بلوغ الأرب
بتقريب كتاب الشعب
(تهذيب لكتاب شعب الإيمان للبيهقي)
هذبه
محمد خلف سلامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ولم يكن له في خلقه معين ولا في علمه نظير ولا في ملكه شريك ولا في أمره مشير، ولا في بره وسيط ولا في تدبيره وزير ولا في شأنه وكيل ولا في قهره الخلق نصير، ولا في تقديره من يحسب له ولا في حفظه من يكتب له؛ في كل شيء له آية تدل على أنه واحد حكيم عليم قدير وأنه بكل شيء محيط وكل شيء عليه يسير؛ خلق الإنسان فسواه وعدله، وصوره فأحسن التصوير، وكرمه وعلمه والسبيل يسره، علِم نيته وخواطره وأحصى علانيته وسره، فإنه تعالى جده لا يخفى عليه من شأن الناس بل الخلق كلهم شأن كبير أو صغير؛ أوجد الأشياء كلها فأتقن صنعها وأكمل وضعها وأحكم التقدير، فتبارك الله من خالق، فطر السماوات والأرض من غير مثال سابق أو لاحق، ثم ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور، وكما أتم خلقه سبحانه أكمل دينه فلا خلل ولا تقصير؛ ورضيه للناس وحده دون ما سواه، فمن ابتغى الوصول من غير شرعه انقطع به دربه ومن طلب النور من غير مشكاة وحيه أظلم عليه قلبه، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.(1/1)
فاللهم إنا نشهدك أننا نشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك، اللهم صل على محمد النبي الأمي الأمين الكريم المبين الشاهد البشير النذير السراج المنير خاتم النبيين الذي بعثتَه في الأميين يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين؛ وعلى آله وصحبه الهداة المهتدين الغر الميامين أجمعين(1) وسلم، صلاة وسلاماً دائمين مباركين غير منقطعين .
وبعد
__________
(1) مر بي في أثناء العمل في هذا الكتاب هذا الأثر: عن مسروق عن عبد الله، هو ابن مسعود، قال: إياكم وفضول الكلام، بحسب الرجل أن يبلغ حاجته؛ فدعاني ذلك إلى حذف هذه المقدمة واختصارها ولكني رأيت أن ذلك لا يدخل في هذا المعنى لأنه من باب التمجيد لله سبحانه وتعالى والثناء عليه والطلب منه، والله أعلم.(1/2)
فهذا كتاب جمعت فيه ما نتخبتُه من الآثار الموقوفة والمقطوعة التي أوردها الحافظ الشهير المصنف المتفنن أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي رحمه الله في كتابه (شعب الإيمان)، ذلك الكتاب الذي عرف فضله المتقدمون فازدادت عنايتهم به، وما أنصفه المتأخرون – إلا قليلاً - بل ظلموه وأهملوه – في الجملة - ولا سيما أهل هذه الأعصر المتأخرة فتأخر طبعه ، ولم يعتنوا به ولم ينتشر الانتشار اللائق به وأعرض عنه كثير من الناس لطوله وكثرة أسانيده وطرقه وتكرارها وضعف كثير من أحاديثه، ولضعف هممهم وقلة علمهم وأمور أخرى، فجهلوا قدره وحرموا من كنوزه إلا القليل جداً منهم؛ فرأيت أن أقوم بشيء من حقه وذلك بخدمة ما ليس مرفوعاً من آثاره؛ فاستللتها من أصلها ونظرت فيها كلها، ثم قربتها بإفرادها واختصرتها بحذف إسنادها، ويسرتها بترقيمها، وفسرتها بتقسيمها، وأصلحتها باستدراك سقطها(1)
__________
(1) تنبيه: كل شيء ورد في متن الكتاب وهو بين حاصرتين مربعتين فهو مما زدته أنا على أصل الكتاب؛ وهو في الغالب مما يقتضيه السياق، ويغلب أيضاً أن تكون تلك الزيادة مأخوذة من كتاب آخر؛ أو من موضع آخر من كتاب الشعب، وبعضه مما زدته اجتهاداً؛ وجملة من الزيادات كتبتها من غير أن يقتضيها السياق والكلام بدونها صحيح وإنما زدتها لعلمي بأن أكثر القراء لا يحسنون فهم تلك الآثار إلا بمثل تلك الزيادات فهي ليست من باب تصحيح العبارة وسد نقص واقع فيها ولكنها من باب تيسير الفهم وتقريب المعنى، وعذري في ذلك الصنيع أني ميزتها عن أصلها.
تنبيه آخر: كل جملة أو لفظة وضعت عقبها [كذا] أو (؟؟) فمعنى ذلك أني متوقف في سلامتها من التصحيف والتغيير والزيادة والنقص ونحو ذلك؛ هذا هو الأصل فيما ورد من ذلك؛ ولكن ربما أصلحت الكلمة على وجه التقريب والتخمين ثم زدت علامتي الاستفهام كما تقدم.(1/3)
وإزالة غلطها وتصحيح تصحيفها وتحرير تحريفها(1)، على قدر الإمكان - وهذبتها بقذف مطروحها وحذف مجروحها؛ وأوضحت جملة مما قد يشكل منها أو يغمض معناه بالبيان له والإفصاح عن مغزاه، فصار الكتاب بحمد الله تحفة نفيسة عالية وجوهرة عزيزة غالية، محتوياً على حكم جليلات بديعات وفصول من العلم نافعات؛ فإن شئت فسمه (تقريب شعب الإيمان) ، وإن أحببت فصفه بأنه (تهذيب لآثار الشعب غير المرفوعة)، وإن أردت فقل إنه مجموع من بضع وسبعين رسالة في أعمال القلوب وغيرها من أقسام الإيمان وشعبه وما يتعلق بها.
وأما شرطي في هذا الكتاب فيتبين مما يلي:
__________
(1) لم التزم التنبيه على كل التصحيحات التي فعلتها في هذا الكتاب؛ ولكن التزمته في التصحيحات التي لست على يقين من صحتها، أو رأيتها مما يخفى شأنه على كثير من القراء؛ وما كان دون ذلك فإني أنبه عليه غالباً ولي في ذلك التنبيه غرضان: الأول أن لا يظن من وقف على هذا المهذب وعلى أصله جميعاً أن ما وقع في المهذب مخالفاً لما في أصله تصحيف مني أو من طابعه، والثاني: أنني بذكري لما ورد في الأصل أغني القارئ عن الرجوع إليه وأبين له ما في الأصل لعله يجتهد في تصحيحه غير اجتهادي أو يتبين له في تلك الكلمة غير الذي تبين لي، بل لعل ما في الأصل يكون هو الصواب عنده أو هو الصواب في نفس الأمر.
ومما لا بد لي من الإشارة إليه هنا: أنني جريت في تصحيحاتي للألفاظ والعبارات على جادة الجرأة في الاصلاح وسلكت طريق التوسع في الاقتراح، وما ذلك إلا لكثرة ما وقفت عليه في الطبعة التي اعتمدتها من التصحيف والتحريف والغلط والسقط حتى صرت كثير الشك بكثير من كلماتها، قليل الثقة بغير قليل من عباراتها، ولكني لم أخرج إن شاء الله عن صحيح القواعد في التحقيق ومقبول الضوابط في التنقيح، وسترى من ذلك ما تقر به عينك إن شاء الله تعالى جده، وما الفضل إلا لله وحده.(1/4)
التزمت ترتيب المصنف للآثار وخالفته في بضع مرات فقط ولكن مع التنبيه على ذلك.
التزمت ذكر ما ذكر فيه من شعب للايمان فذكرت تراجم الشعب كلها ولو لم يكن عندي تحت الترجمة أي أثر؛ رغم أنني ربما أخالفه في عده للشعب وتقسيمه لها وترتيبه إياها.
لما كان المؤلف في أحيان كثيرة يذكر تحت الشعبة الواحدة جملة من الفصول، أبقيت من تراجم تلك الفصول كل ما ورد فيه شيء موقوف أو مقطوع مما هو على شرطي في هذا التهذيب، دون ما لم يرد فيه من ذلك شيء فإني حذفته.
4-وضعت في نهاية كل أثر رقم الصفحة التي ورد فيها في الأصل.
5-أوردت الآثار - باستثناء ما ندر منها - مجردة عن أسانيدها اختصاراً للتطويل وتخفيفاً على القارئ(1).
6-أوردت كثيراً مما ورد في الأصل(2) من تفسير لبعض آيات القرآن الكريم، مع أن كثيراً منها في ثبوتها إلى قائليها نظر، أو أنها تفسيرات مرجوحة غير راجحة أو قاصرة غير شاملة، وأنا إنما أوردتها من جهة أنها كلمات في الترغيب والترهيب والتزكية ونحو ذلك من موضوعات هذا المختصر، وأما من أراد التفسير فعليه بالكتب المعتمدة من كتب التفسير بالأثر.
__________
(1) تنبيه: كل أثر يبدأ بنحو هذه الألفاظ: (أخبرنا فلان)، (حدثنا فلان)، (قرأت في كتاب فلان)، (سمعت فلاناً يقول) (أنشدنا فلان) فهذا هو إسناد المصنف أنقله بتمامه للحاجة إلى ذلك في موضعه أو عدم مناسبة الاختصار لذلك الموضع.
(2) أعني به كتاب (شعب الإيمان)، وسأستعمل هذه اللفظة كثيراً في التعليقات التي كتبتها في هوامش هذا المهذب.(1/5)
7- أبقيت على أكثر الرؤى التي فيها معان طيبة، مع أنه لا يخفى أن تلك الرؤى لا ينبني عليها حكم شرعي ولا تثبت بها فضيلة لأحد، بل إن جملة منها قد تكون مختلقة، ولكنني أبقيت على ما أبقيت عليه منها لقلتها من جهة(1) ولنظافة معانيها في الجملة من جهة أخرى، وغرضي من ذكرها مجرد تدبر عباراتها وفهم إشاراتها لعله يتم الانتفاع بشيء من ذلك بإذن الله عز وجل.
8-حذفت الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما حذفتها لحاجتها إلى النقد والتخريج من جهة وذلك لا شك صعب غير يسير ويحتاج من الوقت ما هو طويل جداً، وهو أيضاً يخالف ما أردته لهذا الكتاب من الوجازة والتنقيح والتهذيب والخلو من الأحاديث المرفوعة الضعيفة والبعد عن التصحيح والتضعيف والاختلافات والحواشي المعقدة، ولا سيما أن المؤلف اعتنى بسياق الروايات والطرق وكان فيما ساقه من الأحاديث حاطب ليل أكثر من الواهيات والأباطيل؛ ثم إنني عازم – إن شاء الله ويسر – على إفراد ما ثبت من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في أبواب الزهد والأدب والتزكية والرقائق ونحوها في كتاب قد يطول أو يقصر.
__________
(1) وهذا على خلاف صنيع ابن الجوزي في كتابه (صفة الصفوة) فإنه أكثر في إيراد المنامات وبالغ في حشدها وجمع فيها بين غث وسمين ومستنكر ومعقول، ولذلك أعرضت في تهذيبي لصفة الصفوة عن المنامات من أصلها.(1/6)
9-وأما الآثار الموقوفة التي وردت في الرواية مع أحاديث مرفوعة في سياق واحد فلم أورد منها هنا إلا النزر الذي لا يكاد يذكر، وذلك إما للحاجة إليه في موضعه أو لأني لم أصبر عنه لأهميته وخطورته، وما أهملت ذكر هذا النوع من الآثار الموقوفة إلا لأنها كثيرة جداً ولا سبيل إلى استقصائها في هذا المهذب، وكذلك فإنه يتعذر أو يتعسر فصلها عن أصلها في كثير من الأحيان؛ ثم إنها في الجملة ملحقة بقسم الأحاديث المرفوعة لا بقسم الأحاديث الموقوفة، فمن أراد مثلاً أن يقسم كتاب الشعب إلى قسم للموقوفات وآخر للمرفوعات فإنه سيوردها في قسم المرفوعات لا في القسم الآخر.
10- حذفت من الآثار ما لا بد من حذفه إما لظهور خطئه، أو لأنه مفتقر إلى الدليل مع أن بابه الغيبيات وفروع العقائد، أو لأني رأيته يخالف الحق أو يوهم خلافه؛ ومن هذه الأنواع من الآثار المحذوفة جملة من الاسرائيليات.
11-حذفت في الغالب ما تكرر مما لم أجد إلى تكراره حاجة؛ وذلك قليل، وفي كثير من النصوص المتكررة أذكر عقب النص موضعي وروده في الأصل جميعاً وأقدم الموضع الذي نقلته منه.
12-حذفت جملة من آثار الصوفية وغيرهم لأنها ضعيفة أهميتها أو باردة سياقاتها أو مستنكرة ألفاظها، أو فيها سوء أدب، أو مبالغة بينة أو تكلف ظاهر أو يستغنى عنها استغناء تاماً لاشتهار معناها وكثرة تداولها.
13-حذفت بضعة من الآثار لأنها قد وقع فيها من السقط أو التصحيف ما أفسدها ولم أوفق – رغم بذل الجهد – إلى تصحيحها أو فهمها ولو على وجه التقريب؛ فحذفتها لأني لم أجد للإبقاء عليها معنى.(1/7)
14-حذفت كلام المصنف وشروحاته ونقوله عن الحليمي وغيره ممن قاربه في طبقته إلا في حالات قليلة نقلت فيها في متن هذا المهذب أو هامشه جملاً من كلماتهم للحاجة إليها أو لأنها تشبه أن تكون فوائد أو حكم(1).
15- لم أشترط في الآثار المذكورة هنا أن يكون صاحبها من القرون الفاضلة أو من الأئمة المرضيين أو من العلماء المشهود لهم أو من أهل السنة، لم أشترط شيئاً من ذلك بل إني تجاوزته إلى ما هو أوسع فأوردت كلمات لجماعة من المنتقدين والمتهمين ببعض الانحرافات؛ لأن غايتي الكلمة الطيبة كائناً من كان قائلها.
16-لم أشترط أن يكون الخبر المنقول متفقاً على صحة معناه بين أهل العلم ولا أن يكون صحيحاً في كل تفاصيله ولا أن يكون مما لا غبار عليه، وإنما أشترط أن يكون صحيحاً في الجملة أو قريباً من الصحة أو له أصل صحيح أو أن يكون من الكلام الذي إذا تدبر العاقل عباراته وفهم إشاراته وجد فيه بعض ما ينتفع به أو نبهه إلى بعض ما كان غافلاً عنه، أو نحو ذلك؛ فإننا في باب تزكية وأخلاق وأدب وموعظة وحكمة وترغيب وترهيب، وتوسع العلماء وتساهلهم في مثل هذه الأبواب لا يخفيان على المطلعين من الطلاب.
__________
(1) فهذه أقسام الآثار المحذوفة من هذا التهذيب، ولم أحذف غيرها لأنني قصدت إلى المحافظة على جواهر الأصل وعدم التفريط بشيء منها ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.(1/8)
17-لم أشترط فيما أبقيت عليه من الآثار هنا صحة أسانيدها أي ثبوتها عن قائليها بل ذكرت ما ذكرته منها وأنا أعلم أن كثيراً منها لا تصح أسانيدها ولكني إنما أردت متون الأقوال لا قائليها ولا نسبتها إليهم، وهي في الجملة آثار طيبة صحيحة المعاني جليلة القدر كبيرة الفائدة، تشهد لبعضها ويشهد لها قبل ذلك القرآن والسنة وأصول الدين وما ثبت عن الصحابة والتابعين واتفق عليه جماعة المسلمين، فالحكمة ضالة المؤمن؛ فإنه يبحث عن كل ما يدفعه إلى التكثر من الطاعة والمسارعة إلى الاستقامة ويحرص على كل ما يهيجه إلى العمل ويسوقه إلى الاجتهاد في التعبد، ويقربه إلى الورع والتزهد، ويؤدي به إلى الإقبال على الآخرة والرغبة فيها، ويسمع كل ما يكون فيه عظة له وعبرة؛ ويجمع كل ما فيه تبصرة له وذكرى؛ ومن هنا فإنك تجد كتب الزهد والتزكية لكبار علمائنا من أئمة الحديث وغيرهم – كابن المبارك ووكيع وأحمد وهناد - حافلة بالنقل عن الاسرائيليات وأخبار الرهبان، فضلاً عن الآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم سواء ثبتت أسانيدها عنهم أو لم تثبت.(1/9)
وأما من أبى أن يسمع شيئاً من مثل هذه الآثار إلا أن يصح إسناده عنده أو يكون مقطوعاً بصحة كل تفاصيله، فنقول له: هذا مذهب غريب خالفت فيه جمهور علماء أهل السنة والحديث وتكلفت فيه ما لا يكاد يقدر عليه في هذه الأزمنة أحد؛ فإنك إما أن تعرض عنها من أصلها وتلك خسارة وأي خسارة، وإما أن تقوم بتخريجها وتصفيتها ونقدها ومتى يتهيأ لك نقد كل هذه الآثار والحكم على أسانيدها وأكثرها نازلة وكثير من رواتها مجاهيل؛ وما هي الفائدة المرجوة من هذا التعب الطائل؛ ومع ذلك فإن كنت مصراً على هذا المذهب غير متساهل فيه فنقول لك: لك ذلك ولكن ليس لك أن تعرض عن النظر في هذه الحكم السَّنية والتنزه في هذه الرياض الندية والارتواء من هذه الأحواض النقية والتزود من هذا الزاد الذي لا يكاد يستغني عنه إلا محروم ولا يكاد يعرض عنه إلا جاهل أو مغرور أو عالم مجتهد جهبذ جبل يكتفي بالقرآن وما صح من مرفوعات الأحاديث وأين اليوم مثل هذا العالم؟! فلا يصدنك عن أن تنتفع بحكمة أو وصية أو خبر فيه عبرة تقف عليه في هذا الكتاب أو غيره عدم ثبوت ذلك الخبر عن صاحبه ولا يصدنك عن ذلك أيضاً أن يكون صاحب الأثر غير عالم أو غير محقق أو غير سني أو متهم في دينه أو متكلم فيه بأي نوع من أنواع الكلام، فالحكمة ضالة المؤمن لا يشترط في قبولها تزكية قائلها .
وانظر ما يلي.
فضل آثار السلف وعبر السابقين في باب التزكية
روى أبو نعيم في حلية الأولياء (5/103) عن مفضل بن غسان قال: قال عمرو [بن قيس الملائي]: حديث أرقق به قلبي وأتبلغ به إلى ربي أحب الي من خمسين قضية من قضايا شريح.
وروى فيه أيضاً (4/313) عن الشعبيّ قال: لو أنَّ رجلاً سافرَ من أقصى الشامِ الى أقصى اليمنِ فحفظَ كلمةً تنفعُهُ فيما يستقبلُ من عمرِهِ رأيتُ أنَّ سفرَهُ لمْ يَضِعْ.(1/10)
ونقل ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/259) عن قتادة قال: باب من العلم يحفظه الرجل يطلب به صلاح نفسه وصلاح الناس أفضل من عبادة حول كامل.
وروى البيهقي في الشعب (1/544) عن عثمان بن سعيد الدارمي قال: سمعت نعيم بن حماد يقول: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة من البكاء لا يجترىء أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء إلا دفعه(1).
وروى فيه أيضاً (2/288) عن نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك يكثر الجلوس في بيته فيقال له: تكثر الجلوس في بيتك ألا تستوحش؟! فيقول: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان؟!
وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة (4/137) عن شقيق بن إبراهيم قال: قيل لابن المبارك: إذا صليت معنا لمْ تجلس معنا؟! قال: أذهب أجلس مع الصحابة والتابعين؛ قلنا له: ومن أين الصحابة والتابعون؟! قال: أذهب أنظر في علمي فأدرك آثارهم وأعمالهم؛ ما أصنع معكم؟! أنتم تغتابون الناس! فإذا كانت سنة مئتين فالبعد من كثير من الناس أقرب إلى الله، وفر من الناس كفرارك من أسد وتمسك بدينك يسلم لك.
وروى البيهقي في الشعب (2/299) عن أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري حدثني أخي محمد قال: قال علي بن الفضيل لأبيه: يا أبه ما أحلى كلام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم! قال: يا بني وتدري لما حلا؟! قال: لا يا أبه، قال: لأنهم أرادوا به الله تبارك وتعالى.
وروى السلمي في طبقات الصوفية (ص124-125) والبيهقي في الشعب (2/297) عن عبد الله بن محمد بن منازل قال: سئل حمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟! قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضى الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفس وطلب الدنيا وقبول الخلق.
__________
(1) وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (4/137-138).(1/11)
وروى الخطيب في اقتضاء العلم العمل (ص83) عن الغلابي قال: سأل رجل ابن عيينة عن إسناد حديث قال: ما تصنع بإسناده؟! أما أنت فقد بلغتك حكمته ولزمتك موعظته.
وقال الذهبي في ترجمة الشافعي من سير أعلام النبلاء (10/97): وبلغنا عن الإمام الشافعي ألفاظ قد لا تثبت ولكنها حكم؛ ثم سرد الذهبي رغم ذلك جملة طيبة منها.
وروى ابن أبي الدنيا في الورع (ص50) عن الضحاك قال: أدركت الناس وهم يتعلمون الورع وهم اليوم يتعلمون الكلام.
وروى المروزي في الورع له (ص193) عن عبد الرحمن قال: سمعت وكيعاً يقول: قالت ام سفيان الثوري لسفيان: يا بني اذا كتبت عشرة احرف فأنظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك فإن لم تر ذلك فأعلم انها تضرك ولا تنفعك؛ وقال وكيع: قالت ام سفيان لسفيان: يا بني اطلب العلم وانا اكفيك بمغزلي. ص193
وروى أبو خيثمة في العلم (ص25) عن شيخه عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن أيوب قال: قال رجل لمطرف: أفضل من القرآن تريدون؟! قال: لا، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا.
وروى السلمي في طبقات الصوفية (ص127) عن حمدون القصار قال: من نظر في سير السلف عرف تقصيره وتخلفه عن درجات الرجال.
وروى البيهقي في الشعب (2/303) عن أحمد بن سعيد الدارمي قال: سمعت من علي [بن] المديني كلمة أعجبتني، قرأ علينا حديث الغار ثم قال: إنما نقل إلينا هذه الأحاديث لنستعملها لا لنتعجب منها.
وروى المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/190) عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أقبض بكفي اليمنى على عضدى اليسرى وكفي اليسرى على عضدي اليمنى؟ فكرهه وقال: إنما الصلاة خشوع قال الله: (الذين هم في صلاتهم خاشعون)، فقد عرفتم الركوع والسجود والتكبير ولا يعرف كثير من الناس الخشوع!!.(1/12)
وروى أبو نعيم في حلية الأولياء (10/151): عن شيخه أبي بكر محمد بن الحسين الآجري حدثنا عبد الله بن محمد العطشي المقري حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال: وجدت هذه الأبيات على ظهر كتاب لمحمد بن الحسين البرجلاني(1):
مواعظ رهبان وذكر فعالهم
وأخبار صدق عن نفوس كوافر
مواعظ تشفينا فنحن نحوزها
وإن كانت الأنباء عن كل كافر
مواعظ بر تورث النفس عبرة
وتتركها ولهاء حول المقابر
مواعظ إن تسأم النفس ذكرها
تهيج أحزاناً من القلب ثائر
فدونك يا ذا الفهم إن كنت ذا نها
فبادر فإن الموت أول زائر
قال إبراهيم: وحدثني محمد بن الحسين قال: حدثت عن عبد الله بن الفرج العابد أنه قال له رجل: يا أبا محمد هؤلاء الرهبان يتكلمون بالحكمة وهم أهل كفر وضلالة فمم ذلك؟! قال: ميراث الجوع مُتعتُ بك، ميراث الجوع متعت بك. انتهى كلام أبي نعيم.
__________
(1) هو شيخ ابن أبي الدنيا أكثر عنه وتأثر به في الاعتناء بآثار السلف في الزهد والرقائق.(1/13)
فدونك هذه الآثار الكثيرة الكبيرة الخطيرة العتيقة العريقة الدقيقة، ارتو من مائها فإنه عذب فرات، واقتبس من ضوءها فإنها كواكب دريات مضيات، وتحل بها فإنها عقود أنيقات ثمينات، هذه الآثار ليس لك إلا الوقوف عليها تتدبرها بتأن وتعرض نفسك عليها بتجرد وتقابل شأنك بها بتأمل وتعرف حقيقة حالك بواسطتها بتحقق؛ فإنها استنباط العلماء بالله عز وجل من كلامه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وإنها وصايا الصادقين وكلمات المحسنين(1)، وكلام المحسنين هو بلا ريب حكمة وأي حكمة، قال تعالى في حق موسى صلى الله عليه وسلم: (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين) [القصص 14] وقال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) [آخر العنكبوت]
__________
(1) لا شك أن هذا الكلام ونحوه مما ورد في هذه المقدمة مما هو داخل في باب الثناء والتزكية فإنما هو خارج على سبيل التغليب وجارٍ على طريقة التوسع في الكلام؛ وأما التعيين فنحن لا نشهد لأحد من الناس بعينه بأنه محسن أو لشيء من كلام الناس بعينه بأنه حق إلا إذا شهد لذلك الدليل الشرعي، وهذا واضح.(1/14)
فإليك يا من يحب السلف ويحرص على الاقتداء بهم ويتشوق إلى سماع أخبارهم والتزود بوصاياهم هذا الكتاب الذي هو كتاب في التزكية ولكن ليس كإحياء علوم الدين وهو كتاب في الأدب ولكن ليس كالبيان والتبيين وهو كتاب في الحكمة ولكن ليس ككتب الفلاسفة الضالين؛ وهو كتاب في القصص ولكن ليس ككتب الخرافيين؛ وهو كتاب في أخبار الصالحين ولكن ليس كطبقات الأولياء ولا كجامع كرامات الأولياء؛ وهو كتاب في العقيدة ولكن ليس ككتب المتكلمين؛ إنه كتاب مادته كلام وأخبار منقولة عن أبي بكر وابنتيه، عائشة، وأسماء وابنيها عبد الله بن الزبير(1) وعروة(2)، وحفيده القاسم بن محمد، وعمر بن الخطاب وعبد الله ابنه وسالم بن عبد الله ونافع مولاه، وعثمان ومن أخذ عنه، وعلي وأحفاده والأفاضل من أصحابه، وابن مسعود وطلابه من أهل الكوفة، وما أكثر طلابه وأنبلهم وأعلمهم وأورعهم(3)، وأبي الدرداء وتلامذته من أهل الشام(4)، وابن عباس ومن تخرجوا على يديه في التفسير وغيره من العلوم(5)، وما أرفعهم وأجمعهم، وأبي موسى وعمران بن حصين وأنس وأكابر من تفقه بهم من أهل البصرة، وحذيفة صاحب السر وأخبار الفتن، وأبي، ومعاذ، وأبي ذر، وسلمان، وخباب، وأبي هريرة، وجابر، وأبي أيوب، وأبي سعيد، وعمرو بن العاص وابنه، والسعيدين ابن المسيب وابن جبير، وأبي حازم، ومحمد بن المنكدر وأخيه عمر، وطاووس، ومطرف وأخيه يزيد، ومذعور، وهرم بن حيان، ومسلم بن يسار، وأبي عثمان النهدي، ووهب بن منبه، وابن سيرين وأخيه أنس وأختيهما حفصة وفاطمة، وعامر الشعبي، وعامر التميمي، والأحنف بن قيس وابن أخته إياس بن قتادة، ومعاوية بن قرة بن إياس(6)، وأبي الشعثاء، وأبي العالية، والعلاء بن
__________
(1) وابنه عامر.
(2) وابنه هشام.
(3) كالربيع ذلك التابعي الجليل الجبل وعلقمة ومسروق وأبي وائل والأسود ويزيد وابراهيم.
(4) ومنهم أم الدرداء الصغرى وهي تابعية وليست بصحابية.
(5) كمجاهد وعطاء وعكرمة.
(6) تابعي فاضل.(1/15)
زياد العدوي، وأبي السوار العدوي، وصلة بن أشيم العدوي وامرأته معاذة العدوية، والحسن، وأيوب، وبكر بن عبد الله المزني، ومورق العجلي، ومالك بن دينار، ويونس بن عبيد، ومحمد بن واسع، وثابت البناني، وابن عون، وشميط بن عجلان، وابن محيريز وبلال بن سعد، ويحيى بن أبي كثير، وأبي مسلم الخولاني، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، وميمون بن مهران، والضحاك بن مزاحم الهلالي، وقتادة، وسليمان التيمي وابنه المعتمر، وعمر بن ذر، والأعمش، وأبي اسحاق السبيعي، والزهري، ومنصور بن المعتمر، وزبيد الأيامي، وطلحة بن مصرف الأيامي، وحبيب بن أبي ثابت، وابن جريج، وعبد العزيز بن أبي رواد، والحسن بن صالح بن حي وأهل بيته، ومسعر بن كدام، والسفيانين، والحمادين، وابن أبي ذئب، وهشيم، ومالك، وشعبة، والأوزاعي، ووكيع، وابن المبارك، وأبي اسحاق الفزاري، والفضيل بن عياض، ووهيب بن الورد، ويزيد بن هارون، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق، والشافعي(1)، وغيرهم من أئمة الاسلام من الصحابة والتابعين وأتباعهم وغيرهم من علماء هذه الأمة العاملين(2) وعبادها المجتهدين(3) وحكمائها الفطنين(4) وعقلائها المتبصرين؛ وأبطالها المجاهدين طلاب الشهادة، ودعاتها الصادقين المحتسبين الجامعين بين العلم والعمل والعبادة؛ وزهادها الورعين(5) ووعاظها البارعين(6)
__________
(1) وهؤلاء وأمثالهم هم نجوم الهداية وبحور العلم وجبال النور وكنوز الخير.
(2) كالامام أحمد والإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي.
(3) كيزيد الرقاشي وفرقد السبخي وعطاء السليمي وعبد الواحد بن زيد.
(4) مثل خالد بن صفوان وحاتم الأصم ويحيى بن معاذ الرازي.
(5) مثل داود الطائي ويوسف بن أسباط وبشر بن الحارث وشعيب بن حرب.
(6) كأبي عمران الجوني وصالح المري وابن السماك ومنصور بن عمار؛ وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 9/96: وقال علي بن خشرم سمعت منصور يقول: المتكلمون ثلاثة الحسن البصري وعون بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز.(1/16)
وإخبارييها الجامعين المطلعين(1)؛ مع جملة طيبة مما نقلوه عن رسل الله عيسى وموسى وداود وسليمان عليهم السلام وعن لقمان وعن غيره من حكماء الأمم السابقة وزهادها وأصحاب الفضل منها.
إنه في الجملة كلام ممتع مقنع جليل جميل صافٍ وافٍ طيب عذب رائق فائق خارج من قلوب نقية تقية على ألسنة فصيحة بليغة عربية
كرر علي حديثهم يا حادي
إن حديثهم يجلو الفؤاد الصادي
إن هذا الكتاب قلادة لا تقدر بثمن، منظومة من درر متناسقة خارجة من قلوب خيرة هذه الأمة وصفوتها، إنه نفحات من الحكمة ونسمات من رياح الحق نابعة من تلك القلوب الصلدة الصافية الرقيقة الجليلة التي ملأها حب الله ففاضت به وأماتها خوفه وأحياها رجاؤه وامتزج فيها الايمان والقرآن والصبر والشكر والرجاء والحياء والحق والصدق والخضوع والخشوع والرحمة والعزة والذل والتوكل والزهد والجد والشجاعة والقناعة.
هذه هي صفة هذا الكتاب، ثم إنه بعد ذلك زانته لقطات من حياة أهل الجنة عندما كانوا يسيرون على الأرض، نعم هو مزين بشيء من أخبار ذلك البكاء والأنين والشوق والحنين والدعاء والابتهال والقيام والركوع والسجود والتلاوة والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار والحوقلة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصهيل الخيول ووقع السيوف والحشرجات والعبرات والآهات والحسرات وأصوات الدموع الواقعة على مواضع السجود، وعبادة الله بمجاهدة النفس والعدو وبالكلام والصمت وبالخوف والرجاء وبالكرم والحياء وبالمنع والعطاء وبالشكر والصبر وبالحياة والموت وبالصحة والمرض وبالقوة والضعف وبالفقر والغنى وببيع النفس والمال وبالقيام والقعود وبالركوع والسجود وبالأمر والنهي وبالعزلة والخلطة وباليقظة والمنام.
إنه محادثة ميسرة ومحاورة مختصرة مع أولئك الناس الذين ترجموا – قدر مجهودهم – وحي الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى عمل واقع وتطبيق مشهود.
__________
(1) كالأصمعي والصولي والحافظ ابن أبي الدنيا.(1/17)
إن خطورة مثل هذا الكتاب وشدة الحاجة إليه لتتضاعف في هذا العصر المادي المجرم، عصر الغثاء والحثالة، الفاسد أهله - إلا من استثناه الله، وقليل جداً ما هم – عصر طغيان الشهوات البهيمية، عصر الكفر والإلحاد والبدع والضلالات، عصر الفتن والمحن، عصر الحضارة الممهدة للدجال، عصر سيطرة اليهود أعداء الأنبياء على أهل الأرض، عصر المعيشة الضنك نعوذ بالله منها، عصر حب الدنيا وكراهية الموت، عصر عبيد الدرهم والدينار والزوجة والقطيفة.
إن آثار سلف هذه الأمة الصالحين وأخبار علمائها المتقدمين العاملين وحكايات عبادها المتقين العالمين وزهادها الثقات المأمونين جواهر غالية لا يكاد يستغني عنها إلا محروم وأعلاق نفيسة لا يكاد يعرض عنها إلا جاهل مغبون، وكواكب هادية في ليل حالك لا يكاد يغمض عينيه عن نورها إلا خاسر هالك.
فاقبل عظات السلف وعلومهم وأقبل عليها وعض عليها بناجذيك واعلم أن من رغب عن آثار السلف ووصاياهم فقد زهد في غير زهيد وأراد تناوش الخير من مكان بعيد، وأبطأ السير واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وإذا انتسب إليهم فنسبته زور، وإذا حسب أنه على سبيلهم فجاهل مغرور.
إن أخبار السلف الصالحين فوائد تشد إليها الرحال ونفائس يتنافس فيها الرجال، إنها ميزان منضبط يزن به المرء نفسه، وأعمال مستقيمة يعرض عليها المرء حقيقة أعماله، وأحوال صحيحة يعرف بها موضع حاله، وسراج منير يستهدي به المرء في حله وترحاله.(1/18)
إن تلك الآثار بقية نور أصيل في هذه الحياة المظلمة، وهي صدى نداء قديم ناصح يحذر الناس عبادة الدنيا وأهلها، ويدعوهم إلى عبادة رب كل شيء ومالكه وخالقه، الذي يُسعِد ويشقي ويعز ويذل ويهدي ويضل، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ذلكم الله رب العالمين؛ إنها قبس من التاريخ القديم الزاهر وإنها تحفة السلف لخلفهم ووصية العلماء الناصحين لكل من خافوا عليه الغرور والجهل ممن جاء بعدهم إلى يوم الدين؛ وإنها كغيرها مما بين أيدينا من كتب العلم النافعة – بعض حجة الله على العالمين؛ فهل من منتفع بهذه الآثار عامل بها؟!
إن هذه الآثار ليست بديلة عن القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها وسيلة إليهما ومدخل سريع واسع مبارك عليهما، وإنها تفسير لهما وتدبر فيهما واستنباط منهما وفروع باسقة لهما، وهي أقوال من هم أعلم منا بالقرآن والسنة وأفقه منا في الدين وأنصح للأمة.
إن هذه الآثار تغني بلا ريب عن كل ما قعده وسطره المتأخرون والمعاصرون ولكن لا شيء يغني عنها بعد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.(1/19)
إنها مفاتيح الأذهان المقفلة وحلول المشكلات المعضلة ومصابيح الدروب المظلمة وبلسم الجراحات المؤلمة، إنها العلم النافع والموعظة الحارة المؤثرة، والجواب الذي يكفي والدواء الذي – بإذن الله – يشفي، وعدة الصابر وذخيرة الشاكر، ودليل الحائر، وغوث اللهفان والبديل عن الإخوان، وجلاء الأفهام ورفع الأوهام، وهداية الحيارى وفك قيود الأسارى وأنس الغريب وسلوة الكئيب وبهجة النفوس وزبدة الدروس وغوث المكدودين ومستراح العابدين ورحلة عجيبة إلى أهل الزمن البعيد ومطالعة ميسرة للعلم القديم الجديد!!(1)
إن كتب الزهد والرقائق كتب في الإيمان والتزكية والأخلاق والأدب الشرعي وأعمال القلوب، جمعها أصحابها - وهم علماء محدثون أو فقهاء أو مفسرون، بل أكثرهم أئمة أعلام - من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة وعلماء التابعين وحكمائهم الفاضلين وزهادهم المتقين، ومن أخبار تلك الأجيال في دينها وقصصها في تعبدها وزهدها، إنها كتب تقص عليك أحسن القصص بعد كتاب الله وكتب حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إنها تطلعك على أفضل تأريخ للناس، أو قل على تأريخ أفضل الناس، ففيها زهد الأنبياء وحكمهم وزهد الصحابة ووصاياهم وزهد التابعين ونصائحهم.
__________
(1) اعتذار: إنما استجزت الثناء على هذا الكتاب واستسغت الإطالة في ذلك لأنه ليس من روايتي ولا من قولي ولا من جمعي ولا من تصنيفي، وإنما كل الذي فعلته هو ذلك العمل القليل الذي بينت حقيقته قبل قليل؛ فثنائي هذا إنما هو عند التأمل ثناء على الأصل، بل هو قبل ذلك – وهذا هو الأهم – ثناء على آثار السلف، ودعوة إلى الانتفاع بها وتحريض على تقريبها وترغيب في نشرها وحظ على إنهاء هجرها.(1/20)
إنه لا غنى بأهل عصر من الأعصر المتوسطة والمتأخرة عن علم السلف الصالح، بل إن النصائح والوصايا في باب الزهد والتربية لا يكاد يحسنها سواهم، فلا يحسن منا سوى أن نُعنَى بكلامهم في هذا الباب جمعاً وحفظاً وسمعاً وفهماً وتأليفاً وتوضيحاً وتصنيفاً وتنقيحاً، وأما الإضافة إليه أو الاستدراك عليه أو المخالفة له أو الاستغناء عنه فهيهات؛ لقد كان كلامهم قليلاً مباركاً كثير النفع وأما كلام الخلف فكثير قليل النفع؛ ولقد كان السلف يتكلمون بكلام كأنه الدر فتكلم أقوام من بعدهم بكلام يخرج من أفواههم كأنه القيء
يا باريَ القوسِ برياً ليس يُحْكِمُهُ
لا تُفسِدِ القوسَ واعطِ القوسَ باريها
اللهم انفعنا بما نسمع وبما نقرأ وبما نقول وبما نكتب واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ولا تجعل حظنا من الحكمة ونصيبنا من الموعظة الإعجاب بها دون المصير إلى حقها والقيام بواجبها، ولا تجعل حظنا من الكتب جمعها وحفظها دون المجاهدة فيها بفضلك وسعة رحمتك، اللهم لا تمقتنا لكثرة كلامنا وقلة عملنا وكثرة جمعنا وطول أملنا، ولكن أصلحنا وتقبل منا واقبلنا وعافنا واعف عنا واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم وبارك لنا في هذه الجهود اليسيرة إنك شكور كريم(1)
__________
(1) تنبيهات:
الأول: اعتمدت في هذا العمل طبعة دار الكتب العلمية المنشورة سنة 1410 هجرية بتحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول ، ولم يكن عندي يومئذ سواها ، ثم إنني اعتمدت في أصل عملي على نسخة قرص (المكتبة الألفية) ، وأنا أعلم أن النسخة الألكترونية فيها كثير من الأخطاء فوق الأخطاء التي في الأصل أعني (مطبوعة الكتاب) ، وقد تيسر لي وقت لمقابلة بعض الكتاب بالأصل المطبوع دون باقيه ، وكنت أنتظر أن يتيسر لي الوقت لمراجعة الكتاب كله ومقابلته على المطبوعة المذكورة ، ثم وقفت على طبعة الرشد فاشتدت رغبتي في مقابلة الكتاب (أعني هذا المختصر) عليها ، ولكن طال انتظاري للفرصة ولم أظفر بها ، فالمشاغل كثيرة والهموم متراكمة متراكبة ، والله المستعان ؛ ولذلك رأيت أن أنشر بين إخواني هذا الكتاب على حاله ، وليصحح امرؤ نسخته بمقابلتها على طبعة الرشد ، فهي أفضل من الأخرى ، أو يقتصر على ما في الكتاب وينتفع به على حاله ، ففيه خير كثير وأخطاؤه قليلة غير مانعة من الانتفاع به ولا سيما في باب الوعظ والدعوة والخطابة ونحوها .
وإني لأرجو أن ييسر الله لي مزيداً من تصحيح الكتاب ثم ييسر طباعته ليعم النفع به ، ومن الله التوفيق .
الثاني: كل اختصارات صيغ التحديث مثل (ثنا) و (أنا) ونحوها أرجعتها إلى أصلها وذلك جائز عندي ولا سيما في مثل هذا الكتاب الفرعي، وفيه تسهيل على من يطالع الكتاب.
الثالث: وردت بعض الآثار على هذا النحو: "عن عمرو: فعل زيد كذا" فزدت في بعضها كلمة (قال) بعد "عمرو" دون الإشارة إلى أني زدتها، فإني أرى الأمر في ذلك واسعاً ولا حاجة في مثله إلى التنبيه على الزيادة.(1/21)
.
خطبة المصنف
قال رحمه الله: الحمد لله الواحد القديم الماجد العظيم الواسع العليم الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وعلمه أفضل تعليم وكرمه على كثير ممن خلق أبين تكريم أحمده وأستعينه وأعوذ به من الزلل وأستهديه لصالح القول والعمل وأسأله أن يصلي على النبي المصطفى الرسول الكريم المجتبى محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيراً؛ أما بعد فإن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بفضله ولطفه وفقني لتصنيف كتب مشتملة على أخبار مستعملة في أصول الدين وفروعه والحمد لله على ذلك كثيراً ثم إني أحببت تصنيف كتاب جامع لأصل الإيمان وفروعه وما جاء من الأخبار في بيانه وحسن القيام به لما في ذلك من الترغيب والترهيب فوجدت الحاكم أبا عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي(1)
__________
(1) ترجمه ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية 2/178-179 فقال: "الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم القاضي أبو عبد الله الحليمي البخاري، قال الحاكم: أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم وآدبهم بعد أستاذيه أبي بكر القفال والأودني، انتهى؛ وكان مقدماً فاضلاً كبيراً له مصنفات مفيدة ينقل منها الحافظ أبو بكر البيهقي كثيراً؛ وقال في النهاية: كان الحليمي رجلاً عظيم القدر لا يحيط بكنه علمه إلا غواص، ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة ومات في جمادى وقيل في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعمئة؛ ومن تصانيفه شعب الإيمان كتاب جليل في نحو ثلاث مجلدات يشتمل على مسائل فقهية وغيرها تتعلق بأصول الإيمان وآيات الساعة وأحوال القيامة وفيه معاني غريبة لا توجد في غيره---".
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 17/231-233: "الحليمي: القاضي العلامة رئيس المحدثين والمتكلمين بما وراء النهر عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الشافعي، أحد الأذكياء الموصوفين، ومن أصحاب الوجوه في المذهب، وكان متفنناً سيال الذهن مناظراً طويل الباع في الأدب والبيان؛ أخذ عن الأستاذ أبي بكر القفال والإمام أبي بكر الأودني؛ وحدث عن خلف بن محمد الخيام وأبي بكر محمد بن أحمد بن خنب وبكر بن محمد المروزي الدخمسيني وجماعة؛ ولد في سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة فقيل إنه ولد بجرجان وحمل فنشأ ببخارى، وقيل: بل ولد ببخارى؛ وله مصنفات نفيسة؛ حدث عنه أبو عبد الله الحاكم وهو أكبر منه والحافظ أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد البخاري وأبو سعد الكنجروذي وآخرون؛ ولم أقع له بترجمة تامة؛ وله عمل جيد في الحديث لكنه ليس كالحاكم ولا عبد الغني، وإنما خصصته بالذكر لشهرته؛ توفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربع مئة؛ وللحافظ أبي بكر البيهقي اعتناء بكلام الحليمي ولا سيما في كتاب شعب الإيمان".(1/22)
رحمنا الله وإياه أورد في كتاب (المنهاج) المصنف في بيان شعب الإيمان المشار إليها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حقيقة كل واحدة من شعبه وبيان ما يحتاج إليه مستعمله من فروضه وسننه وأدبه وما جاء في معناه من الأخبار والآثار ما فيه كفاية فاقتديت به في تقسيم الأحاديث على الأبواب وحكيت من كلامه عليها ما يتبين به المقصود من كل باب إلا أنه رضي الله عنا وعنه اقتصر في ذلك على ذكر المتون وحذف الأسانيد تحرياً للاختصار وأنا علي رسم أهل الحديث أحب إيراد ما أحتاج إليه من المسانيد والحكايات بأسانيدها والاقتصار على ما لا يغلب على القلب كونه كذباً ففي الحديث الثابت عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين وحكينا عن الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى روايته عن سفيان بن عيينة أنه قال: حدثني الزهري يوماً بحديث فقلت هاته بلا إسناد فقال الزهري أترقى السطح بلا سلم وقد ذكرت إسناد هذا الحديث وهذه الحكاية في كتاب المدخل، وأوردت في كتاب (الأسماء والصفات) وكتاب (الإيمان) و(القدر) و(الرؤية) و(دلائل النبوة) و(البعث والنشور) و(عذاب القبر) و(الدعوات) ثم في الكتب المخرجة في (السنن) على ترتيب مختصر أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني رحمه الله تعالى، من الأخبار والآثار ما وقعت الحاجة إليه في كل باب فاقتصرت في هذا الكتاب على إخراج ما يتبين به بعض المراد وأحلت الباقي على هذه الكتب خوفاً من الملال في الإطناب واستعنت بالله عز في ذلك وفي جميع أموري استعانة من لا حول له ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
باب ذكر الحديث الذي ورد في شعب الإيمان
عن سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الايمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان(1). (1/31-32)
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(1/23)
عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الايمان بضع وستون أو سبعون شعبة فأرفعها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان(1). (1/33)
قال المصنف: وهذا الشك وقع من سهيل بن أبي صالح في بضع وستين أو في بضع وسبعين وسليمان بن بلال قال: بضع وستون، لم يشك فيه، وروايته أصح عند أهل العلم بالحديث غير أن بعض الرواة عن سهيل رواه من غير شك قال: بضع وسبعون---وهذا زائد فأخذ به صاحب كتاب المنهاج في تقسيمه ذلك على سبعة وسبعين باباً بعد بيان صفة الإيمان وبالله التوفيق.
[صفة الايمان]
عن سليمان عن مجاهد أنه: قال الله عز وجل (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) [الزخرف] قال: شهد بالحق وهو يعلم أن الله ربه. (1/42)
باب القول في زيادة الإيمان ونقصانه
وتفاضل أهل الإيمان في إيمانهم
عن هزيل بن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم. (1/69)
عن زبيد عن ذر(2) قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ربما أخذ بيد الرجل والرجلين يقول تعالوا نزداد إيماناً. (1/70)
عن عبد الله بن عمرو بن هند قال: قال علي رضي الله عنه: إن الإيمان يبدأ لمظة بيضاء في القلب فكلما ازداد الإيمان عظماً ازداد ذلك البياض فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب فكلما ازداد النفاق عظماً ازداد ذلك السواد فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله؛ وأيم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود(3). (1/70)
__________
(1) رواه مسلم
(2) لعلها (زر).
(3) اللمظة هي الذوقة وهو أن يلمظ الإنسان أو الدابة شيئاً يسيراً أي يتذوقه فكذلك القلب يدخله من الإيمان شيء يسير ثم يتسع فيه فيكثر.(1/24)
عن العلاء بن عبد الرحمن قال قام رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين ما الإيمان فقال الإيمان على أربع دعائم على الصبر والعدل واليقين والجهاد ثم ذكر تقسيم كل واحدة من هذه الدعائم. (1/71)
عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق قال: قال علي رضي الله عنه: الصبر من الإيمان بمنزلة الراس من الجسد؛ فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان. (1/71)
عن حجر بن عدي قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: الوضوء نصف الإيمان. (1/72)
عن معقل الخثعمي قال: أتى علياً رضي الله عنه رجل وهو في الرحبة فقال: يا أمير المؤمنين ما ترى في امرأة لا تصلي؟ قال: من لم يصل فهو كافر. (1/72)
عن الأعمش عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال قال قال معاذ بن جبل لأصحابه اجلسوا بنا نؤمن أظنه قال ساعة؛ أي نذكر الله. (1/73)
عن شباك عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنه قال: اجلسوا بنا نزدد إيماناً. (1/73)
عن عبد الله بن عكيم عن عبد الله، يعني ابن مسعود، أنه كان يقول: اللهم زدني إيماناً وفقهاً(1). (1/73)
عن علقمة: قال عبد الله بن مسعود: الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان. (1/74)
عن صلة بن زفر عن عمار قال: ثلاثة من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار والإنصاف من النفس وبذل السلام للعالم. (1/74-75)
عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن رواحة قال لصاحب له تعال حتى نؤمن ساعة، قال: أولسنا بمومنين؟! قال: بلى ولكنا نذكر الله فنزداد إيماناً. (1/75)
عن أبي عمران الجوني قال: سمعت جندب البجلي قال: كنا فتياناً حزاورة مع نبينا صلى الله عليه وسلم فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً وإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان. (1/76)
__________
(1) زاد بعض الرواة (ويقيناً وعلماً).(1/25)
عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: ثلاث من الإيمان أن يحتلم الرجل في الليلة الباردة فيقوم فيغتسل لا يراه إلا الله والصوم في اليوم الحار وصلاة الرجل في الأرض الفلاة لا يراه إلا الله. (1/76)
عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس وأبي هريرة قالا: الإيمان يزداد وينقص. (1/76)
عن أبي الدرداء قال: الإيمان يزداد وينقص. (1/76)
عن عبد الله بن ربيعة الحضرمي عن أبي هريرة قال: الإيمان يزداد وينقص. (1/77)
عن حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن أبيه عن جده عمير بن حبيب بن خماشة أنه قال: الإيمان يزيد وينقص فقيل له: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا ربنا وخشيناه فذلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه. (1/77)
عن إبراهيم عن علقمة أنه كان يقول لأصحابه: امشوا بنا نزداد إيماناً. (1/78)
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ما نقصت أمانة عبد قط إلا نقص من إيمانه. (1/78)
عن عدي بن عدي أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أما بعد فإن للإيمان حدوداً وشرائع وفرائض من استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان. (1/78)
عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (1/78)
عن ليث عن مجاهد في قوله تعالى (ولكن ليطمئن قلبي) قال: أزداد إيمانا إلى إيماني(1). (1/79)
عن بكر بن عبد الله المزني قال: قال عيسى عليه الصلاة والسلام لبعض الحواريين: أرني يدك يا قصير الإيمان؛ وهذا حين مشى على الماء فتبعه واحد فذهب يضع رجله فإذا هو قد انغمر فقال له عيسى عليه الصلاة والسلام: هات يدك يا قصير الايمان. (1/79)
عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط قال: والله ما أرى إيمان أهل الأرض يعدل إيمان أبي بكر رضي الله عنه ولا أرى إيمان مكة يعدل إيمان عطاء. (1/79)
__________
(1) قال البيهقي: ورويناه أيضاً عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي.(1/26)
عن نافع بن عمر قال: قيل لابن أبي مليكة: إنه يجالسك رجل يزعم أن إيمانه مثل إيمان جبريل عليه السلام! قال: والله لقد فضل الله جبريل في الثناء فقال: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون) وتزعمون أن إيمان مهران، رجل كان يضرب في الخمر كل ساعة، مثل إيمان جبريل عليه السلام؟!. (1/80)
عن عبد الملك بن أبي النعمان شيخ من أهل الجزيرة عن ميمون بن مهران، قال: خاصمه رجل في الإرجاء، قال: فبينما هما على ذلك إذ سمعا امرأة تغني فقال ميمون: أين إيمان هذه من إيمان مريم بنت عمران؟! قال: فلما قالها له انصرف الرجل ولم يزد عليه شيئاً
عن الحسن قال: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال؛ من قال حسناً وعمل غير صالح رده الله على قوله؛ ومن قال حسناً وعمل صالحاً رفعه العمل؛ ذلك بأن الله تعالى قال: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه). (1/80-81)
عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (1/81)
عن هارون البربري عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: الإيمان قائد والعمل سائق والنفس حرون فإذا ونى قائدها لم تستقم لسائقها وإذا ونى سائقها لم تستقم لقائدها ولا يصلح هذا إلا مع هذا حتى تقدم على الخير؛ الإيمان بالله مع العمل لله والعمل لله مع الإيمان بالله. (1/82)
عن أبي سنان عن الضحاك في قوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال: العمل الصالح يرفع الكلام الطيب. (1/82)
باب الاستثناء في الإيمان
عن علقمة قال: قال رجل عن عبد الله بن مسعود: أنا مؤمن، قال: قل: إني في الجنة!! ولكنا نقول: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله. (1/83)(1/27)
عن منصور عن إبراهيم قال: قال رجل لعلقمة: أمؤمن أنت؟ قال: أرجو إن شاء الله(1). (1/83)
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه خطبهم فقال: أنتم المؤمنون أنتم أهل الجنة والله إني لأطمع أن يكون عامة من تصيبون من أهل فارس والروم(2) في الجنة لأن أحدهم يعمل لكم العمل فتقول: أحسنت رحمك الله أحسنت بارك الله فيك والله يقول: (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله)(3). (1/83-84)
عن سعيد بن يسار قال بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً يزعم انه مؤمن فكتب إلى أميره أن ابعثه إلي فلما قدم عليه قال: أنت الذي تزعم انك مؤمن؟! قال: نعم والله يا أمير المؤمنين، قال: ويحك ومم ذاك؟! قال: أولم تكونوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصنافاً مشرك ومنافق ومؤمن؟! فمن أيهم كنتَ؟! قال: فمد عمر يده إليه معرفة لما قال حتى أخذ بيده. (1/84)
عن عثمان بن الأسود قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: الرجل يقول: لا أدري أمؤمن أنا أم لا؟! قال: سبحان الله قال الله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب) فهو الغيب فمن آمن بالغيب فهو مؤمن بالله(4). (1/85)
__________
(1) قال المؤلف: وقد روينا هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين والسلف الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
(2) ممن أسلموا.
(3) قال المؤلف: وفي هذا أنه يخاطب الجماعة بذلك ولم يعين به شخصاً وقد رجع في آخر الحديث إلى الاستثناء في دخول الجنة فقال: إني لأطمع.
(4) الذي يمتنع أهل العلم من وصف أنفسهم به إنما هو الإيمان الذي هو بمعنى التزكية وقوة الإيمان والقبول عند الله؛ وكذلك الثبات على الإيمان في المستقبل من الوقت؛ والذي يقطعون به لأنفسهم هو الايمان الذي بمعنى الاسلام والتصديق والرجاء لرحمة الله؛ اللهم زدنا إيماناً وثبتنا على الايمان.(1/28)
روي أن رجلاً سأل قتادة أمؤمن أنت؟ فقال: أما أنا فأومن بالله وملائكته وبكتبه وبرسله وبالبعث بعد الموت وبالقدر خيره وشره، أما الصفة التي ذكرها الله عز وجل (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) قرأ الآيات إلى قوله (اولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) فلا أدري أنا منهم أو لا. (1/85-86)
عن تمام بن نجيح قال: سأل رجل الحسن البصري عن الإيمان فقال: الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن وإن كنت تسألني عن قول الله عز وجل (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) الآيات قرأ إلى (أولئك هم المؤمنون حقاً) فوالله ما أدري أنا منهم أو لا. (1/86)
عن أبي العباس الثقفي قال: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: هذا قول الأئمة المأخوذ في الإسلام والسنة بقولهم فذكر الحكاية قال والإيمان يتفاضل والإيمان قول وعمل ونية والصلاة من الإيمان والزكاة من الإيمان والحج من الإيمان وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان ونقول الناس عندنا مؤمنون بالاسم الذي سماهم الله في الإقرار والحدود والمواريث ولا نقول حقاً ولا نقول عند الله ولا نقول كإيمان جبريل وميكائيل فإن إيمانهما متقبل(1). (1/87)عن وكيع انه قال كان سفيان الثوري يقول: أنا مؤمن وأهل القبلة كلهم مؤمنون في النكاح والدية والمواريث؛ ولا يقول: أنا مؤمن عند الله عز وجل. (1/87)
باب القول في إيمان المقلد والمرتاب
عن جعفر بن برقان عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه سأله رجل عن شيء من الأهواء فقال عليك بدين الأعرابي والغلام في الكتاب واله عمن سواه. (1/95)
عن ابن وهب حدثنا مالك أنه دخل يوماً على عبد الله بن يزيد بن هرمز فذكر قصة ثم قال: وكان يعني ابن هرمز - بصيراً بالكلام؛ وكان يرد على أهل الأهواء؛ وكان من أعلم الناس بما اختلفوا فيه من هذه الأهواء. (1/96)
__________
(1) كانت (متقل)!(1/29)
الأول من شعب الإيمان
وهو باب في الإيمان بالله عز وجل
فصل في معرفة الله عز وجل ومعرفة صفاته وأسمائه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ [هو الحاكم] قال: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل وسئل عن قوله تعالى تبارك فقال ارتفع وعلا. (1/126)
فصل في الإشارة إلى أطراف الأدلة في معرفة الله عز وجل وفي حدث العالم
عن محمد بن يوسف الدقيقي قال: وجدت في كتابي للشافعي رحمه الله:
فيا عجبا كيف يعصى الاله
أم كيف يجحده جاحد
ولله في كل تحريكة
وتسكينة أبداً شاهد
[و]في كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
ويقال: إن هذه الأبيات لأبي العتاهية. (1/130)
عن أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم أنه جاء إلى دكان سقيفة الوراق فجلس وتحدث ثم ضرب بيده إلى دفتر فكتب في ظهره:
فيا عجبا كيف يعصى الاله
أم كيف يجحده جاحد
ولله في كل تحريكة
وتسكينة أبداً شاهد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
ثم ألقاه ونهض فلما كان من الغد أو بعد ذلك جاء أبو نواس فجلس وتحدث وضرب بيده إلى ذلك الدفتر فقال: أحسن قاتله الله والله لوددته لي بجميع ما قلته! لمن هي؟ قلنا: لأبي العتاهية فقال: هو أحق به؛ ثم أخذ أبو نواس الدفتر فكتب:
سبحان من خلق الخلق
من ضعيف مهين
يسوقه من قرارٍ
إلى قرار مكين
يحوز(1) شيئاً فشيئاً
في الحجب دون العيون
حتى بدت حركات
مخلوقة من سكون
فلما عاد أبو العتاهية نظر فيه فقال: أحسن قاتله الله! والله لوددت أنها لي بجميع ما قلت وما أقول؛ لمن هي؟ فقلنا لأبي نواس؛ فقال: الشيطان؟! ثم كتب أبو العتاهية:
فإن أك حالكاً فالمسك أحوى
وما لسواد جلدي من بقاء
ولكني عن الفحشاء ناءٍ
كبعد الأرض عن جو السماء
(1/131)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) قال: خلقوا في أصلاب الرجال ثم صوروا في أرحام النساء. (1/132)
__________
(1) لعلها (يجوز).(1/30)
عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: القلب ملك وله جنود فإذا صلح الملك صلحت جنوده وإذا فسد الملك فسدت جنوده والأذنان قمع والعينان مسلحة واللسان ترجمان واليدان جناحان والرجلان بريد والكبد رحمة والطحال ضحك والكليتان مكر؟؟ والرية نفس. (1/133)
عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) قال: سبيل الخلاء والبول. (1/134)
عن الأصمعي قال: سمعت ابن السماك يقول لرجل: تبارك من خلقك فجعلك تبصر بشحم وتسمع بعظم وتتكلم بلحم. (1/134)
عن ابن جريج عن ابن شهاب في قوله تعالى (يزيد في الخلق ما يشاء) قال: حسن الصوت. (1/135)
عن خليد بن دعلج عن قتادة في قوله (يزيد في الخلق ما يشاء) قال: الملاحة في العينين. (1/135)
عن أبي عثمان الحناط قال: حدثنا ذو النون بن إبراهيم المصري قال: إن الله عز وجل خلق القلوب أوعية للعلم؛ ولولا أن الله سبحانه وبحمده أنطق اللسان بالبيان وافتتحه بالكلام ما كان الإنسان إلا بمنزلة البهيمة يومىء بالرأس ويشير باليد. (1/135)
عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. (1/136)
عن سالم بن أبي الجعد: قيل لأم الدرداء: ما كان أفضل أعمال أبي الدرداء؟ قالت: التفكر. (1/136)
عن يحيى بن معاذ قال: جملة التوحيد في كلمة واحدة وهي: أن لا تتصور في وهمك شيئاً إلا واعتقدت أن الله عز وجل هو مالكه من جميع الجهات. (1/137)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله (هل تعلم له سمياً) [مريم]: هل تعلم للرب عز وجل مثلاً أو شبهاً. (1/143)
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل (هل تعلم له سمياً) قال: ليس أحد يسمى الرحمن غيره. (1/144)
الثاني من شعب الإيمان
وهو باب في الإيمان برسل الله صلوات الله عليهم عامة اعتقادا وإقراراً(1/31)
عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً) قال: كان الأنبياء من بني إسرائيل، إلا عشرة: نوح وصالح وهود ولوط وشعيب وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى فإسرائيل يعقوب وعيسى المسيح. (1/150)
عن ابن عباس: [أنه] حين اجتمع الوليد بن المغيرة ونفر من قريش وقد حضر الموسم ليجتمعوا على رأي واحد فيما يقولون في محمد صلى الله عليه وسلم لوفود العرب فقالوا فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم رأيا نقوم به فقال بل أنتم فقولوا أسمع فقالوا نقول كاهن فقال ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسحره فقالوا نقول هو مجنون فقال ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته فقالوا نقول شاعر قال ما هو بشاعر ولقد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر؛ قالوا: فنقول: هو ساحر؛ قال: فما هو بساحر؛ لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده؛ فقالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟! قال: والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لمغدق وإن فرعه لجنى فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول أن تقولوا: ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه وبين المرء وبين أخيه وبين المرء وبين زوجه وبين المرء وبين عشيرته فتُفرقوا عنه بذلك فأنزل الله عز وجل في الوليد بن المغيرة (ذرني ومن خلقت وحيداً إلى قوله سأصليه سقر) . (1/157-158)
عن عقيل عن ابن شهاب أنه قال(1): بلغني أن جوامع الكلم أن الله تعالى جمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك(2). (1/161)
__________
(1) أي في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: (وأوتيت جوامع الكلم).
(2) رواه البخاري.(1/32)
عن جويرية بن بشير الهجيمي قال: سمعت الحسن قرأ يوماً هذه الآية: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) إلى آخرها ثم وقف فقال: إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئاً إلا جمعه؛ ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه. (1/161-162)
الثالث من شعب الإيمان
وهو باب في الإيمان بالملائكة
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً) قال: قال كفار قريش: الملائكة بنات الله تعالى فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه: فمن أمهاتهم؟! فقالوا: بنات سروات الجن فقال الله عز وجل: (ولقد علمت الجِنة إنهم لمحضرون) يقول: إنها ستحضر للحساب؛ قال: والجنة هي الملائكة. (1/166)
وعن قتادة أنه قال: جعلوا الملائكة بنات الله من الجن وكذب أعداء الله. (1/166)
وعن أبي عمران الجوني قال: قالت اليهود: إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة. (1/166)
وعن الكلبي أنه قال: يقول ذلك لقولهم (الملائكة بنات الله) يقول الله عز وجل: (ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون) محضرون [في] النار، الذين قالوا الملائكة بنات الله؛ قال: ويقال نزلت هذه الآية في الزنادقة وذلك أنهم قالوا خلق الله الناس والدواب والأنعام فقال إبليس: لأخلقن خلقاً أضرهم فخلق الحيات والعقارب والسباع فذلك قوله تعالى (وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً) قالوا: هو إبليس أخزاه الله تعالى الله عما يشركون. (1/166-167)
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن ناركم هذه التي توقدون لجزء من سبعين جزءاً من نار جهنم. (1/170)
عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن سابط قال: يدبر أمر الدنيا أربعة جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل فأما جبريل فوكل بالرياح والجنود وأما ميكائيل فوكل بالقطر والنبات وأما ملك الموت فوكل بقبض الأرواح وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم. (1/176)(1/33)
عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال: قال عبد الله: إن من السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليها جبهة ملك أو قدماه ثم قرأ (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون). (1/178)
عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبي أنه سأل كعباً عن قول الله (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) ولا يسأمون [كذا]، فقال: هل يؤذيك طرْفك؟ قال: لا، قال: فهل يؤذيك نفسك؟ قال: لا، قال: فإنهم الهموا التسبيح كما ألهمتم النفس والطرف. (1/178)
عن حسان بن المخارق عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: قلت لكعب: أرأيت قول الله (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) أما شغلهم رسالة أما شغلهم عمل؟! فقال: من هذا؟ فقيل: غلام من بني عبد المطلب فأخذني فضمني وقال: يا ابن اخي إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس ألست تأكل وتشرب وتجيء وتذهب وتتكلم وأنت تتنفس فكذلك جعل لهم التسبيح. (1/178-179)
عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن كعب قال: ذكرت الملائكة بني آدم وما يأتون من الذنوب، قال: فاختاروا منكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت، فقال لهما: إني أرسل رسلي إلى الناس، [و]ليس بيني وبينكم رسل، انزلا فلا تشركا بي شيئاً ولا تسرقا ولا تزنيا؛ قال عبد الله: قال كعب: فما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا فيه ما حرم عليهما. (1/181 و 5/292)
عن ابن عباس قال: إنما قوله جبريل وميكائيل كقوله عبد الله وعبد الرحمن(1)
__________
(1) من الأخبار التي تصلح لهذا الفصل هذان الخبران:
الأول: ما أخرجه أبو نعيم في (الحلية) 2/232 عن ثابت البناني عن خليد العصري أنه كان يأمر ببيته فيُقَمُّ ثم يأمر بوسادتين ثم يغلق بابه ثم يقعد على فراشه فيقول: مرحباً بملائكة ربي، أما والله لأشهدنكم اليوم خيراً، خدوا، باسم الله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، عامة يومه، ولا يزال كذلك حتى تغلبه عينه أو يخرج إلى الصلاة .
الثاني: ما أورده ابن الجوزي في (صفة الصفوة) 3/67 عن سلام بن أبي مطيع قال: كان الربيع بن خثيم إذا أصبح قال: مرحباً بملائكة الله، اكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.(1/34)
. (1/182)
الرابع من شعب الإيمان
وهو باب في الإيمان بالقرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لما قرأ سورة الروم على مشركي مكة فقالوا: هذا مما أتى به صاحبك؟ قال: لا ولكنه كلام الله عز وجل(1). (1/189)
عن عامر بن شهر؟؟ أنه قال: كنت عند النجاشي فقرأ ابن له آية من الإنجيل فضحك فقال: أتضحك من كلام الله عز وجل؟!. (1/189)
عن خباب بن الأرت أنه قال: تقرب ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه. (1/189)
عن ابن مسعود أنه قال: أصدق الحديث كلام الله عز وجل. (1/189)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: القرآن كلام الله عز وجل. (1/189)
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: لو أن قلوبنا طهرت لما شبعنا من كلام الله تعالى. (1/189)
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ما حكمت مخلوقاً إنما حكمت القرآن. (1/189)
عن ابن عباس أنه صلى على جنازة فقال رجل: اللهم رب القرآن العظيم اغفر له فقال ابن عباس: ثكلتك أمك إن القرآن منه، إن القرآن منه. (1/189-190)
عن ابن عيينة قال: أدركت مشيختنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق(2)
__________
(1) وفي رواية أخرى: ليس بكلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله عز وجل.
(2) قال المصنف: مشيخة عمرو بن دينار جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وعبد الله بن الزبير وأكابر التابعين.
وقال المصنف أيضاً: وروينا هذا القول عن علي بن الحسين وجعفر بن محمد الصادق ومالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وعبدالرحمن بن مهدي ومحمد بن إدريس الشافعي ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وأبي عبيد ومحمد بن إسماعيل البخاري في مشيخة أجلة سواهم وإنما أحدث هذه البدعة الجعد بن درهم ومنه كان يأخذ جهم فذبحه خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى.(1/35)
. (1/190)
ذكر حديث جمع القرآن
عن ابن شهاب عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت قال أرسل إلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه بمقتل أهل اليمامة فإذا عمر جالس عنده فقال أبو بكر إن عمر جاءني فقال إن القتل قد استحر بقراء القرآن يوم اليمامة وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر هو والله خير فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت في ذلك الذي رأى عمر رضي الله عنه قال زيد قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن وأجمعه قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمروني به من جمع القرآن قال: قلت: وكيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر؛ قال: فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة وفي رواية أبي الوليد مع خزيمة أو أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم خاتمة سورة براءة قال وكانت الصحف عند أبي بكر حياته حتى توفاه الله عز وجل ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله عز وجل ثم عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين. (1/195-196)(1/36)
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار تقرؤونه محضاً لم يشب ثم يخبركم الله في كتابه أنهم قد غيروا كتاب الله وبدلوه وكتبوا الكتاب بأيديهم ثم قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً؛ ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم والله ما رأينا رجلاً منهم قط سألكم عما أنزل الله إليكم(1). (1/199)
الخامس من شعب الإيمان
وهو باب في أن القدر خيره وشره من الله عز وجل
عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر معبد الجهني بالبصرة؛ قال: فانطلقنا حجاجاً أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري فلما قدمنا المدينة وافقنا عبد الله بن عمر(2) وهو في المسجد فقلت: يا أبا عبد الرحمن إن قِبَلنا ناساً يقرؤون القرآن ويتقفرون(3) العلم ويقولون لا قدر وإنما الأمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم برىء وأنهم مني براء والذي يحلف به عبدالله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر كله خيره وشره. (1/202)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) كانت (عمرو).
(3) قال النووي في شرح صحيح مسلم: (ويتقفرون العلم) هو بتقديم القاف على الفاء ومعناه يطلبونه ويتتبعونه هذا هو المشهور وقيل معناه يجمعونه؛ ورواه بعض شيوخ المغاربة من طريق ابن ماهان (يتفقرون) بتقديم الفاء وهو صحيح أيضاً معناه يبحثون عن غامضه ويستخرجون خفيه؛ وروي فى غير مسلم (يتفقون) بتقديم القاف وحذف الراء وهو صحيح أيضاً ومعناه أيضا يتتبعون؛ قال القاضى عياض: ورأيت بعضهم قال فيه (يتقعرون) بالعين وفسره بأنهم يطلبون قعره أى غامضه وخفيه ومنه تقعر فى كلامه اذا جاء بالغريب منه وفى رواية أبى يعلى الموصلي (يتفقهون) بزيادة الهاء وهو ظاهر.(1/37)
عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: أتيت أبي بن كعب فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله جل ثناؤه أن يذهبه من قلبي فقال: لو أن الله جل ثناءه عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو انفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما تقبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك لو مت على غير هذا لدخلت النار قال ثم لقيت ابن مسعود فقال مثل ذلك، ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك---. (1/203)
عن أبي عثمان الحناط(1) قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من علامات التوفيق: الوقوع في أعمال البر بلا استعداد له؛ والسلامة من الذنب مع الميل إليه وقلة الهرب منه؛ واستخراج الدعاء والابتهال؛ وثلاثة من علامات الخذلان: الوقوع في الذنب مع الهرب منه؛ والامتناع من الخير مع الاستعداد له؛ وانغلاق باب الدعاء والتضرع. (1/215)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنه سمع عبد الله الرازي يقول: سئل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أسألك الرضا بعد القضاء) فقال: الرضا قبل القضاء عزم على الرضا؛ والرضا بعد القضاء هو الرضا. (1/217)
عن أبي سعيد الخراز قال: الرضا قبل القضاء تفويض والرضا بعد القضاء تسليم. (1/217-218)
عن أبي وائل عن عبد الله قال: أدِّ ما افترض الله عليك تكن من أعبد الناس واجتنب ما حرم [الله] عليك تكن من أورع الناس وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس. (1/219)
عن أبي الدرداء قال: ذروة الإيمان أربع: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل. (1/221)
__________
(1) تصحف في أكثر مواضع وروده من هذا الكتاب إلى (الخياط).(1/38)
عن أبي هارون المدني قال: قال ابن مسعود: الرضا أن لا ترضي الناس بسخط الله ولا تحمد أحداً على رزق الله ولا تلم(1) أحداً على ما لم يؤتك الله؛ فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره والله بقسطه وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. (1/222)
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: إذا طلب أحدكم الحاجة فليطلبها طلباً يسيراً فإنما له ما قدر له ولا يأتي أحدكم صاحبه فيمدحه فيقطع ظهره. (1/222)
عن المعرور بن سويد قال: قال عبد الله، هو ابن مسعود: إن في طلب الرجل إلى أخيه الحاجة فتنة! إن هو أعطاه حمد غير الذي أعطاه وإن منعه ذم غير الذي منعه(2). (1/222)
عن مسروق قال: قال عبد الله: لا يؤمن العبد حتى يؤمن بالقدر، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ ولأن أعض على جمرة حتى تطفأ أحب إلي من أن أقول لأمر قدره الله: ليته لم يكن. (1/223)
عن سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: من وثق بالمقادير لم يغتم. (1/224)
وقال: سمعت ذا النون يقول: إرض عن الله وثق بالله فكل شيء بقضاء الله؛ وأثنِ على الله فإنه من عرف الله رضي بالله وسره ما قضى؛ ومن طلب المعروف من عند الله تيسر لجود كف الله؛ ولو عرف الإنسان ما قرب [كذا] لما عصى الله لغير الله. (1/224)
عن عمار بن عثمان قال: حدثني بشر بن سنان المجاشعي وكان من العابدين قال: قلت لعابد: أوصني، قال: ألق نفسك مع القدر حيث ألقاك فهو أحرى أن يفرغ قلبك وأن يقل همك، وإياك أن تسخط ربك فيحل بك السخط وأنت عنه في غفلة ولا تشعر به. (1/224)
عن شميط بن عجلان عن الحسن قال: يصبح المؤمن حزيناً ويمسي حزيناً، يتقلب في النوم ويكفيه ما يكفي العنيزة. (1/225)
__________
(1) كذا وحقها (تلوم) فمحلها النصب لا الجزم.
(2) إن المعطي لكل شيء على الحقيقة والمانع من كل شيء على الحقيقة هو الله تبارك وتعالى وهو محمود في عطائه وفي منعه.(1/39)
أخبرنا أبو عبد الله الحفاظ حدثنا جعفر بن محمد بن نصير قال: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول: ذروا التدبير والاختيار تكونوا في طيب من العيش فإن التدبير والاختيار يكدر على الناس عيشهم. (1/225)
قال: وسئل أبو العباس: أي منزلة اذا قام العبد بها قام مقام العبودية؟ قال: ترك التدبير. (1/225)
قال: وسمعت أبا العباس يقول: لا تحل السلامة حتى تكون في التدبير كأهل القبور. (1/225)
قال: وسمعت أبا العباس يقول: الفرح في تدبير الله تعالى لنا والشقاء في تدبيرنا. (1/225)
عن سفيان بن عيينة قال: قال العلماء: من لم يصلح على تقدير الله لم يصلح على تقدير نفسه. (1/225)
عن أبي العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي قال: من ترك التدبير عاش في راحة. (1/225-226)
عن عباس بن عاصم قال: سمعت سهلاً [التستري] يقول: البلوى من الله على وجهين: بلوى رحمة وبلوى عقوبة، فبلوى الرحمة تبعث صاحبها(1) على إظهار فقره وفاقته إلى الله وترك التدبير؛ وبلوى العقوبة تبعث صاحبها على اختياره وتدبيره. (1/226)
عن حاتم [الأصم] قال: سمعت شقيقاً [البلخي] يقول: يا فقير لا تشتغل ولا تتعب في طلب الغنى فإنه إذا قسم لك الفقر لا تكون غنياً. (1/226)
عن سليمان بن حرب حدثنا حماد قال: قال أيوب: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. (1/226)
عن أحمد بن أبي الحواري عن سفيان في قوله (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) قال: بالرضا والتسليم. (1/226)
عن أبي العباس بن عطاء قال: الرضا ترك الخلاف على الله فيما يجريه على العبد. (1/227)
__________
(1) كانت الجملة (يبعث صاحبه) وكذلك الجملة الآتية.(1/40)
عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز قال: لقد تركتني هؤلاء الدعوات وما لي في شيء من الأمور كلها (إرادة إلا في مواقع)(1) قدر الله؛ قال: وكان كثيراً ما يدعو: اللهم رضني بقضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته ولا تأخير شيء عجلته. (1/227)
يحيى بن سعيد قال سمعت عمر بن عبدالعزيز يقول: ما أصبح لي هوى في شيء سوى ما قضى الله عز وجل. (1/227)
عن شعبة قال: قال لي يونس بن عبيد: ما تمنيت شيئاً قط. (1/227)
عن الفضيل بن عياض قال: الراضي لا يتمنى(2) فوق منزلته. (1/227)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام التسليم: مقابلة القضاء بالرضاء، والصبر على البلاء، والشكر على الرخاء--- وثلاثة من أعلام ذكاء القلب: رؤية كل شيء من الله، وقبول كل شيء عنه، وإضافة كل شيء إليه. (1/228)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا عبد الله النباجي يقول: أجل العبادة عندي ثلاثة: لا ترد من أحكامه شيئاً ولا تسأل غيره حاجة ولا تدخر عنه شيئاً. (1/228)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن أحمد بن شمعون وكان قد سئل عن الرضا فقال: الرضا بالحق والرضا عنه والرضا له؛ فقال: الرضا به مدبراً ومختاراً؛ والرضا عنه قاسماً ومعطياً؛ والرضا له إلهاً ورباً. (1/228)
عن أبي بكر بن شاذان قال: سئل أبو عثمان البيكندي عن الرضا قال: من لم يندم على ما فات من الدنيا ولم يتأسف عليها. (1/228)
__________
(1) أصل هذه العبارة (أردت أني في موضع) فجعلتها كما في (الرضا عن الله بقضائه) لابن أبي الدنيا ص74؛ سوى كلمة (أردت) فهي كذلك في كتاب (الرضا) فغيرتها اجتهاداً من جهة واستناداً إلى الأثر التالي من جهة أخرى.
(2) كانت (شيء) فأصلحتها متابعة لما في (الرضا) ص53.(1/41)
عن يحيى بن معاذ الرازي(1) قال: يا ابن آدم لا تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت ولا تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت. (1/229)
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) قال: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن إذا أصابته مصيبة جعلها صبراً وإن(2) أصابه خير جعله شكراً. (1/229)
عن عمر بن صدقة الحمال قال: كنت مع ذي النون بأخميم فسمع صوت لهو ودفاف وإكبار؟؟ فقال: ما هذا؟ فقيل: عرس لبعض أهل المدينة، وسمع إلى جانبه بكاء وصياحاً وولولة فقال: ما هذا؟ فقيل: فلان مات فقال لي: يا عمر بن صدقة أعطي هؤلاء فما شكروا وابتلي(3) هؤلاء فما صبروا؛ ولله علي إن بت في هذه المدينة فخرج من ساعته من أخميم إلى الفسطاط. (1/229)
عن حجر بن قيس المدري قال: بت عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسمعته وهو يصلي من الليل يقرأ فمر بهذه الآية (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) قال: بل أنت يا رب ثلاثاً، ثم قرأ (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) قال: بل أنت يا رب، بل أنت يا رب، بل أنت يا رب؛ ثم قرأ (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون) قال: بل أنت يا رب ثلاثاً ثم قرأ: (أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون) قال: بل أنت يا رب ثلاثاً. (1/230)
عن معمر عن جعفر بن برقان أن عيسى بن مريم عليه السلام كان يقول: اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ولا أملك نفع ما أرجو وأصبح الأمر بيد غيري وأصبحت مرتهناً بعملي فلا فقير أفقر مني اللهم لا تشمت بي عدوي ولا تسؤ بي صديقي ولا تجعل مصيبتي في ديني ولا تسلط علي من لا يرحمني. (1/230)
__________
(1) أحد حكماء المسلمين؛ تكلم في الرجاء فأجاد وأحسن.
(2) كانت (فإن) وكلتاهما صحيح.
(3) كانت (أعطوا---وابتلوا) فأصلحتهما.(1/42)
أخبرنا أبو عبد الله السلمي فيما قرىء عليه حكاية عن بعضهم أنه قال: كمال الدين في التبري من الحول والقوة والرجوع في الكل إلى من له الكل. (1/230)
عن سهل قال: ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح ولا ادعى لنفسه حالا فتم له والسعيد من الخلق من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل الفضل والافضال ورؤية منة الله عليه في جميع الأفعال؛ والشقي من زين في عينه أفعاله وأقواله فافتخر بها وادعاها لنفسه فسوف تهلكه يوماً وإن(1) لم تهلكه في الوقت؛ ألا ترى الله عز وجل كيف حكى عن قارون قوله (إنما أوتيته على علم عندي) نسي الفضل وادعى لنفسه فضلاً فخسف الله به ظاهراً(2)؛ وكم قد خسف بالأسرار(3) وأصحابها لا يشعرون بذلك! وخسف الأسرار(4) هو منع العصمة والرد إلى الحول والقوة وإطلاق اللسان بالدعاوي العريضة والعمى عن رؤية الفضل والقعود عن القيام بالشكر على ما أولي وأعطي؛ حينئذ يكون وقت الزوال. (1/231)
عن الشعبي عن محمد بن الأشعث الكندي قال: إن لكل شيء دولة حتى إن للحمق على العقل دولة(5). (1/231)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمش يقول: سمعت أبي يقول: إذا لم تطع ربك فلا تأكل رزقه، وإذا لم تجتنب نهيه فاخرج من مملكته، وإذا لم ترض بفعله فاطلب رباً سواه، وإذا عصيته فاخرج إلى مكان لا يراك. (1/231)
عن إبراهيم بن حمش الزاهد قال: يضحك القضاء من الحذر ويضحك الأجل من الأمل ويضحك التقدير من التدبير وتضحك القسمة من الجهد والعناء. (1/231)
أنشدنا أبو عبد الله الحافظ أنشدني أبو محمد الحسين بن علي العلوي الشهيد أنشدني المثنى لنفسه:
__________
(1) كانت (فإن).
(2) إنه أبطن فضل الله وأخفاه فلم يظهره فجعله الله في باطن الأرض مخسوفاً به وبداره وأمواله.
(3) كانت (بالأشرار).
(4) كانت (بالأشرار).
(5) قال البيهقي: الدولة لمن وافقه القضاء والتقدير، قال الله تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).(1/43)
وبعين مفتقر إليك رأيتني
فهجرتني ونزلت بي من حالق
لست الملوم أنا الملوم لأنني
أنزلت حاجاتي بغير الخالق
(1/232)
عن أبي عمر الزاهد أنه أنشد للشافعي رحمه الله:
وإذا سمعت بأن مجدوداً حوى
عوداً فأثمر في يديه فصدق
وإذا سمعت بأن محروماً أتى
ماء ليشربه فغاض فحقق
ومن الدليل على القضاء وكونه
بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
(1/232)
عن أحمد بن يحيى ثعلب قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب:
ليس اختيار ولا عقل ولا أدب
يجدي عليك إذا لم يسعد القدر
ما يقضه الله لا يعييك مطلبه
والسعي في نيل ما لم يقضه عسر
كم مانع نفسه آرابها حذراً
للفقر ليس له من ماله ذخر
إن كان إمساكه للفقر يحذره
فقد تعجل فقراً قبل يفتقر
(1/232)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنشدنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن إسحاق النحوي أنشدنا أحمد بن عبيد الله الدارمي بأنطاكية لنفسه:
يا لائم الدهر على ما بنا
لا تلم الدهر على غدره
فالدهر مأمور له آمرٌ
ينصرف الدهر إلى أمره
كم كافر بالله أمواله
تزداد أضعافاً على كفره
[و]مؤمن ليس له دانق
يزداد إيماناً على فقره
لا خير فيمن لم يكن عاقلاً
يبسط رجليه على قدره
(1/232)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وذكر قصة سليمان بن داود عليهما السلام في مسيره قال: فبينما هو يسير في فلاة إذ احتاج إلى الماء فجاءه الهدهد فجعل ينقر الأرض فأصاب موضع الماء فجاءت الشياطين فسلخت ذلك الموضع كما تسلخ الإهاب فأصابوا الماء قال نافع بن الأزرق: قف أرأيت الهدهد كيف يجيء فينقر الأرض فيصيب موضع الماء وهو يجيء إلى الفخ وهو لا يبصره حتى يقع في عنقه قال ابن عباس إن القدر إذا جاء حال دون البصر. (1/232-233)
سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت الحسن بن أحمد بن موسى القاضي يقول: سمعت الترمذي يقول: إذا جاء القدر عمي البصر وإذا جاء الحَين(1) غطى العين. (1/233)
__________
(1) الموت والهلاك.(1/44)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنشدنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن ثابت البغدادي قال: أنشدنا أبو عمرو الزاهد:
إذا أراد الله أمراً بامرىء
وكان ذا رأي وعقل وبصر
وحيلة يعملها في كل ما
يأتي به محتوم أسباب القدر
أغراه بالجهل وأعمى عينه
فسله عن عقله سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه حكمه
رد عليه عقله ليعتبر
(1/233)
أنشدنا الأستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب أنشدني أبو جعفر محمد بن صالح الأوبري أنشدنا حماد بن علي البكراوي لمحمود بن الحسن الوراق:
توكل على الرحمن في كل حاجة
أردت فإن الله يقضي ويقدر
متى ما يرد ذو العرش أمراً بعبده
يصبه وما للعبد ما يتخير
وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه
وينجو بحمد الله من حيث يحذر
(1/233)
قال: وأنشدني أبو الفوارس جنيد بن أحمد الطبري:
العبد ذو ضجر والرب ذو قدر
والدهر ذو دول والرزق مقسوم
والخير أجمع فيما اختار خالقنا
وفي اختيار سواه اللوم والشوم
(1/233)
السادس من شعب الإيمان
وهو باب في الإيمان باليوم الآخر
-----------------------
السابع من شعب الإيمان
وهو باب في الإيمان بالبعث والنشور بعد الموت
----------------------
الثامن من شعب الإيمان
وهو باب في حشر الناس بعد ما يبعثون من قبورهم إلى الموقف الذي بين لهم من الأرض
عن إبراهيم بن أبي طالب يقول سمعت إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا سيف الزاهد يقول: ما أحب أن يلي حسابنا غير الله عز وجل لأن الكريم يتجاوز. (1/246)
عن يحيى بن يمان قال: قال سفيان الثوري: ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي، ربي خير لي من والدي. (1/246)
عن جرير عن أشعث حدثنا شمر بن عطية في قوله (إن ربنا لغفور شكور) قال: غفر لهم الذنوب التي عملوها وشكر لهم الخير الذي دلهم عليه فعملوا به فأثابهم عملهم. (1/254)
عن طاوس قال: سمعت ابن عمر يقول: كل ابن آدم خطاء إلا ما رحم الله. (1/254)(1/45)
عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: إن الله لا يجازي عبده بذنوبه، والله ما جازى الله عبداً قط بالخير والشر إلا هلك، ولكن الله إذا أراد بعبد خيراً أضعف له الحسنات وألقى عنه السيئات. (1/254)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس انه قال: لا يسألهم عن عملهم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم ولكن يقول: عملتم كذا وكذا. (1/255)
عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) يقول: لا يسأل كافر عن ذنبه، كل كافر معروف بسيماه، وفي قوله (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) يعني يوم تشقق السماء وتكور لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وذلك عند الفراغ من الحساب وكل معروف، يعرف المجرمون بسيماهم أما الكافر فبسواد وجهه وزرقة عينيه، وأما المؤمن فأغر محجل من أثر الوضوء. (1/255)
عن مقاتل بن سليمان قال في قوله تعالى (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون): ذلك أن كفار مكة قالوا: لو أن عندنا ذكراً، يعني خبراً، من الأولين بم أهلكوا؟ فأنزل الله عز وجل (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) يقول: لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الماضية الذين عذبوا في الدنيا فإن الله تعالى قد أحصى أعمالهم الخبيثة وعلمها. (1/256)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) قال: يقول: لا تسأل الملائكة عن المجرم إنساً ولا جاناً، يقول: يعرفون بسيماهم. (1/256)
فصل في بيان كبائر الذنوب وصغائرها وفواحشها
عن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر من عصيت(1). (1/268 و5/430)
عن أبي العباس بن عطاء قال: تولد ورع المتورعين من ذكر الذرة والخردلة وأن ربنا الذي يحاسب على اللحظة والهمزة واللمزة لمستقص في المحاسبة وأشد منه أن يحاسبه على مقادير الذرة وأوزان الخردلة ومن يكن هكذا حسابه لحري أن يتقى. (1/270)
__________
(1) هذا كلام العلماء فما أحسنه وأنفعه.(1/46)
عن ابن وهب حدثنا ابن زيد وذكر عمر وأبا بكر ابني المنكدر قال: فلما حضر أحدهما الوفاة بكى فقيل له: ما يبكيك؟! إن كنا لنغبطك لهذا اليوم! قال: أما والله ما أبكي أن أكون أتيت شيئاً ركبته من معاصي الله اجتراء على الله ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئاً أحسبه هيناً وهو عند الله عظيم؛ قال: وبكى الآخر عند الموت فقيل له مثل ذلك فقال: إني سمعت الله يقول لقوم: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) فأنا أنظر ما ترون والله ما أدري ما يبدو لي؛ قال: وكان يقال محمد أخوهم أدناهم في العبادة وأي شيء كان محمد في زمانه!! . (1/270)
عن ضمرة بن ربيعة عن سفيان الثوري في قوله عز وجل (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) قال: يغفر لمن يشاء العظيم ويعذب من يشاء على الصغير. (1/270)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه قال الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو عذاب أو لعنة. (1/270)
عن ابن عون عن محمد عن ابن عباس قال: كل ما نهى الله عنه كبيرة(1). (1/273)
عن ابن سيرين عن عبيدة قال: كل ما عصي الله به فهو كبيرة وقد ذكر الطرفة فقال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) . (1/273)
عن ابن طاوس عن أبيه قال: قيل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب(2). (1/273)
__________
(1) إما أن ابن عباس يفرق بين الصغائر والكبائر والقول الآخرعنه لا يثبت أو أنه لا يفرق بينها والقول بالتفريق لا يثبت عنه، وإما أنه يفرق ولكنه مع ذلك يستعظم كل الذنوب لأنه ينظر إلى عظمة من يُعصى وهو الله الكبير المتعال.
(2) قال البيهقي: فيحتمل أن يكون هذا في تعظيم حرمات الله والترهيب عن ارتكابها فأما الفرق بين الصغائر والكبائر فلا بد منه في أحكام الدنيا والآخرة على ما جاء به الكتاب والسنة.(1/47)
عن أبي مجلز لاحق بن حميد(1) قال في قوله (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم) قال: هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل. (1/277)
عن الأصمعي قال: جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن أبي؟؟ العلاء فقال له: يا أبا عمرو الله يخلف وعده؟ قال: لن يخلف الله وعده؛ قال عمرو فقد قال!! قال: أين؟ فذكر آية وعيد لم يحفظها عمرو فقال أبو عمرو: من العجمة أتيت، الوعد غير الإيعاد ثم أنشد أبو عمرو:
وإني وإن أوعدته أو وعدته
سأخلف إيعادي وأنجز موعدي (1/278)
عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه: كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة حتى أتيت جابر بن عبد الله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها في ذكر خلود أهل النار فيها فقال لي: يا طلق أنت أعلم بكتاب الله مني وأعلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم مني، إن الذي قرأت لهم أهلها، ولكن هؤلاء أصابوا ذنوباً فعذبوا ثم أخرجوا منها ونحن نقرأ كما قرأت. (1/294)
عن رجاء بن حيوة قال: سئل جابر بن عبد الله: هل كنتم تسمون من الذنوب كفراً أو شركاً أو نفاقاً؟ قال: معاذ الله ولكنا نقول: مؤمنين، مذنبين. (1/295)
عن خشيش أبي محرز قال: سمعت أبا عمران الجوني يقول: هبك تنجو، بعد كم تنجو؟!. (1/295)
فصل في القصاص من المظالم
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان حزم بن أبي حزم يقول: اللهم من ظلمناه بمظلمة فأثبه من مظلمتنا خيراً واغفرها لنا، ومن ظلمنا بمظلمة فأثبنا من مظلمته [خيراً] واغفرها له. (1/306)
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني رجل من عبد القيس من أهل البصرة قال: كانت رابعة العابدة تقول: اللهم وهبت من ظلمني فاستوهبني ممن ظلمت. (1/306)
فصل في كيفية انتهاء الحياة الأولى وابتداء الحياة الأخرى وصفة يوم القيامة
__________
(1) وهو من كبار التابعين.(1/48)
عن سفيان الثوري انه قال في تفسير هذه الآية [يعني : كل شيء هالك إلا وجهه]: كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه(1). (1/311)
عن وهب بن منبه أنه قرأ هذه الآية [يعني: فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة] وهو يومئذ ببيت المقدس فقال: ها هنا الساهرة، يعني بيت المقدس. (1/316)
عن ابن عباس قال: الساهرة الأرض. (1/316)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في قوله (وفداً)(2): ركباناً؛ وفي قوله (ورداً): عطاشاً. (1/317)
عن النعمان بن سعد عن علي أنه قال في هذه الآية: أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ولا يساقون سوقاً ولكنهم يؤتون بنوق لم تر الخلائق مثلها عليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة. (1/317)
عن ابن عباس أنه قال: [أي في قول الله عز وجل: فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون]: هذا في النفخة الأولى ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون؛ ثم إذا نفخ فيه النفخة الأخرى قاموا فأقبل بعضهم علي بعض يتساءلون. (1/320-321)
عن ابن عباس أنه قال في قوله عز وجل (ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً) يقول: عطاشاً. (1/321)
التاسع من شعب الإيمان
وهو باب في أن دار المؤمنين ومأواهم الجنة ودار الكافرين ومآبهم النار
عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الصراط في سواء جهنم، مدحضة من له خطأ، كحد السيف المرهف. (1/333)
عن سعيد بن أبي هلال أنه قال: بلغنا أن الصراط يوم القيامة وهو الجسر يكون على بعض الناس أدق من الشعر وعلى بعضهم مثل الدار والوادي الواسع. (1/333)
عن عبد الله بن رواحة أنه بكى وبكت امرأته لبكائه وقال: إني أعلم أني وارد النار ولا أدري أناج منها أم لا. (1/335)
__________
(1) هذا التفسير إن ثبت عن سفيان فهو خلاف المشهور.
(2) يعني في قول الله عز وجل: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً).(1/49)
عن أبي الأحوص عن عبد الله: (وإن منكم إلا واردها) قال: الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطائفة الأولى كالبرق والثانية كالريح والثالثة كأجود الخيل والرابعة كأجود الإبل والبهائم يمرون والملائكة يقولون رب سلم سلم. (1/335-336)
فصل في فداء المؤمن
عن يحيى بن آدم قال: قال سفيان بن عيينة: لما نزلت هذه الآية (ورحمتي وسعت كل شيء) مد ابليس عنقه فقال: أنا من الشيء فنزلت (فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذين هم بآياتنا يؤمنون) [الأعراف] قال: فمد اليهود والنصارى أعناقها فقالوا: نحن نؤمن بالتوراة والإنجيل ونؤدي الزكاة قال: فاختلسها الله من إبليس واليهود والنصاري فجعلها لهذه الأمة خاصة فقال: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) الآية. (1/343)
فصل في أصحاب الأعراف
عن ابن عباس أنه قال: الأعراف هو الشيء المشرف. (1/344)
عن حذيفة بن اليمان أنه قال: أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال لهم: قوموا فادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم. (1/344)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم) قال: يعرفون أهل النار بسواد الوجوه وأهل الجنة ببياض الوجوه، قال: والأعراف هو السور بين الجنة والنار، وقوله (لم يدخلوها وهم يطمعون) قال: هم رجال كانت لهم ذنوب عظام وكان جسيم أمرهم لله عز وجل، يقومون على الأعراف فإذا نظروا إلى الجنة طمعوا أن يدخلوها وإذا نظروا إلى النار تعوذوا بالله منها، فأدخلهم الله الجنة، فذلك قوله (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) يعني أصحاب الأعراف (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) . (1/344)(1/50)
عن جبير قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: سبحاك ما أغفل هذا الخلق عما أمامهم! الخائف منهم مقصر والراجي منهم متوان. (1/351)
عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: تنادى النار يوم القيامة بأربعة: يا نار خذي، يا نار أنضجي، يا نار انتفي، يا نار كلي ولا تقتلي(1). (1/351)
عن أبي عمر الزاهد أخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء [في قول الله عز وجل: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب] قال: يقال: أبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذا مكانه وبدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتماً؛ قال ثعلب: وحقيقة بدلت إذا غيرت الصورة إلى صورة غيرها والجوهرة بعينها أبدلت إذا نحيت الجوهرة وجعلت مكانها جوهرة أخرى؛ قال أبو عمر: فعرضت هذا الكلام على محمد بن يزيد المبرد فاستحسنه وقال لي: قد بقيت فيه فاصلة أخرى، قلت: وما هي أعزك الله؟ قال: هي أن العرب قد جعلت بدلت بمعنى أبدلت وهو قول الله عز وجل (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) [الفرقان] ألا ترى أنه تعالى قد أزال السيئات وجعل مكانها الحسنات؟ وأما ما شرط أحمد بن يحيى - وهو ثعلب - وهو بمعنى قوله عز وجل (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها) قال: فهذه في الجوهرة وتبديلها تغيير صورتها إلى غيرها لأنها كانت ناعمة فاسودت بالعذاب فردت صورة جلودهم الأولى لما نضجت تلك الصورة، والجوهرة واحدة والصور مختلفة. (1/352)
عن الحسن البصري أنه قال في هذه الآية: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة، كلما أكلتهم قيل لهم: عودوا، فيعودون كما كانوا. (1/352)
فصل في عذاب القبر
قال مجاهد - يعني بقوله يعرضون عليها غدواً وعشياً(2): ما كانت الدنيا. (1/355)
وقال قتادة: يقال لهم: يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخاً وصغاراً ونقمة. (1/355)
__________
(1) سيأتي بأطول منه برقم (289).
(2) من قوله تعالى: وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة الآية.(1/51)
قال [الله تعالى] في المنافقين: (سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم)؛ قال قتادة: عذاب في القبر وعذاب في النار. (1/355)
وقال [تعالى] فيمن أعرض عن ذكر الله: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى)؛ عن ابن مسعود وابن عباس من قولهما أن ذلك في عذاب القبر. (1/355)
عن عطاء في قوله (إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) قال: ضعف الممات عذاب القبر. (1/355)
عن ابن عباس في قوله: (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك) قال: عذاب يوم القيامة . (1/355)
عن زر عن علي قال: ما زلنا في شك من عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر. (1/360)
عن ميمون بن ميسرة قال: كانت لأبي هريرة صرختان في كل يوم غدوة وعشية، كان يقول في أول النهار: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار فلا يسمع صوته أحد إلا استعاذ بالله من النار، فإذا كان العشي قال: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار فلا يسمع صوته أحد إلا استعاذ بالله من النار. (1/360)
عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: ينادي القبر كل يوم: أنا بيت الغربة وبيت الدود والوحشة وأنا حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة؛ وقال: تنادى النار يوم القيامة: يا نار أنضجي يا نار أحرقي يا نار كلي ولا تقتلي؛ وقال: إن المؤمن إذا وضع في لحده كلمته الأرض من تحته فقالت: والله لقد كنت أحبك وأنت على ظهري فكيف وقد صرت في بطني فإذ وليتك فستعلم ما أصنع فتتسع له مد بصره؛ وإذا وضع الكافر قالت: والله لقد كنت أبغضك وأنت تمشي على ظهري فإذ وليتك فستعلم ما أصنع فتضمه ضمة فتختلف منها أضلاعه. (1/360-361)
عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: إذا استنفقت حياة المؤمن جاء ملك الموت فقال: السلام عليك يا ولي الله إن الله يقرأ عليك السلام قال ثم قرأ هذه الآية (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون) . (1/361)(1/52)
عن مهرجان العابد قال: سئل عبدالله بن المبارك عن قول الله عز وجل (تحيتهم يوم يلقونه سلام) فحدثنا عن محمد بن مالك عن البراء بن عازب قال: يوم يلقون ملك الموت، ليس من مؤمن تقبض نفسه إلا سلم عليه. (1/361)
العاشر من شعب الإيمان
وهو باب في محبة الله عز وجل
عن أبي عبد الله بن خفيف قال: دخل البصري على أبي عباس بن سريج فقال: له ابن سريج: أين تعرف في نص الكتاب أن محبة الله فرض؟ فقال: لا أدري ولكن يقول القاضي؛ فقال له: قوله عز وجل: (قل إن آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم) إلى قوله (أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا) والوعيد لا يكون إلا على ترك فرض. (1/365)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: والله لا تبلغوا ذروة هذا الأمر حتى لا يكون شيء أحب إليكم من الله عز وجل؛ ومن أحب القرآن فقد أحب الله عز وجل. (1/365)
عن حريز بن عثمان عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه قال: حبك الشيء يعمي ويصم(1). (1/368)
__________
(1) قال الحليمي رحمه الله فقد يفهم من هذا أن من أحب الله تعالى لم يعد المصائب التي يقضيها عليه إساءة منه إليه ولم يستثقل وظائف عبادته وتكاليفه المكتوبة عليه كما أن من أحب أحداً من جنسه لم يكد يبصر منه إلا ما يستحسنه ويزيده إعجاباً به ولا يصدق من خبر المخبرين عنه إلا ما يتخذه سببا للولوع به والغلو في محبته؛ قلت: هذا كلام طيب لا بأس به ولكن مما ينبغي أن يعلم أن الايمان بعدالة الله تعالى وبأن كل الذي يفعله فهو حق وحكمة وبأنه ينبغي أن يقابل فعله بالشكر والرضا والتسليم، إنما هو إيمان واجب وعقيدة لازمة غير متوقفة على محبة الله تعالى وإن كانت المحبة في نفسها واجبة أيضاً وهي مقتضية لذلك كما ذكره الحليمي.(1/53)
عن ابن لهيعة حدثنا عبد الحميد بن عبد الله بن إبراهيم القرشي عن أبيه قال: لما نزل بالعباس بن عبد المطلب الموت قال لابنه: يا عبد الله إني موصيك بحب الله عز وجل وحب طاعته وخوف الله وخوف معصيته فإنك إذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك وإني أستوصيك الله يا بني ثم اسقبل القبلة فقال: لا إله إلا الله ثم شخص بصره فمات. (1/368-369)
عن مالك بن دينار قال: بلغنا أن داود نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: اللهم اجعل حبك أحب إلى من سمعي وبصري ومن الماء البارد. (1/369)
عن مالك قال: أوحى الله عز وجل إلى بني إسرائيل: إني لا أقبل قولكم ولكن أقبل همكم وهواكم؛ من كان همه وهواه في محبتي كان صمته عندي تقديساً وتسبيحاً ووقاراً. (1/369)
عن محمد بن سعيد الخوارزمي قال: سمعت ذا النون المصري وسئل عن المحبة قال: أن تحب ما أحب الله وتبغض ما أبغض الله وتفعل الخير لله وترفض كل ما يشغل عن الله وأن لا تخاف في الله لومة لائم مع العطف للمؤمنين [و]الغلظة على الكافرين واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين. (1/369)
سئل أبو يزيد عن علامة من يحب الله وعلامة من يحبه الله قال: من يحب الله فهو مشغول بعبادته ساجداً وراكعاً، فإن عجز عن ذلك استروح إلى ذكر اللسان والثناء، وإن عجز استروح إلى ذكر القلب والتفكير؛ فأما من يحبه الله أعطاه سخاوة كسخاوة البحر وشفقة كشفقة الشمس وتواضعاً كتواضع الأرض. (1/369)(1/54)
عن الحسن بن علوية قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: المحبة لا تصح إلا من جهة المحبوب وليس من أحبه كمن يحبه(1). (1/369-370)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: علامة حب الله حب طاعة الله. (1/370)
عن إبراهيم بن علي المريدي(2) قال: من المحال أن تعرفه ثم لا تحبه ومن المحال أن تحبه ثم لا تذكره ومن المحال أن تذكره ثم لا يوجدك طعم ذكره ومن المحال أن يوجدك طعم ذكره ثم لا يشغلك به عما سواه. (1/370)
عن سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: من علامة الحب ترك كل ما شغله عن الله حتى يكون الشغل كله بالله عز وجل وحده. (1/370)
عن يحيى بن معاذ قال: حقيقة المحبة ألا ترى شيئاً سوى محبوبك ولا ترى سواه لك ناصراً ولا معيناً ولا تستغني بغيره عنه(3). (1/370)
__________
(1) أي ليس من أحب الله كمن يحبه الله فمحبة الله للعبد هي المطلوبة وهي سبب الفوز والنجاة، وأما محبة العبد لربه فإن كانت شرعية فما أحسنها وأنفعها، وهي إن شاء الله تعالى سبب لمحبة الله لذلك العبد، وإما إن كانت محبة بدعية أو زنديقية فالعياذ بالله تعالى من حال أهلها؛ وقد قال ابن رجب في (التخويف من النار) ص17: وكان بعض السلف يقول: من عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو موحد مؤمن؛ وسبب هذا أنه يجب على المؤمن أن يعبد الله بهذه الوجوه الثلاثة المحبة والخوف والرجاء ولا بد له من جميعها، ومن أخل ببعضها فقد أخل ببعض واجبات الإيمان.
(2) بينه وبين المؤلف راويان.
(3) وهذه كلمة أخرى ليحيى بن معاذ الرازي في المحبة فقد قال كما في (التخويف من النار) ص17: حسبك من الخوف ما يمنع من الذنوب ولا حسب من الحب أبداً.(1/55)
عن أبي سعيد الخراز قال: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان): هل جزاء من انقطع عن نفسه إلا التعلق بربه؟ وهل جزاء من انقطع عن أنس المخلوقين إلا الانس برب العالمين؟ وهل جزاء من صبر علينا إلا الوصول إلينا؟ ومن وصل إلينا هل يجمل به أن يختار علينا؟ وهل جزاء التعب في الدنيا والنصب فيها إلا الراحة في الآخرة؟ وهل جزاء من صبر على البلوى إلا التقرب إلى المولى؟ وهل جزاء من سلّم قلبه إلينا أن نجعل توليته إلى غيرنا؟ وهل جزاء من بعد عن الخلق إلا التقرب إلى الحق؟. (1/370-371)
عن الفيض بن إسحاق أخبرني عبد الله بن أبي عيسى قال: كان رجل من أهل البصرة يقال له ضيغم تعبد قائماً حتى أقعد ثم تعبد قاعداً حتى استلقى ثم تعبد وهو مستلقي حتى أفحم، فلما أجهد قال: اجلسوني فرفع بصره إلى السماء فقال: سبحانك، عجباً للخليقة كيف أنست بأحد سواك. (1/371)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا جذيمة وهب بن أبي حافظ الليثي قال: قال راهب من الرهبان: إذا استقرت المحبة في القلب ذهل عن الأهل والولد. (1/371)
وعنه قال: سمعت مضاء بن عيسى يقول: حب الله يلهمك العمل له بلا دليل يلجئك إليه. (1/371)
عن الفضيل بن عياض: قال حكيم من الحكماء: إني لاستحي من ربي أن أعبده رجاء للجنة فقط فأكون مثل أجير السوء إن أعطي عمل وإن لم يعط لم يعمل، ولكن حبه يستخرج منى ما لا يستخرجه غيره. (1/372)
عن حكيم بن جعفر قال: قال ضيغم الحلاب: إن حبه شغل قلوب مريديه عن التلذذ بمحب غيره، فليس لهم في الدنيا مع حبه لذة ولا يأملون في الآخر من كرامته [من] الثواب أكثر عندهم من النظر إلى وجهه الكريم. (1/372)
عن عبد الله بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: كم بين من يريد الوليمة للوليمة وبين من يريد حضور الوليمة ليلتقي الحبيب في الوليمة. (1/373)(1/56)
عن جامع بن أحمد الخزاف قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: العارفون رجلان: رجل مسرور بأنه عبده، ورجل مسرور بأنه عرفه، فالأول يفرح بالله من نفسه لنفسه، والآخر يفرح بالله من الله لله، وقال: هذا سرور الخبر فكيف سرور النظر. (1/373)
عن أبي عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام المحبة: الرضا في المكروه، وحسن الظن به في المجهود، والتحسين لاختياره في المحذور؛ وثلاثة من أعلام المعرفة: الإقبال الى الله، والإنقطاع إلى الله، والافتخار بالله عز وجل؛ وثلاثة من أعلام الإلحاظ [كذا] بالله: الهرب من كل شيء إليه وسؤال كل شيء منه والدلالة في كل وقت عليه. (1/374)
عن فارس قال: [سمعت] ذا النون يقول: إن لله عباداً لهم همم مكتوبة من لباب المعرفة، قد سقوا بكأس المحبة شربة فهاموا على وجوههم إقبالاً على ربهم فسلكوا الطريق المستقيم وسارعوا إلى رضوان الله. (1/374)
عن أبي علي الحسن بن علوية قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي وقد سئل: أي مجلس أشهى وألذ؟ قال: الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد تشم من رائحة المعرفة وتسقى من كأس المحبة؛ سبحان الله ما ألذه من مجلس وأعذبه من شراب! قيل: فأي الطعام أشهى؟ قال: لقمة من ذكر الله في فم الصبر بتوحيد الله رفعها من مائدة الرضا عن الله عز وجل عند النظر لكرامة الله؛ قيل: فما عيد المؤمن؟ قال: السرور بالإيمان والنزهة بالقرآن، قال الله عز وجل: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون). (1/374-375)
عن سري السقطي قال: السرور بالله هو السرور والسرور بغيره هو الغرور. (1/375)
عن محمد بن الحسين حدثني أوس الأعور قال رأيت ريحانة المجنونة ليلة تدعو وتقول في دعائها أعوذ بك من بدن لا ينصب بين يديك، وعميت عينان لا تبكيان شوقاً إليك، وجفت كفان لا يبتهلان بالتضرع إليك؛ ثم أنشأت تقول:
يا حبيب القلوب أنت حبيبي
لم تزل أنت منيتي وسروري (1/375)(1/57)
عن ذي النون المصري قال: الأنس بالله نور ساطع والأنس بالناس غم واقع(1). (1/375)
عن ذي النون قال: ثلاثة من أعلام الأنس بالله: استلذاذ الخلوة، والاستيحاش من الصحبة، واستحلاء الوحدة؛ وثلاثة من علامات الوصول(2): الأنس به في جميع الأحوال، والسكون إليه في جميع الأعمال، وحب الموت لغلبة الشوق في جميع الأشغال؛ قال: وثلاثة من أعلام الشوق: حب الموت مع الراحة وبغض الحياة مع الدعة ودوام الحزن مع الكفاية. (1/376)
عن أبي جعفر الحداد قال: سمعت علي بن سهل يقول: الأنس بالله أن تستوحش من الخلق إلا من أهل ولاية الله فإن الأنس بأهل ولاية الله هو الأنس بالله. (1/376)
عن شاه ]بن شجاع الكرماني] قال: علامة الأنس الاستيحاش من الغافلين والسكون إلى الوحدة ومرافقة الأحبة. (1/376)
عن أبي عثمان [الحيري] قال: إذا صح للإنسان مكان السرور بالله يتولد له من ذلك مقام الأنس به فإذا صح أنسه به استوحش من كل شيء سواه. (1/377)
عن الفضيل قال: طوبي لمن استوحش من الناس وأنس بربه وبكي على خطيئته. (1/377)
عن الفضل بن عياض قال: كفى بالله محباً وبالقرآن مونساً وبالموت واعظاً وكفى بخشية الله علماً و[بـ]الاغترار بالله جهلاً. (1/377)
عن إبراهيم بن أحمد الخواص قال: لا تطمع في لين القلب مع فضول الكلام، ولا تطمع في حب الله مع حب المال والشرف، ولا تطمع في الأنس بالله مع الأنس بالمخلوقين. (1/377)
عن بشر قال: كان إبراهيم بن أدهم يؤدب نفسه حتى يكون ترك الطيبات ألذ عنده من أكلها؛ وقال بشر: أوحى الله عز وجل إلى داود: يا داود خلقت الشهوات واللذات لضعفة عبادي فأما الأبطال فما لهم وللشهوات واللذات؟! يا داود فلا تعلقن(3) قلبك منها بشيء فأدنى ما أعاقبك به أن أنسخ حلاوة حبي من قلبك. (1/378)
__________
(1) وفي رواية أخرى عنه: (سم قاطع).
(2) هذه الكلمة من مصطلحاتهم المبتدعة.
(3) كانت (تعقلن).(1/58)
عن علي بن سهل بن الأزهر قال: الغافلون يعيشون في حلم الله والذاكرون يعيشون في رحمة الله والعارفون يعيشون في لطف الله والصادقون يعيشون في قرب الله والمحبون يعيشون في الأنس بالله والشوق إليه. (1/378)
عن محفوظ قال: سمعت أبا حفص يقول: صدق حب الله أن تخاف سره فيك في غيب الأزل على ما جبلك وفطرك وفي أي ديوان كتب اسمك(1). (1/379)
عن أبي علي الجوزجاني قال: ثلاثة أشياء من عقد التوحيد: الخوف والرجاء والمحبة؛ فزيادة الخوف من كثرة الذنوب لرؤية الوعيد، وزيادة الرجاء من اكتساب الخير لرؤية الوعد(2)، وزيادة المحبة من كثرة الذكر لرؤية المنة؛ فالخائف لا يستريح من الهرب، والراجي لا يستريح من الطلب، والمحب لا يستريح من ذكر المحبوب، فالخوف نار منور [كذا]، والرجاء نور منور، والمحبة نور الأنوار. (1/380)
عن محمد بن جعفر الأشناني قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول وأنا أواكله على المائدة: إن فضلك(3) ببره فرغك لذكره، وإن فرغك لذكره من عليك بحبه، وإن من عليك بحبه ناجاك بقربه. (1/380-381)
عن أبي الحسين الوراق قال: المحبة شعبة من الإيمان بالله، وهو أصل لجميع مراتب الألباء والأصفياء؛ وقال: تتشعب شعب المحبة من دوام ذكر إحسان الله، فمن ذكر على الدوام إحسان الله إليه تنسم ريح المحبة عن قربه. (1/381)
عن ابن العطاء قال: كيف لا تحب واجدك وما انفككت من تواتر نعمته قط ولا تنفك أبدا ولكن ضعف اليقين أو كدورة المعرفة ونقص الإيمان حجبك عن محبته والميل إليه. (1/381)
عن أبي سعيد الخراز قال: واعجباً ممن لم ير محسناً غير الله فكيف لا يميل بكليته إليه؟!. (1/381)
سئل أبو الحسين بن مالك الصوفي: ما علامة المحبة؟ قال: ترك ما تحب لمن تحب. (1/381)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت بشر بن السري يقول: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك. (1/382)
__________
(1) هذا على ما يظهر صدق الخوف لا صدق الحب والله أعلم.
(2) كانت (الوعيد).
(3) كانت (فطنك).(1/59)
عن أبي عبد الله النباجي قال: سأل رجل فضيل بن عياض: متى يبلغ رجل غاية محبة الله؟ قال: إذا كان عطاؤه إياك ومنعه سواء. (1/382)
عن شاه [بن شجاع الكرماني] قال: علامة المحبة ثلاث: الرضا عنه في المكروه، وحسن الظن به في المجهود، والتحسين لاختياره في المحذور. (1/382)
عن عبد الواحد بن زيد قال: ما أحسب أن شيئاً من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا ولا أعلم درجة أشرف ولا أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة. (1/382)
عن شعيب بن واقد قال حدثني رجل من القراء قال: رأيت عتبة الغلام ذات ليلة فما زال ليلته تلك حتى أصبح يقول: إن تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فأنا لك [محب](1). (1/383)
عن يحيى بن معاذ قال: حقيقة المحبة التي لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفوة. (1/383)
عن الجنيد قال: سمعت الحارث المحاسبي وسئل عن المحبة فقال: ميلك إلى الشيء بكليتك محبةً له، ثم إيثارك له على نفسك ومالك، ثم موافقتك له سراً وجهراً(2) ثم علمك بتقصيرك في حبه. (1/383)
عن الجنيد قال: قوام المحبة موافقة المحبوب في البهج والغضب؛ قال: وسئل رويحة عن المحبة فقال: موافقة الحبيب في جميع الأحوال وأنشد:
ولو قلتَ متْ متُّ سمعاً وطاعة
وقلت لداعي الموت أهلاً ومرحبا (1/383)
عن عبد الله بن يوسف الأصبهاني قال: سئل أبو الحسن البوشنجي رحمه الله عن الحب فقال: بذل المجهود مع معرفتك بالمحبوب والمحبوب مع بذلك مجهودك يفعل ما يشاء. (1/383)
__________
(1) ورد في صفة الصفوة (3/371) عن سليم الحنيف قال: رمقت عتبة ذات ليلة بساحل البحر فما زاد ليلته تلك حتى أصبح على هذه الكلمات وهو قائم يقول: إن تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فإني لك محب، فلم يزل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر.
(2) كانت (شراً وجهراً) ويحتمل على بعد أن يكون صواب العبارة (شراً وخيراً).(1/60)
عن الأصمعي قال: قال أعرابي ]لآخر] ورآه على معصية قال: ويحك ما تحب الله! قال: وهل رأيت محباً إلا وهو يتوخى سرور من أحبه(1)؛ وإن من خاف أن يسئل عن الشكر طاب نفساً عن النعم. (1/383)
عن سعيد بن عثمان بن عياش قال: سمعت ذا النون يقول وقد قيل له: متى يأنس العبد بربه؟ قال: إذا خافه أنس به؛ أما علمتم أنه من واصل الذنوب نحي عن باب المحبوب. (1/384)
عن سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: ما رجع [من رجع](2) إلا من الطريق، ولو وصلوا إليه ما رجعوا، فازهد في الدنيا ترى العجب. (1/384)
عن ذي النون المصري قال: وجدت صخرة ببيت المقدس عليها أسطر مكتوبة فجئت بمن ترجمها فإذا عليها مكتوب: كل عاص مستوحش وكل مطيع مستأنس وكل خائف هارب وكل راج طالب وكل قانع غني وكل محب ذليل ففكرت في هذه الأحرف فإذا هي أصول كلها استعبد الله عز وجل بها الخلق. (1/384)
عن أبي الحريش أحمد بن عيسى الكلابي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله ينشد:
إن المليك قد اصطفى خداما
متوددين مواطئين كراما
رزقوا المحبة والخشوع لربهم
فترى دموعهم تسح سجاما
يحيون ليلهم بطول صلاتهم
لا يسأمون إذا الخلي ناما
قوم إذا رقد العيون رأيتهم
صفوا لشدة خوفه أقداما
وتخالهم موتى لطول سجودهم
يخشون من نار الإله غراما
شغفوا بحب الله طول حياتهم
فتجنبوا لوداده آثاما
(1/385)
عن الجنيد بن محمد قال: رفع إلي سري مرة رقعة فقال لي: احفظ هذه الرقعة فإذا فيها مكتوب:
ولما شكوت الحب قال كذبتني
فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا
فما الحب حتى يلصق الجلد بالحشا
وتذبل حتى لا تجيب المناديا
وتنحل حتى لا يبقي لك الهوى
سوى مقلة تبكي بها أو تناجيا
(1/385)
__________
(1) بفعل ما يرضيه وترك ما يغضبه.
(2) يصح حذف هذه الزيادة والاكتفاء بالأصل على أن يجعل الفعل (رجع) مبنياً للمجهول.(1/61)
عن إبراهيم بن مسلم المزني قال: قال الحسن بن محمد ابن الحنفية: من أحب حبيباً لم يبغضه ثم قال(1):
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
عار عليك إذا فعلت شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن أحب مطيع
وقال أيضاً:
ما ضر من كانت الفردوس منزله
ما كان في العيش من بؤس وإقتار
تراه يمشي حزيناً خائفاً شعثاً
إلى المساجد يسعى بين أطمار(2)
(1/385-386)
عن أبي دجانة قال: كانت رابعة إذا غلب عليها الحب تقول:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لمن أحب مطيع
(1/386)
عن محمد بن هارون الفقيه قال: سمعت السختياني يقول ويتمثل بقول إسماعيل بن القاسم أبي العتاهية:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك خالصاً لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
(1/386)
عن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الجرجاني الواعظ قال: أنشدنا العبد الصالح أبو عمر بن سعيد الجرجاني لنفسه:
وحبان في قلبي محال كلاهما(3)
محبة فردوس ودار غرور
ومن يرج مولاه ويرجو جواره
يسابق في الخيرات غير فتور
__________
(1) البيتان التاليان نسبهما الجاحظ في المحاسن والأضداد ص104 إلى ذي الرمة؛ وينسبان أيضاً إلى النابغة الذبياني.
(2) روى الآجري في كتاب (الغرباء) ص67-68: عن محمد بن خلاد الباهلي قال: حدثني مؤذن بلهجيم قال: نزل سفيان الثوري رحمه الله عندنا في مسكننا فكان يجلس معنا ونحن لا نعرفه نظن أنه أعرابي وكان يصغي إلى حديثنا فإذا صرنا إلى حديثه سمعنا كلاماً حسناً يذكرنا الجنة ويخوفنا النار فإذا طردته الشمس حل حبوته وأنشأ يقول:
ما ضر من كان في الفردوس مسكنه*ما مسه قبل من ضر وإقتار
تراه في الناس يمشي خائفاً وجلا***إلى المساجد هوناً بين أطمار
تفنى اللذات ممن نال صفوتها** *من الحياة ويبقى الخزي والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها*****لا خير في لذة من بعدها النار
(3) يعني اجتماعهما في القلب.(1/62)
وهل(1) صادق من يدعي حب ربه
وأمسى عن اللذات غير صبور
أو يسلو(2)عن الدنيا وعن كل شهوة
وعن كل ما يودي بوصل سرور
(1/386)
عن سلام بن مسكين قال: دخل السجن مالك بن المنذر بن الجارود فإذا فيه الفرزدق فقال: أما آن لك أن تقصرمن قذف المحصنات؟ فقال: والله لله أحب إلي من عيني التي أبصر بهما أفتراه يعذبني (1/386-387)
سئل سمنون عن المحبة فقال: صفاء الود مع دوام الذكر. (1/388)
عن مالك بن دينار قال: علامة حب الله دوام ذكره لأن من أحب شيئاً أكثر ذكره. (1/388)
قال الحليمي رحمه الله وقال بعضهم الحب اللزوم لأن من أحب شيئاً ألزم ذكره قلبه فمحبة الله تعالى لزوم لذكره قال الحليمي رحمه الله وهذا الذي فسره هذا القائل به المحبة من أنه اللزوم موافق لقول أهل اللسان لأنهم يقولون: أحب الجمل إذا برك فلزم مكانه. (1/388)
عن السري بن المغلس قال: قرأت في بعض كلام الحكماء: أبعد الناس من الملال والضجر من لم يفارق قلبه ذكر الله عز وجل، وحسبك من صدق العبد دوام ذكر الله عز وجل عنده. (1/388-389)
عن العباس بن حمزة قال: سمعت ذا النون المصري يقول: إن العارف استغنى بربه فمن أغنى منه؟! فلذته ذكره، وإناخته بفنائه، وإستئناسه به؛ قال: وسمعت ذا النون يقول: من عرف ربه وجد طعم العبودية ولذة الذكر والطاعة، فهو مع الخلق ببدنه وقد باينهم بالهموم والخطرات. (1/389 و457)
فصل في إدامة ذكر الله عز وجل
عن ربيعة قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل. (1/396)
عن عون عن أبيه قال: قال عبد الله، وهو ابن مسعود رضي الله عنه: إن الجبل ينادي الجبل باسمه يا فلان هل مر بك اليوم لله ذاكر؟! استبشاراً بذكر الله. (1/401-402)
__________
(1) كانت (ومن).
(2) كانت (أو يسألوا).(1/63)
عن عون قال: قال عبد الله: إن الجبل لينادي الجبل باسمه: يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر؟ فإن قال: نعم، استبشر؛ ثم قال عبد الله: (لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) يسمعون الزور ولا يسمعون الخير(1)؟!. (1/402)
عن عمرو بن قيس عن الحسن قال: من ذكر الله في السوق كان له من الأجر بعدد كل فصيح فيها وأعجمي(2). (1/412)
عن الأجلح عن ابن أبي الهذيل قال: إن الله عز وجل يحب أن يذكر في الأسواق وذلك لكثرة لغطهم ولغفلتهم؛ وإني لآتي السوق وما لي فيه حاجة إلا أن أذكر الله تعالى. (1/412-413)
عن منصور عن مالك بن الحارث قال: يقول الله تبارك وتعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. (1/414)
عن يعقوب بن سفيان حدثنا الحسين بن الحسن المروزي وكان جاور بمكة حتى مات قال: سألت سفيان بن عيينة عن تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير" وإنما هو ذكر ليس فيه دعاء؟! قال سفيان: سمعت حديث منصور عن مالك بن الحارث؟ قلت: نعم، قال: ذاك تفسير هذا، ثم قال: أتدري ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب نائله ومعروفة؟ قلت: لا، قال: لما أتاه قال:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حياؤك(3) إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً
كفاه من تعرضك الثناء
قال سفيان: فهذا مخلوق حين ينسب إلى الجود قيل: يكفينا من تعرضك الثناء عليك حتى تأتي على حاجتنا فكيف بالخالق؟!. (1/414)
عن كعب قال: من أكثر ذكر الله برىء من النفاق. (1/415)
عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال: (إن إبراهيم لأواه) قال: الأواه الدعاء. (1/418)
__________
(1) استفهام استنكاري.
(2) قال بعضهم: الفصيح الإنسان والأعجم البهيمة؛ وقال غيره: كل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم مستعجم.
(3) كانت بالباء الموحدة في الموضعين.(1/64)
عن حماد عن ثابت البناني أن رجلاً أعتق أربع رقاب في الرحبة فقال رجل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم دخل المسجد فإذا حبيب السلمي وأصحابه فقال: ما تقولون في رجل أعتق أربع رقاب فقال آخر: اللهم إن هذا أعتق أربع رقاب وإني أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فأيهم أفضل؟ فنظروا هنية فقالوا: ما نعلم شيئاً أفضل من ذكر الله عز وجل. (1/434)
عن سالم بن أبي الجعد أن رجلاً قال لأبي الدرداء رضي الله عنه: إن أبا سعد بن منبه أعتق مئة محرر! قال: إن مئة محرر من مال رجل لكثير، وإن شئت أنبأتك بما هو أفضل من ذلك: إيمان ملزوم بالليل والنهار [و]لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى. (1/435)
عن سفيان بن سعيد عن أبي حيان عن أبيه قال: كان شيخ لنا إذا سمع السائل يقول: من يقرض قرضاً حسناً؟ قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؛ هذا القرض الحسن. (1/436)
عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: كان نابغة بني شيبان إذا أنشد الشعر قبض على لسانه ثم قال: لأسلطن عليك ما يسوءك [كذا]، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. (1/436)
عن ابن عائذ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بضرب رجلين جعل أحدهما يقول: بسم الله، والآخر يقول: سبحان الله، فقال: ويحك خفف عن المسبح فإن التسبيح لا يستقر إلا في قلب مؤمن. (1/437)
عن وائل قال: سمعت الحسن البصري يحدث قال: بينا رجل رأى في المنام أن منادياً ينادي من السماء: أيها الناس خذوا سلاح فزعكم فعمد الناس فأخذوا السلاح حتى أن الرجل ليجيء وما معه إلا عصا فنادى من السماء: ليس هذا سلاح فزعكم، فقال رجل من أهل الأرض: وما سلاح فزعنا؟! قال: لا إله إلا الله وسبحان الله والله أكبر والحمد لله. (1/437)(1/65)
عن إدريس بن أبي بكر ابن أخي جرير بن حازم قال: كنا نجالس البتي عثمان فلما مات رأيته في المنام قلت: كيف رأيت ما كنا فيه؟ قال: باطل كله، لم أجد خيراً من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. (1/437)
عن إبراهيم بن علي الذهلي قال: سمعت بعض مشايخنا يذكر أنه رأى الخليل بن أحمد في المنام فقال له: ما حالك؟ فقال: لم أجد شيئاً في الآخرة أنفع من قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. (1/437)
عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً. (1/440)
عن سفيان الثوري قال: دخلت على جعفر بن محمد وهو في مسجده فقال: ما جاء بك يا سفيان؟ قال: قلت: طلب العلم، قال: فقال يا سفيان: إذا ظهرت عليك نعمة فاتق الله وإذا أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله وإذا دهمك أمر من الأمور فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ ثم قال: يا سفيان ثلاثاً وأيما ثلاث. (1/441)
عن ليث عن منذر الثوري عن محمد بن علي قال: إذا قال أحدكم: أستغفر الله وأتوب إليه فإنه إن لم يفعل كان ذنباً وكان كذبة لكن ليقل: اللهم اغفر لي وتب علي. (1/442)
عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان فيكم أمانان فمضت إحداهما وبقيت الأخرى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)(1). (1/442)
__________
(1) قال المصنف: وروي مثل هذا عن أبي موسى الأشعري.(1/66)
عن رجاء بن حيوة أنه سمع قاصاً في مسجد منى يقول: يا أيها الناس ثلاث خلال لا يعذبكم الله ما عملتم بهن الشكر والدعاء والاستغفار ثم قال: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم)، وقال: (قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم) وقال: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)(1). (1/442-443)
عن معمر أبي سعيد القطان قال: سمعت الحسن البصري يقول: أكثروا الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأين ما كنتم فإنكم لا تدرون في أي وقت تنزل البركة. (1/443)
عن هلال بن يساف عن عبد الله قال: لأن أسبح تسبيحات أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله. (1/447)
عن عبد الملك بن أبي زيد قال: جلس عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود فقال عبد الله بن مسعود: لأن آخذ في طريق أقول فيه سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله؛ فقال عبد الله بن عمرو: ولأن آخذ في طريق فأقولهن أحب إلي من أن أحمل عددهن على الخيل في سبيل الله تعالى. (1/448)
عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال رجل لسلمان: أي الأعمال أفضل؟ قال: ذكر الله أكبر. (1/448)
__________
(1) قال ابن أبي شيبة في مصنفه 7/138: حدثنا حسين بن علي عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: قال سمعت الضحاك بن قيس يقول: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة فإن يونس كان عبداً صالحاً ذكر الله فلما وقع في بطن الحوت قال الله: فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)، وإن فرعون كان عبداً طاغياً ناسياً لذكر الله فلما أدركه الغرق قال: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين)! (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين).(1/67)
هارون بن عنترة عن أبيه قال: سمعت ابن عباس وسأله رجل: أي الأعمال أفضل؟ قال: ذكر الله أفضل فأعادها عليه ثلاث مرات، ثم أنشأ يحدث فقال: ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يدرسون كتاب الله يتعاطونه بينهم إلا كانوا أضياف الله وأظلت عليه الملائكة بأجنحتها ما داموا فيه حتى يخوضوا في حديث غيره وما سلك رجل في طريق يبتغي فيه العلم إلا سهل الله له به سبيلاً إلى الجنة ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه. (1/448)
عن هارون بن عنترة عن أبيه قال: سئل ابن عباس: أي العمل أفضل؟ قال: ذكر الله أكبر. (1/448)
عن فضيل بن مرزوق عن عطية (ولذكر الله أكبر) قال: هو قوله (فاذكروني أذكركم) فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. (1/449)
عن عبد الله بن ربيعة قال: سألني ابن عباس عن قول الله عز وجل (ولذكر الله أكبر) قلت: ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير، فقال: لا، ذكر الله أكبر من ذكركم إياه(1). (1/449)
عن يحيى بن سعيد عن سعيد قال: قال معاذ: لأن اذكر الله من بكرة إلى الليل أحب إلي من أحمل على جياد الخيل في سبيل الله من بكرة إلى الليل. (1/449)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما من مولود إلا على قلبه الوسواس فإن ذكر الله خنس وإن غفل وسوس وهو قوله عز وجل: (الوسواس الخناس). (1/450)
__________
(1) ورد في تفسير هذه الكلمة من قوله تعالى (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) أقوال أخرى: الأول: أن ذكر الله أكبر من غيره من الطاعات، والثاني أن ذكر الله الواقع في الصلاة أعظم نفعاً وأهم من نهيها عن الفحشاء والمنكر وهو المطلوب الأول، والثالث: أن ذكر الله عند المعصية أعظم نهياً عنها من الصلاة في نهيها عن المعاصي؛ وثم أقوال أخرى انظرها في تفسير القرطبي أو غيره من كتب التفسير.(1/68)
عن محمد بن كعب القرظي قال: قال موسى عليه السلام: يا رب أي خلقك أكرم عليك؟ قال: الذي لا يزال لسانه رطباً من ذكري؛ قال: يا رب أي خلقك أعلم؟ قال: الذي يلتمس إلى علمه علم غيره؛ قال: يارب فأي خلقك أعدل؟ قال: الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس، قال: يا رب فأي خلقك أعظم ذنباً؟ قال: الذي يتهمني، قال: يا رب وهل يتهمك أحد؟ قال: الذي يستخيرني ثم لا يرضي بقضائي. (1/451)
عن عبد الملك عن عطاء في قوله عز وجل: (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) قال: هذا الصبي يلهج: يا أبه يا أبه. (1/452)
عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال بلال بن سعد: الذكر ذكران: ذكرالله باللسان حسن جيمل، وذكر الله (عند ما أحل أو حرم)(1) أفضل. (1/452)
عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء أنها قالت: (ولذكر الله أكبر) وإن صليت فهو من ذكر الله وإن صمت فهو من ذكر الله وكل خير تعمله فهو من ذكر الله وكل شيء تجتنبه فهو من ذكر الله وأفضل من ذلك تسبيح الله عز وجل. (1/452)
عن سعيد بن منصور قال: سمعت فضيلاً يقول في قوله تعالى (فاذكروني أذكركم) قال: أذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي لكم. (1/453)
عن سالم بن أبي الجعد عن مسروق قال: ما دام قلب الرجل يذكر الله فهو في صلاة وإن كان في السوق. (1/453)
عن منصور عن هلال عن أبي عبيدة قال: ما دام قلب الرجل يذكر الله فهو في صلاة وإن تحرك اللسان والشفتان فذاك أعظم. (1/453)
عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال: إن الجبل لينادي الجبل أي فلان هل مر بك أحد ذكر الله عز وجل فإذا قال: نعم، استبشر؛ قال عون: فيسمعن الزور إذا قيل ولا يسمعن الخير؟! هن للخير أسمع، وقرأ: (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إداً تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولداً)(2). (1/453)
__________
(1) وفي رواية (عند الطاعة والمعصية).
(2) تقدم هذا الأثر ولكن هذا السياق أوضح.(1/69)
عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: تسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمن خير له من جبال الدنيا تجري معه ذهباً. (1/453)
عن معمر عن غير واحد عن الحسن قال: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ قال: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون؟ قال: فيقومون فيتخطون رقاب الناس، قال: ثم ينادي فيقول: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الذي كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ قال: فيقومون فيتخطون رقاب الناس، قال: ثم ينادي أيضاً فيقول: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الحمادون لله على كل حال؟ قال: فيقومون وهم كثير ثم تكون التبعة والحساب على من بقي. (1/454 وانظر 3/169-170)
عن قتادة عن أبي العالية عن سهيل بن حنظلة أنه قال: لقد ذكر لي أنه لا يجتمع قوم على ذكر الله إلا نودوا: قوموا مغفوراً لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات. (1/454)
عن لقمان بن عامر عن أبي مسلم الخولاني أن رجلاً أتاه قال له: أوصني يا أبا مسلم، قال: أذكر الله تحت كل شجرة وحجر، قال: زدني، فقال: اذكر الله حتى يحسبك الناس من ذكر الله مجنون؛ قال: فكان أبو مسلم يكثر ذكر الله فرآه رجل يذكر الله فقال: أمجنون صاحبكم هذا؟! فسمعه أبو مسلم فقال: ليس هذا بالجنون يا ابن أخي ولكن هذاء دواء الجنون. (1/455)
عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن من الناس مفاتيح ذكر الله إذا رؤوا ذكر الله. (1/455-456)
عن جعفر بن سليمان قال: سمعت ثابت البناني قال: بلغنا أن القوم يكونون في الحديث فيفتح الله الذكر على لسان بعضهم فيفيضون في ذكر الله فيكون في الذكر له مثل أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ويكون قوم في الذكر فيفتح الكلام على لسان بعضهم فيتركون الذكر فيفيضون في غيره فيكون عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. (1/456)(1/70)
عن شميط قال: جاءت امرأة إلى الحسن فقالت: يا أبا سعيد إني إذا أتيت الذكر رق قلبي وإذا تركته أنكرت نفسي! قال: اذهبي حيث يصلح قلبك. (1/456)
عن المعلى بن زياد أن رجلاً قال للحسن: يا أبا سعيد أشكو إليك قساوة قلبي، قال: أذبه(1) من الذكر(2). (1/456)
عن مالك بن دينار قال: ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل. (1/456)
عن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: يا من ذكره أعز علي من كل شيء لا تجعلني بين أعدائك أذل من كل شيء. (1/457 و508)
عن بكر بن عبد الرحمن قال: سمعت ذا النون يقول: إلهي أنا لا أصبر عن ذكرك في الدنيا فكيف أصبر عنك في الآخرة. (1/457)
عن سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: ويحك من ذكر الله على حقيقة ذكره نسي في جنب الله كل شيء؛ ومن نسي في جنب الله كل شيء حفظ الله عليه كل شيء وكان له عوضاً من كل شيء؛ قال: وسمعت ذا النون يقول: لا يزال العارف ما دام في الدنيا بين الفقر والفخر، فإذا ذكر الله افتخر وإذا ذكر نفسه افتقر؛ وزاد الزاهد [أحد رواته] في روايته ثم قال: بالله فخرنا وإلى الله فقرنا. (1/457)
عن أبي الضحى عن مسروق قال: إن الرجل لمحقوق أن يكون له ساعة يخلو فيها فيذكر ربه ويستغفر الله(3). (1/458)
عن زيد بن أسلم أن نبي الله موسى عليه السلام قال: يا رب قد أنعمت علي كثيراً فدلني أن أشكرك كثيراً، قال: اذكرني كثيراً فإذا ذكرتني كثيراً فقد شكرتني كثيراً وإذا نسيتني فقد كفرتني. (1/458)
عن محمد بن عبد الوهاب البلخي قال: ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن برك. (1/458)
عن مسعر عن ابن عون قال ذكر الناس داء وذكر الله دواء. (1/459)
__________
(1) كانت (أدبه).
(2) وفي رواية (بالذكر).
(3) عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال: إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها فيتذكر فيها ذنوبه فيستغفر منها. (1/473)(1/71)
عن عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن عيسى بن عمر عن عمر(1)بن مرة أن الربيع بن خثيم ذكر عنده رجل فقال: ذكر الله خير من ذكر الناس. (1/459)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن ذكر الله شفاء وإن ذكر الناس داء. (1/459)
عن يحيى بن معين حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن ماهان الحنفي قال: ما يستحي أحدكم أن تكون دابته التي يركبها وثوبه الذي يلبس أكثر ذكراً لله منه؟! قال: فكان لا يفتر من التسبيح والتهليل والتكبير. (1/459)
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: قلت لعمير بن هاني: أرى لسانك لا يفتر من ذكر الله فكم تسبح في كل يوم؟ قال: مئة ألف إلا أن تخطىء الأصابع. (1/459)
عن محمد بن فضيل عن رجل قال: رأيت أبا صالح ماهان حين صلبه الحجاج على الخشبة فجعل يسبح ويعقد، قال: فبلغ التسبيح في يده ثلاثاً وثلاثين يعقدها؛ قال: فجاء رجل فطعنه فقلته، قال: فلقد رأيت في يده العقد بعد كذا. (1/460)
عن ابن المبارك أن أبا مجلز كان يركب مع قتيبة بن مسلم في موكبه فيسبح الله اثني عشر ألف تسبيحة ويعدها ببنانه. (1/460)
عن سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من علامات موت القلب الأنس مع الخلق والوحشة في الخلوة مع الله وافتقاد حلاوة الذكر المقسوم. (1/460)
سئل أبو يزيد البسطامي عن حقيقة المعرفة فقال: الحياة بذكر الله، وعن حقيقة الجهل فقال: الغفلة عن الله. (1/461)
عن إبراهيم الهروي قال: سمعت أبا يزيد البسطامي رحمه الله وسئل: ما علامة العارف فقال: أن لا يفتر من ذكره ولا يمل من حقه ولا يستأنس بغيره. (1/461)
عن الأوزاعي قال: قال حسان بن عطية رضي الله عنه(2): ما عادى عبد ربه بشيء أشد عليه من أن يكره ذكره أو من يذكره. (1/461)
الحادي عشر من شعب الإيمان
وهو باب في الخوف من الله تعالى
__________
(1) كذا ولعلها (عمرو).
(2) تابعي فاضل.(1/72)
قال الحليمي رحمه الله: والخوف على وجوه: أحدها: ما يحدث من معرفة العبد بذلة نفسه وهوانها وقصورها وعجزها عن الامتناع عن الله تعالى جده إن أراده بسوء وهذا نظير خوف الولد والديه وخوف الناس سلطانهم وإن كان عادلاً محسناً وخوف المماليك ملاكهم؛ والثاني: ما يحدث من المحبة وهو أن يكون العبد في عامة الأوقات وجلاً من أن يكله إلى نفسه ويمنعه مواد التوفيق ويقطع دونه الأسباب وهذا خلق كل مملوك أحسن إليه سيده فعرف قدر إحسانه فإحبه فإنه لا يزال يشفق على منزلته عنده خائفاً من السقوط عنها والفقد لها؛ الثالث: ما يحدث من الوعيد وقد نبه الكتاب على هذه الأنواع كلها؛ أما الأول فقوله تعالى (ما لكم لا ترجون لله وقاراً) أي لا تخافون لله عظمة---وأما الثاني فإن الله جل ثناؤه أثنى على الذين يدعونه فيقولون (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) وقرأ الآية؛ وسماهم الراسخين في العلم؛ ومعلوم أن أحداً لا يدعو فيقول: رب لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني إلا وهو خائف على الهدى الذي أكرمه الله تعالى به أن يسلبه إياه؛ وأخبر عن أهل الجنة إنهم يقولون: (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) [و]قرأ الآيتين؛ وجاء في التفسير أنهم كانوا مشفقين من أن يسلبوا الإسلام فيوردوا يوم القيامة موارد الأشقياء وكانوا يدعون الله أن لا يفعل بهم ذلك؛ وكذلك سائر نعم الله وإن كان الإسلام أعلاها؛ وأما الثالث قال في غير موضع من كتابه: (يا أيها الناس اتقوا ربكم)، وقال: (وإياي فاتقون)، وقال: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) فأمر بالتقوى وهي أن يقي المخاطبون أنفسهم من نار جهنم بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه؛ ومعنى (اتقون) اتقوا عذابي ومؤاخذتي(1)---.(1/464-467)
__________
(1) فرق المصنف كلام الحليمي فجمعته أنا في هذا المكان.(1/73)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل (ما لكم لا ترجون لله وقاراً) يقول: عظمة؛ وقوله (وقد خلقكم أطواراً) يقول: نطفة ثم علقة ثم مضغة.(1/464-465)
عن أبي الربيع عن ابن عباس في قوله تعالى (ما لكم لا ترجون لله وقاراً) قال: لا تعلمون لله عظمة.(1/465)
عن منصور عن مجاهد في قوله (ما لكم لا ترجون لله وقاراً) قال: لا تبالون عظمة ربكم؛ (وقد خلقكم أطواراً) قال: نطفة ثم علقة ثم مضغة، شيئاً بعد شيء.(1/465)
عن منصور عن مجاهد في قوله (ما لكم لا ترجون لله وقاراً) قال: لا تبالون لله عظمة؛ قال: والرجاء الطمع والمخافة.(1/465)
سأل منصور بن زاذان رجل: ما كان الحسن يقول في قوله (ما لكم لا ترجون لله وقاراً) قال: لا تعلمون له عظمة ولا تشكرون له نعمة.(1/465)
عن سفيان عن السدي في قوله (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) قال: إذا هم بمعصية أو ظلم أو نحو هذا قيل له: اتق الله وجل قلبه.(1/469)
عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن مجاهد (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قال: يذنب فيذكر مقامه فيدعه.(1/469)
عن إبراهيم ومجاهد(1) في قوله (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قالا: هو الرجل يريد أن يذنب فيذكر مقام ربه فيدع الذنب.(1/469)
عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في خطبته: خير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل.(1/470)
عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله: كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار بالله جهلاً.(1/471-472)
عن مسروق قال: كفى بالمرء علماً أن يخشى الله وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بنفسه(2).(1/472)
__________
(1) وفي رواية: (عن ابراهيم أو مجاهد) بالشك.
(2) وفي رواية: (بعلمه).(1/74)
عن أبي حازم أن عامر بن عبد الله بن الزبير أخبره أن أباه أخبره أن عبد الله بن مسعود أخبره أنه لم يكن بين إسلامه(1) وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين (ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) .(1/473)
عن أبي الأشهب قال: سمعت الحسن يقول: (والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة) قال: كانوا يعلمون(2) من أعمال البر وهم مشفقون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب الله عز وجل.(1/478)
عن الضحاك بن عبد الرحمن قال: سمعت بلال بن سعد يقول: عباد الرحمن هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئاً من أعمالكم تقبلت منكم؟! أو شيء من خطاياكم غفرت لكم؟! (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)؛ والله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم كلكم ما افترض عليكم(3)؛ أفترغبون في طاعة الله لتعجيل دار همّ ولا ترغبون وتنافسون في جنة أكلها دائم وظلها تلك عقبي الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار(4).(1/480)
__________
(1) وفي رواية (إسلامهم).
(2) كان قبلها (ما) فحذفتها.
(3) أي ولسارعتم إلى طاعة الله من أجل ذلك الثواب العاجل.
(4) رواه أبو نعيم في الحلية (5/231-232).(1/75)
عن الضحاك قال: سمعت بلال بن سعد يقول: استحيوا من الله واحذروا الله، لا تأمنوا مكر الله ولا تقنطوا من رحمة الله(1).(1/480)
عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري من ولد أنس عن أبيه عن جده أنس قال: يا بني إياكم والسفلة، قالوا: وما السفلة؟ قال: الذي لا يخاف الله عز وجل.(1/480)
عن الحسن قال: أبصر أبو بكر طائراً على شجرة فقال: طوبى لك يا طير، تأكل الثمر وتقع على الشجر لوددت أني ثمرة ينقرها الطير.(1/485)
عن الضحاك قال: مر أبو بكر رضي الله عنه على طير قد وقع على شجرة فقال: طوبى لك يا طير تطير فتقع على الشجر ثم تأكل من الثمر ثم تطير ليس عليك حساب ولا عذاب ياليتني كنت مثلك؛ والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانت الطريق فمر علي بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم إزدردني ثم أخرجني بعراً ولم أكن بشراً؛ قال: فقال عمر رضي الله عنه: يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضه قديداً ثم أكلوني ولم أكن بشراً قال: وقال أبو الدرداء: يا ليتني كنت شجرة تعضد وتؤكل ثمرتي ولم أكن بشراً.(1/485)
__________
(1) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 10/503 من طريق المصنف فقال: أخبرنا أبو القاسم الشحامي أخبرنا أبو بكر البيهقي فذكر سنده ومتنه، ووقع فيه (أشفقوا) بدل (استحيوا) وكأنها الصواب؛ ورواه ابن عساكر 10/493 بأطول منه فقد أخرج من طريق غير البيهقي عن بلال بن سعد قال: عباد الرحمن أشفقوا من الله واحذروا ولا تأمنوا مكر الله ولا تقنطوا من رحمة الله؛ واعلموا أن لنعم الله عز وجل عندكم ثمناً فلا تشبهوا على أنفسكم، تعملون عملاً لله لثواب الدنيا، ومن كان كذلك فوالله لقد رضي بقليل حيث استغنيتم باليسير من عرض الدنيا ولم ترضوا ربكم فيها ورفضتم ما يبقى لكم وكفاكم منه بيسير.(1/76)
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه نظر إلى طير حين وقع على الشجر فقال: ما أنعمك يا طير تأكل وتشرب وليس عليك حساب وتطير، يا ليتني كنت مثلك.(1/485)
عن عرفجة: قال أبو بكر رضي الله عنه: من إستطاع أن يبكي فليبك، ومن لم يستطع فليتباك؛ يعني التضرع.(1/493)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: وكان أبو بكر إذا بكى لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن.(1/493)
عن عمر الفاروق أنه كان في وجهه خطان أسودان من البكاء.(1/493)
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا دمعت عيناك وسالت دموعك على خدك فلا تلقها بثوبك وامسح بها وجهك حتى تلقى الله بها(1).(1/493)
عن وهب بن منبه قال: لما أصاب داود الخطيئة اعتزل النساء ولزم العبادة حتى سقط ثم بكى حتى خدت الدموع وجهه.(1/495)
عن جعفر بن سليمان حدثنا ثابت قال: بلغنا أن داود عليه السلام يقول: أوه قبل الوقوع في النار، أوه قبل أن لا تنفع أوه.(1/495)
عن علي بن علي قال: كان عطاء السليمي يبكي حتى خشي على عينه فأتي طبيب يداوي عينه، قال: أداوي بشرط أن لا تبكي ثلاثة أيام! قال: فاستكثر ذلك وقال: لا حاجة لنا فيك.(1/496)
عن بلال بن سعد قال: رب مسرور مغبون ورب مغبون لا يشعر؛ فويل لمن له الويل ولا يشعر، يأكل ويشرب ويضحك وقد حق عليه في قضاء الله عز وجل أنه من أهل النار! فيا ويل لك روحاً ويا ويل لك جسداً فلتبك ولتبك عليك البواكي لطول الأبد.(1/496-497)
عن زهير السلولي قال: كان رجل من بلعنبر قد تهيج بالبكاء فكان لا يُكاد يرى إلا باكياً فعاتبه رجل من إخوانه فقال: لم تبكي رحمك الله هذا البكاء الطويل؟! فبكى ثم قال:
بكيت على الذنوب لعظم جرمي
وحق لكل من يعصي البكاء
فلو كان البكاء يرد همي
لاسعدت الدموع مع دماء
قال: ثم بكي حتى غشي عليه فقام الرجل عنه وتركه. (1/497)
__________
(1) وفي رواية: إذا بكى أحدكم من خشية الله فلا يمسح دموعه بثوبه وليدعها تسيل على خديه يلقي الله عز وجل بها.(1/77)
عن علي بن عثام قال: قال كهمس الهلالي: بكيت على ذنب عشرين سنة، قالوا: وما هو؟ قال: غديت رجلاً فأخذت من جدار جار لي قطعة لبنة ليغسل يده. (1/497)
قال: وقال عطاء السليمي: بكيت على ذنب أربعين سنة، صدت حمامة وإني أحمد الله إليكم تصدقت بثمنها على المساكين(1). (1/497)
عن جعفر بن سليمان قال: التقى ثابت وعطاء السليمي ثم تفرقا فلما كان عند الهاجرة جاء عطاء(2) فخرجت الجارية إليه ثم دخلت وهو(3) يريد القائلة فقالت: أخوك عطاء! فخرج إليه فقال: يا أخي في هذا الحر؟! قال: ظللت صائماً فاشتد علي الحر فذكرت حر جهنم فأحببت أن تعينني على البكاء فبكيا حتى سقطا. (1/497-498)
عن المحاربي قال: كان ضرار ومحمد بن سوقة إذا كان يوم الجمعة طلب كل واحد منهما صاحبه فإذا اجتمعا جلسا يبكيان. (1/498)
عن يوسف بن يوسف الباهلي يقول: سمعت عبد الله بن ثعلبة يقول: تضحك ولعل كفنك قد خرج من عند القصار وأنت لا تدري. (1/499)
عن عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي عن يحيي بن أبي كثير قال: قال سلميان بن داود عليهما السلام لابنه: يا بني لا تكثر الغيرة على أهلك ولم تر منها سوءاً فترمى بالشر من أهلك وإن كانت بريئة؛ ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تستخف فؤاد الرجل الحكيم؛ قال: وعليك بخشية الله عز وجل فإنها غاية لكل شيء. (1/499)
عن محمد بن نصر الخزاعي الصائغ قال: سمعت بشر بن الحارث الحافي وقد ضحك عنده رجل فقال: احذر يا ابن الأخ لا يؤاخذك الله على هذا. (1/499)
__________
(1) قال البيهقي: وكأنه ارتاب بها هل هي مملوكة أو غير مملوكة.
(2) إلى ثابت.
(3) أي ثابت.(1/78)
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال في قول الله عز وجل: (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) قال: الصغيرة الضحك(1). (1/500)
عن القاسم الجوعي قال: سمعت منبه بن عثمان الخمي يقول: قال آدم عليه السلام: كنا سبياً من سبي الجنة فسبانا إبليس بالخطيئة فليس ينبغي لنا إلا البكاء والحزن حتى نرجع إلى الدار الذي منها سبينا. (1/500)
عن سعيد بن النعمان قال: قلت لغفيرة: ما تملين هذا البكاء؟ قالت: يا سعيد كيف يمل ذو داء من شيء يرى أن له فيه من دائه شفاء. (1/501)
عن زائدة بن قدامة قال: كان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت رجل أصيب بمصيبة؛ ولقد قالت له أمه: ما هذا الذي تصنع بنفسك؟! تبكي الليل عامته لا تكاد أن تسكت! لعلك يا بني أصبت نفساً، أقتلت قتيلاً؟! فقال: يا أمه أنا أعلم بما صنعت نفسي. (1/502)
عن الحسن بن عرفة العبدي قال: رأيت يزيد بن هارون بواسط وهو من أحسن الناس عينين ثم رأيته بعين واحدة ثم رأيته وقد ذهبت عيناه فقلت له: يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان؟ قال: ذهب بهما بكاء الأسحار. (1/502)
__________
(1) أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق 21/445 عن الشعبي عن سلمان قال: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: فأما الذي أبكاني: فراق محمد وحزبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، وموقفي بين يدي الله عز وجل يوم تكون السريرة علانية فلا أدري إلى النار أصير أم إلى الجنة؛ والذي أضحكني: مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه فلا يدري أرضي الله عنه أم أسخطه.
وأخرج 47/194 عن قتادة قال: بلغنا أن أبا الدرداء نظر إلى رجل يضحك في جنازة فقال: أما كان في ما رأيت من هول الموت ما يشغلك عن الضحك؟!(1/79)
عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: لما حضرت معاذاً الوفاة فجعل يبكي فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت وأنت؟! فقال: ما أبكي جزعاً من الموت أن حل بي ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن إنما هما القبضتان قبضة في النار وقبضة في الجنة فلا أدري في أي القبضتين أنا. (1/502)
عن عبد الله بن هبيرة أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن اتصدق بألف دينار. (1/502)
عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان أنه قال: رب يوم لو أتاني الموت لم أشك فأما اليوم فقد خالطت أشياء لا أدري على ما أنا فيها وأوصى أبا مسعود فقال: عليكم بما تعرفون ولا تألون [كذا] في أمر الله. (1/503)
عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال لعبد الله بن مسعود عند موته: أوصني، قال: أوصيك أن تتقي الله وتلزم بيتك وتحفظ لسانك وتبكي على خطيئتك. (1/503)
عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله بن مسعود: لوددت أن الله عز وجل غفر لي ذنباً من ذنوبي وأني سميت عبد الله بن روثة. (1/503)
عن حميد بن هلال قال: قال عبد الله بن مسعود: وددت أني نسبت إلى روثة وأن الله تعالى تقبل مني حسنة واحدة من عملي. (1/503)
عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: قال عبد الله: لو تعلمون بعيوبي ما تبعني منكم رجلان؛ ولوددت إني دعيت عبد الله بن روثة وأن الله غفر لي ذنباً من ذنوبي. (1/504)
عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال عبد الله: والذي لا إله غيره لوددت أني انقلبت روثة وأني دعيت عبد الله بن روثة وأن الله غفر لي ذنبا واحداً. (1/504)
عن جعفر بن نمير القزويني قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: كيف يفرح المؤمن في دار الدنيا إن عمل سيئة خاف أن يؤخذ بها، وإن عمل حسنة خاف أن لا تقبل منه، وهو إما مسيء وإما محسن. (1/504)(1/80)
عن علي بن عبد الله قال: قال يحيى بن معاذ الرازي: كيف ينجيني عملي وأنا بين حسنة وسيئة، فسيئاتي لا حسنات فيها وحسناتي مخلوطة بالسيئات وأنت لا تقبل إلا الإخلاص من العمل فما بقي بعد هذا إلا جودك. (1/504)
عن الجريري قال: سئل الجنيد هل يسقط الخوف عن العبد؟ فقال: لا، [وكلـ]ما كان العبد أعلم بالله كان له أشد خوفاً؛ والخائفون على ثلاث طبقات: خائف من الإجرام، وخائف من الحسنات أن لا تقبل وخائف من العواقب قال الله تعالى ولا يخاف عقباها. (1/504-505)
عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: لما حضرت أبي الوفاة فجلست عنده والخرقة بيدي أشد بها لحييه(1) قال: فجعل يغرق ثم يفيق ويفتح عينيه ويقول: بيده هكذا لا بعد لا بعد لا بعد، ففعل هذا مرة وثانية فلما كان في الثالثة قلت له: يا أبه إيش هذا الذي لهجت به في هذا الوقت؟! فقال: يا بني أما تدري؟! قلت: لا، فقال: إبليس لعنه الله قائم بحذائي عاض على أنامله يقول: يا أحمد فتَّني! فأقول: لا حتى أموت(2). (1/505)
عن ابن المبارك أخبرنا سفيان عن رجل قال أراه عن عطاء بن يسار قال: تبدى إبليس لرجل عند الموت فقال: نجوت! فقال: ما نجوت وما أمنتك بعد(3). (1/505)
عن سفيان الثوري عن غسان المديني عن عطاء بن يسار قال: أشرف إبليس على رجل في الموت فقال: قد أمنتني فقال ما أمنتك بعد. (1/505-506)
__________
(1) كانت (لحيته).
(2) قال البيهقي: ولأحمد بن حنبل رحمه الله في ذلك سلف حق.
(3) وهذه رواية أخرى ساقها المصنف عقب هذه: عن سفيان الثوري عن رجل عن عطاء بن يسار قال: تبدى إبليس لرجل عند الموت فقال: ما نجوت منك بعد. (1/505)(1/81)
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة انه كان يقول في آخر عمره: اللهم إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل بكبيرة في الإسلام، يقول بعض أصحابه يا أبا هريرة: ومثلك يقول هذا أو يخافه وقد بلغت من السن ما بلغت وانقطعت عنك الشهوات وقد شافهت النبي صلى لله عليه وسلم وبايعته وأخذت عنه؟! قال: ويحك وما يؤمنني وإبليس حي؟!. (1/506)
عن جبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص فإذا هو قائم يصلي في مسجده فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق فلما انصرف قلت: غفر الله لك يا أبا الدرداء ما أنت والنفاق؟! قال: اللهم غفراً ثلاثاً، من يأمن البلاء؟! من يأمن البلاء؟! والله إن الرجل ليفتتن في ساعة فينقلب عن دينه. (1/506)
عن محمد بن عجلان حدثني شيخ من أهل الشام قال: قال أبو الدرداء: ما لي لا أرى حلاوة الإيمان تظهر عليكم؟! والذي نفسي بيده لو أن دب الغابة وجد طعم الإيمان لظهر عليه حلاوته، ما خاف عبد على إيمانه إلا منحه، وما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه. (1/506)
عن المعلى بن زياد قال: سمعت الحسن يقول: والله ما أصبح على وجه الأرض ولا أمسى على وجه الأرض مؤمن إلا وهو يتخوف النفاق على نفسه وما أمن النفاق إلا منافق. (1/506)
عن روح قال: قال ابن المبارك: إن البصراء لا يأمنون من أربع خصال: ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الرب فيه، وعمر قد بقي لا يدري ماذا فيه من الهلكات، وفضل قد أعطي لعله مكر واستدراج، وضلالة قد زينت له فيراها هدى؛ وإن(1) زيغ القلب ساعة ساعة، أسرع من طرفة عين، قد يسلب دينه وهو لا يشعر. (1/507)
عن ابن جابر قال: سمعت بلال بن سعد وهو يقول في دعائه: اللهم اني أعود بك من زيغ القلوب وتبعات الذنوب ومن مرديات الأعمال ومضلات النفس(2). (1/507)
__________
(1) كانت (ومن) ولها وجه بعيد وهو العطف على قوله (من أربع).
(2) لعلها (الفتن).(1/82)
عن محسن بن موسى قال: كنت عديل سفيان الثوري إلى مكة فرأيته يكثر البكاء فقلت له: يا أبا عبد الله بكاؤك هذا خوفاً من الذنوب؟! قال: فأخذ عوداً من المحمل فرمى به فقال: إن ذنوبي أهون علي من هذا ولكن أخاف أن أسلب التوحيد. (1/508)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت إسحاق بن خلف يقول: ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول ابن آدم: ليت شعري بما يختم لي! قال: عندها(1) ييأس منه ويقول: متى يعجب هذا بعمله؟! (1/508)
عن عمر بن حفص بن غياث حدثني أبي قال: لما احتضر عمرو بن قيس الملائي بكى فقال له أصحابه: على ما تبكي من الدنيا فوالله لقد كنت غضيض؟؟ العيش أيام حياتك فقال: والله ما أبكي على الدنيا وإنما أبكي خوفاً من أن أحرم خير الآخرة. (1/508-509)
عن سعيد بن عبد العزيز قال: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: أفضل البكاء بكاء العبد على ما فاته من أوقاته على غير الموافقة أو بكاء على ما سبق له من المخالفة(2). (1/509)
عن سفيان بن عيينة قال: غضب الله الداء الذي لا دواء له. (1/509)
__________
(1) أي عندما يقولها.
(2) بكاء المؤمن أنواع كثيرة: بكاء الخوف من الله وبكاء الحياء من الله وبكاء الندم على المعاصي وبكاء التقصير في الطاعات وبكاء الخوف من سوء اللخاتمة وبكاء الخوف مما قد سبق عليه في علم الله وتقديره، وبكاء الشكوى من الباطل وأهله، وبكاء الغربة، وبكاء الحزن على أحوال المسلمين وأهل الحق، وبكاء الشوق إلى لقاء الله، وبكاء الشوق إلى الجنة وأهلها، وبكاء خوف الحرمان، وبكاء الحرمان من مراتب من الخير والفضل، وبكاء التعظيم لله، وبكاء الشعور بالعجز عن طاعة الله، وغير ذلك من أنواع البكاء، نسأل الله أن يوفقنا إلى العلم به وإلى طاعته وأسباب مرضاته.(1/83)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان [الداراني] يقول: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله تعالى؛ ومفتاح الآخرة الجوع(1) ومفتاح الدنيا الشبع. (1/510-511)
عن إبراهيم بن بشار قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: الهوى يردي وخوف الله يشفي، واعلم أن ما يزيل عن قلبك هواك إذا خفت من تعلم انه يراك. (1/511)
عن الأصمعي قال: كنت أطوف بالبيت فرأيت أعرابياً يطوف فذكر قصة أعرابية، قال: قلت: فبينك وبين من تهوى شيء؟ قال: لا إلا ليلة فإني رمت منها شيئاً فقالت: أما تستحي؟! قلت: وممن أستحي فلا يرانا إلا الكواكب؟! قالت: فأين مكوكبها؟!. (1/511)
عن عبد الله بن شبيب حدثنا العتبي قال: لقي رجل أعرابية فأرادها على نفسها فأبت وقالت: أي ثكلتك أمك أما لك زاجر من كرم؟! أما لك ناه من دين؟! قال: قلت: والله لا يرانا إلا الكواكب! قالت: ها بأبي أنت وأين مكوكبها. (1/511-512)
عن أبي عبد الله بن خفيف قال: لما قدم أبو العباس بن سريج قاضياً على فارس دخلنا عليه فسأله أبو عبد الله النجراني قال: متى يهش الراعي غنمه بعصا الرعاية عن مراتع الهلكة؟ فقال: إذا علم إن عليه رقيباً، ثم قال: يا شيخ هذا علم شريف له مجلس خاص إذا شئتم حضرت معكم وأذاكركم. (1/512)
عن فضيل بن عياض قال: رهبة العبد من الله تعالى على قدر علمه بالله، وزهادته في الدنيا على قدر شوقه إلى الجنة. (1/512)
عن إبراهيم بن أدهم قال: كان داود الطائي يقول: إن للخوف حركات تعرف في الخائفين ومقامات تعرف في المحبين وإزعاجات تعرف في المشتاقين وأين أولئك؟! أولئك هم الفائزون. (1/513)
__________
(1) الجوع ليس من العبادات والقرب وإنما هو قد يكون سبباً لرقة القلب وذكائه وتحسين الطبع وطرد الغفلة وعلو الهمة وزيادة الافتقار إلى الله تعالى؛ وهو على كل حال أفضل من الشبع بكثير فالجوع نافع للدين في الغالب والشبع ضار به في الغالب.(1/84)
عن الجنيد قال: سمعت السري يقول: شيئان مفقودان: الخوف المزعج والشوق المقلق(1). (1/513)
عن ذي النون بن إبراهيم قال: صلاة الفرض مفتاح [باب] الخوف؛ والنافلة مفتاح باب الرجاء؛ وذكر الله الدائم مفتاح باب الشوق؛ وليس بالخوف تنال الفرض؛ ولكن بالفرض تنال الخوف؛ ولا بالرجاء تنال النافلة؛ ولكن بالنافلة تنال الرجاء؛ ومن شغل قلبه ولسانه بالذكر قذف الله في قلبه نور الاشتياق إليه؛ وهذا سر الملكوت فاعقله واحفظه. (1/513)
عن أبي بكر الرازي(2) يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: الخوف إذا سكن القلب أحرق مواضع الشهوات فيه وطرد عنه رغبة الدنيا وأسكت اللسان عن ذكر الدنيا. (1/513)
عن يوسف بن أسباط قال: سمعت محمد بن النضر يقول: ما من عامل يعمل في الدنيا إلا وله من يعمل في الدرجات في الآخرة، فإذا أمسك أمسكوا فيقال لهم: ما لكم لا تعملون؟! فيقولون: صاحبنا لاه؛ قال يوسف: عجبت لكم كيف تنام عين مع المخافة أو يغفل قلب بعد اليقين بالمحاسبة؟! من عرف وجوب حق الله على عباده لم تشتمل عيناه أبداً إلا بإعطاء المجهود من نفسه؛ خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات، والشهوات مفسدة للقلوب وتلف للأموال؛ لا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مفلق [كذا]. (1/513-514)
عن إبراهيم بن سعيد؟؟ قال: قال لي المأمون: يا إبراهيم قال لي الرشيد: ما رأت عيناي مثل الفضيل بن عياض! قال لي وقد دخلت عليه: يا أمير المؤمنين فرغ قلبك للحزن والخوف حتى يسكناه فيقطعاك عن معاصي الله تعالى ويباعداك من عذاب النار. (1/514)
عن أحمد بن عاصم الأنطاكي قال: قلة الخوف من قلة الحزن في القلب؛ وإذا قل الحزن في القلب خرب كما يخرب البيت، إذا لم يسكن خرب. (1/514)
عن علي بن عثام قال: قال مالك بن دينار: يقال إن القلب إذا لم يحزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب. (1/514)
__________
(1) كانت (المفلق).
