارث بن أسد المحاسبي (ت 243)، ذكره ابن خير في فهرسته (271) ، وذكر له فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي 2/440 (كتاب المكاسب والورع والشبهات) وذكر أنه مخطوط في مكتبة جار الله.
الزهد: ابن أبي الحواري (ت 246) ، ذكره ابن خير في فهرسته (277) والذهبي في السير 14/117.
زهد ابن سيرين وأيوب ووهيب بن الورد وابراهيم بن أدهم وسليمان الخواص: أحمد بن ابراهيم الدورقي (ت 246) ، ذكره ابن خير في فهرسته (274).
الرقائق: أبو أحمد محمد بن أحمد العسال الأصبهاني (ت 249)، انظر تذكرة الحفاظ 3/98.
الزهد وما يجب على المتناظرين من حسن الأدب: محمد بن سحنون (ت 256)، ذكره ابن خير في فهرسته (301).
الزهد: ابراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي نزيل سامرا (ت 260) ، قال الخطيب في تاريخه (6/120): "صاحب كتب الزهد والرقائق" ونحو ذلك قال الذهبي في التذكرة 2/149، وانظر الجرح والتعديل 1/1/110؛ وأخرج السهمي في تاريخ جرجان (146) رواية من كتاب الزهد له.
كتاب في ذم الدنيا والزهد فيها: أبو جعفر محمد بن المثنى بن زياد السمار (ت 260)، مخطوط في الظاهرية.
الزهد: أبو زرعة الرازي (ت 264)، يوجد منه اقتباسات في الإصابة، انظر تاريخ التراث العربي 1/226.
الزهد: ابو داود السجستاني (ت 275) مخطوط بمكتبة القرويين بفاس، ذكره ابن خير في فهرسته (109 و 274) وابن حجر في المعجم المفهرس من رواية ابن داسة عن أبي داود، ومعظم مواد الكتاب آثار وأقوال على غرار كتاب الزهد لشيخه أحمد بن حنبل.
الزهد: الترمذي؛ قال الذهبي في ترجمة الترمذي صاحب السنن من تذكرة الحفاظ: "ولأبي عيسى كتاب الزهد مفرد لم يقع لنا "؛ وكذلك قال ابن حجر في ترجمة الترمذي من التهذيب.
الزهد: ابن أبي حاتم؛ انظر التدوين في أخبار قزوين للرافعي 1/212 و 499.
الزهد وأخبار الزهاد: محمد بن عمران المرزباني؛ ذكره ابن النديم في الفهرست ص191.
الزهد: عبد الله بن خبيق الأنطاكي؛ ورد ذكره في تاريخ بغداد 2/55.
الزهد الكبير: البيهقي، مطبوع بمؤسسة الكتب الثقافية في بيروت، سنة 1996.
الزهد: ابن أبي عاصم، مطبوع.
الزهد: ابن الأعرابي، مطبوع.
الزهد: سيف، ذكره ابن حجر في فتح الباري 8/87.
الزهد: أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي، انظر فيض القدير للمناوي 3/551 ومقدمة محقق طبقات الصوفية للسلمي نفسه.
هذا بالإضافة إلى كل كتب ابن أبي الدنيا أو معظمها وكذلك يدخل في باب الزهد والرقائق كل ما ورد في حلية الأولياء أو معظمه، وكل ما ورد في هذا الكتاب أعني الشعب أو معظمه؛ ويدخل في ذلك أيضاً طائفة من كتب أبي الشيخ الاصبهاني كالعظمة وغيره، والخطيب البغدادي كاقتضاء العلم العمل وغيره، وابن الجوزي كذم الهوى ومختصر منهاج القاصدين وغيرهما، وابن قدامة كالرقة والبكاء واالمتحابين في الله والتوابين وغيرها، وابن تيمية كالاستقامة وغيره، وابن القيم كالمدارج وحادي الأرواح والفوائد غيرها، وغيرهم، أو فصول من تلك الكتب؛ ويدخل فيه أيضاً جملة كثيرة طيبة مما جمعه السيوطي في كتابه الجليل الدر المنثور؛ وكذلك يدخل فيه أكثر ما ورد في كتب الأخلاق والأدب والحكم والمواعظ ككتاب المجالسة وجواهر العلم لأحمد بن مروان الدينوري وأدب الدنيا والدين للماوردي، وكذلك قدر معتبر مما ورد في كثير من كتب الأدب كعيون الأخبار لابن قتيبة والعقد الفريد لابن عبد ربه وربيع الأبرار ونصوص الأخيار للزمخشري، هذا بالإضافة إلى كتب الترغيب والترهيب، وأبواب الرقائق والتزكية من كتب السنة.
وقد قال ابن النديم في الفهرست 261-263: "أسماء المصنفين من الزهاد والمتصوفة وذكر ما صنفوه من الكتب:
الحارث بن أسد المحاسبي البغدادي من الزهاد المتكلمين على العبادة والزهد في الدنيا والمواعظ وكان فقيها منكلما مقدما كتب الحديث وعرف مذاهب النساك وتوفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين وله من الكتب كتاب التفكر والاعتبار قال الخطيب له كتب كثيرة في الزهد وأصول الديانة والرد على المعتزلة.
عبد العزيز بن يحيى المكي في طبقة الحارث وهو عبد العزيز بن يحيى بن عبد الملك بن مسلم بن ميمون الكناني وكان متكلما مقدما وزاهدا عابدا وله في الكلام والزهد كتب وتوفي وله من الكتب كتاب الحيدة فيما جرى بينه وبين بشر المريسي.
منصور بن عمار ويكنى أبا السري وكان زاهداً معصوماً؟؟ وما أخذ عن منصور فانما جعله مجالس لم يسم ذلك كتباً، فمن ذلك مجلس في الجنين مجلس الديباج مجلس صفة الابل مجلس السبيل مجلس في ذكر الموت مجلس في حسن الظن بالله مجلس في العينة والدين مجلس في البلى مجلس السحاب على أهل النار مجلس في انظرونا مجلس في الغمسة مجلس العرض على الله عز وجل مجلس نقتبس من نوركم في النار مجلس التقفورية في الغزو مجلس المسجى في ذكر الموت.
البرجلاني واسمه محمد بن الحسين ويكنى أبا جعفر من المصنفين لكتب الزهد والورع وتوفي وله من الكتب كتاب الصحبة كتاب المتيمين كتاب الجود والكرم كتاب الهمة كتاب الصبر كتاب الطاعة.
عتبة الغلام أحد الزهاد وله من الكتب كتاب رسالته في الزهد.
ابن أبي الدنيا واسمه عبيد الله بن محمد بن عبيد ويكنى أبا بكر وكان قرشياً من ولاء وكان يؤدب المكتفي بالله وكان ورعا زاهدا عالما بالأخبار والروايات وتوفي يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين ومائتين وله من الكتب كتاب مكايد الشيطان كتاب الحلم كتاب فقه النبي عليه السلام كتاب ذم الملاهي كتاب ذم الفحش كتاب العفو كتاب ذم المسكر كتاب التوكيد مات شهر رمضان كتاب صدقة الفطر كتاب تزويج فاطمة رضي الله عنها كتاب القراءة كتاب الأصوات كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتاب الهم والحزن والكمد كتاب الإخلاص والنية كتاب الطواعين كتاب الصبر وآداب اللسان كتاب النوادر كتاب الرغائب كتاب التوابع كتاب أخبار قريش كتاب ذم الدنيا كتاب صفة الميزان كتاب صفة الصراط كتاب الموقف كتاب شجرة طوبا كتاب سدرة المنتهى كتاب مكارم الأخلاق كتاب ذكر الموت والقبور كتاب فعل المنكر كتاب التقوى كتاب زهد مالك بن دينار.
ابن الجنيد واسمه وله من الكتب كتاب المحبة كتاب الخوف كتاب الورع كتاب الرهبان.
المصري أبو الحسن علي بن محمد بن احمد واصله من سرمرى انتقل الى مصر ثم عاد الى بغداد ومولده بسرمرى سنة سبع وخمسين ومئتين وبها منشأه وكان ورعا زاهدا فقيها عارفا بالحديث وتوفي سنة ثمان وثلاثين وثلثمئة وله من الكتب في الزهد الكتاب الكبير ويحتوي على أربعين كتابا منها كتاب قيام الليل كتاب المتحابين كتاب المراقبة كتاب الصمت كتاب الخوف كتاب التوبة كتاب الصبر كتاب الاناث والمجانين كتاب الجامع الصغير في الآداب كتاب الحديث في الزهد كتاب التواضع حديث كتاب الإخلاص وله بعد ذلك في الفقه كتاب المناسك كتاب الطهارة كتاب الصلاة كتاب الفرائض كتاب النية كتاب الزكاة كتاب الصيام كتاب فضل الفقر على الغنى---".
وفي الجملة فمن أطال نفسه جمع من أسماء كتب الزهد وما قاربها في موضوعها مئات كثيرة قبل أن يحصيها، ومنها المطبوع والمخطوط والمفقود؛ والحمد لله على إكمال دينه وحفظه له على هذه الأمة.(2/173)
عن مجاهد عن ابن عمر قال: كان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك وخذ من حياتك لموتك. (7/261)
عن مجاهد قال: قال لي ابن عمر: يا مجاهد إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك وخذ من حياتك قبل موتك، فإنك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غداً. (7/262)
عن أبي القاسم إبراهيم بن إسحاق الديباجي بهمدان قال: أنشدنا أبو عصمة محمد بن أحمد السجستاني بالبصرة لنفسه:
أنبأنا خير بني آدم
وما على أحمد إلا البلاغ
الناس مغبونون في نعمتي
صحة أبدانهم والفراغ
(7/264)
عن شقيق عن أبي موسى أن هذا الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم. (7/274)
عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: لقد كان أصحاب الصفة سبعين رجلاً، ما لهم أردية(1). (7/283)
عن بشر بن عبد الله عن واثلة بن الأسقع قال: كنت من أصحاب الصفة وما منا إنسان عليه ثوب تام وقد اتخذ العرق في جلودنا طرقاً من الغبار والوسخ. (7/283)
__________
(1) أخرجه البخاري.(2/174)
عن حميد بن هلال عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها وإنكم منقلبون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما [بـ]ـحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوى فيها سبعين عاماً لا يدرك لها قعراً، ووالله لتملأن الجحيم فعجبتم ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام؛ ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت(1) أشداقنا فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت ببعضها واتزر سعد ببعضها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميراً على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله صغيراً، وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت حتى يكون آخر عاقبتها ملكاً، وستجربون الأمراء بعدي(2). (7/285)
عن عبد الله بن سخبرة عن علي قال: ما أصبح بالكوفة أحد إلا ناعم، إن أدناهم منزلة يشرب من ماء الفرات ويجلس في الظل ويأكل من البر؛ وإنما أنزلت هذه الآية في أهل الصفة (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء)، وذلك لأنهم قالوا: [لو] أن لنا، فتمنوا الدنيا(3). (7/286)
عن ابن عباس قال: قال موسى عليه السلام حين كلم ربه: أي رب أي عبادك أحب إليك؟ قال: أكثرهم لي ذكراً، قال: [رب] أي عبادك أحكم؟ قال: الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس، قال: رب أي عبادك أغنى؟ قال: الراضي بما أعطيته. (7/291)
عن خيثمة عن عبد الله قال: تكون أمور مشتبهات فعليكم بالتؤدة، فإن أحدكم أن يكون تابعاً في الخير خير من أن يكون رأساً في الشر. (7/297)
__________
(1) كانت (فرحت).
(2) رواه مسلم في الصحيح.
(3) رواه المصنف أيضاً عن غير علي.(2/175)
عن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما [يـ]تداعى القوم على قصعتهم! قيل: من قلة؟! قال(1): لا، ولكنه غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب عدوكم بحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت(2). (7/297)
عن معمر عن إسماعيل بن شروس عن عكرمة بن خالد قال: كان رجل يتعبد فجاءه شيطان ليفتنه فازداد عبادة فتمثل له برجل فقال: أصحبك؟ فقال العابد: نعم، فصحبه فكان يتخلف عنه ويطيف به فأنزل الله عز وجل ملكاً(3)، فلما رآه الشيطان عرفه ولم يعرفه الإنسان، فكان إذا أمسى(4) تخلف الشيطان فمد الملك يده نحو الشيطان فقتله فقال الرجل: ما رأيت كاليوم، قتلته وهو من حاله ومن حالـ[ـه]؟! ثم انطلقا حتى نزلا قرية فأنزلوهما فضيفوهما فأخذ الملك منهم إناء من فضة ثم انطلقا فنزلا في قرية أخرى فلم ينزلوهما ولم يضيفوهما فأعطاهم الملك الإناء فقال له: أما من ضافنا فأخذت إناءهم وأما من لم يضفنا فأعطيته إناء الآخرين!! فلن تصحبني! فقال: أما الذي قتلته فإنه شيطان أراد أن يفتنك، وأما الذي أخذت منهم الإناء فإنهم قوم صالحون فلم يكن ينبغي لهم، وكان هؤلاء قوماً فاسقين فكانوا أحق به؛ قال: ثم عرج إلى السماء والرجل ينظر. (7/322)
__________
(1) كان قبلها (من) فحذفتها.
(2) قال المؤلف: هكذا روي بهذا الإسناد موقوفاً.
(3) أي على هيئة رجل.
(4) لعلها (مشى).(2/176)
عن خيثمة قال: قال عبد الله - هو ابن مسعود - إن الرجل ليطلب الأمر من التجارة أو الإمارة حتى إذا قدر عليها في نفسه ذكره الله عز وجل فوق سبع سماوات فبعث الله ملكاً إئت عبدي هذا فاصرف عنه هذا الأمر فإني إن أيسر له هذا الأمر أدخلته به النار، قال: فيصرفه عنه وظل يبطي بجيرانه من سبعين ما صرف عنه إلا الله عز وجل يعني من ينفعني(1). (7/323)
عن علي بن عثام قال: إذا أبغض الله عبداً قيض(2) له ملكاً [و]قال: أترفه، فإذا أترفه نسي التضرع والدعاء(3). (7/323)
عن داود الطائي قال: أبت الدنيا أن تجدي(4) إلا بالإختلاط. (7/323)
عن أبي حازم قال: يسير الدنيا يشغل عن كثير من الآخرة. (7/323)
عن سفيان بن سعيد [الثوري] قال: كان عيسى عليه السلام يقول: حب الدنيا أصل كل خطيئة؛ والمال فيه داء كبير، قالوا: وما داؤه؟ قال: لا يسلم من الفخر ولا الخيلاء، قالوا(5): فإن سلم؟ [قال] يشغله إصلاحه عن ذكر الله عز وجل. (7/323)
__________
(1) وقع فيه من التحريف ما أفسده، وإليك صوابه من االزهد لهناد بن السري، فقد قال 1/238-239: "حدثنا أبو معاوية عن خيثمة قال: قال عبد الله: إن الرجل ليريد الأمر من التجارة أو الإمارة حتى إذا قدر عليه وأشرف عليه في نفسه بعث الله تعالى إليه ملكاً فقال: ائت عبدي فاصرفه فإني إن أيسر[ه] له أدخل به النار، قال: فيأتيه فيصرفه عنه، قال: فيظل يتظنى بجيرانه من سبقني من سبقني، قال: وإنما ذكر[ه] الله فوق سبع سموات فصرفـ[ـه] عنه". وفي الرضا عن الله بقضائه (ص84): "---فيجيء الملك فيعوقه فيصرف عنه فيظل يتطير بجيرانه، دهاني فلان سبقني فلان، وما صرفه عنه إلا الله.
(2) كانت (فيقل).
(3) وما أكثر الترف في هذا الوقت، والله المستعان، هو ملجأنا وإليه مهربنا.
(4) في الزهد الكبير للمصنف ص69: (تجري)، وكأنه الصحيح.
(5) إن كانت مصحفة عن (قال) فعند ذاك لا حاجة إلى الزيادة التي استدركتها فيما يأتي.(2/177)
عن الحسين بن منصور قال: حدثت عن فضيل بن عياض في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"، قال: هي سجن من ترك لذاتها وشهواتها، فأما الذي لا يترك لذاتها ولا شهواتها فأي سجن هي عليه. (7/325)
عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من هوان الدنيا على الله أن يحيى بن زكريا عليهما السلام قتلته امرأة، هذا إسناد ضعيف، وروي عن ابن عباس موقوفاً عليه قصة قتله وهو أن ابنة أخ الملك سألته ذبحه فذبحه، وذلك حين حرم نكاح ابنة الأخ وكانت تعجب الملك ويريد نكاحها. (7/325)
عن أبي أمامة الباهلي قال: لما بعث محمداً صلى الله عليه وسلم أتت إبليس جنوده فقالوا: قد بعث نبي وأخرجت أمته فقال يحبون الدنيا قالوا نعم قال لئن كانوا جميعا يحبونها ما أبالي أن لا يعبدوا الأوثان وأنا أغدو عليهم وأروح بثلاثة: أخذ المال من غير حله(1) وإنفاقه في غير حقه، وإمساكه عن حقه والشر كله لها تبع. (7/338)
عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء قال: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما أدى إليه. (7/342)
عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا يعجبكم إنسان وإن صلى وإن صام حتى تنظروا على ما يهجم من الدنيا. (7/342)
عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال: يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال: أميزوا ما كان منها لله عز وجل فيماز ويرمى سائره في النار. (7/342)
عن موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمرو بن العاص يخطب الناس بمصر يقول: ما أبعد هديكم من هدى نبيكم صلى الله عليه وسلم أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا وأما أنتم [فـ]ـأرغب الناس فيها(2). (7/343)
عن عاصم الأحول قال: بلغني أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فأراه قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فقال: عن هؤلاء فسل(3). (7/343)
__________
(1) كانت (حقه).
(2) هذا فيه معنى الرفع.
(3) لعلها (تسأل) كما في بعض الكتب.(2/178)
عن ابن مسعود قال: الأنبياء قادة والفقهاء سادة ومجالستهم زيادة وأنتم في ممر الليل والنهار على آجال منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتيكم بغتة، فمن يزرع خيراً يحصد رغبة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة؛ [أو كما قال](1). (7/359)
عن عبد الله بن عكيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو له أهل وتخلطوا الرغبة والرهبة وتُجْمِعوا الإلحاف بالمسألة(2)، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)؛ ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أمل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن لا تنقضي آجالكم إلا وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله عز وجل، فسارعوا في مهل أيامكم(3) قبل أن تنقضي آجالكم فتردكم إلى أسوأ أعمالكم، فإن أقواماً جعلوا آجالهم لغيرهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم! الوحا الوحا ثم النجا النجا، فإن من ورائكم طالباً حثيثاً، مره سريع، يعني الموت. (7/364)
__________
(1) إنما زدت هذه العبارة لأن االمصنف روى هذا الخبر مرفوعاً من مسند علي أولاً ثم قال: وقد روينا هذا عن عبدالله بن مسعود ومن قوله غير مرفوع وهو المحفوظ؛ انتهى فلست على يقين من تطابق ألفاظ الروايتين المرفوعة والموقوفة فإنه لم يسق متن الموقوفة، وإنما اقتصر على الإحالة.
(2) كانت (بالمسلمين) وهو تصحيف سيء الأثر على المعنى، وأصلحته من مصنف ابن أبي شيبة 7/91.
(3) كانت (إياكم) ولعلها (آجالكم) كما في الرواية التي تلي هذه وكما في المصنَّف.(2/179)
عن عبد الله بن عكيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل؛ ثم قال: أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: إ(نهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)؛ ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم وأخذ على ذلك مواثيقكم واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم لا يطفأ نوره ولا تنقضي عجائبه فاستضيئوا بنوره وانتصحوا كتابه واستضيئوا منه ليوم الظلمة، فإنه إنما خلقكم لعبادته ووكل بكم كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون؛ ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم ويردكم إلى أسوأ أعمالكم، فإن أقواماً جعلوا(1) آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، فالوحا الوحا، ثم النجا النجا، فإن وراءكم طالباً حثيثاً، مره سريع. (7/364)
عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في خطبته: أين الوضاءة الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم؟! أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان؟! أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟! قد تضعضع أركانهم حين أضنى بهم الدهر وأصبحوا في ظلمات القبور! الوحا الوحا ثم النجا النجا(2)
__________
(1) كان قبلها (ما) فحذفتها.
(2) قال الخطابي في غريب الحديث /19: "قوله "تضعضع بهم الدهر" أي ضعضعهم الدهر ومعناه بددهم وشتت شملهم والضعضعة التبديد والتفريق، قال جرير:
باز يضعضع بالدهنا قطا جونا
ومثله الدغدغة، ومن كلام العرب في تبديد الشمل: صار القوم أيادي سبأ، وتفرقوا شذر مذر وشغر بغر، إذا صاروا عباديد شتى، وإنما نسب للتفرق والتبدد إلى الدهر على معنى أن وقوعهما كان في أيام الدهر والعرب تقول في الرجل إذا طال عمره قد أكل عليه الدهر وشرب يريد أنه أكل وشرب دهرا طويلاً، ومن هذا قول الله تعالى بل مكر الليل والنهار، أي مكركم في الليل والنهار، ومثله قولهم ليل نائم أي منوم فيه، قال الشاعر:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم
والوحا السرعة والاستعجال في السير والفعل منه توحيت توحياً".
وفي لسان العرب 15/305-306: "والنَّجاء: السُّرْعةُ في السير، وقد نَجا نَجاء؛ ممدود، وهو يَنْجُو في السُّرْعة نَجاء، وهو ناجٍ: سَرِيعٌ. ونَجَوْتُ نَجاء أَي أَسْرَعْتُ وسَبَقْتُ. وقالوا: النّجاء النّجاء والنَّجا النَّجا، فمدّوا وقَصَرُوا؛ قال الشاعر: إِذا أَخَذْتَ النَّهْبَ فالنَّجا النَّجا؛ وقالوا: النَّجاكَ فأَدخلوا الكاف للتخصيص بالخطاب، ولا موضع لها من الإِعراب لأَن الأَلف واللام مُعاقِبة للإضافة، فثبت أَنها ككاف ذلك وأَرَيْتُك زيداً أَبو من هو، وفي الحديث: وأَنا النَّذِيرُ العُرْيان فالنَّجاء النَّجاء أَي انْجُو بأْنفسكم، وهو مصدر منصوب بفعل مضمر أَي انْجُوا النَّجاء. والنَّجاءُ: السُّرعة. وفي الحديث: إِنما يأْخذ الذِّئْبُ القاصِيةَ والشاذَّة الناجِيةَ أَي السريعة؛ قال ابن الأَثير: هكذا روي عن الحربي بالجيم. وفي الحديث: أَتَوْكَ على قُلُصٍ نَواجٍ أَي مُسْرِعاتٍ. وناقة ناجِيةٌ ونَجاة: سريعة، وقيل: تَقطع الأَرض بسيرها، ولا يُوصف بذلك البعير. [قال] الجوهري: الناجِيةُ والنّجاة الناقة السريعة تنجو بمن ركبها؛ وقال البَعير ناجٍ؛ وقال: أَيّ قَلُوصِ راكِبٍ تَراها ناجِيةً وناجِياً أَباها وقول الأَعشى: تَقْطَعُ الأَمْعَزَ المُكَوْكِب وَخْداً بِنَواجٍ سَرِيعةِ الإِيغالِ أَي بقوائمَ سِراعٍ. واسْتَنْجَى أَي أَسْرَعَ. وفي الحديث: إِذا سافَرْتُمْ في الجَدْب فاسْتَنْجُوا؛ معناه أَسْرِعُوا السيرَ وانْجُوا. ويقال للقوم إِذا انهزموا: قد اسْتَنْجَوْا؛ ومنه قول لقمان بن عاد: أَوَّلُنا إِذا نَجْونا وآخِرُنا إِذا اسْتَنْجَيْنا أَي هو حامِيَتُنا إِذا انْهَزَمْنا يَدفع عنّا".(2/180)
. (7/364)
عن شعبة عن منصور سمع أبا حازم يحدث عن مولاته نمرة أنها سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول: النساء أهلكهن الأحمران الذهب والزعفران. (7/365)
عن الحسن أن سلمان الفارسي أتى أبا بكر الصديق رضي الله عنه يعوده في مرضه الذي مات فيه فقال سلمان: أوصني، قال أبو بكر: إن الله عز وجل فاتح عليكم الدنيا فلا تأخذن منها إلا بلاغاً، واعلم أن من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا تخفرن(1) الله في ذمته فيكبك على وجهك في النار. (7/365)
عن حماد بن سلمة عن ثابت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يكثر أن يتمثل بهذا البيت:
لا يزال يبغي حبيباً يكونه
وقد يرجو الفتى الرجاء يموت دونه (7/366)
عن يحيى بن سعيد أخبرنا موسى الجهني أبو بكر بن حفص قال: جاءت عائشة إلى أبيها وهو يعالج ما يعالج من الموت فلما رأت نفسه في صدره تمثلت بهذا البيت:
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت(2) يوماً وضاق بها الصدر
زاد فيه (بعض الرواة)(3) فكشف عن وجهه وقال: [ليس كذلك و]لكن [قولي (و]جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)(4). (7/366)
عن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله فكان في آخر كتابه: أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإنه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغله بهواه عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة، فتذكر ما توعظ به لكي تنتهي عما ينتهى عنه. (7/366)
__________
(1) كانت بالياء.
(2) كانت (خرجت) والتصحيح موافق لما في تفاسير الطبري والقرطبي وابن كثير.
(3) كان مكانها (غيره) فغيرتها لأني حذفت السند.
(4) روى المصنف في أول هذا الخبر عن يحيى بن سعيد قال: جاءني شعبة لما أراد الخروج إلى المهدي فقال: حدثني بحديث موسى الجهني حتى أحدث به المهدي؛ ثم رواه. والزيادتان أخذتهما من تفسير ابن كثير 4/225.(2/181)
عن الشعبي عن مسروق قال: خرج عمر بن الخطاب ذات يوم وعليه حلة قطن فنظر الناس إليه فقال:
لا شيء فيما يرى إلا بشاشته
يبقى الإله ويودي(1) المال والولد
والله ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة(2) أرنب(3). (7/366)
عن سفيان الثوري قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتمثل:
لا يغرنك عشاء ساكن
قد توافي بالمنيات السحر (7/367)
عن عمر بن الخطاب قال: التؤدة في كل شيء إلا في أمر الآخرة. (7/367)
عن حفصة بنت عمر أنها قالت لأبيها: يا أمير المؤمنين ما عليك لو لبست ألين من ثوبيك هذين وأكلت أطيب من طعامك هذا وقد فتح الله عز وجل عليك الأرض وأوسع عليك الرزق؟! قال: أخاصمك إلى نفسك: أما تعلمين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش وجعل يذكرها أشياء مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقى حتى أبكاها؛ قال: قد قلت لك أني كان لي صاحبان فسلكا طريقاً وإني إن سلكت غير طريقهما سلك بي غير طريقهما؛ وإني والله لأشركهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرضي؛ يعني بصاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه. (7/367-368)
عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أيها الناس كونوا أوعية للكتاب، وعدوا أنفسكم في الموتى، وسلوا الله رزق يومٍ(4) بيوم؛ لا عليكم أن لا يكثر لكم. (7/368)
عن محمد بن مسرة التستري قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الزهد في الدنيا راحة للقلب والبدن. (7/368)
__________
(1) كانت (ويود إلى).
(2) كانت بالحاء؛ ونَفجة الأرنب وثبته من مجثَمِه، يريد تقليل مُدَّة الدنيا.
(3) أخرجه هناد في (الزهد) 1/318 بلفظ:
لا شيء مما يرى تبقى بشاشته----.
(4) كانت (يوماً).(2/182)
عن سالم بن عبد الله عن أبي هريرة قال: كان عمر بن الخطاب إذا خطب الناس يقول في خطبته: أفلح منكم من حفظ الهوى والطمع والغضب؛ وليس فيما دون الصدق من الحديث خير(1)؛ من يكذب يفجر ومن يفجر يهلك؛ إياكم والفجور! وما فجور عبد خلق من تراب وإلى(2) التراب يعود وهو اليوم حي وغداً ميت؟! اعملوا يوماً بيوم، واجتنبوا دعوات المظلوم، وعدوا أنفسكم من الموتى. (7/368)
عن معمر عن الزهري قال: انكسرت قلوص من إبل الصدقة فجفنها(3) عمر ودعا الناس فقال له العباس: لو كنت تصنع بنا هكذا! فقال له عمر: إنا والله ما وجدنا لهذا المال سبيلاً إلا أن يؤخذ من حق ويوضع في حق ولا يمنع من حق. (7/368)
عن بدر بن عثمان عن عمه قال: آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة: إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، لم يعطكموها لتركنوا إليها؛ إنما الدنيا تفنى(4) والآخرة تبقى، لا تبطركم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية، آثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله عز وجل، اتقوا الله فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة من عنده، واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم، لا تصيروا أحزاباً، (واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) إلى آخر الآيتين. (7/369)
عن مهاجر العامري عن علي رضي الله عنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل؛ أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. (7/369)
__________
(1) روى معمر في جامعه 11/162 عن قتادة وغيره أن عمر بن الخطاب قال: قد أفلح---فذكره إلى هذا الموضع.
(2) كانت (فإلى) وأثبت ما ورد في السنن الكبرى للمصنف 3/215.
(3) كانت (فحقها) وأخذت تصحيحها من جامع معمر 11/101.
(4) كانت (تغني).(2/183)
عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالكوفة فقال: يا أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى، فأما طولُ الأمل فيُنسي الآخرةَ، وأما اتباع الهوى فيُضل عن الحق؛ ألا إن الدنيا قد ولَّت مدبرةً والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل. (7/369)
عن مالك بن دينار قال: قالوا لعلي بن أبي طالب: يا أبا حسنٍ صف لنا الدنيا، قال: أطيل أم أقصر؟ قالوا: بل أقصر، قال: حلالها حساب وحرامها النار. (7/371)
عن قبيصة بن جابر قال: قال علي بن أبي طالب: من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات، زاد فيه غيره: من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات. (7/371)
عن سهل بن شعيب عن عبد الأعلى بن(1) نوف قال: سمعتُ علي بن أبي طالب يقول: طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا أرضَ اللهَ بساطاً وترابَها فراشاً وماءَها طيباً والكتابَ شعاراً والدعاء دثاراً، ورفضوا الدنيا رفضاً على منهاج المسيح بن مريم عليه السلام. (7/372)
__________
(1) لعلها (عن).(2/184)
عن أبي شجاع قال: كتب علي بن أبي طالب إلى سلمان الفارسي(1)
__________
(1) ورد بعض هذه الوصية في كلام يروى عن الحسن، فقد روى أبو نعيم في الحلية 6/313-314 عن إبراهيم بن عبد الله بن أبي الأسود عن الحسن أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة وإنما أنزل إليها آدم عقوبة فاحذرها يا أمير المؤمنين فإن الزاد منها تركها والغنى فيها فقرها لها في كل حين قتيل تذل من أعزها وتفقر من جمعها هي كالسم يأكله من لا يعرفه وهو حتفه فكن فيها كالمداوي لجراحته يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا ويصبر على شدة الأذى مخافة طول البلاء واحذر هذه الدار الغرارة التي قد زينت بخدعها وتحلت بآمالها وتشوقت لخطابها وفتنت بغرورها فأصبحت كالعروس المحلاة العيون إليها ناظرة والقلوب إليها والهة والنفوس لها عاشقة وهي لأزواجها كلهم قاتلة فلا الباقي بالماضي معتبر ولا الآخر على الأول مزدجر ولا العارف بالله حين أخبره عنها مدكر فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته واغتر وطغى ونسي المعاد شغل فيها لبه حتى زلت عنه قدمه وعظمت ندامته وكبرت حسرته واجتمعت عليه سكرات الموت بألمه وحسرات الفوت بغصته فذهب بكمده فلم يدرك منها ما طلب ولم يروح نفسه من التعب خرج بغير زاد وقدم على غير مهاد فاحذرها يا أمير المؤمنين وكن أسرَّ ما تكون أحذر ما تكون لها فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه إلى مكروه فالسار فيها بأهلها غار والنافع منها غدا ضار قد وصل الرجاء فيها بالبلاء وجعل البقاء فيها إلى فناء فسرورها مشوب بالحزن لا يرجع منها ما ولى فأدبر ولا يدري ما هو آت فيستنظر أمانيها كاذبة وآمالها باطلة وصفوها كدر وعيشها نكد وابن آدم منها على خطر إن عقل فهو من النعماء على حظر ومن البلاء على حذر لو أن الخالق لم يخبر عنها خبرا ولم يضرب لها مثلا لكانت الدنيا قد أيقظت النائم ونبهت الغافل فكيف وقد جاء من الله عنها زاجر وفيها واعظ مالها عند الله قدر ولا وزن ولا نظر اليها منذ خلقها ولقد عرضت على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم بمفاتيح خزائنها ولا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها كره أن يخالف على ربه أمره أو يحب ما أبغض خالقه أو يرفع ما وضع مليكه فزواها عن الصالحين اختبارا وبسطها لأعدائه اغترارا فيظن المغرور بها القادر عليها أنه أكرم بها ونسي ما صنع الله لمحمد صلى الله عليه وسلم حين وضع الحجر على بطنه ولقد جاءت الرواية عن الله عز وجل أنه قال لموسى عليه السلام إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وإن شئت ثنيت بصاحب الروح والكلمة عيسى بن مريم كان يقول إدامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي الصوف وصلائي في الشتاء مشارق الشمس وسراجي القمر ودابتي رجلاي وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض أبيت وليس عندي شيء وأصبح وليس عندي شيء وما على الأرض أغنى مني".(2/185)
: وأما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية لينٌ مسها يقتل سمها، فأعرض عما يعجبك منها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما أيقنت من فراقها، (وكن أسرَّ ما تكون أحذر ما تكون لها فإن صاحب الدنيا كلما)(1) أطمأن فيها إلى سرور أشخصه عنه مكروه والسلام(2). (7/372)
عن هشام بن عروة عن أبيه [قال]: لما قدم عمر الشام فتلقاه عظماء أهل الأرض وأمراء الأجناد، فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: من؟ قال: أبو عبيدة؛ قالوا: أتاكَ الآن، فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه ثم ساءله، ثم قال للناس: انصرفوا عنا، قال: فسار معه حتى أتى منزله فنزل عليه فلم ير في بيته إلا سيفه وقوسه ورحله، فقال له عمر: لو اتخذتَ متاعاً، أو قال: شيئاً، قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين إن هذا سيبلغنا المقيل (7/372)
عن معمر عن حمزة بن عبد الله بن عمر قال(3): لو أن طعاماً كثيراً كان [عند] عبد الله بن عمر ما شبع منه بعد أن يجد له آكلاً؛ قال: ودخل عليه ابن مطيع يعوده فرآه قد نحل جسمه فقال لصفية: ألا تلطفينه لعله يرتد إليه جسمه! تصنعين له طعاماً! قالت: إنا لنفعل ذلك ولكنه لا يدع أحداً من أهله ولا من يحضره إلا دعاه عليه، وكلمه أنت في ذلك فقال له ابن مطيع: يا أبا عبد الرحمن لو اتخذت طعاماً فيرجع إليك جسمك! فقال: إنه ليأتي علي ثمان سنين لا أشبع فيها شبعة واحدة، أو قال: لا أشبع فيها إلا شبعة واحدة، فالآن تريد أن أشبع حين لم يبق من عمري إلا ظمأ حمار. (7/373)
عن قيس بن أبي حازم قال: قال سعد بن مالك: لو أن الدنيا جمعت لرجل فمر بأربعة أسهم ملقاة لأرادته نفسه أن يأخذها، قال: قال رجل قاعد معه: ولمَ يدعهن؟! قال: إني أحسبك ذلك الرجل. (7/373)
__________
(1) في الأصل (ولكن أشر ما يكون لها فإن صاحبها قلما)؛ وهي عبارة مصحفة فاستبدلتها بالعبارة المعلَّمة من التعليق السابق.