(2) من شيوخ السلمي.(1/85)
وعنه قال: قال مالك بن دينار: الحزن تلقيح العمل الصالح. (1/515)
عن ابن المبارك قال: من أعظم المصائب للرجل أن يعلم من نفسه تقصيراً ثم لا يبالي ولا يحزن عليه. (1/515)
عن حاتم الأصم قال: سمعت شقيقاً يقول: ليس للعبد صاحبٌ خير من الهم والخوف، همّ فيما مضى من ذنوبه، وخوف فيما لا يدري ما ينزل به. (1/515-516)
عن الجريري قال: سمعت سهلاً [التستري] يقول: لا يبلغ أحد حقيقة الخوف حتى يخاف مواقع علم الله فيه ويحزن علي ذلك. (1/516)
عن أبي محمد جعفر بن محمد الصوفي قال: كنت عند الجنيد فدخل الشبلي فقال جنيد: من كان الله همه طال حزنه، فقال الشبلي: لا يا أبا القاسم بل من كان الله همه زال حزنه؛ قال البيهقي رحمه الله: قول الجنيد محمول على ذكر الدنيا وقول الشبلي محمول على الآخرة، وقول الجنيد محمول على حزنه عند رؤية التقصير من نفسه في القيام بواجباته وقول الشبلي محمول على سروره بما أعطي من التوفيق في الوقت حتى جعل الهم هماً واحداً والله أعلم. (1/516)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سئل الإستاذ أبو سهل الصعلوكي في قوله (فبذلك فليفرحوا): كيف يفرح من لا يأمن؟! فقال: إذا نظر إلى الفضل فرح وإذا رجع حزن حتى يكون فرِحاً في وقت محزوناً في وقت كحال الخوف والرجاء. (1/516)
عن مسعر عن بكير عن إبراهيم(1) قال: ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن)؛ وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا: (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) . (1/517)
__________
(1) ورد في رواية أخرى أنه ابراهيم التيمي.(1/86)
عن عبد الله بن بكر قال: سمعت الحسن يقول: (السابقون السابقون أولئك المقربون) قال: أما المقربون فقد مضوا هنيئاً لهم؛ ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين؛ قال: وأتى على هذه الآية (إن جهنم كانت مرصاداً) قال: ألا ان على الباب رصداً فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجيء بجواز حبس . (1/517)
عن أبي بكر الموصلي قال: خرج فتح الموصلي إلى المصلى يوم الأضحى، قال: خرج فنظر إلى القتار ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: إلهي تقرب المتقربون إليك بقربانهم وإني متقرب إليك بحزني يا محبوب، قال: ثم سقط مغشياً عليه. (1/518)
عن شعيب بن محرز قال: حدثتني سلامة العابدة قالت: بكت عبيدة بنت أبي كلاب أربعين سنة حتى ذهب بصرها فقيل لها: ما تشتهين قالت الموت! قيل: ولم ذاك؟ قالت: إني أخشى كل يوم أصبح أن أجني على نفسي جناية يكون فيها عطبي أيام الآخرة. (1/518)
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: قلت ليزيد بن مرثد: ما لي أرى عينك لا تجف؟! قال: وما مسألتك؟ قلت: لعل الله تعالى ينفع به، قال: إن الله عز وجل توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار! والله لو توعدني أن يسجنني في الحمام كنت حرياً أن لا يجف لي دمع، فقلت: هكذا في خلواتك قال: والله إنه لتوضع القصعة بين أيدينا فيعرض لي فأبكي ويبكي أهلي ويبكي صبياننا لا يدرون ما أبكانا والله إني لأسكن إلى أهلي فيعرض لي فيحول بيني وبين ما أريد فتقول أهلي: يا ويحها ما خصت به معك من طول الحزن ما تقر لي معك عين. (1/518-519)
عن حوشب بن مسلم الثقفي عن الحسن أنه كان يكره ذكر الموت عند الطعام. (1/519)
عن حفص بن حميد قال: رأيت سهل بن علي في المسجد يجول كأنه أبله من الخوف وهو يقول: النار النار وترتعد فرائصه حتى أخذني البكاء. (1/519)(1/87)
عن السري قال: الخوف على ثلاثة أوجه: خوف في الدين وهو موجود في العامة يعلمون أنه يجب الخوف من الله عز وجل؛ وخوف عارض عند تلاوة القرآن والقصص رقة كرقة النساء [ليس] لها ثبوت؛ وخوف مزعج مقلق يُنحل القلب والبدن ويذهب بالنوم والطعم؛ ولا يسكن خوف الخائف أبداً حتى يأمن ما يخاف. (1/519)
عن الحارث الغنوي قال: آلى ربعي بن حراش أن لا يفتر عن أسنانه ضاحكاً حتى يعلم أين مصيره فما ضحك إلا بعد موته؛ وآلى أخوه ربعي بعده ألا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أو في النار؛ قال الحارث الغنوي: فلقد أخبرني غاسله انه لم يزل متبسماً على سريره وكنا نغسله حتى فرغنا منه. (1/520)
عن المعلى بن زياد عن الحسن قال: قال غزوان الرقاشي: لله علي أن لا يراني ضاحكاً حتى أعلم أي الدارين داري، قال الحسن: فعزم، والله ما رؤي ضاحكاً حتى لحق بالله عز وجل. (1/520)
عن غيلان قال: سمعت مطرفاً [بن عبد الله بن الشخير] يقول: لو أتاني آت من ربي فخيرني بين أن يخبرني أفي الجنة أنا أم في النار وبين أن أصير تراباً لاخترت أن أصير تراباً. (1/520)
عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن كعب: (إن إبراهيم لأواه) قال: كان إذا ذكر النار قال: أوه. (1/522)
عن بشر بن منصور قال: كنت أوقد بين يدي عطاء العبدي - وهو السليمي - في غداة باردة فقلت له: يا عطاء يسرك الساعة لو أنك أمرت أن تلقي نفسك في هذه النار لا تبعث إلى الحساب(1) قال: فقال: إي ورب الكعبة قال: ثم قال: والله مع ذلك لو أمرت بذلك لخشيت أن تخرج نفسي فرحاً قبل أن تصل إليها. (1/522-523)
عن الجنيد بن محمد قال: سمعت السري يقول: إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مراراً مخافة أن يكون وجهي قد اسود. (1/523)
عن الجنيد بن محمد قال: سمعت السري يقول: ما أحب أن أموت حيث أعرف! فقيل له: ولم ذاك يا أبا الحسن؟ قال: أخاف أن لا يقبلني قبري فافتضح. (1/523)
__________
(1) إلى الحساب) معناها (للحساب).(1/88)
عن إبراهيم بن أدهم قال: كان عطاء السليمي إذا انتبه في جوف الليل يضرب بيده فزعا إلى أعضائه يحسها مخافة أن تكون قد غير[ت] خلقته. (1/523)
عن بشر بن الحارث قال: قال أويس: لا يخطئك هذا الأمر حتى تكون كأنك قتلت الناس أجمعين. (1/523)
عن يزيد بن يزيد البكري قال: قال أويس القرني---: كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم. (1/523)
عن عبد الله بن المبارك أخبرنا سفيان الثوري قال: كان لأويس القرني رداء إذا جلس مس الأرض وكان يقول: اللهم إني أعتذر إليك من كبد جائعة وجسد عار وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني. (1/523-524)
عن عباد بن الوليد القرشي قال: قال مالك بن دينار: لولا أن يقول الناس: جن مالك، للبست المسوح ووضعت الرماد على رأسي أنادي في الناس: من رآني فلا يعص ربه. (1/524)
عن الصلت بن مسعود قال: خرج الحسن بن صالح بن حي يوماً من بيته(1) فنظر إلى جراد يطير فقال: (يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر)؛ ثم خر مغشياً عليه. (1/524)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت رابعة(2) تقول: ما رأيت ثلجاً قط إلا ذكرت تطاير الصحف ولا رأيت جراداً قط إلا ذكرت الحشر، ولا سمعت أذاناً قط إلا ذكرت منادي القيامة؛ قالت: وقلت لنفسي: كوني في الدنيا بمنزلة الطير الواقع حتى يأتيك قضاءه. (1/524)
عن أبي طارق اللبان قال: كان عبد العزيز بن سلمان إذا ذكر القيامة صرخ كما تصرخ الثكلى ويصرخ الخائفون من جوانب المسجد ورفع الميتان من جوانب مجلسه. (1/525)
__________
(1) كانت (بيتي) وهي محتملة.
(2) يظهر أنها زوجته وليست رابعة العدوية.(1/89)
عن عنبسة الخواص قال: كان عتبة الغلام يزورني فربما بات عندي قال: فبات عندي ذات ليلة فبكى في السحر بكاءاً شديداً فلما أصبح قلت: لقد فزعت قلبي منذ الليلة ببكائك فبم ذاك يا أخي؟ فقال: يا عنبسة والله إني إذا تذكرت يوم العرض على الله – ثم مال ليسقط فاحتضنته، فجعلت أنظر إلى عينية يتقلبان قد اشتدت حمرتهما، قال: ثم أزبد وجعل يخور فناديته: عتبة عتبة حبيبي، قال: فلبث ثلاثاً لا يجيبني ثم هدأ فناديته: عتبة عتبة فأجابني بصوت خفي: قطع ذكر العرض على الله أوصال المحبين؛ قال: ثم جعل يحشرج ويردد حشرجة الموت ويقول: أتراك تعذب محبيك وأنت الحي الكريم؛ قال: فلم يزل يرددها حتى والله أبكاني. (1/525)
عن عبد الله بن الجوزي الأسدي حدثني محمد بن السماك قال: دخلت البصرة فقلت لرجل كنت أعرفه: دلني على عبادكم فأدخلني على رجل عليه لباس الشعر طويل الصمت لا يرفع رأسه إلى أحد، قال: فجعلت استنطقه الكلام فلا يكلمني، قال: فخرجت من عنده فقال لي صاحبي: ها هنا ابن عجوز هل لك فيه؟ قال: فدخلنا عليه فقالت العجوز: لا تذكروا لابني شيئاً من أمر جنة ولا نار فتقتلوه علي فليس لي غيره؛ قال: فلما دخلنا عليه فإذا عليه من اللباس مثل ما على صاحبه منكس الرأس طويل الصمت فرفع رأسه فنظر إلينا ثم قال: أما ان للناس موقفاً لا بد أن يقفوه، قال: قلت: بين يدي من رحمك الله؟! قال: فشهق شهقة فمات؛ قال ابن السماك: فجاءت العجوز فقالت: قتلتم ابني؟! قال: فكنت فيمن صلى عليه رحمه الله تعالى. (1/525-526)(1/90)
عن الحسن بن محمد الهاشمي عن محمد بن السماك قال: كنت أطوف أطلب العباد والزهاد فذكر لي رجل بعبادان قد رفض الدنيا وأقبل على الآخرة جداً واجتهاداً فأتيت عبادان فسألت عنه فوصف لي داره فأتيت إلى باب دار كبيرة ليس عليها إلا باب بمصراع صغير فقرعت الباب فخرجت إلي جارية خماسية فقالت: من الطارق بالباب؟ قلت: أنا يا جارية، هذا منزل فلان العابد؟ قالت: نعم، قلت لها: استأذني عليه فإن أنا دخلت عليه وهبت لك درهماً! فقالت: يا عبد الله ما رأيت أحداً هو أجهل منك أدخل فما على أبي من حاجب وإنما الحجاب على أبواب الملوك وأبناء الملوك فبهت متعجباً من قولها، ثم دخلَت ودخلتُ معها، وإذا دار قوراء ليس فيها إلا بيت صغير فدخلت البيت فإذا أنا برجل قد نحل من غير سقم وقد احتفر قبراً عند رجليه وقد دلى رجليه فيه وفي يده خوص يشقه وهو يتلو هذه الآية: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) بصوت حزين فسلمت عليه فرد علي السلام وقال: أمن إخواني أنت؟ قلت: نعم، ولست من أهل البصرة ولا من أهل عبادان؛ قال: فمن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: فما اسمك؟ قلت: محمد بن السماك، قال: لعلك الواعظ، قلت: نعم؛ قال: فأخذ يدي بيديه جميعاً ثم قال لي: مرحباً وحياك الله يا أخي بالسلام ومتعنا واياك في الدنيا بالإخوان؛ يا أخي ما زالت نفسي متطلعة إلى لقائك تحب أن تعرض داءها على دواءك، أُعْلمك يا أخي أن بي جرحاً قديماً قد أعيي المعالجين قبلك فتأتاه برفقك وألصق عليه ما تعلم انه يلائمه من مراهمك؛ قال: فعلمت أن الرجل يريد أن أعظه فقلت: يا أخي وهل يداوي مثلي مثلك وجرحي أنغل من جرحك وذنبي أعظم من ذنبك؟! فقال: سألتك بالله إلا ما وعظتني فقلت له: يا أخي قد عملت أن ذنبك الذي أذنبت لم يمح وأن لذاذتك لم تبق وأن الموت يطلبك صباحاً ومساءً وأنك تصير غداً إلى ضيق اللحود وظلمة القبور(1/91)
ومسألة منكر ونكير فلما قلت له ذلك شهق شهقة [و]خر في قبره يخور كما [يخور] الثور إذا وجي في منحره وأقبلت امرأته وابنته تبكيان من وراء الحجاب وتقولان: سألناك بالله لا تزده شيئاً فتقتله علينا؛ فأفاق فقال: يا أخي قد وافق دواءك دائي ولصق مرهمك بجرحي أخي ابن السماك زدني فقلت له: يا أخي إن أهلك وولدك قد حلفوني أني لا أزيدك شيئاً فأقبل عليهم [كذا] وقال: إعلم يا أخي انه ليس أحد أشد علي وبالاً ولا أعظم جرماً مني(1) إذا وقفت بين يدي ربي من أهلي وولدي؛ فقلت: يا أخي ما بعد ظلمة القبور وضيق اللحود ومسألة منكر ونكير إلا الطامة؟! قال: وما هي يا ابن السماك؟ فقلت له: إذا أخذ إسرافيل يعني في نفخ الصور وبعثر ما في القبور وجئنا نحن بأثقالنا نحملها(2) على الظهور فكم يا أخي في ذلك اليوم من مناد ينادي بالويل والثبور؟! وأعظم من ذلك أيضاً توبيخ الرب إيانا عند قراءة السيئات التي قد أحصى علي وعليك فيه النقير والفتيل والقطمير، وملائكة متزرون بأزر من نار، غضاب لغضب الرحمن، ينتظرون ما يقال لهم بالغضب: خذوه فغلوه؛ قال: فشهق شهقة فخر في قبره كأنه ثور قد وجي في منحره وبال فعرفت بالبول ذهاب عقله فأقبلت ابنته فاجتذبته وأسندته إلى صدرها ومسحت وجهه بكمها وهي تقول: بأبي وأمي عينين طال ما سهرتا في طاعة الله؛ بأبي وأمي عينين طال ما غضتا عن محارم الله؛ وأفاق فقال لي: عليك السلام يا ابن السماك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؛ وشهق الثالثة فظننت أنها مثل الأوليين فحركته فإذا الرجل قد فارق الدنيا. (1/526-528)
__________
(1) لعلها (فيَّ).
(2) كانت (نحمل) ويحتمل أنها (تحمل).(1/92)
عن محمد بن الحسين [البرجلاني] قال: حدثني محرز أبو هارون الضبي قال: كان عندنا رجل بالكوفة يغدو إلى الفرات فلا يزال يبكي حتى يرتفع النهار ثم يرجع فيقيل فإذا صلى انتصب لله فلا يزال مصلياً إلى العصر ثم يروح إلى الفرات فيقعد يبكي، قال: فقيل له في ذلك فقال: هذا مطيع لله أجراه برحمته وصيره رزقا لعباده وأنا أعصيه غير خائف ولا متوقع للنقم قال: ثم خر ميتاً، قال أبو هارون: فأنا حضرت جنازته وما علمت أن أحداً علم بموته فتخلف عنه. (1/530)
عن منصور بن عمار قال: حججت حجة فنزلت سكة من سكك الكوفة فخرجت في ليلة مظلمة فإذا بصارخ يصرخ في جوف الليل وهو يقول: إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي إياك مخالفتك ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بنكالك عاقل ولكن خطيئة عرضت أعانني عليها شقائي وغرني سترك المرخى علي وقد عصيتك بجهدي وخالفتك بجهلي فالآن من عذابك من يستنقذني وبحبل من اتصل إن أنت قطعت حبلك عني؟! واشباباه واشباباه! فلما فرغ من قوله قرأت من كتاب الله عز وجل (ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد) الآية، فسمعت حركة شديدة لم أسمع بعدها حساً فمضيت فلما كان الغد رجعت في مدرجتي فإذا أنا بجنازة قد وضعت وإذا عجوز كبيرة فسألتها عن أمر الميت ولم تكن عرفتني فقالت: مر ها هنا رجل لا جزاه الله إلا جزاءه مر بابني البارحة وهو قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله فلما سمعها ابني تقطعت مرارته فوقع ميتاً. (1/530-531)
عن بهز بن حكيم قال: أمنا زرارة بن أبي أوفى في مسجد بني قشير فقرأ المدثر فلما انتهى إلى هذه الآية (فإذا نقر في الناقور) خر ميتاً، قال بهز: فكنت فيمن حمله. (1/531)(1/93)
عن حصن بن القاسم الوراق قال: كنا عند عبد الواحد بن زيد وهو يعظ فناداه رجل من ناحية المسجد كف يا أبا عبيدة لقد كشفت قناع قلبي؛ فلم يلتفت عبد الواحد إلى ذلك فمر في الموعظة فلم يزل الرجل يقول: كف يا أبا عبيدة لقد كشفت قناع قلبي وعبد الواحد يعظ لا يقطع موعظته حتى والله حشرج الرجل حشرجة الموت وخرجت نفسه، وأنا والله شهدت جنازته يومئذ ما رأيت بالبصرة يوماً أكثر باكياً من يومئذ. (1/532)
عن إسماعيل بن نصر العبدي قال: نادى مناد في مجلس صالح المري: ليقم الباكون المشتاقون إلى الجنة فقام أبو جهث فقال: اقرأ يا صالح [فقرأ]: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلا) فقال أبو جهث: أرددها يا صالح، فما فرغ من الآية حتى مات أبو جهث. (1/532)
عن يحيى بن بسطام حدثنا أبو طارق قال: شهدت ثلاثة رجال أو نحوهم ماتوا في مجلس الذكر يمشون بأرجلهم صحاحاً إلى المجالس وأجوافهم والله قرحة فإذا سمعوا الموعظة انصدعت قلوبهم فماتوا، قال يحيى: فقلت لأبي طارق: مجتمعين؟ قال: لا بل متفرقين، في المجلس الرجل والرجلان ونحو ذلك. (1/532)
عن عبيد الله بن موسى قال: كنت أقرأ على علي بن صالح، فلما بلغت إلى قوله (فلا تعجل عليهم) سقط الحسن بن صالح يخور كما يخور الثور، فقام إليه علي فرفعه ومسح على وجهه ورش عليه الماء وأسنده إليه. (1/533)
عن عبد الله بن محمد القرشي [هو ابن أبي الدنيا]: حدثني رجل من قريش وقال: إنه من ولد طلحة بن عبيد الله قال: كان توبة بن الصمة بالرقة وكان محاسباً لنفسه فحسب فإذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي احد وعشرون ألف يوم وخمسمئة يوم فصرخ وقال: يا ويلتي ألقى المليك بأحد وعشرين ألف ذنب فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب؟! ثم خر مغشياً عليه فإذا هو ميت. (1/533)
عن المعلى بن زياد عن الحسن قال: كان لصفوان سرب يبكي فيه. (1/533)(1/94)
عن أبي بكر بن عياش قال: دخلت على أبي حصين أعوده وهو قاعد هكذا - وخفض أبو بكر رأسه حتى جعله بين ركبتيه وهو قاعد - فقال: لو رأيته لرحمته ثم قرأ (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين)، (وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم). (1/533-534)
عن يوسف بن أسباط قال: مكث عبد العزيز بن أبي رواد أربعين سنة لا يرفع طرفه إلى السماء. (1/534)
عن حفص بن عبد الرحمن قال: أتيت مسعر بن كدام ليحدثني وكأنه رجل أقيم على شفير قبر ليدفع فيه؛ وقال مرة أخرى: على شفير جهنم ليلقى فيها. (1/534)
عن يحيى بن يمان قال: لقيني سفيان الثوري عند جبل بني فزارة فقال إني لأرى الشيء يجب علي أن آمر به أو أنهي عنه لا أفعل فأبول دماً. (1/534)
عن يوسف بن أسباط قال: كان سفيان الثوري إذا أخذ من(1) ذكر الآخرة يبول الدم. (1/535)
عن يحيى بن اليمان قال: سمعت سفيان الثوري يقول: لقد خفت الله خوفاً وددت أنه خفف عني. (1/535)
عن داود بن يحيى بن يمان عن أبيه قال: قال الثوري: خفت الله خوفاً عجبت لي كيف ما مت! إلا أن لي أجلاً أنا بالغه. (1/535)
عن علي بن عثام قال: بكى سفيان يوماً ثم قال: بلغني أن العبد أو الرجل إذا كمل نفاقه ملك عينيه فبكى. (1/535)
عن زيد بن أبي الزرقاء قال: حمل ماء سفيان الثوري إلى طبيب في علته فلما نظر قال: هذا ماء رجل قد أحرق(2) الخوف جوفه. (1/535)
عن عمرو بن حمزة ابن أخت سفيان الثوري قال: ذهبت ببول سفيان الثوري إلى الديراني فأريته إياه فقال: ما هذا ببول حنيف! قلت: بلى والله من خيارهم، وكان لا يخرج من باب الدير، قال: أنا أجيء معك إليه، قلت لسفيان: إنه يأتيك فأتاه فمس عرقه فقال: هذا رجل قد قطع الحزن كبده. (1/535-536)
__________
(1) لعلها (في).
(2) كانت (أخرق).(1/95)
عن ابن أخي سفيان قال: لما تعبد سفيان سقم وكنا نعرض تفسرته على المطببين فلا يعرفون ما به حتى حملناه إلى راهب في ناحية الحيرة، قال: فلما نظر إلى تفسرته قال: ليس بصاحبكم مرض إنما الذي به لما دخله من الخوف أو نحو هذا. (1/536)
عن رشدين بن خباب قال: مرض حازم بن الوليد بن بجير الأزدي فدعوت له طبيباً فنظر إليه فلما خرج تبعته فقال: ما بصاحبكم هذا إلا الحزن، فلما عدت أخبرته أن الطبيب قال لي: ما بصاحبكم إلا الحزن، قال: صدق، إني ذكرت مواقف يوم القيامة ففزع لذلك قلبي. (1/536)
عن خالد بن خداش قال: كنت أقعد إلى وسيم البلخي---؟؟ وكان أعمى وكان يحدث ويقول: أوه القبر وظلمته واللحد وضيقه كيف أصنع؟! ثم يغمى عليه ثم يعود فيحدث ويصنع ذا مرات حتى يقوم. (1/536)
عن العباس بن الوليد قال: سمعت أبي يقول: سمعت الأوزاعي يقول: إذا ذُكرت جهنم فليبك من كان باكياً. (1/536-537)
عن رباح بن الجراح الموصلي قال: كانت آمنة بنت المروع من الخائفين وكانت إذا ذكرت النار قالت: أدخلوا النار وأكلوا من النار [و]شربوا من النار وعاشوا في النار، ثم تبكي وكان بكاؤها أطول من ذلك؛ قال: وكانت إذا ذكرت النار وأهل النار بكت وأبكت وما رأيت أحداً أشد خوفاً منها ولا أكثر بكاء. (1/537)(1/96)
عن السري قال: قلت لبعض العباد: ما الذي أنصب العباد وأخشاهم؟ قال: ذكر المقام وخوف الحساب، ثم قال لي يا أبا الحسن: ولم لا تذوب أبدان العباد والزهاد والخدام فزعاً والقيامة أمامهم ولهم في يومها ما قد علموا؟! ثم صاح صيحة أفزعتني ثم قال: يا أبا الحسن: من لي في ذلك الموقف؟! ومن لتحسري وتذللي(1) ولجوعي ولعطشي؟! ثم قال: إليك يا أبا الحسن فقد حركت مني ساكناً وأبرزت مني غماً كامناً ثم صاح فقال: واطول وقفتاه واتحسراه واثقل ظهراه من حمل الذنوب والمظالم والخطايا وأوساخ العيوب؛ ثم قال: أوه من حملها، أوه من ذكرها، أوه من ثقلها، أوه من إقراري بها على نفسي؛ ثم استرجع فقال: سيدي فأين سترك الجميل القديم سيدي وأين حلمك سيدي فأين عفوك سيدي فأين فضلك المعتمد به لعبادك؟ سيدي فاستنقذني وبرحمتك فسلمني؛ ثم بكى وأبكانا معه فتركته وهو باكٍ حزين فزع القلب وإنصرفت عنه. (1/537)
عن غيلان قال: قال مطرف: لقد كاد خوف النار أن يحول بيني وبين أن أسأل الجنة. (1/538)
عن سفيان بن عيينة قال: أقلهم ذنباً أخوفهم لربه عز وجل لأنهم أصفاهم قلباً. (1/538)
عن جعفر قال: سمعت مالكاً يقول: يا هؤلاء إنما المؤمن مثل الشاة المأبورة التي أكلت إبرة فهي تأكل ولا تقطع علتها(2)، لما قد خالطه من الحزن لما بين يديه. (1/538)
__________
(1) كانت (تلذذي) ويحتمل أنها مصحفة عن كلمة أخرى غير التي أثبتتها.
(2) في الحلية (2/377): (ولا نفع عليها) بدل (ولا تقطع علتها).(1/97)
عن يحيى بن أيوب قال: دخلت مع زافر بن سليمان على الفضيل بن عياض بالكوفة فإذا الفضيل وشيخ معه، قال: فدخل زافر وأقعدني على الباب، قال زافر: فجعل الفضيل ينظر إلي ثم قال: يا أبا سليمان هؤلاء أصحاب الحديث ليس شيء أحب إليهم من قرب الإسناد، ألا أخبرك بإسناد لا شك فيه؟!: رسول الله صلى الله عليه وسلم [عن] جبريل عليه السلام عن الله تعالى: (ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد) قرأ الآية فأنا وأنت يا أبا سليمان من الناس، قال: ثم غشي عليه وعلى الشيخ وجعل زافر ينظر إليهما، قال: ثم تحرك الفضيل فخرج زافر وخرجت معه والشيخ مغشي عليه. (1/538-539)
عن قتادة قال: سأل عامر بن عبد الله ربه عز وجل أن يهون عليه الطهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء له بخار(1) وسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه فكان لا يبالي ذكراً لقي أم أنثى وسأل ربه أن يحول بين الشيطان وبين قلبه في الصلاة فلم يقدر على ذلك؛ وكان إذا غزا فيقال له: إن هذه الأجمة نخاف عليك فيها الأسد قال: إني لأستحي من ربي أن أخشى غيره. (1/539)
__________
(1) هذا الخبر فيه عندي نكارة من أكثر من وجه، ومن هذه الوجوه أن الرجل الذي يجتهد في العبادة ويبلغ من ذلك المرتبة التي بلغها عامر بن عبد قيس يبعد جداً أن يكره الوضوء في الماء البارد في الشتاء مهما بلغت برودته ولا سيما وأنهم كانوا يعرفون فضل إسباغ الوضوء في المكاره وهم أهل الخشونة والزهد والتقشف؛ ومنها أيضاً أن مثل هذا الرجل أعرف بالله تعالى من أن يسأل مثل هذه الأسئلة الدنيوية التي غايتها التنعم ونحوه، ومنها أيضاً أن ذلك – إذا يقع – يكون باباً من أبواب الشهرة ولا شك أن عامراً هذا كان يهرب من الشهرة كل مهرب، والله تعالى أعلى وأعلم.(1/98)
عن محمد بن بشر المكي قال: كنا يوماً ماضين مع علي بن الفضيل فمررنا بمجلس بني الحارث المخزومي ومعلم يعلم الصبيان، قال: ويقرأ (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) فشهق ابن فضيل شهقة خر مغشياً عليه فجاء الفضيل فقال: بأبي قتيل القرآن! ثم حُمل فحدثني بعض من حمله أن الفضيل أخبره أن علياً ابنه لم يصل ذلك اليوم الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء فلما كان في جوف الليل أفاق. (1/539)
عن جعفر بن محمد قال: قيل لفضيل بن عياض: ما سبب موت ابنك علي؟ قال: بات يتلو القرآن فأصبح في محرابه ميتاً. (1/539-540)
عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: غزونا فمررنا بأجمة في مكان مخوف فإذا رجل نائم عند فرسه قلنا: يا عبد الله ما لك؟! قال: وما لي؟! قلنا: في مثل هذا المكان تنام؟! قال: إني لأستحي من ربي أن يعلم أني أخاف شيئاً غيره. (1/540)
عن علي بن عثام: قال عمر بن عبد العزيز: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء. (1/540-541)
عن سري بن المغلس قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد. (1/541)
عن فيض بن إسحاق الرقي قال: قال الفضيل بن عياض: إن خفت الله لم يضرك أحد وإن خفت غير الله لم ينفعك أحد. (1/541)
عن فيض بن إسحاق الرقي قال: سألت الفضيل بن عياض عن شيء، قال: من خاف الله خاف منه كل شيء، ومن خاف غير الله خاف من كل شيء. (1/541)
عن أبي الخير الديلمي قال: قال أبو عمرو الدمشقي: حقيقة الخوف أن لا تخاف مع الله أحداً. (1/541)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: على قدر حبك لله يحبك الخلق، وعلى قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر شغلك بأمر الله يشغل في أمرك الخلق. (1/541)(1/99)
عن المغيرة بن حكيم قال: قالت لي فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز: يا مغيرة إنه يكون في الناس من هو أكثر صلاة وصياماً من عمر، وما رأيت أحداً قط أشد فرقاً من ربه من عمر؛ كان إذا صلى العشاء قعد في المسجد ثم يرفع يديه فلم يزل يبكي حتى تغلبه عينه ثم ينتبه فلم يزل رافعاً يديه يبكي حتى تغلبه عينه. (1/542)
عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة قال: شهدت عمر بن عبد العزيز ومحمد بن قيس يحدثه فرأيت عمر يبكي حتى اختلفت أضلاعه. (1/542)
عن ميمون بن مهران أن عمر بن عبد العزيز أتي بسلق وأقراص فأكل ثم اضطجع على فراشه وغطى وجهه بطرف ردائه وجعل يبكي ويقول: عبد بطيء بطين يتباطأ ويتمنى على الله منازل الصالحين!! (1/542)
عن المفضل بن غسان الغلابي قال: كان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: لا يجف دمعه من هذا البيت:
ولا خير في عيش امرىء لم يكن له
من الله في دار القرار نصيب (1/542)
عن قتادة قال: قال لي العلاء بن زياد: ما نحن إلا كمثل القوم وضعنا أنفسنا في النار وإن شاء الله أن يخرجنا منها برحمته أخرجنا(1). (1/542-543)
عن مورق [العجلي] قال: ما وجدت للموت مثلاً إلا كمثل رجل على خشبة في البحر فهو يقول: يا رب [يا رب]، لعل الله أن ينجيه. (1/543 و 2/39)
عن سعيد بن عبد الله بن الربيع بن خثيم عن عمته قالت: كنت أقول لأبي: يا أبتاه ألا تنام؟ فيقول: يا بنية كيف ينام من يخاف البيات. (1/543)
عن مالك بن دينار قال: قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبتاه إني أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟! قال: يا بنية إن أباك يخاف البيات. (1/543)
__________
(1) لفظ رواية الحلية (2/245) هو: إنما نحن قومٌ وضعْنا أنفسَنا في النارِ إن شاء اللهُ أنْ يخرجَنا منها أخرجَنا.(1/100)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون وشكا إليه رجل السبات فقال له: لو خفت البيات لما غلبك السبات؛ ثم أنشأ ذو النون يقول: تحل لمولاك بالطاعة، والبس له قناع ذل الفاقة، يرى اهتمامك ببلوغ رضوانه فيؤديك بذلك منازل الأبرار. (1/543)
عن ذي النون يقول: ثلاث من أعلام الخوف: الورع عن الشبهات بملاحظة الوعيد، وحفظ اللسان من مراقبة النظر العظيم، ودوام الكمد إشفاقاً من غضب الحليم. (1/543)
عن عثمان بن سعيد الدارمي قال: سمعت نعيم بن حماد يقول: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة من البكاء لا يجترىء أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء إلا دفعه. (1/544)
عن أبي إسحاق إبراهيم بن الأشعث قال: مرض ابن المبارك مرضاً فجزع حتى رأوه جزعاً فقيل له: إنه ليس بك كل ذلك وأنت تجزع هذا الجزع! قال: مرضت وأنا بحال لا أرضاه. (1/544)
قال أبو إسحاق: وقال الفضيل يوماً وذكر عبد الله وقال: أما إني أحبه لأنه يخشى الله عز وجل. (1/544)
قال أبو إسحاق: قيل لابن المبارك: رجلان أحدهما خائف والآخر قتل في سبيل الله؟ قال: أحبهما إلي أخوفهما. (1/544)
عن أبي خزيمة العابد قال: دخلت على عبد الله [بن المبارك] وهو مريض فجعل يتقلب على فراشه من الغم فقلت له: يا أبا عبد الرحمن ما هذا؟! أصبر! قال: ومن يصبر على أخذ الله؟! إن أخذه أليم شديد. (1/544)(1/101)
عن عبد الله بن عاصم الهروي أن شيخاً دخل على عبد الله بن المبارك فرآه على وسادة خشنة مرقعة، قال: فأردت أن أقول له فرأيت به من الخشية حتى رحمته فإذا هو يقول: قال الله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)، قال: لم يرض الله أن ننظر إلى محاسن المرأة فكيف بمن يزني بها؟! وقال الله عز وجل: (ويل للمطففين) في الكيل والوزن، فكيف بمن يأخذ المال كله؛ وقال الله عز وجل: (ولا يغتب بعضكم بعضاً) ونحو هذا، فكيف بمن يقتله؛ قال: فرحمته وما رأيته فيه؛ فلم أقل له شيئاً. (1/545)
عن العباس بن أبان ذكره عن بعض العلماء قال: ذو الدين يخاف العقاب، وذو الكرم يخاف العار، وذو العقل يخاف التبعة. (1/545)
عن ثمامة عن أنس بن مالك قال: كنت أصنع خبزة لهم فسمعت نقيض الأرض فخرجت فإذا الأرض قد تشققت وإذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكون ويدعون حتى ذهبت. (1/547)
عن عبيد الله بن النضر حدثني أبي انها كانت ظلمة على عهد أنس حتى كأن النهار مثل الليل، قال: فأتيته بعد ما انجلت فقلت: يا أبا حمزة هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: معاذ الله إن كانت الريح لتشتد فنبتدر إلى المسجد أينا يدخله أولاً. (1/547)
عن أبي زكريا الخلقاني الهمداني قال: كنا عند علي بن بكار فمرت سحابة فسألته عن شيء فقال لي: اسكت حتى تجوز هذه السحابة! أما تخشى أن يكون فيها حجارة نرمى بها؟!. (1/547)
عن أبي بكر بن هارون الحمال قال: سمعت الحارث المحاسبي يقول وذكر البلاء فقال: هو للمخلطين عقوبات وللتائبين طهارات وللطاهرين درجات. (1/547)
عن الحسين بن منصور قال: كثيراً ما كنت أسمع علي بن عثام يقول: اللهم لا تبل أخبارنا(1). (1/548)
الثاني عشر من شعب الإيمان
__________
(1) قال البيهقي: وهذا كقوله تعالى (ونبلو أخباركم) وذلك فيما يبتليهم به في الجهاد وغيره لينظر كيف صبرهم فخاف علي بن عثام أن لا يقوم بصبره فقال: اللهم لا تبل أخبارنا.(1/102)
باب في الرجاء(1) من الله تعالى
عن حصين عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن ظنه بربه(2). (2/6-7)
__________
(1) قال الحليمي رحمه الله: وهو على وجوه أحدها: رجاء الظفر بالمطلوب والوصول إلى المحبوب والثاني: رجاء دوامه بعد ما حصل والثالث: رجاء دفع المكروه وصرفه كي لا يقع والرابع رجاء الدفع والإماطة لما قد وقع---وإذا استحكم الرجاء حدث عنه من التخشع والتذلل نحو ما يحدث عن الخوف إذا استحكم لأن الخوف والرجاء متناسبان إذ الخائف في حال خوفه يرجو خلاف ما يخافه ويدعو الله عز وجل به ويسأله إياه والراجي في حال رجائه خائف ما يرجو ويستعيذ بالله منه ويسأله صرفه ولا خائف إلا وهو راج ولا راجي إلا وهو خائف وبسط الكلام فيه إلى أن قال: ولأجل تناسب الأمرين قرن الله تعالى بهما في غير آية من كتابه فقال: (وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين) فالخوف الإشفاق والطمع الرجاء؛ وقال في قوم مدحهم وأثنى عليهم: (يرجون رحمته ويخافون عذابه)، وقال: (ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) فالرغبة الرجاء والرهبة الخوف.
(2) ليس لأحد أن يقل خوفه من الله تعالى ولو بلغ من الاجتهاد في العبادة ما بلغ ونصوص الرجاء والعفو والمغفرة لا تمنع من ذلك الخوف فإن الله تعالى قد يغفر لمن يشاء الذنب العظيم ويعذب من يشاء على الذنب اليسير وقد يغفرهما لمن يشاء وقد يعذب عليهما من يشاء ثم يعفو ويغفر، وكذلك لا ينبغي لأحد أن يزكي نفسه ولا أن يأمن مكر الله تعالى، ولا يدري العبد ما سيبدو له يوم القيامة، ولا ينبغي لمسلم أن يكون رجاؤه رحمة الله خالياً عن خوفه عذاب الله ليكون بخوفه منتهياً عن معصية الله وبرجائه راغباً في طاعة الله وللمسلم أن يحسن ظنه بربه ما استطاع وأن يسيء ظنه بنفسه ما بدا له والله أعلم.(1/103)
عن المعتمر بن سليمان قال: قال لي أبي حين حضرته الوفاة: يا معتمر حدثني بالرخص لعلي ألقى الله وأنا حسن الظن به. (2/7)
عن أبي سلمة التيمي قال: سمعت عبد الأعلى التيمي يقول لجار له قد حضره الموت: أبا فلان ليكن جزعك لما بعد الموت أكثر من جزعك من الموت وأعد لعظيم الأمور حسن الظن بالله عز وجل. (2/7)
قال البيهقي: وأفضل الرجاء ما تولد من مجاهدة النفس ومجانبة الهوى قال الله عز جل: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم). (2/8)
عن خيثمة قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئاً قط بعد الإيمان بالله عز وجل أفضل من أن يحسن ظنه بالله، والله الذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله ظنه إلا أعطاه الله إياه وذلك أن الخير بيده. (2/8-9)
عن عبد الله بن خبيق أنه قال: الرجال ثلاثة: رجل عمل حسنة فهو يرجو ثوابها، ورجل عمل سيئة ثم تاب فهو يرجو المغفرة، والثالث الرجل الكذاب يتمادى في الذنوب يقول: أرجو المغفرة! ومن عرف نفسه بالاساءة ينبغي أن يكون [خوفه] غالباً على رجائه(1). (2/10)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: إذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب. (2/10)
عن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: قال رجل مصاب وكانت تكون منه الكلمة بعد الكلمة: الرجاء بلا عمل اجتراء على الله عز وجل. (2/10)
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي قال: سمعت ابن السماك يقول: كتبت إلى صديق لي: إن الرجاء في قلبك قيد في رجلك، فأخرج الرجاء من قلبك تحل القيد من رجلك(2). (2/11)
__________
(1) هذه الجملة التي تحتها خط من المحتمل أنها من كلام البيهقي لا من كلام عبدالله بن خبيق.
(2) قال البيهقي: وهذا رجاء غلب على الخوف.(1/104)
عن قتادة قال: حدثنا مطرف قال: كنا نأتي زيد بن صوحان فكان يقول: يا عباد الله أكرموا وأجملوا فإنما وسيلة العباد إلى الله عز وجل خصلتان: الخوف والطمع. (2/11)
عن علي بن زيد عن مطرف أنه تلا هذه الآية: (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم، وإن ربك لشديد العقاب) فقال: فلو يعلم الناس قدر مغفرة الله ورحمة الله وعفو الله وتجاوز الله لقرت أعينهم، ولو يعلم الناس نكال الله ونقم الله وبأس الله وعذاب الله ما رقأ لهم دمع ولا انتفعوا بطعام ولا شراب. (2/11)
عن أبي يعقوب السوسي قال: العابد يعبد الله تحذيراً، والعارف يعبد الله تشريفاً، والعالم يعبد الله خائفاً وراجياً(1). (2/12)
عن ثابت عن مطرف قال: لو وزن رجاء المؤمن وخوفه ما رجح أحدهما على صاحبه. (2/12)
عن الأصمعي قال: قال مطرف: لو وزن خوف المؤمن ورجاءه بميزان تريص(2) ما كان بينهما نبط شعرة. (2/12)
عن سفيان بن عيينة سمعت شعبة يقول: لو وزن خوف المؤمن ورجاءه ما زاد خوفه على رجائه ولا رجاءه على خوفه. (2/12)
عن أبي علي الروذباري يقول: الخوف والرجاء هما كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه وإذا نقص واحد منهما وقع فيه النقص وإذا ذهبا جميعاً صار الطائر في حد الموت لذلك قيل: لو وزن خوف المؤمن ورجاءه لاعتدلا. (2/12-13)
__________
(1) هذا النوع الأخير هو الصحيح، وهو الذي وصف الله تعالى به أنبياءه والصالحين من عباده، قال تعالى: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين).
(2) كانت تربص، وكتبت صوابها، قال ابن قتيبة في الغريب 3/755: "جاء في الحديث : لو وزُن رَجاءُ المُؤمِن وخَوْفُه بميزان تريص مازادَ أَحدُهما على الآخر. التَّرِيص: المُحْكمْ؛ يقال: أَتْرَصْت الشيء إذا أَحكمته وأَجدت عَمَله. قال ذوُ الإصْبع يذكر سِهاماً: من المنسرح:
تَرَّص أَفواقَها وقَومَّها أَنْبَلُ عَدْوان كلّها صَنَعا
أنَبْلَ: أحَذَقَ.(1/105)
عن سفيان الثوري قال: كان مسلم بن يسار قد وقع في ثنيته الدم كانوا يرون أنه من كثرة سجوده ليلاً ونهاراً فدخل عليه بعض جيرانه فوجده قد سقطعت ثنيتاه وهو يدفنهما فقال له مسلم: دخلت علي وأنا أدفن بعضي، فقال له الجار: لا أدري الذي أنت فيه إلا أني أرجو الله وأخافه، قال مسلم: يا أخي ما أدري ما معنى الخوف الذي لا يبعد مما تخاف ولا أدري ما معنى الرجاء الذي لا يقرب مما ترجو. (2/13)
عن سفيان الثوري قال: قال رجل لمسلم بن يسار: علمني كلمة تجمع لي موعظة نافعة، قال: فأطرق طويلاً ثم رفع رأسه فقال: لا ترد بعملك غير من يملك ضرك ونفعك؛ قال: زدني، قال: أحمل رجاءك ولا تستعمله واستشعر الخوف ولا تغفله، قال: زدني، قال: يوم العرض على ربك لا تنسه؛ قال: ثم سقط لوجهه مكفا(1). (2/13)
عن مالك بن مغول عن معاوية بن قرة أنه جلس ورجل من التابعين يتذاكران، فقال أحدهما: إني لأرجو وأخاف، وقال الآخر: إنه من رجا شيئاً طلبه وإنه من خاف من شيء هرب منه، وما حسب امرىء يرجو شيئاً لا يطلبه، وما حسب امرىء يخاف(2) شيئاً لا يهرب منه. (2/13)
عن أحمد الكرابيسي قال: سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل ينشد:
ما بال دينك ترضى أن تدنسه
وإن ثوبك مغسول من الدنس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس
(2/14)
عن ذي النون قال: وجدت حجراً فإذا عليه مكتوب: كل مطيع مستأنس، وكل عاص مستوحش، وكل راج طالب، وكل خائف هارب، وكل محب ذليل. (2/14)
عن علي بن عكرمة قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: الإيمان ثلاثة: الخوف والرجاء والمحبة؛ وفي جوف الخوف ترك الذنوب وفيه النجاة من النار؛ وفي جوف الرجاء الطاعة وفيه وجوب الجنة؛ وفي جوف المحبة احتمال المكروهات وبه تجد رضا الله عز وجل. (2/14)
__________
(1) كذا.
(2) كانت (يرجو).(1/106)
عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: كيف لا أخافك وأنت عزيز؟! وكيف لا أرجوك وأنت كريم(1)؟! فأنا بين خوف يقعطني ورجاء يوصلني فلا رجائي يدعني فأموت خوفاً ولا خوفي يتركني فأحيى فرحاً. (2/14)
عن يحيى بن معاذ قال: يُستقى الخوف من بحر عدله، ويُستقى الرجاء من بحر فضله؛ وقد سبق القضاء أن رحمته سبقت غضبه. (2/14)
عن أبي بكر الشهرزوري قال: كنت في مجلس أبي القاسم الجنيد، وابن عطاء حاضر، ورجل في المجلس قد غلبته شدة الخوف وهو يرجف فقال له أبو القاسم الجنيد: لا ترع، فما هو إلا أن تبدو عين من عيون الرحمة فإذا بالمسيء قد لحق بالمحسن، قال ابن عطاء: حتى تبدو، قال: فغضب الجنيد وقال: أما والله إنها لبادية؛ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل: سبقت رحمتي غضبي؟! قال: فسكت ابن عطاء. (2/14-15)
عن أيوب السختياني قال: إن رحمة قسمها في دار الدنيا وأصابني منها الإسلام، وأني لأرجو من تسعة وتسعين رحمة ما هو أكثر من ذلك. (2/15)
عن وهب بن منبه قال: قال لقمان لابنه: يا بني أرج الله رجاء لا يجرئك على معصيته وخف الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته. (2/18)
عن عون بن عبد الله قال قال لقمان لابنه يا بني أرج الله رجاء لا تأمن فيه مكره وخف الله مخافة لا تيأس فيها من رحمته؛ قال: يا أبتاه وكيف أستطيع ذلك وإنما لي قلب واحد؟! قال: المؤمن كذا، له قلبان(2): قلب يرجو به وقلب يخاف به. (2/18-19)
__________
(1) كانت العبارة هكذا: (كيف أخافك وأنت كريم وكيف لا أرجوك وأنت عزيز) فأصلحتها اجتهاداً مني بعد أن غلب على ظني أنه قد وقع فيها خطأ وتغيير؛ وفي صفة الصفوة (4/91) عن يحيى قال: إلهي كيف أفرح وقد عصيتك وكيف لا أفرح وقد عرفتك وكيف أدعوك وأنا خاطئ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟!.
(2) أي حالتان في قلبه.(1/107)
عن ابن مسعود أنه قال: الكبائر الإشراك بالله عز وجل والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله. (2/20)
عن ابن أبي ملكية أن عبيد بن عمير دخل على عائشة رضي الله عنها فقالت: من هذا؟ فقالوا: عبيد بن عمير، فقالت: عمير بن قتادة؟ قالوا: نعم، قالت: أحدَّث أنك تجلس ويجلس إليك؟ قال: بلى يا أم المؤمنين، فقالت: فإياك وإملال الناس وتقنيطهم. (2/20-21)
عن معمر عن زيد بن أسلم أن رجلاً كان في الأمم مجتهداً في العبادة ويشدد على نفسه ويقنط الناس من رحمة الله تعالى ثم مات فقال: أي رب ما لي عندك؟ قال: النار، قال: أي رب فأين عبادتي واجتهادي؟! قال فيقول: إنك كنت تقنط الناس من رحمتي في الدنيا فأنا اقنطك اليوم من رحمتي(1). (2/21)
عن أبي الكنود قال: مر عبد الله يعني ابن مسعود على قاص وهو يذكر فقال: يا مذكر لا تقنط الناس ثم قرأ: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً). (2/21)
عن جعفر حدثنا أبو سنان القسملي قال: وجدت في بعض الكتب: إن أحب عبادي إلي من حببني إلى عبادي وأخبرهم بسعة رحمتي وأن أبغض عبادي إلى من قنط عبادي وآيسهم من رحمتي. (2/22)
سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا عثمان المغربي يقول: من حمل نفسه على الرجاء تعطل، ومن حمل نفسه على الخوف قنط، ولكن ساعة [وساعة] ومرة ومرة. (2/22)
__________
(1) قال البيهقي: ولعل هذا الرجل كان يرى النجاة في عبادته ويعتمد عليها ولا يذكر مغفرة الله عز وجل الذنوب لمن يشاء من عباده بل كان يستبعدها.(1/108)
عن أبي تراب أحمد بن حمدون القصار قال: سمعت أبي وسئل عن الملامة(1) فقال: خوف القدرية ورجاء المرجئة. (2/22)
عن الأعمش قال: قال مطرف بن عبد الله: وجدت الغفلة التي ألقى الله عز وجل في قلوب الصديقين من خلقه رحمة رحمهم بها، ولو ألقى في قلوبهم من الخوف له على قدر معرفتهم به ما هنأهم العيش. (2/24)
عن إسماعيل بن أمية عن وهب بن منبه قال: خلق ابن آدم أحمق لولا حمقه ما هنأ له العيش. (2/24)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: لو سمعت الخليقة النار لتصدعت القلوب فرقاً؛ ولو ترى القلوب كنه المحبة لخالقها لا نخلعت مفاصلها إليه ولهاً ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشاً؛ فسبحان من أغفل الخليفة عن كنه هذه الأشياء وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأشياء. (2/24)
عن أبي يزيد فيض بن إسحاق الرقي قال: قال الفضيل بن عياض: ما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته إذاً لطاش عقلي؛ وقال الفضيل: سأل داود عليه السلام ربه عز وجل أن يلقي في قلبه الخوف فدخل فلم يحتمله قلبه فطاش عقله حتى ما كان يعقل صلاة ولا غيرها ولا ينتفع بشيء فقيل له: ألا تحب أن ندعك كما أنت أو نردك إلى ما كنت عليه؟ فقال: ردوني فرد عليه عقله. (2/24-25)
__________
(1) قال الذهبي في السير 13/50-51: "حمدون القصار: شيخ الصوفية أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة النيسابوري قدوة الملامتية، وهو تخريب الظاهر وعمارة الباطن مع التزام الشريعة؛ وكان سفيانياً؛ سمع محمد بن بكار بن الريان وابن راهويه وأبا معمر الهذلي، وصحب أبا تراب وأبا حفص النيسأبوري---ومن كلامه قال: لا يجزع من المصيبة إلا من اتهم ربه، وسئل عن الملامة فقال: خوف القدرية ورجاء المرجئة؛ وقد جمع السلمي جزءاً من حكايات حمدون، وأنه مات سنة إحدى وسبعين وأنه شيخ الزاهد عبد الله بن منازل".(1/109)
عن أبي يعقوب الغازي قال: رأيت في منامي رجلاً آدم طوالاً والناس يتبعونه قلت: من هذا؟ قالوا: أويس القرني قال: فاتبعته فقلت: أوصني رحمك الله، قال: ابتغ رحمة الله عند محبته واحذر نقمته عند معصيته ولا تقطع رجاءك عنه في خلال ذلك ثم ولى وتركني. (2/25)
عن ذي النون قال: الخوف رقيب العمل والرجاء شفيع المحن. (2/25)
عن ذي النون المصري قال: عرف المطيعون عظمتك فخضعوا وسمع المذنبون بجودك فطمعوا. (2/25)
عن يحيى بن معاذ قال: إن كان قد صغر في جنب عطائك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي. (2/25)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: لقد رجوت ممن ألبسني بين الأحياء ثوب عافيته أن لا يعذبني بعد الممات وقد عرفت جود رأفته؛ إلهي إن كنت غير مستأهل لما أرجو من رحمتك فأنت أهل أن تجود على المذنبين بفضل سعتك إلهي لولا ما عرفت من عدلك ما خفت من عذابك ولولا ما عرفت من فضلك ما رجوت ثوابك إلهي إن كنت لا تعفو إلا [عن] أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون وإن كنت لا ترحم إلا أهل تقواك فبمن يستغيث المسيئون. (2/25-26)
عن محمد بن محمد بن عبد الله الزيدي قال: قال بعض الحكماء في مناجاته: إلهي لو أتاني الخبر انك غير قابل دعائي ولا سامع شكواي ما تركت دعاءك ما بل ريقي لساني؛ أين يذهب الفقير إلا إلى الغني وأين يذهب الذليل إلا إلى العزيز أنت أغنى الأغنياء وأعز الأعزاء يا رب. (2/26)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني ووقفت عليه وهو لا يراني فسمعته يقول: لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك ولئن طالبتني بتوبتي لأطالبنك بسخائك ولأن أدخلتني النار لأخبرن أهل النار أني أحبك. (2/26)(1/110)
عن لبطة بن الفرزدق عن أبيه قال: لقيت أبا هريرة فقال: من أنت؟ قلت: أنا الفرزدق، قال: إن قدميك صغيرتان كم من محصنة قذفتها؛ وإن لرسول الله صلى الله عليه حوضاً ما بين أيلة إلى كذا وكذا وهم قائم بدنياه فيقول: إلي إلي، فإن استطعت لا تحرمه قال: فلما قمت قال: ما صنعت من شيء فلا تقنط. (2/26-27)
عن يحيى بن معاذ قال: إني لأرجو أن يكون توحيد لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر(1): لا يعجز عن محو ما بعده من ذنب. (2/27)
قال البيهقي: وكما لا ينبغي أن يكون الخوف إلا من الله عز وجل، كذلك لا ينبغي أن يكون الرجاء إلا منه لأنه لا يملك أحد من دونه ضراً ولا نفعاً؛ فمن رجا ممن لا يملك ما لا يملك فهو من الجاهلين. (2/27)
عن علي بن عثام قال: قال بشر بن الحارث: لما رفع إبراهيم صلى الله عليه وسلم ليلقي في النار عرض له جبريل عليه السلام فقال: يا إبراهيم هل لك من حاجة؟ قال: أما إليك فلا. (2/29)
عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: لما ألقي إبراهيم في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل؛ قال: وكذلك قال محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل(2). (2/30)
عن يحيى بن معاذ قال: ثلاث خصال من صفة الأولياء: الثقة بالله في كل شيء والغنى به عن كل شيء والرجوع إليه من كل شيء. (2/30)
__________
(1) ما تقدم اسم يكون وصفة اسمها، وما يأتي خبر يكون؛ والمعنى أنه يرجو أن يكون التوحيد الذي لم يعجز عن هدم ما قبله من الشرك غير عاجز عن محو ما بعده من السيئات.
(2) رواه البخاري؛ وهو كما ترى مرفوع ولكنني أحببت إيراده.(1/111)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: علم القوم في أربعة أشياء: يرون كل شيء من الله؛ ثم يرجعون مع(1) كل شيء إلى الله؛ فيطلبون كل شيء من الله؛ ويردون كل شيء إلى الله. (2/30)
عن أبي عثمان [الحيري] قال: الموفق من لا يخاف غير الله ولا يرجو غيره فيؤثر رضاه على هوى نفسه. (2/30)
عن أبي يعقوب النهرجوري قال: من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعاً، ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيراً، ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل محروماً، ومن استعان في أمره بغير الله لم يزل مخذولاً. (2/31)
عن بهدلة بن نمير قال: كنت في مجلس يزيد بن هارون أكتب الحديث بواسط وكانت نفقتي قد قلت فقال لي رجل من الزهاد: من تؤمل في هذا البلد لما نزل بك؟ فقلت: يزيد بن هارون، فالتفت إلي مغضباً [و]قال لي: إذاً والله لا يسعفك في حاجتك ولا يبلغك أملك ولا يعطيك سؤلك! فقلت: ولم ذلك؟! قال: لأني قرأت في الكتب السالفة أن الله تبارك وتعالى يقول في بعض أسفار التوراة: وعزتي وجلالي وجودي وكرمي لأقطعن أمل كل مؤمل غيري بالإياس ولألبسنه ثوب المذلة ما بقي في الناس ولأنحينه عن بابي ولأطردنه من وصلي؛ أيؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي؟! ويرجى غيري ويطرق بالفقر أبواب الملوك والأبواب مغلقة ومفاتيحها بيدي وبابي مفتوح لمن دعاني؟! من الذي قرع بابي فلم أفتح له؟! ومن الذي دعاني فلم أجبه؟! ومن الذي سألني فلم أعطه؟! وذكر حديثاً طويلاً. (2/31)
__________
(1) إذا كانت كلمة (مع) محفوظة، فإن معناها إنهم وما يملكونه إلى الله راجعون؛ وأما إذا كانت محرفة عن (من) فمعناها كثرة وسرعة توبتهم وإنابتهم ورجوعهم إلى الله تعالى من كل شيء ومن كل حال.(1/112)
عن الليث بن سعد قال: رأيت إسماعيل بن عقبة بصيراً ثم رأيته قد عمي ثم رأيته بصيراً فقلت: أليس رأيتك بصيراً ثم عميت ثم أبصرت؟! قال: نعم، قلت: وبم ذاك؟ قال: رأيت في المنام فقيل لي: قل يا قريب يا مجيب يا سميع الدعاء يا لطيف لما يشاء فقلتها فرد علي بصري. (2/32)
عن محمد بن يوسف الفريابي قال: لما أخذ أبو جعفر المنصور إسماعيل بن أمية وأمر به إلى السجن مر بحائط مكتوب عليه: يا ولي نعمتي ويا صاحبي في وحدتي وعدتي في كربتي فلم يزل يدعو بها حتى خلى سبيله ثم مر على ذلك الحائط فنظر إليه فلم ير شيئاً مكتوباً. (2/32)
عن سعيد بن عنبسة بن سعيد قال: بينما رجل جالس في الكعبة وهو يعبث بالحصا ويخذفها إذ رجع حصاة منها فصارت في أذنه فعالجوه بكل الحيل فلم يقدروا على إخراجها فبينما هو ذات يوم جالساً إذ سمع قارئاً يقرأ هذه الآية (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) فوثب الرجل فقال: يا رب أنت المجيب وأنا المضطر اكشف ضر ما أنا فيه؛ قال: فندرت الحصاة من أذنه. (2/32)(1/113)
عن إسحاق بن عباد البصري قال: رأيت في منامي ذات ليلة قائلاً يقول: أغث الملهوف، قال: فانبتهت فقلت: انظروا هل في جيراننا محتاج؟ فقالوا: ما ندري، قال: فنمت ثانياً فعاد إلي فقال: تنام ولم تغث الملهوف؟! فقمت: فقلت للغلام: أسرج البغل وأخذت معي ثلاثمئة درهم ثم ركبت البغل فأطلقت عنانه وذكر الحديث في سيره حتى بلغ مسجداً يصلى فيه على الجنازة، قال: فوقف البغل هناك، قال: فنظرت فإذا رجل يصلي فلما حس بي انصرف، قال: فدنوت منه فقلت: يا عبد الله في هذا الوقت في هذا الموضع ما أخرجك؟! قال: أنا رجل خواص كان رأس مالي مئة درهم فذهبت من يدي ولزمني دين مئتي درهم قال فأخرجت الدراهم وقلت: هذه ثلاث مئة درهم خذها؛ قال: فأخذها؛ قلت: تعرفني؛ قال: لا، قلت: أنا إسحاق بن عباد فإن نابتك نائبة فأتني فإن منزلي في موضع كذا وكذا؛ فقال: رحمك الله إن نابتنا نائبة فزعنا إلى من أخرجك في هذا الوقت حتى جاء بك إلينا. (2/32-33)
سمعت الأستاذ أبا القاسم القشيري رحمه الله يقول: سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: كان بي رمد في ابتداء أمري وما نعست مدة من الوجع فنعست لحظة فسمعت قائلاً يقول: (أليس الله بكاف عبده) فانتبهت وزال الوجع في الوقت وما رمدت عيني بعده قط. (2/33)
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت امرأة تغشى عائشة رضي الله عنها وكانت تكثر أن تتمثل بهذا البيت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا
ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
قال: فقالت عائشة رضي الله عنها: ما هذا البيت الذي أراك تتمثلين؟ قال: فقالت: شهدت عروساً لنا في الجاهلية وضعوا وشاحها وأدخلوها مغتسلها فأبصرت الحدأة حمرة الوشاح فانحطت عليه فأخذته فاتهموني ففتشوني حتى فتشوا قبلي قالت: فدعوت الله أن يبرئني، قالت: فجاءت الحدأة بالوشاح حتى طرحته وسطهم وهم ينظرون. (2/33-34)(1/114)
عن هشام بن حسان قال: قال خالد الربعي: دخلت المسجد ومع كيس فيه ألف درهم فوضعته على تربيع سارية وصليت فنسيته حتى خرجت من المسجد فما ذكرته إلى آخر سنة، فقضي إني صليت إلى تلك السارية فذكرته فدعوت الله أن يرده علي؛ فإذا عجوز إلى جنبي فقالت: يا عبد الله ما أسمعك تقول؟ قلت: كيس نسيته عند هذه السارية عام الأول منذ سنة فجاءتني به بالخاتم. (2/34)
[فصل في الدعاء]
عن حماد بن سلمة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي أن رجلاً كان في غزاة مع أصحابه فأبق غلامه بفرسه فلما أراد أصحابه أن يرحلوا صلى ركعتين ثم قال: اللهم ترى مكاني وارتحال أصحابي اللهم إني أقسم عليك لما رددت غلامي وفرسي فالتفت فإذا هو بالغلام مكتوف بشطن؟؟ الفرس. (2/34)
عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: جاءني طاووس اليماني بكلام متخير من هذا الكلام فقال لي: يا عطاء إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل عليها حجابه؛ عليك بمن بابه لك مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك. (2/34-35)
عن محمد بن حامد قال: قلت لأبي بكر الوراق: علمني شيئاً يقربني [إلى الله تعالى ويقربني](1)من الناس فقال: أما الذي يقربك إلى الله فمسألته؛ وأما الذي يقربك من الناس فترك مسألتهم. (2/35)
سمعت الأستاذ أبا القاسم بن حبيب المفسر يقول: وأخذه(2) الشاعر:
والله يغضب إن تركت سؤاله
وبني آدم حين يسئل يغضب (2/35)
عن أم الدرداء قالت: قال أبو الدرداء في قول الله تبارك وتعالى (كل يوم هو في شأن) قال: يغفر ذنباً ويكشف كرباً ويجيب داعياً ويرفع قوماً ويضع آخرين. (2/36)
عن عبيد بن عمير قال: (كل يوم هو في شأن) قال: من شأنه أن يفك عانياً ويجيب داعياً ويشفي مريضاً ويعطي سائلاً. (2/36)
عن الربيع بن سليمان قال:
صبر جميل ما أسرع الفرجا
__________
(1) أستدركت هذا السقط من طبقات الصوفية للسلمي ص244 وصفة الصفوة 4/166.
(2) يعني هذا الحديث: (من لا يسأله يغضب عليه).(1/115)
من صدق الله في الأمور نجا
من خشي الله لم ينله أذى
من رجا الله كان حيث رجا
(2/37)
قال الحليمي: إذا علق رجاءه بالله جل ثناؤه ينبغي له أن يسأله ما يحتاج إليه صغيراً أو كبيراً لأن الكل بيده، لا قاضي للحاجات غيره، قال الله عز وجل: (أدعوني أستجب لكم) قرأ الآية. (2/37)
عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي قال: أفضل الدعاء الإلحاح على الله عز وجل والتضرع إليه. (2/38)
أخبرنا أبوعبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر بن إسحاق الفقيه الصبغي يقول: أريت في منامي كأني في دار فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد اجتمع الناس عليه يسألونه المسائل فأشار إلي أن أجيبهم، فما زلت أُسأل وأجيب وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لي: أصبت امض فلما فرغوا من السؤال قلت: يا أمير المؤمنين ما النجاة من الدنيا أو المخرج منها؟ فقال لي بإصبعه: الدعاء، فأعدت عليه السؤال فجمع نفسه كأنه راكع بخضوعه فقال: الدعاء، ثم أعدت عليه السؤال فجمع نفسه كأنه ساجد بخضوعه ثم قال: الدعاء. (2/39)
عن أبي عثمان [النهدي] عن سلمان قال: لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام قال: يا آدم واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك؛ فأما التي هي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً، وأما التي هي لك فما عملت من شيء جزيتك به وأن(1) أغفر فأنا الغفور الرحيم؛ وأما التي بيني وبينك فمنك المسألة والدعاء ومني الإجابة والعطاء. (2/39)
عن همام عن حذيفة قال: ليأتين عليكم زمان لا ينجو فيه من نجا إلا من دعا مثل دعاء الغريق. (2/40)
عن مالك عن زيد بن أسلم أنه كان يقول: ما من داع إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب وإما أن يؤخر عنه وإما أن يكفر عنه. (2/47)
عن منصور عن هلال بن يساف قال: بلغني أن العبد المسلم إذا دعا ربه فلم يستجب له كتب له حسنة. (2/47)
__________
(1) لعلها (وأنا).(1/116)
عن منكدر بن محمد بن المنكدر قال:---دخلت مع أبي وأبي حازم على عمر بن عبد العزيز فقال عمر لأبي: يا أبا بكر ما لي أراك كأنك مهموم؟! قال: فقال له أبو حازم: أجل، لدين عليه؛ قال: فقال له عمر: فتح لك فيه الدعاء؟ قال: نعم، قال: فقد بارك الله لك فيه. (2/50)
عن عبد الرحمن بن زيد قال: قال عبد الله: إن الله لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء، ولا يسمع من مسمِّع ولا من مراء، ولا من داع إلا دعاء ثبت قلبه(1). (2/50)
عن مالك بن الحارث قال: كان الربيع بن خثيم يأتي علقمة في يوم الجمعة فأتاه فقال: سمعت قساً - أو قال: رجلاً من أهل الكتاب - وهو يقول: ما أكثر الدعاء وأقل الإجابة وذلك أن الله تعالى لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء، قال: فتعجب علقمة لتعجب الربيع، قال: فقال عبد الرحمن بن يزيد: وما تعجّبك؟! أو ما سمعت عبد الله يقول: إن الله تعالى لا يقبل من مسمع ولا لاعب ولا لاه إلا من دعا ثبت القلب. (2/51)
عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت: إنما الوجل في قلب ابن آدم كاحتراق السعفة أما يجد لها قشعريرة؟ قالوا: بلى، قالت(2) فادعوا إذا وجدتم ذلك فإن الدعاء يستجاب عند ذلك. (2/51)
__________
(1) لعلها (ثبت من قلبه)؛ وقد قال ابن المبارك في (الزهد) ص20: أخبرنا سفيان عن سليمان عن مالك بن الحارث قال: جاء ربيع بن خثيم إلى علقمة فذكر شيئاً فقال: إن الله لا يقبل من العمل إلا الناخلة [أي المنخولة الخالصة]، يعني محض قلبه، فعجب به ربيع فقال عبد الرحمن بن يزيد لعلقمة: أما سمعت ابن مسعود يقول: إن الله لا يقبل من مسمِّع ولا مراء ولا لاعب ولا داع إلا داعياً دعاءً ثبتاً من قلبه.
(2) كانت (قال).(1/117)
عن جعفر حدثنا ثابت البناني قال: قال فلان: إني لأعلم حين يذكرني ربي، قالوا: تعلم حين يذكرك ربك؟! قال: نعم، إذا ذكرته ذكرني؛ قال: وإني لأعلم حين يستجيب لي ربي، قالوا: وتعلم حين يستجيب لك ربك؟! قال: نعم، إذا وجل قلبي واقشعر جلدي وفاضت عيناي وفتح لي في الدعاء فثم أعرف أني قد استجيب لي. (2/51)
عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال: إذا كان الرجل يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء فيدعو فتقول الملائكة: صوت معروف من آدمي ضعيف كان يدعو في السراء فيشفعون له؛ وإذا كان الرجل لا(1) يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء فدعا فيقول الملائكة: صوت منكر من آدمي ضعيف كان لا يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء فلا يشفعون له. (2/52)
عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء: ادع الله في يوم سرائك لعله يستجيب لك في يوم ضرائك. (2/52)
عن قتادة أن أبا الدرداء قال: من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له. (2/52)
عن أبي حمزة العطار قال: سمعت الحسن وسئل عن قوله عز وجل: (فلولا أنه كان من المسبحين) قال: كان يكثر الصلاة في الرخاء. (2/52)
عن عمر بن علي قال: سمعت علي بن الحسين يقول: لم أر للعبد مِثل التقدم في الدعاء(2) فإنه ليس كلما نزلت بلية يستجاب له عنها(3)، قال: وكان علي بن الحسين إذا خاف شيئاً اجتهد في الدعاء. (2/53)
عن إبراهيم بن السري السقطي قال: سمعت أبي يقول: كن مثل الصبي إذا اشتهى على أبويه شهوة فلم يمكناه فقعد يبكي عليها، فكن أنت مثله، فإذا سألت ربك ولم يعطكه فاقعد فابك عليه. (2/53)
__________
(1) كانت (فلا) ولها وجه صحيح.
(2) أي تقديم الدعاء في الرخاء قبل نزول الشدة، فإنه يستجاب في الغالب، وأما الدعاء وقت الشدة فقد يستجاب وقد لا يستجاب فالاستجابة فيه أقل.
(3) لعلها (عندها).(1/118)
عن ابن عيينة قال: لا تتركوا الدعاء ولا يمنعكم منه ما تعلمون من أنفسكم فقد استجاب الله تعالى لإبليس وهو شر الخلق قال: فأنظرني إلى يوم يبعثون قال: فإنك من المنظرين. (2/53)
عن سماك قال: سمعت وهباً يقول: الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر. (2/53)
عن محمد بن واسع قال: يكفي من الدعاء مع الورع اليسير كما يكفي القدر من الملح. (2/53-54)
عن عمرو بن ميمون عن طاوس قال: يكفي الصدق من الدعاء كما يكفي الطعام من الملح. (2/54)
عن أبي بكر الشبلي قال في قوله عز وجل: (ادعوني أستجب لكم) قال: أدعوني بلا غفلة أستجب لكم بلا مهلة. (2/54)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: إلهي أسألك تذللاً فأعطني تفضلاً. (2/54)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: كيف أمتنع بالذنب من الدعاء ولا أراك تمتنع بالذنب من العطاء. (2/54)
عن أبي زكريا يحيى بن معاذ الرازي قال: لا تستبطئن الإجابة إذا دعوت وقد سددت طرقها بالذنوب. (2/54)
عن مالك بن دينار قال: بلغنا أن بني إسرائيل خرجوا إلى مخرج لهم فقيل لهم: يا بني إسرائيل تدعوني بألسنتكم وقلوبكم بعيدة عني، باطل ما ترهبون. (2/55)
عن مالك بن دينار قال: بلغني أن بني إسرائيل خرجوا مخرجاً لهم فأوحى الله إليهم: تخرجون إلى الصعيد وترفعون إلي أكفاً سفكتم بها الدماء وملأتم بها بطونكم من الحرام؟! الآن حين اشتد غضبي عليكم ولم تزدادوا مني إلا بعداً. (2/55)
عن أبي كدينة عن ليث قال: أوحى الله تعالى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قومك يدعونني بألسنتهم وقلوبهم مني بعيدة، رفعوا إلي أيديهم يسألونني الخير وقد ملأوا بها بيوتاتهم من السحت، الآن حين اشتد غضبي عليهم. (2/55)
عن المعتمر عن أبيه قال: قال لقمان لابنه: يا بني أكثر من قول رب اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائل. (2/56)(1/119)
عن جعفر بن سليمان حدثنا ثابت قال: عبد الله رجل سبعين سنة فكان يقول في دعائه: رب اجزني بعملي رب إجزني بعملي فمات فأدخل الجنة فكان فيها سبعين سنة فلما استكملها قيل له: أخرج فقد استكملت عملك؛ فأسقط في يديه، فجعل يقول: أي شيء كان أوثق في الدنيا؟ فلم يجد شيئاً كان أوثق في الدنيا من دعاء الله والتضرع إليه فجعل يقول: رب سمعتك وأنا في الدنيا وأنت تقيل العثرات فأقل اليوم عثرتي، فترك فيها. (2/56)
الثالث عشر من شعب الإيمان
وهو باب التوكل بالله عز وجل والتسليم لأمره تعالى في كل شيء
عن قتادة قال: قال ابن عباس: إن مضيت فمتوكل وإن نكصت فمتطير. (2/64)
عن قتادة أن كعباً قال: قال الله عز وجل: ليس من عبادي من سحر أو سحر له أو كهن أو كهن له أو تطير أو تطير له، لكن من عبادي من آمن وتوكل علي. (2/64)
عن أحمد بن سعيد المعداني أنشد لمنصور الفقيه:
أقول لمنذري بالفراق
ما هو من شره كامن
ذنوبي أخاف فأما الفراق
فإني من شره آمن
(2/65)
عن محمد بن الرومي قال: قيل لبعض الحكماء: لم يهون عليكم معشر الحكماء قول أصحاب النجوم؟! قال: لأنهم إن حدثوا بخير فلم يستطيعوا تعجيله وإن حدثوا بشر حدثونا ولم يستطيعوا دفعه. (2/65)
عن أوس بن بشر المعافري أن عبد الله بن عمرو التقى هو وكعب ذو الكتابين فقال عبد الله لكعب: علم النجوم؟ فقال كعب: لا خير فيه، فقال عبد الله: لم؟ قال: ترى فيه ما تكره وتزيد الطيرة، فقال كعب: فإن مضى فقال: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا رب غيرك، ثم سكت فقال عبد الله: ولا حول ولا قوة إلا بك، قال كعب: جاء بها عبد الله، والذي نفسي بيده إنها لرأس التوكل وكنز العبد في الجنة ولا يقولها(1) عبد عند ذلك ثم يمضي إلا لم يضره شيء؛ قال عبد الله: أفرأيت إن لم يمض ودفعه قال: طعم قلبه طعم الإشراك. (2/65)
__________
(1) كانت (ولا يقولن).(1/120)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) قال: لا تعجل الرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قد قدر لك. (2/67)
عن أم الدرداء قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: لو أن رجلاً هرب من رزقه كهربه من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت. (2/71)
عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما من امرىء إلا وله أثر هو واطئه ورزق هو آكله وأجل هو بالغه وحنق هو قاتله حتى لو أن رجلاً هرب من رزقه لاتبعه حتى يدركه كما أن الموت يدرك من هرب منه ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب(1). (2/72)
عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء أنه قال: ما لي أرى علماءكم يذهبون وأرى جهلاءكم لا يتعلمون! اعلموا قبل أن يرفع العلم، فإن رفع العلم ذهاب العلماء، مالي أراكم تحرصون على ما تكفل لكم به وتضيعون ما وكلتم به؟! لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالخيل؛ هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبراً ولا يسمعون القرآن إلا هجراً ولا يعتق محرروهم. (2/73)
عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن متوكلون فيحجون إلى مكة فيسألون الناس فأنزل الله عز وجل (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)(2)
عن معاوية بن قرة أن عمر بن الخطاب أتى على قوم فقال: ما أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل أنتم المتكلون(3)، ألا أخبركم بالمتوكلين؟: رجل ألقى حبه(4) في بطن الأرض ثم توكل على ربه. (2/81)
عن المعرور بن سويد عن عمر رضي الله عنه قال: يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم ما أوضح الطريق، فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا كلاً على المسلمين. (2/82)
__________
(1) قال البيهقي أو غيره: وحين أمر بالإجمال في الطلب علمنا أنه لم يمنع من الكسب أصلاً ولكن كره له شدة الحرص وكثرة الهم فعل من يرى أن رزق الله إنما يحصل بجده وجهده دون تقدير خالقه ورازقه.
(2) أخرجه البخاري.
(3) يعني على أموال الناس.
(4) كانت (حبة).(1/121)
عن نافع قال: دخل شاب قوي المسجد وفي يده مشاقص وهو يقول: من يعينني في سبيل الله(1)؟ قال: فدعا به عمر فأتي به فقال من يستأجر مني هذا يعمل(2) في أرضه؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا أمير المؤمنين، قال: بكم تؤجره كل شهر؟ قال: بكذا وكذا، قال: خذه فانطلق به ليعمل في أرض الرجل أشهراً ثم قال عمر للرجل: ما فعل؟ أخبرنا، قال: صالح يا أمير المؤمنين؛ قال: إئتني به وبما اجتمع له من الأجر فجاء به وبصرة من دراهم فقال: خذ هذه فإن شئت الآن فاغز وإن شئت فاجلس. (2/82)
عن شعبة عن قتادة عن مطرف عن حكيم بن قيس بن عاصم قال: أوصى قيس بن عاصم بنيه فقال: أوصيكم بتقوى الله تعالى وأن تسودوا أكبركم فإنكم إذا فعلتم ذلك خلفتم أباكم، ولا تسودوا أصغركم فإنكم إذا فعلتم ذلك أزرى بكم من أكفائكم، وعليكم بالمال واصطناعه فإن المال منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس فإنها أخس كسب الرجل وإذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه وادفنوني في أرض لا يعلم بمدفني بكر بن وائل فإني كنت اغاولهم أو اغاورهم في الجاهلية؛ شك وهب(3). (2/82-83)
عن أحمد بن أبي الحواري حدثنا سفيان قال: اشترى سلمان [الفارسي] وسقاً من الطعام وقال: إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت. (2/83)
عن إبراهيم بن أدهم قال: قال سعيد بن المسيب: من لزم المسجد وقبل كلما يعطى فقد ألحف في المسألة. (2/83)
عن الجنيد بن محمد قال: سمعت السري يذم الجلوس في المسجد ويقول: جعلوا مسجد الجامع حوانيت ليس لها أبواب. (2/83)
عن علي بن عثام: قال محمد بن واسع لمالك بن دينار: ما لك لا تقارع الأبطال؟ قال: وما مقارعة الأبطال؟! قال: الكسب من الحلال والانفاق على العيال. (2/86-87)
__________
(1) يريد الغزو.
(2) كانت (بعمل) وهي صحيحة أيضاً.
(3) بعض هذا الأثر قد يدخل في باب المرفوعات.(1/122)
عن علي بن عثام قال: ما أحب إلا أن يكون المسلم محترفاً، إن المسلم إذا احتاج أول ما يبذل دينه. (2/89)
عن الليث بن سعد عن يحيى حدثني سعيد بن المسيب قال: لا خير فيمن لم يحب المال يصل به رحمه ويؤدي به أمانته ويستغني به عن خلْق ربه عز وجل. (2/92)
عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه لما حضره الموت ترك دنانير قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجمعها إلا لأصون بها حسبي(1) وديني. (2/92)
عن أبي أمامة الباهلي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: دينك لمعادك ودرهمك لمعاشك، ولا خير في أمر بلا درهم. (2/93)
عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال أعرابي: يقول الله عز وجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة) قال ابن عمر: من كنزهما فلم يؤد زكاتهما فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت جعلها الله طهراً للأموال؛ ثم التفت إلي فقال: ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهباً أعلم عدده وأزكيه وأعمل فيه بطاعة الله(2). (2/93)
عن الزهري عن عبيد الله ذكر عمر أو غيره قال: ما جاءني أجلي في مكان ما عدا في سبيل الله عز وجل، أحب إلي من أن يأتيني وأنا بين شعبتي رحلي أطلب من فضل الله(3). (2/93-94)
عن عبد الله بن مسعود قال: والذي لا إله غيره ما يضر عبداً يصبح على الإسلام ويمسي عليه ماذا أصابه من الدنيا. (2/94)
__________
(1) وفي رواية (عرضي).
(2) أخرجه البخاري.
(3) ورواه غيره فقال: عن عمر بن الخطاب، لم يشك، وزاد: "وتلا هذه الآية: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله)".(1/123)
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان سعد بن عبادة يقول: اللهم هب لي مجداً، ولا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه؛ وكان مناد ينادي على أطمه(1) من كان يريد الشحم واللحم فليأت سعداً. (2/94)
عن موسى بن مكرم قال: سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد أفتح مصحفي فأقرأه حتى أمسي؟ قال الحسن: اقرأه بالغداة واقرأه بالعشي وكن سائر نهارك في منفعتك وما يصلحك. (2/94)
عن أيوب السختياني قال: قال لي أبو قلابة: الزم سوقك فإن فيه غنى عن الناس وصلاحاً في الدين. (2/94)
عن أيوب قال: بعث إلي أبو قلابة بكتاب فيه: الزم سوقك واعلم أن الغنى معافاة. (2/95)
عن أيوب السختياني قال: قال أبو قلابة: يا أيوب احفظ عني ثلاث خصال: إياك وأبواب السلطان وإياك ومجالس الأهواء وإلزم سوقك فإن الغنى من العافية. (2/95)
عن سفيان قال: قال أيوب: لو أعلم أن أهلي يحتاجون إلى حزمة أو دستجة من بقل ما جلست معكم، قال: قال أبو قلابة: إلزم سوقك فإن الغنى من العافية. (2/95)
عن الحميدي حدثنا سفيان قال: قيل لابن الأعرابي: تحب الدراهم؟ قال: إنها تنفعني وتصونني. (2/95)
عن أحمد بن محمد البراثي قال: لما مات أبي جاءني بشر بن الحارث يعزيني فقال لي: يا بني بر والدتك ولا تعقها وإلزم السوق واقبل نصحي، قلت: قبلتها، فلما قام بشر قام إليه رجل فقال: يا أبا نصر أنا والله أحبك، فقال: يا هذا وكيف لا تحبني ولست بقرابة ولا جار. (2/95)
__________
(1) جاء في لسان العرب 12/19: "الأُطُمْ: حِصْنٌ مَبْنِيٌّ بحجارة، وقيل: هو كل بيت مُرَبَّع مُسَطَّح، وقيل: الأُطْم مثل الأُجْم، يخفف ويُثقّل، والجمع القليلُ آطامٌ---والكثير أُطُومٌ، وهي حُصون لأَهل المدينة---والواحدة أَطَمَة مثل أَكَمَة.(1/124)
عن إبراهم بن بشار خادم إبراهيم بن أدهم قال: سمعت علي بن الفضيل يقول: سمعت أبي يقول لابن المبارك: إنك تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام كيف ذا وأنت تأمرنا بخلاف ذا؟ فقال ابن المبارك: يا أبا علي إنما أفعل ذا لأصون وجهي وأكرم بها عرضي وأستعين بها على طاعة ربي، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا ابن المبارك ما أحسن ذا إن تم ذا. (2/95-96)
عن ابن أبي رزمة: قيل لعبد الله أن رجلاً قال: لو تعبد الناس لأتاهم الله بالرزق، فقال عبد الله: لا يعرف هذا، إن الله ابتلى الناس بالمعاش، فقال: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم لهم أموال وأبو أيوب له حائط كذا، وفلان وفلان وآخرون ليس لهم كثير شيء من المهاجرين والأنصار فلم يضيق عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم أن يمسكوا قوت ليلة ويتصدقوا بالبقية ولكن يأمرهم بالتقدمة وموضع الفضل ويخبرهم به(1). (2/96)
عن عبد الله بن المبارك قال: لا يقع من الفضل شيء ولا الجهاد في سبيل الله مثل السعي على العيال. (2/96)
عن يحيى بن اليمان عن سفيان الثوري قال: إذا أردت أن تتعبد فانظر فإن كان في البيت بر فتعبد وإلا فاطلب البر أولاً ثم تعبد. (2/97)
عن إبراهيم الخواص قال: أدب التوكل ثلاثة أشياء: صحبة القافلة بالزاد، والجلوس في الزورق بالزاد، والجلوس في المجلس بالزاد. (2/97)
__________
(1) هذا بعضه مرفوع فأوردته لما فيه من كلام ابن مسعود.(1/125)
عن أبي علي محمد بن أحمد سمعت الجنيد يقول: ليس التوكل الكسب ولا ترك الكسب، التوكل شيء في القلوب؛ وقال غيره عن الجنيد: إنما هو سكون القلب إلى موعود الله عز وجل(1). (2/97)
عن محمد بن يحيى الأزدي قال: سمعت عبد الله بن داود الخريبي وسئل عن التوكل فقال: أرى التوكل حسن الظن بالله عز وجل. (2/97)
عن حاتم الأصم قال: سمعت شقيق بن إبراهيم يقول: التوكل طمأنينة القلب بموعود الله عز وجل. (2/98)
عن محمد بن أبي عبدان قال: قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك هذا من التوكل؟ قال: على أربع خلال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلست أهتم له، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال فأنا أستحيي منه. (2/98)
عن عباد بن منصور قال: سئل الحسن عن التوكل فقال: الرضا عن الله عز وجل. (2/98)
عن سهل بن عبد الله قال: كمال المعرفة بالله التواضع له، قال: وكمال التواضع الرضا. (2/98)
__________
(1) قال البيهقي: وعلى هذا ينبغي أن لا يكون تجريد هذا السكون عن الكسب شرطاً في صحة التوكل بل يكتسب بظاهر العلم معتمداً بقلبه على الله تعالى كما قال بعضهم: اكتسب ظاهراً وتوكل باطناً فهو مع كسبه لا يكون معتمداً على كسبه وإنما يكون إعتماده في كفاية أمره على الله عز وجل.(1/126)
عن أبي عثمان [الحيري] أنه كان يقول في مواعظه: يا عبد الله فيما ذا تتعب قلبك وتنازع إخوانك وتعادي على طلب الرياسة والعز أشكالك وأخدانك وتعمل في هلكة حياتك بالحسد لمن هو فوقك؟! كأنك لم تؤمن بمن أخبر أنه يعز من يشاء ويذل من يشاء ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء؛ فاستعمل العلم في ظاهرك إن كنت تاجراً أو كاسباً أو زارعاً وأجمل في الطلب واترك الحرام والشبهات جميعاً فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وحظها من عزها ورياستها ورزقها؛ ولو هرب العبد من رزقه لأدركه رزقه كما لو فر من الموت لأدركه الموت؛ قال: واليقين لا يمنع الموقنين من طلب الحظ الوافي من الدنيا؛ وإنما يدل علي ترك الفضول رضاً بالقليل وزهداً(1) في الكثير اتباعاً لرسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، فإنهم أئمة المتوكلين والزاهدين، مع ما وصفنا من الأمن بما لك والإياس مما ليس لك، ان ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك؛ ومن زعم أن اليقين يمنع طلب القوت والكفاف فقد جهل اليقين وخالف سنن السلف الصالحين؛ فقد تقدم في ذلك - مع صدق التوكل - الأنبياء وأتباعهم، وخلافهم خلاف الحق وموافقتهم موافقة الحق؛ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. (2/98-99)
عن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل [الحيري] قال: قال الله تبارك وتعالى: (وكفى بالله وكيلاً) وقال: (ألا تتخذوا من دوني وكيلاً) فالله الوكيل الكافي لأنه بكل شيء عليم وهو على كل شيء قدير وهو على كل شيء حفيظ وهو العزيز الحكيم وهو الغني الحميد؛ فالمتوكل عليه هو المكتفي به، وكما أنه الكافي لعبده لا حاجة له إلى أحد في كفايته لعبده، فكذلك(2) المتوكل عليه المكتفي به غني به مستغن به عن جميع خلقه لا حاجة به فيما يحتاج إليه إلى غير ربه؛ وبسط الكلام في ذلك ثم قال: فالتوكل عليه هو الاكتفاء به معتمداً عليه وحده. (2/99)
__________
(1) كانت (وزهد).
(2) كانت (فكذلك).(1/127)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد البوشنجي أنه سئل عن التوكل فقال: التبرئة من حولك وقوتك وحول مثلك وقوة مثلك. (2/99)
عن الكتاني قال: التوكل في الأصل إتباع العلم وفي الحقيقة استعمال اليقين. (2/100)
عن إبراهيم الخواص قال: التوكل تناول السبب من الله. (2/100)
عن أبي سهل محمد بن سليمان [الصعلوكي] قال: التوكل أن لا يخطر بقلبك نافعاً ولا ضاراً غيره، وأن تستسلم لكل حال يرد عليك ولا يضطرب قلبك منه؛ وقال: التوكل قطع الطمع عن الخلق وترك طلب الحيلة منهم؛ وقال: التوكل التطاول إلى الأكوان(1) وما فيها بعين النقص والرجوع إلى من لا يلحقه النقص بحال. (2/100)
عن رجاء بن أبي سلمة قال: قلت لحسان بن أبي سنان: أما تحدثك نفسك بالفاقة؟ قال: بلى فأقول لها: يا نفس إذا كان ذلك أخذت بالمسحاة فجلست مع الفعلة فأصبت دانقاً أو دانقين فتعيشين به! فتسكن. (2/101)
عن ابن شوذب قال: كان حسان بن أبي سنان رجلاً من تجار أهل البصرة له شريك بالبصرة وهو مقيم بالأهواز يجهز على شريكه بالبصرة ثم يجتمعان على رأس كل سنة يتحاسبان ثم يقتسمان الربح فكان يأخذ قوته من ربحه ويتصدق بما بقي، [و]كان صاحبه يبني الدور ويتخذ الأرض، قال: فقدم حسان قدمة البصرة ففرق ما أراد أن يفرق فذكر له أهل بيت لم تكن حاجتهم ظهرت فقال: أما كنتم تخبرونا! قال: فاستقرض لهم ثلاثمئة درهم فبعث بها إليهم. (2/101)
عن أحمد بن زياد قال: كان أسود بن سالم يتسمسر فإذا أصاب نصف دانق قام وانصرف. (2/102)
__________
(1) كانت (الألوان).(1/128)
عن مسروق في قوله الله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) قال: مخرجه أن يعلم أن الله يرزقه وهو يعطيه وهو يمنعه؛ (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) قال: ليس من توكل على الله تعالى كفاه، يعني ليس كل من توكل عليه كفاه إلا أنه من توكل على الله يكفر عنه من سيئاته ويعظم له أجراً؛ (إن الله بالغ أمره) في من توكل على الله ومن لم يتوكل؛ (قد جعل الله لكل شيء قدراً) قال: أجلاً. (2/102)
عن الحسن قال: قال أبو الصهباء – يعني صلة بن أشيم: طلبت الرزق بمظانة فأعياني إلا رزق يوم بيوم، فعلمت أنه خيرٌ لي؛ وإن امرأً جعل رزقه يوماً بوم فلم يعلم أنه خير له لعاجز الرأي. (2/102)
عن سهل بن عبد الله قال: من طعن في الاكتساب فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان. (2/103)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت رجلاً يسأل ذا النون فقال: يا أبا الفيض ما التوكل؟ قال خلع الأرباب وقطع الأسباب قال له زدني فيه حالة أخرى قال إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية. (2/104)
قال: وسمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام التوكل: بغض العلائق وترك التملق في السلائق واستعمال الصدق في الحقائق؛ وثلاثة من أعلام الثقة بالله سبحانه وتعالى: السخاء بالموجود وترك الطلب للمفقود والاستقامة إلى فضل الودود؛ وثلاثة من أعلام الاستغناء بالله عز وجل: التواضع للفقراء والمتذللين وترك تعظيم الأغنياء المكثرين وترك المخالطة لأبناء الدنيا المتكبرين. (2/104)
عن أبي يعقوب النهرجوري قال: التوكل على كمال الحقيقة وقع لإبراهيم خليل الرحمن في تلك الحال التي قال لجبريل عليه السلام: أما إليك فلا. (2/104)
عن أبي يعقوب النهرجوري قال: أدنى التوكل ترك الاختيار. (2/105)(1/129)
عن موسى بن عيسى قال: لما اجتمع حذيفة المرعشي وسليمان الخواص ويوسف بن أسباط فتذاكروا الفقر والغنى وسليمان ساكت فقال بعضهم: الغني من كان له بيت يكنه وثوب يستره وسداد من عيش يكفه عن فضول الدنيا، وقال بعضهم: الغني من لم يحتج إلى الناس، فقيل لسليمان: ما تقول أنت يا أبا أيوب؟ فبكى ثم قال: رأيت جوامع الغنى في التوكل ورأيت جوامع الشر في القنوط؛ والغني حق الغني من أسكن قلبه إلى الله من غناه يقيناً ومن معرفته توكلاً ومن عطائه وقسمته رضا، فكذلك الغني حق الغني وإن أمسى طاوياً وأصبح معوزاً فبكى القوم جميعا من كلامه. (2/105)
عن حاتم الأصم قال: سمعت شقيق البلخي يقول: لكل واحد مقام فمتوكل على ماله ومتوكل على نفسه ومتوكل على لسانه ومتوكل على سيفه ومتوكل على سلطنته ومتوكل على الله عز وجل؛ فأما المتوكل على الله عز وجل فقد وجد الاسترواح، نوه الله به ورفع قدره، وقال: (وتوكل على الحي الذي لا يموت) وأما من كان مستروحاً إلى غيره يوشك أن ينقطع به فيشقى. (2/105-106)
عن ابن أبي عمر قال: قال سفيان: قال أبو حازم: وجدت الدنيا شيئين: شيء هو لي وشيء هو لغيري فأما الذي هو لي فلو طلبته قبل أجله بحيلة السموات الأرض لم أقدر عليه، وأما الذي هو لغيري فلم أصبه فيما مضى ولا(1) أرجوه فيما بقي؛ يمنع رزقي من غيري كما يمنع رزق غيري مني؛ ففي أي هذين أفني عمري. (2/106)
قال سفيان وقيل لأبي حازم ما مالك؟ قال: خير مالي ثقتي بالله تعالى وإياسي مما في أيدي الناس. (2/106)
قال: وقال بعض الأمراء لأبي حازم: ارفع إلي حاجتك، قال: هيهات هيهات، رفعت [حاجاتي] إلى من لا تحجب الحوائج دونه فما أعطاني منها قنعت وما زوى عني منها رضيت. (2/106)
__________
(1) كانت (فلم)؛ وانظر صفة الصفوة 2/165.(1/130)
عن شميط بن عجلان قال: إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي ثلاثة أيام: فقد مضى أمس بما فيه، وغداً أمل لعلك لا تدركه، إنك إن كنت من أهل غد فإن غداً يجيء برزق غد، إن دون غد يوماً وليلة تخترم فيها أنفس كثيرة ولعلك المخترم فيها، كفى كل يوم همه. (2/107)
عن الحسن قال: ابن آدم لا تحمل هم سنة على يوم، كفى يومك بما فيه؛ فإن تكن السنة من عمرك يأتك الله فيها برزقك، وإن لا تكن من عمرك فإنك تطلب ما ليس لك. (2/107)
عن أحمد بن سهل الأردني قال: سمعت أبا فروة الزاهد يقول: قال لي رجل في المنام: أما علمت أن المتوكلين هم المستريحون؟! قلت: رحمك الله مما ذا؟ قال: من هموم الدنيا وعسر الحساب غداً؛ قال أبو فروة: فوالله ما اكترثت بعد ذلك بإبطاء رزق ولا سرعته، وذلك أن من أجمع التوكل عليه كفاه ما همه وساق الرزق والخير إليه، وقد قال الله عز وجل: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره). (2/107)
عن ثابت البناني أن عامر بن عبد الله قال لابني عم له: فوضا أمركما إلى الله تستريحا. (2/107)
عن رجاء بن أبي سلمة عن عقبة بن أبي زينب قال: مكتوب في التوراة: تتوكل على ابن آدم؟! فإن ابن آدم ليس له قوام! ولكن توكل على الحي الذي لا يموت. (2/108)
عن الخليل بن أبي الخليل عن صالح بن شعيب قال: أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم عليه السلام: أنزلني من نفسك كحياتك، واجعلني ذخراً لك في معادك، وتقرب إلي بالنوافل أُدْنك، وتوكل علي أكفك، ولا تول غيري فأخذلك. (2/108)
عن عبد الله بن خبيق قال: سمعت شعيب بن حرب يقول: ذكر عن(1) إبراهيم بن أدهم قال: لا تجعل فيما بينك وبين الله عليك منعماً واعدد النعمة عليك من غير الله مغرماً. (2/108)
عن إبراهيم بن شيبان قال: حسن الظن بالله هو الإياس عن كل شيء سوى الله عز وجل. (2/108)
__________
(1) كانت (عند) ويحتمل أنها (التوكل عند) أو نحو ذلك.(1/131)
عن سهل بن عبد الله التستري قال: لما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم كان في الدنيا سبعة أصناف من الناس: الملوك، والمزارعون، وأصحاب المواشي، والتجار، والصناع، والأجراء، والضعفاء الفقراء؛ لم يأمر أحداً(1) منهم أن ينتقل مما هو فيه ولكن أمرهم بالعلم واليقين والتوكل في جميع ما كانوا فيه؛ قال سهل: وينبغي للعاقل أن يقول: ما ينبغي لي بعد علمي بأني أعبدك أن أرجو أو أؤمل غيرك، ولا أتوهم عليك إذا خلقتني وصيرتني عبداً لك أن تكلني إلى نفسي أو تولي أمري غيرك. (2/109 وانظر 2/31)
عن سهل بن عبد الله التستري قال: التوكل أن يكون العبد بين يدي الله عز وجل كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يريد. (2/109)
عن يحيى بن معين قال: قال عبد الله بن إدريس: عجبت ممن ينقطع إلى رجل ويدع أن ينقطع إلى من له السماوات والأرض. (2/109)
عن النهرجوري قال: المتوكل على الحقيقة والصحة قد رفع مؤنته عن الخلق فلا يشكو ما به ولا يذم من منعه لأنه يرى المنع والعطاء من الله عز وجل. (2/109)
عن أبي إسحاق الحناط قال: سمعت إبراهيم الخواص وسئل عن التوكل فأطرق ساعة ثم قال: إذا كان المعطي هو المانع فمن يعطي؟! (2/109-110)
عن أبي علي الروذباري قال: مرقاة التوكل ثلاث درجات: الأول منها إذا أعطي شكر وإذا منع صبر؛ والثاني المنع والعطاء عنده واحد؛ والثالث المنع مع الشكر أحب إليه لعلمه(2) باختياره ذلك له. (2/110)
عن أبي الحسين النوري قال: نعت الفقير السكون عند العدم والبذل والإيثار عند الوجود. (2/110)
عن أبي عبد الله بن الجلاء قال: سألت ذا النون متى يكون العبد مفوضاً؟ قال: إذا أيس من نفسه وفعله والتجأ إلى الله تعالى في جميع أحواله ولم يكن له علاقة سوى ربه. (2/110)
عن الحسن بن علويه قال: سئل أبو يزيد: متى يكون العبد متوكلاً؟ قال: إذا قطع القلب عن كل علاقة موجودة ومفقودة. (2/110)
__________
(1) كانت (يؤمر أحد) وهي صحيحة أيضاً.
(2) كانت (بعلمه).(1/132)
سئل أبو بكر الواسطي عن ماهية التوكل [فـ]قال: الصبر على طوراق المحن ثم التفويض ثم التسليم ثم الرضا ثم الثقة؛ وأما صدق التوكل فهو صدق الفاقة والافتقار؛ يعني إلى الله عز وجل. (2/110-111)
عن يحيى بن معاذ قال: من طلب الفضل من غير ذي الفضل ندم، وإن ذا الفضل هو الله عز جل لقوله تعالى: (إن الله لذو فضل على الناس) الآية. (2/111)
عن إبراهيم البكاء قال: قلت لمعروف الكرخي: أوصني فقال: توكل على الله عز وجل حتى يكون هو معلمك وموضع شكواك فإن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك. (2/111)
عن عبد الصمد بن محمد: قال بشر بن الحارث: أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن يطلب الدنيا؟! أُطلب الدنيا ممن بيده الدنيا. (2/111)
عن ابن سنان عن سعيد بن جبير قال: التوكل على الله عز وجل جماع الإيمان. (2/111)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: التوكل جماع الإيمان. (2/111)
عن أبي مسلم الزاهد قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: التوكل قوام العبادة. (2/112)
عن صالح المري عن سعيد الربعي عن عامر بن عبد قيس أنه كان يقول: ثلاث آيات في كتاب الله عز وجل اكتفيت بهن عن جميع الخلائق: أولهن: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخبر فلا راد لفضله)، والآية الثانية: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم)، والثالثة: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها) . (2/112)
عن أبي عبد الله بن عرفة النحوي أنشد:
إرغبْ إلى الله ولا ترغب إلى أحد
أما رأيت ضمان الواحد الصمد
الله رازق هذا الخلق كلهم
حتى يفرق بين الروح والجسد
(2/112)
عن إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي أنشد:
رضيت بما قسم الله لي
وفوضت أمري إلى خالقي
فقد أحسن الله فيما مضى
ويحسن إن شاء فيما بقي
(2/112)
أنشدنا أبو عبد الرحمن أنشدنا أحمد بن محمد بن يزيد لنفسه:
سل الله من فضله واتقه
فإن التُّقَى خير ما يكتسب(1/133)
ومن يتق الله يصنع له
ويرزقه من حيث لا يحتسب
(2/113)
عن الأصمعي قال: وعظ أعرابي أخاً له فقال: يا أخي إنك طالب ومطلوب: يطلبك من لا تفوته، وتطلب ما قد كفيته، يا أخي كم تر حريصاً محروماً وزاهداً مرزوقاً(1). (2/113)
عن أبي القاسم القرشي: جاء رجل إلى بنان الحمال فقال: ادع لي فإني مضيق علي في رزقي والله لقد بعت اليوم صينية بأحد عشر درهماً لها عندي أربع عشرة سنة! فقال: يا قوم رأيتم أعجب من هذا؟! رزقه الله رزقه(2) من أربع عشرة سنة وهو يشكو الفقر في مأكله. (2/113)
عن علي بن بكار قال: شكا رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله، فقال له إبراهيم: يا أخي انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوله إلى منزلي(3)!! (2/113)
عن إبراهيم بن بشار قال: أمسينا مع إبراهيم بن أدهم ذات ليلة وليس معنا شيء نفطر عليه ولا لنا حيلة فرآني مغتماً حزيناً قال: يا إبراهيم بن بشار ماذا أنعم الله على الفقراء والمساكين من النعم والراحة في الدنيا والآخرة لا يسألهم الله يوم القيامة عن زكاة ولا حج ولا صدقة ولا عن صلة رحم ولا عن مواساة، وإنما يسأل ويحاسب عن هذا هؤلاء المساكين، أغنياء في الدنيا فقراء في الآخرة، أعزة في الدنيا، أذلة يوم القيامة؛ لا تغتم ولا تحزن فرزق الله مضمون سيأتيك؛ نحن والله الملوك الأغنياء، نحن الذين تعجلنا الراحة في الدنيا لا نبالي على أي حال أصبحنا وأمسينا إذا أطعنا الله؛ ثم قام إلى الصلاة وقمت إلى صلاتي فما لبثنا إلا ساعة وإذا نحن برجل قد جاء بثمانية أرغفة وتمر كثير فوضعها بين أيدينا، قال: كلوا رحمكم الله، قال: فسلم(4) ثم قال: كل يا مغموم، فدخل سائل وقال: أطعمونا شيئاً فأخذ ثلاثة أرغفة مع تمر فدفعها إليه وأعطاني ثلاثة وأكل رغيفين، وقال: المواساة من أخلاق المؤمنين. (2/114)
__________
(1) هذا كلام جليل.
(2) كانت (رزقها) ولعلها (رزقاً).
(3) هذا من الأجوبة المسكتة.
(4) من صلاته.(1/134)
عن أحمد بن خضرويه قال: قال رجل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟! فقال: (ولله خزائن السماوات الأرض ولكن المنافقين لا يفقهون) . (2/114)
عن سفيان الثوري قال: قرأ واصل الأحدب هذه الآية (وفي السماء رزقكم وما توعدون) فقال: أرى رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض، والله لا أطلبه في الأرض أبداً، فدخل خربة بالكوفة فلم يأته يومين شيء فلما كان اليوم الثالث إذا هو بدوخلة من رطب، وكان له أخ أحسن نية منه فأصاب دوخلتين؛ فكان ذلك حالهما حتى فرق الموت بينهما. (2/114-115)(1/135)
عن عبد الملك بن قريب الأصمعي قال: أقبلت ذات يوم من مسجد الجامع بالبصرة وبينما أنا في بعض سككها إذ أقبل أعرابي جلف جاف على قعود له متقلداً سيفه وبيده قوس، فدنا وسلم وقال: ممن الرجل؟ فقلت: من بني الأصمع؛ فقال لي: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم، قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى كلام الرحمن فيه؛ قال: أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون؟! فقلت: نعم يا أعرابي، فقال: أتل علي شيئاً منه، فقلت انزل من قعودك فنزل وابتدأت بسورة الذاريات ذرواً حتى انتهيت إلى قوله تعالى (وفي السماء رزقكم وما توعدون) قال الأعرابي: يا أصمعي هذا كلام الرحمن؟ قلت: إي والذي بعث محمداً بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقال لي: حسبك فقام إلى ناقته فنحرها بسيفه وقطعها بجلدها وقال: أعني على تفرقتها فوزعناها على من أقبل وأدبر ثم كسر سيفه وقوسه وجعلها تحت الرملة وولى مدبراً نحو البادية وهو يقول: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) يرددها فلما تغيب عني في حيطان البصرة أقبلت على نفسي ألومها وقلت: يا أصمعي قرأت القرآن منذ ثلاثين سنة ومررت بهذه وأمثالها وأشباهها فلم تتنبه لما تنبه له هذا الأعرابي ولم يعلم أن للرحمن كلاماً؛ فلما قضى الله من أمري ما أحب حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فبينا أنا أطوف بالكعبة إذا أنا بهاتف يهتف بصوت رقيق: تعال يا أصمعي، تعال يا أصمعي، قال: فالتفت فإذا أنا بالإعرابي منهوكاً مصفاراً فجاء وسلم علي وأخذ بيدي وأجلسني وراء المقام فقال: اتل من كلام الرحمن ذلك الذي تتلوه، فابتدأت ثانيا بسورة الذاريات فلما انتهيت إلى قوله (وفي السماء رزقكم وما توعدون) صاح الأعرابي وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، ثم قال: يا أصمعي هل غير هذا للرحمن كلام؟ قلت: نعم يا أعرابي، يقول الله عز وجل: (فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) فصاح الأعرابي عندها وقال: يا سبحان(1/136)
الله من ذا أغضب الجليل حتى حلف فلم يصدقوه بقوله حتى ألجاوه إلى اليمين؟! قالها ثلاثاً، وخرجت نفسه. (2/115-116)
عن سفيان عن عمار الدهني عن سالم أن دانيال طرح في جب وطرح عليه السباع فجعلن يلحسنه ويتبصبصن إليه فأتاه رسول فقال: يا دانيال، فقال: من أنت؟ قال: أنا رسول ربك أرسلني إليك بطعام، فقال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره. (2/116)
عن الأصمعي قال: مررت بأعرابية في البادية في كوخ فقلت لها: يا أعرابية من يؤنسك ها هنا؟! قالت: يؤنسني مؤنس الموتى في قبورهم، قلت: فمن أين تأكلين؟! قالت: يطعمني مطعم الذرة وهي أصغر مني. (2/117)
عن عبد الله بن مبشر من ولد توبة العنبر قال: دعا عتبة الغلام ربه عز وجل أن يهب له ثلاث خصال في دار الدنيا: دعا ربه أن يمن عليه بصوت حزين ودمع غزير وطعام من غير تكلف؛ فكان إذا قرأ بكى وأبكى، وكانت دموعه جارية دهره، وكان يأوي إلى منزله فيصيب قوته ولا يدري من أين يأتيه. (2/117)
عن ابن عون قال: كان محمد يعني ابن سيرين يقول لأيوب: ألا تَزَوج؟! ألا تزوج؟! فشكى ذلك إلي فقال: إذا تزوجت فمن أين أنفق؟! قال: فقلت ذاك لابن محمد(1) عبد الله فقال لأبيه، فقال: يرزقه الذي يرزق الطير من السماء وأشار بإصبعه؛ قال: فتزوج، قال: فقد رأيت بعد ذلك في سفرته الدجاج. (2/117)
عن أبي العباس بن عطاء وسئل عن التوكل فقال: من توكل ليكفى فليس بمتوكل. (2/117)
عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: أقبلت إلى الزبير يوماً وأنا غلام وعنده رجل أبرص فأردت أن أمس الأبرص فأشار إلي الزبير فأمرني أن أنصرف مخافة أن أمسه. (2/123)
عن علي بن أحمد بن سلام البغدادي قال: ذكر أبو عبيد بن حربويه القاضي منصور بن إسماعيل الفقيه فقال: ذاك الأعمى! فأنشأ يقول:
ليس العمى ألا ترى*بل العمى ألا ترى*مميزاً بين الصواب والخطا. (2/127)
الرابع عشر من شعب الإيمان
__________
(1) ابن سيرين.(1/137)
وهو باب في حب النبي صلى الله عليه وسلم(1)
عن ابن عباس في قوله تعالى (وإنه لذكر لك ولقومك) قال: شرف لك ولقومك. (2/140)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (وإنه لذكر لك ولقومك) قال: يقال: ممن الرجل؟ فيقال: من العرب، فيقال: من أي العرب؟ فيقال: من قريش. (2/140)
__________
(1) قال الحليمي رحمه الله وأصل هذا الباب أن يقف على مدائح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحاسن الثابتة له في نفسه ثم على حسن آثاره في دين الله عز وجل وما يجب له من الحق على أمته شرعا وعادة فمن أحاط بذلك وسلم عقله علم أنه أحق بالمحبة من الوالد الفاضل في نفسه البر الشفيق على ولده ومن المعلم الرضي في نفسه المقبل على التعلم المجتهد في التخريج ومدائح رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة منها شرف أصله وطهارة مولده ومنها أسماؤه التي اختارها الله له وسماه بها ومنها إشادة الله تعالى بذكره قبل أن يخلقه حتى عرفه الأنبياء صلوات الله عليهم وأممهم قبل أن يعرف نفسه وتعرفه أمته ومنها حسن خلقه وخلقه وكرم خصائله وشمائله ومنها بيانه وفصاحته وقوله أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصاراً ومنها حدبه على أمته ورأفته بهم وما ساق الله تعالى به إليهم من الخيرات العظيمة في الدنيا وعرضهم له من شفاعته لهم في الآخرة ومنها زهده في الدنيا وصبره على شدائدها ومصائبها وأما المرتبة العظمى وهي النبوة والرسالة فله فيها من المآثر الرفيعة عموم رسالته الثقلين وشمولها بين الخافقين وأنه خاتم النبيين وسيد المرسلين وأكرمهم في الدنيا أعلاماً وأحمدهم في الآخرة مقاماً وذلك أنه أول من تنشق عنه الأرض وأول شافع ومشفع وهو صاحب اللواء المحمود وصاحب الحوض المورود وأقسم الله بحياته ولم يخاطبه باسمه في القرآن ولا كنيته بل دعاه باسم النبوة والرسالة واصطفاه بذلك على الجماعة.(1/138)
عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن مسعود قال: كان الرجل – أحسبه قال: في بني إسرائيل – إذا أذنب أصبح على بابه مكتوباً: أذنب كذا وكذا، وكفارته من العمل كذا؛ فلعله أن يتكاثره أن يعمله؛ قال ابن مسعود: ما أحب أن الله أعطانا ذلك مكان هذه الآية (ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما). (2/145)
عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت له: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر؛ ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء أن يقولوا: لا إله إلا الله، وأفتح به أعيناً عمياً وآذانا صماً وقلوباً غلفاً؛ قال عطاء بن يسار: ثم لقيت كعباً فسألته فما اختلفا في حرف إلا أن كعباً يقول: أعيناً عمومى وقلوباً غلفى وآذاناً صمومى(1). (2/147)
فصل في خلق الرسول صلى الله عليه وسلم وخلقه
عن سعد بن هشام بن عامر الأنصاري قال: قلت: يا أم المؤمنين، يعني عائشة، حدثيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن(2). (2/153)
عن أبي الدرداء أنه سأل عائشة عن ذلك فقالت: كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه. (2/154)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) أخرجه مسلم.(1/139)
قال الحليمي(1): ويقال إن من جوامع الكلم قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله أن يعلمه ما يدعو به: "سل ربك اليقين والعافية" وذلك أنه ليس شيء مما يعمل للآخرة يتقبل إلا باليقين، وليس شيء من أمر الدنيا يهنأ صاحبه إلا بالأمن والصحة وفراغ القلب؛ فجمع أمر الآخرة كله في كلمة واحدة وأمر الدنيا كله في كلمة أخرى. (2/161)
قال الحليمي: وإذا تأمل العاقل مواقع الخيرات التي ساقها الله تعالى إلى عباده بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وما هو سائقه إليهم بفضله من شفاعته لهم في الآخرة علم أنه لا حق بعد حقوق الله تعالى أوجب من حق النبي صلى الله عليه وسلم. (2/164)
فصل في زهد النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على شدائد الدنيا
عن القاسم بن منبه سمعت بشراً(2) يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: لو شئنا أن نشبع شبعنا ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يؤثر على نفسه. (2/173)
عن حميد الطويل عن أنس بن مالك: (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون)(3) قال: أكرم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسؤه في أمته فرفعه إليه وبقيت النقمة(4). (2/182)
عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان في هذه الأمة أمانان: رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستغفار؛ فذهب أمان، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي أمان يعني الاستغفار. (2/182)
الخامس عشر من شعب الإيمان
__________
(1) وذلك في معرض وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أوتي جوامع الكلم.
(2) يظهر أنه الحافي.
(3) سورة الزخرف 41-42.
(4) تصحفت في الأصل إلى (النعمة)؛ نسأل الله نعمته ونعوذ به من نقمته.(1/140)
وهو باب في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره صلى الله عليه وسلم(1)
عن بكر بن معروف عن مقاتل بن حيان قال بلغنا والله أعلم في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله يعني بذلك في شأن القتال وما يكون من شرائع دينهم يقول لا تقضوا في ذلك بشيء إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم---. (2/196)
عن أبي هريرة قال: لما نزلت (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) قال أبو بكر رضي الله عنه: لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل. (2/197)
قال الحليمي: ومن تعظيمه تعظيم حرمه وهو المدينة وإكرام أهلها ومنها قطع الكلام إذا جرى ذكره أو روي(2) بعض ما جاء عنه وصرف السمع والقلب إليه ثم الإذعان والنزول عليه والتوقي من معارضته وضرب الأمثال له. (2/203)
عن سعيد بن جبير قال: كنت عند عبد الله بن مغفل، حذف عنده رجل من قومه فقال: لا تحذفن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: إنه لا يصطاد بها صيداً ولا يقتل بها عدواً ولكنها تكسر السن وتفقأ العين؛ قال: فلم ينته الرجل! فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنها ولم تنته!! لا أكلمك كلمة أبداً. (2/203)
__________
(1) ذكر الحليمي في هذا الباب أشياء منها الآيات التي وردت في لزوم طاعته ثم الآيات التي وردت في تحريم نكاح أزواجه من بعده ثم ذكر قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) وما بعده من الآيات.
(2) كانت (يروى).(1/141)
عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد أن مصعب بن الزبير هم بعريف الأنصار أن يقلته فدخل عليه أنس بن مالك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استوصوا بالأنصار خيراً أو معروفاً فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم؛ قال: فنزل مصعب عن سريره على بساطه فألزق جلده – أو قال جلداً أو قال قعد(1)، وقال: أمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعينين، أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم على الرأس والعينين؛ وخلى سبيله. (2/206 و228)
عن مالك بن أنس قال: كنا ندخل على أيوب بن أبي تميمة السختياني فإذا ذكر له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى نرحمه. (2/206)
عن أبي بكر محمد بن إسحاق قال: سمعت محمد بن يحيى يقول: سمعت أبا الوليد يقول: والله إنه لعظيم عند الله عز وجل أن يكون في الباب(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ثم يكون بعده عن بعض التابعين خلافه؛ قال: وسمعت الوليد وحدث بحديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ما رأيك؟ قال: ليس لي مع النبي صلى الله عليه وسلم رأي. (2/206)
عن سليمان بن حرب قال: كان حماد بن زيد يحدث ذات يوم فتكلم رجل بشيء فغضب حماد وقال: يقول الله عز وجل: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) وأنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تتكلم؟!. (2/207)
عن مجاهد عن ابن عباس قال: ليس أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم صلى عليه صلاة إلا وهي تبلغه، يقول الملك: فلان يصلي عليك كذا وكذا صلاة. (2/218)
عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا ينبغي لأحد الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. (2/218)
__________
(1) وفي الرواية الأخرى: فنزل مصعب عن فراشه وتمعن أو تمعك على بساطه وألصق خده به؛ وقال البيهقي عقبها: قوله تمعن تصاغر له وتذلل انقيادا وقبل أي اعترف بحقه وروى تمعك عليه ولم يضبطه شيخنا.
(2) أي في الباب الواحد من كتاب مصنف.(1/142)
قال سفيان [الثوري]: يكره الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم(1). (2/219)
عن سعيد بن المسيب عن عمر قال: نعم العدلان ونعم العلاوة: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) نعم العدلان؛ (وأولئك هم المهتدون) نعم العلاوة. (2/221)
قال الحليمي: قيل في تفسير قوله عز وجل (أولئك عليهم صلوات من ربهم) أنه الثناء من الله تعالى عليهم والمدح والتزكية لهم؛ وقوله (ورحمة) أنها كشف الكربة وقضاء الحاجة؛ وقوله (أولئك هم المهتدون) يحتمل وأولئك المصيبون طريق الحق دون من خالفهم فجزع على المفقود وبالسخط المعهود [كذا] . (2/221)
عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: الصراط المستقيم تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرف [منه] والطرف الآخر الجنة. (2/226)
عن خالد الحذاء عن أبي العالية قال: إذا حُدثت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فازدهر [به]؛ قال الفضل(2): يعني احتفظ به. (2/226)
عن علي بن موسى التاهرتي قال: وقع من عبدالله - أو قال: عبد الملك - بن مروان فلس في بئر قذرة فاكترى عليه ثلاثة عشرة ديناراً حتى أخرجه فقيل له في ذلك فقال: كان عليه اسم الله تعالى ذكره. (2/228)
عن ابن عمر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنه قال: يا أيها الناس أرضوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. (2/228)
__________
(1) قال البيهقي: كذا روي عن ابن عباس وكذا قاله سفيان الثوري وإنما أراد والله أعلم إن كان ذلك على وجه التعظيم والتكريم عند ذكره وإنما ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة؛ فإذا كان ذلك على وجه الدعاء والتبريك فإن ذلك جائز لغيره. انتهى وانظر تفصيل هذه المسألة في (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) لابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى.
(2) هو الفضل بن محمد الشعراني أحد رواة هذا الخبر.(1/143)
عن محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي حدثتني جميلة مولاة أنس، قال الأنصاري: وقد رأيت جميلة، قالت: كان ثابت إذا جاء قال أنس: يا جميلة ناوليني طيب أمس به يدي فإن ابن أم ثابت لا يرضى بشيء حتى يقبل يدي ويقول: قد مسست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2/229)
عن ابن عباس في قوله عز وجل (وإنه لذكر لك ولقومك) قال: شرف لك ولقومك؛ وقوله عز وجل (لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم) قال: شرفكم. (2/232)
عن ابن عباس قال أول من نطق بالعربية فوضع الكتاب على لفظه ومنطقه ثم جعله كتابا واحدا مثل بسم الله الرحمن الرحيم الموصول حتى فرق بينهم ببينة ولده إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. (2/233)
السادس عشر من شعب الإيمان
وهو باب في شح المرء بدينه حتى يكون القذف في النار أحب إليه من الكفر
عن مسروق عن خباب قال: كنت رجلاً قيناً(1)وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال: والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد؛ قال: قلت: والله لا أكفر به أبداً حتى تموت ثم تبعث؛ قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثَمَّ مالاً وولداً فأعطيتك؛ فأنزل الله عز وجل: (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال: لأوتين مالاً وولداً)(2). (2/238)
عن عطاء الخراساني قال: كنت عند سعيد بن المسيب فذكرت بلالاً فقال: كان شحيحاً على دينه، وكان يعذب في الله، وكان يعذب على دينه فإذا أراد المشركون [أن](3)يقاربهم قال: الله الله. (2/238)
عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كان خباب من المهاجرين وكان ممن يعذب في الله. (2/239)
عن الشعبي قال: أعطوهم ما سألوا إلا خباب فجعلوا يلزقون ظهره بالرضف حتى ذهب ما يمنعه!! . (2/239)
__________
(1) أي حدادً يصنع السيوف.
(2) متفق عليه.
(3) زدتها إيضاحاً مع صحة الكلام بدونها وفعلت نحو هذا في مواضع من الكتاب ولكن مع الإشارة إلى كل زيادة.(1/144)
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان ورقة بن نوفل يمر ببلال وهو يعذب على الإسلام وهو يقول: أحد أحد، فيقول ورقة: أحد أحد يا بلال. (2/239)
عن عروة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعتق ممن كان يعذب في الله على الإسلام إلا الإسلام وقال المشركون ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى فقالت كلا والله ما هو كذلك فرد الله عليها بصرها(1)
__________
(1) وقع في هذا الخبر سقط أو تحريف؛ وقد قال ابن أبي شيبة في المصنف 6/349: حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أعتق أبو بكر مما كان يعذب في الله سبعة: عامر بن فهيرة وبلالاً ونذيرة وأم عبيس والنهدية وأختها وحارثة بن عمرو بن مؤمل؛ وانظر ترجمة أبي بكر من (الإصابة) لابن حجر.
وفي سيرة ابن هشام (2/160-161) قال ابن اسحاق وحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال كان ورقة بن نوفل يمر به [أي ببلال] وهو يعذب بذلك وهو يقول: أحد أحد فيقول أحد أحد والله يا بلال ثم يقبل على أمية بن خلف ومن يصنع ذلك به من بني جمح فيقول أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حناناً؟؟ حتى مر به أبو بكر الصديق ابن أبي قحافة رضي الله عنه يوماً وهم يصنعون ذلك به وكانت دار أبي بكر في بني جمح فقال لأمية بن خلف ألا تتقي الله في هذا المسكين حتى متى؟! قال: أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى، فقال أبو بكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، على دينك، أعطيكه به، قال: قد قبلت، فقال: هو لك، فأعطاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه غلامه ذلك وأخذه فأعتقه ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر الى المدينة ست رقاب بلال سابعهم: عامر بن فهيرة شهد بدر وأحداً وقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأم عبيس، وزنيرة وأصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى فقالت كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان فرد الله بصره؛ وأعتق الهدية وبنتها وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول والله لا أعتقهما ابدا فقال ابو بكر رضي الله عنه حل يا أم فلان فقالت حل أنت أفسدتهما فأعتقهما قال فبكم هما قال بكذا وكذا قال وقد أخذتهما وهما حرتان أرجعا إليها طحينها قالتا أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها قال وذلك إن شئتما؛ ومر بجارية بني مؤمل حي من بني كعب وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك وهو يضربها حتى إذا مل قال إني أعتذر إليك إني لم أتركك إلا ملالة فتقول: كذلك فعل الله بك فابتاعها أبو بكر فأعتقها.(1/145)
. (2/239)
عن أبي عثمان [النهدي] عن سلمان [الفارسي] قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة باجنحتها وكانت ترى بيتها في الجنة لفظهما سواء. (2/244)
عن ثابت عن أبي رافع قال: وتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد ثم حمل على بطنها رحى عظيمة حتى ماتت. (2/244)
عن أبي رافع قال: وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً إلى الروم وفيهم رجلاً يقال له عبد الله بن حذافة، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأسره الروم فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد! فقال له الطاغية: هل لك أن تتنصر وأشركك في ملكي وسلطاني؟! فقال له عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت؛ قال: إذاً أقتلك، قال: أنت وذاك، قال: فأمر به فصلب وقال للرماة: أرموه قريباً من يديه قريباً من رجليه، وهر يعرض عليه وهو يأبي؛ ثم أمر به فأنزل ثم دعا بقدْر وصب فيها ماء حتى احترقت ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبي ثم أمر به أن يلقى فيها فلما ذهب به بكى فقيل له: إنه بكى فظن أنه رجع، فقال: ردوه، فعرض عليه النصرانية فأبي، قال: فما أبكاك إذاً؟! قال: أبكاني أني قلت في نفسي: تلقى الساعة في هذا القدر فتذهب فكنت أشتهى أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى في الله عز وجل؛ قال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟ قال عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين؟ قال: وعن جميع أسارى المسلمين؛ قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله أقبل رأسه يخلي عني وعن أسارى المسلمين! لا أبالي، فدنا منه وقبل رأسه فدفع إليه الأساري فقدم بهم على عمر فأخبر عمر خبره فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ فقام عمر فقبل رأسه. (2/244-245)(1/146)
عن قتادة عن يونس بن جبير قال: شيعنا جندباً(1) فقلنا: أوصنا، فقال: أوصيكم بالقرآن فإنه نور الليل المظلم وهدى النهار فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة، فإن عرض بلاء فاجعل ذلك دون نفسك، فإن جاوزك البلاء فاجعل نفسك دون دينك، فإن المحرور من حرر(2) دينه وإن المسلوب من سلب دينه لأنه(3) لا فقر بعد الجنة ولا غنى بعد النار، إن النار لا يفك أسيرها ولا يستغني فقيرها. (2/246 و357 وانظر 4/261 و346(4)
عن يعقوب بن سفيان حدثني عقبة بن مكرم عن سعيد بن عامر عن أبي بن كعب(5) قال: أردت أن أخرج إلى الفتنة؟؟، قال: قلت للحسن: أوصني، قال: أعز أمر الله أينما كنت يعزك الله. (2/246)
عن أيوب عن الحسن قال: إن الله عز وجل لو شاء لوكل هذا الأمر إلى العباد أو الناس فقال: من اجتهد لي جزيته، ولكن أمر بأمر ونهى عن أمر ثم قال: اجتهدوا فيما أمرتكم. (2/246)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعمال المراقبة: إيثار ما أنزل الله وتعظيم ما عظم الله وتصغير ما صغر الله؛ قال: وثلاثة من أعلام الاعتزاز بالله: التكاثر بالحكمة وليس بالعشيرة والاستعانة بالله وليس بالمخلوقين والتذلل لأهل الدين في الله وليس لأبناء الدنيا. (2/247)
__________
(1) هو الصحابي الجليل جندب بن عبد الله الأزدي رضي الله عنه.
(2) لعل الصواب (فإن المحروم من حرم) كما ورد في رواية مرفوعة ولكنها غير صحيحة، وورد في رواية أخرى لهذا الأثر (والمخروب من خرب) وستأتي في فصول القرآن من هذا الكتاب؛ وفي (الآحاد والمثاني) لابن أبي عاصم 4/294: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير قال شيعنا جندباً إلى خص المرتب فقلنا أوصنا---[فذكره وفيه:] واعلم أن المحروب من حرب دينه وأن المسلوب من سلب دينه.
(3) لعلها (ألا إنه).
(4) وستأتي روايتا هذين الموضعين.
(5) هذا من أصحاب الحسن أو من أقرانه.(1/147)
عن قبيصة عن سفيان قال: لما جاء البشير إلى يعقوب عليه السلام قال: على أي دين تركت يوسف؟ قال: على الإسلام، قال: الآن تمت النعمة. (2/247)
عن سفيان الثوري قال: لما التقى يعقوب ويوسف عانق كل واحد منهما الآخر وبكى فقال يوسف: يا أبتي بكيت علي حتى ذهب بصرك! ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟! قال: بلى يا بني ولكني خشيت أن تسلب دينك فيحال بيني وبينك. (2/247)
عن سفيان قال: قال أبو حازم لجلسائه وحلف لهم: لقد رضيت منكم أن يبقي أحدكم على دينه كما يبقي علي نعله. (2/247)
عن الجنيد قال: احتم لدينك أشد ما تحتمي لعينك. (2/247)
عن محمد بن غالب تمتام قال: كتب إبراهيم بن أدهم إلى سفيان الثوري: من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، ومن أطلق بصره طال أسفه، ومن أطلق أمله ساء عمله، ومن أطلق لسانه قتل نفسه. (2/248)
عن السري بن المغلس قال: سمعت كلمة انتفعت بها من خمسين سنة، كنت أطوف بالبيت بمكة فإذا رجل جالس تحت الميزاب وحوله جماعة فسمعته يقول لهم: أيها الناس من علم ما طلب هان عليه ما بذل. (2/248)
عن محمد بن حسين الآجري قال: سمعت عبد الله بن محمد(1) العطشي يقول: سمعت المعمرة(2)؟؟ يقول: من ذاق حلاوة عمل صبر(3) على تجرع مرارة طرقه(4)، ومن طالت عبرته استلذ ذوقه واستوحش ممن يشغله. (2/248)
عن عمران بن عبد الله قال: أرى نفس سعيد بن المسيب كانت أهون عليه في الله من نفس ذباب. (2/248)
عن يحيى بن سعيد قال: كان سعيد بن المسيب يكثر أن يقول: اللهم سلم سلم. (2/248)
عن حزم بن أبي حزم القطعي قال: قال ميمون بن سياه: لا تمهر الدنيا دينك فإن من أمهر الدنيا دينه زفت إليه الندم. (2/248)
__________
(1) كانت قد تصحفت إلى (حمد).
(2) لعله (المغيرة) أو (المعتمر) ويحتمل أنها مصحفة عن (ابراهيم بن الجنيد) فإن غالب رواية العطشي هذا عنه.
(3) في الأصل (صبره).
(4) كذا ولعلها (عرقه).(1/148)
عن القعنبي قال: قال مالك بن أنس لرجل: يا هذا إما تلاعبت فلا(1) تلاعبن بدينك. (2/248)
السابع عشر من شعب الإيمان
وهو باب في طلب العلم(2)
عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية [(وما كان المؤمنون لينفروا كافة) الآية] يعني السرايا تنفر عصبة وتقعد عصبة ليتفقهوا في الدين يقول: تعلموا ما أنزل الله على نبيهم صلى الله عليه وسلم ويعلمون السرايا إذا رجعت إليهم لعلهم يحذرون. (2/252)
عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن الأحنف بن قيس قال: قال عمر: تفقهوا قيل أن تسودوا. (2/255)
عن سفيان الثوري قال: من أسرع الرئاسة أضر بكثير من العلم، ومن لم يسرع الرئاسة كتب ثم كتب ثم كتب. (2/255)
عن أبي بكر بن داود(3) قال: سمعت أبي يقول: من كتب الحديث لنفسه لم يجود ومن كتب للناس جود. (2/256)
عن عاصم الأحول عن مورق العجلي قال: قال عمر: تعلموا السنة والفرائض واللحن كما تتعلمون القرآن. (2/257)
عن عبد الوارث بن سعيد العنبري حدثني أبو مسلم منذ خمسين سنة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة. (2/257)
عن أبي مسلم، رجل من أهل البصرة، قال: قال عمر: تعلموا العربية فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة. (2/257)
عن عطاء بن أبي رباح قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلاً يتكلم بالفارسية في الطواف فأخذ بعضده وقال: ابتغ العربية(4) سبيلاً(5). (2/257)
__________
(1) كانت (قال).
(2) العلم إذا أطلق، علم الدين.
(3) بن سليمان، الزاهد، من شيوخ الحاكم.
(4) لعلها (إلى العربية).
(5) قال البيهقي: وروينا عن عمر بإسناد غير قوي أنه مر على قوم يرمون قال: بئس ما رميتم! قالوا: إنا قوم متعلمين فقال: والله لذنبكم في لحنكم أشد علي من ذنبكم في رميكم. (2/257)(1/149)
عن أبي موسى أنه كتب إلى عمر: من أبو(1) موسى فكتب إليه عمر أن أجلد كاتبك سوطاً. (2/258)
عن عمرو بن دينار أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما كانا يضربان أولادهما على اللحن. (2/258)
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر. (2/258)
عن مجاهد عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أنا ابتدأتها. (2/258)
عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا قرأ أحدكم شيئاً من القرآن فلم يدر ما تفسيره فليلتمسه في الشعر فإنه ديوان العرب. (2/258)
عن صعصعة بن صوحان قال: جاء أعرابي إلى علي بن أبي طالب فقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين، كيف تقرأ هذا الحرف (لا يأكله إلا الخاطون) كلٌّ والله يخطو! فتبسم علي رضي الله عنه وقال: يا أعرابي (لا يأكلها إلا الخاطئون) قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، ما كان الله ليسلم عبده؛ ثم التفت علي إلى أبي الأسود الدؤلي فقال: إن الأعاجم قد دخلت في الدين كافة فضع للناس شيئاً يستدلون به على صلاح ألسنتهم فرسم له الرفع والنصب والخفض. (2/259)
عن أبي زيد النحوي قال: قال رجل للحسن البصري: ما تقول في رجل ترك أبيه وأخيه؟ قال: الحسن: ترك أباه وأخاه؛ فقال الرجل: فما لأباه وأخاه؟ فقال الحسن: فما لأبيه وأخيه، فقال الرجل للحسن: أراني كلما تابعتك خالفتني. (2/259)
عن حريث بن السائب قال: شهدت الحسن فأتاه رجل فقال: يا أبو سعيد، قال: كسب الدوانيق شغلك(2) أن تقول يا أبا سعيد. (2/259)
عن حبان بن علي عن ابن شبرمة قال: ما عبر الرجال بعبارة أرقى من العربية. (2/259)
__________
(1) كانت (أبي) وأظن أنها في أصلها الأول (أبو) فغيرها بعض النساخ ظناً منه أنها مصحفة.
(2) كانت (سفلك).(1/150)
عن أبي حاتم الرازي قال: ذكر علي بن الجعد عن شعبة قال: إذا كان المحدث لا يعرف النحو فهو كالحمار يكون على رأسه مخلاة ليس فيها شعير(1). (2/260)
عن حبان(2) بن موسى قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لا ينبل(3)الرجل بنوع من العلوم ما لم يزين علمه بالأدب. (2/260)
عن يحيى بن عتيق قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد الرجل يتعلم العربية يلتمس بذلك حسن المنطق ويقيم بها قراءته؟ قال: حسن تعلمها، كان الرجل يقرأ الآية فيغير وجهها(4) فيهلك بها. (2/260)
عن الواقدي عن أبي الزناد عن أبيه قال: ما تزندق بالشرق إلا جهلاء بكلام العرب، وعجمة قلوبهم(5). (2/260)
عن الغلابي حدثنا أبي قال: قال سفيان بن عيينة: من أحق الناس بطلب العلم؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: العالم، لأن الجهل ليس أقبح منه بالعالم. (2/260)
عن أبي سهل المدايني قال: قال سفيان وسأله رجل فقال: يا أبا محمد العلم أفضل أو العمل؟ قال: العلم، أما تسمع قول الله عز وجل: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) فبدأ بالعلم قبل العمل. (2/260)
فصل في فضل العلم وشرف مقداره
عن قتادة عن مطرف [بن عبد الله بن الشخير] قال: فضل العلم أفضل من فضل العبادة، وخير دينكم الورع. (2/265)
عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر قال: موت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابداً. (2/267)
__________
(1) هذه الكلمة شديدة استبعد ثبوتها عن واحد من هؤلاء الأئمة الثلاثة.
(2) كانت (حسان)، تصحيف.
(3) كانت (لا يبتلى).
(4) كانت (فيعني بوجهها).
(5) معنى هذا الأثر ظاهر أو شبه ظاهر ولكني لست مطمئناً إلى سلامته من النقص والتحريف؛ وعلى كل حال فهو حكمة نادرة عظيمة.(1/151)
عن هبيرة بن يريم وأبي الأحوص عن ابن(1) مسعود قال: لا يأتي عام إلا والذي بعد شر منه، قالوا: إنا(2) يأتي علينا العام نخصب [فيه] والعام لا نخصب(3) فيه! قال: إني والله لا أعني خصبكم ولا جدبكم ولكن ذهاب العلم والعلماء، قد كان قبلكم عمر فأروني العام مثله. (2/268)
عن حجاج بن مسلم(4)حدثنا ابن المبارك أخبرنا هشام بن حسان عن الحسن قال: قال ابن مسعود: موت العالم ثلمة لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار. (2/268)
عن ميسرة بن حلبس أن أبا الدرداء قال: تعلموا العلم قبل أن يفتقر إليكم فإن أعبد الناس رجل عالم، إن احتيج إليه نفع بعلمه، وإن استغني عنه نفع نفسه بالعلم الذي يعلمه؟؟ الله عنده، فما بال علمائكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون! فلو أن العالم أراد أن يزداد علماً لازداد وما نقص العلم شيئاً، ولو أراد الجاهل أن يتعلم لوجد العلم. (2/268)
عن قتادة عن أبي هريرة قال: لأن أخرج في شيء من طلب العلم أريد صلاحي وصلاح من أعود إليه أحب إلي من صيام حول وقيام حول، لأن الشيطان قال لابن آدم: ليتك تعمل بما(5) علمت، فثبطه عن العلم، ولو كان أحد يكتفي بعلم لاكتفى كليم الله وعنده الألواح فيها تفصيل كل شيء، قال: (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً). (2/269)
__________
(1) كانت (أبي).
(2) كان بعدها (فيه) فحذفتها.
(3) كانت (يخصب) في الموضعين.
(4) قال البيهقي: هو أبو مسلم صاحب الصحيح.
(5) كانت (فما).(1/152)
عن عقبة قال: قال عبد الله بن مسعود: أزهد(1)الناس في عالم جيرانه وأهل بيته؛ وإنما مثل العالم بين جيرانه وأهل بيته كمثل بئر بين أظهرهم إذا احتاجوا إلى مائها(2) استقوا منها فبينما هم كذلك إذ أصبحوا وقد غار ماؤها(3). (2/271)
عن عبيد الله بن أبي العيزار قال: كان عبد الله بن مسعود إذا رأى الشباب يطلبون العلم قال: مرحباً بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلمة خلقان الثياب جدد القلوب. (2/271)
عن المعتمر بن سليمان قال: كتب إلي أبي وأنا بالكوفة: يا بني انظر في الصحف واكتب العلم فإن المال يفنى والعلم يبقى. (2/271)
عن محمد بن هانىء قال: سمعت ابن المبارك يقول: لا يتم طلب العلم إلا بأربعة أشياء: بالفراغ والمال والحفظ والورع. (2/271)
__________
(1) تصحفت إلى (إن هدى).
(2) كانت (ما بها).
(3) روى أبو نعيم في الحلية (4/245) عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: كان يقال أزهد الناس في عالم أهله، وكان يضرب مثل ذلك كالسراج بين أظهر القوم يستصبح الناس منه ويقول أهل البيت: إنما هو معنا وفينا، فلم يفجأهم إلا وقد طفىء السراج فأمسك الناس ما استصبحوا من ذلك.(1/153)
عن حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: لا يطلب هذا العلم أحد بالتملك وعز النفس، لا يفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح(1)
__________
(1) أحببت هنا أن أستطرد طلباً للفائدة والمتعة فأذكر جملة مما حكي عن الشافعي من حكم؛ قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1/74-77: "فصل في نوادر من حكم الشافعي رضي الله عنه وجزيل كلامه: قال رحمه الله: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة؛ وقال: من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن اراد الآخرة فعليه بالعلم؛ وقال: ما تقرب الى الله تعالى بشيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم؛ وقال: ما أفلح في العلم إلا من طلبه في القلة، ولقد كنت أطلب القرطاس فيعسر علي؛ وقال: لا يطلب أحدا هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلم وتواضع النفس أفلح؛ وقال: تفقه قبل أن ترأس فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه؛ وقال: من طلب علماً فليدقق لئلا يضيع دقيق العلم؛ وقال: من لا يحب العلم لا خير فيه ولا يكون بينك وبينه صداقة ولا معرفة؛ وقال: زينة العلماء التوفيق وحليتهم حسن الخلق وجمالهم كرم النفس؛ وقال: زينة العلم الورع والحلم؛ وقال: لا عيب بالعلماء أقبح من رغبتهم فيما زهدهم الله فيه، وزهدِهم فيما رغبهم [الله] فيه؛ وقال: ليس العلم ما حُفظ، العلم ما نفع؛ وقال: فقر العلماء فقر اختيار، وفقر الجهال فقر اضطرار؛ وقال: المراء في العلم يقسي القلب ويورث الضغائن؛ وقال: الناس في غفلة عن هذه السورة: إن الأنسان لفي خسر؛ وكان قد جزأ الليلة ثلاثة اجزاء الثلث الأول يكتب والثاني يصلي فيه والثالث ينام؛ وقال الربيع: نمت في منزل الشافعي ليالي فلم يكن ينام من الليل الا يسيراً؛ وقال بحر بن نصر: ما رأيت ولا سمعت في عصر الشافعي كان اتقى لله ولا أورع ولا احسن صوتاً بالقرآن منه؛ وقال الحميدي: كان الشافعي يختم في كل يوم ختمة؛ وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: وددت ان كل علم يعلمه الناس أؤجر عليه ولا يحمدوني قط؛ وقال احمد بن حنبل رحمه الله: كان الشافعي رحمه الله قد جمع الله تعالى فيه كل خير؛ وقال الشافعي: الظرف الوقوف مع الحق كما وقف؛ وقال: ما كذبت قط ولا حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً؛ وقال: ما تركت غسل الجمعة في برد ولا سفر ولا غيره؛ وقال: ما شبعت منذ ست عشرة سنة الا شبعة طرحتها من ساعتي؛ وفي رواية من عشرين سنة؛ وقال: من لم تعزه التقوى فلا عز له؛ وقال: ما فزعت من الفقر قط؛ وقال: طلب فضول الدنيا عقوبة عاقب الله بها أهل التوحيد؛ وقيل للشافعي ما لك تدمن امساك العصا ولست بضعيف؟ فقال: لأذكر أني مسافر، يعني في الدنيا؛ وقال: من شهد الضعف من نفسه نال الاستقامة؛ وقال: من غلبته شدة الشهوة لزمته العبودية لأهلها ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع؛ وقال: خير الدنيا والآخرة في خمس خصال: غنى النفس وكف الأذى وكسب الحلال ولبس التقوى والثقة بالله عز وجل على كل حال؛ وقال للربيع: عليك بالزهد؛ وقال: أنفع الذخائر التقوى وأضرها العدوان؛ وقال: من احب ان يفتح الله قلبه او ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه واجتناب المعاصي ويكون له خبيئة فيما بينه وبين الله تعالى من عمل؛ وفي رواية: فعليه بالخلوة وقلة الأكل وترك مخالطة السفهاء وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب؛ وقال: يا ربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها؛ وقال ليونس بن عبد الأعلى: لو اجتهدت كل الجهد على ان ترضي الناس كلهم فلا سبيل فاخلص عملك ونيتك لله عز وجل؛ وقال: لا يعرف الرياء الا المخلصون؛ وقال: لو أوصى رجل بشيء لأعقل الناس صرف الى الزهاد؛ وقال: سياسة الناس أشد من سياسة الدواب؛ وقال: العاقل من عقله عقله عن كل مذموم؛ وقال لو علمت أن شرب الماء البارد ينقص مروءتي لما شربته ولو كنت اليوم ممن يقول الشعر لرثيت المروءة؛ وقال: للمروءة أربعة أركان حسن الخلق والسخاء والتواضع والنسك؛ وقال: المروءة عفة الجوارح عما لا يعنيها؛ وقال: أصحاب المروءات في جهد؛ وقال: من احب أن يقضي الله له بالخير فليحسن الظن بالناس؛ وقال: لا يكمل الرجل في الدنيا الا بأربع بالديانة والأمانة والصيانة والرزانة؛ وقال: أقمت أربعين سنة أسأل إخواني الذين تزوجوا عن أحوالهم في تزوجهم فما منهم أحد قال إنه رأى خيراً؛ وقال: ليس بأخيك من احتجت الى مداراته؛ وقال: من صدق في اخوة أخيه قبل علله وسد خلله وغفر زلَلَه؛ وقال: من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقاً؛ وقال: ليس سرور يعدل صحبة الإخوان ولا غم يعدل فراقهم؛ وقال: لا تقصر في حق اخيك اعتماداً على مودته؛ وقال: لا تبذل وجهك الى من يهون عليه ردك؛ وقال: من برك فقد أوثقك ومن جفاك فقد أطلقك؛ وقال: من نم لك نم بك، ومن إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيك، إذا أغضبته قال فيك ما ليس فيك؛ وقال: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل؛ وقال: من وعظ اخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه؛ وقال: من سام بنفسه فوق ما تساوي رده الله تعالى الى قيمته؛ وقال: الفتوة حلي الأحرار؛ وقال: من تزين بباطل هتك ستره؛ وقال: التواضع من اخلاق الكرام والتكبر من شيم اللئام؛ وقال: التواضع يورث المحبة والقناعة تورث الراحة؛ وقال: أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره واكثرهم فضلا من لا يرى فضله؛ وقال: إذا كثرت الحوائج فابدأ بأهمها؛ وقال: من كتم سره كانت الخيرة في يده؛ وقال: الشفاعات زكاة المروءات؛ وقال: ما ضحك من خطأ رجل الا ثبت الله صوابه في قلبه؛ وقال: أبين ما في الإنسان ضعفه فمن شهد الضعف من نفسه نال الاستقامة مع الله تعالى؛ وقال: قال رجل لأبي بن كعب رضي الله عنه: عظني، فقال: واخ الاخوان على قدر تقواهم ولا تجعل لسانك مذلة لمن لا يرغب فيه ولا تغبط الحي الا بما تغبط به الميت؛ وقال: من صدق الله نجا ومن أشفق على دينه سلم من الردى ومن زهد في الدنيا قرت عيناه بما يرى من ثواب الله تعالى غدا؛ وقال: كن في الدنيا زاهداً وفي الآخرة راغباً واصدق الله تعالى في جميع أمورك تنج غداً مع الناجين؛ وقال: من كان فيه ثلاث خصال فقد أكمل الايمان: من أمر بالمعروف وائتمر به ونهى عن المنكر وانتهى عنه وحافظ على حدود الله تعالى؛ وقال لأخ له في الله تعالى يعظه ويخوفه: يا أخي إن الدنيا دحض مزلة ودار مذلة عمرانها الى الخراب صائر وساكنها للقبور زائر، شملها على الفرقة موقوف وغناها الى الفقر مصروف، الإكثار فيها اعسار والإعسار فيها يسار، فافزع الى الله وارض بزرق الله تعالى، ولا تستلف من دار بقائك في دار فنائك فإن عيشك فيء زائل وجدار مائل، اكثر من عملك وقصر من املك؛ وقال: أرجى حديث للمسلمين حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة دفع الى كل مسلم يهودي او نصراني وقيل يا مسلم هذا فداؤك من النار {رواه مسلم في صحيحه}؛ وقال: الاستنباط الى الناس مجلبة لقرناء السوء والانقباض عنهم مكسبة للعداوة فكن بين المنقبض والمنبسط؛ وقال: ما اكرمت أحداً فوق مقداره الا اتضع من قدري عنده بمقدار ما زدت في اكرامه؛ وقال: لا وفاء لعبد ولا شكر للئيم ولا صنيعة عند نذل؛ وقال: صحبة من لا يخاف العار عار يوم القيامة؛ وقال: عاشر كرام الناس تعش كريماً ولا تعاشر اللئام فتنسب الى اللؤم؛ وقال له رجل: أوصني فقال: إن الله تعالى خلقك حراً فكن حراً كما خلقك؛ وقال: من سمع بأذنه صار حاكياً ومن أصغى بقلبه كان واعياً ومن وعظ بفعله كان هادياً؛ وقال: من الذل أشياء: حضور مجلس العلماء بلا نسخة وعبور الجسر بلا قطعة ودخول الحمام بلا سطل وتذلل الشريف للدنيء لينال منه شيئاً وتذلل الرجل للمرأة لينال من مالها شيئاً ومداراة الأحمق فإن مداراته غاية لا تدرك؛ وقال: من ولي القضاء ولم يفتقر فهو لص؛ وقال: لا بأس على الفقيه ان يكون معه سفيه يسافه به؛ وقال: إذا أخطأتك الصنيعة الى من يتقي الله عز وجل فاصطنعها الى من يتقي العار".
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 10/97-98: "وبلغنا عن الإمام الشافعي ألفاظ قد لا تثبت ولكنها حكم، فمنها---" ثم ذكر الذهبي جملة من ذلك، وكل الذي ذكره أو أكثره مما أورده النووي في هذا الفصل الذي حكيته عنه؛ ثم ختم الذهبي هذه الكلمات وهي آخر ترجمة الشافعي في السير بقوله: لا نلام والله على حب هذا الإمام لأنه من رجال الكمال في زمانه رحمه الله، وإن كنا نحب غيره أكثر. قلت: ليت كل المؤرخين كانوا بإنصاف الذهبي واستقامته واجتهاده وفطنته وصراحته وجرأته واستنباطه وحكمته وتحقيقه وتدقيقه وحرصه على الإفادة والتنبيه؛ رحمه الله تعالى.(1/154)
. (2/272)
عن علي بن خشرم قال: شكوت إلى وكيع قلة الحفظ فقال: استعن على الحفظ بقلة الذنوب. (2/272)
عن أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: سمعت محمد بن رافع يقول: قيل لسفيان بن عيينة: بم(1) جدت الحفظ؟ قال: بترك المعاصي. (2/272)
الثامن عشر من شعب الإيمان
وهو باب في نشر العلم(2)
ابن جريج قال جاء الأعمش إلى عطاء فسأله عن حديثه فحدثه فقلنا له تحدث هذا وهو عراقي قال إني سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سئل عن علم فكتمه جيء به يوم القيامة وقد ألجم بلجام من نار---ورواه قتادة عن عطاء عن أبي هريرة موقوفاً. (2/276)
عن أيوب عن مجاهد قال: قال علي رضي الله عنه: لما نزلت (فتول عنهم فما أنت بملوم) أحزننا ذلك وقلنا: أُمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يتول عنا، فنزلت (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) . (2/276)
عن أيوب بن المتوكل قال: كان الخليل بن أحمد إذا استفاد من أحد شيئاً أراه أنه استفاد منه، وإذا أفاد إنساناً شيئاً لم يره أنه(3) أفاده شيئاً. (2/277)
عن أبي عثمان المازني حدثنا أبو الحسين الأخفش عن الخليل بن أحمد أنه قال: إنما كنت ألقى من الناس أربع رجال: رجلاً أعلم مني فهو يوم فائدتي، أو رجلاً مثلي فهو يوم مذاكرتي، أو رجلاً متعلماً من فهو يوم ثوابي وأجري، أو رجلاً دوني فيذكر أنه فوقي فذلك الذي لا أنظر إليه. (2/277)
__________
(1) كانت (لمَ).
(2) تتمة هذه الترجمة في الأصل: (وألا يمنعه أهله وإذا حضر العالم من يسأل عن علم عنده سؤال المسترشد المستفيد وجب عليه أن يخبره ولم يسعه كتمانه والحرج في كتمان النصوص أشد منه في كتمان الاستنباط).
(3) كانت (بأن).(1/155)
عن ابن المبارك عن يعقوب بن عطاء قال: كان رجل يحدث أبي بحديث كان أبي أحفظ لذلك الحديث من الرجل فجعل أبي يصغي إليه فقلت: يا رجل إن أبي يحفظ هذا الحديث، قال: فصاح أبي فقال: مه يا بني، فلما قام الرجل قال لي أبي: بني تبغض(1) أباك إلى جليسه؟! لقد سمعت هذا الحديث قبل أن يولد أبوه ولقد كان [الرجل] يحدث أخاه بالحديث والذي يحدث بالحديث أحفظ من الذي يحدثه فما يزيده على أن يقول: أحسبه، أراد أن يسره(2). (2/277)
عن أبي رجاء عن سليمان(3) قال: الناس ثلاثة سامع فغافل وسامع فتارك وسامع فعارف؛ ومن الناس حامل داء ومنهم حامل شفاء؛ ومن الناس من إذا ذكرت الله عنده أعانك وأحب لك [كذا] وإن نسيت ذكرك؛ ومن الناس إن ذكرت الله عنده لم يعنك، وإذا نسيت لم يذكرك؛ فتواضع لله وتخشع وذل لله يرفعك الله وقل سلاماً للقريب والبعيد، فإن سلام الله لا يناله الظالمون؛ فإن رزقك الله علماً فاتبع إليه كي تعلم مما علمك الله فإن مثل العالم الذي يعلم كمثل رجل حامل سراج على ظهر الطريق فكل من مر يستضيء به ويدعو له بالبركة وبالخير، وإن مثل علم لا يقال به كصنم نائم لا يأكل ولا يشرب، وإن مثل حكمة لا تخرج ككنز لا ينتفع به. (2/278)
عن سعيد عن قتادة قال: إن في الحكمة مكتوباً: طوبى لعالم ناطق وطوبى لمستمع واعي. (2/278)
عن عبد الرزاق: قال معمر: ما في الأرض بضاعة ينور على صاحبها أشد من العلم. (2/278)
__________
(1) كانت (تنغص).
(2) وعن معاذ بن سعد الأعور قال: كنت جالساً عند عطاء بن أبي رباح فحدث بحديث، فعرض رجل من القوم في حديثه، فغضب وقال: ما هذه الأخلاق؟ وما هذه الطبائع؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به فأريه أنه لا أُحسِنُ منه شيئاً. (حلية الأولياء 3/311 وروضة العقلاء ص72 وصفة الصفوة 2/214).
(3) أظنها (سلمان).(1/156)
عن الأصمعي قال: حدثنا العلاء بن أسلم عن رؤبة بن العجاج(1): أتيت النسابة البكرى قال لي: من أنت؟ قلت: رؤبة بن العجاج؛ قال: قصرت وعُرفت، فما جاء بك؟ قلت طلب العلم، قال: لعلك من قوم يأتوني إن حدثتهم لم يعوا عني وإن مسكت عنهم لم يسألوني، قال قلت: أرجو أن لا أكون منهم، فقال لي: فما أعداء المروة؟ قلت: خبرني، قال: (بنو عمر) [لعلها هم عبيد] السوء إن رأوا حسناً دفنوه وإن رأوا سيئاً أذاعوه، ثم قال لي: إن للعلم آفة وهجنة ونكراً، فآفته الكذب ونكره النسيان وهجنته نشره عند غير أهله. (2/278-279)
عن محمد بن الربيع قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: لو أني أعلم أن أحدهم يطلب هذا العلم لله تعالى ذكره لكان الواجب علي أن آتيه في منزله حتى أحدثه. (2/279)
عن أبي العباس بن عطاء قال: الموعظة للعوام والتذكرة للخواص والنصيحة للإخوان، فرض افترضه الله على عقلاء المؤمنين ولولا ذلك لبطلت السنة ولتعطلت الشريعة. (2/279)
عن حبان(2) بن موسى قال: عوتب ابن المبارك فيما يفرق المال في البلدان ولا يفعل في أهل بلده فقال: إني لأعرف مكان [قوم] لهم فضل وصدق وطلبوا الحديث فأحسنوا الطلب للحديث، حاجة الناس إليهم شديدة وقد احتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم وإن أغنيناهم بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم. (2/279)
عن أبي محمد الجريري قال: سمعت سهلاً يقول: شكر العلم التعليم وشكر العمل مزيد المعرفة. (2/280)
عن أبي عمير الصوري قال: كلمة لك من أخيك خير لك من مال يعطيك، لأن الكلمة تنجيك والمال يطغيك. (2/280)
__________
(1) الراجز المشهور.
(2) كانت (حباب) وهو من التصحيف.(1/157)
عن يزيد بن هارون حدثنا جرير حدثنا سلمان بن مسهر قال: سمعت كثير بن مرة الحضرمي يقول: لا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيمقتوك ولا تمنع العلم أهله فتأثم ولا تحدث به غير أهله فتجهل، إن عليك في علمك حقاً، إن عليك في مالك حقاً. (2/280)
قال الحليمي: وينبغي لطالب العلم أن يكون تعلمه وللعالم أن يكون تعليمه لوجه الله تعالى جده لا يريد به المتعلم أن يكسب بما تعلمه مالاً أو يزداد به في الناس جاهاً أو على أقرانه استعلاء أو لأضداده إقماعاً، ولا يريد العالم بتعليمه أن يكثر الآخذون عنه وإذا أحصوا وجدوا أكثر من الآخذين عن غيره، ولا أن يكون علمه أظهر في الناس من علم غيره؛ ويريد العالم أداء الأمانة بنشر ما حصل عنده وإحياء معالم الدين وصيانتها عن أن تدرس أو تزول---ويريد المتعلم عبادة الله عز وجل فطلب علم الدين ليوصل بما يتعلمه إلى العمل بما يرضى الله عنه وأن يكثر العلماء فيكون ذلك أحوط للعلم وأحرى لبقائه إن انقرض أحدهم وبالله التوفيق. (2/282)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لولا آية في كتاب الله لما حدثتكم ثم قرأ: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) . (2/282)
عن أبي عثمان النهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المنبر: إياكم والمنافق العالم! قالوا: وكيف يكون المنافق عالماً؟! قال: يتكلم بالحق ويعمل بالمنكر . (2/284)
عن معاوية بن صالح أن أبا الزاهرية حدثه عن أبي الدرداء قال لي: لا أخشى أن يقال لي يوم القيامة: يا عويمر ماذا عملت فيما جهلت؟ ولكن أخاف أن يقال لي: ماذا عملت فيما علمت . (2/286)
عن عمران بن مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا له الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن يعلمكم عند العلم، وتواضعوا لمن تعلموه العلم، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم . (2/287)(1/158)
عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سعيد بن جبير عن جابر بن عبد الله قال: ينبغي للعالم أن يغسل قلبه كما يغسل الرجل ثوبه من النجس . (2/287)
عن سعيد بن جبير عن جابر قال: تعلموا الصمت ثم تعلموا الحلم ثم تعلموا العلم ثم تعلموا العمل ثم انشروا. (2/288)
عن إبراهيم بن بشار قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: من طلب العلم خالصاً ينفع به عباد الله وينفع نفسه [و]كان(1) الخمول أحب إليه من التطاول فذلك الذي يزداد في نفسه ذلاً وفي العبادة اجتهاداً ومن الله خوفاً وإليه اشتياقاً وفي الناس تواضعاً، لا يبالي على ما أمسى وأصبح من هذه الدنيا. (2/288)
عن نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك يكثر الجلوس في بيته فيقال له: تكثر الجلوس في بيتك ألا تستوحش؟! فيقول: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. (2/288)
عن عبيد بن عمر عن أبي حازم قال: لا تكون عالماً حتى تكون فيك ثلاث خصال: لا تبغي على من فوقك ولا تحقر من دونك ولا تأخذ على علمك دنيا. (2/288)
عن أبي يعقوب المروزي قال: سمعت سفيان يقول: العالم لا يماري ولا يداري، ينشر حكمة الله فإن قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله. (2/288)
عن محمد بن النضر الحارثي قال: كان يقال: أول التعليم(2) الإنصات له ثم الاستماع له ثم حفظه ثم العمل ثم النشر. (2/288)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: قال سفيان بن عيينة: أول العلم الإستماع ثم الفهم ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر. (2/289)
عن وكيع قال: سمعت إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن جارية(3) يقول: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به. (2/289)
عن ثور بن يزيد عن عبد العزيز بن ظبيان قال: الشيخ من تعلم وعمل وعلم فذلك يسمى عظيماً في ملكوت السماء. (2/289)
__________
(1) زدت الواو والكلام صحيح بدونها.
(2) لعلها (العلم) أو (التعلم).
(3) كانت (حارثة).(1/159)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: الكلام حسن وأحسن من الكلام معناه وأحسن من معناه استعماله وأحسن من استعماله ثوابه وأحسن من ثوابه رضا من عملت له. (2/289)
عن عيسى الخياط؟؟ قال: سمعت الشعبي يقول: إنما كان يطلب من اجتمع فيه خصلتان: العقل والنسك، فمن كان عاقلاً ولم يكن ناسكاً قالوا: هذا أمر لا يناله إلا الناسك فلم تطلبه؟! وإن كان ناسكاً ولم يكن عاقلاً قالوا: هذا الأمر لا يناله إلا العقلاء فلم تطلبه؟! قال الشعبي: لقد خفت(1) أن يكون يطلبه اليوم من ليس فيه واحدة منهما لا العقل ولا النسك. (2/289)
عن محمد بن إسماعيل البخاري قال: سمعت علي بن عبد الله(2) يقول: الفقه في المعاد نصف العلم ومعرفة الرجال ومذاهبها نصف العلم. (2/290)
عن ابن شوذب عن مطر قال: خير العلم ما نفع، وإنما ينفع الله بالعلم من علمه وعمل به، ولا ينفع به من علمه وتركه. (2/290)
عن عبيد بن محمد الوراق قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: يا أصحاب الحديث أدوا زكاة هذا الحديث، قالوا: وما زكاته؟ قال: تعملون من كل مئة حديث بخمس(3) أحاديث. (2/290)
عن جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: قرأت في التوراة: "الذي يغلب علمه هواه فذاك العالم الغلاب". (2/290)
عن المسيب بن رافع قال: قال عبد الله بن مسعود: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس يفرطون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يختالون. (2/290)
__________
(1) كانت (أخفت).
(2) هو ابن المديني.
(3) كانت (خمس).(1/160)
عن أبي حسين الحسن بن عمرو السبيعي المروزي قال: سمعت بشر بن الحارث وجاؤا إليه أصحاب الحديث يوماً وأنا حاضر فقال لهم بشر: ما هذا الذي أرى معكم قد أظهرتموه؟ قالوا: يا أبا نصر نطلب هذه العلوم لعل الله ينفع بها يوماً، قال(1): علمتم أنه يجب عليكم فيها زكاة؟! كما يجب على أحدكم إذا ملك مئتي درهم خمسة دراهم فكذلك يجب على أحدكم إذا سمع مئتي حديث أن يعمل بخمسة أحاديث، وإلا فانظروا أيش يكون هذا عليكم غداً(2)؟!. (2/291)
عن هشام عن الحسن قال: قد كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره وبره(3). (2/291)
عن سعير(4) بن الخمس عن سليمان الأعمش قال كان الرجل يسمع الحديث الواحد فيعرفه في علمه وقوله. (2/291)
عن إبراهيم بن نصير قال: قال الفضيل بن عياض: من أوتي علماً لا يزداد فيه خوفاً وحزناً وبكاءً خليق بأن لا يكون أوتي علماً ينفعه، ثم قرأ (أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون). (2/291)
__________
(1) كانت (فإن).
(2) قال البيهقي: وأظنه أراد من الأحاديث التي وردت في الترغيب في النوافل وأما الواجبات فيجب العمل بجميعها.
(3) في بعض الكتب (ويده) بدل (وبره) وزيد في بعضها (وصلواته)؛ وانظر زهد ابن المبارك ص26 وزهد أحمد ص285 وزهد هناد 2/533 وسير أعلام النبلاء 4/583.
(4) كانت (سعيد).(1/161)
عن أبي الفضل العباس بن حمزة قال: سمعت ذا النون(1) يقول: كان الرجل من أهل العلم يزداد بعلمه بغضاً للدنيا وتركاً لها واليوم يزداد الرجل بعلمه للدنيا حباً ولها طلباً وكان الرجل ينفق ماله على علمه واليوم يكسب الرجل بعلمه للدنيا حباً ولها طلباً؛ كان يرى على صاحب العلم زيادة في باطنه وظاهره، واليوم ترى على كثير من أهل العلم فساد الباطن والظاهر. (2/291)
__________
(1) ذو النون المصري هذا كلامه فيه فوائد كثيرة وهو مفهوم في الجملة، على خلاف كلام كثير من الصوفية، والسبب في ذلك أنه في أغلب الأحيان يأتي بكلام العلماء المتقدمين فيلخصه أو يهذبه أو يجمع بعضه إلى بعض آخر أو يرتبه ثم يغير في ألفاظه وسياقاته ويفعل ذلك من دون أن ينسب الأقوال إلى أصحابها، ولكن يظهر أن بعض النقلة عنه ليسوا بثقات فإني رأيت في قصصه الأعاجيب والمناكير؛ ومن طالع صفة الصفوة ووقف على كثرة ما نقله عنه ابن الجوزي من ذلك منثوراً في الكتاب؛ وترجمه الذهبي في الميزان فقال: ذو النون المصري الزاهد العارف، قال الدار قطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر؛ قلت: اسمه ثوبان بن إبراهيم، ويقال: الفيض بن أحمد، ويقال كنيته أبو الفيض، ويقال أبو الفياض؛ قال محمد بن يوسف الكندي في تاريخ الموالي المصريين: ومنهم ذو النون بن إبراهيم الإخميمي مولى لقريش كان أبوه نوبياً، وقال ابن يونس: كان عالماً فصيحاً حكيماً أصله من النوبة مات سنة خمس وأربعين ومئتين؛ قلت كان ممن امتحن وأوذي لكونه أتاهم بعلم لم يعهدوه، كان أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال وفي مقامات الأولياء فقال الجهلة: هو زنديق؛ قال السلمي: لما مات أظلت الطير جنازته!!!. انتهت الترجمة بتمامها.(1/162)
عن سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون المصري يقول: صفة الحكيم ألا يطلب بحكمته المنزلة والشرف، فإذا أحب الحكيم الرئاسة زال حب الله من قلبه لما غلب عليه من حب ثناء المسلمين له، فصار لا يلفظ بمسموع ينفع للذي غلب على قلبه من حب تبجيل الناس له. (2/292)
عن أبي بكر بن عثمان قال: كتب أبو عثمان إلى محمد بن الفضل يسأله: ما علامة الشقاوة؟ فقال: ثلاثة أشياء: أحدها أن يرزق العمل ويحرم الإخلاص، والثاني أن يبرز صحبة الصالحين ولا يحترم لهم(1). (2/292)
عن عبد الله بن محمد بن عبيد التميمي قال: ثلاثة مفقودة وثلاثة موجودة: العلم موجود والعمل بالعلم مفقود، والعمل موجود والإخلاص فيه مفقود، والحب موجود والصدق(2) فيه مفقود. (2/292)
عن يحيى بن الحسين القريشي قال: أربعة أشياء في الناس عزيزة: عالم مستعمل(3) لعلمه، وحكيم ينطق من قلبه، وزاهد ليس له طمع، وعابد(4) ليس له علاقة. (2/292)
عن محمد بن الفضل قال: ذهاب الإسلام من أربعة(5): أوله لا يعملون بما يعلمون، والثاني: يعملون بما لا يعلمون، والثالث: [لا] يتعلمون ما لا يعلمون، والرابع: يمنعون الناس من التعلم(6). (2/293)
عن أبي بكر الوراق قال: الناس ثلاثة: العلماء والأمراء والقراء؛ فإذا فسد الأمراء فسد المعاش؛ وإذا فسد العلماء فسدت الطاعات؛ وإذا فسد(7) القراء(8) فسدت الأخلاق(9). (2/293)
__________
(1) سقط ذكر الثالث.
(2) المراد بالصدق هنا الصحة والقوة والثبات.
(3) كانت (يستعمل).
(4) كانت (وعائذ).
(5) وهذه كلها واقعة في هذا الزمن الأخير والله المستعان.
(6) التعلم) كانت (التعليم)، والتصحيح والزيادة السابقة كلاهما من (طبقات الصوفية) للسلمي ص214 طبعة القاهرة.
(7) كانت (فسدت).
(8) كانت (الفقراء) في الموضعين، والتصحيح من طبقات الصوفية للسلمي ص222 طبعة القاهرة.
(9) وانظر كلام ابن المبارك الآتي برقم 934.(1/163)
عن سفيان قال: قال عمر بن عبد العزيز: من لم يعد كلامه من عمله كثرت خطاياه، ومن عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. (2/293)
عن عبد الصمد بن حسان المروروذي قال: سمعت الفضيل بن عياض رضي الله عنه يقول: العلم دليل العمل. (2/293)
عن الحارث المحاسبي قال: العلم يورث الخشية والزهد يورث الراحة والمعرفة تورث الإنابة. (2/293)
عن أبي بكر الرازي قال: سمعت ابن أبي سعدان يقول: من عمل بالرواية ورث علم الدراية، ومن عمل بعلم الدراية ورث علم الرعاية، ومن عمل بعلم الرعاية هدى إلى سبيل الحق. (2/294)
عن إبراهيم الخواص قال: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العالم من اتبع العلم واستعمله [و]اقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم. (2/294)
عن عبد الله الرازي(1) قال: دلائل المعرفة: العلم، والعمل بالعلم، والخوف على العمل(2). (2/294)
عن الفضيل بن عياض قال: العلم علمان: علم باللسان، وعلم بالقلب؛ فأما العلم بالقلب فذاك العلم النافع؛ وأما العلم باللسان فذاك حجة الله على خلقه. (2/294)
عن سهل بن عبد الله قال: ما أعطي أحد شيئاً أفضل من علم يسترشد به افتقاراً إلى الله عز وجل. (2/294)
عن مالك بن دينار قال: إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره علمه، وإذا طلب العلم لغير العمل زاده كبراً(3). (2/294)
عن جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: إن القلب إذا لم (يحزن خرب)(4) كما أن البيت إذا لم يسكن خرب. (2/295)
عن فضيل بن غزوان قال: قال علي بن الحسين: من ضحك ضحكة مج مجة من العلم. (2/295)
__________
(1) هو عبد الله بن محمد الشعراني، توفي سنة 353 وترجمته في طبقات السلمي ص451-453 وفيها هذا الخبر؛ وهذا غير عبد الله الرازي الذي ترجمه السلمي ص288-290 وقال أنه مات قبل العشر وثلثمئة.
(2) كانت (العلم) .
(3) وفي رواية (فخراً).
(4) كانت (يكن مصون) فأصلحتها مطابقة لرواية علي بن عثام عن مالك وقد تقدمت وهي في الشعب (1/514).(1/164)
عن علي بن حمشاذ الصائغ قال: سمعت عبد الله الرازي وسئل - أو سألته -: ما بال الناس يعرفون عيوبهم وعيوب ما هم فيه ولا ينتقلون(1) عن ذلك ولا يرجعون إلى طريق الصواب؟! قال: لأنهم اشتغلوا بالمباهاة في العلم ولم يشتغلوا في استعماله، واشتغلوا بآداب الظواهر وتركوا آداب البواطن، فأعمى الله قلوبهم عن الطريق إلى الصواب وقيد جوارحهم عن العبادات. (2/295)
عن معروف الكرخي قال: إذا أراد الله بعبد خيراً فتح عليه باب العمل وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد بعبد شراً أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل. (2/295)
عن أبي بكر الوراق قال: من اكتفى بالكلام من العلم دون الزهد والفقه تزندق، ومن اكتفى بالزهد دون الفقه والكلام ابتدع، ومن اكتفى بالفقه دون الزهد والورع يفسق، ومن تفنن في الأمور كلها تخلص. (2/295)
عن هشام بن حسان قال: مر رجل على الحسن فقالوا: هذا فقيه، فقال الحسن: وتدرون من الفقيه؟! إنما الفقيه العالم في دينه الزاهد في دنياه الدائم على عبادة ربه. (2/296)
عن بشر بن الحارث قال: قال محمد بن نضر الحارثي: متى تكون من أهل العلم ومصيرك إلى الآخرة وأنت تعمل على الدنيا؟!. (2/296)
عن بشر قال [وقيل له]: ما عقوبة العالم؟ قال: حبه الدنيا يملأ(2) ويصم قلبه. (2/296)
عن عبد الله بن المبارك عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن: ما عقوبة العالم؟ قال: موت القلب، قلت: وما موت القلب؟ قال: طلب الدنيا بعمل الآخرة. (2/296)
عن محمد بن المثنى قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: لا ينبغي لأحد أن يذكر شيئاً من الحديث في موضع حاجة تكون له من حوائج الدنيا يريد أن يتقرب إليه، ولا يذكر العلم في موضع ذكر الدنيا؛ وقد رأيت مشايخاً طلبوا العلم للدنيا فافتضحوا وآخرين طلبوه فوضعوه مواضعه وعملوا به وقاموا به فأولئك سلموا ونفعهم الله به. (2/296)
__________
(1) كانت (ينقلون).
(2) لعلها (يملؤه).(1/165)
عن محمد بن الأشعث البيكندي قال: من تكلم في الزهد ووعظ الناس ثم رغب فيما لهم(1) رفع الله حب الآخرة من قلبه. (2/297)
عن مالك بن دينار قال: قرأت في التوراة أن العالم إذا لم يعمل بعلمه زالت موعظته من القلوب كما يزل القطر عن الصفا. (2/297)
عن محمد بن أحمد الفراء قال [سمعت عبد الله بن محمد منازل يقول]: قيل لحمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟! قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضى الرحمن، ونحن نتكلم لعزة النفس وطلب الدنيا وقبول(2) الخلق. (2/297)
عن سهل بن عبد الله قال: الفتن ثلاثة: فتنة العامة من إضاعة العلم، وفتنة الخاصة من الرخص والتأويلات، وفتنة أهل المعرفة من أن يلزمهم حق في وقت فيؤخروه إلى وقت ثان. (2/297)
عن إبراهيم بن شيبان قال: من أراد أن يتعطل ويتبطل فليلزم الرخص. (2/298)
عن الجنيد بن محمد قال: ويل للقائلين بالحق العاملين بالباطل كيف خالفت أفعالهم أقوالهم، ادعوا في الدنيا منازل الصديقين فنزلوا في الآخرة منازل المجرمين. (2/298)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت السري يقول: سمعت بعض الحكماء يقول: ويل للقائلين بالحق العاملين بالباطل الذين قالوا الحسنات وعملوا السيئات، كيف [يشنأهم] قولهم إذا خالفوا أمر الله [فـ]نزلوا بأعمالهم منازل المجرمين. (2/298 و309)
عن الحسن بن عيسى مولى ابن المبارك قال: سمعت ابن المبارك يقول: أما الناس العلماء، والملوك الزهاد، والسفلة الذي يأكل بدينه أموال الناس بالباطل، ثم قرأ: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل) قال: يأكلون الدنيا بالدين! قال: فبكى فضيل بن عياض بكاء شديد ثم قال: كذب من قال أنه لا يأكل بدينه، أنا والله آكل بديني. (2/298)
__________
(1) لعلها (في مالِهم).
(2) كانت (وقول) وأثبت ما في طبقات الصوفية للسلمي ص125، ومنه أخذت الزيادة الموضوعة بين حاصرتين.(1/166)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت إسحاق بن خلف وكان من الخائفين لله [قال] قال أحمد بن سلم: ما نذاكر العلم إلا بالغفلة عن العبادة. (2/298)
أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري حدثني أخي محمد قال: قال علي بن الفضيل لأبيه: وأبه(1) ما أحلى كلام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم! قال: يا بني وتدري لما حلا؟ قال: لا يا أبه، قال: لأنهم أرادوا به الله تبارك وتعالى. (2/299)
الأعمش عن إبراهيم قال: يطلع قوم من الجنة إلى قوم من النار يقولون: ما أدخلكم النار وإنما دخلنا الجنة بتأديبكم وتعليمكم؟! فيقولون: إنا كنا نأمركم بالخير ولا نفعله. (2/299)
عن جفعر قال: سمعت مالكاً بن دينار قرأ هذه الآية (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) قال: فاسمي في القيامة: مالك الصادق، أو مالك الكاذب. (2/299)
عن لقمان قال: كان أبو الدرداء يقول: إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر! فأقول: لبيك ربي، فيقول لي: ما عملت فيما علمت؟ (2/299)
عن الضحاك بن عبد الرحمن قال: سمعت بلال بن سعد يقول: عباد الرحمن لو قد غفرت لكم خطاياكم الماضية لكان فيما تستقبلون لكم شغلاً، ولو عملتم بما تعلمون لكنتم عباد الله حقاً. (2/299)
عن عبد الله بن وهب عن عمر بن الحارث أن رجلاً كتب إلى أخ له: اعلم أن الحلم لباس العلم فلا تعرض عنه. (2/300)
عن حسن بن رافع عن ضمرة قال: الحلم أرفع من العقل لأن الله عز جل تسمى باسمه. (2/300)
عن سعيد بن جبير في قوله تعالى (كونوا ربانيين) قال: حلماً وفقهاً. (2/300)
عن حماد بن زيد سمعت أيوب السختياني يقول: ينبغي للعالم أن يضع الرماد على رأسه تواضعاً لله عز وجل. (2/300)
عن الحسن بن عمرو قال: سمعت بشراً يقول: ما أقبح أن يُطلب العالم فيقال: هو بباب الأمير. (2/300)
__________
(1) كذا ولعلها (يا أبه) أو (وا أبه) أو نحوهما.(1/167)
عن عبد الصمد بن زيد قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: آفة القراء العجب، واحذر أبواب الملوك فإنها تزيل النعم، فقيل له: يا أبا علي كيف تزيل النعم؟ قال: الرجل يكون عليه من الله نعمة ليست له إلى خلق حاجة فإذا دخل إلى هؤلاء الملوك فرأى ما بسط الله لهم في الدور والخدم استصغر ما هو فيه ومن ثم تُزيل(1) النعم. (2/300)
عن أبي يزيد قال: لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدوه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة(2). (2/301)
وقال: إذا وقفت بين يدي الله عز وجل فاجعل نفسك كأنك مجوسي تريد أن تقطع الزنار بين يديه(3). (2/301)
عن أبي علي الثقفي قال: من أحب ما بلغني عن أبي يزيد البسطامي أنه كان يقول: من ترك طلب العلم وقراءة القرآن والتقشف ولزوم الطاعات وحضور الجنائز وادعى هذا الشأن فهو مدعي. (2/301)
عن أبي علي الثقفي قال: سمعت محمد بن الفضل السمرقندي الواعظ يقول: كم من جاهل أدركه العلم فأنقذه(4)، وكم من ناسك عمل عمل الجاهلية(5) فأوثقه(6)، احضر العلم وإن لم تحضرك النية، فإنما يطلب بالعلم النية(7)، وإن أول ما يظهر من ورع العبد لسانه، وأول ما يظهر من عقله حلمه. (2/301)
__________
(1) لعلها (تزول)، كما في كتاب (ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين) للسيوطي، وقد نقله من (الشعب). والنعم إنما تزداد بشكرها وتنقص بكفرها.
(2) ولكن أين أعمال هذا الرجل ونظرائه من كلامه هذا إن ثبت عنه؟!!
(3) أي كأنك تريد أن تسلم في تلك الساعة.
(4) كانت (فأفقده).
(5) لعلها (الجاهلين).
(6) أي ذلك العمل.
(7) أي أن العلم النافع يكون سبباً للاخلاص والاحتساب وصدق النية بإذن الله.(1/168)
عن أبي بكر محمد بن داود قال: سمعت أبا بكر الدقاق يقول: كنت ماراً في تيه بني إسرائيل فخطر بقلبي(1) أن علم الحقيقة مباين الشريعة فهتف بي هاتف من تحت شجرة: يا أبا بكر كل حقيقة لا تتبعها شريعة فهي كفر(2). (2/301)
عن أبي علي الثقفي قال: كان أبو حفص يقول: من لم يعرف(3) أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة، ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال. (2/302)
سمعت السلمي يقول: سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول: كل حال لا يكون عن مجة علم وإن جل، فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه. (2/302)
عن سهل بن عبد الله قال: أحضر السواد على البياض(4) فما أحد ترك الظواهر إلا نزح؟؟ إلى الزندقة. (2/302)
عن علي بن الحسين بن إسحاق قال: سمعت سهل بن عبد الله بن يونس الزاهد(5) يقول: من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث، فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة. (2/302)
عن أبي بكر البصري قال: دخلت على سهل بن عبد الله ومعي المحبرة فقال لي: تكتب؟ قلت: نعم، قال: اكتب، فإن استطعت أن تلقى الله عز وجل ومعك محبرة فافعل(6). (2/302)
__________
(1) وفي رواية (بخاطري).
(2) هذه القصص التي يذكر فيها الهواتف ونحوها، ليس من الاسلام في شيء والله أعلم بحقيقتها وكيفيتها وأسبابها وأسانيدها، وعلى كل حال فهذه الكلمة الأخيرة التي سيقت القصة من أجلها: كلمة حق في مجلس باطل.
(3) الأظهر أنها (يعرض).
(4) يعني كتب العلم.
(5) هو التستري.
(6) ولكن كثيراً من جهلة الصوفية كانوا أعداءً للمحبرة والكتاب كما في الأثر الذي يتلو هذا.(1/169)
عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله السراري قال: نظر أبو عبد الله بن حصيف يوماً إلى ابن مكتوم وجماعة من أصحابه يكتبون شيئاً فقال: ما هذا؟ فقالوا: نكتب كذا وكذا، فقال: اشتغلوا بتعلم شيء ولا يغرنكم كلام الصوفية فإني كنت أجيء بمحبرتي في جيب مرقعتي(1) والكاغد في حجزة سراويلي وكنت أذهب خفياً(2) إلى أهل العلم، فإذا علموا(3) بي خاصموني وقالوا: لا يصلح! ثم احتاجوا إلي بعد ذلك. (2/303)
عن أبي علي الروذباري قال: كان الجنيد بن محمد ترك السماع وشغله العلم والعمل، وكان إذا فرغ من أوراده وضع رأسه بين ركبتيه فلا يشيلها(4) يعني حتى يجتمع عليه أصحابه فيسألوه بالعلم والمسائل. (2/303)
عن الحسن بن عمرو قال: سمعت بشراً يقول: لا أعلم شيئاً أفضل منه إذا أريد به الله عز وجل، يعني طلب العلم. (2/303)
عن غيلان قال: سمعت سري السقطي يقول: من تعبد وكتب خشيت عليه، ومن كتب ثم تعبد رجوت له. (2/303)
عن أحمد بن سعيد الدارمي قال: سمعت من علي [بن] المديني كلمة أعجبتني قرأ علينا حديث الغار ثم قال: إنما نقل إلينا هذه الأحاديث لنستعملها لا لنتعجب منها. (2/303)
عن أبي عمر الحوضي قال: سمعت سعيد بن الحجاج يقول: بالليل تكتبون وبالنهار تسمعون فمتى تعملون؟!. (2/303)
عن الجنيد بن محمد قال: سمعت السري بن المغلس وقد ذكر له شيء من الحديث فقال: ليس من زاد القبر. (2/304)
__________
(1) كانت (موقعتي).
(2) كانت (حفياً).
(3) يريد الصوفية.
(4) لعلها (يشيله).(1/170)
عن أبي موسى قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما هو عندي إلا عبث كما يعبث الإنسان بالكلاب والحمام يعني الحديث(1). (2/304)
عن أبي سعيد الخراز قال: العلم ما استعملك واليقين ما حملك. (2/304)
عن أبي بكر أحمد بن يوسف قال: عبر الشبلي على غلام وقدامه قارورة يكتب الحديث قال: يا غلام إن شغْلك بها يشغلك عن المراد بها، فقال له الغلام: يا شيخ أفلا يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت إذا وضعت القلم ورفعته كان وجودك؟؟ ذكر الحق تبارك وتعالى فاكتب وإلا فهو عليك. (2/304)
عن علي بن خشرم قال: كثيراً ما [سمعت] ابن عيينة يقول: توفيق قليل خير من علم كثير. (2/305)
عن أبي عثمان البصري حدثنا أبو أحمد الفراء حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن أبي التياح قال: قال مطرف: أتى على الناس زمان خيرهم في دينهم المتسارع، وسيأتي على الناس زمان خيرهم في دينهم المتأني! قال أبو أحمد: سألت علي بن عثام عن تفسير هذا الحديث فقال: كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا أمروا بالشيء تسارعوا إليه وأما اليوم فينبغي للمؤمن أن يتبين فلا يقدم إلا على ما يعرف. (2/305)
__________
(1) قال البيهقي على هذين الأثرين: فهذا فيمن لا يكون مراده من كتبه الحديث معرفة أحكام الله تعالى وما فيه من المواعظ ثم استعمالها والاتصاف بها وإنما يكون قصده من كتبته الإكتساب بها والمفاخرة بفضلها على أقرانه فلا يكون من زاد الآخرة لأن العلم إنما هو الاستعمال وليتقي الله وليطيعه به لا ليتخذه حرفة ويكتسب به الرفعة في الدنيا.(1/171)
عن العباس بن الوليد: أخبرني أبي قال: سمعت ابن جابر يحدث عن رجل يقال له سعدان أبي الحارث فسأله عن الحسن بن أبي الحسن، قال له: كيف عقله؟ فأخبره فقال ابن منبه: أما تتحدث أو تجد(1) في الكتاب أنه ما آتى الله عبداً علماً فعمل به في سبيل الله فيسلبه عقله حتى يقبضه إليه؛ قال العباس: قال أبي: ما أحصي كم سألني الأوزاعي عن حديث البصري، يقول: يا وليد حدثني بحديث البصري عن ابن منبه. (2/305)
عن وكيع قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم بن مجمع بن جارية(2) يقول: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به. (2/306)
قال [وكيع]: وقال الحسن بن صالح: كنا نستعين على طلبه بالصوم. (2/306)
عن أبي مسهر عن سعيد بن عبد العزيز قال: إذا كان علم الرجل حجازياً(3) وحكمته عراقية(4) وطاعته شامية فناهيك به. (2/306)
عن هشام بن حسان عن الحسن في قول الله(5) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة)(6) قال: في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة. (2/306)
عن عبد الله بن مسعود قال: لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل أعيانهم أو قال أهل زمانهم لكن بذلوه لأهل الدنيا لينالوا من دنياهم فهانوا على أهلها. (2/306)
عن يحيى بن اليمان عن سفيان قال: العالم طبيب الدين والدراهم داء الدين، فإذا اجتر الطبيب الداء إلي نفسه فمتى يداوي غيره؟! (2/307)
__________
(1) لعلها مصحفة عن (إنا لنحدث أو نجد)، ففي الزهد لأحمد (ص268) قال يزيد بن يزيد بن جابر: لقيت وهب بن منبه بالموسم فقال لي: ألك عهد بالحسن بن ابي الحسن؟ فقلت له: نعم فقال: هل انكرتم من عقله شيئا؟ فقال: لا، فقال وهب: إنا لَنُحَدَّثُ – أو قال: إنا لنجدُ - في الكتب: أنه ما أوتي عبد علماً فسلكه في سبيل هدى فيسلبه الله عقله ابداً.
(2) كانت (حارثة).
(3) علم الحجاز هو الآثار، والآثار هي العلم.
(4) كانت (عراقياً).
(5) كانت (قوله اللهم).
(6) سورة البقرة 201.(1/172)
عن أبي عمر البيكندي قال: سمعت أبا عبد الله المغربي يقول: من أحب الدنيا فلا ينصحك ومن أحب الآخرة فلا يصحبك، لا تبرح تصبح(1) من قد دان نفسه. (2/307)
عن عبد الصمد بن محمد: قال بشر بن الحارث: العالم طبيب الدين والدراهم داء الدين فإذا كان الطبيب يجر إلى نفسه الداء فمتى يداوي نفسه؟! وقال: ليس (يفسد هذا)(2) الخلق إلا العلماء(3)، أجدبت(4) الدنيا وذهب أهل الخير. (2/307)
عن عباس العنبري قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: ينبغي للرجل ينظر خيره(5) من أين يعود، [و]مسكنه الذي يسكنه أهله من أي شيء هو ثم يتكلم. (2/307)
عن بشر أنه قال: إذا رأيت مَن همه الأطعمة والطيب والتخلف إلى أبواب الأمراء ومخالطتهم فأبغضهم في الله، ودعهم، ونهى عن مخالطتهم. (2/307)
عن بشر قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود لا تتخذ بيني وبينك عالماً(6) مفتوناً فيصدك بشكره(7) عن طريق محبتي أولئك قطاع طريق عبادي. (2/308)
عن الجنيد قال: سمعت الحارث المحاسبي يقول: لا يرد القيامة أكثر حسرة من رجلين: عالم لم ينتفع بعلمه وزاهد أكل الدنيا بدينه. (2/308)
عن قبيصة بن عقبة عن سفيان قال: كان يقال: تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل وفتنة العالم الفاجر، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون. (2/308)
عن الشعبي قال: اتقوا الفاجر من العلماء والجاهل من المتعبدين فإنهما آفة كل مفتون. (2/308)
__________
(1) كذا الأصل ويحتمل أنها محرفة عن (تصحب).
(2) تصحفت إلى (يعد شهداء).
(3) يريد علماء السوء والطمع والضلالة والبدعة وما أكثرهم، وأما علماء أهل الحق الربانيون فلم يفسدوا أحداً، بل بسببهم صلح من صلح من هذا الخلق، ولكن ما أغرب هذا الصنف من العلماء وأقلهم بعد القرون الفاضلة، ولا سيما في هذا الزمن المتأخر جداً.
(4) تصحفت إلى (أخزلته).
(5) لعلها (خبزه).
(6) كانت (عاملاً).
(7) لعلها (بمنكره) أو (بسكره) أي بغفلته وعبادته للدنيا.(1/173)
عن أبي طالب القطان قال: أنشدنا أبو بكر بن داود لنفسه:
من غص داوى(1)بشرب الماء غصته
فكيف يصنع من قد غص بالماء (2/309)
عن منصور بن زاذان قال: نبئت أن بعض من يلقى في النار ليتأذى أهلها بريحه فيقال له: ويلك ما كنت تعمل أما يكفينا ما نحن فيه من الشر حتى ابتلينا بك ونتن رائحتك؟! قال: فيقول: إني كنت عالماً فلم انتفع بعلمي. (2/309)
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنت أجلس في المسجد الجامع يوم الجمعة فيجلس إلي الناس فإذا كثروا فرحت وإذا قلوا حزنت، فسألت بشر بن منصور فقال: هذا مجلس شر فلا تعد إليه، فما عدت إليه. (2/310)
عن أمية بن خالد حدثنا شعبة قال: ما رأيت أحداً يطلب الحديث أقول إنه يريد به الله إلا هشاماً صاحب الدستوائي، فكان يقول: أيا ليت أنا ننجو من هذا الحديث كفافاً لا علينا ولا لنا، قال شعبة: فإذا قال هشام هذا فكيف نحن؟! (2/310)
عن فضيل بن مرزوق قال: سمعت أبا إسحاق يقول للشعبي: يا شعبي وددت أنى أنجو من علمي كفافاً. (2/310)
عن الشعبي قال: وددت أني أنجو منه كفافاً. (2/310)
عن أبي قطن قال: سمعت ابن عون يقول: وددت أني خرجت منه كفافاً، يعني العلم؛ قال أبو قطن: قال شعبة: ما أنا على(2) شيء مقيم أخاف أن يدخلني النار غيره. (2/310)
عن أبي الأحوص قال: سمعت ابن شبرمة يقول:
منوني الأجر العظيم وليتني
نجوت كفافاً لا علي ولا ليا (2/310)
__________
(1) كانت (دوائي).
(2) أنا على) كانت (أتى علي).(1/174)
عن الأعمش عن أبي وائل قال: خطب علي الناس بالكوفة فسمعته يقول في خطبته: أيها الناس إنه من يتفقر افتقر، ومن يعمَّر يبتلى، ومن لا يستعد للبلاء إذا ابتلي لا يصبر، ومن ملك استأثر، ومن لا يستشر يندم؛ وكان يقول من وراء هذا الكلام: يوشك أن [لا] يبقى من الإسلام إلا إسمه ومن القرآن إلا رسمه؛ وكان يقول: ألا لا يستحي الرجل أن يتعلم، ومن(1) سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم؛ مساجدكم يومئذ عامرة وقلوبكم وأبدانكم مخربة من الهدى، شرُّ من تحت ظل السماء فقهاؤكم، منهم تبدأ الفتنة وفيهم تعود! فقام رجل فقال: ففيم يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كان الفقه في رذالكم والفاحشة في خيارهم والملك في صغاركم فعند ذلك تقوم الساعة. (2/311-312)
عن عقيل بن عبد الله عن عطاء بن يزيد الليثي قال [و]أكثر الناس(2)! قال: إنكم أكثرتم في (أرأيت؟ أرأيت؟)! لا تعلموا لغير الله ترجون الثواب من الله؛ ولا يعجبن أحدكم علمه وإن كثر فإنه لا يبلغ عند عظمة الله [مثل قائمة] من قوائم ذباب. (2/312)
عن المسيب بن واضح قال: سمعت ابن المبارك في طريق الروم يقول: يا مسيب إن فساد العوام من قبل الخواص، وإن الناس على خمس طبقات: من أولهم الزهاد وهم ملوك هذه الأمة، والثاني العلماء وهم ورثة الأنبياء، والثالث الولاة وهم الرعاة، والرابع التجار وهم أمناء الله في الأرض، والخامس الغزاة وهم سيف الله في الأرض؛ وإذا كان الزاهد راغباً فبمن يقتدي الناس؟! وإذا كان العالم طامعاً فبمن يهتدي الناس؟! وإذا كان الراعي جائراً فإلى من يلتجىء الناس؟! وإذا كان التاجر خائناً فبمن يأمن الناس؟! وإذا كان الغازي مرائياً فمتى يرجو(3) الظفر(4)؟!. (2/313)
__________
(1) أي ولا يستحي من.
(2) أي قال وقد أكثر الناس عليه الأسئلة.
(3) لعلها (يُرجى) أو (نرجو).
(4) سبحان من أنطق هؤلاء العلماء بمثل هذا الكلام العظيم.(1/175)
عن يحيى بن اليمان عن الحسن الخراساني عن ابن عباس قال: يأتي على الناس زمان يكون فيه علماء ينقبضون من الفقهاء وينبسطون عند الكبراء، أولئك الجبارون أعداء الرحمن. (2/313)
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: يقال: ما شيء شر(1)من البطالة في العالم. (2/313)
عن يعقوب بن سفيان حدثنا ابن أبي عمر قال: قال سفيان: قال بعض الأمراء لأبي حازم: إرفع إلي حاجتك، قال: هيهات هيهات، رفعتها إلى من لا تحول الحوائج دونه، فما أعطاني منها قنعت وما زوى عني منها رضيت(2)؛ قال: فقال ابن شهاب: إنه لجاري وما علمت أن هذه عنده! قال أبو حازم: فقلت: لو كنت غنياً عرفتني؛ ثم قلت في نفسي: لا ينجو مني، فقلت: كان العلماء فيما مضى يطلبهم السلطان وهم يفرون منهم، وإن العلماء اليوم طلبوا [العلم] حتى إذا جمعوه بحذافيره أتوا به أبواب السلاطين والسلاطين يفرون منهم وهم يطلبونهم. (2/313)
عن علي بن عبد الحميد الغضايري قال: سمعت محمد بن السماك يقول: كم من مذكر بالله ناسٍ لله؟! وكم من مخوف بالله جريء على الله؟! وكم من داع إلى الله فار من الله؟! وكم من تال كتاب الله منسلخ من آيات الله؟!. (2/313)
__________
(1) وردت هاتان اللفظتان مقلوبتين بالتقديم والتأخير هكذا (ما شر شيء) فأصلحت ذلك.
(2) تقدمت هذه القطعة برقم (666).(1/176)
عن سعيد بن عامر عن هشام الدستوائي قال: قرأت في كتاب بلغني أنه من كلام عيسى بن مريم صلوات الله عليه: تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير العمل ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل، ويلكم علماء السوء! الأجر تأخذون والعمل تضيعون؟! يوشك رب العمل أن يطلب عمله وتوشكون أن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه! الله نهاكم [عن] الخطايا كما أمركم بالصيام والصلاة؛ كيف يكون من أهل العلم من سخط رزقه واحتقر منزلته وعلم أن ذلك من علم الله وقدرته(1)؟! كيف يكون [من أهل العلم] من اتهم الله في قضائه(2) فليس يرضى بشيء أصابه؟! كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته وهو في دنياه أفضل رغبة؟! كيف يكون من أهل العلم من مصيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه، وما يضره(3) أشهى(4) إليه - أو قال: أحب إليه - مما ينفعه؟! كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به ولا يطلبه ليعمل به؟! (2/314)
__________
(1) أي قدره.
(2) في الأصل (أقضاله)، فيحتمل أنها (أفضاله) وما أثبته أقرب.
(3) كانت (بصره).
(4) كانت (انتهى).(1/177)
عن جرير بن زيد قال: سمعت تبيعاً(1) يقول: إني لأجد نعت أقوام يتفقهون لغير الله ويتعلمون لغير العبادة ويلتمسون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، فبي يغترون وإياي يخادعون؟! فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تترك الحليم فيها حيران(2). (2/314)
عن سفيان بن عيينة قال: قال بعض الفقهاء: كان يقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله وعالم بأمر الله وعالم بالله وبأمر الله؛ فأما العالم بالله فهو الذي يخاف الله ولا يعلم السنة؛ وأما العالم بأمر الله فهو الذي يعلم السنة ولا يخاف الله؛ وأما العالم بالله وبأمر الله فهو الذي يعلم السنة ويخاف الله، فذلك الذي يدعى عظيماً في ملكوت السموات. (2/314)
عن القاسم بن هزان قال: سمعت الزهري يقول: لا يوثق؟؟ الناس [بـ]عمل عامل لا يعلم ولا يرضى بقول عالم لا يعمل. (2/315)
عن أبي الأشهب قال: قال الحسن: من قال قولاً حسناً وعمل عملاً حسناً فخذوا عنه؛ وإذا قال قولاً حسناً وعمل عملاً سيئاً فلا تأخذوا عنه. (2/315)
__________
(1) لعلها (كعباً).
(2) أخرج الخطيب في (اقتضاء العلم العمل) ص78-79 عن بكار بن عبد الله قال: سمعت وهب بن منبه يقول: قال الله تعالى فيما يعيب به أحبار بني إسرائيل: أتفقهون لغير الدين وتعلمون لغير العمل وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة؟! تلبسون جلود الضأن وتخفون أنفس الذئاب وتنقون القذى من شرابكم وتبتلعون أمثال الجبال من الحرام وتثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ولا تعينونهم برفع الخناصر، تطولون؟؟ الصلاة وتبيضون الثياب وتغتصبون مال اليتيم والأرملة، بعزتي حلفت لأضربن بفتنة يضل فيها رأي كل ذي رأي وحكمة الحكيم. ص78-79(1/178)
عن جعفر عن مالك بن دينار قال: قرأت في التوراة: إنه ليس منا فعل بالعلم ولما يعمل بما قد علمت؛ يكون مثلك مثل رجل حزم حزمة من حطب فحملها فلم يستطع بها فوضعها وجمع إليها(1). (2/315)
عن العباس بن الوليد حدثنا أبي حدثنا الأوزاعي قال: من أخذ بنوادر العلماء فبفيه الحجر؟؟. (2/315)
قال: وسمعت الأوزاعي يقول: إن معالي المسائل تحدث قسوة في القلوب وغفلة وإعجاباً. (2/315)
قال: وحدثنا الأوزاعي: نبئت أنه كان يقال(2): ويل للمتفقهين لغير العبادة والمستحلين الحرمات بالشبهات(3). (2/315)
عن الحكم بن بشير عن عمرو بن قيس الملائي قال: قال إبليس: ثلاث من كن فيه أدركت فيه حاجتي: من استكتم علمه(4) ونسي ذنوبه وأعجب برأيه. (2/316)
__________
(1) هذه الجملة فيها سقط أو تحريف أو هذا وذاك؛ وقد ورد عن مالك قال: قرأت في بعض الحكمة: لا خير لك – أو لا عليك – أن تعلمن ما تعلم ولا تعمل بما قد علمت فإن مثل ذلك مثل رجل قد احتطب حطبا فحزمه حزمة فذهب ليحملها فعجز عنها فضم إليها أخرى. (حلية الأولياء 3/375)؛ ثم تبين لي مؤخراً أن صواب هذه العبارة (ليس منا فعل بالعلم ولما يعمل) هو (ليس بنافعك العلم ولما تعمل).
(2) كانت (يقول).
(3) قال أبو نعيم في حلية الأولياء 9/363: "حدثنا أبي حدثنا احمد حدثنا سعيد قال: سمعت ذا النون يقول وسئل عن الآفة التي يخدع بها المريد عن الله؟ فقال: يريه الألطاف والكرامات والآيات؛ قيل له: يا أبا الفيض فبم يخدع قبل وصوله الى هذه الدرجة؟ قال: بوطء الأعقاب وتعظيم الناس له والتوسع في المجالس وكثرة الأتباع، فنعوذ بالله من مكره وخدعه؛ قال: وسمعت ذا النون وسئل: ما أساس قسوة القلب للمريد؟ فقال: ببحثه عن علوم رضّى نفسه بتعليمها دون استعمالها والوصول إلى حقائقها.
(4) كانت (عمله) ولعل صواب العبارة (من استكثر عمله).(1/179)
عن وهب بن علي قال: كان ابن السماك الواعظ بالكوفة في(1) بعض مجالسه في(2) ذكر النار، فبكى وأبكى ووعظ وذكَّر وجرى مجلس حسن جميل فلما كان في المجلس الثاني دفعت إليه رقعة كان فيها:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء من السقام لذي الضنا
كيما يصح به وأنتم سقيم
وأراك تلقح بالرشاد عقولنا
نصحاً وأنت من الرشاد عديم
فمرض من ذلك مرضاً شديداً، وتوفي منه رحمه الله. (2/316)
عن أبي عمرو بن مطر قال: حضرت مجلس أبي عثمان الحيري الزاهد فخرج وقعد على موضعه الذي كان يقعد للتذكير فسكت حتى طال سكوته فناداه رجل كان يعرف بأبي العباس ترى أن تقول في سكوتك شيئا فأنشأ يقول:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى
طبيب يداوي والطبيب مريض
قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء والضحيج. (5/465 و2/316)
عن أبي عثمان سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الخير في العالم التقي: قمع الطمع عن القلب في الخلق؛ وتقريب الفقير والرفق به في التعليم والجواب؛ والتباعد من السلطان؛ وثلاثة من أعلام الخير في المتعلم: تعظيم العلماء بحسن التواضع لهم؛ والعمى عن عيوب الناس بالنظر في عيب نفسه؛ وبذل المال في طلب العلم إيثاراً له على متاع الدنيا؛ وثلاثة من أعلام الفهم: تلقف معاني الأقوال؛ وإيجاز(3) الجواب في المقال؛ وكفاية الخصم مؤونة التكرار؛ وثلاثة من أعلام الأدب: الصمت حتى يفرغ المتكلم من كلامه؛ ورد الجواب إذا التقى منه الجواب(4)؛ وإعطاء الجليس حظه من المؤانسة والمكاشرة(5) في وجهه حتى يقوم. (2/316)
التاسع من شعب الإيمان
وهو باب في تعظيم القرآن
فصل في تعليم القرآن
__________
(1) كانت (قال في).
(2) كانت (من) ولعلها (قد).
(3) كانت (وإنجاز).
(4) هذه العبارة معناها غير واضح، ويظهر أن سبب ذلك تصحيف واقع في كلمة (التقى) ولعل صوابها (ابتغى).
(5) كانت (والمكاثرة).(1/180)
عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله (إهدنا الصراط المستقيم) قال: كتاب الله عز وجل. (2/316)
عن شريك عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله قال: كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات من القرآن لم نتعلم من العشر التي أنزلت بعدها حتى نتعلم ما فيهن(1)؛ قيل لشريك: من العلم؟ قال: نعم. (2/330)
عن إسحق بن عيسى قال: سمعت مالكاً يوماً عاب(2) العجلة في الأمور ثم قال: قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين. (2/331)
عن بكير حدثنا مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثمان سنين يتعلمها. (2/331)
عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: تعلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه البقرة في إثني عشرة سنة فلما أتمها نحر جزوراً. (2/331)
عن وكيع عن خالد بن دينار قال: قال لنا أبو العالية: خمس آيات خمس آيات؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذه من جبريل خمساً خمساً. (2/331)
علي بن بكار عن أبي خلدة(3) عن أبي العالية قال: قال عمر رضي الله عنه: تعلموا القرآن خمساً خمساً، فإن جبريل عليه السلام نزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم خمساً خمساً؛ قال علي بن بكار: قال بعض أهل العلم: من تعلم خمساً خمساً لم ينسه(4). (2/331)
عن مرة عن ابن مسعود قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر(5) الأولين والآخرين(6). (2/332)
فصل في إدمان تلاوة القرآن
__________
(1) كانت (فيه).
(2) كانت (يوم عبا).
(3) هو خالد بن دينار.
(4) قال البيهقي: خالف [علي بن بكار] وكيعاً في رفعه إلى عمر رضي الله عنه، ورواية وكيع [يعني الموقوفة على أبي العالية] أصح.
(5) كانت (خير).
(6) وفي رواية (فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين).(1/181)
عن ابن المبارك عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه لأن الله تعالى يقول: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب. (2/332)
عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبة الله ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين النافع، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق على(1) كثرة الرد؛ فاتلوه فإن الله يأجركم عن تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما أني لا أقول: ألم [حرف] ولكن الألف [حرف] واللام [حرف] والميم [حرف](2) . (2/332)
عن المهاجر بن حبيب عن عبيدة المليكي(3) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: يا أهل القرآن، ثلاث مرات، لا توسدوا القرآن(4)، واتلوه حق تلاوته في آناء الليل والنهار، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون، ولا تستعجلوا ثوابه فإن له ثواباً. (2/351)
عن عبد الله [بن مسعود] قال: من أحب أن يعلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله. (2/353)
عن الأعمش عن شقيق قال: قيل لابن مسعود: إنك تُقِلُّ الصوم! قال: إني إذا صمت ضعفت عن القرآن، وقراءة القرآن أحب إلي. (2/354)
عن فروة بن نوفل الأشجعي قال: كنت جاراً لخباب بن الأرت فخرجنا من المسجد فأخذ بيدي فقال: يا هناه تقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تقرب بشيء أحب إليه من كلامه. (2/354)
__________
(1) كانت (عن) ولها وجه.
(2) قال البيهقي: وفي رواية العلوي: لا أعني ألم عشراً ولكن الألف عشراً واللام عشراً والميم عشراً؛ انتهى؛ وزدت كلمة (حرف) في المواضع الأربعة للغرض إيضاح الكلام وإلا فهو صحيح بدونها، وإن كانت قد وردت في روايات أخرى عن ابن مسعود.
(3) وفي رواية أخرى مختصرة أوردها المصنف قبل هذه (الأملوكي).
(4) يحث أهل الحفظ على قيام الليل.(1/182)
عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: نقل الحجارة يعني أهون على المنافقين من قراءة القرآن. (2/354)
عن أبي موسى قال: إن هذا القرآن كائن لكم أجراً وكائن لكم ذخراً وكائن لكم وزراً، فاتبعوا القرآن ولا يتبعكم القرآن! فإنه من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة ومن يتبعه القرآن زج في قفاه حتى يقذفه في نار جهنم(1). (2/354)
عن شقيق قال: قال عبد الله: إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين ينادون: يا عبد الله هذا الطريق، فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن. (2/355)
عن ابن مسعود أنه قال: اقرؤا القرآن قبل أن يرفع فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع؛ قالوا: هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الناس؟ قال: يُعدا عليه ليلاً فيرفع من صدورهم فيصبحون فيقولون: كأنا لم نعلم شيئا ثم يفيضون في الشعر. (2/355)
عن شداد بن معقل سمع عبد الله بن مسعود يقول: إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما يبقى الصلاة، وإن هذا القرآن الذي بين أظهركم وشك أن يرفع؛ قالوا: كيف وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف؟! قال: يسرى عليه ليلاً فيذهب ما في قلوبكم ويرفع ما في المصاحف ثم قرأ عبد الله (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً). (2/356)
عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس قال: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب، وذلك بأن الله عز وجل قال: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى). (2/356)
__________
(1) قال أبو عبيد: قوله "فاتبعوا القرآن" أي اجعلوه أمامكم ثم اتلوه، وأما قوله "ولا يتبعنكم القرآن" فإن بعض الناس يحمله على معنى لا يطلبنكم القرآن بتضييعكم إياه كما يطلب الرجل صاحبه بالتبعة، وفيه قول آخر هو عندي أحسن من هذا؛ قوله "لا يتبعنكم القرآن" لا تدعوا العمل به قد [كانت فيه] جعلتموه وراء ظهوركم. نقله المصنف.(1/183)
عن ابن عباس أنه سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: ذكر الله أكبر، رددها ثلاث مرات، ثم قال: ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتعاطون كتاب الله ويتدارسونه إلا كانوا أضيافاً(1) لله وأظلت عليهم الملائكة أجنحهتها وكانوا زواراً لله حتى يخوضوا في حديث غيره؛ ومن سلك طريقاً يطلب فيها علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة؛ ومن يبطىء به عمله لا يسرع به نسبه. (2/357)
عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة قال: قالت امرأة لعيسى عليه السلام: طوبى لبطن حملك وطوبى ثدي أرضعك! قال: طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبع ما فيه. (2/358)
فصل في إحضار القارىء قلبه ما يقرأه والتفكر فيه
عن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القرآن، إني أقرأ القرآن في ثلاث، قال: لئن أقرأ البقرة في ليلة أتدبرها وأرتلها أحب إلي [من] أن أقرأه كما تقرأ. (2/360)
عن القاسم بن الوليد قال: قال عبد الله بن مسعود: لا تهذوا القرآن هذ الشعر، [و]لا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب. (2/360)
عن إبراهيم قال: قال عبد الله: اقرؤا القرآن وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. (2/360)
عن يحيى بن سعيد أنه قال: كنت أنا ومحمد بن يحيى بن حبان جالسين فدعا محمد رجلاً(2) قال: أخبرني بالذي سمعت من أبيك، قال الرجل: أخبرني أنه أتى زيد بن ثابت فقال: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع؟ قال: ذلك حسن، ولأن اقرأه في نصف شهر أو عشرين أحب إلي، واسألني مم(3) ذلك، قال: فإني أسألك، قال زيد: لكني أتدبر وأقف عليه. (2/360)
عن سفيان بن عيينة قال: سمعت مسعر بن كدام يقول: قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني، قال: إذا سمعت الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين أمنوا) فاصغ إليها سمعك فإنه خير توصى به أو شر تصرف عنه. (2/361)
__________
(1) كانت (ضيافاً).
(2) كانت (رجل).
(3) تصحفت إلى (وسألني ثم).(1/184)
عن عبد الملك بن سيف عن رجل من ولد ابن أبي ليلى قال: دخلت علي امرأة وأنا أقرأ سورة هود فقالت: يا أبا عبد الرحمن هكذا تقرأ سورة هود؟! والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها. (2/361)
فصل في البكاء عند قراءة القرآن
قال المصنف: وروينا في الحديث الثابت عن عائشة في قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنها أنه ابتنى مسجداً بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يتعجبون منه ينظرون إليه؛ وكان أبو بكر رجلاً بكاءاً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن. (2/364)
عن الحسن قال: كان عمر بن الخطاب يمر بالآية في ورده فتخيفه فيبكي حتى يسقط ويلزم بيته اليوم واليومين حتى يعاد ويحسبونه مريضاً. (2/364)
عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: سمعت نشيج عمر بن الخطاب وأنا في آخر الصفوف في صلاة الصبح يقرأ من سورة يوسف، يقول: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله). (2/364)
عن علقمة بن وقاص قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عشاء الآخر[ةِ] فقرأ بسورة يوسف فلما أتى على ذكر يوسف نشج عمر حتى سمعت نشيجه وإني لفي آخر الصف. (2/364)
عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر أن عمر قرأ سورة مريم فسجد ثم قال: هذا السجود فأين البكاء(1)؟! (2/365)
عن أبي بردة قال: كان أبو موسى إذا قرأ (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم)؟ قال: يعني(2) الجهل، ويبكي، وإذا قرأ (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) بكى. (2/365)
عن ابن أبي مليكة قال: صحبت(3) ابن عباس من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة وكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن يقرأ حرفاً حرفاً، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب، ويقرأ: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) . (2/365)
__________
(1) يشير إلى قوله تعالى في وصف الأنبياء (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا).
(2) لعلها (غرني).
(3) كانت (سمعت).(1/185)
عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله، قال: قلت: فإن ناساً ههنا إذا سمع أحدهم القرآن خر مغشياً عليه! قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (2/365)
عن عفان حدثنا حماد قال: كان ثابت يقرأ بتلك(1)؟؟ (أكفرت بالذي خلقك من تراب) وهو يصلي صلاة الليل، ينتحب يرددها. (2/366)
عن بشر بن الحكم النيسابوري قال: كانت امرأة الفضيل تقول: لا تقرؤا عند إبني بالقرآن! قال بشر: وكان إذا قرىء عنده القرآن غشي عليه! قال بشر: وكان ابن الفضيل لا يقدر على قراءة القرآن فقال لأبيه: يا أبه ادع الله لعلي استطيع أن أختم القرآن مرة واحدة. (2/366)
عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: كان المعتمر بن سليمان يبكي فأدخلت عليه فلم يرفع إلي رأسه فلما فرغ قال لي: يا أبا يعقوب لم أرك، والقارىء يقرأ القرآن(2). (2/366)
الاستعاذة عند الإفتتاح بالقراءة
عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه؛ قال عطاء: همزه الموتة ونفثه الشعر ونفخه الكبرياء. (2/367)
[ختم القرآن]
عن ثابت البناني عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله. (2/368)
عن علي الفاشاني قال: كان عبد الله بن المبارك يعجبه إذا ختم القرآن أن يكون دعاؤه في السجود. (2/374)
فصل في الوقوف عند ذكر الجنة والنار والمسئلة والاستعاذة
عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت إذا قرأت (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) قالت: اللهم من علي وقني عذاب السموم. (2/375)
__________
(1) لعلها (بليل) أو (يرتل).
(2) لتحقق الجملة الأخيرة فإني غير مطمئن إليها، إلا إذا كانت من كلام اسحاق لا المعتمر فحينئذ يتجه السياق.(1/186)
عن يحيى بن عباد عن ابن مسعود قال: إني لأرجو أن لا يقرأ (أحد هذه)(1) الآيات ثم يستغفر الله إلا غفر الله له: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله)؛ (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً)(2)؛ (الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم)(3). (2/376)
عن الشعبي قال: إذا قرأت القرآن فأفهمه قلبك واسمعه أذنيك فإن الأذنين عدل بين القلب واللسان، فإن مررت بذكر الله فاذكر الله، وإن مررت بذكر النار فاستعذ بالله منها، وإن مررت بذكر الجنة فسلها الله عز وجل. (2/376)
فصل في الإعتراف لله تعالى بما يخبر به عن نفسه
عن ابن عباس [أنه] إذا قرأ (سبح إسم ربك الأعلى) قال: سبحان ربي الأعلى. (2/377).
عن ابن عباس أنه قال إذا قرأ أحدكم (سبح اسم ربك الأعلى) فليقل: سبحان ربي الأعلى وإذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) فليقل: اللهم بلى، أو: اللهم سبحان ربي بلى؛ والشك من قبل عاصم [أحد رواته] . (2/377)
عن وكيع عن عمرو بن عثمان أخبرني من قال له أبو جعفر: إذا قرأت (قل هو الله أحد) فقل أنت: هو الله أحد. (2/377)
فصل في السواك لقراءة القرآن
عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه قال(4): أمرنا بالسواك فقال: إن العبد إذا قام يصلي أتاه الملك فقام خلفه فيسمع القرآن ويدنو فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه فلا يقرأ آية إلا كان في جوف الملك. (2/381)
فصل في لبس الحسن من الثياب والتطيب لقراءة القرآن
روي عن تميم الداري أنه كان إذا قام بالليل فتهجد بالليل اعتكف؟؟ بالغالية. (2/382)
__________
(1) كانت (أحدهم).
(2) سورة النساء 110.
(3) كان في بعض المواضع من هذا الأثر خلل من النسخ أو الطبع فأصلحته.
(4) إذا كان القائل هو علي ففاعل (أمرنا) هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحديث مرفوع؛ وإن كان القائل السلمي فالآمر علي والحديث موقوف عليه.(1/187)
عن مجاهد قال: كانوا يكرهون أكل الثوم والبصل والكراث للقيام من الليل ويستحبون أن يمس الرجل عند قيامه من الليل طيباً. (2/382)
عن موسى بن خلف قال: سمعت قتادة يقول: ما أكلت الكراث منذ قرأت القرآن. (2/382)
عن حميد الأعرج عن مجاهد قال: إذا تثاءبت وأنت تقرأ فأمسك عن القراءة حتى يذهب عنك. (2/382)
فصل في كراهية قطع القرآن لمكالمة الناس
وذلك أنه إذا انتهى في القراءة إلى آية وحضر كلام فقد اختلطت(1) الآية التي بلغها والكلام، فلا ينبغي أن يؤثر كلامه على قراءة القرآن. (2/384)
روى البخاري في كتابه عن إسحق عن النضر بن شميل عن ابن عون عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه(2). (2/385)
عن ابن أبي الهذيل قال: كانوا يكرهون أن يقرؤا بعض الآية ويدعوا بعضها. (2/385)
[الاقتصار على بعض السورة وغيرها]
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه العتمة فقسم بنا آل عمران في ركعتين فوالله ما أنسى قراءته: ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم، القيام؟؟. (2/385)
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: أقيمت صلاة العشاء فتوجهت إلى الصلاة فإذا عمر قد بلغ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ثم استفتح (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) فقلت: اختمها(3) هو، قال: فقرأ مئة آية ثم ركع، ثم قام في الثانية فقرأ مئة آية ثم ركع. (2/386)
__________
(1) كانت (استقلت).
(2) عن عمر بن محمد المنكدر قال: كنت أمسك على أبي المصحف قال فمرت مولاة له فكلمها فضحك إليها ثم أقبل يقول: إنا لله إنا لله حتى ظننت أنه قد حدث شيء فقلت: ما لك؟ فقال: أما كان لي في القرآن شغل حتى مرت هذه فكلمتُها؟ (صفة الصفوة 2 / 142)
(3) لعلها (يختمها).(1/188)
عن مسعر عن أبي إسحق عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قرأ عبد الله في الركعة الأولى في صلاة العشاء الآخرة سورة الأنفال حتى انتهى إلى رأس الأربعين (نعم المولى ونعم النصير) ثم ركع ثم قام فقرأ في الثانية سورة أخرى من المفصل. (2/386)
فصل في تحسين الصوت بالقراءة والقرآن
عن أبي عبيدة قال: كان ابن مسعود يقول: إن الصوت الحسن زينة القرآن. (2/389)
عن ابن جريج عن ابن شهاب في قوله تعالى (يزيد في الخلق ما يشاء) قال: حسن الصوت. (2/389)
عن سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن عمران بن عبد الله بن طلحة قال: كان رجل يصلي بالناس في مسجد المدينة في رمضان فطرَّب ليلة فقال القاسم بن محمد: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكره ذلك. (2/389)
عن سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال: حدثني بعض آل سالم قال: قدم سلمة البيدق المدينة فقام يصلي بهم، فقيل لسالم: لو جئت فسمعت قراءته، قال: فجاء فلما كان بالباب سمع قراءته فرجع(1) وقال: غنا!! غنا!!(2) فقيل لحنبل بن إسحق: سألت أبا عبد الله بن حنبل عن ذلك فقال: أما هذا المحْدث فأكرهه، فما كان من الرجل لم يتكلفه على معنى حديث أبي موسى فلا بأس، وأما(3) هذا كان مما أحدثوا فكرهه سالم. (2/389-390)
فصل في ترتيل القراءة
عن حماد عن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة إني أهذرم القرآن هذرمة! فقال ابن عباس: لأن أقرأ بسورة البقرة فأرتلها أحب إلي أن أقرأ القرآن كله هذرمة. (2/391)
عن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة فربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لأن أقرأ بسورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل مثل الذي تفعل، فإن كنت فاعلاً بعد فاقرأه قراءة تسمع أذنيك ويعيه قلبك. (2/392)
__________
(1) بالأصل (مزجع) تصحيف.
(2) كانت بالأصل (عتاعتا).
(3) كانت (وأهل).(1/189)
عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله وكان حسن الصوت فقال: رتل فداك أبي وأمي فإنه زين القرآن. (2/392)
عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن مجاهد (ورتل القرآن ترتيلاً) قال: بعضه على إثر بعض، (وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه) أي(1) عمله. (2/392)
فصل في مقدار ما يستحب فيه القراءة
عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز؛ رواه أبو إسحق عن أبي عبيدة وزاد فيه: هذاً كهذّ الشعر ونثراً كنثر الدقل. (2/395)
عن عبيد الله بن عبد الله قال: كان ابن مسعود يختم القرآن في ثلاث لا يستعين عليه من النهار إلا باليسير. (2/395)
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ القرآن من الجمعة إلى الجمعة، وفي رمضان يختمه في كل ثلاث.(2/415 و395)عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي الأحوص: قال عبد الله: اقرؤا القرآن في سبع ولا تقرؤا في أقل من ثلاث؛ وليحافظ الرجل في يومه وليلته على جزء(2). (2/395)
عن أبي قلابة أن أبي بن كعب كان يختم القرآن في كل ثمان، وأن تميم الداري كان يختم في كل سبع. (2/396)
عن سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل - سماه - عن أبي بن كعب قال: إن أهون ما ختم القرآن في ثمان. (2/396)
عن عبد الرحمن بن عثمان قال: قمت خلف المقام وأنا أريد أن لا يغلبني عليه أحد تلك الليلة فإذا رجل يغمزني فلم ألتفت ثم غمزني فالتفت فإذا عثمان بن عفان فتجنبت فتقدم فقرأ القرآن في ركعة. (2/398)
عن عاصم الأحول عن ابن سيرين عن تميم الداري أنه قرأ القرآن في ركعة. (2/398)
عن شعبة قال: كان سعد بن إبراهيم يصوم الدهر ويقرأ القرآن في كل يوم وليلة. (2/398)
__________
(1) كانت (أو).
(2) لعل هذا من كلام المؤلف.(1/190)
عن ابن وهب قال: قيل لمالك: الرجل المحصي(1)؟؟ يختم القرآن في ليلة؟ قال: ما أجود ذلك، إن القرآن إمام لكل خير؛ قال مالك: ولقد أخبرني من كان يصلي إلى جنب عمر بن حسين؟؟ في رمضان قال كنت أسمعه يستفتح القرآن في كل ليلة. (2/398)
عن علي بن المديني قال: كان يحيى يختم القرآن في كل يوم وليلة بين المغرب والعشاء. (2/399)
عن هشام بن حسان قال: صليت إلى جنب منصور بن زاذان فيما بن المغرب والعشاء(2) فختم القرآن وبلغ إلى النمل. (2/399)
عن إبراهيم قال: كان الأسود يقرأ القرآن كل ست ليال؛ وكان علقمة يقرأه في كل خمس ليال؛ وكان الأسود [كذا] يختم في كل ليلتين. (2/399)
عن سعيد بن ابي بردة عن أبيه أن معاذ قال: كيف تقرأ القرآن يا أبا موسى؟ قال: أتفوقه تفوقاً؛ قال أبو موسى: كيف تقرأ يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل لاستعين به على آخره وإني لأرجو من الأجر في نومتي ما لا أرجو من الأجر في قيامي. (2/402)
عن شعبة عن ابن أبي بردة عن أبيه عن جده أن معاذاً قال: يا أبا موسى كيف تقرأ؟ قال: اقرأه في صلاتي وأقرأه وأنا قائم وأقرأه وأنا على رحلي وأتبرضه تبرضاً وأتفوقه تفوقاً؛ قال معاذ: لكني أصلي ثم أنام فإذا قمت من آخر الليل قرأته فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي؛ قال: فوافق ما قال معاذ. (2/402)
فصل في تعليم القرآن
عن علقمة عن أبي عبد الرحمن(3) عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه؛ قال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني هذا المقعد(4)؛ قال أبو عبد الرحمن: فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرب على خلقه وذاك أنه منه. (2/405)
__________
(1) للعلها (المصلي) أو (يصلي).
(2) زاد بعضهم (في رمضان).
(3) ابن مسعود.
(4) أي في الكوفة يعلم الناس القرآن والاسلام.(1/191)
قال الحليمي: وإنما استنقص الناس المعلمين لقصْرهم زمانهم على معاشرة الصبيان ثم النساء حتى أثر ذلك في عقولهم، ثم لابتغائهم عليه الأجعال وطمعهم في أطعمة الصبيان؛ فأما نفس التعليم فإنه يوجب التفضيل والتشريف. (2/405)
عن محمد بن أبي عمر حدثنا سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة قال: لما أردت أن أقرأ القرآن قلت: أيهما أصنع؟ أحدث الناس أو أقرأ القرآن؟! فرأيت في النوم كأن رجلاً جاء المسجد ومعه حلة فبلغ أصحاب الحديث فجاوزهم حتى أتى أصحاب القرآن فأعطاهم إياها فأخذت أقرأ القرآن؛ قال سفيان: قلت لمسعر: من أفضل من رأيت؟ قال: ما كان أفضل من عمرو بن مرة، وما رأيته يقول بإصبعه يدعو إلا ظننت أنه يستجاب له. (2/405)
فصل في قراءة القرآن بالقراءات المستفيضة دون الغرائب والشواذ
عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي عبد الرحمن قال: قال عبد الله: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. (2/407)
فصل في قراءة القرآن من المصحف
عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف. (2/408)
أبو حماد مفضل بن يحيى عن عاصم فذكره وزاد فيه فإنه دينكم. (2/408)
عن إسرائيل بن موسى قال: سمعت الحسن يقول: قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي علي يوم لا أنظر في المصحف؛ وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما كان يديم النظر فيه(1). (2/409)
عن شقيق قال: أتى عبد الله بمصحف قد زين فقال: إن أحسن ما زين به المصحف تلاوته بالحق. (2/409)
عن عبد المجيد عن أبيه قال: قال عثمان لاستحيي من ربي تعالى أن يمر علي يوم لا أنظر في عهد ربي. (2/409)
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: لما دخل المصريون على عثمان والمصحف بين يديه فضربوه على ثديه فجرى الدم على (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم). (2/409)
__________
(1) كانت (فيها).(1/192)
عن شعبة بن الحجاج عن أم سلمة الأزدية قالت: رأيت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف فإذا مرت بسجدة قامت فسجدت. (2/409)
عن الحجاج بن فرافصة عن ابن مسعود قال: أشد العبادة القراءة في المصحف. (2/410)
عن ابن أبي مليكة قال: كان عكرمة بن أبي جهل يأخذ المصحف ويضعه على وجهه ويبكي ويقول: كتاب ربي كتاب ربي. (2/410)
عن ضمرة عن ابن شوذب قال: كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحملون وكان إذا دخله ردد هذه الآية فيه حتى يخرج منه: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله)؛ وكان عروة يقرأ ربع القرآن في كل يوم نظراً في المصحف ويقوم به بالليل فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ثم عاوده من الليلة المقبلة. (2/410)
عن إسماعيل بن أبي حكيم قال: كان عمر بن عبد العزيز قل ما يدع يوماً يقرأ من المصحف بالغداة. (2/410)
عن سفيان عن سرية الربيع بن خثيم قالت: كان الربيع بن خثيم يدخل عليه الداخل وفي حجره المصحف يقرأ فيه فيغطيه. (2/410)
عن وكيع قال: سمعت الأعمش يقول: استأذن رجل على إبراهيم وهو يقرأ في المصحف فغطاه فقال: لا يرى(1) هذا أني أقرأ فيه كل ساعة. (2/410)
عن سليمان بن حرب حدثنا أبو هلال حدثنا أبو صالح العقيلي قال: كان أبو العلاء يقرأ في المصحف حتى يغشى عليه. (2/411)
عن سفيان بن وكيع حدثنا إسماعيل بن محمد بن جحادة عن أبيه قال: قلت: ثم ولد(2) الحسن البصري ما رأيت منه؟ قال: رأيته فتح المصحف فرأيت عينيه تسيلان وشفتيه لا يتحركان. (2/411)
عن مسلم بن عبيد الصفار قال: حدثني أبي قال: بينما أنا راكب في البحر إذ هاج البحر وهمت كل إنسان نفسه وكان معنا أعرابي فنظر إلى مصحف معلق فأخذه بيده ثم قام ورفع يديه إلى السماء وقال: إلهي وسيدي تغرقنا وكلامك معنا؟! فسكن البحر. (2/411)
__________
(1) كانت (ألا ترى).
(2) هاتان اللفظتان فيهما تصحيف ويظهر أنهما بهذا المعنى: (قد لقيت).(1/193)
عن محمد بن يوسف قال: سمعت سفيان الثوري يقرأ في المصحف ثم يقول: يا قوم العجب ممن يطلب النجاة بغير كتاب الله تعالى. (2/411)
عن علي الفاشاني قال: كان عبد الله بن المبارك ربما يقلب المصحف ولا يقرأ، للحديث الذي جاء: النظر في المصحف عبادة، وكان إذ ختم القرآن أكثر دعاءه للمؤمنين والمؤمنات. (2/411)
فصل في استحباب القراءة في الصلاة
قال البيهقي: ويذكر عن محمد بن جحادة أنه قال: إنهم كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن من الليل أن يختموه في الركعتين بعد المغرب وإذا ختموه من النهار أن يختموه في ركعتي الفجر(1). (2/413)
فصل في الاستكثار من القراءة في شهر رمضان وذلك لأنه شهر القرآن
روينا عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة (وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا). (2/415)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين قال: وتلا الآية (فلا أقسم بمواقع النجوم) قال: نزل متفرقاً. (2/415)
عن علي بن عثام أنه ذكر منصور بن زاذان فقال: قال لي ابن ابنه: كان جدي منصور بن زاذان يختم القرآن في شهر رمضان عشرين وما يُسره، قال: وكان لا يسمع منه إلا في وقت لا يصلَّى فيه. (2/415)
__________
(1) روى المصنف (2/369) عن وبرة بن عبد الرحمن بن الأسود قال: من قرأ القرآن فختمه نهاراً غفر له ذلك اليوم ومن ختمه ليلاً غفر له تلك الليلة؛ ثم قال المصنف: ويذكر عن إبراهيم التيمي أنهم كانوا يقولون إذا ختم الرجل القرآن صلت عليه الملائكة بقية يومه أو بقية ليلته كانوا يستحبون أن يختموا في قبل الليل أو قبل النهار.(1/194)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري قال: سمعت أبي يقول: هذا كتاب جدي عبيد الله بن سعد وقرأت فيه: حدثنا عمي عن أبيه قال: كان أبي سعد بن إبراهيم إذا كان ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين لم يفطر حتى يختم القرآن وكان يختم فيما بين المغرب والعشاء الآخرة(1)؛ قال يعقوب: كانوا يؤخرون العشاء الآخرة في رمضان تأخيراً شديداً. (2/415)
عن مسبح؟؟ بن سعيد قال: [كان] محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان اجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم فيقرأ في كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرآن، وكذلك يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال؛ وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة، ويكون ختمه عند الافطار كل ليلة، ويقول عند كل ختمة دعوة مستجابة. (2/416)
فصل في ترك المماراة في القرآن
عن عبد الله بن الصامت قال: قال عمر: اقرءوا القرآن ما اتفقتم فإذا اختلفتم فقوموا عنه. (2/418)
عن زبيد اليامي عن عبد الله: إن للقرآن مناراً كمنار الطريق فما عرفتم فخذوه وما شبه عليكم فذروه. (2/418)
عن شقيق عن عبد الله قال: إني سمعت إلى(2) القراء(3) فلم أسمعهم إلا متقارين(4) فاقرأوا على ما علمتم وإياكم والتنطع في الاختلاف إنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال. (2/420)
عن ابن سيرين عن عبيدة عن عبد الله قال: نزل القرآن على سبعة أحرف فهو كقول: اعجل أسرع توَحَّ(5). (2/420)
__________
(1) إذا كان المراد أنه يختار ذلك الوقت للختم أي لإكمال قراءة سابقة فالكلام مستقيم ولا غبار عليه؛ وإن كان المراد أنه يبدأ في ذلك الوقت ويختم فيه فالخبر باطل قطعاً.
(2) لعلها زائدة.
(3) كانت (القراءة).
(4) لعلها (متقاربين).
(5) كانت (توخ) وهو تصحيف.(1/195)
عن سعيد بن الحبحاب قال: كان أبو العالية اذا قرأ عنده رجل لم يقل: ليس كما تقرأ، ويقول: أما أنا فاقرأ كذا وكذا، فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: انظر صاحبك سمع أنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله. (2/422)
عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن: (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا)(1)، (وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد)(2). (2/422)
فصل في ترك التفسير بالظن(3)
عن القاسم بن محمد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: أي سماء تظلني وأي ارض تقلني اذا قلت في كتاب الله برأيي(4). (2/424)
عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: القرآن كلام الله فمن قال فليعلم ما يقول، فإنما يقول على الله عز وجل. (2/424)
عن ابن شهاب أن أنس بن مالك أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ (فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً) فكل هذا قد عرفنا فما الأب(5) ثم نفض ما كان في يده فقال: هذا لعمر الله التكلف؛ اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب. (2/424)
عن ابن عون عن محمد قال: سألت عبيدة عن آية من كتاب الله تعالى فقال: عليك(6) فقد ذهب الذين يعلمون فيم نزل القرآن. (2/424)
__________
(1) سورة غافر 4.
(2) سورة البقرة 176.
(3) قال الله عز وجل: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهرمنها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق) إلى قوله (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وقال: (ولا تقف ما ليس لك به علم).
(4) كانت (برأي) وتصح أيضاً. وجاء في رواية أخرى عنه:---إذا أنا قلت في آيه من كتاب الله بغير ما أراد الله سبحانه وتعالى.
(5) كانت (للأب).
(6) كذا وإذا كانت الرواية محفوظة من السقط والتصحيف فمعناها، عليك بما تعرف، أو اسكت، أو نحو ذلك.(1/196)
عن إبراهيم التميمي قال: خلا عمر بن الخطاب ذات يوم فجعل يحدث نفسه فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة فكتابها واحد ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟! قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيم نزل وأنه يكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن لا يعرفون فيم نزل فيكون كل يوم فيه رأي، فإذا كان لقوم فيه رأي اختلفوا فإذا اختلفوا اقتتلوا؛ فزبره عمر وانتهره فانصرف ابن عباس ثم دعاه بعد فعرف الذي قال ثم قال: إيهاً أعد. (2/425)
عن مروان الأصغر قال: كنت عند سعيد بن جبير جالساً فسأله رجل عن آية من كتاب الله فقال سعيد: الله أعلم، فقال الرجل: قل فيها أصلحك الله برأيك؛ فقال: أقول في كتاب [الله] برأيي؛ فردد مرتين أو ثلاثاً ولم يجبه بشيء. (2/425)
عن مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يتكلموا في القرآن. (2/425)
عن يحيى بن سليمان بن فضلة قال: سمعت مالك بن أنس يقول: لا أوتى برجل غير عالم بلغات العرب يفسر ذلك إلا جعلته نكالاً. (2/425)
فصل في قراءة القرآن بالتفخيم والإعراب
عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أعربوا القرآن فإنه عربي، وتفقهوا في السنة، وأحسنوا عبارة الرؤيا، فإذا قص أحدكم على أخيه فليقل: اللهم إن كان خيراً فلنا وإن كان شراً فعلى عدونا. (2/428)
عن سليمان بن يسار قال: خرج عمر على قوم يقرءون القرآن ويتراجعون فيه فقال: ما هذا؟! فقالوا نقرأ القرآن ونتراجع فقال: تراجعوا ولا تلحنوا. (2/429)(1/197)
عن إسماعيل بن أبي خالد حدثنا شيخ قال: قال عبد الله: اعربوا القرآن فإنه عربي(1) وسيكون بعدكم أقوام يثقفونه(2)وليس بخياركم(3). (2/429)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: تعلموا السنة والفرائض واللحن كما تعلموا القرآن. (2/429)
عن عبيد بن عمير عن أبي بن كعب قال: تعلموا اللحن في القرآن كما تعلمون القرآن. (2/429)
عن سالم بن قتيبة قال: كنت عند هشام بن هبيرة فجرى ذكر الحرب فقال هشام: والله ما استوى(4) رجلان قط دينهما واحد وحسبهما واحد ومروءتهما واحدة أحدهما يلحن والآخر لا يلحن؛ وأفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن؛ قال: قلت: أصلح الله الأمير، هذا في الدنيا لفضل فصاحته وعربيته، ففضله في الآخرة لماذا؟! قال: لأنه يقيم كتاب الله على ما أنزل الله عز وجل، وهذا يدخل في كتاب الله ما ليس فيه ويخرج ما هو فيه. (2/430)
عن سعيد بن منصور حدثنا جرير عن إدريس وكان من خيار الناس قال: قيل للحسن: لو(5) لنا إماما يلحن قال أخروه. (2/430)
فصل في ترك خلط سورة بسورة
عن أبي الأحوص [عن] عبد الله قال: لا بأس أن يأخذ من هذه السورة ومن هذه السورة(6). (2/432)
__________
(1) قال البيهقي: قال الحليمي: ومعنى إعراب القرآن شيئان أحدها أن يحافظ على الحركات التي بها يتميز لسان العرب على لسان العجم لأن أكثر كلام العجم مبني على السكون وصلاً وقطعاً ولا يتميز الفاعل من المفعول والماضي من المستقبل باختلاف المقاطع والآخر أن يحافظ على أعيان الحركات ولا يبدل شيء منه بغيره لأن ذلك ربما أوقع اللحن أو غير المعنى.
(2) أي يسردونه كما فسره المصنف في موضع آخر وهو 2/541 ووردت هذه الكلمة مصحفة في الموضعين فأصلحتها وأثبت الصواب.
(3) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1/146) ومن طريقه أخرجه المصنف.
(4) كانت (اسرى).
(5) هذه زائدة أو محرفة عن (إن) أو غير ذلك؛ بل يحتمل أن (لو لنا إماماً) مصحفة عن (يؤمنا إمام).
(6) يعني في الركعة الواحدة.(1/198)
عن عطاء قال: أخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إذ جاءها أعرابي فقال: يا أم المؤمنين أريني مصحفك، قالت: لمه؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه وإنا نقرؤه غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل؟! إنما أنزل أول ما أنزل منه سورة(1) من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام ترك(2) الحلال والحرام؛ ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندعها أبداً؛ ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا؛ لقد نزل بمكة - وإني لجارية ألعب - على محمد صلى الله عليه وسلم (والساعة أدهى وأمر) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده؛ قال: فاطرحت؟؟ له المصحف فأملت عليه آي السور(3). (2/432)
__________
(1) لعلها (سور).
(2) لعلها (تركوا).
(3) أخرجه البخاري.(1/199)
عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله أنه سئل عن الذي يقرأ القرآن منكوساً! قال: ذلك منكس القلب(1)
__________
(1) جاء في (غريب الحديث) لأبي عبيد القاسم بن سلام 4/103-105 ما نصه: "وقال أبو عبيد في حديث عبد الله رحمه الله أنه قيل له: إن فلانا يقرأ القرآن منكوساً، فقال: ذلك منكوس القلب. قوله: يقرأ القرآن منكوساً، يتأوله كثير من الناس أنه نكس أن يبدأ الرجل من آخر السورة فيقرأها إلى أولها، وهذا شيء ما أحسب أحداً يطيقه ولا كان هذا في زمان عبد الله ولا أعرفه؛ ولكن وجهه عندي أن يبدأ من آخر القرآن من المعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة كنحو ما يتعلم الصبيان في الكتاب، لأن السنة خلاف هذا، يُعلم ذلك الحديث الذي يحدثه عثمان رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا أنزلت عليه السورة أو الآية قال: ضعوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا؛ ألا ترى أن التأليف الآن في هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؛ ثم كتبت المصاحف على هذا؛ ومما يبين ذلك أيضاً أنه ضم براءة إلى الأنفال فجعلها بعدها وهي أطول، وإنما ذلك التأليف؛ فكان أول القرآن فاتحة الكتاب ثم البقرة إلى آخر القرآن؛ فإذا بدأ من المعوذتين صارت فاتحة الكتاب آخر القرآن فكيف تسمى فاتحته وقد جعلت خاتمته؟ وقد روي عن الحسن وابن سيرين من الكراهة فيما هو دون هذا، وِرد؛ قال أبو عبيد: حدثني ابن أبي عدي عن أشعث عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يقرءان القرآن من أوله إلى آخره ويكرهان الأوراد. وقال ابن سيرين: تأليف الله خير من تأليفكم. قال أبو عبيد: وتأويل الأوراد أنهم كانوا أحدثوا أن جعلوا القرآن أجزاء، كل جزء منها فيه سور مختلفة من القرآن على غير التأليف، جعلوا السورة الطويلة مع أخرى دونها في الطول ثم يزيدون كذلك حتى يتم الجزء، ولا يكون فيه سورة منقطعة ولكن تكون كلها سوَرا تامة؛ فهذه الأوراد التي كرهها الحسن ومحمد؛ والنَّكْس أكثر من هذا وأشدّ؛ وإنما جاءت الرخصة في تَعَلُّم الصبي والعجمي من المفصّل لصعوبة السور الطوال عليهما؛ فهذا عذر؛ فأمّا من قرأ القرآن وحفظه ثم تعمّد أن يقرأه من آخره إلى أوّله فهذا النكسُ المنهيّ عنه؛ وإذا كرهنا هذا فنحن للنكس من آخر السورة إلى أوّلها أشدّ كراهة إن كان ذلك يكون". انتهى ونقل المصنف طرفاً يسيراً منه فحذفته لأني أوردت كلام أبي عبيد على حديث عبد الله تاماً ولا مقتضى للتكرار.(1/200)
. (2/433)
فصل في إبتداء السورة بالتسمية سوى سورة براءة والدليل على أنها آية تامة من فاتحة الكتاب
عن ابن جريج أخبرني أبي عن سعيد بن جبير أخبره وقال له: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) قال: هي أم القرآن، قال أبي: وقرأ علي سعيد بن جبير (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى ختمها ثم قال: (بسم الله الرحمن الرحيم) الآيةُ السابعة؛ قال سعيد بن جبير لأبي: وقرأها علي ابن عباس كما قرأتها عليك ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة؛ قال ابن عباس: فدخرها الله لكم فما أخرجها لأحد قبلكم. (2/435-436)
عن مجاهد عن ابن عباس قال: غفل الناس آية من كتاب الله وما أنزلت على أحد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون سليمان: (بسم الله الرحمن الرحيم) . (2/436)
عن ابن مسعود قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل (بسم الله الرحمن الرحيم). (2/439)
عن ابن المبارك عن سفيان الثوري قال: (بسم الله الرحمن الرحيم) في فواتح السور من السور. (2/440)
عن أحمد بن حنبل قال: من لم يقرأ مع كل سورة (بسم الله الرحمن الرحيم) فقد ترك مئة وثلاثة عشر آية. (2/440)
عن عبد الله بن المبارك قال: من ترك (بسم الله الرحمن الرحيم) في فواتح السور فقد ترك مئة وثلاث عشر آية من القرآن. (2/440)
عن عبد الله [بن المبارك]: قال سفيان: (بسم الله الرحمن الرحيم) فتح في فواتح السور. (2/440)
عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: من ترك (بسم الله الرحمن الرحيم) فقد ترك آية من كتاب الله عز وجل. (2/440)
عن أبي أحمد محمد بن عبد الوهاب قال: سمعت إسحق بن إبراهيم يقول وسئل عن رجل ترك بسم الله الرحمن الرحيم، قال: من ترك(1) (بسم الله الرحمن الرحيم) متعمداً(2) فصلاته فاسدة لأن الحمد سبع آيات. (2/440)
فصل في فضائل السور والآيات
__________
(1) كانت (من).
(2) كانت (متعبداً).(1/201)
عن قتادة [في قوله: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني] قال: هي فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة مكتوبة أو تطوع. (2/444)
عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) أما السبع المثاني فهي أم القرآن تثنى في كل صلاة، في كل ركعتين؛ ويقال هي الطول(1). (2/444)
عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني) قال: فاتحة الكتاب سبع آيات، فقلت للربيع: إنهم يقولون: السبع الطول، فقال: قد نزلت هذه الآية وما نزل شيء من الطول(2). (2/467)
عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال: أنزل الله عز وجل مئة وأربعة كتب من السماء أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان؛ ثم أودع علوم التوراة والإنجيل والزبور الفرقان؛ ثم أودع علوم القرآن المفصل؛ ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب؛ فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع كتب الله المنزلة. (2/450)
ذكر سورة البقرة وآل عمران
__________
(1) يظهر أن هذه الفقرة من كلام المصنف؛ وهذا القول خطأ.
(2) أخره المصنف وقدمته إلى هذا الموضع لمناسبته إياه.(1/202)
عن سعيد بن مسروق عن الشعبي قال: جلس مسروق وشتير بن شكل في المسجد الأعظم فلما رآهم الناس تحولوا إليهما، قال شتير لمسروق: تحول هؤلاء إلينا لنحدثهم، فإما أن تحدث وأصدق وإما أن أحدث وتصدق، قال مسروق: حدث وأصدق؛ فقال: حدثنا عبد الله بن مسعود أن أعظم آية في كتاب الله (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) إلى آخر الآية، قال مسروق: صدق؛ قال: وحدثنا أن أكثر أو أكبر آية في كتاب الله فرجاً(1) (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) إلى آخر الآية، فقال مسروق: صدقت؛ قال: وحدثنا أن أشد آية في كتاب الله تفويضاً (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) قال مسروق: صدقت؛ قال: إن أجمع آية في كتاب الله عز وجل (إن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربي) الآية، قال مسروق: صدقت. (2/458)
عن إسرائيل عن ثوير عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سيد آي القرآن (الله لا إله إلاهو الحي القيوم) . (2/459)
__________
(1) كانت (فرحاً).(1/203)
عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً) و (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) الآية، و (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [و] (ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما)؛ قال عبد الله: ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها؛ وما أظن الخامسة [إلا] (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً [رحيما](1)(2). (2/468)
ذكر الآية الجامعة للخير والشر في سورة النحل
عن المعتمر بن سليمان قال: سمعت منصور بن المعتمر يحدث عن عامر قال: جلس شتير بن شكل ومسروق بن الأجدع فقال أحدهما لصاحبه: حدث بما سمعت من عبد الله وأصدقك أو أحدث وتصدقني، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إن أجمع آية في القرآن للخير والشر في سورة النحل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) قال صدقت. (2/473)
ذكر سورة الكهف
عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري قال: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق. (2/474)
عن المغيرة عن أم موسى قالت: كان الحسن بن علي إذا أوى إلى فراشه بالليل أتى بلوح فيه سورة الكهف فيقرأها، قالت: فكان يطاف بذلك اللوح معه حيث طاف من نسائه. (2/475)
ذكر سورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء
__________
(1) سورة النساء 110.
(2) وفي رواية أخرى قال: وقال عبد الله: إن في النساء لخمس آيات ما يسرني بهن الدنيا وما فيها لقد علمت أن العلماء إذ امروا بها يعرفونها ثم ذكر هذه الآيات، وقال في آخره: (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه) الآية.(1/204)
عن عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن(1) من العتاق الأول، وهن من تلادي(2). (2/476)
ذكر سورة يس(3)
عن سفيان الثوري عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم أن رجلاً كان يكتب القرآن فيسقيه فقال: إني أرى سيصيبه بلاء. (2/482)
تخصيص سورة الملك بالذكر
عن مرة عن مسروق عن عبد الله أنه قال في سورة تبارك: جادلت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة. (2/494)
عن أبي عقيل زهرة بن معبد أن ابن شهاب كان يقرأ في صلاة الصبح: (تبارك الذي بيده الملك) وفي الآخر: (قل هو الله أحد) فقلت: تقرأ هذه السورة الطويلة مع هذه السورة القصيرة؟ قال ابن شهاب: إن قل هو الله أحد ثلث القرآن، وإن تبارك تخاصم لصاحبها في القبر. (2/495)
فصل في الاستشفاء بالقرآن
عن طلحة بن مصرف قال: كان يقال: إن المريض إذا قرىء عنده القرآن وجد له خفة، فدخلت على خيثمة وهو مريض فقلت: إني أراك اليوم صالحاً، قال: إنه قرىء عندي القرآن. (2/518)
فصل في تقطيع آية آية في القرآن
عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل قال: إذا قال أحدكم الآية فلا يقطعها حتى يتمها. (2/521)
فصل في التكثر بالقرآن والفرح به
__________
(1) كانت (انهم).
(2) رواه البخاري. وقال المصنف: والعتاق جمع عتيق والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيق، يريد تفضيل هذه السور لما تتضمن من ذكر القصص وأخبار الأنبياء عليهم الصلاة السلام وأخبار الأمم، والتلاد: ما كان قديماً من المال، يريد أنهما من أوائل السور المنزلة في أول الإسلام لأنها مكية وأنها من أول ما قرأه وحفظه من القرآن، والله أعلم.
(3) ليس في هذا الفصل شيء على شرط هذا المهذب سوى هذا الأثر الذي ساقه المؤلف استطراداً وهو أثر عظيم خطير.(1/205)
قال البيهقي(1): قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) وقال لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) وسمى القرآن نوراً وسماه مباركاً وهدى؛ فمن أنعم به عليه ويسره له ليتعلمه ويقرأه فقد أشركه مع نبيه صلى الله عليه وسلم في علمه وإن كان لم يشركه معه في جهة الإنباء والتعليم، فإن لم يتعظم المنعم عليه هذه النعمة ولم تكن عنده أكبر وأسنى قدراً من الأموال والأولاد فهو من أجهل الجاهلين. (2/521)
عن إسماعيل بن عبد الله قال: قال عبد الله بن عمرو: من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه؛ ومن أعطي القرآن فظن أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد حقر ما عظم الله وعظم ما حقر الله؛ وليس ينبغي لحامل القرآن أن يحد(2) فيمن يحد ولا يجهل فيمن يجهل ولكن ليعف وليصفح لحق القرآن(3). (2/522)
عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله عز وجل (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) قال: بكتاب الله والإسلام، هو خير مما يجمعون. (2/524)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (قل بفضل الله وبرحمته) يقول: بفضله الإسلام، ورحمته القرآن. (2/524)
عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم في قوله تعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) قال: فضل الله القرآن ورحمته الإسلام. (2/524)
عن جويبر عن الضحاك (قل بفضل الله) القرآن، (وبرحمته) الإسلام. (2/524)
__________
(1) ويظهر أنه هنا ناقل عن الحليمي.
(2) إما من الحدة بمعنى سرعة الغضب أو أنها مصحفة عن (يجد) أو (يحسد).
(3) قال البيهقي [بعد أن ساق روايتين مرفوعتين بهذا المعنى]: ويحتمل أن يكون معنى أوتى النبوة أي جمع في صدره ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم---.(1/206)
عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف في قول الله عز وجل (قل بفضل الله وبرحمته) قال: بالكتاب الذي علمكم وبالإسلام الذي هداكم. (2/525)
عن منصور عن هلال بن يساف (قل بفضل الله وبرحمته) قال: فضل الله الإسلام، ورحمته(1) القرآن. (2/525)
فصل في رفع الصوت بالقرآن إذا لم يتأذَّ به أصحابه أو كان وحده أو كانوا يستمعون له
عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عمر أنه قال لرجل: إقرأ سورة الحجر، قال: أوليست معك يا أمير المؤمنين؟! قال: أما بمثل صوتك فلا. (2/527)
عن سليم بن حنظلة عن عبد الله قال: من قرأ سورة آل عمران فهو غني. (2/529)
عن الشعبي عن عبد الله أنه قال: نعم كنز الصعلوك سورة آل عمران يقوم بها من آخر الليل. (2/529)
عن ابن مسعود [أيضاً] قال: من قرأ القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم صغيراً وصغر عظيماً. (2/529)
فصل في ترك المباهاة بقراءة القرآن
عن أبي فراس قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال في خطبته: لقد أتى علي زمان وما أدري أحداً - أظنه قال يقرأ - القرآن يريد به إلا الله وما عنده؛ ولقد يخيل إلي(2) أن أناساً يقرءون القرآن يريدون به ما عند الناس، فأريدوا الله بقراءتكم وأعمالكم. (2/531)
عن يحيى بن كثير العنبري حدثنا ابن عبيد عن الحسن أن هذا القرآن قرأه ناس ثلاثة: قوم اتخذوه بضاعة ينقلونه من بلد إلى بلد لا أكثرهم الله وهم كثيرون؛ وقوم تدانوا من السلطان وراءوا به في أعمالهم؛ وقوم وجدوا فيه دواء قلوبهم فجعلوه على داء قلوبهم فقاموا به في محاريبهم خفوا في برانسهم فبمثل هؤلاء يدال(3) على الأعداء ويستنزل القطر. (2/531)
__________
(1) كانت (وبرحمته).
(2) أي في ذلك الوقت وقت الخطبة.
(3) كانت (يدل).(1/207)
عن ضرار بن عمرو عن الحسن قال: قرأ القرآن ثلاثة: رجل أخذه بضاعة ينقله من مصر إلى مصر يطلب به ما عند الناس، وقوم قرأوا القرآن وحفظوا حروفه وضيعوا حدوده واستنزلوا به الولاة واستطالوا به على أهل بلادهم فقد كثر هذا الضرب في حملة القرآن لا كثرهم الله؛ ورجل قرأ القرآن فتداوى بدواء القرآن فوضعه على داء قلبه فسهر ليله وهملت(1) عيناه، تسربلوا الحزن وارتدوا بالخشوع، ذكروا في محاريبهم واخفوا في برانسهم؛ فبهم يسقي الله الغيث وينزل النصر ويدفع البلاء، والله لهذا الضرب في حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر. (2/531-532)
فصل في ترك قراءة القرآن في المساجد والأسواق ليعطى ويستأكل به
عن أم رجاء الأشجعية قالت: قال عبد الله بن مسعود: إنه سيجيء زمان يسأل فيه بالقرآن فإذا سألوكم فلا تعطوهم. (2/534)
عن عمرو بن أيوب أخبرني أبو أياس معاوية بن قرة(2) قال: كنت نازلاً على عمرو بن النعمان بن مقرن فلما حضر رمضان جاءه رجل بألفي درهم من قبل مصعب بن الزبير فقال: إن الأمير يقرىء عليك السلام ويقول: إنا لم ندع قارئاً شريفاً إلا وقد وصل إليه منا معروفاً فاستعن بهاتين على نفسك شهرك هذا، فقال عمرو: اقرأ على الأمير السلام وقل له: إنا والله ما قرأنا القرآن نريد به الدنيا، وردها(3) عليه. (2/535)
__________
(1) كانت (وهملت).
(2) كانت (مرة).
(3) كانت (ورد).(1/208)
عن اليزيدي قال: عبر حمزة الزيات(1) على باب قوم بالبصرة فاستسقى منهم فلما خرج إليه الكوز رده فقيل له في ذلك! فقال: أخشى أن يكون بعض صبيان هذه الدار قرأ علي فيكون ثوابي منه(2). (2/535)
فصل في ترك قراءة القرآن في الحمام والكنيف والمواضع القذرة تعظيماً للقرآن
عن مورق العجلي قال: شهد؟؟ كتاب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: إنه بلغني أن أهل الأمصار إتخذوا الحمامات فلا يدخلن أحد - أو قال: مسلم - إلا بمئزر؛ ولا يذكر فيه اسم الله حتى يخرج منه – أو قال: لا يذكروا لله فيه اسماً حتى يخرجوا منه –؛ ولا يستنقع إثنان في حوض. (2/536)
عن حماد عن إبراهيم سئل عن القراءة في الحمام قال: ليس لذلك بُني. (2/537)
عن حماد عن سليمان بن بشير عن إبراهيم عن عبد الله مثله. (2/537)
عن الحجاج عن عطاء أنه كان ]لا] يرى بالقراءة في الحمام بأساً(3). (2/537)
عن معاذ بن معاذ حدثنا أبو عون قال: كنا مع أبي السوار في الحمام فسمع رجلاً يقرأ فجعل يقول: لمَ تقرأ هاهنا؟! لم تقرأ هاهنا؟!. (2/537)
فصل في ترك التعمق في القرآن
عن أبي عمارة عن حذيفة قال: يقرأ القرآن أقوام يقومونه كما يقام القدح ولا يدعون منه ألفاً ولا واواً ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم. (2/540)
__________
(1) يكنى أبا عمارة مولى آل عكرمة بن ربعي التميمي وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ويجلب من حلوان الجبن والجوز إلى الكوفة وكان صاحب قرآن وسنة وفرائض؛ وفي صفة الصفوة (3/156) عن أبي المنذر يعلى بن عقيل قال: كان الأعمش إذا رأى حمزة قد أقبل قال: هذا حبر القرآن.
(2) ساق ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/156) رواية أوضح من هذه وهي عن جرير بن عبد الحميد قال: مر بنا حمزة الزيات فاستسقى فأتيته بماء فقال: أنت ممن يحضرنا في القراءة؟ قلت: نعم، قال: لا حاجة لي في مائك.
(3) قال المصنف: فهذا على الجواز وما مضى على الكراهية.(1/209)
عن نصر بن علقمة الحضرمي عمن حدثه قال: قال أبو الدرداء: إياكم والذين يحرفون القرآن، وإياكم والهذاذين بالقرآن الذين يهذون القرآن ويسرعون بقراءته، فإنما مثل ذلك كمثل الأكمة لا أمسكت ماء ولا أنبتت كلأ. (2/541)
عن الصلت بن بهرام عن الحسن قال: إن هذا القرآن قرأه عبيد وصبيان لم يأخذوه من أوله ولا علم لهم بتأويله؛ إن أحق الناس بهذا القرآن من رؤي في عمله، قال الله عز وجل: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) وإنما تدبرُ آياتِه اتباعه بعمله، يقول أحدهم لصاحبه: تعال أقارئك! والله ما كانت القراء تفعل هذا؛ والله ما هم بالقراء ولا الورعة! لا أ كثر الله في الناس أمثالهم، لا أكثر الله في الناس أمثالهم. (2/541)
فصل في تعظيم المصحف بأن لا يحمل فوقه متاع ولا ينبذ حيث اتفق
عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال: لا تكتبوا القرآن حيث يوطأ. (2/544)
فصل في تفخيم قدر المصحف وتفريج خطه
عن عبد العزيز بن سليمان أخبرني أبو حكيم العبدي قال: أتى علي علي وأنا كاتب صحفاً(1) فجعل ينظر إلى كتابي فقال: أجل قلمك، فقضمت من قلمي قضمة ثم جعلت أكتب فقال: نعم، نوِّره كما نوره الله. (2/545)
عن الأعمش عن إبراهيم عن علي أنه كان يكره أن يكتب المصحف في الشيء الصغير. (2/545)
عن فضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد أنه كره أن يصغر المصحف والمسجد فيقال: مصيحف ومسيجد. (2/545)
عن المغيرة عن إبراهيم أنه كان يكره تصغير المصاحف والعواشر والفواتح. (2/546)
فصل في إفراد المصحف للقرآن وتجريده فيه عما سواه
عن أبي الزعراء عن عبد الله بن مسعود قال: جردوا القرآن. (2/547)
عن مسروق قال: كان عبد الله يكره التعشير في المصحف. (2/547)
عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان يقال: جردوا القرآن ولا تخلطوا به ما ليس منه. (2/547)
__________
(1) لعلها (أكتب مصحفاً).(1/210)
عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان يكره أن يعشر المصحف أو يصغر، وكان يقول: عظموا القرآن ولا تخلطوا به ما ليس منه، وكان يكره أن يكتب بالذهب أو يعلم عند رؤوس الآي، وكان يقول: جردوا القرآن. (2/545)
قال البيهقي: من كتب مصحفاً فينبغي له أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف ولا يخالفهم فيها ولا يغير ما كتبوه شيئاً، فإنهم كانوا أكثر علماً وأصدق قلباً ولساناً وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي لنا أن نظن بأنفسنا إستدراكاً عليهم ولا سقطاً لهم. (2/548)
عن سليمان بن داود الهاشمي حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه زيد بن ثابت قال: القراءة سنة؛ قال سليمان: يعني ألا تخالف الناس برأيك في الاتباع؛ وبمعناه بلغني(1) عن أبي عبيد في تفسير ذلك، قال: ونرى القراء لم يلتفتوا إلى مذاهب العربية في القراءة إذا خالف ذلك خط المصحف ورأو تتبع حروف المصاحف عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها وبسط الكلام في ذلك. (2/548)
فصل في تنوير موضع القرآن
عن عبد الرزاق قال: ما رأيت عالماً أحسن صلاة بالليل من ابن جريج، يجمر عن يمينه ويجمر عن يساره وجارية تختلف إليه بالغالية. (2/549)
عن الزهري حدثني عامر بن واثلة الليثي أن نافع بن عبد الحارث الخزاعي لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعسفان وكان عمر استعمله على أهل مكة فسلم على عمر فقال: من استخلفت على أهل الوادي قال: استخلفت عليهم ابن أبزى، فقال نافع: مولى من موالينا، فقال عمر: فاستخلفت عليهم مولى؟! قال يا أمير المؤمنين إنه لقارىء لكتاب الله عز وجل عالم بالفرائض فقال عمر: أما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين(2). (2/549-550)
__________
(1) هذا إما كلام المصنف أو كلام سليمان.
(2) هذا من جملة الأحاديث المرفوعة القليلة التي خرجت فيها عن أصل شرطي في هذا الكتاب فأوردتها فيه.(1/211)
عن نافع عن ابن عمر قال: إن من أعظم إجلال الله عز وجل إكرام الإمام المقسط وذي الشيبة في الاسلام وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه. (2/551)
عن زر بن حبيش عن عبد الله قال: يأتي القرآن يوم القيامة شافعاً لمن حمله يقول: يا رب إن لكل عامل آتيته أجره في الدنيا [كذا] فآت عاملي اليوم أجر عمله، فيقال له: ابسط يمينك فيبسطها فيملأ له من رضوان الله عز وجل ثم يقال له: ابسط شمالك فيملىء له من رضوان الله تعالى؛ ثم يكسى حلة الكرامة. (2/552)
عن يزيد بن قوذر عن كعب الأحبار أنه قال: ينادى يوم القيامة: إن كل حارث يعطى بحرثه ويزاد غير أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب. (2/555 و 3/413)
عن سالم بن أبي الجعد أن علياً رضي الله عنه فرض لمن قرأ القرآن ألفين ألفين؛ قال سالم: وكان أبي ممن قرأ القرآن فأعطاه فلم يأخذ. (2/556)
عن عكرمة عن ابن عباس قال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً، وذلك قوله عز وجل (ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا) قال: إلا الذين قرءوا القرآن(1). (2/556)
عن سعيد بن جبير أن [ابن] عمر سمع رجلاً يقرأ بالنهار ويجهر بالقراءة وهو يصلي فقال ابن عمر: من ذا؟ فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن هذا رجل لا يعقل، فقال له ابن عمر: تقول لرجل يقرأ كتاب لا يعقل؟! ثم قال للرجل: إن صلاة النهار لا يجهر فيها. (2/557)
عن يحيى بن معين حدثنا أبو مسهر حدثني الحكم بن هشام الثقفي حدثنا عبد الملك بن عمير قال: كان يقال: أبقى الناس عقولاً قراء القرآن. (2/557)
باب العشرون من شعب الإيمان
وهو باب في الطهارات
__________
(1) قال البيهقي: ورواه أبو الأحوص عن عاصم عن عكرمة من قوله لم يرفعه إلى ابن عباس.(1/212)
عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: ثلاث من الإيمان: أن يحتلم الرجل في الللية الباردة فيقوم فيغتسل لايراه الا الله، والصوم في اليوم الحار، وصلاة الرجل في الأرض الفلاة لا يراه الا الله عز وجل. (3/22)
عن عطاء عن أبي هريرة قال: من بات طاهراً بات في شعاره ملك لا يستيقظ ساعة من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً(1). (3/28)
عن سالم عن يزيد السكسكي قال: دخلت على رجل من أهل الكتاب يقال له البستي فقال: إن الله عز وجل أوحى الى موسى عليه السلام: إذا أصابتك مصيبة وأنت على غير وضوء فلا تلومن إلا نفسك ثم ذكر الصدقة فقال: يدفع بها سبعين باباً من السوء قال: قلت: ومن النار؟ قال: ومن النار. (3/29)
عن حكيم بن جابر أن الحسين بن علي رضي الله عنهم وضأ الأشعث عند موته وضوءاً. (3/29)
عن الضحاك بن أبي مزاحم قال: قال ابن عباس: من ذكر الله وهو طاهر فالواحد عشرة، ومن ذكره وهو غير طاهر فواحدة بواحدة(2). (3/30)
الباب الحادي والعشرون من شعب الايمان
وهو باب في الصلوات
قال [الحليمي]: وليس من العبادات بعد الإيمان الرافع للكفر عبادة سماها الله عز وجل إيماناً(3) وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تركها كفراً إلا الصلاة. (3/33)
فضل الصلوات الخمس في الجماعة
وما في ترك الجماعة بغير عذر من الكراهية وما في تركهن من العقوبة سوى ما مضى
__________
(1) هذه الرواية مرفوعة حكماً.
(2) إن صح هذا عن ابن عباس فإنه يريد مضاعفة أخرى غير المضاعفة الأصلية المذكورة في القرآن: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) لأن هذه شاملة لكل طاعة مقبولة ومنها الأذكار من قبل غير الطاهر فلا بد أن يكون ابن عباس قد أراد غير ذلك.
(3) يعني قوله تعالى: (وما كان الله ليضيع ايمانكم) الى آخر الآية.(1/213)
عن الزهري قال: أخبرني رجل من بني مالك بن كنانة ممن يتبع الفقه يقال له الفحام، أنه سمع أبا موسى الأشعري يقول وهو يحدثهم: أحدثكم حديث صلاتكم هذه إذا اجتنبتم الكبائر: فنصلي الظهر ثم نحرق على أنفسنا فإذا صلينا العصر كفرت ما بينهما ثم نحرق على أنفسنا فإذا صلينا المغرب كفرت ما بينهما ثم نحرق على انفسنا فإذا صلينا العشاء يريد العتمة كفرت مابينهما ثم نحرق على انفسنا فإذا صلينا الفجر كفرت ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر. (3/44-45)
عن نافع عن ابن عمر قال: كان الرجل إذا لم يشهد معنا العشاء والفجر أسأنا به الظن. (3/56)
عن الأعمش عن سالم عن أم الدرداء قالت: دخل أبو الدرداء ذات يوم مغضباً فقلت: ما لك؟! فقال: والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا انهم يصلون جميعاً(1). (3/57)
عن حزام عن معاذ بن جبل أنه قال: إن الشيطان ذئب الانسان كذئب الغنم يأخذ الشاذة القاصية والناحية فعليكم بالمسجد والجماعة فإن دعوة الجميع محيطة من ورائهم. (3/57)
عن ابي الشعثاء قال: كنت مع أبي هريرة في مسجد الكوفة فأذن المؤذن فقام رجل فخرج فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. (3/58)
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله عز وجل شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى؛ ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم؛ ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم؛ وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد الى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ورفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة(2)؛ ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق قد علم نفاقه؛ ولقد كان الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف(3). (3/59)
__________
(1) أخرجه البخاري.
(2) وزاد في رواية: حتى إن كنا لنقارب بين الخطى.
(3) رواه مسلم.(1/214)
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: امشوا الى الصلاة فقد مشى إليها من هو خير منكم، أبو بكر وعمر والمهاجرون والأنصار، قاربوا بين الخطى وأكثروا ذكر الله عز وجل. (3/59)
عن حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني قال: كنت أمشي مع أنس بن مالك وقد أقيمت الصلاة فجعل يقرب خطاه فقال: ألا تسألني لم أفعل هذا؟ فقال: ولم تفعله؟ فقال: عمداً فعلت(1) ذلك، ليكون أكثر لخطانا. (3/60)
عن أبي عميرة عن أنس بن مالك قال: من واظب على الصلوات المكتوبة أربعين ليلة لا تفوته ركعة كتب الله له بها براءتين: براءة من النار، وبراءة من النفاق. (3/62)
عن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي خيثمة في صلاة الصبح وأن عمر بن الخطاب عدا الى السوق ومسكن سليمان بين المسجد والسوق فمر على الشفاء امرأة(2) سليمان بن أبي خيثمة فقال: لم أر سليمان في الصبح فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه! فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح أحب إلي من أن أقوم ليلة. (3/62)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال عمر: لأن أصلي العشاء في جماعة أحب الي من أن أحيي ما بينهما بصلاة. (3/63)
عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال: قال أبو الدرداء في مرضه الذي مات فيه: ألا احملوني قال: فحملوه، قال: ألا اخرجوني؛ قال: فأخرجوه؛ قال: حافظوا على هاتين الصلاتين يعني صلاة العشاء والصبح، الا اسمعوا وبلغوا من خلفكم، لو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على مرافقكم وركبكم. (3/63)
فصل المشي الى المساجد
عن عطاء بن ابي رباح عن أبي هريرة في الرجل ينتهي إلى القوم وهم(3) في آخر صلاتهم فقد دخل في التضعيف؛ فإذا انتهى إليهم وقد سلم الإمام ولم يتفرقوا فقد دخل في التضعيف؛ قال: وكان يقال: إذا خرج الرجل من بيته وهو ينويهم فأدركهم أو لم يدركهم فقد دخل في التضعيف. (3/69)
__________
(1) تصحفت إلى (هذا فعل بي).
(2) كانت (أمر).
(3) كانت (وهو).(1/215)
عن عبد الله بن عون حدثنا عثمان بن مطر الشيباني عن ثابت البناني عن أنس بن مالك في قوله (سابقوا الى مغفرة من ربكم) قال: التكبيرة الأولى(1). (3/73)
عن الحسن قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: ما يسرني أني انتهي الى صلاة مكتوبة وقد سبقني الإمام بالتكبيرة الأولى وهي ذروة الصلاة ولي ستون من الإبل؛ وقال آخر من الصحابة: ما يسرني أني أنتهي الى صلاة مكتوبة وقد سبقني الإمام ولي مئتان من الإبل؛ وقال عبادة بن الصامت: ما يسرني أني أنتهي إلى صلاة مكتوبة وقد سبقني الإمام بالتكبيرة الأولى وهي ذروة الصلاة ولي ما طلعت عليه الشمس؛ وقال آخر من الصحابة: ما يسرني أن انتهي الى صلاة مكتوبة وقد سبقني الإمام بتكبيرة الإحرام ثم صليت ما بين الفجر الى المغرب، ما عدل تلك التكبيرة. (3/74)
عن يحيى بن معين قال: سمعت وكيعاً يقول: من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترج خيره. (3/74)
عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون) قال: أرض الجنة يرثها الذي يصلون الصلوات الخمس في الجماعات؛ (إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين) أي بشارة لقوم عابدين؛ أي الذي يصلون الصلوات في الجماعات. (3/74)
عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في شأن الصلوات الخمس: (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً) أي أتوها، (وسبحوا) أي فصلّوا بأمر ربهم، (وهم لا يستكبرون) عن إتيان الصلوات في الجماعات. (3/75)
عن سعيد بن جبير في قوله (وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون) قال: الصلوات في الجماعات. (3/75)
عن سعيد بن جبير عن أبي عباس قال في قوله تعالى (يدعون الى السجود وهم سالمون) قال: الرجل يسمع الآذان فلا يجيب الصلاة. (3/75)
__________
(1) هذا إن صح عن أنس فهو تفسير بالمثال.(1/216)
عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن ابراهيم ومجاهد (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) قالا: الصلوات الخمس. (3/76)
عن سيار عن من حدثه عن ابن مسعود أن ناساً من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم وقاموا الى الصلاة فقال: هؤلاء الذين قال الله عز وجل: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) . (3/76)
عن أبان بن يزيد عن إبراهيم في قوله (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) قال: هم قوم من القبائل والأسواق إذا حانت الصلاة لم يشغلهم شيء . (3/76)
عن ابن جريج قال: وسمعت عطاء قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) قال: هي الصلاة المكتوبة . (3/76)
عن طلحة عن عطاء: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة) قال: شهود الصلاة المكتوبة . (3/76)
عن يحيى بن حفص القاري قال: سمعت سفيان الثوري يقول في قول الله عز وجل (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) قال: كانوا يشترون ويبيعون ولا يدعون الصلوات المكتوبات في الجماعات . (3/77)
عن عكرمة عن ابن عباس في بيوت (أذن الله ان ترفع) الى قوله (عن ذكر الله) قال: ضرب الله هذا المثل: قوله (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة) لأولئك القوم (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) وكانو أتجر الناس وأبيعهم ولكن لم تكن تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله . (3/77)
عن مالك بن أنس قال: سمعت نافعاً يقول: كان ابن عمر إذا فاتته صلاة في جماعة صلى الى الصلاة الأخرى فإذا فاتته العصر يسبح الى المغرب ولقد فاتته صلاة عشاء الآخرة في جماعة فصلى حتى طلع الفجر . (3/77)
عن ميمون بن مهران عن سعيد بن المسيب أنه مكث أربعين سنة ما لقي(1) الناس خارجين من المسجد وهو داخل؛ قال: كان يدخل بغلس . (3/77)
__________
(1) كانت (ألقى) ويحتمل أيضاً أن يكون الصواب (ألفى).(1/217)
عن محمد بن هلال عن سعيد بن المسيب قال: ما لقيت المنصرفين منذ أربعين سنة . (3/78)
عن عثمان بن حكيم قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما سمعت تأذيناً في أهلي منذ ثلاثين سنة . (3/78)
عن عمران أن سعيد بن المسيب لم تفته [الصلاة] في جميع(1) أربعين سنة ولم ينظر في أقفيتهم ولم يلقوه(2) خارجين من المسجد . (3/78)
عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب أنه اشتكى عينيه فقيل له: يا أبا محمد لو خرجت الى العقيق فنظرت إلى الخضرة وجدت ريح البرية لنفع ذلك بصرك، فقال سعيد: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح . (3/78)
عن سفيان عن أبي حيان عن أبيه قال: كان الربيع بن خثيم يقاد الى الصلاة وكان به الفالج فقيل له: يا أبا يزيد إنه قد رخص لك في ذلك! قال: إني أسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ فإن استطعتم ان تأتوها ولو حبوا . (3/78)
عن أبي مسهر حدثني عبد الرحمن بن عمرو قال: سمعت ربيعة بن يزيد يقول: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ اربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا ان أكون مريضاً أو مسافراً . (3/79)
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني محمد بن حاتم أخبرنا نعيم بن حماد قال: جاء ضمام بن إسماعيل الى المسجد وقد صلى الناس وقد فاتته الصلاة فجعل على نفسه ألا يخرج من المسجد حتى يلقى الله عز وجل؛ قال: فجعله بيته حتى مات . (3/79)
عن أبي إسحاق الفزاري عن الأوزاعي قال: كان يقال: خمس كان عليها أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان: لزوم الجماعة واتباع السنة وعمارة المسجد وتلاوة القرآن والجهاد في سبيل الله عز وجل . (3/79 و85)
عن عبد البارئ بن إسحاق ابن اخي ذي النون عن عمه أبي الفيض ذي النون بن ابراهيم(3) قال: ثلاثة من علامات السنة: المسح على الخفين والمحافظة على صلوات الجمع وحب السلف . (3/79)
__________
(1) أي جماعة.
(2) كانت (يبلغوه).
(3) المصري.(1/218)
عن الجنيد بن محمد قال: سمعت السري يقول: لولا الجمعة والجماعة لطينت علي الباب. (3/80)
عن قتادة أن أنس بن مالك مر على مقبرة زياد وهم يبنون مسجداً فقال أنس: كان يكره أن يبنى مسجداً في وسط القبور. (3/81)
عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي قال: أخبرنا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المساجد بيوت الله في الأرض وإنه لحق على الله أن يكرم من زاره فيها(1). (3/82)
عن ابن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهلها(2) كما تضيء نجوم السماء لأهلها. (3/83)
عن الشعبي قال: كانوا إذا فزعوا من شيء أتوا المساجد. (3/84)
عن أبي حازم حدثنا سعيد بن المسيب عن أبيه عن عبد الله بن سلام قال: دخل المسجد فقال: يا مسيب إن لهذا المسجد أوتاداً هم أهله يغدون عليه ويروحون فإذا غاب احدهم قالت الملائكة: ما لفلان لم يغد؟! ما لفلان لم يرح؟! فإن كان مريضاً عادوه، وإن كان طالب حاجة أعانوه. (3/84)
عن ربيعة بن يزيد عن أبي ادريس قال: المساجد مجالس الكرام. (3/85)
فضل الجمعة
عن عمار مولى بني هاشم عن أبي هريرة: (وشاهد ومشهود) قال: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. (3/88)
عن هشام عن أبي هريرة قال: الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. (3/95)
__________
(1) وفي رواية: وحق على المزور كرامة من زاره؛ قلت: وفي الحديث المتفق عليه: من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح. انتهى؛ ولا يعلم عظمة ذلك النزل إلا الله تبارك وتعالى. وقد روى أبو نعيم في الحلية 5/61 عن عبدالله بن المبارك حدثنا أبو حيان التيمي عن حبيب بن أبي ثابت قال: كان يقال: ائتوا الله في بيته فإنه لم يؤت مثله في بيته، ولا أحد أعرف بالحق من الله.
(2) لعله أراد يوم القيامة.(1/219)
عن بكر بن عبد الله المزني قال: أتيت المدينة فأمرت أصحابنا بشيء من أمرهم ثم أتيت المسجد فجلست فجاء صاحبي الذي أوصيت(1) فجعل يحدثني كيف صنع وأنا ساكت ثم قلت له: اسكت، فلما انصرفنا أتيت عبد الله بن عمر فذكرت ذلك له فقال: أما أنت فلا جمعة لك وأما صاحبك فحمار. (3/99)
عن سفيان حدثنا عوف بن أبي جميلة قال: سمعت سعيد بن أبي الحسن قال: سمعت ابن عباس يقول: من ترك أربع جمع متواليات(2) من غير عذر فقد نبذ الإسلام وراء ظهره. (3/103)
عن نافع عن ابن عمر قال: إنما الغسل لمن تجب عليه الجمعة والجمعة على من يأتي أهله. (3/106)
عن ابن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول: ما أحب مئة ناقة كلهن سود الحدق، يعني الإبل، وأني أترك الغسل يوم الجمعة. (3/108)
عن سعيد بن جبير عن زادان استب رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: أنا إذاً كمثل الذي لا يغتسل يوم الجمعة. (3/108)
عن أبي عبد الله القراض قال: قال كعب: ما أحب أن الجمعة تفوتني من غير عذر ثم أخرج وقد قضى الناس الصلاة فأجد مئة ناقة أدماً سود الحدق أحمل عليها في سبيل الله مكان حظي من الجمعة. (3/108)
عن بدر بن خليل قال: دخلت على شقيق وهو يسخن قمقماً له فقلت: أنت شيخ لا تأتي(3) الجمعة فقال إني سمعت عبد الله بن مسعود في الشئ يقوله: أنا اعجز وأحمق من الذي لا يغتسل يوم الجمعة. (3/108)
عن محمد بن كثير قال: سمعت الأوزاعي يقول: كان عندنا رجل صياد بينما هو يوم الجمعة يصطاد ولا ينتظر الجمعة فخرج يوماً فخسف ببغلته فلم يبق منها إلا أذنها. (3/109)
عن ابن بكير عن مجاهد أن قوماً سافروا يوم الجمعة حين زالت الشمس فاضطرم عليهم خباؤهم من غير أن يروا ناراً. (3/109)
فضل الأذان والإقامة للصلاة المكتوبة وفضل المؤذنين
__________
(1) يعني أحد أولئك الذين أمرهم بما أشار إليه.
(2) وفي رواية (ثلاثاً متواليات).
(3) لعلها (لا تأت) على النهي المراد به هنا التذكير بالترخيص.(1/220)
عن مالك قال: استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم وكان معدناً لا يزال يصاب فيه الإنسان من قبل الجن، فشكوا ذلك إلى زيد بن أسلم فأمرهم بالأذان وأن يرفعوا أصواتهم ففعلوا فانقطع ذلك عنهم، فهم عليه حتى اليوم؛ قال مالك: وأعجبني ذلك من مشورة زيد بن أسلم. (3/117)
[فصل صلاة التطوع]
عن حميد عن أنس قال: لم يكن شيء أحب إليهم من صلاة الليل أو صلاة النهار بالهاجرة قبل الظهر. (3/123)
عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال: كان أحب صلاة النهار إليهم تطوعاً قبل الظهر. (3/124)
عن ابن أبي عوف عن أبي فاطمة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يكثر السجود فقال له رجل من الناس: يا أبا فاطمة أشفعت أم أوترت؟ قال: لكن الله يدري. (3/124)
عن أبي عثمان قال: تضيفت أبا هريرة سبعاً فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً يصلي هذا ثم يوقظ هذا---(1)
عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: كان عمر بن الخطاب يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة ويقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية (وأمر أهلك بالصلاة) . (3/127)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا عبد الحميد بن المستام حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا سفيان عن زبيد عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية؛ قال أبو علي: لم يرفعه غير مخلد بن يزيد وأخطأ فيه والصحيح موقوف(2). (3/130)
__________
(1) تتمته: (ثم سمعته يقول قسم رسول الله ص بين أصحابه تمرا فأصابني سبع تمرات أحدهن حشفه)؛ قال البيهقي: رواه البخاري.
(2) ثم ذكر البيهقي له أربعة طرق إلى زبيد وكلها موقوفة.(1/221)
عن أبي عقيل زهرة بن معبد سمعت ابن المنكدر وأبا حازم يقولان: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) فيما بين المغرب وصلاة العشاء، صلاة الأوابين. (3/133)
قال البيهقي: وروينا عن ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك رضي الله عنهم في ناشئة الليل: أنها بين المغرب والعشاء؛ وكان الحسن لا يعد ذلك في صلاة الليل حتى ينام نومة ثم يقوم. (3/133)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) قال: لا تمر بهم ليلة ينامون حتى يصبحوا إلا يصلون فيها. (3/133)
عن قتادة عن أنس بن مالك في هذه الآية قال: يصلون بين العشاء والمغرب. (3/133)
تحسين الصلاة والإكثار منها ليلاً ونهاراً وما حضرنا عن السلف الصالحين في ذلك
عن عثمان بن أبي رواد عن الزهري قال: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟! قال: لا أعرف شيئاً اليوم مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعتم منها ما قد ضيعتم(1). (3/134)
عن مسروق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن ذلك يعني وضع اليدين على الخاصرة في الصلاة فقالت هذا فعل اليهود(2). (3/137)
عن همام عن كعب قال: ما من مؤمن يقوم مصلياً إلا تناثر عليه البر أكثر؟؟ ما بينه وبين العرش ووكل به ملك ينادي: يا ابن آدم لو تعلم ما لك في صلاتك ومن تناجي ما التفت. (3/138)
عن زيد بن وهب قال: دخلت مع حذيفة المسجد فرأى رجلاً يصلي لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال له حذيفة: منذ كم صليت؟ قال: منذ أربعين سنة؛ فقال له حذيفة: ما صليت ولو قد مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمداً صلى الله عليه وسلم، فإن الرجل قد يخف صلاته ويتم ركوعها سجودها(3). (3/138-139)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري وقال في متنه: عن عائشة كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته وتقول: إن اليهود تفعله.
(3) رواه البخاري.(1/222)
عن مسعر عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: صليت إلى جنب ابن عمر العصر فسمعته يقول في ركوعه: رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين فلما انصرف قال ما صليت صلاة إلا وأنا أرجو أن تكون كفاية للتي أمامها. (3/145)
عن عمر بن حفص قال: سمعت أبي يقول: قال ميمون بن مهران: مثل الذي يرى الرجل يسيء في صلاته فلا ينهاه مثل الذي يرى النائم تنهشه حية ثم لا يوقظه. (3/146)
عن عبد الله بن مسعود قال: من كان في الصلاة فهو يقرع باب الملك ومن يقرع باب الملك يوشك أن يفتح له. (3/146)
عن مسروق قال: قال عبد الله: فأدوا(1) بالصلاة(2). (3/146)
عن سالم بن أبي الجعد عن سلمان الفارسي أنه قال: الصلاة مكيال، من وفى وفي له ومن نقص فقد علمتم ما قيل في المطففين. (3/147)
عن ليث عن مجاهد في قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) قال: من القنوت الركوع والخشوع وغض البصر وخفض الجناح من رهبة الله عز وجل. (3/147)
قال البيهقي: كان العلماء إذا قام أحدهم في الصلاة يهاب الرحمن أن يشذ بصره أو يلتفت او يعبث بشيء او يقلب الحصى او يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا نسياً. (3/147)
عن سلمة بن شبيب قال: سمعت عبد الرزاق يقول: أخذ أهل مكة الصلاة من ابن جريج وأخدها ابن جريج عن عطاء وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأخذها أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذها النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام؛ وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحسن صلاة من ابن جريج كان يصلي ونحن خارجين فيرى كأنه اسطوانة ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً. (3/147-148)
عن الحميدي حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه بعض شجرة يصفقها الريح والمنجنيق يقع ها هنا وها هنا؛ قال سفيان: كأنه لا يبالي. (3/148)
__________
(1) كذا ولعلها (تأدوا) أو (اتئدوا)، من التؤدة، ويبعد أن تكون (نادوا)
(2) كانت (مالصلاة).(1/223)
عن ابن جريج قال: كان عطاء بعد ما كبر وضعف يقوم الى الصلاة فيقرأ مئتي آية من البقرة وهو قائم، ما يزول منه شيء ولا يتحرك. (3/148)
عن سفيان قال: قال عون لأبي اسحاق: ما بقي منك؟ قال: أقرأ البقرة في ركعة، قال: ذهب شرك وبقي خيرك. (3/148)
عن ابن عون عن عبد الله بن مسلم بن يسار أن أباه كان إذا صلى كأنه وتد لا يقول هكذا ولا هكذا. (3/148)
عن حميد بن هلال قال: كان مسلم بن يسار إذا قام يصلي كأنه ثوب ملقى. (3/148)
عن عبد الله بن مسلم قال: كان سعيد بن جبير إذا قام في الصلاة كأنه وتد. (3/148)
علي بن صالح عن زبيد قال: رأيت زادان يصلي كأنه جذع قد حفر له. (3/148)
عن يزيد بن حيان قال: كان العنبس بن عقبة إذا قام في الصلاة كأنه جرم(1) حائط وكان إذا سجد وقعت العصافير على ظهره من طول سجوده. (3/149)
عن أبي عون قال: سمعت أبا رجاء يقول: ما أجدني آسى على شيء من أمر الدنيا إلا ان أعفر وجهي في التراب كل يوم خمس مرات لربي عز وجل. (3/149)
عن عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علقمة عن الماجشون الأكبر قال: قال سعد بن معاذ: ثلاث أنا فيما سواهن ضعيف: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شيئاً قط إلا علمت أنه الحق من عند الله لا شك فيه؛ ولا صليت صلاة قط فحدثت نفسي بغيرها حتى أفرغ منها؛ ولا شهدت جنازة قط فحدثت نفسي بغيرها، ما هي قائلة أو مقول لها؛ قال محمد: فحدثت بهذا الحديث الزهري فقال: يرحم الله سعداً إن كان لمأموناً على ما قال ولقد بلغني أنهن(2) خصال لا يعطاهن إلا نبي أو من كان شبيهاً بنبي(3). (3/149)
__________
(1) لعلها (جذم).
(2) كانت (أنهم).
(3) وفي رواية أخرى: ثلاث أنا فيهن رجل وما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، فذكر الحديث بمعناه، غير أنه قال: فقال عبد الله [هو ابن عيسى وهو أحد رواتها]: إن هذه لخصال ما كنت أحسبها إلا في نبي وإن سعداً لمأمون.(1/224)
عن طريف بن شهاب قال: ذكر للحسن قول عامر يعني ابن عبد الله بن قيس: لأن تختلف في الأسنة أحب الي من أن أجد ما يذكرون، يعني حديث النفس في الصلاة، فقال الحسن: ما اصطنع الله ذلك عندنا. (3/150)
عن يوسف بن الحسين قال: سئل ذو النون عن الخشوع في الصلاة فقال: إجماع الهمم في الصلاة للصلاة حتى لا يكون له شغل سواه. (3/151)
عن الوليد [بن مزيد] قال: سئل الأوزاعي عن هذه الاية (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) قال: قليلاً ما تجد المؤمن ينام ليلته كلها؛ قال: وسئل عن الخشوع في الصلاة قال: غض البصر وخفض الجناح وأنين القلب وهو الحزن؛ قال: وسمعت الأوزاعي يقول: بلغني عن قول الله عز وجل (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) قال: ما حملت جباههم من الأرض. (3/151)
عن شعبة قال: ما رأيت عمرو بن مرة في صلاة قط إلا ظننت أن لا ينفتل حتى يستجاب. (3/152)
عن يحيى بن سعيد حدثنا سفيان الثوري قال: لو رأيت منصوراً يصلي لقلت: يموت الساعة. (3/152)
عن هشام بن حسان: قال أبي؟؟: سمعت بكاء محمد بن سيرين في جوف الليل وهو يصلي. (3/152)
عن عبيد الله بن شميط قال: سمعت أبي يقول: إن الله عز وجل جعل قوه المؤمن في قلبه ولم يجعلها في أعضائه ألا ترون الشيخ يكون ضعيفاً يصوم الهواجر ويقوم الليل والشاب يعجز عن ذلك. (3/152)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ سمعت أبا عبد الله بن يعقوب يقول: ما رأيت أحسن صلاة من أبي عبد الله محمد بن نصر(1) كان الذباب يقع على أذنه فيسيل الدم ولا يذبه عن نفسه؛ ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيئته للصلاة كان يضع ذقنه على صدره فينتصب كأنه خشبة منصوبة. (3/152)
عن حمزة بن نجيح قال: سمعت الحسن يقول: يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك؟! (3/153)
__________
(1) هو المروزي صاحب كتاب (تعظيم قدر الصلاة).(1/225)
عن أبي وائل عن حذيفة قال: إن(1) أحب حال يجد(2) الله عبده(3) عليها أن يجده(4) معفراً وجهه لله عز وجل. (3/153)
عن سعيد بن جبير قال: قال مسروق: ما أصبحنا وأمسينا نأسى على شيء من الدنيا إلا على السجود لله تبارك وتعالى. (3/153)
عن المعلى بن زياد قال: كان عامر بن عبد الله قد فرض على نفسه كل يوم ألف ركعة وكان إذا صلى العصر جلس وقد انتفخت ساقاه من طول القيام فيقول: يا نفس بهذا أمرت ولهذا خلقت، يوشك أن يذهب العناء. (3/153)
عن جعفر قال سمعت ثابتاً يقول: الصلاة خدمة الله في الأرض فلو علم الله شيئاً في الأرض أفضل من الصلاة ما قال (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب). (3/155)
3187 وبإسناده عن جعفر قال سمعت ثابتا يقول كان داود نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله، فلم يكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي فعمهم الله تعالى في هذه الآية (اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور). (3/155)
عن جعفر سمعت ثابت البناني إذا خرج علينا فنظر الى القبلة فإن رأى فيه؟؟ انسان قال: حلتم بيني وبين ربي، وكان قد حبب اليه الصلاة. (3/155)
قال: وسمعت ثابتاً يقول: اللهم إن كنت أذنت لأحد ان يصلي في قبره فأذن لي. (3/155)
عن جعفر حدثنا ثابت قال: بلغنا أن الأرض تزين للمؤمن أن يمر فيذكر الله عليها أو يصلي عليها. (3/156)
عن ضمرة عن علي بن أبي حملة والأوزاعي قالا: كان علي بن عبد الله بن العباس يسجد كل يوم ألف سجدة. (3/156)
عن شعبة عن الهيثم قال: كان مرة يصلي في اليوم مئتي ركعة. (3/156)
عن مالك قال: سئل مرة الهمداني وكان قد كبر ما بقي من صلاتك؟ قال: الشطر، خمسون ومئتا(5) ركعة. (3/156)
عن عطاء بن السائب قال: رأيت مصلى مرة مثل مبرك البعير. (3/156)
__________
(1) كانت (إني).
(2) كانت (تجد).
(3) كانت (عنده).
(4) كانت (تجده).
(5) كانت (ومئتي).(1/226)
عن عيسى بن عمر قال: كان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج على فرسه ليلاً فيقف على القبور فيقول: يا أهل القبور قد طويت الصحف قد رفعت الأعمال، ثم يبكي ثم يقف على(1) قدميه حتى يصبح، فيشهد صلاة الصبح(2). (3/156)
عن حوط بن رافع أن عمرو بن عتبة كان يشترط على أصحابه أن يكون خادمهم، قال: فخرج في الرعي في يوم حار فأتاه بعض أصحابه فإذا هو بالغمامة تظلله وهو نائم فقال له: أبشر يا عمرو فأخذ عليه عمرو ألا يخبر به. (3/156)
عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الله بن ربيعة أنه كان جالساً مع عتبة بن فرقد فقال عتبة: يا عبد الله ألا تعينني علي ابن اخيك عمرو بن عتبة يعينني على ما أنا فيه من عملي(3)؟! قال عبد الله بن ربيعة: أطع أباك، قال: فنظر عمرو إلى معضد العجلي فقال: ما تقول؟ قال: لا تطعهم واسجد واقترب؛ قال عمرو: يا أبه إنما أنا عبد أعمل في فكاك رقبتي فأعني على فكاك رقبتي! فبكى عتبة فقال: يا بني إني لأحبك حبين: حب الوالد ولده وحب الله؛ قال: يا أبه إنك كنت أتيتني بمال بلغ سبعين ألفاً فإن كنت سائلي عنه فها هو ذا فخذه لا حاجة لي فيه فقال: يا بني امضه فأمضاه حتى ما بقي منه درهم. (3/157)
عن مسعر عن محارب قال: صحبنا القاسم بن عبد الرحمن فغلبنا بثلاث: كثرة الصلاة وطول الصمت وسخاء النفس. (3/157)
عن إبراهيم قال: أصبح همام بن الحارث مرجلاً فقال بعض القوم: إن جمة همام لتخبركم أنه لم توسدها الليلة. (3/158)
عن رجاء بن أبي سلمة قال: قال عمر بن عبد العزيز: ما أعلم أحداً أكثر صلاة من عراك بن مالك وذلك أنه يركع في كل عشر ويسجد. (3/158)
__________
(1) في بعض الكتب (يصف) بدل (يقف على).
(2) أي في الجماعة.
(3) كان عتبة أميراً على بعض المدن.(1/227)
عن موسى بن هلال قال حدثنا رجل كان جليساً لنا وكانت امرأة حسان مولاة له قال: فحدثتني امرأة حسان بن أبي سنان قالت: كان يجيئني فيدخل معي في فراشي ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها فإذا علم أني قد نمت سل نفسه فخرج ثم يقوم فيصلي، قالت: فقلت له: يا أبا عبد الله كم تعذب نفسك؟! ارفق بنفسك! قال: اسكتي ويحك، يوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منها زماناً. (3/158)
عن جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يسأل هشام بن زياد العدوي فقال له: حدثنا بحديث أخيك، فقال: كان أخي رحمه الله العلاء بن زياد يحيي كل ليلة جمعة، قال: فقال في ليلة جمعة لامرأته أسماء: يا أسماء إني أجد الليلة فترة فإذا انقضى وقت كذا كذا فأيقظيني فلما جاءت تلك الساعة فلم توقظه فأتاه في منامه آت فأخذ بمقدم رأسه فقال: ابن زياد قم فاذكر الله يذكرك فقام فزعاً فلم تزل تلك الشعرات من مقدم رأسه قائمة ما صحب الدنيا حتى مات ولقد غسلناه يوم غسلنا وإنهن لقائمة. (3/158)
عن منكدر بن محمد عن أبيه أن تميم الداري نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع. (3/159)
عن جرير عن طلق بن معاوية قال: قدم رجل منا يقال له هند بن عوف من سفر فمهدت له امرأته فراشاً وكانت له ساعة من الليل يقومها فنام عنها حتى أصبح فحلف أن لا ينام على فراش أبداً. (3/159)
عن علي بن عثام حدثنا حفص بن غياث عن محمد بن إسحاق قال: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود معتلاً من رجله فكان يقوم على رجله(1) حتى يسقط، قال علي: وكان الأسود ذهبت عينه فلم يُعلم بها(2) ما شاء الله. (3/159)
عن علي بن عثام قال: كان في بني عدي ثلاثون شيخاً ما يأتون فراشهم إلا زحفاً او حبواً. (3/160)
__________
(1) لعلها (رِجل).
(2) لعله سقط من هذا الموضع كلمة (أحد) أو نحوها.(1/228)
عن علي بن المديني قال: دخلت على امرأة عبد الرحمن بن مهدي وكنت أزورها بعد موته فرأيت سواداً في القبلة فقالت: هذا موضع استراحة عبد الرحمن، كان يصلي بالليل فإذا غلبه النوم وضع جبهته على هذا الموضع. (3/160)
عن ابن شوذب قال: قالت معاذة العدوية: ما كان صلة يجيء من مسجد بيته إلى فراشه إلا حبواً، يقوم حتى يفتر في الصلاة. (3/160)
عن المستلم بن سعيد الواسطي أخبرنا حماد بن زيد العبدي أن أباه أخبره قال خرجنا في غزوة إلى كابل وفي الجيش صلة بن الأشيم، قال: فترك الناس عند العتمة ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس حتى إذا قلت: هدأت العيون، وثب فدخل غيضة قريباً منه ودخلت في إثره فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح، قال: وجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة؛ قال: فتراه التفت إليه أو عذبه(1) حتى سجد فقلت الآن يفترسه، فلا شيء، فجلس ثم سلم فقال: أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر فولى وإن له زئيراً أقول تصدع الجبال منه، فما زال كذلك يصلي حتى إذا كان عند الصبح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة؟! ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا وأصبحت(2) وبي من الفترة شيء الله به عليم؛ قال: فلما دنونا من أرض العدو قال الأمير: لا يشذن أحد من العسكر قال: فذهبت بغلته، يعني بغلة صلة، بثقلها فأخذ يصلي فقالوا له: إن الناس قد ذهبوا فمضى ثم قال: دعوني أصلي ركعتين! قالوا: إن الناس قد ذهبوا! قال: إنما هما خفيفتين؟؟ قال: فدعا ثم قال: اللهم إني أقسم عليك أن ترد علي بغلتي وثقلها، قال: فجاءت حتى قامت بين يديه فلما التقينا العدو حمل هو وهشام بن عامر فصنعا بهم طعناً وضرباً وقتلاً، قال: فيئس(3) ذلك اليوم العدو وقالوا: إن رجلين من العرب صنعا بنا
__________
(1) في صفة الصفوة 3/217-218): (عده جرذاً) بدل (عذبه) وهذه – أعني عذبه – لا معنى لها.
(2) كانت (وأصبح).
(3) كانت (فليس).(1/229)
هذا فكيف لو قاتلونا المسلمين، فأعطوا للمسلمين حاجتهم؛ فقلت لأبي هريرة: إن هشام بن عامر، وكان يجالسه، ألقى بيده إلى التهلكة فأخبره خبره فقال أبو هريرة: كلا ولكنه التمس هذه الآية (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد) . (3/160-161)
عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه كان يصلي فإذا دخل الداخل أتى فراشه فاتكأ عليه. (3/161)
عن منصور أبي أمية خادم عمر بن عبد العزيز قال: رأيت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وله سفط في كوة مفتاحه في إزاره فكان يتغفلني فإذا نظر الي قد نمت فتح السفط فأخرج منه جبة(1) شعر ورداء شعر فصلى فيهما الليل كله فإذا نودي بالصبح نزعهما. (3/162)
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: كنا نغازي [ومعنا](2) عطاء الخراساني وكان يحيى الليل صلاة فإذا مضى من الليل نصفه او ثلثه أقبل علينا ونحن في فساطيطنا فينادي: يا يزيد يا عبد الرحمن بن يزيد ويا هشام بن الغاز قوموا فتوضؤوا وصلوا؛ صلاة هذا الليل وصيام هذا النهار أهون من مقطعات الحديد ومن شرب الصديد، الوحا الوحا النجا النجا! ثم يقبل على صلاته. (3/162 و412-413)
عن أبي الأشهب عن الحسن قال: صلاة(3) من الليل ولو قدر حلب شاة. (3/162)
عن محمد بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله المقري الزاهد يقول: كان معنا شيخ في الرباط يوقظ الأصحاب إذا مضى ثلث الليل ويرغبهم في القيام للتهجد فإذا رأى منهم ناشطاً حمد الله عز وجل وتلا آيات من القرآن كقوله عز وجل (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) ثم يرفع صوته ويقول:
سل الليل أهل الليل بالسحر
والناعمين بلا لهو ولا سمر
والقابضين على الأكباد أيديهم
شدوا الرحيل وهيأوا له السفر
__________
(1) كانت (جبية).
(2) هذه ثابتة في الموضع الثاني دون الأول.
(3) هذه الكلمة صحيحة معنى ونحواً ومع ذلك يحتمل أنها مصحفة عن (صلوا).(1/230)
فإن رأى منهم تثاقلاً أو تكاسلاً يقول: من نام الليل الكثير لقي الله يوم القيامة فقيراً، ثم يرفع صوته ويقول:
تنبه من منامك يا جهول
فنومك تحت رمسك(1) قد يطول
تأهب للمنية حين تغدو
عسى تمسي وقد نزل الرسول
(3/163)
أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحبيب المفسر لبعضهم:
يا راقداً والجليل يحفظه(2)
من كل سوء يدب في الظلم
كيف تنام العيون عن ملك
يأتيه منه فوائد النعم
(3/163)
عن السري بن يحيى قال: كان سليمان التيمي في طريق مكة يتوضأ لصلاة العشاء ثم يصلي الليل كله في محمله حتى يصبح ثم يصلي الصبح بوضوئه ذلك. (3/163)
عن محمد بن عبد الأعلى قال: قال المعتمر بن سليمان: لولا أنك من أهلي ما حدثتك أبداً عن أبي، مكث أربعين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً ويصلي الفجر بوضوء العشاء. (3/164)
عن سعيد بن عامر قال: كان سليمان التيمي يسبح في كل سجدة وركعة سبعين تسبحة. (3/164)
عن أبي بكر بن عياش قال: سمعت أبا اسحاق يقول: ما أقلتُ(3) عيني غمضا منذ أربعين سنة. (3/164)
عن عون بن أبي عمران الجوني قال: كانت أمي تقوم الليل فتصلي حتى تعصب رجليها وساقيها بالخرق فيقول لها أبو عمران: دون هذا يا هذه، فتقول له: هذا عند طول القيام في الموقف قليل! فيسكت عنها. (3/164)
عن ابراهيم بن مسلم القرشي قال: كانت فاطمة بنت محمد بن المنكدر تكون نهارها صائمة فإذا جنها الليل تنادي بصوت حزين: هدأ الليل واختلط الظلام وأوى كل حبيب إلى حبيبه وخلوتي بك أيها المطلوب أن تعتقني من النار. (3/164)
__________
(1) كانت (رمشك) خطأ، والرمس القبر.
(2) وفي رواية والمليك يرقبه.
(3) يظهر أنه من الإقالة، ومعناه أنه إذا استيقظ لم يأذن لنفسه بالرجوع إلى النوم وإن كان في غاية السهر والتعب والإعياء.(1/231)
عن هشيم قال: لو قيل لمنصور بن زاذان: ملك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل؛ قال: وذلك أنه كان يخرج ويصلي الغداة في جماعة ثم يجلس فيسبح حتى تطلع الشمس ثم يصلي الى الزوال ثم يصلي الظهر ثم يصلي الى العصر ثم يصلي العصر ثم يجلس فيسبح إلى المغرب ثم يصلي المغرب ثم يصلي العشاء الآخرة ثم ينصرف الى بيته فيكتب عنه في ذلك الوقت. (3/165)
عن الحسين بن منصور قال: كان سليمان بن المغيرة إذا قام الى الصلاة لو أكل الذباب وجهه لم يطيرها. (3/165)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبي يقول: سمعت مريم امرأة عثمان تقول: كنا نؤخر اللعب والضحك والحديث إلى أن يدخل أبو عثمان في ورد من الصلاة، فإنه كان إذا دخل بيت الخلوة لا يحس بشيء من الحديث وغيره. (3/165)
عن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي رحمه الله قد جزأ الليل ثلاثة أثلاث: الثلث الأول يكتب والثلث الثاني يصلي والثلث الثالث ينام. (3/165)
عن داود بن إبراهيم أن الأسد حبس الناس ليلة في طريق الحج فدق الناس بعضهم بعضاً فلما كان في السحر ذهب عنهم فنزل الناس يميناً وشمالاً وألقوا الناس أنفسهم فناموا وقام طاووس يصلي فقال رجل لطاووس: ألا تنام فإنك نصبت الليلة؟! قال طاووس: وهل يُنام السحر؟! (3/166)
عن عبد الصمد بن سليمان بن أبي مطر قال: بت عند أحمد بن حنبل رحمه الله فوضع لي صاغرة ماء، قال: فلما اصبحت وجدني لم أستعمله فقال: صاحب حديث لا يكون له ورد بالليل؟! قال: قلت: مسافر، قال: وإن كنت مسافر(1)، حج مسروق فما نام إلا ساجداً. (3/166)
__________
(1) لم ينصبها لأنه وقف عليها.(1/232)
عن أبي يوسف يعقوب بن سفيان قال: أخبرني بعض شيوخ أهل الكوفة قال: كان لهم يعني لآل الحسن بن صالح بن حي، خادم تخدمهم فاحتاجوا الى بيعها فباعوها فلما كان في أول الليل ذهبت وألحت على مولاها تقيمه وتقول: ذهب الليل، مرة بعد مرة، حتى أضجرته فصاح بها، قال: فلما أصبحت ذهبت إلى عند الحسن فقالت: يا سبحان الله ما كان يجب عليكم فيما خدمتكم أن تبيعوني من مسلم(1)؟! قال فقال الحسن: سبحان الله وما له؟! قالت: انتظرت ليقوم ليتهجد فلم يفعل فألححت عليه فزبرني وشتمني، قال: فصاح: يا علي، وقال: ما تعجب من هذه؟! اذهب فتسلفْ ثمنها من بعض إخواننا وأعتقها. (3/166)
عن أبي خالد الأحمر قال: أكل سفيان فشبع فقال: إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله فقام حتى أصبح. (3/166)
عن محمد بن المنذر حدثني محمد بن أحمد بن الحسين بن الربيع قال: رأيت ابن المبارك يقاتل بأرض الروم في يوم شديد الحر وقد وقع قلنسوته عن رأسه، قال: وقال محمد بن الوزير وصي ابن المبارك: كنت مع عبد الله في المحمل فانتهينا الى موضع بالليل وكان ثم خوف، قال: فنزل ابن المبارك وركب دابته حتى جاوزنا الموضع فانتهينا إلى نهر فنزل عن دابته وأخذت أنا مقودته واضطجعت فجعل يتوضأ ويصلي حتى طلع الفجر وأنا انظر اليه فلما طلع الفجر ناداني قال: قم فتوضأ، قال: قلت: أنا على وضوء، فركبه الحزن حيث علمت أنا بقيامه، فلم يكلمني حتى انتصف النهار وبلغت المنزل معه. (3/167)
عن الحميدي حدثنا سفيان عن ابن شبرمة قال: صحبت كرزاً فكان إذا نزل يلتفت قبل أن يضرب خباءه فإذا رأى موضعاً طيباً صلى فيه. (3/167)
عن ضمرة بن ربيعة يقول: حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومئة فما رأيته مضطجعاً على المحمل في ليل ولا نهار قط، وكان يصلي فإذا غلبه النوم استند الى القتب. (3/167)
__________
(1) أي من رجل تقي عابد.(1/233)
عن أحمد بن سلمة قال: سمعت هناد بن السري غير مرة إذا ذكر قبيصة بن عقبة يقول: الرجل الصالح! وتدمع عيناه، وكان هناد كثير البكاء، وكنت عنده ذات يوم في المسجد فلما فرغ من القراءة عاد إلى منزله فتوضأ فانصرف الى المسجد وقام على رجليه يصلي الى الزوال وأنا معه في المسجد ثم رجع الى منزله فتوضأ فانصرف الى المسجد قائماً؟؟ وأنا معه فصلينا الظهر ثم قام على رجليه يصلي الى العصر ويرفع صوته بالقرآن ويبكي كثيراً ويصلي الى العصر ثم صلى بنا العصر وجاء إلى صحن المسجد وجعل يقرأ القرآن في المصحف في الليل فصليت معه المغرب وقلت لبعض جيرانه: ما أصبره على العبادة! فقال: هذا عبادته بالنهار منذ سبعين سنة؛ فكيف لو رأيت عبادته بالليل وما تزوج قط! وما تسرى قط وكان يقال له راهب الكوفة. (3/167-168)
عن جعفر بن سليمان: أضفت برابعة ذات ليلة!!! فبدرت إلى محرابها وبدرت الى آخر فلما تزل قائمة حتى أصبحت فقلت لها: ما جزاء من قوانا على قيام هذا الليل؟ قالت: جزاؤه أن تصوم له النهار. (3/168)
عن بكر بن عبد الله المزني قال: من مثلك يا ابن آدم؟! خلي بينك وبين الماء والمحراب، متى شئت دخلت على ربك ليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان. (3/168)
عن العباس بن الوليد أخبرني أبي قال: حدثنا الأوزاعي قال: كان بلال بن سعد من العبادة على شيء لم نسمع بأحد قوي عليه، كان له في كل يوم وليلة اغتسالة، قال أبي: وكان الأوزاعي من العبادة على شيء لم نسمع بأحد قوي عليه، ما أتى عليه زوال قط الا وهو فيه قائم يصلي. (3/168)
عن عون بن أبي شداد أن عبد الله بن غالب كان يصلي الضحى مئة ركعة ثم ينصرف فيقول: لهذا خلقنا وبهذا أمرنا يوشك أولياء الله أن يكفوا ويحمدوا. (3/169)(1/234)
عن أحمد بن أبي الحواري حدثنا علي بن أبي الحسين قال: قال الأوزاعي: خرجت حاجاً فدخلت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم بليل فأتيت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بشاب بين القبر والمنبر يتهجد فلما طلع الفجر استلقى على ظهره ثم قال: عند الصباح يحمد القوم السرى، فقلت له: يا ابن اخ لك ولأصحابك لا للجمالين. (3/169)
عن بشير بن كعب العدوي قال: سمعت ربيعة الحرشي زمن معاوية يقول يجمع الله الخلائق يوم القيامة بصعيد واحد فيكونون ما شاء الله أن يكونوا فينادي منادٍ: سيلعم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم! ليقم الذين (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطعماً) الآية، فيقومون وفيهم قلة؛ ثم يلبث ما شاء الله أن يلبث ثم يعود فينادي: سيعلم أهل الجمع لمن العز والكرم ليقم الذين (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة) حتى فرغ من الآية، فيقومون وهم اكثر من الأولين ثم يلبث ما شاء الله ان يلبث ثم يعود وينادي سيعلم اهل الجمع لمن العز اليوم والكرم فيقوم الحمادون لله على كل حال قال فيقومون وهم اكثر من الأولين. (3/169-170)
عن بشر بن الحارث قال: سمعت المعافى بن عمران يقول: عز المؤمن استغناؤه عن الناس وشرفه قيامه بالليل. (3/171)
عن محمد بن اسماعيل: قال صهيب بن مهران(1): شرف المؤمن الصلاة في سواد الليل واليأس مما في أيدي الناس. (3/171)
عن إبراهيم بن مضارب قال: سمعت أبي يقول: كان الحسين بن الفضل يركع في اليوم والليلة ستمئة ركعة ويقول: لولا الضعف والسن لم أطعم نهاره(2). (3/171)
أخبرنا ابو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت جدي يقول: دخل عليه، يعني الجنيد، أبو العباس بن عطاء وهو في النزع فسلم عليه ولم يرد عليه ثم رد عليه بعد ساعة وقال: اعذرني فإني كنت في وردي، ثم حول وجهه إلى القبلة وكبر ومات. (3/172)
__________
(1) قال أبو حاتم الرازي: هو مجهول.
(2) لعلها (نهاراً).(1/235)
عن أبي محمد الجريري قال: كنت واقفاً على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة وهو يقرأ القرآن فقلت له: يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال: يا أبا محمد رأيت أحداً أحوج اليه مني في هذا الوقت وهو ذا تطوى صحيفتي؟!. (3/172)
عن محمد بن الحسين [البرجلاني] حدثنا بشر بن عبد الله النهشلي قال: دخلنا على أبي بكر النهشلي وهو في الموت وهو يوميء برأسه يرفعه ويضعه كأنه يصلي فقال له بعض أصحابه: في مثل هذا الحال رحمك الله؟! قال: إني أبادر طي الصحيفة. (3/172)
عن علي بن أحمد الواسطي قال: سمعت جعفر الخلدي يقول: رأيت الجنيد في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: طاحت تلك الإشارات وغابت(1) تلك العبارات وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عند السحر. (3/172)
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا محمد بن يزيد الحراني عن الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة قال: تكفير كل لحا ركعتين، قال أبي: يعني الرجل يلاحي الرجل، يخاصمه، يصلي ركعتين، تكفيره يعني كفارته. (3/174)
عن مالك بن الحارث عن أبي خالد قال: قيل لعبد الله: إن فلانا يطيل الركوع والسجود فقال: لا تنفع الصلاة إلا من أطاعها(2)؛ يعني والله أعلم أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [فمن نهته صلاته عنهما](3) نفعته الصلاة(4). (3/174)
عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: من لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزدد من الله إلا بعداً. (3/174)
__________
(1) في الأصل (وعاينت) وأصلحتها إتباعاً لصفوة الصفوة (2/424).
(2) أي كانت سبباً في ازدياده من الطاعات وانتهائه عن المعاصي وكان خاشعاً في صلاته محافظاً عليها من الغفلة والعجب والرياء وغيرها من الآفات.
(3) زدت هذه الكلمات لأن السياق يقتضيها وكأنها أو معناها سقطت من الأصل.
(4) يظهر أن هذا الشرح للبيهقي.(1/236)
عن طارق بن شهاب الأحمسي عن سلمان الفارسي قال: إذا كان الليل كان الناس منه على ثلاث منازل فمنهم من له ولا عليه ومنهم من لا له ولا عليه ومنهم من عليه ولا له؛ قال طارق: فتعجبت لحداثة سني وقلة فهمي، فقلت: يا أبا عبد الله وكيف ذلك؟! قال: أما من له ولا عليه فرجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فتوضأ وصلى فذلك له ولا عليه؛ ورجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل يمشي في معاصي الله عز وجل فذلك عليه ولا له؛ ورجل نام حتى أصبح فذلك لا له ولا عليه؛ قال طارق: فقلت لأصحبن هذا فلا أفارقه فضرب على الناس بعث فخرج فيه فصحبته فكنت لا أحصله في عمل إن أنا عجنت خبز وإن خبزت طبخ؛ فنزلت منزلاً فبتنا فيه وكانت لي ساعة من الليل أقومها فكنت أتيقظ لها فأجده نائماً فأقول: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مني نائم، فأنام، ثم أقوم فأجده نائماً فأنام إلا انه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع: سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ فركع ركعات فلما صلينا الفحر قلت له: يا أبا عبد الله كانت لي ساعة من الليل أقومها وكنت أتيقظ لها فأجدك نائماً فأقول: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مني فأنام! قال: يا ابن أخي فأيش كنت تسمعني أقول؟ فأخبرته فقال: تلك الصلاة، إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنب المقتل(1) يا ابن اخي عليك بالقصد فإنه أبلغ. (3/175-176)
فضل قيام شهر رمضان
__________
(1) أي الكبائر.(1/237)
عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان الى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب؛ قال: ثم خرجت معه ليلة اخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه، [و]التي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله(1). (3/177)
عن مالك عن داود بن الحصين أنه سمع عبد الرحمن بن هرمز الأعرج يقول: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال: فكان القاريء يقوم بسورة البقرة في ثماني ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه خفف. (3/177)
عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخادم بالطعام مخافة الفجر. (3/177)
عن عرفجة الثقفي قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله يأمر الناس بقيام رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال عرفجة: فكنت أنا إمام النساء. (3/177)
عن أبي عثمان النهدي قال: دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاثة قراء فاستقرأهم فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ للناس في رمضان بثلاثين آية وأمر أوسطهم أن يقرأ خمساً وعشرين وأمر أبطأهم أن يقرأ عشرين آية. (3/178)
عن ضمرة عن ابن شوذب قال: كان أيوب يؤم أهل مسجده في شهر رمضان فكان يقرأ بهم في كل ركعة ثلاثين آية ويقول هو للناس: الصلاة الصلاة، فإذا قنت دعا بدعاء القرآن ويؤمن من خلفه، وكان في آخر دعائه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: اللهم استعملنا بسنته وأوزعنا هديه، اللهم اجعلنا للمتقين إماماً، ثم يكبر ويسجد. (3/178)
__________
(1) أخرجه البخاري.(1/238)
عن ابن شوذب عن خالد بن دريك قال: كان لنا إمام بالبصرة يختم بنا في شهر رمضان في كل ثلاث، فمرض فأمنا غيره فختم بنا في كل أربع فرأينا أنه قد خفف. (3/178)
عن ضمرة بن ربيعة: سألنا الأوزاعي عن الصلاة في شهر رمضان في البيت أو في المسجد؟ فقال: حيث كان أكثر [خشوعاً](1) لصلاته فليلزمه. (3/180)
عن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت الحسن بن عرفة يقول: سمعت ابن المبارك يقول: من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة. (3/182)
باب الثاني والعشرين من شعب الإيمان
وهو باب في الزكاة
التشديد على من منع زكاة ماله
عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: هو المال الذي لا تؤدى عنه الزكاة. (3/194)
الزكاة قنطرة الإسلام
عن عبد الله بن بريدة عن ابن عباس قال: ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالموت، وما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين، وما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء، وما جار قوم في حكم إلا كان الداء بينهم، أظنه قال: والقتل. (3/196)
عن عكرمة عن ابن عباس عن كعب قال: إذا رأيت المطر قد قحط فاعلم أن الزكاة قد منعت، وإذا رأيت السيوف قد عريت فاعلم أن حكم الله تعالى قد ضيع فانتقم [من] بعضهم ببعض، وإذا رأيت أن الربا قد ظهر فاعلم أن الزنا قد فشا. (3/196)
عن جعفر قال: كنا نكون عند مالك، يعني ابن دينار، وكانت الغيوم تجيء وتذهب ولا تمطر قال: فقال مالك: ترون ولا تذاقون! أنتم تستبطئون المطر وأنا استبطئ الحجارة. (3/196)
__________
(1) أنا ألحقت هذه اللفظة اجتهاداً ولا أدري صواب العبارة؛ ويحتمل أن (أكثر) صوابها (أكمل) وحينئذ لا حاجة إلى الزيادة.(1/239)
عن مالك قال: ما سقطت أمة من عين الله إلا ضرب الله أكابرها(1) [بـ]الجوع. (3/196)
عن منصور عن مجاهد (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) قال: دواب الأرض الخنافس والعقارب، يقولون: منعنا القطر بخطايا بني آدم. (3/196)
التحريض على صدقة التطوع
عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ذكر لي أن الأعمال تباهى فتقول الصدقة أنا أفضلكم. (3/205)
عن الأعمش عن ابراهيم قال: كانوا يرون أن الرجل المظلوم(2) إذا تصدق بشيء رفع عنه [الظلم]. (3/214)
فصل ما جاء في إطعام الطعام وسقي الماء
عن سفيان قال: سمعت ابن المنكدر يقول: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان. (3/216)
عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: أيما مؤمن سقى مؤمناً شربة من ماء على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، ثم ذكر الإطعام والكسوة مثله. (3/218)
عن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت ابن المبارك وسأله رجل: يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين وقد عالجت بأنواع العلاج وسألت الأطباء فلم أنتفع به! فقال: اذهب فانظر موضعاً يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئراً فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ علاج القرحة(3). (3/221)
__________
(1) لعلها (أكبادها).
(2) كانت (الظلوم)، ولكن ورد هذا الخبر (2/283) بلفظ: كانوا يرون أن الصدقة تدفع عن الرجل الظلوم.
(3) ما أحسن هذا الفقه وما أحسن هذا التوكل على الله فرحم الله ابن المبارك.(1/240)
قال البيهقي: وفي هذا المعنى حكاية قرحة شيخنا الحاكم أبي عبد الله رحمه الله، فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريباً من سنة فسأل الأستاذ الإمام أبي عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له وأكثر الناس التأمين فلما كان من الجمعة الأخرى ألقت امرأة رقعة في المجلس بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولوا لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين فجيئ(1) بالرقعة الى الحاكم أبي عبد الله فأمر بسقاية الماء فيها وطرح الحمد(2) في الماء وأخذ الناس في الماء، فما مرت عليه اسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه الى ما كان وعاش بعد ذلك سنين. (3/221-222)
فصل ما جاء في كراهية إمساك الفضل وغيره مما يحتاج اليه
عن قتادة قال: ذكر لنا أن سليمان بن داود عليه السلام كان يقول: اذكر الجائع إذا شبعت واذكر الفقراء إذا استغنيت. (3/226)
عن أشعث بن سوار عن الحسن (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) قال: أمر أن تقدم الفضل وأن تمسك ما يغنيك. (3/226)
عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال: ما يفضل من أهلك. (3/227)
فصل ما جاء في كراهية رد من جاء سائلا وأنه لا يهلك على الله إلا هالك
عن علي بن عثام قال: قام سائل فقال: نقص الكيل وعجفت الخيل وقل النيل وسعت وشاة بيننا وبين بني فلان فما ينفتح في وضح؟؟ ونحن عيال جدبة(3)، فمن يقرض الله قرضاً حسناً؟! فإن الله لم يسأل القرض من عدم ولكن ليبلو الأخبار ويجزي الأعمال. (3/232)
__________
(1) كانت (فجيئت).
(2) لعلها (الحد).
(3) كانت (جذبة).(1/241)
عن الشافعي قال: وقف أعرابي على عبد الملك بن مروان فسلم ثم قال: أي رحمك الله إنه مرت بنا سنون ثلاثة، أما أحدها فأهلكت المواشي، وأما الثانية فأنضت اللحم، وأما الثالثة فخلصت الى العظم، وعندك مال فإن يك لله فأعط عباد الله، وإن يك لك فتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين؛ قال: فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال: لو أن الناس يحسنون أن يسألوا هكذا ما حرمنا أحداً. (3/232)
عن عبد الله بن بريدة قال: قال كعب: ما كرم عبد على الله عز وجل قط إلا ازداد البلاء عليه شدة، وما أعطى رجل زكاة ماله فنقصت من ماله، ولا حبسها فزادت من ماله، ولا سرق سارق يعني سرقة إلا حسبت له من رزقه. (3/234)
فصل في الاختيار في صدقة التطوع
عن عمرو بن ثابت قال لما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثرا فسألوا عنه فقالوا هذا مما كان ينقل الجرب بالليل على ظهره الى منازل الأرامل. (3/245)(1/242)
عن الفرج بن فضالة عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال: بينما موسى عليه السلام جالس في بعض مجالسه إذ جاءه إبليس وهو في برنس يتلون عليه ألواناً فلما دنا منه فخلع البرنس ثم أقبل إلى موسى فسلم عليه فقال: من أنت؟ قال: إبليس، قال: أنت!! فلا مرحباً بك! وما جاء بك؟! قال: جئت لأسلم عليك لمكانك من الله ومنزلتك عنده، قال: فما هذا البرنس؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم، قال: فأخبرني ما الذنب الذي إذا اذنب ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله ونسي ذنبه استحوذت عليه؛ وأوصيك بثلاثة أشياء: قال: وما هي؟ قال: لا تخل بامرأة لا تحل لك فإنه ما خلا الرجل بامرأة لا تحل له إلا كنت أنا صاحبه دون أصحابي حتى افتنه بها، ولا تعاهد الله عهداً إلا [وفيت به فإنه ما عاهد أحد الله عهداً إلا](1) كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين الوفاء به؛ ولا تهمن بصدقة إلا أمضيتها فوالله ما هم أحد بصدقة إلا كنت أنا صاحبه دون اصحابي حتى أحول بينه وبين الوفاء بها؛ ثم ولى وهو يقول: يا ويله، ثلاث مرات، علم موسى ما يحذره ابن آدم. (3/246)
عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول لبنيه: يا بني لا يهدين أحدكم لله شيئاً يستحي أن يهديه لكريمه، فإن الله عز وجل أكرم الكرماء وأحق ما اختير. (3/250)
عن الأعمش قال: سمعت أبا وائل يحدث عن ابن مسعود قال: كنا نتحامل(2) وكان الرجل يتصدق بنصف صاع فيقال: إن الله لغني عن صدقة هذا ويتصدق الرجل بصدقة كثيرة فيقال: هذا مرائي، فنزلت هذه الأية (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) الى آخر الآية(3). (3/251 و252)
__________
(1) ما بين الحاصرتين أنا زدته.
(2) زاد في رواية البخاري (على ظهورنا) وفي بعض الروايات (نتحمل على ظهورنا).
(3) متفق عليه.(1/243)
عن يعقوب بن سفيان أخبرنا يوسف بن محمد الصفار أخبرنا ابن ابي فديك أخبرنا محمد بن عثمان عن أبيه أن حارثة بن النعمان كان قد ذهب بصره فجعل خيطاً من مصلاه إلى باب حجرته ووضع عنده مكتلاً فيه تمر وغير ذلك، وكان إذا سلم المسكين أخذ من ذلك المكتل ثم أخذ بالخيط حتى ينتهي إلى باب الحجرة حتى يناوله المسكين---. (3/253)
عن أبي عبيد أخبرنا أبو النضر عن شعبة عن خليد بن جعفر عن أم سلمة أن مساكين سألوها فقالت: يا جارية أبديهم تمرة تمرة، قال أبو عبيد: قولها أبديهم تقول فرقي فيهم، وهو من بددت الشيء تبديداً. (3/253)
عن عمرة عن عائشة أنها قالت: جاء سائل إلى باب عائشة فقالت لجارتها: أطعميه فذهبت ثم رجعت فقالت لها: ما وجدت شيئاً أطعمه، قالت: ارجعي فابتغي له فرجعت فوجدت تمرة فأتت بها فقالت عائشة: اعطيها إياه فإن فيها مثاقيل ذر إن تقبلت. (3/254)
عن مالك أنه بلغه أن مسكيناً استطعم عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديها عنب فقالت لإنسان: خذ حبة فاعطها إياه فجعل ينظر اليها ويتعجب فقالت: أتعجب؟! كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة(1). (3/254)
عن ثابت البناني عن الدارمي أن سائلاً أتى عبد الرحمن بن عوف وبين يديه طبق من عنب فناوله حبة فكف السائل يده فقيل له: وأين تقع هذه منه؟! قال: تقبل الله مثقال ذرة وخردلة، وكان فيها مثاقيل ذرة. (3/254)
عن مرة عن عبد الله في قوله (وآتى المال على حبه) قال: تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغني وتخشى الفقر(2). (3/256)
عن راشد بن الحارث عن أبي ذر قال: ما خرجت صدقة حتى يفك عنها لحى سبعين شيطاناً كلهم ينهى [عنها]. (3/257)
فصل ما جاء في الإيثار
__________
(1) ما أعظم هذا الفقه وما أعظم هذا الاحتساب.
(2) وفي رواية: تؤتيه وأنت حريص شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر.(1/244)
عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: أهدي لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال: إن أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا، قال: فبعث إليه فلم يزل يبعث به واحد الى آخر حتى تداولها سبعة أبيات حتى رجعت الى الأول، ونزلت (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) إلى آخر الآية. (3/259)
عن الأعمش عن نافع قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنباً أول ما جاء العنب فأرسلت صفية امرأته بدرهم فاشترت عنقوداً بدرهم واتبع الرسول سائل فلما أتى الباب ودخل قال السائل: السائل، قال ابن عمر: أعطوه إياه، فأعطوه إياه، ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به عنقوداً فاتبع الرسول السائل فلما انتهى الى الباب ودخل قال السائل: السائل، قال ابن عمر: أعطوه إياه فأعطوه أياه فأرسلت صفية إلى السائل فقالت: والله لئن عدت لا تصيب مني خيراً أبداً، ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به. (3/260)
عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن مسكيناً سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه! قالت: أعطيه إياه، قال: ففعلت، قالت: فما أمسينا حتى أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ممن كان يهدي لنا شاة وكفنها؟؟ فدعتني عائشة فقالت: كلي من هذا، خير من قرصك. (3/260)
عن أبي جهم بن حذيفة العدوي قال: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمي ومعي شنة من ماء أو إناء فقلت: إن كان به رمق سقيته من الماء أو مسحت به وجهه فإذا أنا به ينشع فقلت: أسقيك؟ فأشار أي نعم، فإذا رجل يقول: آه، فأشار ابن عمي أن انطلق به إليه فإذا هو هشام بن العاص أخو عمرو فأتيته فقلت: أسقيك؟ فسمع آخر فقال: آه فأشار هشام أن انطلق به اليه فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. (3/260)(1/245)
عن حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جعل وعياش بن أبي ربيعة [طعنوا] يوم اليرموك فدعا الحارث بماء يشربه فنظر إليه عكرمة فقال الحارث: ادفعوا به إلى عكرمة فنظر اليه عياش بن أبي ربيعة فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش فما وصل إلى عياش ولا إلى أحد منهم حتى ماتوا وما ذاقوه. (3/260)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد البوشنجي أنه سئل عن الفتوة(1) فقال: الفتوة عندي في آية من كتاب الله تعالى وخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأما قول الله تعالى: (يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)؛ وخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) يعني: من الخير، ويكره لأخيه ما يكره لنفسه، فمن اجتمع فيه هاتان الحالتان فله الفتوة. (3/261)
أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: مات الجريري يعني أبا محمد سنة وقعة الهبير، مات عطشاً، بلغني أن بعض الصوفية حمل إليه قدحاً من ماء يشربه فنظر إلى من حوله فقال للذي جاء به: ويحك كيف أشرب أنا وهؤلاء يلتفون حولي؟! أعطه من شئت منهم، فإن كان يصح في وقت إيثار ففي مثل هذا الوقت؛ ومات عطشاً. (3/261)
__________
(1) قال القشيري في رسالته (ص176): أصل الفتوة أن يكون العبد أبداً في أمر غيره.(1/246)
أخبرنا ابو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت محمد بن داود الرقي يقول عن أبي العباس بن عطاء قال: سعى ساع بالصوفية الى الخليفة فقال: إن ها هنا قوماً من الزنادقة يرفضون الشريعة فأخذ أبو الحسين النوري(1) وأبو حمزة والرقام وتستر الجنيد بالفقه فكان يتكلم على مذهب أبي ثور فأدخلوا على الخليفة فأمر بضرب أعناقهم فبرز أبو الحسين الى السياف ليضرب عنقه فقال له السياف: ما لك برزت من بين أصحابك فقال أحببت أن أوثر أصحابي بحياة هذه اللحظة، فتعجب السياف من ذلك وجميع من حضر، وكتب به إلى الخليفة فرد أمرهم إلى قاضي القضاة إسماعيل بن إسحاق---. (3/2261-262)
عن أبي الزعراء عن عبد الله بن مسعود أن راهباً عبد الله في صومعته ستين سنة فجاءت امرأة فنزلت إلى جنبه فنزل إليها فواقعها ست ليال ثم سقط في يده فهرب فأتى مسجداً فأوى فيه ثلاثاً لا يطعم شيئاً فأتي برغيف فكسره فأعطى رجلاً عن يمينه نصفه وأعطى آخر عن يساره نصفه فبعث الله اليه ملك الموت فقبض روحه فوضعت الستون(2) في كفة ووضعت الستة(3) في كفة فرجح يعني الستة، ثم وضع الرغيف فرجح يعني رجح الستة(4). (3/262)
عن أبي ذر عن معاذ بن جبل قال: من أصاب مالاً فأنفقه في حق كان من الشاكرين؛ فإن آثر(5) على نفسه كان من الخاشعين. (3/262)
__________
(1) تصحفت إلى (الثوري).