(2) قال المصنف: وقد ذكرنا سائر أقواله في الدنيا وفي زهده فيها في فضائله.
(3) في الأصل (قال).(2/186)
عن أشعث عن رجاء بن حيوة قال: قال معاذ: إنكم قد ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وإني أخاف عليكم فتنة الضراء، وإن من أكثر ما أخاف عليكم من قبل النساء إذا تسورن الذهب ولبسن غصب اليمن وريط الشام فأتعبن(1) الغني وكلفن الفقير ما لا يجد(2). (7/373)
عن معمر عن أبي قلابة وعن غير واحد أن فلاناً مر به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصوني، فجعلوا يوصونه وكان معاذ بن جبل في آخر القوم فمر بالرجل فقال: أوصني(3) يرحمك الله؛ قال: إن القوم قد أوصوك ولم يألوا، وإني سأجمع لك أمْرَك بكلمات: فاعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، فابدأ بنصيبك من الآخرة فإنه يسمو بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه(4) انتظاماً ثم يزول معك أينما كنت. (7/373)
عن سعيد بن عامر عن عون بن معمر قال: كان معاذ بن جبل له مجلس يأتيه فيه ناس من أصحابه فيقول: يا أيها الرجل، وكلكم رجل، فاتقوا الله وسابقوا الناس إلى الله وبادروا أنفسكم إلى الله، يعني الموت، ولتسعكم(5) بيوتكم ولا يضركم أن لا يعرفكم أحد. (7/374)
عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أكياساً عملوا صالحاً وأكلوا طيباً وقدموا فضلاً؛ لم ينافسوا(6) أهل الدنيا في دنياهم ولم يجزعوا من ذلها أخذوا صفوها وتركوا كدرها؛ والله ما تعاظمت في أنفسهم حسنة عملوها ولا تصاغرت في أنفسهم سيئة أمرهم الشيطان بها. (7/374)
عن الزهري حدثني عروة قال: قال لي المسور بن مخرمة: لقد زارت القبور رجال لو كانوا أحياء فنظروا إلى مجالسكم لاستحييتم منهم(7). (7/374)
__________
(1) كاانت (فاتبعن).
(2) ورواه أيضاً أبو عثمان النهدي عن معاذ.
(3) كانت (أوصيني).
(4) كانت (فتنتظمه).
(5) في الأصل (وليسعكم).
(6) كانت (يناقشوا).
(7) وقال في رواية أخرى: لقد زارت القبور أقوام لو رأوني معكم لاستحييت منهم.(2/187)
عن عبد الرحمن بن زيد قال: قال عبد الله بن مسعود: أنتم أكثر صلاة وأكثر صياماً وأكثر جهاداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خير منكم قالوا فبم ذاك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا وأرغب منكم في الآخرة. (7/374)
عن مالك بن مغول قال: قال ابن مسعود: الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له. (7/375)
عن أشعث عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء حيث لا يناله اللصوص ولا يأكله السوس فإن قلب كل امرئ عند كنزه. (7/375)
عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال: من استطاع منكم أن يضع كنزه حيث لا يناله السرق ولا يأكله السوس فليفعل. (7/375)
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: إن مع كل فرحة ترحة، وما ملئ بيت حسرة إلا أوشك أن يملأ عبرة(1). (7/375)
عن هزيل بن شرحبيل قال قال عبد الله: من أراد الدنيا أضر بآخرته ومن أراد الآخرة أضر بدنياه فأضروا بالفاني للباقي. (7/376)
عن الضحاك بن مزاحم قال: قال عبد الله بن مسعود: ما أصبح منكم أحد إلا وهو ضيف وماله عارية والضيف مرتحل والعارية مؤداة إلى أهلها. (7/376)
عن عرفجة [الثقفي] قال: استقرأت ابن مسعود (سبح اسم ربك الأعلى) فلما بلغ (بل تؤثرون الحياة الدنيا) ترك القراءة وأقبل على أصحابه فقال: آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة لأنا(2) رأينا نساءها(3) وزينتها [و]طعامها وشرابها، فزويت عنا الآخرة، فاخترنا(4) العاجل على الآجل، وقال (بل يؤثرون الحياة الدنيا) بالياء. (7/376)
__________
(1) كانت (غيره)؛ وفي رواية (إلا ملئ عبرة).
(2) كانت (لا نار).
(3) كانت (سقياها)؛ والتصحيح من تفسير الطبري 30/157.
(4) كانت (فأخبرنا).(2/188)
عن عبيد الله بن شميط قال: سمعت أبي يقول: بلغنا أن أبا ذر كان يقول وهو في مجلس معاوية: لقد عرفنا خياركم من شراركم ولنحن أعرف بكم من البياطرة بالخيل! فقال رجل: يا أبا ذر أتعلم الغيب؟! فقال معاوية: دعوا الشيخ فالشيخ [أ]علم منكم؛ من خيارنا يا أبا ذر؟ قال: خياركم أزهدكم في الدنيا وأرغبكم في الآخرة الذي يعتق محرروهم، الذين لا يتخذون الذكر مهجراً ولا يأتون الصلاة دبراً؛ قال: فمن شرارنا؟ قال: أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة الذين لا يعتق محرروهم ولا يأتون الصلاة إلا دبراً. (7/376-377)
قال: وبلغنا أن أبا الدرداء كان يقول: ألا أنبئكم بدائكم ودوائكم؟ أما داؤكم فحب الدنيا وأما دواؤكم فذكر الله عز وجل. (7/377)
عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: ذو الدرهمين أشد حساباً من ذي الدرهم. (7/377)
عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: قدمت البصرة فربحت فيها عشرين ألفاً فما اكترثت بها فرحاً وما أريد أن أعود إليها! إني سمعت أبا ذر يقول: إن صاحب الدرهم يوم القيامة أخف حساباً من صاحب الدرهمين. (7/377)
عن محمد بن المنكدر قال بعث حبيب بن مسلمة إلى أبي ذر وهو بالشام ثلثمئة دينار فقال: إستعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، ما أحد أغنى بالله منا، وما لنا إلا ظل نتوارى به وثلاثة من غنم تروح علينا ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل. (7/377)
عن إبراهيم التيمي قال: دخل شاب من قريش على أبي ذر فقال: فضحتَ الدنيا! فأغضبوه، فقال: ما لي وللدنيا؟! وإنما يكفيني صاع من طعام كل جمعة وشربة ماء كل يوم. (7/378)
عن حفص بن سليمان قال: دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال: يا أبا ذر أين متاعكم؟! قال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا! قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا! قال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه. (7/378)(2/189)
عن معاوية بن قرة قال: قال سلمان الفارسي: ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمل الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك لا يدري أساخط عليه رب العالمين أم راضٍ! وثلاث أحزنتني حتى أبكتني: فراق محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه(1)، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الله عز وجل، لا أدري إلى جنة يؤمر بي أو إلى نار. (7/378)
عن جعفر بن سليمان حدثنا ثابت البناني قال: كتب عمر بن الخطاب إلى سلمان أن زرني، قال: فخرج سلمان إليه فلما بلغ عمرَ قدومُه قال لأصحابه: هذا سلمان قد قدم فانطلقوا نتلقاه، قال: فلقيه عمر فالتزمه وساءله ثم رجعا إلى المدينة، سلمان وعمر، فقال له عمر: يا أخي أبلغك عني شيء تكرهه؟ لما أخبرتني به؛ قال: لولا أنك عزمت ما أخبرتك، بلغني عنك شيء كرهته، بلغني أنك تجمع على مائدتك السمن واللحم وبلغني أن لك حلتين حلة تلبسها في أهلك وحلة تخرج فيها فقال: هل غير هذا؟ فقال: لا، كفيت هذا، أظنه قال: لا أعود إليه أبداً، قال جعفر: الحلة إزار ورداء. (7/378-379)
جعفر بن سليمان عن ثابت عن أبي عثمان قال لما افتتح المسلمون جوخى(2) جعلوا يمشون فيها (وأكداس الطعام فيها أمثال الجبال)(3) ورجل إلى جنب سلمان فيقول: يا عبد الله ألا ترى إلى ما فتح الله من الخير؟! ألا ترى إلى ما أعطى الله عز وجل؟! فقال له سلمان: ما يعجبك مما ترى؟! إن إلى جنب كل حبة حساباً. (7/379)
عن أبي عثمان عن سلمان [قال] لا تكن أول أهل السوق دخولاً وآخرهم خروجاً، فإن فيها باض الشيطان وفرخ(4). (7/379)
__________
(1) أو قال فراق محمد والأحبة شك حماد.
(2) كانت (جوعى)؛ والتصحيح من التاريخ الكبير للبخاري 4/161 وصفة الصفوة 1/550.
(3) كانت (والطعام كأنه كاس الجبال)؛ والعبارة المثبتة أخذتها من صفة الصفوة.
(4) وفي رواية: لا تكن أول داخل السوق ولا آخر خارج منها فإن بها فرخ الشيطان ومركز رايته.(2/190)
عن سليم بن عامر قال: قال أبو الدرداء: نعم صومعة المسلم بيته يكف بصره وفرجه وإياكم والأسواق فإنها تلغي وتلهي. (7/379)
عن ابن أبي مليكة قال: قال يزيد بن معاوية: قال أبو الدرداء وكان من العلماء: تأملون وتجمعون فلا ما تأملون تدركون ولا ما تجمعون تأكلون. (7/380)
عن جعفر بن(1) ثابت قال: خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنته الدرداء فرده وأنكحها غيره فقيل لأبي الدرداء: أترد يزيد وتُنْكِحُ فلاناً؟! فقال أبو الدرداء: ما ظنكم بابنة أبي الدرداء إذا قام على رأسها الخصيان ونظرت في بيوت (يلتمع فيها)(2) بصرها أين دينها [منها] يومئذ؟. (7/380)
عن بلال بن سعد التيمي عن أبيه أن أبا الدرداء ذكر الدنيا فقال: إنها ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله، أو ما ابتغي به وجهه. (7/381)
عن موسى بن عقبة قال: كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم والسلام. (7/381)
عن قتادة قال: قال أبو الدرداء: ابنَ آدمَ طأِ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك، ابن آدم إنما أنت أيام، فكلما ذهب يومٌ ذهب بعضُك، ابن آدم إنك لم تزل في هدم(3) عمرك منذ يوم ولدتك أمك. (7/381)
عن بلال بن سعد قال: كان أبو الدرداء يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من تفرقة القلب، قال: قيل له: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يوضع لي في كل دار مال. (7/381)
عن الأعمش عن عبد الله بن مرة قال: قال أبو الدرداء: اعبدوا الله كأنكم ترونه وعدوا أنفسكم في الموتى واعلموا أن قليلاً يكفيكم خيرٌ من كثيرٍ يلهيكم، واعلموا أن البر لا يبلى وأن الإثم لا ينسى. (7/381)
__________
(1) أخشى أن تكون مصحفة عن (عن).
(2) كانت (تلمع منها) وأثبتُّ ما في الزهد لأحمد (ص142).
(3) كانت (هرم).(2/191)
عن أبي وائل عن أبي الدرداء [قال]: إعمل لله كأنك تراه واعدد نفسك مع الموتى وإياك ودعوات المظلوم فإنهن يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شرارات نار. (7/382)
عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء أن أبا الدرداء لما احتضر جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟! من يعمل لمثل ساعتي هذه؟! من يعمل لمثل مضجعي هذا؟! ثم يقول: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة). (7/382)
عن ثابت عن أنس بن مالك قال: كنا في سفر فقال أبو موسى: تعالَ يا أنس فلنذكر ربنا ساعة - قال وكان الناس يتكلمون - فإن هؤلاء يكاد أحدهم يفري الأديم بلسانه فرياً! ثم قال: يا أنس (ما نسي الناس مثل مظاهر)(1)؟ قال: عجلت الدنيا وشهواتها والشيطان؛ قال أبو موسى: لا والله ولكن عجلت الدنيا وغيبت الآخرة أما والله لو عاينوها ما عدّلوا ميَّلوا(2)
__________
(1) هذه العبارة محرفة وانظر التعليق التالي.
(2) قال أحمد في الزهد (ص198): حدثنا يزيد بن هرون انبأنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: كنا مع أبي موسى رحمه الله في مسير له فسمع الناس يتحدثون فسمع فصاحة فقال لي: يا أنس هلم فلنذكر ربنا عز وجل فإن هؤلاء يكاد أحدهم أن يفري الأديم بلسانه، قال: يا انس ما بطأ بالناس عن الاخرة وما ثبرهم عنها؟ قال: قلت: الشهوات والشيطان، قال: لا والله، ولكن عجلت لهم الدنيا وأُخرت الاخرة، ولو عاينوا ما عدلوا ولا ميّلوا.
وقال ابن المبارك في الزهد (ص31): أخبرنا على بن علي الرفاعي عن الحسن قال: بينما رجلان من صدر هذه الأمة يتراجعان بينهما أمر الناس فقال أحدهما للآخر: 000[قال محقق الأصل: هنا ما لا يظهر ما هو] ما بطّأ بهم عن هذا الأمر بعد ما زعموا أن قد آمنوا؟ قال: جعل يقول: ضعف الناس والذنوب والشيطان يعرض بأمر لا يوافق الذي في نفسه، فقال: أبطأ بهم وثبرهم عن هذا الأمر بعد ما زعموا أن قد آمنوا أن الله تبارك وتعالى أشهد الدنيا وغيَّب الآخرة فأخذ الناس بالشاهد وتركوا الغائب، والذي نفس عبد الله بن قيس [بيده] لو أن الله قهر [قال محقق الأصل: ويحتمل أن يكون "قدر" ، قلت: لعلها "أظهر"] إحداهما إلى جانب الأخرى حتى يعاينهما الناس ما عدلوا ولا ميلوا.(2/192)
. (7/382)
عن أبي إدريس قال: صام أبو موسى حتى عاد كأنه خلال فقيل له: لو أجممت نفسك؟ فقال: هيهات إنما يسبق من الخيل الضمر(1)؛ قال: وربما خرج من منزله [وقال لامرأته]: شدي رحلك(2) فليس على جسر جهنم معبر(3). (7/382)
عن صالح بن موسى الطلحي عن أبيه قال: اجتهد الأشعري قبل موته اجتهاداً شديداً فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك بعض الرفق قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها والذي بقي من أجلي أقل من ذلك؛ قال: فلم يزل على ذلك حتى مات. (7/383)
عن أبي الطفيل قال: قال حذيفة:
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
وقيل له: يا أبا عبد الله وما ميت الأحياء؟ قال: الذي لا يعرف المعروف بقلبه ولا ينكر المنكر بقلبه. (7/383)
عن أبي إسحاق إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض قال: قال ابن عباس: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوه خلقها فتشرف على الخلائق فيقال: هل تعرفون هذه(4)؟ فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه! فيقال: هذه الدنيا التي تناحرتم عليها، بها تقاطعتم الأرحام وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم! ثم تقذف في جهنم فتنادي: أي رب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول الله تعالى: ألحقوا بها أتباعها وأشياعها. (7/383)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) قال: يقدم الذنب ويؤخر التوبة. (7/384)
__________
(1) كانت (الطمر).
(2) كانت (شري رجلك)، وفي الحلية 2/127: (سوي رحلك).
(3) كانت (معير).
(4) كانت (بهذه).(2/193)
عن طارق بن شهاب قال: عاد خباباً بقايا(1) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر يا أبا عبد الله إخوانك تقدم عليهم غداً، فبكى، فقالوا: عليها من الحال؟ فقال: إنه ليس به(2) جزع ولكنكم ذكرتموني أقواماً وسميتموهم [لي] إخواناً، فإن أولئك قد مضوا بأجورهم وإني أخاف أن يكون ثوابي مما تذكرون(3) من تلك الأعمال ما أصبنا بعدهم. (7/384)
عن مجاهد عن ابن عمر قال: ما يصيب عبدٌ من الدنيا شيئاً إلا انتقص من درجاته عند الله عز وجل وإن كان عليه كريماً. (7/384)
عن عبد الصمد الصائغ مردويه قال: سمعت الفضيل يقول: لا يعطى أحد من الدنيا إلا ويقال له: هاك مثليه من الحرص، [و]مثليه من الشغل، ومثليه من الهم! ولا يعطى شيئاً من الدنيا إلا ونقص من آخرته؛ فلا والله ما تأخذ إلا من كيسك فإن شئت فأقلل وإن شئت فأكثر. (7/384)
عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: جاء رجل إلى ابن عمر قال: توفي زيد بن حارثة وترك مئة ألف! قال: لكن هي لا تتركه. (7/384)
عن مالك بن مغول عن مجاهد قال: مررنا بخربة فقال لي ابن عمر: يا مجاهد قل: يا خربة ما فعل أهلك؟ فأجابني ابن عمر فقال: هلكوا وبقيت أعمالهم. (7/385)
عن حبيب بن أبي ثابت قال: مر أبو الدرداء بقرية خربة فقال: يا خربة أين أهلك؟ ثم يرد على نفسه: ذهبوا وبقيت أعمالهم. (7/385)
عن مالك [بن دينار] قال: كان عيسى بن مريم عليه السلام إذا مر بدار وقد مات أهلها وقف عليها فقال: ويح لأربابك الذين يتوارثونك كيف لم يعتبروا فعلك بإخوانهم الماضين؟!. (7/385)
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قال أبو واقد الليثي: تابعنا الأعمال فلم نجد شيئاً أبلغ في طلب الآخرة من الزهد في الدنيا. (7/385)
__________
(1) كانت (نعايا)، والتصحيح من زهد ابن المبارك ص184؛ وفي عدد من الكتب (نفر).
(2) كانت (ذو)، وكتبت ما في زهد ابن المبارك.
(3) كانت بالياء.(2/194)
عن أبي واقد قال: ما وجدنا شيئاً (أعون على أخلاق)(1) الإيمان من الزهادة. (7/385)
عن سالم بن بشير أن أبا هريرة بكى في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أبكي لبعد سفري وقلة زادي وأني أصبحت في صعود مهبطه على جنة أو نار فلا أدري إلى أيتها يسلك بي. (7/385)
عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة قال: تعودوا الخير عادة، وإياكم وعادة السواف، من سوف إلى سوف. (7/386)
عن أبي الربيع قال: سمعت أبا هريرة ونظر إلى مزبلة فقال: إن هذه لمذهبة دنياكم وآخرتكم. (7/386)
عن أبي الربيع قال سمعت أبا هريرة يقول: إن هذه الكناسة مهلكة دنياكم وآخرتكم. (7/386)
عن هشام عن محمد(2) قال: كنا عند أبي هريرة فتمخط فمسح بردائه وقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان، ولقد رأيتني اني لأخر فيما بين منزل عائشة وبين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشياً علي من الجوع فيمر الرجل فيجلس على صدري فأرفع رأسي فأقول: ليس بي الذي ترى إنما هو من الجوع(3). (7/386)
عن أيوب عن محمد قال: كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان فتمخط فيها وقال: بخ بخ!! أبو هريرة يتمخط في الكتان! ولقد رأيتني أخر فيما بين المنبر وحجرة عائشة مغشياً علي من الجوع فيمر بي المار فيضع رجله على عنقي فيقول الناس: إنه لمجنون وما بي من جنون إلا الجوع. (7/386-387)
عن الأوزاعي عن ابن سيرين أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول لابنته: لا تلبسي الذهب فإني أخشى عليك اللهب(4). (7/387)
__________
(1) كانت (أعود على الأخلاق) وما كتبته فهو من الزهد وصفة الزاهدين لابن الأعرابي ص42؛ وروى المصنف في الزهد الكبير ص169 عن وهب بن منبه أنه قال: إن من أعون الأخلاق على الدين الزهادة في الدنيا.
(2) ابن سيرين.
(3) أخرجه البخاري.
(4) هذا لا بستنبط منه تحريم الذهب على النساء فإنه يبعد أن يكون الذهب محرماً عليهن ويجهلن هذا الحكم في ذلك الزمن؛ ولكن لا شك أنه إنما نهاها عنه لأمر آخر.(2/195)
عن ابن عون عن عبيد بن باب قال: مررنا بأبي هريرة قال: أين تريد؟ قال: السوق، قال: إن استطعت أن تشتري الموت فاشتره. (7/387)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لَخيرٌ أعمله اليوم أحب إلي من مثليه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تهمنا الآخرة ولا تهمنا الدنيا وإنا اليوم قد مالت بنا الدنيا. (7/387)
عن الحسن عن سمرة قال: مثل ابن آدم وفراره من الموت كمثل الثعلب والأرض ولها عليه دين فانطلق وله حصاص(1) حتى انحجر في حجر فلما رفع رأسه قالت له الأرض عند سبلته(2): يا ثعلب أقض ديني! قال: فخرج فانحجر في حجر مثل ذلك وله حصاص(3) ولا يجد من الأرض مفراً؛ وكذلك ابن آدم لا يجد من الموت مفراً! أينما توجه لم يجد من الموت مفراً. (7/388)
عن زياد بن علاقة قال: قال عبد الله بن عمرو: والله لوددت أني هذه السارية. (7/388)
عن الزهري عن أنس بن مالك قال(4): ألا أخبركم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهما؟ أول يوم يجيئك البشير من الله إما برضى الله وإما بسخطه؛ ويوم تقف فيه بين يدي الله تأخذ(5) فيه كتابك إما بيمينك وإما بشمالك؛ وليلة يبيت الميت في قبره ولم يبت ليلة قبلها مثلها؛ وليلة صبيحتها يوم القيامة ليس بعدها ليلة. (7/388)
عن موسى بن علي قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمرو بن العاص يخطب بمصر يقول: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم! أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا وأما أنتم فأرغب الناس فيها. (7/388)
عن الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي يا ربيع عليك بالزهد فللزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد. (7/389)
فصل في ذم بناء ما لا يحتاج إليه من القصور والدور
__________
(1) كانت (عي خصاص)؛ وفي مختار الصحاح ص59: "والحُصَاصُ بالضم شدة العدْوِ؛ وفي حديث أبي هريرة: إن الشيطان إذا سمع الأذان مرّ وله حصاص".
(2) لعلها (سباته).
(3) كانت بالخاء.
(4) كانت (قالا).
(5) كانت (يأخذ).(2/196)
عن إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال: مررت مع ابن عمر برجل يبني بيتا له فنظرته فقال ابن أخي لقد رأيتني بنيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتا بيدي يكنني من المطر ويظلني من الشمس ما أعانني عليه أحد من خلق الله عز وجل(1). (7/389)
عن إبراهيم عن ابن مسعود قال نفقة الرجل على نفسه وأهله وصديقه وبهيمته له فيها أجر إلا نفقة في بناء إلا أن يكون مسجدا فقيل له فإن كان بناء كفاف قال فذلك الذي لا له ولا عليه فقيل له فإن كان فوق الكفاف قال عليه وزره ولا أجر له فيه. (7/391)
عن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت نعوده وقد اكتوى كيات فقال: إن أصحابنا الذين أسلموا مضوا ولم تنقصهم(2) الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب؛ ثم أتيناه مرة أخرى نعوده وهو يبني حائطاً فقال: إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في التراب؛ ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به(3). (7/393)
عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال: ما وضعت لبنة على لبنه ولا غرست نخلة منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم(4). (7/394)
عن أبي نعيم قال: سمعت سفيان يقول: ما بنى علي رضي الله عنه آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة، وإن كان ليؤتى من المدينة في خراب. (7/395)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) كانت بالياء.
(3) رواه البخاري.
(4) رواه البخاري.(2/197)
عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا سفيان قال عاده الحسن في مرضه فتحام حتى جلس ثم قال حياكم الله بالسلام وأحلنا وإياكم دار السلام هذه علامة أو علانية حسنة أن صبرتم وصدقتم واتقيتم ربكم عز وجل لا يكون حظكم من هذا الخبر أن تسمعوه بهذه الأذن ويخرج من هذه الأخرى فإنه والله من رأى محمد[اً] صلى الله عليه وسلم رآه غادياً ورائحاً؛ والله ما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة؛ الوحا الوحا ثم النجا النجا! فقد ذهب بأولكم وأنتم تؤذنون(1). (7/395)
عن عيسى بن سنان قال: كان عمر بن عبد العزيز لا يبني بنياناً، ويقول: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج من الدنيا لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة. (7/395)
عن حفص بن النضر السلمي حدثتني أمي أن عمران بن حصين كان يكرهه(2) وأنه لم يتخذ إلا غرفة لخزانته! قال حفص: كراهة أن يشرف على الناس. (7/395)
عن القعقاع بن عمرو قال: صعد الأحنف بن قيس فوق بيته فأشرف على جاره فقال: سوءة سوءة! دخلت على جاري بغير إذن! لا صعدت فوق هذا البيت أبداً! . (7/395)
عن ابن المبارك عن حريث بن السائب قال: سمعت الحسن يقول: كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان فأتناول سقفها بيدي. (7/397)
__________
(1) روى أحمد في الزهد ص279 عن يزيد بن هارون انبأنا ابو عبيد التادي قال: دخلنا على الحسن نعوده في مرضه فقال مرحبا بكم واهلا بكم حياكم الله بالسلام واحلنا واياكم دار السلام هذه علانية حسنة---[فذكره إلى أن قال]: ولا قصبة على قصبة، ولكن رفع له علم فشمر إليه؛ الوحا الوحا ثم النجا النجا! على ما تعرجون؟ أتيتم [بالأصل ابيتم] ورب الكعبة كأنكم والأمر معاً.
(2) أي البناء.(2/198)
عن ابن المبارك أخبرنا داود بن قيس قال: رأيت الحجرات من جريد مغشى من خارج بمسوح الشعر وأظن عرض الحجرة من باب الحجرة إلى باب البيت نحواً من ستة أو سبعة أذرع، وأحرز البيت الداخل خمسة أذرع، وأظن سمكه بين الثمان والتسع، نحو ذلك؛ قال: ووقفت عند باب عائشة فإذا هو مستقبل المغرب. (7/397)
عن سفيان عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد قال: بلغ عمر أن أبا الدرداء ابتنى كنيفاً بحمص فكتب: أما بعد يا عويمر أما كانت لك كفاية فيما بنت الروم عن تزيين الدنيا وقد أذن الله بخرابها؟! فإذا أتاك كتابي هذا فانتقل من حمص إلى دمشق؛ قال سفيان: عاقبه بهذا. (7/397)
عن ثابت البناني قال: مر أبو ذر بأبي الدرداء وهو يبني بيتاً فمر فلم يسلم عليه فلحقه فقال: يا أخي كأنك مفتتن! قال: لأن أكون مررت بك وأنت في عذرة أهلك أحب إلي مما رأيتك تصنع. (7/397)
عن ثابت البناني قال: بنى أبو الدرداء مسكناً قدر بسطه فمر عليه أبو ذر فقال: ما هذا؟! تعمر داراً أمر الله بخرابها؟! لأن أكون رأيتك متمرغاً في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيه؛ فلما فرغ أبو الدرداء من بنائه قال: إني قائل على بنائي هذا شيئاً:
بنيت داراً ولست عامرها
ولقد علمت إذ بنيت أين داري (7/397)(2/199)
عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال: إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحرَّ(1) الخير يعطه ومن يتوقَّ الشر يوقه؛ وثلاثة لا ينالون الدرجات العلى: من تكهن أو استقسم أو رجع من سفره طيرة؛ وقال أبو الدرداء: يا أهل دمشق اسمعوا قول أخ لكم ناصح: ما لي أراكم تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون وتأملون ما لا تدركون؟! وإن من كان قبلكم جمعوا كثيراً وبنوا شديداً وأملوا طويلاً فأصبح جمعهم بوراً ومساكنهم [قبوراً] ومالهم غرورا(2). (7/398)
عن أوس بن يزيد اللخمي أن أبا الدرداء خرج من دمشق فنظر إلى الغوطة قد شقت(3) أنهارها وغرست شجراً وبنيت قصوراً فرجع إليهم فقال: يا أهل دمشق! فلما أقبلوا عليه قال: ألا تستحيون؟! ثلاث مرات، تجمعون ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون وتبنون ما لا تسكنون؟! إلا أنه قد كان قبلكم قرون يجمعون فيوعون ويأملون فيطيلون ويبنون فيوثقون فأصبح جمعهم بوراً وأصبح أملهم غرورا وأصبحت منازلهم قبوراً؛ ألا إن عاداً ملكت ما بين عدن وعمان نعماء وأموالاً؛ فمن يشتري مني مال عاد بدرهمين؟!. (7/398)
عن عبد الله بن سلمه قال: مر عمار بن ياسر على ابن مسعود وهو يؤسس داره فقال: كيف ترى يا أبا اليقظان؟ قال: أراك بنيت شديداً وأملت بعيداً وتموت قريباً. (7/398)
__________
(1) كانت بإثبات الألف، وكذلك (يتوق).
(2) قال ابن المبارك في الزهد ص290-291: أخبرنا عبد الله بن الوليد بن معقل قال: سمعت عوناً يقول: قام أبو الدرداء على درج مسجد دمشق فقال: يا أهل دمشق ألا تسمعون من أخ لكم ناصح إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيراً ويبنون شديداً ويأملون بعيداً فأصبح جمعهم بوراً وبنيانهم قبوراً وعملهم غروراً.
(3) كانت (سقت).(2/200)
عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً يقول: كان سلمان الفارسي يعمل الخوص بيده ولا يقبل من أحدٍ شيئاً وكان يعيش به ولم يكن له بيت؛ إنما كان يستظل بظل الجدر والشجر؛ وإن رجلاً قال له: أنا أبني لك بيتاً، قال: ما لي به حاجة؛ قال: فما زال الرجل يردد ذلك عليه ويأبى سلمان حتى قال الرجل: إني أعرف البيت الذي يوافقك؛ قال: فصِفْه لي، قال: أبني لك بيتاً إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه وإذا أنت مددت فيه رجليك أصابت الجدار؛ قال: نعم، فبنى له. (7/399)
عن يزيد بن أبي زياد قال: قال حذيفة لسلمان: ألا نبني(1) لك مسكناً يا أبا عبد الله؟ قال: لمَ تجعلني ملكاً؟ (أو تجعل)(2) لي بيتاً مثل دارك التي بالمدائن(3)؟ قال: لا، ولكن نبني لك بيتاً من قصبة ونسقفه بالبردي أو بالبوري؛ إذا قمت كاد أن يصيب رأسك، وإذا نمت كاد أن يمس طرفيك؛ قال: فكأنك كنت في نفسي. (7/399)
عن مالك بن دينار قال: قالوا لعيسى بن مريم: يا روح الله ألا نبني لك بيتاً؟ قال: بلى، ابنوه على ساحل البحر! قالوا: إذاً يجيء الماء فيذهب به! قال: أين تريدون تبنون لي؟! على القنطرة؟!. (7/399)
عن إبراهيم بن سلمة بن زياد قال: مر أحمد بن حرب برجل يبني داراً فقال: لمن هذه؟ قال: لي، قال أحمد: إلى متى(4)؟. (7/399)
عن صالح المري عن جعفر بن زيد عن أبي الدرداء أنه كان يقوم على أبواب المدائن الخربة يقول: يا مدينة أين أهلك؟! أين سكانك؟! أين؟! ثم لا يخرج حتى يَبكي ويُبكي. (7/400)
عن يحيى بن اليمان عن شعيب بن إسحاق قال: قيل لعيسى عليه السلام: لو اتخذتَ بيتاً! قال: يكفينا خلقان من كان قبلنا. (7/400)
__________
(1) كانت (تبني).
(2) لعلها (أوَتجعل) أي بهمزة الاستفهام.
(3) وفي رواية أخرى] أنه قال: لِمَ تجعلني ملك؟! أتبني لي مثل دارك بالمدائن؟!
(4) أي إلى متى تبقى لك؟(2/201)
عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال: ما بنى عيسى عليه السلام بيتاً؛ فقيل له: ألا تبني؟ قال: لا أترك بعدي شيئاً من الدنيا أذكر به. (7/400)
عن ابن المهاجر الرقي قال: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً في بيت من شعر فيقال له: نبيَّ الله ابنِ بيتاً، فيقول: أموت اليوم أموت غداً. (7/400)
عن عبد الله بن المبارك عن وهيب بن الورد قال: بنى نوح بيتاً من قصب فقيل له: لو بنيت غير هذا! فقال: هذا كثير لمن يموت. (7/400)
عن كعب بن علقمة قال: أرسل عبد الله بن سعد بن أبي سرح إليه يعني إلى عرفة بن الحارث وكان عبد الله بنى بيتاً، يسأله عن بنيانه فقيل له: لا تفعل فإنه لا يكظم على حرته؛ فقال: ما تقول في بنائي هذا؟ فقال: ما أقول؟! إن كنتَ بنيته من مالك فقد أسرفتَ واللهُ لا يحب المسرفين؛ وإن كنت بنيته من مال الله فقد خنت والله لا يحب الخائنين؛ قال: يقول أبو مسعود(1): إنا لله وإنا إليه راجعون. (7/400-401)
__________
(1) لا أدري من المراد به، ولم يرد ذكر هذه الكنية في السند.(2/202)
عن عون بن عبد الله أن ملكاً ابتنى مدينته فتنوق في بنائها وصنع طعاماً ودعا الناس فأقعد ناساً عليها على أبوابها يسألون كل من مر بهم هل رأيتم عيباً فيقولون: لا، حتى كان آخر من مر بهم شباب عليهم أكسية فقال لهم: هل رأيتم عيباً؟ قالوا: رأينا عيبين اثنين فحبسوهم ودخلوا على الملك فذكروا له ذلك، قال: ما كنت أرضى بواحدة فأدخلوهم فأدخلوهم عليه، قال: رأيتم عيباً؟ قالوا: رأينا عيبين اثنين؛ قال: ما كنت أرضى بواحدة فما هما؟ قالوا: تخرب ويموت صاحبها؛ قال: فتعلمون داراً لا تخرب ولا يموت صاحبها؟! قالوا: نعم، الجنة؛ قال: فدعوه فاستجاب فقال: إن خرجت معكم علانية لم يدعني أهل مملكتي فواعدهم ميعاداً فتنكر وخرج معهم وكان يتعبد معهم؛ قال: فبينا هو ذات يوم إذ قال: عليكم(1) السلام قالوا: ما لك؟! رأيت منا شيئاً تكرهه؟ قال: لا ولكن أنتم تعرفون حالي التي كنت عليها فأنتم تكرمونني لذلك! أنطلق فأكون مع قوم لا يعرفون حالي التي كنت عليها فأتعبد معهم. (7/401)
عن عبد الملك بن عمير أن الحجاج بن يوسف لما نبى حصن واسط سأل ما عيبها؟ قالوا: لا نعرف عيبها وسندلك على رجل يعرف عيبها، يحيى بن يعمر؛ قال: فبعث إليه ليستقدمه فسأله عن عيبها فقال: بنيتها عن غير ملك ويسكنها غير ولدك؛ فغضب الحجاج وقال: ما حملك على ذلك؟ قال: ما أخذ الله على العلماء في علمهم أي ولا يكتمون الله حديثاً؛ أو آية غيرها من القرآن؛ فنفاه إلى خراسان. (7/401)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا القاسم يوسف بن صالح النحوي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن يحيى الصولي يقول: قصدت عبد الله بن المعتز فوجدته مشغولاً بمخاطبة القوام على بناء داره في أمر العمارة ثم أنشدني في أثر فراغه:
الا من(2) لنفسي وأشجانها
ودار تداعت بعمرانها
أسود وجهي بتبيضها
وأخرب كيسي بعمرانها
(7/402)
__________
(1) كانت (عليك).