(2) من السنين.
(3) من الليالي.
(4) الستة) هنا مفعول به، والفاعل ضمير يعود على الرغيف، و(الستة) التي قبلها فاعل.
(5) كانت (آثره) وتصح أيضاً.(1/247)
عن عبد الله بن عامر [الأسلمي] عن بريرة أنها كانت عند أم سلمة فأتاها سائل وليس عندها إلا رغيف واحد فقالت: يا بريرة أعطيه السائل، فتثاقلت ثم تكلم السائل فقالت: يابريرة قومي فأعطيه فتثاقلت ثم قالت لها: قومي فأعطيه قالت: فلما رأيتها قد عزمت قمت فأعطيته وليس عندنا طعام غيره فلما أمسينا وأفطرنا دعت بماء فشربت ثم وضعت رأسها فغفت فإذا إنسان يستأذن على الباب فقالت: يابريرة انظري من هذا؟ قالت: فإذا إنسان يحمل جفنة فيها شاة مصلية وفوقها خبز قد ملأ الجفنة، قالت بريرة: فمن السرور ما دريت كيف رفعت، فقالت أم سلمة: كيف رأيت؟! هذا خير أم رغيفك؟! قالت: قلت: بل هذا، فقالت: الحمد لله، هذا مع ما ادخر الله عز وجل لنا إن شاء الله؛ قالت: ولقد كان آل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي عليهم الهلال ثم الهلال ما يوقدون فيه نار سراج ولا غيره(1). (3/262-263)
عن منذر الثوري عن ربيع بن خثيم أنه قال لأهله: اصنعوا لنا خبيصاً فصنع فدعا رجلاً كان به خبل فجعل يلقمه ولعابه يسيل فلما أكل وخرج قال له أهله: تكلفنا وصنعنا ثم أطعمته [هذا]! ما يدري هذا ما أكل! قال الربيع: لكن الله يدري. (3/263)
عن سفيان [بن عيينة] عن مسعر قال: شوى نافع بن جبير دجاجة فجاء سائل فأعطاها إياه فقال له إنسان في ذلك، فقال: إني أبغي ما هو خير منها. (3/263)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: عجبت من رجل يرائي بعمله الناس وهم خلق مثله! ومن رجل بقي له مال ورب العزة يستقرضه! ورجل رغب في صحبة مخلوق والله يدعوه الى صحبته(2) ثم تلا (والله يدعو الى دار السلام). (3/263)
فصل في الاعتذار إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي منه
__________
(1) إذا كان مرادها أن ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حديث مرفوع.
(2) كانت (محبته).(1/248)
عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: شكا اهل دمشق الى أبي الدرداء أثمارها(1) قال انكم أطلتم حيطانها وأكثرتم حراسها فجاءها الويل من فوقها. (3/266)
فصل في الاستعفاف عن المسألة
عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان مروان بن الحكم يستعمل أبا أسيد الساعدي على الصدقة فكان إذا قدم أناخ على بابه فدفع إليهم، حتى آخر ما يدفع إليهم السوط فيقول: هو من مالكم، قال: فقدم مرة فدفع اليه كل شيء فرجع إلى منزله فنام فإذا حية تأخذ بعنقه فاستيقط فقال: يا فلانة هل بقي شيء؟! فقالت: لا، قال: فما شأن حية تأخذ بعنقي؟! انظري! فقال(2): بلى، قد(3) بقي عقال موكى به جراب؛ قال: فرده إليهم. (3/273)
عن سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى قال: المسألة للمضطر، ألا ترى أن موسى عليه السلام وصاحبه استطعما. (3/275)
عن أبي بكر بن طاهر قال: من حكم الفقير أن لا يكون له رغبة، فإن كان ولا بد فلا تجاوز رغبته كفايته. (3/275)
عن محمد بن نصر الصائغ قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: الفقراء ثلاثة: فقير لا يسأل الناس وإن أعطي لم يأخذ فذاك مع الروحانيين، وفقير لا يسأل فإذا أعطي أخذ فذاك في رياض القدس، وفقير يسأل، كفارته صدقه(4) في سؤاله(5)
__________
(1) أي قلتها ورداءتها.
(2) لعلها (فقالت).
(3) كانت (وقد).
(4) كانت (صدقة).
(5) أي لا يسأل إلا قدر ما يسد حاجته. وهذا الأثر ذكر ثواباً والثواب لا يكون إلا عن توقيف أي عن نص من كتاب أو سنة صحيحة، ولكن ربما كان بشر قد قاله على سبيل التمثيل والتقريب لبيان تفاوت درجات هذه الأصناف الثلاثة من فقراء المؤمنين؛ ولذلك ذكرت هذه الأثر وآثاراً أخرى من هذا النمط، فلا ينبغي التسرع في ردها واستنكارها والحكم عليها بالبطلان. ثم وقفت بعد حين على رواية مطولة لهذا الأثر فأحببت إيرادها هنا:
قال السلمي في طبقات الصوفية ص51: سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت حمزة البزار يقول: سمعت عباس بن دهقان يقول: كنت عند بشر وهو يتكلم في الرضا والتسليم فإذا هو برجل من المتصوفة فقال له: يا أبا نصر انقبضت عن أخذ البر من يد الخلق لإقامة الجاه فإن كنت متحققا بالزهد منصرفا عن الدنيا فخذ من أيديهم ليمتحى جاهك عندهم وأخرج ما يعطونك إلى الفقراء وكن بعقد التوكل تأخذ قوتك من الغيب! فاشتد ذلك على أصحاب بشر فقال بشر: اسمع أيها الرجل الجواب، الفقراء ثلاثة: فقير لا يسأل وإن أعطى لا يأخذ فذاك من الروحانيين إذا سأل الله أعطاه وإن أقسم على الله أبر قسمه، وفقير لا يسأل وإن أعطى قبل فذاك من أوسط القوم عقده التوكل والسكون إلى الله تعالى وهو ممن توضع له الموائد في حظيره القدس، وفقير اعتقد الصبر ومدافعة الوقت فإذا طرقته الحاجة خرج إلى عبيد الله وقلبه إلى الله بالسؤال فكفارة مسألته صدقه في السؤال فقال الرجل رضيت رضي الله عنك.(1/249)
. (3/275)
عن ابن ابي الدنيا قال: أنشدني الحسين بن عبد الرحمن الشافعي:
أقسم بالله لرضخ النوى
وشرب ماء القليب المالحه
أعز للإنسان من حرصه
ومن سؤال الأوجه الكالحه
(3/276)
عن عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي حدثني بعض أصحابنا رفعه إلى مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه قال لبعض أصحابه: إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني فيها ولكن اكتبها في رقعة ثم ارفعها إلي فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال؛ قال عبد الله بن بكر: قال بعض الشعراء:
لا تحسبن الموت موت البلى
فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا أشد
من ذاك لذل السؤال
[و]للقائل:
من عف خف عن(1) الصديق لقاءه
وأخو(2) الحوائج وجهه مملول(3) (3/276)
فصل فيمن أتاه الله مالاً من غير مسألة
عن نافع أن المختار بن عبيد الثقفي كان يرسل إلى عبد الله بن عمر بالمال فيقبله ويقول: لا أسأل أحداً شيئاً ولا أرد ما رزقني(4). (3/280)
عن القعقاع بن حكيم قال: بعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن عمر أن ارفع إلي حاجتك فكتب إليه ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن اليد العليا خير من اليد السفلى، ولست أسألك شيئاً ولا أرد رزقاً رزقني الله منك. (3/280)
عن أبي رافع قال: قال أبو هريرة: نحن لا نسأل أحداً شيئاً، فمن أعطانا شيئاً قبلناه. (3/280)
__________
(1) لعلها (على)
(2) كانت (وأخ).
(3) وقال الشاعر أيضاً:
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله*عوضاً وإن نال الغنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته* رجح السؤال وخف كل نوال
فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلاً** **فابذله للمتكرم المفضال
(4) مثل هذا لا بد من دراسة إسناده والحكم عليه قبل الجزم بنسبته إلى ذلك الصحابي الجليل الجبل؛ وإن صح عنه فله وجه صحيح وابن عمر أعلم بدينه من كل من ليس بصحابي، والله أعلم.(1/250)
عن عثمان بن حيان مولى أبي الدرداء قال: سمعت أم الدرداء تقول: ما بال أحدكم يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن الله لا يمطر عليه من السماء دنانير ودراهم، وإنما يرزق الله بعضكم من بعض، فمن أعطي شيئاً فليقبله، وإن كان غنياً فليضعه في ذي الحاجة من إخوانه، وإن كان فقيراً فليستعن(1) به على حاجته(2) ولا يرد على الله عز وجل رزق الله الذي رزقه(3). (3/281)
فصل في القرض
عن ابراهيم أن الأسود بن يزيد كان يستقرض من مولى النخع، تاجر، فإذا خرج عطاءه قضاه، وأنه خرج عطاءه فقال له الأسود: إن شئت أخرت عنا فإنه قد كانت علينا حقوق في هذا العطاء، قال له التاجر: لست فاعلاً، فنقده الأسود خمس مئة درهم حتى إذا قبضها التاجر قال له التاجر: دونك فخذها! فقال له الأسود: قد سألتك هذا فأبيت! فقال التاجر: إني سمعتك تحدثنا عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: من أقرض شيئاً مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به. (3/284)
الباب الثالث والعشرون من شعب الإيمان
وهو باب في الصيام
عن إسحاق بن أيوب بن حسان الواسطي عن أبيه قال: سمعت رجلاً يسأل سفيان بن عيينة فقال: يا أبا محمد ما تقول في ما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"؟ فقال ابن عيينة: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله تعالى عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم فيتحمل الله تعالى ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة. (3/295)
__________
(1) كانت (فليستغن).
(2) كانت (حاجة).
(3) وروي هذا الحديث بعينه عن أبي هريرة موقوفاً عليه، بينه المصنف.(1/251)
قال أبو عبيد بلغني عن سفيان بن عيينة أنه فسر قوله في الصوم، قال: لأن الصوم هو الصبر يصبر الإنسان عن المطعم والمشرب والنكاح ثم قرأ (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) يقول: فثواب الصوم ليس له حساب يعلم من كثرته؛ قال أبو عبيد: ومما يقوي قول سفيان الذي يروى في التفسير في قوله (السائحون الصائمون) فالصائم بمنزلة السائح. (3/296)
عن اسماعيل بن أبي خالد عن كعب قال: إن الله تعالى اختار ساعات الليل والنهار فجعل منهن للصلوات المكتوبة، واختار الأيام فجعل منهن الجمعة، واختار الشهور فجعل منهن شهر رمضان، واختار الليالي فجعل منهن ليلة القدر، واختار البقاع فجعل منهن المساجد. (3/314)
عن هبيرة بن يريم قال ابن مسعود: سيد الشهور شهر رمضان وسيد الأيام الجمعة. (3/314)
عن همام أخي وهب بن منبه عن أبي هريرة: الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء غداً بصومه مرقعاً فليفعل(1). (3/316)
عن مجالد عن الشعبي عن علي أنه كان يخطب إذا حضر رمضان ثم يقول: هذا الشهر المبارك الذي فرض الله صيامه ولم يفرض قيامه، ليحذر رجل أن يقول: أصوم إذا صام فلان وأفطر إذا افطر فلان(2)؛ ألا إن الصيام ليس من الطعام والشراب ولكن من الكذب والباطل واللغو، ألا لا تقدموا الشهر؛ إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا العدة؛ قال: كان يقول ذلك بعد صلاة الفجر وصلاة العصر(3). (3/316-317)
عن سلمان بن موسى قال: قال جابر بن عبد الله: إذا صمت فليصم سمعك بصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الخاصة، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواء. (3/317)
__________
(1) قال البيهقي: إسناده ضعيف.
(2) هكذا العبارة!!
(3) وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول مثل ذلك.(1/252)
عن أبي صالح الحنفي عن أخيه طليق بن قيس قال: قال أبو ذر: إذا صمت فتحفظ ما استطعت، فكان طليق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج الا للصلاة. (3/317)
عن ليث عن مجاهد قال: خصلتان من حفظهما يسلم له صومه: الغيبة والكذب. (3/317)
عن هشام عن حفصة عن أبي العالية قال: الصائم في عبادة ما لم يغتب. (3/318)
عن كثير بن هشام عن جعفر قال: سمعت ميمون بن مهران يقول: إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب. (3/318)
الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (إنا انزلناه في ليلة القدر) قال: أنزل الله عز وجل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر فكان بموقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في اثر بعض ثم قرأ علي: (وقال الذين كفروا(1) لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) . (3/320-321)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل (إنا انزلناه في ليلة القدر) قال: في ليلة الحكم. (3/321)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى ثم قرأ (إنا انزلنا في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم) يعني ليلة القدر؛ قال: ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل. (3/321)
عن سلمة بن كميل عن أبي مالك في قوله عز وجل (فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: عمل السنة الى السنة. (3/321)
عن حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن في قوله (فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: يدبر أمر السنة الى السنة في ليلة القدر. (3/321)
عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء: (فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: هي ليلة القدر يجاء بالديوان الأعظم السنة الى السنة فيغفر الله عز وجل لمن شاء ألا ترى أنه قال: (رحمة من ربك) . (3/322)
__________
(1) وقع في الأصل خطأ في كتابة الآية فكان فيه (وقالوا) بدل (وقال الذين كفروا).(1/253)
عن سعيد عن قتادة في قول الله عز وجل (فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: يفرق فيها أمر السنة الى السنة. (3/322)
عن أبي مسعود الجريري عن أبي نضرة قال: يفرق أمر سنة كله في ليلة بلاءها ورخاءها ومعاشها إلى مثلها من السنة. (3/322)
قال الحليمي: تدل الأخبار على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم هذه الليلة وقتاً غير أنه لم يكن مأذوناً له في الإخبار بها ثم أنه نسيها؛ فأما أنه لم يؤذن له في الإخبار بها كي لا يتكلوا على علمهم بها فيحيونها دون سائر الأوتار بل يحيوا الأوتار كلها فيصيبوها في جملتها وكان عبد الله يزيد؟؟ الناس على هذا القول فيقول: من يقم الحول يصبها فقال أبي بن كعب: والله لقد علم أبو عبد الرحمن أنها في رمضان ولكنه أراد أن يعمي على الناس لئلا يتكلوا؛ قال: وأما أنه أنسيها فلئلا يسأل عن شيء من أمر الدين يعلمه فلا يخبر به أو لأنه كان مجبولاً على أكرم الأخلاق وأحسنها وعلم الله من قلبه الرأفة بأمته وأنه يشق عليه أن يسئل شيئاً مما عنده فيبخل به فأنساه علم هذه الليلة حتى إذا سئل عنها فلم يخبر بها لم يكن كاتم علم عنده والله أعلم.
عن أبي اسحاق عن الشعبي في قوله (من كل أمر سلام [هي] حتى مطلع الفجر) قال: تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر. (3/338)
عن مجاهد في قوله (سلام هي) قال: هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء ولا يحدث فيها أذى. (3/338)
عن شريح بن هاني عن عائشة قالت: لو عرفت أي ليلة ليلة القدر ما سألت الله فيها إلا العافية. (3/339)(1/254)
عن أبي عمرو بن أبي جعفر الحيري قال: سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل [الحيري] كثيراً يقول في مجلسه وفي غير المجلس: عفوك، ثم يقول: عفوك يا عفو، في المحيا عفوك، وفي الممات عفوك، وفي القبور عفوك، وعند النشور عفوك، وعند تطاير الصحف عفوك، وفي القيامة عفوك، وفي مناقشة الحساب عفوك، وعند ممر الصراط عفوك، وعند الميزان عفوك، وفي جميع الأحوال عفوك، ياعفو عفوك؛ قال أبو عمرو: ورؤي ابو عثمان في المنام بعد وفاته بأيام فقيل له: بماذا انتفعت من أعمالك في الدنيا؟ فقال: بقولي عفوك عفوك. (3/339)
[فصل] في ليلة العيد ويومها
عن سفيان عن جعفر بن برقان قال: أتانا كتاب عمر بن عبد العزيز: تصدقوا قبل الصلاة(1) (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) وقولوا كما قال أبوكم: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وقولوا كما قال نوح: (وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) وقولوا كما قال ابراهيم: (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) وقولوا كما قال موسى (رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم) وقولوا كما قال ذو النون (لا إله الا انت سبحانك إني كنت من الظالمين) فأراه كتب: من لم يكن عنده ما يتصدق به فليصم؛ [قال البيهقي]: يريد والله أعلم بعد العيد. (3/343)
عن عبد السلام البزار عن أدهم مولى عمر بن عبد العزيز قال: كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيدين: تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد علينا ولا ينكر ذلك علينا. (3/345)
عن سلمان بن مسلم الختلي قال: مر غزوان الرقاشي ونظر إلى الناس في يوم العيد يزاحم بعضهم بعضاً فبكى فقال: ما رأيت شيئاً أشبه بوقوف القيامة من هذا اليوم، ثم رجع إلى منزله مريضاً. (3/345)
__________
(1) يعني صلاة العيد.(1/255)
عن سيار عن جعفر قال: سمعت شميط بن عجلان يقول: انظروا إلى الناس يوم عيدهم في محشرهم ومجمعهم فما يرى عليهم إلا خرقة تبلى أو لحم يأكله التراب غداً. (3/345)
عن محمد بن يزيد بن خنيس قال: رأيت وهيب بن الورد صلى ذات يوم العيد فلما انصرف الناس جعلوا يمرون به فنظر اليهم ثم زفر ثم قال: لئن كان هؤلاء القوم أصبحوا مستيقنين أنه قد تقبل منهم شهرهم هذا لكان ينبغي لهم أن يصبحوا مشاغيل بأداء الشكر؛ ولئن كانت الأخرى لقد كان ينبغي لهم أن يصبحوا أشغل وأشغل. (3/346)
عن محمد بن يزيد بن خنيس قال: انصرف الناس ذات يوم من العيد فرأى وهيب الناس وهم يمرون به في ذلك الزي فنظر إليهم ساعة ثم قال: عفا الله عنا وعنكم، لئن كنتم أصبحتم مستيقنين أن الله عز وجل قد تقبل منكم هذا الشهر لقد كان ينبغي لكم أن تصبحوا مشاغيل عما انتم فيه بطلب الشكر؛ وإن كانت الأخرى، خائفين أن لا يكون تقبل منكم لقد كان ينبغي لكم أن تكونوا أشغل قلوباً عما أنتم فيه اليوم. (3/346)
عن محمد بن عبد المجيد التميمي حدثنا سفيان قال: رأى وهيب قواماً يضحكون يوم الفطر فقال: إن كان هؤلاء تقبل عنهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان هؤلاء لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين. (3/346)
عن سليم بن عامر قال: سمعت عبد الله بن قرظ الأزدي وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول في يوم أضحى أو فطر ورأى على الناس ألوان الثياب فقال: يا لها من نعمة ما أسبغها ويا لها من كرامة ما أظهرها! وإنه ما زال عن جادة قوم أشدُّ من نعمة لا يستطيعون ردها(1)، وإنما تثبت النعمة لشكر(2) المنعم عليه للمنعم. (3/347)
الصوم في الأشهر الحرم
__________
(1) بعد زوالها.
(2) لعلها (بشكر).(1/256)
عن السلولي عن كعب قال: اختار الله عز وجل البلاد فأحب البلدان الى الله عز وجل البلد الحرام واختار الله عز وجل الزمان فأحب الزمان الى الله الأشهر الحرم وأحب الأشهر الى الله ذو الحجة وأحب ذي الحجة الى الله تعالى العشر الأول منه واختار الله الأيام فأحب الأيام إلى الله الجمعة واختار الله الليالي فأحب الليالي الى الله عز وجل ليلة القدر واختار الله ساعات الليل والنهار فأحب الساعات الى الله ساعات الصلوات المكتوبات واختار الله الكلام فأحب الكلام الى الله تعالى لا إله الا الله والله اكبر وسبحان الله والحمد لله(1)---. (3/350-351)
عن معتمر بن سليمان قال: قال أبي: حدثني رجل عن أبيه عن قيس بن عباد أنه ذكر أشهر الحرم فقال: ليس منها إلا في العاشر منه خير؛ قال: فذكر في ذي الحجة في العاشر النحر وهو يوم الحج الأكبر، وفي المحرم العاشر يوم عاشوراء، وفي العاشر من رجب يمحو الله ما يشاء ويثبت(2)؛ قال: ونسيت ما قال في ذي القعدة. (3/351 و352)
تخصيص ايام العشر من ذي الحجة بالاجتهاد بالعمل فيهن
عن محمد بن المرتفع عن عبد الله بن الزبير قال: ([و]ليال عشر) العشر الثمان وعرفة والنحر والشفع في يومين، فمن تعجل فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه، وهو الوتر. (3/352)
عن أبي نصر عن ابن عباس (والفجر) قال: فجر النهار، (وليال عشر) قال: عشر في الأضحى، (هل في ذلك قسم لذي حجر) قال: لذي حجى. (3/352)
عن ابن عباس قال: الليالي التي أقسم الله عز وجل بهن: العشر الأول من ذي الحجة، والشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة. (3/352 و353)
عن أبي اسحاق عن مسروق (وليال عشر) قال: العشر عشر الأضحى التي وعد الله عز وجل موسى عليه السلام (وأتممناها بعشر). (3/353)
__________
(1) قال البيهقي: ورويناه من وجه آخر عن كعب انه قال: واختار الشهور فجعل منهن شهر رمضان واختار البقاع فجعل منها المساجد. قلت: تقدم في أوائل هذه الشعبة.
(2) أين دليل هذه المسألة؟!(1/257)
عن الأوزاعي قال: بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر بقدر غزوة في سبيل الله يصام نهارها ويحرس ليلها إلا ان يحتضر(1) امرؤ. (3/355)
تخصيص يوم عرفة بالذكر
عن أبي هريرة أن المشهود [في قوله تعالى (وشاهد ومشهود)] يوم عرفة. (3/356)
عن مسروق عن عائشة قالت: ما من يوم من السنة أصومه أحب الي من يوم عرفة. (3/357)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق. (3/359)
عن مجاهد قال: الأيام المعلومات العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق. (3/359)
تخصيص عاشوراء بالذكر
عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر قال: كان يقال: من وسع على عياله يوم عاشوراء لم يزالوا في سعة من رزقهم سائر سنتهم(2). (3/366)
عن معاوية بن صالح أن أبا جبلة حدثه قال: كنت مع ابن شهاب في سفر فصام يوم عاشوراء فقيل له: تصوم يوم عاشوراء في السفر وأنت مفطر في رمضان؟! قال: إن رمضان له عدة من أيام أخر وإن عاشوراء يفوت. (3/367)
تخصيص شهر رجب بالذكر(3)
__________
(1) كانت (يحتضن) فأصلحتها؛ والمراد الشهادة.
(2) قلت: هذا المعنى ورد في حديث مرفوع ولكنه لا يثبت.
(3) فائدة: قال ابن حجر في "تبيين العجب" (ص10) "لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو اسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح وكذلك رويناه عن غيره"؛ والهروي هذا هو الحافظ الانصاري شيخ الاسلام عبد الله بن محمد بن علي الحنبلي أحد الاعلام، توفي سنة "481" وهو صاحب كتاب "منازل السائرين" الذي شرحه الإمام ابن القيم في مدارج السالكين، ولكن من الخطأ العجيب أن محقق "تبيين العجب" ابراهيم بن اسماعيل آل عصر عرف به في الهامش فجعله أبا عبيد أحمد بن محمد بن محمد الهروي اللغوي المتوفى سنة (401هـ).(1/258)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله) إلى قوله (منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) قال: لا تظلموا أنفسكم في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرماً وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم(1). (3/370)
عن بيان قال: سمعت قيس بن أبي حازم وذكرنا رجب فقال: كنا نسميه الأصم في الجاهلية من حرمته و شدة حرمته في أنفسنا. (3/370)
عن مهدي بن ميمون قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: كنا في الجاهلية إذا دخل رجب(2) نقول(3): جاء منصل الأسنة، لا ندع حديدة في سهم ولا حديدة في رمح إلا انتزعناها فألقيناها(4)(5). (3/370)
صوم ثلاثة أيام من كل شهر
وما جاء في صوم الاثنين والخميس والجمعة وما جاء في صوم داود عليه السلام
__________
(1) كان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها وكان الناس ينامون وتأمن السبل ولا يخافون بعضهم بعضاً حتى ينقضي؛ وهذا مشهور عند اهل العلم بالتواريخ أن الأمر في الأشهر الحرم كان على هذه الجملة؛ وكان كذلك في أول الإسلام ان لا يقاتلوا، ثم أذن الله تعالى في قتل المشركين في جميع الأوقات وبقيت حرمة الأشهر الحرم في تضعيف الأجور والأوزار فيها حين خص الله تعالى هذه الأشهر بزيادة المنع فيهن عن الظلم فقال: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، ولذلك غلظ الشافعي رحمه الله دية من قتل خطأ في الشهر الحرام وروى في ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما. قاله المصنف.
(2) كانت (رجل).
(3) كانت (يقول).
(4) زاد في رواية (تعظيماً للشهر).
(5) أخرجه البخاري عن مهدي بن ميمون أتم منه في قصة مسيلمة الكذاب.(1/259)
عن سفيان بن عيينة عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: تعرض الأعمال على الله تعالى في كل يوم خميس واثنين فيغفر في ذينك اليومين لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرؤ بينه وبين أخيه شحناء فقال: أرك هذين - قال أبو عثمان هي كلمة باليمانية - حتى يصطلحا، أرك هذين حتى يصطلحا(1). (3/392)
[فضل] الصوم في سبيل الله
عن أبي عبيد أخبرنا ابن علية عن إسحاق بن سويد قال: تعبد عبد الله بن مطرف فقال له مطرف: يا عبد الله العلم أفضل من العمل؛ والحسنة بين السيئتين؛ وخير الأمور أوساطها(2)؛ وشر السير الحقحقة. (3/402 وانظر 5/261)
عن تميم الداري قال: خذ من دينك لنفسك ومن نفسك لدينك حتى يستقيم بك الأمر على عبادة تطيقها. (3/403)
فصل من لم ير بسرد الصيام بأسا
إذا لم يخف على نفسه ضعفا وأفطر الأيام التي نهي عن صومها
عن حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام ثم يصبح اليوم الثامن وهو الثنيا؟؟ يعني أقوانا(3). (3/405)
فصل ما يفطر الصائم عليه وما يقول عند فطره
عن وهب بن منبه قال: إن الرجل إذا سرد الصوم زاغ بصره عن موضعه فإذا افطر على حلاوة رجع الى موضعه. (3/406)
__________
(1) رواه مسلم عن ابن ابي عمر عن سفيان وقال في الحديث: رفعه مرة، وكذلك قاله الحميدي.
(2) قال أبو عبيد: أما قوله: الحسنة بين السيئتين كأنه أراد ان الغلو في العمل سيئة والتقصير عنه سيئة، والحسنة بينهما، وهو القصد، كما جاء في الحديث الآخر في فضل قارئ القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، فالغلو فيه التعمق، والجفا عنه التقصير، وكلاهما سيئة.
(3) قال البيهقي: وهذا يكون محمولاً على أنه لم يسمع النهي عن الوصال أو سمعه فحمله على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عنه إبقاء على اصحابه لا على التحريم كما نهى عن صوم الدهر كذلك لا على التحريم، والله اعلم.(1/260)
عن عبد العزيز بن أبي رواد: قال نافع: قال ابن عمر: كان يقال: إن لكل مؤمن دعوة مستجابة عند إفطاره، إما أن يعجل له في دنياه أو يدخر له في آخرته؛ قال: فكان ابن عمر يقول عند إفطاره: يا واسع المغفرة اغفر لي. (3/407)
عن قتادة عن أنس قال: ثلاث من أطاقهن أطاق الصوم: من أكل(1) قبل أن يشرب، وتسحر [ومس شيئاً من الطيب](2). (3/408)
عن علقمة عن عبد الله أنه دعا بشراب فأتي به فقال: ناول القوم، فقالوا: نحن صيام، فقال: لكن أنا لست بصائم ثم أخذه فشربه، ثم قال: (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار). (3/410)
عن أبي ذر رضي الله عنه [أنه] كان يقول: يا أيها الناس إني لكم ناصح إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير، يا أيها الناس إني لكم ناصح إني عليكم شفيق. (3/412)
عن ابن وهب حدثني مالك أن عامر بن عبد قيس كان يمر بالخربة فينادي مراراً يقول: يا خرب أين أهلك يا خرب؟! ثم(3) يقول: بادوا وعامر بالأثر؛ وأنه كان بالشام فأتاه أسد فقام الى جنبه حتى أصبح فكلمه راهب فقال: ما نبأك؟ فقال: معاوية أخرجني إلى ههنا؛ فقال له الراهب: إن ناساً أنت شرهم لخيار! وكان معاوية قال له: كيف أنت منذ قدمت هذه البلاد؟ قال: بخير إلا أني فقدت(4) ها هنا ثلاثاً: كنت بالعراق أسمع التأذين فأقوم لذلك بالأسحار وها هنا أسمع النواقيس؛ وكنت أصوم بالعراق فيصيبني الحر وشدة العطش وهذه أرض باردة؛ وكنت أجلس مع قوم يتنقون الكلام كما يتنقى التمر ولم أجدهم ها هنا. (3/412)
عن ثابت عن عبد الله بن رباح قال: توضع الموائد يوم القيامة للصائمين فيأكلون والناس في الحساب. (3/413)
__________
(1) أي عند الإفطار.
(2) هذه الزيادة لا بد منها وأخذتها من رواية أخرى لهذا الحديث ساقها المصنف ولكنها مرفوعة.
(3) كانت (قم).
(4) كانت (قعدت).(1/261)
عن حنش بن الحارث قال: رأيت الأسود بن يزيد وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم. (3/413)
عن حنش عن رباح النخعي قال: كان الأسود يصوم في السفر حتى يتغير لونه من العطش في اليوم الحار ونحن يشرب أحدنا(1) مراراً قبل أن يفرغ من راحلته؛ في غير رمضان. (3/413)
حنش نا علي بن مدرك ان علقمة كان يقول للأسود ما تعذب هذا الجسد فيقول إنما أريد به الراحة. (3/413)
عن الهيثم بن جماز(2) قال: دخلت على يزيد الرقاشي وهو يبكي في يوم حار وقد عطش نفسه أربعين سنة(3) فقال لي: ادخل، تعال نبكي على الماء البارد في اليوم الحار---. (3/413)
عن قتادة أن عامر بن قيس لما حضره الموت جعل يبكي فقيل له: ما يبكيك؟! قال: ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر، على قيام الليل في الشتاء. (3/414)
عن يزيد الرقاشي قال: بلغنا أن عامر بن عبد الله لما احتضر بكى فقيل له: ما يبكيك؟! قال: هذا الموت غاية الساعين وإنا لله وإنا اليه راجعون؛ والله ما أبكي جزعاً من الموت ولكني أبكي على حر النهار وبرد الليل؛ وإني أستعين بالله على مصرعي هذا بين يديه. (3/414)
عن محمد بن الحسين [البرجلاني] حدثني عبيد الله بن محمد التيمي حدثني بعض أشياخنا أن رجلاً من عامة هذه الأمة حضرته الوفاة فجزع جزعاً شديداً وبكى بكاء كثيراً فقيل له في ذلك! فقال: ما أبكي إلا على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم ويصلي [له] المصلون ولست فيهم ويذكره الذاكرون ولست فيهم فذاك الذي أبكاني. (3/414)
عن علي بن عثام قال: قالت أم منصور بن المعتمر لما مات منصور: رحمه الله(4)، كان يصوم رمضان ويقومه فما يضع جنبه حتى ينسلخ. (3/414)
__________
(1) كانت (نشرب أحداً).
(2) كانت (حماز).
(3) أي صامها.
(4) وفي رواية (رحمه الله، بني)، ولعلها (رحم الله ابني) أو تكون (رحمه الله) من كلام الرواة لا من كلام أم منصور.(1/262)
عن سعير بن الخمس قال: بلغنا أن روح بن زنباع دعا أعرابياً إلى طعامه فقال: لست أطعم إياها(1) ثم قال له روح: أتصوم(2) في مثل هذا اليوم؟! فقال الأعرابي: أيامي أدع تذهب باطلاً؟! فقال روح: لئن كنت يا أعرابي ظننت بأيامك أن تذهب باطلاً لقد جاد(3) بها روح. (3/417)
عن عبد الله بن المبارك عن سعيد بن سالم، وليس بالقداح، قال: نزل روح بن زنباع منزلاً بين مكة والمدينة في يوم عاصف؟؟ وقرب غداءه فانحط عليه راع من جبل فقال: يا راعي هلم إلى الغداء، قال: إني صائم، قال روح: أو تصوم في هذا الحر الشديد؟ قال: فقال الراعي: أفأدع أيامي تذهب باطلا؟! قال: وأنشأ روح يقول:
لقد ظننت بأيامك يا راع
إذ(4) جاد بها روح بن زنباع (3/417)
عن شعبة عن الحسن بن صالح عن عبد العزيز بن رفيع في قوله تعالى (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية) قال: الصوم. (3/418)
عن يحيى بن معين عن معمر بن عيسى عن مالك قال: بلغني أن حسين بن رستم الأيلي دخل على قوم وهو صائم فقالوا له: أفطر، فقال: إني وعدت الله وعداً وأنا أكره أن أخلف الله ما وعدته(5). (3/418)
عن أبي بكر [بن أبي الدنيا] قال: حدثني بعض أهل العلم قال: دعا قوم رجلاً إلى طعام فقال: إني صائم، فقالوا: أفطر اليوم وصم غداً، فقال: ومن لي بغد؟!. (3/418)
الرابع والعشرين من شعب الإيمان
وهو باب في الاعتكاف
عن سعيد بن عبد العزيز قال: بلغت عن الحسن(6) قال للمعتكف كل يوم حجة. (3/425)
__________
(1) لعلها (أياماً).
(2) كانت (الصوم).
(3) كانت (حاد).
(4) كانت (إذا).
(5) يظهر أنه أراد بذلك نيته صوم ذلك اليوم.
(6) في الأصل (الحسين) والصواب (الحسن) وهو البصري وقد تبين ذلك من كلام المصنف على هذا الأثر عقب إخراجه إياه.(1/263)
عن زياد بن السكن قال: كان زبيد اليامي - وعدَّ جماعة - إذا كان يوم النيروز ويوم المهرجان اعتكفوا في مساجدهم ثم قالوا: إن هؤلاء قد اعتكفوا على كفرهم واعتكفنا على إيماننا فاغفر لنا. (3/425)
عن عبد الله بن المبارك عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: إن مثل المعتكف مثل المحرم ألقى نفسه بين يدي الرحمن فقال: والله لا أبرح حتى ترحمني. (3/426)
الخامس والعشرين من شعب الإيمان
وهو باب المناسك
عن علي بن ابي طلحة عن ابن عباس أنه قال في قوله (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) يقول: من كفر بالحج فلم ير حجه براً ولا تركه مأثماً. (3/427)
قال الحليمي(1): وروينا معناه أيضاً عن مجاهد؛ وروينا من وجه آخر عن مجاهد في قوله (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) قال: لما نزلت هذه الآية قال أهل الملل كلهم: نحن مسلمون فأنزل الله (ولله على الناس حج البيت) يعني على الناس كلهم، فحج المسلمون وترك المشركون؛ وروينا عن عكرمة قال: (ومن كفر) يعني أهل الملل (فإن الله غني عن العالمين)؛ قال الحليمي: ويحتمل ان يكون معنى قوله ومن كفر أي من فعل ما يفعله الكفار فجلس ولم يحج فإن الله غني عن العالمين. (3/427)
عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: جاء أعرابي إلى عمر فسأله عن الدين فقال: يا أمير المؤمنين علمني الدين، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، وعليك بالعلانية وإياك والسر، وإياك وكل شيء يستحى منه، قال: وإذا لقيت الله أقول(2): أمرني بهذا عمر بن الخطاب؟ فقال: يا عبد الله خذ بهذا فإذا لقيت الله فقل ما بدا لك. (3/429)
__________
(1) أو المصنف.
(2) كانت (قل).(1/264)
عن محمد بن عطاء قال: دخل(1) ابن عباس حجرة خالته ميمونة بعد الجمعة فجاء سائل فقام على الباب فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته وصلاته ومغفرته، فقال ابن عباس: عباد الله انتهوا بالتحية إلى ما قال الله عز وجل ورحمة الله وبركاته، ثم قال ابن عباس: ما آسى على شيء فاتني من الدنيا إلا أني لم أحج ماشياً حتى أدركني الكبر، أسمع الله تعالى يقول (يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر). (3/430-431)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (مثابة للناس) يقول لا يقضون منه وطراً أبداً، (وأمناً) يقول: لا يخاف من دخله. (3/438)
عن ابن عباس قال: لو أن ابراهيم عليه السلام خليل الرحمن كان قال: "فاجعل أفئدة الناس تهوي" لحجه اليهود والنصارى، ولكن قال (فاجعل افئدة من الناس) فخص به المؤمنين. (3/438)
عن منصور عن مجاهد في قوله (وأذن في الناس بالحج) قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت فقيل له: ناد في الناس بالحج، فقال: كيف أقول يا رب؟ قال: قل: يا أيها الناس استجيبوا لربكم، فقالها: فوقرت في قلب كل مؤمن. (3/439)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام أمر أن يؤذن في الناس فقام على المقام فقال: يا عباد الله أجيبوا فأجابوه: لبيك اللهم لبيك؛ فمن حج فهو ممن أجاب دعوة إبراهيم عليه السلام. (3/439)
__________
(1) كانت (علي).(1/265)
عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال: أقبل تبع يريد الكعبة حتى إذا كان بكراع الغميم(1) بعث الله عليه ريحاً لا يكاد القائم يقوم إلا عسقه(2) وذهب القائم يقعد ويصرع، وقامت عليهم، ولاقوا منها عناء، قال: ودعا تبع حبريه فسألهما: ما هذا الذي بعث علي؟ قالا: أوتؤمننا؟ قال: أنتم آمنون، قالا: فإنك تريد بيتاً يمنعه الله ممن أراده، قال: فما يُذهب هذا عني؟! قالا: تجرد في ثوبين ثم تقول: لبيك لبيك، ثم تدخل فتطوف بذلك البيت ولا تهيج أحداً من أهله، قال: فإن اجتمعت على هذا ذهبت هذه الريح عني؟ قالا: نعم فتجرد ثم لبى، قال ابن عباس: فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم. (3/442-443)
عن طلق بن حبيب عن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه: يا أهل مكة اتقوا الله في حرمكم هذا، أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا! وبنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا! حتى عد ما(3) شاء الله، ثم قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة. (3/443)
عن سعيد عن قتادة في قول الله عز وجل (الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد) قال: العاكف أهل مكة، والباد من يعتكفه من أهل الآفاق، (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) قال قتادة: من لجأ إلى الحرم ليشرك فيه عذبه الله؛ وفي قوله (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً) قال: إن الله بك الناس جميعاً فيصلي النساء أمام الرجال، ولا يصلح ذلك ببلد غيره. (3/444)
عن عبد الله بن عمر قال: إن الحرم محرم إلى السماء السابعة والبيت المعمور بحيال الكعبة يدخل كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم. (3/444)
عن سلمة بن كهيل قال: سمعت مجاهداً يقول: إنما سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضاً. (3/445)
__________
(1) كانت (العميم).
(2) لعلها (سقط) أو (تسقطه).
(3) كانت (عده إن)(1/266)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي في ذكر أبي عمرو محمد بن ابراهيم الزجاجي قال: يقال(1) أنه لم يبل ولم يتغوط في الحرم أربعين سنة، كان يخرج كل يوم مرة(2) خارج الحرم فيبول ويتغوط ثم يرجع فلا يبول ولا يتغوط إلا(3) عند ذلك الوقت في اليوم الثاني. (3/445)
أخبرنا أبو عبد الرحمن قال: سمعت الحسين بن أحمد يقول: قال أبو عمرو الزجاجي: كنت أول ما دخلت الحرم أطوف في كل يوم وليلة سبعين أسبوعاً وأعتمر عمرتين. (3/445)
عن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهم في الحرم والآخر في الحل فكان إذا عاتب أهله عاتبهم في الحل. (3/445)
فصل في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها
عن محمد بن ابراهيم قال: سمعت ابن عائشة يقول: معنى التلبية ها أنا ذا(4) جئتك سريعاً ها أنا ذا عندك، قال: ونادى أعرابي غلاماً له فأبطأ عليه في الاجابة ثم أجاب فقال: لبيك، فقال: الأعرابي: لب عمود جنبك(5)، أي لزق به، قال الملبي: ها أنا ذا عندك في القرب بالإجابة كلزق العصا جنب المضروب. (3/447)
عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت الأصيلع، يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتهى إلى الحجر الأسود فقال: إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع وإن الله عز وجل ربي(6) ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك(7). (3/450-451).
عن محمد بن حيان عن أبي سعيد الخدري قال: من طاف بهذا البيت سبعاً لا يتكلم فيه إلا بتكبير أو تهليل كان عدل رقبة. (3/454)
عن ابن جريج عن عطاء قال النظر الى البيت عبادة. (3/455)
عن أبي الزبير عن عبد الله بن عباس أنه كان يلزم ما بين الركن والباب وكان يقول: ما بين الركن والباب هنا يدعى الملتزم، لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. (3/457)
__________
(1) كانت (يقول).
(2) كانت (بعمرة) ويحتمل أيضاً أنها (بكرة).
(3) كانت (إلى).
(4) كانت (إذ).
(5) كانت (جنبيك).
(6) كانت (رب).
(7) متفق عليه.(1/267)
الوقوف يوم عرفة بعرفات وما جاء في فضله والأصل في رمي الجمار والذبح
عن طارق بن شهاب أن رجلاً من اليهود قال لعمر: يا أمير المؤمنين آية في كتاب الله تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي أنزلت فيه نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات يوم الجمعة(1). (3/460)
__________
(1) أخرجاه في الصحيح.(1/268)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني(1) عبد الرحمن بن أحمد بن عطية قال: سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الوقوف بالجبل ولِمَ لم يكن في الحرم؟ قال: لأن الكعبة بيت الله والحرم باب الله فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون؛ قيل: يا أمير المؤمنين ما الوقوف بالمشعر؟ قال: لأنه لما أذن لهم بالدخول وقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة فلما أن طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى فلما أن قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم أذن لهم بالوفادة إليه على الطهارة؛ قيل: يا أمير المؤمنين فمن أين حرم صيام أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زوار الله وهم في ضيافته ولا يجوز للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه؛ قيل: يا أمير المؤمنين فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: مثل الرجل بينه وبين صاحبه جناية فتعلق بثوبه ويبهل إليه ويستجدي له ليهب له جنايته(2)
__________
(1) كانت (الدارمي).
(2) سنده معضل فهو غير صحيح عن علي رضي الله عنه، ولكني سقته لما رأيته فيه من بعض الفوائد والتنبيهات، وعلى هذا المذهب جريت في جملة غير قليلة من آثار هذا الكتاب الموقوفة على بعض الصحابة أو التابعين أو أتباعهم، فليكن ذلك معلوماً عندك. ثم إني لما أثبت هذا الأثر وعلقت عليه هذه الكلمات جئت إلى الأثر الذي بعده فإذا هو هو بعينه ولكن من كلام ذي النون المصري، وهو لا يبعد أن يكون ثابتاً عنه، ولكنني لم أشأ حذف الرواية الأولى أعني رواية علي رغم استبعادي صحتها عنه وذلك لأبين بإبقائهما واحدة تلو الأخرى أن كثيراً مما لا يثبت سنده إلى منتهاه من الروايات المرفوعة أو الموقوفة إنما أصلها عن بعض من دون ذلك المنتهى، وهي قد تثبت عن هذا المنتهى الثاني في كثير من الأحيان، فالحديث الموقوف على ابن مسعود مثلاً إذا وجدته يمتلئ حكمة ويقطر عبرة فاعلم أنه إذا لم يصح عنه فلا بد أن يكون صحيحاً عن بعض أقرانه أو تلامذته أو غيرهم من أهل العلم والحكمة ولكن جعله بعض الرواة عن ابن مسعود عمداً أو خطأ؛ وهذا مما يدفعنا إلى الحرص على مثل هذا النوع من الآثار والتساهل في روايتها بالشروط المقررة في موضعها وأن لا نمتنع من ذلك بكونها غير ثابتة عمن رويت عنهم.(1/269)
. (3/468-469)
عن أبي عثمان سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت عبد البارئ يسأل ذا النون فقال له: يا أبا الفيض لم صير الموقف بالمشعر يريد عرفات ولم يصير بالحرم؟ فقال له ذو النون: لأن الكعبة بيت الله والحرم حجابه والمشعر بابه فلما أن قصد الوافدون أوقفهم بالباب الأول يتضرعون إليه حتى إذا أذن لهم بالدخول أوقفهم بالحجاب الثاني وهو مزدلفة فلما نظر إلى تضرعهم أمر بتقريب قربانهم فلما أن قربوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت لهم حجاباً من دونه أمرهم بالزيارة على الطهارة؛ فقال له: يا أبا الفيض لم كره صيام أيام التشريق؟ قال: لأن القوم هم زوار الله وهم في ضيافته ولا ينبغي لضيف أن يصوم عند من أضافه إلا بإذنه؛ فقيل له: يا أبا الفيض فما معنى الرجل يتعلق بأستار الكعبة؟ قال: مثله مثل رجل بينه وبين صاحبه جناية فهو يتعلق به ويستجدي له رجاء أن يهب له جرمه. (3/469)
عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن مرداس عن كعب قال: الوفود ثلاثة: الغازي في سبيل الله وافد على الله؛ والحاج إلى بيت الله، والمعتمر، وافد على الله؛ ما أهل مهل ولا كبر مكبر إلا قيل: أبشر، قال مرداس: بماذا؟ قال: بالجنة. (3/474)
عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: وفد الله ثلاثة: الحاج والمعتمر والغازي، أولئك الذين يسألون الله فيعطيهم سؤالهم. (3/476)
عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم. (3/476)
عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر بن الخطاب: الحاج والغازي والمعتمر وفد الله، سألوا الله فأعطاهم، ودعاهم فأجابوه. (3/477)
عن الحكم قال: قال ابن عباس: لو يعلم المقيمون ما للحجاج عليهم من الحق لأتوهم حين يقدمون حتى يقبلوا رواحلهم لأنهم وفد الله من جميع الناس. (3/477)(1/270)
عن حبيب بن الزبير الأصبهاني قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستأنفون العمل يعني الحاج(1) فقال: لا ولكن بلغني عن عثمان بن عفان وأبي ذر الغفاري أنهما قالا: يستقبلون العمل. (3/479)
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رجلاً مر بعمر بن الخطاب وقد قضى نسكه فقال له عمر: أحججت؟ قال: نعم، قال: اجتنبت ما نهيت عنه، فقال: ما قصرت ما ألوت، قال عمر: استقبل عملك. (3/479)
عن سويد بن سعيد قال: رأيت ابن المبارك أتى زمزم فملأ إناء ثم استقبل الكعبة فقال: اللهم إن ابن أبي الموال أخبرنا عن ابن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له، وهو ذا أشرب هذا لعطش يوم القيامة ثم شربه. (3/481-482)
عن قيس قال سمعت ابن عباس يقول: زمزم خير ماء يعلم، طعام طعم وشفاء سقم. (3/482)
عن مالك بن مغول عن طلحة يعني ابن مصرف قال: من أخلاق(2) الصالحين أن يحجوا بأهليهم وأولادهم. (3/482)
عن علي بن المنذر قال: وقيل له [يعني حسن بن حي] كم حججت؟ قال: ما بين ست وخمسين إلى ثمان وخمسين(3). (3/483)
عن أبي إسحاق عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: إذا قضيت حجك فسل الله الجنة فلعله. (3/483)
عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب أن قزعة قال لابن عمر: إني نذرت أن اخرج الى بيت المقدس؟ قال: إنما تشد الرحال إلى ثلاث مساجد: مسجد بيت المقدس والمسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. (3/494)
عن أبي وائل قال: سمعت أبا هريرة يقول: ركاب كثير وحاج قليل. (3/500)
عن الأصمعي قال: دعا أعرابي بمكة فقال: اللهم لا تمنعني خير ما عندك بسوء ما عندي وإن كنت لم تقبل تعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته. (3/500)
__________
(1) لعلها (الحجاج).
(2) كانت (أخرق).
(3) ورد هذا الأثر بذيل حديث مرفوع حذفته.(1/271)
عن الأصمعي قال: سمعت إعرابياً بعرفات يقول: اللهم لا تحرمني أجر تعبي ونصبي فإن حرمتني ذلك فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته. (3/500)
عن الأصمعي قال: قال أعرابي: اللهم اغفر لي ما سلف من ذنوبي وإن عدت إلى شيء من معاصيك فعد علي برحمتك إنك أهل ذلك. (3/500)
عن إسحاق بن إبراهيم الطبري قال: وقفت مع الفضيل بن عياض بعرفات فلم أسمع من دعائه شيئاً إلا أنه واضع يده على خده واضع رأسه يبكي بكاء خفياً فلم يزل كذلك حتى أفاض الإمام؟؟ فرفع رأسه الى السماء وقال: واسوأتاه والله منك وإن عفوت، ثلاث مرات. (3/500)
عن ابن عيينة قال: سمعت أعرابياً بعرفة يقول: عجت الأصوات بلغات مختلفات يسألونك الحاجات وحاجتي اليك أن تذكرني عند البلى إذا نسيني أهل الدنيا. (3/500)
عن الأصمعي قال: رأيت أعرابياً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم إن كان خلق(1) وجهي عندك لكثرة معاصي لك فهبني لمن رضيت من خلقك. (3/501)
عن أحمد بن سلمة قال: رأيت أعرابياً يطوف بالكعبة حتى إذا جاوز البيت رفع طرفه إلى السماء فقال: إليك مددت يديَه وفيما عندك عظمت رغبتيَه فاقبل توبتيَه؛ [قال أحمد بن سلمة أو غيره من رواته]: فعرضتـ[ه] على أبي عبد الله الزوزني فقال: لغة جيدة، (ما أغنى عني ماليَه هلك عني سلطانيَه). (3/501)
عن سفيان الثوري قال: سمعت سواد بعرفة يقول: يا حسن الصحبة أسألك بسترك الذي لا تهتكه الرياح ولا تخرقه الرماح. (3/501)
الباب السادس والعشرون من شعب الإيمان
وهو باب في الجهاد(2)
__________
(1) كانت (حلق).
(2) ذكر الحليمي هنا كلاماً نفيساً في الجهاد وفي بيان أحوال النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتدرج منازلهم مع الكفار قبل أن يفرض الجهاد ولكني أعرضت عنه لطوله وكذلك فعلت في كثير من كلامه الذي نقله البيهقي في مواضع كثيرة من الكتاب.(1/272)
عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل (اصبروا) قال: على الجهاد، (وصابروا) عدوكم، (ورابطوا) على دينكم (واتقوا الله لعلكم تفلحون). (4/5)
عن الاوزاعي عن أسيد بن عبد الرحمن عن خالد بن الدريك قال: ذكر البلاء عند عطاء بن يزيد قال: لا تخافوا البلاء ما جاهدتم عدوكم الذين أمركم الله بهم، وما رفعتم الحدود إلى أئمتكم فحكموا فيها بما في كتاب الله، وما حججتم بيت ربكم. (4/37)
عن بكر بن قيس أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الاسارى من المسلمين بالقسطنطينية: أما بعد فإنكم تعدون أنفسكم الأساري ومعاذ الله، بل أنتم الحبساء في سبيل الله، واعلموا أني لست أقسم شيئاً بين رعيتي إلا خصصت أهليكم بأكثر ذلك وأطيبه وأني قد بعثت إليكم فلان بن فلان بخمسة دنانير ولولا أني خشيت أن يحبسها عنكم طاغية الروم لزدتكم، وقد بعثت إليكم فلان بن فلان يفادي صغيركم وكبيركم وذكركم وأنثاكم وحركم ومملوككم بما يُسأل به، فابشروا ثم ابشروا والسلام. (4/37)
السابع والعشرون من شعب الايمان
وهو باب في المرابطة في سبيل الله عز وجل
عن أبي الخير مرثد بن عبد الله بن اليزني عن عقبة بن عامر أنه تلا هذه الآية (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) قال: ألا إن القوة الرمي. (4/44)
عن معمر عمن سمع حرام بن معاوية قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب أن لا يجاوركم خنزير ولا يرفع فيكم صليب ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر وأدبوا الخيل وامشوا بين الغرضين(1). (4/45)
الثامن والعشرون من شعب الايمان
وهو باب في الثبات للعدو وترك الفرار من الزحف
__________
(1) كانت (وامسوا بين الفرضين) والتصحيح عن جامع معمر 11/462 ومصنف عبد الرزاق 6/61.(1/273)
عن أحمد بن شيبان الرملي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: قال ابن عباس: كتب عليهم أن لا يفر عشرون من مئتين، ثم قال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين) فكتب عليهم أن لا يفر مئة من مئتين؛ قال سفيان: لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف مؤمن. (4/50)
عن ابن المبارك أخبرنا سعد عن حبيب بن أبي ثابت عن نعيم بن أبي هند قال: قال رجل يوم القادسية: اللهم إن حدبة سوداء بذيئة(1) يعني امرأته فزوجني اليوم مكانها من الحور العين فمروا عليه وهو معانق فارساً يُذكر(2) من عظمه وهو يتلو هذه الآية (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) حتى أتم الآية فماتا جميعاً. (4/51)
عن حميد بن عبد الرحمن الحميري أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له حممة جاء إلى أصبهان في خلافه عمر فقال: اللهم إن حممة يزعم أنه يحب لقاءك فإن كان حممة صادقاً فيما يقول فاعزم له على صدقه، وإن كان كاذباً فاعزم له عليه، اللهم لا ترد حممة من سفره هذا(3) فأخذه بطنه فمات بأصبهان فقام أبو موسى الاشعري فقال: يا أيها الناس إنا والله ما سمعنا فيما سمعنا من نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا فيما بلغ علمنا الا أن حممة مات شهيداً. (4/51)
__________
(1) تصحفت هذه الجملة إلى (تذمه سوداء تذمن)، وأصلحتها من كتاب (الجهاد) لابن المبارك ص109 ومصنف ابن أبي شيبة 4/206 و6/552.
(2) كانت (فذكر) وأثبت ما في (الجهاد).
(3) كانت (هذه).(1/274)
عن القاسم أبي عبد الرحمن قال: غزونا مع فضالة بن عبيد ولم يغز فضالة بن عبيد في البر غيرها فبينا نحن نسير أو نسرع في السير وهو أمير الجيش وكانت الولاة إذ ذاك يستمعون ممن استرعاهم(1) الله عليه فقال له قائل: يا أيها الامير إن الناس قد تقطعوا فقف حتى يلحقوك فوقف في مرج عليه قلعة فيها حصن فمنا الواقف ومنا النازل إذا نحن برجل ذي شوارب حمر بين أظهرنا فأتينا به فضالة فقلنا: إن هذا هبط من الحصن بلا عهد ولا عمد فسأله فضالة ما شأنه؟ فقال: إني البارحة أكلت الخنزير وشربت الخمر فبينا أنا نائم أتاني رجلان غسلا بطني وجاءتني امرأتان لا تفضل إحداهما على الاخرى فقالتا: أسلم، فأنا مسلم، فما كانت كلمته(2) أسرع من أن رمينا [بسهم](3) فأقبل(4) يهوي حتى أصابه فدمر عنقه فقال فضالة: الله أكبر، عمل قليلاً وأجر كثيراً، صلوا على صاحبكم فصلينا ثم دفناه؛ قال القاسم: هذا شيء أنا رأيته. (4/51-52)
__________
(1) تحرفت إلى (استدعاهم).
(2) كانت (كلمة).
(3) زيادة يقتضيها السياق.
(4) كانت (فافتل).(1/275)
عن أبي العباس أحمد بن علي الجوهري قال: قال عبده بن عبد الرحيم: خرجنا في سرية إلى أرض الروم فصحبنا شاب لم يكن فينا أقرأ للقران منه [و]لا أفقه منه ولا أفرض، صائم النهار قائم الليل؛ فمررنا بحصن لم نؤمر أن نقف على ذلك الحصن فمال الرجل منا عن العسكر ونزل بقرب الحصن فظننا أنه يبول فنظر إلى امرأة من النصارى تنظر من وراء الحصن فعشقها فقال لها بالرومية: كيف السبيل إليك؟! قالت: حين تتنصر نفتح(1) لك الباب وأنا لك، قال: ففعل فأدخل الحصن، قال: فقضينا غزاتنا في أشد ما يكون من الغم، كان(2) كل رجل منا يرى ذلك بولده من صلبه ثم عدنا في سرية أخرى فمررنا به ينظر من فوق الحصن مع النصارى فقلنا: يا فلان ما فعل قراءتك؟! ما فعل علمك؟! ما فعل صلاتك وصيامك؟! قال: اعلموا أني نسيت القرآن كله ما أذكر منه الا هذه الآية (ربما يودوا الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون)(3). (4/54-55)
عن العلاء بن هلال الباهلي أن رجلاً من قوم صلة قال لصلة: يا أبا الصهباء إني رأيت أني أعطيت شهادة وأعطيت أنت شهادتين، فقال صلة: خيراً رأيت، تستشهد وأستشهد أنا وابني إن شاء الله؛ فلما كان يوم يزيد بن زياد لقيهم الترك بسجستان وكان أول جيش انهزم من المسلمين ذلك الجيش، فقال صلة لابنه: ارجع إلى أمك، فقال ابنه: يا أبتاه تريد الخير لنفسك وتأمرني بالرجعة؟! فأنت والله كنت خيراً لأمي مني(4) فقال: أما إذ قلت هذا فتقدم، فتقدم فقاتل حتى أصيب؛ قال: فرمى صلة وكان رجلاً رامياً حتى تفرقوا وأقبل يمشي إليه حتى قام عليه فدعا له ثم قاتل حتى قتل. (4/55)
__________
(1) كانت (ونفتح)، ولها وجه صحيح.
(2) يحتمل أنها (كأن).
(3) هكذا يكون حال من تدركه الشقاوة والعياذ بالله، نسأل الله أن تدركنا السعادة، ونسأل الله التوفيق والعصمة بفضله.
(4) يعني إن كان الرجوع لأجل الأم فصلة أولى بالرجوع لأنه أنفع لها.(1/276)
عن ابن القاسم قال: قال مالك: بلغني أن عبد الوهاب بن بخت خرج إلى الغزو فانبعثت به راحلته فقال: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل فاستشهد. (4/56)
عن محمد بن المثنى أخبرنا عبد الله بن سنان قال: كنت مع ابن المبارك والمعتمر بن سليمان بطرطوس فصاح الناس النفير النفير، قال: فخرج ابن المبارك والمعتمر وخرج الناس فلما اصطف المسلمون والعدو خرج رجل من الروم يطلب البراز فخرج إليه مسلم فشد العلج على المسلم فقتل المسلم حتى قتل من(1) المسلمين مبارزة فجعل يتبختر بين الصفين يطلب المبارزة [و]لا يخرج إليه أحد، قال: فالتفت إلي ابن المبارك فقال: يا عبد الله إن حدث بي حادث الموت فافعل كذا، قال: وحرك دابته وخرج العلج فعالج معه ساعة فقتل العلج ثم طلب المبارزة فخرج إليه علج آخر فقتله حتى قتل ستة من العلوج مبارزة ثم طلب البراز فكأنهم كاعوا عنه فضرب دابته ونظر بين الصفين وغاب فلم أشعر بشيء اذا أنا بابن المبارك في الموضع الذي كان فقال لي: يا عبد الله لئن حدثت بهذا أحداً وأنا حي فذكر كلمة، قال: فما حدثت به أحداً وهو حي. (4/56)
عن سيار قال: سمعت مالك بن دينار قال: لما كان يوم الزاوية(2) قال: (3)فكسر جفن؟؟ وتقدم فقاتل حتى قتل، قال: وكان يوجد من قبره ريح المسك قال مالك: فانطلقت الى قبره فأخذت منه تراباً فشممته فوجدت منه ريح المسك(4)
__________
(1) لعله سقط قبل (من) ذكر العدد.
(2) كانت (الراوية).
(3) هنا سقط وهذه قصة عبد الله بن غالب؛ وانظر التعليق التالي.
(4) رواه أبو نعيم في الحلية (2/257) عن سيار قال حدثنا جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: لما كان يوم الزاوية قال عبد الله بن غالب: إني لأرى أمراً ما لي عليه صبر، روحوا بنا إلى الجنة قال: فكسر جفن سيفه ثم تقدم فقاتل حتى قتل؛ قال فكان يوجد من قبره ريح المسك.
وقال البخاري في التاريخ الصغير (1/180-181): حدثني بشر بن يوسف قال حدثنا نوح بن قيس قال حدثنا عطاء السليمي وأثنى عليه خيراً قال: رأيت عبد الله بن غالب أقبل هو وأصحابه في الثياب البيض متحنطين حتى أتى ابن الأشعث وهو على منبره فقال: علام نبايعك؟ قال: على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال: ابسط يدك فبايعه ثم نزل فقاتل حتى قتل فجعل يوجد من تراب قبره ريح المسك؛ قال عطاء: فحدثني مالك بن دينار قال: أخذت من تراب قبره فجعلته في قدح ثم غسلت القدح بالماء فوجدت منه ريح المسك؛ وانظر الزهد لأحمد ص247.(1/277)
. (4/56)
عن علي بن بكار قال: لقد رأيت رجلاً ببلاد الروم وإن أمعائه على قربوس سرجه فأدخلها بطنه ثم شد بطنه بعمامة ثم قاتل فقتل بضعة عشر علجاً. (4/56)
التاسع والعشرون من شعب الايمان
وهو باب في اداء خمس المغنم إلى الامام أو عامله على الغانمين
----------------------------
الثلاثون من شعب الايمان وهو باب في العتق
عن عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال: أعطى عبد الله بن جعفر عبد الله بن عمر بنافع عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فدخل عبد الله على صفية امرأته فقال: إنه أعطاني ابن جعفر بنافع عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فقالت(1): يا أبا عبد الرحمن فما تنتظر أن تبيع؟! قال: فهلا ما هو خير من ذلك! هو حر لوجه الله، قال: فكان يخيل إلي أن ابن عمر كان ينوي قول الله عز وجل (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون). (4/69)
عن عبد الملك بن قريب الاصمعي أخبرنا شبيب بن شيبة قال: كنا بطريق مكة وبين أيدينا سفرة لنا نتغدى(2) في يوم قائظ فوقف علينا أعرابي ومعه جارية له زنجية فقال: يا قوم أفيكم أحد يقرأ كلام الله حتى يكتب لي كتاباً(3)؟ قال: قلنا أصب من غدائنا حتى نكتب لك ما تريد، قال: إني صائم، فعجبنا من صومه في تلك البرية، فلما فرغنا من غدائنا دعونا به فقلنا: ما تريد؟ فقال: أيها الرجل إن الدنيا قد كانت ولم أكن فيها وستكون ولا أكون فيها فإني أردت أن أعتق جاريتي هذه لوجه الله وليوم العقبة، أتدري ما يوم العقبة؟ قوله عز وجل (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة) فاكتب ما أقول لك ولا تزيدن علي حرفاً: هذه فلانة خادم فلان قد أعتقها لوجه الله وليوم العقبة، قال شبيب: فقدمت البصرة فأتيت بغداد فحدثت بهذا الحديث المهدي فقال: مئة نسمة تعتق على عهدة الاعرابي. (4/69-70)
__________
(1) كانت (فقلت).
(2) كانت (نتغذى).
(3) كانت (كتابنا).(1/278)
عن ابن سيرين عن أفلح مولى أبي أيوب أن عمر بعث إلى معاذ بن عفراء(1) بحلة، قال أفلح: فأمرني أن أبيعها وأشتري بثمنها رقيقاً، فبعتها واشتريت له خمسة أرؤس، قال: فأعتقهم، ثم قال: إن رجلاً اختار قشرتين(2) [يلبسهما] على عتق هؤلاء (لغبين)(3) الرأي. (4/70)
الحادي والثلاثون من شعب الايمان
وهو باب في الكفارات الواجبات بالجنايات
------------------------
الثاني والثلاثون من شعب الايمان
وهو باب في الايفاء بالعقود
عن علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) يعني بالعهود، ويعني ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله. (4/78)
عن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، قال: فكان يسير حتى يكون قريباً من أرضهم، فإذا انقضت المدة غزاهم فجاء رجل على فرس له وهو يقول: الله أكبر، وفاء لا غدر! فإذا رجل من بني سليم يقال له عمرو بن عنبسة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقده ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء(4)؛ قال: فرجع معاوية بالجيوش. (4/81)
__________
(1) كانت (عفر) والتصحيح من غريب الحديث لأبي عبيد 1/229 ومن طريقه روى المصنف هذا الأثر.
(2) يعني ثوبين. والزيادة الآتية من (غريب الحديث).
(3) كانت (لا أحسن) وأثبت ما ورد في (غريب الحديث).
(4) ليس غرضي سوق هذا الحديث المرفوع، وإنما أردت الموقوف، ووقع هذا في جملة قليلة من أخبار هذا المهذب؛ فلا يلزم من إيرادي حديثاً مرفوعاً في مثل هذا السياق أني أحتج به ولا أني أصححه؛ وإن كنت لا أورد ما أراه باطلاً أو منكراً؛ بل يغلب على تلك الأحاديث أنها مما يصح أو يكاد يصح.(1/279)
عن جرير بن حازم عن عمه قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة يقول لابنه عبد الملك: يا بني إنما كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عدات(1) أنفذها أبو بكر الصديق؛ فلا تبدأ بالعدة فإن مخرجها سهل ومصدرها وعر؛ واعلم أن لا وان قبحت فربما روحت(2) ولم توجب الطمع. (4/82)
عن جامع عن ميمون بن مهران قال: ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء: من عاهدته وفِّ بعهده مسلماً كان أو كافراً فإنما العهد لله عز وجل؛ ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها مسلماً كان أو كافراً؛ ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلماً كان أو كافراً. (4/82)
الثالث والثلاثون من شعب الايمان
وهو باب في تعديد نعم الله عز وجل وما يجب من شكرها(3)
عن طلحة بن خراش قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: أفضل الذكر لا إله الا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله. (4/90)
عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: من قال حين يصبح الحمد لله على حسن المساء والحمد لله على حسن المبيت والحمد لله على حسن الصباح فقد أدى شكر ليلته ويومه، [قال الراوي]: أظنه قال: ويومه. (4/95)
عن محمد بن مسعر قال: قال جعفر بن محمد: فقد أبي بغلته فقال: إن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبث أن أتى بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها وضم إليه ثيابه رفع رأسه الى السماء فقال: الحمد لله، لم يزد عليها، فقيل له في ذلك فقال: وهل تركت شيئاً - أو بقّيت شيئاً - ؟! جعلت الحمد كله لله عز وجل. (4/96)
عن منصور عن إبراهيم قال: يقال أن الحمد لله أكثر الكلام تضعيفاً. (4/96)
__________
(1) كانت (غدات).
(2) كانت (زوجت).
(3) للعلماء في الكلام على الشكر والصبر والجمع بينهما والفرق أقوال، وأحسن وأجمع ما ألف في هذا الباب (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين) لابن القيم رحمه الله تعالى.(1/280)
عن خلف بن خليفة أخبرنا أبو هشام أن عدي بن أرطأة كتب إلى عمر بن عبد العزيز وكان رأيه رأي شامي، فقال: لقد أصاب الناس من الخير [حتى] كادوا يبطرون(1) فكتب إليه عمر: إن الله عز وجل أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فرضي من أهل الجنة أن قالوا الحمد لله، ومَن قِبلك(2) يحمد الله. (4/97)
عن عبد الله بن أبي الدنيا أخبرنا أبو السائب أخبرنا وكيع عن يوسف الصباغ عن الحسن قال: ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله، إلا كان ما أعطى أكثر(3)
__________
(1) تصحفت إلى (ينظرون).
(2) العبارة وجيهة صالحة ومع ذلك يحتمل أن (قبلك) صوابها (مثلك).
(3) لعله أراد (أكثر له) أي (أفضل وأنفع له)، أي أن فضل الله على ذلك العبد بما يثيبه على ما أعطاه العبد وهو الشكر أعظم من فضل الله عليه بما أخذه من الله وهو النعمة؛ أو أراد أن ذلك الشكر أكثر عند الله من النعمة عند الله؛ أي أن حمد العبد لله تعالى أحب إلى الله من إعطائه النعمة لعبده، وهذا المعنى الثاني قريب من المعنى الذي دندن حوله المصنف أو هما واحد؛ وفي الصحيحين عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه.
ثم إني لا أستبعد أن يكون في هذا الخبر وهم من بعض رواته وأن صوابه ما هذا معناه: "ما أصيب أحد بمصية فصبر – أو فاسترجع، أو فحمد الله – إلا كان ما أُعطي [يعني من الثواب] أفضل مما أخذ منه؛ وهذا المعنى مشهور وواضح.(1/281)
مما أخذ(1)؛ قال ابن أبي الدنيا: وبلغني عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن هذا فقال: لا يكون فعل العبد أفضل من فعل الله؛ قال البيهقي: هذه غفلة من عالم وذلك لأن العبد لا يصل إلى حمد الله وشكره إلا بتوفيقه، وإنما فضله لما فيه من حسن الثناء على الله عز وجل ومدحه(2) إياه وليس ذلك(3)في النعمة الأولى. (4/99)
عن أبي عقيل عن بكر بن عبد الله سمعته يقول: ما قال عبد قط: الحمد لله الا وجبت(4) عليه نعمة بقوله(5) الحمد لله، فما جزاء تلك النعمة؟ جزاؤها أن تقول الحمد لله، فجاءت نعمة أخرى، فلا تنفد نعم الله عز وجل. (4/99)
عن الجنيد قال: سمعت السري يقول: الشكر نعمة والشكر على النعمة نعمة، أي إلى أن لا يتناهى الشكر إلى قرار. (4/99)
أخبرنا أبو القاسم الخرقي أخبرنا أحمد بن سلمان أخبرنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: أنشدني محمود الوراق:
إذا كان شكري لنعمة(6)الله نعمة
علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف(7) وقوع الشكر إلا بفضله
وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا مس بالسراء عم(8) سرورها
وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلا له فيه منة
تضيق بها الأوهام والبر والبحر
(4/100)
__________
(1) روى معمر في جامعه (10/424) عن الحسن قال: ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أعظم منها كائنة ما كانت.
(2) كانت (ومنحه).
(3) أي الثناء والمدح.
(4) كانت (رحبت) واستبدلت بها ما في كتاب (الشكر) لابن أبي الدنيا ص7.
(5) كانت (نعمته بقول).
(6) في الأصل (بنعمة).
(7) في الأصل (وكيف) والذي أثبته من فضيلة الشكر للخرائئكي ص47.
(8) تصحفت في الأصل إلى (باليسر أعم) فجعلتها مثل ما في (الشكر) ص31 لابن أبي الدنيا.(1/282)
عن جابر بن زيد عن المغيرة بن عقبة قال: قال داود عليه السلام: يا رب هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكراً لك مني؟ فأوحى الله إليه: نعم، الضفدع؛ وأنزل الله عز وجل (واعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور)، قال: رب كيف أطيق(1) شكرك وأنت الذي تنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر ثم تزيدني نعمة بعد نعمة؟ فالنعمة منك يا رب والشكر منك، وكيف أطيق شكرك؟! قال: الآن عرفتني يا داود حق معرفتي. (4/100)
عن أبي عمران الجوني عن أبي الجلد(2) قال: قرأت في مسئلة داود عليه السلام أنه قال: أي رب كيف لي أن أشكرك الا بنعمتك؟! قال: فأتاه الوحي أن يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال: بلى يا رب، قال: فإني أرضى بذلك منك شكراً. (4/101)
[وعنه] عن أبي الجلد قال: قرأت في مسئلة موسى عليه السلام أنه قال: كيف لي أن اشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يجازي بها عملي كله؟! قال: فأتاه الوحي أن يا موسى الآن شكرتني. (4/101)
عن يحيى بن سعيد عن عمر بن عبد العزيز قال: ذكر النعم شكر. (4/102)
عن عبد الله بن المبارك أخبرنا المبارك عن الحسن قال: أكثروا ذكر هذه النعم(3) فإن ذكرها شكر. (4/102)
__________
(1) كانت (أطق).
(2) تصحفت في الأصل إلى (الخلد).
(3) في زهد ابن المبارك ص503 (النعم) وأما الأصل ففيه (النعمة).(1/283)
عن أحمد بن محمد بن مسروق قال: سمعت ذا النون المصري يقول: اعلموا أن الله أقام الحياء من الله [لـ]معرفتهم بإحسانه إليهم وعلمهم بتضييع ما افترض من شكره [مقام الشكر]، فليس لشكره نهاية كما ليس لعظمته نهاية(1). (4/102)
عن سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: اعلموا أن الذي أهاج الحياء من الله عز وجل معرفتهم بإحسان الله إليهم، وعلمهم بتضييع ما افترض الله عليهم من شكره، وليس لشكره نهاية كما ليس لعظمته نهاية. (6/147)
عن أبي خبيق أخبرنا شعيب بن حرب عن ابراهيم بن أدهم، فيما أحسب، قال: لا تجعل بينك وبين الله عليك منعماً، واعدد نعمةً(2) عليك من غيره مغرماً، قال: فقال لنا يوسف بن أسباط: هذا كلام حسن فاحفظوه. (4/103)
__________
(1) هذا الخبر كأنه وقع فيه شيء من خلل من قبل الناسخ أو الطابع فبعد فهمه أو تعذر، ولذلك أدخلت تلك الزيادتين ليكون له معنى مفهوم، ولست على يقين من صحة وضعهما؛ ولعل الخبر منسوج على منوال هذا الأثر التالي: قال ابن أبي الدنيا في (الشكر) ص69: حدثنا محمد بن صالح التميمي قال: كان بعض العلماء إذا تلا (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) قال: سبحان من لم يجعل إدراكه [أي المطلوب من العبد] أكثر من العلم أنه لا يدركه، فجعل معرفة نعمه بالتقصير عن معرفتها شكراً كما شكر علم العالمين أنهم لا يدركونه فجعله إيماناً، علماً منه أن العباد لا يجاوزون ذلك. وهو في الشعب (4/152) بأوضح من رواية (الشكر) هذه، وسيأتي في أثناء هذه الشعبة أيضاً. ثم تبين لي عندما وصلت في عملي إلى شعبة الحياء خطأ اجتهادي هذا وتبين لي الوجه الصحيح للأثر وأنه إنما أشكل بسبب تصحيف معقد وقع فيه، فأثبت صوابه عقبه فاقرأه واعتمده دون هذا.
(2) كانت (نعمه).(1/284)
عن أبي الدرداء أنه ترك الغزو عاماً فأعطى رجلاً صرة فيها دراهم(1) فقال: انطلق فإذا رأيت رجلاً يسير من القوم حجرة في هيئة بذاذة فادفعها إليه، قال: ففعل فرفع رأسه الى السماء فقال: اللهم لم تنس جديراً فاجعل جديراً لا ينساك؛ قال: فرجع إلى أبي الدرداء فأخبره فقال: ولي النعمةَ ربُّها(2). (4/103)
عن الحسن قال: قال موسى عليه السلام: يا رب كيف يستطيع آدم عليه السلام أن يؤدي شكر ما صنعته إليه؟! خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنتك وأمرت الملائكة فسجدوا له! فقال: يا موسى علم أن ذلك مني فحمدني عليه فكان ذلك شكراً لما صنعته إليه. (4/103)
عن غيلان عن مطرف(3)، قال: سمعته(4) يقول: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من [أن] أبتلي فأصبر؛ نظرت في العافية فوجدت فيها خير الدنيا والآخرة. (4/105)
عن حميد بن هلال قال: قال مطرف: نظرت ألا(5) خير لا شر فيه ولا آفة ولكل شيء آفة فإذا هو عبد(6) أن يعافى فيشكر(7). (4/106)
__________
(1) كنت العبارة (فيها مرة دراهم).
(2) رواه أبو عبيد في غريب الحديث (1/146)، ومن طريقه أخرجه المصنف؛ ومنه أصلحت الخطأ الذي أشرت إليه.
(3) مطرف تابعي جليل حكيم وعابد فاضل، توفي سنة خمس وتسعين، ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة وقال: روى عن أبي بن كعب وكان ثقة له فضل وورع وعقل وأدب، وقال العجلي: كان ثقة ولم ينج بالبصرة من فتنة ابن الأشعث إلا رجلان مطرف وابن سيرين، ولم ينج منها بالكوفة إلا رجلان خيثمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي. انظر تهذيب الكمال (28/69).
(4) أي مطرف.
(5) ألا) هذه مخففة أو محرفة.
(6) لعلها (عند).
(7) في (فضيلة الشكر) للخرائطي ص45 عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن ابتلى فأصبر قال ونظرت في الخير الذي لا شر فيه فلم أر مثل المعافاة والشكر.(1/285)
عن ابن عيينة قال: قال مطرف: الخير الذي لا شر فيه الشكر مع العافية فكم من منعم عليه [غير] شاكر وكم من مبتلى غير صابر. (4/106)
عن بديل بن ميسرة أن مطرفاً كان يقول: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر، فزعم أن أبا العلاء يعني أخاه(1) كان يقول: اللهم أي ذلك كان فعجله لي. (4/106)
عن أحمد بن أبي الحواري أخبرنا علي بن المديني قال: قيل لسفيان بن عيينة: ما حد الزهد؟ قال: أن تكون شاكراً في الرخاء صابراً في البلاء فإذا كان كذلك فهو زاهد؛ قيل لسفيان: ما الشكر؟ قال: أن تجتنب ما نهى الله عنه. (4/106)
عن الوليد بن مسلم أخبرنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن داود النبي عليه السلام كان يقول: سبحان مستخرج الشكر بالعطاء ومستخرج الدعاء بالبلاء. (4/106)
عن حوشب عن الحسن قال: خلق الله عز وجل آدم عليه السلام حين خلقه وأخرج أهل الجنة من(2) صفحته اليمنى وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى فدبوا على وجه الأرض [فيهم] الأعمى والأصم والمبتلي، فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي؟! قال: يا آدم إني أردت أن أشكر. (4/107)
عن معمر عن قتادة والحسن قالا: لما عرضت على آدم ذريته فرأى فضل بعضهم على بعض قال: أي رب فهلا(3) ساويت بينهم؟! قال: إني أحب أن أشكر. (4/107)
عن أيوب عن سالم بن عبد الله قال: كان يقال إذا استقبل الرجل شيء من هذا البلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء أبداً كائناً ما كان(4). (4/108)
__________
(1) هو يزيد بن عبد الله بن الشخير، وقد كان يزيد أكبر من الحسن البصري بعشر سنين وكان مطرف أكبر من يزيد بعشر سنين.
(2) من) هذه و (من) الآتية كل منهما كانت (في) والتصحيح من كتاب (الشكر) لابن أبي الدنيا ص57 ومنه الزيادة الآتية.
(3) كانت (أفهلا).
(4) وفي رواية غير أيوب "لم يصبه ذلك البلاء إن شاء الله".(1/286)
عن سعيد بن داود الزبيري أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي قالا(1): كنا جلوساً عند جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فاستأذن سفيان الثوري فأذن له فدخل عليه ثم جلس فقال جعفر: يا سفيان، قال: لبيك، قال: إنك رجل يطلبك السلطان وأنا رجل تبعني؟؟ السلطان، وقال غيره: اتقي السلطان، فقم غير مطرود وقال سفيان: تحدث فأقوم قال جعفر:(2) من أنعم الله عليه بنعمة فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله، ومن حزبه أمر فليقل لا حول ولا قوة الا بالله؛ ثم قام سفيان فناداه جعفر فقال: يا سفيان، قال: لبيك، قال: خذ ثلاث وأي ثلاث وأشار بأصابعه(3). (4/108-109)
عن أبي عوانة عن المغيرة بن عامر قال: الشكر نصف الايمان والصبر نصف الايمان واليقين الايمان كله. (4/109)
عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل فرد عليه السلام ثم سأل عمر رضي الله عنه الرجل: كيف أنت؟ فقال: أحمد الله إليك، فقال عمر: ذاك الذي أردته منك. (4/109)
عن علقمة بن مرثد عن ابن عمر رضي الله عنه قال: لعلنا نلتقي في اليوم مراراً يسأل بعضنا بعضاً(4) لا نريد ذلك الا ليحمد الله عز وجل. (4/110)
عن عبد الله بن أبي الدنيا قال: حدثت عن ابن أبي الحواري قال: جلس فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ليلة إلى الصباح يتذاكران النعم فجعل سفيان يقول: أنعم الله علينا في كذا، أنعم الله علينا في كذا، فعل بنا كذا، فعل بنا كذا. (4/110)
__________
(1) كانت (قال).
(2) حذفت من هذا الموضع هذه الجملة ( لأن المصنف قال عقب سوقه الحديث مرفوعاً هكذا: " تفرد به الزبيري عنهما هكذا والمحفوظ هذا الكلام من قول جعفر نفسه وقد روي من وجه آخر ضعيف نحو رواية الزبيري".
(3) هذا الحديث فيه غرابة، وسفيان عالم راسخ في العلم لا تخفي عليه مثل هذه الوصايا التي ذكرت له؛ والله أعلم.
(4) كانت (ببعض).(1/287)
عن سلام بن أبي مطيع قال: أتانا الجريري وكان من مشايخ أهل البصرة وكان قدم من الحج فجعل يقول: أبلانا الله عز وجل في سفرنا كذا وأبلانا في سفرنا كذا؛ ثم قال: كان يقال: إن تعداد النعم من الشكر. (4/110)
عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد قال: كان يقال: تعديد النعم من الشكر. (4/110)
عن معمر قال: قال أيوب: إن من نعم الله عز وجل على العبد أن يكون مأموناً على ما حدث. (4/110)
عن الزعفراني قال: قدم علينا الخفاف، يعني عبد الوهاب بن عطاء، وهو لا يُعرف فحدث فصُدق فقُبل فكتب إلى أخيه: أما بعد فاعلم أن أخاك قد حدث ببغداد فصُدق فاحمد الله على هذه النعمة(1). (4/110)
عن محمد بن حرب قال: قال الثوري: حمد الله ذكر وشكر، وليس شيء ذكراً وشكراً غيره. (4/110)
عن أبي عثمان عن سلمان أن رجلا بسط له من الدنيا فانتزع ما في يده فجعل يحمد الله ويثني عليه حتى لم يكن فراش الا باري(2) فجعل يحمد الله ويثني عليه؛ وبسط لآخر من الدنيا فقال لصاحب الباري: أرأيتك أنت على ما تحمد الله؟! قال: أحمده على ما لو أعطيت به ما(3) أعطى الخلق لم أعطهم إياه، قال: وما ذلك؟ قال: أرأيت بصرك؟ أرأيت لسانك؟ أرأيت يديك؟ أرأيت رجليك. (4/112)
__________
(1) جاء في تهذيب الكمال 31/554-555: "وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: سمعت يحيى بن معين يقول: لما قدم عبد الوهاب بن عطاء أتيته فكتبت عنه فبينا أنا عنده إذ أتاه كتاب من أهله من البصرة فقرأه وأجابهم فرأيته وقد كتب على ظهره: وقدمت بغداد وقبلني يحيى بن معين والحمد لله رب العالمين".
(2) في مختار الصحاح ص28: "البَارِيَاءُ والبُورِياءُ بالمد: الحصير من القصب؛ وقال الأصمعي: البورياء بالفارسية وهو بالعربية بَارِيٌّ وبُورِيٌّ و بَارِيَّةٌ، بتشديد الياء في الكل".
(3) كانت (ما لو).(1/288)
عن سعيد بن عامر أو غيره من البصريين قال: جاء رجل إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله فقال له يونس: أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مئة ألف درهم؟ قال الرجل: لا، قال: فذكره نعم الله عليه فقال يونس: أرى عندك مئات آلاف وأنت تشكو الحاجة. (4/112)
عن علي بن الحسن قال: سمعت أبا طالب يقول في كلامه: اختط لك الأنف فأقامه وأتمه فأحسن تمامه ثم أدار منك الحدقه فجعلها بجفون مطبقة وبأشفار معلقه ونقلك من طبقة الى طبقة وحنى عليك الوالدين رقة ومقة(1) فنعمه عليك مورقة وأياديه بك محدقة. (4/112)
عن أبي غياث قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول: يا بن آدم إن أردت تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. (4/112)
عن الحسن قال: قال أبو الدرداء: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه(2) فقد قل علمه وحضر عذابه. (4/113)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (إنه كان عبداً شكوراً) قال: لم يأكل شيئاً قط إلا حمد الله عز وجل، ولم يشرب شراباً قط إلا حمد الله عليه، ولم يمش مشياً قط إلا حمد الله عليه، ولم يبطش بشيء قط إلا حمد الله عليه؛ فأثنى الله عز وجل عليه (إنه كان عبداً شكوراً) . (4/113)
عن هشام بن سعد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي قال: [كان] نوح عليه السلام إذا أكل قال: الحمد لله، وإذا شرب قال: الحمد لله، وإذا لبس قال: الحمد لله، فسماه الله عبداً شكوراً. (4/114)
__________
(1) كانت (وسعة) وجعلتها (ومقة) والمقة المحبة، ولعلها (وشفقة) وفي كتاب الشكر لابن أبي الدنيا ص38: (ومنة) والمصنف إنما رواه من طريقه.
(2) زاد في رواية (ولباسه).(1/289)
عن هشام بن سلمان قال: كنت قاعداً عند الحسن وبكر بن عبد الله المزني فقال له الحسن: يا أبا عبد الله دعوات لإخوانك، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: والله ما أدري أي النعمتين أفضل علي وعليكم، أنعمة المسلك أم نعمة المخرج إذ أخرجه منا؟! قال الحسن: لقد قلت عجباً يا بكر، إنها لمن نعمه العظام. (4/114)
عن أسماء بن عبيد عن الحسن قال: يا لها من نعمة (تأكل بلذة ويخرج سرحاً)(1)، لقد كان ملك من ملوك هذه القرية يرى غلاماً من غلمانه يأتي الحب فيكتاز ثم يجرجر قائماً فيقول: يا ليتني مثلك! ما يشرب حتى يقطع عنقه العطش واذا شرب كان [له] في تلك الشربة موتات! يا لها من نعمة تأكل بلذة ويخرج سرحاً(2)! يعني سهلاً(3). (4/114)
__________
(1) كانت هذه الجملة بهذا اللفظ: (فأكل لذة وبخروج سرحاً).
(2) هذا الأثر وقع فيه بضعة تحريفات فأصلحته من (الشكر) لابن أبي الدنيا.
(3) جاء في الغريب لابن قتيبة 2/610-611: "وقال في حديث الحسن أنه قال : كان مَلك من مُلوك هذه القَرية يرى الغُلام من غِلْمانه يأْتي الحُبَّ فيكْتاز ثم يُجَرْجُر قائماً فيقول : يا ليتني مثلك؛ ثم يقول: يا لَها نِعْمِة تأْكل لذَّة وتخرُج سُرُحاً. حَدَّثنيه عبد الرحمن بن الحسين عن محمد بن يحيى عن سعيد بن عامر عن أَسماء بن عبيد عن الحسن؛ قولُه: يَكْتاز: أَي يَغْترف، وهو "يفْتَعِلُ" من الكُوز؛ ثم يُجَرْجِر: أَي يَشْرب؛ والأَصل فيه جَرْجَرة الماء في الحَلْق، وهو صوت الجَرْع؛ وهذا رجل كان به أُسْر؛ فكان لا يرْوَى من الماء لشِدّة البول عليه؛ والأُسْر: احْتباس البول؛ والحَصْر:احْتباسُ الحَدَث. وقولُه: وتخرج سُرُحاً أَي: سَهْلاً. ومنه يقال: ناقة سُرُحُ اليدين، وسُرُح الملاطين، أي: الجنبين. والملاط: الجنب، أَي: هما منسرحان للذهاب والمجيء.(1/290)
عن عبد الجليل بن حميد أنه سمع ابن شهاب يقول في قول الله عز وجل (اعملوا آل داود شكراً) قال: قولوا الحمد لله. (4/114)
عن عبد الله بن شبرمة أن الحسن كان يقول ذلك(1) إذا شرب الماء [يعني يقول: الحمد لله الذي جعله عذبا فراتا برحمته ولم يجعله مالحا اجاجا بذنوبنا] . (4/115)
عن صالح بن أحمد بن حنبل: كان أبي رحمه الله لا يدع أحداً يستقي له الماء للوضوء إلا هو، فكان إذا خرج الدلو ملأً قال: الحمد لله، قلت: يا أبه أي شيء الفائدة؟؟ قال: يا بني ما سمعت الله عز وجل يقول: (أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين) . (4/115)
عن معمر قال: سمعت صالح بن مسمار(2) قال: ما أدري أنعمة الله علي فيما بسط علي أفضل أم نعمته فيما زوى عني؟!. (4/116)
عن أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد عن مجمع الانصاري عن رجل من أهل الخير قال: لنعم الله فيما زوى عنا في الدنيا أفضل من نعمة فيما بسط لنا منها، وذلك أن الله عز وجل لم يرضها لنبيه صلى الله عليه وسلم فأكون فيما رضي لنبيه صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أكون فيما كره له وسخطه. (4/116-117)
قال عبد الله [ابن أبي الدنيا]: وبلغني عن بعض العلماء قال: ينبغي للعالم أن يحمد الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا كما يحمده على ما أعطاه والحساب يأتي عليه (لا على)(3) ما عافاه فلم يبتله به فيشغل قلبه ويتعب جوارحه، فيشكر الله على سكون قلبه وجمع هممه. (4/117)
عن محمد بن المثنى قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: ما من الانسان أحد إلا وهو مبتلي: إما ابتلاء بنعمة لينظر كيف شكره، وإما ببلاء لينظر كيف صبره(4). (4/117)
__________
(1) الإشارة هنا إلى متن حديث مرفوع ساقه قبل هذا المقطوع وهو ما ذكرته.
(2) كانت (سمار).
(3) كانت (إلى).
(4) روى ابن أبي الدنيا في (الشكر) ص46 عن حسين بن علي الجعفي عن عبد الملك بن أبجر قال: ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر كيف شكره وببلية لينظر كيف صبره.(1/291)
عن عمر بن صدقة الجمال قال: كنت مع ذي النون بأخميم فسمع صوت لهو دفاف وأكباب؟؟ فقال: ما هذا؟ فقيل: عرس لبعض أهل المدينة، وسمع إلى جانبه بكاء وصياحاً وولولة فقال: ما هذا؟ فقالوا: فلان مات، فقال لي: يا عمر بن صدقة أُعطي هؤلاء فما شكروا وابتلي(1) هؤلاء فما صبروا، ولله علي ان بت في هذه المدينة، فخرج من ساعته من اخميم إلى الفسطاط. (4/117)
عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد [بن] أسلم قال: ذكر بعض أصحاب أهل العلم [كذا] أن في بعض الكتب التي أنزل الله جل وعز، [أنه] قال: سروا عبدي المؤمن؛ فكان لا يأتيه شيء يحبه إلا قال: الحمد لله، الحمد لله، ما شاء الله، قال: روعوا عبدي المؤمن، قال: فلا يطلع عليه طليعة من طلائع المكروه إلا قال: الحمد لله الحمد لله؛ قال الله عز وجل: أرى عبدي يحمدني حين روعته كما يحمدني حين سررته ادخلوا عبدي داراً عندي كما يحمدني على كل حال. (4/117-118)
عن ابن أبي الدنيا أخبرنا أحمد بن عبيد التميمي قال: قال أعرابي: الحمد لله الذي لا يحمد على المكروه غيره(2). (4/118)
عن خزيمة أبي محمد العابد قال: مر وهب بن منبه بمبتلي أعمى مجذوم مقعد عريان به وضح وهو يقول: الحمد لله على نعمته، فقال له رجل مع وهب: أي شيء بقي عليك من النعمة تحمد الله عليها؟ فقال المبتلى: إرم ببصرك إلى أهل المدينة فانظر إلى كثرة أهلها أوَلا أحمد الله أنه ليس فيها أحد يعرفه غيري؟!. (4/118)
عن إسحاق بن ابراهيم قال: سمعت سفيان بن عيينة قال: ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا اله الا الله، وإن لا اله الا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا. (4/119)
__________
(1) كانت (وابتلوا).
(2) إذا فعل المخلوق ما يضر الناس ويسخط الله فهو من شر ذلك المخلوق وشؤمه، وأما أفعال الله تعالى جده فهي كلها رحمة أو عدل وهي حق وحكمة وتصرف من المالك العظيم في ملكه، فهو محمود على ذلك بلا ريب والشر ليس إلى الله.(1/292)
عن يزيد بن أبي حكيم قال: سمعت سفيان بن سعيد الثوري يقول: إن لذاذة قول لا اله الا الله في الآخرة كلذاذة شرب الماء البارد في الدنيا. (4/119)
عن حميد الأعرج عن مجاهد أنه كان يقرأ (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) قال: لا اله الا الله. (4/119)
عن ابن السماك عن مقاتل بن حيان (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) قال: أما الظاهرة فالاسلام وأما الباطنة فستره عليكم المعاصي. (4/119)
عن سفيان قال: قال مجاهد: ما أدري أي النعمتين أعطم علي: أن هداني للإسلام أو عافاني من الأهواء. (4/121)
عن قطن بن كعب القطعي قال: كان أبو العالية يقول: ما أدري أي النعمتين علي أفضل نعمة أن هداني للإسلام، ونعمة إذ لم يجعلني حرورياً. (4/121)
عن يونس عن الحسن قال: كان يقال: ليس دون الايمان غنى ولا بعد الايمان فقر. (4/121)
عن أبي بكر محمد بن ابراهيم المفسر قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: وقرأ هذه الآية: (اذكروا نعمة الله عليكم) فمن نعمته أن جعل(1) قلبك وعاء لمعرفته، وأطلق لسانك بحلاوة ذكره، وأدبرت عنه خمسين سنة فصالحك باستغفارة(2) واحدة. (4/121)
عن محمد بن ابراهيم الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول في قصصه وتلا هذه الآية (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) قال يحيى: إلهي وسيدي هذا رفقك بمن يزعم أنه إله! فكيف رفقك بمن يقول: أنت الإله. (4/121)
عن عمر بن شبة قال: لم يقل لبيد في الاسلام الا هذا:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي
حتى لبست من الاسلام سربالا(3) (4/122)
عن ثابت قال: قال رفيع(4) أبو العالية: إني لأرجو أن لا يهلك عبد بين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر الله منه. (4/122)
__________
(1) كانت (يجعل).
(2) كانت (باستغفاره).
(3) قال المصنف: وقد قيل أنه لغيره ذكرناه في باب الشيب.
(4) كانت (ربيع).(1/293)
عن محمد بن نشيط عن بكير بن عبد الله أنه لحق حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله أستغفر الله، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ قال: بلى، أحسن خيراً كثيراً، أقرأ كتاب الله عز وجل، غير أن العبد بين نعمة وذنب فأحمد الله على نعمائه السابقة واستغفره لذنوبي، فقلت: الحمال فيها أفقه من بكر. (4/122)
عن ابن عون: حدثني بكر بن عبد الله المزني قال: كان أبو تميمة إذا قالوا: كيف أنتم؟ قال: بين نعمتين: ذنب مستور ولا يعلم به أحد، وثناء من هؤلاء الناس لا والله ما بلغته ولا أنا كذلك. (4/122)
عن عصمة بن عبد الرحمن السكوني قال: جاء بكر بن عبد الله المزني إلى أبي تميمة الهجيمي قال له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بين نعمتين أميل بينهما(1) لا أدري أيتهما أفضل: ما ستره الله علي فلا أخاف أن يذمني(2) به أحد، ومودة رزقني من الناس بعزة ربي ما بلغه عملي. (4/122)
عن ابن عون قال: مررت بالشعبي وهو جالس بفنائه فقلت: كيف أنتم؟ فقال: كان شريح إذا قيل له: كيف أنتم؟ قال: بنعمة، قال: بأصبعيه كذا، ومد بصره إلى السماء. (4/123)
عن أحمد بن ابراهيم بن الحكم قال: سمعت ذا النون يقول وقال له بعض أصحابه كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وبنا من نعم الله ما لا يحصى مع كثير ما يُعصى(3) فلا ندري على ما نشكر: على جميل ما نشر أو على قبيح ما ستر. (4/123)
عن محمد بن إبراهيم قال: كان يحيى بن معاذ يقول في مناجاته: إلهي ما أكرمك! إن كانت الطاعات فأنت اليوم تبذلها وغداً تقبلها، وإن كانت الذنوب فأنت اليوم تسترها وغداً تغفرها؛ فنحن من الطاعات بين عطيتك وقبولك، ومن الذنوب بين سترك ومغفرتك. (4/123)
__________
(1) كانت (بيهما).
(2) كانت (يرمني)، وتحتمل (يرميني).
(3) لعلها (نعصي).(1/294)
عن يوسف بن بهلول قال: سمعت [عباد] ابن كليب يقول: كتب إلي ابن السماك: أما بعد فإني كتبت إليك وأنا مسرور مستور وأنا بهما مغرور: ذنب ستره علي وقد طابت به النفس كأنه مغفور، ونعم أبلاها فأنا بها مسرور كأني فيها على تأدية الحقوق [مشكور](1) فليت شعري ما عواقب هذه الامور؟!. (4/123)
عن محمود بن آدم قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: لولا ستر الله عز وجل ما جالسنا أحد(2). (4/123)
عن يزيد بن هارون أخبرنا مسعر عن سعد بن ابراهيم عن طلق بن حبيب قال: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين. (4/123)
عن مزاحم بن زفر عن مسعر قال: لما قيل لهم (اعملوا آل داود شكراً) لم يأت على القوم ساعة إلا ومنهم مصلي. (4/124)
عن عبد الله [بن المبارك] قال: سمعت علي بن صالح في قوله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم) أي من طاعتي. (4/126)
عن أحمد بن الحريش القاضي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول في قوله عز وجل (لئن شكرتم لأزيدنكم) قال: لئن شكرتم نعمتي لأزيدنكم طاعتي التي تقودكم إلى جنتي. (4/126)
عن محمد بن ادريس قال: يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال لرجل من همدان: إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، ولن ينقطع المزيد من الله عز وجل حتى ينقطع الشكر من العبد. (4/127)
عن ابراهيم بن الأشعث قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: كان يقال: من عرف نعمة الله عز وجل بقلبه وحمده بلسانه لم يستتم ذلك حتى يرى الزيادة يقول الله عز وجل (لئن شكرتم لأزيدنكم) قال: وكان يقال: من شكر النعمة أن يحدث بها. (4/127)
قال: وسمعت فضيلاً يقول: قال الله عز وجل: يا ابن آدم إذا كنت تَقَلّب في نعمتي وأنت تقلب في معصيتي فاحذرني لا أصرعك بين معاصيّ، يا ابن آدم اتقني ونم حيث شئت. (4/127)
__________
(1) هذه سقطت من الأصل فأخذتها من الحلية (8/205).
(2) كانت (أحداً) ولها وجه.(1/295)
عن عوف عن الحسن قال: بلغني أن الله عز وجل إذا أنعم على قوم سألهم الشكر فاذا شكروه كان قادراً أن يزيدهم، فإذا كفروه كان قادراً أن يقلب نعمته عليهم عذاباً. (4/127)
عن محمد بن كثير قال: حدثني بعض أهل الحجاز قال: قال أبو حازم: كل نعمة لا تقرب من الله جل وعز فهي بلية. (4/127)
عن عمر بن سعيد قال: قال أبو حازم: إذا رأيت الله عز وجل يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره. (4/128)
عن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبا معاذ(1) النحوي يقول: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) قال: أظهر لهم النعمة وأنساهم الشكر. (4/128)
عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال: ما قلب عمر بن عبد العزيز بصره إلى نعمة أنعم الله بها عليه إلا قال: اللهم أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفراً أو أكفرها بعد معرفتها أو أنساها فلا أثني [عليك] بها. (4/129)
عن يزيد بن يزيد قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: قيدوا نعم الله عز وجل بالشكر لله جل وعز(2). (4/130)
عن مخلد بن حسين عن محمد بن لوط الانصاري قال: كان يقال: الشكر ترك المعصية. (4/130)
قال ابن أبي الدنيا: بلغني عن بعض الحكماء قال: لو لم يعذب الله عز وجل على معصيته لكان ينبغي أن لا يعصي لشكر نعمته. (4/130)
عن حاتم الأصم قال: سمعت شقيقاً يقول: تفسير الحمد على ثلاثة أوجه أوله: اذا أعطاك الله شيئاً تعرف من أعطاك، والثاني أن ترضى بما أعطاك، والثالث ما دام قوته في جسدك أن لا تعصيه. (4/130)
__________
(1) كانت (معاق) وهو تصحيف، وأبو معاذ هذا هو الفضل بن خالد الباهلي.
(2) زيد في رواية: "وشكر الله ترك المعصية".(1/296)
عن الجنيد بن محمد قال: قال السري يوماً: ما الشكر؟ وكان إذا أراد أن يفيد الانسان جعله سؤالاً، فقلت له: أما الشكر عندي أن لا يستعان على المعاصي بشيء من نعمه؛ فاستحسن ذلك وقال لي: أعد الكلام علي، ثم قال: وأينا لا يستعين بنعمه على معاصيه؛ ومكث حيناً من الدهر يقول لي: كيف قلت لي في الشكر؟ فأعيد الكلام عليه؛ قال الجنيد: وهذا هو فرض الشكر، أن لا يعصى في نعمه(1). (4/130)
عن الجنيد قال: سمعت السري السقطي يقول: سمعت معروف الكرخي يقول: ما أنعم الله على عبد بنعمه فاستظهر بنعمته على معاصيه إلا ابتلاه الله بفقد أعز الاشياء عليه. (4/130)
عن علي بن عبد الحميد الغضائري قال: سمعت السري يقول: من لم يعلم قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم. (4/131)
عن سفيان بن عيينة قال: قيل للزهري: ما الزهد؟ قال: من لم يغلب الحرام صبره، ولم يمنع الحلال شكره؛ قال أبو سعيد [ابن الأعرابي]: معناه الصبر على الحرام والشكر على الحلال؛ قال: والشكر على الحلال الاعتراف لله به واستعمال النعمة في الطاعة. (4/131 و 7/406)
عن الاوزاعي عن حسان بن عطية عن معاذ بن جبل أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم أن تبطروا(2) في نعمة ربكم عز وجل، وأن تستقصروا في خشيتكم. (4/131)
عن عبد الله بن شقيق عن كعب قال: شر الحديث التجديف(3). (4/131)
عن مردويه الصائغ قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: عليكم بالشكر فإنه قل قوم كانت عليهم من الله نعمة فزالت عنهم ثم عادت إليهم. (4/131)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنشدني عبد الله بن أبي ذهل أنشدني أبو الحسن الكندي القاضي:
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم (4/132)
__________
(1) من ترك المعاصي جميعها فقد أتى بالطاعات الواجبة جميعها.
(2) كانت (تنظروا).
(3) قال أبو عبيد: قال الأصمعي: التجديف هو الكفر بالنعم، يقال منه: جدف الرجل تجديفاً، قال أبو عبيد: وقال الأموي: هو استقلال ما أعطاه الرجل.(1/297)
عن سعيد بن هريم قال: قال عمارة بن حمزة: إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر. (4/132)
عن ابراهيم بن فاتك قال: سمعت النهرجوري(1) يقول: لا زوال لنعمة اذا شكرت، ولا بقاء لنعمة اذا كفرت. (4/132)
عن علي بن محمد المروزي قال: سمعت أبا بكر السمساطي وسئل عن أصل الشكر فقال: أصل الشكر رؤية المنة بالقلب، والمعرفة بأنه من الله عز وجل، وحقيقة الشكر في الأصل والفرع أن تتقي الله خاصة. (4/133)
عن بعض السلف أنه قال: الشكر تقوى الله عز وجل ألا ترى أنه يقول: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون). (4/133)
__________
(1) بالأصل (المهرجوري).(1/298)
عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن عمرو قال: غار النيل على عهد فرعون فأتاه أهل مملكته فقالوا: أيها الملك أجر لنا النيل، قال: إني لم أرض عنكم! ثم ذهبوا فأتوه فقالوا: أيها الملك أجر لنا النيل، قال: إني لم أرض عنكم، فذهبوا ثم أتوه فقالوا: أيها الملك ماتت البهائم وهلكت الأبكار(1)، لئن لم تجر لنا النيل لنتخذن إلهاً غيرك؛ قال: أخرجوا إلى الصعيد فخرجوا فتنحى عنهم حيث لا يرونه ولا يسمعون كلامه فألصق خده بالأرض وأشار بالسبابة قال: اللهم إني خرجت اليك مخرج العبد الذليل إلى سيده وإني أعلم أنك تعلم أني أعلم أنه لا يقدر على إجرائه غيرك فأجره؛ قال: فجرى النيل جرياً لم يجر قبله مثله، فأتاهم فقال: إني قد أجريت لكم النيل فخروا له سجداً وعرض له جبريل عليه السلام فقال(2): أيها الملِك أعزني(3) على عبد لي! قال: وما قصته؟! قال: عبْد لي ملّكته على عبيدي وخولته مفاتيحي فعاداني فأحب من عاديت وعادى من أحببت! قال: بئس العبد عبدك، لو كان لي عليه سبيل لغرقته في بحر القلزم! قال: أيها الملك أكتب لي كتاباً(4) قال: فدعا بكتاب ودواة فكتب: ما جزاء العبد الذي خالف سيده فأحب من عادى وعادى من أحب إلا أن يغرق في بحر القلزم قال: يا أيها الملك اختمه لي فختمه ثم دفعه إليه فلما كان يوم البحر أتاه جبريل بالكتاب فقال: خذ، هذا ما استفتحت به على نفسك وربما(5) قال: هذا ما حكمت به على نفسك. (4/133-134)
__________
(1) لعلها (الأشجار).
(2) أي جبريل.
(3) لعلها (اعذرني) أو (أجزني) أو (أعني)..
(4) أي بهذا.
(5) كانت (فربما).(1/299)
عن محمد بن هانىء عن بعض أصحابه قال: قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين يا أبا حازم؟ قال: إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراً سترته؛ قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً أخفيته، قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقاً لله عز وجل هو فيهما، قال: ما شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفله طعاماً وأعلاه علماً، قال: ما شكر الفرج؟ قال: كما قال الله عز وجل (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين) إلى قوله (فأولئك هم العادون)؛ قال: فما شكر الرجلين؟ قال: إن رأيت حياً غبطته استعملت بهما عمله، وإن رأيت ميتاً(1) مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله عز وجل؛ فأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه فلم ينفعه ذاك من الحر والبرد والثلج والمطر. (4/134-135)
عن أحمد بن مزاحم قال: سمعت أبا بكر الوراق يقول: لا يكمل الحمد الا بخلال ثلاث: محبة المنعم بالقلب وابتغاء مرضاته بالنية وقضاء حقه بالسعي. (4/135)
عن علي بن عبد الحميد قال: سمعت السري يقول: الشكر على ثلاثة أوجه: شكر اللسان وشكر البدن وشكر القلب؛ فشكر القلب أن تعلم أن النعم كلها من الله عز وجل؛ وشكر البدن أن لا تستعمل جارحة من جوارحك إلا في طاعته بعد أن عافاه(2) الله، وشكر اللسان دوام الحمد عليه. (4/135)
__________
(1) إما أن تكون هذه العبارة محفوظة عن التصحيف وهي على ظاهرها وهذا احتمال قريب، أو أنه يريد بالميت العاصي وبالحي المطيع، وهذا احتمال بعيد، وأقرب منه أن تكون كل من الكلمتين (حياً، ميتاً) مصحفة عن (أحداً).
(2) أي البدن.(1/300)
عن ذي النون قال: ثلاثة من أعلام الشكر: المقاربة من الإخوان في النعمة، واستغنام قضاء الحوائج قبل العطية(1)، واستقلال الشكر بملاحظة المنة(2). (4/135)
__________
(1) هذه الكلمة أراها مصحفة أو معناها (قبل طلب العطية).
(2) أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 9/341-342 عن سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: كم من مطيع مستأنس، وكم عاص مستوحش، وكم محب ذليل وكل راج طالب، قال: وسمعته يقول: اعلموا أن العاقل يعترف بذنبه ويحس بذنب غيره ويجود بما لديه ويزهد فيما عند غيره ويكف أذاه ويحتمل الأذى عن غيره والكريم يعطي قبل السؤال فكيف يبخل بعد السؤال ويعذر قبل الاعتذار فكيف يحقد بعد الاعتذار ويعف قبل الامتناع فكيف يطمع في الازدياد؛ قال: وسمعته يقول ثلاثة من أعلام المحبة الرضا في المكروه وحسن الظن في المجهول والتحسين في الاختيار في المحذور وثلاثة من أعلام الصواب الأنس به في جميع الأحوال والسكون إليه في جميع الأعمال وحب الموت بغلبة الشوق في جميع الأشغال وثلاثة من أعمال اليقين النظر إلى الله تعالى في كل شيء والرجوع إليه في كل أمر والاستعانة به في كل حال وثلاثة من أعمال الثقة بالله السخاء بالموجود وترك الطلب للمفقود والاستنابة إلى فضل الموجود وثلاثة من أعمال الشكر المقاربة من الإخوان في النعمة واستغنام قضاء الحوائج قبل العطية واستقلال الشكر لملاحظة المنة وثلاثة من أعلام الرضى ترك الاختيار قبل القضا وفقدان المرارة بعد القضا وهيجان الحب في حشو البلا وثلاثة من أعمال الإنس بالله استلذاذ الخلوة والاستيحاش من الصحبة واستحلاء الوحدة وثلاثة من أعلام حسن الظن بالله قوة القلب وفسحة الرجا في الزلة ونفي الإياس بحسن الإنابة وثلاثة من أعلام الشوق حب الموت مع الراحة وبغض الحياة مع الدعة ودوام الحزن مع الكفاية". هذه رواية مطولة فرقها البيهقي في مواضع كثيرة من الشعب.(1/301)
أخبرنا أبو سعد الماليني أخبرنا أبو محمد(1) عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان(2) قال: أملى علي أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي قال: رأيت العلماء بهذا الشأن يرتبون الشكر في أحوال العبادة فيلزمون كل أهل حال شكراً من جنس حالهم؛ ولا أعرف له معنى إلا أن الذي يجب على الشاكر أن يشكر الله من جنس النعمة ما كانت فإن كانت نعمة من جهة الدنيا بذل لله منها شكراً عليها، وإن كانت من جهة الدين عمل لله زيادة في ذلك العمل شكراً لله على إنعامه عليه بذلك، لقد رأيت رجلاً من أهل مصر وهو محمد بن عبد الحكم يصلي الضحى فكان كلما صلى ركعتين سجد سجدتين فسأله من يسأله ممن يأنس به عن السجدتين اللتين يسجدهما من كل ركعتين ماذا يريد بهما؟ قال: شكراً لله(3) على ما أنعم به علي من صلاة الركعتين. (4/135-136)
عن معمر عن قتادة قال: من شكر النعم إفشاؤها. (4/136)
عن مسلم بن حبان عن أبيه عن أبي هريرة أنه كان يقول: نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لابن عفان وابنة غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي أحطب لهم اذا نزلوا وأحدوا بهم اذا ساروا فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً وأبا هريرة إماماً(4). (4/137)
عن ضمرة عن ابن شوذب قال: قال عبد الله: إن لله عز وجل على أهل النار منة، فلو شاء أن يعذبهم بأشد من النار لعذبهم(5). (4/137)
عن أبي يحيى الذهلي قال: قال سليمان يعني التيمي: إن الله عز وجل أنعم على العباد على قدره وكلفهم الشكر على قدرهم. (4/138)
عن معاوية بن عبد الكريم أخبرنا الحسن قال: قال داود عليه السلام: إلهي لو أن لكل شعرة مني لسانين يسبحانك الليل والنهار ما قضتا(6) نعمة من نعمك. (4/138)
__________
(1) كان هنا زيادة (بن) خطأ فحذفتها.
(2) أبو الشيخ.
(3) كانت (شكر الله).
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/379.
(5) هذا كلام العلماء بالله فرضي الله عن أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم.
(6) لعلها (ما قضيت).(1/302)
عن صدقة بن يسار قال: كان داود عليه السلام في محرابه فأبصر دودة صغيرة قال: ففكر في خلقها وقال: ما يعبأ الله جل ذكره بخلق هذه؟! قال: فأنطقها الله عز وجل فقالت: يا داود أتعجبك نفسك؟! لأنا على قدر ما آتاني الله عز وجل أذكر لله وأشكر له منك على ما أتاك الله؛ قال الله عز وجل: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) . (4/138)
عن روح بن القاسم أن رجلاً من أهله تنسك فقال: لا آكل الخبيص، أو الفالوذج، لا أقوم بشكره، قال: فلقيت الحسن فقلت له في ذلك فقال الحسن: هذا أحمق، هل يقوم بشكر الماء البارد(1)؟!. (4/138)
عن مالك [بن أنس] أنه بلغه أن عيسى بن مريم عليه السلام كان يقول: يا بني اسرائيل عليكم بالماء القراح والبقل البري وخبز الشعير وإياكم وخبز البر فإنكم لن تقوموا بشكره. (4/138)
عن عبد المؤمن بن عبيد الله السدوسي قال: كان الحسن يقول إذا ابتدأ حديثه: الحمد لله اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرجت عنا، لك الحمد بالاسلام والقرآن، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبت عدونا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا ومن كل والله ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمداً كثيراً، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سر أو علانية أو خاصة أو عامة أو حي أو ميت أو شاهد أو غائب؛ لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت. (4/140)
__________
(1) قال البيهقي: هذا الذي قاله الحسن رحمه الله وإيانا في عجز الخلق عن القيام بشكر أدنى نعمة من نعم الله عز وجل صحيح وقد استحب بعض أهل السلف الاقتصاد في اللباس والطعام علما منهم بأنهم إذا كانوا عاجزين عن القيام بشكر أدنى نعمة من نعم الله عز وجل كانوا عن القيام بشكر النعم العظام أعجز.(1/303)
عن عبد الرزاق عن أبيه قال: رأيت وهباً إذا قام في الوتر قال: الحمد لله الحمد الدائم السرمد حمداً لا يحصيه العدد ولا يقطعه الأبد وكما ينبغي لك أن تحمد وكما أنت له أهل وكما هو لك علينا حق. (4/140)
عن وليد بن صالح حدثني شيخ من أهل المدينة قال: كان علي بن حسين بمنى فظهر من دعائه أن قال: كم من نعمة أنعمتها عليّ قلَّ لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري، فيا من قل شكري عند نعمه فلم يحرمني، ويا من قل صبري عند بلائه فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي والذنوب العظام فلم يهتك ستري، ويا ذا المعروف الذي لا ينقضي، ويا ذا النعم التي لا تحول ولا تزول، صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لنا وارحمنا. (4/140)
عن مالك بن دينار قال: قرأت في بعض الكتب أن الله عز وجل يقول: يا ابن آدم خيري ينزل إليك وشرك يصعد الي وأتحبب إليك بالنعم وتتبغض الي بالمعاصي ولا يزال ملك كريم قد عرج الي منك بعمل قبيح! . (4/140)
عن ابن أبي الدنيا قال: حدثني أبو علي [المدائني] قال: كنت أسمع جاراً لي يقول في الليل: اللهم خيرك علي نازل وشري اليك صاعد وكم من ملك كريم قد صعد إليك بعمل قبيح أنت مع غناك عني تتحبب الي بالنعم! وأنا مع فقري إليك وفاقتي أتمقت [إليك] بالمعاصي! وأنت في ذلك تجبرني(1) وتسترني وترزقني. (4/140)
عن عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي حدثني ابن السماك قال: كتبت إلى محمد بن الحسن حين ولي القضاء بالرقة: أما بعد فلتكن التقوى من بالك على حال وخف الله عز وجل في كل نعمة عليك لقلة الشكر عليها مع المعصية بها، فإن في النعمة حجة وفيها تبعة، فأما الحجة فيها فالمعصية بها، وأما التبعة فيها فقلة الشكر عليها، فعفا الله عنك كلما ضيعت من شكر أو ركبت من ذنب أو قصرت من حق. (4/141)
__________
(1) كانت (تجرني).(1/304)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول في مناجاته: كم من ليلة بارزتك يا سيدي بما استوجبت منك الحرمان، وأشرفت(1) بقبيح فعالي منك على الخذلان، فسترت عيوبي عن الاخوان وتركتني مستوراً بين الجيران، لم تكأفني بجريرتي ولم نهتكني بسوء سريرتي، فلك الحمد على صيانة جوارحي، ولك الحمد على ترك إظهار فضائحي، فأنا أقول كما قال الشيخ الصالح(2): لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. (4/141)
عن أبي بكر الباقلاني قال: سمعت عبد الصمد بن الفضل يقول: مكتوب في التوراة: يا ابن آدم أمرتك فتوانيت ونهيتك فتماديت وأعرضت عنك فما باليت يا من إذا مرض شكى وبكى وإذا عوفى تمرد وعصى. (4/141)
عن علي بن حمشاذ قال: سمعت أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد المذكر يقول: قال بعض الصالحين: إلهي ما قدر طاعتي إن تقابل بها نعمك، وما قدر ذنوبي إن تقابل بها كرمك، والله اني لأرجو أن تكون ذنوبنا في كرمك أقل من طاعتنا في نعمك(3). (4/141)
__________
(1) كانت (وأسرفت).
(2) لو قال: نبي الله أو رسول الله يونس، لكان أجود وأنسب مما عبر به، ثم وجدته قال (النبي الصالح) في تاريخ ابن عساكر 17/408.
(3) معناه: أرجو أن تكون نسبة ذنوبنا إلى كرمك وعفوك أقل من نسبة طاعاتنا إلى نعمك وأفضالك علينا ورزقك إيانا؛ فيكون عفوك ومغفرتك أكبر من ذنوبنا وخطايانا كما كان عطاؤك ورزقك لنا أكبر من طاعاتنا؛ فكما لم يمنعنا التقصير في طاعتك من دوام نعمك فإننا نرجو أن لا تمنعنا كثرة معاصينا من أن تدخلنا في رحمتك ومغفرتك؛ والله أعلم.(1/305)
عن عون بن عبد الله قال: قال بعض الفقهاء(1): إني روأت(2) في أمري فلم أر خيراً لا شر معه إلا المعافاة والشكر، فرب شاكر في بلاء ورب معافى غير شاكر، فإذا سألتم الله عز وجل فسلوهما جميعاً. (4/142)
عن عنبسة بن الأزهر قال: كان محارب بن دثار قاضي أهل الكوفة قريب الجوار مني فربما سمعته في بعض الليل يقول ويرفع صوته: أنا الصغير الذي ربيته فلك الحمد وأنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد وأنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد وأنا الصعلوك الذي مولته فلك الحمد وأنا الأعزب الذي زوجته فلك الحمد وأنا الساغب الذي أشبعته فلك الحمد وأنا العاري الذي كسوته فلك الحمد وأنا المسافر الذي صاحبته فلك الحمد وأنا الغائب الذي اويته(3) فلك الحمد وأنا الراجل الذي حملته فلك الحمد ربنا ولك الحمد ربنا حمداً كثيراً على كل حمد. (4/142)
عن محمد بن سوقة قال: مررت مع عون بن عبد الله بالكوفة على قصر الحجاج فقلت: لو رأيت ما نزل بنا ههنا زمن الحجاج!! فقال: مررتَ كأنك لم تدع إلى ضر مسك، ارجع فاحمد الله واشكره ألم تسمع إلى قوله عز وجل (مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) . (4/142)
__________
(1) لعله أراد مطرفاً بن عبد الله بن الشخير فله عبارة قريبة من هذه.
(2) جاء في لسان العرب (1/90): روأ: روَّأَ في الأَمرِ تَرْوِئةً وتَرْوِيئاً: نظر فيه وتَعَقَبَّه ولم يَعْجَلْ بجَواب؛ وهي الرَّوِيئةُ، وقيل: إِنما هي الرَّوِيَّةُ بغير همز، ثم قالوا رَوَّأَ، فهمزوه على غير قياس كما قالوا: حلأْتُ السَّوِيقَ، وإِنما هو من الحَلاوةِ؛ ورَوَّى لغة. وفي الصحاح: أَنَّ الرَّوِيَّةَ جَرَتْ في كلامهم غير مهموزة. [وفي] التهذيب: رَوَّأْتُ في الأَمْر ورَيَّأْتُ وفَكَّرْتُ بمعنى واحِد.
(3) لعلها (أوَّبته) أي أرجعته إلى أهله.(1/306)
عن أبي إسحاق عن أبي بردة(1) قال: قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال: ممن أنت؟ قلت: ابن عبد الله، قال: من عبد الله؟ قلت: ابن قيس، قال: مرحباً بابن أخي؛ قال: إن الله عز وجل ليعد على عبده نعمه حتى يعد عليه فيما يعد(2) يقول: سألتني فلانة أن أزوجكها، باسمها، فزوجتكها. (4/148)
عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال: النعيم العافية. (4/148)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال: النعيم صحة الأبدان والأبصار والأسماع؛ قال: يسأل الله العباد فيما استعملوها وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) . (4/148)
عن عبد الله بن عقيل بن سيمر الرياحي عن أبيه قال: شرب عبد الله بن عمر ماءً بارداً فبكى فاشتد بكاؤه فقيل: ما يبكيك؟ قال: تذكرت آية في كتاب الله عز وجل (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) فعرفت أن أهل النار لا يشتهون الا الماء البارد؛ وقد قال الله عز وجل: (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله). (4/149)
عن ابن أبي ليلى عن الشعبي عن عبد الله في قوله (لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال: الأمن والصحة. (4/149)
عن القاسم بن الوليد قال: سألت قتادة عن قول الله عز وجل (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال: الأمن والصحة. (4/149)
عن ابن وهب أخبرني مالك قال: بلغني أن لقمان الحكيم قال لابنه: ليس غنى كصحة، وليس نعيم كطيب نفس. (4/149)
عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس (جعل فيكم أنبياء) قال: جعل فيهم أنبياء، (وجعلكم ملوكاً) قال: المرأة والخادم، (وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين) قال: الذين هم بين ظهرانيهم(3) يومئذ. (4/149)
__________
(1) ابن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2) كانت (بعد).
(3) كانت (ظهرانهم) ووردت على الصواب في مستدرك الحاكم 2/341 وتفسير ابن كثير 2/37.(1/307)
عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عقيب حديث عمران بن حصين في البعث، قال قتادة: وإن أهل الاسلام قليل في كثير فأحسنوا بالله الظن وارفعوا الرغبة إليه ولتكن رحمته منكم أوثق عندكم من أعمالكم فإنه لن ينجو ناج إلا برحمته ولن يهلك هالك إلا بعمله. (4/151)
عن عبد الله بن صفوان وهو ابن بنت وهب قال: قال وهب بن منبه: عبد الله عز وجل عابد خمسين عاماً فأوحى الله عز وجل إليه: إني قد غفرت لك، قال: يا رب وما تغفر لي ولم أذنب(1)؟! فأذن الله عز وجل لعرق في عنقه فضرب عليه فلم ينم ولم يصل ثم سكن فنام فأتاه ملك الليلة فشكى إليه فقال: ما لقيت من ضربات العرق؟! قال الملك: إن ربك عز وجل يقول: إن عبادتك خمسين سنة تعدل سكون ذلك العرق. (4/151-152)
عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال: قال داود عليه السلام: رب أخبرني ما أدنى نعمتك علي؟ فأوحى الله إليه: يا داود تنفس، فتنفس، فقال: هذا أدنى نعمتي عليك. (4/152)
عن عبد الله [بن أبي الدنيا] أخبرنا محمد بن صالح قال: كان بعض العلماء إذا تلا (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) قال: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من إدراكه أكثر من العلم أنه لا يدركه فيجعل معرفة نعمه بالتقصير عن معرفتها شكراً كما شكر علم العالمين أنه لا يدركونه فجعله إيماناً، علماً منه أن العباد لا يجاوزون ذلك. (4/152)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني علي بن محمد المروزي أنشدني عبد الله الكواكبي(2) في شغل الرجل عن ماله وولده اذا مرض؛ وأنشدنا أبو زكريا بن أبي اسحاق أنشدني أبو القاسم عبد الله بن محمد الفقيه أنشدني بعض أهل الأدب(3):
__________
(1) هذا من جهل هذا العابد ولو كان عالماً لما قال ذلك ولا خطر له ببال.
(2) كانت (الكوكبي).
(3) أي أن المصنف روى هذين البيتين من طريقين مختلفتين الأولى صرحت باسم قائلهما والثانية لم تسمه.(1/308)
إني(1) وإن كان جمع المال يعجبني
فليس يعدل(2)عندي صحة الجسد
المال زين وفي الأولاد مكرمة
والسقم ينسيك ذكر المال والولد
وفي رواية الكواكبي حب المال والولد. (4/152-153)
عن شرحبيل عن أبي الدرداء قال: الغنى صحة الجسد. (4/153)
عن قتادة والحسن أنهما قالا في هذه الآية (إن الانسان لربه لكنود) قال: لكفور
عن الكلبي في قوله تعالى (إن الانسان لربه لكنود) قال: الكنود بالنعمة البخيل بما أعطي، الذي يمنع رفده ويجيع عبده ويأكل وحده ولا يعطي الباسة؟؟ تكون في قومه؛ ولا يكون كنوداً حتى تكون هذه الخصال فيه. (4/153)
عن شعيب بن الحبحاب عن الحسن بن أبي الحسن (إن الانسان لربه لكنود) قال: يعدد المصائب وينسى النعم. (4/153)
عن عبد الله [بن أبي الدنيا] أنشدنا(3) محمود الوراق في ذلك:
يا أيها الظالم في فعله
والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى
تشكو المصيبات وتنسى النعم
(4/153)
عن مخلد بن جعفر قال: أنشدنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري قال:
خلقان لا أرضى طريقهما
بطر الغنى ومذلة الفقر
فإذا غنيت فلا تكن بطراً
وإذا افتقرت فته على الدهر
(4/153)
فصل في فضل العقل الذي هو من النعم العظام التي كرم بها عباده
عن صالح المري عن الحسن قال: لما خلق الله عز وجل العقل قال له: أقبل، فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر، وقال: ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك، إني بك أعبد وبك أعرف وبك آخذ وبك أعطي. (4/154)
عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: كان رجل في بني اسرائيل له حمار فقال: اللهم إنك تعلم إنه ليس لي إلا حمار واحد، فإن كان لك حمار فأرسله يرعى مع حماري، قال: فهم به نبيهم فأوحى الله إليه أن دعه فإني أثيب كل انسان على قدر عقله. (4/155)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (هل في ذلك قسم لذي حجر) قال: لذي عقل، لذي رأي. (4/159)
__________
(1) كانت إلى (أخي).
(2) تصحفت إلى (بعدك).
(3) كانت (أنا).(1/309)
عن أبي روق عن الضحاك (لينذر من كان حياً) قال: عاقلاً. (4/159)
عن زكريا عن الشعبي قال قال عمر رضي الله عنه حسب الرجل دينه ومرؤته خلقه وأصله عقله. (4/160)
عن حماد عن ابراهيم قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه التوفيق خير قائد وحسن الخلق خير قرين والعقل خير صاحب والأدب خير ميراث ولا وحشة أشد من العجب. (4/161)
عن عبد الرحمن بن محمد بن ادريس الحنظلي الرازي قال: سمعت علي بن عبد الرحمن الزاهد يقول: قال أحمد بن عاصم الأنطاكي: أنفع العقل ما عرفك نعم الله عليك وأعانك على شكرها وقام بخلاف الهوى. (4/161)
عن بشر قال: قال سفيان بن عيينة: ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر إنما العاقل الذي إذا رأى الخير اتبعه وإذا رأى الشر اجتنبه. (4/162)
عن أبي عمرو الزجاجي قال: كان الناس في الجاهلية يتبعون ما استحسنت عقولهم وطبائعهم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فردهم إلى الشريعة والاتباع بالعقل الصحيح الذي يستحسن محاسن الشريعة ويستقبح ما تستقبحه(1). (4/162)
عن الجنيد قال: سئل السري عن العقل فقال: ما قامت به الحجة على مأمور ومنهي. (4/162)
عن أبي عثمان سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون المصري يقول: من أراد علم طريق الآخرة فليكثر محادثة الحكماء ومجالستهم، وليكن أول ما يسأل الحكيم عن العقل، فإن جميع الأشياء لا تدرك إلا بالعقل، ومتى أردت الخدمة لله عز وجل فاعقل(2) لمن تخدم ثم اخدم. (4/162)
وعنه قال: وسمعت ذا النون يقول: والذي رفض الدنيا بحب الله هم قوم من أهل المعرفة والعقل بالآخرة. (4/162)
__________
(1) كانت (يستقبحه) وقد ورد على الصحيح في (طبقات الصوفية) للسلمي ص433، ومن طريقه رواه المصنف.
(2) كانت (فاعتقل).(1/310)
وعنه قال: وسمعت ذا النون يقول: اعلموا أن العاقل يعترف بذنبه ويحسبن ذنب(1) غيره، ويجود بما لديه ويزهد فيما عند(2) غيره، ويكف أذاه ويحتمل الأذى من(3) غيره. (4/162)
وعنه قال: سمعت ذا النون المصري يقول: تجوَّع وتخلَّ ترى العجب؛ من أحب الله عاش، ومن مال إلى غيره طاش، والأحمق يغدو ويروح في لا شي، والعاقل عن خواطر نفسه فتاش. (4/163 و 7/418)
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسين بن محمد بن اسحاق قال: سمعت أبا عثمان الخياط فذكر [هذه] الحكايات عن ذي النون وزاد: الكريم يعطي قبل السؤال فكيف يبخل بعد السؤال، ويعذر(4) قبل الاعتذار فكيف يحقد بعد الاعتذار، ويعفو قبل الامتناع فكيف يطمع الازورار(5). (4/163)
عن عثمان قال: قيل لجعفر بن محمد: ما الشيء الذي يعول عليه المرء؟ قال: عقله الذي يرجع إليه فيه، قيل: فأين العقل من الهوى؟ قال: هما جميعاً في وعاء، قيل: فأيهما على صاحبه أقوى؟ قال: العدل من سلطان العقل والجور من سلطان الهوى والنفس بينهما؛ فمن أطاع عقله سدده وأرشده ومن مال به هواه أضله وأهلكه. (4/163)
عن أبي عثمان الحناط حدثني عبد الله بن محمد النصيبي قال: قال ابن القرية: الرجال ثلاثة: عاقل وأحمق وفاجر، فالعاقل إن كلم أجاب وإن سمع وعى وإن نطق نطق بصواب؛ والأحمق إن تكلم عجل وإن حُدث ذهل وإن حُمل على القبيح فعل، والفاجر إن ائتمنته خانك وإن حادثته شانك. (4/163)
__________
(1) لعلها (وينسى ذنب) أو (ويحس بذنب)؛ والثاني أقرب لأنه كذلك ورد في حلية الأولياء 9/341-342.
(2) تحرفت إلى (عنده).
(3) كانت (عن).
(4) تصحفت إلى (ويقدر).
(5) انظر هذا الأثر مطولاً في الحلية الأولياء 9/341-342 وقد سقته قبل قليل في هامش بعض الآثار، وورد هناك (ويعف) بدل (ويعفو)، و (في الازدياد) بدل (الازورار).(1/311)
عن أبي مسهر عن عروة بن زبير قال: قيل لقس بن ساعدة: ما العقل؟ قال: معرفة الانسان نفسه، قيل: فما أفضل العلم؟ قال: وقوف المرء عند علمه. (4/164)
عن عيسى بن اسحاق الأنصارى قال: كان أبو عبد الله الساجي(1) رحمه الله يقول: كيف يكون عاقلاً من لم يكن لنفسه ناظراً؟! أم كيف يكون عاقلاً من يطلب بأعمال طاعته من المخلوقين ثواباً عاجلاً؟! أم كيف يكون عاقلاً من كان بعيوب نفسه جاهلاً وفي عيوب غيره ناظراً؟! أم كيف يكون عاقلاً من لم يكن لما يراه في نفسه من النقص وأهل زمانه محزوناً باكياً؟! أم كيف يكون عاقلاً من كان في قلة الحياء من الله عز اسمه متمادياً؟!. (4/164)
عن الفضيل بن عياض قال: كان السلف يقولون: إن على كل شيء زكاة، وزكاة العقل طول الحزن. (4/164)
عن عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا سفيان عن الأغر عن وهب بن منبه قال: في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يشغل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها إلى اخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن هذه الساعة [تكون] عوناً على هذه الساعات وإجماماً للقلوب وفضل يلقاه(2)؛ وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في إحدى ثلاث: زاد لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم(3)؛ قال عبد الرحمن: هذا أو نحوه. (4/164-165)
عن وهب بن منبه قال: إني وجدت في حكمة آل داود: على العاقل أن لا يشغل عن أربع ساعات فذكر الحكاية بمعناها غير أنه قال: وفضل وبلغه، وعلى العاقل أن يكون عالماً بزمانه ممسكاً للسانه مقبلاً على شأنه. (4/165)
__________
(1) أظنه النباجي لا الساجي.
(2) كذا.
(3) عن ابن الأعرج عن وهب بن منبه قال: في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا ير ظاعناً إلا في ثلاث: زاد لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم. الورع لابن أبي الدنيا ص95(1/312)
عن أحمد بن سيار قال: سمعت حبيب أبا محمد الحلاب قال: قيل لعبد الله بن المبارك: أي خصلة في الانسان خير؟ قال: غريزة عقل، قيل(1): فإن لم يكن؟ قال: فأدب حسن، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ شفيق يشاوره، قيل: فإن لم يكن؟ قال: فصمت طويل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: فموت عاجل. (4/165)
عن عثمان بن أبي شيبة أخبرنا جرير عن الحكم بن عبد الرحمن قال: كانت العرب تقول: العقل التجارب، والحزم سوء الظن. (4/165)
عن أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي أخبرنا ابن شبيب قال: سئل بعض الخلفاء: أي شيء يؤيد(2) العقل وأي شيء أشد به اضراراً؟ قال: أما أشده تأييداً فمشاورة العلماء وتجربة الأمور وحسن التثبت؛ وأشد به إضراراً فالاستبداد والتهاون والعجلة. (4/166)
عن جنيد بن محمد قال: سمعت حارث المحابسي يقول: لكل شيء جوهر، وجوهر الانسان العقل، قيل: وما جوهر العقل؟ قال: الصبر. (4/166)
عن أبي أسامة قال: سمعت مالك بن أنس يقول: العاقل من عقل عن الله عز وجل أمره وصبر على بلوى زمانه. (4/166)
عن أبي الأشهب عن الحسن قال: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. (4/166)
عن محمد بن أبي الأزهر قال: قال أبو بكر بن عياش: العقل إمساك اللسان والتؤدة، والحمق ذرب اللسان وشدة البيان. (4/167)
عن الرياشي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: كان يقال: الصمت منام العقل والمنطق يقظته، ولا منام الا بيقظة ولا يقظة الا بمنام. (4/167)
عن يونس بن عبيد عن ميمون بن مهران قال: التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف الفقه، ورفقك(3) في معيشتك يلقي نصف المؤنة. (4/167)
عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن شاذان قال: بلغني أن يوسف بن الحسين كان يقول: إذا أردت أن تعرف العاقل من الأحمق فحدثه بالمحال، إن قبل فاعلم أنه أحمق. (4/167)
__________
(1) كانت (قال).
(2) أي يقوي ويزيد.
(3) تصحفت إلى (ورفعك).(1/313)
عن أحمد بن علي المؤدب قال: سمعت يزيد بن هارون قال: من كان علمه أكثر من عقله خشيت عليه، ومن كان عقله أكثر من علمه رجوت له. (4/167)
عن خليد بن دعلج قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: لا ينفعك القارىء حتى يكون له عقل. (4/167)
عن الحسن بن سفيان قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الدورقي أخبرنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال: من الناس من عقله بفنائه، ومنهم من عقله معه، ومنهم من لا عقل له؛ فأما العاقل(1) الذي عقله معه فالذي يبصر ما يخرج منه قبل أن يتكلم؛ وأما الذي عقله بفنائه فالذي يبصر ما يخرج منه بعدما يتكلم(2)؛ قال: فحدثت به عبد الرحمن بن مهدي فقال: هذه صفتنا(3)، يعني الذي عقله بفنائه، واستحسن الكلام فقال: ليس هذا من كلام شعبة إنه سمعه من غيره. (4/168)
عن محمد بن سلام الجمحي قال: زعم عبد القاهر بن السري قال: قال إياس بن معاوية: ما من رجل عاقل إلا وهو يعرف عيب نفسه، قال: فقيل له: فما عيبك يا أبا وائلة؟ قال: الإكثار، قيل(4): ثم ماذا؟ قال: أما والله مع ذلك وإن أكثرت ما تدبر قولي(5) عاقل إلا وجد فيه بعض ما ينتفع به. (4/168)
عن وهب بن منبه قال: لما بلغ ذو القرنين مطلع الشمس قال له ملكها: يا ذا القرنين صف لي الناس، قال: إن محادثتك من لا يعقل بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور، ومحادثتك من لا يعقل بمنزلة من يبل الصخرة حتى تبتل أو يطبخ الحديد يلتمس أدمه؛ نقل الحجارة من رؤوس الجبال أيسر من محادثة من لا يعقل. (4/168)
__________
(1) كانت (العقل)، ولعلها زيدت توهماً.
(2) لم يصف من لا عقل له فإما أنه تركه لظهور حاله ووضوح صفته وإما أن العبارة سقطت من ناسخ أو طابع، ولعل العبارة على هذا النحو: (وأما الذي لا عقل له فهو الذي لا يبصر ما يخرج منه لا قبل أن يتكلم ولا بعده).
(3) كانت (صنعتنا).
(4) في الأصل (قال).
(5) بالأصل (قول) ولها أيضاً وجه على أنها نائب فاعل.(1/314)
عن سفيان بن عيينة قال: قال أيوب: إني لألقى الأخ من إخواني فأكون عاقلاً أياماً(1). (4/169)
عن ابن عائشة قال: كان الحسن يقول: لسان العاقل من وراء قلبه فإذا عرض له قول نظر فإن كان له قال، وإن كان عليه أمسك، ولسان الأحمق أمام قلبه، فإذا عرض له القول عليه أو له [قاله](2) . (4/169)
عن أبي أحمد الفراء قال: سمعت علي بن عثام يقول: إنما أخذ العقل من عقال الإبل، وذلك أنها تنزع من أوطانها فتشرد فترجع إلى أوطانها، فكذلك العقل يعقل صاحبه. (4/169)
قال عامر بن عبد قيس: إذا عقلك عقلك(3) عما لا ينبغي فأنت عاقل. (4/169)
عن معمر عن الزهري قال: ما عبد الله بمثل العلم، قال: وقال أيوب: العقل في الدين نعم الشيء هو. (4/169)
عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: قال الأحنف بن قيس: العقل خير قرين والأدب خير ميراث، والتوفيق خير معين(4). (4/169)
__________
(1) روى ابن حبان في روضة العقلاء ص92 عن خالد بن بزار حدثنا سفيان عن موسى بن عقبة قال: إن كنت لألقى الأخ من إخواني فأكون بلقيه عاقلاً أياماً؛ وقال ص93: حدثنا القطان حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا المسيب بن واضح عن ابن المبارك قال: قال سفيان: لربما لقيت الأخ من إخواني فأقيم شهراً عاقلاً بلقائه.
(2) أخرج أحمد في الزهد ص271 عن الحسن قال: كانوا يقولون لسان الحكيم وراء قلبه فاذا أراد ان يقول رجع الى قلبه فان كان له قال وان كان عليه امسك وان الجاهل قلبه في طرف لسانه لا يرجع الى قلبه ما جرى على لسانه تكلم به. (وانظر زهد ابن المبارك ص131 والصمت لابن أبي الدنيا ص220 والمصنف لابن أبي شيبة 7/187 و236 والبيان والتبيين للجاحظ 1/172)
(3) في الأصل (عملك) وهو خطأ والصواب ما أثبته أو (علمك).
(4) كانت (قرين) فاجتهدت في إصلاحها.(1/315)
عن إلياس بن سلمة قال: كتب أبو دجانة أحمد بن محمد إلى جعفر بن يحيى البرمكي: واعلم أن من سعادة المرء سلام عقله من الآفة، وانتشار فضله في العامة، وبالعقل والفضل ينال الفخر(1)، وعن أهلنا ينتشر الصوت والذكر، فاسمُ بعملك(2) إلى المنافع، وارتد لأياديك المواضع. (4/169)
عن حسين الجعفي عن محمد بن أبي إسماعيل قال: كنا نجالس منصور بن المعتمر، إذا أراد أن يقوم اعتمد على يديه وقال: اللهم اجمع على الهدى أمرنا واجعل التقوى زادنا والجنة مآبنا، وارزقنا شكراً يرضيك عنا وورعاً يحجزنا عن معاصيك، وخلقاً نعيش به بين(3) الناس وعقلاً تنفعنا(4) به، قال: فكان إذا قال: "وعقلاً تنفعنا به" يأخذني الضحك، فيقول: من أي شيء تضحك يا ابن أبي اسماعيل؟! إن الرجل ليكون عنده ويكون عنده ولا يكون له عقل فلا يكون عنده شيء(5). (4/170)
فصل في النوم الذي هو نعمة من نعم الله تعالى في دار الدنيا وما جاء في آدابه
عن مجاهد قال: قال لي ابن عباس: لا تنامن إلا على وضوء فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه. (4/175)
عن الحسن أن سعيد بن العاص نكح امرأة عمر بن الخطاب فقال لها: إني لم أنكحك رغبة في النساء ولكن نكحتك لتحدثيني عن صنع عمر، فقالت: كان إذا أخذ مضجعه من الليل وضع عنده إناء فيه ماء فاذا تعار من الليل أخد من ذلك الماء فيمسح وجهه ويديه ثم ذكر الله عز وجل. (4/175)
__________
(1) البحث عن الفخر لا يشرع وانتشار الفضل بين العامة لا حاجة إليه، وربما ضر ولم ينفع.
(2) لعلها (بعلمك) أو (بعقلك).
(3) كانت (من).
(4) كانت (ينفعنا).
(5) قال الحليمي: ومن أعظم فوائد نعم الله تعالى جده الاستدلال بها على المنعم فإن فيها الدليل عليه وعلى قدرته وعلمه وحكمته ووحدانيته، وقد نبه الله تعالى على ذلك في غير موضع من كتابه. (4/171)(1/316)
عن قتيبة بن سعيد قال: قدمت على جرير فسألني: أسمعت من ابن لهيعة؟ فقلت: نعم، (قال: سمعتَ)(1) منه حديث واهب؟؟ بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو قال: تعرج الأرواح في منامها فما كان منها طاهراً سجد أمام العرش وما كان غير طاهر سجد قاصياً؟ [قلت: نعم]، قال: فدعا جرير بالكتاب وكتب في موضعين. (4/175)
يحيى بن بكير نا مالك عن ابن شهاب عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله ص مستلقيا في المسجد واضعا احدى رجليه على الأخرى(2). (4/176)
عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك. (4/176)
عن أيوب عن ابن سيرين قال: يكره للرجل أن يضطجع على بطنه والمرأة يعنى على قفاها. (4/178)
عن مسعر عن ثابت بن عبيد عن خوات بن جبير الأنصاري وكان من الصحابة قال: النوم أول النهار خرق، وأوسطه خلق، وآخره حمق. (4/181)
عن أبي فراس مولى عبد الله بن عمرو أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: النوم ثلاثة فنوم خرق ونوم خلق ونوم حمق؛ فأما نوم خرق فنومة(3) الضحى يقضي الناس حوائجهم وهو نائم؛ وأما نوم خلق فنومة القايلة نصف النهار؛ وأما نومة حمق نومة حين تحضر الصلاة. (4/182)
عن علقمة بن قيس قال: بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من نومة العالم بعد صلاة الصبح. (4/182)
عن السائب بن يزيد قال: كان عمر بن الخطاب يمر علينا عند نصف النهار أو قبيله فيقول: قوموا فقيلوا فيما(4) بقي، فهو للشيطان. (4/182)
__________
(1) إن كان الصواب في هذه هو (قلت: سمعتُ) فالكلام حينئذ يستقيم بدون الزيادة التي استدركتها.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) تصلح أن تكون (نومه) وكذلك نظائرها في هذا الخبر.
(4) تحتمل أنها محرفة عن (فما)، والمعنى صحيح وواحد على الوجهين.(1/317)
عن سعيد بن زيد أخي حماد بن زيد قال: دخلنا على هشام بن حسان، فقال: إن دجاجة كان من أصحاب علي بن أبي طالب وإنه قال: اتخذ أبو الدرداء ظلة يقيل فيها فقيل له في ذلك فقال: إن نفسي مطيتي فإن لم أرفق بها لم تبلغني. (4/183)
عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال: كمال المروءة أن تحرز دينك وتصل رحمك وتكرم إخوانك وتصلح مالك وتقيل في بيتك. (4/183)
فصل في ذم كثرة النوم
عن معمر عن يونس بن عبيد عن ابراهيم أنه قال: إذا رأى الرجل رؤيا يكرهها فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي الليلة أن تضرني في ديني أو دنياي يا رحمن. (4/190)
عن قتادة قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى: إذا رأى [أحدكم] رؤيا فقصها على أخيه فليقل: خير لنا وشر لأعدائنا. (4/191)
عن زياد بن نعيم أن أبا بكر الصديق كان يقول إذا أصبح: من رأى رؤيا صالحة فليحدثنا بها، وكان يقول: لأن يرى لي رجل مسلم مسبغ الوضوء رؤيا صالحة أحب إلي من كذا وكذا(1). (4/192)
عن قتادة قال: جاء إلى ابن المسيب رجل، قال: وكان من أعبر الناس، يعني ابن المسيب، قال: رأيت كأن في يدي قطرة من دم فكلما غسلتها ازدادت إشراقاً، فقال له ابن المسيب: أنت رجل تنتفي(2) من ولدك فاتق الله واستلحقه. (4/193)
__________
(1) قال المصنف: فروينا عن عبد الله بن عمرو من قوله هذا اللفظ الأخير.
(2) كانت (تنتقي).(1/318)
عن معمر قال: جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيت في النوم كأن حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت منها أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجب أصغر مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت كما دخلت سواء؛ فقال له ابن سيرين: أما التي خرجت أعظم مما دخلت فذلك الحسن يسمع الحديث فيجوده بمنطقه ثم يصل فيه من مواعظه(1)، وأما التي خرجت أصغر مما دخلت فذلك محمد بن سيرين يسمع الحديث فينقص منه، وأما التي خرجب كما دخلت فهو قتادة فهو أحفظ الناس. (4/193)
عن ابن عيينة عن أيوب السختياني قال: كنت مع محمد بن سيرين في السوق فجاءه رجل فقال: إني رأيت في المنام كأني آكل الخبيص وأنا في الصلاة، فقال ابن سيرين: الخبيص حلو لين وأكله في الصلاة لا ينبغي، ولكن لعلك تقبل وأنت صائم؟! قال: نعم، قال: فلا تفعل. (4/194)
عن سفيان عن هشام بن حسان قال: كنت مع ابن سيرين في السوق فجاءه رجل فقال: إني رأيت في المنام كأن عنقي ضربت، فقال: أنت عبد تعتق؛ قال: ثم أعدته(2) قال: يموت مولاك؛ قال: فبلغ ذلك مولاه فقال: يا عجباً لابن سيرين هذا! يتكلف علم الغيب! قال: فلم يلبث أن عتق العبد ومات المولى؛ قال: وجاءه رجل فقال: إني رأيت في المنام كأن على رأسي تاجاً من الذهب فقال: أبوك في أرض غربة قد ذهب بصره؛ قال: فما افترقنا حتى أخرج كتاباً من أبيه أنه قد ذهب بصره. (4/194)
عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال: كان بين رؤيا يوسف وعبارتها أربعون عاماً. (4/194)
عن سفيان بن عيينة عن ابن سنان عن عبد الله بن شداد قال: وقعت رؤيا يوسف عليه السلام بعد أربعين سنة، وإليها تنتهي أقصى الرؤيا(3). (4/195)
الرابع والثلاثون من شعب الايمان
وهو باب في حفظ اللسان عما لا يحتاج إليه
__________
(1) من تتبع كلمات الحسن علم دقة هذا الوصف.
(2) أي أعدت العنق إلى موضعه.
(3) يعني لا يتأخر وقوع تأويل رؤيا عنها أكثر من أربعين عاماً، والله أعلم بصحة هذه الدعوى.(1/319)
عن سليمان بن حرب أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة عن عبد الله قال: أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين؛ قال: هذا عن مرة أو غيره عن عبد الله: ألا عليكم بالصدق فإنه يقرب الى الجنة ولا يزال العبد يصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ويثبت البر في قلبه فلا يكون للفجور موضع إبرة يستقر فيه، ألا وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور أو قال: إلى النار، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ويثبت الفجور في قلبه فلا يكون للبر موضع إبرة يستقر فيه(1). (4/200)
عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل اقرأوا إن شئتم (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال عبد الله: فهل ترون في الكذب من رخصة. (4/202)
عن أبي عثمان عن عمر بن الخطاب قال: أما في المعاريض ما يغني الرجل عن الكذب. (4/203)
عن قتادة عن مطرف بن عبد الله قال: أقبلنا مع عمران بن حصين من البصرة إلى الكوفة فما من غداة الا يناشد فيها الشعر ويذكر فيها أيام العرب وكان يقول: إن في المعاريض مندوحة عن الكذب. (4/203)
عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس(2) قال: سمعت أبا بكر الصديق يقول: إياكم والكذب فإن الكذب مجانب الايمان. (4/207)
عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: المسلم يطبع على كل شيء غير الخيانة والكذب. (4/207)
عن وهب بن منبه قال: قال لقمان لابنه: من كذب ذهب ماء وجهه، ومن ساء خلقه كثر غمه ونقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم. (4/208)
عن الشافعي قال: قال عمي محمد بن علي: قال لنا شيخ: من أظهر شكرك بما لم تأته اليه فاحذر أن يكفر نعمتك فيما أتيت اليه. (4/211)
__________
(1) قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح عن آدم عن شعبة ولم يشك في إدراجه في الحديث.
(2) هو ابن أبي حازم.(1/320)
عن ابراهيم بن بشار قال: سمعت ابراهيم بن أدهم يقول: مر عبد الله بن عمر على قوم مجتمعين وعليه بردة حسناء فقال رجل من القوم: إن أنا سلبته بردته فما لي عندكم؟ فجلعوا له شيئاً، فأتاه فقال: يا أبا عبد الرحمن بردتك هذه لي(1)، قال: فقال: إني اشتريتها أمس، قال: قد أعلمتك وأنت في حرج من لبسها، قال: فخلعها ليدفعها إليه، قال: فضحك القوم، فقال: ما لكم؟ فقالوا: هذا الرجل بطال، قال: فالتفت إليه فقال له: يا أخي أما علمت أن الموت أمامك لا تدري متى يأتيك صباحاً أو مساءً ليلاً أو نهاراً ثم القبر وهول المطلع ومنكر ونكير وبعد ذلك القيامة، يوم يخسر فيه المبطلون؛ فأبكاهم ومضى. (4/214)
عن [عبد العزيز] ابن أبي حازم(2) قال قدم سفيان الثوري المدينة فسمع القاضي(3) يتكلم بما يضحك منه الناس فقال يا شيخ أما علمت أن تحذر(4) يوماً يخسر(5) فيه المبطلون؛ قال: فلم يزل يعرف ذلك في [وجه] القاضي حتى لقي الله عز وجل. (4/214)
عن عبد الله بن بكر أخبرنا الحجاج بن فرافصة أن رجلين كانا يتبايعان عند الله بن عمر فكان أحدهما يكثر الحلف فبينما هم كذلك اذ مر عليهما رجل فقام عليهما فقال للذي يكثر الحلف منهما يا عبد الله اتق الله ولا تكثر الحلف فإنه لا يزيد في رزقك ان حلفت ولا ينقص من عمرك رزقك ان لم تحلف قال امض لما يعنيك قال ان ذا مما يعنيني قالها ثلاث مرات ورد عليه قوله قال فلما أراد أن ينصرف عنهما قال اعلم أن من آية الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ولا يكن في قولك فضل على فعلك ثم انصرف---. (4/221)
__________
(1) يدعي أنها سرقت منه أو ضاعت أو حصل له فيها نحو ذلك.
(2) في الحلية 7/51 (خالد) بدل (حازم)!
(3) كانت (القاضري) في الموضعين، وأثبت ما في الحلية.
(4) كانت (تذر) وبدلها في الحلية (لله).
(5) في الحلية (يحشر).(1/321)
عن صخر بن عبد الله عن زياد بن أبي حبيب قال: بلغني أن من حملة العرش من يسيل من عينيه أمثال الأنهار من البكاء فإذا رفع رأسه قال: سبحانك ما تخشى حق خشيتك؛ قال الله عز وجل: لكن الذين يحلفون باسمي كاذبين لا يعلمون. (4/222)
عن إبراهيم بن أبي عثمان عن أبي حرزة أن العشر الآيات التي كتب الله تبارك وتعالى لموسى في الألواح: أن اعبدني ولا تشرك بي شيئاً، ولا تحلف باسمي كاذباً فإني لا أزكي ولا أطهر من حلف باسمي كاذباً، واشكر لي، ولوالديك، أنسئ لك في أجلك وأقيك المتالف، ولا تسرق، ولا تزن، فاحجب عنك نور وجهي وتغلق عن دعائك أبواب سمواتي، ولا تغدر بحليلة(1) جارك، وأحب للناس ما تحب لنفسك، ولا تشهد بما لم يعه سمعك ويفقهه(2) قلبك فإني واقف أهل الشهادات على شهاداتهم يوم القيامة ثم سائلهم عنها، ولا تذبح لغيري فإنه لا يصعد إلي من قربان أهل الأرض إلا ما ذكر عليه اسمي. (4/222)
عن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله: إن الرجل ليكون له إلى الرجل حاجة فيلقاه فيقول: إنك ذيت وذيت فعسى أن لا يحلى(3) من حاجته بشيء فيرجع وقد سخط الله عليه وما معه من دينه من شيء. (4/227)
عن الأوزاعي قال: إذا أثنى رجل على رجل في وجهه فليقل: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي من الناس، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما لا يعلمون. (4/227)
عن محمد بن زياد عن بعض السلف أنه كان يقول في الرجل يمدح في وجهه قال: التوبة منه أن يقول: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيراً مما يظنون. (4/228)
عن الأصمعي قال: قيل لأعرابي: ما أحسنَ ثناءَ الناس عليك! قال: بلاء الله عندي(4) أحسن من مدح المادحين وإن أحسنوا؛ وذنوبي أكثر من ذم الذامين وإن أكثروا؛ فيا أسفي فيما فرطت ويا سوءتي فيما قدمت. (4/228)
__________
(1) كانت (بحليل).
(2) كانت (ويفقه).
(3) كانت (تحلى).
(4) يريد نعم الله عليه.(1/322)
عن ثابت قال: قال مطرف: بينا أنا مع مذعور يوماً إذ رجل يقول: هذان من أهل الجنة، قال: فنظر إليه مذعور فعرفت الكراهة في وجهه ثم رفع بصره الى السماء فقال: اللهم تعلمنا ولا يعملنا، اللهم تعلمنا ولا يعلمنا، اللهم تعلمنا ولا يعلمنا، ثلاثاً. (4/228)
عن علي بن عثام عن الفضيل بن عياض قال: ما دخل علي أحد إلا خفت أن أتصنع له أو يتصنع لي. (4/229)
عن حسان بن عطية قال: قال عمر بن الخطاب: لا تجد المؤمن كذاباً. (4/230)
عن عمر بن الخطاب قال: لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه، ولكن انظروا إلى من إذا حدث صدق وإذا ائتمن أدى وإذا أشفى ورِع. (4/230)
عن مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان الحكيم: ما بلغ بك ما نرى؟ – قال مالك: يريدون الفضل -، قال: صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني. (4/230)
عن ابن عجلان عن أنس قال: إن الرجل ليحرم قيام الليل وصيام النهار بالكذبة يكذبها. (4/231)
عن يونس عن الحسن أن لقمان قال لابنه: يا بني حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل فلم أجد شيئاً هو أثقل من جار السوء، وذقت المرار فلم أذق شيئاً هو أمر من الفقر، يا بني لا ترسل رسولك جاهلاً فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك، يا بني إياك والكذب فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يقليه(1) صاحبه يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس، فإن الجنائز تذكرك الآخرة والعرس يذكرك(2) الدنيا، يا بني لا تأكل شبعاً على شبع فإنك إن تلقه للكلب خير من أن تأكله، يا بني لا تكن حلواً فتبلع ولا مراً فتلفظ. (4/231)
__________
(1) في الأصل (يقلي)، وهو في (الصمت) لابن أبي الدنيا ص257 (يقلاه)؛ وفي لسان العرب 15/198: "والقِلَى البغض، فإِن فتحت القاف مددت، تقول قَلاه يَقْلِيه قِلىً وقَلاء، ويَقْلاه لغة طيء.
(2) كانت (يشجيك).(1/323)
عن بنان [بن بشر] عن عامر [الشعبي] قال: من كذب فهو منافق، ثم قال: لا أدري أيهما أبعد غوراً في النار الكذب أم الشح(1). (4/231)
عن أبي بكر الحميدي أخبرنا سفيان عن مطرف بن طريف، أو أخبرته عنه، قال: ما أحب أني كذبت وأن لي الدنيا وما فيها؛ قال سفيان(2): يقول: ما أحب أني تعرضت لسخط الله. (4/231)
عن عاصم الأحول قال: سمعت أبا العالية يقول: أنتم أكثر صياماً وصلاة ممن كان قبلكم، ولكن الكذب قد جرى على ألسنتكم. (4/231)
عن الهلالي قال: قال الأحنف بن قيس: ليس للكذوب مروءة(3) ولا للبخيل حياء، ولا لحاسد راحة ولا لسيء الخلق سؤدد ولا لملول(4) وفاء. (4/231)
عن الأحنف بن قيس قال: لا مروءة لكذوب، ولا راحة لحسود، ولا حيلة لبخيل، ولا سؤدد لسيء الخلق، ولا إخاء لملول(5). (6/356)
عن مورق العجلي قال: قال الأحنف بن قيس: خمس هن كما أقول: لا راحة لحسود، ولا مروءة لكذوب، ولا وفاء لملول(6) ولا حيلة لبخيل، ولا سؤدد لسيء الخلق(7). (5/273)
عن علي بن زيد قال: قال الأحنف لابنه: اتخذ الكذب كنزاً، أي لا تكذب أبداً اكنزه فلا يظهر منك. (4/232)
عن صالح بن حسان عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه عليه. (4/232)
عن شبيب بن شيبة قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف. (4/232)
عن مطر الوراق قال: خصلتان إذا كانتا(8) في عبد كان سائر عمله تبعاً لهما: حسن الصلاة وصدق الحديث. (4/232)
عن مردويه الصائغ قال: سمعت الفضيل يقول: لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق وطلب الحلال. (4/232)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت ص257.
(2) شارحاً.
(3) كانت (مرة).
(4) كانت (لملوك).
(5) قدمته.
(6) كانت (لملوك).
(7) قدمت هذا الخبر إلى هذا الموضع ليكون عقب الذي قبله مباشرة، فإنهما روايتان لخبر واحد.
(8) كانت (كانا).(1/324)
عن الحسن بن أبان عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: إبرار الدنيا الكذب وقلة الحياء، من طلب الدنيا بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب؛ وإبرار الآخرة الحياء والصدق، فمن طلب الآخرة بغيرهما قد أخطأ الطريق والمطلب. (4/233)
عن أبي عثمان سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت سري السقطي يقول: أربع من أعطيهن فقد أعطي خيري الدنيا والآخرة، صدق الحديث وحفظ الأمانة وعفاف الطعمة وحسن الخليقة. (4/233)
عن عبد الله بن خبيق: قال يوسف بن أسباط: يرزق الصدوق ثلاث خصال: الحلاوة والملاحة والمهابة. (4/233)
عن الأشجعي قال: سمعت سفيان يقول: إني لأظن لو أن رجلاً هم بالكذب لعرف(1) ذلك في وجهه؛ قال الأشجعي: وكان سفيان لا (يخفى عليه)(2) حال من يذاكره الحديث. (4/233)
عن محمد بن سهل بن عسكر قال: سمعت علي بن المديني يقول: لا أشبه الكذب إلا بثوب خلق لا ينتفع به. (4/233)
عن أيوب عن الحسن أنه تلا (ولكم الويل مما تصفون) فقال: هي والله لكل واصف كذباً إلى يوم القيامة. (4/234 و263)
عن أحمد بن يحيى ثعلب قال: قال بعض العقلاء: إنما يكذب الانسان ليُصدَّق فليصدق وليستريح. (4/234)
عن أبي بكر المقري الطرازي قال: أنشدنا الوزير أبو مزاحم الخاقاتي موسى بن عبد الله بن خاقان لنفسه:
الصدق حلو وهو المر
والصدق لا يتركه الحر
جوهرة الصدق لها زينة
يحسدها الياقوت والدر
(4/234)
عن أبي روح حاتم بن يوسف قال: أتيت باب الفضيل بن عياض فسلمت عليه فقلت: يا أبا علي معي خمسة أحاديث إن رأيت أن تأذن لي فأقرأ عليك، فقال لي: اقرأ فقرأت فإذا هو ستة فقال لي: أف، قم يا بني، تعلم الصدق ثم اكتب الحديث. (4/234)
فصل في فضل السكوت عن كل ما لا يعنيه وترك الخوض فيه
عن مجالد قال: سمعت عامراً [الشعبي] يقول: ما خطب خطيب في الدنيا الا سيعرض الله عليه خطبته ما أراد بها. (4/250)
__________
(1) كانت (يعرف).
(2) كانت (يخفي على حال عليه).(1/325)
عن جعفر بن عون أخبرنا مسعر عن أبي علقمة، قال مسعر: أراه عن عبد الله، قال: ليأتين على الناس زمان يأكلون فيه بألسنتهم كما تأكل البقرة بألسنتها. (4/252)
عن عثمان بن سعيد الدارمي قال: سمعت نعيم بن حماد يقول: سمعت ابن المبارك يقول: أدركت أصحابنا يقطعون الكلام، يريد أنهم كانوا يخافون حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ [وسـ]يكون قوم يأكلون بألسنتهم. (4/253)
عن ميمون بن مهران قال: إني لعند عمر بن عبد العزيز إذ فتح له منطق حسن حتى رق له أصحابه قال: ففطن لرجل منهم وهو يحذف دمعته، قال: فقطع منطقه، قال ميمون: فقلت له: امض في منطقك يا أمير المؤمنين فإني أرجو أن يمن الله عز وجل به على من سمعه وانتهى إليه، فقال بيده: إليك عني، فإن القول فتنة والفعال أولى بالمرء من القول. (4/254)
عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله بن مسعود: إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل، يقول علامة. (4/255)
عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه فقال عمر مه يغفر الله لك فقال أبو بكر هذا أوردني الموارد. (4/256)
عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة فتقول: ألا تريحون كُتابكم(1). (4/256)
__________
(1) تحثهم على تقليل الكلام ولا سيما في الليل، وتعني بالكتاب الملائكة الذين يكتبون أفعال الناس وأقوالهم، ولا دليل على أنهم يتعبون، ويظهر أن كلامها – إن ثبت عنها – خارج على سبيل الكناية والبلاغة، أي أنها كنت عن كثرة الكلام بتعب كاتبيه وذلك أبلغ في التعبير وأقوى في التأثير بالسامع.(1/326)
عن الأحنف قال: جلست إلى أبي ذر وهو يسبح فأقبل علي فقال: إملاء الخير على خير، أليس خيراً؟ قال: قلت: بلى أصلحك الله، ثم أقبل على تسبيحه ثم قال: والسكوت خير من إملاء الشر، أليس كذلك؟ قلت: بلى؛ ثم قال: والجليس(1) الصالح خير من الوحدة، أليس كذلك؟ قلت: بلى؛ قال: والوحدة خير من جليس السوء، أليس كذلك؟ قلت: بلى. (4/256)
عن الأحنف بن قيس قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن كثر مزاحه استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه. (4/257 و4/263)
عن عبيد الله بن عبد الله أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان يقول: لا تعترض فيما لا يعنيك واعتزل عدوك، واحتفظ من خليل الا الأمين، فإن الأمين من القوم لا يعدله شيء، ولا تصحب الفاجر ليعلمك(2) من فجوره ولا تفشِ إليه سرك، واستشر(3) في أمرك الذين يخافون الله عز وجل. (4/257)
عن يونس بن عبيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بحسب المؤمن من الغي أن يؤذي جليسه فيما لا يعنيه وأن يجد على الناس بما يأتي وأن يظهر له من الناس ما يخفى عليه من نفسه. (4/257)
عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن عمر قال: بحسب المؤمن من الكذب أن يحدث بكل ما سمع. (4/257)
عن مسروق عن عبد الله، هو ابن مسعود، قال: إياكم وفضول الكلام، بحسب الرجل أن يبلغ حاجته. (4/257)
عن عبد الملك بن عمير حدثني آل عبد الله أن عبد الله أوصى ابنه عبد الرحمن فقال: أوصيك باتقاء الله وليسعك بيتك وابك من خطيئتك وأملك عليك لسانك. (4/258)
__________
(1) كانت (وجليس).
(2) لعلها (فيعلمك).
(3) في الأصل (واستبشر).(1/327)
عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود قال لانسان: إنك في زمان قليل قراؤه كثير فقهاؤه يحفظ فيه حدود القرآن ويضيع فيه حروفه، قليل من يسأل، كثير من يعطي، يطيلون الصلاة فيه ويقصرون فيه الخطبة، يبدأون(1) فيه بأعمالهم قبل أهوائهم؛ وسيأتي على الناس زمان كثير قراؤه قليل فقهاؤه يحفظ فيه حروف القرآن ويضيع حدوده(2)، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة ويقصرون فيه الصلاة، يبدون؟؟ أهواءهم قبل أعمالهم. (4/258)
__________
(1) كانت (يبدون).
(2) كانت (حدود).(1/328)
عن ابراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب بن منبه قال: كان ابن عباس جالساً في المسجد الحرام ومعه وهب بن منبه فنهض ابن عباس يتهادى على عطاء بن أبي رباح وعكرمة فلما دنا من باب المسجد إذا هو بقوم يتجادلون قد علت أصواتهم فوقف ابن عباس عليهم وقال لعكرمة: ادع لي ابن منبه فدعاه فقال له ابن عباس: حدث هؤلاء حديث الفتى، قال: نعم، قال: لما اشتد الجدال بين أيوب وأصحابه قال فتى معهم لأصحاب أيوب في الجدال قولاً شديداً ثم أقبل على أيوب فقال: وأنت يا أيوب قد كان في عظمة الله وجلال الله وذكر الموت ما يكل لسانك ويكسر قلبك ويقطع حجتك، ألم تعلم يا أيوب أن [لله](1) عباداً أسكتتهم خشية الله عن الكلام من غير عي ولا بكم وإنهم لهم الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وبآياته، لكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم وانكسرت قلوبهم وطاشت أحلامهم وعقولهم فرقاً من الله وهيبة له، فإذا استفاقوا من ذلك(2) استبقوا إلى الله بالأعمال الزكية والنية الصادقه يعدون أنفسهم مع الظالمين وانهم لأبرار برآء ومع المقصرين المقطعين وإنهم لأكياس أتقياء ولكنهم لا يستكثرون لله الكثير ولا يرضون له بالقليل ولا يدلون له بالأعمال، فهم، حيث ما ألفيتهم، مهتمون مشفقون خائفون وجلون(3)
__________
(1) من الايمان لابن أبي عمر العدني ص72.
(2) كانت (تلك) وكتبت الذي في (الايمان).
(3) فيه معاني طيبة ولكني أستنكر منه أن يكون الفتى أعلم من نبي من أنبياء الله، إلا أن يكون ذلك الفتى نبياً أيضاً، ولكن ذلك لم يرد في رواية هذا الخبر، وحتى لو كان الأمر كذلك فإنه قد يستغرب وقوع جدال غير محمود من قبل نبي الله أيوب، والله أعلم.
قال ابن أبي عمر العدني: "أخبرنا محمد قال أخبرنا أبو أحمد قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو الحكم مروان بن عبد الواحد قال حدثنا موسى بن أبي درم عن وهب بن منبه قال بلغ عبدالله بن عباس عن ملجس كان في المسجد الحرام في ناحية باب بني سهم يجلس فيه ناس من قريش فيجتمعون فترتفع أصواتهم فقال ابن عباس انطلق بنا إليهم فانطلقنا إليهم حتى وقفنا عليهم فقال لي ابن عباس أخبرهم عن الكلام الذي كلم به الفتى أيوب عليه السلام وهو في ملأه قال قلت قال الفتى: يا أيوب ما كان في عظمة الله" فذكر الخبر، وزاد فيه: "قال أبو الحكم وكتب إلي رجل أن ابن عباس قال لهم على أثر هذا الكلام: كفى بك ظالماً أن لا تزال مخاصماً، وكفى بك آثماً أن لا تزال ممارياً، وكفى بك كاذباً أن لا تزال محدثاً بغير ذكر الله". وأخرج روايتين لهذا الأثر ابن المبارك في الزهد ص526-527.
وفي تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص299: "وذكر ابن عباس أن الفتى الذي كلم أيوب عليه السلام في بلائه فقال له: يا أيوب أما علمت أن لله عباداً أسكتتهم خشية الله من غير عي بهم ولا بكم، وإنهم لهم النبلاء النطقاء الفصحاء العالمون بالله عز وجل وأيامه، ولكنهم كانوا إذا ذكروا عظمة الله تعالى تقطعت قلوبهم وكلت ألسنتهم وطاشت عقولهم فرقاً من الله عز وجل وهيبة له؛ [انتهى]؛ فهذه الخلال هي التي يحبها الله عز وجل وهي المؤدية إلى الفوز في الآخرة ولا ينكر مع هذا أن يكون الجمال في اللسان ولا أن تكون المروءة في البيان ولا أنه زينة من زين الدنيا وبهاء من بهائها ما صحبه الاقتصاد وساسه العقل ولم يَمِلْ به الاقتدار على القول إلى أن يصغر عظيماً عند الله تعالى أو يعظم صغيراً أو ينصر الشيء وضده كما يفعل من لا دين له، وهذا هو البليغ الذي يبغضه الله عز وجل، هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون المتشدقون وإن أبغض الناس إلى الله تعالى من اتقاه الناس للسانه وإن من البيان لسحراً، يريد أن منه ما يقرب البعيد ويباعد القريب ويزين القبيح ويعظم الصغير فكأنه سحر؛ وما قام مقام السحر أو أشبهه أو ضارعه فهو مكروه كما أن السحر محرم؛ قال أبو محمد [ابن قتيبة]: حدثني حسين بن الحسن المروزي قال أخبرنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن قال: إذا شئت لقيته أبيض بضاً حديد النظر ميت القلب والعمل أنت أبصر به من نفسه، ترى أبداناً ولا قلوب، وتسمع الصوت ولا أنيس، أخصب ألسنة وأجدب قلوباً".(1/329)
. (4/258-259)
عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: إن حق ما طهر الانسان لسانه. (4/259)
عن علي بن بكار عن ابن عون عن ابراهيم قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود: والذي لا اله غيره ما شيء أحق بطول السجن من اللسان. (4/259)
عن عطاء عن رجل من أهل البصرة قال: قال أنس بن مالك: لا يتقي الله عبد حق تقاته حتى يخزن من لسانه. (4/259)
عن حميد بن هلال قال: قال لي عبد الله بن عمرو: ذر ما لست منه في شيء ولا تنطق فيما لا يعنيك واخزن لسانك كما تخزن دراهمك. (4/260)
عن أبي بكر السلامي رفعه إلى حذيفة بن اليمان قال(1): إن الكلام بسبعة أغلاق إذا خرج منه كتب، وإذا لم يخرج لم يكتب: القلب واللهاة واللسان والحنكين والشفتين(2). (4/260)
عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن امرأة كانت عند عائشة ومعها نسوة فقالت امرأة منهن: والله لأدخلن الجنة فقد أسلمت وما زنيت يوماً وما سرقت، فأتيت في المنام فقيل لها: أنت المتألية لتدخلن الجنة؟! كيف وأنت تبخلين بما يعنيك(3) وتتكلمين فيما لا يعنيك فلما أصبحت المرأة دخلت على عائشة فأخبرتها بما رأت، وقالت: اجمعي النسوة اللاتي كن عندك حين قلت ما قلت فأرسلت إليهن عائشة فجئن فحدثتهن المرأة بما رأت في المنام. (4/260-261)
__________
(1) أي حذيفة.
(2) وروى ابن فضيل الضبي في (الدعاء) ص295 عن الوليد بن عتبة: قال علي رضي الله عنه: على ابن آدم سبعة أغلاق فإن حدث نفسه بحسنة فأخرجها من الأغلاق كلها كتبت له عشر، وإن لم يخرجها من الأغلاق كتبت حسنة، وإن حدث نفسه بسيئة فأخرجها من الأغلاق كلها كتبت سيئة، وإن لم يخرجها من الأغلاق كلها لم يكتب عليه شيء؛ فقالوا: يا أبا الحسن ما هذه الأغلاق؟ قال: القلب غلق واللسان غلق واللهاة غلق واللحيان غلق والشفتان غلق .
(3) لعل هذه العبارة مصحفة عن هذه: (تبخلين بما لا يغنيك).(1/330)
عن بكر بن عبد الله المزني قال: خرج جندب بن عبد الله وخرج معه رجال من إخوانه يشيعونه حتى إذا بلغ حصن المساكين قالوا له: أوصنا، قال: ألا لا تدخلوا هذا خبيثاً وأومى(1) بيده إلى فيه، ولا تخرجوا منه خبيثاً، فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، قالوا له: أوصنا، قال: ألا ولا يحولن بين أحدكم وبين الجنة بعد ما أبصر بابها ملء كف من دم مسلم أهراقه(2). (4/261)
عن عمرة قالت: قالت لي عائشة: يا بنية لا تكلمي بالشيء الذي إذا عرفت به تعذرت فإنه لا يُتعذر إلا من القبيح. (4/261)
عن ذكوان عن عائشة قالت: يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب يأكله ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها. (4/261)
عن حماد بن سلمة أخبرنا ثابت أن بني أنس قالوا لأنس: ألا تحدثنا كما تحدث غرباء الناس! قال: أي بني إنه من يكثر يهجر. (4/262)
عن الأعمش عن عمرو بن سلمة قال: قال عبد الله: ما من مسلمين على الأرض إلا بينهما ستر من الله عز وجل، فإذا قال أحدهما للآخر هجراً هتك سترة الله عز وجل. (4/262)
عن وبرة بن عبد الرحمن: أوصاني ابن عباس بكلمات لهن أحسن من الدهم الموقفة، قال لي: يا وبرة لا تعرض فيما لا يعنيك فإن ذلك أفضل ولا آمن عليك الوزر، ودع كثيراً مما يعنيك حتى ترى له موضعاً فرب متكلف بحق تقي قد تكلم في الأمر يعنيه(3) في غير موضعه فعطب، ولا تمارين حليماً ولا سفيهاً فإن الحليم يقليك وإن السفيه يرديك، واذكر أخاك إذا توارى عنك بكل ما تحب أن يذكرك به إذا تواريت عنه، ودعه من كل ما تحب أن يدعك منه، واعمل عمل رجل يعلم أنه مجزي بالحسنات مأخوذ بالسيئات. (4/262-263)
عن شعبة أخبرنا قتادة قال: سألت أبا الطفيل عن حديث فقال: لكل مقام مقال. (4/263)
عن سفيان قال: قال عمر بن عبد العزيز: من لم يعد كلامه من عمله كثرت خطاياه ومن عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. (4/263)
__________
(1) كانت (وأوى).
(2) انظر الأثر المتقدم برقم 749.
(3) كانت (بعينه).(1/331)
عن مالك أنه بلغه أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يقول: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون؛ ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، انظروا فيها كأنكم عبيد، فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية. (4/263)
عن ابراهيم بن بشار قال: سألت ابراهيم بن أدهم عن العبادة فقال: رأس العبادة التفكر والصمت إلا من ذكر الله عز وجل؛ ولقد بلغني حرف عن لقمان، قال: قيل له: يا لقمان ما بلغ من حكمتك؟ قال: لا أسأل عما قد كفيت، ولا أتكلف ما لا يعنيني؛ ثم قال: يا ابن بشار إنما ينبغي للعبد أن يصمت، أو يتكلم بما ينتفع به من موعظة أو تنبيه أو تخويف أو تحذير. (4/264)
عن شعبة أخبرنا سيار أبو الحكم قال: قيل للقمان: ما حكمك(1)؟ قال: لا أسأل عما قد كفيت، ولا أتكلف ما لا يعنيني. (4/264 و 7/416)
عن حماد بن سلمة أخبرنا ثابت عن أنس أن لقمان كان عند داود وهو يسرد الدرع فجعل يفتله هكذا بيده فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله فتمنعه حكمته أن يسأل فلما فرغ منها ضمها على نفسه وقال: نعم درع الحرب هذه؛ فقال لقمان: إن الصمت من الحكم وقليل فاعله؛ كنت أريد أن أسألك فسكت حتى كفيتني. (4/264)
عن يوسف بن أسباط قال: سمعت مكث الحسن ثلاثين سنة لم يضحك وأربعين سنة لم يمزح؛ قال: وقال الحسن: لقد أدركت أقواماً ما أنا عندهم الا لص. (4/265)
عن أبي الأشهب أخبرنا الحسن قال: كنا في أقوام ينفقون أوراقهم ويخزنون ألسنتهم، وإنا بقينا في أقوام يرسلون ألسنتهم ويخزنون أوراقهم. (4/265)
عن المعلى بن زياد قال: قال مورق العجلي: أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه أبداً! قالوا: وما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عما لا يعنيني. (4/265)
__________
(1) هذه صحيحة ويحتمل أنها محرفة عن (حكمتك) كما في ثاني الموضعين المشار إليهما.(1/332)
عن جرير عن أبي حيان التيمي قال: كان يقال: ينبغي للعاقل أن يكون أحفظ للسانه منه لموضع(1) قدمه. (4/265)
عن محمد بن كناسة أخبرنا عمر بن ذر عن أبيه قال: إن الله عز وجل عند لسان كل قائل فلينظر عبد ماذا يقول. (4/265)
عن هشام بن حسان عن محمد قال: قال الربيع بن خثيم: أقلوا الكلام إلا من تسع: سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر؛ وقراءة القرآن وأمر بمعروف ونهي عن منكر ومسألة خير واستعاذة من شر. (4/266)
عن بكر بن ماعز(2) قال: قال لي الربيع بن خثيم(3): اخزن لسانك إلا ما لك ولا عليك. (4/266)
عن ابراهيم التيمي قال: أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاماً ما سمع منه كلمة تعاب. (4/266)
عن سفيان عن رجل من بني تيم الله عن أبيه قال: جالست الربيع بن خثيم سنتين فما سألني عن شيء مما فيه الناس إلا أنه قال مرة: أمك حية؟ كم لكم من مسجد. (4/266)
عن محمد بن فضيل عن أبي حيان التيمي قال: ما سمعت الربيع بن خثيم يذكر من أمر الدنيا شيئاً إلا أنه قال يوماً: كم في التيم من مسجد. (4/266)
عن عيسى بن عمر قال: كأنهم ذكروا عند الربيع بن خثيم شيئاً من أمر الناس فقال الربيع: ذكر الله خير من ذكر الرجال. (4/266)
عن بكر بن ماعز أن ربيع بن خثيم أتته ابنة له فقالت: يا أبتاه أذهب ألعب؟ فلما أكثرت عليه قال له بعض جلسائه: لو أمرتها فذهبت، فقال: لا يكتب(4) علي اليوم إن شاء الله: أن أمرها تلعب. (4/267)
عن عبده بن سليمان الكلابي قال: جالست حسن بن صالح بن حي عشرين سنة ما سمعت كلمة أظن عليه فيها جناح. (4/267)
عن خارجة قال: صحبت ابن عون أربعاً وعشرين سنة ما سمعت منه كلمة أظن عليه فيها جناح. (4/267)
__________
(1) كانت (موضع).
(2) كانت مصحفة إلى (عامر).
(3) كانت (خيثم).
(4) كانت (لا تكتب).(1/333)
عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما ساد ابن عون الناس أن كان أزهدهم في الدنيا، ولقد كان سليمان التيمي أترك للدنيا منه، ولقد سقط له بيت فما رفعه حتى مات؛ ولكن ساد ابن عون الناس بضبطه هذا اللسان. (4/267)
عن أحمد بن حنبل قال: شعيب(1) بن حرب يقول: جالست عبد العزيز بن أبي رواد أكثر من خمسمئة مجلس فما أحسب أن صاحب الشمال كتب عليه شيئاً(2). (4/267)
عن ليث بن سعد عن عبد الله بن أبي جعفر عن أبي خلدة(3) قال أدركت الناس وهو يعملون ولا يقولون وهم اليوم يقولون ولا يعملون. (4/267)
عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد كان يقول: أدركت الناس وما يعجبون بالقول، قال مالك: يريد العمل، إنما ينظر إلى عمله ولا ينظر الى قوله. (4/268)
عن مالك قال: بلغني أن في حكم آل داود على العاقل ثلاث يكف لسانه ويعرف أهل زمانه ويقبل على شأنه(4). (4/268)
عن أبي يزيد فيض بن يزيد الرقي قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: المؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل. (4/268)
عن الحسن قال: فضل الكلام على الفعال عاب، وفضل الفعال على الكلام مكرمة. (4/268)
عن أبي علي الروذباري قال: فضل المقال على الفعال منقصة، وفضل الفعال على المقال مكرمة. (4/268)
__________
(1) لعلها (سمعت شعيب).
(2) قال البيهقي: ورواه أيضاً أبو سهل المدائني عن شعيب بن حرب.
(3) في الأصل (جلدة) وهو تصحيف.
(4) أخرج المصنف 4/164 عن عبد الله بن هاشم بن حيان العبدي أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا سفيان عن الأغر عن وهب بن منبه قال: في حكمة آل داود حق على العاقل أن لا يشغل عن أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة؛ وتقدم؛ وقال ابن أبي الدنيا في (الصمت) ص60: حدثنا أبو خثيمة حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي الأغر؟؟ عن وهب بن منبه فذكره؛ وقارن بالحلية 1/166-167.(1/334)
عن بشر بن الحارث الحافي قال: الصبر هو الصمت، أو الصمت هو الصبر، ولا يكون المتكلم أورع من الصامت إلا رجل عالم يتكلم في موضعه(1) ويسكت في موضعه. (4/268)
عن أحمد بن الفتح قال: سمعت بشر بن الحارث الحافي يقول: إذا أعجبك الكلام فاصمت، واذا أعجبك الصمت فتكلم. (4/269)
عن سهل بن عبد الله قال: أهل المعرفة بالله سكتوا بعلم، وتكلموا بإذن، فسقط عنهم فضول الكلام. (4/269)
عن يونس [بن عبيد] قال: رحم الله الحسن إني لأحسب الحسن تكلم حسبة، ورحم الله محمداً، يعني ابن سيرين، إني لأحسب محمداً سكت حسبة. (4/269)
عن سفيان بن عيينة قال: كان يقال: الصمت زين للعالم وستر للجاهل. (4/269)
عن علي بن الحسن الفقيه قال: سمعت أبي يقول: قيل للشبلي: يا أبا بكر أوصني، قال: كلامك كتابك إلى ربك فانظر ماذا تملي فيه. (4/269)
عن سهل بن عبد الله قال: من ظن(2) حرم اليقين، ومن تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق، ومن شغل جوارحه بغير ما أمره الله به حرم الورع. (4/269)
عن محمد بن علي النسوي قال: كلام الرجل فيما لا يعنيه يورثه فعل ما لا يعنيه، وفعله ما لا يعنيه يسقطه عن درجات ما يعنيه. (4/269)
عن يعقوب ابن أخي معروف قال: قال معروف الكرخي: كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله عز وجل له. (4/269)
عن أحمد بن خالد الآجري قال: سمعت معروف الكرخي يقول: كلام الرجل فيما لا يعنيه مقت من الله عز وجل. (4/270)
عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال: سمعت محمد بن أبي عمران يقول: قال لي معروف الكرخي: احفظ لسانك من المدح كما تحفظ لسانك من الذم. (4/270)
عن إسحاق بن أبي اسرائيل أخبرنا معن بن عيسى قال: قيل لراهب: مالك لا تتكلم؟! قال: لساني سبع إن أرسلته أكلني. (4/270)
__________
(1) كانت (موضعه)، والمراد موضع الكلام،
(2) يعني من لم يجتنب الظن المنهي عنه.(1/335)
عن اليمان بن عدي قال: كان عبد الله بن أبي زكريا عابد الشام فكان يقول: ما عالجت من العبادة شيئاً أشد من السكوت. (4/270)
عن بقية بن الوليد عن أرطأة بن المنذر قال: آية المتكلف ثلاث: يتكلم فيما لا يعلم، وينازع مَن فوقه، ويتعاطى ما لا ينال. (4/270)
عن أبي بكر بن عياش قال: اجتمعت أربعة ملوك: ملك الروم وملك فارس وملك الصين وملك الهند، فتكلموا بأربع كلمات كأنهم رموها عن قوس واحدة؛ قال ملك الروم: إذا قلت الكلمة ملكتني وإذا لم أقلها ملكتها، وقال ملك فارس: أنا على ما لم أقل أقدر مني على ما قلت؛ وقال الثالث: أنا لم أندم على ما لم أقل وقد ندمت على ما قلت كثيراً؛ وقال الرابع: عجبت لمن يتكلم بالكلمة إن وقفت عليه ضرته وإن تجاوزته لم تنفعه(1). (4/271)
عن أحمد بن الحسن قال: سمعت أبا العتاهية ينشد هذه الأبيات:
إن كان يعجبك السكوت فإنه
قد كان يعجب قبلك الأخيارا
ولئن ندمت على سكوتك مرة
فلقد ندمت على الكلام مرارا
إن السكوت سلامة ولربما
زرع الكلام عداوة وضرارا
وإذا تقرب خاسر من خاسر
زاد بذاك(2)خسارة وتبارا
(4/271)
عن الجنيد قال: مكابدة الصمت أيسر(3) من قول الحق، ومكابدة العزلة أيسر من مدارة الخلطة، والصبر على الشهوات أيسر على قلوب الأبرار من طلبها. (4/271)
عن عبد الله بن أبي زكريا قال: عالجت الصمت عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد(4)؛ قال: وكان لا يغتاب في مجلسه أحد، ويقول: إن ذكرتم الله أعناكم(5)، وإن ذكرتم الناس تركناكم. (4/271-272)
عن عمر بن جرير البجلي قال: سمعت أبا طالب القاص؟؟ يقول: كان يقال جوامع البر في طول الفكرة، والصمت سلامة، والخوض في الباطل حسرة وندامة. (4/272)
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا في الصمت ص71.
(2) كانت (بذلك).
(3) كانت (أحسن)، وأظنها تصحيفاً والصمت ليس أحسن من قول الحق في موضعه.
(4) تقدم قبل قليل نحوه.
(5) تحرفت فصارت (أغناكم).(1/336)
عن حبيب بن بشر قال: سمعت الأصمعي يقول: كان يقال: الناس غانم وسالم وشاجب، فالغانم من قال خيراً فغنم، والسالم من سكت [فـ]سلم، والشاجب من قال شراً فشجب(1)، أهلك نفسه. (4/272)
عن آدم بن علي قال: سمعت أخا بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الناس ثلاثة أثلاث: فسالم وغانم وشاجب، فالسالم الساكت، والغانم الذي يأمر بالخير وينهي عن المنكر، والشاجب الناطق بالخنا والمعين على الظلم. . (4/272)
عن الحسن بن عمرو قال: سمعت بِشراً يقول: عساك أن لا تؤذي جليسك وأنت تؤذي الكرام، يعني الملائكة. (4/272)
عن أبي الفتح السمسار قال: سمعت أبا نصر يعني بشر بن الحارث يقول: سمعت منصوراً يقول: لما خلق الله عز وجل آدم قال: إني جاعل بفيك طبقاً فإذا عرض لك أمر لا يحل أن تنطق فيه فاطبقه، وإني جاعل لبصرك طبقاً فإذا عرض لك أمر لا يحل أن تنظر فيه فاطبقه، وإني جاعل لفرجك ستراً فلا تكشفه على ما لا يحل لك(2). (4/272)
عن الحسن بن علوية قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: القلب باب السكينة، واللسان باب القلب، فإذا ضاع الباب دخل من أراد وخرج من أراد. (4/273)
عن حفص بن عبد الرحمن قال: كان شاب يأتي سعيد بن أبي عروبة وأعجبه وأشرب قلبه حب الفتى وكان يجلس مع الناس فيقوم ويذهب لا يسأله عن شيء، قال: فتقدم إليه يوماً فأقبل عليه سعيد وهش له فقال: يا أبا النضر(3) القَرعة إذا أخذت من المبطخة تًذَكّى(4)؟! فذهب [الضحك] بسعيد وكان إذا ضحك اشتد ضحكه فأخذ يمسح يديه ويضحك ويقول:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وكأين ترى من ساكت لك معجب
زيادته أو نقصه في التكلم
__________
(1) كانت (بشجب).
(2) هذا الأثر صحيح من جهة المعنى أي من حيث النظر إلى حال الإنسان، فهو مقبول باعتباره حكاية حال، وأما من جهة اعتباره قولاً مروياً عن الله تعالى جده فلا يقبل إلا إذا صح سنده إلى معصوم.
(3) بالأصل (النصر).
(4) كانت (تدكي).(1/337)
(4/273) (1)
عن عبد السلام بن صالح قال: سمع ابن المبارك رجلاً يتكلم بما لا يعنيه فقال:
احفظ لسانك إن اللسان
سريع إلى المرء في قتله
وإن اللسان بريد الفؤاد
يدل الرجال على عقله
(4/273)
عن يوسف بن أسباط قال: قال سفيان الثوري: يا شعيب(2) لا تتكلم بلسانك ما يكسر أسنانك. (4/273)
عن عمرو(3) قال: قال عمرو بن العاص: إن الكلام إذا كثر فإنما هو بمنزلة العطاس لا يدرى أيشمت(4) أوله أو آخره. (4/274)
عن أيوب الحميري قال: قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن المنكدر: أي الخصال أوضع للمرء؟ قال: كثرة كلامه وإذاعته أسراره وثقته بكل أحد. (4/274)
__________
(1) روى ابن أبي الدنيا في الصمت (ص71-72) عن لقيط بن بكير المحاربي قال: قال الشعبي: قلت للهيثم بن الأسود النخعي: أي الثلاثة أشعر؟ منك ومن الأعور الشني وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت؟ حيث تقول أنت:
وأعلم علما ليس بالظن أنه** *إذا زال مال المرء فهو ذليل
وأن لسان المرء ما لم يكن له***حصاة، على عوراته لدليل
أم الأعور الشني حيث يقول:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده**فهل بعدُ إلا صورة اللحم والدم
وكأين ترى من ساكت لك معجِب****زيادته أو نقصه في التكلم
أو عبد الرحمن بن حسان حيث يقول:
ترى المرء مخلوقاً وللعين حظها****وليس بأحناء الأمور بخابر
وذاك كماء البحر لست مسيغه*****ويعجب منه ساجياً كل ناظر
فقال الهيثم: هيهات الأعور أشعرنا.
(2) المراد شعيب بن حرب.
(3) هو ابن دينار.
(4) كانت (لا يدري انتهت)؛ وبحثت فلم أعثر على هذا الأثر في كتاب آخر فانتهى اجتهادي في تصحيحه أن أميل إلى أن صوابه ما أثبته، ومعناه أن الكلام الكثير لا يدري سامعه أينصت لأوله ويعنى به ويحفظه أم يفعل ذلك لآخره، كشأن العطاس الكثير المتتابع لا يدري سامعه إذا شمته أشمت أوله أم آخره؛ هذا ما بدا لي وقد أكون واهماً فيه وهماً بعيداً.(1/338)
عن يعلى بن عبيد الطنافسي قال: دخلنا على محمد بن سوقه فقال: يا ابن أخي أحدثكم بحديث لعله ينفعكم فقد نفعني، قال لنا عطاء بن أبي رباح: إن من قبلكم كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو أن تنطق في معيشتك التي لا بد لك منها، أتذكرون(1) ([و]إن عليكم [لـ]حافظين كراماً كاتبين)؛ (عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)؟! أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره وليس(2) فيها شيء من أمر آخرته. (4/274)
عن أبي عبد الرحمن الغلابي قال: حدثني بعض أصحاب ابن عيينة(3) قال: كنا عنده فجاء رجل من أهل بغداد فقال له: كيف أبوك؟ كيف حاله؟ إني لأكثر ذكره، فلما قام قال لأصحاب الحديث: انظرو إلى فضل القول!! قلت له: إني لأكثر ذكره وما أكثر ذكره. (4/274)
عن عبد الجبار بن النصر السلمي قال: مر حسان بن أبي سنان بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك؟! لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها. (4/275)
عن أبي زيد محمد بن حسان قال: سمعت ابن المبارك يقول:
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله
إذا كنت فارغاً مستريحا
وإذا ما هممت بالنطق في الباطل
فاجعل مكانه تسبيحا
فاغتنام السكوت أفضل من
خوض وإن كنت في الحديث فصيحا(4)
(4/275)
__________
(1) جاء في غير الشعب (أتنكرون) وهو أقرب.
(2) وقع في الصمت لابن أبي النيا ص81 (كان أكثر ما فيها ليس)؛ ووقع فيه أيضاً الزيادتان اللتان ألحقتهما؛ ويحتمل أن رواية المصنف محفوظة من السقط في هذين الموضعين وأن المراد معنى الآية لا نصها.
(3) في الأصل (ابن أبي عيينة)!
(4) أخرج المصنف عقبه عن عبد الله بن عبد الوهاب بن محمد الخوارزمي قال: كان عبد الله بن المبارك كثيراً ما يتمثل بأبيات حميد النحوي: اغتنم ركعتين؛ فذكر الأبيات الثلاثة غير أنه قال: بالحديث فصيحا.(1/339)
أنشدني أبو الحسن علي بن محمد قاضي الرملة قال: أنشدني منصور بن اسماعيل الفقيه لنفسه:
الخير أجمع في السكوت
وفي ملازمة البيوت
فإذا تأتى ذا وذاك(1)
فاقتنع بأقل قوت(2)
(4/275)
فصل [في الشعر]
قال البيهقي: ومما ينبغي للمرء المسلم أن يحفظ لسانه عنه(3) الشعر الذي يكون هجاء أو فحشاً أو كذباً أما الشعر الذي لا يكون فيه شيء من ذلك فهو كغيره من الكلام يستحب للمرء أن لا يستكثر منه حتى يشغله عما هو أولى به من قراءة القرآن وذكر الله عز وجل. (4/276)
عن معمر عن قتادة قال: لما هبط إبليس قال: أي رب قد [لعنت]ـه فما عمله؟ قال: السحر، [قال]: فما قرآنه(4) قال: الشعر، قال: فما كتابه؟ قال: الوشم، قال: فما طعامه؟ قال: كل ميتة وما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فما شرابه؟ قال: كل مسكر، قال: فأين مسكنه؟ قال: الحمام، قال: فأين مجلسه؟ قال: الأسواق، قال: فما صوته؟ قال: المزمار، قال: فما مصائده؟ قال: النساء. (4/277)
__________
(1) يعني السكوت والملازمة.
(2) جاء في آخر ترجمة بكر بن عبد الله المزني من تهذيب التهذيب: وكان بكر يقول: إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظن بأخيك؛ انتهى. أحببت أن أستدرك هذا الأثر على هذا الفصل.
(3) كانت (عن).
(4) في جامع معمر 11/268 (قراءته) بدل (قرآنه).(1/340)
عن قتادة أن رجلاً هجا قوماً في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء الرجل فاستأذن(1) عليه عمر فقال عمر: لكم لسانه ثم دعا الرجل فقال: إياكم أن تعرضوا له بالذي قلت، فإني إنما قلت [ذ]لك عند الناس كيما لا يعود. (4/277)
عن شعبة عن عون قال: سمعت أبا رجاء قال: كان عمر وعثمان يعاقبان على الهجاء. (4/278)
فصل
ومما ينبغي للمرء المسلم أن يحفظ لسانه عنه الغناء(2)
عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء قال: سألت عبد الله بن مسعود عن قوله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: والله الغناء. (4/278)
قال البيهقي: وروينا عن ابن عباس أنه قال: الغناء وأشباهه. (4/278)
عن ابراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب. (4/278)
عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال: إذا ركب الرجل الدابة ولم يسم ردفه الشيطان، فقال: تغنَّه، فإن كان لا يحسن قال له: تمنَّه. (4/279)
عن عبد الله بن دينار قال: مر ابن عمر بجارية صغيرة تغني فقال: لو ترك الشيطان أحداً لترك هذه. (4/279)
عن الأعمش قال: قال عبد الله: لا ألفين أحدكم يستلقي على ظهره ثم يرفع إحدى رجليه على الأخرى ثم يرفع عقيرته [بـ]الغناء ويدع القرآن. (4/279)
عن اسرائيل عن أبيه عن ابن مسعود في قوله عز وجل (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: رجل يشتري جارية تغنيه ليلاً أو نهاراً. (4/279)
__________
(1) فاستأذن) أي التمس من عمر أن يأذن له بمعاقبته، وتحرفت هذه اللفظة في جامع معمر 11/177 إلى (فاستأدى) ويحتمل على بعد أنها مصحفة عن (فاستعدى)؛ ومعناها استنصر، جاء في لسان العرب 15/39: "أَعْداهُ عليه: نَصَره وأَعانه. واسْتَعْداهُ: اسْتَنْصَره واستعانه. واسْتَعْدَى عليه السلطانَ أَي اسْتعانَ به فأَنْصَفه منه. وأَعْداهُ عليه: قَوَّاه وأَعانه عليه".
(2) عقد ابن القيم فصلاً مهماً جداً في ذم الغناء وما يتعلق به، في إغاثة اللهفان 1/224-268 فانظره.(1/341)
عن القاسم بن سلمان عن الشعبي: لعن المغني والمغنَّى له. (4/279)
عن مروان بن شجاع عن عبد الكريم الجزري قال: إذا رأيتم الرجل قد هجر المسجد وعكف على الغناء والشراب فلا تسألوا عنه. (4/280)
عن خالد بن عبد الرحمن قال: كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك فسمع غناء من الليل، فأرسل اليهم بُكرةً فجيء بهم فقال: إن الفرس لتصهل فتستودق(1) له الرمكة، وإن الفحل ليهدر(2) فتضبع له الناقة، وإن التيس [لينب] فتستخذي له(3) العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة، ثم قال: أخصوهم فقال عمر بن عبد العزيز: هذا مثلة ولا يحل، فخلى سبيلهم(4). (4/280)
عن الحصين بن عبد الرحمن قال: قال الفضيل بن عياض: الغناء رقية الزنى. (4/280)
عن أبي عثمان الليثي قال: قال يزيد بن الوليد الناقص(5): يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة؛ وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر؛ فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء إن الغناء داعية الزنى. (4/280)
__________
(1) كانت (فيسوق).
(2) كانت (ليخطر).
(3) كانت (فتستحرم به).
(4) قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (9/180): "وسمع سليمان ليلة صوت غناء في معسكره فلم يزل يفحص حتى أتي بهم فقال سليمان: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الجمل ليهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينب فتستخذي له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق له المرأة، ثم أمر بهم فقال: أخصوهم فيقال: إن عمر بن عبد العزيز قال: يا أمير المؤمنين إنها مثلة ولكن انفهم، فنفاهم؛ وفي رواية أنه خصى أحدهم ثم سأل عن أصل الغناء فقيل: إنه بالمدينة، فكتب إلى عامله بها وهو أبو بكر بن محمد بن حزم يأمره أن يخصي من عنده من المغنين المخنثين".
(5) كانت (الناقض) وذلك تصحيف.(1/342)
عن محمد بن الفضل الأزدي قال: نزل الحطيئة برجل(1) من العرب ومعه ابنته مليكة فلما جنه الليل سمع غناء فقال لصاحب المنزل: كف هذا عني، قال له: وما تكره من ذلك؟! فقال: إن الغناء (رائد من رادة)(2) الفجور ولا أحب أن تسمعه هذه، يعني ابنته، فإن كففته وإلا خرجت. (4/280-281)
عن عبد الله بن عمرو قال: إن الله تبارك وتعالى(3) أنزل الحق ليذهب به الباطل ويبطل به اللعب والرقى(4) والزمارات والمزاهر والكنارات(5). (4/283)
فصل
ومما يجب حفظ اللسان منه الفخر بالآباء وخصوصا بالجاهلية والتعظيم بهم
عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة أنه تلا قول الله عز وجل (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) قال: إن الله يقول يوم القيامة: يا أيها الناس جعلت نسباً وجعلتم نسباً فجعلت أكرمكم أتقاكم وأبيتم [إلا] أن(6) تقولوا: فلان بن فلان أكرم من فلان بن فلان؛ وإني أرفع اليوم نسبي وأضع أنسابكم؛ أين المتقون؟. (4/289-290)
عن سعدان بن نصر حدثنا سفيان بن عيينه عن عبد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول: خلال(7) من خلال الجاهلية: الطعن في الأنساب، والنياحة، ونسى الثالثة؛ قال سفيان: يقولون إنها الاستسقاء بالأنواء(8). (4/290)
عن أبي بكر بن المرزبان قال: أنشدني الفضل بن أبي طاهر لنفسه:
حسب الفتى أن يكون ذا حسب
__________
(1) كانتا (الحطة رجل) وإصلاحهما من إغاثة اللهفان 1/246.
(2) كانت (زائدة من زائدة) وكتبت ما ورد في الإغاثة.
(3) وقع هنا خطأ زيادة (إن الله).
(4) كانت (والرقي) ولعلها محرفة عن (والدف) فإن كانت كذلك فمناسبتها للسياق ظاهرة؛ وأما إن كانت محفوظة فيظهر أن المراد حينئذ رقى الجاهلية.
(5) قال المؤلف: والمزاهر العيدان التي يضرب بها ويقال في الكنارات هي الدفوف؛ وقال ابن الأعرابي: يقال في الكوبة هي الطبل ويقال هي النرد ويقال هي البريط وذلك فيما قرأته في كتاب الغريبين.
(6) كانت بعدها (لا) فحذفتها.
(7) يحتمل أنها (ثلاث).
(8) رواه البخاري.(1/343)
في نفسه ليس نسْبه حسبه
ليس الذي يُبتدَى به نسباً
كمن إليه قد انتهى نسبه(1)
(4/292)
[فصل في اللعن]
عن معمر عن الزهري قال: أراد ابن عمر أن يلعن خادماً فقال: اللهم الع(2) فلم يتمها، وقال: إن هذه الكلمه ما أحب أن أقولها. (4/295)
عن الزهري عن سالم قال: ما لعن ابن عمر خادماً له قط إلا واحداً فأعتقه. (4/295)
عن الزهري قال: كانوا يضربون رقيقهم ولا يلعنونهم. (4/295)
عن أبي ظبيان أن حذيفة قال: ما تلاعن قوم إلا حق عليهم القول. (4/295)
عن ابن عطية قال: كان عبد الله بن أبي الهذيل إذا لعن شاة لم يشرب من لبنها، وإذا لعن دجاجة لم يأكل من بيضها. (4/297)
عن أبي الجوزاء قال: ما لعنت شيئاً قط، ولا أكلت شيئاً ملعوناً قط، ولا آذيت أحداً قط. (4/297)
عن فضيل بن عياض قال: كان يقال: ما أحد يسب شيئاً من الدنيا، دابة ولاغيرها، فيقول: أخزاك الله ولعنك الله إلا قالت: أخزى الله أعصانا لله، ثم(3) قال فضيل وابن آدم أعصى وأظلم. (4/302)
عن المهاجر بن حبيب عن أبي الدرداء قال: ما لعن الأرض أحد قط إلا قالت: لعن الله أعصانا. (4/302)
عن المسيب بن واضح قال: قال عبد الله بن المبارك: كم من مركوب خير من راكبه وأطوع لله وأكثر ذكراً. (4/303)
عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن صدقة بن بشار قال: كان داود عليه السلام في محرابه ونظر(4) إلى دودة صغيرة فتعجب من خلقها وأنطقها الله تعالى فقالت: يا داود أنا على صغري أطوع منك على كبرك. (4/303)
[فصل في قراءة كتب الأعاجم ونحوها]
__________
(1) معناه: الذي ينسب إليه غيره لأنه علم يكون بذلك رأساً وأصلاً ويزداد به شهرة ويكون أشرف في منزلته عند الناس من الذي يكون هو فرعاً منسوباً إلى غيره ولا ينسب إليه شيء وإن كرم أصله؛ والله أعلم.
(2) كانت (الغ).
(3) كانت (له).
(4) كانت (أو نظر).(1/344)
قال الحليمي: ومما يناسب هذا الباب ويلتحق بجملته شغل الزمان بقراءة كتب الأعاجم والركون اليها والشكر بحفظها والتحدث بما فيها والمذاكرة عند الاجتماع؛ قال الله عز وجل: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) يقال: نزلت في النضر بن الحارث، كان يشتري كتباً فيها أخبار الأعاجم فكان يقول للعرب: محمد يحدثكم عن عاد وثمود وأنا أحدثكم عن رستم واسفنديار. (4/305)
عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح في قوله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) يعني باطل الحديث بالقرآن؛ قال ابن عباس: وهو النضر بن الحارث بن علقمة يشتري أحاديث الأعاجم وصنيعهم في دهرهم، فرواه من حديث الروم وفارس ورستم واسفنديار والقرون الماضية؛ وكان يكتب الكتب من الحيرة والشام ويكذب بالقرآن فأعرض(1) عنه فلم يؤمن به. (4/305)
عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: إن قوماً يحسبون أبا جاد وينظرون في النجوم ولا أرى لمن فعل ذلك من خلاق. (4/306)
__________
(1) كانت (فأعرضت).(1/345)
عن عمرو بن قيس السكوني قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: من أشراط الساعة أن يظهر القول ويخزن الفعل، ومن أشراط الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار، وإن من أشراط الساعة أن يقرأ المثناة(1) على رؤوس الملأ لا يغير قيل يا أبا عبد الرحمن كيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما جاءكم عن من تأمنونه على نفسه ودينه فخذوا به، وعليكم بالقرآن فإنه عنه تسألون(2)، وبه تجزون، وكفى به واعظاً لمن عقل؛ وقيل: يا أبا عبد الرحمن فما المثناة؟(3) قال: ما استكتب من غير كتاب الله عز وجل(4)
__________
(1) كانت (المشاة) في الموضعين؛ فأصلحتها رغم ما يأتي من كلام أبي عبيد لورودها بلفظ (المثناة) في جملة من الكتب كسنن الدارمي ومستدرك الحاكم ونوادر الأصول للحكيم الترمذي ص171، وفي مصنف ابن أبي شيبة (المثاني).
(2) كانت (مسكوت).
(3) روى المصنف عن علي بن عبد العزيز قال: قال أبو عبيد: سألت رجلاً من أهل العلم بالكتب الأولى قد عرفها وقرأها عن المشاة فقال: إن الأحبار والرهبان من بني اسرائيل بعد موسى وضعوا كتاباً فيما بينهم على ما أرادوا بينهم من غير كتاب الله عز وجل فسموه المشاة كأنهم يعني أنهم أدخلوا فيه ما شاؤا وحرفوا فيه ما شاؤا على خلاف كتاب الله تبارك وتعالى؛ قال أبو عبيد: فبهذا عرفت تأويل حديث عبد الله بن عمرو أنه إنما كره الأخذ عن أهل الكتاب لذلك المعنى؛ وقد كان عنده كتب وقعت يوم اليرموك فأظنه قال هذا لمعرفته بما فيها.
(4) أخرج الدارمي في سننه 1/134 عن الحارث بن يزيد الحمصي عن عمرو بن قيس قال: وفدت مع أبي إلى يزيد بن معاوية بحوارين حين توفي معاوية نعزيه ونهنيه بالخلافة فإذا رجل في مسجدها يقول: ألا إن من أشراط الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار، ألا إن من أشراط الساعة أن يظهر القول ويخزن العمل، ألا إن من أشراط الساعة أن تتلى المثناة فلا يوجد من يغيرها؛ قيل له: وما المثناة قال: ما استكتب من كتاب غير القرآن؛ فعليكم بالقرآن فبه هديتم وبه تجزون وعنه تسألون؛ فلم أدر من الرجل فحدثت هذا الحديث بعد ذلك بحمص فقال لي رجل من القوم: أوما تعرفه؟! قلت: لا، قال: ذلك عبد الله بن عمرو. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة في المصف 7/501 والحاكم في المستدرك 4/597 وغيرهما.(1/346)
. (4/306-307)
عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على رسوله(1) [صلى الله عليه وسلم] أحدث الأخبار بالله تعرفونه(2) محضاً لم يشب(3)، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتب وقالوا: هذا من عند الله، ليشتروا به ثمناً قليلاً؛ أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم فلا والله ما رأينا رجلاً منهم قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم(4). (4/308)
عن عبد الله بن حبيب أن ابن عمر قال لمملوكه: أفيك خير حتى أعتقك؟ قال: ألا أخبرك بمثلٍ ضربَه – أو قاله – كسرى؟ فقال له: ألا أراني أريد أن أعتقك وتخبرني عن كسرى؟! والله لا أعتقك. (4/309)
فصل في حفظ اللسان عند هبوب الرياح
عن سلمة بن كهيل عن ابن عبد الرحمن بن أبزي عن(5) أبيه قال: هاجت الريح على عهد أبي فسبها إنسان فقال أبي: لا تسبوا الريح، ولكن قولوا: نسأل الله خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونتعوذ بالله من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به. (4/315)
فصل في المزاح
روي عن علي وعبد الله بن مسعود قال أحدهما: لا يبلغ عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء وهو محق وحتى يدع الكذب في الممازحة ولو شاء لغلب؛ وقال الآخر: لا يذوق عبد حقيقة الايمان حتى يدع الكذب في المزاح، وحتى يدع المراء وهو محق يعلم أنه فيه صادق، وذكر معهما غيرهما. (4/317)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من كثر مزاحه استخف به. (4/317)
__________
(1) كانت (رسول).
(2) لعلها (تقرأونه).
(3) كانت (تشب)؛ والمراد لم يخلط به شيء من كلام غير الله تبارك وتعالى.
(4) رواه البخاري.
(5) كانت (وعن).(1/347)
عن الحميدي حدثنا سفيان عن [محمد بن] المنكدر قال: قالت لي أمي: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم(1). (4/317)
عن جعفر بن عون قال: سمعت مسعر بن كدام يقول لابنه كدام:
إني نحلتك يا بني نصيحتي
فاسمع لقول أب عليك شفيق
أما المزاحة والمراء فدعهما
خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما
لمجاور جاراً ولا لرفيق
والجهل يزري بالفتى في قومه
وعروقه في الناس أي عروق
(4/317)
عن عيسى بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة(2) أن انْهَ من قِبلك عن المزاح فإنه يذهب بالمروءة ويوغر الصدر. (4/318)
عن عبد العزيز بن أبي رواد أن قوماً صحبوا عمر بن عبد العزيز فقال: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وإياكم والمزحة فإنها تجر القبح(3) وتورث الضغينة؛ تجالسوا بالقرآن وتحدثوا به، فإن ثقل عليكم فحديث من حديث الرجال حسن؛ سيروا بسم الله. (4/318)
عن عنبسة العابد عن جعفر بن محمد قال: إياكم والمزاح فإنه يذهب بهاء الرجل ويطفئ نوره. (4/318)
الخامس والثلاثون من شعب الايمان
وهو باب في الأمانات وما يجب من أدائها الى أهلها
عن معاذ بن أسد قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: أصل الايمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد وبعد الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ وبعد أداء الفرائض: صدق الحديث وحفظ الأمانة وترك الخيانة ووفاء بالعهد وصلة الرحم والنصيحة لجميع المسلمين؛ قال معاذ: قلت: يا أبا علي من رأيك تقوله أو سمعته؟ قال: لا، بل سمعناه وتعلمناه من أصحابنا، ولو لم أجده عن أهل الثقة والفضل لم أتكلم به؛ قال معاذ: وكانت سبعاً فنسيت واحدة. (4/321)
__________
(1) زاد أبو نعيم في الحلية 3/153: (ويستخفون بحقك)؛ ورواه ابن حبان في روضة العقلاء ص80 عن محمد بن المنكدر قال: قالت لي أمي وأنا غلام: لا تمازح الغلمان فتهون عليهم أو يجترئوا عليك..
(2) هو عامله على البصرة.
(3) لعلها (القبيح).(1/348)
عن زاذان عن عبد الله بن مسعود قال: القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال: أدّ أمانتك! فيقول: أي رب كيف وقد ذهبت الدنيا؟ قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية فينطلق به إلى الهاوية، وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبيه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين؛ ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عددها؛ وأعظم ذلك الودائع؛ فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود! قال كذا، قال كذا؟! قال: صدق؛ أما سمعت يقول الله: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). (4/323-324)
عن ابن مسعود قال: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة؛ وسيصلي(1) قوم لا دين لهم. (4/324)
عن نافع أن ابن عمر قال: لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا صيامه، وانظروا إلى صدق حديثه إذا حدث وإلى أمانته إذا ائتمن، وإلى ورعه إذا أشفى(2). (4/326)
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: من شاء صام وصلى، ولا دين لمن لا أمانة له. (4/326)
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب: لا يغرنك صلاة رجل ولا صيامه، من شاء صام، ومن شاء صلى، ولكن لا دين لمن لا أمانة له(3). (4/326)
عن عمر بن عطية عن عمه بلال بن الحارث قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: لا يغرنكم صلاة ولا صيام[ـه]، ولكن إذا حدث صدق وإذا ائتمن أدى وإذا أشفى ورع. (4/326)
عن ميمون بن مهران قال: ثلاثة يؤدين إلى البر والفاجر: الرحم توصل كانت برة أو فاجرة؛ والأمانة تؤدى إلى البر والفاجر؛ والعهد يوفى به للبر والفاجر. (4/327)
__________
(1) كانت (وسيصل).
(2) أي على طمع.
(3) ذكر البيهقي عقب هاتين الروايتين أن الثانية هي المحفوظة عن هشام.(1/349)
عن ابراهيم بن بشار قال: سمعت ابراهيم بن أدهم يقول: إذا أردت أن تعرف الشيء بفضله فاقلبنه بضده فإذا أنت قد عرفت فضل ما أوتيت(1). (4/327)
عن سفيان بن عيينة قال: من لم يكن له رأس مال فليتخذ الأمانة رأس ماله. (4/327)
عن حماد عن حميد عن أنس قال: البيت الذي يكون فيه خيانة لا يكون فيه البركة. (4/327)
عن كريب عن ابن عباس قال: يا معشر الأعاجم إنكم قد ابتليتم باثنين، بهما هلك من كان قبلكم من القرون: المكيال والميزان. (4/327)
عن محارب عن ابن عمر قال: من تضييع الأمانة النظر في الدور والحجر. (4/328)
عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع قال: خرج ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له ووضعوا سفرة له(2) فمر بهم راعي غنم، قال: فسلم، فقال ابن عمر: هلم يا راعي، هلم فأصب من هذه السفرة، فقال له: إني صائم، فقال ابن عمر: أتصوم في مثل هذا اليوم الحار شديد(3) سمومه وأنت في هذه الجبال ترعى هذه(4) الغنم؟! فقال له: إي والله، أبادر أيامي الخالية؛ فقال له ابن عمر وهو يريد يختبر ورعه: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها ونعطيك من لحمها فتفطرعليه؟ فقال: إنها ليست لي بغنم، إنها غنم سيدي؛ فقال له ابن عمر: فما عسى سيدك فاعلاً؟ إذا فقدها فقل(5): أكلها الذئب! فولى الراعي عنه وهو رافع أصبعه إلى السماء وهو يقول: أين الله؟! قال: فجعل ابن عمر يردد قول الراعي وهو يقول: قال الراعي: فأين الله؟ قال: فلما قدم المدينة بعث إلى مولاه فاشترى منه الغنم والراعي فأعتق الراعي ووهب منه الغنم. (4/329 و 6/386-387)
__________
(1) لا تظهر مناسبة إيراد هذا الأثر في هذا الموضع، إلا إذا كان المراد فضل الأمانة والوفاء ونحوهما من الأخلاق.
(2) لعلها (لهم).
(3) لعلها (الشديد).
(4) كانت (هذا).
(5) كانت (فقل).(1/350)
عن ابن فارس قال: أتيت أبا ذر فقال: يا ابن أخي مثلك من قومي ولا أعرفه؟! قال: شغلتني التجارة، قال: فإنما كنا نتحدث أن من نفرٍ لا ينظر [الله] إليهم يوم القيامة: تاجر فاجر، وكنا نعد الفاجر الذي يحلي السلعة بما ليس فيها. (4/329)
عن ابن فارس الأبلق قال: لقيت أبا ذر فقال: ممن أنت؟ قلت: من بني غفار، قال: رجل من قومي! مثلك لا أعرفه! قلت: إنه شغلتني التجارة، فقال: لك عنه غنى؟ قلت: نعم، قال: دعها فإنا كنا نتحدث أن التاجر فاجر وذلك أنه يزين سلعته بما ليس فيها(1). (4/330)
عن أم كثير قالت: سمعت علياً في النفح؟؟ في الشاة أيزيد في الوزن أو ينقص؟ قيل: لا، قال: رجل يزين سلعته. (4/330)
عن زياد بن الربيع اليحمدي عن أبيه قال: رأيت محمد بن واسع يبيع حماراً له بسوق مرة فقال له رجل: يا أبا عبد الله أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لم أبعه. (4/330)
عن بشر بن المفضل قال: جاءت امرأة بمطرف خز إلى يونس بن عبيد فعرضته عليه فنظر إليه فقال لها: بكم؟ قالت: بستين درهماً، قال: فألقاه إلى جار له فقال: كيف تراه(2)؟ بعشرين ومئة؟ قال: هو ثمنه أو نحوه، فقال لها: انطلقي فاستأمري أهلك في بيعه بخمسة وعشرين ومئة، قالت: قد أمروني أن أبيعه بستين درهماً، قال: انطلقي فاستأمريهم(3). (4/331)
__________
(1) قال البيهقي: ابن فارس هذا هو عبد الرحمن بن فارس أبو فارس الأبلق.
(2) تحرفت إلى (ترامى).
(3) عن أمية بن بسطام قال: جاءت يونس بن عبيد امرأة بجبة خز فقالت له: اشترها فقال: بكم تبيعينها؟ قالت: بخمس مئة قال: هي خير من ذلك قالت: بستمئة، قال: هي خير من ذلك فلم يزل يقول: هي خير من ذلك حتى بلغت ألفاً وقد بذلتها بخمس مئة. (صفة الصفوة 3/305)(1/351)
عن ربيع الخزاز قال: جاءت امرأة شوذب؟؟ بثوب خز فألقته على يونس فقالت: اشتر هذا، قال: بكم؟ قالت: بمئة، قال: ثوبك خير من ذلك، قالت: بمئتين، قال: ثوبك خير من ذلك، قالت: بثلاثمئة، قال: ثوبك خير من ذلك، قالت: بأربع مئة، قال أبو بشر: فأنا أشك، حتى بلغ أربع مئة أو خمس مئة، قال: هذا عندنا إن اشتراه رجل؛ فوضعه عنده حتى جاء طالب ربح فيه فأخذه، قالت: خذه، قال: فلما ذهبت أقبل عليه أصحابه قالوا: يا أبا عبد الله ما كان عليك لو أخذته بمئة؟! قال: لا شيء إلا أني ظننت أنها مغرورة فأحببت أن أنصحها. (4/331)
عن محمد بن جحادة قال: كان زاذان يبيع الكرابيس وكان إذا جاءه الرجل أراه شر الطرفين وسامه سومة واحدة. (4/331)
عن مسعر قال: جاء مجمع بشاة إلى السوق يبيعها، قال: يخيل [إ]لي أن في لبنها ملوحة. (4/331)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الخير في التاجر: ترك الذم إذا اشترى والمدح إذا باع خوفاً من الكذب، وبذل النصيحة للمسلمين حذراً من الخيانة، والوفاء في الوزن إشفاقاً من التطفيف؛ وثلاثة من أعلام الخير في المكاسب: حفظ اللسان، وصدق الوعد، وإحكام العمل. (4/332)
عن حماد عن شعيب بن الحبحاب قال: أول ما جرى بيني وبين أبي العالية أنه جاء إلى السوق يطلب ثوباً فأتاني فأخرجت له ثوباً صالحاً وأخذت الدراهم فذهب فأراه فقالوا: هذا خير من دراهمك، قال: فجاء فقال: رد علينا دراهمنا بارك الله فيك، فرددت عليه الدراهم وأخذت الثوب. (4/332)(1/352)
عن ضمرة عن بشير بن صالح قال: دخل ابن محيريز(1) حانوتاً بدابق(2) وهو يريد أن يشتري ثوباً فقال رجل لصاحب الحانوت: هذا ابن محيريز فأحسن بيعه، فغضب ابن محيريز وخرج وقال: إنا نشتري بأموالنا ولسنا نشتري بديننا. (4/332)
عن سلم بن العلاء قال: رأيت ابن محيريز واقفاً بدابق(3) فسمع رجلاً يساوم وهو يقول: لا والله، وبلى والله، فقال: يا هذا لا يكونن الله أهون بضاعتك(4) عليك. (4/332)
عن صفوان بن سليم أن أبا هريرة مر بإنسان يحمل لبناً قد خلطه بالماء يبيعه فقال له أبو هريرة: كيف بك(5) إذا قيل لك يوم القيامة: خلص الماء من اللبن؟! (4/333)
السادس والثلاثون من شعب الايمان
وهو باب في تحريم النفوس والجنايات عليها
عن الأوزاعي قال: من قتل مظلوماً كفر الله عنه كل ذنب، وذلك في القرآن (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك). (4/340)
عن الأعمش قال: قال ابراهيم: قال عبد الله: لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما نقيت كفه من الدم، فإذا غمس يده في الدم الحرام نزع حياؤه؟؟. (4/341)
عن أم الدرداء قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: يجلس المقتول يوم القيامة فإذا مر الذي قتله قام فأخذه فينطلق فيقول: يا رب سله لم قتلني؟ فيقول: فيم قتلته؟ فيقول: أمرني فلان، فيعذب القاتل والآمر. (4/341)
عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري قال: كنت جالساً عند سالم بن عبد الله في نفر من أهل المدينة فقال رجل: ضرب الأمير آنفاً رجلاً أسواطاً فمات، فقال سالم: عاب الله على موسى عليه السلام في نفس كافرة قتلها. (4/346)
__________
(1) تابعي قريشي شامي جليل قليل النظير بين التابعين له ترجمة ماتعة حافلة في تاريخ دمشق لابن عساكر 33/6-25.
(2) تصحفت إلى (بدانق)، والتصحيح من تاريخ دمشق 33/19.
(3) تصحفت إلى (بدانق)، والتصحيح من تاريخ دمشق 33/19.
(4) كنت أحسب أنه قد سقط (من) قبل (بضاعتك) ثم وجدتها بلا (من) في تاريخ دمشق.
(5) كانت (لك).(1/353)
عن زياد بن الجصاص حدثنا الحسن قال: لما أحس(1) جندب بقدوم علي رضي الله عنه خرج راجعاً إلى المدينة وتبعه بنو عدي فجعلوا يقولون: يا أبا عبد الله أوصنا رحمك الله، فقال: اتقوا الله واقرؤوا القرآن فإنه نور الليل المظلم وهدى النهار على ما كان من جهد وفاقة، فإذا عرض البلاء فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم فإذا نزل البلاء فاجعلوا أنفسكم دون دينكم؛ واعلموا أن الخائب من خاب دينه، والهالك من هلك دينه، ألا لا فقر بعد الجنة ولا غنى بعد النار، لأن النار لا يفك أسيرها ولا يبرأ ضريرها ولا يطفأ حريقها؛ وإنه ليحال بين الجنة وبين المسلم بملء كف دم أصابه من دم أخيه المسلم، كلما(2) ذهب يدخل من باب من أبواب [الجنة] وجده(3) يرده عنه(4)، واعلموا أن الآدمي إذا مات فدفن لأنتن(5) أول من بطنه فلا تجعلوا مع النتن خبثاً؛ اتقوا الله في الأموال والدماء واجتنبوها ثم سلم وركب(6). (4/346-347)
عن محمد بن عجلان قال: كنت بالاسكندرية فحضرت رجلاً الوفاة لم نر(7) من خلق [الله] أحد[اً] كان أخشى لله منه فكنا نلقنه فيقبل كل ما لقناه من سبحان الله والحمد لله، فإذا جاءت لا اله الا الله أبى! فقلنا له: ما رأينا من خلق الله أحداً كان أخشى لله منك فنلقنك فتلقن حتى إذا جاءت لا اله الا الله!! قال: إنه حيل بيني وبينها وذلك أني قتلت نفساً في شبيبتي. (4/350)
السابع والثلاثون من شعب الايمان
وهو باب في تحريم الفروج وما يجب من التعفف عنها
عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يسمي عبيده بأسماء العرب عكرمة وسميع وكريب وأنـ[ـه] قال لهم: تزوجوا فإن العبد إذا زنى نزع منه نور الايمان، فرد[ه] الله عليه بعد أو أمسكه. (4/353)
__________
(1) كانت (أحسن).
(2) كانت (لما).
(3) كانت (وجدها).
(4) كانت (يرد عنها).
(5) العبارة مستقيمة، وتحتمل أيضاً أنها (لا ينتن)، ومعنى الجملة على هذا الاحتمال أنه لا شيء من بدنه ينتن قبل بطنه.
(6) تقدم نحوه برقم 748.
(7) كانت (ير).(1/354)
عن ابن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن الذي يأتى امرأته في دبرها فقال: هذا يسألني عن الكفر. (4/355)
عن معمر عمن سمع عكرمة يحدث أن عمر بن الخطاب ضرب رجلاً في مثل ذلك. (4/355)
عن قتادة عن أبي الدرداء أنه سئل عن ذلك وقال: وهل يفعل ذلك الا كافر. (4/355)
عن مجاهد عن أبي هريرة أنه قال: من أتى ذلك فقد كفر. (4/355)
عن قتادة أن عبد الله بن عمرو قال: هي اللوطية الصغرى. (4/356)
عن الزهري قال: سألت ابن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن عن ذلك فكرهاه ونهياني عنه. (4/356)
عن قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها قال: حدثني عقبة بن رباح أن أبا الدرداء قال: لا يفعل ذلك إلا كافر. (4/356)
عن أبي نضرة أن ابن عباس سئل: ما حد اللوطي؟ قال: ينظر أعلى(1) بناء بالقرية فيلقى منه ثم يتبع بالحجارة. (4/357)
عن محمد بن المنكدر أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق أنه وجد رجلاً في بعض ضواحي العرب(2) ينكح كما تنكح المرأة فجمع لذلك أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم علي بن أبي طالب فقال علي: إن هذا ذنب لم يعمل به أمة الا أمة واحدة ففعل الله بهم ما قد علمتم؛ أرى أن تحرقه بالنار فاجتمع رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بالنار، فأمر أبو بكر أن يحرق بالنار(3). (4/357)
عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: اللوطي يرجم أحصن أو لم يحصن. (4/357)
عن حماد بن سلمة عن حماد بن إبراهيم قال: لو كان أحد ينبغي له أن يرجم مرتين لرجم اللوطي. (4/358)
عن هشيم عن الحسن ومغيرة عن إبراهيم قال: حد اللوطي حد الزاني. (4/358)
عن يونس عن الحسن ومغيرة عن إبراهيم قال: إذا قذف الرجل الرجل بعمل قوم لوط ضرب الحد. (4/358)
__________
(1) في الأصل (على).
(2) كان هنا زيادة (المدينة) وهي على الأكثر خطأ؛ وانظر المحلى 11/381 والمغني 9/58 والترغيب والترهيب للمنذري 3/189.
(3) وقد حرقه أيضاً ابن الزبير وهشام بن عبد الملك.(1/355)
عن عروة عن عائشة قالت: أول من اتهم بالأمر القبيح، يعني عمل قوم لوط، اتهم به رجل على عهد عمر رضي الله عنه فأمر بعض شباب قريش أن لا يجالسوه. (4/358)
عن بقية بن الوليد عن الوضين بن عطاء عن بعض التابعين قال: كانوا يكرهون أن يحد الرجل النظر الى الغلام الجميل. (4/358)
عن بقية قال: قال بعض التابعين: ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار، من الغلام الأمرد يقعد إليه. (4/358)
عن عثمان بن صالح عن الحسن بن ذكوان قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى. (4/358)
عن محمد بن حمير عن النجيب بن السري قال: كان يقال: لا يبيت الرجل في بيت مع المرد. (4/359)
عن الضحاك عن ابن عباس في قوله (أتأتون الفاحشة) قال: أدبار الرجال. (4/359)
عن اسماعيل بن ابراهيم عن ابن أبي نجيح: (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) قال: قال عمرو بن دينار: ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط. (4/359)
عن ابن سيرين قال: ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار. (4/359)
عن عبيد بن الوليد بن أبي السائب عن أبي سهل قال: سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم: اللوطيون، على ثلاثة أصناف: صنف ينظرون، وصنف يصافحون: وصنف يعملون ذلك العمل. (4/359)
عن اسماعيل بن كثير عن مجاهد قال: لو أن الذي يعمل ذلك العمل، يعني عمل قوم لوط، اغتسل بكل قطرة من السماء وكل قطرة في الأرض لم يزل نجساً. (4/359)
عن عبد الله بن المبارك قال: دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عليه غلام صبيح فقال: أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطاناً ومع كل غلام بضعة عشر شيطاناً. (4/359)
عن رجاء بن حيوة الكندي قال: قال معاذ: إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم وستبتلون بفتنة السراء، وإن أخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء. (4/362)(1/356)
عن علي بن الحسين بن واقد عن أبيه قال: كنت عند الأعمش وفي الحى جارية جميلة يقال لها بهنانة، قال: جعلت أنظر إليها فقال الاعمش: أين نظرت؟ قلت: نظرت إلى بهنانة، قال: حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله عز وجل (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)، خائنة الأعين: إذا أنت نظرت إليها تريد الخيانة، وما تخفي الصدور: إذا أنت قدرت عليها أتزني أم لا، والله يقضي بالحق. (4/370)
عن مالك بن شرحبيل قال: قال عبادة بن الصامت: ألستم تروني هذا؟! فإني ما أقوم(1) إلا رفداً، ولا آكل إلا ما لوق لي؛ وقد مات صاحبي منذ زمان؛ وما أحب أن لي ما تطلع عليه الشمس وأني خلوت بامرأة لا تحل لي مخافة أن تأتي بحركة؛ على أنه لا سمع له ولا بصر(2). (4/372)
عن حميد بن عبد الله السلولي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان راهب يتعبد في صومعته وإن امرأة زينت له نفسها فوقع عليها فحملت فجاءه الشيطان فقال: اقتلها فإنهم إن ظهروا عليك افتضحت فقتلها ودفنها فجاؤوه فأخذوه وذهبوا به فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان قال: أنا الذي زينت لك فاسجد لي سجدة أنجك فسجد له فأنزل الله عز وجل: (كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك) الآية. (4/373)
__________
(1) كانت (أقول).
(2) قال المصنف: قوله "إلا رفداً"، يريد إلا أن أرفد فأعان على القيام حتى أنهض؛ وقوله "إلا ما لوق لي" يقول: إلا ما لين لي من الطعام حتى يصير كالزبد في لينه من الكبر؛ وقوله "وقد مات صاحبي وإنه لا سمع له ولا بصر" يريد الفرج أنه لا يقدر على شيء ولا يعرفه؛ يقول: وأنا مع هذا أكره أن أخلو بامرأة. قاله أبو عبيدة.(1/357)
عن علي بن المديني حدثنا سفيان قال: سمعته من(1) علي بن زيد بن جدعان سمع سعيد بن المسيب يقول: ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء؛ ثم قال سعيد وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشى(2) بالأخرى: ما من شيء أخوف عندي من النساء. (4/373)
حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد قال: لا تجالس صاحب بدعة، ولا صاحب سلطان، ولا تخلون بامرأة. (4/374)
عن عمر بن أبي زائدة عن أبي جمرة(3) قال: اللواط في قوم لوط في النساء قبل أن يكون في الرجال بأربعين سنة. (4/375)
عن أبي ظبيان عن حذيفة قال: إنما حق القول على قوم لوط حين استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال. (4/375)
عن عبيد المكتب قال: سألت الشعبي عن امرأتين وجدتا تسحقان، قال: تُعَزّران، فعزرهما مئة مئة. (4/376)
عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه أتي بامرأتين تسحقان فعزرهما مئة مئة . (4/376)
الثامن والثلاثون من شعب الايمان
وهو باب في قبض اليد عن الأموال المحرمة ويدخل فيه تحريم السرقة وقطع الطريق
عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن موسى بن عبد الله أن أباه بعث غلاماً له إلى أصبهان(4) بأربعة آلاف فبلغ المال ستة عشر ألفاً أو نحو ذلك، فبلغه أنه مات فذهب يأخذ المال فبلغه أنه كان يقارف الربا، قال: فأخذ أربعة آلاف وترك البقية. (4/397)
عن شعبة عن يحيى بن سعيد عن أنس قال: إذا أقرضت قرضاً لأخيك فلا تركب دابته ولا تقبل هديته إلا أن يكون قد جرت بينك وبينه مخالطة قبل ذلك. (4/397)
__________
(1) كانت (عن).
(2) وفي رواية أخرى (يعمش) بدل (يعشى).
(3) لعلها (حمزة).
(4) كانت (الأصبهاني).(1/358)
عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لي: ألا تجيء إلى البيت حتى أطعمك سويقاً وتمراً فذهبنا فأطعمنا سويقاً وتمراً ثم قال: إنك بأرضٍ الربا بها فاشٍ فإذا كان لك على رجل دين فأهدى اليك حبلة من علف أو شعير أو حبلة من تبن فلا تقبله فإن ذلك من الربا. (4/398)
فصل في التشديد(1) في الدَّين
عن بكر [بن عمرو بن شعيب بن زرعة] أنه سمع جعفر بن شرحبيل يقول: إن معاوية بن أبي سفيان قال: رِقُّ الحر الدين. (4/404)
عن ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن زياد قال: حدثني(2) سعيد بن مسعود قال: ما من أحد يدخل خوف الدين في قلبه إلا ذهب من عقله ما لا يرجع إليه حتى يموت. (4/404)
عن أبي حلبس قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: من أحسن فليرج الثواب، ومن أساء فلا يستنكر الجزاء، ومن أخذ عزاً بغير حق أورثه الله ذلاً بحق، ومن أخذ مالاً بظلم أورثه الله فقراً بغير ظلم. (4/404)
التاسع والثلاثون من شعب الإيمان
وهو باب في المطاعم والمشارب وما يجب التورع عنه منها
[فصل في ذم المسكر]
عن عامر الشعبي عن ابن عمر أن عمر قام على منبر المدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ الناس وذكرهم ثم قال: أما بعد فإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتمر والبر والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل(3). (5/7)
__________
(1) كانت (التسديد).
(2) كانت (وحدثني).
(3) رواه البخاري.(1/359)
عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إن كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد(1) ويعتزل النساء فلقيته امرأة غاوية فأرسلت إليه خادمها فقالت: إنا ندعوك لشهادة، فدخل فطفقت كلما دخل عليها باباً أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة جالسة وعندها غلام وباطية فيها خمر فقالت: أنا لم أدعك لشهادة ولكن دعوتك لتقتل هذا الغلام أو تقع علي أو تشرب كأساً من هذا الخمر؛ فإن أبيت صحت وفضحتك فلما رأى أنه لا بد من ذلك قال: اسقيني كأساً من هذا الخمر فسقته كأساً من الخمر ثم قال: زيديني فلم يرم(2) حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنه والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في صدر رجل أبداً، ليوشكن أحدهما أن يخرج صاحبه. (5/10)
عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمرو قال: لأن أزني أحب إلي من أن أسكر، ولأن أسرق أحب إلي من أن أسكر، لأن السكران يأتي عليه ساعة لا يعرف فيها ربه. (5/13)
عن مجاهد قال: قال إبليس: ما أعجزني فيه بنو آدم فلن يعجزوني في ثلاث: إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا وعمل لنا بما أحببنا؛ وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم؛ ونبخله(3) [بما] في يديه ونمنيه(4) ما لا يقدر عليه. (5/13)
عن إسحاق بن العباس قال: قال الحسن: جاء النبيذ(5) إلى أحب خلق الله حتى أفسده يعني العقل. (5/14)
__________
(1) لم يسق البيهقي هذه الرواية وإنما ذكر سندها موقوفة ثم أحال في متنها على رواية مرفوعة قبلها، فذكرت ذلك المتن.
(2) لعلها (يرمه) أي الكأس.
(3) كانت (ويبخله).
(4) كانت (وتنبيه)، وأصلحتها هي والتي قبلها من (ذم المسكر) لابن أبي الدنيا ص67 ومنه الزيادة.
(5) لعلها (بالنبيذ) ويكون الفاعل ضمير يعود على من سكر.(1/360)
عن أبي بكر [بن ابي الدنيا] قال حدثني أبو محمد الربعي عبد الله بن محمد قال: قيل لرجل من العرب: لم لا تشرب النبيذ؟ قال: والله ما أرضى عقلي صحيحاً فكيف أدخل عليه ما يفسده. (5/14)
وعنه قال: حدثني سويد بن سعيد قال: حدثني بعض أصحابنا قال: السكر على ثلاثة: منهم من إذا سكر قاء(1) وسلح فهذا مثل الخنزير؛ ومنهم من إذا سكر كدم وجرح فمثله كمثل الكلب؛ والثالث إذا سكر يعني يرقص فمثله كمثل القردة. (5/14)
وعنه قال(2): حدثني القاسم بن هاشم حدثنا محمد بن عبد الحميد حدثنا هشام بن الكلبي - أو قال محمد بن هشام - قال: قال الحكم بن هشام لابن ابن له وكان يتعاطى الشراب: أي بني إياك والنبيذ إنه قيء في شدقك وسلح على عقبك وحد في ظهرك وتكون ضحكة للصبيان وأميراً للذبان(3). (5/14)
وعنه قال: حدثني أبي قال: قال بعض الحكماء لابنه: يا بني ما يدعوك إلى النبيذ؟! قال: يهضم طعامي! قال: [هو] والله يا بني لدينك أهضم؛ قال أبو بكر: وأنشدني أبي:
وإذا نبيذ على النبيذ شربته
أزرى بدينك مع ذهاب الدرهم (5/14)
__________
(1) كانت (تقاء).
(2) قال ابن أبي الدنيا في ذم المسكر ص76: حدثني القاسم بن هاشم قال: حدثني محمد بن [عبد] الحميد الطائي قال: حدثنا هشام بن الكلبي قال: قال الحكم بن هشام لابن ابن له وكان يتعاطى الشرب: يا بني إياك والنبيذ فإنه قيء في شدقك وسلح على قعدك وحد في ظهرك وتكون ضحكة للصبيان وأميراً للذبان.
(3) كانت (وأسيراً للديان).(1/361)
وعنه قال: وبلغني أن قيس بن عاصم قيل له في الجاهلية: لم تركت الشراب؟ قال: لأني رأيته متلفة للمال داعية إلى شر المقال مَذهبة لمروءات الرجال، يريد الخمر(1)
__________
(1) قال القرطبي في تفسيره 3/55-57: " قوله تعالى (قل فيهما) يعنى الخمر والميسر (إثم كبير)، إثم الخمر ما يصدر عن الشارب من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور وزوال العقل الذى يعرف به ما يجب لخالقه وتعطيل الصلوات والتعوق عن ذكر الله إلى غير ذلك روى النسائى عن عثمان رضى الله عنه قال اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل ممن كان قبلكم تعبد فعلقته امرأة غوية---[فذكر القصة]؛ وروي أن الأعشى لما توجه إلى المدينة ليسلم فلقيه بعض المشركين في الطريق فقالوا له: أين تذهب؟ فأخبرهم بأنه يريد محمداً صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا تصل إليه فإنه يأمرك بالصلاة فقال: إن خدمة الرب واجبة، فقالوا: إنه يأمرك بإعطاء المال إلى الفقراء، فقال: اصطناع المعروف واجب، فقيل له: إنه ينهى عن الزنى، فقال: هو فحش وقبيح في العقل وقد صرت شيخاً فلا أحتاج إليه، فقيل له: إنه ينهى عن شرب الخمر، فقال: أما هذا فإنى لا أصبر عليه! فرجع وقال: أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه، فلم يصل إلى منزله حتى سقط عن البعير فانكسرت عنقه فمات؛ وكان قيس بن عاصم المنقري [رضي الله عنه] شراباً لها في الجاهلية ثم حرمها على نفسه وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران وسب أبويه ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخمار كثيراً من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه، وفيها يقول:
رأيت الخمر صالحة وفيها-خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحاً-- --ولا أشفى بها أبداً سقيما
ولا أعطي بها ثمناً حياتي----ولا أدعو لها أبداً نديما
فإن الخمر تفضح شاربيها- وتجنبهم بها الأمر العظيما
قال أبو عمر [ابن عبد البر]: وروى ابن الأعرابى عن المفضل الضبي أن هذه الأبيات لأبي محجن الثقفي قالها في تركه الخمر---.
ثم إن الشارب يصير ضحكة للعقلاء فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح وجهه حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول: اللهم اجعلنى من التوابين ومن المتطهرين، ورؤي بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول له: أكرمك الله!---".(1/362)
. (5/14)
وعنه قال: حدثني رجل على باب ابن عائشة يكنى أبا محمد قال: قال عباد المنقري: لو كان العقل علقاً يشترى لتغالى الناس في شرائه فالعجب من أقوام يشترون بأموالهم ما يذهب بعقولهم. (5/14)
وعنه قال: حدثني محمد بن عبد الله القراطيسي قال: شرب رجل نبيذاً فسكر فنام عن العشاء الآخرة فجعلت ابنة عم له تنبهه للصلاة وكان لها دين وعقل فلما ألحت عليه حلف بطلاقها البتة أن لا يصلي ثلاثاً ثم عقل(1) يمينه فلما أصبح كبر عليه فراق ابنة عمه فظل يومه لم يصل وليلته ثم أصبح على ذلك وعرضت له علة فمات؛ وفي نحو هذا يقول قائل:
أتأمن أيها السكران جهلاً
بأن تفجأك في السكر المنيه
فتضحى عبرةً للناس طراً
وتلقى الله من شر البريه
(5/15)
وعنه قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله حدثني عبد الله بن محمد بن عقبة حدثني محمد بن هشام النصيبي ونفر من أهل نصيبين قالوا: كان عندنا رجل مسرف على نفسه يكنى أبا عمرو وكان يشرب الخمر، قالوا(2): فبينما هو كذلك إذ انتبه ذات ليلة وهو فزع قيل له: ما لك؟! فقال: أتاني آت في منامي هذا وردد علي هذا الكلام حتى حفظته:
جد بك الأمر أبا عمرو
وأنت معكوف على الخمر
تشرب صهباء راحية(3)
سال بك الليل وما تدري
قال: فلما أذن المؤذن مات فجأة. (5/15)
أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب في التفسير أنشدنا أبو العباس عبدالله بن محمد الجياني أنشدنا رضوان بن أحمد الصيدلاني:
تركت النبيذ لأجل النهي(4)
وصرت حليفاً لمن عابه
شراباً يدنس عرض الفتى
ويفتح للشر أبوابه
(5/15)
أنشدنا أبو القاسم أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح:
__________
(1) في ذم المسكر (عقد) بدل (عقل).
(2) كانت (قال).
(3) كانت (صراحية) فاستبدلت بها ما ورد مكانها في (ذم المسكر) ص81-82.
(4) كانت العبارة (لأهل النبي).(1/363)
لو كنت في العلم(1) كهارونا
أو كنت في المال كقارونا
وكنت تحكي في الندى حاتماً
وكنت في سمت ابن سيرينا
وقيل إن السكر من شأنه(2)
كان لك الناس مهينينا
(5/15)
عن ابن أبي الدنيا أنشدنا الحسين بن عبد الرحمن:
أرى كل قوم يحفظون حريمهم
وليس لأصحاب النبيذ حريم
إذا جئتهم حيوك ألفاً ورحبوا
وإن غبت عنهم ساعة فذميم
أخاهم إذا ما دارت الكأس بينهم
وكل رث الوصال يقوم(3)
فهذا ثنائي لم أقل بجهالة
ولكنني بالفاسقين عليم
(5/15)
عن نافع عن ابن عمر قال: مرض بعير له فنعت(4) له الخمر فقال ابن عمر: ما كنت لأؤجره خمراً. (5/17)
عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره أن يسقي البهائم الخمر. (5/18)
عن أبي يعلى الموصلي قال: سمعت أبا خيثمة يقول: سمعت عبد الله بن إدريس يقول:
كل شراب مسكر كثيره
من تمرة أو عنب عصيره
فإنه محرم يسيره
إني لكم من شره نذيره(5)
(5/18)
[فصول في الأطعمة]
الفصل الأول في ذم كثرة الأكل
قال أبو سليمان [الخطابي]: وقد قيل إن الناس في الأكل على طبقات فطائفة يأكلون كلما وجدوا مطعوماً، عن حاجة إليه وعن غير حاجة، وهذا فعل أهل الجهل والغفلة الذين شاكلت طباعهم طباع البهائم؛ وطائفة يأكلون إذا جاعوا، فإذا ارتفع الجوع أمسكوا، وهذه عادة المقتصدين من الناس والمتماسكين منهم في الشمائل والأخلاق؛ وطائفة يتجوعون ويرتاضون الجوع قمعاً لشهوات النفوس فلا يأكلون إلا عند الضرورة ولا يزيدون منه على ما يكسر غرب الجوع وهذا من عادة الأبرار وشمائل الصالحين الأخيار. (5/24)
__________
(1) لعلها (الملك) فيكون المراد هارون الرشيد، وأما إن كانت الكلمة محفوظة فلا أدري من المراد، ويبعد أن يكون نبي الله هارون، لأن ذلك مما لا يليق إذ فيه مخالفة لحسن الأدب مع الأنبياء.
(2) كانت (سوسة).
(3) عَجُزُ هذا البيت غير واضح ويظهر أن فيه تصحيفاً.
(4) تصحفت إلى (فبعث).
(5) كانت (نذير).(1/364)
عن أبي بكر بن عياش قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم والخمرين اللحم والنبيذ فإنهما مفسدة للمال حرقة للدين. (5/34)
عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه حامل لحم فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا(1) إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحماً، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره وابن عمه؟! فأين تذهب عنكم هذه الآية (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا). (5/34)
عن عبد العزيز بن أبي حازم حدثني أبي عن جابر بن عبد الله قال: لقيني عمر بن الخطاب وقد ابتعت لحماً بدرهم فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت: قرم أهلي فابتعت لهم لحماً بدرهم فجعل عمر يردد: قرم الأهل، حتى تمنيت أن الدرهم سقط مني ولم ألق عمر. (5/34)
عن عكرمة بن خالد أن حفصة وابن مطيع وعبد الله بن عمر كلموا عمر بن الخطاب فقالوا: لو أكلت طعاماً طيباً كان أقوى لك على الحق، قال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم، قال: قد علمت أنه ليس منكم إلا ناصح ولكني تركت صاحبيَّ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر على جادة، فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل؛ قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمناً ولا سميناً حتى أحيي الناس(2). (5/35)
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: رأيت عمر يلقى له الصاع من التمر فأكله حتى الحشف. (5/35)
عن ابن وهب قال: قال مالك: فلو كان عمر يشبع من الخبز والزيت ما أكل الصاع كله حتى يأكل حشفه، قال مالك: ولم يكن للناس غداء ولا عشاء مثل هذا الزمان. (5/36)
قال الحليمي: ولا يجمع في الأكلة الواحدة بين الألوان الكثيرة بذخاً وأشراً إلا أن يجمع جامع بين شيئين أو أشياء ليعدل بعض ذلك ببعض فيوافق طبعه ويأمن بذلك الغائلة التي كان يخشاها من أحدهما لو أفرده. (5/36)
__________
(1) تصحفت إلى (فهنا)، وصححتها بإثبات ما ورد في الموطأ (1674).
(2) هذا في جامع معمر 11/223.(1/365)
[روي] عن علي رضي الله عنه أنه أكل رغيفاً يرى قشار الشعير في وجهه، وأن جاريته زعمت أنه قد تقدم إليها أن لا يتخذ له طعاماً؛ وأنه أتي بفالوذج فأبى أن يأكل منه وقال: شيء لم يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحب أن آكل منه. (5/36)
عن الحسن والحسين أنهما كانا يأكلان خلاً وبقلاً فقيل لهما: أنتما ابنا أمير المؤمنين تأكلان ما تأكلان وفي الرحبة ما فيها؟! فقالا: ما أغفلك عن أمير المؤمنين! إنما ذلك للمسلمين. (5/36)
عن يحيى بن عقيل عن علي بن أبي طالب أنه قال لعمر: يا أمير المؤمنين إن سرك أن تلحق بصاحبيك فأقصر الأمل وكل دون الشبع واقصر الإزار وارقع القميص واخصف النعل تلحق بهما. (5/36)
عن يحيى بن سعيد أنه قال: بلغني أن عمر بن الخطاب كان يأكل خبزاً بسمن فدعا رجلاً من أهل البادية فجعل يأكل معه ويتبع باللقمة وضر الصفحة فقال له عمر: كأنك مقفر، فقال: والله ما ذقت سمناً ولا رأيت آكلا له(1) منذ كذا وكذا! فقال عمر: لا آكل سمناً حتى يحيى الناس من أول ما يحيون. (5/36)
عن عبد الله بن مسعر بن كدام عن هشام بن حسان عن الحسن قال: قيل ليوسف عليه السلام: تجوع وخزائن الأرض بيدك؟! قال: إني أخاف أن أشبع فأنسى الجياع. (5/37)
__________
(1) كانت (أكلاً به).(1/366)
عن مالك بن دينار قال: حدثني رجل قد أدرك الصدر الأول، قال: استعمل عمر بن الخطاب رجلاً على خوخى فقال: انطلق إلى خوخى فاستخرج خراجها وقم عليها حتى يأتيك أمري؛ فانطلق هو وغلام له أسود على بعير يعتقبان البعير عقبة له وعقبة للغلام حتى أتى خوخى قال: يا سيدي أستحي أن تدخل وأنت تمشي وأنا راكب وأنت تسوق بي! قال: فكيف أصنع وهي عقبتك؟! قال: أدعها لك، قال: طيبة بها نفسك، قال: طيبة بها نفسي، فركب وساق به الغلام حتى دخل خوخى فلما دخلها نودي في أهل الأرض والدهاقين فقالوا: جاء أمير جاء أمير فسجدوا له فقال: إخ إخ، لبعيره(1)، فنزل فسجد معهم فرفعوا رؤوسهم وهو ساجد فلما رفع رأسه قالوا له: لأي شيء سجدت؟! قال: رأيت قوماً سجدوا فسجدت معهم، فقيل له: إنما سجدوا لك! فقال: أسجدوا لي؟! قالوا: نعم، فقال لغلامه: إنما بعثني عمر لأُتَّخذ إلها من دون الله!! النجاء النجاء، قال: فركب بعيره ثم رجع حتى قدم المدينة فلما رأى عمر قال: يا أمير المؤمنين إنما بعثتني لأتخذ إلهاً من دون الله، قال: فضحك عمر وتركه ثم أرسل إلى رجلين من الأنصار فقال لهما: انطلقا إلى خوخى فلما قدموا قالوا لا تسجدوا لهما فيرجعان كما رجع الأول؛ وحضر طعام إما غداء وإما عشاء فجيء بالمائدة فوضعت بين أيديهما ثم وضعت قصعة فسميا وأكلا ثم جاء يأخذها قالا له: لا تأخذها فإن هذا طعام طيب، قالوا: عندنا أطيب منه، فأخذها ووضع قصعة أخرى، فقال أحدهما لصاحبه: إنما بعثنا لنأكل طيباتنا في حياتنا الدنيا، النجاء النجاء، فركبا فأتيا المدينة فأتيا عمر وقال: ما جاء بكما؟ فقالا: يا أمير المؤمنين إنما بعثتنا لنأكل طيباتنا في حياتنا الدنيا فغضب عمر وقال: كيف أصنع؟! من أستعمل؟! بمن أستعين؟! ثم تركهما؛ ثم أرسل إلى رجل من المهاجرين من مزينة يقال له أبو يسار فبعثه إلى خوخى وذكر القصة في قدومه وأنهم جاءوا بالخراج وقالوا: هذا خراجنا وهذا هدية لك، قال: لا
__________
(1) يعني أناخه.(1/367)
حاجة لي فيه، قالوا: نحن تطوعنا به طيبة أنفسنا، قال: لا حاجة لي فيه، لم يأمرني أمير المؤمنين بهذا فرده وأخذ الخراج. (5/37-38)
عن نافع عن ابن عمر أنه ربما تصدق في الشهر [بـ]ثلاثين ألف درهم وما يأكل فيه أكلة لحم. (5/38)
عن أبي سعد قال: كان سالم بن عبد الله [بن عمر] رجلاً غليظاً كأنه حمال فسأله بعض الأمراء: ما أدمك؟ أو طعامك؟ قال: الخل والزيت، فقال: فإذا لم تشتهه؟ قال: أدعه حتى أشتهيه(1). (5/38)
عن الحسن قال: قال عامر بن عبد الله(2) وجدت الدنيا أربع خصال: النساء واللباس والطعام والنوم، فأما النساء فوالله ما أبالي امرأة رأيت أو جداراً، وأما اللباس فوالله ما أبالي ما واريت به عورتي، وأما الطعام والنوم فقد غلباني إلا أن أصيب منهما، والله لأضر بهما ما استطعت؛ قال الحسن: ففعل والله. (5/39)
عن الجنيد بن محمد قال: سمعت السري بن المغلس وقد ذكر له أهل الحقائق من العباد فقال: أكلهم أكل المرضى ونومهم نوم الغرقى. (5/39)
عن يعقوب بن عبد الرحمن القارئ قال: قال محمد بن المنكدر: إني خلفت زياد بن زياد مولى ابن عياش وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول: اجلسي تريدين أين تذهبين؟! أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟! انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان ودار فلان؟! قال: وكان يقول لنفسه: ما لك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت، وما لك من الثياب إلا هذين الثوبين، وما لك من النساء إلا هذه العجوز، أفتحبين أن تموتي؟! فقالت: أنا أصبر على هذا(3) العيش. (5/39)
__________
(1) انظر الخبر في الحلية 2/193.
(2) الذي يقال له عامر بن عبد قيس، من أفاضل نساك التابعين.
(3) كانت (هذه).(1/368)
عن الوليد بن عقبة قال: كان يخبز لداود الطائي ستون رغيفاً يعلقها بشريط يفطر كل ليلة على رغيفين بملح وماء، فأخذ ليلة فطره فجعل ينظر إليه قال: ومولاة له سوداء تنظر إليه فقامت فجاءت بشيء من تمر على طبق فأفطر وأصبح صائماً فلما أن جاء وقت الإفطار أخذ رغيفه وملحاً وماء. (5/39)
عن علي بن حرب أخبرنا إسماعيل قال: قالت داية داود الطائي لداود: يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز؟ قال: بلى يا داية ولكن بين مضغ الخبز وبين شرب الفتيت قراءة خمسين آية. (5/40)
عن علي بن المديني قال: قالت امرأة شميط له: يا أبا همام إنا نعمل الشيء ونصنعه فنشتهي أن تأكل منه معنا فلا تجيء حتى يفسد ويبرد! فقال: والله إن أبغض ساعاتي إلي الساعة التي آكل فيها. (5/40)
عن جعفر بن سليمان قال: قال مالك بن دينار: لوددت أن الله عز وجل جعل رزقي في حصاة أمصها(1) لقد استحييت من كثرة اختلافي إلى الكنيف. (5/40)
عن أبي يعلى عن الأصمعي قال: رأيت أعرابية تأكل قشور الرمان فقلت لها: ما تصنعين بأكل هذا؟! فقالت: أدفع به الجوع عني فإن الجوع إذا دفعته بالشيء اندفع. (5/40)
عن معمر عمن سمع الحسن أن لقمان قال لابنه: يا بني لا تأكل شبعاً فوق شبع فإنك إن تنبذه الى الكلب خير لك، ويا بني لا تكونن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار وأنت نائم على فراشك. (5/41)
عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن أبيه، قال: كان يلبس الرداء يبلغ من خلفه إليته ومن بين يديه ثدييه فقلت: يا أبه لو اتخذت أوسع من هذا! فقال: كم تقول لي يا بني هذا؟ فوالله ما على الأرض من لقمة لقمتها طيبة إلا وددت لو كانت في في(2) أبغض الخلق إلي. (5/41)
__________
(1) كانت (أمجها).
(2) يعني فم.(1/369)
عن جعفر حدثنا ثابت قال: بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا حتى رآه فإذا عليه معاليق من كل شيء فقال له يحيى: يا إبليس ما هذه المعاليق التي أراها عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصيب بها ابن آدم، قال له يحيى: ما لي فيها من شيء؟ قال: لا، قال: فهل طمعت أن تصيب مني شيئاً؟ قال: ربما شبعت فشغلتك عن الصلاة والذكر، قال: هل غيره؟ قال: لا، قال: لا جرم لا أشبع أبداً(1). (5/41)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول في قول الله عز وجل (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) قال: أزال عنهم الشهوات؛ قال: وقال لي أبو سليمان: لأن أترك لقمة من عشاء أحب إلي من أن أكملها فأقوم من أول الليل إلى آخره. (5/42)
عن أحمد بن أبي الحواري أن أبا سليمان الداراني رأى حمدان أبا صالح وعليه عباء فقال لي: أي شيء أراد بلبس العباء؟ قلت: يذل نفسه، قال: [أ]ما أدله(2) على ما هو أذل لها من لبس العباء؟! يرفع عليقتها(3) ليلة واحدة. (5/42)
عن أبي عمران الجصاص قال: سمعت أبا سليمان يقول: إذا جاع القلب وعطش صفا ورق، وإذا شبع وروي عمي. (5/42)
عن بشر قال: قال الفضيل بن عياض: خصلتان تقسيان القلب: كثرة النوم وكثرة الأكل. (5/42)
عن بشر قال: لم أر شيئاً أفضح لهذا العبد من بطنه. (5/42)
عن بشر بن الحارث قال: ما تركت الشهوات من أربعين سنة، وهذا فيها؟؟، ولكن لم أعط نفسي كل ما تشتهيه، وإني لأشتهي الشواء منذ أربعين سنة إلا أنه لا يصفو لي درهم حلال. (5/43)
__________
(1) للا يستنكر أن ينصح ابليس أو غيره من الشياطين نبياً من الأنبياء لأنهم قد علموا أن الأنبياء معصومون وأنهم ممن استثناهم الله تعالى، ومما ثبت في هذا الباب حديث تعليم الشيطان آية الكرسي لأبي هريرة.
(2) كانت (أذله).
(3) يعني يمنعها الطعام.(1/370)
عن سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت سري بن المغلس يقول: مُرَّ بعتبة الغلام وهو يأكل خبز الشعير بملح جريش فقيل له في ذلك، فقال: نعم، حتى ندرك الشوى والغموس في الدار الأخرى. (5/43)
عن أبي يوسف الصولي قال: دخلت على سفيان بن عيينة في مرضه الذي مات فيه فدعا ابن عيينة بشعير فقال: يا أبا يوسف دع ما يقول الناس، هذا طعامي منذ ثلاثين سنة. (5/43)
عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ عشرين سنة. (5/43)
عن يحيى بن معين قال: قال الأصمعي: تجشأ رجل في مجلس فقال له رجل: دعوت إلى الطعام الذي تجشأت منه أحداً؟ قال: لا، قال: جعله الله جشاءً وقذراً. (5/43)
عن حامد اللفاف قال: قال حاتم: الشهوة ثلاث: شهوة في الأكل وشهوة في الكلام وشهوة في النظر؛ فاحفظ الأكل بالثقة، واللسان بالصدق، والنظر بالعبرة(1). (5/44)
عن محمد بن الفضل البلخي قال: الدنيا بطنك فبقدر زهدك في بطنك زهدك في الدنيا. (5/44)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العبسي الداراني يقول: مفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع(2)، وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل؛ وإن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب؛ وإن الجوع عنده في خزائن مدخرة لا يعطي إلا من يحب خاصة؛ ولأن أدع من عشائي لقمة أحب إلي من أن آكلها وأقوم من أول الليل إلى آخره(3). (5/44)
__________
(1) أي لا تأكل إلا ما وثقت من حله ولا تتكلم إلا بالصدق ولا تنظر إلا اعتباراً.
(2) إن إراد جوع المؤمنين الزاهدين المتبعين للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه فنعم، وإلا فلا.
(3) الفقرة الأخيرة منه تقدمت قبل قليل.(1/371)
عن أبي عثمان الحناط حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت محمد بن معاوية أبو؟؟ عبيد الله الصوري قال: سمعت أبي يقول: ما شبع عبد شبعة إلا فارقه من عقله شيء لا يعود إليه أبداً(1)؛ قال أحمد بن أبي الحواري: إذا جاع يرجع إليه إن شاء الله. (5/45)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت مضاء بن عيسى يقول: مثقال من لحم يقسي القلب أربعين صباحاً(2). (5/45)
عن أحمد قال: قال أبو سليمان الداراني: أي شيء يزيد الفاسقون عليكم إذا كان كلما اشتهيتم شيئاً أكلتموه وأولئك كلما أرادوا شيئاً فعلوه؟!. (5/45)
عن أحمد بن أبي الحواري حدثنا أبو سليمان قال: قال عمر بن الخطاب في قول الله عز وجل (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة) قال: ذهب بالشهوات من قلوبهم. (5/46)
وعنه قال: حدثنا أبو سليمان في قول الله عز وجل (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) قال: عن الشهوات. (5/46)
عن الفضيل بن عياض قال: لم يكمل عبد حتى يؤثر الله على شهوته. (5/46)
عن أحمد بن نصر الحلبي عن ابن سابور؟؟ قال: قال عيسى بن مريم: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره. (5/46)
عن علي بن الحسين بن حربويه قال: سمعت سري السقطي يقول: لا يقوى على ترك الشهوات إلا بترك الشبهات. (5/47)
عن بشر بن الحارث قال: قيل لرجل: تطعم نفسك شهوتها؟ قال: كيف أطعمها شهوتها وليس خلق أبغض إلي منها؟! (5/47)
__________
(1) وفي رواية: إلى يوم القيامة.
(2) بعض هذه الأخبار والكلمات لا تخلو من مبالغة، ولكن ليس كل خبر فيه مبالغة يتجه طرحه، بل يروى مثل ذلك الخبر إن كان فيه تنبيه على أصل صحيح أو مهم ولا سيما إذا كان ذلك الأصل مما يخفى في الغالب؛ فكفاك نفعاً من نصيحة فيها مبالغة أن تنبهك على معنى صحيح نافع، ثم لا عليك بعد ذلك أن لا تلتفت إلى ما تضمنته من مبالغة؛ ولا ينبغي أن نكون نقاداً أكثر من أن نكون مستمعين متعظين.(1/372)
عن محمد بن عبد الله البجلي قال: سمعت الكتاني يقول: من حكم المريد أن يكون فيه ثلاثة أشياء: نومه غلبة وأكله فاقة وكلامه ضرورة. (5/47)
قال ابن أبي الدنيا: قال رجل لبشر بن الحارث: يا أبا نصر لا أدري بأي شيء آكل خبزي! قال: إذا أردت أن تأكل خبزك فاذكر العافية اجعلها إدامك. (5/47)
عن خيثمة قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: جربنا العيش لينه وشديده فوجدناه يكفي أدناه. (5/47)
عن أبي داود السجستاني قال: من اقتصر على لباس دون ومطعم دون أراح جسده. (5/47)
عن إبراهيم بن فراس قال: سمعت إبراهيم الخواص يقول: قال بعض أهل العلم: لا يطمع أحد في السهر مع الشبع، ولا يطمع في الحزن مع كثرة النوم، ولا يطمع في صحة أمره مع مخالطة الظلمة، ولا يطمع في لين القلب مع فضول الكلام، ولا يطمع في حب الله مع حب المال والشرف، ولا يطمع في الأنس بالله مع الأنس بالمخلوقين، ولا يطمع في الرَّوح مع الرغبة في الدنيا(1). (5/48)
عن إبراهيم بن فراس قال: قال أبو إسحق الخواص: إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة: فأما ما يحب فقلة الأكل وقلة النوم وقلة الكلام؛ وأما ما يبغض فكثرة الكلام وكثرة الأكل وكثرة النوم(2). (5/48)
الفصل الثاني في طيب المطعم والملبس واجتناب الحرام واتقاء الشبهات
__________
(1) هذا كلام جيد.
(2) ومن الآثار الحكيمة الداخلة في هذا الباب ما رواه أبو نعيم في الحلية 7/7 عن أبي محمد الزاهد قال: سمعت الثوري يقول: صابروا الأغنياء في الطعام ما بين الشفة واللهاة فإنه إذا جاز ذلك لم يعرف لينه من خشنه.
وروى هناك أيضاً عن عثمان بن زائدة قال: كتب إلي سفيان الثوري: إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فاقلل من الأكل.(1/373)
عن المفضل بن غسان الغلابي حدثني أبي عن رجل قال: كنت مع ابن عيينة وفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك، قال: فقال سفيان: قوموا بنا إلى عبد الله بن مرزوق فإنه ثقيل لنعوده، فقاموا حتى دخلوا على عبد الله فوجدوه في بيت ليس بينه وبين الحصا شيء، وعلى عورته خرقة تكاد تستره، ورأسه على دكان وهو مسجد البيت، فقال له سفيان: يا أبا محمد بلغني أنه ليس أحد يدع من الدنيا شيئاً إلا عوضه الله خيراً من ذلك، وقد تركت أشياء من الدنيا فما عوضك الله منها؟ قال: الرضا بما ترون. (5/53)
عن أبي بكر المروزي(1) قال: حدثني عبد الصمد بن محمد بن مقاتل العباداني عن بشر بن الحارث قال: سمعت المعافى بن عمران يقول: كان عشرة فيمن مضى من أهل العلم ينظرون في الحلال النظر الشديد، لا يدخلون بطونهم إلا ما يعرفون من الحلال، وإلا استفوا التراب؛ ثم عد بشرٌ إبراهيم بن أدهم وسليمان الخواص وعلي بن فضيل بن عياض وأبا معاوية الأسود ويوسف بن أسباط ووهيب بن الورد وحذيفة شيخ من أهل حران وداود الطائي، فعد بشر عشرة كانوا لا يدخلون بطونهم إلا ما يعرفون من الحلال وإلا استفوا التراب(2). (5/57-58)
عن شعبة حدثنا يعلى بن عطاء قال: سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: مثل المؤمن كمثل النحلة لا يأكل إلا طيباً ولا يضع إلا طيباً. (5/58)
__________
(1) رواه المروزي في كتابه (الورع) ص10 وهو الكتاب المعروف بنسبته إلى الإمام أحمد، وهو في الحقيقة لتلميذه المروزي ولكن الكتاب معظمه عن شبخه أحمد؛ ويحتمل أن يكون أصل الكتاب لأحمد ثم رواه عنه المروزي وزاد فيه أشياء، ولكنه احتمال بعيد لأن أكثر الكتاب أسئلة ومحاورات بين المروزي وأحمد.
(2) أما استفاف التراب فإن كان كناية عن الصبر على الجوع إلى أن يأتي الله بالخير فما أحسنه، ولكن إن كان الكلام على ظاهره فصنيع غير جيد وهو مردود على صاحبه شرعاً وعقلاً.(1/374)
عن ثابت وعبد الوهاب بن أبي حفص قال: أمسى داود عليه السلام صائماً فلما كان عند إفطاره أتي بشربة لبن فقال: من أين لكم هذا اللبن؟ قالوا: من شاتنا، قال: ومن أين ثمنها؟ قالوا: يا نبي الله من أين تسأل؟ قال: إنا معاشر الرسل أمرنا أن نأكل من الطيبات ونعمل صالحاً. (5/59)
عن عائشة قالت: كان لأبي بكر رضي الله عنه غلام يخرج له الخراج فكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أُحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، قال: فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه(1). (5/59)
عن زيد بن أسلم أنه قال: شرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبناً فأعجبه، قال للذي سقاه: من أين لك هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون فحلبوا لي من ألبانها فجعلته في سقائي وهو هذا؛ فأدخل عمر يده فاستقاه. (5/60)
قال البيهقي: وروينا عن علي رضي الله عنه في طيب مطعمه أنه كان يجاء بجون في جراب من المدينة. (5/60)
عن مالك بن أنس أنه بلغه أن الربيع بن خثيم شيع صاحباً له فقال له صاحبه عند الوداع: أوصني، فقال له الربيع: أوصيك أن تعمل صالحاً وتأكل طيباً. (5/60)
عن أبي بكر الحربي قال: سمعت السري يقول: النجاة في ثلاثة: في طيب الغذا(2) وكمال التقى وطريق الهدى. (5/60)
عن بشر بن الحارث قال: قال يوسف بن أسباط: إذا تعبد الشاب يقول إبليس: انظروا من أين مطعمه فإن كان مطعمه مطعم سوء قال: دعوه لا تشتغلوا به، دعوه يجتهد وينصب فقد كفاكم نفسه. (5/60)
عن سهل بن عبد الله قال: من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى، ولا يشم طريق الصدق عبد داهن نفسه أو(3) داهن غيره. (5/60)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) كانت (الغذى).
(3) كانت (و).(1/375)
عن إسحاق الأنصاري قال: نظر حذيفة المرعشي إلى الناس يتبادرون إلى الصف الأول فقال: ينبغي أن يتبادروا إلى أكل من الحلال. (5/61)
عن مردويه الصائغ قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: سأل رجل سفيان الثوري عن فضل الصف الأول، فقال: انظر كسرتك التي تأكلها من أين تأكلها وقم في الصف الأخير. (5/61)
عن شعيب بن حرب قال: قال سفيان الثوري: انظر درهمك من أين هو وصل في الصف الأخير. (5/61)
عن إسحاق بن محمد بن أيوب قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: أصولنا خمسة أشياء: التمسك بكتاب الله، والاقتداء بسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، وأكل الحلال، واجتناب الآثام، وأداء الحقوق. (5/61)
عن بقية بن الوليد قال: دعاني إبراهيم بن أدهم إلى طعام فأتيته فجلس هكذا: وضع رجله اليسرى تحت أليتيه ونصب رجله اليمنى ووضع مرفق يده عليها، قال: ثم قال: يا أبا محمد تعرف هذه الجلسة؟ قلت: لا، قال: هذه جلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يجلس جلسة العبد ويأكل أكل العبد(1)، خذوا باسم الله؛ قال: فلما أكلنا قلت لرفيقه: أخبرني عن أشد شيء مر بك منذ صحبته، قال: نعم، كنا يوماً صياماً فلما كان الليل لم يكن شيء نفطر عليه، قال: فلما أصبحنا قلت له: يا أبا إسحاق هل لك أن تأتي باب الرستن فنكري أنفسنا مع هؤلاء الحصادين؟ قال: وذاك، قال: فأتينا باب الرستن فجاء رجل فاكتراني بدرهم، قال: قلت: صاحبي؟ قال: صاحبك! لا حاجة لي في صاحبك، أراه ضعيفاً! قال: فما زلت به حتى اكتراه بأربعة دوانيق، قال: فحصدنا يومنا ذلك فأخذت كراي فأتيت السوق فاكتريت حاجتي وتصدقت بالباقي فهيأته وقربته إليه، قال: فلما نظر إلي بكى، قلت: ما يبكيك؟ قال: أما نحن فقد استوفينا أجورنا فليت شعري أوفينا صاحبنا أم لا؟! قال: فغضبت، قال: ما يغضبك؟ أتضمن لي أننا(2) وفينا صاحبنا أم لا؟ قال: فأخذت الطعام فتصدقت به فهذا أشد شيء مر بي منذ صحبته. (5/61-62)
__________
(1) كانت (العبيد).
(2) كانت (ألا).(1/376)
عن جعفر بن محمد الخواص حدثني الجنيد بن محمد قال: ذكر(1) السري بن المغلس يوماً - وأنا أسمعه - السواد فكرهه(2)، يعني الأكل من السواد وأن يملك فيها أحد؛ وكان يشدد في ذلك؛ ولا يأكل من بقل السواد ولا من ثمره ولا من شيء يعلم أنه منه ما أمكنه؛ فرأيت رجلاً يوماً وقد أهدى له خرنوباً وقثاءً برياً حمله له من أرض الجزيرة فقبله منه ورأيته قد سر به(3)؛ فكان يشدد في الورع. (5/62)
عن السري قال: كنت بطرسوس فكان معي في الدار فتيان يتعبدون وكان في الدار تنور يخبزون فيه فانكسر التنور فعملت بدله من مالي فتورعوا أن يخبزوا فيه(4). (5/62)
عن الجنيد قال: سمعت السري يذكر أبا يوسف الغسولي: وكان أبو يوسف يلزم الثغر(5) ويغزو فكان إذا غزا مع الناس ودخلوا بلاد الروم أكل أصحابه من ذبائح الروم ومن فواكههم فكان أبو يوسف لا يأكل فيقال له: يا أبا يوسف تشك أنه حلال؟ قال: لا، فيقال: فكل من الحلال، فيقول: إنما الزهد في الحلال. (5/62)
عن محمد بن داود الدينوري قال: سمعت أبا عبد الله بن الجلاء(6) يقول: أعرف من أقام بمكة ثلاثين سنة لم يشرب من ماء زمزم إلا ما استقاه بركوته ورشائه، ولم يتناول من طعام جلب(7) من مصر شيئاً. (5/63)
عن سهل بن عبد الله التستري قال: من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى. (5/63)
عن مالك قال: قال عمر بن عبد العزيز: التقي ملجم، لا يستطيع كل ما يريد. (5/63)
عن داود بن رشيد قال: أنشدني يحيى بن معين:
المال يذهب حله وحرامه
يوماً ويبقى في غد آثامه
ليس التقي بمتق لإلهه
حتى يطيب شرابه وطعامه
ويطيب ما يحوي ويكسب كفه
ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه
فعلى النبي صلاته وسلامه
(5/63)
__________
(1) كانت (وذكر).
(2) كانت (يكرهه).
(3) كانت (سرته).
(4) أخشى أن يكون هذا داخلاً في التنطع، والورع محمود وإن دقق فيه صاحبه والتنطع مذموم وإن ظنه صاحبه ورعاً.
(5) كانت (الشعر).
(6) كانت (الجلاد).
(7) كانت (حلب).(1/377)
عن محمد بن عبد الكريم المروزي قال: لما ولي يحيى بن أكثم(1) القضاء كتب(2) إليه أخوه عبد الله بن أكثم من مرو [و]كان من الزهاد:
ولقمة بجريش الملح تأكلها
ألذ من تمرة تحشى بزنبور
وأكلة قربت للهلك صاحبها
كحبة الفخ دقت عنق عصفور
(5/64)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال الله عز وجل له: يا آدم ما حملك على ما صنعت؟ قال: فاعتل آدم فقال آدم: رب زينته لي حواء، قال: فإني أعاقبها أن لا تحمل إلا كرهاً ولا تضع إلا كرهاً ودميتها في الشهر مرتين، فرنت عند ذلك حواء، قال: فقيل: عليك الرنة وعلى بناتك(3). (5/64)
عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب أنه قال: يا غلام أنضج العصيدة تذهب عنا حرارة الزيت. (5/65)
عن جعفر بن محمد هو ابن هارون عن طبيب(4) علي بن مرة الطائي، وكان له نحو من تسعين، قلت له: فِدنا من طبك، قال: إحفظ أربع خصال، قلت: هات، قال: أما إحداهن فمتى ما مرضت فإن أهلك يشفقون عليك فيقولون: لو أكلت شيئاً، لو شربت شيئاً، فإن حضرتك شهوة ليسـ[ـت] عما يعرضون عليك(5) فكل فإن العافية قد جاءتك؛ وإن لم تشته شيئاً فلا تلتفت إلى كلامهم فإنك إن أكلته على غير شهوة فمضرته في بدنك أعظم من منفعته؛ وأما الثانية فإن يكن لك امرأة أو جارية فلا تقربها أبداً إلا على قرم فإنك إن قربتها على غير قرم كانت مضرة في بدنك وإذا قربتها على القرم كانت بمنزلة الجنابة تصيبك؛ وأما الثالثة فمتى ما هاج بك داء فلا تدخل الحمام فإنه يهيج الداء الساكن، وادخله على الصحة فإنه نافع؛ وأما الرابعة فإن أحدهم يدخل بيته ويغلق بابه ويرخي ستره ويقول: أريد أن أنام وليس به نوم فيتناوم فيقوم أثقل مما دخل، ولو أنه لم ينم حتى ينعس قام كأنه نشط من عقال. (5/65)
__________
(1) كانت (أكتم).
(2) كانت (وكتب).
(3) هذا يظهر أنه من الاسرائيليات وتبعد صحته عن ابن عباس.
(4) لعلها (الطبيب).
(5) أي شهوة ذاتية ليست ناشئة عما يعرضون له.(1/378)
عن بقية حدثنا أرطأة قال: اجتمع رجال من أهل الطب عند ملك من الملوك فسألهم: ما رأس دواء المعدة؟ فقال كل رجل منهم قولاً وفيهم رجل ساكت، فلما فرغوا قال: ما تقول أنت؟ قال: ذكروا أشياء وكلها تنفع بعض النفع ولكن ملاك ذلك ثلاثة أشياء: لا تأكل طعاماً أبداً إلا وأنت تشتهيه؛ ولا تأكل لحماً يطبخ لك حتى ينعم(1) إنضاجه؛ ولا تبتلع لقمة أبداً حتى تمضغها مضغاً شديداً لا يكون على المعدة فيها مؤونة. (5/65)
عن أبي زكريا العنبري قال: سمعت إبراهيم بن علي الذهلي يقول: أخرج من جميع الكلام أربعة آلاف كلمة؛ وأخرج منها أربعمئة كلمة؛ وأخرج منها أربعين كلمة؛ وأخرج منها أربع كلمات: أولهن: لا تثقن بالنساء، والثانية: لا تحمل معدتك ما لا تطيق، والثالثة: لا يغرنك المال، والرابعة: يكفيك من العلم ما تنتفع(2) به. (5/66)
عن الحميدي حدثنا سفيان [عن] ابن أبجر وسمعه يحدث عن أبيه قال: المعدة حوض الجسد والعروق شرع فيه، فما ورد فيها بصحة صدر بصحة وما ورد فيها بسقم صدر بسقم. (5/66)
عن عمر بن أبي خليفة حدثني رجل من أهل البصرة قال: قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إني إذا شبعت آذاني بطني وإذا جعت آذاني بطني؟! قال: فابتغ داراً غير هذه الدار. (5/66)
عن ربيع بن عبد الله سمع رجلاً سأل ابن عمر: إن لي جاراً يأكل الربا، أو قال خبيث الكسب، وربما دعاني لطعامه أفأجيبه؟ قال: نعم(3). (5/66)
__________
(1) لعلها (يتم).
(2) كانت (ينتفع).
(3) هذا إن صح عن ابن عمر فمعناه ما بينه البيهقي إذ قال: وهذا على الإباحة فإنه لا يدري الذي أطعمه من كسبه الخبيث أم لا وإجابة الدعوة حق.(1/379)
عن مسعر عن جواب التيمي عن الحارث بن سويد قال: جاء رجل إلى عبد الله يعني ابن مسعود فقال: إن لي جاراً ولا أعلم له شيئاً إلا خبيثاً أو حراماً وإنه يدعوني فأحرج أن آتيه وأتحرج أن لا آتيه! فقال: ائته وأجبه فإنما وزره عليه(1). (5/67)
عن أبي أسامة عن زائدة عن منصور قال: كان عريف لنا يخرج إلى السواد زمان الحجاج، قال: وكانت العرفاء إذ ذاك يسبعون؟؟، قال: فلما قدم دعا أناساً من الحي فدعاني، قال: فكأني وجدت في نفسي فلم آته، قال: فلقيت إبراهيم فذكرت ذلك له فقال: إني أرى الشيطان يعرض لك ليوقع العداوة؛ قد كانت العمال يهبطون ثم يدعونهم فيخرجونهم(2)
__________
(1) قال البيهقي: جواب التيمي فيه نظر ولا أدري أحفظ قوله "ولا أعلم له شيئاً إلا حراماً"؛ ثم قد يكون له شيء حلال لا يعلم هو به، وقد يشتري الطعام الذي يدعوه إليه في ذمته فيكون الطعام حلالاً؛ ولو استحله في ترك الإجابة كان حسنا والله أعلم.
(2) لعلها (فيحرجونهم). وقال البيهقي عقب هذا الأثر: وهذا لأنه يحتمل أن يكون لهم حلال وأنهم أعطوه من الحلال فإذا امتنعوا أوقع الامتناع بينهم عداوة ولا طاقة للرعية بمعاداة الوالي فإن أمنوا من معاداتهم فتورعوا عن أكل طعامهم فقد فعل ذلك جماعة من أهل الورع وبالله التوفيق. انتهى.
وروى أبو نعيم في الحلية (3/128) عن محمد بن عبد الله بن سميع الأزدي قال: دعا بعض الأمراء شميطاً الى طعام فاعتل عليه ولم يأته فقيل له في ذلك فقال: فقْد أكلةٍ أيسر علي من بذل ديني لهم، ما ينبغي أن تكون بطن المؤمن أعز عليه من دينه.
والآن أسوق لك بعض كلام الحافظ ابن رجب في مثل هذه المسألة، ورد ذلك في كتابه النفيس المتقن الماتع (جامع العلوم والحكم) عند شرحه لحديث أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمي ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب؛ رواه البخاري ومسلم. قال ابن رجب رحمه الله: معناه أن الحلال المحض بين لا اشتباه فيه، وكذلك الحرام المحض، ولكن بين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس هل هي من الحلال أم من الحرام؟ وأما الراسخون في العلم فلا يشتبه عليهم ذلك ويعلمون من أي القسمين [هو]---وفي الجملة فما ترك الله ورسوله حلالاً إلا مبيناً ولا حراماً إلا مبيناً لكن بعضه كان أظهر بياناً من بعض، فما ظهر بيانه واشتهر وعلم من الدين بالضرورة من ذلك لم يبق فيه شك ولا يعذر أحد بجهله في بلد يظهر فيها الإسلام؛ وما كان بيانه دون ذلك فمنه ما يشتهر بين حملة الشريعة خاصة فأجمع العلماء على حله أو حرمته وقد يخفى على بعض من ليس منهم؛ ومنه ما لم يشتهر بين حملة الشريعة أيضاً فاختلفوا في تحليله وتحريمه وذلك لأسباب---ومع هذا فلا بد في الأمة من عالم يوافق الحق فيكون هو العالم بهذا الحكم وغيره يكون الأمر مشتبهاً عليه ولا يكون عالماً بهذا فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يظهر أهل باطلها على أهل حقها فلا يكون الحق مهجوراً غير معمول به في جميع الأمصار والأعصار، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في المشتبهات: "لا يعلمهن كثير من الناس" فدل على أن من الناس من يعلمها وإنما هي مشتبهة على من لم يعلمها وليست مشتبهة في نفس الأمر---؛ وقد فسر الإمام أحمد الشبهة بأنها منزلة بين الحلال والحرام يعني الحلال المحض والحرام المحض---، وفسرها تارة باختلاط الحلال والحرام؛ ويتفرع على هذا معاملة من في ماله حلال وحرام مختلط فإن كان أكثر ماله الحرام فقال أحمد: ينبغي أن يتجنبه إلا أن يكون شيئاً يسيراً أو شيئاً لا يعرف؛ واختلف أصحابنا هل هو مكروه أو محرم؟ على وجهين؛ وإن كان أكثر ماله الحلال جازت معاملته والأكل من ماله---؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعاملون المشركين وأهل الكتاب مع علمهم بأنهم لا يجتنبون الحرام كله؛ وإن اشتبه الأمر فهو شبهة والورع تركه، قال سفيان: لا يعجبني ذلك وتركه أعجب إلي، وقال الزهري ومكحول: لا بأس أن يؤكل منه ما لم يعرف أنه حرام بعينه، فإن لم يعرف في ماله حرام بعينه ولكن علم أن فيه شبهة فلا بأس بالأكل منه نص عليه أحمد في رواية حنبل؛ وذهب إسحق بن راهويه إلى ما روي عن ابن مسعود وسلمان وغيرهما من الرخصة، وإلى ما روي عن الحسن وابن سيرين في إباحة الأخذ بما يقضي من الربا والقمار، ونقله عن ابن منصور؟؟؛ وقال الإمام أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه: إن كان المال كثيراً أخرج منه قدر الحرام وتصرف في الباقي، وإن كان المال قليلاً اجتنبه كله، وهذا لأن القليل إذا تناول منه شيئاً فإنه يتعذر معه السلامة من الحرام بخلاف الكثير؛ ومن أصحابنا من حمل ذلك على الورع دون التحريم وأباح التصرف في القليل والكثير بعد إخراج قدر الحرام منه وهو قول الحنفية وغيرهم وأخذ به قوم من أهل الورع منهم بشر الحافي؛ ورخص قوم من السلف في الأكل ممن يعلم في ماله حرام ما لم يعلم أنه من الحرام بعينه فصح كما تقدم عن مكحول والزهري وروي مثله عن الفضيل بن عياض وروى في ذلك آثار عن السلف فصح عن ابن مسعود أنه سئل عمن له جار يأكل الربا علانية ولا يتحرج من مال خبيث يأخذه يدعوه إلى طعام قال: أجيبوه فإنما المهنأ لكم والوزر عليه، وفي رواية أنه قال: لا أعلم له شيئاً إلا خبيثا أو حراماً فقال: أجيبوه؛ وقد صحح الإمام أحمد هذا عن ابن مسعود ولكنه عارضه عارض بما روي عنه أنه قال: الإثم حزاز القلوب؛ وروى عن سلمان مثل قول ابن مسعود الأول وعن سعيد ابن جبير والحسن البصري ومورق العجلي وإبراهيم النخعي وابن سيرين وغيرهم؛ والآثار بذلك موجودة في كتاب الأدب لحميد بن زنجويه وبعضها في كتاب الجامع للخلال وفي مصنف عبدالرزاق وابن أبي شيبة وغيرهم؛ ومتى علم أن عين الشيء حرام أخذ بوجه محرم فإنه يحرم تناوله وقد حكىالإجماع على ذلك ابن عبد البر وغيره؛ وقد روي عن ابن سيرين في الرجل يقضي من الربا قال: لا بأس به، وعن الرجل يقضي من القمار قال: لا بأس به، خرجه الخلال بإسناد صحيح؛ وروى عن الحسن خلاف هذا وأنه قال: إن هذه المكاسب قد فسدت فخذوا منها ما أشبه المضطر؛ وعارض المروزي عن ابن مسعود وسلمان ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أكل طعاماً ثم أخبر أنه من حرام فاستقاءه---؛ وبكل حال فالأمور المشتبهة التي لا يتبين أنها حلال ولا حرام لكثير من الناس كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قد يتبين لبعض الناس أنها حلال أو حرام لما عنده من ذلك من مزيد علم وكلام النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذه المشتبهات من الناس من يعلمها وكثير منهم لا يعلمها فدخل فيمن لا يعلمها نوعان أحدهما من يتوقف فيها لاشتباهها عليه، والثاني من يعتقدها على غير ما هي عليه، ودل الكلام على أن غير هؤلاء يعلمها ومراده أنه يعلمها على ما هي عليه في نفس الأمر من تحليل أو تحريم وهذا من أظهر الأدلة على أن المصيب عند الله في مسائل الحلال والحرام المشتبهة المختلف فيها واحد عند الله عز وجل وغيره ليس بعالم بها بمعنى أنه غير مصيب لحكم الله فيها في نفس الأمر وإن كان يعتقد فيها اعتقادا يستند فيه إلى شبهة يظنها دليلا ويكون مأجورا على اجتهاده ومغفورا له خطؤه لعدم اعتماده---.
فأما من أتى شيئا مما يظنه الناس شبهة لعلمه بأنه حلال في نفس الأمر فلا حرج عليه من الله في ذلك لكن إذا خشي من طعن الناس عليه بذلك كان تركها حينئذ استبراء لعرضه فيكون حسنا وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن رآه واقفا مع صفية إنها صفية بنت حيي وخرج أنس إلى الجمعة فرأى الناس قد صلوا ورجعوا فاستحيا ودخل موضعاً لا يراه الناس فيه وقال من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله، وخرجه الطبراني مرفوعاً ولا يصح؛ وإن أتى ذلك لاعتقاده أنه حلال إما باجتهاد سائغ أو تقليد سائغ وكان مخطئا في اعتقاده فحكمه حكم الذي قبله؛ فإن كان الاجتهاد ضعيفا أو التقليد غير سائغ وإنما حمل عليه مجرد اتباع الهوى فحكمه حكم من أتاه مع اشتباهه عليه والذي يأتي الشبهات مع اشتباهها عليه قد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقع في الحرام فهذا يفسر بمعنيين أحدهما أن يكون ارتكابه للشبهة مع اعتقاده أنها شبهة ذريعة إلى ارتكابه الحرام الذي يعتقد أنه حرام بالتدريج والتسامح وفي رواية في الصحيحين لهذا الحديث ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان وفي رواية من يخالط الريبة يوشك أن يجسر أي يقرب أن يقدم على الحرام المحض والجسور المقدام الذي لا يهاب شيئا ولا يراقب أحدا ورواه بعضهم يجشر بالشين المعجمة أي يرتع والجشر الرعي وجشرت الدابة إذا رعيتها وفي مراسيل أبي المتوكل الناجي عن النبي صلى الله عليه وسلم من يرعى بجنبات الحرام يوشك أن يخالطه ومن تهاون بالمحقرات يوشك أن يخالط الكبائر؛ والمعنى الثاني أن من أقدم على ما هو مشتبه عنده لا يدري أهو حلال أو حرام فإنه لا يأمن أن يكون حراماً في نفس الأمر فيصادف الحرام وهو لا يدري أنه حرام---.
فلذلك من تعدى الحلال ووقع في الشبهات فإنه قد قارب الحرام غاية المقاربة فما أخلقه بأن يخالط الحرام المحض ويقع فيه وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي التباعد عن المحرمات وأن يجعل الإنسان بينه وبينها حاجزاً---وقال أبو الدرداء رضي الله عنه تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما حجابا بينه وبين الحرام؛ وقال الحسن: مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام؛ وقال الثوري: إنما سموا المتقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى؛ وروي عن ابن عمر قال: إنى لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها وقال ميمون بن مهران: لا يسلم للرجل الحلال حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال؛ وقال سفيان بن عيينة: لا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال وحتى يدع الإثم وما تشابه منه.
ويستدل بهذا الحديث من يذهب إلى سد الذرائع إلى المحرمات وتحريم الوسائل إليها ويدل على ذلك أيضا من قواعد الشريعة تحريم قليل ما يسكر كثيرة وتحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم الصلاة بعد الصبح وبعد العصر سدا لذريعة الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ومنع الصائم من المباشرة إذا كانت تتحرك شهوته ومنع كثير من العلماء مباشرة الحائض فيما بين سرتها وركبتها إلا من وراء حائل كما كان صلى الله عليه وسلم يأمر امرأته إذا كانت حائضا أن تتزر فيباشرها من فوق الإزار، ومن أمثلة ذلك - وهو شبيه بالمثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم - من سيب دابته ترعى بقرب زرع غيره فإنه ضامن لما أفسدته من الزرع ولو كان ذلك نهارا وهذا هو الصحيح لأنه مفرط بإرسالها في هذه الحال وكذا الخلاف لو أرسل كلب الصيد قريبا من الحرم فدخل فصاد فيه ففي ضمانه روايتان عن أحمد وقيل يضمنه بكل حال---.(1/380)
. (5/67)
الفصل الثالث في آداب الأكل والشرب وغسل اليد قبل الطعام وبعده
عن الفضل بن محمد قال: سمعت أبا(1) مصعب يقول: دعا أمير من الأمراء مالكاً إلى غدائه قال: فلما قربت الإبريق والطشت قال: لا أعود إلى غدائك، قال: لمَ؟! قال: لأن غسل اليدين بدعة عند الطعام؛ قال البيهقي: وكذلك صاحبنا الشافعي استحب تركه. (5/68)
عن داود بن أبي هند قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بواسط: بلغني أن الرجل يتوضأ في طست ثم يأمر بها فتهراق(2) وإن هذا من زي(3) الأعاجم فتوضؤوا فيها فإذا امتلأت فأهريقوها. (5/72)
عن أبان بن عثمان أن عثمان أكل خبزاً ولحماً ثم مضمض وغسل يديه ثم مسح بهما وجهه ثم صلى ولم يتوضأ. (5/73)
عن محمد بن بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه عن جده وكان ممن شهد بيعة الرضوان أنه أتي بأشنان ليغسل(4) يده فمد يده اليمنى فقيل له: إنما يؤخذ باليسرى، قال: إنا لا نأخذ الخير إلا بأيماننا. (5/73)
فصل في التسمية على الطعام
عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: إن شيطان المؤمن يلقى شيطان الكافر فيرى شيطان المؤمن شاحباً أغبر مهزولاً فيقول له شيطان الكافر: ما لك ويحك قد هلكت؟! فيقول الشيطان: لا والله ما أصل معه إلى شيء! إنه إذا طعم ذكر اسم الله وإذا شرب ذكر اسم الله، وإذا نام ذكر اسم الله فيقول الآخر: لكني آكل من طعامه وأشرب [من] شرابه وأنام على فراشه؛ فهذا ساحٌّ(5) وهذا مهزول. (5/75)
عن سفيان عن منصور عن تميم بن سلمة قال: من سمى على طعامه لم يسأل عن نعمته. (5/76)
__________
(1) كانت (أنا).
(2) أي كلما غسل فيها رجل يديه أو توضأ فيها صبوا ذلك الماء.
(3) في الأصل (ري).
(4) كانت (فيغسل).
(5) كانت (ماخس)، وورد بدلها في جامع معمر 10/489 (شاح)، وورد الصواب الذي اخترته في المعجم الكبير للطبراني 9/156؛ و(ساح) بالتشديد، ومعناه أنه من سِمَنه يصُبّ الوَدك صَبّاً، انظر غريب الحديث لابن قتيبة 1/565.(1/381)
عن الأوزاعي قال: بلغني أنه لا يتم الطعام حتى يكون فيه أربع: يذكر اسم الله عليه حين يوضع، ويحمد الله عليه حين يرفع، وتكثر الأيدي فيه، ويكون مهيأً من طيب. (5/76)
الأكل والشرب باليمين
عن عكرمة عن ابن عباس (ولقد كرمنا بني آدم) قال: جعلناهم يأكلون بأيديهم الأكل مما يليه. (5/77)
الأكل بثلاثة أصابع ولعقها بعد الفراغ
عن ابن جريج عن عبيد الله بن يزيد قال: كنا نتعشى مع ابن عباس فرأيته أكل بأصابعه الثلاثة. (5/80)
فصل
لا يناول مما قدم إليه من لم يجلس معه شيئاً
عن أبي البختري(1) عن سلمان، قال: دعا سلمان رجلاً إلى طعام فجاء مسكين فأعطاه كسراً فقال له سلمان: ضعه من حيث أخذته، ما رغبتك(2) أن يكون الوزر عليك والأجر لغيرك؟! إنما دعوناك لتأكل. (5/82)
عن إسرائيل عن الزبرقان عن الضحاك قال إذا كنت على طعام غيرك فجاء سائل فلا تناوله منه شيئاً. (5/83)
فصل في أكل التمر
عن حميد عن أنس قال: كان يكره أن يلقى النوى مع التمر على الطبق. (5/89)
الثريد وغيره مما يكون أدماً
عن أنس قال: كان أحب الطعام إلى عمر رضي الله عنه الثفل(3)، وكان أحب الشراب إليه النبيذ(4). (5/96)
عن بكار بن محمد حدثنا عبد الله بن عون قال: ما أتينا ابن سيرين في يوم عيد قط إلا أطعمنا خبيصاً أو فالوذج(5). (5/99)
عن مالك بن مغول قال: سمعت مرجانة قالت: رأيت علياً يأكل رماناً فرأيته يتبع ما يسقط منه يأكله. (5/104)
الشرب بثلاثة أنفاس
عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أنه كان يستحب الشراب ثلاث نفسات؛ قال: وسمعت قتادة يستحب ذلك. (5/115)
__________
(1) كانت (البحتري) وهو تصحيف.
(2) كانت (ما رغبته) والذي أثبته ورد في مسند ابن الجعد للبغوي ص35.
(3) قال البيهقي: وبلغني عن ابن خزيمة أنه قال: الثفل هو الثريد؛ وقال غيره: هو الدقيق وما لا يشرب.
(4) قال البيهقي: وإنما أراد بالنبيذ الحلو الذي لا يشتد، وقد ذكرنا في غير هذا الموضع ما دل عليه.
(5) كانت (فالوذق).(1/382)
عن خالد الحذاء عن عكرمة قال: لا تشربوا نفساً واحداً فإنه شراب الشيطان. (5/115)
فصل في ما يقول إذا فرغ من الطعام
عن سعيد الجريري عن ابن أعبد قال: قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: يا ابن أعبد ما حق الطعام؟ قلت: ما هو يا ابن أبي طالب؟ قال: حق الطعام إذا وضع من بين يديك أن تقنع وتقول: بسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا؛ يا ابن أعبد هل تدري ما شكر الطعام؟ قلت: ما هو؟ قال: شكر الطعام أن تقول إذا أطعمت: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا. (5/123)
عن الحارث بن سويد قال: كان سلمان الفارسي إذا طعم طعاما قال: الحمد لله الذي كفانا المؤونة وأوسع لنا من الرزق. (5/124)
عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية قال: ما من أحد يأكل طعاماً لا يحمد الله عليه إلا كأنما سرقه(1). (5/124)
التخلل من الطعام
عن عيسى بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله: انهوا من قبلكم عن التخليل بعود القصب والآس. (5/126)
عن عبد الله بن مغفل المزني عن عمر أن رجلاً تخلل بالقصب فنفر فمه فنهى عمر، يعني ابن الخطاب، عن التخلل بالقصب(2). (5/126)
الأربعون من شعب الإيمان
وهو باب في الملابس والزي والأواني وما يكره منها
__________
(1) لعله يريد اشتراكهما في سوء الأدب مع الله الذي رزقه، إذ لا يتصور أنه يريد استواءهما في رتبة العصيان ومقدار الذنب.
(2) قال البيهقي: قال أبو عبيد: قال الأصمعي: قوله "نفر فمه" يعني ورم، قال أبو عبيد: أخذ من نفار الشيء من الشيء وهو تجافيه عنه؛ قلت: كذا وجدته "عبد الله بن معقل" مقيداً بالعين والقاف. انتهى.(1/383)
عن الشعبي عن سويد بن غفلة قال: أقبلنا من الشام وقد فتح الله لنا فتوحاً وعمر بن الخطاب قاعد بظهر المدينة يتلقانا ولبسنا الحرير والديباج وثياب العجم، فلما رآنا جعل يرمينا فرجعنا فلبسنا بروداً يمانية، فلما انتهينا إليه قال: مرحباً بالمهاجرين، إن الحرير لم يرضه الله لمن كان قبلكم فيرضاه لكم؟! إن الحرير لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا؛ يعني إصبعاً وإصبعين وثلاثاً وأربعاً. (5/137)
فصل فيما ورد من التشديد على من جر ثوبه خيلاء
عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري قال: رأيت ابن عمر إزاره إلى أنصاف ساقيه، والقميص فوق الإزار، والرداء فوق القميص. (5/149)
عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله قال: سأنبئكم بخلال من كن فيه فليس فيه شيء من الكبر: اعتقال الشاة وركوب الحمار ولبس الصوف ومجالسة فقراء المؤمنين وأكل أحدكم مع عياله. (5/153)
عن أنس بن مالك قال: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع(1) بين كتفيه برقاع ثلاث لبد بعضها فوق بعض في قميصه. (5/158)
عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علياً كان يلبس القميص ثم يمد الكم حتى إذا بلغ الأصابع قطع ما فضل ويقول: لا فضل للكمين على اليد. (5/158)
عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد أنه قال: ابتاع علي بن أبي طالب قميصاً مسبلاً بأربعة دراهم فجاء به الخياط فمد كم القميص وأمره أن يقطع ما خلف أصابعه. (5/158)
عن أنس بن مالك أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين إن درعي قد تخرق فقال: ألم أكسك؟ قالت: بلى ولكنه تخرق، قال: فدعا لها بدرع بجيب وخيط وقال لها: إلبسي هذا، يعني الخلق، إذا اختبزت وإذا جعلت البرمة؛ والبسي هذا إذا فرغت، فإنه لا جديد لمن لم يلبس الخلق. (5/159)
__________
(1) كانت (رفع).(1/384)
عن أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد قال: رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدني غليظ ثمنه أربعة دراهم أو خمسة وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم، طويل اللحية، حسن الوجه. (5/159)
عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه قال لابنته: يا بنيتي لا تلبسي الذهب فإني أخاف عليك اللهب. (5/160)
فصل فيمن كان متوسعاً فلبس ثوباً حسناً ليرى أثر نعمة الله عليه
عن عبد الكريم الجزري قال: رأيت على أنس بن مالك جبة خز وكساء خز وأنا أطوف مع سعيد بن جبير بالبيت فقال سعيد: لو أدركوه السلف(1) لأوجعوه. (5/165)
عن أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يرى بنيه يلبسون الخز فلا يعيب عليهم. (5/165)
عن وهب بن كيسان قال: رأيت ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يلبسون الخز: سعد بن أبي وقاص وابن عمر وجابر بن عبد الله وأبو سعيد وأبو هريرة وأنس. (5/165)
عن عبد الله بن محمد بن أسماء حدثني جويرية بن أسماء عن نافع أن ابن عمر كان ربما لبس المطرف الخز ثمنه خمس مئة درهم؛ وقال عبد الرحمن السراج: حدثني غلاب أنه دخل على أنس بن مالك وقد خرج من الحمام عليه جبة خز وكانت تقوم قياماً؛ قال: فغضب نافع وقال: أحدث عن ابن عمر وتحدث عن أنس؟! فقال له الضحاك بن عثمان: إنه لم يقل بأساً إنما يثبت قولك ويصدقه! فقال: أحدث عن ابن عمر وتحدث عن أنس؟! (5/166)
محمد بن زياد قال رأيت على أبي هريرة مطرف خز له علم وفي علمه رقعة من حرير أخضر (5/166)
عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يلبس الخز وقال إنما يكره المصمت حريراً (5/166)
عن مهدي بن ميمون حدثنا غيلان قال: كان(2) مطرف(3) يلبس البرانس - أو البرنس، ويلبس المطارف ويركب الخيل، ويغشى السلطان، غير أنك كنت إذا أفضيت [إليه] أفضيت إلى قرة عين. (5/166)
__________
(1) هذه الجملة جارية على لغة (أكلوني البراغيث).
(2) كانت (وكان).
(3) ابن عبد الله بن الشخير أحد حكماء التابعين.(1/385)
عن عبد الرحمن بن مهدي عن حزم عن حوشب عن الحسن قال: المؤمن يداري(1) دينه بثيابه. (5/166)
عن ابن عون قال: قلت لمحمد يعني ابن سيرين: كانوا يلبسون الخز؟ قال: كانوا يلبسونه ويكرهونه ويرجون رحمة الله عز وجل. (5/166)
عن خالد بن خداش قال: قلت لمالك بن أنس ورأيت(2) عليه طيلساناً طواري وقلنسوة مسربلة وثياباً مروية خياراً وفي بيته وسائد وأصحابه عليها قعود، فقلت: يا أبا عبد الله هذا الذي أراك به أشيء أحدثته أو شيء رأيت عليه الناس؟ قال: لا، بل شيء رأيت عليه الناس. (5/167)
عن عبد الله بن يوسف التنيسي قال: سمعت مالك بن أنس يقول: ما أدركت فقهاء بلدنا إلا وهم يلبسون الثياب الحسان. (5/167)
عن أبي عمرو أحمد بن محمد حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن معاوية وسليمان بن حرب إلى جانبه يقول: خرج الليث بن سعد يوماً فقوموا ثيابه ودابته وخاتمه وما كان عليه ثمانية عشر ألف درهم إلى عشرين ألف! فقال سليمان بن حرب: خرج شعبة يوماً فقوموا حماره وسرجه ولجامه بثمانية عشر درهماً إلى عشرين درهماً! . (5/167)
عن علي بن ثابت قال: رأيت سفيان الثوري في طريق مكة فقومت كل شيء عليه حتى نعليه درهم وأربعة دوانق. (5/167)
عن علي بن ثابت قال: لو أن معك فلسين وكنت تريد أن تتصدق ثم استقبلك سفيان الثوري وأنت لا تعرفه لظننت أنه لا يمتنع(3) من أن تضعهما(4) في كفه. (5/167)
فصل في كراهية لبس الشهرة من الثياب في النفاسة أو في الخساسة
عن ليث عن رجل عن ابن عمر قال: من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ذلاً يوم القيامة. (5/168)
عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: إن الرجل ليكتسي وهو عار، يعني الثياب الرقاق. (5/169)
فصل فيما كان يلبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثياب وما كان يختار لبسه ويرغب فيه
__________
(1) كانت (يداوي).
(2) كانت (فرأيت).
(3) كانت (لا يمنع) وهي صحيحة أيضاً.
(4) كانت (يضعهما).(1/386)
عن وهب حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال: رأيت(1) عمر بن الخطاب يوم عيد معتماً قد أرخى عمامته من خلفه؛ وقال إسماعيل: وحدثني محمد بن يوسف عن أبي رزين قال: شهدت علي بن أبي طالب يوم عيد معتماً قد أرخى عمامته من خلفه والناس مثل ذلك؛ قال إسماعيل: وحدثني عمر بن يحيى قال: رأيت واثلة بن الأسقع معتماً قد أرخى عمامته من خلفه ذراعاً. (5/174)
عن أبي وائل قال: رأيت عبد الله بن عمر معتماً قد أرخى عمامته من قبل ظهره. (5/175)
عن نافع أن ابن عمر كان إذا تعمم أرخى عمامته بين كتفيه. (5/175)
عن عبد العزيز بن أبي الجارود عن الزهري قال: العمائم تيجان العرب، والحبوة حيطان العرب، والاضطجاع في المساجد رباط المؤمنين. (5/176)
عن بقية عن مسلم بن زياد قال: رأيت أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك وفضالة بن عبيد وأبا المنيب وفروخ بن سيار أو سيار بن فروخ يرخون العمائم من خلفهم وثيابهم إلى الكعبين. (5/176)
عن ليث عن طاوس قال في الذي يلوي العمامة على رأسه ولا يجعلها تحت ذقنه: قال(2): تلك عمة الشيطان. (5/176)
فصل في الانتعال
عن معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: إنما نكره أن ينتعل الرجل قائماً من أجل العنت؛ قال الحليمي: العنت الضرر؛ قال: ووجه الابتداء بالشمال عند الخلع أن اللبس كرامة لأنـ[ـه] للبدن وقاية فلما كانت اليمين أكرم من اليسرى بدئ بها في اللبس وأخرت في الخلع لتكون الكرامة لها أدوم وحظها منها أكثر. (5/179)
فصل في الفرش والوسائد
عن يزيد النحوي قال: دخلت على ابن سيرين بيته وهو جالس في الأرض فألقى لي وسادة فقلت(3): إني رضيت لنفسي ما رضيت لنفسك، قال: إني لا أرضى لك في بيتي ما أرضاه لنفسي، فاجلس حيث تُجْلَس كيلا تجلس مقابل باب أو شيء يكره أن تستقبله. (5/186)
__________
(1) كانت (أرأيت).
(2) كانت (فإن).
(3) كانت (فقال).(1/387)
عن بسام الصيرفي عن أبي جعفر قال: دخل على علي رضي الله عنه رجلان فطرح لهما وسادة فجلس أحدهما على وسادة وجلس الآخر على الأرض فقال علي للذي جلس على الأرض: قم فاجلس على الوسادة فإنه لا يأبى الكرامة إلا حمار. (5/186)
فصل في تحريم الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء لعموم الخبر
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الفضل ابن يعقوب يقول: دخل أبو النصر(1) على محمد بن عبد الرزاق وهو يشرب الماء في كوز من فضة فقال: أيها الأمير كأني بنار جهنم وهو ذا يجرجر في بطنك، فقال: لماذا أيها الشيخ؟! فحدثه بالحديث الوارد بها، فقال محمد: عاهدت الله ألا أشرب في فضة أبداً. (5/208)
عن أيوب عن ابن سيرين عن بنت أبي عمرو قالت: سألنا عائشة عن الحلي والأقداح المفضضة فنهتنا عنها؛ قال: فأكثرنا عليها فرخصت لنا في الشيء من الحلي ولم ترخص لنا في الأقداح المفضضة. (5/208)
عن قتادة عن الحسن، قال: كان يكره المفضض، فإن سقي فيه شرب؛ قال: وكان ابن عمر إذا سقي فيه كسره. (5/209)
فصل في الخضاب
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن(2) الأسود بن عبد يغوث كان شديد بياض الرأس واللحية وكان لا يصبغ فخرج عليهم كأن رأسه ولحيته ياقوتتان حمرة، فقيل له في ذلك، قال: إن أمي عائشة أرسلت إلي بعزيمة أن اصبغ وأخبرتني أن أبا بكر كان يصبغ(3). (5/214)
عن الوليد بن أبي الوليد قال: رأيت أنس بن مالك مصبوغاً شعره بالحناء. (5/214)
عن الوليد قال: رأيت(4) عمرو بن الجموح الأنصاري يصبغ لحيته بالصفرة. (5/214)
__________
(1) لعلها (النضر).
(2) كانت (بن أبي) وهو خطأ.
(3) أخرجه مالك في الموطأ (باب ما جاء في صبغ الشعر) وابن أبي شيبة في المصنف 5/183 والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/378.
(4) كانت (فرأيت).(1/388)
عن سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبي أنه رأى عبد الله بن عمر وأبا هريرة يصفران لحاهما حتى ان كان للصفرة موضع اللحية من القميص(1). (5/214)
عن جرير بن كريب وابن عبد الله بن بشر أنهما رأيا عبد الله بن بشر وأبا أمامة وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغون لحاهم. (5/214)
عن القاسم مولى معاوية أنه رأى سهل بن الحنظلية صاحب النبي صلى الله عليه وسلم شيخاً مصفر اللحية. (5/215)
عن عبد الملك بن عمير قال: رأيت جرير بن عبد الله والمغيرة بن شعبة يصبغان لحاهما بالصفرة. (5/215)
عن أبي حفص الأعشى قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: الخضاب مكبدة للعدو مرضاة للزوجة(2). (5/215)
عن معمر عن أبي إسحاق قال: رأيت علياً رضي الله عنه على المنبر أبيض اللحية والرأس عليه إزار ورداء. (5/216)
فصل في خضاب النساء
عن عقيل بن خالد عن مكحول أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يختضبن. (5/217)
عن ابن عباس أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يختضبن بعد صلاة العشاء الآخرة. (5/217)
عن ابن جريج قال: كان طاوس لا يدع أحداً من أهله ونسائه وخدمه إلا أمرهم أن يختضبوا في العيدين. (5/217)
فصل في الطيب
عن ابن أبي ذئب حدثنا عثمان بن عبيد الله مولى سعد بن أبي وقاص قال: رأيت أبا هريرة وأبا قتادة وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبا أسيد الساعدي يمرون علينا ونحن في الكتاب فنجد منهم ريح العنبر. (5/217)
عن الأصمعي قال: كان لأبي عمرو بن العلاء من غلته كل يوم فلسان، يشتري بفلس ريحاناً، وكوزاً جديداً بفلس، فيشرب فيه يومه، وإذا أمسى تصدق به، ويشم الريحان يومه، فإذا أمسى قال للجارية: جففيه ودقيه في الأشنان. (5/218)
__________
(1) يعني أن ما يباشر اللحية من القميص كان يصطبغ بشيء من الصفرة بسبب تلك المباشرة.
(2) قال البيهقي: وهذا إن أراد بغير السواد فهو سنة، وإن أراد بالسواد فقد ورد النهي عنه.(1/389)
فصل فيمن كره الإفراط في التنعم والتدهين والترجيل وأحب القصد في ذلك
عن الوليد بن عتبة قال: رأيت داود الطائي وقال له رجل: ألا تسرح لحيتك؟ قال: إني عنه مشغول. (5/228)
فصل في حلق جميع الرأس وما ورد من النهي عن القزع
عن يزيد بن هارون حدثنا الحجاج بن حسان قال: دخلنا على أنس بن مالك فحدثتني أختي عن المغيرة قالت: وأنت يومئذ غلام ولك قرنان أو قصتان فمسح رأسك وبرك عليك وقال: احلقوا هذين أو قصوهما فإن هذا زي اليهود. (5/231)
عن تميم بن سلمة أو عن بعض أصحابه عن عائشة أنها أدخل عليها صبي، أو قال صبية لها ذؤابتان فقالت: أخرجوا عني هذه اليهودية. (5/232)
[فصل في المرآة]
عن محمد بن عون [الخراساني] عن ابن سيرين قال: كان [ابن](1)عمر يكثر النظر في المرآة وتكون معه في الأسفار، قلت: ولِم؟ قال: أنظر فما كان في وجهي من زين [و]هو في وجه غيري شين أحمد الله عليه(2). (5/233)
الحادي والأربعون من شعب الإيمان
وهو باب في تحريم الملاعب والملاهي
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: إياكم وهاتين الكعبتين الموسومتين اللتين تزجران زجراً فإنهما من ميسر العجم. (5/238)
ععن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه بلغها أن أهل بيت كانوا سكاناً في دارها عندهم نرد فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري وأنكرت ذلك عليهم. (5/239)
عن نافع أن عبد الله(3) بن عمر كان إذا وجد أحداً من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها. (5/239)
عن نافع أن ابن عمر كان يقول: النرد هي الميسر. (5/239)
عن قتادة أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: من لعب بالكعبين على قمار كأنما أكل لحم الخنزير ومن لعب بهما على غير قمار فكأنما ادهن بشحم خنزير. (5/239)
__________
(1) هذه الزيادة من (الشكر) لابن أبي الدنيا ص61.
(2) قال البيهقي: ومحمد بن عون هذا غير قوي.
(3) كانت (عبيد الله).(1/390)
عن جعفر بن سليمان حدثنا المعلى بن زياد عن حنظلة السدوسي، قال جعفر: أحسبه عن رجل من الأنصار، قال: من لعب بالنرد فكأنما ادهن بشحم خنزير، ومن قامر بها فكأنما أكل لحم خنزير. (5/239)
عن ربيعة بن كلثوم حدثني أبي قال: خطبنا ابن الزبير فقال: يا أهل مكة بلغني عن رجال يلعبون بلعبة يقال لها النردشير، وإن الله تعالى يقول في كتابه (إنما الخمر والميسر) إلى قوله (ينتهون)، وإني أحلف بالله لا أوتى بأحد يلعب بها إلا عاقبته في شعره وبشره وأعطيت سلبه من أتاني به. (5/239-240)
قال البيهقي: فروينا في التشديد فيه عن عثمان بن عفان حتى قال: ولقد هممت أن آمر بحزم الحطب ثم أرسل إلى بيوت الذين هي في بيوتهم فأحرقها. (5/240)
عن وكيع حدثنا الفضل بن دلهم عن الحسن(1) قال: النرد ميسر العجم. (5/240)
عن أبي هريرة أنه كان يقول: كل لعبة ضرب فيها بالكعاب قمار لا يصلح اللعب بها. (5/240)
عن إبراهيم بن يزيد أن ابن مسعود كان يقول: لأن أقلقل جمرتين في يدي حتى تطفأ أحب إلي من أن ألعب بالكعبتين. (5/240)
عن أبي قبيل عن تبيع أنه قال: مثل الذي يلعب بالنرد مثل الذي يتلطخ بدم خنزير ثم يقوم إلى الصلاة هل تقبل منه أم لا. (5/240)
عن الفضيل بن غزوان قال: مر مسروق بقوم يلعبون بالنرد، فقالوا: يا أبا عائشة إنا ربما فرغنا فلعبنا بها، قال: ما بهذا أمر الفُراغ. (5/241)
عن الأصبغ بن نباتة عن علي أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟! لأن يمس جمراً حتى تطفأ خير له من أن يمسها. (5/241)
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أنه كان يقول: الشطرنج هو ميسر الأعاجم. (5/241)
عن ابن عمر أنه سئل عن الشطرنج فقال: هي شر من النرد. (5/241)
عن ابن شهاب أن أبا موسى الأشعري قال: لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ. (5/241)
عن عبيد الله بن أبي جعفر أن أبا سعيد الخدري كان يكره أن يلعب بالشطرنج. (5/241)
__________
(1) صحفت إلى (الحسين).(1/391)
عن ابن شهاب أنه سئل عن لعب الشطرنج فقال: هي من الباطل ولا يحب الله الباطل(1). (5/241)
عن مالك أنه قال: الشطرنج من النرد؛ بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مال يتيم فأحرقها. (5/241)
عن عبيد الله بن عمر قال: قيل للقاسم هذه النرد تكرهونها فما بال الشطرنج؟! قال: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر. (5/242)
عن عقبة بن صالح قال: قلت لإبراهيم: ما تقول في اللعب بالشطرنج فإني أحب اللعب بها؟ قال: فإنها ملعونة فلا تلعب بها، قال: قلت إني لا أصبر عنها، قال: فاحلف لا تلعب بها سنة، قال: فحلفت فصبرت عنها. (5/242)
عن الحسن عن طلحة بن مصرف قال: كان إبراهيم وأصحابنا لا يسلمون على أحد - إذا مروا - من أصحاب هذه اللعب. (5/242)
عن الحسن عن نعيم عن أبي جعفر قال: تلك المجوسية لا تلعبوا بها، يعني الشطرنج. (5/242)
عن بسام الصيرفي قال: سألت أبا جعفر عن الشطرنج، قال: دع المجوسية. (5/242)
عن عيسى بن صبيح مولى عمرو بن عبيدة القاضي قال: كنت مع أيوب السختياني فرأى قوماً يلعبون بالشطرنج فقال لمحمد بن المنكدر، فقال: من يلعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله؛ فقال له عمرو بن عبيدة: ليس هذا نرد، هذا شطرنج؛ فقال أيوب: النرد والشطرنج سواء. (5/242)
عن معمر عن قتادة قال: مر عبد الله بن غالب، رجل من أهل البصرة، بقوم يلعبون بالشطرنج فقال للحسن: مررت بقوم يعكفون على أصنام لهم. (5/242)
عن يزيد بن يوسف أنه سأل يزيد بن أبي حبيب عن اللعب بالشطرنج فقال يزيد: لو مررت على قوم يلعبون بالشطرنج ما سلمت عليهم. (5/242)
عن محمد بن سيرين قال: لو ردت شهادة من يلعب بالشطرنج كان لذلك أهلاً. (5/243)
عن شريح بن النعمان قال: سألت عبد الله بن نافع عن الشطرنج والنرد فقال: ما أدركت أحداً من علمائنا إلا وهو يكرهها. (5/243)
عن ليث عن مجاهد قال: مر ابن عمر بقوم يلعبون بالشهاردة فأحرقها بالنار. (5/244)
__________
(1) وروي مثل ذلك عن ابن المسيب.(1/392)
عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكسر الأربعة عشر التي يُلعب. (5/244)
عن نافع عن صفية عن ابن عمر أنه دخل على بعض أهله وهم يلعبون بها وكسرها. (5/244)
قال البيهقي: وروينا عن سلمة بن الأكوع أنه نهى عنها. (5/244)
عن المنذر بن الجهم بن سويد عن أم سلمة قالت: لأن يضطرم نار في بيت أحدكم خير له من أن يكون في بيته الأربع عشرة. (5/244)
عن الحسن بن حكيم عن أمه قالت: رأيت أبا بردة إذا رأى أحداً من أهله وولده يلعب على المراجيح ضربهم وكسرها. (5/244)
عن مالك بن مغول عن طلحة يعني ابن مصرف قال: إني لأكره المراجيح يوم النيروز وأراها شعبة من المجوسية؛ ورأى إنساناً على أرجوحة(1). (5/244)
عن رجل يقال له أيوب قال: كان ملاعب أهل فرعون الحمام. (5/245)
عن مغيرة عن إبراهيم قال: من لعب بالحمام الطيارة لم يمت حتى يذوق ألم الفقر. (5/245)
عن ابن المبارك أخبرنا سفيان قال: سمعت أن لعباً بالجُلاهق(2) ولعباً بالحمام هو من عمل قوم لوط. (5/245)
عن ليث عن مجاهد قال: ما من ميت إلا يعرض عليه أهل مجالسته الذين كان يجالس: إن كانوا أهل اللهو [فأهل اللهو] وإن كانوا أهل الذكر فأهل الذكر. (5/246)
عن عامر بن غالب قال: سمعت الربيع بن مرة وكان عابداً بالبصرة يقول: أدركت الناس بالشام وقيل لرجل: يا فلان قل لا إله إلا الله؛ قال: اشرب واسقني؛ وقيل بالأهواز: يا فلان قل لا إله إلا الله فجعل يقول: ده يا زده ده دوازده؛ وقيل لرجل ها هنا بالبصرة: يا فلان قل لا إله إلا الله فجعل يقول:
يا رب قائلة يوماً وقد تعبت
كيف الطريق إلى حمام منجاب
__________
(1) هكذا العبارة ولعلها تامة لا سقط فيها، أي أنه قال ذلك حال رؤيته لذلك الانسان.
(2) هو البندق.(1/393)
قال البيهقي: هذا رجل استدلته امرأة إلى الحمام فدلها إلى منزله، فقاله عند الموت(1)
__________
(1) هذه بعض أخبار متعلقة بسوء الخاتمة نعوذ بالله تعالى من ذلك ونسأله الرحمة والثبات على الحق وحسن الختام؛ قال ابن الجوزي في (الثبات عند الممات) ص78-81:
"فصل: وقد خذل خلق كثير عند الموت فمنهم من أتاه الخذلان من أول مرضه فلم يستدرك قبيحاً مضى وربما أضاف إليه جوراً في وصيته؛ ومنهم من فاجأه الخذلان في ساعة اشتداد الأمر فمنهم من كفر ومنهم من اعترض وتسخط نعوذ بالله من الخذلان؛ وهذا معنى سوء الخاتمة وهو أن يغلب على القلب عند الموت الشك أو الجحود فتقبض النفس على تلك الحالة ودون ذلك أن يتسخط الأقدار؛ أخبرنا اسماعيل بن أحمد قال أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري قال أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال حدثنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي [ابن أبي الدنيا] قال: بلغني عن عبدة بن سليمان عن هاشم المروزي عن ابن باني وراد أو غيره قال: قيل لرجل عند موته: قل لا إله إلا الله فقال: هو كافر بها؛ قال القرشي: وذكر هاشم عن أبي جعفر قال دخلت على رجل بالضيعة وهو في الموت فقلت قل لا إله إلا الله فقال هيهات حيل بيني وبينها؛ قال القرشي: وحدثني أبو عبدالرحمن الأزدي عن أبي عبيد القاسم بن سلام عن أبي حفص الأبار عن ليث عن مجاهد قال: ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه؛ فاحتضر رجل فقيل له: قل لا إله إلا الله فقال: شاهك مات؛ قال القرشي: وحدثنا هارون بن سفيان قال حدثني فضيل بن عبد الوهاب قال: حدثني شيخ من أهل البصرة قال: دخلت على رجل وهو يجود بنفسه وهو يقول: يا رب قائلة يوماً وقد تعبت**كيف الطريق إلى حمام منجاب؛ حدثني أبو الحسن بن أحمد الفقيه قال: نزل الموت برجل كان عندنا فقيل له: استغفر الله فقال: ما أريد، فقيل له: قل لا إله إلا الله فقال: ما أقول، لجهد جهده؛ ثم مات؛ وسمعت أنا رجلاً كان كثير الصوم والتعبد اشتد به الألم فافتتن فسمعته يقول: لقد قلبني في أنواع البلاء فلو أعطاني الفردوس ما وفى بما يجري علي ثم صار يقول: وأي شيء في هذا الابتلاء من المعنى إن كان موتاً فيجوز فأما هذا التعذيب فأي شيء المقصود به؟! وسمعت شخصاً آخر يقول وقد اشتد به الألم: ربي يظلمني؛ وهذه حالة إن لم ينعم فيها بالتوفيق للثبات وإلا فالهلاك ومنها ما كان يقلقل [لعلها يقلق] سفيان الثوري فإنه كان يقول: أخاف أن يشتد علي الأمر فأسأل التخفيف فلا أجاب فأفتتن؛ وأخبرنا عبدالوهاب بن الحافظ قال أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال أخبرنا أحمد بن علي التوزي قال أخبرنا محمد بن عبدالله الدقاق قال حدثنا رضوان بن أحمد قال حدثنا أبو بكر القرشي قال محمد بن يحيى الأزدي قال حدثني أبو جعفر الرازي قال كان سفيان الثوري يأتي ابراهيم بن أدهم فيقول: يا ابراهيم ادع الله أن يقبضنا على التوحيد؛ أخبرنا محمد بن عبدالباقي قال أخبرنا حمد بن أحمد قال أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال حدثنا أبو محمد بن حيان قال حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي قال: لما اشتد بسفيان الثوري قال: إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت".
وقال ابن القيم في (الجواب الكافي ص61-63) في أثناء بيانه لآثار المعاصي:
"فصل: ومن عقوباتها أنها تخون العبد أحوج ما يكون الى نفسه فإن كل أحد محتاج إلى معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده، وأعلم الناس أعرفهم بذلك على التفصيل، وأقواهم وأكيسهم من قوي على نفسه وإرادته فاستعملها فيما ينفعه وكفها عما يضره، وفي ذلك [تـ]تفاوت معارف الناس وهممهم ومنازلهم، فأعرفهم من كان عارفاً باسباب السعادة والشقاوة، وأرشدهم من آثر هذه على هذه، كما ان أسفههم من عكس الأمر؛ والمعاصي تخون العبد أحوج ما كان إلى نفسه في تحصيل هذا العلم وإيثار الحظ الاشرف العالي الدائم على الحظ الخسيس الأدنى المنقطع فتحجبه الذنوب عن كمال هذا العلم وعن الاشتغال بما هو أولى به وأنفع له في الدارين، فإذا وقع مكروه واحتاج إلى التخلص منه خانه قلبه ونفسه وجوارحه وكان بمنزلة رجل معه سيف قد غشيه الحرب ولزم قرابه بحيث لا ينجذب مع صاحبه إذا جذبه فعرض له عدو يريد قتله فوضع يده على قائم سيفه واجتهد ليخرجه فلم يخرج معه فدهمه العدو وظفر به، كذلك القلب يصدأ بالذنوب ويصير مثخناً بالمرض فإذا احتاج إلى محاربة العدو لم يجد معه منه شيئاً، والعبد إنما يحارب ويصاول ويقدم بقلبه، والجوارح تبع للقلب، فإذا لم يكن عند ملكها [يعني القلب] قوة يدفع به فما الظن بها عند عدم ملكها، وكذلك النفس فانها تخبث بالشهوات والمعاصي وتضعف – أعني النفس المطمئنة، وإن كانت الأمارة تقوى وتتأسد وكلما قويت هذه ضعفت هذه، فبقى الحكم والتصرف للأمارة وربما ماتت نفسه المطمئنة موتاً لايرجى معه حياة، فهذا ميت في الدنيا ميت في البرزخ غير حي في الآخرة حياة ينتفع بها، بل حياته حياة يدرك بها الألم فقط؛ والمقصود أن العبد إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله تعالى والإنابة إليه والجمعية عليه والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فلا ينحبس القلب على اللسان بحيث يؤثر فيه الذكر، ولا ينحبس اللسان والقلب على المذكور بل إن ذكر أو دعا ذكر بقلب غافل لاه ساه ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له ولم تطاوعه؛ وهذا كله أثر الذنوب والمعاصي كمن له جند يدفع عنه الاعداء فأهمل جنده وضيعهم وأضعفهم وقطع أخبارهم ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يستفرغوا وسعهم في الدفع عنه بغير قوة؛ هذا وثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهد الناس كثيراً من المحتضرين أصابهم ذلك حتى قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها؛ وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله فقال: شاه، رخ، غلبتك، ثم قضى؛ وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله فقال: يارب قائلة يوماً وقد تعبت***أين الطريق إلى حمام منجاب، ثم قضى؛ وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله فجعل يهذي بالغناء ويقول: تاتنا تنتنا فقال: وما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية إلا ركبتها؟! ثم قضى ولم يقلها؛ وقيل لآخر ذلك فقال: وما يغني عني وما أعلم أني صليت لله تعالى صلاة؟! ثم قضى ولم يقلها؛ وقيل لآخر ذلك فقال: هو كافر بما تقول، وقضى؛ وقيل لآخر ذلك فقال: كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها؛ وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته فجعل يقول: لله فُليس، لله فُليس، حتى قضى؛ وأخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشترى جيد، هذه كذا، حتى قضى؛ وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبراً، والذي يخفي عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم؛ وإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه قد تمكن منه الشيطان واستعمله بما يريده من المعاصي وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى وعطل لسانه من ذكره وجوارحه عن طاعته فكيف الظن به عند سقوطه قواه واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع وجمع الشيطان له كل قوته وهمته وحشد[ه] عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته، فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحالة؛ فمن ترى يسلم علي ذلك؟! فهناك يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء؛ فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطاً؛ فبعيد من قلب بعيدٍ من الله تعالى غافل عنه متعبد لهواه مصير [لعلها مؤثر] لشهواته، ولسانه يابس من ذكره وجوارحه معطلة من طاعته مشتغلة بمعصية الله أن يوفق لحسن الخاتمة؛ ولقد قطع خوف الخاتمة ظهور المتقين، وكأن المسيئين الظالمين قد أخذوا توقيعاً بالأمان (أم لكم أيمان علينا بالغة الي يوم القيامة ان لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم)
يا آمنا من قبيح الفعل يصنعه-------هل أتاك تواقيع أم أنت تملكه
جمعت شيئين أمناً واتباع هوى--- --هذا وإحداهما في المرء تهلكه
والمحسنون على درب المخاوف قد-- -ساروا وذلك درب لست تسلكه
فرطت في الزرع وقت البذر من سفه--فكيف عند حصاد الناس تدركه
هذا وأعجب شىء منك زهدك في--- -دار البقاء بعيش سوف تتركه
مَن السفيه إذاً بالله أنت أم المغبون----في البيع غبناً سوف تدركه".