(2) كانتا (الأمن).(2/203)
قال أبو القاسم وقال لي بعض من أختار من المشايخ أنه(1) قرأ على جدار بقصر شيرين:
بنوا وقالوا لا نموت
وللخراب بني المبني(2)
ما عاقل فيما علمت
إلى الزمان بمطمئن(3)
(7/402)
عن عبد الله بن محمد القرشي [ابن أبي الدنيا] قال: أنشدني محمد بن الحسن(4) من قوله:
زينت بيتك جاهداً ونحيته
ولعل غيرك صاحب البيت
فالمرء مرتهن بسوف وليتني
وهلاكه(5) في السوف والليت
من كانت الأيام سائرة به
فكأنه قد حل بالموت
لله در فتى يدبر أمره بعدي
وراح مبادر الفوت(6)
(7/402)
عن جعفر بن عون قال: سمعت مسعر بن كدام ينشد:
ومشيداً داراً ليسكنه
سكن القبور وداره لم يسكن (7/402)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله الجرجاني في مواعظه ينشد:
أحمد الله كل حي(7) سيموت
لخراب البيوت تبنى البيوت
ليس يبقى إلا الذي خلق
هو الدائم الذي لا يموت
(7/402)
عن هشام بن زياد قال: سمعت الحسن ونحن في جنازة(8): رحم الله سابق البربري حيث يقول:
وللموت تغذو(9) الوالدات سخالها(10)
كما لخراب الدهر تبنى المساكن (7/403)
عن عباد بن راشد قال: خرجنا مع الحسن فنظر إلى بعض بناء المهالبة(11) فقال: يا سبحان الله رفعوا الطين ووضعوا الدين! ركبوا البراذين واتخذوا البساتين وتشبهوا بالدهاقين! فذرهم فسوف يعلمون. (7/403)
عن أبي هاشم صاحب الزعفراني عن الحسن أنه مر بقصر أوس فقال: لمن هذا القصر؟ قالوا: هذا قصر أوس؛ قال: علي؟؟ وَدَّ أوس أن له بدل هذا القصر في الآخرة رغيف. (7/403)
__________
(1) كانت (له).
(2) كانت (البنى).
(3) كانت (يطمئن).
(4) لعلها (الحسين) وأنه البرجلاني.
(5) كانت (وملاكه).
(6) كانت (مبادراً لفوت).
(7) كانت (من).
(8) كانت (جنادة).
(9) كانت (تغدو).
(10) كانت (سخائها).
(11) أولاد المهلب؛ وكانوا أمراء أو أغنياء.(2/204)
عن محمد بن كثير عن شيخ له أن غزوان كان له خص فكان إذا سافر هدمه وإذا رجع أعاده(1). (7/403)
عن عبد الله بن عمر العمري عن محمد بن أبي بكر قال: تشاح رجلان في أرض بينهما فقالت الأرض: على رسلكما فوالله لقد ملكني قبلكما مئة أعور سوى الأصحاء(2). (7/403)
عن عبد الله بن داود قال: سمعت سفيان الثوري قال: ما أنفقت درهماً في بناء قط. (7/403)
عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن مالك بن يخامر السكسكي أن قوماً دخلوا عليه يعودونه فقالوا: إن منزلك من المدينة موضع جيد فلو رممته! قال: إنما نحن سفر قائلون، نزلنا للمقيل، فإذا برد النهار وهبت الريح ارتحلنا، فلا أعالج منها شيئاً حتى أرحل منها. (7/403)
عن نصر بن علي حدثني رمان؟؟ المرادي قال: قيل لطاوس: إن منزلك قد استرم! قال قد أمسينا(3). (7/404)
عن وهيب بن الورد قال: نظر أبو مطيع يوماً إلى داره فأعجبه حسنها [فـ]بكى ثم قال: والله لولا الموت لكنت بكِ مسروراً؛ ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا؛ قال: ثم بكى بكاءاً شديداً حتى ارتفع صوته. (7/404)
عن عبد الله بن مسلم بن زياد الهمداني قال: سمعت عمر بن ذر يقول: ورث فتى من الحي داراً عن آبائه وأجداده فهدمها ثم ابتناها فشيدها فأتي في منامه فقيل له:
إن كنت تطمع في الحياة فقد ترى
أرباب دارك ساكني الأموات
إن تحس من الأكارم ذكرهم
خلت الديار وبادت الأصوات
قال: فأصبح والله الفتى متعظاً وأمسك عن كثير مما كان يصنع وأقبل على نفسه. (7/404)
__________
(1) روى أبو نعيم في الحلية (4/103) عن أبي وائل أنه كان له خصٌّ من قصب فكان يكون فيه هو وفرسه فإذا غزا نقضه وتصدق به فاذا رجع أنشأ بِناه.
(2) روى أبو نعيم في الحلية (2/276) عن ابن سيرين قال: إن رجلين اختصما في تخوم أرض فأوحى الله عز وجل اليها كلميهما، فقالت: يا مسكينان، أو يا شقيان، تختصمان فيَّ ولقد ملكني ألفُ أعور سوى الأصحاء؟!
(3) أي قارب العمر نهايته.(2/205)
عن أبي ضمرة أنس بن عياض الليثي قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: بلغني أنه رئيت ضبع وأولادها رابضة في حجاج عين رجل من العمالقة(1)
__________
(1) دونك هذا الفصل من (العظمة) لأبي الشيخ 5/1524-1528 أسوقه بتمامه سوى حديث واحد مرفوع حذفته لعدم ثبوته؛ قال: "صفة العمالقة والجبابرة وعظم أجسامهم وثمارهم:
حدثنا أحمد بن الحسن حدثنا أبو حاتم حدثنا المسيب بن واضح قال سمعت ابن المبارك رحمه الله تعالى يقول حفروا بخراسان حصنا فأصابوا رأس إنسان فوزنوا سنا من أسنانه فإذا فيه منوان وسبع أساتير فسمعت ابن المبارك رحمه الله تعالى يقول في السن:
أتيت بسنين قد رمتا من الحصن لما أثاروا الدفينا
على وزن منوين إحداهما تقل به الكف شيئا رزينا
ثلاثين أخرى على قدرها تباركت يا أحسن الخالقينا
فماذا يقوم لأفواههم وما كان يملأ تلك البطونا
إذا ما تذكرت أجسامهم تصاغرت النفس حتى تهونا
فكل على ذاك لاقوا الردى فبادوا جميعا فهم خامدونا
حدثنا العباس بن حمدان الحنفي حدثنا أبو بدر حدثنا مسلم حدثنا نوح بن قيس قال حدثني عبد الواحد بن نافع قال ولاني خالد بن عبد الله حفر المنازل فراح إلي العمال بضرس فوزنته فإذا فيه تسعة أرطال.
حدثنا العباس بن حمدان حدثنا أبو بدر حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا القاسم بن الفضل قال أدركت بعمان نصف خابية يستظل تحتها أربعمئة شاة.
حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن حدثنا أحمد بن عثمان الأودي حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق عن عبد الرحمان بن يزيد عن أبي مسلم رحمه الله تعالى في قوله تعالى (ادخلوا الأرض المقدسة) قال: كانوا ستة رجال يحملون عنقوداً وأربعة يحملون رمانة واثنان يحملان تينة.
حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم حدثنا ابن البراء حدثنا عبد المنعم عن أبيه عن وهب رحمه الله تعالى في قصة الجبارين قال: فدخلوا فقطعوا عنقوداً فحملوه بين رجلين على حشبة يتراوحها أربعة ورمانة يتراوح ستة على حملها. انتهى الفصل.(2/206)
. (7/404)
فصل في الزهد
عن يونس بن ميسرة الجبلاني قال: ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا بإضاعة المال ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله عز وجل أوثق منك بما في يدك وأن يكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء(1) وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء. (7/405)
عن المتوكل بن حسين العابد قال: قال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف: زهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة؛ فالزهد الفرض الزهد في الحرام، والزهد الفضل الزهد في الحلال، والزهد السلامة الزهد في الشبهات. (7/406)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان قال: سمعت أبي يقول: مِن صدق الزهد إذا أقبلت الدنيا إليك خفت أن يكون حظك من آخرتك؛ وإذا أدبرت خفت أن يكون حرماناً؛ ثم إن أعطاكه عن غير طمع واستشراف نفس أخذته من الله تعبداً؛ وإن منعك لم تُرِدْ(2) خلافه(3)؛ وحقيقته أن تؤثر رضى الله عز وجل والدار الآخرة وحلاوة ذكر الله في فراغ قلبك؛ قال: والزهد في الحرام فريضة وفي المباح فضيلة وفي الحلال قربة. (7/406)
عن زيد بن الحسين قال: سمعت مالكاً وسئل أي شيء الزهد في الدنيا؟ قال: طيب الكسب وقصر الأمل. (7/406)
عن قبيصة بن عقبة قال: سمعت سفيان يقول: لا يصلح القراءة إلا بالزهد؛ واغبط الأحياء بما تغبط الأموات؛ وأَحِبَّ الناس على قدر أعمالهم؛ وذل عند الطاعة واستعصِ عند المعصية. (7/406)
__________
(1) كانت (بسوء).
(2) كانت (يزد).
(3) أي رضيت ولم تتمن غير تلك الحال.(2/207)
عن أبي علي إسماعيل الغافقي أنه سمع عامر بن عبد الله اليحصبي يقول: كان أبو أمية يقول: إن أزهد الناس في الدنيا وإن كان عليها حريصاً من لم يرض منها إلا بكسب الحلال الطيب؛ وأرغب الناس فيها وإن كان معرضاً عنها من لم يبال ما كان كسب منها حلال أو حرام؛ وإن أجود الناس في الدنيا من جاد بحقوق الله، وإن رآه الناس بخيلاً بما سوى ذلك؛ [و]إن أبخل الناس من بخل بحقوق الله وإن رآه الناس جواداً فيما سوى ذلك. (7/407)
عن مسلمة بن جعفر قال: قال عون بن عبد الله بن عتبة: ويحي كيف أغفل عن نفسي وملك الموت ليس يغفل عني؟! ويحيى كيف أتكل على طول الأمل والأجل يطلبني؟!. (7/407)
عن عمران بن مسلم عن محمد بن واسع قال: أربع من عَلَم الشقاء طول الأمل وقسوة القلب وجمود العين والبخل. (7/407)
عن أبي بكر [بن أبي الدنيا] قال أخبرنا الطيب بن إسماعيل وكان من خيار عباد الله أخبرنا فضيل بن عياض [قال]: إن الشقاء طول الأمل، وإن السعادة قصر الأمل. (7/407)
عن محمد بن الوليد: قال الحسن: ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل. (7/407)
قال: وقال الحسن: إذا سرك أن تنظرإلى الدنيا بعدك فانظر إليها بعد غيرك. (7/407)
عن عبد الله بن رزين العقيلي(1): قال كان الحسن يقول في موعظته: المبادرة عباد الله المبادرة، فإنما هي الأنفاس لو قد حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرأ نظر لنفسه وبكى على ذنوبه ثم يقرأ هذه الآية (إنما نعد لهم عدا)؛ ثم يبكي ويقول: آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك. (7/407)
عن أسباط بن نصر عن السدي (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) قال: أيكم أكثر للموت ذكراً، وله أحسن استعداداً، ومنه أشد خوفاً وحذراً. (7/408)
__________
(1) كانت (العقيل).(2/208)
عن محمد بن واسع قال: قال خليد العصري: كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعداً! وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملاً! وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفاً! فعلى ما تعرجون وما عسيتم تنتظرون؟! الموت؟! فهو أول وارد عليكم من الله بخير أو شر؛ فيا إخوتاه سيروا إلى ربكم سيراً جميلاً. (7/408)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي قال: سمعته(1) يتمثل من شعر العرب ثلاثة أبيات:
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
قال: وكان يقول:
وما الدنيا بباقية لحي
ولا حي على الدنيا بباق
قال: وكان يقول:
يسر الفتى ما كان قدم من تقى
إذا علم الداء الذي هو قاتله (7/409)
عن بكر بن دلويه قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: من لم يترك الدنيا اختياراً تركته الدنيا اضطراراً، ومن لم تزل عنه نعمته في حياته زال عن نعمته بعد وفاته. (7/409)
عن الجنيد قال: قال بعض شيوخنا: لا تكون لله عبداً حقاً وأنت بما يكرهه مسترَقّاً. (7/409)
عن سعيد بن محمد الثقفي قال: سمعت القاسم بن غزوان يذكر، قال: كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات:
أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم
وكيف يطيق النوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لحرقت
مدامع عينيك الدموع السواجم(2)
بل أصبحت في النوم الطويل وقد
دنت إليك أمور مفظعات عظائم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة
وليلك نوم والردى لك لازم
يغرك ما يفنى(3) وتشغل بالمنى
كما غر باللذات في النوم حالم
وتشغل فيما سوف تكره غبه(4)
كذلك في الدنيا تعيش البهائم
(7/409)
الثاني والسبعون من شعب الإيمان
__________
(1) يعني سمع الحاكمُ الطوسيَّ.
(2) كانت (السواحم).
(3) كانت (يغني).
(4) كان في هذا الشطر (ويشغل) و (يكره).(2/209)
وهو باب في الغيرة والمذاء(1)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن موسى الرازي يقول: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي وقدمت امرأةٌ زوجَها إليه فادعت عليه مهرها خمسمئة دينار، فأنكر الرجل فقال وكيل المرأة: قد أحضرت شهودي، فقال واحد من الشهود: أنظر إلى المرأة فقام وقامت فقال الزوج: يفعل(2) ماذا؟! ينظر إلى امرأتي؟! قالوا: نعم؛ قال: فإني أشهد القاضي أن لها علي مهرها خمسمئة دينار كلها ذهباً عيناً مثاقيل ولا تسفر عن وجهها! قالت المرأة: فإني أشهد القاضي أني قد وهبتها له؛ قال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق. (7/413-414)
الثالث والسبعون من شعب الإيمان
وهو باب في الإعراض عن اللغو
عن حصين بن عقبة عن سلمان قال إن أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل كذا قال عن سلمان. (7/416)
عن حصين بن عقبة الفزاري قال: قال عبد الله: إن أكثر الناس ذنباً يوم القيامة أكثرهم خوضاً في الباطل. (7/416)
عن معمر عن قتادة قال: كان يقال: لا يُرى المسلم إلا في ثلاث: في مسجد يعمره أو بيت يكنه أو ابتغاء رزق من فضل ربه. (7/416)
عن قتادة عن خليد بن عبد الله العصري قال: لا يلقى المؤمن إلا في ثلاث خصال بيت يستره أو مسجد يعمره أو طلب حاجة في الدنيا لا يأثم بها. (7/416)
عن محمد بن الحسين [البرجلاني] حدثنا عمرو بن جرير قال: سمعت أبا طالب القاضي يقول: كان يقال: جوامع البر في طول الفكرة والصمت سلامة، والخوض في الباطل حسرة وندامة، وإنما يدعو بالويل والثبور غداً في القيامة من جعل الآخرة وراء ظهره، ونصب الدنيا أمامه. (7/417)
__________
(1) قال الحليمي رحمه الله: المذاء أن يجمع الرجال والنساء ثم يخليهم يماذي بعضهم بعضا وأخذ من المذي وقيل هو إرسال الرجال مع النساء من قولهم مذيت [الـ]ـفرس إذا أرسلتها ترعى.