وقال ص116-118 بعد كلام له في ذم بعض الفواحش: "فإن الله سبحانه وتعالى يعاقب على السيئة بسيئة أخرى وتتضاعف عقوبة السيئات بعضها ببعض كما يثيب على الحسنة بحسنة أخرى فتتضاعف الحسنات؛ وإذا نظرت إلي حال كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم وبين حسن الخاتمة عقوبة لهم على أعمالـ[هم] السيئة، قال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الاشبيلي رحمه الله: واعلم أن لسوء الخاتمة أعاذنا الله منها أسباب ولها طرق وأبواب، أعظمها الإنكباب على الدنيا وطلبها والحرص عليها والإعراض عن الأخرى والإقدام والجرأة على معاصي الله عز وجل وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية وجانب من الإعراض ونصيب من الجرأة والإقدام فملك قلبه وسبى عقله وأطفأ نوره وأرسل عليه حجبه فلم تنفع فيه تذكرة ولا نجعت فيه موعظة فربما جاءه الموت على ذلك فسمع النداء من مكان بعيد فلم يتبين له المراد ولا علم ما أراد وإن كرر عليه الداعي وأعاد؛ قال: ويروى أن بعض رجال الناصر نزل به الموت فجعل ابنه يقول له: قل لا إله إلا الله فقال: الناصر مولاي، فأعاد عليه القول فقال مثل ذلك، [فـ]أصابته غشية فلما أفاق قال: الناصر مولاي، وكان هذا دأبه، كلما [قيل] له قل: لا إله إلا الله قال: الناصر مولاي، ثم قال لإبنه: يا فلان الناصر إنما يعرفك بسيفك والقتل القتل، ثم مات على ذلك؛ قال عبد الحق رحمه الله: وقيل لآخر ممن أعرفه قل: لا إله إلا الله فجعل يقول: الدار الفلانية أصلحوا فيها كذا والبستان الفلاني افعلوا فيه كذا؛ وقال: وفيما أذن أبو طاهر السلفي أن أحدث به عنه أن رجلاً نزل به الموت فقيل له: قل لا إله إلا الله فجعل يقول بالفارسية: ده يازده، تفسيره: عشر بإحدى عشر؛ وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله فجعل يقول: أين الطريق إلى حمام منجاب؛ قال: وهذا الكلام له قصة وذلك أن رجلاً كان واقفاً بازاء داره وكان بابها يشبه باب هذا الحمام فمرت به جارية لها منظر فقالت: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فقال: هذا حمام منجاب، فدخلت الدار ودخل وراءها فلما رأت نفسها فى داره وعلمت أنه قد خدعها أظهرت له البشر والفرح بإحتماعها معه وقالت خدعةً منها له وتحيلاً لتتخلص مما أوقعها فيه وخوفاً من فعل الفاحشة: يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقر به عيوننا، فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين وخرج وتركها فى الدار ولم يغلقها؛ فأخذ ما يصلح ورجع فوجدها قد خرجت وذهبت ولم تخنه فى شيء، فهام الرجل وأكثر الذكر لها وجعل يمشي فى الطرق والأزقة ويقول:
يارب قائلة يوماً وقد تعبت---أين الطريق إلي حمام منجاب
فبينا يقول ذلك وإذا بجاريته أجابته من طاق قرنان:
هل لا جعلت سريعاً إذ ظفرت بها---حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب
فازداد هيمانه واشتد هيجانه ولم يزل كذلك حتى كان هذا البيت آخر كلامه من الدنيا؛ قال: ويروى أن رجلاً عشق شخصاً فاشتد كلفه به وتمكن حبه من قلبه حتى وقع ألماً به ولزم الفراش بسببه وتمنع ذلك الشخص عليه واشتد نفاره عنه فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده فأخبر بذلك البائس ففرح واشتد سروره وانجلى غمه وجعل ينتظر للمعياد الذي ضربه له فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال: إنه وصل معى إلى بعض الطريق ورجع فرغبت إليه وكلمته فقال أنه ذكرني وبرح بي ولا أدخل مداخل الريب ولا أعرض نفسي لمواقع التهم، فعاودته فأبى وانصرف فلما سمع البائس ذلك أسقط فى يده وعاد إلى أشد مما كان به وبدت عليه علائم الموت فجعل يقول فى تلك الحال:
اسلم ياراحة العليل-----ويا شفاء المدنف النحيل
رضاك أشهى إلي فؤادى--من رحمة الخالق الجليل
فقلت له: يافلان اتق الله؛ قال: قد كان؛ فقمت عنه فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت؛ فعياذاً بالله من سوء العاقبة وشؤم الخاتمة.
ولقد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح فلما أصبح قيل له: أكل هذا خوفاً من الذنوب فأخذ تبنة من الأرض وقال: الذنوب أهون من هذه وإنما أبكي خوفاً من الخاتمة؛ وهذا من أعظم الفقه أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى؛ وقد ذكر الإمام أحمد عن أبى الدرداء أنه لما اختصر جعل يغمى عليه ثم يفيق ويقرأ (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم يعمهون) فمن هذا خاف السلف من الذنوب أن تكون حجاباً بينهم وبين الخاتمة الحسنى.
قال [عبد الحق]: واعلم أن سوء الخاتمة أعاذنا الله تعالى منها لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، ما سمع بهذا ولا علم به ولله الحمد؛ وإنما تكون لمن [عنده] فساد فى العقيدة أو إصرار على الكبيرة وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى [يـ]نزل به الموت قبل التوبة فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطلم قبل الإنابة فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة ويختطفه عند تلك الدهشة والعياذ بالله.
قال: ويروى أنه كان بمصر رجل يلزم المسجد للأذان والصلاة فيه وعليه بهاء الطاعة ونور العبادة فرقى يوماً المنارة على عادته للأذان وكان تحت المنارة داراً لنصراني فاطلع فيها فرأى إبنة صاحب الدار فافتتن بها فترك الأذان ونزل إليها ودخل الدار عليها فقالت له: ما شأنك وما تريد؟! قال: أريدك! قالت: لماذا؟ قال: قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك إلى ريبة أبداً! قال: أتزوجك! قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك! قال: أتنصر! قالت: إن فعلت أفعل؛ فتنصر الرجل ليتزوجها وأقام معهم فى الدار فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان فى الدار فسقط منه فمات فلم يظفر بها وفاته دينه".(1/394)
. (5/246)
الثاني والأربعون من شعب الإيمان
وهو باب الاقتصاد في النفقة وتحريم أكل المال الباطل
عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) قال: الرجل يشتري المتاع فيرده ويرد معه دراهم. (5/250)
عن سلمة بن كهيل عن أبي العبيدين قال: قلت لابن مسعود: ما التبذير؟ قال: إنفاق المال في غير حقه. (5/250)
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) قال: هم الذين ينفقون المال في غير حقه. (5/250)
عن الحارث عن علي قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك؛ وما أنفقت رياء أو سمعة فذلك حظ الشيطان. (5/251)
عن سفيان عن عمرو بن قيس عن المنهال يعني ابن عمرو عن سعيد بن جبير في قوله عز وجل (ما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) قال: في غير إسراف ولا تقتير(1). (5/251)
عن زياد مولى مصعب عن الحسن قال: ما أنفق رجل على أهله في غير إسراف ولا إقتار فهو في سبيل الله عز وجل. (5/251)
عن أشعث بن سوار عن الحسن، سمعته يقول: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) قال: نهى عن السرف والبخل. (5/251)
عن سالم بن أبي الجعد أن رجلاً رقي إلى أبي الدرداء وهو يلتقط حباً فكأنه استحيى فقال: ارق واصعد فإن من فقهك رفقك في معيشتك. (5/254)
عن يونس بن عبيد عن ميمون بن مهران قال: التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف الفقه، ورفقك في معيشتك يلقي عنك نصف المؤونة. (5/254)
عن طاوس عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً ولا مخيلة. (5/255)
__________
(1) قال البيهقي: ورواه إسماعيل بن زكريا عن عمرو بن قيس الملائي فبلغ به ابن عباس.(1/395)
عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: أول من نجد بيتاً بالبصرة الخضيراء امرأة مجاشع بن مسعود السلمي فكتب عمر بن الخطاب إلى زوجها: بلغني أن الخضيراء نجدت بيتها كما تنجد الكعبة فأقسمت عليك إذا جاءك كتابي هذا لما قمت فهتكته؛ قال: فلما قرأ مجاشع كتاب عمر تغير لونه وقال لمن حوله: قوموا معي فقام حتى دخل بيته فاستقبلته امرأته فقال: تنحي عني فقد أرمضت قدمي؛ وقال للقوم: ليهتك كل رجل منكم ما يليه فهتكوا. (5/256)
عن معمر عمن سمع الحسن يقول: بلغ عمر رضي الله عنه أن امرأة من أهل البصرة يقال لها خضيراء نجدت بيتها فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فإنه بلغني أن الخضيراء نجدت بيتها فإذا جاءك كتابي هذا فاهتكه هتكه الله؛ قال: فذهب الأشعري بنفر معه حتى دخلوا البيت فقاموا في نواحيه فقال: ليهتك كل امرئ منكم ما يليه رحمكم الله؛ قال: فهتكوا ثم خرجوا(1). (5/256-257)
عن معمر عن أيوب عن نافع قال: بلغ عمر أن صفية امرأة عبد الله بن عمر سترت بيوتها(2) بقرام أو غيره أهداه لها(3) عبد الله بن عمر فذهب عمر وهو يريد أن يهتكه(4) فبلغهم فنزعوه فلما جاء عمر لم يجد شيئاً فقال: ما بال أقوام يأتوننا بالكذب(5)؟!. (5/257)
__________
(1) قال البيهقي: يحتمل أن يكون كتب إلى زوجها وإلى أبي موسى جمعاً بين الروايتين، قلت: ويحتمل أن تكون إحدى الروايتين فيها وهم.
(2) أي سترت بعض البيت من داخله، كما يفعله الناس الآن.
(3) كانت (أهداها له).
(4) قال البيهقي: وكأنه كره ذلك للسرف، قلت: وللتزين وللميل إلى الليونة والتنعم ونحو ذلك مما كرهه الصحابة من المعاني التي تضعف الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
(5) قال ابن أبي شيبة في مصنفه 5/204: حدثنا يعلى بن عبيد عن فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر قال: بلغ عمر أن ابناً له ستر حيطانه فقال: والله لئن كان ذلك لأحرقن بيته.(1/396)
عن عكرمة وخالد بن صفوان بن عبد الله قالا: تزوج صفوان بن أمية فدعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بيته وقد سُتر بهذه الأدم المنقوشة، فقال عمر: لو كنتم جعلتم مكان هذا مسوحاً كان أحمل للغبار من هذا. (5/257)
عن سلمان الفارسي أنه تزوج بامرأة فلما دخل عليها رأى بيتاً مستتراً فقال: ما [بـ]بيتكم؟! محموم؟! أو تحولت الكعبة في كندة؟! لا أدخله حتى يهتك كل ستر إلا ستراً على باب. (5/257)
وعن أبي أيوب الأنصاري أنه دعي إلى وليمة فرأى ستراً على الجدار فقال: قد سترتم الجدر وانصرف(1). (5/257)
عن سفيان الثوري قال: قال حبيب بن أبي ثابت: ما استقرضت من أحد أحب إلي من أن أستقرض من نفسي، فسألته كيف تستقرض من نفسك؟ قال: إذا طلبتْ مني شيئاً أقول لها: أخريني (حتى يجيء الله به، من كذا، به من كذا)(2). (5/258)
عن أبي دجانة المعافري قال: سمعت ذا النون يقول: حسن(3) التدبير مع الكفاف أكف؟؟ من الكثير مع الإسراف. (5/258)
عن عبد الله بن شبيب قال: كان يقال: حسن التدبير مع العفاف خير من الغنى مع الإسراف. (5/258)
__________
(1) قال ابن أبي شيبة في مصنفه 5/204: حدثنا ابن علية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله قال: عرست في عهد أبي فآذن أبي الناس وكان فيمن آذن أبو أيوب وقد سترت بيتي بجنادى أخضر فجاء أبو أيوب فدخل وأبي قائم ينظر فإذا البيت ستر بجنادى أخضر فقال: أي عبد الله تسترون الجدر؟!! فقال أبي واستحيى: غلبنا النساء يا أبا أيوب، قال: من أخشى أن يغلبه النساء فلم أخش أن يغلبنك؛ لا أطعم لك طعاماً ولا أدخل لك بيتاً ثم خرج؛ وانظر كتاب الورع للمروزي ص137.
(2) جاء بدلها في الحلية (5/61): "حتى يجيء من حيث أحب".
(3) زيد في الأصل قبل هذه الكلمة لفظة (سمعت) فحذفتها.(1/397)
عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة، قال: كان إذا أصاب شاة من الغنم ذبحت أو ذبحوها عمد إلى جلدها فيجعل منه جراباً وإلى شعرها فيجعل منه حبلاً وإلى لحمها فيقدده، ويستنفع بجلدها ويعمد إلى الحبل فينظر رجلاً معه فرس قد صدع به فيعطيه، ويعمد إلى اللحم فيأكله في الأيام؛ فإذا سئل عن ذلك يقول: لئن أستغني بالله في الأيام أحب إلي من هذه(1)، ثم أحتاج إلى ما في أيدي الناس. (5/258)
عن سعيد بن عامر عن جويرية، قال أحسبه عن نافع، قال: قطع برجل بالمدينة فقيل له: عليك بحكيم بن حزام، فقال(2): فأتاه وهو في المسجد فذكر له حاجته فقام معه فانطلق به إلى أهله فمر بكناسة فيها قطعة كساء، أو قال خرقة، فأخذها فنفضها ثم تعلقها بيده فقال الرجل في نفسه: ما أرى عند هذا خيراً! فلما دخل داره إذا غلمان له يعالجون أدوات الإبل فرمى بها إليهم وقال: انتفعوا بهذه فيما تعالجون، ثم أمر له براحلة معقبة محقبة، أحسبه قال: وزاد. (5/259)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا زكريا العنبري يقول: من كانت همته دون ماله كانت رجله ثابتة في ركابه ومن كانت همته فوق ماله زالت رجله عن ركابه. (5/259)
عن الأعمش عن إبراهيم قال: كان لا يعجبهم كثرة الأثاث في بيوتهم، وكان يعجبهم ما وسعوا به على عيالهم. (5/259)
عن خليد بن دعلج قال: سمعت الحسن يقول: أخذ المؤمن عن الله أدباً حسناً، إذا وسع عليه وسع، وإذا قتر عليه قتر. (5/260)
عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. (5/260)
__________
(1) يعني ذلك خير من أن يأكلها في يوم واحد ثم يحتاج بعدها.
(2) لعلها (فقام).(1/398)
عن معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر رضي الله عنه: يا أسلم لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً؛ قال: قلت: وكيف ذاك؟ قال: إذا أحببت فلا تكلف كما يكلف الصبي بالشيء يحبه، وإذا أبغضت فلا تبغض بغضاً تحب أن يتلف صاحبك أو يهلك(1). (5/261)
عن معمر عمن سمع الحسن قال: كان يقال(2): أحبوا هوناً وأبغضوا هوناً، فقد أفرط أقوام في حب أقوام فهلكوا، وأفرط أقوام في بغض أقوام فهلكوا، فلا تفرط في حبك، ولا تفرط في بغضك. (5/261)
عن محمد بن يحيى الصولي قال: سمعت أبا العباس يقول: يقال إذا سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بالشاهد، ولا تزهدن في معروف فإن الدهر ذو صروف، وإذا أحببت فلا تفرط في حبك، وإذا أبغضت فلا تشطط. (5/261)
عن حماد عن ثابت عن مطرف قال: خير الأمور أوساطها(3). (5/261)
عن القاسم قال: قال عبد الله بن مسعود: لا تعجلوا بحمد الناس ولا بذمهم فلعل ما يسركم منه اليوم يسوءكم غداً، وما يسركم اليوم يسوءكم غداً فإن الناس يغيرون(4)، فإنما يغفر الله الذنوب، والله أرحم بعبده يوم يلقاه من أم واحد فرشت لولدها بأرض فيء ثم لمست فإن كانت لدغة(5) كانت بها قبله وإن كانت شوكة كانت بها قبله(6). (5/261)
عن شعبة عن أبي إسحاق: قال(7) علي بن أبي طالب يتمثل بشيء من الشعر:
فكن معدنا للحلم واصفح عن الأذى
فإنك رائي ما عملت(8) وسامع
فأحبب إذا أحببت حباً مقارباً
فإنك لا تدري متى أنت نازع(9)
وأبغض إذا أبغضت بغضاً مباعداً
فإنك لا تدري متى الود راجع
(5/261)
الثالث والأربعون من شعب الإيمان
وهو باب في الحث على ترك الغل والحسد
__________
(1) كل من (يتلف) و (يهلك) كان في الأصل بالتاء.
(2) كانت (يقول).
(3) تقدم في فصول الصوم.
(4) كانت (يحبرون)، وأصلحتها من مصنف ابن أبي شيبة (7/104).
(5) في الأصل (لذعة).
(6) روى شطره الأخير ابن أبي الدنيا في (حسن الظن بالله) ص32.
(7) لعلها (قال: كان).
(8) كانت (علمت).
(9) كانت (فارع).(1/399)
عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: ثلاث من لم تكن فيه فإن الله عز وجل يغفر بعد ذلك لمن يشاء: من مات لا يشرك بالله شيئاً، ومن لم يكن ساحراً يتبع السحر، ومن لم يحقد على أخيه. (5/268)
عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد في قول الله عز وجل (ادفع التي هي أحسن) قال: هو السلام، يسلم عليه إذا لقيه. (5/270)
عن مخلد بن الحسين أنه سمع موسى بن سعيد قال: لما قرب الله موسى نجياً رأى عبداً تحت العرش فقال: يا رب من هذا العبد لعلي أعمل مثل عمله؟ فقال(1): يا موسى هذا عبد كان براً بوالديه(2)، وكان لا يحسد الناس وكان لا يمشي بالنميمة(3). (5/271)
عن محمد بن يزيد المبرد حدثني جرير [و]خرج من عند عبيد الله بن عبد الله بن طاهر عن عبد الله أنه قال:
إلى كم يكون الشر في كل ساعة
وكم لا تملين القطيعة والهجرا
رويدك إن الدهر فيه كفاية
لتفريق ذات البين فانتظري الدهرا
__________
(1) كانت (فقيل).
(2) كانت (لوالديه).
(3) قال البيهقي: وروينا هذا بإسناد آخر عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون أنه حكى ذلك عن موسى عليه السلام. قلت: أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/149) قال: حدثنا فاروق الخطابي حدثنا عباس بن الفضل الاسقاطي حدثنا احمد بن يونس حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: لما تعجل موسى عليه السلام إلى ربه رأى رجلا في ظل العرش فغبطه بمكانه وقال إن هذا لكريم على ربه عز وجل فسأل ربه أن يخبره باسمه فأخبره قال لكن سأنبئك من عمله كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ولا يمشي بالنميمة ولا يعق والديه. رواه الأعمش عن أبي إسحاق نحوه ". انتهى
ورواه أيضاً وكيع في الزهد (445) - وعنه هناد في الزهد (1226) وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (257) - وأخرجه ابن أبي الدنيا أيضاً في الحسد وفي الصمت (265) وابن حبان في روضة العقلاء (ص77و133) والخرائطي في مساوئ الأخلاق والاصبهاني في الترغيب وتوسع ابن عساكر في رواية طرقه في تأريخه (61/130-136) .(1/400)
(5/272)
عن الحسن قال: (من شر حاسد إذا حسد) قال: هو أول ذنب كان في السماء(1). (5/273)
عن أبي بكر بن أبي الدنيا يذكر عن شيخ له عن آخر قال: قال الخليل بن أحمد: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد: نفس دائم وعقل هائم وحزن لائم. (5/273)
عن محمد بن يوسف الجوهري قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: العداوة في القرابة، والحسد في الجيران، والمنفعة في الإخوان. (5/273 و278)
عن أبي يعلى الساجي أخبرنا الأصمعي قال: بلغني أن الله عز وجل يقول: الحاسد عدو نعمتي، متسخط لقضائي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي، قال الأصمعي: وقال الشاعر:
كل العداوة قد ترجى إماتتها
إلا عداوة من عاداك بالحسد (5/274)
أنشدنا أبو القاسم بن حبيب لغيره:
أعطيت لكل امرئ من نفسي(2)الرضا
إلا الحسود فإنه أعياني
يطوي على حنق حشاه إذا رأى
عندي جمال غنى وفضل بيان
وأبى فما ترضيه إلا ذلتي
وهلاك أعضائي وقطع لساني
(5/274)
عن عبد الله بن أحمد الصيدلاني أنشدنا أبو العباس بن محمد بن يزيد بن المبرد:
عين الحسود عليك الدهر حارسة
تبدي المساوئ والإحسان تخفيه
يلقاك بالبشر يبديه(3) مكاشرة
والقلب منكتم فيه الذي فيه
إن الحسود بلا جرم عداوته
وليس يقبل عذراً في تجنيه
(5/274)
عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن واقد الكوفي أنشدني علي بن محمد العلوي الجمال الشافعي رحمه الله:
وذي حسد يغتابني حيث لا يرى
مكاني ويثني صالحاً حيث أسمع
تورعت أن أغتابه من ورائه
وها هو ذا يغتابني متورع(4)
(5/274)
أخبرنا أبو عبدالله الحافظ أنشدني أبو بكر بن كامل القاضي أنشدني ابن الأزرق النحوي:
نكمي الحسود إلى ملجأ به(5)
جهلاً فقلت له مقالة حازم
الله يعلم حيث يجعل فضله
مني ومنك ومن جميع العالم
(5/274)
__________
(1) انظر كلام الأحنف المتقدم برقم 1777 و1778.
(2) كانت (نفس).
(3) كانت (بالشر تبديه).
(4) لعلها (متولع) أي مولع باغتيابه.
(5) هذا الصدر محرف، فليحرر.(1/401)
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد النوقاني بها أخبرنا أبو حاتم محمد بن حبان أنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش:
ليس للحاسد إلا ما حسد
فله البغضاء من كل أحد
وأرى الوحدة خير[اً] للفتى
من جليس السوء فانهض إن قعد
(5/275)
أخبرنا أبو بكر النوقاني أخبرنا أبو حاتم محمد بن حبان أنشدني محمد بن نصر المديني لداود بن علي بن خلف:
إني نشأت وحسادي ذوو عدد
يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن يحسدوني على ما كان من حسن
فمثل خلقي فيهم جر لي حسدا(1)
(5/275)
عن الحارث بن أبي أسامة وأبي يزيد أحمد بن روح البزار أن عبيد الله بن محمد بن حفص العميس أنشدهمـ[ـا] في ابنه:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
فالناس أضداد له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها(2)
حسداً وبغياً إنها لدميم
وترى اللبيب مشتماً لم يخترم(3)
عرض الرجال وعرضه مشتوم(4)
(5/275)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدنا أبي أنشدنا القناد:
اصبر على حسد الحسود
ولو رمى بك في اللجج
فلعل طرفك لا يعود
إليك إلا بالفرج
(5/275)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ سمعت أبا عبد الله بن محمد بن يعقوب الحافظ سمعت أبا أحمد محمد بن عبد الوهاب العبدي يقول: كانوا كلهم يحسدونني فقلت ليلة:
ولكني بفضل الله أدرك قسمة
وأُسرج أعدائي قديماً وألجم (5/275)
__________
(1) كان هذا العجز بهذه الصورة (خلفي فيهم حرا وحسدا)، وصوابه ما أوردته بدله، قال ابن حبان في روضة العقلاء (ص134-135): وقد كان داود بن علي رحمة الله عليه ينشد كثيراً، فذكر البيتين كالذي أثبتُّه.
(2) كانت (لزوجها)!
(3) كانت (لم يحترم)، وتحتمل على بعد أنها (كم يحترم).
(4) قال ابن حبان في روضة العقلاء (ص134): وأنشدني علي بن محمد البسامي:
حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه----فالقوم أنداد له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها------حسداً وبغياً إنه لدميم
وترى اللبيب محسداً لم يجتلب--شتم الرجال وعرضه مشتوم(1/402)
أنشدنا أبو القاسم الحسن بن حبيب المفسر قال: أنشدنا منصور الفقيه:
ألا قل لمن كان لي حاسداً
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله
إذ(1) أنت لم ترض لي ما وهب
منه الزيادات لي وأن
لا تنال الذي يطلب(2)
وأنشدنا:
إن تحسدوني فإني لا ألومكم
قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولكم(3)ما بي وما بكم
ومات أكثرنا غيظاً بما يجد
(5/276)
عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي قال: سمعت ذا النون وهو داخل إلى الحبس يقول: الحسد داء لا يبرأ وحسب الحسود من الشر ما يلقى. (5/276)
عن محمد بن أبي سليمان التاجر عن ذي النون بن إبراهيم قال: من جهل قصد الخطاب عجز عن نفس الجواب؛ الحسد جرح ما يبرأ إذ بحسب الحسود ما يلقى؛ لا فخر(4) كالدين(5) ولا مغن كاللين؟؟؛ جرح وده من منع رفده؛ الصبر(6)على ما [لا] يُقْدر دفعه(7) أعود شيء مُلِك نفعه؛ أفضل العدة معرفة الحجة؛ معاشرة أهل التقى أفضل متاع الدنيا؛ للتكلف عقباه غسل ألواني معداه كسل(8)؛ ذر ما أعقب الندامة وإن كان عاجله سلامة؛ من جهل قدره هتك ستره؛ السخاء زيادة ونماء(9)؛ التسلط على الضعيف لؤم والتوثب على القوي شؤم؛ رب(10) عزيز مهان ورب فقير مصان؛ لا(11) يجازى جهول بجهله ويُرجا سفيه لمثله؛ عظم معرفتك بذل قوتك. (5/276)
__________
(1) كانت (إذا).
(2) كذا ولعل الصواب (تطّلِب)، أو (وأن لا ينال الذي طلب) فيكون فيه إلتفات من مخاطبة الحاسد إلى غَيبته، و (ان) هنا تحتمل الكسر والفتح؛ أو يكون الصواب نحو (وأنت لا تنال إلا التعب) أو غير ذلك مما يوافق الوزن.
(3) كانت (ولكن).
(4) كانت (لا فجر).
(5) كانت (بالدين).
(6) كانت (العنبر).
(7) كانت (رفعه).
(8) لعل العبارة هكذا (التكلف عقباه عسل، والتواني معناه كسل).
(9) كانت (وإنما).
(10) كانت (ورب).
(11) كانت (ولا).(1/403)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الاغتباط وهو ضد الحسد: إغتباط أهل الخير والمنافسة في مثل أعمالهم؛ ونفي(1) الحسد لأهل الدنيا والكثرة والمجانبة لمثل جمعهم؛ والفرح(2) بحسن أمر جميع المسلمين في دينهم ودنياهم. (5/276)
عن معمر عن قتادة قال: ما كثرت النعم على قوم قط إلا كثر أعداؤهم. (5/277)
عن سفيان الثوري قال: قال محارب بن دثار: إني لأدع لبس الثوب الجديد مخافة أن يظهر في جيراني حسد لم يكن(3)
__________
(1) كانت (وبقي).
(2) كانت (والفرج).
(3) روى المصنف في (الزهد الكبير) برقم 845 عن يونس بن عبيد أنه قال: عجبت من كلمات ثلاث: عجبت من كلمة مورق العجلي: ما قلت في الغضب شيئاً فندمت عليه في الرضا، وعجبت من كلمة محمد بن سيرين: ما حسدت أحداً على شيء من الدنيا، إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير إلى الجنة؟! وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو صائر إلى النار؟! وعجبت من كلمة حسان بن أبي سنان: ما شيء أهون عندي من الورع، إذا رابني شيء تركته. وانظر الحلية 3/23 وروضة العقلاء ص134.
وروى أبو نعيم في الحلية (2/228-229) عن بكر بن عبد الله المزني قال: كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له حاجب يقربه ويدنيه وكان هذا الحاجب يقول: أيها الملك أحسن إلى المحسن ودع المسيء تكفك إساءته؛ قال: فحسده رجل على قربه من الملك فسعى به فقال: أيها الملك إن هذا الحاجب هو ذا يخبر الناس أنك أبخر! قال: وكيف لي بأن أعلم ذلك؟ قال: إذا دخل عليك تدنيه لتكلمه فإنه يقبض على أنفه، قال: فذهب الساعي فدعا الحاجب إلى دعوته واتخذ مرقة وأكثر فيها الثوم فلما أن كان من الغد دخل الحاجب فأدناه الملك ليكلمه بشيء فقبض على فيه فقال الملك: تنحَّ فدعا بالدواة وكتب له كتاباً وختمه وقال: إذهب بهذا إلى فلان وكانت جائزته مئة ألف، فلما أن خرج استقبله الساعي فقال: أي شيء هذا؟ قال: قد دفعه إلي الملك فاستوهبه فوهبه له فأخذ الكتاب ومر به إلى فلان فلما أن فتحوا الكتاب دعوا بالذباحين فقال: اتقوا الله يا قوم فإن هذا غلط وقع علي وعاوِدوا الملك! فقالوا: لا يتهيأ لنا معاودة الملك، وكان في الكتاب: إذا أتاكم حامل كتابي هذا فاذبحوه واسلخوه واحشوه التبن ووجهوه إلي، فذبحوه وسلخوا جلده ووجهوا به إليه، فلما ان رأى الملك ذلك تعجب فقال للحاجب: تعال وحدثني واصدقني، لمّا أدنيتك لماذا قبضت على أنفك؟ قال: أيها الملك إن هذا دعاني إلى دعوته واتخذ مرقة وأكثر فيها الثوم فأطعمني فلما أن أدناني الملك قلت: يتأذى الملك بريح الثوم، فقال: ارجع إلى مكانك وقل ما كنت تقوله، ووصله بمال عظيم؛ أو كما ذكره.
وروى أبو نعيم في الحلية (5/173) عن رجاء بن حيوَةَ قال: ما أكثَرَ عبدٌ ذكرَ الموتِ إلا تركَ الحسدَ والفرحَ.
وروى أبو نعيم (4/136-137) عن الأصمعي قال: قال رجل لشريح: لقد بلغ الله بك يا أبا أمية! قال: إنك لتذكر النعمة في غيرك وتنساها فيك! قال: إني والله لأحسدك على ما أرى بك! قال: ما ينفعك الله بهذا، ولا ضرني.(1/404)
. (5/277)
الرابع والأربعون من شعب الإيمان
وهو باب في تحريم أعراض الناس وما يلزم من ترك الوقوع فيها
فصل فيما ورد من الأخبار في التشديد
على من اقترض من عرض أخيه المسلم شيئاً بسب أو غيره
عن ربيعة بن يزيد عن رجاء بن حيوة أنه سمع قاصاً في مسجد منى يقول: ثلاث خلال هن على من عمل بهن: البغي، والمكر، والنكث، قال الله عز وجل: (إنما بغيكم على أنفسكم)، (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)، (ومن نكث فإنما ينكث على نفسه)(1). (5/286)
عن ابن سيرين أنه سمع رجلاً يسب الحجاج فقال: مه أيها الرجل! إنك لو وافيت الآخرة كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج؛ واعلم أن الله عز وجل حكم عدل إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه شيئاً فشيئاً، أخذ للحجاج ممن ظلمه؛ فلا تشغلن نفسك بسب أحد. (5/287)
عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: (قولوا للناس حسناً) قال: يعني الناس كلهم. (5/287)
__________
(1) كان كثير من القصاص في العصور الأولى أهل علم وصدق ودعوة صالحة، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 4/275: "وروى الوليد بن مسلم عن ابن جابر أن عبد الملك عزل أبا إدريس عن القصص وأقره على القضاء فقال أبو إدريس: عزلتموني عن رغبتي وتركتموني في رهبتي؛ قلت: قد كان القاص في الزمن الأول يكون له صورة عظيمة في العلم والعمل". انتهى؛ ونقل ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/351) عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنت أذكر صالحاً المري لسفيان فيقول: القصص القصص، كأنه يكرهه؛ فكان إذا كانت له حاجة بكر فيها فبكر يوماً وبكرت معه فجعلت طريقنا على مسجد صالح المري فقلت: يا أبا عبد الله ندخل فنصلي فى هذا المسجد؟ فدخل فصلينا وكان يوم مجلس صالح فلما صلوا ازدحم الناس فبقينا لا نقدر أن نقوم، وتكلم صالح فرأيت سفيان يبكى بكاء شديداً فلما فرغ وقام: قلت له: يا أبا عبد الله كيف رأيت هذا الرجل؟ فقال: ليس هذا بقاص، هذا نذير قوم.(1/405)
عن إبراهيم بن أدهم عن عمران القصير قال: كان يقال: إن خير خصلة أو أفضل خصلة تكون في الإنسان أن يكون أشد الناس خوفاً على نفسه وأرجاه لكل مسلم. (5/288)
عن معتمر بن سليمان عن ابن عون قال: كان محمد يعني ابن سيرين من أرجى الناس لهذه الأمة وأشدهم إزراء على نفسه. (5/288)
عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عمران عن جندب قال: وطئ رجل على عنق رجل وهو يصلي فقال الرجل: والله لا يغفر الله لك هذا أبداً، فقال الله عز وجل: من هذا الذي(1) يتألى علي أن لا أغفر له؟! فقد غفرت له وأحبطت عملك. (5/289)
عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال: إذا رأيتم أخاكم قارفاً ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه تقولون: اللهم أخزه اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كنا لا نقول في أحد شيئاً حتى نعلم على ما يموت(2)؛ فإن ختم له بخير علمنا أنه قد أصاب خيراً، وإن ختم له بشر خفنا عليه عمله. (5/291)
عن الحسن قال: رحم الله عبداً لم يحاسب الناس دون ربهم(3) ولم يحمل على نفسه ما لم يحمله الله عليه(4) . (5/291)
عن عبيد الله بن شميط عن أبيه قال: كتب سعيد بن جبير إلى أبي السوار(5) العدوي: أما بعد يا أخي فاحذر الناس واكفهم نفسك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك؛ وإذا رأيت عاثراً فاحمد الله الذي عافاك ولا تأمن الشيطان أن يفتنك ما بقيت. (5/293)
__________
(1) كانت (التي).
(2) كانت (نضوب) وهو تحريف، وقد وقع في (الحلية) 4/205: (على مَ يموت) وهو الصحيح.
(3) فإن الله تعالى هو الذي يحاسبهم.
(4) كانت (لهم).
(5) في الأصل (السواد) وهي مصحفة.(1/406)
عن عطاء قال: لما رفع إبراهيم عليه السلام في ملكوت السموات رأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك، فقيل: على رسلك يا إبراهيم إنك عبد يستجاب لك وإني من عبدي على ثلاث: إما أن يتوب إلي فأتوب عليه، وإما أن أخرج منه ذرية طيبة تعبدني، وإما أن يتمادى فيما هو فيه فإن جهنم من ورائه. (5/293)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: إنما الغضب علي أهل المعاصي لجراءتهم عليها، فإذا تذكرت ما يصيرون إليه من عقوبة الآخرة دخلت القلوب الرحمة لهم(1). (5/294)
عن أحمد بن جعفر السامري حدثنا إبراهيم بن الأطروش قال: كان معروف الكرخي على الدجلة ونحن معه إذ مر بها أقوام أحداث في زورق يغنون ويضربون بالدف فقلنا له: يا أبا محفوظ أما ترى هؤلاء في هذا البحر يعصون الله عز وجل؟! ادع الله عليهم، قال: فرفع يده إلىالسماء فقال: إلهي وسيدي اللهم إني أسألك أن تفرحهم في الآخرة كما فرحتهم في الدنيا! فقال له أصحابه: إنا سألناك أن تدعو عليهم ولم نسألك أن تدعو لهم! قال: إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم شيء. (5/294)
__________
(1) هذا إن وقع فإنما يكون في حق عصاة المسلمين، مع أنه لا ينبغي أن تأخذ المسلم بالمحدود رأفة في دين الله؛ وأما الكفار فليس لمسلم أن يستقر في قلبه شيء من الرحمة لهم، فقد وصف الله تعالى جده نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقوله: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)؛ والله أرحم بالناس من الناس ببعضهم؛ والله أعلم.(1/407)
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المسروق في تهمة من هو بريء حتى يكون أعظم جرماً من السارق؛ [قال البيهقي]: وروينا[ه] عن ابن مسعود من قوله غير مرفوع(1). (5/297)
عن حارثة بن مضرب قال: سمعت سلمان يقول: إني لأعد العراق(2) على خادمي خشية الظن؛ أو نحواً من ذلك(3). (5/297)
عن هشام بن حسان عن خالد الربعي قال: كنت في مجلس لنا فذكروا رجلاً فنالوا منه فنهيتهم فكفوا، قال: ثم عادوا في ذكره فكأني يعني وافقتهم، قال: فقمنا من ذلك المجلس فنمت فأتاني في المنام أسود جسيم على كفه طبق من خلاب فيه بضعة من لحم خنزير خضراء، فقال: كل، فأبيت عليه فقال: كل، فأبيت عليه فأحسب أنه انتهرني وأكرهني عليه؛ قال: فجعلت ألوكها وأنا أعلم أنه لحم خنزير فانتهت فما زلت أجد ريحها في فيَّ نحواً من شهرين. (5/297)
__________
(1) أردت ذكر الموقوف لا المرفوع، فذا لم أتعرض للحكم عليه.
(2) قال ابن الأثير في النهاية 3/220: "العَرْق بالسكون العَظْم إذا أُخذ عنه مُعْظَم اللَّحم وجمعُه عُراق، وهو جمعٌ نادر، يقال: عَرَقْتُ العظْمَ واعترَقْتُه وتعرّفْتُه إذا أخَذْتَ عنه اللحم بأسْنانك؛ ومنه الحديث: ‘‘لو وَجَد أحدُهُم عَرْقاً سَميناً أو مَرْماتين’’".
(3) قال البخاري في الأدب المفرد 1/70:
"باب من ختم على خادمه مخافة سوء الظن:
حدثنا بشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا أبو خلدة عن أبى العالية قال: كنا نؤمر أن نختم على الخادم ونكيل ونعدها كراهية أن يتعودوا خلق سوء أو يظن أحدنا ظن سوء.
باب من عد على خادمه مخافة الظن:
حدثنا أبو نعيم قال حدثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن حارثة بن مضرب عن سلمان قال: إني لأعد العراق على خادمي مخافة الظن.
حدثنا حجاج قال حدثنا شعبة قال أنبأنا أبو إسحاق قال سمعت حارثة بن مضرب قال: سمعت سلمان: إني لأعد العراق خشية الظن". انتهى البابان.(1/408)
عن أبي صالح عن عائشة قالت: لا يتوضأ أحدكم من الكلمة الخبيثة يقولها لأخيه ويتوضأ من الطعام الحلال!!. (5/302)
عن مجاهد عن ابن عباس وعائشة أنهما قالا: الحدث حدثان: حدث من فيك، وحدث من نومك؛ وحدث الفم أشد، الكذب والغيبة(1). (5/302)
عن أيوب [عن] ابن سيرين أن شيخاً من الأنصار كان يمر بمجلس لهم فيقول: أعيدوا الوضوء فإن بعض ما تقولون شر من الحدث. (5/302)
عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: قلت لعبيدة: مم يعاد الوضوء؟ قال: من الحدث وأذى المسلم؛ قال: وكان شيخ يمر بمجلس لهم فيقول: توضؤوا فإن بعض ما تقولون شر من الحدث. (5/302)
عن الربيع بن صبيح أن رجلين كانا قاعدين على باب من أبواب المسجد الحرام فمر بهما رجل قد كان مخنثاً فترك(2) ذلك فقالا: قد بقي فيه منه شيء؛ قال: وأقيمت الصلاة فدخلا فصليا فجال في أنفسهما ما قالا فسألا عطاء فأمرهما أن يعيدا الوضوء وأن يعيدا الصلاة وكانا صائمين فأمرهما أن يقضيا صيام ذلك اليوم. (5/302)
عن منصور عن إبراهيم قال: الوضوء من الحدث وأذى المسلم. (5/302)
عن عبد الرحمن بن عمر رستة قال: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: لولا أني أكره أن يعصى الله لتمنيت أن لا يبقى في هذا المصر أحد إلا وقع [فيّ] واغتابني، وأي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها ولم يعلم بها(3). (5/305)
عن الأوزاعي قال: بلغني أنه يقال للعبد يوم القيامة: قم فخذ حقك من فلان، فيقول: ما لي قِبله حق! فيقال: بلى، ذكرك يوم كذا وكذا بكذا وكذا. (5/305)
__________
(1) قوله (الكذب والغيبة) تفسير لحدث الفم.
(2) كانت (فنزل).
(3) ومن الآثار الواردة في مثل هذا المعنى ما روي من أن رجلاً قال لفضيل: إن فلاناً يغتابني، قال: قد جلب الخير جلباً؛ أورده أبو نعيم في الحلية 8/108.(1/409)
عن إسحاق بن إسماعيل قال: سمعت سفيان يقول: الغيبة أشد عند الله عز وجل من الزنا وشرب الخمر لأن الزنا وشرب الخمر ذنب فيما بينك وبين الله عز وجل، فإذا تبت عنه تاب الله عليك؛ والغيبة لا يغفر لك حتى يغفر لك صاحبك(1). (5/305)
عن داود بن أبي هند قال: سمعت الشعبي عن أبي جبيرة [ابن الضحاك] قال: كان الرجل منا يكون له الاسمان والثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكون يكره ذلك فنزلت (ولا تنابزوا بالألقاب). (5/308)
عن حصين قال: سألت عكرمة عن قوله (ولا تنابزوا بالألقاب) هو قول الرجل للرجل: يا كافر، يا منافق(2). (5/308)
عن عوف عن أبي العالية في قول الله عز وجل (ولا تنابزوا بالألقاب) فقال: لا تقل لمسلم: يا فاسق، وتلا هذه الآية (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان). (5/308)
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل (ولا تلمزوا أنفسكم) قال: لا يطعن بعضكم على بعض. (5/309)
عن ابن جريج قال: اللمزة بالعين والشدق واليد، والهمزة باللسان. (5/309)
عن الليث أنه قال: الهمزة الذي يعيبك في وجهك، واللمزة الذي يعيبك بالغيب؛ وقال غيره: هما شيء واحد وأصلهما من(3) الوقع. (5/309)
__________
(1) ولكن من تاب توبة نصوحاً فالله تعالى جده يوفي عنه إن شاء الله.
(2) وفي رواية (فاسق) بدل (منافق).
(3) كانت (عن).(1/410)
عن أبي يحيى عن مجاهد في قوله تعالى (ويل لكل همزة لمزة) قال: [الـ]ـهمزة الطعان، اللمزة الذي يأكل لحوم الناس، وقال مرة: الطناز(1)
__________
(1) كذا ولعل صوابه (الطعان) أو (الغماز)!؛ قال الطبري في تفسيره لهذه الآية من سورة الهمزة: حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (ويل لكل همزة لمزة) قال: الهمزة يأكل لحوم الناس واللمزة الطعان؛ وقد روي عن مجاهد خلاف هذا القول وهو ما حدثنا به أبو كريب قال حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (ويل لكل همزة) قال: الهمزة الطعان واللمزة الذي يأكل لحوم الناس؛ حدثنا مسروق بن أبان الحطاب قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله؛ وروي عنه أيضا خلاف هذين القولين وهو ما حدثنا به ابن بشار قال حدثنا يحيى قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (ويل لكل همزة لمزة) قال: أحدهما الذي يأكل لحوم الناس والآخر الطعان؛ وهذا يدل على أن الذي حدث بهذا الحديث قد كان أشكل عليه تأويل الكلمتين فلذلك اختلف نقل الرواة عنه ما رووا على ما ذكرت؛ حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة (ويل لكل همزة لمزة) أما الهمزة فآكل لحوم الناس، وأما اللمزة فالطعان عليهم؛ حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: الهمزة آكل لحوم الناس واللمزة الطعان عليهم؛ حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن سفيان عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (ويل لكل همزة لمزة) قال: ويل لكل طعان مغتاب؛ حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال الهمزة يهمزه في وجهه واللمزة من خلفه؛ حدثنا ابن عبد الأعلى قال حدثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم؛ حدثني الحارث قال حدثنا الحسن قال حدثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الهمزة باليد واللمزة باللسان؛ وقال آخرون في ذلك ما حدثني به يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قول الله (ويل لكل همزة لمزة) قال: الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم بلسانه؟؟، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم.(1/411)
. (5/310)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (اجتنبوا كثيراً من الظن) يقول: نهى الله المؤمن أن يظن ظن سوء؛ وفي قوله (ولا تجسسوا) قال: نهى الله أن تتبع عورات المؤمن؛ [و]في قوله ([و]لا يغتب بعضكم بعضاً) قال: حرم الله أن يغتاب المؤمن بشيء كما حرم الميتة. (5/310)
عن أم عبد الله بنت خالد بن معدان عن أبيها أنها سمعته يقول: إن الذين يسخرون من الناس في الدنيا يقال لهم يوم القيامة: ادخلوا الجنة فإذا أتوا أبوابها ودنوا يقال لهم: نسخر بكم(1) كما كنتم تسخرون بالناس. (5/310)
عن مجاهد عن ابن عباس قال: ذكروا رجلاً فقال(2): إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك. (5/311)
عن أبي عبيدة الباجي قال: قال الحسن: ابن آدم كيف تكون مؤمناً ولا يأمنك جارك؟! ابن آدم كيف تكون مسلماً ولا يسلم الناس منك؟! ابن آدم لن تصيب حقيقة الإيمان في قلبك حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك حتى تبدأ بإصلاح ذلك العيب، فإذا فعلت ذلك لم تصلح عيباً إلا وجدت آخر، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة بدنك؛ وخير عباد الله من كان كذلك. (5/312)
عن ذي النون بن إبراهيم: من صحح استراح، ومن تقرب قرب، ومن تكلف ما لا يعنيه منع ما يعنيه، ومن نظر في عيوب(3) الناس عمي عن عيوب نفسه. (5/312)
عن المفضل بن يونس قال: ذكر عند الربيع بن خثيم رجل فقال: ما أنا عن نفسي براض فأفرغ من ذمها إلى ذم الناس. (5/312)
عن أبي جعفر محمد بن نصير قال: سمعت الجنيد يقول شيء مروي عن أبي سليمان الداراني أنا استحسنتـ[ـه] كثيراً: قوله "من اشتغل بنفسه شغل عن الناس، ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن الناس". (5/312)
__________
(1) كانت (يسخر).
(2) ابن عباس.
(3) تصحفت إلى (عيون).(1/412)
عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي قال: سمعت الأصمعي يقول: العجب كل العجب ممن قيل فيه من الخير ما ليس فيه فرضي، وأعجب من ذلك من قيل فيه من الشر ما فيه فسخط؛ وأعجب من ذلك من يبغض(1) الناس على الظن، ويحب نفسه على اليقين(2). (5/312)
عن الزهري عن ابن المسيب قال: إن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم. (5/313)
عن معمر عن الحسن قال: إن المؤمن حليم لا يجهل، وإن جهل عليه حلم(3)؛ وإن ظلم غفر؛ وإن حرم صبر؛ قال: وقال الحسن: الغيبة أن تذكره بما فيه، فإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته. (5/313)
عن طوق بن وهب قال: دخلت على محمد بن سيرين وقد اشتكيت فقال: كأني أراك شاكياً، قال: قلت: أجل، قال: اذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه، ثم قال: اذهب إلى فلان فإنه أطب منه؛ ثم قال: أستغفر الله أراني قد اغتبته(4). (5/314)
عن سفيان بن حسين قال: كنت عند إياس بن معاوية وعنده رجل تخوفت إن قمت من عنده أن يقع فيّ! قال: فجلست حتى قام فلما ذكرته لإياس قال: فجعل ينظر في وجهي فلا يقول لي شيئاً حتى فرغت فقال لي: أغزوت الديلم؟ قلت: لا، قال: فغزوت السند؟ قلت: لا، قال: فغزوت الهند؟ قلت: لا، قال: فغزوت الروم؟ قلت: لا، قال: فسلم منك الديلم والسند والهند والروم وليس يسلم منك أخوك هذا؟! فلم يعد سفيان إلى ذلك. (5/314)
عن أبي يعلى الثقفي قال: ذكر رجل في مجلس سالم بن قتيبة فتناوله بعض أهل المجلس فقال له سالم: يا هذا أوحشتنا من نفسك وآيستنا(5) من مودتك ودللتنا على عورتك. (5/314)
عن الأعمش قال: سمعت إبراهيم يقول: إني لأرى الشيء أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله. (5/315)
__________
(1) كانت (يفحش).
(2) أيي يبغض الناس مع أن عيوبهم عنده مظنونة لا متيقنة، ويحب نفسه مع تيقنه من نقصها وكثرة عصيانها.
(3) كانت (حليم).
(4) يعني الطبيب الأول بتفضيل الثاني عليه.
(5) كانت (وأنستنا).(1/413)
عن أبي سلمة حدثني يحيى بن جابر قال: ما عاب رجل قط بعيب إلا ابتلاه الله بمثل ذلك العيب. (5/315)
عن جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: كفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً وهو يقع في الصالحين. (5/316)
عن أبي نعيم قال: سمعت الحسن بن صالح يقول: فتشت الورع فلم أر[ه] في شيء أقل [منه] في اللسان. (5/316)
عن فضيل بن عياض قال: الغيبة فاكهة القراء. (5/316)
عن الحسن بن عمرو قال: سمعت بشر بن الحارث الحافي يقول: هلك القراء في هاتين الخصلتين: الغيبة والعجب. (5/316)
عن بشر بن الحارث قال: قال الفضيل: سمعت سفيان يقول: لأن أرمي رجلاً بسهم أحب إلي من أن أرميه بلساني. (5/316)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: من سلم منه الخلق رضي عنه الرب. (5/316)
عن سهل بن عبد الله قال: من أراد أن يسلم من الغيبة فليسد على نفسه باب الظنون، فمن سلم من الظن سلم من التجسس، ومن سلم من التجسس سلم من الغيبة، ومن سلم من الغيبة سلم من الزور، ومن سلم من الزور سلم من البهتان. (5/316)
عن سهل بن عبد الله قال: من أخلاق الصديقين أن لا يحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين، ولا يغتابون، ولا يغتاب عنـ[ـد]هم ولا يشبعون بطونهم، وإذا وعدوا لم يخلفوا، ولا (يتكلمون إلا و)(1)الاستثناء في كلامهم، ولا يمزحون(2) أصلاً. (5/317)
عن أبي عثمان سعيد بن عبد الله السمرقندي قال: رؤي(3) أبو حفص في المنام فقيل له: أي عملك وجدت أفضل؟ قال: ترك الاشتغال بمساوىء الناس. (5/317)
عن سفيان بن عبد الملك عن عبد الله بن المبارك قال: إذا اغتاب رجل رجلاً فلا يخبره به ولكن يستغفر الله. (5/317)
عن ابن عون قال: قيل لمحمد بن سيرين: يا أبا بكر إن رجلاً اغتابك فتحله؟ قال: ما كنت لأحل شيئاً حرمه الله عز وجل. (5/318)
عن الصولي أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب:
لا تلم المرء على فعله
__________
(1) كانت (تكلموا إلا في) وجعلتها كالذي في الحلية 10/201.
(2) كانت (يمرحون).
(3) كانت (رأى).(1/414)
وأنت منسوب إلى مثله
من ذم شيئاً وأتى مثله
فإنما يزري على عقله
(5/319)
عن أبي موسى اسحاق بن موسى الخطمي قال: سمعت محمد بن جعفر بن محمد الصادق ينشد هذا البيت:
وجرح السيف يدمى ثم يعفو
وجرح الدهر ما جرح اللسان (5/319)
فصل فيمن أبعد نفسه عن مواضع التهم
عن زيد بن ثابت قال: إني لأكره أن أرى في مكان يساء بي الظن. (5/322)
عن أبي جعفر الرازي يذكر عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الحكمة: من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن لا يملك لسانه يندم. (5/322)
عن عيسى بن يونس قال: كان الأعمش يعود [مع] المغيرة إلى ابراهيم فلما انتهى إلى أزقة الكوفة صاح بهم الصبيان: يمشين بين اثنين؟؟، فكان بعد ذلك الأعمش إذا انتهى إلى الأزقة خلا عن(1) المغيرة، قال: فقال له الأعمش: يؤجر وتأثمون، قال: بل نسلم(2)ويسلمون. (5/323)
عن مالك قال: بلغني أن معاوية بن أبي سفيان قال للأحنف بن قيس: بم سدت قومك أنت ولست بأنقبهم(3) ولا أشرفهم؟! فقال: إني لا أتناول، أو قال لا أتكلف، ما كفيت، ولا أضيع ما وليت؛ ولو أن الناس كرهوا شرب الماء ما طعمته، قال: قد سمعته وليس هذه تشبه هاتين. (5/323)
الخامس والأربعون من شعب الإيمان
وهو باب في إخلاص العمل لله عز وجل وترك الرياء
عن شقيق قال: قال عمر رضي الله عنه: أوصيكم بالله إذا بالله خلوتم. (5/328)
عن ابن شهاب قال: يا معاشر العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية. (5/332)
عن محمود بن لبيد عن شداد بن أوس أنه قال: يا نعايا العرب يا نعايا العرب يا نعايا العرب، قال: ولا أعلم إلا قال بلى، ثم قال: إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية. (5/332)
__________
(1) إما أن يكون صوابها (عنه) أو تكون كلمة (الأعمش) الآتية خطأ وصوابها (المغيرة)، وهذا الثاني أقرب.
(2) كانت (يسلم).
(3) كانت (بأتمهم) وما أثبته فمن كتاب (شعب الايمان) نفسه 7/418.(1/415)
عن سفيان عن الزهري أراه عن محمود قال: لما حضرت شداد بن أوس الوفاة قال: أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية. (5/332)
عن عاصم الأحول عن أبي العالية قال: كنا نحدث منذ خمسين سنة أن الأعمال تعرض على الله عز وجل فما كان منها له قال: هذا لي وأنا أجزي به وما كان لغيره قال: اطلبوا ثواب هذا ممن علمتموه له؛ وكنا نحدث منذ خمسين سنة أن الرجل إذا حبس بمرض قال الله عز وجل: اكتبوا لعبدي مثل ما كان يعمل في صحته حتى أقبضه أو أخلي سبيله؛ وكنا نحدث منذ خمسين سنة أن من مرض مرضاً أشرف فيه على نفسه كان من ذنوبه كيوم ولدته أمه. (5/336)
عن عكرمة عن ابن عباس قال: من راءى بشيء في الدنيا من عمل وكله الله إليه يوم القيامة وقال: انظر هل يغني عنك شيئاً؟! (5/337)
عن ليث عن مجاهد في قول الله عز وجل (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) قال: هم المراؤون. (5/338)
عن سعيد بن منصور عن سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب في قوله (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال: العمل الصالح يرفع الكلام الطيب، (والذين يمكرون السيئات) قال: الذين يراؤون؛ قال سفيان: المكر العمل. (5/338)
عن شهر بن حوشب عن عمارة قال: يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال: ميزوا ما كان منها لله عز وجل، فيماز ويرمى سائره في النار. (5/338)
عن عمرو بن عنبسة قال: إذا كان يوم القيامة جيء بالدنيا فيميز منها ما كان لله، وما كان لغير الله رمي به في نار جهنم. (5/339)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) أنزلت في المشركين الذين عبدوا مع الله غيره وليست هذه في المؤمنين؛ [و]في قوله (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) هم المنافقون، كانوا يراؤون المؤمنين بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا، ويمنعونهم العارية بغضة لهم، وهي الماعون. (5/340-341)(1/416)
عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير (ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) قال: لا يرائي. (5/341)
عن أحمد بن يحيى ثعلب قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: نية المؤمن خير من عمله، لأن النية لا يدخلها الفساد والعمل يدخله الفساد(1). (5/343)
عن الفضيل بن عياض عن منصور عن مجاهد (وتبتل إليه تبتيلاً) قال: أخلص إليه إخلاصاً. (5/343)
عن أبي قلابة قال: قال عمر: ما قوام هذا الأمر يا معاذ؟ قال: الإسلام، وهي الفطرة والإخلاص، وهي الملة والطاعة، وهي العصمة، وسيكون بعدك اختلاف؛ ثم قال: فقام عمر مدبراً فقال: أما إن شأنك خير من شأنهم(2). (5/344)
عن الضحاك بن عبد الرحمن قال: سمعت بلال بن سعد يقول: عباد الرحمن إن العبد ليعمل الفريضة الواحدة من فرائض الله عز وجل وقد أضاع ما سواها فما زال يمنيه الشيطان فيها ويزين له حتى ما يرى شيئاً دون الجنة؛ فقبل أن تعملوا فانظروا ماذا تريدون بها، فإن كانت خالصة لله فأمضوها، وإن كانت لغير الله فلا تشقوا على أنفسكم فلا شيء لكم، فإن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً فإنه قال: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) . (5/344)
عن أبي الأشهب عن الحسن في قوله تعالى (لا يذكرون الله إلا قليلا) قال: إنما قل لأنه كان لغير الله عز وجل. (5/344)
__________
(1) قال البيهقي: وإنما أراد بالفساد الرياء.
(2) يريد الأمراء والناس ممن يأتي بعد عمر.(1/417)
عن أبي محمد الجريري قال: سمعت سهل بن عبد الله التستري قال: الدنيا كلها جهل موات إلا العلم منها، والعلم كله حجة على الخلق إلا العمل به، والعمل كله هباء إلا الإخلاص منه، والإخلاص خطب عظيم لا يعرفه إلا الله عز وجل حتى يصل الإخلاص بالموت(1). (5/345)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون المصري يقول: الناس كلهم موتى إلا العلماء، والعلماء كلهم نيام إلا العاملون، والعاملون كلهم مغترون(2) إلا المخلصين والمخلصون على خطر عظيم؛ قال الله عز وجل: (ليسأل الصادقين عن صدقهم) . (5/345)
عن فضيل بن عياض قال: إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، ولا يقبله إذا كان خالصاً له إلا على السنة. (5/345)
عن أبي جعفر الفريابي قال: سألت الجنيد ما الظرف؟ قال: استعمال كل خلق سني، واجتناب كل خلق دنيء، وأن يخلص العبد العمل لربه [و]لا يرى عمله. (5/345)
عن حاتم الأصم قال: سمعت شقيقاً يقول: إن الله عز وجل يسأل عبـ[ـيـ]ـده عن حفظ الأمر والنهي يوم القيامة وينجيهم بالإخلاص. (5/345)
عن حاتم [الأصم] قال: اطلب نفسك في أربعة أشياء: العمل الصالح بغير رياء، والأخذ بغير طمع، والعطاء بغير منة، والإمساك بغير بخل. (5/345)
__________
(1) هذا الأثر غير سالم من التصحيف ولكن معناه الإجمالي معروف، وقد روى الخطيب في (اقتضاء العلم العمل) ص29 عن سهل بن عبد الله قال: الدنيا جهل وموات إلا العلم، والعلم كله حجة إلا العمل به، والعمل كله هباء إلا الإخلاص، والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به.وروى أبو نعيم في (الحلية) 10/194: عن سهل قال: الدنيا كلها جهل إلا العلم فيها، والعلم كله وبال إلا العمل به، والعمل كله هباء منثور إلا الإخلاص فيه، والاخلاص فيه أنت منه على وجل حتى تعلم هل قبل أم لا قال.
(2) كانت (يغترون).(1/418)
عن منصور بن عبد الله قال: قال محمد بن علي الترمذي(1): ليس الفوز هناك بكثرة الأعمال، إنما الفوز هناك بإخلاص العمل وتحسينه؛ وقال: قال محمد بن علي: من شرائط الخدام التواضع والاستسلام. (5/345)
عن أبي بشر عيسى بن إبراهيم قال: قال سهل بن عبد الله: اطلبوا من السر النية بالإخلاص، ومن العلانية الفعل بالاقتداء، وغير ذلك مغاليط. (5/346)
عن الضحاك قال: سمعت بلال بن سعد يقول: عباد الرحمن إن العبد ليقول قول مؤمن فلا يدعه الله وقوله حتى ينظر في عمله؛ فإن(2) كان قوله قول مؤمن وعمله عمل مؤمن لم يدعه الله حتى ينظر في ورعه؛ فإن كان قوله قول مؤمن وعمله عمل مؤمن وورعه ورع مؤمن لم يدعه الله حتى ينظر ما نوى به؛ فإن صلحت النية فبالحري أن يصلح [ما] دونه؛ المؤمن يقول قولاً(3) يُتْبِعُ قولَه عملَه والمنافق يقول بما يُعْرَفُ ويعمل بما يُنْكَر (5/346)
عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي تمامة الصائدي قال: قال الحواريون لعيسى بن مريم عليه السلام: ما المخلص لله؟ قال: الذي يعمل العمل لله عز وجل ولا يحب أن يحمده الناس عليه. (5/346)
عن بشر قال: سمعت معتمراً يقول: قال عيسى بن مريم عليه السلام: العمل الصالح: الذي لا تحب أن يحمدك الناس عليه. (5/346)
عن الكتاني قال: سمعت أبا حمزة يقول وقد سئل عن الإخلاص فقال: الخالص من الأعمال ما لا يحب أن يحمده عليه إلا الله عز وجل. (5/346)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي سمعت ابن الفرخي؟؟ يقول: الإخلاص فيه ثلاثة أقاويل: أحدها صدق القلب في طلب الثواب، والثاني: إرادة إخراج العمل من كل شبهة، والثالث: لا يحب حمد المخلوقين ولا ذمهم. (5/347)
__________
(1) هو المعروف بالحكيم الترمذي، صاحب نوادر الأصول.
(2) كانت (وإن).
(3) كانت (ولا)، والاصلاحات الثلاثة المشار إليها في هذا الأثر موافقة لما في حلية الأولياء (5/230).(1/419)
عن الجريري قال: سمعت سهلاً يقول: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن يكون حركاته وسكوته في سره وعلانيته لله وحده لا شريك له، لا يمازجه شيء، [لا](1) نفس ولا هوى ولا دنيا. (5/347)
عن محمد بن عبد ربه قال: سمعت الفضيل يقول: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله عنهما. (5/347)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: الإخلاص نفي المعارضة في السر والعلانية حتى لا يداخله في الخلق رياء، ولا يزين عمله من أجلهم، ولا يداخله من نفس(2) عجب ولا استكبار. (5/347)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: كان أبو عثمان السمرقندي كثيراً يقول: قال لي أستاذي أبو عثمان: إنك تنسب إلى الرياء والسمعة؛ وكل شيء في كثرة صلاة فلا تبالِ(3) به، ولا تدع عادتك فيها(4). (5/347)
__________
(1) زيادة أخذتها من السنن الصغرى للمصنف 1/22.
(2) لعل الصواب (في نفسه).
(3) كانت (ينال).
(4) روى المصنف في الزهد الكبير ص105 عن أحمد بن عبد الله بن سيف قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يحكي عن الشافعي رحمه الله أن رجلين كانا يتعاتبان والشافعي يسمع كلامهما فقال لأحدهما: إنك لا تقدر ترضي الناس كلهم فأصلح ما بينك وبين الله عز وجل، فإذا أصلحت ما بينك وبين الله عز وجل فلا تبال بالناس.(1/420)
عن خيثمة عن الحارث بن قيس قال: إذا كنت في شيء من أمر الدنيا فتوحَّ(1)، وإذا كنت في شيء من أمر الآخرة فامكث ما استطعت، وإذا جاءك الشيطان وأنت تصلي فقال: إنك ترائي فزد وأطل. (5/347)
عن عوف قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: ما أراد رجل من الخير شيئاً إلا سار في قلبه سورتان(2) فإذا كانت الأولى [لله] فلا تهيدنك الآخرة؛ قال إبراهيم بن حبيب [بن الشهيد](3): فحدثت به أبي فقال: كان الحسن يقوله. (5/347)
عن عوف عن الحسن قال: ما من أحد عمل عملاً إلا سار في قلبه سورتان فإذا كانت الأولى منهما لله فلا تهيدنه الآخرة(4). (5/348)
__________
(1) في الأصل (فتوخ) وهو تصحيف وقد وقع في جملة من الكتب؛ ومعنى (توحَّ) أسرع، قال الزمخشري في (الفائق) 4/48: "فى الحديث "إذا أردتَ أمراً فتدبَّر عاقبته، فإن كانت شرّاً فانْتَهِ، وإن كانت خيراً فتوَحَّهْ"، وحى: أى تسرَّع إليه، من الوَحاَء وهو السرعة؛ يقال: الوَحاَءَ الوَحاَء، وسُمٌّ وَحِي: سريع القتل؛ واستوحيتُه: استعجلتُه، وتوحَّيْت تَوَحِّياً: تسرعت، والهاءُ ضمير الأمر أو للسكت". وجاء في (مختار الصحاح) ص297: "والوَحَا السُّرعة، يمد ويُقصر، ويقال: الوَحَا الوحا البِدار البِدار؛ والوَحِيٌّ على فَعِيل السريع، يقال: موتٌ وحِيٌّ".
(2) كانت (سوراته).
(3) وهو من رواة هذا الخبر.
(4) قال البيهقي: قال أبو عبيد: يقول لا يصرفنه عن ذلك ولا يزيله والذي أراد الحسن بقوله فلا تهيدنه الآخرة يقول: إذا صحت نيته في الأول ما يريد الأمر من البر فعرض له الشيطان فقال إنك تريد بهذه الرياء فلا يمنعنه من ذلك الأمر الذي قد تقدمت فيه نيته، وهذا شبيه بالحديث الآخر إذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال: إنك ترائي فزدها طولاً.(1/421)
عن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل قال: صدق الإخلاص نسيان رؤية الخلق لدوام النظر إلى الخالق؛ والإخلاص أن تريد بقلبك وبعملك وعلمك وقولك(1) رضا الله تعالى، خوفاً من سخط الله، كأنك تراه بحقيقة(2) علمك بأنه يراك حتى يذهب الرياء عن قلبك؛ ثم تذكر منة الله عليك إذ(3) وفقك لذلك العمل حتى يذهب العجب من قلبك؛ وتستعمل الرفق في عملك حتى تذهب العجلة من قلبك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جعل الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه؛ قال أبو عثمان: والعجلة اتباع الهوى، والرفق اتباع السنة؛ فإذا فرغت من عملك وجِلَ قلبك خوفاً من الله أن يرد عليك عملك فلا يقبله منك، قال الله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)؛ من جمع هذه الخصال الأربع(4) كان مخلصاً في عمله إن شاء الله. (5/348)
عن أبي محمد الجريري: قال سهل بن عبد الله التستري: لم يتخلص من هذه الثلاثة إلا صديق: العجب، والذكر(5)، والدعوى؛ ولم يتخلص منها إلا [من] عرف نعم الله عليه في مسالك الروح، وعرف تقصيره في أداء الشكر؛ فمن كان هكذا سلم. (5/348-349)
عن جعفر الخلدي قال: سمعت الخواص يقول: العجلة تمنع من إصابة الحق. (5/349)
عن إبراهيم الخواص قال: لو علم الناس كيفية ذل العارف في نفسه لرجموه بالحجارة ولو عرفوا كيفية عزته عند الله لعبدوه من دون الله(6). (5/349)
__________
(1) كانت (وفعلك)، ويحتمل أنها محفوظة وأن صواب (بقلبك) هو (بقولك)، ويحتمل أنهما جميعاً محفوظتان.
(2) للعلها (لحقيقة).
(3) كانت (إذا).
(4) كانت (الأربعة).
(5) يعني الشهرة.
(6) هذا الأثر وإن كان فيه نظر فإني أقول: إنه إن لم يكن حقاً ففيه شيء من حق، وإن لم يكن فيه شيء من حق ففيه تنبيه إلى شيء من الحق؛ وهذا شأن كثير من كلمات الصوفية، فيغلب أن ينتفع بها العالم ويتضرر بها غيره.(1/422)
عن أبي محمد الجريري قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: لا يعرف الرياء إلا مخلص، ولا يعرف النفاق إلا مؤمن، ولا يعرف الجهل إلا عالم، ولا يعرف المعصية إلا مطيع؛ قال: وسمعت سهل بن عبد الله يقول: اجتهد أهل العلم والمعرفة في ترك الإثم في سرهم وعلانيتهم فأدخل الله عليهم الضراء والنفع والنصب فأسلموا الأمر إلى الله تعالى فاستغنوا بالله عمن سواه. (5/349)
عن يونس بن عبيد قال: لا يزال العبد بخيرٍ ما علم الذي يفسد عليه عمله. (5/349)
عن أبي سعيد بن الأعرابي أخبرنا ابن أبي الدنيا أخبرنا علي بن أبي مريم قال: سئل بعض العلماء عن الزهد فقال: من أدنى الزهد أن يقعد أحدكم في منزله فإن كان قعوده لله رضا وإلا خرج، ويخرج فإن كان إخراجه لله رضا وإلا رجع، فإن كان رجوعه لله رضا وإلا حبسه؟؟، ويحبسه فإن كان حبسه لله رضا وإلا تكلم؛ فقيل: هذا صعب، فقال: هذا هو الطريق إلى الله وإلا فلا تعلنوا(1). (5/349)
عن ابن أبي الدنيا أخبرنا عبد الملك بن عقاب الليثي قال: رأيت عامر بن عبد قيس في المنام فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: ما أريد به وجه الله عز وجل. (5/349-350)
__________
(1) وقع هنا تصحيف كثير وتغيير مفسد للمعنى فدونك صواب هذا الخبر من أصله؛ قال ابن الأعرابي في (الزهد وصفة الزاهدين) ص29-30: حدثنا ابن أبي الدنيا قال: حدثنا علي بن أبي مريم قال: سئل بعض العلماء عن الزهد فقال: من أدنى الزهد أن يقعد أحدكم في منزله فإن كان قعوده لله رضي وإلا خرج، ويخرج فإن كان خروجه لله رضي وإلا رجع، فإن كان رجوعه لله وإلا ساح، ويخرج درهمه فإن كان إخراجه لله رضي وإلا حبسه، ويحبسه فإن كان حبسه لله رضي وإلا رمى به، ويتكلم فإن كان كلامه لله رضي وإلا سكت، فإن كان سكوته لله رضي وإلا تكلم، فقيل: هذا صعب! فقال: هذا الطريق إلى الله، فلا تتعبوا [أو تتعنوا].(1/423)
عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) قال: كان إذا قال قال لله، وإذا عمل عمل لله، وإذا نوى نوى لله. (5/350)
عن الربيع بن خثيم قال: كل ما لا يبتغى به وجه الله فهو مضمحل. (5/350)
عن أبي عمر الأنماطي قال: سمعت الجنيد يقول: لو أن عبداً أتى بافتقار آدم وزهد عيسى وجهد أيوب وطاعة يحيى واستقامة إدريس وود الخليل وخلق الحبيب عليهم السلام وكان في قلبه مثقال ذرة لغير الله فليس لله فيه حاجة(1). (5/350)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بشر عبد الله بن محمد الخياط يقول: اجتهد في اثنين كارهاً؟؟: الصدق في الأقوال والإخلاص في الأعمال. (5/350)
عن عبد الله أخبرنا سفيان عن ز[بـ]يد قال: يسرني أن يكون لي في كل شيء نية حتى في الأكل والنوم(2). (5/350)
عن أبي حذيفة أخبرنا سفيان في قوله (كل شيء هالك إلا وجهه) قال: ما أريد به وجهه(3). (5/350)
__________
(1) هذا القول على طرافة شطره الأول فإن في شطره الثاني إجمال، وعلى كل حال فكأنه يشير إلى ضرورة سلامة القلب، فقد قال ابراهيم عليه السلام فيما ذكره الله تعالى من دعائه في سورة الشعراء: (ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
(2) هذا الخبر ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة 3/99؛ وزبيد هو ابن الحارث الأيامي، تابعي فاضل عابد، قال فيه سعيد بن جبير: لو خيرت عبداً ألقى الله في مسلاخه اخترت زبيداً الأيامي؛ كذا في صفة الصفوة 3/100 والحلية 5/32؛ وقال قراد: سمعت شعبة يقول: ما رأيت بالكوفة شيخاً خيراً من زبيد الايامي؛ كذا في صفة الصفوة 3/106؛ وقال أبو أسامة حدثنا اسماعيل بن حماد قال: كنت إذا رأيت زبيداً مقبلاً من السوق وجف قلبي؛ كذا في الحلية 5/29.
(3) وقال في رواية: إلا ما ابتغي به وجهه من الأعمال الصالحة.(1/424)
عن يونس بن عبيد قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: لا يجد أحد حقيقة الإيمان حتى لا يحب أن يحمد على طاعة الله. (5/350)
عن محمد بن أبي تميلة قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: خيبة لك إن كنت ترى أنك تعرفه وأنت تعمل لغيره. (5/350)
عن حسين بن الربيع قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: ويل لمن ليس لله. (5/351)
عن سالم الأفطس عن مجاهد في قوله (إنما نطعمكم لوجه الله) قال: لم يقولوا حين أطعموهم: لوجه الله، ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى عليهم ليرغب فيه راغب(1). (5/351)
عن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل يقول: خير العمل أخفاه، وأمنعه من الشيطان، وأبعده من الرياء. (5/351)
عن محمد بن أبي عمر قال سفيان: قال أبو حازم: إني لأعظ وما أرى موضعاً، وما أريد إلا نفسي؛ وقال: اكتم حسناتك أشد مما تكتم سيئاتك. (5/351)
عن قتادة أخبرنا العلاء بن زياد أن رجلاً كان يرائي بعمله فجعل يشمر(2) ثيابه ويرفع صوته إذا قرأ، فجعل لا يأتي على أحد إلا سبه وعذله، قال: ثم أقبل فرزقه الله يقيناً بعد ذلك فخفض من صوته وجعل صلاته فيما بينه وبين الله وجعل لا يأتي على أحد إلا دعا له بخير. (5/351)
عن أبي أسامة عن زائدة عن هلال بن يساف(3) قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: إذا كان يوم يصوم أحدكم فليدهن لحيته ويمسح شفتيه وليخرج إلى الناس حتى كأنه ليس بصائم؛ وإذا(4) أعطى بيمينه فليخفه بشماله؛ وإذا صلى أحدكم فليدْلِ ستر بابه؛ قال أبو أسامة: يعني يرخيه؛ فإن(5) الله تعالى يقسم الثناء كما يقسم الرزق(6). (5/351)
__________
(1) لعل الأقرب أنهم قالوه في أنفسهم دون أن يسمعه غيرهم.
(2) كانت (يشم).
(3) كانت (يسار).
(4) كانت (فإذا).
(5) كانت (قال).
(6) أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما.(1/425)
عن عبد الرحمن بن عياش(1) القرشي أن أبا هريرة كان يعلمنا، قال: إذا صام أحدكم فليدهن حتى لا يرى أثر الصوم عليه، وإذا بصق فليوار بصاقه بيديه وليضعهما مقابل فيه حتى يقع البصاق إلى الأرض. (5/352)
عن سفيان بن سعيد قال: قال أبو حازم: أخفِ حسنتك كما تخفي سيئتك ولا تكونن معجباً بعملك فلا تدري أشقي أنت أم سعيد. (5/352)
عن جعفر قال: سمعت أبا التياح الضبعي يقول: أدركت أبي ومشيخة الحي إذا صام أحدهم ادهن ولبس صالح ثيابه، قال: ولقد كان الرجل منهم يتقرأ(2)عشرين سنة ما يعلم به جيرانه. (5/352)
عن شميط بن عجلان قال: قال رجل لعيسى بن مريم: يا معلم الخير علمني عملاً إذا أنا عملته كنت تقياً لله كما أمرني قال: افعل في(3)مؤونة يسيرة إن قبلت: تحب الله بقلبك كله، وتجهد له ببدنك كله، وإذا أحسنت من حسناتك فانسه فقد حفظ لك من لا ينساه؛ ولتكن ذنوبك نصب عينيك؛ وترحم على ولد جنسك يعني ولد آدم. (5/352)
عن حماد بن زيد عن أيوب ذكر هارون بن زياد قال: كان من الذين يسرون الزهد، فقال أيوب: لأن يسر الرجل زهده خير له من أن يظهره(4)
__________
(1) كانت (عباس) والتصحيح من الأدب المفرد للبخاري ص442.
(2) كانت (إذا سافر سفراً) وهو تصحيف سيء، فكأن كلمة (يتقرأ) تصحفت على بعض النساخ إلى (سفراً)، ثم زاد هو أوغيره كلمة (سافر) قبلها لظنه أن السياق يقتضيها، ففسد المعنى.
(3) لعلها (أفعلُ، هي).
(4) أخرج أبو نعيم في الحلية (5/145) وابن عساكر في تاريخ دمشق (33/15) عن خالد بن دريك قال: كانت في ابن محيريز خصلتان ما كانتا في أحد ممن أدركت من هذه الأمة: كان أبعد الناس أن يسكت عن حق بعد أن يتبين له حتى يتكلم فيه، غضب من غضب ورضي من رضي! وكان من أحرص الناس أن يكتم من نفسه أحسن ما عنده.
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق (33/15) عن ضمرة عن رجاء والسيباني قالا: لبس ابن محيريز ثوبين من نسج أهله قال: فلقيه خالد بن دريك عند الميضأة فقال له خالد: إني أكره أن يزهدك الناس أو يبخلوك فقال: أعوذ بالله أن أزكي نفسي أو أزكي أحداً، اخرج إلى السوق فاشتر لي ثوبين أبيضين، قال: فخرجت فاشتريت له ثوبين أبيضين ممصرين، قال: فاتخذ أحدهما قميصاً والآخر رداء.(1/426)
. (5/352)
عن أبي العباس محمد بن هشام الأنصاري حدثني إبراهيم الشيخ بمصر قال: قال لي إبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق اعبد الله سراً حتى يخرج على الناس يوم القيامة كميناً. (5/352)
عن أبي عثمان سعيد بن عثمان(1) الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: لم أر شيئاً أبعث لطلب الإخلاص من الوحدة لأنه إذا خلا لم ير غير الله، وإذا لم ير غير الله لم يحركه إلا حكم الله، ومن أحب الخلوة فقد تعلق بعمود الإخلاص واستمسك بركن كبير من أركان الصدق. (5/353)
عن سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: إذا لم يكن في عملك حب حمد المخلوقين ولا مخافة ذمهم فأنت حكيم مخلص إن شاء الله. (5/353)
قال: وسمعت ذا النون يقول: اعلموا أنه لا يصفو لعامل عمل إلا بإخراج الخلق من القلب في عمله، وهو الإخلاص، فمن أخلص لله لم يرج غير الله، فكن(2) على علم أنه لا قبول لعمل يراد به غير الله؛ فمن أراد طريق التجريد إلى الإخلاص فلا يدخلن في إرادته أحد سوى الله عز وجل؛ فشمر عن ساقك واحذر أيها(3) الرجل أن تدخل(4) في العظمة لله تعظيم غير الله؛ واجعل الغالب على قلبك ذلك وقد صفا قلبك بالإخلاص. (5/353)
قال: وسمعت ذا النون يقول: قال بعض العلماء: ما أخلص العبد لله إلا أحب أن يكون في جب لا يعرف(5). (5/353)
قال: وسمعت ذا النون يقول: عبدوا(6) الله بإخلاص من الصدق فأوصل إليهم خالصاً من البر. (5/353)
__________
(1) كانت (محمد).
(2) كانت (فكن وكن).
(3) كانت (حذر).
(4) كانت (يدخل).
(5) روى أبو نعيم في الحلية 3/6 عن أيوب السختياني قال: واللهِ ما صدقَ عبدٌ إلا سَرَّه أنْ لا يُشْعَرَ بمكانِهِ.
وروى 10/18 عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا عبد الله الواهبي يقول: ما أخلص عبد قط إلا أحب أن يكون في جب لا يعرف؛ ومن أدخل فضولاً من الطعام أخرج فضولا من الكلام.
(6) كانت (اعبدوا).(1/427)
قال: وسمعت أبا الفيض يقول: اعلموا أن من أراد أن يلقى العدو بغير سلاح خفت أن لا يسلم من القتل. (5/353)
قال: وسمعت ذا النون يقول وأتاه رجل فقال: يا أبا الفيض رحمك الله دلني على طريق الصدق والمعرفة بالله، قال: يا أخي أد إلى الله صدق حالتك التي أنت عليها على موافقة الكتاب والسنة ولا ترق حيث لم تُرق فتزل قدمك، فإنه إذا رُقي(1) بك لم تسقط، وإذا ارتقت أنت سقطت، وإياك أن تترك ما تراه يقيناً لما ترجوه شكاً. (5/354)
عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي رحمه الله: يا أبا موسى لو جهدت كل الجهد على أن ترضي الناس كلهم فلا سبيل له، فإذا كان كذلك فأخلص عملك ونيتك لله عز وجل(2). (5/355)
عن طاهر بن خالد بن نزار قال: سمعت أبي يقول: قال سفيان الثوري: الزهد زهدان: زهد فريضة، وزهد نافلة؛ فأما الفريضة فإنه واجب عليك، وهو أن تدع الفخر والكبر والعلو والرياء والسمعة والتزين للناس؛ وأما زهد النافلة فهو أن تدع ما أعطى الله تعالى من الحلال(3)، فإذا تركت شيئاً من ذلك صار فريضة عليك ألا تتركه إلا لله عز وجل؛ وإن أردتم أن تدركوا ما عند الله عز وجل فكونوا في هذه الدنيا بمنزلة الأضياف. (5/355)
__________
(1) كانت (زل).
(2) فإن رضاه تعالى جده مرجو والسبيل إليه سالكة بإذن الله، ومن طلب رضا الناس بسخط الله سخط عليه الله وأسخط عليه أكثر الناس؛ ومن طلب رضا الله وحده رضي الله عنه وأرضى عنه أكثر الناس وخيارهم، والذين لم يرضوا عنه فلا يضرونه شيئاً فإن النافع والضار هو الله وحده؛ فالعاقل من طلب رضا الله وإن سخط عليه أغلب الناسُ أول الأمر، فالناس لا يزالون ساخطين على غيرهم ولم يزل رضاهم هو المطلب الذي لا يقع، ولو وقع لما نفع.
(3) ما عدا الحاجات التي لا استغناء للإنسان عنها.(1/428)
عن الجنيد بن محمد قال: سمعت السري بن المغلس وقد ذكر الناس قال: لا تعمل لهم شيئاً، ولا تترك لهم شيئاً، ولا تعط لهم شيئاً، ولا تكشف لهم شيئاً؛ قال الجنيد: يريد بهذا القول أن تكون أعمالك كلها لله وحده؛ قال: وسمعته يقول: إذا أحسست بإنسان يريد أن يدخل علي فقلت كذا بلحيتي، وأمَرَّ يده على لحيته كأنه يريد أن يسويها من أجل دخول الداخل عليه، فخفت أن يعذبني الله على ذلك بالنار. (5/356)
عن محمد بن واسع عن مطرف بن الشخير قال: من صفا عمله صفا له اللسان الصالح؛ ومن خلط خلط له. (5/356)
عن ذي النون قال: أما إنه من الحمق التماس الإخوان بغير الوفاء، وطلب الآخرة بالرياء، ومودة النساء بالغلظة. (5/356 و6/324)
عن الأوزاعي حدثني عبدة بن أبي لبابة قال: إن أقرب التواضع الرضا بالمجلس دون شرف المجلس، والابتداء بالسلام، وأن يكره الرياء في عمله كله والمدح . (5/356)
عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: اجعل مالك جُنة(1) دون دينك، ولا تجعل دينك جُنة دون مالك. (5/356)
عن سفيان بن عيينة قال: قال مطرف: إن أقبح الرغبة في الدنيا أن تُطلب بعمل الآخرة. (5/357)
عن بشر بن الحارث قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: لأن آكل الدنيا بالطبل والمزمار أحب إلي من أن آكلها بديني. (5/357)
عن الجنيد قال: سمعت السري يذم من يأكل بدينه ويقول: من النذالة أن يأكل العبد بدينه. (5/357)
عن الفضيل بن عياض قال: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وطلب الدنيا بعمل الآخرة، من كثرة الذنوب. (5/357)
__________
(1) أي سترة ووقاية.(1/429)
عن إسماعيل بن أبي أويس قال: سمعت خالي مالك بن أنس يقول: قال لي ربيعة الرأي، وكان أستاذ مالك: يا مالك من السفلة؟ قال: قلت: من أكل بدينه؛ فقال: من سفلة السفلة؟ قال: من أصلح دنيا غيره بفساد دنيه؛ قال: فصدرني(1). (5/357)
عن فضيل بن عياض قال: سئل [ابن] المبارك: من الناس؟ قال: العلماء؛ قال: من الملوك؟ قال: الزهاد، قال: فمن السفلة؟ قال: الذي يأكل بدينه(2). (5/357)
عن سلام بن أبي مطيع قال: سمعت أيوب السختياني يقول: لا خبث أخبث من قارئ فاجر. (5/358)
عن المفضل بن غسان أخبرنا شيخ من الكتاب أن صالح المري لما أرسل إليه المهدي فقدم عليه فلما أدخل عليه ودنا بحماره من بساط المهدي أمر ابنيه وهما وليا العهد موسى وهارون فقال: قوما فأنزلا عمكما، فلما انتهيا إليه أقبل صالح على نفسه فقال: يا صالح لقد خبت وخسرت إن كنت إنما عملت لهذا اليوم. (5/358)
عن إبراهيم بن بشار الرمادي قال: سمعت سفيان يقول: لو صلح القراء لصلح الناس(3). (5/358)
قال: وسمعت سفيان يقول: إن أقبح الرغبة في الدنيا أن تطلب بعمل الآخرة. (5/358)
عن رافع عن يحيى قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: من عمل عملاً كساه الله رداءه، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً. (5/359)
__________
(1) قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لجلسائهِ: أَخبِروني بِأحمقِ الناسِ؟ قالوا: رجلٌ باعَ آخرتَهُ بدنياه، فقالَ عمرُ: ألا انبئُكم بأحمقَ منه؟! قالوا: بَلى، قالَ: رجلٌ باعَ آخرتَه بدنيا غيرِهِ. (حلية الأولياء 5/325)
(2) هذه الرواية أوردها ابن الجوزي في صفة الصفوة (4/140)؛ وأورد قبلها رواية أخرى وهي عن سليمان بن داود قال: سألت ابن المبارك: من الناس؟ قال: العلماء؛ قلت: فمن الملوك؟ قال: الزهاد؛ قلت: فمن الغوغاء؟ قال: خزيمة وأصحابه؛ قلت: فمن السفلة: قال: الذين يعيشون بدينهم.
(3) روى أبو نعيم في الحلية (4/83) عن ميمونُ بنُ مهران قال: لو أنَّ أهلَ القرآنِ صلحوا لصلح الناس.(1/430)
عن جعفر بن سليمان أخبرنا ثابت قال: كان يقال: لو أن ابن آدم عمل بالخير(1) في سبعين بيتاً لكساه الله رداء عمله حتى يعرف. (5/360)
عن المسيب(2) بن رافع قال: ما من رجل يعمل حسنة في سبع أبيات إلا أظهرها الله، قال: وتصديق ذلك [في] كتاب الله تعالى (إن الله مخرج ما كنتم تكتمون)(3). (5/360)
عن فضيل بن عياض عن هشام عن الحسن قال: ما تزين للناس بغير ما يعلم الله منه شانه. (5/360)
عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: لا تكن لله ولياً في العلانية وعدواً في السر. (5/360)
عن الجنيد بن محمد قال: سمعت السري بن مغلس يقول: احذر أن لا يكون لك ثناء منشور وعيب مستور. (5/360)
عن محمد بن أبي عائشة قال: لا تكن ذا وجهين وذا لسانين، تظهر للناس أنك تحب الله، ويحمدونك(4) وقلبك فاجر. (5/360)
عن عقبة بن عبد الغافر قال: إذا عمل العبد عملاً في السر (حسناً)(5) ثم عمل في العلانية مثله قال الله عز وجل: هذا عبدي حقاً حقاً. (5/361)
عن شقيق عن عبد الله قال: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، يجري عليها الناس يتخذونها سنة، إذا غير منها شيء قيل: غيرت السنة؟! فقيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟! قال: إذا كثرت قراؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة. (5/361)
عن وهب بن منبه قال: ظهرت في بني إسرائيل قراء فسقة وسيكثرون فيكم. (5/361)
__________
(1) لعلها (بالسر).
(2) كانت (ابن المسيب بن رافع).
(3) قال ابن كثير في تفسيره 1/113: وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن سلم البصري حدثنا محمد بن الطفيل العبدي حدثنا صدقة بن رستم سمعت المسيب ابن رافع يقول: ماعمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وتصديق ذلك في كلام الله (والله مخرج ما كنتم تكتمون).
(4) الأحسن (فيحمدونك).
(5) كانت (عمل حسناً).(1/431)
عن مالك بن دينار قال: مثل قراء هذا الزمان مثل رجل نصب فخاً فوقع عصفور في فخه فقال: ما لي أراك سجيناً في التراب؟ فقال: التواضع، قال: فلم حنيت ظهرك؟! قال: من طول العبادة! قال: فما هذه الحبة(1) المنصوبة؟! قال(2): أعددتها للصائمين! فلما نسي تناول الحبة فوقع الفخ على عنقه فخنقته، فقال العصفور: إن كان العُبّادُ يخنقون خنْقَكَ فلا خير في العُبّاد اليوم(3). (5/361)
عن سعيد بن منصور أخبرنا أبو معشر عن محمد بن كعب قال: جاءه رجل [فـ]ـقال: إنما في بعض الكتب: إن لله عباداً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس مسوك الضأن من اللين، يحتلبون(4) الدنيا بالدين! قال الله تعالى: علي يجترئون وبي يغترون؟! بعزتي لأتيحن لهم فتنة تدع العليم(5)
__________
(1) كانت (الجنة).
(2) كانت (قيل قال).
(3) هذه القصة الهادفة حكاها ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/276) بألفاظ مقاربة لهذه، فذكر عن مالك قال: مثل قراء هذا الزمان كمثل رجل نصب فخاً ونصب فيه برة فجاء عصفور فقال: ما غيبك في التراب؟ قال: التواضع، قال: لأي شيء انحنيت؟ قال: من طول العبادة، قال: فما هذه البرة المنصوبة فيك؟ قال: أعددتها للصائمين، فقال: نعم الجار أنت؛ فلما كان عند المغرب دنا العصفور ليأخذها فخنقه الفخ فقال العصفور: إن كان العباد يخنقون خنقك فلا خير في العباد اليوم.
(4) لعلها (يجتلبون).
(5) كذا ولعلها (الحليم) كما هو مشتهر على الألسنة.
قال الطبري في التفسير 2/313-314: حدثني محمد بن أبي معشر قال أخبرني أبي أبو معشر نجيح قال سمعت سعيد المقبري يذاكر محمد بن كعب فقال سعيد: إن في بعض الكتب: إن لله عباداً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدين، قال الله تبارك وتعالى: أعلي يجترءون وبي يغترون وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران؛ فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله جل ثناؤه؛ فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله؟ قال: قول الله عز وجل (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية؛ فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن القرظي عن نوف وكان يقرأ الكتب قال إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل قوم يحتالون الدنيا بالدين ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر يلبسون للناس لباس مسوك الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب؛ فعلي يجترءون وبي يغترون؟! حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيهم حيران؛ قال القرظي: تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون فوجدتها (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام)؛ (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به) [أي إلى آخر الآية وهي الآية 11 من سورة الحج].(1/432)
فيها حيران؛ فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله عز وجل: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام)؛ قال الرجل: قد علمنا فيما أنزلت، فقال له محمد: إن الأمر ينزل في رجل ثم يكون عاماً(1). (5/362)
عن وهب بن منبه قال: أجد في كتاب الله المنزل أناسا يدينون بغير العبادة، يحتلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون للناس مسوك الضأن؛ قلوبهم كقلوب الذئاب، وألسنتهم أحلى من العسل وأنفسهم أمر من الصبر؛ فبي يغترون وإياي يجترئون؟! أقسمت لأبعثن عليهم فتنة أترك الحليم فيها حيران. (5/362)
عن سويد بن حاتم عن الحسن قال: كان الرجل إذا تقرأ وله دراهم ذهبت دراهمه واليوم إذا تقرأ وليست له دراهم كثرت دراهمه. (5/364)
عن أبي الدرداء قال: استعيذوا بالله من خشوع النفاق! قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع. (5/364)
عن محمد بن عبيد قال: سمعت سفيان يقول: يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم، لا تزيدوا الخشوع على ما في القلب، فقد وضح الطريق فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا تكونوا عيالاً على المسلمين(2). (5/365)
عن محمد بن زياد الأعرابي قال: قال بعض الحكماء: خوفوا المؤمنين بالله؛ وخوفوا المنافقين بالسلطان؛ والمرائين بالناس. (5/365)
__________
(1) وهي القاعدة المشهورة عند الأصوليين والمفسرين بهذه العبارة: "خصوص السبب لا يمنع من عموم الحكم".
(2) وهذه رواية أخرى أخرجها أبو نعيم في الحلية (6/382) عن عن عطاء بن مسلم الخفاف قال: سمعت سفيان الثوري يقول: قدمت البصرة فجلست إلى يونس بن عبيد فإذا فتيان كأن على رؤسهم الطير فقلت: يا معشر القراء ارفعوا رؤسكم فقد وضح الطريق واعملوا ولا تكونوا عالة على الناس؛ فرفع يونس رأسه إليهم فقال: قوموا فلا أعلمن أحداً منكم جالسني حتى يكسب معاشه من وجهه؛ فتفرقوا؛ قال سفيان: فوالله ما رأيتهم عنده بعده.(1/433)
عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: دخلت على الأمير عبد الله بن طاهر وفي كمي تمر آكله فنظر إلي الأمير وقال: يا أبا يعقوب إن لم يكن تركك الرياء من الرياء فما في الدنيا أحد أقل رياء منك. (5/365)
عن خلف(1) بن حوشب قال: كان جوابٌ يرعد عند الذكر فقال له إبراهيم: إن كنت تملكه ما أبالي (أن لا أعتد بك)(2)؛ وإن كنت لا تملكه فقد خالفـ[ـت] من كان قبلك. (5/365)
عن الربيع بن صبيح قال: وعظ الحسن يوماً فانتحب عنده رجل فقال: أما والله ليسألنك الله ما أردت بهذا؟. (5/365)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: لا يجوز لأحد أن يظهر للناس الزهد والشهوات في قلبه؛ فإذا المرء لم يبق في قلبه من شهوات الدنيا شيء جاز أن يظهر للناس الزهد، لأن العباء علم من أعلام الزهد فإذا زهد بقلبه وأظهر العباء كان مستوجباً لها(3)؛ وإن ستر زهده بثوبين أبيضين ليدفع بهما أبصار الناس عنه كان أسلم لزهده(4). (5/365-366)
قال: وسمعت أبا سليمان يقول: أما يستحي أحدكم أن يلبس عباء بثلاثة دراهم وفي قلبه شهوة بخمسة دراهم(5)؟! (5/366)
__________
(1) تصحفت إلى (خالد).
(2) كانت (ألا أعيذ بك)، ووردت على الصورة الصحيحة في الحلية (4/231) فأبدلتها.
(3) يعني كان أهلاً لذلك، وكان غير متكلف.
(4) روى أبو نعيم في الحلية (4/221-222) عن هارون بن معروف عن ضمرة قال: سمعت رجلاً يقول قدم حماد بن أبي سليمان البصرة فجاءه فرقد السبخي وعليه ثوب صوف فقال له حماد: ضع عنك نصرانيتك هذه فلقد رأيتنا ننتظر ابراهيم [النخعي] يخرج علينا وعليه معصفرة ونحن نرى أن الميتة قد حلت له.
وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/87) عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يلبس الثوب المصبوغ بالزعفران أو بالعصفر وكان من يراه لا يدري أمن القراء هو أم من الفتيان؟!
(5) هذا مثال، وهو يعيب به على من أظهر من الزهد أكثر مما أبطن.(1/434)
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: قال طالوت: قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق اللهَ عبدٌ(1) أحب الشهرة(2). (5/366)
عن أيوب بن سويد أخبرنا أبو زرعة قال: خرج الضحاك بن قيس فاستسقى بالناس ولم يمطروا ولم يروا سحاباً؛ قال الضحاك: أين يزيد بن الأسود؟ فقال: هذا أنا؛ قال: نعم، فاستشفع لنا إلى الله عز وجل أن يسقينا، فقام: فعطف برأسه على منكبيه وحسر عن ذراعيه فقال: اللهم إن عبادك هؤلاء استشفعوا بي إليك فما دعا إلا ثلاثاً حتى مطروا مطراً كادوا يغرقون منه؛ ثم قال: إن هذا شهرني فأرحني فما لبث بعد ذلك إلا جمعة حتى مات(3). (5/366)
__________
(1) كانت (عبداً).
(2) كانت (الشهوة).
(3) ساق ابن الجوزي في صفة الصفوة (4/202-203) روايتين في هذا المعنى:
الأولى: عن سليم بن عامر الخبائري أن الشام قحطت فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي فناداه الناس فأقبل يتخطى فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ورفع الناس فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهبت لها ريح فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم.
الثانية: عن علي بن أبي جملة قال: أصاب الناس قحط بدمشق وعلى الناس الضحاك بن قيس الفهري فخرج بالناس يستسقي فقال: أين يزيد بن الأسود الجرشي فلم يجبه أحد ثم قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي فلم يجبه أحد ثم قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي عزمت عليه إن كان يسمع كلامي إلا قام، [فقام] وعليه برنس فاستقبل الناس بوجهه ورفع جانبي برنسه على عاتقيه ثم رفع يديه ثم قال: اللهم يا رب إن عبادك تقربوا إليك فاسقهم، قال: فانصرف الناس وهم يخوضون الماء---.(1/435)
عن بشر بن الحارث قال: كتب حذيفة إلى يوسف بن أسباط: يا أخي إني أخاف(1) أن يكون بعض محاسننا أضر علينا(2) في القيامة من مساوئنا؛ قال: وكتب إليه أيضاً: لا حتى تكون(3) في موضع إذا جئت إلى البقال فقلت: أعطني مطهرتك، قال: هات كساءك، أو ضع كساءك. (5/366)
عن الحجاج الأسود عن معاوية بن قرة قال: من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنهار(4). (5/367)
__________
(1) كانت (أخاف عليك) فحذفت الزيادة، ويظهر أنها خطأ، وهي ليست موجودة في صفة الصفوة (4/270).
(2) كانت (عليك)، وأًصلحتها من صفة الصفوة.
(3) كانت (حتى لا يكون)، فكتبت بدلاً منها ما في صفة الصفوة فإنه هو الصحيح؛ والظاهر أن المنفي مقدر فيكون تقدير العبارة: (لا أرضاك) أو (لا تسلم) أو (لا تبلغ غايتك) أو نحو ذلك.
(4) من أئمة هذا الصنف التابعي الجليل محمد بن سيرين؛ فعن هشام بن حسان قال: ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في جوف الليل وهو يصلي. (صفة الصفوة 3/246 والشعب 3/152)
وعن أم عباد امرأة هشام بن حسان قالت: كنا نزولاً مع محمد بن سيرين في داره، فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار. (حلية الأولياء 2/272)
وممن كان يخفي ورعه ما استطاع ويحث على ذلك: أيوب السختياني؛ فقد جاء في صفة الصفوة (3/292) والتهجد لابن أبي الدنيا (ص470) عن سلام بن أبى مطيع قال: كان أيوب يقوم الليل يخفي ذلك، فإذا كان قبيل الصبح رفع صوته كأنه إنما قام تلك الساعة.
وروى عنه أبو نعيم (3/6) أنه كان يقولُ: لِيَتقِ اللهَ عزَّ وجلَّ رجلٌ، وإن زهدَ، فلا يجعلَنَّ زهدَهُ عذاباً على الناسِ، فَلأنْ يُخفي الرجلُ زهدَهُ خيرٌ منْ أنْ يُعلنَهُ؛ وانظر (ذم الدنيا) لابن أبي الدنيا (ص466).
وروى المصنف في الزهد الكبير (ص98) عن شعبة قال: لي أيوب: ذكرت وما أحب أن أذكر.(1/436)
عن سفيان الثوري عن زبيد(1) قال: إذا كانت سريرة الرجل أفضل من علانيته فذلك الفضل؛ وإذا كانت سريرة الرجل وعلانيته سواء فذلك النصَف؛ وإذا كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور. (5/367)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: إياك أن تكون بالمعرفة مدعياً أو تكون بالزهد محترفاً أو تكون بالعبادة متعلقاً، فقيل له: فسر لنا ذلك رحمك(2) الله فقال: أما علمت أنك إذا أشرت في المعرفة إلى نفسك بأشياء أنت معرى عن حقائقها كنت مدعياً؟ وإذا كنت في الزهد موصوفاً بحالة (ولك دون تلك الحال)(3) كنت محترفاً؟ وإذا علقت بالعبادة قلبك وظننت أنك تنجو من الله تعالى بالعبادة لا بالله في العبادة كنت بالعبادة متعلقاً لا بوليها والمنان بها عليك؟ (5/368)
عن أبي بكر أحمد بن محمد البغوي قال: قال الجنيد: معاشر الفقراء إنما عرفتم به وأكرمتم من أجله، فإذا خلوتم فانظروا كيف تكونون معه. (5/368)
عن محمد بن واسع قال: قال لقمان لابنه: يا بني اتق الله لا تُرِ [الناس] أنك تخشى [الله] ليكرموك، وقلبك(4) فاجر(5). (5/368)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الكتاني وسأله بعض المريدين فقال له: أوصني، فقال: كن كما تري الناس، وإلا فأبن للناس كما تكون. (5/368)
عن أبي بكر الرازي قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد. (5/368)
__________
(1) كانت (زيد) وذلك تصحيف.
(2) كانت (رحمه).
(3) كانت (وبك دون الأحوال).
(4) كانت (يكرمونك وقليل) وكتبت ما في (مسند ابن الجعد) للبغوي (ص459).
(5) وأتبع المصنف هذه الرواية رواية أخرى عن حماد بن زيد قال: سمعت أبي حدث عن بعض أشياخه أن لقمان قال لابنه---فذكره.(1/437)
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: من خان الله عز وجل في السر هتك الله ستره في العلانية(1). (5/369 و460)
السادس والأربعون من شعب الإيمان
باب في السرور بالحسنة والاغتمام بالسيئة
عن أبي وائل قال انطلقت أنا وأخي حتى دخلنا على الربيع بن خثيم فإذا هو جالس في مسجده فسلمنا عليه فرد علينا السلام ثم قال: ما جاء بكم؟! قلنا: جئنا لتذكر الله عز وجل ونذكره معك وتحمد الله ونحمده معك، قال: فرفع يديه يقول: الحمد لله، لم تقولا: جئناك تشرب فنشرب معك ولا جئناك تزني فنزني معك. (5/372)
عن معمر عن ابن عجلان قال: قيل للقمان: أي الناس أغنى؟ قال: من رضي بما أعطي؛ قيل: فأي الناس خير؟ قال: الغني؛ قيل: غني المال؟ قال: لا، ولكن الذي إذا طلب عنده خير وجد؛ قال: فأي الناس شر؟ قال: الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً. (5/373)
عن أبي الأحوص قال: قال أبو إسحاق: يا معشر الشباب اغتنموا، قل ما تمر بي ليلة إلا وأقرأ فيها ألف آية؛ وإني لأقرأ البقرة في ركعة؛ وإني لأصوم الأشهر الحرم وثلاثة أيام من كل شهر والاثنين والخميس ثم تلا (وأما بنعمة ربك فحدث). (5/377)
عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: كان يلقى الرجل من إخوانه فيقول: لقد رزق الله البارحة من الصلاة كذا وكذا، ورزق من الخير كذا وكذا. (5/377)
عن الغلابي حدثني أبي قال: قيل لسفيان [بن عيينة]: إن أهل مكة يزعمون أنك قليل الطواف! فغضب فقال: إني لأدنو بالطائفين بالبيت ليصيبني من غبارهم، وإني لكذا وإني لكذا؛ فقال له رجل: يا أبا محمد وأيش تجزع من هذا وقد سترك الله وأحسن إليك؟! قال: إني لأكره أن يقول الناس: إن سفيان زاهد في الخير. (5/377)
__________
(1) حكى أبو نعيم (10/50) عن أبي تراب النخشبي قال: حقيقة الغنى أن تستغني عمن هو مثلك وحقيقة الفقر أن تفتفر إلى من هو مثلك، وإذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل أن يعمله، وإذا أخلص فيه وجد حلاوته قبل مباشرته العمل.(1/438)
عن أبي سهل المدائني قال: حضرت(1) ابن عيينة وسأله رجل فقال: يا أبا محمد أرأيت الرجل يعمل العمل لله يؤذن أو يؤم أو يعين أخاه أو يعمل شيئاً من الخير فيعطى الشيء؟ قال: يقبله، ألا ترى إلى موسى عليه السلام لم يعمل للعمالة إنما عمل لله فعرض له رزق من الله تعالى فتقبله وقرأ (إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا). (5/377)
عن الحسين بن منصور قال: سمعت علي بن عثام وذكر قوله تعالى (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) قال: فذهب معها وإنما كان أول الأمر لله عز وجل، فلم يبال. (5/377)
عن معاوية بن قرة قال: كل شيء فرض الله عليك فالعلانية فيه أفضل، قول الرجل: صليت في مسجد كذا وكذا، وأذهب أصلي(2) في مسجد كذا وكذا، وأعطيت زكاة مالي في شهر كذا وكذا. (5/378)
السابع والأربعون من شعب الإيمان
وهو باب في معالجة كل ذنب بالتوبة
عن النعمان بن بشير سمعت عمر رضي الله عنه يقول: (توبوا إلى الله توبة نصوحاً) قال: هو الرجل يعمل الذنب ثم يتوب ولا يريد أن يعمل به ولا يعود. (5/387)
عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: التوبة النصوح أن يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود إليه أبداً. (5/387)
عن أبي الجوزاء قال: والذي نفس محمد بيده؟؟ إن كفارة الذنب الندم(3). (5/388)
__________
(1) كانت (وحضرت).
(2) كانت (وأصلي) وهي صحيحة أيضاً، والكلام بحذف الواو أوضح.
(3) كانت (الندم)، ولعلها تصحفت عن (الندامة).(1/439)
عن بقية بن الوليد حدثني بعض الرهويـ[يـ]ـن قال: سمع جبريل إبراهيم خليل الرحمن عليهما السلام وهو يقول يا كريم العفو فقال له جبريل: وتدري ما كريم العفو(1)؟ قال: لا يا جبريل، قال: أن يعفو عن السيئة ويكتبها حسنة. (5/389)
عن بشر بن الحارث قال: إذا صعد الملكان، أو قال الملك، بعمل العبد قال انظروا فإن كان في أوله ذكر وفي آخره ذكر فدعوا له ما بينهما. (5/392)
عن مجاهد عن ابن عباس في هذه الآية (إلا اللمم) قال: الذي يلم بالذنب ثم يدعه، ألا تسمع إلى قول الشاعر:
إن تغفر اللهم تغفر جما
وأي عبد لك لا ألما (5/393)
عن مسروق عن ابن مسعود في قوله عز وجل (إلا اللمم) قال: زنا العين النظر، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه؛ فإن صدقه بفرجه كان زانياً وإلا فهو اللمم. (5/393)
عن أيوب عن أبي قلابة قال: إن الله عز وجل لما لعن إبليس سأله النظرة فقال: وعزتك لا أخرج من صدر عبدك حتى تخرج نفسه؛ قال: وعزتي لا أحجب توبتي عن عبدي حتى تخرج نفسه، أو قال: روحه. (5/399)
__________
(1) كيف يدعو نبي الله ابراهيم بدعاء ولا يعرف معناه؟! هذا بعيد؛ ولكن قد يقال أنه كان يحمله على معنى ثم نبهه جبريل على معنى آخر أكمل من الأول؛ وأنه أجاب جبريل لما سأله بالنفي لعلمه أنه ما سأله عن ذلك إلا وعنده فيه من العلم ما ليس عنده؛ وهذا على افتراض صحة الأثر، فإن الشرح فرع الثبوت.(1/440)
عن جعفر أخبرنا ثابت بلغنا أن إبليس قال: يا رب إنك خلقت آدم وجعلت بيني وبينك عداوة فسلطني [عليه]، قال(1): صدورهم مساكن لك؛ قال: رب زدني، قال: لا يولد لآدم ولد إلا ولك عشرة؛ قال: رب زدني، قال: تجري منه مجرى الدم؛ قال: رب زدني، قال: أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد؛ قال: فشكا آدم إبليس إلى ربه فقال: يا رب إنك خلقت إبليس وجعلت بيني وبينه عداوة وبغضاء وسلطته علي وأنا لا أطيقه إلا بك؛ قال: لا يولد لك ولد إلا وكلت به ملكين يحفظانه من قرناء السوء؛ قال: رب زدني، قال: الحسنة بعشر أمثالها؛ قال: رب زدني، قال: لا أحجب عن أحد من ولدك التوبة ما لم يغرغر. (5/399)
عن ابن عمر قال: التوبة مبسوطة ما لم يُسَق؛ ثم قرأ: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) الآية، قال: وهل الحضور(2) إلا السَّوق. (5/399)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (يعملون السوء بجهالة) قال: كل من عصى ربه فهو جاهل. (5/400)
عن الضحاك بن مزاحم قال في قوله (ثم يتوبون من قريب) قال: كل توبة قبل الموت فهو قريب. (5/400)
عن السماك بن حرب عن النعمان بن بشير (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قال: يقول: إذا أذنب أحدكم فلا يلقين بيده إلى التهلكة ولا يقولن: لا توبة لي، ولكن ليستغفر الله وليتب إليه، فإن الله غفور رحيم. (5/407)
عن أبي إسحاق عن البراء وقال(3) له رجل: يا أبا عمارة (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) أهو الرجل يلقى العدو فيقاتل حتى يقتل؟ قال: لا، ولكن هو الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفره الله لي. (5/407)
عن شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل عن هذه الآية (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) هو الرجل يحمل على الكتيبة وهم ألف والسيف بيده؟ قال: لا، ولكنه رجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول: لا توبة لي. (5/408)
__________
(1) كانت (قال قيل له).
(2) أي المذكور في الآية.
(3) كانت (وقاله).(1/441)
عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في(1) قوله عز وجل (إنه كان للأوابين غفوراً) قال: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب. (5/408)
عن مغيث بن سمي(2) قال: كان رجل فيمن كان قبلكم يعمل بالمعاصي فادكر(3) يوماً فقال: اللهم غفرانك غفرانك، فغفر له. (5/414)
__________
(1) كانت (عن).
(2) تابعي.
(3) كانت (فأدركه)، فأصلحت هذا التصحيف من مصنف ابن أبي شيبة (7/61 و 6/100)؛ وفي جامع العلوم والحكم ص394 (فتذكر) والمعنى واحد.(1/442)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل رجل عابد وكان معتزلاً في كهف له، قال: وكان بنو إسرائيل قد أعجبوا بعبادته، فبينما هم عند نبيهم عليه السلام إذ ذكروه فأثنوا(1) عليه، فقال النبي: إنه لكما تقولون لولا أنه تارك لشيء من السنة، قال: فنقل ذلك إلى العابد، قال: ففكر العابد فقال: علام أذيب نفسي وأنصبها أصوم النهار وأقوم الليل وأنا تارك لشيء من السنة؛ قال: فهبط من مكانه؛ قال: وأتى النبي والناس عنده فسلم عليه ورد عليه النبي والنبي لا يعرفه بوجهه ويعرفـ[ـه] باسمه؛ قال: يا نبي الله إنه بلغني أني ذكرت عندك بخير؛ فقلت إنه لكما تقولون لولا أنه تارك لشيء من السنة فإن كنت تاركاً فعلام أذيب نفسي أصوم النهار وأقوم الليل؟! قال النبي أنت فلان؟ قال: نعم؛ قال ما هو بشيء أحدثته في الإسلام إلا (أنك لا تتزوج)(2)؛ قال له العابد: وما هو [غير] هذا؟! قال: لا، وكأن العابد استخف بذلك؛ فلما رأى النبي ذلك قال: أرأيت لو فعل الناس ما فعلت من أين كان يكون هذا النسل؟ من كان يتقي(3) العدو عن ذراري المسلمين؟ من كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ ومن كان يجمع في المسلمين؟ قال: فعرف العابد؛ قال: فقال: يا نبي الله هو كما قلت؛ (فإني لم أكن)(4) أحرمه ولكني أخبرك عني: أنا رجل فقير وأنا كلٌّ على الناس وهم يطعمونني ويكسونني، ليس لي مال، فأنا أكره أن أتزوج امرأة مسلمة أعضلها وليس عندي ما أنفق عليها، وأما الأغنياء فلا يزوجونني! قال: فقال النبي: ما بك إلا ذاك؟ قال: نعم؛ قال النبي: فأنا أزوجك ابنتي؛ قال: وتفعل؟! قال: نعم؛ قال: قد قبلت، فزوجه ابنته؛ قال: فدخل بها فولدت له غلاماً، قال ابن عباس: فوالله ما ولد في بني إسرائيل مولود وكانوا أشد فرحاً به منهم بذلك الغلام؛ قالوا: ابن عابدنا(5) وابن نبينا، إنا
__________
(1) تصحفت إلى (فآمنوا).
(2) كانت (لك لا تروح).
(3) لعلها (ينفي).
(4) كانت (بأبي أن أكون).
(5) كانت (عابد منا).(1/443)
نرجو أن يبلغ الله به ما [لم] [يـ]ـبلغ برجل منا؛ قال: فلما بلغ الغلام انقطع إلى عبادة الأوثان؛ قال: فتبعته فئام منهم كثير؛ قال: فلما رأى كثرتهم قال لهم: إني أراكم كثيراً وإن هؤلاء القوم غالبون لكم فبم ذلك؟ قالوا: نخبرك، لهم رأس وليس لنا رأس؛ قال: ومن رأسهم؟ قالوا: جدك، وليس لنا رأس؛ قال: فأنا رأسكم؛ قالوا: تفعل؟ قال: نعم؛ قال: فخرج وخرج معه خلق كثير، قال: فأرسل جده وأبوه: أن اتق الله! خرجت إلينا بعبدة الأوثان وتركت الإسلام وأخذت في دين غيره فأبى، فخرج النبي وخرج معه أبوه فدعوه فأبى فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل ثم اقتتلوا اليوم التالي حتى حجز بينهم فقتل النبي وقتل أبوه وانهزم المسلمون وضبط الأرض واستوسق(1) له الناس؛ قال: فجعلت نفسه لا تدعه حتى يتبع المسلمين ويقتلهم في الجبال؛ قال: فلما رأى ذلك اجتمع المسلمون فقالوا: قد خلينا له عن الملك وهو يتبعنا ويقتلنا وانهزمنا عن نبينا وعابدنا حتى قتلا وليس يدعنا أو يقتلنا فتعالوا نتوب إلى الله توبة نصوحاً فنُقتل ونحن تائبين؛ فتابوا إلى الله وولوا رجلاً منهم فخرجوا إليه فاقتتلوا أول يوم حتى حجز بينهم الليل ثم غدوا فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل وكثرت القتلى بينهم وغدوا اليوم الثالث فاقتتلوا؛ فلما علم الله منهم الصدق وأنهم قد تابوا تاب الله عليهم وأقبلت الريح لهم؛ فقال لهم صاحبهم: إني لأرجو أن يكون الله قد تاب علينا وقبل منا؛ إني أرى الريح قد أقبلت معنا؛ إن نصرنا الله فإن استطعتم أن تأخذوه سلماً فلا تقتلوه؛ قال: فأنزل الله عليهم النصر من آخر النهار فهزموهم وأخذوه أسيراً
__________
(1) جاء في لسان العرب (10/380) "وفي حديث أُحُد: اسْتَوْسِقُوا كما يَسْتَوْسِقُ جُرْبُ الغنم أَي استجمعوا وانضمّوا، والحديث الآخر: أَن رجلاً كان يَحُوز المسلمين ويقول اسْتَوْسِقُوا؛ وفي حديث النجاشي: واسْتَوْسَقَ عليه أَمْرُ الحَبَشة أَي اجتمعوا على طاعته، واستقر الملك فيه".(1/444)
ومكن الله للمسلمين في الأرض وظهر الإسلام؛ قال: فجمع رأس المسلمين خيار الناس فقال: ما ترون في هذا؟ بدل دينه ودخل مع عبدة الأوثان في دينهم وقتل نبينا جده وقتل أباه؟! فقائل يقول: أحرقه بالنار [فقال إنه] يموت فيذهب؛ وقائل يقول: قطعه؛ قال: فقال: إنه يموت فيذهب؛ قالوا: فأنت أعلم، اصنع به ما شئت؛ قال: فإني أرى أن أصلبه حياً ثم أدعه حتى يموت؛ قالوا: افعل ذلك؛ قال: ففعل ذلك به، صلبه حياً وجعل عليه الحرس(1) ولم يقتله وجعلوا لا يطعمونه ولا يسقونه؛ فلبث أول يوم والثاني واليوم الثالث فلما كان في جوف الليل أخذ الرجل إلى أوثانه التي كان يعبد من دون الله فجعل يدعو صنماً صنماً منها فإذا رآه لا يجيبه تركه ودعا آخر، حتى دعاها كلها فلم تجبه؛ قال: وجهد فقال: اللهم إني قد جهدت وقد دعوت الآلهة التي كنت أدعو من دونك فلم تجبني، ولو كان عندها خير أجابتني، وأنا تائب إليك ربَّ جدي وأبي، فخلصني مما أنا فيه فإني قد تبت إليك وأنا من المسلمين؛ فتحلل عنه عقده فإذا هو بالأرض فأُخذ فأتي به صاحبهم فقال: ما ترون فيه؟ فقالوا: إنا نرى فيه الله يخلي(2) عنه وتسألنا ما نرى فيه؟! قال: صدقتم؛ وقال: فخلوا عنه؛ قال: فقال ابن عباس: فوالله ما كان في بني إسرائيل بعدُ رجلٌ خيرٌ(3) منه(4). (5/414-416)
__________
(1) تصحفت إلى (بطرس).
(2) كانت (تخلى).
(3) كانت (خيراً).
(4) كان في الأصل كلما وردت كلمة (النبي) في هذا الخبر جاء وراءها (صلى الله عليه وسلم) فحذفتها وإن كان موضعها صحيحاً، وذلك لأنه غلب على ظني أنها من زيادات بعض النساخ.(1/445)
عن بكر بن عبد الله المزني أن ملكاً من الملوك كان متمرداً على ربه عز وجل فغزاه المسلمون فأخذوه سالماً وقالوا: بأيها قتلة نقتله؟! فأجمع رأيهم على أن يأخذوا قمقماً عظيماً ويجعلوه فيه ويحثوا النار تحته لا يقتلوه ليذيقوه طعم العذاب، ففعلوا ذلك فجعلوا يحثون النار تحته فجعل يدعو آلهته واحداً فواحداً: يا فلان ألم أكن أعبدك وأصلي لك وأمسح وجهك وأفعل بك وأفعل؟! فأنقذني مما أنا فيه؛ فلما رآهم لا يغنون عنه شيئاً رفع رأسه إلى السماء فقال: لا إله إلا الله؛ فدعا الله عز وجل مخلصاً فقال: لا إله إلا الله فصب الله عز وجل شعباً؟؟ من السماء فأطفأ تلك النار وجاءت ريح فاحتملت القمقم فجعل يدور بين السماء والأرض وهو يقول: لا إله إلا الله فأخرجوه فقالوا: ويحك ما لك؟! قال: أنا ملك بني فلان كان من أمري وكان من أمري فآمنوا. (5/416-417)
عن جعفر قال: سمعت ثابت البناني قال: كان شاب به رهق فكانت أمه تعظه فتقول: يا بني إن لك يوماً فاذكر يومك، إن لك يوماً فاذكر يومك؛ فلما نزل به أمر الله أكبت عليه أمه فجعلت تقول: يا بني قد كنت أحذرك مصرعك هذا وأقول لك: إن لك يوماً فاذكر يومك؛ قال: يا أماه إن لي رباً كثير المعروف، وإني لأرجو أن لا يعدمني اليوم بعض معروف ربي، أن يغفر لي؛ قال: يقول ثابت: فرحمه الله بحسن ظنه بربه في حاله تلك. (5/417)
عن المفضل بن غسان عن أبيه قال: احتضر النضر(1) بن عبد الله بن حازم فقيل له: أبشر فقال: والله ما أبالي أمت أم ذهب بي إلى الابلة؛ والله ما أخرج من سلطان ربي إلى غيره، ولا يقلبني ربي من حال قط إلى حال إلا كان ما يقلبني إليه خيراً لي مما يقلبني عنه. (5/418)
عن إدريس بن عبد الله المروزي قال: مرض أعرابي فقيل له: إنك تموت؛ قال: أين يذهب بي؟ قال: إلى الله؛ قال: فما كراهتي أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه؟! (5/418)
__________
(1) كانت (النصر) فكتبت ما في (حسن الظن) لابن أبي الدنيا ص46.(1/446)
عن النعمان بن سعد عن علي قال: خياركم كل مفتن تواب. (5/418)
عن سهل بن علي الدوري أخبرنا إسحاق بن موسى الخطمي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن النضر الحارثي قال: قرأت في بعض الكتب: يقول الله عز وجل: يا ابن آدم لو يعلم الناس منك ما أعلم لنبذوك ولكني سأغفر لك ما لم تشرك بي؛ قال إسحاق بن موسى: خرج بشر بن الحارث إلى الكوفة في هذا الحديث حتى سمعه ورجع. (5/420)
عن يحيى بن اليمان قال: قال سفيان الثوري: ما أحب أن حسابي جعل إلى والدتي؛ ربي عز وجل خير لي من والدتي. (5/420)
عن أبي عثمان النهدي قال: احتجب عبد الله بن العلاء فبعثوا امرأة فتلطفت فدخلت عليه فسألته عن الذنب الذي لا يغفره الله فقال: ما من عمل بين السماء والأرض يعمله العبد ثم يتوب قبل أن يموت إلا تاب الله عليه. (5/423)
عن بشير الأزدي قال: قال عبد الله هو ابن مسعود: أربع آيات في كتاب الله أحب إلي من حمر النعم؛ وسردها؛ قال: قالوا له: وأين هي؟ قال: إذا مر بهن العلماء عرفوهن؛ قال: قالوا: في أي سورة؟ قال: في سورة النساء، قوله (إن الله لا يظلم مثقال ذرة)، وقوله (إن الله لا يغفر أن يشرك به)، وقوله (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم)، وقوله (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) الآية(1). (5/425)
عن عامر الأسدي قال: قال عبد الله بن مسعود: التوبة النصوح تكفر كل سيئة، وهو في القرآن ثم قرأ: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم) الآية. (5/426)
__________
(1) قال البيهقي: ورويناه عن ابن مسعود في (فضائل القرآن) بإسناد آخر، وزاد آية خامسة قوله (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) الآية.(1/447)
عن أحمد بن منصور أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن مسعود قال: كان الرجل، أحسب عبد الرزاق قال كان الرجل في بني إسرائيل، إذا أذنب أصبح على بابه مكتوباً: {أذنب كذا وكذا، وكفارته من العمل كذا}؛ فلعله أن يتكاثره يعمله؛ قال ابن مسعود: ما أحب أن الله أعطانا ذلك مكان هذه الآية (من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما). (5/426)
عن نعيم بن أبي هند عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة عن عبد الله قال: إني لأعلم آيتين في كتاب الله عز وجل لا يقرأهما عبد عند ذنب يصيبه ثم يستغفر الله منه إلا غفر له، قلنا: أي شيء في كتاب الله؟ فلم يخبرنا، ففتحنا المصحف فقرأنا البقرة فلم نصب شيئاً ثم قرأنا النساء، وهي(1) في تأليف عبد الله على اثرها فانتهينا إلى هذه الآية (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً)، قلت أمسك هذه؛ ثم انتهينا إلى؟؟ النساء إلى هذه الآية التي يذكر فيها (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) فأطبقنا المصحف فأخبرنا بها عبد الله فقال: هما هاتان. (5/426)
__________
(1) كانت (وهو).(1/448)
عن قتادة قال: قال ابن عباس: ثمان آيات في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت: أولهن (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم) ثلاثاً متتابعات، والرابعة (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريما)، والخامسة (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) الآية، والسادسة (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً)، والسابعة (إن الله لا يغفر أن يشرك به) الآية، والثامنة (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم)(1) الآية، فأخبرهم ثم أقبل يفسرها ابن عباس [وقال] في آخر آية(2): وكان الله للذين عملوا من الذنوب غفوراً رحيماً. (5/426)
عن سلام بن مسكين قال: سمعت قتادة يقول: إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، أما داؤكم فذنوبكم، وأما دواؤكم فالاستغفار. (5/426)
عن شمر بن عطية في قوله (إن ربنا لغفور شكور) قال: غفر لهم الذنوب التي عملوها وشكر لهم الخير الذي دلهم عليه فعملوا به فأثابهم عليه. (5/428 و425)
عن قيس بن سعد قال: قال ابن عباس: كل ذنب أصر عليه العبد كبير، وليس بكبير ما تاب عنه العبد. (5/428)
عن محمد بن سيرين أن ابن عباس سئل عن الكبائر فقال: كل ما نهى الله عنه كبيرة. (5/428)
عن همام عن كعب قال: إن العبد ليذنب الذنب الصغير فيحقره ولا يندم عليه ولا يستغفر منه فيعظم عند الله حتى يكون مثل الطود، ويعمل الذنب العظيم فيندم عليه ويستغفر منه فيصغر عند الله عز وجل حتى يغفر له. (5/428)
عن محمد بن أبي القاسم مولى بني هاشم قال: قال الفضيل بن عياض: بقدر ما يصغر الذنب عندك كذا يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك كذا يصغر عند الله. (5/428)
__________
(1) تتمتها: (أولئك سوف يأتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيما).
(2) كانت (الآية).(1/449)
عن ابن المبارك عن الأوزاعي قال: كان يقال: من الكبائر أن يعمل(1) الرجل الذنب يحتقره. (5/428)
عن الأوزاعي قال: الإصرار أن يعمل الرجل الذنب فيحتقره. (5/429)
عن يحيى بن معين قال: قال ابن السماك: لا تخف ممن تحذر، ولكن احذر ممن تأمن. (5/429)
عن ابن السماك قال: أصبحت الخليقة على ثلاثة أصناف: صنف من الذنب تائب، موطن لنفسه على هجران ذنبه، لا يريد أن يرجع إلى شيء من سيئته، هذا المبرز؛ وصنف يذنب ثم يندم، ويذنب ويحزن، ويذنب ويبكي، هذا يرجى له ويخاف عليه؛ وصنف يذنب ولا يندم، ويذنب ولا يحزن، ويذنب ولا يبكي؛ فهذا الخائن(2) الحائد عن طريق الجنة إلى النار. (5/429)
عن يونس بن العوام بن حوشب قال: كان يقال: الابتهاج بالذنب أشد من ركوبه(3). (5/429)
عن غالب القطان عن بكر بن عبد الله المزني قال: إنه من يأتي الخطيئة وهو يضحك يدخل النار وهو يبكي. (5/429)
عن منصور عن سعيد بن جبير في قوله (يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا) قال: يعملون بالمعاصي ويقولون: سيغفر لنا، (وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه). (5/429)
عن كعب قال: أصاب رجل من بني إسرائيل ذنباً فحزن عليه وجعل يذهب ويجيء ويقول: بم أرضي ربي؟! قال: فكتب صديقاً. (5/430)
عن كعب قال: انطلق رجلان من بني إسرائيل إلى مسجد من مساجدهم فدخل أحدهما وجلس الآخر خارجاً من المسجد وجعل يقول: ليس مثلي يدخل بيت الله عز وجل وقد عصيت الله تعالى! ليس مثلي ليدخل بيت الله وقد عصيت الله! قال: فكتب(4) صديقاً. (5/431)
__________
(1) في الأصل (يعلم).
(2) كانت (الكائن).
(3) قال السلمي في طبقات الصوفية ص134: "قال منصور بن عمار: سرورك بالمعصية إذا ظفرت بها شر من مباشرتك المعصية".
(4) كانت (وكتب).(1/450)
عن بكر بن عبد الله المزني أن قصاباً(1) ولع بجارية لبعض جيرانه فأرسلها أهلها إلى حاجة لهم في قرية أخرى فتبعها فراودها عن نفسها فقالت: لا تفعل، لأنا أشد حباً لك منك لي، ولكني أخاف الله، قال: فأنت تخافينه وأنا لا أخافه؟! فرجع تائباً فأصابه العطش حتى كاد ينقطع عنقه فإذا هو برسول لبعض أنبياء بني إسرائيل فسأله قال: ما لك؟ قال: العطش، قال: تعال حتى ندعو حتى تظلنا سحابة حتى ندخل القرية، قال: ما لي من عمل فأدعو! قال: فأنا أدعو فأمِّن أنت، قال: فدعا الرسول وأمن هو فأظلتهم سحابة حتى انتهوا إلى القرية فأخذ القصاب إلى مكانه ومالت السحابة فمالت عليه ورجع الرسول فقال له: زعمت أن ليس لك عمل وأنا الذي دعوت وأنت أمنت فأظلتنا السحابة ثم تبعتك! لَتخبرني ما أمرك! فأخبره فقال الرسول: التائب إلى الله تعالى بمكان ليس أحد من الناس بمكانه. (5/431)
عن ابن سيرين قال: خرجت دابة تقتل الناس، من يدنو منها، غير أنها سخرت(2) لإنسان فقتلها، قال: فجاءت جارية فقالت: دعوني وإياها وما أراني مغنية عنكم شيئاً فدنت إلى الدابة فقتلتها الدابة، فجاء رجل أعور فقال: دعوني وإياها فدنا منها فوضعت رأسها له حتى قتلها فقالوا: حدثنا من أمرك، قال: ما أصبت ذنباً قط إلا ذنباً بعيني(3) فأخذت سهماً ففقأتها به(4). (5/431-432)
عن أبي عثمان النهدي قال: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة(5) من قوله (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً) الآية. (5/432)
__________
(1) لعلها (شاباً).
(2) في الأصل (سحرت)!
(3) كانت (يعني).
(4) قال البيهقي: لعل هذا كان في بني إسرائيل وفي شريعة من كان قبلنا، فأما في شريعتنا فلا يجوز فقء العين التي ينظر بها إلى ما لا يحل، لكن يستغفر الله تعالى من ذلك ولا يعود إليه، وبالله التوفيق.
(5) كانت (الآية).(1/451)
عن ثابت عن مطرف قال: إني لأستلقي من الليل على فراشي وأتدبر القرآن فأعرض أعمالي على أعمال أهل الجنة فإذا أعمالهم شديدة: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون)، (يبيتون لربهم سجداً وقياماً)، (أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً) فلا أراني منهم(1)؛ فأعرض نفسي على هذه الآية (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين) إلى قوله (نكذب بيوم الدين) فأرى القوم مكذبين؛ فأمر بهذه الآية (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً) فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم. (5/432)
عن سفيان [بن عيينة] قال: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني أستغفرك مما (تبت إليك)(2) منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أوف لك به، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به(3) وجهك فخالط قلبي فيه ما قد علمت(4). (5/432)
عن يزيد بن خالد بن يزيد بن داود قال: سمعت محمد بن سابق المصري يقول: اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك للنعم التي أنعمت بها علي فقويت بها على معاصيك، وأستغفرك من كل شيء أوجبت لك على نفسي ثم لم أوف لك به، وأستغفرك لكل شيء أردت به وجهك ثم خالطه(5) ما ليس لك رضا. (5/433)
عن أبي وائل قال: قال عبد الله: وددت أن الله عز وجل غفر لي ذنباً من ذنوبي وأنه لا يُعرف نسبي. (5/433)
__________
(1) هذه الجملة كانت قبل الآية التي هي قبلها الآن فأخرتُها.
(2) تصحفت إلى (سألتك).
(3) كانت (به).
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/207).
(5) كانت (خالطها) وكذلك (به) كانت (بها).(1/452)
عن وهب بن منبه قال: كان فيمن كان قبلكم رجل عبد الله عز وجل زماناً وصام لله سبعين سبتاً يأكل في كل سبت إحدى عشرة تمرة، قال: وطلب إلى الله عز وجل حاجة فلم يعطَها، قال: فلما رأى ذلك أقبل على نفسه فقال: أيتها النفس منك أتيت(1) لو كان فيك خير أعطيت حاجتك، وليس عندك خير، قال: فنزل عليه ملك فقال: يا ابن آدم إن ساعتك التي أزريت على نفسك فيها(2) خير من عبادتك التي مضت كلها، وقد أعطاك الله تبارك وتعالى حاجتك التي سألت. (5/433)
عن مسعر عن جواب التيمي عن الحارث بن سويد عن ابن مسعود قال: إن من أحب الكلام إلى الله عز وجل أن يقول العبد: اللهم اعترفت بالذنب وأبوء بالنعمة فاغفر لي إنه لا يغفر الذنب إلا أنت(3). (5/433)
عن محمد بن كعب القرظي قال: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) قال: قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(4). (5/434)
عن شيبان عن قتادة في قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) قال: ذكر لنا أنه قال: يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت؟ قال: فإني إذاً أرجعك(5) إلى الجنة، قال: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فاستغفر آدم ربه وتاب إليه (فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)؛ وأما عدو الله إبليس فوالله ما تنصل من ذنبه ولا سأل التوبة حتى وقع فيما وقع، ولكنه سأل النظرة إلى يوم الدين، فأعطى الله كل واحد منهما ما سأل. (5/434)
عن محمد بن الزبرقان: سألت أبا علي الروذباري عن التوبة فقال: الاعتراف والندم والإقلاع. (5/435)
عن ذي النون قال: الاستغفار من غير إقلاع توبة الكذابين. (5/435)
عن أبي عثمان سمعت أبا حفص يقول: من قدم الاستغفار على الندم كان مستهزئاً ولا يعلم. (5/435)
عن أبي عثمان قال: التوبة طول الندم ودوام الاستغفار. (5/435)
__________
(1) كانت (أعطيت).
(2) كانت (فيك).
(3) هذا مختصر من سيد الاستغفار.
(4) يعني تلقى هذه الكلمات.
(5) كانت (أراجعك).(1/453)
عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: كم من تائب يرد يوم القيامة يظن أنه تائب وليس بتائب لأنه لم يحكم أبواب التوبة. (5/436)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت السري يقول: التوبة على أربعة دعائم: استغفار باللسان وندم بالقلب وترك بالجوارح وإضمار أن لا يعود فيه. (5/436)
عن سعيد بن عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام التوبة: إدمان البكاء على ما سلف من الذنوب، والخوف المتعلق من الوقوع فيها، وهجران إخوان السوء، وملازمة أهل الخير. (5/437)
عن يوسف بن الحسين قال: سئل ذو النون عن الاستغفار فقال: يا أخي الاستغفار اسم جامع لمعان ستة: أولهن: الندم على ما مضى، والثاني: العزم على ترك الرجوع إلى الذنوب أبداً، والثالث: (أداء كل)(1) فرض ضيعته فيما بينك وبين الله عز وجل، والرابع: أداء المظالم إلى المخلوقين في أموالهم وأعراضهم، وتصالحهم(2) عليها، والخامس: إذابة كل لحم ودم نبت من الحرام، والسادس: إذاقة البدن ألم الطاعات كما ذاق حلاوة المعصية(3). (5/437)
عن الربيع بن أبي راشد عن سعيد بن جبير في قوله (يا عبادي الذي آمنوا إن أرضي واسعة) قال: إذا عُمل في الأرض بالمعاصي فاخرجوا. (5/437)
عن إبراهيم بن أدهم قال: من أراد التوبة فليخرج من المظالم وليدع مخالطة من كان يخالط، وإلا لم ينل ما يريد. (5/438)
عن إبراهيم بن أدهم قال: التوبة الرجوع إلى الله بصفاء السر. (5/438)
__________
(1) كانت (إذا كان).
(2) كانت (ويصالحهم).
(3) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء 11/535 فقال: وقال يوسف بن الحسين سمعت ذا النون يقول:---وسمعته يقول: الاستغفار جامع لمعان أولهما الندم على ما مضى الثاني العزم على الترك والثالث أداء ما ضيعت من فرض لله الرابع رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها الخامس إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام السادس إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية.(1/454)
عن سعيد بن جبير قال: (إنه كان للأوابين غفوراً) قال: الرجاعين إلى الخير. (5/438)
عن جويبر عن الضحاك في قوله (إنه كان للأوابين غفوراً) قال: الراجعين من الذنب. (5/438)
عن سعيد بن سنان في قوله (لكل أواب حفيظ) قال: حفظ ذنوبه فتاب منها ذنباً ذنباً. (5/438)
عن يحيى بن وثاب قال: سألت ابن عباس عن قوله (لكل أواب حفيظ) قال: حفظ ذنوبه حتى يرجع عنها. (5/438)
عن ابن عباس أنه قال: (للأوابين غفوراً) قال: التوابين. (5/438)
عن عبيد بن عمير(1) في قوله (إنه كان للأوابين غفوراً) قال: الذي يذكر ذنبه فيستغفر ربه. (5/438)
عن أبي العالية في قوله (يحب التوابين ويحب المتطهرين) قال: من الذنوب. (5/439)
عن الشعبي قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ثم قرأ (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين). (5/439)
عن ابن جريج أخبرني عبيد الله بن كثير عن مجاهد قال: إذا أصاب رجل رجلاً لا يعلم المصاب من أصابه فاعترف له المصيب فهو كفارة للمصيب، وكان مجاهد يقول عند هذا: أصاب عروة بن الزبير عين إنسان عند الركن فيما يستلمون فقال له: يا هذا أنا عروة بن الزبير فإن كان بعينك بأس فأنا لها(2). (5/439)
عن وهب بن منبه قال: قال رجل من العباد لابنه: يا بني لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويؤخر التوبة بطول الأمل. (5/439)
عن عثمان بن زائدة قال: قال لقمان لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة. (5/439)
عن يحيى بن يمان عن سفيان عن السدي (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) قال: التوبة. (5/439)
__________
(1) تابعي فاضل، قال مجاهد في حقه: كنا نفتخر بفقيهنا وقاضينا؛ فأما فقيهنا فابن عباس، وأما قاضينا فعبيد بن عمير؛ وروى مجاهد عنه قال: ما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيما مضى. انظر صفة الصفوة (2/207).
(2) في الأصل (لبها).(1/455)
عن عاصم الأحول قال: كنت أمشي مع الفضيل الرقاشي فقال: لا يلهينك الناس عن نفسك لأن الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقل أقطع النهار بكذا وكذا فإنه يحصى عليك بما عملت فيه، وأحسن فإنك لم تر شيئاً أشد طلباً ولا أسرع إدراكاً من حسنة حديثة لذنب قديم(1). (5/439)
عن أبي عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الإيمان: إسباغ الطهارات في المكاره، وارتعاش القلب عند الفرائض حتى يؤديها، والتوبة عند كل ذنب خوفاً من الإصرار عليه. (5/440)
عن مسروق قال: إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها فيتذكر فيها ذنوبه فيستغفر منها. (5/440)
عن سهل بن عبد الله قال: التائب هو الذي يتوب عن غفلته في كل لمحة ولحظة. (5/440)
فصل في الطبع على القلب أو الرين
عن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل ليذنب فينكت في قلبه نكتة سوداء، ثم يذنب الذنب فينكت نكتة أخرى، حتى يصير لون قلبه لون الشاة الربداء، يعني السوداء(2). (5/440)
عن طارق بن شهاب قال: قال حذيفة: إن الرجل ليذنب فينقط على قلبه نقطة سوداء ثم يذنب فينقط على قلبه نقطة سوداء، حتى يصير كالشامة(3). (5/441)
عن الحارث بن سويد عن حذيفة قال: القلب بمنزلة الكف فإذا أذنب ينقبض ثم يذنب فينقبض حتى يجتمع فإذا اجتمع طبع عليه، فإذا سمع خيراً دخل في أذنيه حتى يأتي القلب فلا يجد فيه(4) مدخلاً فذلك قوله عز وجل (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون). (5/441)
__________
(1) تصحفت مواضع من هذا الأثر فكتبتها على الصواب.
(2) قال البيهقي عقبه: كذا وجدته "عن عبد الله"، ثم عقّبه برواية طارق بن شهاب عن حذيفة، فكأنه استغرب روايته عن عبد الله.
(3) وفي رواية: "حتى يصير كالشاة الربداء".
(4) كانت (منه).(1/456)
عن إبراهيم بن بشار قال: سمعت ابراهيم بن أدهم يقول: قلب المؤمن أبيض نقي مجلي محلى(1) مثل المرآة، فلا يأتيه الشيطان من ناحية من النواحي بشيء من المعاصي إلا نظر إليه(2) كما ينظر إلى وجهه في المرآة؛ فإذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب من ذنبه محيت النكتة من قلبه وانجلى، وإن لم يتب وعاود أيضاً وتتابعت الذنوب ذنب بعد ذنب نكت في قلبه نكتة نكتة حتى يسود القلب، وهو قول الله عز وجل (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) قال: الذنب بعد الذنب حتى يسود القلب في إبطاء، [فـ]ما [تـ]نجع في هذا القلب المواعظ، فإن تاب إلى الله قبله الله وانجلى عن قلبه كجلي المرآة. (5/441)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: (كلا بل ران على قلوبهم) قال: الخطايا على القلب، حتى غمرته، وهو الران الذي قال [الله]: (كلا بل ران على قلوبهم). (5/441)
عن الأعمش عن مجاهد في قوله عز وجل (كلا بل ران على قلوبهم) قال: كانوا يرون أن الرين هو الطبع. (5/442)
[عن] عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهداً يقول: الرين أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد من ذلك(3). (5/442)
عن محمد أبي الجهم قال: قال يحيى بن زياد القرافي في قوله (كلا بل ران على قلوبهم) يقولون: كثرت المعاصي منهم والذنوب فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها(4). (5/442)
__________
(1) يحتمل أنها زيدت خطأً.
(2) كان قبلها (لا) فحذفتها.
(3) فقد اختلفت الرواية عن مجاهد في تفسير هذه الآية.
(4) قال البيهقي: قال أصحابنا: والختم على القلب والطبع بمعنى واحد، ومن طبع على قلبه في ذنب لم يتب منه أبداً؛ ثم استدل البيهقي على ذلك، والله أعلم بصحة هذا المذهب؛ فقد يقال إنه ثَم طبع أبدي لازم لا يزول، وطبع موقوت يرفعه الله عن قلب من يشاء عندما يشاء فيدخله نوراً بعد عماه ويهديه بعد أن حال بينه وبين هداه.(1/457)
عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة قال: قيل يا أبا عبد الله أكفر بنو إسرائيل في يوم واحد؟ قال: لا، ولكن عرضت عليهم فتنة فأبوا أن يركبوها فضربوا عليها حتى ركبوها ثم عرضت عليهم أكبر منها فقالوا: لا نركب هذه أبداً فضربوا عليها حتى ركبوها فانسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه. (5/442)
عن سعيد بن المسيب قال: الناس يعملون أعمالهم من تحت كنف الله، فإذا أراد الله بعبد فضيحة أخرجه من تحت كنفه فبدت عورته. (5/445-446)
عن سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: خمس مصائب في الذنب أعظم من الذنب: أولهـ[ـا]: خذلان الله عبده حتى عصاه ولو عصمه ما عصا، والثانية: أن سلبه حلية أوليائه وكساه لباس أعدائه، والثالثة: أن أغلق عليه باب رحمته وفتح له باب عقوبته، والرابعة: نظره إليه وهو يعصيه، والخامسة: وقوفه بين يديه يعرض عليه ما قدم وأخر من قبائحه؛ فهؤلاء المصائب الخمس في الذنب أعظم من الذنب. (5/446)
عن الحسن قال: من عمل حسنة وإن صغرت أورثته نوراً في قلبه وقوة في عمله، وإن عمل سيئة وإن صغرت فاحتقرها أورثته ظلمةً(1) في قلبه وضعفاً في عمله. (5/446)
عن إبراهيم بن أدهم قال: إن للذنوب ضعفاً في القوة، وقسوة في القلب؛ وإن للحسنات قوة في البدن، ونوراً في القلب. (5/446)
عن يحيى بن معاذ قال: ما جفت الدموع إلا لقساوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب، وما كثرت الذنوب إلا من كثرة العيوب. (5/446)
عن أبي الحسين المزين قال: الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب؛ والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. (5/446)
عن علي بن عثام قال: قال الفضيل: إذا لم تستطع الصلاة والصوم فاعلم أنك مكبل، يعني بالذنوب. (5/447)
__________
(1) كانت (ظلماً).(1/458)
عن بشر بن الحارث أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: قيل لوهيب بن الورد: لا يجد حلاوة العبادة من يعصي الله(1)، قال: لا، ولا من هم بالمعصية. (5/447)
عن صالح المري قال: كان الحسن يقول: تفقدوا الحلاوة في ثلاث: الصلاة والقرآن والدعاء؛ فإن وجدتموها فامضوا(2) واحمدوا الله على ذلك؛ وإن لم تجدوها فاعلموا أن أبواب الخير عليكم مغلقة. (5/447)
عن شعيب بن حرب(3) قال: قال عمر بن ذر: يا أهل المعاصي لا تغتروا بطول حلم الله عنكم واحذروا أسفه فإنه تعالى ذكرُه قال: (فلما آسفونا انتقمنا منهم)(4). (5/447)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان الداراني: إنما هانوا عليه فتركهم ومعاصيه، ولو كرموا عليه منعهم عنها. (5/447)
عن محمد بن كناسة سمعت عمر بن ذر يقول: يا أيها الناس أجلوا مقام الله عز وجل بالتنزه عما لا يحل، فإن الله تعالى لا يؤمن مكره إذا عصي. (5/448)
عن محمد بن يونس قال: كنا عند زهير البابي فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن توصي بشيء؟ فقال: نعم، احذر لا يأخذك الله وأنت على غفلة. (5/448)
عن معتمر عن أبيه قال: إن الرجل ليذنب الذنب فيصبح وعليه مذلته. (5/448)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) قال: يقول: سوف أتوب، و (يسأل أيان يوم القيامة) فيتبين له إذا برق البصر. (5/448)
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) يقول: لا يتوبون. (5/448)
عن القعنبي قال: سمعت عبد العزيز بن أبي رواد يقول: أعوذ بالله من الغرة بالله، ومن المقام على معاصي الله. (5/449)
__________
(1) هذه الجملة تصلحة أن تكون إخباراً وتصلح أن تكون استفهاماً.
(2) كانت (فاحظوا)، فأثبت ما في الحلية 6/171 و 10/46.
(3) من كبار الزهاد المدققين.
(4) وقال أبو عمران الجوني: لا يغرنَّكم من اللهِ تعالى طولُ النسيئةِ ولا حسنُ الطلبِ فإنَّ أخذَهُ أليمٌ شديد. (رواه في الحلية 2/209)(1/459)
عن سفيان الثوري قال: قال عمر بن الخطاب: كم؟! إلى كم تزجرون كما تزجر البهائم؟! قد أعييتم الواعظين. (5/449)
عن محمد بن عيسى الكندي قال: قال جعفر بن محمد: من أخرجه الله من ذل المعصية الى عز التقوى أغناه الله بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس، ومن خاف الله أخاف منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء(1). (5/450)
عن إسحاق بن إبراهيم الجبري قال: قيل للفضيل بن عياض: يا أبا علي ما الخلاص مما نحن فيه؟ فقال: أخبرني: من أطاع الله هل يضره معصية أحد؟ قال: لا، قال: فمن عصى الله هل تنفعه طاعة أحد؟ قال: لا، قال: هو الخلاص إن أردت. (5/450)
عن يزيد بن زريع عن زيد بن أسلم قال: خلتان فمن أخبرك أن الكرامة إلا فيهما فكذبه: إكرامك نفسك بطاعة الله، وإكرامك نفسك عن معاصي الله. (5/450)
عن أبي الحسن علي بن أحمد الأصبهاني سمعت أبا علي الخزاعي فذكره عن بعض التابعين قال: ما أكرم العباد أنفسهم بمثل طاعة الله، ولا أهان العباد أنفسهم بمثل معصية الله؛ وحسبك من صديقك أن تراه مطيعاً، وحسبك من عدوك أن تراه عاصياً. (5/450)
__________
(1) بعض هذه القواعد أغلبية لا كلية جامعة، ثم إنها لها شروطها التي لا تتم إلا بها، فلا ينبغي لأحد أن يعترض على مثل هذا الخبر بأنه يرى أحياناً في الواقع ما يناقضه.(1/460)
عن الهيثم بن حماد عن يحيى بن أبي كثير(1) قال: كان يقال: ما أكرم العباد أنفسهم بمثل طاعة الله ولا أهان العباد أنفسهم بمثل معصية الله؛ وبحسبك من عدوك أن تراه عاصياً لله؛ وبحسبك من صديقك أن تراه مطيعاً لله عز وجل(2). (5/450)
عن مخلد بن حسين عن خطاب العابد قال: [إن] العبد ليذنب فيما بينه وبين الله عز وجل فيجيء إلى إخوانه فيعرفون ذلك في وجهه. (5/451)
عن أبي عبد الله الملطي قال: كان عامة دعاء إبراهيم بن أدهم: اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك. (5/451)
عن محمد بن أبي رجاء القرشي قال: قال إبراهيم بن أدهم: إنك إن أدمت النظر في مرآة التوبة بان لك قبيح شين المعصية. (5/451)
عن الحسن بن سعيد الباهلي قال: سمعت زهير البابي يقول لرجل: كيف كنت بعدي؟ قال: في عافية، قال: إن كنت سلمت من المعاصي فإنك(3) كنت في عافية، وإلا فلا داء أدوى من الذنوب. (5/451)
عن حامد(4)اللفاف قال: قال رجل لحاتم الأصم: ما تشتهي؟ قال: أشتهي عافية يوم إلى الليل، قلت له: أليست الأيام كلها عافية؟ قال: إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه. (5/451)
عن يحيى بن معاذ قال: من كتم آفات نفسه عوقب بادعاء ما لم يبلغه من المنازل. (5/451)
عن يحيى بن زكريا المقابري سمعت يحيى بن معاذ يقول: إياكم والعجب فإن العجب مهلكة لأهله، وإن العجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. (5/452)
__________
(1) تابعي.
(2) وروى أبو نعيم في الحلية (2/164) عن سعيد بن المسيب قال: ما أكرمتِ العبادُ أنفسَها بمثلِ طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا أهانتْ أنفسَها بمثلِ معصيةِ اللهِ ، وكفى بالمؤمنِ نُصرةً من اللهِ أن يرى عدوَّه يعملُ بمعصيةِ الله. قلت: أي يكفيك أن ترى من ظلمك عاصياً لله بذلك الظلم أو بغيره من المعاصي وأنه مخذول بذلك ومحروم من عصمة الله له منه، وأنه متعرض لسخط الله عليه وانتقامه منه.
(3) في الأصل (فإن).
(4) كانت (حذاء).(1/461)
عن أبي هلال عن معاوية بن قرة قال: كانوا يرون أنه يموت مذنباً نادماً أحب إليهم من أن يموت معجباً. (5/453)
عن حزم بن أبي حزم سمعت الحسن يقول: لو كان كلام بني آدم كله صدقاً وعمله كله حسناً يوشك أن يخسر، قيل(1) وكيف يخسر؟! قال: يعجب بنفسه. (5/454)
فصل في محقرات الذنوب
عن غيلان عن أنس قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لمن الموبقات(2). (5/454)
عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال: مثل المحقرات كمثل قوم سفر نزلوا(3) بأرض قفر معهم طعامهم لايصلحهم إلا النار فتفرقوا فيجيء هذا بالروثة، ويجيء هذا بالعظم، ويجيء هذا بالعود، حتى جمعوا من ذلك ما أصلحوا به طعامهم، قال: فكذلك صاحب المحقرات يكذب الكذبة ويذنب الذنب ويجمع من ذلك ما يكبه الله [به] على وجهه في نار جهنم. (5/454)
عن أبي هريرة قال: أحذركم محقرات هذه الأعمال وإنها تحصى عليكم وترد عليكم. (5/454)
عن أبي عمران أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: إن الرجل ليعمل الحسنة يتكل عليها ويعمل المحقرات حتى يأتي الله وقد أخطرته؟؟، وإن الرجل ليعمل السيئة فيفرق(4) منها حتى يأتي الله آمناً. (5/456)
عن قيس بن سعد قال: قال ابن عباس: لا كبيرةٌ بكبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرةٌ بصغيرة مع الإصرار(5). (5/456)
عن سري السقطي قال: رأيت في بعض كتب الحكماء: كان يقال: قليل الحكمة كثير النفع، وقليل الصدق كثير الصواب، وقليل اليقين كثير الإيمان، وقليل الجهل كثير الضرر، وقليل الإصرار كثير العقوبة. (5/456)
عن قتادة قال: قال لقمان لابنه: يا بني اعتزل الشر كما يعتزلك فإن الشر للشر خلق. (5/457)
__________
(1) كانت (قال).
(2) رواه البخاري.
(3) كانت (تركوا).
(4) كانت (فيغرق).
(5) الرواية المشتهرة على ألسنة الناس ليست فيها (بكبيرة) ولا (بصغيرة)، والباء هنا زائدة دخلت على خبر (لا) تفيد التوكيد.(1/462)
عن عبد الله بن المبارك أخبرنا الأوزاعي سمعت بلال بن سعد يقول: زاهدكم راغب، ومجتهدكم مقصر، وعالمكم جاهل، وجاهلكم مغتر. (5/457 و2/296)
عن سلمان قال: اذكر ربك عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت. (5/458)
عن أبي وائل قال: قال عبد الله: الإثم حزاز(1) القلوب فإذا حز في قلب أحدكم شيئاً فليدعه(2). (5/458)
عن ابن عمر قال: قال عمر: احذروا كل همة تكون قبل الخطيئة فإنها بدو الخطيئة، وتذهلوا؟؟ عن الله في سرائركم. (5/458)
عن الحسن قال: رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن أحداً لا يعمل حتى يهم، فإن كان لله عز وجل مضى، وإن كان لغير الله أمسك. (5/458)
عن المبارك عن الحسن قال: أيسر الناس حساباً يوم القيامة الذي حاسبوا أنفسهم في الدنيا فوقفوا عند همومهم وأعمالهم، فإن كان الذي هموا لهم مضوا وإن كان عليهم أمسكوا؛ قال: وإنما يثقل الأمر يوم القيامة على الذين جازفوا الأمر في الدنيا أخذوها من غير محاسبة فوجدوا الله قد أحصى عليهم مثاقيل الذر، وقرأ (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها). (5/459)
__________
(1) في الأصل (جواز)، والصحيح (حواز) أو (حزاز).
(2) قال البيهقي: يعني ما حك في صدرك وحك ولم يطمئن عليه القلب.(1/463)
عن الربيع بن منذر الثوري عن أبيه عن الربيع بن خثيم قال: كان يقول: السرائر السرائر اللائي يخفين على الناس، ومن لله بوادرهن بدو لهن ثم يقول وما دواهن أن يتوب فلا يعود(1). (5/459)
عن أبي محمد الجريري قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: العدو يرصد أهل المعرفة في وقت الهمة كمثل آدم حيث هم بالخلود دعه أنها في الجنة وصل إليه العدو فوسوسه فقال: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى لما ادعى ما ليس له دخل عليه فالخلق كلهم على هذا. (5/459)
عن ابن أبي الدنيا حدثني علي بن ابي مريم قال: قال عمرو بن [ ]: خرجت وأنا حدث وقد هممت ببعض ما يهم به الأحداث فمررت بأبي طالب القاص والناس مجتمعون عليه فوقفت معهم وكان أول ما تكلم به أن قال: أيها الهام بالمعصية أما علمت أن خالق الهمة مطلع على همتك؟! قال: فخررت مغشياً علي فما أفقت إلا عن توبة. (5/459)
عن جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: إن الأبرار تغلي قلوبهم بأعمال البر، وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور، والله يرى همومكم فانظروا في همومكم. (5/459)
عن بشر بن صالح قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: طوبى لعين نامت ولم تحدث نفسها بالمعصية وانتبهت إلى غير إثم. (5/460)
__________
(1) هكذا تصحف هذا الأثر، وصوابه بحمد الله معلوم، فقد رواه أبو نعيم في الحلية (2/108) مطولاً فروى عن الربيع أنه كان إذا أتاه الرجل يسأله قال : اتق الله فيما علمت وما استؤثر عليك فكِلْهُ إلى عالمه، لأَنَا عليكم في العَمْدِ أخوف مني عليكم في الخطأ، وما خيرتكم اليوم بخير ولكنه خير من آخر شر منه، وما تتبعون الخير حق اتباعه، وما تفرون من الناس حق فراره، ولا كل ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أدركتم، ولا كل ما تقرءون تدرون ما هو؛ ثم يقول: السرائر السرائر، اللاتي تخفين من الناس وهن لله تعالى بَوَادٍ، التمسوا دواءهن، ثم يقول: وما دواؤهن إلا أن تتوب ثم لا تعود.(1/464)
أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر لبعضهم:
يا كاتم السر ومخفيه
أين من الله تواريه
بارزت بالعصيان ربَّ العلى
وأنت من جارك تخفيه
(5/460)
عن أحمد بن محمد الأنصاري أخبرنا إسماعيل بن معاذ قال: قال أخي يحيى بن معاذ الرازي: مَن عبد الله على الخطرات(1) قضى الله حاجته على الخطرات. (5/460)
عن الجنيد قال: من راقب الله في السر حُرست جوارحه. (5/460)
عن عكرمة عن ابن عباس: [لما] قال يوسف: (ليعلم إني لم أخنه بالغيب) قال له جبرئيل عليه السلام: ولا حين(2) هممت؟! قال: وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء. (5/461)
عن الربيع بن سليمان سمعت الشافعي رحمه الله ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوماً
فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
غفلنا العمر والله حتى تداركت
علينا ذنوب بعدهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى
ويأذن في توباتنا فنتوب
(5/461)
عن عبد الله بن يحيى بن معاوية الطلحي أنشدنا حبيب بن نصر لمحمود الوراق:
ألا أيها المستطرف الذنب جاهلاً
هو الله لا تخفى عليه السرائر
فإن كنت لم تعرفه حين عصيته
فإن الذي لا يعرف الله كافر
وإن كنت من علم به قد عرفته
عصيت فأنت المستهين المجاهر
فأيها حالك اعتقدت فإنه
عليم بما تطوى عليه الضمائر
(5/461)
__________
(1) يظهر أن مراده: أن لا يدع الذنوب تخطر على قلبه ما استطاع، فهو يجاهد نفسه في ذلك ويدافع ما يكاد يقع من تلك الخواطر.
(2) تصحفت إلى (حتى).(1/465)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: كان في بني إسرائيل رجل عقيم لا يولد له وكان يخرج فإذا رأى غلاماً من غلمان بني إسرائيل عليه حلي يخدعه حتى يدخله فيقتله ويلقيه في مطمورة له، فبينا هو كذلك إذ لقي غلامين أخوين عليهما حلي لهما فأدخلهما فقتلهما وطرحهما في مطمورة له وكانت له امرأة مسلمة تنهاه عن ذلك فتقول له: إني أحذرك النقمة من الله عز وجل، وكان يقول: لو أن الله أخذني على شيء أخذني يوم فعلت كذا وكذا! فتقول: إن صاعك لم تمتلىء بعد، ولو قد امتلأ صاعك أُخذتَ! فلما قتل الغلامين الأخوين خرج أبوهما فطلبهما فلم يجد أحداً يخبره عنهما فأتى نبياً من أنبياء بني إسرائيل فذكر ذلك له فقال له النبي: هل كانت لهما لعبة يلعبان بها؟ قال: نعم، كان لهما جرو، فأتي بالجرو فوضع النبي خاتمه بين عينيه ثم خلى سبيله فقال: أول دار يدخلها من بني إسرائيل [هما] فيها، ميتان، فأقبل الجرو يتخلل الدور حتى دخل داراً فدخلوا خلفه فوجدوا الغلامين مقتولين مع غلام قد قتله وطرحهم في المطمورة، فانطلقوا به إلى النبي فأمر به أن يصلب، فلما رفع على خشبته أتت امرأته فقالت: يا فلان قد كنت أحذرك هذا اليوم وأخبرك ان الله غير تاركك وأنت تقول: لو أن الله أخذني على شيء أخذني يوم فعلت كذا وكذا فأخبرك أن صاعك بعد لم تمتلىء، ألا وإن هذا قد امتلأ صاعك. (5/461-462)
عن عكرمة عن ابن عباس في قول الله عز وجل (ذلك بأنكم فتنتم أنفسكم) قال: بالشهوات (وتربصتم) قال: بالتوبة (وغرتكم الأماني) قال: التسويف بالأعمال الصالحة (حتى جاء أمر الله) قال: الموت (وغركم بالله الغرور) قال الشيطان. (5/462)
عن عاصم الأحول قال: ما سمعت الحسن يتمثل ببيت شعر قط غير أني سمعته يتمثل بهذا البيت:
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
ثم يقول: صدق الله، والله إنه ليكون حي الجسد ميت القلب. (5/464)(1/466)
عن أبي سفيان الحميري قال: ما سمعت الحسن يتمثل بشعر قط غير هذا البيت:
يسر(1)الفتى ما كان قدم من تقى
إذا عرف الداء الذي هو قاتله(2) (5/464)
عن يونس بن عبد الأعلى قال: أنشدني مسلم الخواص عن ابن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب
ويتبعها الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها
وهل بدل الدين إلا الملوك
وأحبار سوء ورهبانها
وباعوا النفوس فلم يربحوا
وفي البيع لم تغل أثمانها
لقد وقع القوم في جيفة
بيِّنٌ لذي العقل إنتانها
(5/464)
عن ابن الأنباري أنشد لابن المعتز:
خل الذنوبَ حقيرَها
وكبيرها(3) فهو التقى
كن مثل ماش فوق أرض
الشوك، يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصى(4)
(5/465)
عن أبي بكر بن أبي الدنيا أنشدني الحسن بن عبد الرحيم لرجل من بني تميم:
أنوح على نفسي وأبكي خطيئة
تقود خطايا أثقلت مني الظهرا
فيا لذة كانت قليلاً بقاؤها
ويا حسرة دامت ولم تبق لي عذرا
(5/465)
أخبرنا ابو عبد الله الحافظ سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد الشعراني يقول: سمعت أبا عثمان ينشد أبيات:
أسأت ولم أحسن وجئتك هارباً
وأين لعبد من مواليه مهرب
يؤمل غفراناً فإن خاب ظنه
فما أحد منه على الأرض أخيب
(5/465)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ سمعت أبا أحمد محمد بن أحمد بن موسى سمعت أبا بكر الساسي الواعظ يقول في دعائه يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة هب لي ما لا يضرك وأعطني ما لا ينقصك. (5/465)
__________
(1) تحرفت فصارت (ليس).
(2) أي إذا يئس من حياته وعلم بدنو أجله.
(3) كانت (وكثيرها).
(4) قال ابن كثير في تفسيره 1/41: وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى، قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى؛ وقد أخذا هذا المعنى ابن المعتز فقال: ثم ذكر ابن كثير هذه الأبيات.(1/467)
عن روح بن سلمة الوراق قال: بتنا ليلة مع رجل من العابدين بالسيراف على الساحل فأخذ في البكاء فلم يزل يبكي حتى خفنا طلوع الفجر ولم نتكلم بشيء؛ ثم قال: جرمي عظيم وعفوك كبير فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم؛ قال: فتصارخ الناس من كل ناحية. (5/465)
عن إبراهيم بن مضارب بن ابراهيم قال: سمعت أبي يقول: دخلت على الحسين بن الفضل وقد احتضر واغرورقت عيناه فقال لي: اكتب يا مضارب:
أيا من لا يخيب إليه راجي
ولم يراه الحاج(1) المناجي
ويا ثقتي على سرفي وجرمي
وإيثار التمادي في اللجاج
أقلني عثرتي واغفر ذنوبي وهب لي
منك عفواً واقض حاجي
فما لي غير إقراري بجرمي
وعفوك حجة يوم احتجاجي
(5/466)
عن علي بن محمد الوراق: أنشدني يحيى بن معاذ الرازي:
جلالك يا مهيمن لا يبيد
وملكك دائم أبداً جديد
وحكمك نافذ في كل أمر
وليس يكون إلا ما تريد
ذنوبي لا تضرك يا إلهي
وعفوك نافع وبه تجود
فهبها لي وإن كثرت وجلت
فأنت الله تحكم ما تريد
فلست على عذاب الله أقوى
وأنت بضرنا(2)لا تستفيد
فنعم الرب مولانا وإنا
لنعلم أننا بئس العبيد
وينقص عمرنا في كل يوم
ولا زالت خطايانا تزيد
قصدت إلى الملوك بكل باب
عليه حاجب فظ شديد
وبابك معدن للجود يا من
إليه يقصد العبد الطريد(3)
(5/466)
عن القاسم بن محمد قال: سأل رجل ابن عباس فقال: رجل كثير العمل كثير الذنوب، ورجل قليل العمل قليل الذنوب(4)؟ فقال ابن عباس: لا أعدل بالسلامة شيئاً. (5/467)
__________
(1) لعل العبارة (ولم يبرمه إلحاح) أو نحو ذلك.
(2) كانت (بغيرها) وهو خطأ لا يظهر لي صوابه، فكتبت أقرب ما خطر ببالي.
(3) قال البيهقي في الشطر الأخير: ويروى: إليه يرجع العبد الشريد.
(4) وفي رواية: أيهما أعجب إليك رجل كثير العمل كثير الذنوب---إلى آخره؛ والمعنى واحد.(1/468)
عن أشعث بن شعبة قال: قال ابن عون: لا تثق بكثرة العمل فإنك لا تدري تُقُبل منك أم لا؟ ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري هل كفرت عنك أم لا؟ إن عملك عنك مغيب ما تدري ما الله صانع فيه أيجعله في سجين أم يجعله في عليين؟! (5/467)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي سمعت أبي يقول: كنت في حلقة الشبلي فنظر إلي وإلى ضعفي فرفع يديه داعياً وقال:
ها أن(1) مددت يدي إليك فردها
بالوصل لا بشماتة الحساد (5/467)
عن الأصمعي قال: سمعت المعتمر يقول: إن من أفضل العصمة أن لا تقدر. (5/467)
عن عبد الصمد بن محمد قال: كتب محمد بن يوسف الأصبهاني إلى بعض إخوانه: أما بعد فإن الدنيا دار عصمة الله أو الهلكة، والآخرة دار عفو الله أو النار(2). (5/468)
عن الحكم بن سنان قال: كان مالك بن دينار يقول: اللهم أصلحت الصالحين فأصلحنا حتى نكون صالحين. (5/468)
__________
(1) إن كانت محفوظة فهي (أنا) حذف منها ألفها ثم سكن النون، أو هي (إنْ) بالكسر فالتسكين.
(2) روى أبو نعيم في الحلية (2/269) عن الفضيل بن عياضٍ قال: قالَ الحسنُ: إنما هي طاعةُ اللهِ أو النارُ، وقالَ ابنُ سيرينَ: إنما هي رحمةُ اللهِ أو النار؛ وروى أبو نعيم في الحلية (2/348) عن فضيل أيضاً قال: قال مالك بن دينار: إنما هو طاعة الله أو النار فقال محمد بن واسع: إنما هو عفو الله أو النار.(1/469)
عن الفضل بن موسى قال: كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تالياً يتلو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)؟ قال: فلما سمعها قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خربة وإذا فيها سابلة فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين ههنا يخافونني(1) وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام. (5/468)
الثامن والأربعون من شعب الإيمان
وهو باب في القرابين والإبانة(2)عن معناها وغرضها وجملته الهدي والأضحية والعقيقة(3)
__________
(1) كانت (يخوفونني).
(2) تصحفت إلى (والأمامة).
(3) قال الحليمي في بيان معنى الهدي: والمعنى في ذلك والله أعلم أن من حج واعتقد في حجه ما قدمنا ذكره في بابه من أنه قد انسلخ من زينة الدنيا وشهواتها وخلفها وراء طهره وتاب من الذنوب وطهر منها قلبه وجاء معتذراً متنصلاً منيباً إلى ربه، أُمر أن يقرب بذلك قرباناً يقربه له من بعض ما أحل له من بهيمة الأنعام، حتى إذا رمى اتبعه نحره أو ذبحه وكان كأنه يقول: اللهم إني قد أتيت من التقصير في حقوقك وكسبت من السيئات ما لو كان لي إلى نحر نفسي سبيل لنحرتها عقوبة لها بما أسلفت من المعاصي، ولكنك حرمت ذلك علي وأحللت لي بهيمة الأنعام، وإني متقرب إليك بهديي هذا فاقبله مني واجعله فداء لي بمنك وطولك كما فديت ابن خليلك إبراهيم بالذبح العظيم برحمتك وفضلك واقبله مني كما قبلته من إبراهيم خليلك ومن محمد نبيك ورسولك، وينوي ذلك [كانت: ونحر وذلك] بقلبه ويعتقده ويعلم أن هذا معنى قربانه وغرضه، وإن قاله بلسانه فلا بأس؛ [و] ما قلته من هذا فهو في الأضحية مثله ليس بينهما فرق سوى أن ذلك هدي إلى البيت الحرام وهذا ليس بهدي---.(1/470)
عن معمر عن الزهري في قوله [تعالى] (إني أرى في المنام أني أذبحك) قال: أخبرني القاسم بن محمد قال: اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يحدث كعب عن الكتب، فقال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة؛ فقال له كعب: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم؛ قال: فداه أبي وأمي؛ أوَلا أخبرك عن إبراهيم عليه السلام؟ إنه لما أري ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان: إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبداً! فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال: أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: غدا به لبعض حاجته، فقال: إنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب به ليذبحه! قالت: ولمَ يذبحه؟! قال: يزعم أن ربه أمره بذلك؛ قالت: فقد أحسن أن يطيع ربه؛ فخرج الشيطان في أثرهما فقال للغلام: أين يذهب بك أبوك؟ قال: لبعض حاجته، قال: إنه لا يذهب بك لحاجة ولكنه يذهب بك ليذبحك! قال: لمَ يذبحني؟! قال: يزعم أن ربه أمره بذلك، قال: فوالله لئن كان أمره بذلك ليفعلن؛ قال: فيئس منه فتركه ولحق بإبراهيم فقال: أين عدوت بابنك؟ قال: لحاجة، قال: فإنك لم تغد به لحاجة، إنما غدوت به لتذبحه، قال: ولمَ أذبحه؟ قال: تزعم أن ربك أمرك بذلك، قال: فوالله لئن كان الله أمرني بذلك لأفعلن؛ قال: فتركه ويئس أن يطاع؛ قال: (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين) قال: فأوحى إلى إسحاق أن ادع فإن لك دعوة مستجابة؛ قال إسحاق: اللهم إني أدعوك أن تستجيب لي: أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لقيك لا يشرك بك شيئاً أن تدخله الجنة. (5/477-478)(1/471)
عن شعبة عن أبي(1) إسحاق سمع هبيرة وعمارة بن عبد قالا: سمعت علياً وهو يقول: ثنياً فصاعداً واستسمن، فإن أكلت أكلت طيباً وإن أطعمت أطعمت طيباً(2). (5/482)
عن طارق بن شهاب قال: قال سلمان: دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل رجل النار في ذباب، قالوا: وما الذباب؟ فرأى ذباباً على ثوب إنسان فقال: هذا الذباب؛ قالوا: وكيف ذاك؟ قال: مر رجلان مسلمان على قوم يعكفون على صنم لهم فقالوا لهما: قربا لصنمنا قرباناً قالا: لا نشرك بالله شيئاً، قالوا: قربا ما شئتما ولو ذباباً، فقال أحدهما لصاحبه: ما ترى؟ قال أحدهما: لا نشرك بالله شيئاً، فقتل فدخل الجنة؛ فقال الآخر بيده على وجهه فأخذ ذباباً فألقاه على الصنم فدخل النار. (5/485)
التاسع والأربعون من شعب الإيمان
وهو باب في طاعة أولي الأمر بفصولها
عن ابن عمر قال: قيل لعمر رضي الله عنه: ألا تستخلف قال: إن أترك فقد ترك من هو خير مني، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر. (6/6)
__________
(1) كانت (ابن)
(2) قال البيهقي: وقد روينا في حديث جابر وغيره أدلة على جواز الجذعة من الضأن، وقول علي محمول على الاستحباب في الضأن أو أراد غير الضأن من المعز أو البقر أو الإبل والله أعلم.(1/472)
عن شقيق بن سلمة قال: قيل لعلي رضي الله عنه: استخلف علينا؛ فقال: ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيراً جمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم(1). (6/6)
فصل في فضل الإمام العادل وما جاء في جور الولاة
عن قتادة عن أنس بن مالك قال: السلطان ظل الله في الأرض فمن غشه ضل ومن نصحه اهتدى. (6/18)
عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي عن كعب الحبر(2) قال: سئل عن الحجر الأسود، قال: حجر من أحجار الجنة؛ وسئل عن السلطان فقال: ظل الله في الأرض فمن ناصحه فقد اهتدى ومن غشه فقد ضل. (6/18)
عن الأحنف بن قيس قال: لا ينبغي للعاقل أن ينزل بلداً ليس فيها خمس خصال: سلطان قاهر، وقاضي عدل، وسوق قائمة، ونهر جاري، وطبيب عالم. (6/19)
عن الأوزاعي قال: بلغني أن اليوم من إمام عادل مثل عمل المرء ستين عاماً يصوم نهاره ويقوم ليله. (6/19)
عن داود بن أبي هند عن الحسن أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام قالوا: سل لنا ربك يبين لنا عَلَمَ رضاه عنا وعلم سخطه، فسأله فقال: يا موسى أبلغهم أن رضاي عنهم أن أستعمل عليهم خيارهم، وأن سخطي عليهم أن أستعمل عليهم شرارهم. (6/22)
__________
(1) وفي هذا دلالة على عدم النص من النبي صلى الله عليه وسلم على الإمام بعده مع عدم ظهوره وانتشاره ولو كان موجوداً لانتشر وظهر كالقبلة وإهداء الصلاة وغيرهما مما تعم به البلوى ويجب على الأعيان وحين لم يكن نص استدلوا على إمامته بأمور من أهمها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصلاة بالمسلمين في مرضه، مع ما عرفوا من أفضليته، وأهليته، وكفايته، واستجماعه شرائط الإمامة، وكونه أفضلهم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) كانت (الخير).(1/473)
عن عمر بن الخطاب قال: حدثت أن موسى أو عيسى عليهما السلام قال: يا رب ما علامة رضاك عن خلقك؟ فقال عز وجل: أن أنزل عليهم الغيث إبان زرعهم، وأحبسه إبان حصادهم، وأجعل أمورهم إلى حلمائهم، وفيئهم في أيدي سمحائهم؛ قال: يا رب فما علامة السخط؟ قال: أن أنزل عليهم الغيث إبان حصادهم، وأحبسه إبان زرعهم، وأجعل أمورهم إلى سفهائهم، وفيئهم في أيدي بخلائهم(1). (6/23)
عن كعب الأحبار قال: إن لكل زمان ملكاً يبعثه الله على نحو قلوب أهله، فإذا أراد صلاحهم بعث عليهم مصلحاً، وإذا أراد هلكتهم بعث فيهم مترفيهم. (6/22)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمش يقول: سمعت أبي يقول: اللهم بما كسبت أيدينا سلطت علينا من لا يعرفنا ولا يرحمنا. (6/22)
حرملة نا ابن وهب نا مالك أن كعب الأحبار كلم عمر بن الخطاب فقال: ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء! فقال عمر: إلا من حاسب نفسه؛ فقال(2): ما بينهما(3) آية في كتاب الله عز وجل(4). (6/22)
__________
(1) أنا قدمته عن أصل موضعه.
(2) أي كعب.
(3) يحتمل أن (ما بينهما) صوابها (أما إنهما).
(4) جاء في (فضيلة الشكر) للخرائطي ص56 عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال لعمر بن الخطاب: إنا لنجد [أي في الكتب]: "ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء" قال عمر: إلا من حاسب نفسه قال كعب: إلا من حاسب نفسه، فكبر عمر وخر ساجداً.(1/474)
عن عاصم بن أبي النجود أن عمر بن الخطاب كان إذا بعث عمالاً اشترط عليهم: ألا تركبوا برذوناً ولا تأكلوا نقياً ولا تلبسوا رقيقاً ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس، فإن فعلتم شيئاً من ذلك فقد حلت بكم العقوبة، ثم يشيعهم، فإذا أراد أن يرجع قال: إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أبشارهم ولا على أعراضهم ولا على أموالهم، ولكني بعثتكم لتقيموا فيهم الصلاة وتقسموا(1) فيهم فيئهم وتحكموا بينهم بالعدل، فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إلي؛ ألا ولا تضربوا العرب فتذلوها، ولا تحمدوها فتفتنوها ولا تقبلوا عليها فتحدثوها(2)
__________
(1) كانت (وتقتسموا).
(2) كانت (فتحرموها)، وإن صح ما أثبته أنا فالمراد: لا تشغلوهم عن القرآن بأحاديث الناس؛ ثم وجدت هذه الرواية في جامع معمر 11/325 وفي آخرها: "فإن أشكل علكيم شيء فارفعوه إلي ألا فلا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمروها فتفتنوها ولا تعتلوا عليها فتحرموها، جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا وأنا شريككم".
وقال الطبري في تأريخه 2/566-567: "وكان عمر رحمه الله إذا بعث عاملاً له على عمل يقول ما حدثنا به محمد بن المثنى قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي قال حدثنا شعبة عن يحيى بن حضين سمع طارق بن شهاب يقول قال عمر في عماله اللهم إني لم أبعثهم ليأخذوا أموالهم ولا ليضربوا أبشارهم من ظلمة أميره فلا إمرة عليه دوني.
وحدثنا ابن بشار قال حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوم الجمعة فقال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم وأن يقسموا فيهم فيئهم وأن يعدلوا فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي.
وحدثنا أبو كريب قال حدثنا ابو بكر بن عياش قال سمعت أبا حصين قال كان عمر إذا استعمل العمال خرج معهم يشيعهم فيقول إني لم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أشعارهم ولا على أبشارهم إنما عليهم لتقيموا بهم الصلاة بينهم بالحق وتقسموا بينهم بالعدل وإني لم أسلطكم على أبشارهم ولا على أشعارهم ولا تجلدوا العرب فتذلوها ولا تجمروها فتفتنوها ولا عنها فتحرموها جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن محمد صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم وكان يقتص من عماله وإذا شكي إليه عامل له جمع بينه وبين من شكاه فإن صح عليه أمر يجب أخذه به أخذه به.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي فراس قال خطب عمر بن الخطاب فقال: يأيها الناس إني والله ما أرسل إليكم عمالاً ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه فوثب عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته إنك لتقصه منه قال إي والذي نفس عمر بيده إذا لأقصنه منه وكيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم".(1/475)
فيردوا القرآن. (6/24)
عن ابن طاوس عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أفقضيت ما علي؟ قالوا: نعم، قال: لا، حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا؟. (6/24)
عن حميد بن هلال قال: لما دفن عمر أبا بكر رضي الله عنهما قام على المنبر ثم قال: أيها الناس إن الله قد ابتلاني بكم وابتلاكم بي وخُلفت بعد صاحبيَّ، والله لا يحضرني شيء من أموركم ولا يغيب عني منها شيء فآلو(1) فيها عن أهل الأمانة والحزم؛ قال: فما زال على ذلك حتى مضى رحمه الله(2). (6/24)
عن الزهري أن يهودياً جاء إلى عبد الملك بن مروان فقال: إن ابن هرمز ظلمني فلم يلتفت إليه ثم الثانية ثم الثالثة فلم يلتفت إليه فقال له اليهودي: إنا نجد في كتاب الله عز وجل في التوراة أن الإمام لا يَشْرُكُ في ظلم ولا جور(3) حتى يرفع إليه فإذا رفع إليه فلم يغيِّرْ شَرِكَ في الجور والظلم؛ قال: ففزع بها عبدالملك وأرسل إلى ابن هرمز فنزعه. (6/24)
عن أبي قلابة عن أبي مسلم الخولاني قال: مثل الإمام كمثل عين عظيمة صافية طيبة الماء يجري منها إلى نهر عظيم فيخوض الناس [في] النهر فيكدرونه ويعود عليهم صفو(4) العين؛ فإذا كان الكدر من قِبل العين فسد النهر؛ قال: ومثل الإمام والناس كمثل فسطاط (لا يستقل)(5) – أو قال لا يستقيم – إلا بعمود، ولا يقوم العمود إلا بأطناب – أو قال بأوتاد؛ فكلما نزع [وتد] ازداد العمود وهناً؛ فلا يصلح الناس إلا بالإمام ولا يصلح الإمام إلا بالناس. (6/24)
فصل في نصيحة الولاة ووعظهم
__________
(1) معناه (فأقصر).
(2) وقع في الأصل تصحيف فأصلحته.
(3) أي لا يكون شريكاً لمن فعل ذلك من رعيته.
(4) كانت (مقر)، وهي مصحفة.
(5) كانت (مستقيم)، وما أثبته ورد في جامع معمر 11/327 ولكن من غير شك.(1/476)
أخبرنا أبو عبدالله الحافظ أنا أبو الفضل الحسين بن يعقوب بن يوسف العدل أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الواعظ الزاهد أخبرنا موسى بن نصر أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولنبيه ولأئمة المسلمين وعامتهم؛ قال أبو عثمان: فانصح للسلطان وأكثر له من الدعاء بالصلاح والرشاد بالقول والعمل والحكم فإنهم إذا صلحوا صلح العباد بصلاحهم، وإياك أن تدعو عليهم باللعنة فيزدادوا شراً ويزداد البلاء على المسلمين، ولكن ادع لهم بالتوبة فيتركوا الشر فيرتفع البلاء عن المؤمنين، وإياك أن تأتيهم أو تتصنع لإتيانهم أو تحب أن يأتوك، واهرب منهم ما استطعت ما داموا مقيمين على الشر؛ فإن تابوا وتركوا الشر من القول والعمل والحكم وأخذوا الدنيا من وجهها فهناك فاحذر العز بهم لتكون بعيداً منهم قريباً بالرحمة لهم والنصيحة إن شاء الله؛ وأما نصيحة جماعة المسلمين فإن نصيحتهم (على أخلاقهم)(1) ما لم يكن لله معصية؛ وانظر إلى تدبير الله فيهم بتأمل(2)، فإن الله قسم بينهم أخلاقهم كما قسم بينهم أرزاقهم؛ ولو شاء لجمعهم على قلب واحد؛ فلا تغفل(3) عن النظر إلى تدبير الله فيهم؛ فإذا رأيت معصية لله(4) [فـ[ـاحمد الله إذ صرفها عنك في وقتك؛ وتلطف في الأمر والنهي في رفق وصبر وسكينة؛ فإن قبل منك فاحمد الله، وإن رد عليك فاستغفر الله لتقصير منك كان في أمرك ونهيك، واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. (6/26-27)
عن ابن محيريز قال: من جلس على الوسائد(5) وجب عليه النصيحة. (6/27)
__________
(1) لعل الصحيح في هذه العبارة: (موافقتهم على أخلاقهم)، أو (ترك خلافهم).
(2) كانت (بقليل).
(3) كانت (يغفل).
(4) كانت (معصية الله).
(5) أي وسائد الأمراء والسلاطين ونحوهم.(1/477)
عن هشام بن عبد الملك قال لأبي حازم: يا أبا حازم ما النجاة من هذا الأمر؟ قال: يسير، قال: ما ذاك؟ قال: لا تأخذن شيئاً إلا من حله، ولا تضعن شيئاً إلا في حقه؛ قال: ومن يطيق ذلك يا أبا حازم؟ قال: من طلب الجنة وهرب من النار. (6/28)
عن سفيان قال: قال بعض الأمراء لأبي حازم: ارفع إلي حاجتك، قال: هيهات هيهات، رفعتها إلى من لا تختزل(1) الحوائج دونه فما أعطاني منها قنعت وما زوى عني منها رضيت؛ قال: فقال ابن شهاب: وما علمت أن هذا عنده، قال أبو حازم: فقلت: لو كنت غنياً لعرفتني؛ ثم قلت: لا تنجو مني، فقلت: كان العلماء فيما مضى يطلبهم السلطان وهم يفرون، أما العلماء اليوم طلبوا العلم حتى إذا جمعوه بحذافيره أتوا به أبواب السلاطين والسلاطين يفرون منهم وهم يطلبونهم(2)
__________
(1) لعلها (تختزن).
(2) روى صاحب الحلية (3/237) أنه كتب بعض بني أمية إلى أبي حازم يعزم عليه إلا رفع اليه حوائجه إليه؛ فكتب اليه: أما بعد جاءني كتابك تعزم علي إلا رفعت اليك حوائجي وهيهات رفعت حوائجي الى من لا يختزن الحوائح وهو ربي عز وجل فما أعطاني منها قبلت وما أمسك عني قنعت.
وذكر صاحب العقد الفريد (10/127) أنه قدم هشام بن عبد الملك المدينة --- فدخل أبو حازم فقال: ما يمنعك أبا حازم أن تأتينا؟ فقال: وما أصنع بإتيانك يا أمير المؤمنين؟ إن أدنيتني فتنتني، وإن أقصيتني أخزيتني، وليس عندي ما أخافك عليه، ولا عندك ما أرجوك له.
وروى صاحب الحلية (2/151) عن الحسن البصري أنه خرج من عند عمر بن هبيرة [وكان والياً على العراق] فإذا هو بالقراء على الباب فقال ما يجلسكم هاهنا؟!! تريدونَ الدخولَ على هؤلاءِ الخبثاء؟!! أما والله ما مجالستُهم بمجالسةِ الأبرار، تفرقوا فرَّقَ اللهُ بين أرواحِكم وأجسادِكم؛ قد فلطحتم [أي عرّضتم] نعالَكم وشمَّرتم ثيابَكم وجزَزْتُم شعورَكم، فضحتم القراءَ فضحكمُ اللهُ؛ أما واللهِ لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندَكم، لكنكم رغِبتم فيما عندهم فزهدوا فيما عندكم، أبعد الله من أبعد.(1/478)
. (6/28)
عن عثمان بن زفر قال: خرج سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز فلما قضيا شأنهما من صيد أو غيره اطلعا على عسكره فأعجب ذلك سليمان فقال: يا أبا حفص ما ترى؟ قال: أرى دنيا يأكل بعضها بعضاً وأنت المسؤول عنا(1)، فسكت عنه؛ ثم انتهى إلى فسطاطه فطار غراب وفي مخالبه لقمة قد حملها من فسطاطه فنعب، قال: ما يقول يا عمر؟ قال: ما أدري، قال: ظُنَّ، قال: أراه يقول: من أين جاءت؟! وأين يذهب بها؟! قال: فقال سليمان: ما أعجبك؟! قال: أعجب مني من عرف الله فعصاه وعرف الشيطان فأطاعه؛ فسكت. (6/29)
__________
(1) يحتمل أنها (عنها).(1/479)
حدثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر محمد بن جعفر بن يزيد العدل الآدمي ببغداد قرأت عليه من أصل كتابه أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي نا محمد بن مصعب القرقساني(1) حدثني الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو قال: بعث إلي المنصور أمير المؤمنين وأنا بالساحل، فلما وصلت إليه سلمت عليه بالخلافة فرد علي وأجلسني، ثم قال: ما الذي بطَّأَ بك عنا يا أوزاعي؟! قلت: وما الذي تريد يا أمير المؤمنين؟ قال: أريد الأخذ عنك والاقتباس منك؛ قال: فانظر يا أمير المؤمنين أن لا تجهل شيئاً مما أقول لك، قال: وكيف أجهله وأنا أسألك عنه وقد وجهت إليك وأقدمتك له؟! قلت: أن تسمعه ولا تعمل به، يا أمير المؤمنين، من كره الحق فقد كره [الله] إن الله هو الحق المبين؛ قال: فصاح ابن الربيع وأهوى بيده إلى السيف فانتهره المنصور وقال: هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة فطابت نفسي وانبسطت في الكلام، فقلت:(2) يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن (عطية بن بسر)(3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما والٍ بات غاشاً لرعيته حرم الله عليه الجنة؛ يا أمير المؤمنين إن الذي لين قلوب أمتكم لكم حين ولوكم لَقرابتُكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان بهم رؤوفاً رحيماً مواسياً لهم بنفسه وذات يده، وعند الناس لحقيق أن يقوم لهـ[ـم] فيهم بالحق وأن يكون بالقسط له فيهم قائماً ولعوراتهم ساتراً، لم يغلق عليه دونهم الأبواب، ولم يقم عليه دونهم الحجاب، يبتهج بالنعمة عندهم، ويبتئس بما أصابهم من سوء؛ يا أمير المؤمنين قد
__________
(1) تصحفت إلى (القرقسائي).
(2) زاد هنا في الحلية 6/136 : يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية يعني ابن بسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه فإن قبلها بشكر وإلا كانت حجة عليه من الله ليزداد بها إثماً ويزداد الله بها عليه سخطة.
(3) كانت (عطية عن بشر).(1/480)
كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم أحمرهم وأسودهم مسلمهم وكافرهم وكلٌّ له عليك نصيب من العدل فكيف بك إذا اتبعك منهم فئام وراء فئام ليس منهم أحد [إلا] وهو يشكو شكوى أو بلية أدخلتها عليه أو ظلامة سقتها إليه؛ يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عروة بن رويم قال: كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة رطبة يستاك بها ويروع بها المنافقين فأتاه جبريل فقال: يا محمد ما هذه الجريدة التي كسرت بها قرون أمتك وملأت بها قلوبهم رعباً(1)!! فكيف بمن شقق أبشارهم وسفك دماءهم وخرب ديارهم وأجلاهم عن بلادهم وغيبهم الخوف منه؟! يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن زياد بن حارثة عن حبيب بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى القصاص من نفسه في خدشة خدشها أعرابياً لم يتعمده فأتاه جبريل فقال: إن الله لم يبعثك جباراً ولا متكبراً فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقتص مني فقال الإعرابي: قد أحللتك بأبي أنت وأمي ما كنت لأفعل ذلك أبداً ولو أتيت على نفسي فدعا الله له بخير(2)؛ يا أمير المؤمنين روض نفسك لنفسك وخذ لها الأمان من ربك وارغب في جنة عرضها السموات والأرض التي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها؛ يا أمير المؤمنين إن الملك لو بقي لمن كان قبلك لم يصل إليك، وكذلك لا يبقى لك كما لا يبقى لغيرك؛ يا أمير المؤمنين تدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك(3) (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها)؟ قال: الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك! فكيف ما عملته الأيدي وأحصته الألسن؟! يا أمير المؤمنين بلغني أن عمر بن الخطاب قال: لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخفت أن أسأل عنها فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك؟! يا أمير المؤمنين تدري ما جاء في
__________
(1) ليُنظر أيثبت هذا الحديث أم لا.
(2) ليُنظر أيثبت هذا الحديث أم لا.
(3) يعني ابن عباس.(1/481)
تأويل هذه الآية عن جدك (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) قال: يا داود إذا قعد الخصمان بين يديك فكان لك في أحدهما هوى فلا تتمنين في نفسك أن يكون الحق له فيفلج(1) على صاحبه فأمحوك من(2) نبوتي ثم لا تكون خليفتي ولا كرامة، يا داود إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاة ترعى الإبل لعلمهم بالرعاية ورفقهم بالسياسة ليجبروا الكسير(3) ويدلوا الهزيل على الكلأ والماء؛ يا أمير المؤمنين إنك قد بليت بأمر لو عرض على السموات والأرض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه؛ يا أمير المؤمنين حدثني يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أن عمر بن الخطاب استعمل رجلاً من الأنصار على الصدقة فرآه بعد أيام مقيماً فقال له: ما منعك من الخروج إلى عملك؟! أما علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله؟! قال: لا، قال: وكيف ذلك؟! قال: لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من والٍ يلي شيئاً من أمور الناس إلا يأتي به يوم القيامة يده مغلولة إلى عنقه فيوقف على جسر من النار [فـ]ـينتفض ذلك الجسر انتفاضة يزيل كل عضو منه عن موضعه ثم يعاد فيحاسب فإن كان محسناً نجاه إحسانه، وإن كان مسيئاً انحرف به ذلك الجسر فهوى به في النار سبعين خريفاً(4)؛ قال له: ممن سمعت هذا؟ قال: من أبي ذر وسلمان فأرسل إليهما عمر فسألهما فقالا: نعم، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: واعمراه!! من يتولاها بما فيها؟! فقال أبو ذر: من أرغم الله أنفه وألصق خده بالأرض، قال: فأخذ [أبو جعفر] المنديل فوضعه على وجهه ثم بكى وانتحب حتى أبكاني؛ ثم قلت: يا أمير المؤمنين قد سأل جدك العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة على مكة أو الطائف أو اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عباس يا عم النبي نفس تنجيها خير من إمارة لا
__________
(1) كانت بالحاء.
(2) كانت (عن).
(3) كانت (الكسير).
(4) ليُخرج.(1/482)
تحصيها(1) نصيحة منه لعمه وشفقة منه عليه، وإنه لا يغني عنه من الله شيئاً إذ أوحي إليه (وأنذر عشيرتك الأقربين) فقال: يا عباس يا عم النبي ويا صفية عمة النبي ويا فاطمة بنت محمد إني لست أغني عنكم من الله شيئاً لي عملي ولكم عملكم؛ وقد قال عمر بن الخطاب: لا يقضي بين الناس(2) إلا حصيف العقل أر[يـ]ـب العقدة لا يطلع منه على عورة ولا يحنق على جراءة(3) ولا يأخذه في الله لومة لائم؛ وقال علي رضي الله عنه: السلطان أربعة: فأمير قوي ظلف(4) نفسه وعماله فذلك كالمجاهد في سبيل الله يد الله باسطة عليه بالرحمة؛ وأمير ظلف نفسه وأرتع عماله لضعفه فهو على شفا هلاك إلا أن يتركهم؟؟؛ وأمير ظلف عماله وأرتع نفسه فذلك الحطمة الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شر الرعاة(5) الحطمة"؛ فهو الهالك وحده؛ وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكوا جميعاً؛ وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فقال أتيتك (حين أمر الله عز وجل بمنافيخ)(6) النار فوضعت على النار تسعر إلى يوم القيامة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صف لي النار فقال: إن الله تعالى ذكره أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى اصفرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها ولا جمرها والذي بعثك بالحق لو أن ثوباً من
__________
(1) ليخرج.
(2) هذه الجملة وقع مكانها في الحلية (لا يقيم أمر الناس).
(3) هذه الجملة وقع مكانها في الحلية (ولا يحنو على حوية).
(4) هذه اللفظة (ظلف) تصحفت حيثما وردت في هذا الخبر إلى (طلق) وصوابها (ظلف) وهو الوارد في الحلية، وظلف العيش بؤسه وشدته، يقال: رجل ظليف، إذا كان سيء الحال، ومكان ظليف أي خشن وعر، وقد ظلف الرجل نفسه إذا صرفها عن النعيم إلى البؤس. كذا في غريب الحديث للخطابي 2/292.
(5) في الحلية (الرعاء).
(6) كانت (بخبر من أمر الله تعالى ذكره بمفاتيح) فاستبدلت به ما في الحلية.(1/483)
ثياب أهل النار ظهر لأهل الأرض لماتوا جميعاً، ولو أن ذنوباً(1) من شرابها صب في مياه أهل الأرض جميعا لقتل من ذاقه ولو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها الله عز وجل وضع على جبال الأرض لذابت وما اشتعلت ولو أن رجلاً أدخل النار ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه وتشويه خلقه وعظمه فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل لبكائه فقال: بلى يا محمد وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم بكيت يا جبريل وأنت الروح الأمين أمين الله على وحيه؟ فقال: إني أخاف أن أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وماروت فهو الذي منعني من اتكالي على منزلتي عند ربي عز وجل فأكون قد أمنت مكره فلم يزالا يبكيان حتى نودي من السماء أن يا جبريل ويا محمد إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه فيعذبكما(2)؛ وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن عمر بن الخطاب قال: اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من حال الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين؛ يا أمير المؤمنين إن أشد الشدة القيام لله عز وجل، وإن أكرم الكرم عند الله التقوى، وإن من طلب العز بطاعة الله رفعه وأعزه، ومن طلبه بمعصية الله أذله الله ووضعه؛ فهذه نصيحتي والسلام عليك، ثم نهضت، فقال: إلى أين؟ فقلت: إلى البلد والوطن بإذن أمير المؤمنين إن شاء الله؛ قال: قد أذنت لك وشكرت لك نصيحتك وقبلتها بقـ[ـبـ]ـولها والله عز وجل الموفق للخير والمعين عليه وبه أستعين وعليه أتوكل وهو حسبي ونعم الوكيل فلا تخليني من مطالعتك إياي بمثلها فإنك المقبول القول غير المتهم في نصيحته؛ قلت: أفعل إن شاء الله؛ قال محمد بن مصعب: فأمر له بمال يستعين به على خروجه فلم
__________
(1) الذنوب الدلو.
(2) لينظر حال هذا الحديث وكذلك كل حديث مرفوع وارد في هذا الكتاب فإني أبرأ من الحكم عليه بصحة أو صعف، فمن أراد أن يروي شيئاً منها أو يحتج به فليراجع كتب التخريج ونقد الأحاديث.(1/484)
يقبله؛ وقال: أنا في غنى عنه وما كنت أبيع نصيحتي بعرض من أعراض الدنيا كلها؛ وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه في رده. (6/30-34)
عن أبي بكر أحمد بن المنذر يذكر أن علي بن عيسى بن الجراح قال: سألت أولاد بني أمية ما سبب زوال دولتكم؟ قالوا: خصال أربع: أولها: أن وزراءنا كتموا عنا ما يجب إظهاره لنا(1)؛ والثاني: أن جباة خراجنا ظلموا الناس فارتحلوا عن أوطانهم فخربت(2) بيوت أموالنا؛ والثالثة: انقطعت الأرزاق عن الجند فتركوا طاعتنا؛ والرابعة: يئسوا من إنصافنا فاستراحوا(3) إلى غيرنا؛ فلذلك زالت دولتنا. (6/35)
عن أبي جعفر الأنباري العابد قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: لما قدم الرشيد بعث إلي فذكر الحديث في دخوله عليه وقوله "عظنا بشيء من علم"، فأقبلت عليه فقلت له: يا حسن الوجه حساب هذا الخلق كلهم عليك؛ قال: فجعل يبكي ويشهق، قال: فرددتها عليه: يا حسن الوجه حساب هذا الخلق كلهم عليك؛ قال: فأخذني الخدم فحملوني وأخرجوني من الحجر وقالوا: يا هذا اذهب بسلام. (6/35)
عن ابن أبي الحواري أخبرنا أحمد بن عاصم أبو عبدالله الأنطاكي قال: قال هارون الرشيد لسفيان(4): أحب أن أرى الفضيل فقال له: اذهب بك إليه فاستأذن سفيان على فضيل فقال له: من هذا؟ قال: قولوا له هذا سفيان، فقال: قولوا له: يدخل، فقال: ومن معي؟ قال: ومن معك؛ فلما دخلوا عليه، قال له سفيان: يا أبا علي هذا أمير المؤمنين، فقال: وإنك لهو يا جميل الوجه؟ أنت الذي ليس بين الله وبين خلقه أحد غيرك؛ أنت الذي يُسأل يوم القيامة كل إنسان عن نفسه وتُسأل أنت عن هذه الأمة؛ قال فبكى هارون. (6/35)
__________
(1) أي من النصيحة في الدين والدنيا، وبيان حقائق أوضاع الدولة والناس.
(2) كانت (فخرجت) ويحتمل أيضاً أن صوابها (فحرجت).
(3) كانت (فاسترحوا).
(4) ابن عيينة.(1/485)
عن محمد بن علي النحوي أخبرنا الفضل بن الربيع قال: حج أمير المؤمنين هارون الرشيد، قال: فبينما أنا ليلة نائم بمكة إذ سمعت قرع الباب فقلت: من هذا؟ فقال: أجب أمير المؤمنين، فخرجت مسرعاً فقلت: يا أمير المؤمنين هلا أرسلت إلي فآتيك؟! فقال: حك(1) في نفسي شيء فانظر لي رجلاً أسأله عنه فقلت: ها هنا سفيان بن عيينة؛ قال: فامض بنا إليه فأتيناه فقرعت عليه الباب فقال: من هذا؟ فقال: أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعاً فقال: يا أمير [المؤمنين] لو أرسلت إلي أتيتك، فقال له: خذ بما(2) جئناك له رحمك الله فحادثه ساعة فقال له: أعليك دين؟ قال: نعم، قال يا [أبا] عباس(3) اقض دينه ثم التفت إلي فقال يا [أبا] عباس ما أغنى عني صاحبك شيئاً، فانظر لي رجلاً أسأله، فقلت: ههنا عبد الرزاق بن همام، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه فقرعت عليه الباب، فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك، فقال: خذ بما(4) جئناك له رحمك الله فحادثه ساعة ثم قال له: أعليك دين؟ قال: نعم، قال: يا عباس اقض دينه، ثم التفت إلي فقال: ما أغنى عني صاحبك شيئاً فانظر لي رجلاً أسأله، فقلت: ههنا فضيل بن عياض، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من كتاب الله ويرددها، وكان هارون رجلاً رقيقا فبكى بكاء شديداً ثم قال لي: اقرع الباب فقرعته فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين؛ فقال: ما لي ولأمير المؤمنين؟! فقلت: سبحان الله أو ما عليك طاعة؟! أو ليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه؟! قال: فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة وأطفأ السراج والتجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة فجلس فيها فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون كفي إليه فقال: أوه من كف ما ألينها إن نجت من عذاب الله! قال: فقلت(5) في
__________
(1) كانت (حل).
(2) كانت (لما).
(3) يعني الفضل.
(4) كانت (لما).
(5) القائل الفضل.(1/486)
نفسي: لتكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي(1)؛ قال: فقال له: خذ بما(2) جئناك له رحمك الله، فقال له: يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز شكا إليه فكتب إليه: يا أخي اذكر طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، فإن ذلك يطرق بك إلى الرب نائماً ويقظاناً، وإياك أن يُنصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد بك ومنقطَعَ الرجاء، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر فقال له عمر: ما أقدمك؟! قال: خلعت قلبي بكتابك، لا وليت ولاية حتى ألقى الله؛ قال: فبكى هارون بكاء شديداً، ثم قال: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين بلغني أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال لهم: إني بليت [بهذا] البلاء فأشيروا علي؛ فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة؛ فقال محمد بن كعب القرظي: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أباً وأوسطهم عندك أخاً وأصغرهم عندك ولداً، فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك؛ وقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة من عذاب الله فصم الدنيا وليكن إفطارك منها الموت؛ وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك، وإني لأقول لك هذا وإني لأخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام(3)؛ فهل معك رحمك الله من يأمرك بمثل هذا؟! فبكى هارون بكاءً شديداً حتى غشي عليه؛ فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين! فقال لي(4): يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا؟! ثم إنه أفاق فقال له: زدني رحمك الله؛ فقال له: يا أمير المؤمنين يا حسن الوجه أنت الذي يسأله الله عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل؛ فقال له هارون الرشيد: عليك
__________
(1) كانت (نقي).
(2) كانت (لما).
(3) انتهى كلام رجاء.
(4) كانت (له) وهي صحيحة ولكن غيرتها دفعاً للبس.(1/487)
دين؟ قال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه فالويل لي إن ناقشني والويل لي إن لم ألهم حجتي؛ فقال: إنما أعني دين العيال، فقال: إن ربي لم(1) يأمرني بهذا، أمرني أن أصدق وعده وأن أطيع أمره، فقال عز من قائل: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق" فقال له: هذه ألف دينار فخذها وأنفقها على نفسك وتقو بها على عبادة ربك، فقال: سبحان الله، أنا أدلك على النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا سلمك الله ووفقك؟! قال: فخرجنا من عنده فبينما نحن على الباب إذ بامرأة من نسائه قالت له: يا أبا عبدالله قد ترى ما نحن فيه من الحال فلو قبلت هذا المال وفرحتنا به فقال لها: مثلي ومثلكم مثل قوم كان لهم بعير يستقون عليه فلما كبر نحروه وأكلوا لحمه؛ فلما سمع هذا الكلام قال: نرجع(2) فعسى أن يقبل هذا المال، فلما أحس به الفضيل خرج إلى تراب في السطح فجلس عليه وجاء هارون إلى جنبه فجعل يكلمه ولا يجيبه بشيء ويكلمه فلا يجيبه بشيء، فبينا نحن كذلك إذا بجارية سوداء قد خرجت علينا فقالت: قد آذيتم الشيخ من الليلة! انصرفوا رحمكم الله! قال: فخرجنا من عنده، فقال لي(3) يا عباس إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، فهذا سيد المسلمين(4)؛ قال: وقال الفضيل: تقرأ في وترك: نخلع ونترك من يفجرك ثم تغدو إلى الفاجر فتعامله! قال وقال الفضيل: لا تنظر إليهم من طريق الغلظة عليهم ولكن انظر من طريق الرحمة يعني السلطان. (6/36-38)
__________
(1) كانت (لما) وهي صحيحة.
(2) كانت (يرجع).
(3) كانت (له).
(4) انتهت هذه المحاورة، وأما الكلام الذي بعدها فخبران آخران عن الفضيل، ولكنهما متعلقان أيضاً بالسلطان وأعوانه، فساقهما أحد رواة هذه القصة بذيلها بسبب مناسبتهما لموضوعها.(1/488)
عن أحمد بن أبي الحواري حدثني أبو عصمة قال: حدث سفيان قال: قال ابن السماك: بعث إلي هارون فلما أتيته إلى باب القصر أخذني حرسان فأسرعا بي إلى القصر، فلما انتهيت إلى صحن القصر لقيني خصيان ضخمان فأخذاني من الحرسين فأسرعا بي إلى قاعة القصر حتى انتهينا إلى باب البهو الذي هو فيه فقال لهما هارون: ارفقا بالشيخ، فلما وقفت بين يديه فقلت له: يا أمير المؤمنين ما مر بي يومٌ منذ ولدتني أمي أنا فيه أتعب من يومي هذا، فاتق الله يا أمير المؤمنين واعلم أن لك مقاماً بين يدي الله تعالى أنت فيه أذل من مقامي هذا بين يديك فاتق الله في خلقه واحفظ محمداً في أمته وانصح نفسك في رعيتك واعلم أن الله آخذ سطواته(1) وانتقامه من أهل معاصيه؛ قال: فاضطرب على فراشه حتى وقع على مصلى بين يدي فراشه فقلت: يا أمير المؤمنين هذا أول(2) الصفة، فكيف لو رأيت ذل المعاينة؟! قال: فكادت نفسه تخرج وكان يحيى بن خالد [البرمكي] إلى جنبه فقال للخصيين: أخرجوه فقد أبكى أمير المؤمنين؛ فقال سفيان: رحمه الله لقد أبلغ. (6/38-39)
عن عبد الله بن الضريس قال: دخل ابن السماك على هارون يعني الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل لم يجعل أحداً فوقك فلا ينبغي أن يكون أحدٌ أطوعَ منك لله عز وجل. (6/39)
عن عبد الله بن خبيق أخبرنا أبو الحسن قال: دخل ابن السماك على هارون فقال: يا أمير المؤمنين تواضعك في شرفك أشرف من شرفك(3)
__________
(1) لعلها (بسطواته).
(2) لا يبعد أن هذه محرفة عن (ذل) أو أن (ذل) الآتية محرفة عنها.
(3) هذه ترجمة ابن السماك من سير أعلام النبلاء (8/328-329) أسوقها تامة فدونكها:
"ابن السماك
الزاهد القدوة سيد الوعاظ أبو العباس محمد بن صبيح العجلي مولاهم الكوفي ابن السماك روى عن هشام بن عروة والأعمش ويزيد بن أبي زياد وطائفة ولم يكثر، روى عنه يحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل ويحيى بن أيوب العابد ومحمد بن عبد الله بن نمير وآخرون؛ قال ابن نمير: صدوق؛ قلت: ما وقع له شيء في الكتب الستة.
وهو القائل: كم من شيء إذا لم ينفع لم يضر لكن العلم إذا لم ينفع ضر.
قيل: وعظ مرة فقال يا أمير المؤمنين إن لك بين يدي الله مقاما وإنه لك من مقامك منصرفا فانظر الى أين تكون فبكى الرشيد كثيراً.
قيل: دخل ابن السماك على رئيس في شفاعة لفقير فقال إني أتيتك في حاجة والطالب والمعطي عزيزان إن قضيت الحاجة ذليلان إن لم تقض فاختر لنفسك عز البذل عن ذل المنع وعز النجح على ذل الرد.
وعنه قال: همة العاقل في النجاة والهرب وهمة الأحمق في اللهو والطرب، عجباً لعين تلذ بالرقاد وملك الموت معها على الوساد، حتى متى يبلغنا الوعاظ أعلام الآخرة حتى كأن النفوس عليها واقفة والعيون ناظرة، أفلا منتبه من نومته أو مستيقظ من غفلته ومفيق من سكرته وخائف من صرعته؟! كدحاً للدنيا كدحاً؟! أما تجعل للآخرة منك حظاً؟! أقسم بالله لو رأيت القيامة تخفق بأهوالها والنار مشرفة على آلها وقد وضع الكتاب وجيء بالنبين والشهداء لسرك أن يكون لك في ذلك الجمع منزلة؛ أبعد الدنيا دار معتمل؟! أم إلى غير الآخرة منتقل؟! هيهات ولكن صُمت الآذان عن المواعظ وذهلت القلوب عن المنافع، فلا الواعظ ينتفع ولا السامع ينتفع.
وعنه: هب الدنيا في يديك ومثلها ضم إليك وهب المشرق والمغرب يجيء إليك، فإذا جاءك الموت فماذا في يديك؟ ألا من امتطى الصبر قوي على العبادة، ومن أجمع الياس استغنى عن الناس، ومن أهمته نفسه لم يول مرمتها غيره، ومن أحب الخير وفق له، ومن كره الشر جنبه، ألا متأهب فيما يوصف أمامه؟! ألا مستعد ليوم فقره؟! ألا مبادر فناء أجله؟! ما ينتظر من ابيضت شعرته بعد سوادها وتكرش وجهه بعد انبساطه وتقوس ظهره بعد انتصابه وكل بصره وضعف ركنه وقل نومه وبلي منه شيء بعد شيء في حياته؟! فرحم الله امرءاً عقل الأمر وأحسن النظر واغتنم أيامه.
وعنه: الدنيا كلها قليل والذي بقي منها قليل والذي لك من الباقي قليل ولم يبق من قليلك إلا قليل، وقد أصبحت في دار العزاء وغداً تصير إلى دار الجزاء، فاشتر نفسك لعلك تنجو.
توفي ابن السماك سنة ثلاث وثمانين ومئة وقد أسن". انتهت الترجمة.(1/489)
. (6/39)
عن أبي حاتم الرازي قال: سمعت عبد الله بن صالح يقول: سمعت مسيب بن سعيد [قال]: دخلت على هارون الرشيد فقال: عظني، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل لم يرض لك أن يجعل أحداً فوقك فلا ينبغي لأحد أن يكون أطوع له منك، قال: لقد بالغت في الموعظة وإن قصرت في الكلام. (6/39)
عن محمد بن أيوب سمعت أحمد بن يوسف القاضي يقول: قلت للمأمون: يا أمير المؤمنين إن رجلاً ليس بينه وبين الله أحد يخشاه، لحقيق أن يتقي الله عز وجل؛ فقال المأمون: صدقت. (6/39)
عن إبراهيم بن بشار سمعت الفضيل يقول: بلغني أن خالد بن صفوان(1)
__________
(1) هو خالد بن صفوان بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم التميمي المنقري، وعمرو بن الأهتم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافداً في وجوه قومه من بنى تميم فأسلم وذلك فى سنة تسع من الهجرة. قال ابن عبد البر في الاستيعاب 3/1164 عند ترجمة هذا الصحابي: "وروي أن قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم كان وفي وفد تميم سبعون أو ثمانون رجلاً فيهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعطارد بن حاجب وقيس بن عاصم وعمرو بن الأهتم وهم الذين نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، وخبرهم طويل ثم اسلم القوم وبقوا بالمدينة مدة يتعلمون القرآن والدين ثم أرادوا الخروج إلى قومهم فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم وكساهم---وكان خطيباً جميلاً يدعى المكحل لجماله، بليغاً شاعراً محسناً يقال: إن شعره كان حللاً منتشرة، وكان شريفاً فى قومه وهو القائل:
ذرينى فإن البخل يا أم هيثم لصالح أخلاق الرجال سروق
وفيها يقول:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
وقد ذكرنا الأبيات بتمامها فى كتاب بهجة المجالس، وذكرنا خبره مع الزبرقان بألفاظ مختلفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتاب التمهيد".(1/490)
دخل على عمر فقال له عمر بن عبد العزيز: عظني يا خالد، فقال: إن الله عز وجل لم يرض أن يكون أحد فوقك فلا ترضَ(1) أن يكون أحد أولى بالشكر منك؛ قال: فبكى عمر حتى غشي عليه، ثم أفاق فقال: هيه يا خالد! لم يرض أن يكون فوقي! فوالله لأخافنه خوفاً ولأحذرنه حذراً ولأرجونه رجاءً ولأحبنه محبة ولأشكرنه شكراً ولأحمدنه حمداً يكون ذلك كله أشد مجهودي وغاية طاقتي، ولأجتهدن في العدل والنصفة والزهد في فاني الدنيا لزوالها والرغبة في بقاء(2) الآخرة لدوامها حتى ألقى الله عز وجل فلعلي أنجو مع الناجين وأفوز مع الفائزين، وبكى حتى غشي عليه قال: وتركته مغشياً عليه وانصرفت. (6/39-40)
عن الأصمعي أخبرنا هشام بن الحكم الثقفي قال: كان يقال: خمسة أشياء تقبح [من] الرجل: الفتوة في الشيوخ، والحرص في القراء، وقلة الحياء في ذوي الأحساب، والبخل في ذوي الأموال، والحدة في السلطان. (6/40)
عن يحيى بن معين أخبرنا المبارك بن سويد حدثني زيد الكوفي عن رجل من أهل العلم قال: كان يقال: خمس خصال هن أقبح شيء فيمن هن فيه: الحدة في السلطان، والكبر في ذي الحسب، والبخل الغني، والحرص من العالم، والفسق في الشيخ؛ وثلاث هن أحسن شيء فيمن كن فيه: تؤدة في غير ذل، وجود لغير ثواب، ونصب لغير الدنيا(3). (6/294)
أبو عثمان الخياط قال: قال ذو النون: ثلاثة من أعلام الخير في السلطان: تسوية القوي والضعيف عنده في الحق، ورفع ظلم الأصحاب عن الرعية، ويقي(4) الحدة بحسن الرحمة للفقير الكسير حتى يجبره. (6/40)
__________
(1) كانت (يرضى).
(2) لعلها (باقي).
(3) قدمته عن أصل موضعه.
(4) لعلها (ونفي).(1/491)
عن عبيد الله بن عائشة عن أبيه قال: كان عبد الملك بن مروان إذا دخل عليه رجل من أفق من الآفاق قال(1): أعفني من أربع وقل بعدها ما شئت: لا تكذبني فإن الكذوب(2) لا رأي له ولا تجبني فيما لا أسألك عنه فإن في الذي أسألك عنه شغلاً عما سواه، ولا تُطْرِني فإني أعلم بنفسي منك؛ ولا تحملني(3) على الرعية فإني إلى الرفق بهم والرحمة أحوج(4). (6/40)
عن أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل القاضي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل له: أما بعد فإذا دعتك قدرتك على الناس على ظلمهم فاذكر قدرة الله عليك ويقاد(5) ما تأتي وما يأتون إليك. (6/40)
عن وهيب بن الورد قال: بلغنا أن رجلاً فقيهاً دخل على عمر بن عبد العزيز فقال: سبحان الله كيف تغيرت بعدنا! فقال له عمر: يا أبا فلان فكيف لو رأيتني بعد ثلاث وقد أدخلت قبري، وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين، وتقلصت الشفتان عن الأسنان، وخرج الصلب؟؟ من الدبر، وانفتح الفم، ونتأ البطن فعلا الصدرَ؟!! فقال الرجل: أما إذ(6) ألهمت هذا نفسك فأنزل عباد الله منك على ثلاثة منازل: أما من هو أكبر منك فأنزله كأنه أب لك، وأما من هو بسنك فأنزله كأنه أخ لك، وأما من هو أصغر منك فأنزله كأنه ابن لك؛ فأي هؤلاء تحب أن تسيء إليه؟ قال: لا إلى أحد منهم. (6/41)
__________
(1) كانت (قال).
(2) في مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص50: (المكذوب).
(3) في الأصل (تحميني) والتصحيح من (مكارم الأخلاق).
(4) كانت (أحق)، و(أحوج) أصح وأوضح، وهي في (مكارم الأخلاق). وقال البيهقي: وروي "لا تخفَّني يعني لا تغضبني حتى يحملني الغضب على خفة الطيش".
(5) هذه الكلمة لا يستقيم بها معنى العبارة ولا يتضح، فلعلها (ونفاد) أو (وبقاء).
(6) كانت (إذا).(1/492)
عن سفيان قال: قال الأفريقي لأبي جعفر: يا أمير المؤمنين إن عمر بن عبد العزيز كان يقول: إن السلطان سوق [ينفق] عنده [ما] أتي به(1). (6/41)
عن أبي حمزة أنس بن عياض قال: سمعت أبا حازم يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ما لم تقع هذه الأهواء في السلطان لأنهم يؤدبون الناس ويذبون عن الدين ويهابونهم؛ يعني الناس يهابون السلطان؛ فإذا كانت فيهم فمن يؤدبهم؟! (6/41)
عن مروان بن قيس سمع ابن مسعود يقول: لن تزالوا بخير ما صلحت أئمتكم. (6/41)
عن زيد بن أسلم عن أبيه: قال عمر رضي الله عنه عند موته: إن الناس لم يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم. (6/42)
عن الحسن بن الحسين عن القاسم بن مخيمرة قال: إنما زمانكم سلطانكم، فإذا صلح زمانكم صلح سلطانكم، وإذا فسد سلطانكم فسد زمانكم. (6/42)
عن فاطمة امرأة يحيى بن يحيى قالت: قام يحيى ليلة لورده فلما فرغ منه قعد يقرأ من المصحف فذكر[ت] قصته في دخول عبد الله بن طاهر الأمير عليه، قالت: فلما قرب منه وسلم قام إليه والمصحف في يده، ثم رجع إلى قراءته حتى ختم السورة التي كان افتتحها ثم وضع المصحف واعتذر إلى الأمير وقال: لم أشتغل عنه تهاوناً بحقه، إنما كنت افتتحت سورة فختمتها، فقعد عبد الله ساعة يحدثه، ثم قال له: ارفع إلينا حوائجك، فقال: وهل يستغنى عن السلطان أيده الله؟! وقد وقعت لي حاجة في الوقت، فإن قضاها رفعتها فقال: نقضيها ما كانت، فقال أبو زكريا: قد كنت أسمع بمحاسن وجه الأمير ولم أعاينها إلا ساعتي هذه، وحاجتي إليه أن لا يرتكب ما يحرق هذه المحاسن بالنار، فأخذ الأمير عبد الله بن طاهر في البكاء حتى قام يبكي. (6/42)
__________
(1) روى أبو نعيم (3/240) عن أبي حازم قال: إنما السلطان سوق فما نفق عنده أُتِيَ به؛ وقال في رواية وردت هناك أيضاً: إنما الامام سوق من الاسواق، إن جاءه الحق نفق، وإن جاءه الباطل نفق.(1/493)
عن حميد بن فروة قال: لما استقرت للمأمون الخلافة دعا إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة فوقف بين يديه فقال: يا إبراهيم أنت المؤلب علينا تدعي الخلافة؟! فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين أنت ولي الدار والمحَكَّم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب، كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن أخذت [أخذت] بحق، وإن عفوت عفوت بفضل؛ ولقد حضرت أبي، وهو جدك، وأُتي برجل وكان جرمه أعظم من جرمي فأمر الخليفة بقتله وعنده المبارك بن فضالة فقال المبارك: إن رأى أمير المؤمنين أن يتأنى(1) في أمر هذا الرجل حتى أحدثه بحديث سمعته من الحسن، قال: إيه يا مبارك، فقال: حدثنا الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ألا ليقومن العافون من الخلفاء إلى أكرم الجزاء فلا يقوم إلا من عفا، فقال الخليفة: أيهاً يا مبارك قد قبلت الحديث بقبوله وقد عفوت عنه؛ فقال المأمون: وقد قبلت الحديث بقبوله وعفوت عنك، ها هنا ها هنا يا عم(2). (6/44)
فصل في ذكر ما ورد من التشديد في الظلم
عن مالك بن دينار قال: قرأت في بعض الكتب: ما من مظلوم دعا بقلب محترق إلا لم ينته [من] دعوته حتى تصعد بين يدي الله عز وجل فتنزل العقوبة على من ظلمه أو استطاع أن يأخذ له ولم يأخذ له. (6/49)
__________
(1) كانت (يتأتى).
(2) تصحفت إلى (عمر)، وهذه الجملة الأخيرة إذن له بالجلوس معه أو قربه ففيها عفو عنه وإكرام له.(1/494)
عن رافع الخير الطائي قال: صحبت أبا بكر في غزاة فلما أقفلنا قلت له يا أبا بكر أوصني قال أقم الصلاة المكتوبة لوقتها وأد زكاة مالك طيبة بها نفسك وصم رمضان واحجج البيت واعلم أن الهجرة في الإسلام حسن وأن الجهاد في الهجرة حسن ولا تكونن أميرا فذكر الحديث(1) ثم قال: إن هذه الإمارة التي ترى اليوم [يـ]ـسيرة قد أوشكت أن تفشو وتكثر حتى ينالها من ليس لها بأهل، وإنه من يكن أميراً فإنه من أطول الناس حساباً وأغلظه عذاباً، ومن لا يكون أميراً فإنه من أيسر الناس حساباً وأهونه عذاباً لأن الأمراء أقرب الناس من ظلم المؤمنين، ومن يظلم المؤمنين فإنما يخفر عند(2) الله عز وجل، هم جيران الله وهم عباد الله، والله إن أحدكم لتصاب شاة جاره أو بعير جاره فيبيت وارِمَ العضل يقول: شاة جاري أو بعير جاري، والله أحق أن يغضب لجيرانه. (6/51-52)
__________
(1) أي كلامه؛ والخبر ساقه تاماً معمر في جامعه (11/321-322) فروى بسنده عن رافع الخير الطائي قال: صحبت أبا بكر في غزاة فلما قفلنا وحان من الناس تفرق قال: قلت يا أبا بكر إن رجلاً صحبك ما صحبك ثم فارقك لم يصب منك خيراً، لقد حز [كانت حسن] في نفسه، فأوصني ولا تطول علي فأنسى؛ قال: يرحمك الله يرحمك الله بارك الله عليك بارك الله عليك، أقم الصلاة المكتوبة لوقتها وأد زكاة مالك طيبة بها نفسك وصم رمضان وحج البيت واعلم أن الهجرة في الإسلام حسن وأن الجهاد في الهجرة حسن، ولا تكونن أميراً، قلت: أما قولك يا أبا بكر في الصلاة والصيام والزكاة والحج والهجرة والجهاد فهذا كله حسن قد عرفته؛ وأما قولك لا أكون اميراً، والله إنه ليخيل إلي أن خياركم اليوم أمراؤكم؛ قال: إنك قلت لي: لا تطول علي وهذا حين أطول عليك؛ إن هذه الإمارة التي ترى اليوم يسيرة---فذكره كرواية المؤلف، وهو إنما رواه من طريقه.
(2) لعل الصواب (عبد الله) أو (عهد الله)، أو الصواب حذفها كما في جامع معمر.(1/495)
عن مجاهد عن ابن عباس أن ملكاً من الملوك خرج يسير في مملكته وهو مستخفٍ من الناس حتى نزل على رجل له بقرة فراحت عليه تلك البقرة فإذا حلابها مقدار حلاب ثلاثين بقرة فحدث الملك نفسه أن يأخذها فلما كان الغد غدا بالبقرة إلى مرعاها ثم راحت فحلبت فنقص(1) لبنها على النصف، وجاء مقدار حلاب خمس عشرة بقرة، فدعا الملك صاحب منزله فقال: أخبرني عن(2) بقرتك هذه أرعت اليوم في غير مرعاها بالأمس أو شربت في غير مشربها بالأمس؟ فقال: لا، ما رعت في غير مرعاها بالأمس ولا شربت في غير مشربها بالأمس، قال: فقال: ما بال لبنها نقص على النصف؟! قال: أرى الملك هم(3) أن يأخذها فنقص لبنها، فإن الملك إذا ظلم أو هم بالظلم ذهبت البركة؛ قال: وأنت من أين تعرف الملك؟! قال: هو ذاك كما قلت لك؛ قال: فعاهد الملك ربه في نفسه أن لا يأخذها ولا يملكها ولا تكون(4) له في مِلْكٍ أبداً، قال: فغدت البقرة فرعت ثم راحت ثم حلبت فإذا لبنها قد عاد على مقدار ثلاثين بقرة؛ قال: فقال الملك بينه وبين نفسه: فاعتبرْ، فقال: إن الملك إذا ظلم أو هم بالظلم ذهبت البركة؛ لا جرم لأعدلن، أو لأكونن على أفضل، أو نحو من ذلك. (6/53)
عن أبي وائل عن أبي الدرداء قال: إن أبغض الناس إلى أن أظلمه: لرجلٌ لا يجد أحداً يستعينه علي إلا الله عز وجل(5). (6/54)
عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: كاد الجعل أن يعذب في حجره بذنب ابن آدم، ثم تلا هذه الآية: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة). (6/54)
__________
(1) كانت (تنقص).
(2) كانت (ممن).
(3) كانت (هو).
(4) كانت (يكون).
(5) وفي رواية أخرى: إن أبغض الناس إلي أن أظلمه من لا يستغيث علي إلا الله عز وجل.
وروى أبو نعيم في الحلية (5/226) عن بلال بن سعد قال: أيها الناس اتقوا الله فيمن لا ناصر له إلا الله.(1/496)
عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه سمع رجلاً يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه؛ فقال أبو هريرة: بلى والله حتى الحبارى(1) لتموت في وكرها هزلاً لظلم الظالم. (6/54)
عن مجاهد قال: مر نوح عليه السلام بالأسد فضربه برجله فخمشه الأسد فبات ساهراً فشكا نوح ذلك إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه: إني لا أحب الظلم. (6/54)
عن علي بن أبي جملة(2) قال: سمعت مسلم بن يسار وسمع يدعو رجل على رجل ظلمه فقال له مسلم: كِلِ الظالمَ إلى ظلمه فإنه أسرع إليه من دعائك عليه إلا أن يتداركه بعمل، وقمن أن لا يفعل. (6/54)
عن حنبل بن إسحاق أخبرنا أبو نعيم أخبرنا الرصافي قال: ذكر رجل من بني مروان عند أبي جعفر وأنا عنده فقال: كف عنهم فوالله لأعمالهم أسرع(3) فيهم من السيوف المشهرة عليهم. (6/55)
عن ابن عباس قال: أوحى الله عز وجل إلى داود: يا داود قل للظلمة لا يذكروني(4) فإن حقاً علي أن من ذكرني أذكره، وإن ذكري إياهم أن ألعنهم(5). (6/55)
عن ابن شهاب قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله أما بعد فاتق الله فيمن وليت أمره ولا تأمن من مكره في تأخير عقوبته، فإنما يعجل العقوبة من يخاف الفوت(6). (6/55)
__________
(1) كانت (الجبارين) فأصلحتها بأقرب محتملاتها عندي.
(2) كانت (حملة).
(3) كانت (لتسرع).
(4) كانت بالتاء.
(5) وليس المراد هنا ذكر الله بالدعاء والاستغفار والتمجيد والتسبيح ونحو ذلك من الأذكار التي يحبها الله تعالى جده ويثيب فعلها إن قالها بإخلاص، وإنما المراد ذكره رياء ومخادعة للناس، أو ذكره بغفلة تامة وبما يخالف توقير الله وتعظيمه، أو ذكره بالأيمان الكاذبة، أو إشهاده على باطل، أو كما يفعله كثير من الفسقة الفجرة من إدخال اسم الله تعالى في أغانيهم الفاجرة، وتكرير ذلك في الأغنية في سياقات ومعانٍ يتعالى الله عن أن يذكر في مثلها علواً كبيراً، أو نحو ذلك والله أعلم.
(6) ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء 5/304.(1/497)
عن عبد الرحمن بن الحارث قال: حدثني محمد بن واسع أنه كتب إلى رجل من إخوانه: من محمد بن واسع إلى فلان بن فلان: سلام عليك أما بعد فإن استطعت أن تبيت حين تبيت وأنت نقي الكف من الدم الحرام خميص البطن من الطعام الحرام خفيف الظهر من المال الحرام فافعل، فإن فعلت فلا سبيل عليك، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، والسلام عليك. (6/55)
عن أبي عمرو أحمد بن محمد النحوي بإسناد له أن يحيى بن خالد البرمكي لما حبس كتب من الحبس إلى الرشيد: إن كل يوم يمضي من بؤسي(1) يمضي من نعمتك مثله والموعد المحشر والحكم الديان وقد كتبت إليك بأبيات كتب بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان:
أما والله إن الظلم شؤم
وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصوم
تنام ولم تنم عنك المنايا
تنبه للمنية يا نؤوم
لأمر ما تصرمت الليالي
لأمر ما تحرمت النجوم(2)
(6/56)
عن محمد بن معن بن السميدع الضبي قال: سمعت علي بن حجر ينشد:
النصح من رخصه في الناس مجان
والغش غال له في الناس أثمان
العدل نور وأهل الجور قد كثروا
وللظلوم على المظلوم أعوان
تفاسد الناس والبغضاء ظاهرة
فالناس في غير ذات الله إخوان
والعلم فاش وقل العاملون به
والعاملون لغير الله أقران
(6/57)
أنشد غير واحد من أهل الأدب لمحمود الوراق:
إني شكرت لظالمي ظلمي
وغفرت ذاك له على علمي
ورأيته أسدى إلي يداً
لما أبان بجهله حلمي
رجعت إساءته عليه وإحساني
فراح مضاعف الجرم
وغدوت ذا أجر ومحمدة
وغدا بكسب الذم والإثم
فكأنما الإحسان كان له
وأنا المسيء إليه في الحلم
ما زال يظلمني وأرحمه
حتى بكيت له من الظلم
(6/57)
عن يونس بن إبراهيم بن محمد بن طلحة أنشد لمحمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد(3) الله:
فلا تعجل على أحد بظلم
فإن الظلم مرتعه وخيم
__________
(1) كانت (يومي).
(2) هذا الشعر لا يصح عن علي رضي الله عنه.
(3) كانت (عبد).(1/498)
ولا تفحش وإن بليت ظلماً
على أحد فإن الفحش لوم
ولا تقطع أخاً لك عند ذنب
فإن الذنب يغفره الكريم
ولكن دارِ عورته برفقٍ
كما قد ترقع الخَلَق القديم
ولا تجزع لريب الدهر واصبر
فإن الصبر في العقبى سليم
فما جزع يغني عنك شيئاً
ولا ما فات ترجعه الهموم
(6/58)
الحادي والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب في الحكم بين الناس
عن معمر قال: لما عزلوه شيعته يعني ابن شبرمة فلما انصرف الناس وأفردني وإياه السير نظر إلي فقال لي: يا أبا عروة أحمد الله أما إني لم أستبدل بقميصي هذا قميصاً منذ دخلتها، ثم سكت ساعة ثم قال: يا أبا عروة إنما أقول لك حلالاً، فأما الحرام فلا سبيل إليه(1). (6/74)
عن فائد بن الحسن قال: قال شريح: لو أدخلت الهدية خرجت الحكومة من الكوة. (6/75)
عن أبي ذر قال: إن الله عز وجل عند لسان كل حاكم ويد كل قاسم، فإذا هو عدل عن الله عز وجل، وإذا هو جار كثرت الشكاة إلى الله عز وجل فاهدوا الأصوات عن الله عز وجل(2). (6/75)
__________
(1) قال أحمد بن حنبل: وكان ابن شبرمة ولي قضاء اليمن.
(2) هذا الأثر وقع فيه من التصحيف أو السقط ما أبهم معناه، ولم أقف له على رواية أخرى بهذا اللفظ لصلحه؛ ولكن قال ابن أبي شيبة في مصنفه 7/204: حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن ربيع قال: سمعت أبا عبيدة يقول: إن الحكم العدل ليسكن الأصوات عن الله وإن الحاكم الجائر تكثر منه الشكاة إلى الله. ورواه أبو تعيم في الحلية 4/206.
وروى مالك في الموطأ 2/719 عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق فضربه عمر بن الخطاب بالدرة ثم قال: وما يدريك؟ فقال له اليهودي: إنا نجد أنه ليس قاض يقضي بالحق الا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ويوفقانه للحق ما دام مع الحق، فإذا ترك الحق عرجا وتركاه.(1/499)
عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب قال: قال عمر رضي الله عنه: الرجال ثلاثة والنساء ثلاث؛ فأما النساء: فامرأة عفيفة مسلمة لينة ودودة ولودة تعين أهلها على الدهر ولا تعين الدهر على أهلها وقليلاً ما تجدها، وامرأة دعاء؟؟ لا تزيد على أن تلد الأولاد، والثالثة يجعلها الله في عنق من شاء فإذا شاء أن ينزعه نزعه؛ والرجال ثلاثة: رجل عفيف هين لين ذو رأي ومشورة وإذا نزل أمر ائتمن رأيه وصدر الأمور مصادرها، ورجل لا رأي له وإذا نزل به أمر أتى ذا الرأي والمشورة فنزل عند رأيه، ورجل جائر لا يأتم راشداً ولا يطيع مرشداً. (6/75)
عن إبراهيم بن يوسف البلخي سمعت ابن عيينة وحماد بن زيد يقولان: لا تتم الرئاسة للرجال إلا بأربع: علم جامع، وورع تام، وحلم كامل، وحسن التدبير؛ فإن لم يكن هذه الأربعة فمائدة منصوبة وكف مبسوطة وبذل مبذول وحسن المعاشرة مع الناس؛ فإن لم يكن هذه الأربع فبضرب السيف وطعن الرمح وشجاعة القلب وتدبير العساكر؛ فإن لم يكن فيه من هذه الخصال شيء فلا ينبغي له أن يطلب الرئاسة. (6/76)
عن ميمون بن مهران قال: قلت لعمر بن عبد العزيز ليلة: يا أمير المؤمنين ما بقاؤك على ما أرى؟ أمّا في أول الليل فأنت على حاجات الناس، وأما وسط الليل مع جلسائك، وأما آخر الليلة فالله أعلم إلى ما تصير! قال: فضرب على كتفي وقال: ويحك يا ميمون إني وجدت لقاء الرجال تلقيحاً لألبابهم(1). (6/76)
عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود لابنه: يا بني لا تقطع أمراً حتى تؤامر مرشداً فإنك إذا فعلت ذلك لم تحزن عليه. (6/76)
__________
(1) وقع في الأصل (يلقح) وأثبت ما هو أحسن منه وأوضح وهو من كتاب (العقل وفضله) لابن أبي الدنيا ص53.(1/500)
عن أحمد بن سعيد الدارمي قال: سمعت النضر بن شميل(1) يقول: ما سعد أحد (باستغنا رأي)(2) ولا هلك امرؤ (دعا مشورة)(3)
__________
(1) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 9/329-331: "النضر من شميل بن خرشة بن زيد---العلامة الإمام الحافظ أبو الحسن المازني البصري النحوي نزيل مرو وعالمها ولد في حدود سنة اثنتين وعشرين ومئة---وثقه يحيى بن معين وابن المديني والنسائي، وقال أبو حاتم: ثقة صاحب سنة؛ [وروى] حمدويه بن محمد عن محمد بن خاقان قال: سئل ابن المبارك عن النضر بن شميل فقال: درة بين مروين ضائعة يعني كورة مرو وكورة مرو الروذ؛ قال العباس بن مصعب بلغني أن ابن المبارك سئل عن النضر بن شميل فقال ذاك أحد الأحدين لم يكن أحد من أصحاب الخليل بن أحمد يدانيه؛ ثم قال العباس: كان النضر إماماً في العربية والحديث وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع خراسان وكان أروى الناس عن شعبة وخرج كتبا كثيرة لم يسبقه إليها أحد ولي قضاء مرو؛ قال أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت النضر بن شميل يقول: في كتاب الخليل كذا وكذا مسألة كفر؛ وقال العباس بن مصعب سئل النضر عن الكتاب الذي ينسب إلى الخليل ويقال له كتاب العين فأنكره فقيل له لعله ألفه بعدك! فقال: أوخرجت من البصرة حتى دفنت الخليل بن أحمد؟! [وقال] أحمد الدارمي: سمعت النضر بن شميل يقول: خرج بي أبي من مرو الروذ إلى البصرة سنة ثمان وعشرين ومئة وأنا ابن خمس سنين أو ست هرب من مرو الروذ حين كانت الفتنة يعني ظهور أبي مسلم صاحب الدولة قال وسمعت النضر قبل موته بقليل يقول أنا ابن ثمانين وكان مرضه نحواً من ستة أشهر قال ومات في أول سنة أربع ومئتين وقال أبو بكر بن منجويه في وفاته نحوا من ذلك وقال قبره بمرو وكان من فصحاء الناس وعلمائهم بالأدب وأيام الناس؛ وقال محمد بن عبدالله بن قهزاذ: مات في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث ومئتين ودفن في أول المحرم".
(2) لعلها (استغنى برأيه).
(3) لعلها (بعد مشورة) أو (عن مشورة)، أو (عمل بمشورة) أو نحو ذلك، ومهما يكن من لفظ هنا فالمعنى ظاهر.(2/1)
. (6/77)
الثاني والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عن ابن حزم عن أبي بكر قال: إذا عمل قوم بالمعاصي بين ظهراني(1) قوم هم أعز منهم فلم يغيروا عليهم أنزل الله عليهم البلاء ثم لم ينزعه منهم. (6/82)
__________
(1) قال ابن الأثير في النهاية 3/166: "فأقاموا بين ظَهْرانَيْهم وبين أظْهُرِهُم" قد تكررت هذه اللفظة في الحديث، والمرادُ أنَّهم أقاموا بينهم على سبيل الاستِظْهار والاستِناد إليهم وزيدَت فيه ألفٌ ونونٌ مفتوحةٌ تأكيداً؛ ومعناه أنَّ ظهراً منهم قُدامه وظهراً منهم وراءه؛ فهو مكنُوفٌ من جانبيه؛ ومن جوانبه إذا قيل بين أظْهُرهم؛ ثم كَثُر حتى استُعْمِل في الإقامة بين القَوْم مطلقاً0
وقال ابن منظور في لسان العرب 4/523: "وهو نازل بين ظَهْرَيْهم وظَهْرانَيْهم، بفتح النون ولا يكسر: بين أَظْهُرِهم. ثم نقل كلام ابن الأثير.(2/2)
عن أبي العالية قال: كان بين رجلين عند عبد الله بن مسعود بعض ما يكون بين الناس حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، قال: فقال رجل عند ابن مسعود: لو قمتَ إلى هذين فأمرتهما أو نهيتهما فقال رجل إلى جنبه: عليك بنفسك فإن الله يقول (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، قال: فسمع ذلك ابن مسعود وقال: لم يجىء تأويل(1) هذه الآية بعد؛ إن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه آي مضى تأويلهن، يعني قبل أن ينزل، ومنه آي وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه آي وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنين، ومنه آي يقع تأويلهن، يعني بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة وما ذكر عند الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم القيامة والجنة والنار والحساب والميزان؛ ما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة لم يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا فإذا اختلفت قلوبكم وأهواؤكم و[أ]لبسكم شيعاً وأذاق بعضكم بأس بعض(2): بعد(3) ذلك جاء تأويل هذه الآية فامرؤ [و]نفسه. (6/83-84)
عن الزهري عن السائب بن يزيد أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب: لأن [لا] أخاف في الله لومة لائم خير لي أم أقبل على نفسي؟ فقال: أما من ولي من أمر المسلمين شيئاً فلا يخف(4) في الله لومة لائم؛ ومن كان خلواً فليقبل على نفسه ولينصح لولي أمره. (6/87)
عن محمد بن النضر قال: ذكر رجل عند الربيع بن خثيم فقال: ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ منها إلى ذم غيرها، إن العباد خافوا الله على ذنوب غيرهم وأمنوه على ذنوب أنفسهم. (6/87)
عن زكريا بن أبي خالد قال رجل: تعبدت ببيت شعر سمعته:
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها
__________
(1) كانت (تجيء بتأويل).
(2) زاد فيه بعض رواته: "وتحول الملك في صغاركم والفقه في رذالكم".
(3) لعلها (فعند).
(4) كانت (يخاف) وهي صحيحة أيضاً فتكون (لا) نافية وتكون الجملة إخباراً يراد به النهي.(2/3)
لنفسي في نفسي عن الناس(1) شاغل (6/87)
عن الفضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: التقي عن ذكر الخاطئين مشغول. (6/87)
عن المسعودي عن عون بن عبد الله قال: إذا أزرى أحدكم على نفسه فلا يقولن: ما فيَّ خير، فإن فينا التوحيد؛ ولكن ليقل: قد خشيت أن يهلكني ما في من الشر؛ وما أحسب أحداً يفرغ لعيب الناس إلا عن غفلة غفلها من نفسه؛ ولو اهتم لعيب نفسه ما تفرغ لعيب أحد ولا لذمه. (6/87)
عن عوام بن سميع قال: كان سليمان الخواص يمر باللحام يأخذ منه لِقطٍّ له، فإذا هو يكلم امرأة، قال تقول له: يا سليمان من أجل قطٍّ نمسك عن الكلام؟! فجاء إلى منزله فأخرج القط فطردها ثم صار من الغد إلى اللحام فوعظه. (6/88)
عن الضحاك عن ابن عباس قال: جاء رجل فقال: يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: أوبلغت؟ قال: أرجو، قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله عز وجل فافعل، قال: وما هن؟ قال: قوله عز وجل (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فالحرف الثاني؟ قال: قوله عز وجل: (لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فالحرف الثالث؟ قال: قول العبد الصالح شعيب عليه السلام (ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فابدأ بنفسك. (6/89)
عن أبي جحيفة عن علي قال: الجهاد ثلاث: جهاد بيد، وجهاد بلسان، وجهاد بقلب؛ فأول ما يغلب عليه جهاد اليد ثم جهاد اللسان؛ وإذا كان القلب لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً أنكس فجعل أعلاه أسفله. (6/94)
__________
(1) تصحفت (الناس) إلى (الله) وهو تحريف قبيح.(2/4)
عن جامع بن شداد قال: كنت عند عبد الرحمن بن يزيد الفارسي فأتاه نعي الأسود بن يزيد فأتيناه نعزيه فقال: مات أخي الأسود، ثم قال: قال عبد الله: يذهب الصالحون أسلافاً ويبقى أصحاب الريب، قالوا: يا أبا عبد الرحمن وما أصحاب الريب؟ قال: قوم لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر. (6/94)
عن خالد بن زفر عن حذيفة قال: الإسلام ثمانية أسهم، أظنه قال: فالإسلام سهم والصلاة سهم والزكاة سهم وصوم رمضان سهم والحج سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم؛ وقد خاب من لا سهم له. (6/94)
عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر؛ قال عبد الله: هلك من لم يعرف المعروف بقلبه وينكر المنكر بقلبه. (6/95)(2/5)
عن عمارة بن الربيع بن عملية حدثنا عبد الله حديثاً(1) ما سمعنا حديثا هو أحسن منه إلا كتاب الله عز وجل ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتاباً من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فقال: اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل فإن تابعوكم عليه فاتركوهم وإن خالفوكم فاقتلوهم، قال: لا بل ابعثوا إلى فلان، رجل من علمائهم، فإن تابعكم لم يختلف عليكم أحد، وإن خالفكم فاقتلوه فلن يختلف عليكم أحد بعده؛ فأرسلوا إليه فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله ثم أدخلها في قرن ثم علقها في عنقه ثم لبس عليها الثياب ثم أتاهم فعرضوا عليه الكتاب فقالوا: أتؤمن بهذا؟ فأشار إلى صدره يعني الكتاب الذي في القرن فقال: آمنت بهذا وما لي لا أومن بهذا فخلوا سبيله؛ قال: وكان له أصحاب يغشونه فلما حضرته الوفاة أتوه فلما نزعوا ثيابه وجدوا القرن في جوفه الكتاب فقالوا: ألا ترون إلى قوله "آمنت بهذا وما لي لا أؤمن بهذا؟" فإنما عنى بهذا هذا الكتاب الذي في القرن؛ قال: فاختلفت بنو إسرائيل على بضع وسبعين فرقة خير مللهم أصحاب ذي القرن؛ قال عبد الله: وإن من بقي منكم سيرى منكراً؛ وبحسب امرئ يرى منكراً لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره. (6/96)
عن ابن الطفيل قال: سئل حذيفة: ما ميت الأحياء؟ قال: لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه. (6/96)
عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس قلت: أميري آمره بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خشيت أن يقتلك فلا. (6/96)
عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: آمر إمامي بالمعروف؟ قال: إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه(2). (6/96)
__________
(1) كانت (حدثنا).
(2) زيد في رواية: ولا تعب إمامك.(2/6)
عن ابن طاوس عن أبيه قال: أتى رجل إلى ابن عباس قال: ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه؟ قال: لا، تكن لك فتنة، قال: أفرأيت إن أمرني بمعصية؟ قال: فذاك الذي تريد، فكن حينئذ رجلاً. (6/96)
عن مالك بن دينار قال: إن الله عز وجل أمر بقرية أن تعذب فضجت الملائكة، قالت: إن فيهم عبدك فلاناً، قال: اسمعوني ضجيجه فإن وجهه لم يتمعر غضباً لمحارمي. (6/97)
عن مالك بن دينار قال: اصطلحنا على حب الدنيا فلا يأمر بعضنا بعضاً، ولا ينهى بعضنا بعضاً، ولا يذرنا الله تعالى على هذا! فليت شعري أي عذاب ينزل! (6/97)
عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله عز وجل (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) قال: يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي، وبمن يحج عمن لا يحج، وبمن يزكي عمن لا يزكي(1). (6/97)
عن جعفر قال: سمعت مالك بن دينار قرأ هذه الآية (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون)، قال: فكم اليوم في كل قبيلة وحي من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. (6/98)
عن ابن المبارك أخبرنا الأوزاعي سمعت بلال بن سعد يقول: إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها(2)، وإذا أعلنت فلم تغير ضرت العامة. (6/99)
عن عمر بن عبد العزيز قال: كان يقال: إن الله عز وجل لا يعذب العامة بذنب الخاصة ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم. (6/99)
عن زيد بن وهب قال: قيل لعبد الله [بن مسعود]: هل لك في فلان، تقطر لحيته خمراً؟! فقال: إن الله عز وجل قد نهى أن نتجسس فإن ظهر لنا نأخذه(3). (6/99)
__________
(1) قال البيهقي: وهذا يكون إلى ما شاء الله وقد يدعهم فيهلكوا جميعا إذا كثر الفساد ثم يبعثهم الله على نياتهم.
(2) وفي رواية (عاملها).
(3) كانت (يأخذه).(2/7)
عن يعقوب بن سفيان أخبرنا ابن نمير أخبرنا أبو بكر بن [عياش عن] مغيرة(1)عن [ابن] أبي نعم(2) أنه قام إلى الحجاج فقال: لا تسرف في القتل إنه كان منصوراً، فقال الحجاج: أمكن الله من دمك فقال: إن من في بطنها أكثر ممن على ظهرها(3). (6/100)
الثالث والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب في التعاون على البر والتقوى
عن مالك بن مغول أخبرنا الشعبي قال: ما جلس الربيع بن خثيم مجلساً على ظهر الطريق، قال: أخاف أن يظلم رجل فلا أنصره، أو يعتدي رجل على آخر فأكلف عليه الشهادة، أو يسلم علي فلا أرد السلام، أو يقع عن حاملة حملها فلا أحمل عليها؛ قال: (فأنشأ الشعبي)(4)يذكر هذا وكنا ندخل عليه بيته. (6/107)
__________
(1) كانت (نميرة).
(2) كانت (معمر).
(3) هذا الأثر وقع فيه سقط وتصحيف ضاران وقد ورد على وجهه الصحيح في حلية الأولياء 5/70، قال مؤلفه: حدثنا محمد بن أبي أحمد بن الحسن حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن مهران حدثنا أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال: جاء ابن أبي نعم إلى الحجاج وهو يقتل في الجماجم فقال: يا حجاج لا تسرف في القتل إنه كان منصورا، قال: والله لقد هممت أن أروي الأرض من دمك، قال: يا حجاج ما في بطنها أكثر مما على ظهرها! فلم يقتله!!
وقال 5/69: حدثنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا محمد بن حميد حدثنا جرير عن مغيرة قال: كان عبد الرحمن بن أبي نعم يفطر في رمضان مرتين، وكنا إذا قلنا له: كيف أنت يا أبا الحكم؟ قال: إن نكن أبراراً فكرام أتقياء، وإن نكن فجاراً فلئام أشقياء.
(4) لعلها (الشعبي فأنشأ).(2/8)
عن أبي اليمان عن يزيد بن الأسود قال: لقد أدركت أقواماً من سلف هذه الأمة قد كان الرجل إذا وقع في هوي أو دجلة نادى يا لعباد الله فيتوثبوا إليه فيستخرجونه ودابته مما هو فيه؛ ولقد وقع رجل ذات يوم في دجلة فنادى يا لعباد الله فتواثب الناس إليه فما أدركت إلا مقاصه في الطين فلأن أكون أدركت من متاعه شيئاً فأخرجه من تلك الوحلة أحب إلي من دنياكم التي ترغبون فيها. (6/107)
عن عمر بن عمران عن الحجاج عن أبي نضرة قال: من قاد أعمى أربعين خطوة غفر له هكذا وجدته عن أبي نصرة. (6/109)
عن يونس عن الحسن عن عمران بن حصين قال: من نصر أخاه المسلم بظهر الغيب، وهو يستطيع نصره، نصره الله في الدنيا والآخرة. (6/111)
عن صالح بن زنبور(1) قال: سمعت أم الدرداء تقول: من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه. (6/112)
عن أحمد بن ابي الحواري أخبرنا عبد الرحمن بن مطرف قال: كان الحسن بن حي إذا أراد أن ينصح أخاً له كتبه في ألواح وناوله(2). (6/112)
عن ابراهيم بن بشار الرمادي قال: قلت لسفيان بن عيينة: أيسرك أن يهدى إليك عيبك؟ قال: أما من صديق فنعم، وأما من موبخ أو شامت فلا. (6/113)
عن سهل بن يحيى قال: سمعت ابن المبارك يقول: من طاب أصله حسن محضره. (6/113)
عن يعلى بن عمرو الضبي قال: سمعت ابن المبارك يقول: رؤي(3) لقمان يعدو خلف قيصر فراسخ فقيل له: يا ولي الله تعدو خلف هذا الكافر؟ قال: نعم، لعلي أسأله في مؤمن فيجيبني فيه. (6/114)
عن ليث عن مجاهد (وجعلني مباركاً) قال: نافعاً للناس. (6/117)
__________
(1) كانت (رنبور).
(2) قال المصنف: قلت: وفي مثل هذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ما يواجه رجلاً بشيء يكرهه ولكن يقول ما بال أقوام يقولون كذا وكذا.
(3) كانت (لما رأى)، ويصلح (لما رؤي).(2/9)
عن الفيض بن اسحاق سمعت الفضيل بن عياض يقول: أما علمتم [أن] حاجة الناس إليكم نعمة من الله عليكم؟! فاحذروا أن تملوا النعم فتصير نقماً. (6/118)
عن بشر [بن الحارث] قال: ما بال أحدكم إذا وقع أخوه في الأمر لا يقوم قبل أن يقول: قم(1)؟! من لم يكن معك فهو عليك. (6/119)
عن ابن طاوس عن أبيه قال: جاء بحير بن ريسان إلى ابن عباس يستعين به على ابن الزبير وكان عاملاً له فقال ابن عباس(2): أنت امرؤ ظلوم لا يحل لأحد أن يشفع فيك ولا يدفع عنك. (6/121)
عن محمد بن الحنفية قال: أيها الناس اعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم الله عز وجل إليكم، فلا تملوها فتحول نقماً؛ واعلموا أن أفضل المال ما أفاد ذخراً وأورث ذكراً وأوجب أجراً؛ ولو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين. (6/126)
عن أبي بكر عبد الله بن محمد القرشي حدثني الحسين بن عبد الرحمن حدثني أبو نصر العاملي قال: كان يقال: زكاة النعم اتخاذ الصنائع والمعروف؛ قال: وأنشدني الحسين:
وإذا ادخرت صنيعة تبغي بها
شكراً فعند ذوي المكارم فادخر
وإذا افتقرت فكن لعرضك صائناً
وعلى الخصاصة بالقناعة فاستتر
(6/126)
عن أبي سهل بن زياد أنشدنا المبرد لعبد الله بن طاهر:
ليس في كل ساعة وأوان
تتهيا صنائع الإحسان
فإذا أمكنت فقدمن(3)فيها
حذراً من تعذر الإمكان
(6/126)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ سمعت أبا نصر المعتز بن منصور يقول: سمعت أبا علي الحسين بن عبيدالله الشيخ الصالح يقول: رأيت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل الزاهد في المنام بعد وفاته بثلاث فقلت له يا أبا عثمان أي الأعمال وجدته أفضل؟ قال: الإفضال على المسلمين بلا منة ولا داعية توجب الإفضال. (6/126)
عن أبي البختري قال: قال سلمان: المؤمن للمؤمن كاليدين تقي إحداهما الأخرى. (6/127)
__________
(1) أي لماذا لا يعينه قبل أن يستعينه؟
(2) لذلك العامل.
(3) كانت (فقدمت).(2/10)
عن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله عز وجل خير لك من أخ كلما لقيك وضع في يدك ديناراً. (6/127)
عن أبي قلابة عن الحسن قال: يجري أجر الشفاعة ما جرت منفعتها. (6/127)
عن ثابت البناني عن الحسن قال: من دفعت إليه صدقة فوضعها في موضعها فله مثل أجر صاحبها من غير أن ينتقص صاحبها شيئاً. (6/127)
عن حماد بن زيد قال: والله إن كان أيوب ليحمل البضاعة للمرأة أو العجوز من أهل البصرة إلى مكة بما يبلغ نصف درهم. (6/127)
عن الثوري قال: كان منصور يقول للعجوز من عجائز حيه: لك حاجة في السوق؟ لك شيء؟ فإني أريد أن آتى السوق. (6/128)
عن شيخ من بني تيم الله قال: كان طلحة بن مصرف يأتي أم عمارة بن عمير التيمي يقول لها: ألك حاجة؟ لك شيئاً؟ حفظاً لعمارة، فلم أزل أراه يأتيها ويشتري لها الشيء بدانق وبأكثر وبأقل حتى ماتت ومات. (6/128)
عن حماد بن زيد قال: نعى يعلى بن حكيم من الشام إلى أمه ولم يكن ههنا أحد غيرها فأتى أيوب بابها ثلاثة أيام بالغداة والعشي فيقعد معها، قال: ولم يزل يصلها حتى ماتت. (6/128)
عن أبي عثمان عن سلمان قال: لو يعلم الناس عون الله للضعيف(1)ما غالوا بالظهر. (6/129)
عن أبي العباس السراج قال: سمعت الحسن بن عبد العزيز الجردي يقول: عاتب رجل أخاً له فقال: هل دللتني قط على مريض؟ هل دللتني قط على جنازة؟ هل دللتني على خير؟. (6/129)
الرابع والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب الحياء بفصوله
__________
(1) قال البيهقي: وفي رواية يزيد بن هارون: ما في عون الله بالضعيف. انتهى وقلت: يظهر لي أن صواب العبارة هو: (لو يعلم الناس ما في عون الضعيف لله [أي لوجه الله] ما غالوا بالظهر) أي لحملوا الضعفاء عليها أو لأرخصوا لهم أثمانها، والله أعلم.(2/11)
عن يزيد بن أبي منصور قال: قالت عائشة: أخلاق المكارم عشر: صدق الحديث، وصدق البأس(1) وأداء الأمانة، وصلة الرحم، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، والمكافأة للصنائع، وإقراء الضيف، وإعطاء السائل، ورأس ذلك الحياء(2). (6/138)
عن مورق العجلي عن ابن عباس قال: الحياء والإيمان في طلق؟؟ فإذا انتزع أحدهما من العبد اتبعه الآخر. (6/140)
عن ذي النون قال: ثلاثة من أعلام الحياء: وزن الكلام قبل التفوه به، ومجانبة ما يحتاج إلى الاعتذار منه، وترك إجابة السفيه حلماً عنه. (6/142)
عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن أبيه قال: قال أبو بكر الصديق وهو يخطب الناس: يا معشر المسلمين استحيوا من الله فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنعاً بثوبي استحياء من الله عز وجل. (6/142)
عن محمد بن عبد الله الفرغاني(3) قال: كان الجنيد جالساً مع رويم والجريري وابن عطاء؛ فقال الجنيد: ما نجا من نجا إلا بصدق الملجأ، قال الله عز وجل: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) الآية؛ وقال رويم: ما نجا من نجا إلا بصدق التقى، قال الله تعالى: (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) الآية؛ وقال الجريري: ما نجا من نجا إلا بمراعاة الوفاء، قال الله عز وجل: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق)، وقال ابن عطاء: ما نجا من نجا إلا بتحقيق الحياء، قال الله عز وجل (ألم يعلم بأن الله يرى). (6/147)
عن أبي عبد الله الفارسي قال: سئل جنيد عن الحياء فقال: رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد من بين هذين الحالين حالة تسمى الحياء. (6/147)
عن محمد بن عبد الملك قال: سمعت ذا النون يقول: الحياء وجود الهيبة في القلب مع خشية ما سبق منك إلى ربك. (6/147)
__________
(1) كانت (الناس).
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق ص25.
(3) كانت بالعين المهملة.(2/12)
عن عبد الله بن محمد الرازي سمعت محمد بن الفضل يقول: الحياء يتولد من النظر إلى إحسان المحسن ثم من النظر إلى جفائك، إلى المحسن فإذا كنت كذلك رزقت الحياء إن شاء الله. (6/148)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: لله عباد تركوا الذنب استحياء من كرمه بعد أن تركوه خوفاً من عقوبته، ولو قال لك: اعمل ما شئت فلست آخذك بذنب، كان ينبغي لك أن يزيدك كرمه استحياء منه وتركاً لمعصيته إن كنت حراً كريماً عبداً شكوراً، فكيف وقد حذرك؟! (6/148)
عن الفضيل بن عياض قال: خمس من علامات الشقاء: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل. (6/148)
عن مجالد عن الشعبي قال: كان الناس يتعاملون بالدين زماناً، ثم ذهب الدين فتعاملوا بالوفاء زماناً، ثم ذهب الوفاء فتعاملوا بالمروءة زماناً، ثم ذهبت المروءة فتعاملوا بالحياء زماناً، ثم ذهب الحياء فصاروا إلى الرغبة والرهبة(1). (6/148)
عن محمد بن المؤمل العدوي قال سمعت رجلاً من البوادي يقول: ذهبت المكارم إلا من الصحف(2). (6/149)
عن علي بن محمد الجرجاني قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: هيبة الناس من المؤمن على قدر هيبته من الله، وحياؤهم منه على قدر حيائه من الله، وحبهم له على قدر حبه لله عز وجل. (6/149)
عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي قال: قال زيد بن علي: إني لأستحيي من عظمته أن أفضي إليه بشيء أستخفيه من غيره. (6/150)
__________
(1) رواه أبو نعيم عن الشعبي في الحلية (4/312) ولكن وقع فيه زيادة ونقصان، وهذا لفظه: تعايشَ الناسُ بالدينِ زمناً طويلاً حتى ذهبَ الدينُ، ثمَّ تعايشَ الناسُ بالمروءةِ زمناً طويلاً حتى ذهبت المروءةُ، ثم تعايشَ الناسُ بالحياءِ زمناً طويلاً حتى ذهبَ الحياءُ، ثم تعايشَ الناسُ بالرغبةِ والرهبةِ، وأظنُّ أنهُ سيأتي بعدَ هذا ما هو أشدُّ منه.
(2) يريد بطون الكتب أي التأريخ والأخبار المدونة.(2/13)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: قال الله عز وجل: إنك إن استحييت مني أنسيت الناس عيوبك وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك ومحوت من الكتاب زلاتك ولم أناقشك الحساب يوم القيامة(1)
__________
(1) لعل هذا وما كان على شاكلته مأخوذ من الاسرائيليات، أو أن هؤلاء الصوفية عندما يقولونه وينسبونه إلى الله عز وجل فإنهم يريدون التعبير عن الحق والواقع والقواعد التي بلغتهم عمن قبلهم وعلموا صحتها أو استنبطوا معناها لا نسبة حقيقة الكلام إلى الله تعالى، فهو على حد قول الناس "هذا لسان الحال"، أو أن بعض من ليس بثقة منهم يختلق هذه الأشياء ويتجرأ وينسبها إلى الله تعالى، على طريقة من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: نحن نكذب له لا نكذب عليه؛ وهذا الصنيع الأخير في غاية القبح؛ والثاني فيه إيهام؛ والأول لعله سائغ مقبول عند أهل العلم المعتمدين. فإن قال قائل: ما بال كثير من العلماء يتساهلون في رواية آثار إسرائيلية فيها نسبة قول أو فعل أو وصف إلى الله تعالى جده وهم لا يتساهلون في أن يرووا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت عندهم عنه، فالجواب عن هذا أن الذي ينسب القول إلى الله تعالى فهو إنما يرسله إرسالاً لا يخفى على أحد من الناس؛ وذلك يقوم مقام التصريح أو الإشارة إلى أنه أثر إسرائيلي أو أنه إن كان مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ضعيف لإرساله فحينئذ يكون حديثاً قدسياً غير ثابت ولكنه قد علم الناس ضعفه لانقطاع سنده كأن يكون راويه تابعياً أو من أتباعهم؛ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم حذر شديداً ورهب كثيراً من الكذب عليه وقال مع ذلك: وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج؛ ثم إن تلك الاسرائيليات التي ذكرها العلماء من التابعين وبعض من قبلهم وكثير ممن بعدهم إنما هي في باب الترغيب والترهيب لا في باب العقائد ولا الفقه؛ وهذا الباب يحتمل التساهل وقد تساهلوا فيما يروونه في هذا الباب عن رسو الله صلى الله عليه وسلم أيضاً؛ وعلى كل حال فأنا بريء العهدة مما يرد في هذا الكتاب من ألأقوال المنسوبة إلى الله تعالى مع أني لا أورد منها –إن شاء الله – إلا ما كان معناه صحيحاً موافقاً لديننا؛ ومما أنبه عليه هنا أن من وجد معنى صحيحاً في بعض هذه الآثار وأعجبه روايته فالأولى والأحوط أن يجعله من كلام نفسه ولا ينسبه إلى الله عز وجل فيقول في هذا الأثر - مثلاً - إن رآه صحيحاً: إن العبد إذا استحيا من الله أنسى الناس عيوبه، وأنسى بقاع الأرض ذنوبه، ومحا من الكتاب زلاته، ولم يناقشه الحساب يوم القيامة؛ والله أعلى وأعلم.(2/14)
. (6/150)
فصل في ستر العورة(1)
عن أنس أن أبا موسى الأشعري كان يلبس تباناً ينام فيه مخافة أن تنكشف عورته. (6/154)
فصل في الحمام(2)
عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: نعم البيت الحمام، يذهب الدرن ويذكر النار(3). (6/160)
عن عطية الجدلي عن ابن عمر قال: نعم البيت الحمام، يذهب الوسخ ويذكر النار. (6/160)
عن شعبة عن حماد عن مجاهد قال: جعل الناس يحلقون رؤوسهم بمنى وأمر ابن عمر حماماً فجعل يأخذ من شعر صدره فأكب الناس عليه ينظرون، قال: إني لست أصنع هذا للسنة، يعني أكره(4) الحمام وذلك أنه من رقيق العيش. (6/161)
عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يدخل ماء إلا وعليه إزار. (6/162)
عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: اتقوا الله واستحيوا وتواروا ولا يغتسل أحد منكم إلا وعليه سترة وليستره أخوه ولو بثوبه. (6/162)
عن محمد بن عجلان أن عمر بن عبد العزيز قال: النظر إلى عورة الصغير كالنظر إلى عورة الكبير. (6/162)
عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: اغتسلت أنا وآخر فرآنا عمر بن الخطاب وأحدنا ينظر إلى صاحبه قال: إني لأخشى أن يكونا من الخلف الذي قال الله عز وجل (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً). (6/162)
__________
(1) قال الحليمي: ويدخل في جملة الحياء من الله عز وجل ثم من الناس ستر العورة لأن الشريعة كما جاءت بالأمر بستر العورة فكذلك الناس بحكم طباعهم يعدون كشفها سقاطة وسفاهة وخلاعة.
(2) أما دخول النساء الحمامات فمحرم أصلاً؛ وأما دخول الرجال الحمام فلا يجوز إلا بشروط، كستر العورة وغض البصر عن عورات الآخرين وعدم التبذير وعدم وقوع معاصي يفعلها الآخرون بمرأى أو مسمع من الداخل وغير ذلك؛ وهو في حالة جوازه بتلك الشروط لا يخلو من كراهة، وقد فصل ابن تيمية في مجموع الفتاوى الكلام في حكم دخول الحمامات، فليرجع إليه من أراده.
(3) قال البيهقي: وإسناده صحيح.
(4) لعلها (كره).(2/15)
أخبرنا أبو عبد الله سمعت أبا الطيب محمد بن أحمد الذهلي يقول: دخل أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الفقيه الحمام فرأى بعض إخوانه عرياناً فغمض عينيه فقال له العريان: منذ كم عميت؟! قال: منذ هتك الله سترك!! (6/163)
عن محمد بن عبد الله المروزي قال: كان ابن المبارك إذا دخل الحمام ثم خرج صلى ركعتين واستغفر لما رئي منه ورأى من نفسه. (6/163)
فصل في حجاب النساء والتغليظ في سترهن
عن قتادة عن ابن عباس قال: خلق الرجل من الأرض فجعلت نهمته الأرض؛ وخلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها في الرجل؛ فاحبسوا نساءكم. (6/165)
عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وريحها توجد من مسيرة خمس مئة عام. (6/166)
عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: يعجبني أن أرى قفا الشاب أحسبه شيخاً، فإذا هو شاب وأبغض أن أرى قفا الشيخ أحسبه شاباً فإذا هو شيخ(1). (6/168)
عن مجاهد قال: خرجت امرأة متزينة فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأرسل إليها فاختبأت منه؛ فأرسل إلى زوجها فاختبأ؛ فقام فخطب فقال: ما هذه الخارجة؟! أم هذا المرسلها؟! أما لو أتيت بها لسترت بها أو لشرت بها وبه(2)؛ فإذا أرادت أن تخرج لحاجة فلتخرج متنكرة في بذلتها؛ فإذا فرغت من حاجتها فلترجع إلى بيتها. (6/172)
الخامس والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب في بر الوالدين
عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين(3). (6/177)
__________
(1) لعله يريد غض البصر والنظر إلى الأرض من أجله.
(2) كذا العبارة!!
(3) هذه الرواية الموقوفة لم يسقها البيهقي وإنما ذكرها مرفوعة ثم أشار إلى وقفها بقوله: ورواه آدم بن أبي إياس ومسلم بن إبراهيم وجماعة عن شعبة موقوفاً.(2/16)
عن الحسن بن عمرو قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: الولد بالقرب من أمه حيث [تـ]ـسمع نفسه أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله عز وجل؛ والنظر إليها أفضل من كل شيء. (6/186)
عن علقمة عن عبد الله قال: النظر إلى الوالد عبادة، والنظر إلى الكعبة عبادة، والنظر في المصحف عبادة، والنظر إلى أخيك حباً له في الله عبادة. (6/187)
عن محمد بن إبراهيم البرجلاني(1) عن أبيه قال: سألت بشراً، يعني ابن الحارث، عن رجل له أب بالثغر وله أم ببغداد، وأمه تنهاه أن يأتي أباه، وأبوه يريد أن يأتيه ويكون عنده أيضاً؛ قال بشر: سألت عبد الله بن داود(2) عن هذا فقال: يقيم عند أمه ولا يأتي أباه إلا أن تأذن له أمه؛ قلت لبشر: فإن يزيد أخبرنا عن هشام عن الحسن قال: للأم ثلثا البر وللأب الثلث، قال بشر: سمعت فضيل بن عياض يذكر عن هشام عن الحسن هذا الحديث؛ فقلت له: حدثت(3) به بهز بن حكيم فقال (لي: هذا)(4) في العطية؛ وقال بشر: أرى الأب يأخذ من مال ابنه إذا كان يحتاج ما يكفيه، والأم أيضاً تأخذ بقدر ما تحتاج؛ وقال: الأب(5) والأم في هذا سواء، وأما في الإقامة فأنا إلى الأم أميل. (6/187)
عن أبي عثمان الحناط قال: قال ذو النون: ثلاثة من أعلام البر: بر الوالدين بحسن الطاعة لهما ولين الجناح وبذل المال؛ وبر الولد(6) بحسن التأديب لهم والدلالة على الخير؛ وبر جميع الناس بطلاقة الوجه وحسن المعاشرة. (6/187)
عن الأوزاعي عن مكحول قال: إذا دعتك أمك وأنت في الصلاة فأجب(7). (6/195)
__________
(1) كانت (البرحلاني).
(2) كان عقبها (هذا) فحذفتها.
(3) كانت (فحدثت).
(4) كانت (هذا).
(5) كانت (للأب).
(6) كانت (الوالد).
(7) لا شك أن المراد هنا صلاة التطوع لا الفرض، ومع ذلك ففي هذا الكلام نظر، إلا إذا كان المراد أنه عند دعائها إياه يخفف صلاته إلى أقل حد جائز، من أجل إجابة ندائها.(2/17)
عن الأوزاعي قال: قال المكحول؟؟: إذا دعتك والدتك وأنت في الصلاة فأجبها؛ وإذا دعاك أبوك فلا تجبه حتى تفرغ من صلاتك. (6/195)
عن ابن طاوس عن أبيه قال: إن من السنة أن يوقر أربعة: العالم وذا الشيبة والسلطان والوالد(1). (6/198)
عن هشام بن عروة عن رجل أن أبا هريرة رأى رجلاً يمشي بين يدي أبيه قال: ما هذا منك؟ قال: أبي، قال: فلا تمش بين يديه ولا تجلس حتى يجلس، ولا تدعه باسمه ولا تستسب(2) له. (6/198)
عن سعيد بن أبي سعيد قال: سأل رجل كعباً عن العقوق ما تجدونه في كتاب الله، [أي](3)عقوق الوالدين؟ قال: إذا أقسم عليه لم يبره، وإذا سأله لم يعطه، وإذا ائتمنه خان؛ فذلك العقوق. (6/198)
فصل في حفظ حق الوالدين بعد موتهما
عن ابن عمر أنه كان في سفر فمر به أعرابي فقال: ألست فلان بن فلان؟ قال: بلى، قال: فأعطاه حماراً كان إذا مل راحلته يتروح بركوبه، وعمامته وكان يشد بها رأسه؛ فلما أدبر الأعرابي قال له بعض أصحابه: إن هذا كان يرضى بدرهم أو درهمين فأعطيته حمارك الذي كنت تروح عليه إذا مللت راحلتك وعمامتك التي كنت تشد بها رأسك؟! قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أبر الصلة صلة الرجل أهل ود أبيه بعدما تولى. (6/199-200)
عن يحيى بن أبي كثير حدثني جعفر أنه سمع عروة بن الزبير يقول في سجوده: اللهم اغفر للزبير بن العوام ولأسماء بنت أبي بكر. (6/201)
عن الأوزاعي قال: بلغني أن من عق والديه في حياتهما ثم قضى ديناً إن كان عليهما واستغفر لهما ولم يستسب لهما: كتب باراً؛ ومن بر والديه في حياتهما ثم لم يقض ديناً إذا كان عليهما ولم يستغفر لهما واستسب لهما كتب عاقاً. (6/204)
__________
(1) زاد في رواية أخرى: ويقال: إن من الجفاء أن يدعو الرجل والده باسمه.
(2) في الأصل (تنتسب).
(3) زدتها للإيضاح فليست من النص.(2/18)
عن معمر قال: قيل لابن طاوس في دين أبيه(1): لو استنظرت الغرماء(2)! فقال: أستنظرهم وأبو عبد الرحمن عن منزله محبوس؟! قال: فباع ماله ثمن ألف بخمس مئة. (6/204)
عن الحسن قال: أزهد الناس في عالم جيرانه، وشر الناس لميت أهله يبكون عليه ولا يقضون دينه. (6/204)
فصل
عن عطاء بن يسار أنه كان جالساً عند ابن عباس إذ أتاه أعرابي فقال: إني خطبت امرأة فخطبها غيري فتزوجته وتركتني فغدوت عليه فقتلته فهل لي من توبة؟ فقال: ألك والدان حيان أو أحدهما؟ قال: لا، قال: تقرب إلى الله عز وجل بما قدرت عليه؛ فقلنا له بعد ما خرج فقال: لو كان حيين أبواه أو أحدهما رجوت له؛ إنه ليس شيء أحط للذنوب من بر الوالدين. (6/205)
__________
(1) أي عند وفاته.
(2) أي طلبت منهم أن يُنظروك في دين أبيك. وقد روى هذا الخبر الامام أحمد في الأسامي والكنى ص61 فقال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال: قيل لابن طاوس في دين أبيه: لو استنظرت الغرماء!---فذكره؛ وقال الباجي في التعديل والتجريح 2/823: "عبد الله بن طاوس بن كيسان أبو محمد الهمذاني الخولاني اليماني، كان يختلف إلى مكة؛ أخرج البخاري في الفرائض والحيض وغير موضع عن معمر ووهب وابن عيينة وروح وابن القاسم عنه عن أبيه وعكرمة بن خالد؛ قال أبو بكر: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال: قال لي أيوب: إن كنت راحلاً إلى أحد فعليك بابن طاوس؛ قال معمر: ما رأيت ابن فقيه قط مثل ابن طاوس، قلت: هشام بن عروة؟! قال: ما كان أفضله ولم يكن مثله؛ قال معمر: قيل لابن طاوس في دين أبيه: لو استنظرت الغرماء ---[إلى آخر الخبر]؛ وقال أبو حاتم: هو ثقة؛ قال البخاري: حدثنا علي عن سفيان: مات ابن طاوس سنة ثنتين وثلاثين؛ قال: أحمد بن علي: حدثنا الحسين بن محمد الحريري حدثنا عبد الرزاق وذكر عنده ابن طاوس فقال: قال له ابن جريج: سمعت من أبيك؟ قال: لا".(2/19)
عن شهر بن حوشب أن أعرابياً أتى أبا ذر فقال: يا أبا ذر إنه قتل حاج بيت الله ظالماً فهل له من مخرج؟ فقال له أبو ذر: ويحك أحيٌّ والداك؟ قال: لا، قال: فأحدهما؟ قال: لا، قال: لو كانا حيين أو أحدهما لرجوت لك؛ وما أجد لك مخرجاً إلا في إحدى ثلاث، فقال: لله الحمد، وما هن؟ قال: هل تستطيع أن تحييه كما قتلته؟ قال: لا والله ما أستطيع أن أحييه؛ قال: فهل تستطيع أن لا تموت؟ قال: لا والله ما من الموت بد، فما الثالثة؟ قال: هل تستطيع أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء؟ فقام(1) الرجل وله صراخ فلقيه أبو هريرة فحسب أنه رجل مات له حميم، فقال: يا عبد الله عليك بالصبر! قال: ومن أنت؟ قال: أبو هريرة؛ قال: إنه قتل حاج بيت الله ظالماً فهل له من توبة؟ قال: ويحك أحيان والداك؟ قال: لا، قال: لو كانا حيين أو أحدهما رجوت لك، ولكن اغز في سبيل الله وتعرض للشهادة فعسى. (6/205-206)
__________
(1) كانت (فقال)، ويحتمل أنها (فولى).(2/20)
عن يزيد أخبرنا سليمان عن سعد بن مسعود عن ابن عباس قال: ما من مسلم له أبوان فيصبح وهو محسن إليهما إلا فتح له بابان من الجنة، ولا يمسي وهو محسن إليهما إلا فتح له بابان من الجنة، ولا سخط عليه واحد منهما فرضـ[ـي] الله عز وجل عنه حتى يرضى(1)؛ قال: قلت: وإن كان ظالماً؟! قال: وإن كان ظالماً، قال وإن كان ظالماً(2). (6/206)
عن سعيد الجريري أن رجلاً جاء إلى ابن عمر قال: إني كنت أكون مع النجدات وقد أصبت ذنوباً فأحب أن تعد علي الكبائر، فعد عليه سبعاً أو ثمانياً: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة واليمين الفاجرة؛ ثم قال له ابن عمر: هل لك والدة؟ قال: نعم، قال: فأطعمها من الطعام، وألن لها من الكلام، فوالله لتدخلن الجنة. (6/206-207)
عن علقمة عن عبد الله قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمة أمره فليقرأ (قل تعالوا أتل ما حرم عليكم) الآيات الثلاث. (6/207)
__________
(1) أي الساخط منهما.
(2) هذا التكرار لعله خطأ وقع في النسخ أو في الطباعة؛ ورواية المصنف مختصرة، وقد أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في (البر والصلة) ص15-16 فقال: حدثنا ابن المبارك وعلي بن عاصم قالا: أخبرنا سليمان التيمي عن ابن مسعود وهو سعد؟؟ قال: قلت لابن عباس: إني رجل حريص على الجهاد وليس أحد من قومي إلا وقد لحق بالجهاد أو قال: بالأمصار، إلا أبواي وإن أبواي أو أبي كاره لذلك فقال ابن عباس: لا يصبح رجل له والدان فيصبح وهو محسن، قال: قلت: إليهما؟ قال: نعم، إلا فتح الله له بابين من أبواب الجنة ولا يمسي وهو محسن إلا فتح الله له بابين من أبواب الجنة وإن كان واحداً ولا يصبح وهو محسن إلا فتح الله له باباً من الجنة ولا يمسي وهو محسن إلا فتح الله له باباً من الجنة ولا يغضب عليه واحد منهما فيرضى الله عز وجل عنه حتى يرضى، قال: قلت: وإن كان ظالماً؟ قال: وإن كان ظالماً.(2/21)
عن المعتمر بن سليمان قال: قال أبي: كان مورق يفلي أمه. (6/207)
عن هشام قال: كان محمد بن سيرين لا يكون فطر ولا أضحى إلا صنع لأمه بيده المعصفرات. (6/207)
عن جرير عن مغيرة قال: كان طلق بن حبيب يدرب أمه(1)، يعني يعينها في عملها. (6/207)
عن يحيى بن يحيى قال: كنت مع المنكدر بن محمد بن المنكدر فأومى إلى دار قال: كان أبي يأتي أعلى السطح يروح عن أمه؛ وعمي فصلى(2) إلى الصباح فقال له أبي: ما يسرني ليلتي ليلتك. (6/207)
عن عبد الله بن المبارك قال: قال محمد بن المنكدر: بات عمر، أخوه، يصلي؛ وبت أغمز(3) رجل أمي، و[ما] أحب أن ليلتي بليلته(4). (6/207)
عن الأشجعي قال: طلبت أم مسعر ليلة من مسعر ماء، قال: فقام فجاء بالكوز فصادفها وقد نامت فقام على رجليه، بيده الكوز، إلى أن أصبحت فسقاها(5)
__________
(1) أخشى أن تكون (يدرب) مصحفة عن (يذوب) حديث محمّدِ بن الحَنَفِية؛ فقد روى الخطابي في (غريب الحديث) عن محمد بن الحَنفِيّة: «أنّه كان يذوّب اُمّه»؛ وقال: {قوله: يذوّبُ اُمّه، أي يمشُطها ويَضْفِرُ ذُؤَابَتها؛ قال يعقوبُ: هي الذّؤابة مَهْمُوزة، وغلام مُذَأّبٌ: أي له ذُؤابة. وفيه في الفِقْه جوازُ النّظَر إلى رأسها}. انتهى.
(2) لعلها (يصلي).
(3) كانت (أعمر)، وذكرت الصواب، والغمز هو العصر والكبس باليد، كذا في لسان العرب 5/389. ومعناه في اللهجة العصرية الفرك والتدليك.
(4) ذكره في صفة الصفوة 2 / 143.
(5) يطيب لي بهذه المناسبة أن أذكر طرفاً من مستطرف أخبار مسعر هذا العالم الراهب رحمه الله تعالى ورفع درجته في الجنة العالية وسائر العلماء العاملين والعباد الصالحين، وألحقنا بهم بمنه وفضله فإنه لا يعجزه شيء ولا تنقص خزائن رحمته ولا مكره له.
عن سفيان بن عيينة قال: ما لقيت أحداً أفضله على مسعر.
عن سفيان الثوري قال: لم يكن في زماننا مثله يعني مسعراً.
عن أبي خالد الأحمر قال: لم يكن في أترابه أطول صمتاً منه، يعني مسعراً.
عن محمد بن مسعر قال: كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع هجعة خفيفة ثم يثب كالرجل الذي قد ضل منه شيء فهو يطلبه فإنما هو السواك والطهور ثم يستقبل المحراب كذلك إلى الفجر وكان يجهد على إخفاء ذلك جداً.
عن أبي أسامة قال: سمعت مسعراً يقول: أشتهي أن أسمع صوت باكية حزينة.
عن محمد بن كناسة قال: سمعت مسعراً يقول: من أهمته نفسه تبين ذلك عليه.
عن سفيان قال: قال رجل لمسعر: أتحب أن يخبرك الرجل بعيوبك؟ قال: إن كان ناصحاً فنعم، وإن كان يريد أن يؤنبني فلا.
عن عبد الله بن المغيرة قال: سمعت مسعر بن كدام ينشد:
ألا قد فسد الدهر----فأضحى حلوه مرا
وقد جربت من أهوى--فقد أنكرتهم طرا
فألزم نفسك اليأس-من الناس تعش حرا
عن عبد الرحمن بن صالح قال: قال مسعر بن كدام:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها--من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبتها--لا خير في لذة من بعدها النار
عن الفيض بن الفضل العجلي قال: حدثني جار لمسعر قال: بكى مسعر فبكت أمه فقال لها مسعر: ما أبكاك يا أماه؟ فقالت: يا بني رأيتك تبكي فبكيت، فقال: يا أماه لمثل ما نهجم عليه غداً فلنطل البكاء، قالت: وما ذاك؟ فانتحب فقال: القيامة وما فيها، قال: ثم غلبه البكاء فقام.
قال: وكان مسعر يقول: لولا أمي لما فارقت المسجد إلا لما لا بد منه، وكان إن دخل بكى وإن خرج بكى وإن صلى بكى وإن جلس بكى.
عن حسين بن يحيى بن آدم عن أبيه قال: لما حضرت مسعراً الوفاة دخل عليه سفيان الثوري فوجده جزعاً فقال له: تجزع؟! فوالله لوددت أني مت الساعة، فقال مسعر: أقعدوني فأعاد سفيان الكلام عليه فقال: إنك إذاً لواثق بعملك، يا سفيان لكني والله على شاهقة جبل لا أدري أين أهبط! فبكى سفيان وقال: أنت أخوف لله مني.
نقلت كل هذه الأخبار من صفة الصفوة (3/129-131).(2/22)
. (6/207)
عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: كان رجل له أربعة بنون فمرض فقال أحدهم: إما أن تمرضوه وليس لكم من ميراثه شيء، وإما أن أمرضه وليس لي من ميراثه شيء؛ قالوا: بل مرضه وليس لك من ميراثه شيء؛ قال: فمرضه حتى مات ولم يأخذ من ماله شيئاً؛ قال: وأتى في النوم فقيل له: ائت مكان كذا وكذا فخذ منه مئة دينار، فقال في نومه: أفيها بركة؟ قالوا: لا، فأصبح فذكر ذلك لامرأته فقالت له: فخذها فإن من بركتها أن نكتسي منها ونعيش(1) منها؛ قال: فأبى، فلما أمسى أتي في النوم فقيل له: ائت مكان كذا وكذا، فخذ منه عشرة دنانير، فقال: أفيها بركة؟ قالوا: لا، فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته فقالت له مثل مقالتها الأولى، فأبى أن يأخذها؛ فأتي في النوم في الليلة الثالثة أن ائت مكان كذا وكذا فخذ منه ديناراً، فقال: أفيه بركة؟ قالوا: نعم، فذهب فأخذ الدينار ثم خرج به إلى السوق فإذا هو برجل يحمل حوتين فقال: بكم هذا[ن]؟ قال: بدينار، فأخذهما منه بالدينار ثم انطلق بهما، فلما دخل بيته شق الحوتين فوجد في بطن كل واحد منهما درة لم ير الناس مثلها، فبعث الملك بدرة يشتريها فلم توجد(2) إلا عنده، فباعها بوقر ثلاثين بغلاً ذهباً؛ فلما رآها الملك قال: ما تصلح هذه إلا بأخت فاطلبوا مثلها وإن أضعفتم؛ قال: فجاءوه فقالوا: عندك أختها نعطيك(3) ضعف ما أعطيناك؟ قال: أو تفعلون؟ قالوا: نعم، فأعطاهم أختها بضعف ما أخذ الأولى. (6/208)
عن عمرو بن حماد أخبرنا رجل قال: خرج علي وعمر من الطواف فإذا هما بأعرابي معه أم له يحملها على ظهره وهو يرتجز ويقول:
أنا مطيتها لا أنفر
وإذا الركاب ذعرت لا أذعر
لبيك اللهم لبيك
وما(4)حملتني ورضعتني أكثر
فقال علي: مر يا أبا حفص ادخل بنا الطواف لعل الرحمة تنزل فتعمنا قال: فدخل يطوف بها وهو يقول:
أنا مطيتها لا أنفر
__________
(1) هذا الفعل والذي قبله كانا بالتاء.
(2) كانت (يوجد).
(3) كانت (يعطوك).
(4) كانت (بما).(2/23)
وإذا الركاب ذعرت لا أذعر
لبيك اللهم لبيك
وما حملتني وأرضعتني أكثر
وعلي يجيبه:
إن تبرها فالله أشكر
يجزيك بالقليل الأكثر
عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أن رجلاً من أهل اليمن حمل أمه على عنقه فجعل يطوف بها حول البيت وهو يقول:
إني لها بعيرها المدلل
إذا ذعرت ركابها لم أذعر
وما حملتني أكثر
ثم قال [لابن عمر]: أتراني جزيتها؟ قال ابن عمر: لا، ولا بزفرة. (6/209)
عن يونس بن عبيد قال: كان يرجى للذي به رهق إذا كان باراً؛ وكان يتخوفون على المتأله(1) إذا كان عاقاً(2). (6/209)
عن جرير بن حازم قال: رأيت في المنام كأن رأسي في يدي، قلت: فسألت ابن سيرين، فقال: أحد من والديك حي؟ قلت: لا، قال: ألك أخ أكبر منك؟ قلت: نعم، قال: اتق الله وبره ولا تقطعه؛ قال: وكان بيني وبين يزيد(3)
__________
(1) كانت (أعماله).
(2) رواه أبو نعيم 3/23 عن يونس بن عبيد قال: يرجى للرهق بالبر الجنة ويخاف على المتأله بالعقوق النار.
(3) هذه الكلمة تصحفت إلى (جرير)؛ وإليك ترجمة يزيد بن حازم من تهذيب الكمال 32/100-101:
"يزيد بن حازم بن زيد بن عبد الله بن شجاع الأزدي الجهضمي أبو بكر البصري أخو جرير بن حازم وكان الأكبر---ذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من أهل البصرة وقال كان ثقة ان شاء الله وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ثقة وكذلك قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين وقال عباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين جرير بن حازم ويزيد بن حازم هما أخوان وهما ثقتان وكان يزيد أكبرهما، وقال المفضل بن غسان الغلابي عن يحيى بن معين جرير وأخوه ابنا حازم ثقتان وقال العجلي: يزيد وجرير ابنا حازم بصريان ثقتان أزديان وهما من موالي حماد بن زيد من فوق---قال محمد بن سعد عن وهب بن جرير بن حازم: مات يزيد بن حازم آخر سنة سبع أو أول سنة ثمان وأربعين ومئة؛ روى له أبو داود في القدر عن عكرمة (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) قال: بأمر الله".(2/24)
بن حازم شيء. (6/210)
فصل في صلة الرحم وإن كانت كافرة؛ بما ليس فيه معصية
عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: نزلت فيَّ أربع آيات فذكرهن، قال: وقالت أم سعد: أليس قد أمر الله ببر الوالدة؟! والله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أموت أو تكفر بالله(1)؛ فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها أو يسقوها شجروا(2) فاها بالعصا وأدخلوا الطعام والشراب؛ فنزلت (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا). (6/211)
السادس والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب في صلة الأرحام
عن عكرمة قال: قال عمر بن الخطاب: ليس الوصل أن تصل من وصلك، ذلك القصاص ولكن الوصل أن تصل من قطعك. (6/222)
__________
(1) انظر هذا التناقض العجيب في قولها! تحثه في أول كلامها على طاعة الله، بزعمها، وتعظه بذلك، وتذكره به؛ ثم تأمره بالكفر بالله! وما أكثر هذا الصنف من الناس ممن يريد أن يجعل دينك وخوفك ورجاءك من الله تعالى واسطة لتحصيل مصالحه وهو أبعد شيء عن الدين والحق؛ قال الله تعالى: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون؛ وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين، أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل اولئك هم الظالمون)؛ وقال: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين)؛ وقال: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون).
(2) كانت (يسجروا) والتصحيح من سنن الترمذي وغيره، وانظر تفسير ابن كثير لهذه الآية.(2/25)
عن قدامة بن موسى عن ابن دينار أن كعب الأحبار جلس يوماً يقص بدمشق حتى إذا فرغ قال: إنا نريد أن ندعو فمن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر وكان قاطعاً إلا قام عنا، فقام فتى من القوم فولى إلى عمة له كان بينه وبينها هجرة فدخل عليها فصالحها فقالت: ما بدا لك؟! قال: سمعت كعباً يقول كذا وكذا(1). (6/223)
عن معمر عن الأعمش قال: كان ابن مسعود جالساً بعد الصبح في حلقة فقال: أنشد الله قاطع الرحم إما(2) قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربنا وإن أبواب السماء مرتجة دون قاطع الرحم. (6/224)
عن أبي البختري(3) عن ابن عمر قال: من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ له في عمره وثري ماله وأحبه أهله. (6/226)
عن سعيد عن قتادة عن الحسن في قوله عز وجل (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) قال: لا تعتلّوا بالله، لا يقول أحدكم: إني آليت أن لا أصل رحماً ولا أسعى في صلاح(4) ولا أتصدق من مالي؛ كفِّر عن يمينك وائت الذي حلفت عليه، وهو(5) قول قتادة. (6/227)
السابع والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب في حسن الخلق
ودخل في هذا كظم الغيظ ولين الجانب والتواضع
عن حماد عن إبراهيم قال: قال علي بن أبي طالب: التوفيق خير قائد، وحسن الخلق خير قرين، والعقل خير صاحب، والأدب خير ميراث، ولا وحشة أشد من العجب. (6/246)
عن عبد الزراق قال: كان معمر كثيراً ما يستعيدني في هذا الكلام، يقول: يا عبد الرزاق أعد علي ذلك الكلام؛ فأقول: حدثني عنبسة القرشي قال: قال رجل لأحنف بن قيس: دلني على مروءة بلا مؤونة، قال: عليك بالخلق الفسيح والكف عن القبيح؛ واعلم أن الداء الذي أعيا الأطباء اللسان البذيء والفعل الرديء. (6/246)
__________
(1) كان له تتمة من كلام آخر لكعب فحذفته لعدم ارتضائي إياه.
(2) كذا.
(3) قال يحيى بن معين: اسم أبي البختري هذا مغراء وليس هو صاحب علي رضي الله عنه.
(4) معناها إصلاح.
(5) لعله يعني الجملة الأخيرة جملة "كفر---".(2/26)
عن جهم بن حسان أنه قال: قال رجل للأحنف بن قيس: يا أبا بحر دلني على أحمد أمرٍ عاقبةً، فقال له: خالق الناس بخلق حسن، وكف عن القبيح، ثم قال له: ألا أدلك على أدوى الدواء؟ قال: بلى، قال: إكتساب الذم بلا منفعة، واللسان البذيء، والخلق الرديء. (6/247)
عن معاوية بن قرة قال: قال عمر رضي الله عنه: ما أفاد أمرء بعد إيمان بالله خيراً من امرأة حسنة الخلق، وما أفاد امرؤ بعد كفر بالله شراً من امرأة حديدة اللسان سيئة الخلق. (6/249)
عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال: قال موسى عليه السلام: يا رب أمهلت فرعون أربعمئة سنة وهو يقول: أنا ربكم الأعلى ويكذب بآياتك ويجحد رسلك؟! فأوحى الله إليه أنه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأحببت أن أكافيه(1). (6/250 و53)
عن هشام عن الحسن قال: من ساء خلقه عذب نفسه. (6/250)
عن بشر قال: قال الفضيل لا تخالط إلا حسن الخلق فإنه لا يأتي إلا بخير، ولا تخالط سيء الخلق فإنه لا يأتي إلا بشر. (6/250)
فصل في طلاقة الوجه وحسن البشر لمن يلقاه من المسلمين
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: مكتوب في الحكمة: فليكن وجهك بسطاً وكلمتك طيبة، تكن أحب إلى الناس من الذي يعطهم العطاء. (6/254)
عن سفيان الثوري قال: سمعت منصوراً يقول: سمعت علي بن الحسين(2) يقول: قد استرقك بالود من سبقك إلى البشر(3). (6/255)
__________
(1) هذا الأثر منكر ولا يصح عن ابن عباس، فإن فرعون كان سيء الخلق وشديد الحجاب، وإمهال الله للكافر ليس خيراً له بل هو شر له ليزدداد كفراً وجرائم فيزداد عقوبة وطرداً ولعناً والعياذ بالله من حال أهل الكفر والضلال.
(2) كانت (الحسن) وأظن صوابها (الحسين) فأثبته على الظن.
(3) كأن صوابها (الشكر) وانظر ما يلي.(2/27)
عن ابن المبارك عن الأوزاعي عن هشام عن(1) بلال بن سعد قال: من سبقك إلى الود فقد إسترقك بالشكر(2)
__________
(1) كانت (بن) واالصواب (عن)، فانظر ما يلي.
(2) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (10/499) من طريق المصنف - وهو كثير الإخراج في كتابه من طريقه - فقال: أخبرنا أبو القاسم الشحامي أخبرنا أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر حدثنا شاكر بن عبد الله المصيصي حدثنا النعمان بن هارون حدثني العباس بن عبد الله حدثني أبو عبيد الواسطي عن ابن المبارك عن الأوزاعي عن هشام؛ وأخبرنا أبو سعيد محمد بن إبراهيم بن أحمد الغزي أنبأنا محمد بن إسماعيل بن السري أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا الحسين بن أحمد الصفار حدثنا محمد بن أبي علي الجلادي حدثنا أحمد بن علي بن يزيد الشيرازي حدثنا العباس بن عبد الله حدثنا أبو عبيد الواسطي عن ابن المبارك عن الأوزاعي عن هشام بن حجير عن بلال بن سعد قال من سبقك بالود فقد استرقك بالشكر؛ كذا قال والصواب ابن حجار، وأبو عبيد لم يسمعها من ابن المبارك؛ أخبرنا بها أبو الحسن الفقيهان قالا أخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد أخبرنا جدي أبو بكر الخرائطي حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي حدثنا أبو عبيد صاحب لنا حدثنا ابن أبي الزرقاء عن عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي عن هشام بن حجار عن بلال بن سعد قال: من سبقك إلى الود فقد استرقك بالشكر كذا قال، ابن أبي الزرقاء، ولم يسمه، ورواه غيره فقال ابن أبي الزرقاء وسماه يوسف؛ أخبرناه أبو العز بن كادش أخبرنا أبو يعلى بن الفراء أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل بن محمد بن سويد المعدل أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي حدثنا أبو محمد الترقفي حدثنا أبو عبيد الواسطي حدثنا يوسف بن أبي الزرقاء عن عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي عن هشام بن حجار عن بلال بن سعد قال من سبقك إلى الود فقد استرقك بالشكر؛ رواه غيره فلم يذكر هشاماً؛ أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكي أنا الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن أنبأ أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس حدثنا أبو علي الحسين بن الفتح بن نصر النيسابوري حدثني أحمد بن عبد الله عن أحمد بن يونس قال سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول سمعت الأوزاعي يقول سمعت بلال بن سعد يقول من سبق إحسانه إليك فقد استرقك بشكره. انتهى.
هذا وليعلم أني ربما ذكرت في هذه الحواشي التعليق بعد التعليق مما أطيل فيه وإن كان فيه أحياناً شيء من خروج عن مقصود الكتاب، وأنا عمداً فعلت ذلك وإنما أفعله ترويحاً عن القارئ وتجديداً لنشاطه، بتغيير الموضوع، ورغبة في نشر بعض ما يبدو لي في أثناء العمل من فوائد وتنبيهات ولو كانت مما ينتفع به بعض القراء دون بعض، والله الموفق.(2/28)
. (6/255)
عن حميد الطويل قال: قال ابن عمر: البر شيء هين ،، وجه طليق وكلام لين. (6/255)
عن إسماعيل بن حماد عن سعير بن الخمس أنه قيل له: ما أبشك؟ قال: إنه يقوَّم علي برخص(1). (6/255)
عن يحيى بن معين أخبرنا السهمي عبد الله بن بكر حدثني بشر أبو نصر أن عبد الملك بن مروان دخل على معاوية وعنده عمرو بن العاص فسلم ثم جلس فلم يلبث أن نهض فقال معاوية: ما أكمل مروة هذا الفتى؟ فقال عمرو: يا أمير المؤمنين إنه أخذ بأخلاق أربعة وترك أخلاقاً ثلاثة، إنه أخذ بأحسن البشر إذا لقي وبأحسن الحديث إذا حَدث، وبأحسن الإستماع إذا حُدث، وبأيسر المؤنة إذا خولف؛ وترَكَ مزاح من لا يثق بعقله ولا دينه، وترك مخالفة لئام الناس، وترك من الكلام كلما يعتذر منه. (6/256)
عن أبي نصر بن أبي ربيعة قال: ورد صعصعة بن صوحان على علي بن أبي طالب رضي الله عنه من البصرة فسأله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وكان على خلافته بها، فقال صعصعة: يا أمير المؤمنين إنه آخذ بثلاث وتارك لثلاث: آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، وبحسن الإستماع إذا حُدث، وبأيسر الأمور إذا خولف؛ تارك للمراء، وتارك لمقاربة اللئيم، وتارك لما يعتذر منه(2). (6/352)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: خمسة من أعلام أهل الجنة: وجه حسن وقلب رحيم ولسان لطيف واجتناب المحارم، وأظنه قال: وخلق حسن؛ وعلامة أهل النار خمسة: سوء الخلق وقلب قاسي وارتكاب المعاصي ولسان غليظ ووجه حامض. (6/256)
__________
(1) يريد أن تلك البشاشة لا تكلفه شيئاً من ماله.
(2) عمداً قدمته.(2/29)
عن الأصمعي قال سمعت ابن المبارك يقول: إنه ليعجبني من القراء كل طلق مضحاك، فأما من تلقاه(1) بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك بعمله فلا أكثر الله في القراء مثله(2). (6/257)
فصل في التجاوز والعفو وترك المكافأة
عن أحمد بن إسحاق بن منصور قال: سمعت أبي يقول لأحمد بن حنبل: ما حسن الخلق؟ قال: هو أن تحتمل ما يكون من الناس. (6/261)
عن أبي همام أخبرنا أبي عن عمر بن ذر؛ قال: كان له(3) ابن عم يؤذيه ويقول فيه، فقال: يا عمر(4) ما وجدنا(5) لمن عصى الله فينا خيراً من أن نطيع(6) الله فيه. (6/262)
عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن عمه عمرو بن أوس قال: المخبتون الذين لا يَظلمون، وإذا ظُلموا لم ينتصروا. (6/263)
عن عبد الله بن المبارك قال: قرأت على ابن جريج عن مجاهد (وإذا مروا باللغو مروا كراماً) قال: إذا أوذوا صفحوا. (6/263)
عن إسحاق بن موسى قال: سمعت الهيثم بن معاوية يقول: من ظلم فلم ينتصر بيد ولا لسان ولم يحقد بقلب فذاك يضيء نوره في الناس. (6/264)
عن عمر بن عبد العزيز قال: من خاف الله لم يشف غيظه، ومن اتقى الله لم يصنع كل ما يريد، و[لو]لا يوم القيامة كان(7) غير ما ترون. (6/264)
__________
(1) كانت (تلقاه).
(2) قال ابن أبي الدنيا في (مداراة الناس) ص65: حدثنا محمد بن بشير الكندي حدثنا علي بن مجاهد عن سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي قال: إنه ليعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك، فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك فلا أكثر الله في القراء مثله.
(3) أي لعمر بن ذر.
(4) لعلها (يا ابن عم).
(5) كانت (وجدناك).
(6) كانت (يطيع).
(7) أي التقي.(2/30)
عن أبي جعفر الفرغاني قال: سئل الجنيد وأنا أسمع عن الشفقة على الخلق ما هي؟ قال: تعطيهم من نفسك ما يطلبون، (ولا عملهم)(1) ما يطيقون، ولا تخاطبهم بما لا يعلمون. (6/264)
عن سعيد بن مسروق قال: أصاب الربيع بن خيثم حجر في رأسه فشجه فجعل يمسح الدم عن رأسه وهو يقول: اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني. (6/264)
عن خلف بن خليفة عن العوام عن إبراهيم التيمي قال: إن الرجل ليظلمني فأرحمه. (6/264)
عن محمد بن الحسين عن سهل بن منصور قال: رأيت الصبيان يرجمون بهلولاً بالحصا، قال: فوقعت به حصاة أدمته فأنشأ يقول:
حسبي الله توكلت عليه
مَن نواصي الخلق طراً بيديه
ليس للهارب من مهربه
أبداً لمهربه إلا إليه
رب رام لي بأحجار الأذى
لم أجد بداً من العطف عليه
قلت: تعطف عليهم وهم يرجمونك؟! فقال: أسكت لعل الله يطلع على غمي وشدة فرح هؤلاء فيهبني لهم أو يهبهم لي. (6/264-265)
عن بشر بن الحارث قال: جاء رجل إلى الفضيل فقال: إني(2) أواخيك في الله أو أحبك، قال: لا تقل كذا، قل: أحب أواخيك، ثم جاءه وهو يبكي(3) فقال له: ما شأنك؟ قال: سرق ما كان، فقال له: عندنا ما نعطيك، أو كلمة نحوها، فقال له: إنما أبكي ما حجته(4)؟! أراه غداً. (6/265)
عن عبد الرحمن بن عفان قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: إذا أراد الله عز وجل أن يحب العبد سلط عليه من يظلمه. (6/265)
قال: وسمعنا الفضيل قال: لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه. (6/265)
__________
(1) لعلها (ولا تحمل عليهم) أو (ولا تسألهم)، أو (ولا تكلفهم) أو إحدى هذه الجمل الثلاث ولكن مع زيادة (لا) قبل (يطيقون).
(2) كانت (أتى).
(3) الفضيل هو الذي يبكي.
(4) أي حجة السارق.(2/31)
عن شيبان عن قتادة في قوله (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) قال: هذا هو في الحماسة تكون بين الناس؛ فأما إن ظلمك فلا تظلمه، وإن فجر بك فلا تفجر به، وإن خانك فلا تخنه؛ فإن المؤمن هو الموفي المؤدي، وإن الفاجر هو الخائن الغادر. (6/265)
فصل في حسن العشرة
عن أبي الأحوص عن أبي الزاهرية وعبيدة اليزني عن أبي الدرداء قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتلعنهم. (6/266)
عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية قال: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لم يجد من معاشرته بداً حتى يجعل الله له فرجاً أو مخرجاً. (6/267)
عن ميمون بن أبي شبيب قال: قال صعصعة بن صوحان العبدي لابن أخيه: إذا لقيت المؤمن فحالفه وإذا لقيت الفاجر فخالفه. (6/267)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: قال لي أبو سليمان: لا تعاتب أحداً في هذا الزمان فإنك إن عاتبته عابك(1) بأشد من الأمر الذي عاتبته عليه، دعه بالأمر الأول فهو خير له. (6/267)
عن أبي الحسين الوراق قال: سألت أبا عثمان عن الصحبة فقال: الصحبة مع الله بحسن الأدب ودوام الهيبة؛ والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنته ولزوم ظاهر العلم؛ والصحبة مع أولياء الله(2) بالاحترام والحرمة؛ والصحبة مع الأهل بحسن الخلق؛ والصحبة مع الإخوان بدوام البشر والإنبساط ما لم يكن إثماً؛ والصحبة مع الجهال بالدعاء لهم والرحمة عليهم ورؤية نعمة الله عليك أنه لم يبتلك بما ابتلاهم(3) به. (6/267)
فصل في لين الجانب وسلامة الصدر
__________
(1) المعنى بهذه الكلمة واضح وجيد، ولكن من المحتمل أنها (عاتبك).
(2) لو قال أهل الصلاح لكان أولى، فيكون المراد من ظاهرهم مشعر بالصلاح، وسيرتهم حافلة بالاستقامة، وأما أن يكون المرء ولياً لله فذلك ما لا يعلمه أحد من الناس إلا إن ورد به وحي نازل على نبي من أنبياء الله.
(3) كانت (أبلاهم).(2/32)
عن عون بن عبد الله قال: قال ابن مسعود: المؤمن يألف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف. (6/271)
عن معمر عن عبيد الله بن عدي بن الخيار بن نوفل قال: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حَكَمَته وقال: انتعش نعشك الله، فهو(1) في نفسه حقير وفي عين الناس كبير؛ وإذا تكبر وعدا طوره (وهصه)(2) الله الى الأرض وقال: إخس أخساك [الله] فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس قليل، حتى لهو أهون عليهم من الخنزير؛ ثم قال عمر: أيها الناس لا تبغضوا الله إلى عباده، قالوا: وكيف ذاك أصلحك الله؟ قال: يكون أحدكم إماماً فيطول على القوم حتى يبغض إليهم ما هم(3) فيه، ويقعد أحدكم قاصاً فيطول على القوم حتى يبغض إليهم ما هم فيه(4). (6/275-276)
عن سليمان الأعمش عن المسيب بن رافع عن عامر بن عبده قال: قال عبد الله: من يسمع يسمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به، ومن تواضع لله خشوعاً رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله عز وجل. (6/277)
عن يزيد بن أبي حبيب في قوله عز وجل (واقصد في مشيك) قال: السرعة. (6/283)
عن سلمة بن شبيب قال: سمعت الحميدي في المسجد الحرام يقول وأقبل ابن له يمشي يتبختر فقال: يا بني إنك لتمشي مشية ما كان أبوك يحسن مشيها(5)
__________
(1) كانت (وهو).
(2) كانت (الله وقصمه).
(3) كانت (ما هو).
(4) رواه ابن أبي الدنيا في (التواضع والخمول) ص135-136.
(5) روى أبو نعيم في الحلية (2/350) وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس (38) عن محمد بن واسع أنه نظر إلى ابن له يخطر بيده فقال له: تعال ويحك أتدري ابن من أنت؟! أمك إشتريتها بمئتي درهم وأبوك لا كثر الله في المسلمين ضربه.
وقال ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (ص217): حدثني أبو الحسن الشيباني حدثني شيخ لنا أن عمر بن عبد العزيز حج قبل أن يستخلف فنظر إليه طاووس وهو يختال في مشيته فغمز جنبه بأصبعه وقال: ليست هذه مشية من في بطنه خُرء! فقال عمر كالمعتذر: يا عم ضرب كل عضو مني على هذه المشية حتى تعلمتها.
وقال (ص218): حدثني مفضل بن غسان عن أبيه قال: رأى المعري العابد رجلا من آل علي يمشي يخطر فأسرع إليه فأخذه بيده فقال: يا هذا إن هذا الذي أكرمك الله به لم تكن هذه مشيته قال: فتركها الرجل بعد.(2/33)
. (6/284)
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي أخبرنا أبو الجهم عبد القدوس بن بكر بن خنيس وكان حسن الهيئة فقلت لأبي: ما كان أحسن هيئته؟ قال: ربما رأيت عليه قميصاً مرقوعاً؛ قال: أخبرنا مسعر عن أبي البلاد عن الشعبي قال: دخلنا على عائشة وعندها ابن أم مكتوم وهي تقطع له أترجاً(1) بعسل وتطعمه؛ قال: فقيل لها، فقالت: ما زال يراد(2) هذا به من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ عاتب الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم(3). (6/286)
عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس في قوله (ولا تصعر خدك للناس) قال: ليكون الغني والفقير عندك في العلم سواء، وفيه عوتب النبي صلى الله عليه وسلم (عبس وتولى) . (6/286)
__________
(1) كانت (أنزجا).
(2) كانت (تراد) ولعل الصواب غير الذي كتبته؛ وأما المعنى فواضح، وقال أبو نعيم في الحلية 9/233: [حدثنا أبو بكر بن مالك] حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا عبد القدوس عن مسعر عن أبي البلاد عن الشعبي قال: دخل رجل على عائشة وعندها ابن أم مكتوم وهي تقطع الأترج بعسل وتطعمه فقيل لها فقالت ما زال هذا له من آل محمد عليه الصلاة والسلام منذ عاتب الله عز وجل فيه نبيه.
(3) قال البيهقي عقبه: كذا قال في إسناده "عن الشعبي" وقد خولف فيه؛ أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو طاهر المحمد أبادي حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا إسحاق بن موسى حدثنا أحمد بن بشير عن أبي البلاد عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال: دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل! فقلت: من هذا يا أم المؤمنين؟ فقالت: هذا ابن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم قالت: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عتبة وشيبة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما فنزلت (عبس وتولى أن جاءه الأعمى)، ابن أم مكتوم.(2/34)
عن أبي مصعب عن أبيه عن كعب قال: يأتي المتكبرون يوم القيامة مثل الذر في صور الرجال، يغشاهم - أو يأتيهم - الذل من كل مكان، يسلكون في نار الأنيار، يسقون من طينة الخبال، عصارة أهل النار. (6/288)
عن عطاء بن أبي مروان أن كعباً قال: يحشر المتكبرون يوم القيامة رجالاً في صور الذر يغشاهم الذل من كل مكان. (6/288)
عن القاسم بن عبد الرحمن أن عبد الله بن مسعود قال: إن المتكبرين يوم القيامة يجعلون في توابيت من نار تطبق عليهم ثم يجعلون في الدرك الأسفل من النار. (6/289)
عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع موقيه فأمسكهما بيده فخاض في الماء ومعه بعيره فقال له أبو عبيدة: قد صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض! صنعت كذا وكذا! قال: فصك في صدره وقال: أوه، لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة! إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله. (6/291)
عن ابن وهب حدثني مالك عن عمه عن أبيه أنه رأى عمر وعثمان إذا قدما من مكة ينزلان بالمعرص، فإذا ركبوا ليدخلوا المدينة لم يبق منهم أحد إلا أردف وراءه غلاماً، فدخلا المدينة على ذلك؛ قال: وكان عمر وعثمان يردفان؛ فقلت له: أراد[ا] التواضع؟ قال: نعم، والتماس حَمْل الراجل لئلا يكونـ[ـوا] كغيرهم من الملوك(1)؛ ثم ذكر ما أحدث الناس، من أن يمشوا غلمانهم خلفهم وهم ركبان؛ ويعيب(2) ذلك عليهم به. (6/291)
عن أشعث بن سوار عن ابن سيرين قال: دخل حذيفة المدائن وهو على حمار وقد سدل رجليه من جانب ومعه عرق لحم يتعرقه وهو أمير. (6/291)
__________
(1) كانت (المملوك).
(2) كانت (ويغيب).(2/35)
عن عكرمة بن عمار حدثنا محمد بن القاسم قال: وزعم عبد الله بن حنظلة بن راهب أنه رأى عبد الله بن سلام في السوق على رأسه حزمة يعني من حطب، قال: فقلت له: أليس قد أوسع الله عليك؟ قال: بلى ولكن أردت أن أرفع الكبر، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. (6/291)
عن محمد بن مسلم عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: قال عمر: ليعجبني الرجل أن يكون في أهل بيته كالصبي فإذا ابتغي منه وجد رجلاً(1). (6/292)
عن ثابت بن عبيد قال: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله وأزمته عند القوم. (6/292)
عن أبي بكر الحميدي أخبرنا سفيان قال: كان أبو سنان يشتري الشيء من السوق فيحمله فيأتيه الرجل فيقول له: يا أبا سنان أنا أحمله لك فيأبى ويقول: إنه لا يحب المستكبرين؛ قال سفيان: وكان شيخاً من العرب له ناحية حسنة؛ قال سفيان: وسمعت أبا سنان يقول: حلبت الشاة منذ اليوم واستقيت لأهلي راوية من ماء، وكان يقال(2): خيركم أنفعكم لأهله. (6/292)
عن منذر قال: كان الربيع بن خثيم يكنس حشه فقيل له، فقال: إني لا أحب أن آخذ منه نصيباً(3). (6/292)
عن مالك عن يزيد بن رومان عن سالم بن عبد الله أنه كان يخرج إلى السوق في حوائج نفسه؛ قال: واشترى سالم شملة فأتى بها المسجد فرمى بها إلى عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز فحبسها عنده ساعة ثم قال: ألا نبعث من يحملها لك؟ فقال سالم: أنا أحملها. (6/293)
__________
(1) قال الحكيم االترمذي في نوادر الأصول (4/17): وقال إبراهيم النخعي: يعجبني أن يكون الرجل في أهله كالصبي فإذا بغى منه وُجد رجلاً؛ يعني إذا طولب بما لا يجوز في الحق وجد صلباً في دينه.
(2) لا يبعد أن تكون (يقول).
(3) في حللية الأولياء (2/116) عن الربيع أنه يكنس الحش بنفسه فقيل له: إنك تُكفَى هذا ؟! قال: إني أحب أن آخذ بنصيبي من المهنة.(2/36)
عن مالك قال: كان عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما] يخرج إلى السوق فيشتري، وكان سالم رضي الله عنه دهره يشتري في الأسواق وكان من أفضل أهل زمانه فقيل لمالك: أتكره الرجل الفاضل أن يخرج إلى السوق فيشتري حوائجه فيحابي بفضله؟ فقال: لا، وما بأس بذلك؛ قد كان سالم يفعل ذلك وقرأ مالك (يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) فلأي شيء يمشون في الأسواق وذكر مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشي في الأسواق(1). (6/293)
عن ابن الزبير (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) قال: سبيل الغائط والبول. (6/293)
عن علي بن عثام قال: قال الأحنف بن قيس وجفاه [مصعب] ابن الزبير(2): ما ينبغي لمن خرج من مخرج البول مرتين أن يفخر؛ قال علي: وقال بعضهم: ما بال من أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو بين ذلك وعاء(3) لقذره أن يفخر. (6/293-294)
عن الربيع قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: الكبر فيه كل عيب. (6/294)
عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق أخبرنا هبان قال: (قيل لابن)(4) المبارك في كلام الفرس: ما الذي لا يرضاه أحد؟ قال: الكبر، قيل: فما الذي لا يكرهه أحد؟ قال: التواضع. (6/294)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: أربع خلال لها ثمرة: العجلة والعجب واللجاجة والشره، فثمرة العجلة الندامة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة الشره الفاقة. (6/294)
عن يوسف بن الحسين قال: ما صحبني متكبر قط إلا اعتراني داؤه، لأنه يتكبر، فإذا تكبر غضبت، فإذا غضبت أداني الغضب إلى الكبر، فإذا داءه قد اعتراني. (6/294)
__________
(1) قال المؤلف: وإنما كره ذلك للقاضي أن يتولى ذلك بنفسه خوف المحاباة وربما أن يميل لأجلها عن الحق إذا رفع إليه من حاباه مكرمة.
(2) وكان صديقاً له.
(3) كانت (وعائه).
(4) كانت (قال).(2/37)
عن سنيد بن داود عن ابن عيينة قال: من كانت معصيته في شهوة فأرجو له التوبة، فإن آدم عصى مشتهياً فغفر له؛ وإذا كانت معصيته في كبر فأخشى على صاحبه اللعن فإن إبليس أبى مستكبراً فلعن. (6/295)
عن محمد بن أبي الورد قال: دون الفهم أغطية على القلوب قد حجبت الفهم: الذنوب والتكبر على المؤمنين، قال الله عز وجل: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق). (6/295)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: إن الله تعالى اطلع على قلوب الآدميين فلم يجد قلباً أشد تواضعاً من قلب موسى عليه السلام فخصه بالكلام لتواضعه!!(1) قال: وقال غير أبي سليمان أوحى الله إلى الجبال أني مكلم عليك عبداً من عبيدي فتطاولت الجبال ليكلمه عليها وتواضع الطور، قال: إن قدر شيء كان، قال: وكلمه عليه لتواضعه. (6/295)
عن حامد اللفاف قال: سمعت حاتم الأصم يقول: أصل الطاعة ثلاثة أشياء: الحزن والرضا والحب؛ وأصل المعصية ثلاثة أشياء: الكبر والحرص والحسد. (6/296)
سمعت أبا عبد الرحمن يقول: سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول: وجدت في كتاب أبي سمعت أبا عثمان يقول: الخوف من الله يوصلك إلى الله، والكبر والعجب في نفسك يقطعك عن الله، واحتقار الناس في نفسك مرض عظيم لا يداوى. (6/296)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا علي الثقفي يقول: عنوان ديوان القراء تعظيم أنفسهم، وعنوان ديوان الفتيان احتقار أنفسهم. (6/296)
__________
(1) الكلام في هذا يطول وذلك ما لا نشتهيه ولا نبتغيه؛ ولكن أقول مختصِراً: ما فعل قلب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؟! ألم يقل الله تعالى جده في حقه: (وإنك لعلى خلق عظيم)؛ ثم من هو صاحب الإسراء والمعراج وإمام النبيين في الصلاة ببيت المقدس؟! ثم أين دليل أبي سليمان على هذا؟! ولكن ما أكثر الصوفية الذين يجزمون بما لا يتيقنون وينطقون بما لا يعلمون.(2/38)
عن خلف بن تميم سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: لا ينبغي للرجل أن يضع نفسه دون قدره، ولا يرفع نفسه فوق قدره. (6/296)
عن أبي بكر الشبلي قال: سمعت الجنيد بن محمد البغدادي يقول: سمعت ذا النون المصري يقول: من كمال سعادة المرء سبع خصال: صفاء التوحيد، وغريزة العقل، وكمال الخلق، وحسن الخلق، وخفة الروح، وطيب المولد، وتحقيق التواضع. (6/297)
عن أبي عبد الله السجزي قال: علامة الأولياء ثلاث: تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرة، وإنصاف عن قوة. (6/297)
عن عبد الملك بن مروان أنه قيل له: من أفضل الناس؟ قال: من تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرة، وأنصف عن قوة. (6/297)
عن أبي عثمان سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون بن إبراهيم وسأله رجل: من أراد التواضع كيف السبيل إليه؟ فقال له: افهم ما ألقى إليك رحمك الله، من أراد التواضع فليوجه نفسه إلى عظمة الله فإنها تذوب وتصغر، ومن نظر إلى سلطان الله ذهب سلطان نفسه لأن النفوس كلها حقيرة عند هيبته؛ ومن أشرف التواضع أن لا ينظر العبد إلى نفسه دون الله؛ ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "من تواضع لله رفعه الله" يقول: من تذلل بالمسكنة والفقر إلى الله رفعه الله، يعني بالإنقطاع إليه(1). (6/297)
عن ذي النون قال: ثلاثة من أعلام التواضع: تصغير النفس معرفة بالعيب، وتعظيم الناس حرمة للتوحيد، وقبول الحق والنصيحة من كل أحد. (6/298)
__________
(1) روى أبو نعيم في الحلية (2/200) عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه لبس الصوف وجلس مع المساكين فقيل له في ذلك فقال: إن أبي كان جباراً فأحب أن أتواضع لربي عز وجل ولعله يخفف عن أبي تجبره. وروى (2/209) عنه أنه غاب ابن له فلبس جبة وأخذ عصا أو قصبة في يده وقال: أتمسكن لربي لعله يرحمني فيرد علي ولدي.(2/39)
عن أبي صالح الفراء قال: سمعت ابن المبارك يقول: من التواضع أن تضع(1) نفسك عند من هو دونك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس لك فضل عليه لدنياك؛ وأن ترفع نفسك عند من هو فوقك في دنياه حتى تعلمه أنه ليس [له] لدنياه فضل عليك. (6/298)
عن الأعمش عن إبراهيم بن عبد الله بن مسعود قال: من خضع لغني ووضع له نفسه إعظاماً له وطمعاً فيما قبله ذهب ثلثا مروءته وشطر دينه. (6/298)
عن عبد الله بن عبد الحميد قال: قال بشر بن الحارث: ما رأيت أسمج(2) من فقير جالس بين يدي غني؛ ولا رأيت أحسن من غني جالس بين يدي فقير. (6/298)
عن الفتح بن شخرف(3) قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم فسمعته يقول: التواضع يرفع الفقير على الغني، وأحسن من ذلك تواضع الغني للفقير. (6/298)
عن إسحاق بن الجراح قال: سئل ابن المبارك عن التواضع فقال: التكبر على الأغنياء. (6/298)
عن محمد يحيى بن معاذ الرازي يقول: التواضع حسن لجميع الخلق وهو بالأغنياء أحسن؛ والكبر سمج لجميع الخلق وهو بالفقير أسمج(4). (6/299)
عن الأوزاعي قال: بلغني أن أشرف التواضع الرضا في المجلس دون المجلس، والإبتداء بالسلام، وأن تكره الرياء والمدح في عملك كله. (6/299)
عن محمد بن عبد الوهاب قال: سمعت عيينة المهلبي وكان مؤدب الأمير عبد الله بن طاهر ويكنى أبا المنهال، كان يقول: لا يتصدر إلا فائق أو مائق. (6/301)
عن محمد بن جعفر قال: سئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال: يخضع للحق وينقاد له ويقبل الحق من كل من يسمعه منه. (6/301)
عن سعيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: إن من أكبر الذنب أن يقول الرجل لأخيه: اتق الله فيقول: عليك نفسك أنت تأمرني؟! (6/301)
__________
(1) كانت (تقنع).
(2) كانت (أسمح).
(3) في الأصل (سخرف).
(4) قال البيهقي: وهذا في تكبرهم معجبين بأنفسهم فأما إذا تكبروا على الأغنياء بترك التواضع لهم طمعاً فيما عندهم فهو فيما حكينا فيما مضى.(2/40)
عن أبي بكر الحميدي حدثنا سفيان قال: قال رجل لمالك بن مغول: اتق الله فوضع خده على الأرض(1)
__________
(1) ترجمه الذهبي في سير النبلاء 7/174-176 وابن حجر في التهذيب 10/20 قال ابن حجر: ع الستة مالك بن مغول بن عاصم بن غزية بن حارثة بن حديج بن بجيلة البجلي أبو عبد الله الكوفي روى عن أبي إسحاق السبيعي وعون بن أبي جحيفة وسماك بن حرب ونافع مولى بن عمر والزبير بن عدي ومحمد بن سوقة والوليد بن العيزار وأبي الأشقر وأبي الحصين الأسدي وعبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي والحكم بن عتيبة وعبد الله بن بريدة وطلحة بن مصرف وغيره روى عنه أبو إسحاق شيخه وشعبة ومسعر والثوري وزائدة وابن عيينة وإسماعيل بن زكريا ويحيى بن سعيد القطان ووكيع وابن المبارك وأبو معاوية بن نمير وأبو أسامة وزيد بن الحباب وعبيد الله الأشجعي وعبد الرحمن بن مهدي ومخلد بن يزيد وأبو أحمد الزبيري وشعيب بن حرب ويحيى بن آدم وخلاد بن يحيى وأبو نعيم والفريابي ومحمد بن سابق ومسلم بن إبراهيم وعمرو بن مرزوق والربيع بن يحيى الاشناني وآخرون قال أبو طالب عن أحمد ثقة ثبت في الحديث وقال يحيى بن معين وأبو حاتم والنسائي ثقة وقال أبو نعيم ثنا مالك بن مغول وكان ثقة وقال العجلي رجل صالح مبرز في الفضل وقال الطبراني من خيار المسلمين وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه سمعت بن عيينة يقول قال رجل لمالك بن مغول: اتق الله، فوضع خده بالأرض؛ قال عمرو بن علي مات سنة سبع وقال بن سعد سنة ثمان وقال أبو نعيم وغيره سنة تسع وخمسين ومائة قلت وفيها أرخه مطين وزاد في ذي الحجة وقال بن سعد كان ثقة مأمون كثير الحديث فاضلا خيرا وقال البخاري قال عبد الله بن سعيد سمعت بن مهدي يقول: إذا رأيت الكوفي يذكر مالك بن مغول بخير فاطمأن إليه، وقال ابن حبان في الثقات: كان من عباد أهل الكوفة ومتقنيهم".
قلت: وصفه شريك أو غيره بأنه حبر أهل زمانه، كما في تفسير القرطبي 10/130. وقال البغوي في مسند علي بن الجعد، المعروف بالجعديات، 1/271: "حدثنا أبو سعيد حدثنا عثمان بن زفر التيمي عن أخيه مزاحم بن زفر قال أبو سعيد وقد رأيت مزاحم بن زفر قال: كنت عند سفيان فأتاه مالك بن مغول فقال سفيان يا أبا عبد الله تشتهي الموت؟ فقال مالك: يا أبا عبد الله وتشتهيه أنت؟ قال سفيان: وددت أنه الساعة، قال: فصاح مالك: معاينة الرسل!! معاينة الرسل!!، [يعني ملائكة الموت]. وروى ابن أبي الدنيا في (الاخوان) ص93 عن مالك بن مغول عن طلحة قال: أخذت معه في زقاق فقال طلحة: لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم ما تقدمتك. وروى ص138 عن سفيان عن مالك بن مغول قال: قال لي طلحة بن مصرف: للقياك أحب إلي من العسل. وروى في (التهجد وقيام الليل) ص247-248 عن مالك بن مغول قال: قيام الليل أيسر من خوض النيران ومن شرب الحميم. وقال الذهبي في السير عقب ذكره ثناء العلماء عليه: قلت: كان من سادة العلماء".
أقول: أطلت بعض الشيء في ترجمة هذا العالم العامل العلم لأني لم أجد له ترجمة في حلية الأولياء ولا في صفة الصفوة مع أنهما ذكرا كثيراً ممن لا يدانونه في علمه ولا في عبادته بل إنهما ذكرا طائفة من الجهلة والمجاهيل ونحوهم ممن ليس بأهل أن يذكر في مثل هذين الكتابين أصلاً.(2/41)
. (6/301)
عن صالح المري حدثنا يونس بن عبيد قال: كنت أذاكر يوماً عند(1) الحسن التواضع، قال: فالتفت إلينا الشيخ فقال: أتدرون ما التواضع؟ أن تخرج من بيتك حين تخرج فلا تلقى مسلماً إلا رأيت أن له عليك الفضل. (6/301)
عن معاوية بن عبد الكريم قال: ذكر عند الحسن الزهد فقال بعضهم: اللباس، وقال بعضهم: المطعم، وقال بعضهم كذا، فقال الحسن: لستم في شيء، الزاهد الذي إذا رأى أحداً قال: هذا أفضل مني. (6/301)
عن منصور بن عامر قال: سمعت وهيب بن خالد قال: سمعت أيوباً يقول: إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل. (6/302)
عن جعفر بن سليمان قال: قال مالك بن دينار: إذا ذكر الصالحون فأف لي وأف. (6/302)
عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: قال بكر بن عبد الله المزني - أو(2) قال رجل -: نظرت إلى أهل عرفات [فـ]ـظننت أنه قد غفر(3) لهم لولا أني كنت فيهم. (6/302)
عن عبد الصمد بن عبد الوارث أخبرنا عبد الله بن بكر [المزني] قال: أفضت مع أبي من عرفة قال: فقال لي: يا بني لولا أني فيهم لرجوت أن يغفر لهم. (6/302)
عن شعيب بن حرب قال: بينا أنا أطوف إذ لكزني رجل بمرفقه فالتفت فإذا أنا بالفضيل بن عياض فقال: يا أبا صالح، فقلت: لبيك يا أبا علي، قال: إن كنت تظن أنه قد شهد الموسم شر مني ومنك فبئس ما ظننت(4). (6/302)
__________
(1) كانت (عن).
(2) كانت (لو).
(3) كانت (أني قد غفرت).
(4) روى ابن أبي الدنيا في (حسن الظن بالله) ص92 عن عبد الله بن المبارك قال: جئت على سفيان عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه وعيناه تهملان فبكيت فالتفت إلي فقال: ما شأنك؟! فقلت من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن [الله] لا يغفر لهم. ونقل ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/223) عن خلف بن الوليد عن رجل من بني نهشل قال: قال مطرف بن عبد الله وهو بعرفة: اللهم لا ترد الجميع من أجلي.(2/42)
عن الجنيد بن محمد قال: سمعت بشراً يقول: ما أرى أن لي على أحد فضلاً، فقيل له: ولا على هؤلاء المخنثين؟! فقال: ولا على هؤلاء المخنثين. (6/302)
عن بشر بن الحارث قال: قال الفضيل لسفيان بن عيينة: لئن كنت ترى أن أحداً في هذا المسجد [دونك] فقد بليت ببلاء. (6/302)
عن بشر بن الحارث قال: قال الفضيل لسفيان بن عيينة: لئن كنت تحب أن يكون الناس مثلك فما أديت النصيحة لربك، كيف وأنت تحب أن يكونوا دونك. (6/302)
عن أبي وهب قال: سألت ابن المبارك ما الكبر؟ قال: أن تزدري الناس، قال: وسألته عن العجب، قال: أن ترى أن عندك شيئاً ليس عند غيرك، قال: ولا أعلم في المصلين شيئاً شر[اً] من العجب. (6/302)
عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس قال: قال عمر بن عبد العزيز لرجل: من سيد قومك؟ قال: أنا، قال: لو كنت كذلك لم تقله. (6/304)
عن يحيى بن سعيد قال: دخل رجل على عمر بن عبد العزيز فقال: من سيد قومك؟ قال: أنا، فسكت عمر ثم قال: لو كنت سيدهم ما قلته. (6/304)
عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم أخلاق؟؟ اللئام؛ قال: وسمعت الشافعي يقول: أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره؛ وأكبر الناس فضلاً من لا يرى فضله. (6/304)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني جعفر بن محمد المراغي أنشدني منصور الفقيه لنفسه:
الكلب أحسن عشرة
وهو النهاية في الخساسه
ممن(1)ينازع في الرئاسه
قبل أوقات الرئاسه
(6/304)
وكان الشيخ الإمام أبو الطيب [الصعلوكي] رحمه الله يقول: من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه. (6/304)
عن عبد الله بن أيوب المخرمي قال: قال شعيب بن حرب: من رضي بأن يكون ذنباً أبى الله عز وجل إلا أن يجعله رأساً. (6/304)
فصل في ترك الغضب وفي كظم الغيظ والعفو عند القدرة
__________
(1) في الأصل (من).(2/43)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: قال يحيى لعيسى عليهما السلام: أوصني يا ابن خالة، قال: لا تشاح في ميراث(1) ولا تأس على ما فاتك؛ فقال: أنا لا أفرح بما جاءني منها فكيف آسى على ما فاتني؟! فقال: لا تغضب، فقال: فكيف لي بأن لا أغضب. (6/308)
عن الأعمش عن خيثمة قال: كانوا يقولون: إن الشيطان يقول: كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي خبئت حتى أكون في قلبه، وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه؟!. (6/311)
عن ثابت عن عكرمة في قوله تعالى (واذكر ربك إذا نسيت) قال: إذا غضبت. (6/312)
عن عبد الله بن عباس قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس بن حصن، وكان [الحر] من النفر الذين يدنيهم عمر بن الخطاب، وكان القرآء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً؛ قال عيينة لابن أخيه: هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ فقال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال: هي(2) يا ابن الخطاب! ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل!! فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وإن هذا من الجاهلين، قال: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً(3) عند كتاب الله عز وجل(4). (6/315-316)
__________
(1) زكريا أبو يحيى نبي والأنبياء لا يورثون، فعلى افتراض صحة هذا الأثر يكون المراد به غير ميراث يحيى من زكريا.