(2) كانت (بفعل).(2/210)
عن سهل بن عبد الله قال: من بطر [حرم] اليقين ومن تكلم بما لا يعنيه حرم الصدق ومن شغل جوارحه في غير طاعة الله حرم الورع؛ فإذا حرم العبد هذه الثلاثة أشياء هلك وهو مثبت في ديوان الأعداء. (7/417)
عن مخراق مؤذن سعيد بن جبير قال: سمعت أبا هريرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المجالس ثلاثة فمنهم الغانم ومنهم السالم ومنهم الشاجب(1)؛ فأما الغانم فعبد ذكر الله فذكره الله؛ وأما السالم فعبد لم يمل على كاتبه خيراً ولا شراً؛ وأما الشاجب فهو الذي يأخذ الباطل فيشجب نفسه(2). (7/417)
عن قتادة قال: كان يقال: المجالس ثلاثة: غانم وسالم وشاجب(3)؛ فالغانم الذي يذكر الله والسالم الساكت والشاجب الذي يخوض في الباطل. (7/417)
عن سليمان بن طرخان [التيمي] قال: قال الأحنف بن قيس: ثلاث فيَّ ما أقولهن إلا ليعتبر معتبر: ما أتيت باب هؤلاء، يعني السلطان، إلا أن أدعى إليه؛ ولا دخلت بين إثنين حتى يكونا هما يدخلاني؛ ولا ذكرت أحداً بعد أن يقوم من عندي إلا بخير. (7/417)
عن ابن وهب حدثني مالك قال: بلغني أن معاوية قال للأحنف بن قيس: بما سدت قومك وأنت لست بأنقبهم ولا أشرفهم؟! قال: إني لا أتناول – أو قال: لا أتكلف – ما كفيت ولا أضيع ما وليت. (7/418)
__________
(1) كانت بالحاء في المواضع الثلاثة.
(2) قال ابن الأثير في النهاية 2/445: "وحديث الحسن المجَالِسُ ثلاثٌ فسَلِمٌ وغانِمٌ وشاجِبٌ أي هالِك يقال شجَب يشجُب فو شَاجِب؛ وشجِبَ يَشْجَب فهو شَجِب أي إمّا سَالمٌ من الإِثْم وإما غانمٌ للأجْر وإما هالِكٌ آثمٌ؛ وقال أبو عبيد ويُروى الناس ثلاثةٌ الساَّلمُ الساكتُ والغانمُ الذي يأمُر بالخير ويَنَنْهى عن المُنكر والشاجِبُ الناطقُ بالخَنَا المُعِينُ على الظُّلْم".
(3) كانت بالحاء في الموضعين.(2/211)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: من صحح استراح، ومن تقرب قرب، ومن صلى صفى(1) ومن توكل وثق، ومن تكلف ما لا يعنيه ضيع ما يعنيه. (7/418)
وقال: سمعت ذا النون يقول: من نظر في عيوب الناس عمي عن عيوب نفسه، ومن عني بالنار والفردوس شغل عن القال والقيل، ومن هرب من الناس سلم من شرورهم، ومن شكر زيد. (7/418)
الرابع والسبعون من شعب الإيمان
وهو باب في الجود والسخاء
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) قال: أعطى من ماله واتقى ربه؛ (وصدق بالحسنى)، بالخلف من الله عز وجل؛ (فسنيسره لليسرى) قال: للخير من الله عز وجل؛ (وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى) قال: بخل بماله واستغنى عن ربه وكذب بالخلف من الله (فسنيسره للعسرى) للشر من الله عز وجل. (7/421-422)
عن أبي هريرة قال: لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان نار جهنم في جوف عبد ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد(2). (7/423)
عن الأسود بن هلال قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فسأله عن هذه الآية (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) و[قال]: إني امرؤ ما قدرت أن يخرج من يدي شيء وقد خشيت أن يكون أصابتني هذه الآية! فقال عبد الله: ذكرت البخل وبئس الشيء البخل؛ وأما ذكر الله في القرآن فليس كما قلت؛ ذاك أن تعمد إلى مال غيرك أو مال أخيك فتأكله. (7/426)
عن جابر بن عبد الله عن أبي بكر الصديق أنه قال: وأي داء أدوى من البخل. (7/431)
عن الأعمش عن نافع عن ابن عمر قال: لقد رأيتني وما الرجل أحق بديناره ولا درهمه من أخيه المسلم. (7/433)
__________
(1) كذا ولعل صواب هذه الجملة (ومن صفى صُفِّي له).
(2) أخرج المصنف هذا الخبر مرفوعاً ثم ذكر أن بعضهم رواه موقوفاً؛ فآثرت إيراده هنا بالنظر إلى وقف من وقفه؛ وهكذا صنعت في أكثر أخبار هذا الكتاب التي رواها المصنف مرفوعة وموقوفة أو رواها مرفوعة ثم أشار إلى روايتها موقوفة.(2/212)
عن ميمون بن مهران قال: دخلت بيت عبد الله بن عمر فما(1) كان فيه ما يسوى ساجي هذا؛ ولقد جاءته عشرون ألفاً من بعض الأمراء فأمر بها فقسمت ونسي أهل بيت كان يعطيهم فاستقرض ألفاً فأعطاهم. (7/434)
عن بقية حدثنا محمد بن زياد قال: أدركت السلف وإن القوم ليكونون في المنزل الواحد بأهلها فربما نزل على بعضهم ضيف وقدر بعضهم على النار فيأخذها صاحب الضيف فيفتقد القدر فيقول صاحبها: من أخذ القدر؟ قال صاحب الضيف: نحن أخذناها لضيفنا؛ قال: فيقول صاحب القدر: بارك الله لكم فيها، أو كلمة نحو هذا؛ قال: والخبز إذا خبزوا مثل ذلك لاستحسنوه؟؟ فيما بينهم؛ ليس بينهم إلا جدار القصب؛ قال بقية قد أدركت أنا ذلك لمحمد بن زياد وأصحابه. (7/436)
عن إسحاق بن كثير حدثنا الوصافي قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي يوماً فقال لنا: يدخل أحدكم يده في كم أخيه، أو قال: في كيسه، يأخذ حاجته؟ قال: قلنا: لا، قال: ما أنتم بإخوان. (7/436)
عن عبد الله بن ضريس يقول: قال الحسن: كنا نعد البخيل الذي يقرض أخاه(2). (7/436)
عن عبد الله بن دينار عن ابن عباس قال: ثلاثة لا أكافئهم: رجل وسع لي في المجلس لا أقدر أن أكافئه ولو خرجت له من جميع ما أملك؛ والثاني من اغبرت قدماه بالاختلاف إلي فإني لا أقدر أن أكافئه ولو قطرت له من دمي؛ والثالث لا أقدر أكافئه حتى يكافئه رب العالمين عني، من أنزل بي الحاجة لم يجد لها موضعاً غيري. (7/436)
عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: كنا نسمي جعفر بن أبي طالب أبا المساكين، قال: وكان يذهب بنا إلى بيته فإذا لم يجد لنا شيئاً أخرج إلينا عكة أثرها عسل، قال: فشققناها وجعلنا نلعقها. (7/437)
عن إبراهيم بن صالح قال: عوتب عبد الله بن جعفر على السخاء فقال: يا هؤلاء إني عودت الله عادة وعودني عادة؛ واني أخاف إن قطعتها قطعني. (7/437)
__________
(1) كانت (فلما).
(2) أي ولا يعطيه إعطاء.(2/213)
عن الدراوردي قال: قيل لمعاوية بن عبد الله بن جعفر: ما بلغ من كرم عبد الله بن جعفر؟ قال: كان ليس له مال دون الناس؛ هو والناس في ماله شركاء! كان من سأله شيئاً أعطاه(1)، ومن استمنحه شيئاً منحه، لا يرى أنه مفتقر فيقصر ولا يرى أنه محتاج فيدخر. (7/437)
عن محمد بن سيرين أن رجلاً من أهل البصرة جلب سكراً إلى المدينة فكسر عليه فذكر ذلك لعبد الله بن جعفر فأمر قهرمانه أن يشتريـ[ـه] ثم يدعو الناس فيهبهم إياه. (7/438)
عن عبد الله بن محمد القروي قال: اشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبه بن أبي معيط داره التي في السوق بثمانين أو سبعين ألف درهم، فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد! فقال لأهله: ما لهؤلاء(2)؟! قيل(3): يبكون دارهم؛ قال: يا غلام فأْتهم فأعلمهم أن الدار والمال لهم جميعاً. (7/438)
عن عبد الله بن أحمد بن شبويه المطوعي قال: سمعت أبي يقول: قال إسماعيل بن إبراهيم:(4) أول من ارتبط الخيل وراء نهر بلخ عباد بن أسيد، وكان عباد ممن كان يقال: مجاب الدعوة؛ وكان يرتبط الخيل عدة في سبيل الله وراء نهر بلخ، وكان ينفق في الخيل نفقة عظيمة؛ قال: وبلغ عباداً أن رجلاً من جيرانه اشترى بضاعة فبارت وكسدت عليه فاغتم لذلك؛ قال: فأتاه عباد واشترى منه بضاعته ليفرج عن أخيه فلما اشتراها تحركت تلك البضاعة حتى طلبت من عباد بربح ألوف فباعها ودفع الربح كله إلى الذي كان اشتراها منه، وقال: إنما اشتريتها أولاً لأخلصه وأسرَّه، فلا أحب أن أغمَّه بعدُ، فدفع الربح كله إليه. (7/438)
__________
(1) كانت (أعفاه).
(2) كانت (هؤلاء).
(3) كانت (قال).
(4) كان هنا كلمة (قال) فحذفتها.(2/214)
عن أبي معاذ عبد الله بن ضرار بن عمرو الرطبي الملطي عن أبيه قال: لقي الزهري(1) يزيد بن محمد بن مروان وهو يطوف بالبيت وكان قد استقرض منه مالاً فأداه إلا شيئاً، فقال: يا أبا عثمان قد استحيينا من حبس حقك، فإن رأيت أن تأمر قهرمانك(2) أن يكف عنا حتى ييسر الله علينا، قال: يا بن شهاب(3) كم بقي عليك؟ قال: خمس عشرة ألف؛ قال: اذهب فإنها لك؛ وإنها لقليل في الإخاء في الله عز وجل. (7/438)
عن ضمرة بن ربيعة عن عمر بن عبد الرحمن قال: أتى يزيد بن مروان بمال من غلة له فجعل يصره صراً(4) ويبعث به إلى إخوانه ويقول: إني لأستحيي من الله عز وجل أن أسأل الجنة لأخ من إخواني(5) ثم أبخل عليه بالدينار والدرهم. (7/439)
عن مردويه قال: سمعت الفضيل يقول: لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة وإنما أدرك بسخاء الأنفس وسلامة الصدر والنصح للأمة. (7/439)
عن حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: قال علي بن عبد الله بن عباس: سادة الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء. (7/440)
عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان أهل الجاهلية لا يسوِّدون إلا من كانت فيه ست خصال: السخاء والجدة والحلم والصبر والتواضع والتأني، تمامهن في الإسلام العفاف. (7/440)
عن مسعر عن محارب بن دثار قال: صحبنا القاسم بن عبد الرحمن في سفر فغلبنا بثلاث: بسخاء النفس وطول الصمت وكثرة الصلاة. (7/440)
عن محمد بن مصعب قال: قال الحسن البصري: نظرت في السخاء فما وجدت له أصلاً ولا فرعاً إلا حسن الظن بالله عز وجل؛ وأصل البخل وفرعه سوء الظن بالله عز وجل. (7/440)
عن روح عن ميمون عن الحسن في قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قال: هو البخل. (7/441)
__________
(1) كانت (الزهدي).
(2) كانت (مهربانك).
(3) كانت العبارة (ابن ابن هاب).
(4) لعلها (صُرراً).
(5) كانت (أخواي).(2/215)
عن العباس بن الوليد أخبرني أبي قال: سألت الأوزاعي عن البخيل من هو؟ قال: الذي يضيع الصدقة والحقوق. (7/441)
قال: وسمعت الأوزاعي يقول: ثلاث من كن فيه فقد برئ من الشح: من أدى زكاة ماله وقرى الضيف وأعطى في النوائب. (7/441)
عن علي بن عثام قال: كانت أم حاتم من أسخى الناس فقيل: أجيعوها جوعاً فلعلها تمسك فأجيعت فقالت(1): جعت جوعة فآليت لا أمنع الدهر جائعاً. (7/441)
عن علي بن عثام العامري قال: الجوع كريم والشبع لئيم. (7/441)
عن صالح بن مسلم عن عبد الأعلى وكان سمساراً قال: قال لي الحسن: أيولي أحدكم أخاه الثوب فيه رخص درهمين أو ثلاثة؟ قال: قلت: لا والله ولا دانق! قال: فقال الحسن: أف أف فماذا بقي من المروءة إذن(2). (7/441)(3)
عن عبد الله بن المبارك أخبرنا سفيان قال: ذكروا عند الحسن زيادة دانق أو نقصان دانق فقال الحسن: لا دين إلا بالمروءة. (7/441)
عن محمد بن الزبير قال: قال الحسن: أهل السوق لا خير فيهم! بلغني أن أحدهم يرد أخاه من أجل درهم. (7/442)
عن الحسن بن عمرو قال: سمعت بشراً يقول: النظر إلى الأحمق سخنة عين، والنظر إلى البخيل يقسي القلب. (7/442)
قال: وسمعت بشراً يقول: صاحب ربع سخي أخف علي من عابد بخيل(4). (7/442)
__________
(1) كانت (فقلت).
(2) كانت (إذ).
(3) ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (9/268) أن عبد الأعلى السمسار قال: قال الحسن: يا عبد الأعلى أما يبيع أحدكم الثوب لأخيه فينقص درهمين أو ثلاثة؟ قلت: لا والله ولا دانق واحد، فقال الحسن: إنْ؟؟ هذه الأخلاق فما بقى من المروءة إذاً ؟ قال: وكان الحسن يقول: لا دين إلا بمروءة؛ وباع بغلة له فقال له المشتري: أما تحط لي شيئاً يا آبا سعيد؟ قال: لك خمسون درهماً، أزيدك؟ قال: لا، رضيت؛ قال: بارك الله لك.
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية 8/350.(2/216)
عن القاسم بن منبه قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: ليس شيء من أعمال البر أحب إلي من السخاء، ولا أبغض إلي من الضيق وسوء الخلق. (7/442)
عن محمد بن نصر الخزاعي قال: سمعت بشر بن الحارث الحافي يقول: النظر إلى الأحمق سخنة العين ومكث البخلاء في الدنيا أذى على قلوب المؤمنين. (7/442)
عن محمد بن عبيد الله البتي قال: سمعت أعرابياً وذكر رجلين باللوم فقال: دُبغت جلودهما باللؤم(1)، فلباسهما في الدنيا الملامة ورداءهما في الآخرة ندامة. (7/442)
عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: قال علي بن أبي طالب: السخاء ابتداء [خير] مما كان بعد مسألة فإنما [هو] لرغبة أو رهبة أو حياء. (7/442)
عن عبد الحميد بن جعفر قال: قال عبد الله بن جعفر ذي الجناحين: ليس الجواد الذي يعطي بعد المسألة، لأن الذي يبذل السائل من وجهه وكلامه أفضل مما يبذل المسؤل من نائله؛ وإنما الجواد الذي يبتدئ بالمعروف. (7/443)
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كتب رجل إلى عبد الله بن جعفر رقعة فجعلها في ثني وسادته التي يتكئ عليها فقلب عبد الله الوسادة فبصر بالرقعة فقرأها فردها في موضعها وجعل مكانها كيساً فيه خمسة آلاف دينار فجاء الرجل فدخل عليه فقال: قلب المرفقة فانظر ما تحتها فخذه، فأخذ الرجل الكيس وخرج وأنشأ يقول:
زاد معروفك عندي عِظَماً
أنه عندك ميسور حقير
تتناساه كأنك(2) لم تأته
وهو عند الناس مشهور كثير
(7/443)
عن الشعبي عن ابن عباس قال: كان العباس بن المطلب كثيراً ما يقول: ما رأيت أحداً أحسنت إليه إلا أضاء ما بيني وبينه، وما رأيت أحداً أسأت(3) إليه إلا أظلم ما بيني وبينه؛ فعليك بالإحسان واصطناع المعروف فإن ذلك يقي مصارع السوء. (7/443)
__________
(1) كانت (باللوم).
(2) كانت (كأنه).
(3) كانت (سألت).(2/217)
عن حفص بن أبي حفص الأبار عن أبيه قال: سمعت ابن شبرمة يقول: إذا سألت أخاً لك حاجة يقدر عليها فلم يقضها لك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم كبر عليه أربعاً وعده في الموتى. (7/443)
عن حماد بن إسحاق الموصلي عن أبيه قال: قيل للمغيرة بن شعبة: ما بقي من لذتك؟(1) قال: الافضال على الإخوان. (7/444)
عن ابن زيد قال: قيل لمحمد بن المنكدر: ما بقي من لذة الدنيا؟ قال: مواساة الإخوان والإفضال عليهم. (7/444)
عن إسحاق بن إبراهيم قال: قال ابن السماك: عجباً لمن يشتري المماليك بماله ويترك شراء الأحرار بمعروفه! (7/444)
عن يحيى بن الفرات الهمداني قال: قال جعفر بن محمد لسفيان الثوري: يا سفيان لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله وتصغيره وشكره. (7/444)
عن الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول: عِدَةُ الكريم نقد وتعجيل، وعدة اللئيم مطل وتسويف. (7/444)
أنشدني أبو القاسم بن حبيب المفسر أنشدنا أبو منصور مهلهل بن علي الغبرتي أنشدني العتبي:
لا خير في عدة إن كنت ماطلها
وللوفاء على الإخلاف تفضيل
الخير أنفعه للناس أعجله
وليس ينفع خير فيه تطويل
(7/444)
عن الأصمعي قال: أوصى زهير بن خباب ولده فقال: يا بني عليكم باصطناع المعروف واكتسابه، وتلذذوا بمودات صدور الرجال، ورب رجل صفر من ماله فعاش بذلك وعقبه من بعده. (7/445)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام السخاء: البذل للشيء مع الحاجة إليه، وخوف المكافأة استقلالاً للعطية، والحمل على النفس استغناماً لإدخال السرور على الناس؛ قال: وثلاثة من أعلام الثقة بالله: السخاء بالموجود وترك المطلوب المفقود والاستنابة إلى فضل المودود؛ قال: وثلاثة من أعلام الإفضال: صلة القاطع وإعطاء المانع والعفو عن الظالم(2). (7/445)
عن أبي الحسن موسى بن عيسى الدينوري قال: الجود بالموجود غاية الجود والبخل بالموجود سوء الظن بالمعبود. (7/445)
__________
(1) كانت (لذلك).
(2) كانت (المظالم).(2/218)
عن أبي عبد الله الزيدي قال: دخلت على أبي العباس ثعلب أعوده فقلت(1) يا أبا العباس كيف تجدك؟ قال: أجدني أشتهي ما لا أجد، وأجد ما لا أشتهي؛ في زمننا هذا من جاد لم يَجِدْ ومن وجد لم يجُدْ؛ ثم أنشأ يقول:
أتعرف في الدنيا كريماً تؤمه
لدفع(2) أو لبذل جزيل
فذو الجود مقتور عليه وذو الغنى
يضن بما يحويه غير بذول
ولله دهر خيره للئامه
وأحراره صرعى بكل سبيل
هو الصبر حتى يأذن الله بالغنى
وإلا فما يغني احتيال حيول
فلو أن ما بالإحتيال وحيلة
لقد كنت أحوي منه غير قليل
(7/445-446)
عن الأصمعي قال: سمعت أعرابية توصي ابناً لها وقد أراد سفراً فقالت له: يا بني إحفظ وصيتي ومحص نصيحتي وأنا أسأل الله توفيقه لك فإن قليل توفيقه لك أجدى عليك من كثير نصحي؛ يا بني إياك والنمائم فإنها تزرع الضغائن وتنبت الشحائن وتفرق بين المحبين يا بني إياك والبخل بمالك والجود بعرضك والبذل لدينك؛ بل كن بمالك جواداً ولعرضك صائناً ولدينك موقياً؛ يا بني إذا هُززت فاهتز وإذا هَززت فاهزز كريماً، فإنك تجد طيب مهزته، ولا تهزز لئيماً فإنها صخرة لا ينفجر ماؤها؛ يا بني وانظر ما استحسنته لغيرك فمثله لنفسك وما كرهته لغيرك فاجتنبه ودعه ثم أنشأت تقول:
صاف الكرام وكن لعرضك صائنا
واعلم بأن أخا الحفاظ أخوك
الناس ما استغنيت أنت أخوهم
فإذا افتقرت إليهم رفضوك
(7/446)
عن أحمد بن محمد بن مدرك قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: من سأل نذلاً حاجة فقد رفعه عن قدره. (7/446)
عن جعفر بن قدامة قال: أنشدنا المبرد:
لئن كانت(3) الدنيا أنالتك ثروة
وأصبحت(4) فيها بعد عسرٍ أخا يسر
لقد كشف الإثراء منك خلائقاً
من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر
(7/446)
عن أبي الحارث الأولاسي قال: سمعت عبد الله بن خبيق يقول: كان يقال: لا تبذل وجهك لمن يهون عليه ودك. (7/446)
__________
(1) كانت (فقال).
(2) لعله سقطت كلمة بعد (لدفع) نحو (أذى).
(3) كانت (كان).
(4) كانت (واحتجت).(2/219)
عن أبي بكر الهذلي(1) قال: كان مطرف بن عبد الله يقول لإخوانه وأوِدّائه(2): إذا كانت لكم حاجة فاكتبوها في رقعة لأقضيها لكم فإني أكره ذل(3) السؤال في وجوهكم لقول الشاعر(4):
لا تحسبن الموت موت البلى
لكنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا أشد
من(5) ذاك لذل السؤال
(7/447)
عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال: لا تنشر سرك إلا عند من يريده. (7/447)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: خير السخاء ما وافق الحاجة. (7/447)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: ليس بكريم من يطلب الثناء على العطاء. (7/447)
عن يوسف بن الحسين وسئل عن الجود والكرم فقال: الجود أن تتفضل بما لا يجب عليك والكرم أن تتفضل ما يجب لك. (7/447)
عن أبي بكر الرازي قال: سألت أبا بكر عبد الله بن طاهر الأبهري: من الكريم؟ قال: الذي كرم بطبعه عن التدنس بشيء من مخالفة ربه. (7/448)
عن أبي عثمان سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: العاقل يعترف بذنبه ويحسن(6) ذنب غيره، ويجود بما لديه ويزهد فيما عند غيره ويكف أذاه ويحتمل الأذى عن غيره، والكريم يعطي قبل السؤال فكيف يبخل بعد السؤال ويعذر قبل الاعتذار فكيف يحقد بعد الإعتذار. (7/448)
وقال: سمعت ذا النون قال: ثلاثة من أعلام السخاء: البذل للشيء مع الحاجة إليه، وخوف المكافأة استقلالاً للعطية، والحمل على النفس استغناماً لإدخال السرور على الناس. (7/448)
__________
(1) كانت (العدلي).
(2) كانت (وودائه)، ويحتمل أيضاً أن الصحيح (ووددائه).
(3) كانت (ذاك).
(4) وجاء في رواية أخرى أن الذي استشهد بالبيتين هو عبد الله بن بكر أحد رواة الخبر، وليس مطرفاً نفسه؛ فجاء في آخرها: قال عبد الله بن بكر قال بعض الشعراء، فذكر البيتين.
(5) كانت (ومن).
(6) لعلها (وينسى).(2/220)
عن القاسم بن منبه قال: قال أبو نصر بشر بن الحارث: بعث أبو رجاء الذي كان بمكة إلى فضيل يستقرض دراهم أو يسأله دنانير، ثم قال أبو نصر: بعث مسكين إلى مسكين! قال: ولم يكن عند فضيل إلا بعير له يعمل عليه، قال: فأمر ابنه أن يدخله السوق فيبيعه ثم يبعث إلى رجاء بنصف ثمنه ويأتيه بالنصف الآخر! ثم ذكر أبو نصر كرم أهل الخير وفضلهم. (7/448)
عن سلمة بن سليمان قال: جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك فسأله أن يقضي ديناً عليه فكتب له إلى وكيل له، فلما ورد عليه الكتاب قال له الوكيل: كم الدين الذي سألت فيه عبد الله أن يقضيه عنك؟ قال: سبعمئة درهم، فكتب إلى عبد الله: إن هذا الرجل سألك أن تقضي عنه سبعمئة درهم وكتب إليه سبعة آلاف درهم(1)! قد فنيت الغلات؛ فكتب إليه عبد الله: إن كانت الغلات قد فنيت فإن العمر أيضاً قد فني، فأجْرِ له ما سبق به قلمي له. (7/449)
عن حسين الجعفي قال: كان لعبد الله بن المبارك عندنا صديق يواخيه بالكوفة فقدم ابن المبارك الكوفة وهو محبوس بدين عليه فأمر ابن المبارك بأن يقضي عنه ديونه فخرج من السجن. (7/449)
قال البيهقي: وروينا قصة أخرى عن ابن المبارك في قضائه عن شاب بالرقة كان عبد الله إذا دخلها اختلف إليه فقام بحوائجه عشرة(2) آلاف درهم من غير علم واستكتابه من أمر بقضائه عنه؛ وذلك في تاريخ النيسابوريين(3) في ذكره مكتوب. (7/449)
عن عبد الله بن هاشم بن حيان قال: كان لرجل على خالد بن الحارث خمسين ديناراً فألح عليه فجاء إلى يحيى بن سعيد صاحب له(4) فقال: كلم فلاناً يوفر عنا أياماً؛ فسكت يحيى، فلما خرج خالد من عنده بعث إلى غريمه فأعطاه الخمسين دينار(5)، ولم يخبر خالداً أني أديته عنك. (7/449)
__________
(1) وذلك لوهم وقع من ابن المبارك عند الكتابة.
(2) مفعول به للمصدر (قضائه).
(3) للحاكم شيخ البيهقي.
(4) لعلها (وكان صاحباً له).
(5) كانت (الدينار).(2/221)
عن أبي عيسى الترمذي حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني شيخ قد سمع من ليث بن سعد قال: جاءت امرأة إلى الليث بن سعد تسأله عسلاً ومعها قدح وقالت: زوجي مريض، فقال: أعطوها راوية عسل، فقالوا: يا أبا الحارث سألتْ قدحاً! قال: سألت على قدرها ونعطيها على قدرنا. (7/449)
عن أبي عيسى قال: سمعت قتيبة يقول: كان الليث يركب في جميع الصلوات إلى مسجد الجامع ويتصدق كل يوم على ثلاثمئة مسكين. (7/449)
عن علي بن خشرم قال: سمعت منصور بن عمار يقول: لما مرض ابن لهيعة مرضه الذي مات فيه دخل عليه الليث بن سعد فقال له: ما تشتكي؟ قال: الدَّين؛ قال: كم دينك؟ قال: ألف دينار؛ فأتى بها فأعطاه إياهـ[ـا]؛ قال: وولي القضاء ثلاثين سنة لم يستحل أن يغرس ريحانة يشمها. (7/449)
عن أبي رجاء قتيبة بن سعيد قال: سمعت شعيب بن الليث يقول: وجه أبي إلى مالك بن أنس بألف دينار، وإلى عبد الله بن لهيعة بألف دينار حين احترق منزله، وإلى أبي السري منصور بن عمار(1) بألف دينار. (7/450)
عن الأصمعي قال: كنت عند جعفر بن يحيى البرمكي فدخل عليه رجل فقال: أعذني(2) أيها الأمير؛ قال: هو ذاك صاحب الشرطة(3) على الباب(4)؛ قال: أعذني(5) أيها الأمير! قال: ويحك ما أعذتك(6)؟ قال: من(7) الفقر(8)؛ قال: نعم، يا غلام إدفع إليه ألف دينار. (7/450)
__________
(1) واعظ شهير.
(2) كانت (أعدني).
(3) كانت (الشرطي).
(4) يعني أنه لا يأذن بأن يدخل عليك من يطلبك.
(5) كانت (أعدني).
(6) كانت (أعدتك).
(7) كانت (على).
(8) كانت (الفقير).(2/222)
عن سعيد بن عبد العزيز قال: أدى هشام بن عبد الملك عن الزهري سبعة آلاف دينار وقال: لا تعودن في الدَّين؛ قال: وكيف وحدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟!---قال سعيد بن عبد العزيز: فما مات الزهري حتى استدان مثلها فبيعت شغب(1) فقضى دينه؛ وشغب(2) ضيعة للزهري. (7/450)
عن مالك بن أنس قال: كان ابن شهاب من أسخى الناس فلما أصاب تلك الأموال قال له مولى له وهو يعظه: رأيت ما مر عليك من الضيق والشدة فانظر كيف تكون وأمسك عليك مالك! فقال له ابن شهاب: ويحك إني لم أر الكريم تحكمه التجارب(3). (7/451)
عن مالك بن أنس قال: قال الزهري: وجدنا السخي لا تنفعه التجارب. (7/451)
عن محمد بن إدريس الشافعي أن رجاء بن حيوة عاتب ابن شهاب في الإسراف وكان يدان فقال: لا آمن أن يحبس هؤلاء القوم أيديهم عنك فتكون قد حملت على أمانيك؛ قال: فوعده أن يقتصد(4)، فمر به بعد ذلك وقد وضع الطعام ونصب موائد العسل فوقف به رجاء فقال: يا أبا بكر هذا الذي افترقنا عليه؟! فقال له ابن شهاب: إنزل فإن السخي لا تؤدبه التجارب؛ قال أبو عبد الله محمد بن العباس(5): فأنشدني الحسين بن عبد الله الكاتب في هذا المعنى:
له سحائب جود في أنامله
أمطارها الفضة البيضاء والذهب
يقول في العسر إن أيسرت ثانية(6)
أقصرت عن بعض ما أعطي وما أهب
حتى إذا عاد أيام اليسار له
رأيت أمواله في الناس تنتهب(7)
(7/451)
__________
(1) كانت (شعبة)، والتصحيح من سير أعلام النبلاء 5/342 وتهذيب الكمال 18/491.
(2) كانت (وشعب).
(3) وفي رواية: ويحك إني لم أر السخي تنفعه أو تحكمه التجارب.
(4) كانت (يقتصر)؛ ولها وجه غير قوي، ويحتمل أنها (يقصر).
(5) أحد رواته.
(6) كانت (نابتة).
(7) ثم قال البيهقي: وأنشدني أبو عبد الرحمن السلمي أنشدنا محمد بن العباس العصمي أنشدنا الحسين بن أبي عبد الله الكاتب لبعضهم فذكر هذه الأبيات.(2/223)
عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الحميدي يقول: قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار في منديل فضرب خباءه في موضع خارجاً من مكة فكان الناس يأتونه فما برح حتى ذهبت كلها(1). (7/451)
عن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي راكب حمار فمر على سوق الحذائين فسقط سوطه من يده فوثب غلام من الحذائين فأخذ السوط ومسحه بكمه وناوله إياه، قال الشافعي لغلامه: إدفع تلك الدنانير إلى هذا الفتى؛ قال الربيع: فلست أدري تسعة دنانير أو سبعة. (7/452)
عن الربيع بن سليمان قال: تزوجت فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين ديناراً؛ فقال: كم أعطيتها؟ قلت: ستة دنانير؛ فصعد داراً وأرسل إليَّ بصرة فيها أربعة وعشرون ديناراً. (7/452)
عن الربيع قال: أخذ رجل بركاب الشافعي فقال لي: يا ربيع أعطه أربعة دنانير واعذرني عنده. (7/452)
عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: سئل يونس بن حبيب النحوي عن المثل المشهور "كمجير أم عامر"؛ قال: خرج فتيان من العرب للصيد وأثاروا ضبعاً ففلتت من أيديهم ودخلت خباء لبعض العرب فخرج إليهم؛ فقال: والله لا تصلون إليها وقد استجارت بي، فخلوه وإياها؛ فلما انصرفوا عمد الرجل إلى خبز وسمن فثرده وقربه إليها فأكلت حتى شبعت وتمددت في جانب الخباء وغلب الأعرابي النوم فلما استثقل وثبت إليه فقرضت حلقه وبقرت بطنه وأكلت حشوته وخرجت تسعى وجاء أخو المقتول فلما نظر إليه أنشأ يقول:
ومن يصنع المعروف في غير أهله
يلاقي كما لاقى في مجير أم عامر
أعد لها لما استجارت ببيته
قراها من ألبان اللقاح الغرائر
فأشبعها حتى إذا ما تملئت
قرضته(2) بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من
يجود بمعروف إلى غير شاكر
(7/453)
__________
(1) وفي رواية أخرى لهذا الخبر: وفرق المال كله في قريش ثم دخل مكة.
(2) كانت (فرطه).(2/224)
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب ودين كما لا تصلح الرياضة إلا في نجيب؛ قال البيهقي: هكذا رواه جماعة من الضعفاء عن هشام؛ ويقال إنه من قول عروة بن الزبير كتبه علي بن المديني من كتاب المسيب بن شريك عن هشام عن أبيه من قوله. (7/454)
عن يوسف بن أسباط قال: قال سفيان: وجدنا أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام. (7/454)
عن إبراهيم بن مهدي الأيلي قال أنشدني أبو الحسن القرشي:
متى تصنع الكرامة في لئيم
فإنك قد أسأت إلى الكرامة
ورب صنيعة ذهبت ضياعاً(1)
فكان جزاء صاحبها الملامة
(7/454)
عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقي الله فاصطنعها إلى من يتقي العار. (7/454)
عن الأصمعي قال: دخلت البادية فإذا أنا بعجوز وبين يديها شاة مقتولة وجرو ذئب مقفى فنظرت إليها فقالت: أو يعجبك هذا؟! قلت: بلى، وما قصتك؟! قالت: إعلم أن هذا جرو ذئب قد أخذناه فأدخلناه بيتنا فلما كبر قتل شاتنا فقلتُ: أوَقلتِ في ذلك شعراً؟ قالت: بلى، ثم أنشأت تقول:
بقرت شويهة وفجعت قوماً
وأنت لشاتنا أم(2) ربيب
غذيت بدرها وربيت فينا
فمن أنباك أن أباك ذئب
إذا كان الطباع طباع سوءٍ
فليس بنافع أدب الأديب
(7/454)
الخامس والسبعون من شعب الإيمان
وهو باب في رحم الصغير وتوقير الكبير(3)
عن الحسن بن مسلم أنه قال: من تعظيم جلال الله تعظيم ذي الشيبة المسلم. (7/460)
عن أبي عثمان الحناط قال: قال ذو النون: ثلاثة من أعلام الوقار: تعظيم الكبير والترحم على الصغير والتحلم على الوضيع. (7/460)
__________
(1) كانت (طياعاً).
(2) كذا.
(3) قال البيهقي أو الحليمي: فإنما ذكرتهما في باب واحد لأن المعنى معاملة كل أحد بحسب سنه وقدر قوته وبما يليق بمنزلته فالذي يقتضيه حال الصغير أن يرحم والذي تقضيه حال الكبير أن يوقر.(2/225)
عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: صحبني جرير فجعل يخدمني وقال: إني رأيت الأنصار يصنعون برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لا أرى أحداً منهم إلا خدمته(1). (7/462)
عن قتادة قال: سمعت مطرف بن عبد الله يحدث عن حكيم بن قيس بن عاصم أن قيس بن عاصم أوصى بنيه، قال: يا بني اتقوا الله وسودوا أكبركم فإن القوم إذا سودوا أكبرهم خلفوا(2) أباهم وإذا سودوا أصغرهم (أزرى ذلك بهم)(3) عند [أ]كفائهم؛ وعليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة(4) للكريم ومستغنى(5) به عن اللئيم؛ وإياكم والمسألة فإنها آخر كسب الرجل؛ ولا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه؛ ولا تدفنوني بأرض يشعر بدفني بكر بن وائل فإني كنت أعاديهم في الجاهلية. (7/464)
عن عبد الرحمن بن أبزى قال: كان داود عليه السلام يقول: كن لليتيم كالأب الرحيم واعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد؛ وأن المرأة الصالحة لبعلها كالملك المتوج بالتاج المخوص(6) بالذهب؛ واعلم أن المرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على ظهر الشيخ الضعيف؛ واعلم أن خطبة الأحمق في نادي القوم كالمغني عند رأس الميت؛ وتعوذ بالله من صاحب إذا ذكرت لم يعنك وإذا نسيت لم يذكرك؛ وما أقبح الفقر بعد الغنى؛ وأقبح من ذلك الضلالة بعد الهدى(7). (7/473)
__________
(1) وفي رواية: صحبت جرير بن عبد الله وكان يخدمني وكان أسن مني فذكره وقال: إلا أكرمته.
(2) كانت (خلقوا).
(3) كانت (أذرى ذلك لهم).
(4) كانت (منية).
(5) كانت (ومستفتى).
(6) كانت (المحوض) والتصحيح موافق لما في العلل لابن أبي حاتم 1/397 وغيره.
(7) وزيد في بعض رواياته: ولا تعد أخاك ثم لا تنجز له فإنه يورث بينك وبينه عداوة؛ وما أحسن العلم بعد الجهل.(2/226)
عن أبي عمران موسى بن هارون قال: سمعت أحمد بن صالح يقول: رأيت الخير كله في رقة القلب والرحمة وذلك قوله عز وجل (فاعف عنهم واستغفر لهم) الآية؛ ورأيت الشر كله في اثنتين: في الفظاظة وغلظ القلب، وذلك قول الله عز وجل (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). (7/478)
عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال: يكره أو ينهى أن تحد شفرتك وهي تنظر إليك، إذا أراد أن يذبح. (7/482)
عن إبراهيم بن سعد قال: جئت صالح بن كيسان في منزله فوجدته يكسر لهرة له يطعمها، ثم يفت لحمامات له أو لحمام له يطعمه. (7/483)
عن سعيد بن شيبان قال: أخبرني من رأى عدي بن حاتم يفت الخبز للنمل(1). (7/483)
عن إبراهيم بن بشار الصوفي الخراساني قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: بلغه أنه كان في بني إسرائيل رجل ذبح عجلاً بين يدي أمه فأيبس الله يده فبينا هو ذات يوم جالس إذا بفرخ قد سقط من وكره وهو يتبصبص إلى أبويه وأبواه يتبصبصان إليه فأخذه ورده إلى وكره رحمة له فرحمه الله برحمته لهما ورد عليه يده بما صنع. (7/484)
السادس والسبعون من شعب الإيمان
وهو باب في الإصلاح بين الناس إذا مرجوا وفسدت ذات بينهم
عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله عز وجل (اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) قال: هذا تحريج(2) من الله عز وجل على المؤمنين أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم. (7/487)
عن أبي إدريس أن أبا الدرداء قال: ألا أخبركم بخير لكم من الصيام والصدقة؟ صلاح ذات البين؛ وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة. (7/487)
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: كنا نقول في الجاهلية: العضه السحر، وإن العضه اليوم فيكم القالة؛ قيل من(3) قال؛ وقال: وحسب الرجل من الكذب أن كل ما يسمعه يحدث [به]. (7/493)
عن عكرمة بن عمار قال: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: النمام يفسد في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر. (7/495)
__________
(1) زاد بعضهم في رواية له: إنهن جارات ولهن حق.
(2) كانت (مخرج).
(3) لعلها (و).(2/227)
عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير قال: إن صاحب النميمة ليفسد ما بين الناس في يوم ما لا يفسده الساحر في شهر. (7/495)
عن بزيع(1) عن الضحاك في قوله (فخانتاهما) قال: إنما كانت خيانة امرأة نوح وامرأة لوط النميمة. (7/497)
عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه قال سمعت أسقفاً من أهل نجران يكلم عمر بن الخطاب يقول: يا أمير المؤمنين إحذر قاتل الثلاثة! فقال عمر: ويلك وما قاتل(2) الثلاثة؟! قال: الرجل يأتي الإمام بالكذب فيقتل الإمام ذلك الرجل بحديث هذا الكذاب، فيكون قد قتل نفسه وصاحبه وإمامه. (7/497)
السابع والسبعون من شعب الإيمان
وهو باب في أن يحب الرجل لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه
ويدخل فيه إماطة الأذى عن الطريق
عن معمر عن رجل عن الحسن أن موسى صلى الله عليه وسلم سأل ربه جماعاً من الخير فقال: إصحب الناس بما تحب أن تصحب به. (7/503)
عن خيثمة قال: قال عبد الله بن مسعود: من أحب أن ينصف الناس من نفسه فليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه. (7/503)
عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن يزيد قال: شتم رجل ابن عباس [فقال:] إنك تشتمني وفيَّ ثلاث: إني لأسمع الحكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأحبه(3) ولعله لا أقاضي إليه أبداً؛ وإني لأسمع بالغيث يصيب البلدة من بلدان المسلمين فأفرح به وما لي بها سائمة ولا راعية؛ وإني لآتي على آية في كتاب الله فوددت أن المسلمين كلهم يعلمون منها مثل ما أعلم. (7/503)
__________
(1) بزيع هذا هو أبو حازم الكوفي مولى يحيى بن عبد الرحمن.
(2) كانت (قائل) وكذلك وردت في الموضع السابق.
(3) كانت (فأجبه).(2/228)
عن عتبة بن عبد الله قال: من ضمن لي ست؟؟ ضمنت له الجنة: لا تجبنوا عن قتال عدوكم، ولا تغلّوا [من] فيـ[ـئـ]كم؛ وأنصفوا الناس من أنفسكم؛ وخذوا لمظلومكم من ظالمكم؛ ولا تظالموا في قسمة مواريثكم؛ ولا تحملوا ذنوبكم على ربكم(1)؛ فإذا فعلتم ذلك دخلتم الجنة. (7/504)
عن ابن المبارك قال: كتب ميمون بن مهران إلى يونس بن عبيد: إني أحب أن تكتب إلي بما أنت عليه لأكون عليه، قال: فكتب إليه يونس: إني جهدت بنفسي أن تحب للناس ما تحب لها وتكره لهم ما تكره لها فإذا هي من ذلك بعيدة، وإذا الصوم في اليوم الحار الشديد حره أيسر عليها من ترك ذكر الناس(2). (7/504)
عن هشام بن عروة قال: جاء رجل إلى عروة بن الزبير فعزاه، فقال: بأي شيء تعزيني أبرجل(3) قال: لا، ولكن بابنك قطعته الدواب بأرجلها، فقال عروة: وأيمُكَ لئن ابتليتَ لقد عافيت، ولئن أخذتَ لقد أبقيت. (7/506)
قال البيهقي(4): وروينا عنه في باب الصبر أنه قال: اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت منهم واحداً وأبقيت منهم ستة؛ وكان لي أطراف أربعة فأخذت منها طرفاً وأبقيت لي ثلاثة؛ وأيمك لئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت. (7/506)
__________
(1) كذا في الأصل.
(2) قال المؤلف هنا: قال الحليمي رحمه الله ولا ينبغي لمسلم أن يتمنى بقلبه لأخيه من الشر ما يكره لنفسه أو يكره له من الخير ما يتمناه ويحبه لنفسه وإذا عرضت لجماعة المسلمين بلية فلا ينبغي لأحد منهم أن يتسبب إلى الخلاص بإيلام الآخرين والإغراء بهم بل ينظر لهم كما ينظر لنفسه فإن عجز نظر لنفسه من حيث لا يضرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتواصلهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
(3) وكانت رجله قد قطعت في تلك الأيام.
(4) أو الحليمي.(2/229)
عن أيوب عن سالم بن عبد الله قال: كان يقال: إذا استقبل الرجل شيء من هذا البلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، لم يصبه ذلك البلاء أبداً كائناً ما كان(1). (7/506)
عن علي بن الحسن بن الفقيه قال: سمعت أبي يقول: سمعت المعروف بعمي يقول: حضر بسطام رجل ادعى الولاية فقام أبو يزيد إليه وزاره فبزق الرجل نحو القبلة فقال أبو يزيد: [من] لا يعطى أدباً من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته كيف يعطى الولاية؟! (7/516)
عن عبد الله بن الصامت عن معاذ قال: ما بزقت عن يميني منذ أسلمت. (7/516)
عن جعفر بن سليمان عن أسماء بن عبيد قال: قال عائذ المزني: لأن أصب طستي في حجتلي أحب إلي من أن تصب في طريق المسلمين قال فكان لا يخرج من داره ماء إلى الطريق من ماء سماء ولا غيره فرؤي له أنه في الجنة فقيل بم فقال بكفه أذاه عن المسلمين. (7/519)
عن جعفر بن عون أخبرنا أبو حيان عن أبيه قال: كان شريح(2) لا يشرع شعباً إلى الطريق إلا إلى داره ولا يموت لأهله سنورة إلا دفنها في داره إتقاء أذى الناس (7/519)
فصل في حفظ المسلم سر أخيه
عن أبي علي الحكيم قال: سمعت أبي يقول: أفشى رجل إلى صديق له سراً من أسراره فلما فرغ منه قال له: أحفظته؟ قال: لا، بل نسيته. (7/521)
فصل في ترك تتبع عورات المسلمين وفي قبول عذرهم سوى ما تقدم في الأبواب قبله
عن عبد الله بن محمد بن منازل قال: المؤمن يطلب معاذير إخوانه والمنافق يطلب عثرات إخوانه. (7/521)
عن أبي علي الثقفي قال: سمعت حمدون القصار يقول: إذا زل أخ من إخوانكم فاطلبوا له سبعين عذراً، فإن لم تقبله(3) قلوبكم فاعلموا أن المعيب أنفسكم حيث ظهر لمسلم سبعين عذراً فلم تقبله. (7/522)
__________
(1) وفي رواية أخرى: لم يصبه ذلك البلاء إن شاء الله.
(2) كانت (سريج).
(3) كانت بالياء هنا وفي الموضع التالي.(2/230)
عن حمدون القصار قال: إقبلوا إخوانكم بالإيمان وردوهم بالكفر فإن الله عز وجل أوقع ما(1) بين هذين في مشيئته فقال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . (7/522)
عن زكريا بن يحيى عم الأصمعي قال: قال أعرابي: تناس مساوئ الإخوان يدم لك ودهم. (7/522)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: لا تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوماً؛ وسمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام أعمال الكياسة: ترك المراء والجدال في الدين، والإقبال على العمل بيسير العلم، والإشتغال بإصلاح عيوب النفس غافلاً عن عيوب الناس؛ قال: وثلاثة من أعلام التواضع: تصغير النفس معرفة بالعيب، وتعظيم الناس حرمة للتوحيد، وقبول الحق والنصيحة من كل أحد؛ وثلاثة من أعلام حسن الخلق: قلة الخلاف على المعاشرين، وتحسين ما يرد عليهم من أخلاقهم، وإلزام النفس اللائمة فيما يختلفون فيه كفاً عن معرفة عيوبهم. (7/522)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني محمد بن طاهر الوزيري أنشدني المطرفي لبعضهم:
إقبل معاذير من يأتيك معتذرا
إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من أرضاك ظاهره
وقد أجَلَّك(2) من يعصيك مستترا
(7/522)
عن أبي محمد عبد الله بن أبي سعيد البيهقي أنشد لأبي الحسن بن أبي العالية البيهقي:
قيل لي قد أساء إليك فلان
ومقام الفتى(3) على الذل عار
قلت قد جاءنا وأحدث عذراً
دية الذنب عندنا الاعتذار
(7/522)
عن نفطويه قال: أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب:
ثلاث خلال للصديق جعلتها
مضارعة للصوم والصلوات
مواساته والصفح عن كل زلة
وترك ابتذال السر في الخلوات
(7/523)
أنشدنا محمد بن الحسين أنشدني علي بن أحمد الطرسوسي أنشدني أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان لنفسه:
لم أر أخذك إذ جنيت لأني
واثق منك بالإخاء الصحيح فجميل العدو غير جميل
وقبيح الصديق غير قبيح
(7/523)
__________
(1) موصولة.
(2) كانت (أضلك).
(3) كانت (الغني).(2/231)
أنشدني أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني ابن أبي زائدة المصري أنشدني أبي لمنصور:
أذنبت ذنباً عظيماً
وأنت أعظم منه
فجد بعفوك أولاً
فاصفح بحلمك عنه
إن لم أكن في فعالي
من الكرام فكن هو
(7/523)
أنشدنا أبو عبد الرحمن قال أنشدني ابن أبي زائدة أنشدني أبي لمنصور رحمه الله:
نفسي أساءت كما زعمت
فأين عاقبة الأخوة
فإذا أسأتَ(1) كما أسأتُ
فأين فضلك والمروة
(7/523)
عن ذي النون قال: ثلاثة من أعلام الإسلام: النظر لأهل الملة، وكف الأذى عنهم، والعفو عند القدرة عن مسيئهم. (7/523)
عن ذي النون قال: من صفة الحكيم أن يكون سلس القيادة لين العريكة محتملاً لجهل الجاهل؛ وإن من شرف أخلاق الحكيم التواضع لله بالخضوع والاستكانة، وبه ينال الشرف؛ وثلاثة من أعلام الرحمة: انزواء(2) العقل للملهوفين، وبكاء القلب لليتيم والمسكين، وفقدان الشماتة بمصائب المسلمين؛ وثلاثة من أعلام النصيحة: اغتمام(3) القلب بمصائب المسلمين، وبذل النصيحة لهم متجرعاً لمرارة ظنونهم، وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهلوه وكرهوه. (7/523)
عن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال لي ابن جريج إذا أنت لقيت أخاك فلا تسأله من أين جئت فلعله أن يكون جاء من مكان لا يحب أن تعلمه فإن حدثك من أين جاء فقد شققت عليه وإن هو أخبر بغير من حيث جاء كتبت عليه كذبة وكذلك إذا رأيته ذاهبا فلا تسأله أين يريد فإذا أنت لم تسأله فإياك أن تصحبه لكي تعلم حيث يريد وقيل المكر والخديعة في النار. (7/524)
فصل في ترك الإحتكار
عن سعيد بن عبد الرحمن قال: سمعت الحسن يقول: كفى غشاً للمسلمين أن يتمنى غلاء سعرهم. (7/526)
عن عبد الرزاق قال سمعت الثوري يقول: المحتكر عندنا الذي يشتري من سوق المسلمين ليغليه، والجالب ليس بمحتكر وإذا باع في السوق فلم يغير سعره فلا بأس به. (7/526)
فصل في إصابة العين
__________
(1) كانت (أساءت).
(2) كانت (آثروا) فكتبت ما في الحلية 9/362.
(3) كانت (اغمام).(2/232)
عن ابن شوذب قال: كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب قلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحملون، وكان إذا دخله ردد هذه الآية فيه حتى يخرج منه (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله). (7/528)
فصل في إحسان قضاء الدين
عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: من عزل أذى عن الطريق كانت له صدقة؛ ومن مشى بدينه إلى غريمه كانت له صدقة؛ ومن أعان ضعيفاً على حمل دابة كانت له صدقة؛ وكل معروف صدقة؛ قال سعيد: ومن قتل وزغاً كانت له صدقة. (7/531)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من مشى إلى غريمه بحقه كان له بكل خطوة يخطوها صدقة. (7/531)
عن صلة بن زفر قال: حدثنا أبو اليقظان عمار بن ياسر قال: ثلاث من جمعهن جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار: (أن ينفق و)(1) يعلم أن الله عز وجل سيخلف له(2)؛ وإنصاف(3) الناس من نفسك، لا تلجئ أحداً إلى سلطان ليذهب(4) بحقه؛ وبذل السلام للعالم. (7/532)
فصل في إنظار المعسر والتجاوز عنه والرفق بالموسر والوضع عنه
عن أبي وائل عن أبي مسعود البدري قال: حوسب رجل فلم يوجد له خير وكان ذا مال فكان يداين الناس وكان يقول لغلمانه: من وجدتموه غنياً فخذوا منه، ومن وجدتموه معسراً فتجاوزوا عنه لعل الله يتجاوز عني؛ فقال الله تعالى: أنا أحق أن أتجاوز عنه. (7/532)
عن العباس بن الوليد أخبرني أبي قال: سألت الأوزاعي عن الرجل يكون له الحق على الرجل فيموت الذي عليه الحق فيريد طالب الحق أن يحله له إن كان أفضل أو يتركه؟ قال: إن لم يحله أخذ قدر حقه لم يزد عليه، وإن يحلله منه فتركه له ضعف له بعشرة أضعاف لأن الحسنة بعشرة أمثالها. (7/538)
__________
(1) كانت (ينفق وأن).
(2) كانت (لكم).
(3) كانت (وبإنصاف).
(4) لعلها (لتذهب).(2/233)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لأن أقرض رجلاً ديناراً فيكون عنده ثم آخذه فأقرضه آخر أحب إلي من أن أتصدق به، فإن الصدقة إنما يكتب لك أجرها حين تتصدق(1) بها وهذا يكتب لك أجره ما كان عند صاحبه. (7/539)
تم هذا الكتاب الذي ضم آثار (شعب الايمان) للبيهقي
غير المرفوعة، بعد تهذيبها وتحقيقها ، ولله وحده الفضل والمنة
اللهم انفع به قارئه وكاتبه . آمين
__________
(1) كانت (يتصدق).(2/234)