(2) للعلها (هيه).
(3) كانت (قد وقانا).
(4) رواه البخاري في الصحيح.(2/44)
عن ثابت قال: اشترى رجل بيتاً بالمدائن فمر سلمان الفارسي بالمدائن وهو أمير فحسب سلمان علجاً فقال: يا فلان تعال(1)، فجاء سلمان فقال: احمل، فحمله فمضى به فجعل يتلقاه الناس أصلح الله الأمير نحمل عنك؟ أبا(2) عبد الله نحمل عنك؟ أبا عبد الله نحمل عنك؟ فقال الرجل: ثكلتني أمي وعدمتني لم أجد أحد أسخره إلا الأمير!! قال: فجعل يعتذر إليه ويقول: أبا عبد الله لم أعرفك رحمك الله، قال: انطلق فانطلق به حتى بلغ به منزله ثم دعاه فقال: لا تسخر بعدي أحداً أبداً. (6/316)
عن الفضل بن محمد قال: سمعت أبي يقول: وقع بين الحسين بن علي وبين محمد بن الحنفية كلام حبس كلَّ واحد منهما عن صاحبه، فكتب إليه محمد بن الحنفية: أبي وأبوك علي بن أبي طالب وأمي امرأة من بني حنيفة لا ينكر شرفها في قومها، ولكن أمك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت أحق بالفضل مني، فصر إلي حتى تَرَضّاني، فلبس الحسين رداءه ونعله وصار إليه فترضاه. (6/316)
عن عبد الرزاق قال: جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء فتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه فرفع علي بن الحسين رأسه إليها فقالت الجارية: إن الله عز وجل يقول: (والكاظمين الغيظ) فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: (والعافين عن الناس) فقال لها: قد عفا الله عنك، قالت: (والله يحب المحسنين) قال: اذهبي فأنت حرة. (6/317)
عن موسى بن داود حدثني مولى بني هاشم أن علي بن الحسين دعا مملوكه مرتين فلم يجبه ثم أجابه في الثالثـ[ـة] فقال له: يا بني أما سمعت صوتي؟! قال: بلى، قال: فما لك لم تجبني؟! قال: أمنتك، قال: الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني. (6/317)
__________
(1) كانت (تعالى).
(2) كانت (ويا) ولها في السياق وجه ضعيف.(2/45)
عن سعيد بن مسعود قال: كنا في المسجد الحرام ننتظر عبد الله بن يزيد المقري فخرج وبيدي قلم أصلحه فأخذ في القراءة ووقفت أنظر في الكتاب فانحل السكين من يدي فأصاب رأس الشيخ فانهار الدم، قال: فما زاد على أن رفع رأسه إلي وقال: يا بني إن أردت قتلي فأخرجني من الحرم(1). (6/317)
عن محمد بن حميد ونوح بن حبيب قالا: كنا عند ابن المبارك فألحوا عليه فقال: هاتوا كتبكم حتى أقرأ فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الإستئذان فرمى بكتابه فأصاب صلعة ابن المبارك حرف كتابه فانشق وسال الدم فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن، ثم قال: سبحان الله كاد أن يكون قتالاً، ثم بدأ بكتاب الرجل! فقرأه. (6/317-318)
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: قال عمر بن عبد العزيز: إن من أحب الأعمال إلى الله عز وجل العفو عند القدرة، وتسكين الغضب عند الحدة، والرفق بعباد الله، قال: وقال عمر بن عبد العزيز: لا عفو لمن لم يقدر، ولا فضل لمن لم يقدر(2). (6/318)
عن خالد بن صفوان قال: إن أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة؛ وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه. (6/318)
عن حمدان بن عمرو قال: سمعت عبيد بن عمير يقول في قصصه: كان يقال: من حق الجار عليك أن تعرفه معروفك وتكف عنه أذاك؛ ومن حق القرابة أن تصله إذا قطعك وتعطه إذا حرمك؛ وإن أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة؛ وإن أنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه. (6/318)
__________
(1) قالها على سبيل الملاطفة والتخفيف والتهدئة.
(2) كذا، ولعل الصواب (يجد).(2/46)
عن علي بن زيد قال: أسمع رجل عمر بن عبد العزيز كلاماً فقال له عمر: إنـ[ـك] أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله(1) مني غداً، ثم عفا عنه(2). (6/318)
عن أبان قال: قال الحسن: قطرتان وجرعتان، فما جرعة أحب إلى الله عز وجل من جرعة غيظ يكظمها عبد بحلم يبتغي بذلك وجه الله، وجرعة مصيبة موجعة يصبر عليها (عبد لله)(3)؛ قال: وما قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرة دم في سبيله، أو قطرة دمع من عبد ساجد في جوف الليل لا يرى مكانه إلا الله عز وجل. (6/319)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون بمصر يقول(4): ثلاثة من أعلام الإسلام: النظر لأهل الملة، وكف الأذى عنهم، والعفو عند القدرة عن مسيئهم. (6/319)
عن السري السقطي قال: ثلاثة من كن فيه استكمل الإيمان، من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له. (6/320)
عن عبد الرحمن بن القاسم عن أخيه سليمان بن القاسم عن امرأة حذيفة أنها قالت: قمت إلى جارية لي أضربها فقالت لي: اتقـ[ـي] الله، قالت: فألقيت ما في يدي ثم قلت: يا بنية من اتقى الله لم يشف غيظه. (6/321)
عن حميد قال: قال أبو قلابة: إذا بلغك عن أخيك شيء تجد عليه فيه فاطلب له العذر بجهدك، فإن أعياك فقل: لعل عنده أمراً(5) لم يبلغه علمي. (6/321)
عن الحسن قال: قال أبو الدرداء: من يتبع نفسه كل ما يرى في الناس يطل حزنه ولم يشف غيظه. (6/321)
__________
(1) كانت (يناله).
(2) روى ابن المبارك في الزهد ص234 عن سفيان الثوري عن سليمان عن أبي رزين قال: جاء رجل الى الفضيل بن بزوان فقال: إن فلاناً يقع فيك، فقال: لأغيظن مَن أمره، يغفر الله لي وله، قيل: من أمره؟! قال: الشيطان. وانظر صفة الصفوة 3/72 والورع لأحمد ص186.
(3) كانت (عند الله).
(4) كان قبلها (عمن) فحذفتها.
(5) أو عذراً.(2/47)
عن الزهري قال: سمعت عبيد الله يقول: سمعت ابن عباس يقول في قول الله عز وجل (فاصفح الصفح الجميل) قال: الرضا بغير عتاب. (6/322)
عن حماد بن إسحاق الموصلي عن أبيه قال: كان يقال: الاعتراف يهدم الاقتراف. (6/322)
عن محمد بن هريم الشيباني أنشدني أبو بكر بن بهلول:
وما كنت أخشى أن ترى لي زلة
ولكن قضاء الله ما عنه مذهب
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه
وكل امرئ لا يقبل العذر مذنب
(6/322)
عن سلمة بن قتيبة عن محمد بن سيرين قال: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد له عذراً فقل: له عذر. (6/323)
عن محمد بن يحيى الصوفي أنشدنا أحمد بن المعدل:
إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائباً
إليك فلم تغفر له فلك الذنب (6/323)
عن هشام بن الكلبي قال: قال جعفر بن محمد: إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذراً واحداً إلى سبعين عذراً، فإن أصبته وإلا قل: لعل له عذراً لا أعرفه. (6/323)(2/48)
عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ضع(1) أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك؛ ولا تظنن بكملة خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد له في الخير محملاً؛ ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه؛ ومن كتم سره كانت الخيرة في يديه؛ وما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه؛ وعليك بإخوان الصدق فكثر في اكتسابهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة عند عظيم البلاء؛ ولا تهاون بالحلف فيهينك الله؛ ولا تسألن عما لم يكن حتى يكون؛ ولا تضع حديثك إلا عند من يشتهيه؛ وعليك بالصدق وإن قتلك الصدق؛ واعتزل عدوك؛ واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله عز وجل؛ وشاور في أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب(2)
__________
(1) في الأصل (صنع).
(2) هذه وصايا جليلة. وقد قال ابن حبان في كتابه الماتع (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء) ص89-90: "أنبأنا القطان بالرقة حدثنا هشام بن عمار حدثنا إبراهيم بن موسى المكي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: وضع عمر بن الخطاب رضى الله عنه للناس ثمانية عشر كلمة كلها حكم، قال: ما كافأت من يعصي الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه؛ وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك؛ ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً؛ ومن تعرض للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن؛ ومن كتم سره كانت الخيره في يديه؛ وعليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء؛ وعليك بالصدق وإن قتلك الصدق؛ ولا تعرض لما لا يعنيك؛ ولا تسأل عما لم يكن فإن فيما كان شغلاً عما لم يكن؛ ولا تطلبن حاجتك إلى من لا يحب لك نجاحها؛ ولا تصحبن الفاجر فتعلم فجوره؛ واعتزل عدوك؛ واحذر صديقك إلا الأمين؛ ولا أمين إلا من خشي الله؛ وتخشع عند القول؛ وذل عند الطاعة؛ واعتصم عند المعصية؛ واستشر في أمرك الذين يخشون الله فإن الله يقول: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)".(2/49)
. (6/323-324 و 7/56)
عن ضمرة بن يحيى الدمشقي قال: سمعت أبا بكر الأنباري يقول: كتب الفضل بن سهل إلى بعضهم: أحتج عليك بغالب القضاء وأعتذر إليك بصادق النية. (6/324)
عن عبدان قال: سمعت ابن المبارك يقول: أصيب ابن عون بابنه وأبطأ عنه بعض إخوانه، قال: ثم جاء يعتذر، قال: فقال له ابن عون: إذا عرفت أخاك بالمودة فلا تعاتبه. (6/324)
عن وكيع بن الجراح قال: اعتل سفيان الثوري فتأخرت عن عيادته، ثم عدته فاعتذرت إليه، فقال لي: يا أخي لا تعتذر فقَلَّ من اعتذر إلا كذب، واعلم أن الصديق لا يحاسب على شيء، والعدو لا يحسب له شيء. (6/324)
عن محمد بن بشير قال: جرى بين ابن السماك وبين صديق له كلام، فقال له صديقه: الميعاد غداً نتعاقب، فقال: بل الميعاد غداً نتغافر. (6/324)
عن أبي بكر بن زنجويه عن صدقة المقابري قال: ارض من الناس بالقضاء، ولا ترض لهم من نفسك إلا بالوفاء. (6/324)
عن أبي الحسين الوراق قال: الكرم في العفو: أن لا تذكر جناية(1) صاحبك بعد أن عفوت عنه. (6/325)
وعنه قال: اللئيم لا يوفق للعفو من ضيق صدره. (6/325)
عن ذي النون قال: ثلاث خصال من الكرم: حسن النظر، واحتمال الزلة، وقلة الملامة. (6/325)
عن الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول: اليأس حر والطمع عبد والغنى وطن والفقر غربة، وقد وجدنا من لذة العفو ما لم نجد من لذة العقوبة. (6/325)
عن محمد بن حرب بن مقاتل قال: سمعت حفص بن حميد يقول: إذا عرفت الرجل بالمودة فسيئاته كلها مغفورة، وإذا عرفته بالعداوة، فحسناته كلها مردودة عليه. (6/325)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدنا عبد الله بن محمد الدمشقي لبعضهم:
رب دان بقلبه وهو ناء
ومقيم وقلبه في انصراف
ما يضر غير(2)التلاقي لأنا
طبعنا على الوفا والتصافي
لست أنسى تلك الحقوق ولكن
لست أدري بأيهن أكافي(3)
(6/325)
__________
(1) في الأصل (خيانة).
(2) كانت (ما بصر عند)، ولعلها (ما يضر عدْم).
(3) في الأصل (الكافي).(2/50)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو الفرج المعافي بن زكريا القاضي أنشدني عبدالله بن إسحاق أنشدني عبدالله بن طاهر لبعضهم:
إلى كم يكون العتب في كل ساعة
وكم لا تملين القطيعة والهجرا
رويدك إن الدهر فيه كفاية
لتفريق ذات البين فانتظري الدهرا
(6/325)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدنا الحسين بن أحمد بن موسى القاضي أنشدنا محمد بن يحيى النديم لبشار بن برد:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه
مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
(6/326)
عن عطاء الخراساني قال: ما استقصى(1) حكيم قط، ألم تسمع إلى قوله عز وجل: (عرَّف بعضه وأعرض عن بعض)؟! (6/326)
وأنشدنا يونس بن حبيب في هذا المعنى(2):
اغبب زيارتك الصديق
يراك كالثوب استجده
إن الصديق يمله(3)
أن لا يزال يراك عنده
(6/327)
عن عمر بن أحمد بن شاهين أنشدنا أبو أحمد الكوفي أنشدنا علي بن الحسن بن العلاء الهلالي الرقي:
لا تكثرن من الزيارة إنها
إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا
ألم تر أن الغيث يُسأم دائماً(4)
ويطلب بالأيدي إذا هو أمسكا
(6/327)
عن أحمد بن محمد الكوفي أنشدني أبو نعيم الرازي:
أقلل زيارتك الصديق فإنها
تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا
ألم تر أن القطر يسأم دائماً
ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
(6/328)
عن مكحول الأزدي قال: قلت للحسن: إني أريد أن أخرج إلى مكة، قال: لا تصحبن رجلاً يكرم عليك فينقطع الذي بينك وبينه. (6/327)
عن إبراهيم بن فاتك قال: قال علي بن عبيدة: الإعراض عن الصديق أبقى على المودة. (6/327)
عن علي بن حمشاذ حدثنا أبو عمرو الحيري حدثنا محمد بن عبد الوهاب أنشدني أبي:
__________
(1) في الأصل (ما استعصى) وهو تحريف.
(2) يعني الحديث المشهور: (زر غباً تزدد حباً).
(3) كانت (يحله).
(4) أي في حال دوامه واستمراره.(2/51)
إن طول العتاب يورث ضعفا(1)
ودواء العتاب ترك العتاب (6/327)
عن محمد بن أحمد بن مسروق قال: أنشدني محمد بن زكريا لرجل من أصحابه:
إذا ما أخي يوماً تولى بوده
وأنكرت منه بعض ما كنت أعرف
عطفت عليه بالمودة إنني
على مذنب الإخوان بالود أعطف
ولست أجازيه قبيح الذي أتى
ولا راكباً منه الذي يتخوف
وإغماضك العينين عن عيب صاحب
لعمرك أبقى للإخاء وأشرف
(6/328)
عن الأعمش قال: قال الشعبي: يا أعمش كرام الناس أسرعهم مودة وأبطأُهم عداوة، مثل الكوب من الفضة، يبطئ الإنكسار ويسرع الإنجبار؛ ولئام الناس أبطأُهم مودة وأسرعهم عداوة، مثل الكوب من الفخار، سريع الإنكسار ويبطئ الإنجبار. (6/328)
عن أبي الحسين القزويني أنشدنا أبو النبتي السميدع بن مكرم:
أغمض عينِي عن صديقي تكرماً
كأني بما يأتي من الجهل جاهل
وما بيَ من جهل ولكن خليقتي
تطيق احتمال الكره فيما تَحَمَّل(2)
وإن أقطع الإخوان في كل عثرة
بقيت وحيداً لم أجد من أواصل
(6/329)
عن ابن عائشة قال: سئل أعرابي عن رجل بلغ من كرمه أنه لا يسأل أحداً عن عذره(3) مخافة أن لا يكون له مخرج من ذنبه. (6/329)
أنشدنا أبو عبد الله الحافظ أنشدنا ناصر بن عبد الرحمن الجرجاني لبعضهم:
ولست أقطع إخواني بزلتهم
لا خير في قاطع الإخوان بالزلل (6/329)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدنا أبو العباس المصري لمنصور الفقيه:
لا يوحشنك مني ما كان منك إليّا
فأنت مع كل جرم أعز خلق عليا (6/329)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدنا علي بن أحمد بن محمد الطرسوسي أنشدنا أبو فراس(4)بن حمدان لنفسه:
ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاني
ليست مفارقة الأحباب من شاني
يجني وأصفح عنه حانياً أبداً
لا شيء أحسن من حان على جاني
(6/329)
__________
(1) كذا في الأصل، والراجح عندي (ضغناً).
(2) كانت (يحمل).
(3) كانت (غدره).
(4) كانت (فراش)، تصحيف، وهو الشاعر المشهور.(2/52)
عن الأصمعي قال: قيل لخالد بن صفوان: أي الإخوان أحب إليك؟ قال: من سدد(1) خللي وغفر زللي وقبل عِللي. (6/330)
عن أبي بكر القناديلي قال: قال عمرو بن عثمان المكي: المروءة التغافل عن زلل الإخوان. (6/330)
أخبرنا السلمي قال: سمعت أبا القاسم ابن علي بن بندار يقول: سمعت أبي يقول: يا بني إياك والخلافَ على الخَلق، فمن رضي الله به عبداً فارض به أخا(2)ً. (6/330)
عن يعقوب بن أبي عباد قال: قال الفضيل بن عياض: من طلب أخاً بلا عيب بقي بلا أخ. (6/330)
عن الحسين بن المقسم العجلي عن أبي بكر بن أبي الدنيا أخبرنا محمد بن عبد الله الخزاعي قال: سمعت عثمان بن زائدة يقول: العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في التغافل؛ قال: فحدثت به أحمد بن حنبل فقال: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل. (6/330)
عن الفيض بن خضر التميمي أخبرنا عبد الله بن خبيق قال: كان يقال: احتمل لمن زل(3)عليك، واقبل ممن اعتذر إليك. (6/330)
عن الربيع قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل. (6/330)
عن أبي عثمان النيسابوري قال: لا تثق بمودة من لا يحبك إلا معصوماً. (6/331)
عن ذي النون قال: لا تثقن بمحبة من لا يحبك إلا معصوماً(4). (6/331)
عن ذي النون قال: قال بعضهم: من صحبك فوافقك في ما تحب وخالفك فيما تكره فإنما يصحب(5)هواه، ومن صحب هواه فهو طالب راحة الدنيا. (6/331)
عن أبي بكر الصولي قال: سألت بعض الحكماء من الأخ على الحقيقة؟ قال: من تلقاه في الغيبة، وتأنس بذكره في الخلوة، وتعذره من غير معذرة، وتبسط إليه من غير خفية؟؟، ولا تخفي منه ما يعلمه الله منك، وتأمن(6) بغيبته كما تأمن بمشاهدته، وأنشدني في هذا المعنى:
أبلغ أخاك أخا الإحسان لي حسناً
__________
(1) لعلها (سد).
(2) أخرجه السلمي في طبقات الصوفية ص503.
(3) كانت (ذل).
(4) فأبو عثمان إذن مسبوق بهذه الكلمة كما صرح به البيهقي.
(5) كانت (تصحب).
(6) أي أذاه وشره.(2/53)
أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
وأن طرفي موصول برؤيته
وإن تباعد عن مثواي مثواه
الله يعلم أني لست أذكره
وكيف أذكر(1)من لست أنساه
(6/331)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون المصري يقول: ما بعُد طريقٌ أدى إلى صديق، ولا ضاق مكان من صديق حبيب. (6/331)
عن عمرو بن بشير عن الشعبي قال: لا تستبدلن صديقاً قديماً بصديق جديد، فإنه لا ينصحك. (6/331)
عن أبي عمرو الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود لابنه: يا بني عليك بخشية الله فإنها غاية كل شيء، يا بني لا تقطع أمراً حتى تشاور فيه مرشداً، يا بني عليك بالحبيب الأول، فإن الحبيب الأخير لا يعدله. (6/332)
عن الأصمعي قال: قال أعرابي: من جمع لك مع المودة الصافية رأياً حازماً فاجمع له مع المودة الخالصة طاعة لازمة. (6/332)
عن أبي العباس بن مسروق قال: قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم؟ قال: نحن ألف رجل فينا حازم ونحن نطيعه فكأننا(2) ألف حازم. (6/332)
عن جعفر بن برقان قال: قلت لميمون بن مهران: فلان يستبطئ نفسه في زيارتك، قال: إذا ثبتت المودة فلا بأس وإن طال المكث. (6/332
عن ابن المبارك عن سفيان عن يونس بن عبيد أنه أصيب بمصيبة فقيل له: إن ابن عون لم يأتك! قال: إنا إذا وثقنا بمودة أخينا لم يضره أنه ليس يأتينا(3). (6/332)
عن علي بن حرب قال: قال لي سفيان بن عيينة: إذا تأكدت المودة بينك وبين أخيك فلا يضرك أن لا تلقى صاحبها. (6/333)
عن بدر المغازلي قال: قيل لبشر بن الحارث: يا أبا نصر في كم يزور الرجل أخاه؟ قال: إن كانا صادقين ففي كل سنة مرة. (6/333)
عن أبي سعيد عن أبي الدرداء أنه كتب إلى سلمان يدعوه إلى أرض المقدسة؟؟ فقال سلمان: يا أخي إن تكن بعدت الدار من الدار فإن الروح من الروح قريب، وطير السماء على أنفه حمر الأرض تقع به [كذا]. (6/333)
__________
(1) كانت (أذكره).
(2) كانت (فكأنما).
(3) رواه ابن حبان في روضة العقلاء ص89.(2/54)
عن أبي الفضل جعفر بن محمد الوراق أنشدني أبو علي الحسن بن علي الخراط في رجل اعتذر إلى رجل من ترك عيادته:
ولئن جفوتك بالزيارة إنني
ببقاء نفسك في الدعاء لجاهد
ولربما ترك الزيارة مشفقٌ
وطوى على عمل(1)الضمير العايد
(6/333)
عن سيار أبي سلمة قال: قيل لضيغم بن مالك: يا أبا مالك لقد هممت أن أشتري في قربك داراً ليكثر لقيي إياك، فقال: إن مودة تغيرها قلة اللقاء لمدخولة. (6/333)
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت ابن المبارك يقول: إذا تأكد الإخاء قبح الثناء. (6/333)
عن أبي بكر بن عياش قال: سمعت العلاء بن عبد الكريم يقول: من احتشم من أخيه فقد فارقه. (6/334)
عن صالح بن محمد، جزرة، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت ابن كناسة يقول:
فيَّ انقباض وحشمة فإذا
صادفت أهل الوفا والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها
وقلت ما قلت غير محتشم
(6/334)
عن علي بن محمد بن عبيد أنشدنا إسحاق بن محمد القرشي لأبي العتاهية:
إذا اجتمع الأخوان كان أذلهم
لإخوانه نفساً أبرَّ وأفضلا
وما الفضل في أن يؤثر المرء نفسه
ولكن فضل المرء أن يتفضلا
(6/334)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني الحسين بن يحيى لأبي بكر بن داود:
إن أخا الأحسان من يسعى معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب زمان صدعك
شتت شمله ليجمعك
(6/335)
فصل في الحلم والتؤدة والرفق في الأمور كلها
عن عبيد الله السجزي عن وهيب المكي قال: من لم يكن فيه ثلاث خلال فلا تعتدن(2) بعمله: ورع يحجزه عن المحارم، وحلم يرد به السفيه، وخلق يدارى به الناس. (6/339)
عن سليمان بن حرب أخبرنا حماد بن زيد قال: قال أيوب: حلم ساعة يدفع شر سنة. (6/339)
عن النضر بن شميل أخبرنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال: أما أنا فلا أماري(3) صاحبي، فإما أن أغيظه(4) وإما أن أكذّبه. (6/339)
__________
(1) لعلها (غل).
(2) كانت بالياء وهي صحيحة.
(3) المراء: الجدال.
(4) كانت (أغبطه).(2/55)
عن محمد بن محمد بن نصر الزاهد قال: سمعت أبا القاسم اسحاق بن محمد بن الحكيم يقول: اتسعت دار من يداري، وضاقت أسباب من يماري. (6/339)
عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن سليمان بن داود عليه السلام قال لابنه: يا بني إياك والمراء فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان. (6/341)
عن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً برأيه فقد تمت خسارته. (6/341)
عن داود بن أبي هند قال: سمعت الشعبي يقول: المراء يفسد الصداقة القديمة ويحل العقد الوثيقة. (6/341)
عن أبان بن تغلب قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إياكم ومعاداة الرجال فإنهم لا يخلون من ضربين: من عاقل يمكر بكم، أو جاهل يعجل عليكم بما ليس فيكم؛ واعلموا أن الكلام ذكَر والجواب أنثى، وحيثما اجتمع الزوجان فلا بد من النتاج ثم أنشأ يقول:
سليم العرض من حذر الجوابا
ومن دارى الرجال فقد أصابا
ومن هاب الرجال تهيبوه
ومن حقر الرجال فلن يُهابا
(6/344)
عن حماد بن سلمة أخبرنا أبو جعفر الخطمي أن جده عمير بن حبيب وكان قد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بنيه فقال لهم: أي بني إياكم ومخالطة السفهاء فإن مجالستهم داء؛ وإنه(1) من يحلم عن السفيه يُسَر بحلمه، ومن يجبه(2) يندم، ومن لا يُقرّ(3) بقليل ما يأتي به السفيه يقر بالكثير؛ وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر فليوطن نفسه قبل ذلك على الأذى وليوقن بالثواب من الله، فإنه [إن] يوقن بالثواب من الله فإنه لا يجد مس(4) الأذى. (6/344)
__________
(1) كانت (ولأنه).
(2) كانت (يحبه).
(3) كذا ولعلها (يصبر) في الموضعين.
(4) كانت (من).(2/56)
عن حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي أن جده عمير بن حبيب أوصى بنيه وكانت له صحبة قال: يا بني إياكم ومجالسة السفهاء فذكر(1) أنه قال: ومن لا يصبر بقليل ما يأتي به السفيه [يصبر] بالكثير، ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب(2)؛ ثم ذكر ما بعده. (6/345)
عن يوسف بن الحسين قال: سمعت سلمة يقول: قال شـ[ـبـ]ـيب بن شيبة: من سمع بكلمة فسكت عنها سقط عنه ما بعدها ومن أجاب عنها سمع ما هو أغلظ منها، وأنشأ يقول:
وتنفر نفس المرء من وقع شتمة(3)
ويُشتَمُ ألفاً بعدها ثم يسكت (6/345)(4)
عن يزيد بن ابراهيم التستري قال: سمعت الحسن يقول في هذه الآية (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) قال: حلماء لا يجهلون على أحد، وإن جهل عليهم حلموا. (6/345)
عن عمرو عن الحسن في قوله (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) قال: حلماء، (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) قال: [قالوا]: السلام عليكم. (6/346)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) قال: الوقار والسكينة، (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) قال: قالوا سداداً. (6/346)
عن محمد بن عمران الجيزي قال: سمعت ذا النون يقول: العز الذي لا ذل فيه سكوتك عن السفيه؛ عطب السفيه بيده وفيه. (6/346)
عن أبي عبد الله الجرجاني قال: سمعت أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري مؤدب الخليفة يقول: أنشدني أحمد بن عبيد أنشدني الأصمعي:
وما شيء أحب إلى لئيم
إذا شتم الكريم من الجواب
متاركة(5)اللئيم بلا جواب
أشد على اللئيم من السباب
(6/346 و362)
__________
(1) كانت (فذكره).
(2) كانت (يجب).
(3) كانت (شتمه).
(4) جاء في صفة الصفوة 3/199 عن الحسن قال: قال الأحنف بن قيس: والله ما سمعت كلمة إلا طأطأت لها رأسي لما هو أعظم منها.
(5) كانت (مشاركة).(2/57)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز الفقيه وتعرض له بعض الغرباء بالسفه فأسمعه وهو ساكت فلما فرغ من سفهه عليه أنشأ أبو بكر يقول:
شاتمني كلب بني سمع؟؟
فصنت(1)عنه النفس والعرضا
لم أجبه لاحتقاري له(2)
من ذا يعض الكلب إن عضا
(6/346)
عن عبد الله بن داود قال: سمعت الأعمش يقول: جواب الأحمق السكوت عنه؛ [و]قال الأعمش: السكوت جواب، والتغافل يطفئ شراً كثيراً، ورضى المتجني غاية لا تدرك، واستعطاف المحب عون للظفر، ومن غضب على من لا يقدر عليه طال حزنه. (6/347)
عن العلاء بن جرير عن أبيه قال: قال الأحنف بن قيس: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حليم من أحمق، وبر من فاجر، وشريف من دنيء. (6/347)
عن حنبل بن إسحاق حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا زيد أبو خالد من أهل دمشق عن سليم بن موسى قال: ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض: حليم من أحمق، وشريف من دنيء، وبر من فاجر. (6/347)
__________
(1) كانت (فضنت).
(2) في الأصل (به).(2/58)
عن ابن السماك عن ابن شبرمة(1)
__________
(1) قال العجلي في الثقات 2/33-36: 901 عبد الله بن شبرمة يكنى أبا شبرمة، ضبي من أنفسهم من ولد المنذر بن ضرار بن عمرو، وكان قاضياً لأبي جعفر على قضاء الكوفة، هو ومحمد بن أبي ليلى؛ كان ابن أبي ليلى على قضاء السوق وداخل الكوفة؛ وكان ابن شبرمة على قضاء السواد والضياع؛ استقضاهما عيسى بن موسى زمان أبي جعفر؛ وكان سفيان بن سعيد إذا قيل له: من مفتيكم؟ قال: مفتينا ابن أبي ليلى وابن شبرمة؛ وكان ابن شبرمة عفيفاً صارماً عاقلاً فقيهاً يشبه النساك ثقة في الحديث؛ وسمع من الشعبي وكانت روايته عنه وعن غيره قدر خمسين حديثاً أو نحوها، شاعر حسن الخلق جواد، وربما كسا حتى يبيت في ثيابه؛ وكان إذا اختلف إليه الرجل ثلاثاً دعاه فقال له: أراك قد لزمتنا منذ ثلاثة أيام، عليك خراج فنكلم لك فيه أو دين أو حاجة فنسعى لك فيها؟ فلا يكلمه في شيء إلا قضاه؛ ثم يقول: إنهم لا يأتوننا إلا لننفعهم في أمر دنياهم! لا يأتوننا لنشفع لهم في آخرتهم، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه؛ وكان من أحلم الناس، كان إذا أُسرف عليه قال: أين فتياننا الذين يكفوننا العار والنار؟ خذوه، وإذا قضى على رجل بقضية قال: لأقضين عليك قضاءً شبرمياً؛ وكان له ابن يقال له عثمان بن عبد الله كان يفضل عليه، زاهداً عابداً، لا يُروى عنه شيء، وكان يقول لأبيه: يا أبة لا تمكن الناس من نفسك فإن أجرأ الناس على السباع أكثرهم لها معاينة؛ وكان له ابنا أخ يقال لهما عمارة ويزيد ابنا القعقاع بن شبرمة قد روي عنهما، ثقتان؛ قال: وكانت امرأة من آل عكرمة الفياض تخاصم إلى ابن شبرمة وكانت تأتيه بين موليين لها أعمى وأعور، وكان ابن شبرمة إذا نظر إليها قال:
فلو كنت ممن يزجر الطير لم يكن وزيراك فيما ناب أعمى وأعور
وقال ابن شبرمة: أهل المدينة يحقروننا ونحن نزدريهم. قال: وكان عيسى بن موسى لا يقطع أمراً عن [أي دون] ابن شبرمة فبعث أبو جعفر إلى عيسى بن موسى عبد الله بن جعفر وأمره أن يحبسه ثم كتب إليه أن يقتله، فقال له ابن شبرمة: لم يُرِد غيرك، وكان عيسى بن موسى ولي العهد بعد أبي جعفر، فقال له ابن شبرمة: احبسه واكتب إليه أنك قتلته، ففعل، فأتى إخوته إلى عيسى بن موسى، فقال لهم: كتب إلي أمير المؤمنين أن أقتله فقد قتلته فرجعوا إلى أبي جعفر فقال: كذب، لأقيدن منه، فارتفعوا إلى قاضي المسلمين فلما حققوا عليه طرحه إليهم، فقال أبو جعفر: قتلني الله إن لم اقتل الأعرابي [يعني ابن شبرمة]، عيسى بن موسى لا يعرف هذا! فما زال ابن شبرمة مختفياً حتى مات وسيره عيسى بن موسى إلى خراسان حين خشي عليه فما زال بها حتى مات بها؛ وقتل أبو جعفر عمه [عبد الله] بعد، وكان عمه خبيثاً، عوقب عليه ميتاً؟؟، سفاكاً، قتل بني أمية قتلاً شديداً، وخلع أبو جعفر [عيسى] من العهد وأرضاه؛ وإنما أراد أن لو قتل عبد الله بن جعفر فيقتله به فيكون قد قتلهما جميعاً".
وقال المزي في تهذيب الكمال 15/76-80 : "عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان بن المنذر بن ضرار بن عمر بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل وقيل عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن عمرو بن ضرار بن عمرو بن زيد بن مالك بن زيد بن كعب بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة الضبي أبو شبرمة الكوفي القاضي فقيه أهل الكوفة، عداده في التابعين، وهو عم عمارة بن القعقاع بن شبرمة وكان عمارة أكبر منه، روى عن إبراهيم بن يزيد التيمي وإبراهيم بن يزيد النخعي وإسماعيل بن أبي خالد وأنس بن مالك----؛ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه وأبو حاتم والنسائي: ثقة، وقال علي بن المديني: قلت لسفيان: كان بن شبرمة جالس الحسن؟ قال: لا، ولكن رأى بن سيرين بواسط؛ وقال مسدد عن عبد الله بن داود: سمعت سفيان يقول: فقهاؤنا؟؟ ابن شبرمة؛---وقال عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد: كان ابن شبرمة إذا أراد أن يخرج الى مجلس القضاء قال: يا جارية قربي غدائي حتى أقوم إلى بلائي؛ وقال محمد بن فضيل عن أبيه: كان ابن شبرمة ومغيرة والحارث العكلي والقعقاع بن يزيد وغيرهم يسمرون في الفقه، فربما لم يقوموا حتى يسمعوا النداء بالفجر؛ وقال أحمد بن حنبل عن محمد بن فضيل: سمعت ابن شبرمة يقول: كنت إذا اجتمعت أنا والحارث يعني العكلي على مسألة لم نبال من خالفنا؛ وقال أبو معمر عن عبد الوارث: ما رأيت أحداً أسرع جواباً من ابن شبرمة، ما كان الرجل يتم المسألة حتى يرميه بالجواب؛ وقال محمد بن حميد عن جرير بن عبد الحميد: رأيت بن شبرمة يخضب لحيتة بالحناء ثم يغسله فتراه أصفر؛ وقال عبد الرزاق عن معمر: سمعت ابن شبرمة إذا قال له الرجل: جعلني الله فداك، يغضب ويقول: قل: غفر الله لك؛ وقال محمد بن صبيح بن السماك عن ابن شبرمة: من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر فيها خُصم، ولا يطيق الحق من بالى على من دار الأمر؛ وقال حبان بن علي عن ابن شبرمة: ما لبس انسانٌ لباساً أزين من العربية؛ وقال ابن المبارك عن ابن شبرمة: عجبت للناس يحتمون من الطعام مخافة الداء ولا يحتمون من الذنوب مخافة النار!! قال يحيى بن بكير: مات سنة أربع وأربعين ومئة؛ استشهد به البخاري في الصحيح وروى له في الأدب وروى له الباقون سوى الترمذي".
وروى ابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ ص362 عن رقبة قال: سأل أبي ابن شبرمة فقال: يا أبا شبرمة ما حد السكران؟ قال: إذا طاشت رجلاه واختلف كلامه. انتهى.
وقد تقدم عنه بضعة آثار في غير هذه الشعبة من هذا الكتاب.(2/59)
أنه كان يقول: من بالغ في الخصومة أثم؛ ومن قصَّر فيها خُصم؛ ولا يطيق الحق من بالى(1) على من(2) دار الأمر؛ ونصل الصبر [بـ]ـالتصبر؛ ومن لزم العفاف هانت عليه الملوك والسوقة. (6/347)
عن حماد بن زيد عن هشام قال: كان أبو العوام العدوي يعرض له الرجل فيشتمه فيقول: إن كنتُ كما قلت إني إذاً لرجل سوء. (6/347)
عن سفيان بن عيينة قال: مر عمر بن ذر يوماً برجل يقع فيه فقال له: يا هذا لا تغرق في شتمنا ودع للصلح موضعاً، فإنا لا نجد مكافأة من عصى الله فينا بمثل أن نطيع(3) الله فيه. (6/347)
عن سهل بن عبد الله قال: لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يكون لعباد الله كالأرض أذاهم(4) عليها ومنافعهم منها. (6/348)
عن الحسن بن عمرو قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: قال رجل لمالك بن دينار: يا مرائي! قال: متى عرفت اسمي؟! ما عرف اسمي غيرك! (6/348)
عن يحيى بن معين قال: رأيت يحيى بن سعيد القطان(5) يبكي، وقال له شيخ من جيرانه: إنك(6) لا أصل لك! فجئته وهو يبكي وهو يقول: أجل [و]الله، والله ما لي أصل ولا فصل! ومن أنا؟! ومن أنا؟!. (6/348)
__________
(1) كانت (مالي).
(2) كانت بعدها (به) فأهملتها.
(3) كانت (أطيع) وانظر الرواية المتقدمة عن ابن المسيب برقم 2964 أو حوْل هذا الرقم.
(4) كانت (إذا هم).
(5) هذا أحد سادات العالم في زمانه، ومن ذا الذي يبلغ مرتبته في الدين والعلم والخلق؟! فانظر ما قاله فيه الظالمون!!
(6) كانت (إني).(2/60)
أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان قال: حضرت مجلس أبي عثمان سعيد بن إسماعيل سنة خمس وثمانين ومئتين وهو يسأل الناس لبعض المستورين، فقام سائل وألحف في المسألة، فقال أبو عثمان: يا هذا من سأل الناس في الأسواق وفي الجامع فإني لا أتكلم في أمره، وإنما أسأل في امرئ(1) مستور عفيف لا يسأل الناس؛ فقال له السائل: إنك لا تسأل الله؛ فقال أبو عثمان: إن كنت كما قلت غفر الله لي وإن كنتُ غير ما قلت فغفر الله لك----؛ ثم قال أبو عثمان لأهل المجلس: كل من أراد كرامتي فليكرم هذا السائل. (6/348-349)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا أحمد الحسين بن علي بن محمد بن يحيى يقول: سمعت أبي يقول: كان أبو عثمان يميل إلى الأثواب الفاخرة فانصرف ابنه أبو بكر من العراق سنة من السنين وقد سوى له دست ثياب من أحسن ما قدر عليه وسأله أن يلبسه يوم مجلسه، ففعل ذلك أبو عثمان، فقام في آخر مجلسه سائل فسأل فزبره(2) الناس وقالوا له: اجلس حتى يفرغ من الدعاء، فأقبل السائل على أبي عثمان وقال: أيها اللص القاطع المرائي تلبس مثل هذه الأثواب وتأوي إلى سكن وكفاية وأنت تنظر إلى فقرنا وضعفنا؛ قال: فمد أبو عثمان يده إلى عمامته ونزعها عن رأسه ثم رمى بها إليه؛ ثم مد يده إلى ردائه فدفعه إليه ونزع الدراعة فدفعها إليه؛ ثم قال لأهل المجلس: سألتكم بحرمة الإسلام أن تحسنوا إلى هذا الرجل بكل ما أمكنكم؛ قال: فاجتمع بين يديه من الأثواب والخواتيم والخلاخل والدنانير والدراهم شيء كثير؛ ثم قال للرجل(3): يا هذا إن كنت أنا كما ذكرته فإني أسأل الرب أن يغفر لي ويتوب علي، وإن لم أكن كذلك فإني أسأله أن يتوب عليك----. (6/349)
__________
(1) كانت (أمر).
(2) كانت (فظبره).
(3) كانت (الرجل).(2/61)
عن سهل [بن عبد الله التستري] قال: فمن خالطهم ]أي الناس] داراهم ولم يمارهم، فإن مداراتهم صدقة، ومداراة الوالد فريضة، ومداراة ذوي الأرحام سنة، ومداراة السلطان طاعة، ومداراة أهل البدع مداهنة، ومداراة الأحمق شرف، (والشرف التغافل، والسلامة للجميع)(1) التقرب لله عز وجل. (6/351)
عن يعقوب بن السكيت قال: قال محمد بن السماك: من عرف الناس داراهم ومن جهلهم ماراهم؛ ورأس المداراة ترك المماراة. (6/351)
عن أبي وائل قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس، واجتنب المحارم تكن من أورع الناس، وأد ما افترض الله عليك تكن من أعبد الناس؛ قال: وجاءه رجل فشكى إليه جاراً له فقال: إنك إن سببت الناس سبوك، وإن نافرتهم نافروك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن فررت منهم أدركوك، وإن جهنم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام، كل زمام بسبعين ألف ملك. (6/351-352)
عن القاسم بن عثمان قال: سمعت سليم بن زياد يقول: مكتوب في التوراة: من سالم الناس لم يسلم، ومن شتم الناس شتم، ومن طلب الفضل من غير أهله ندم. (6/352)
عن الأصمعي قال: أخبرني أبو عمرو بن العلاء قال: ما تشاتم رجلان قط إلا غلب ألأمهما. (6/352)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا اسحاق المزكي يقول: سمعت أبا القاسم الـ[مـ]ـذكر ينشد لبعض السلف:
بلاء ليس يشبهه بلاء
عداوة غير ذي حسب ودين
يشينك عرضه إن نلت منه
ويرتع(2) منك في عرض مصون
(6/352)
عن أبي عمر محمد بن عبد الواحد أنه أنشد:
لن يبلغ العز أقوام وإن كرموا
حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مشرقة
لا عفو ذل ولكن عفو أحلام
(6/352)
__________
(1) كأن صواب هذه العبارة: (والسلامة بالتغافل، والشرف للجميع).
(2) كانت (ويرقع).(2/62)
عن ليث عن ابن عطية قال: قال الربيع بن خثيم: الناس رجلان مؤمن وجاهل، أما المؤمن فلا تؤذه، وأما الجاهل فلا تحاوره(1). (6/353)
عن اسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: لا تشر مودة ألف رجل بعداوة رجل(2). (6/353 و503) (3)
عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: المراء في العلم يقسي القلب ويورث الضغائن. (6/354)
عن عنبسة القاضي قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب وتورث النفاق. (6/354)
عن إسحاق بن عيسى قال: سمعت مالك بن أنس يقول: اجتنب الجدال في الدين، ويقول: كل ما جاءنا رجل أجدل من رجل أردنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟! (6/354)
عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً يحدث وذكر رجلاً بكثرة الكلام ومراجعة الناس فقال: من صنع مثل هذا ذهب بهاؤه؛ قال مالك: وبلغني أن عمر بن عبد العزيز كاتب رجلاً كان له قدر في حاله و[أ]سرف في خصومة خاصم فيها وألح في ذلك، فقال له عمر: إن لك قدراً وحالاً ولا أحب أن تخاصم فإن ذلك مما يهينك ويزري بك، قال مالك: وذلك أنه يحضر فيحجب ويدفع الحرسي(4) في صدره، وهذا مذلة لذي الهيبة. (6/354)
__________
(1) وقع في حلية الأولياء 2/111: "وأما الجاهلُ فلا تجاهلْه". وكلا الروايتين حسنة صحيحة المعنى، بل هما بمعنى واحد.
(2) وفي رواية: لا تشرين صداقة الف رجل بعداوة واحد.
(3) ورد في الأصل بعد هذا الأثر أثر حذفته لأني لم أثق بروايته ورأيته بارداً ولم استحسنه ولكن أذكر هنا حاصله وهو أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال بيتاً من الشعر ثم قال ابنه عبد الرحمن بعد موته بيتاً ثانياً ثم قال سعيد بن عبد الرحمن بعد موته بيتاً ثالثاً وتلك الأبيات هي:
وإن امرؤ يمسي ويصبح سالماً--من الناس إلا ما جنى لسعيد
وإن امرؤ نال الغنى ثم لم ينل-- --صديقاً ولا ذا حاجة لزهيد
وإن امرؤ لاحى الرجال على الغنى-ولم يسأل الله الغنى لحسود
(4) كانت (الحرمى).(2/63)
عن أبي عوانة الإسفرايني قال: سمعت سعدان بن نصر يقول: سمعت الهيثم بن جميل يقول: يبلغني عن الرجل يقع في فأذكر استغنائي عنه فيهون علي. (6/355)
عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش قال: كنت مع رجل فوقع في ابراهيم فأتيت ابراهيم فقلت له: إني كنت مع رجل فوقع فيك فوالله لقد هممت به، فقال: لعل الذي غضبت له(1) لو (سمعه لم يقل)(2) شيئاً. (6/355)
عن الحسن بن أحمد بن عبد الواحد قال: سمعت أبا ابراهيم الشربي وقال له رجل: يا إبراهيم(3) إن فلاناً يبغضك قال: ليس في قربه أنس ولا في بعده وحشة. (6/355)
عن مطرف قال: قال لي مالك بن أنس: ما يقول الناس في؟ قلت: أما الصديق فيثني، وأما العدو فيقع، قال: ما يزال الناس كذا، لهم عدو وصديق، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها. (6/355)
عن أبي الحسن الزيات قال: سمعت أبا الحسن بن عطاء يقول: أربعة من علامات الأولياء: يصون سره فيما بينه وبين الله عز وجل، ويحفظ جوارحه فيما بينه وبين أمر الله عز وجل، ويحتمل الأذى فيما بينه وبين الناس، ويداري مع الخلق على تفاوت عقولهم. (6/355)
عن ضمرة بن ربيعة حدثنا رجاء بن أبي سلمة قال: الحلم أرفع من العقل، وذلك لأن الله تسمى به. (6/356)
عن يزيد بن موهب قال: سمعت ضمرة يقول: العقل الحفظ، واللب الفهم، والحلم الصبر. (6/356)
عن الأصمعي قال: قال مسلم بن قتيبة: الدنيا العافية، والشباب الصحة، والمروءة الصبر على الرجال، فسألتـ[ـه] ما الصبر على الرجال؟ فوصف المداراة. (6/356)
__________
(1) يريد ابراهيمُ بهذا نفسَه.
(2) كانت (سمعته لم يقله)، وقد وردت العبارة على وجهها الصحيح في فيض القدير للمناوي 3/121.
(3) الصواب (يا أبا ابراهيم) أو أن كلمة (أبا) المتقدمة زائدة، ثم إنه ليس ببعيد أن الصواب (ابراهيم الحربي) وهو الامام الحافظ الزاهد الشهير صاحب (غريب الحديث).(2/64)
أخبرنا أبو زكريا بن أبي اسحاق قال: حضرت مجلس أبي الحسن بن سمعون فسأله رجل عن التصوف ما هو؟ قال: إن له اسماً وحقيقة فعن أيهما تسأل؟ فقال: عنهما جميعاً، فقال: أما اسمه فنسيان الدنيا ونسيان أهلها، وأما حقيقته فالمداراة مع الخلق، واحتمال الأذى منهم من جهة الحق؟؟(1). (6/356)
عن أبي بكر الهذلي عن سعيد بن جبير في قوله (وسيداً وحصوراً) قال: السيد الذي يملك غضبه، والحصور الذي لا يأتي النساء. (6/356)
عن أبي بكر الدريدي أخبرنا أبو حاتم عن العتبي عن أبيه قال: أعيا ما يكون الكريم إذا سأل(2) حاجة، وأعيا ما يكون الحليم إذا خاطب سفيهاً. (6/357)
عن عبد الله بن محمد الزاهد قال: سمعت أبا علي الثقفي يقول: لا تُقِمْ على خلق تذمه من غيرك، ولا تفعل ما لا يحمد منك حتى تصلحه من نفسك ولو بالتخلق. (6/357)
عن أبي العباس السياري قال: دخل رجل على أبي الموجه فقال: إني خارج من مرو فلو وعظتني فقال أبو الموجه:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل (6/357)
أنشدنا أبو القاسم المفسر أنشدنا أبو الحسن علي بن عاصم لصالح بن عبد القدوس(3)
__________
(1) وأما صوفية اليوم فلهم شأن آخر، فشأنهم – إلا من يستثنيه الله - مداراة أعداء الدين ومحاربة الحق والتوحيد ومناصرة الشرك والبدعة والعمل على إماتة السنة وقطع دابر أهلها، هذا فضلاً عن الجهل والظلم وعبادة الدنيا والتعالم والكذب وحب الرئاسة وآفات كثيرة والله المستعان.
(2) يصح من حيث المعنى ضبطها على هذين الوجهين (سأَل) و (سُئل)، وأما من حيث الرواية فلا أدري.
(3) ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد 9/303 فقال: "صالح بن عبد القدوس أبو الفضل البصري: مولى لأسد، أحد الشعراء، اتهمه المهدى أمير المؤمنين بالزندقة فأمر بحمله إليه، وأحضره بين يديه، فلما خاطبه أعجب بغزارة أدبه وعلمه وبراعته وحسن بيانه وكثرة حكمته، فأمر بتخلية سبيله؛ فلما ولى رده وقال له: ألست القائل:
والشيخ لا يترك أخلاقه---حتى يوارى في ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد إلى جهله--كذي الضنى عاد الى نكثه
قال: بلى يا أمير المؤمنين! قال: فأنت لا تترك أخلاقك، ونحن نحكم فيك بحكمك في نفسك ثم أمر به فقتل وصلب على الجسر، ويقال: إن المهدى أُبلغ عنه أبيات يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم فأحضره المهدي وقال له: أنت القائل هذه الأبيات؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، والله ما أشركت بالله طرفة عين، فاتق الله ولا تسفك دمي على الشبهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادرؤا الحدود بالشبهات، وجعل يتلو عليه القرآن حتى رق له وأمر بتخليته، فلما ولى قال: أنشدنى قصيدتك السينية فأنشده حتى بلغ البيت أوله "والشيخ لا يترك أخلاقه" فأمر به حينئذ فقتل؛ ويقال إنه كان مشهوراً بالزندقة، وله مع أبي الهذيل العلاف مناظرات؛ وشعره كله أمثال وحكم وآداب؛ ومن مستحسنات قصائد صالح القصيدة القافية أنشدناها عبيد الله بن أبي الفتح وأحمد بن عبد الواحد الوكيل قالا أنشدنا محمد بن جعفر بن هارون التميمي الكوفى قال أنشدنا أبو بكر الدارمي عن عمه لصالح بن عبد القدوس:
المرء يجمع والزمان يفرق---- --ويظل يرقع والخطوب تمزق
ولأن يعادى عاقلاً خير له--- ---من أن يكون له صديق أحمق
فارغب بنفسك لا تصادق أحمقاً-إن الصديق على الصديق مصدق
وزن الكلام إذا نطقت فإنما-- -يبدي عيوب ذوى العقول المنطق
ومن الرجال إذا استوت أحلامهم- من يستشار إذا استشير فيطرق
حتى يجيل بكل وادٍ قلبه----- --فيرى ويعرف ما يقول فينطق
فبذاك يوثق كل أمر مطلق------ --وبذاك يطلق كل أمر يوثق
وإن امرؤ لسعته أفعى مرة--------تركته حين يُجَر حبلٌ يفرق
لا ألفينك ثاوياً في غربة---------إن الغريب بكل سهم يرشق
ما الناس الا عاملان فعامل-----قد مات من عطش وآخر يغرق
والناس في طلب المعاش وإنما--- -بالجد يرزق منهم من يرزق
لو يرزقون الناس حسب عقولهم-- -ألفيت أكثر من ترى يتصدق
لكنه فضل المليك عليهم------- ---هذا عليه موسع ومضيق
وإذا الجنازة والعروس تلاقيا--- --ألفيت من تبع العرائس يطلق
ورأيت من تبع الجنازة باكياً--------ورأيت دمع نوائح يترقرق
{{كذا في الرواية ورأيت في غير الرواية:
وإذا الجنازة والعروس تلاقيا-------ورأيت دمع نوائح يترقرق
سكت الذي تبع العروس مبهتا----ورأيت من تبع الجنازة ينطق}}
لو سار ألف مدجج في حاجة-------لم يقضها الا الذي يترفق
إن الترفق للمقيم موافق----------وإذا يسافر فالترفق أوفق
بقي الذين إذا يقولوا يكذبوا----ومضى الذين إذا يقولوا يصدقوا
أخبرني علي بن أيوب القمى أخبرنا محمد بن عمران بن موسى حدثني علي بن هارون المنجم عن أبيه قال من مختار شعر صالح بن عبد القدوس قوله:
إن الغني الذي يرضى بعيشته----لا من يظل على ما فات مكتئبا
لا تحقرن من الأيام محتقراً--كل امرئ سوف يجزى بالذي اكتسبا
قد يحقر المرء ما يهوى فيركبه---حتى يكون إلى توريطه سببا.(2/65)
:
كل إلى الغاية محثوث
والمرء موروث ومبعوث
فكن حديثاً حسناً سائراً
بعدك فالناس أحاديث
(6/357)
عن الحسن بن عيسى حدثنا ابن المبارك أخبرني رجل سماه، قال: كان بين عاصم بن عمر وبين رجل من قريش دور، فقال القرشي لعاصم: إن كنت رجلاً فادخلها، فقال عاصم: أو قد بلغ بك الغضب هذا؟! هي لك، فقال القرشي: سبقتني بل هي لك فتركاها لا يدخلها واحد منهما حتى هلكا، ثم لم يعرض لها أولادهما. (6/357)
عن ابن وهب حدثني مالك، (عن القاسم بن)(1) محمد، كان يكون بينه وبين الرجل المدارأة(2) في الشيء فيقول له القاسم: هذا الذي تريد أن تخاصمني فيه هو لك، فإن كان حقاً هو لك فخذه ولا تحمدني فيه؛ وإن كان لي فأنت منه في حل وهو لك(3). (6/358)
عن ابن أبي الدنيا قال: أنشدني أبو حفص القرشي:
كل الأمور تزول عنك وتنقضي
إلا الثناء فإنه لك باق
ولو أنني خيرت كل فضيلة
ما اخترت غير محاسن الأخلاق
(6/358)
عن ابن عائشة أنه أنشد لبعض الشعراء:
ألم تر أن الناس يخلد بعضهم
أحاديثهم والمرء ليس بخالد
وإذا الفتى لاقى الحمام رأيته
لولا الثناء كأنه لم يولد
(6/358)
__________
(1) كانت (بن القاسم عن).
(2) كانت (المداراة).
(3) روى أبو نعيم في الحلية (5/222) عن الأوزاعي قال: هلك ابن لبلال بن سعد بالقسطنطينية فجاء رجل يدعي عليه بضعة وعشرين ديناراً فقال له بلال: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك كتاب؟ قال: لا، قال: فتحلف؟ قال: نعم، قال: فدخل منزله فأعطاه الدنانير وقال: إن كنت صادقاً فقد أديت عن ابني، وإن كنت كاذباً فهي عليك صدقة.(2/66)
عن إبراهيم بن بشار قال: تكلم ابراهيم بن أدهم إلى رجل يكلم رجلاً فغضب(1) حتى تكلم بكلام قبيح، قال فقال له(2): يا هذا اتق الله وعليك بالصمت والحلم والكظم، قال: فأمسك(3)، ثم قال له: بلغني أن الأحنف بن قيس قال: كنا نختلف إلى قيس بن عاصم(4)
__________
(1) أي الرجل المتكلم.
(2) ابراهيم.
(3) أي الرجل.
(4) قال ابن عبد البر في الاستيعاب 3/1295-1296 بعد أن ذكر اسلامه ووفادته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بنى تميم وذلك فى سنة تسع، وذكر ما يروى من أنه لما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا سيد أهل الوبر، والله أعلم بصحة هذا الحديث قال: "وكان رضي الله عنه عاقلاً حليماً مشهوراً بالحلم، قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، رأيته يوماً قاعداً بفناء داره محتبياً بحمائل سيفه، يحدث قومه، إذ أتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك! قال: فوالله ما حل حبوته ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه فقال: يا ابن أخي بئس ما فعلت، أثمت بربك وقطعت رحمك وقتلت ابن عمك ورميت نفسك بسمهك؛ ثم قال لابن له آخر: قم يا بني فوار أخاك وحل كتاف ابن عمك وسق إلى أمك مئة ناقة دية ابنها فإنها غريبة؛ وكان قيس بن عاصم قد حرم على نفسه الخمر فى الجاهلية وكان سبب ذلك---[ثم ذكر ما تقدم نقله في فصل ذم المسكر] ثم قال: ومن جيد قوله:
إني امرؤ لا يعتري خلقي------دنس يفنده ولا أفن
من منقر فى بيت مكرمة-والغصن ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقول قائلهم---بيض الوجوه أعفة لسن
لا يفطنون لعيب جارهم----وهم لحسن جواره فطن
وقال الحسن: لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال: يا بنى احفظوا عني فلا أحد أنصح لكم مني: إذا مت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وتهونون عليهم وعليكم بإصلاح المال فإنه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل؛ [انظر الأثر المتقدم برقم 614]؛ روى عنه الحسن والأحنف وخليفة بن حصين وابنه حكيم بن قيس؛ وروى النضر بن شميل عن شعبة عن قتادة عن مطرف بن الشخير عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه انه أوصى عند موته فقال: إذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه؛ قال النضر بن شميل: قال عبدة بن الطبيب:
عليك سلام الله قيس بن عاصم--ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك نعمة-- -إذا زار عن شحط بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد-----ولكنه بنيان قوم تهدما ".(2/67)
نتعلم الحلم كما نختلف إلى العلماء نتعلم العلم، قال: فقال له: لا أعود. (6/358)
عن خاقان بن الأهتم قال: قال الأحنف بن قيس: تعلموا الحلم تعلماً، ولقد تعلمته من قيس بن عاصم، ثم قال: أتي قيس بن عاصم بابنه قتيلاً فجاءوا بقاتله، وهو أحد بني عمه، فقال له: نقصت عددك وأوهنت عزك وقتلت ابن عمك، وقد عفوت عنك، وإن أمه ثكلى وقد حملت لها مئة من الإبل من مالي. (6/358)
عن عبد الرحمن بن عمر رسته قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: إن كنا لنأتي الرجل ما نريد علمه وحديثه، إنما نأتي لنتعلم من هديه وسمته ودله. (6/359)
عن الأوزاعي قال: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: لا يعجبنكم حلم امرىء حتى يغضب ولا أمانته حتى يطمع، فإنك لا تدري على أي شقيه يقع. (6/359)
عن مردويه قال: سمعت الفضيل يقول: إني لا أعتقد إخاء الرجل في الرضا، ولكن اعتقد إخاءه في الغضب إذا أغضبته. (6/359)
عن ذي النون قال: إذا غضب الرجل فلم يحلم فليس بحليم، لأن الحليم لا يعرف إلا عند الغضب. (6/359)
عن ذي النون قال: ثلاثة من أعلام حسن الخلق: قلة الخلاف على المعاشرين، وتحسين ما يرد عليه من أخلاقهم، وإلزام النفس اللائمة فيما يختلفون فيه كفاً عن معرفة عيوبهم؛ قال: وثلاثة من أعلام الحلم: قلة الغضب عند مخالفة الرأي، والإحتمال عن الرديء إخباتاً للرب، ونسيان إساءة المسيء إليه عفواً عنه واتساعا عليه. (6/359)
عن مسعر عن محمد بن جحادة قال: كان الشعبي من أولع الناس بهذا البيت:
ليست الأحلام في حين الرضا
إنما الأحلام في حين الغضب (6/360)
عن أبي عثمان الحيري(1) قال: الناس على أخلاقهم ما لم يخالف هواهم، فإذا خولف هواهم بان ذووا الأخلاق الكريمة من ذوي الأخلاق اللئيمة. (6/360)
__________
(1) تصحفت إلى (الجيري).(2/68)
عن أبي بكر بن عياش قال: قال كسرى لوزيره: ما الكرم؟ قال: التغافل عن الزلل؛ قال: فما اللؤم؟ قال: الاستقصاء على الضعيف والتجاوز عن الشديد؛ قال: فما الحياء؟ قال: الكف عن الخنا؛ قال: فما اللذة؟ قال: الموافقة؛ قال: فما الحزم؟ قال: سوء الظن. (6/360)
عن أبي عثمان سعيد بن الحكم قال: سئل ذو النون المصري: من أدوم الناس عناءً؟ قال: أسوأهم خلقاً، قيل(1): وما علامة سوء خلقه؟ قال: كثرة الخلاف على أصحابه. (6/360)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت اسماعيل بن نجيد يقول: سمعت أبا عثمان يقول: موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم. (6/360)
وعنه قال: الطاعة في الموافقة خير من الرعاية في المخالفة. (6/360)
عن حبيب بن أبي ثابت قال: من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه. (6/361)
عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أنه قال: لا تكرم أخاك بما تكره(2). (6/361)
عن ابن عون عن الحسن قال: قال الأحنف بن قيس: أما والله ما أنا بحليم، ولكني أتحالم(3). (6/361)
عن هشام بن عروة أخبرني أبي قال: سمعت معاوية يقول: لا حلم إلا التجربة. (6/361)
عن شريح قال: الحلم كنز موقر(4). (6/361)
عن عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول قال: قال الشعبي: زين العلم حلم أهله. (6/361)
عن سلمة بن وهرام عن طاوس قال: ما حمل العلم في مثل جراب حلم. (6/361)
عن الأصمعي عن العلاء بن جرير عن أبيه عن الأحنف بن قيس قال: من أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون. (6/362)
عن أحمد بن دحيم الأسدي أنشدنا أبو عكرمة الضبي:
__________
(1) كانت (قال).
(2) لعلها بالياء.
(3) إذا لم يكن الأحنف حليماً فأين الحلماء؟! فتدبر علو مرتبة الحلم وصعوبتها في ميزان هؤلاء الحلماء الحكماء، وأما نحن فما أشد حرماننا – باستثناء من رحمه الله – من مكارم الأخلاق، وما أبعدنا عن معاليها، إلى الله المشتكى وهو المستعان.
(4) لعلها (موفر).(2/69)
وإني لأقصي المرء من غير بغضة
وأدني أخا البغضاء مني على عمد
ليحدث وداً بعد بغضاء أو أرى
له مصرعاً يردي به الله من يردي
(6/362)
عن عباس [بن] كليب(1) قال: أتاني مؤمل الشاعر فقال: قد علمت أنك لا تروي شعراً، ولكن اسمع هذه الأبيات الثلاث، إذا ساء فيك لئيم أبداً فامتثلها له ولا تجبه:
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
لئيم القوم يشتمني فيحظى(2)
ولو دمه سفكت لما حظيت(3)
فلست [مـ]ـشاتماً(4) أبداً لئيماً
خزيت لئن أشاتمه خزيت
(6/362)
عن الأصمعي قال: سمعت ابن المبارك يقول:
خالق الناس بخلق حسن
لا تكن كلباً على الناس يهر(5) (6/363)
عن أبي مشعر(6) عبد الملك بن محمد السعدي يقول: قال لي النضر بن شميل: يا أبا مشعر أكتب عني هذه الأبيات فإنه أحسن ما قالت العرب:
نعود(7) على ذي الجهل منا بحلمنا
ونأبى فلا نأتي بالدنيء من الأمر
وإن نحن أيسرنا ذللنا لجارنا
وإن نحن أعسرنا ذللنا على العسر
ألا إن شر الناس من بطر الغنى
وإن ذل منه المستكين على الصبر
(6/363)
فصل في الدعاء والمسألة من الله عز وجل حسن الخلق
__________
(1) روى ابن أبي الدنيا في (الحلم) ص34-35 هذه الأبيات ووقع عنده بدل (عباس بن كليب): (عبادة بن كلب)، ومن طريق ابن أبي الدنيا رواها المصنف.
(2) كانت (فيخطئ).
(3) كانت (فما خطأت).
(4) في (الحلم): (مشابهاً).
(5) كانت (تهزأ).
(6) أخشى أن تكون مصحفة عن (معشر) أو (مسعر) أو غيرهما.
(7) كانت (نعوذ).(2/70)
عن أم الدرداء قالت: بات أبو الدرداء ليلة يصلي فجعل يبكي وهو يقول: اللهم أحسنت خلقي فحسن خلقي، حتى أصبح، فقلت: يا أبا الدرداء ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق! فقال: يا أم الدرداء إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن الخلق الجنة، ويسيء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار، وإن العبد المسلم ليغفر له وهو نائم، قال: فقلت: [كيف ذاك](1) يا أبا الدرداء؟ قال: يقوم أخوه من الليل فيتهجد فيدعو الله عز وجل(2) فيستجيب له، ويدعو لأخيه فيستجيب له فيه. (6/365)
عن أبي بكر المدني قال: قال سعيد بن العاص: يا بني إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام ولكنها كريمة مرة لا يصبر عليها إلا من عرف فضلها ورجا ثوابها. (6/365)
عن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد قال: وقع الطاعون في بيت المقدس، قال: وكان عمر بن الخطاب استعمل جدي على بيت المقدس، قال: فجعلت الجنائز تنقل وجدي يصلي عليها وجعل لا يحملهن إلا الشباب أصحاب التعبد والحمام(3) قال: فقلت: أصلحك الله هل ترجو لهؤلاء شيئاً؟ قال: يا بني أحدثك عن الثقة، إن الإسلام وضع على ثلاثمئة وثلاثة وثلاثين شريعة، لكل عضو من ابن آدم شريعة، فمن جاء بواحدة منهن مخلصاً دخل الجنة قال ثم قرأ: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما). (6/366)
الثامن والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب في الإحسان إلى المماليك
عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه كان يذهب إلى العوالي كل سبت فإذا وجد عبداً في عمل لا يطيقه وضع عنه منه. (6/379)
__________
(1) استدركتها من تاريخ دمشق لابن عساكر 47/156.
(2) أي لنفسه.
(3) لعلها (والقيام) أو غير ذلك. وقد ورد في رواية أخرى ساقها المؤلف عقب هذه الرواية: عن أبي سنان قال: قلت للمغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد: أترجو لهؤلاء الشطار الذين ينقلون الجنائز ويحفرون ويدفنون أيام الطاعون؟ قال: أفضل الرجاء---.(2/71)
عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان رحمة الله عليه وهو يخطب وهو يقول: لا تكلفوا الأمَة غير ذات الصنعة الكسب، فإنكم متى ما كلفتموها الكسب كسبت بفرجها، ولا تكلفوا الصغير فإنه إن لم يجد سرق، وعفوا إذا أعفكم الله، وعليكم من المطاعم ما طاب منها. (6/379)
عن منذر الثوري عن الربيع بن خثيم أنه كان يكنس الحش بيده، قال: فقيل له إنك تكفى هذا! فقال: إني احب أن آخذ بنصيبي من المهنة، قال وكيع: يعني الخدمة(1). (6/379)
عن الأصمعي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: زرت يوماً العلاء بن زيد فأقمت يومي عنده إلى المساء فرأيت له غلاماً يخدمه ما رأيت غلاماً أقل طاعة وأكثر خلافاً لمولاه منه! فقلت له: أبا سالم [ما] تصنع بهذا(2)؟! أبعده أو بعه واستبدل به، فقال لي: والله ما أمسكه إلا لخلة، قلت له: وما هي؟ قال: أتعلم عليه الحلم. (6/379)
التاسع والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب في حق السادة على المماليك وهو لزوم العبد سيده
وإقامته حيث يراه له ويأمره به وطاعته له فيما يطيقه
عن أبي رافع قال: مر بي عمر بن الخطاب وأنا أصوع وأقرأ القرآن قال: يا أبا رافع لأنت خير من عمر، تؤدي حق الله وحق مواليك. (6/386)
الستون من شعب الإيمان
وهو باب في حقوق الأولاد والأهلين وهي قيام الرجل على ولده
وأهله وتعليمه إياهم من أمور دينهم ما يحتاجون إليه
عن يونس عن الحسن في قوله (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) قال: يأمرهم بطاعة الله ويعلمهم الخير. (6/397)
عن منصور عمن حدثه عن علي رضي الله عنه قال: علموهم وأدبوهم. (6/397)
عن أبي داود قال: سمعت الثوري يقول: ينبغي للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث، يقول: فإنه مسئول عنه. (6/397)
وعنه قال: سمعت الثوري يقول: إن هذا الحديث عز، من أراد به الدنيا وجدها، ومن أراد به الآخرة وجدها. (6/397)
__________
(1) تقدم.
(2) كانت (بهذه).(2/72)
عن عثمان الحاطبي قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل: أدب ابنك فإنك مسئول عن ولدك: ماذا أدبته وماذا علمته؟ وإنه مسئول عن برك وطواعيته لك. (6/397)
عن حزم قال: سمعت الحسن وسأله كثير بن زياد عن قوله (هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) فقال: يا أبا سعيد ما هذه القرة الأعين أفي الدنيا أم في الآخرة؟ قال: لا بل والله في الدنيا، قال: وما هي؟ قال: هي والله أن يري الله العبد من زوجته، من أخيه، من حميمه، طاعة الله؛ لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى والداً أو ولداً أو حميماً أو أخاً مطيعاً لله عز وجل. (6/402)
عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن معاوية عن أبيه قال: قال زيد بن علي لابنه: إن الله عز وجل رضيني لك فحذرني فتنتك ولم يرضك لي فأوصاك بي، يا بني خير الآباء من لم تدعه المودة إلى الإفراط، وخير الأبناء من لم يدعه التقصير إلى العقوق. (6/403)
عن ابن عون عن ابن سيرين قال: كان يقال: لا تكرم صديقك فيما يشق عليه، قال: وكان يقال: أكرم ولدك وأحسن أدبه. (6/403)(2/73)
عن أبي عبد الله أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي(1) قال: لما رحل بي أبي إلى أبي المغيرة [الخولاني] وكان قد سمع منه أخي وأختي قبلي فلما رآني قال لأبي: من هذا؟ قال: إبني، قال: وما تريد به؟ قال: يسمع منك، قال: ويفهم؟ فقال لي أبي وكنا في مسجد: قم فصل ركعتين وارفع صوتك بالتكبير والاستفتاح والقراءة(2) والتسبيح في الركوع والسجود والتشهد، ففعلت، فقال لي أبو المغيرة: أحسنت، فقال أبي: حدثه، فقلت: حدثني أخي وأختي عن أبي المغيرة عن أم عبد الله بنت خالد بن معدان(3) عن أبيها قال: من حق الولد على والده أن يحسن أدبه وتعليمه، فإذا بلغ اثنتي عشرة سنة فلا حق له عليه، وقد وجب حق الوالد على ولده، فإن هو أرضاه فليتخذه شريكاً، وإن لم يتبع رضاه فليتخذه عدواً؛ فقال أبو المغيرة: قد أغناك الله عن أبيك وعن أختك وعن أخيك، قل: حدثني أبو المغيرة، اجلس بارك الله عليك، فحدَّثني به، يعني هذا الحديث. (6/403-404)
عن ابن شهاب الزهري عن أنس قال: يؤمر الصبي بالصلاة إذا عرف يمينه من شماله. (6/411)
عن مطرف عن الشعبي قال: من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها. (6/412)
عن صالح البراد قال: قال أبو الأسود الدئلي لبنيه: أحسنت إليكم كباراً وصغاراً وقبل أن تكونوا، قالوا: أحسنت إلينا كباراً وصغاراً، كيف أحسنت إلينا قبل أن نكون؟! قال: لم أضعكم موضعاً تستحيون منه(4). (6/412)
__________
(1) أحمد هذا أحد شيوخ الطبراني الذين أكثر عنهم.
(2) كانت (بالقراءة).
(3) كانت (سعدان).
(4) يعني أحسن اختيار أمهم وخؤولتهم.(2/74)
عن أبي إياس معاوية بن قرة قال سمعت أبي يحدث عن عمر، قال: وقد كان أدركه، قال: قال عمر: والله ما أفاد رجل فائدة بعد الإسلام خير[اً] من امرأة حسناء حسنة الخلق ودود ولود؛ والله ما أفاد رجل فائدة بعد الشرك بالله شر[اً] من (امرأة سيئة الخلق حديدة اللسان؛ ثم قال: إن منهن غنماً لا يحذى منه، وإن منهن غلاً لا يفدى منه)(1). (6/416)
عن سمرة بن جندب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: النساء ثلاث: امرأة عفيفة مسلمة هينة لينة ودود تعين أهلها على الدهر ولا تعين الدهر على أهلها وقليل ما تجدها؛ وامرأة كانت وعاء لم تزد على أن تلد الولد؛ وثالثة غل تمل؟؟ يجعلها الله في عنق من يشاء، وإذا أراد أن ينزعه نزعه(2)
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف 3/559، ومنه أصلحت العبارة الأخيرة المحصورة بين القوسين فقد كانت: (سرية سيئة الخلق حدية اللسان، والله إن منهن لغلاما يفدى وغنا أما وعدا منه).
(2) قال ابن أبي شيبة في مصنفه 3/559: حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا شيبان قال أخبرنا عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: النساء ثلاثة امرأة هينة لينة عفيفة مسلمة ودود ولود تعين أهلها على الدهر ولا تعين الدهر على أهلها وقل ما يجدها، ثانية: امرأة عفيفة مسلمة إنما هي وعاء للولد ليس عندها غير ذلك، ثالثة: غل قمل يجعلها الله في عنق من يشاء ولا ينزعها غيره؛ [و]الرجال ثلاثة: رجل عفيف مسلم عاقل يأتمر في الأمور إذا أقبلت ويسهب فإذا وقعت يخرج منها برأيه، ورجل عفيف مسلم ليس له رأي، فإذا وقع الأمر أتى ذا الرأي والمشورة فشاوره واستأمره ثم نزل عند أمره؛ ورجل جائر حائر لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً.
وقال هناك أيضاً: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أبزي قال: مثل المرأة الصالحة عند الرجل كمثل التاج المتخوص بالذهب على رأس الملك؛ ومثل المرأة السوء عند الرجل الصالح مثل الحمل الثقيل على الشيخ الكبير.
حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن فراس عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى قال: ثلاثة يدعون [أي على ثلاثة] فلا يستجاب لهم: رجل أعطى سفيهاً ماله وقال الله تبارك وتعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم)، ورجل كانت عنده امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها أو لم يفارقها، ورجل كان له على رجل حق فلم يُشهد عليه.
حدثنا ابن فضيل عن أبي نصر عبد الله بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف عن عبد الله بن عمرو قال: ألا أخبركم بالثلاث الفواقر؟ قال: وما هن؟ قال: إمام جائر إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر، وجار سوء إن رأى حسنة غطاها وإن رأى سيئة أفشاها، وامرأة السوء، إن شهدتها غاضبتك وإن غبت عنها خانتك.
حدثنا جرير عن مغيرة عن جعدة بن هبيرة كان إذا زوج شيئاً من بناته خلا بها فنهاها عن سيء الأخلاق وأمرها بأحسنها.(2/75)
. (6/416)
عن أم موسى قالت: كان جعدة بن هبيرة إذا زوج بعض بناته وكانت ليلة هدائها إلى زوجها خلا بها فنهاها عن الأخلاق السيئة وعما لا يجمل بها. (6/419)
عن أبي بشر أن أسماء بن خارجة الفزاري لما أراد أن يهدي ابنته إلى زوجها قال لها: يا بنية كوني لزوجك أمَةً يكن لك عبداً، ولا تدني منه فيملك، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه، وكوني كما قلت لأمك:
خذي العفو مني تستمدي(1)مودتي
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
(6/419)
عن عبد الله بن المبارك قال: خصلتان حُرمهما الناس: الحسبة في الكسب، والحسبة في النفقة. (6/420)
عن عيسى بن أبي عيسى عن الحسن قال: الكسب الحلال أشد من لقي الزحف. (6/420)
الحادي والستون من شعب الإيمان
وهو باب في مقاربة أهل الدين وموادتهم وإفشاء السلام بينهم
عن أبي عثمان النهدي قال وقال أبو هريرة إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء. (6/429)
عن أبي خيثمة قال: أخبرنا كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب عن أبي هريرة فقلت: أنت سمعت من أبي هريرة، قال: أحدثك ما لم أسمع؟! قال أبو هريرة: إن أبخل الناس من بخل بالسلام، والمغبون من لم يرده، وإن حالت بينك وبين أخيك شجرة فإن استطعت أن تبدأه بالسلام – أو لا يبدأك بالسلام – فافعل؛ شك أبو خيثمة. (6/429)
عن مجاهد قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك من ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيتـ[ـه] وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه؛ وثلاث من الغي: تجد على الناس فيما تأتي، وترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا يعنيك. (6/431)
__________
(1) لعلها (تستديمي).(2/76)
عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله، هو ابن مسعود: إن السلام هو اسم من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم، فإن الرجل إذا مر على القوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بأنه أذكرهم، وأن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب. (6/432)
عن نافع أن ابن عمر أخبره أن الأغر وهو رجل من مزينة كانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أوسق من تمر على رجل من بني عمرو بن عوف اختلف إليه مراراً، قال: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل معي أبا بكر الصديق، قال: وكان من لقينا سلموا علينا، فقال أبو بكر: ألا ترى الناس يبدءونك بالسلام فيكون لهم الأجر؟! ابدأهم بالسلام يكن لك الأجر. (6/434)
عن عبدالله بن عون عن الشعبي قال: كان شريح يقول: ما التقى رجلان قط إلا بدأ بالسلام أفضلهما، قال الشعبي: فكان قل ما سبق أحد شريحاً بالسلام. (6/434)
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل بن أبي بن كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحداً إلا سلم عليهم، قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السوق، قال: فقلت وما تصنع بالسوق وإنه لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق؟! قال: وأقول: أجلس بنا ههنا نتحدث، فقال لي عبد الله بن عمر: يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا(1)
__________
(1) رواه مالك في الموطأ 2/961، قال ابن القيم في حاشيته على مختصر سنن أبي داود 14/69: بإسناد صحيح. قال الزرقاني في شرحه على الموطأ (4/462):
"(الطفيل) بضم الطاء وفتح الفاء ابن أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي ثقة يقال ولد في العهد النبوي--- (وأقول له اجلس بنا ههنا نتحدث) [أي] ولا نذهب إلى السوق لعدم الحاجة له".
وقال ابن قتيبة في غريب الحديث 2/320 في شرح هذا الحديث: السَّقَّاط: بائِع سَقَطِ المتاع، وهو رُذَالُة، والعَوام تُسمّيه: السَّقَطِيّ، وبِيعَة من البَيْع، مِثْلُ رِكْبة وشِرْبة، وسِيمة: من ساوَمْت بالبيع سَوْماً.(2/77)
. (6/434)
عن القاسم بن أبي بزة عن عبد الله بن عطاء أنه أبصر ابن عمر أتى على زنجي فسلم عليه ثلاث مرات، وجعل الزنجي لا يفقه، أو لا يدري ما يقول ابن عمر، [فقيل لابن عمر] إنما هو طمطماني، قال أبو نصر(1): يعني شديد العجومة، جيء به يوم الأول في السفن، قال: أكذاك؟! ثم قال: إني لأخرج من أهلي ما أخرج إلا لأسلم ويسلم علي(2). (6/434)
عن مجاهد قال: كان عبد الله بن عمر يخرج في اليوم اللثق(3) فقيل له: تخرج في مثل هذا اليوم البارد(4)؟! فقال: نعطي واحدة ونأخذ عشرة، تلك غنيمة حسنة للمسلم. (6/435)
عن مجاهد قال: بينا أنا أمشي مع عبد الله بن عمر في بعض طرق المدينة قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن ألك حاجة؟ قال: أكبر الحاجة، نعطي واحدة ونأخذ عشرة(5)، يا مجاهد إن السلام اسم من أسماء الله عز وجل، فإذا أنت أكثرت منه أكثرت من ذكر الله عز وجل. (6/435)
عن نافع أن ابن عمر قال: إني لأغدو إلى السوق وما بي حاجة إلا أن أسلم ويسلم علي. (6/435)
عن معمر عن أبي عمرو الندبي قال: خرجت مع ابن عمر فما لقي صغيراً ولا كبيراً إلا سلم عليه، ولقد مر بعبد أعمى، أو قال أعجمي، فجعل يسلم عليه والآخر لا يرد عليه، فقيل له: إنه أعجمي. (6/435)
__________
(1) لم يرد في السند.
(2) رواه ابن سعد في الطبقات 4/156 عن عبد الله بن عطاء أن بن عمر كان لا يمر على أحد إلا سلم عليه فمر بزنجي فسلم عليه فلم يرد عليه فقالوا يا أبا عبد الرحمن إنه زنجي طمطماني، قال: وما طمطماني؟ قالوا: أخرج من السفن الآن، قال: إني أخرج من بيتي ما أخرج إلا لأسلم أو ليسلم علي.
(3) قال الخطابي في الغريب 1/289: "اللثق: الوحل، يقال: لثقت رجلي ولثق الطائر بالمطر إذا ابتل ريشه". وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث 4/231: "اللَّثَقُ: الْبَلَل يقال لَثِقَ الطَّائِر إذا ابْتَلَّ رِيشُه، ويقال للْماء والطِّين لَثَقٌ أيضاً".
(4) كانت (البارد).
(5) فعلا هذه الجملة كانا بالياء.(2/78)
عن صلة بن زفر عن عمار هو ابن ياسر قال: ثلاثة من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من النفس، وبذل السلام للعالم. (6/436)
فصل
في تسليم الناس بعضهم على بعض عند الدخول عليهم
عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (حتى تستأنسوا): تستأذنوا، وقال :هذا مقدم ومؤخر(1)، إنما هو حتى تسلموا وتستأذنوا، تقول: السلام عليك، أدخل؟. (6/438)
قال الفراء: والاستئناس في كلام العرب، إذهب فاستأنس هل ترى أحداً، فيكون معناه: انظروا من في الدار. (6/438)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (حتى تستأنسوا) يقول: حتى يتنحنحوا أو يتنخموا(2). (6/438)
عن معمر عن رجل قال: كنت عند ابن عمر فاستأذن عليه رجل فقال: أدخل؟ فقال ابن عمر: لا، فأمر بعضهم الرجل أن يسلم، فسلم، فأذن له. (6/440)
قال البيهقي(3): وروينا عن عمر ثم عن ابن عمر من وجه آخر أنهما أمرا بالسلام، فإذا ردوا فقل: أأدخل؟ فإن أذنوا لك فادخل وإلا فارجع. (6/440)
عن عمر بن حفص أن عامر بن عبد الله أخبره أن مولاة لهم ذهبت بابنة للزبير إلى عمر بن الخطاب فقالت: أدخل؟ فقال عمر: لا، فرجعت فقال: أُدعوها، قولي: السلام عليكم أأدخل؟. (6/440)
فصل في الاستيذان ثلاث مرات فإن أذن له وإلا رجع
عن قتادة في قوله عز وجل (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا) قال: هو الاستئذان. (6/442)
عن قتادة قال: كان يقال: الاستئذان ثلاث، فمن لم يؤذن له فليرجع، أما الأولى فيُسمع، وأما الثانية فيأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا. (6/442)
فصل في قرع الباب عند الاستئذان
فصل في كيفية الوقوف على باب الدار عند الاستئذان وما يقول إذا قيل له من ذا
__________
(1) يريد به في المعنى.
(2) قال الحليمي: وأما قوله عز وجل (وتسلموا) فيحتمل أن يكون معناه تستأنسوا بأن تسلموا على أهلها، وبهذا جاء الخبر---.
(3) أو الحليمي.(2/79)
عن عمار بن سعد قال: قال عمر بن الخطاب: من ملأ عينيه من قاعة بيت قبل أن يؤذن له فقد فسق. (6/444)
فصل في سلام من دخل بيته أو بيتا ليس فيه أحد
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) يقول: إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها (تحية من عند الله) وهو السلام، لأنه اسم الله، وهو تحية أهل الجنة. (6/446)
عن عمرو بن دينار يحدث عن ابن عباس في قوله عز وجل (فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم) قال: هو المسجد إذا دخلته فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. (6/446)
عن شعبة قال: سألت الحكم عن قوله عز وجل (إذا دخلتم بيوتاً فسلموا) قال: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فلتقل(1): السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين(2). (6/446)
عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد قال: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: بسم الله والحمد لله، السلام علينا من ربنا، السلام علينا وعلى عباده الصالحين. (6/446)
عن معمر عن الزهري وقتادة في قوله (فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله) قال: بيتك، إذا دخلت فقل: سلام عليكم. (6/447)
عن سعيد بن منصور قال أخبرنا إسماعيل بن زكريا عن عبد الملك بن(3) عطاء قال: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا من ربنا. (6/447)
عن حصين عن أبي مالك قال: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا من ربنا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. (6/447)
عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. (6/447)
فصل في أهل الخيام والحوانيت
__________
(1) كانت بالياء.
(2) قال البيهقي: وعن شعبة عن منصور عن إبراهيم مثله.
(3) أظنها مصحفة عن (عن) فيكون عبد الملك هو ابن جريج الفقيه، فإن اسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.(2/80)
عن عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا عمران بن حدير قال: قالوا لعكرمة: إن ابن عمر كان لا يدخل الحوانيت حتى يستأذن، فقال: ومن يطيق ما كان ابن عمر يفعله؟! كان ابن عمر لا يلبس ثوباً مصلباً، - قال عبد الوهاب: يعني ثوباً فيه صليب – وكان يجوع نفسه، وكان يأتي أهله فيدعو بالطعام، فيمثل ويقول: كلوا فإني صائم(1). (6/449)
عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يلج ظلال(2) أهل السوق حتى يستأذن. (6/449)
عن نافع أن ابن عمر كان لا يلج حوانيت أهل السوق حتى يستأذن(3). (6/449)
عن ابن عون قال: كنا مع مجاهد بالكوفة فإذا خيام متقابلة فقال: كان ابن عمر يستأذن في مثل هذه، يقول: السلام عليكم أألج؟ ثم يلج، كما هو قبل أن يؤذن له؛ قال: وكان ابن سيرين يأتي حانوتياً في السوق يقول: السلام عليكم ثم يلج؛ وقال الشعبي: إذا فتح بابه وأخرج بزه فقد أذن لك. (6/449-450)
عن الأعمش عن إبراهيم التيمي وإبراهيم النخعي أنهما دخلا بيتاً من بيوت السوق فسلما حين دخلا وسلما حين خرجا. (6/450)
فصل في السلام على قرب العهد
عن أبي مريم عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: من لقي أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو حائط أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه. (6/450)
عن معاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة قال: إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه. (6/450)
فصل فيمن أولى بالسلام
__________
(1) قال الحليمي أو البيهقي: وهذا يدل على أن عكرمة كان لا يرى الاستئذان على أهلها وإليه ذهب الحسن البصري وإبراهيم النخعي وكأن أهل الحوانيت إنما فتحوها وقعدوا فيها لمجيء الناس إليهم في البيع والشراء فقام ذلك بمقام الإذن، وكان ابن عمر يحتاط فيستأذن.
(2) كانت (طلال).
(3) قال الحليمي: وهذا كأنه جعل السوق بمنزلة البيت لأهله إذا لم يكن فيها ممر، وإن كان فيها ممر فهي كسائر الطرق ولا معنى فيها للاستئذان.(2/81)
عن أبي الزبير أنه سمع جابراً يقول: الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل(1). (6/451)
عن السري بن يحيى قال: قال رجل يوماً للحسن أنه يستقبل الراكب فلا يسلم أفأسلم عليه؟ قال: نعم، سلم إن بخل بالسلام. (6/453)
فصل في كيفية السلام وكيفية الرد
عن ابن جريج أن عطاء بن أبي رباح حدثه أن ابن عباس أتاهم يوماً في مجلس فسلم عليهم فقال(2): سلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: من هذا؟ فقلت: عطاء، فقال: انته إلى وبركاته؛ قال: ثم تلا (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد). (6/455)
عن محمد بن عمرو عن(3) عطاء قال: بينا أنا عند ابن عباس وعنده ابنه فجاءه سائل فسلم عليه فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه، وعدَّد من ذا، فقال ابن عباس: ما هذا السلام؟! وغضب حتى احمرت وجنتاه، فقال له ابنه علي: يا أبتاه إنه سائل من السؤال، فقال: إن الله حد السلام حداً ونهى عما وراء ذلك، ثم قرأ إلى (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) ثم انتهى. (6/455)
عن حبيب عمن سمع ابن عباس يقول: إن لكل شيء منتهى، وإن منتهى السلام: وبركاته. (6/456)
عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره عن عبد الله بن بابيه؟؟ أنه كان مع عبد الله بن عمر فسلم عليه رجل فقال: سلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فانتهره ابن عمر وقال: حسبك إذا انتهيت إلى "وبركاته"، إلى ما قال الله عز وجل. (6/456)
قرأت في كتاب الغربيين عن أبي بكر يعني الدريدي قال: في تفسير قوله "السلام عليكم" ثلاثة أوجه، يقال: معناه السلام عليكم ومعكم، ويقال: معناه الله عليكم أي على حفظكم، ويقال: معناه نحن مسالمون لكم. (6/456)
[فصل في تعميم السلام]
__________
(1) رواه البخاري في الصحيح.
(2) أي عطاء.
(3) كانت (بن).(2/82)
عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه أنه كان عند عمر بن عبد العزيز إذ جاءه رجل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: عم(1) سلامك. (6/457)
فصل في الترحيب والتلبية والتغذية وغير ذلك
معمر عن قتادة أو غيره(2) أن عمران بن حصين قال كنا نقول في الجاهلية: أنعم الله بك عيناً، وأنعم صباحاً، فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك؛ قال معمر: يكره أن يقول الرجل: أنعم الله بك عيناً، ولا بأس أن يقول: [أنعم] الله عينك. (6/459)
فصل في السلام على النساء
عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: كنا نفرح بيوم الجمعة فقلت: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة فتأخذ من أصول السلق فتصيره في قدرها، ثم تأخذ حبات من شعير فتجعله فيها، فكنا إذا صلينا الجمعة انصرفنا إليها نسلم عليها فتقدمه إلينا، فكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك، وما كنا نقيل(3) ولا نتغدى إلا بعد الجمعة(4)
__________
(1) أمره بأن يجعله عاماً غير مختص بعمر فيقول: السلام عليكم.
(2) ورد هذا الأثر في جامع معمر بن راشد 10/385.
(3) كانت (نقبل).
(4) رواه البخاري في موضعين من صحيحه فأخرجه في كتاب الأطعمة 5/2064 قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا بن أبي حازم عن أبيه عن سهل قال كنا نفرح يوم الجمعة قلت ولم قال كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة قال بن مسلمة نخل بالمدينة فتأخذ من أصول السلق---فذكره البخاري وزاد في آخره: والله ما فيه شحم ولا ودك.
وقال قبل ذلك أي في باب قول الله تعالى (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) 1/318: حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبو غسان قال حدثني أبو حازم عن سهل قال كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها فتكون أصول السلق عرَقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك؛ حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بهذا وقال ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة.
وشرح ابن حجر هذه الرواية في فتح الباري 2/427 فقال:
وأبو حازم هو سلمة بن دينار، ووهم من زعم أنه سلمان مولى عزة صاحب أبي هريرة.
قوله (كانت فينا امرأة) لم أقف على اسمها.
قوله (تجعل) في رواية الكشميهني (تحقل) بمهملة بعدها قاف أي تزرع.
والأربعاء جمع ربيع، كأنصباء ونصيب؛ والربيع: الجدول، وقيل: الصغير، وقيل: الساقية الصغيرة، وقيل: حافات الأحواض.
والمزرعة بفتح الراء وحكى بن مالك جواز تثليثها والسلق بكسر المهملة معروف---.
قوله (تطحنها) في رواية المستملى (تطبخها) بتقديم الموحدة بعدها معجمة وكلاهما صحيح.
قوله فتكون أصول السلق عرَقه بفتح المهملة وسكون الراء بعدها قاف ثم هاء ضمير أي عرق الطعام والعرق اللحم الذي على العظم والمراد أن السلق يقوم مقامه عندهم، وسيأتي في الأطعمة من وجه آخر في آخر الحديث "والله ما فيه شحم ولا ودك"؛ وفي رواية الكشميهني غرقة بفتح المعجمة وكسر الراء وبعد القاف هاء التأنيث والمراد أن السلق يغرق في المرقة لشدة نضجه.
وفي هذا الحديث جواز السلام على النسوة الأجانب واستحباب التقرب بالخير ولو بالشيء الحقير وبيان ما كان الصحابة عليه من القناعة وشدة العيش والمبادرة إلى الطاعة رضي الله عنهم.(2/83)
. (6/460)
عن معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: بلغني أنه يكره أن يسلم الرجل على النساء والنساء على الرجل. (6/460)
عن معمر قال: كان قتادة يقول: أما امرأة من القواعد فلا بأس أن يسلم عليها، وأما الشابة(1) فلا. (6/460)
عن حنبل بن اسحاق قال: حدثني أبو عبد الله(2) قال أخبرنا سفيان قال زرزر؟؟ رجل من أهل مكة صالح: قلت لعطاء: أأسلم على النساء؟ قال: إن كن شواب فلا. (6/460)
عن مبارك بن فضالة قال: سئل الحسن عن السلام على النساء، قال: لم يكن الرجال يسلمون على النساء، ولكن النساء هن يسلمن على الرجال. (6/460)
فصل في السلام على أهل الذمة
عن نافع أن عبد الله بن عمر سلم على أُناس من يهود فأخبر أنهم يهود فرجع إليهم فقال: ردوا علي سلامي! (6/462)
عن عبد الله بن عمر أنه مر برجل فسلم عليه فقيل: إنه نصراني، فرجع إليه فقال: رد علي سلامي! قال له: نعم، قد رددته عليك؛ فقال ابن عمر: أكثر الله مالك وولدك. (6/462)
عن معمر عن قتادة قال: التسليم على أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم أن تقول: السلام على من اتبع الهدى. (6/462)
فصل فيمن قال فلان يقرأ عليك السلام
عن أيوب عن أبي قلابة أن رجلاً أتى سلمان الفارسي فوجده يعتجن فقال: أين الخادم؟ فقال: أرسلته في حاجة، قال: لم يكن ليجتمع(3) عليه شيآن: أن نرسله ولا نكفيه(4) عمله، فقال له الرجل: إن أبا الدرداء يقرأ عليك السلام، قال: متى قدمت؟ قال: منذ ثلاث، قال: أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة عندك. (6/465)
فصل في سلام الواحد أو رد الواحد عن الجماعة
عن سعيد بن أبي هلال الليثي قال: سلام الرجل يجزئ عن القوم ورد السلام يجزئ عن القوم. (6/466)
فصل في قيام المرء لصاحبه على وجه الإكرام والبر
__________
(1) كانت (الثانية).
(2) أحمد بن حنبل.
(3) لعلها (لم نكن لنجمع).
(4) كانت بالتاء.(2/84)
عن يعقوب بن زيد قال: قال عمر رضي الله عنه: من أراد أن يصفو له ود أخيه فليوسع له في مجلسه، وليدعه بأحب الأسماء إليه، وليسلم عليه إذا لقيه. (6/468)
فصل في المصافحة والمعانقة وغيرهما من وجوه الإكرام عند الالتقاء
عن قتادة قال: قلت لأنس: كانت المصافحة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم؛ قال قتادة: وكان الحسن يصافح(1)(2). (6/470-471)
عن قتادة قال: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. (6/471)
عن قتادة قال: سأل أياس بن نبهش أنساً قال: أرأيت الرجل يلقى أخاه جائياً(3) من سفر يأخذ بيده؟ قال: قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصافحون. (6/471)
عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود قال: من تمام التحية الأخذ باليد. (6/472)
[فصل في الحب في الله]
عن خيثمة عن ابن مسعود قال: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها. (6/481)
عن الربيع بن أنس عن الحسن (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) قال: كل من تقرب إلى الله بطاعة(4) وجبت عليك محبته. (6/482)
عن معاذ بن جبل أنه كان لا يجلس مجلساً إلا قال: الله حكم قسط، تبارك اسمه، هلك المرتابون. (6/484)
عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال: ثلاث أحلف(5) عليهن والرابعـ[ـة](6): لو حلفت عليها لبررت: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا تولى الله عبدٌ(7) في الدنيا فولاه غيره في يوم القيامة، ولا يحب رجل قوماً إلا جاء معهم، والرابعة [التي] لو حلفت عليها لبررت: لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة. (6/489)
__________
(1) زاد بعضهم في روايته: وكان أنس يصافح وكان الحسن يصافح.
(2) رواه البخاري.
(3) كانت (جابياً).
(4) لعلها (بطاعته).
(5) كانت (أحلاف).
(6) كان هنا في الأصل هذه الجملة من قول الراوي: (أحسب عبد الرزاق قال).
(7) كانت (عبداً) والتصحيح من جامع معمر (11/199) والسياق يقتضيه.(2/85)
عن علي بن عثام قال: قال رجل لابن واسع: إني أحبك في الله، قال: فقال ابن واسع: اللهم إني أعوذ بك أن أُحَبَّ لك وأنت لي ماقت. (6/490)
عن عثمان بن أبي سودة قال: سمعت أبا هريرة غير مرة ولا مرتين يقول: من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله عز وجل ناداه مناد من السماء: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً. (6/493)
عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: إن من الإيمان أن يحب الرجل أخاه لا يحبه إلا لله وفيه. (6/494)
عن أبي الأحوص عن عبد الله أن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم). (6/495)
عن طاووس قال: سمعت ابن عباس يقول: إن الرحم تقطع(1)، وإن النعم تكفر، ولم نر(2) مثل تقارب القلوب(3). (6/495)
عن طاووس عن ابن عباس قال: قرابة الرحم تقطع، ومنة النعم تكفر، ولم نر مثل تقارب القلوب، يقول الله عز وجل (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم)، وذلك موجود في الشعر:
إذا بت ذو القربى إليك بزلة(4)
فغشك واستغنى فليس بذي رحم
ولكن ذا القربى الذي إن دعوته
أجاب ومن يرمي العدو الذي ترمي
[قال]: ومن ذلك أيضاً قول القائل:
ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم
وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً
وإذا المودة أقرب الأنساب(5)
(6/495-496)
__________
(1) كانت (يقطع).
(2) في بعض الكتب (ير) وكذلك الرواية التالية.
(3) زيد في رواية: ثم قرأ ابن عباس (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم).
(4) كان هذا الشطر (إذا أتت ذوي القربى عليك لرحمة) وأصلحت خطأه من تفسير ابن كثير 2/324 فإنه نقل هذه الرواية من كتاب الشعب.
(5) هكذا وجدته موصولاً بقول ابن عباس ولا أدري قوله "وذلك موجود في الشعر" من قوله أو من قول من مر من هؤلاء الرواة.(2/86)
عن إلياس بن سلمة المؤدب قال: كتب أبو رفاعة أحمد بن محمد بن النضر إلى جعفر بن يحيى البرمكي: أما بعد فإن الكرم أعطف من الرحم، وهو أقرب عند الكريم وسيلة من القرابة القريبة، ألا ترى(1) الكريم كيف يجدي عليك وإن كان بعيداً واللئيم ما ينفعك وإن كان قريباً، فالكرم سبب من الكرام موصول يرجعون(2) إليه ويتعاطفون عليه، وهو أقوى الأسباب وأقرب الأنساب؛ وإنما عظمت القرابة لعطفها؛ فأقرب الناس إليك أعطفهم عليك ولذلك أقول:
ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم
وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً
وإذا المودة أقرب الأنساب
(6/496)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أنشدني عبد الله بن أحمد الشيباني قال: أنشدنا أبو علي الحسين بن حمدون وكان أديبا بليغاً:
إني بلوت الناس ثم سبرتهم
وعرفت ما فعلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً
وإذا المودة أقرب الأنساب
(6/496)
عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: الأرواح جنود مجندة تلاقى فتشام كما تشام(3) الخيل فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ولو أن مؤمناً جاء إلى مسجد فيه مئة ليس فيهم إلا مؤمن واحد جاء حتى يجلس مع المؤمن، ولو أن منافقاً جاء إلى مسجد فيه مئة ليس فيهم إلا منافق واحد جاء حتى يجلس معه أو إليه. (6/497)
عن أسماء بن عتبة قال: سمعت الحسن يقول: رب أخ لك لم تلده أمك. (6/497)
عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: لا تسأل الرجل عما في قلبه لك، ولكن انظر ما في قلبك له، فإن لك في قلبه مثل ذلك. (6/497)
عن بشر بن الحارث قال: قال رجل ليحيى بن كثير: إني أحبك، قال: قد علمت ذاك من نفسي. (6/498)
عن بشر قال: قال ابن عباس: فلان يحبني، قالوا: وكيف ذاك؟! قال: إني أحبه. (6/498)
__________
(1) كان بعدها (أن) فلم أكتبها.
(2) كانت (يرتعون).
(3) هذه الأفعال الثلاثة حذفت منها التاء تخفيفاً، وتتشام معناها تشم واحدة منها الأخرى.(2/87)
عن أحمد بن أبي الحواري قال أخبرنا الوليد بن عتبة قال: كتب إلي أخ: أما بعد، يا أخي إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كل إخاء منقطع إلا إذا كان على غير الطمع. (6/498)
عن المعلى بن عرفان قال: سمعت أبا وائل يقول: من تحاب في الله لم يتفرق حبه، ومن تحاب للدنيا فيوشك أن يتفرق(1) حبه فإنما هو متعة. (6/498)
عن أبي العباس الدغولي قال: سمعت محمد بن أبي حاتم المظفري يقول: اتق شر من يصحبك لنائلة فإنها إذا انقطعت عنه لم يعذر ولم يبال ما قال وما قيل فيه. (6/498)
عن غيلان بن جرير قال: قال مطرف: ما تحاب اثنان في الله [إلا] كان أشدهما حباً لصاحبه أفضلهما؛ قال: فذكرت ذلك للحسن فقال: صدق مطرف، قال: وقال غيلان: قال مطرف: أنا لمذعور أشد حباً وهو أفضل مني، [قيل]: فكيف هذا(2)؟ قال: فلما أمر بالرهط أن يخرجوا إلى الشام أمر بمذعور فيهم، قال: فلقيني فأخذ بلجام دابتي فجعلت كلما أردت أن أنصرف حبسني! قلت: إن المكان بعيد! فجعل يحبسني فقلت: أنشدك الله إلا تركتني، فيم تحبسني؟! فلما ناشدته قال كلمة يخفيها مني جهده: اللهم فيك، قال: فلما أصبحت قيل لي: هل شعرت أنه خرج بأخيك؟! قال: فعرفت أنه أشد حباً لي منه. (6/499-500)
عن الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول: إن دعوة الأخ للأخ في الله مستجابة. (6/502)
عن أبي الدرداء قال: إني لأدعو لثلاثين من إخواني وأنا ساجد أسميهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. (6/502)
عن روح أخبرنا بسطام بن مسلم قال: سمعت معاوية بن قرة(3)، قال بسطام: فلا أدري عن أبيه أو عن لقمان، أنه قال: يا بني جالس الصالحين من عباد الله فإنك ستصيب بمجالستهم خيراً، ولعله أن يكون في آخر ذلك أن تنزل الرحمة عليهم وأنت فيهم فتصيبك معهم. (6/502)
__________
(1) كانت (يغرق).
(2) وهو خلاف القاعدة التي ذكرها مطرف نفسه.
(3) في الأصل (مرة).(2/88)
عن أبي الدرداء قال: لن تزالوا بخير ما أحببتم خياركم، وما قيل فيكم بالحق فعرفتموه، فإن عارف الحق كعامله. (6/503)
عن خلف بن تميم قال: سمعت سفيان الثوري يقول: وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء أصحاب بتوت(1) وعباء. (6/503)
عن عباس بن يزيد قال: قال وهب بن منبه: استكثر من الإخوان(2) ما استطعت فإنك إن استغنيت عنهم لم يضروك، وإن احتجت إليهم نفعوك. (6/503)
عن القاضي أبي بكر بن كامل أنشدني عبيد الله بن إبراهيم النحوي للخليل بن أحمد:
تكثر من الإخوان ما استطعت
إنهم بطون إذا استنجدتهم فظهور
وما بكثير ألف خل لعاقل
وإن عدواً واحداً لكثير
(6/503)
عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب حدثنا عبد الله بن شبيب قال: كان يقال: لقاء الأحبة مسلاة للهم؛ وأنشدنا:
وما بقيت من اللذات إلا
محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كنا نعدهم قليلاً
فقد صاروا أعز من القليل
(6/503)
عن أسد بن سعيد قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: ليس سرور يعدل صحبة الإخوان ولا غم يعدل فراقهم. (6/504)
__________
(1) كانت (بيوت) والتصحيح موافق لما في أخبار مكة للفاكهي 2/286 وغيره.
وقال ابن قتيبة في غريب الحديث 2/168: "وقال الحَسْنُ في بعض كلامه: "أين الذين طرحوا الخُزُور والحبِرات، ولبِسُوا البُتُوت والنَّمِرات؟! " والبُتوت: جمع بَتَ، وهو كِساء كالطّيْلسان، وكان الحسن يُقيل في بَت يَحْلِقُ الشَّعر من خُشونته. وقال ابن الأثير في النهاية 1/92: "في حديث دار النَّدوة وتَشاَوُرهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم: فاعْترَضَهم إبليس في صورة شيخ جليل عليه بَتُّ أي كِساَء غليظ مربَّع، وقيل: طَيْلَساَن من خَزّ، ويُجمع على بُتُوت، ومنه حديث علي أن طائفة جاءت إليه فقال لِقَنْبَر : بَتَتْهم أي أعطهم البُتُوت،---ومنه حديث سفيان: أجد قَلْبي بين بُتُوت وعَباء".
(2) هذا إن وجد المرء إخواناً.(2/89)
عن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الواعظ قال: ثلاثة أشياء من علامة الحب في الله عز وجل: بذل الشيء لصفاء المودة، وتعطيل الإرادة لإرادة الأخ للسخاء بالنفس، والمشاركة له في محبوبه ومكروهه لصحة العقد(1). (6/504)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الحب في الله عز وجل: بذل الشيء لصفاء الود؛ وتعطيل الإرادة لإرادة الأخ للسخاء بالنفس؛ والمشاركة في محبوبه ومكروهه لصحة العقد. (7/67)
عن ليث عن مجاهد قال: لو أن المؤمن لا يصيبه من أخيه شيء إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي(2). (6/504)
عن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في يدك ديناراً. (6/505)
عن جعفر بن محمد بن نصير قال: لطف الجاهل يعقبك الغرور، وتوبيخ العالم يعقبك السرور(3). (6/505)
عن عبد الله بن بسر قال: كان يقال: إذا جلست في قوم فيهم عشرون رجلاً أقل أو أكثر فتصفحت وجوههم فلم تر فيهم أحداً يهاب في الله عز وجل فاعلم أن الأمر قد رق(4). (6/505)
عن أحمد بن أبي الحواري حدثنا أبو سليمان قال: إنما الأخ الذي يعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه؛ لقد كنت أنظر إلى الأخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهراً. (6/505)
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: من لم يعظك لحظه لم يعظك لفظه. (6/505 و 7/66)
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي سمعت جدي [أبا عمرو] يقول: من لم تهدك رؤيته فاعلم أنه غير مهذب. (6/506 و 7/66)
__________
(1) قال البيهقي: وقد روينا هذا الكلام عن ذي النون.
(2) جواب الشرط محذوف لدلالة السياق عليه، وتقديره (لكفاه ذلك من فضل الصحبة) أو (لكفاه ذلك دافعاً إلى الحرص على الأخوة) أو نحو هذين المعنيين.
(3) هذا كلام جيد.
(4) رواه أحمد في مسنده 4/188 عن عبد الله بن بسر قال: لقد سمعت حديثاً منذ زمان: إذا كنت في قوم عشرين رجلاً أو أقل أو أكثر---فذكر بقية الحديث كالذي ذكره المصنف.(2/90)
قال: وسمعته يقول: عاشر من من تحتشمه ولا تعاشر مع من لا تحتشمه. (7/66)
عن أحمد بن يحيى قال حدثنا ابن الأعرابي قال: كان يقال: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيى منه. (6/506)
عن أبي بكر الهجيمي البصري قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول وقد سأله رجل فقال: يا أبا محمد إلى من تأمرني أجلس؟ قال: إلى من تكلمك جوارحه لا من يكلمك لسانه. (6/506 و 7/66)
عن مخلد بن هشام عن الحسن قال: لا يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا استووا فذاك حين هلاكهم. (6/506)
الثاني والستون من شعب الإيمان
وهو باب في رد السلام
عن المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله عز وجل (فحيوا بأحسن منها) قال: يقول: إذا سلم عليك أخوك المسلم فقال: السلام عليك، فقل له: السلام عليك ورحمة الله، (أو ردوها)، يقول: إن(1) يقل له: السلام عليك ورحمة الله، فرد عليه كما قال، "السلام عليكم(2)"، كما سلم، ولا تقل: وعليك. (6/510)
عن زهرة بن معبد عن عروة بن الزبير أن رجلاً سلم عليه فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال عروة: ما ترك لنا فضلاً، إن السلام انتهى إلى "وبركاته". (6/510)
عن عبد الله بن أبي السفر عن ابن عباس قال: إني لأرى جواب الكتاب كما أرى حق السلام. (6/510)
فصل في المكافأة بالصنائع
عن ابن المبارك أنه أنشد(3):
يد المعروف غنم حيث كانت
يحملها كفور أو شكور
فما شكر الشكور لها جزاء
وعند الله ما كفر الكفور
(6/522)
عن عبد الأعلى بن حماد قال: قال رجل من الحكماء:
لأشكرنك معروفاً هممت به
إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا أذمك إن لم يمضه قدر
__________
(1) كانت (إن لم) فحذفت (لم).
(2) أي إلى آخره.
(3) هذان البيتان لم يجزم المصنف بنسبتهما إلى ابن المبارك وإنما قال بعد أن ورد ذكرهما في معرض ذكره لحديث مرفوع: وقد يروى هذان البيتان عن ابن المبارك أنه أنشدهما.(2/91)
فالشيء بالقدر المحتوم(1) مصروف(2)
(6/522)
عن الغلابي حدثنا عبيد الله بن محمد حدثنا أصحابنا قال: كان يقال: من لم يشكر صاحبه على حسن النية فيه لم يشكره على حسن الصنيعة إليه(3). (6/523)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني علي بن عمر الحافظ(4) لابن الرومي:
ما استقل قليلا أنت باذله
ذكراك إياي بالمعروف معروف
والعود أحمد قول قد جرى مثلاً
وعرف مثلك بالعدوات موصوف
فاجزه لي أن النفس قد ألفت
آثار كفيك والمعروف مألوف
(6/523)
عن سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد قال: نعى يعلى بن حكيم، وكان مولى لثقيف، من الشام إلى أمه ولم يكن له ههنا أحد غيرها فأتى أيوب بابها ثلاثة أيام بالغداة والعشي فتقعد معه، قال: ولم يزل يصلها حتى ماتت، قال: وكانت تأتي منزله فتبيت عنده(5). (6/523)
عوف بن أبي جميلة عن خالد الربعي قال كنا نتحدث إن من الذنوب ذنوبا لا تؤخر عقوبتها البغي وقطيعة الرحم والخيانة وكفر الإحسان. (6/524)
عن شعبة قال: الأشراف لا يكذبون(6). (6/524)
__________
(1) كانت (المحتوف)، ويظهر أنها مصحفة؛ والمحتوم هو اللازم المقضي الذي لا بد من وقوعه.
(2) قال البيهقي: وقال غيره: فالرزق بالقدر المصروف مصروف؛ ثم قال أيضاً: وقيل فيه من وجه آخر:
ولا ألومك إن لم يمضه قدر—فالرزق بالقدر المصروف مصروف
ثم قال أيضاً: أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا الحسين بن علي التميمي حدثنا محمد بن سليمان بن فارس قال: سمعت عبد الله بن بشر يقول: أنشدني أبو حفص عمر بن نصر النهرواني في المعروف، فذكر البيتين. انتهى.
(3) قال المصنف: ورواه ابن أبي الدنيا عن محمد بن الحسين عن عبدالله بن محمد التيمي قال كان يقال.
(4) هو الدارقطني.
(5) قال البيهقي: وهذا الذي فعله أيوب السختياني يدخل في كرم العهد.
(6) قال البيهقي: وروي ذلك عن عبد الله بن المبارك عن نصر بن سيار.(2/92)
عن أبي يعلى عن ابن الحنفية في قوله عز وجل (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)؟ قال: هي للبر(1) والفاجر. (6/524)
عن منذر الثوري قال: قال علي بن الحنيف: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) قال: هي مسجلة للبر والفاجر(2). (6/525)
عن بكار بن وهب قال: سمعت وهب بن منبه يقول: تركك المكافأة تطفيف، قال الله عز وجل: (ويل للمطففين). (6/526)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني محمد بن الحسن البصري لمنصور الفقيه رحمه الله:
ثمن المعروف شكر
ويد المنعم(3) ذخر
وبقاء الذكر في الأحياء
للأموات عمر
وبحسب المرء جزاء
أن يقول الناس حر
(6/526)
[مكافأة المسيء بإساءته والتجاوز والعفو]
عن ابن شوذب قال: كنا عند مكحول ومعنا سليمان بن موسى فجاء رجل واستطال على سليمان وسليمان ساكت فجاء أخ لسليمان فرد عليه فقال مكحول: لقد ذل من لا سفيه له. (6/526)
__________
(1) كانت (البر).
(2) قوله مسجلة يعني مرسلة لم يشرط فيها بر دون فاجر يقول فالإحسان إلى كل أحد جزاؤه الإحسان وإن كان الذي يصطنع إليه فاجراً؛ قاله أبو عبيد، ونقله عنه المصنف.
(3) كانت (المعم).(2/93)
عن أبي بكر محمد بن الحسين أنه سمع صالح بن جناح يقول: إعلم أن من الناس من يجهل إذا حلمت عنه، ويحلم إذا جهلت عليه، ويحسن إذا أسأت به، ويسيء إذا أحسنت إليه، وينصفك إذا ظلمته، ويظلمك إذا أنصفته، فمن كان هذا خلقه فلا بد من خلق ينصفه من خلقه ثم نجه بنصف من تحته وجهالة تقدح من جهالته وإلا أذلك لأن بعض الحلم إذعان وقد ذل من ليس له سفيه يعضده وضل من ليس له حليم يرشده(1). (6/527)
وفي الجهالة ونفعها أحياناً(2) يقول [بعضهم]:
لئن كنت محتاجاً إلى الحلم(3) إنني
إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم
ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم
ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً ولا أخاً
ولكنني أرضى به حين أحرج(4)
فإن قال بعض الناس: فيه سماجة
فقد صدقوا والذل بالحر أسمج
(6/527)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني علي بن أحمد بن محمد لأبي فراس بن حمدان:
في الناس إن فتشتهم(5)
من لا يعزك أو(6) تذله
فاترك مجاملةَ اللئيم
فإن فيها العجز كله
(6/527)
__________
(1) نقله من (شعب الايمان) العجلوني في كشف الخفاء 1/446 فقال: "وله أيضاً [يعني للبيهقي] عن صالح بن جناح أنه قال: اعلم ان من الناس من يجهل اذا حلمت عنه ويحلم اذا جهلت عليه ويحس اذا أسأت به ويسيء اذا أحسنت اليه وينصف اذا ظلمته ويظلمك اذا أنصفته فمن كان هذا خلقه فلا بد من خلق ينصف من خلقه ثم فجة تنصر من فجته وجهالة تفزع من جهالته ولا أب لك لأن بعض الحلم إذعان فقد ذل من ليس له سفيه يعضده وضل من ليس له حليم يرشده. نقلت هذا ليكون توثيقاً لرواية الأصل وتصحيحاً لما وقع فيها من تصحيفات.
(2) كانت (الإحسان) ولعلها (الإنسان)، أو (لحسّان)؛ وفي كشف الخفا 2/367 (ولبعضهم).
(3) كانت (الجهل)!
(4) كانت (أحوج) ولها وجه، وأثبت ما في كشف الخفا.
(5) في الأصل (فنشتم).
(6) معناها هنا (حتى).(2/94)
عن جعفر بن محمد الصادق قال: من لم يغضب عند التقصير لم يكن له شكر عند المعروف. (6/527)
عن الربيع قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان. (6/527)
الثالث والستون من شعب الإيمان وهو باب في عيادة المريض
عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا فقدنا الأخ أتيناه، فإن كان مريضاً كانت عيادة، وإن كان مشغولاً كان عوناً، وإن كان غير ذلك كانت زيارة. (6/538)
فصل في آداب العيادة
عن ابن جريج عن عطاء قال: من تمام العيادة أن تضع يدك على المريض(1). (6/539 و540)
عن نافع قال: كان ابن عمر إذا دخل على مريض سأله عن وجعه وقال: خار الله لك. (6/540)
عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال: لا تحدث المريض إلا بما يعجبه، قال: وكان يأتي وأنا مطعون فيقول: عدوا اليوم من الحي (من أفرق فعدوك)(2) فيهم، قال: فأفرح بذلك. (6/540)
عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إن أعظم العيادة أجراً أخفها قياماً. (6/542)
عن طاوس قال: خير العيادة أخفها. (6/543)
__________
(1) وفي رواية: أن تمس المريض بيدك.
(2) كانت (فمن أفوق فعدول)؛ والتصحيح من المرض والكفارات لابن أبي الدنيا ص55؛ وجاء في لسان العرب 10/304: "قال الليث: والمطعون إِذا برأَ قيل: أَفْرَقَ يُفْرِقُ إِفْراقاً. قال الأَزهري: وكل عَليلٍ أَفاق من علّته، فقد أَفْرَق. وأَفْرَقَ المريضُ والمحْموم: برأَ، ولا يكون إِلا من مرض يصيب الإِنسان مرة واحدة كالجُدَرِيّ والحَصْبة وما أَشبههما. وقال اللحياني: كل مُفِيقٍ من مرضه مُفْرق فعَمّ بذلك. قال أَعرابي لآخر: ما أَمَارُ إِفْراقِ المَوْرود؟ فقال: الرُّحَضاءُ؛ يقول: ما علامة برء المحموم؟ فقال: العَرَق. وفي الحديث: عُدّوا مَنْ أَفْرَقَ من الحيّ أَي من برأَ من الطاعون".(2/95)
عن أبي خلدة عن أبي العالية قال: دخل عليه غالب القطان يعوده فلم يلبث إلا يسيراً(1) حتى قام، فقال أبو العالية: ما أرفق العرب! لا تطيل الجلوس عند المريض، فإن المريض قد تبدو له الحاجة فيستحي من جلسائه. (6/543)
عن مسلمة بن عاصم قال: دخلت على الفراء أعوده فأطلت وألحفت في السؤال فقال لي: أدن فدنوت فأنشدني:
حق العيادة يوم بين يومين
وجلسة مثل لحظ الطرف بالعين
لا تبرمن مريضاً في مسائلة(2)
يكفيك من ذاك سؤل(3) بحرفين
(6/543)
عن إسماعيل عن الشعبي قال: عيادة حمقى القراء أشد على أهل المريض من مريضهم، يجيئون في غير حين عيادة، ويطيلون(4) الجلوس. (6/544)
عن أيوب قال: نبئت أن عمر بن عبد العزيز عاد أبا قلابة فقال: (يا أبا قلابة تشدد)(5) ولا تشمت بنا المنافقين(6). (6/544)
عن ابن عمر قال: سمعت عمر يقول: إن اشتهى مريضكم الشيء فلا تحموه فلعل الله إنما شهاه ليجعل شفاءه فيه. (6/544)
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: مرضت فحماني أهلي كل شيء حتى الماء فعطشت ليلة وليس عندي أحد فدنوت من قربة معلقة فشربت منـ[ـهـ]ـا شربي وأنا صحيحة فجعلت أعرف صحة تلك الشربة في جسدي؛ قال: كانت عائشة تقول: لا تحموا المريض شيئاً. (6/544)
__________
(1) في الأصل (يسراً).
(2) كانت (مسائله)، وانظر فيض االقدير 2/45.
(3) كانت (سأك).
(4) كانت (ويطلبون)، والإصلاح من المرض والكفارات (ص68).
(5) كانت (أبو قلابة تسد)، والإصلاح من صفة الصفوة (3/239).
(6) كانت (المنافقون).(2/96)
عن أبي جعفر بن علي الساوي وراق أبي زرعة الرازي قال: حضرت أبا زرعة وهو في السَّوق(1) وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم والمنذر بن شاذان وجماعة من العلماء فذكروا حديث التلقين واستحيوا من أبي زرعة أن يلقنوه التوحيد فقالوا: تعالوا نذكر الحديث، فقال أبو عبد الله محمد بن مسلم حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح وجعل يقول: ابن، ابن؛ ولم يجاوز؛ فقال أبو حاتم: حدثنا بندار قال حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر وسكت ولم يجاوز، والباقون سكتوا؛ فقال أبو زرعة وهو في السوق: حدثنا بندار حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن ابن أبي غريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة؛ وتوفي أبو زرعة رحمه الله. (6/546)
عن الشافعي قال دخل سفيان على الفضيل يعوده فقال: يا أبا محمد وأي نعمة في المرض(2) لولا العواد! قال سفيان: وأي شيء تكره في العواد؟! قال: الشكاية. (6/546)
عن غالب القطان قال: قلت للحسن: إن لنا جيراناً نصارى ينيلون معروفهم ويعودون مرضانا ويتبعون جنائزنا؛ قال: كافئهم، إذا أتيت الباب فقل: مَن ههنا؟ أدخل؟ فإذا دخلت فقل: كيف مريضكم؟ كيف تجدونه؟ فإذا أردت أن تقوم فقل: الشفاء والعافية بيد الله عز وجل. (6/547)
الرابع والستون من شعب الإيمان
وهو باب في الصلاة على من مات من أهل القبلة
عن القاسم بن مطيب قال: خرج أبو المليح الهذلي في جنازة فلما وضع السرير أقبل على القوم فقال: سووا صفوفكم ولتحسن(3) شفاعتكم؛ ولو كنت مختاراً أحداً لاخترت لصاحب(4) السرير. (7/5)
عن الضحاك بن حمزة عن الزهري قال: يبلغ من كرامة المؤمن على الله عز وجل أن يغفر لمن حضر جنازته. (7/7)
__________
(1) الاحتضار.
(2) كانت (الأرض).
(3) كانت (ويحسن)، وقد ورد هذا الأثر موصولاً بحديث مرفوع في طائفة من كتب السنة.
(4) لعلها (صاحب).(2/97)
عن قتادة عن ثمامة بن أنس عن أنس بن مالك أنه كان يقول إذا وضع الميت في قبره: اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصعد روحه وتكفله وتلقه منك برحمة. (7/8)
عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: كنت جالساً مع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بالبقيع فطُلع(1) علينا بجنازة فأقبل علينا ابن جعفر فتعجب من إبطاء مشيهم بها فقال: عجباً لما تغير(2) من حال الناس، والله إن كان إلا الجمز(3)، وإن كان الرجل ليلاحي الرجل فيقول: يا عبد الله إتق الله فكأنه قد جمز بك(4) متعجباً لإبطاء مشيهم(5). (7/8)
عن إبراهيم بن أدهم قال: ذكروا الأناة في الأشياء كلها فقال الأحنف: أما أنا فإذا حضرت جنازة لم أتأن، وإذا وجدت كفؤاً زوجت ولم أتأن، وإذا حضرت الصلاة لم أتأن. (7/11)
عن حميد بن عبد الرحمن الرواسي قال: سمعت أبي ذكر عن يزيد بن عبد الله عن بعض أصحابه قال: رأى عبد الله بن مسعود رجلاً يضحك في جنازة، فقال: أتضحك وأنت تتبع جنازة؟! والله لا أكلمك أبداً. (7/11)
عن ثابت [البناني] قال: كنا نتبع الجنازة فلا نرى إلا رجلاً مقنعاً باكياً أو متقنعاً متفكراً. (7/11)
__________
(1) كانت (فطلع).
(2) كانت (يغير).
(3) كانت (الحمر).
(4) كانت (جمرتك).
(5) المستدرك 1/507 و شرح معاني الآثار ج: 1 ص: 477
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا بن وهب قال أخبرني بن أبى الزناد عن أبيه أنه قال كنت جالسا مع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بالبقيع فطلع علينا بجنازة فأقبل علينا بن جعفر يتعجب من مشيهم بها فقال عجبا لما تغير من حال الناس والله إن كان الا الجمز وان كان الرجل ليلاحي الرجل فيقول يا عبد الله اتق الله فوالله لكأنك قد جمز بك.(2/98)
عن عائشة أنها قالت: كان أسيد بن حضير من أفاضل الناس، وكان يقول: لو أني أكون كما أكون في حال من أحوال ثلاث لكنت من أهل الجنة وما شككت في ذلك: حين أقرأ القرآن وحين أسمعه؛ وإذا سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإذا شهدت جنازة؛ فما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي سوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه. (7/11)
عن محمد بن هشام المروزي جار أحمد بن حنبل قال: سئل ابن عيينة: ما بال الناس يؤمرون في الجنازة بالسكوت؟ قال: لأنه حشر. (7/11)
عن سليمان بن حرب حدثنا الأسود بن شيبان قال: كان الحسن في جنازة النضر بن أنس فقال الأشعث بن سليم العجلي: يا أبا سعيد إنه ليعجبني أن لا أسمع في الجنازة صوتاً فقال: إن للخير أهلين. (7/12)
عن وليد بن رباح عن أبي هريرة أنه كان إذا سمع أحداً يسأل: من هذه الجنازة؟ قال(1): هو أنت؛ عبد الله دعاه فأجابه أو أمته دعاها فأجابته؛ الله يعرفه وأهله يفقدونه والناس ينكرونه، أغدوا فإنا رائحون أو روحوا فإنا غادون. (7/12)
فصل في زيارة القبور
عن أبان المكتب أن عبد الله بن عمر كان يدفن أهله في مكان، فكان إذا شهد جنازة مر على أهله فدعا لهم واستغفر لهم. (7/17)
عن أبي بكر [ابن أبي الدنيا] حدثني إبراهيم(2) قال: قيل لبعض حكماء العرب: ما أبلغ العظات؟ قال: النظر إلى محلة الأموات. (7/19)
عن مفضل بن يونس قال: كان الربيع بن أبي راشد يخرج إلى الجبان فيقيم سائر نهاره ثم يرجع مكتئباً فيقول له أخوه وأهله: أين كنت؟ فيقول: كنت في المقابر، نظرت إلى قوم قد منعوا ما نحن فيه(3)! ثم يبكي. (7/19)
__________
(1) كانت (فقال).
(2) قال بعض رواته: أظنه ابن بشار.
(3) يعني العمل لله.(2/99)
عن محمد بن قدامة قال: كان الربيع بن خثيم إذا وجد من قلبه قسوة أتى منزل صديق له قد مات، في الليل(1)، فنادى(2): يا فلان بن فلان يا فلان بن فلان، ثم يقول: ليت شعري ما فعلت وما فعل بك؟! ثم يبكي حتى تسيل دموعه، فيعرف ذاك فيه إلى مثلها(3). (7/19)
وكان يقال: مشاهدة القبور مواعظ الأمم السالفة. (7/20)
عن عمارة بن مهران المغولي قال: قال لي محمد بن واسع: ما أعجب إلي منزلك! قال: قلت: وما يعجبك منه وهو إلى جنب القبور؟! قال: وما يضرك منهم؟! يذكرونك الآخرة ويقلون الأذى. (7/20)
عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه قال: قيل لعلي بن أبي طالب: ما لك تركت مجاورة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاورت المقابر؟! قال: وجدتهم جيران صدق، يكفون ألسنتهم ويذكرون الآخرة(4). (7/20)
عن القاسم بن منبه قال: رأيت بشر بن الحارث نظر إلى أكفان(5) فقال: إنما يزين الميت عمله. (7/20)
عن النعمان(6) قال: كان علي إذا دعي إلى جنازة(7) قال: إنا لقائمون، وما يصلي على المرء إلا عمله. (7/21)
الخامس والستون من شعب الإيمان
وهو باب في تشميت العاطس(8)
__________
(1) شبه الجملة هذه ظرف للإتيان لا للموت.
(2) الظاهر أنه كان ينادي نداءً يسمع به نفسه.
(3) قال البيهقي: وروينا في إتيان القبور متى ما عرضت قسوة عن صفوان بن سليم وعن محمد بن المنكدر وغيرهما من السلف.
(4) وفي رواية أخرى: قيل لعلي بن أبي طالب: ما شأنك جاورت المقبرة؟ قال: إني أجدهم جيران صدق يكفون السيئة ويذكرون الآخرة.
(5) الظاهر أنه رأى أكفاناً معدة للبيع أو الصدقة وهي جديدة حسنة؛ ولعلها (أكفان ميت) فسقط المضاف إليه.
(6) قال المؤلف: هذا أظنه النعمان أخو اسماعيل بن أبي خالد.
(7) أي ليصلي عليها.
(8) فائدة: قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة 3/356-361:
"فصل: ومما كان أهل الجاهلية يتطيرون به ويتشاءمون منه العطاس كما يتشاءمون بالبوارح والسوانح، قال رؤبة بن العجاج يصف فلاة:
قطعتها ولا أهاب العطاسا
وقال أمرؤ القيس:
وقد اغتدى قبل العطاس بهيكل شديدٍ مِشَكّ الجنب فَعْمِ المُنَطَّقِ
أراد أنه كان ينتبه للصيد قبل أن ينتبه الناس من نومهم لئلا يسمع عطّاساً فيتشاءم بعطاسه؛ وكانوا إذا عطس من يحبونه قالوا له: عمراً وشباباً، وإذا عطس من يبغضونه قالوا له: ورْياً وقُحاباً؛ والوري كالرمي: داء يصيب الكبد فيفسدها، والقحاب كالسعال وزناً ومعنى؛ فكان الرجل إذا سمع عطاساً يتشاءم به يقول: بك لابي، إني [لعلها أي] أسال الله أن يجعل شؤم عطاسك بك لا بي. وكان تشاؤمهم بالعطسة الشديدة أشد كما حكى عن بعض الملوك أن سامراً له عطس عطسة شديدة راعته فغضب الملك فقال سميره: والله ما تعمدت ذلك ولكن هذا عطاسي، فقال: والله لئن لم تأتني بمن يشهد لك بذلك لأقتلنك فقال: أخرجني إلى الناس لعلى أجد من يشهد لي فأخرجه وقد وكل به الأعوان فوجد رجلاً فقال: يا سيدي نشدتك بالله إن كنت سمعت عطاسي يوماً فلعلك تشهد لي به عند الملك! فقال: نعم، أنا أشهد لك فنهض معه وقال: يا أيها الملك أنا أشهد أن هذا الرجل عطس يوماً فطار ضرس من أضراسه فقال له الملك: عد إلى حديثك ومجلسك.
فلما جاء الله سبحانه بالإسلام وأبطل برسوله صلى الله عليه وسلم ما كان عليه الجاهلية من الضلالة نهى أمته عن التشاؤم والتطير وشرع لهم أن يجعلوا مكان الدعاء على العاطس بالمكروه الدعاء له بالرحمة، كما أمر العائن أن يدعو بالتبريك للمَعين؛ ولما كان الدعاء على العاطس نوعاً من الظلم والبغي جعل الدعاء له بلفظ الرحمة المنافي للظلم وأمر العاطس أن يدعو لسامعه ويشمته بالمغفرة والهداية وإصلاح البال فيقول: "يغفر الله لنا ولكم" أو "يهديكم الله ويصلح بالكم"؛ فأما الدعاء بالهداية فلِما أنه اهتدى إلى طاعة الرسول ورغب عما كان عليه أهل الجاهلية فدعا له أن يثبته الله عليها ويهديه إليها؛ وكذلك الدعاء باصلاح البال وهي حكمة جامعة لصلاح شأنه كله، وهي من باب الجزاء على دعائه لأخيه بالرحمة فناسب أن يجازيه بالدعاء له بإصلاح البال، وأما الدعاء بالمغفرة فجاء بلفظ يشمل العاطس والمشمت كقوله "يغفر الله لنا ولكم" ليتحصل من مجموع دعوى العاطس والمشمت له المغفرة والرحمة لهما معاً؛ فصلوات الله وسلامه على المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة.
ولأجل هذا والله أعلم لم يؤمر بتشميت من لم يحمد الله، فإن الدعاء له بالرحمة نعمة فلا يستحقها من لم يحمد الله ويشكره على هذه النعمة ويتأسى بأبيه آدم فإنه لما نفخت فيه الروح إلى الخياشيم عطس فألهمه ربه تبارك وتعالى أن نطق بحمده فقال: الحمد لله فقال الله سبحانه: يرحمك الله يا آدم؛ فصارت تلك سنة العطاس؛ فمن لم يحمد الله لم يستحق هذه الدعوة ولما سبقت هذه الكلمة لآدم قبل أن يصيبه ما أصابه كان مآله إلى الرحمة، وكان ما جرى عارضاً وزال، فإن الرحمة سبقت العقوبة وغلبت الغضب؛ وأيضاً فإنما أمِر العاطس بالتحميد عند العطاس لأن الجاهلية كانوا يعتقدون فيه أنه داء ويكره أحدهم أن يعطس ويود أنه لم يصدر منه لما في ذلك من الشؤم، وكان العاطس يحبس نفسه عن العطاس ويمتنع من ذلك جهده، من سوء اعتقاد جهالهم فيه، ولذلك والله أعلم بنوا لفظه على بناء الأدواء كالزكام والسعال والدُّوار والسُّهام [وهو الضُّمر والتغير] وغيرها؛ فأُعْلموا أنه ليس بداء ولكنه أمر يحبه الله وهو نعمة منه يستوجب عليها من عبدِهِ أن يحمده عليها؛ وفي الحديث المرفوع "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب"؛ والعطاس ريح مختنقة تخرج وتفتح السَّدَد من الكبد، وهو دليل جيد للمريض مؤذن بانفراج بعض علته؛ وفي بعض الأمراض يُستعمل ما يعطِّس العليلَ ويجعل نوعاً من العلاج ومعيناً عليه؛ هذا قدر زائد على ما أحبه الشارع من ذلك وأمر بحمد الله عليه وبالدعاء لمن صدر منه وحمد الله عليه؛ ولهذا – والله أعلم – يقال: شمته، إذا قال له: يرحمك الله، وسمَّته، بالمعجمة وبالمهملة، وبهما روي الحديث؛ فأما التسميت بالمهملة فهو تفعيل من السمت الذي يراد به حسن الهيئة والوقار فيقال: لفلان سمت حسن، فمعنى سمَّتُّ العاطس: وقرته وأكرمته وتأدبت معه بأدب الله ورسوله في الدعاء له لا بأخلاق أهل الجاهلية من الدعاء عليه والتطير به والتشاؤم منه؛ وقيل: سمته: دعا له أن يعيده الله إلى سمته قبل العطاس من السكون والوقار وطمأنينه الأعضاء فإن في العطاس من انزعاج الأعضاء واضطرابها ما يخرج العاطس عن سمته فإذا قال له السامع: يرحمك الله فقد دعا له أن يعيده إلى سمته وهيئته؛ وأما التشميت بالمعجمة فقالت طائفة، منهم ابن السكيت وغيره، أنه بمعنى التسميت وأنهما لغتان، ذكر ذلك في كتاب "القلب والإبدال" ولم يذكر أيهما الأصل ولا أيهما البدل؛ وقال أبو علي الفارسي: المهملة هي الأصل في الكلمة والمعجمة بدل، واحتج بأن العاطس إذا عطس انتفش وتغير شكل وجهه، فإذا دعا له فكأنه أعاده إلى سمته وهيأته؛ وقال تلميذه ابن جني: لو جعل جاعل الشين المعجمة أصلاً وأخذه من الشوامت وهي القوائم لكان وجهاً صحيحاً؛ وذلك أن القوائم هي التي تحمل الفرس ونحوه، وبهما عصمته، وهي قوامه، فكأنه إذا دعا له فقد أنهضه وثبت أمره وأحكم دعائمهُ؛ وأنشد للنابغة:
طوْعُ الشامت من خوف ومن صرَدِ
وقالت طائفة، منهم ابن الأعرابي، يقال: مرَّضت العليل أي قمت عليه ليزول مرضه، ومثله: قذَّيت عينَه، أزلت قذاها، فكأنه لما دعا له بالرحمة قد قصد إزالة الشماته عنه؛ وينشَدُ في ذلك:
ما كان ضرَّ المُمْرِضي بجفائه لو كان مرَّض منعماً من أمرَضا
وإلى هذا ذهب ثعلب.
والمقصود أن التطير من العطاس من فعل الجاهلية الذي أبطله الإسلام وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يحب العطاس كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا تثاءب أحدكم فليستره ما استطاع، فإنه إذا فتح فاه فقال: آه آه، ضحك منه الشيطان".(2/100)
عن معمر عن يحيى بن أبي كثير؛ قال: ذكره عن بعضهم؛ قال: حق على الرجل إذا عطس أن يحمد الله وأن يرفع بذلك صوته ويسمع من عنده وحق عليهم إذا حمد الله أن يشمتوه. (7/24)
فصل في ترك تشميت العاطس إذا لم يحمد الله
عن أبي العباس بن سعيد يذكر عن مشايخه فقالوا: شُكي سوار بن عبد الله القاضي إلى أبي جعفر المنصور وأُثني عليه عنده شراً قال: فاستقدمه، فلما أن قدم دخل عليه فعطس المنصور فلم يشمته سوار فقال: ما يمنعك من التشميت؟ قال: لأنك لم تحمد الله، قال: قد حمدته في نفسي، قال: فقد شمتك في نفسي، فقال: ارجع إلى عملك، فإنك إن لم تحابني لا تحابي غيري. (7/26)
فصل فيما يقول العاطس في جواب التشميت
عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير قال: عطس رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: السلام عليك، فقال عمر: وعليك السلام وعلى أمك! أما يعلم أحدكم ما يقول إذا عطس؟! فليقل: الحمد لله وليقل القوم: يرحمك الله، وليقل هو: يغفر الله لكم. (7/29)
عن أبي عبد الرحمن السلمي أن ابن مسعود كان يقول: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين، وليقل من يرد عليه: يرحمكم الله، وليقل: يغفر الله لي ولكم. (7/30)
السادس والستون من شعب الإيمان
وهو باب في مباعدة الكفار والمفسدين والغلظة عليهم
عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان فقلت: لِمَ تستغفر لوالديك وهما مشركان؟! قال: أليس استغفر إبراهيم لأبيه وكان مشركاً؟ فنزلت (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) الآية. (7/41)
عن الحارث بن معاوية أنه قدم على عمر بن الخطاب فقال له: كيف تركت أهل الشام؟ فأخبره عن حالهم، فحمد الله ثم قال: لعلكم تجالسون أهل الشرك؟ فقال: لا يا أمير المؤمنين، قال: إنكم إن جالستموهم أكلتم وشربتم معهم ولن تزالوا بخير ما لم تفعلوا ذلك. (7/41)(2/101)
عن حصين عن سعيد بن جبير قال: أربعة تعد من الجفاء: دخول الرجل المسجد يصلي في مؤخره ويدع أن يتقدم في مقدمه؛ ويمر الرجل بين يدي الرجل وهو يصلي؛ ومسح الرجل جبهته قبل أن يقضي صلاته؛ ومؤاكلة الرجل مع غير أهل دينه. (7/42)
عن عياض الأشعري عن أبي موسى في كاتب له نصراني عجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كتابه فقال: إنه نصراني! قال أبو موسى: فانتهرني وضرب فخذي وقال: أخرجه وقرأ (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)؛ وقال: (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)؛ قال أبو موسى: والله ما توليته إنما كان يكتب، قال: أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب لك؟! لا تدنهم إذ أقصاهم الله، ولا تأمنهم إذا خانوا(1) الله، ولا تعزهم بعد إذ أذلهم الله. (7/43)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: اجتنبوا أعداء الله اليهود والنصارى في عيدهم يوم جمعهم، فإن السخط ينزل عليهم، فأخشى أن يصيبكم ولا تعلموا بطانتهم فتخلقوا بخلقهم. (7/43)
عن عطاء بن دينار الهذلي أن عمر بن الخطاب قال: إياكم ومواطنة الأعاجم وأن تدخلوا عليهم في بِيَعهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم. (7/43)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: من نشأ في بلاد الأعاجم فصنع نوروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة(2). (7/43)
عن مرثد بن عبد الله اليزني عن حسان بن كريب عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: القائل؟؟ للفاحشة والذي يسمع لها، في الإثم سواء. (7/44)
__________
(1) في الأصل (خانهم)!
(2) قال: وقد ذكرنا إسناده في آخر كتاب الجزية من كتاب السنن.(2/102)
عن مجاهد عن ابن عمر قال: فروا من الشر ما استطعتم(1). (7/44)
فصل ومن هذا الباب مجانبة الظلمة
عن عطاء بن السائب عن ابن البختري عن حذيفة في قول الله عز وجل (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم أطاعوهم في المعاصي. (7/45)
عن عروة بن الزبير قال: أتيت عبد الله بن عمر بن الخطاب فقلت له: يا أبا عبد الرحمن إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء فيتكلمون بالكلام نحن نعلم أن الحق غيره فنصدقهم ويقضون بالجور فنقومهم ونحسنه لهم فكيف ترى في ذلك؟ فقال: يا ابن أخي كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعد هذا النفاق فلا أدري كيف هو عندكم! (7/45)
عن عبادة بن نسي قال: كانت لأبي الدرداء إلى معاوية حاجة، قال: فحجبه لشغل كان فيه، فوجد في نفسه فقال: من أتى باب السلطان قام وقعد، ومن وجد باباً مغلقاً وجد إلى جنبه باباً فتحاً رحباً إن سأل أعطي وإن دعا أجيب؛ وإن أول نفاق المرء طعنه على إمامه. (7/48)
عن إسماعيل بن عبيد الله المخزومي عن أم الدرداء قالت: أتى أبو الدرداء باب معاوية فوجده مغلقاً فقال: من أتى باب السلطان يقوم ويقعد، ومن يجد باباً مغلقاً يجد عنده باباً فتح، إن سأل أعطي وإن استغفر غفر له؛ قالت: وكان رجال من أهل الذمة استعانوا به على معاوية ليكلمه أن يخفف عنهم من الخراج، قالت: فلما [لم] يؤذن له قال: أنتم أظلم منه، قالوا: لمَ أصلحك الله؟ قال: لو شئتم أسلمتم فلم يكن له عليكم سبيل. (7/48-49)
__________
(1) قال: وقد ذكرنا في كتاب السنن الرخصة في الإنفاق عليهم بحق الرحم عند الحاجة وفي عيادتهم إذا مرضوا وهو يرجو إسلامهم وتكفين من مات من رحمه ومواراته ومجازاة من كانت له عنده يد وإعادة ذلك ههنا مما يطول به الكتاب.(2/103)
عن عيسى بن سنان قال: سمعت وهباً يقول لعطاء: إياك وأبواب السلطان، فإن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، ولا تصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك مثله، ثم قال: يا عطاء إن كان يكفيك ما يغنيك فكل عيشك يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء يسعه يسعك(1)، إن بطنك بحر من البحور أو وادي من الأودية لا يشبعه إلا التراب(2). (7/49)(3)
عن علي بن أبي طالب [قال]: اتقوا أبواب السلطان. (7/49)
عن سلمة بن قيس قال: لقيت أبا ذر فقال: يا سلمة بن قيس ثلاثاً فاجتنبها: لا تجمع بين الضرة؟؟ فإنك لن تعدل ولو حرصت، ولا تعمل على الصدقة فإن صاحب الصدقة زائد أو ناقص، ولا تغْشَ ذا سلطان فإنك لا تصيب من دنياهم إلا أصابوا من دينك أفضل منه. (7/49)
عن الحسن قال: قال ابن مسعود: إن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، لا تصيبوا من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينكم مثله. (7/49)
__________
(1) كذا وانظر الهامش التالي.
(2) عن أبي سنان القسملي قال: سمعت وهب بن منبه وأقبل على عطاء الخرساني فقال: ويحك يا عطاء ألم أخبر أنك تحمل علمك إلى أبواب الملوك وأبناء الدنيا؟! ويحك يا عطاء تأتي من يغلق عنك بابه ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه ويظهر لك غناءه ويقول: أدعوني أستجب لكم؟! ويحك يا عطاء إرض بالدون من الدنيا مع الحكمة ولاترض بالدون من الحكمة مع الدنيا، ويحك يا عطاء إن كان يغنيك ما يكفيك فإن أدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيء يكفيك، ويحك يا عطاء إنما بطنك بحر من البحور ووادٍ من الأودية فليس يملؤه إلا التراب. (صفة الصفوة 2/ 295)
(3) كان الحسن يقول: لا أذهب إلى من يواري عني غناه ويبدي لي فقره، ويغلق دوني بابه ويمنعني ما عنده، وأدع من يفتح لي بابه، ويبدي لي غناه، ويدعوني إلى ما عنده. (البيان والتبيين 3/136)(2/104)
عن حذيفة قال: إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول ما ليس فيه. (7/49)
عن علي بن عثام قال: قال معاوية بن أبي سفيان: اتقوا السلطان، فإن السلطان يغضب غضب الصبي، ويبطش بطشة الأسد. (7/50)
عن علي [بن عثام] قال: قال عبد الله بن وهب: اتقوا السلطان، اتقوا شرطيهم، اتقوا مسلحيهم، اتقوا عريفهم، فإنهم مصرع لهم؛ قال علي: يغضب الحارس فيغضب المسلحي فيغضب الأمير فيغضب الخليفة متى يُقْوى بهم؟!. (7/50)
عن أبي عبيدة عن يونس قال: كان في محراب عمدان بصنعاء ثلاثة أسطر، مكتوب في صدره: سلط السكوت على لسانك إن كانت العافية من شأنك؛ وفي الجانب الأيمن: السلطان نار فانصرف عن مكافحتها؛ وفي الجانب الأيسر: ولِّ الكلام غيرك. (7/50)
عن عبد الصمد بن يزيد سمعت الفضيل بن عياض يقول: آفة القراء العجب، واحذروا أبواب الملوك فإنها تزيل النعم. (7/50)
عن الفضيل قال: كنا نتعلم اجتناب السلطان كما نتعلم سورة من القرآن. (7/50)
عن أبي شهاب سمعت سفيان الثوري يقول لرجل: إن دعوك أن تقرأ عليهم (قل هو الله أحد) فلا تأتهم(1)، قلت لأبي شهاب: من يعني؟ قال: السلطان. (7/50)
عن يوسف بن أسباط قال: قال لي سفيان الثوري: إذا رأيت القارىء يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص، وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مراء، وإياك أن تخدع فيقال لك: ترد مظلمة، تدفع عن مظلوم، فإن هذه خدعة إبليس اتخذها القراء سلماً. (7/51)
__________
(1) كانت (تأنفهم).(2/105)
عن شعيب بن يحيى قال: قدم يعقوب بن الأشج فدخل على عيسى بن أبي عطاء فسلم عليه وكان على مصر وكان من أهل المدينة فقال له عيسى: هنيئاً لكم تغزون وترابطون ولا نقدر نغزو أو نرابط، فقال له يعقوب: وأنت في خير، فلما خرج قال: ما صنعتُ؟! لقد تكلمتُ بكلمة ما أراها يكفرها إلا الشهادة فتجهز وخرج إلى الغزو، قال: فلبس سلاحه وربط وسطه وجلس ينتظر خروج القوم، فنام وهو جالس ثم انتبه فقال لمن حوله: رأيت والله الساعة كأني أدخلت الجنة وشربت فيها لبناً---[ثم] خرج مع السرية فأصيب؛ فقدم بكير بن الأشج بعده فقيل له: [أ]لا تدخل فتسلم على عيسى بن أبي عطاء فقال: إنه لرجل لا نظرت إلى وجهه أبداً، أخاف أن أزل كما زل أخي. (7/51)
عن أبي إسحاق الفزاري قال: قال لي سفيان الثوري: إني لألقى الرجل ابغضه فيقول لي: كيف أصبحت؟ فيلين له قلبي، فكيف بمن أكل ثريدهم ووطىء بساطهم. (7/51)
عن علي بن عثام قال: قال الثوري: أتروني أخاف أن يضربوني إن أتيتهم؟! ولكني أخاف أن يكرموني فيفتنوني. (7/51)
عن علي بن عثام: قال لي خيثم؟؟: ليت لي بقراء زماني بعض من مضى من الفتيان. (7/51)
عن أحمد بن أبي الحواري حدثنا أحمد بن إدريس قال: قيل لبعض التابعين: ما لك لا تدخل على فلان؟ قال: أكره أن أدخل عليه فيدني مجلسي فأوده فأكون قد أحببت من يبغضه الله، أو أحشر يوم القيامة معه لمودتي له. (7/52)(2/106)
عن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل قال: ينبغي لمن يخاف الله عز وجل [أن] لا يأتي باب السلطان حتى يُدعَى، فيأتيه وهو خائف من ربه عز وجل، فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويقول الحق، كما جاء في الخبر: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر(1)، ثم ينصرف عنهم وهو خائف من ربه، فهذا غير مفتتن، إنما المفتتن أن يأتيهم راغباً طالباً للدنيا، للعز في الدنيا، طالباً للرئاسة في الناس، يتعزز بعز السلطان، ويتكبر بسلطانه، فإذا أتاهم داهنهم ومال إليهم ورضي بسوء فعلهم وأعانهم عليه وصدقهم على غير الحق من قولهم، ورجع عنهم مفتخراً بهم آمناً لمكر الله معتزاً بما نال من العز بهم، يؤذي الناس ويطغى فيهم ويتقوى عليهم باختلافـ[ـه] إلى السلطان، فهذا الذي افتتن ونسي الآخرة وعصى ربه وآذى المؤمنين ونقص من دينه ما لا يجبره الدنيا كلها، لو كانت له. (7/52)
عن عبد الله بن خبيق عن حذيفة المرعشي قال: إذا دعاك من يريد الله كنت في راحة من إجابته، وإذا دعاك لغير(2) الله همك ذلك، تريد أن تكافئه. (7/52)
عن عبد الله خبيق عن حذيفة المرعشي قال: إياكم وهدايا الفجار والسفهاء فإنكم أن قبلتموها ظنوا أنكم رضيتم بفعلهم. (7/52)
عن معمر عن أبي عثمان شيخ من أهل البصرة أن لقمان قال لابنه: يا بني لا ترغب في ود الجاهل فيرى أنك ترضى عمله ولا تتهاون بمقت الحكيم فإنه يزهد فيك. (7/52)
عن الوضين بن عطاء قال: أوحى الله عز وجل إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك مئة ألف، أربعين ألفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم، قال: يا رب تهلك شرارهم فما بال خيارهم؟! قال: إنهم يدخلون على الأشرار فيؤاكلونهم ويشاربونهم، ولا يغضبون بغضبي. (7/53)
عن خالد بن دعلج عن محمد بن واسع قال: لقـ[ـضْـ]ـمُ القصب(3) وسَفُّ التراب خير من الدنو من السلطان. (7/53)
__________
(1) لا يصح مرفوعاً.
(2) تصحفت إلى (بعز).
(3) كانت (العصب) وحررت العبارة تبعاً لما في الحلية (2/352).(2/107)
عن جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة. (7/53)
عن أحمد بن سعيد الرباطي قال: قدمت على أحمد بن حنبل فجعل لا يرفع رأسه إلي فقلت: يا أبا عبد الله إنه يكتب عني بخراسان وإن عاملتني بهذه المعاملة رموا بحديثي، فقال لي: يا أحمد هل بدٌّ يوم القيامة من أن يقال: أين عبد الله بن طاهر وأتباعه؟ انظر أين تكون أنت منه؟ قال: قلت: يا أبا عبد الله إنما ولاني أمر الرباط، لذلك دخلت فيه، فجعل يكرر علي: يا أحمد هل بد يوم القيامة أن يقال(1): أين عبد الله بن طاهر وأتباعه؟ انظر أين تكون أنت منه. (7/53)
عن يونس بن عبيد قال: سمعت الحسن يقول: من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله عز وجل. (7/53)
عن حجاج بن محمد عن(2) يونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال: من أغناه الله عز وجل عن أبواب الأمراء وأبواب الأطباء فهو سعيد. (7/54)
أنشدنا الإستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب في تفسيره قال أنشدني أبي:
إن الملوك بلاء حيث ما حلوا
ولا يكن لك في أكنافهم ظل(3)
ماذا تؤمل من قوم إذا غضبوا
جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فإن مدحتهم خالوك تخدعهم
وإلا(4) استثقلوك كما يستثقل الكل
فاستغن بالله عن أبوابهم أبداً
إن الوقوف على أبوابهم ذل
(7/54)(5)
فصل: من هذا الباب: مجانبة الفسقة والمبتدعة ومن لا يعينك على طاعة الله عز وجل
عن عبد الله بن مسعود: اعتبروا الرجل بمن يصاحب وإنما يصاحب الرجل من هو مثله(6). (7/55)
عن عبد الله قال: اعتبروا الأرض بأسمائها، واعتبروا الصاحب بالصاحب. (7/55)
__________
(1) في الأصل (يقول).
(2) كانت (بن).
(3) في الأصل (طل).
(4) كانت (وإن).
(5) وللسيوطي كتاب أسماه (ما رواه الأساطين في الدخول على السلاطين) وهو مطبوع فليراجعه من يتيسر له الوقوف عليه.
(6) وفي رواية: فإنما يصاحب من يحب أو هو مثله.(2/108)
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: أكثروا ذكر الله عز وجل، ولا عليك أن لا تصحب أحداً إلا من أعانك على ذكر الله عز وجل. (7/57)
عن سفيان عن مالك بن مغول قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: تحببوا إلى الله عز وجل ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالتباعد منهم، والتمسوا مرضاته بسخطهم، قالوا: يا روح الله من نجالس؟ قال: جالسوا من تذكركم الله رؤيتُه، ومن يزد في عملكم منطقه، ومن يرغبكم في الآخرة عمله(1). (7/57)
عن إسماعيل بن يحيى المزني قال: سمعت الشافعي يقول: قيل لأبي بن كعب: يا أبا المنذر عظني، قال: واخِ الإخوان على قدر تقواهم، ولا تجعل لسانك يدله(2) لمن لا يرغب فيه، ولا تغبط الحي إلا بما تغبط [به] الميت(3). (7/57)
عن المسعودي عن عون يعني ابن عبد الله بن عتبة أن لقمان قال لابنه: يا بني إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم الإسلام(4) ولا تنطق حتى تراهم قد نطقوا، فإن أفاضوا في ذكر الله فامض معهم، وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول منهم إلى غيرهم. (7/58)
عن الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي يقول: الرفيق بمنزلة الرقعة في الثوب، إذا لم تشبهه شانته. (7/58)
عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول أنه كان يقول: إياك ورفيق السوء فإن الشر للشر خلق. (7/59)
__________
(1) لعلها (علمه). وقدر رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 7/46 عن يحيى بن يمان حدثنا سفيان قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: تقربوا الى الله ببغض أهل المعاصي والتمسوا رضوانه بالتباعد منهم، قالوا: فمن نجالس؟ قال من تذكركم بالله رؤيته ويرغبكم في الآخرة عمله ويزيد في علمكم منطقه.
(2) لعله (مذلة) كما في تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/76.
(3) الميت إنما يغبط على أعماله الصالحة.
(4) يظهر أنه يريد تحية الاسلام.(2/109)
عن الأوزاعي قال: إن إبليس قال لأوليائه: من أين تأتون بني آدم؟ قالوا: من كل شيء، قال: فهل تأتونهم من قبل الإستغفار؟ قالوا: إن ذلك شيء ما نطيقه إنه لمقرون مع التوحيد! فقال: لآتينهم من باب لا يستغفرن الله منه، قال: فبث فيهم الأهواء. (7/59)
عن يحيى بن يمان قال: قال سفيان: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية. (7/59)
عن ليث عن أبي جعفر قال: لا تجالسوا أصحاب الأهواء فإنهم الذين يخوضون في آيات الله(1). (7/60)
عن معمر عمن سمع الحسن يقول: لا تمكن أذنيك صاحب هوى فيمرض قلبك، ولا تجيبن أميراً وإن دعاك لتقرأ عنده سورة من القرآن فإنك لا تخرج من عنده إلا بشر [مـ]ما دخلت. (7/60)
عن بشر بن الحارث قال: قال الله عز وجل لموسى، أو أوحى الله إلى موسى، عليه السلام: يا موسى لا تخاصم أهل الأهواء فيلقون في قلبك شيئاً فيرديك فيسخط الله عليك. (7/60)
عن أيوب قال: قال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن من أن يغمسوك في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون(2). (7/60)
عن أياس بن دغفل القيسي سمعت عطاء يقول: بلغني أن فيما أنزل الله عز وجل على موسى عليه السلام: لا تجالسوا أهل الأهواء فيحدثوا في قلبك ما لم يكن. (7/60)
عن أبي إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر. (7/60 و61)
عن سفيان بن دينار عن مصعب بن سعد قال: لا تجالس مفتوناً فإنه لن يخطئك منه إحدى خصلتين: إما أن يفتنك فتتابعه أو يؤذيك قبل أن تفارقه. (7/61)
عن هشام قال: كان الحسن ومحمد يقولان: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم. (7/61)
عن عمرو بن قيس بن بشير بن عمرو عن أبيه عن جده بشير بن عمرو وكان جاهلياً(3) قال: اصرم الأحمق. (7/62)
__________
(1) وفي رواية: أصحاب الخصومات.
(2) كانت بالياء.
(3) وأسلم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(2/110)
عن الحميدي حدثنا سفيان قال: قال أبو حازم: يكون لي عدو صالح أحب إلي من أن يكون لي صديق فاسد. (7/62)
عن زيد بن أخرم قال: سمعت أبا عاصم يقول: كانت العرب تقول: كل صديق ليس له عقل فهو أشد عليك من عدوك. (7/62)
عن مالك بن أنس قال: من لم يكن لنفسه فيه خير لم يكن للناس فيه خير. (7/62)
عن عبد الصمد مردويه قال: قال الفضيل: لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليه اللعنة. (7/63)
قال: وقال الفضيل بن عياض: علامة البلاء أن يكون خدن(1) الرجل صاحب بدعة. (7/63)
[قال]: وقال: طوبى لمن مات على الإسلام والسنة، ثم بكى على زمان يأتي تظهر فيه البدعة، فإذا كان كذلك فليكثر من قول ما شاء الله. (7/63)
قال: وقال الفضيل: من قال: ما شاء الله، فقد سلم لأمر الله. (7/63)
عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد قال: لا تجالسوا صاحب بدعة ولا تخلوا مع امرأة. (7/63)
عن أحمد بن عبد الله بن يونس قال: سمعت رجلاً يسأل الثوري: يا أبا عبد الله أوصني، قال: إياك والأهواء، وإياك والخصومة، وإياك والسلطان. (7/63)
عن ابن المبارك عن عمر بن سعيد بن أبي حسين أخبرني ابن أبي مليكة أو غيره أن لقمان كان يقول: اللهم لا تجعل أصحابي الغافلين الذين إذا ذكرتك لم يعينوني وإن نسيتك لم يذكروني وإن أمرت لم يطيعوني وإن صمتُّ لم يحزنوني. (7/64)
عن عبد الصمد خادم الفضيل سمعت إسماعيل الطوسي قال: قال لي ابن المبارك: يكون مجلسك مع المساكين وإياك أن تجلس مع صاحب بدعة. (7/64)
عن مردويه الصائغ سمعت الفضيل بن عياض يقول: من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة. (7/64)
عن الحسن بن علي القرشي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: من خالف عقدك عقده خالف قلبك قلبه. (7/64)
__________
(1) كانت (حدر) فجعلتها (خدن)، والخدن والخدين الصديق.(2/111)
عن الحسين بن أحمد الرازي قال: سمعت إبراهيم القصار يقول: أشد البلاء صحبة من يخالفك في اعتقادك أو تحتاج أن ترائي(1) له في صحبتك الأولى؟؟، وأولى الناس بالصحبة من يوافقك في اعتقادك وتحتشمه في مجالستك معه، ذاك الذي يمنعك عن أنواع المخالفات رؤيته وصحبته. (7/64)
عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: لا خير لك في صحبة من تحتاج إلى مداراته. (7/68)
عن إبراهيم بن خالد عن عمر(2) بن عبيد قال: قال ابن المقفع: لا تنتصحن حاسداً ولا تؤاخين أحمقاً ولا تعاشرن خباً ولا تصدقن كاذباً، فإن منتصح الحاسد مغرور، ومؤاخي الأحمق نادم، ومعاشر الخب مغبون، ومصدق الكاذب كمتبع السراب. (7/65)
عن داود العطار أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم مولى طلحة أن رجلاً من أزدشنوءة أوصى [بعض] أهله(3) فقال: إذا جربت من رجل خلقاً فاجتنبه فإن عنده أمثاله(4)
__________
(1) كانت (تراني).
(2) لعلها (عمرو).
(3) لعلها (ابنه) وحينئذ لا داعي لزيادة (بعض) كما هو واضح.
(4) وروى أبو نعيم في الحلية (2/177) عن عروة بن الزبير قال: إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات، فإذا رأيته يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات؛ فإن الحسنة تدل على أخواتها وإن السيئة تدل على أخواتها؛ وأخرج في رواية أخرى لهذا الأثر عن عروة أنه كان يقول: إذا رأيتم خلة شر رائعة من رجُل فاحذروه وإن كان عند الناس رجل صدق، فإن لها عنده أخوات؛ وإذا رأيتم خلة خير رائعة من رجل فلا تقطعوا عنه إياسكم وإن كان عند الناس رجل سوء، فإن لها عنده أخوات.
وهذه فائدة حديثية تناسب في أصلها هذا الكلام أسوقها للمعتنين بعلم المصطلح، قال الخطيب في الكفاية (ص109): "ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره وان لم يكن الذي سمعه موجباً لرد الحديث ولا مسقطاً للعدالة، ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى رجاء إن كان الراوي حياً أن يحمله ذلك على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميتاً ان ينزله من نقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز، ومنهم من يرى ان من الاحتياط للدين اشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده حتى ينظر هل له من اخوات ونظائر فان أحوال الناس وطبائعهم جارية على إظهار الجميل واخفاء ما خالفه فإذا ظهر أمر يكره مخالف للجميل لم يؤمن ان يكون وراء شبه له، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في الحديث الذي قدمناه في أول باب العدالة: من أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرتى حسنةٌ".(2/112)
، إن كان منه ومنك وإن كان كذب، واستكثر من الصدق فإن الصدق هو أكثر، واجترع الغيظ فإني لم أر جرعة قط أحلى منها(1)، وإياك وعرق السوء أن تنكحوا فيه. (7/65)
عن أبي عمرو البيكندي سمعت أبا عبد الله المغربي يقول: من أحب الدنيا فلا ينصحك، ومن أحب الآخرة فلا يصحبك، لا ترج نصح من قد خان نفسه(2). (7/65)
عن علي بن محمد الوراق قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: لا ترجون نصيحة من قد خان نفسه، ولا تجلس مع من تحتاج أن تجالسه بالتوقي. (7/65)
عن الحسن بن عمرو قال سمعت بشراً يقول: لا تكاد تضع يدك إلا على مرائي: إما مرائي بدين، وإما مرائي بدنيا، وهما جميعاً شيء سوء؛ فانظر أشد الناس وأعفهم وأطيبهم كسباً فجالسه ولا تجلس(3) مع من لا يعينك على آخرتك. (7/65)
عن أبي بكر الرقي قال: سألت أبا بكر الرقاق: من أصحب؟ قال: من تسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ؛ ثم سألته مرة أخرى: من أصحب؟ قال: من يعلم منك ما يعلمه الله منك فتأمنه على ذلك. (7/66)
عن فضيل بن عياض قال: لا تؤاخ إنساناً إذا غضب كذب عليك. (7/66)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني محمد بن مظاهر أنشدني المطرفي لبعضهم:
ليس الكريم الذي إن زل(4) صاحبه
بث الذي كان من أسراره علما
إن الكريم الذي تبقى مودته
__________
(1) قال القرطبي في التفسير 9/247: "وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال: مامن جرعتين يتجرعهما العبد أحب إلى الله من جرعة مصيبة يتجرعها العبد بحسن صبر وحسن عزاء، وجرعة غيظ يتجرعها العبد بحلم وعفو". وفي مصنف ابن أبي شيبة 7/244 عن يونس عن الحسن عن عبد الله بن عمر قال: ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله أجراً من جرعة كظمها لله ابتغاء وجه الله.
(2) هذا القائل مسبوق إلى هذا الكلام، فمن ذلك ما روي من أنه كتب عمر بن عبد العزيز الى الحسن: انصحني، فكتب اليه: إن الذي يصحبك لا ينصحك، والذي ينصحك لا يصحبك. (عجائب الآثار للجبرتي 1/22).
(3) كانت (تجالس).
(4) كانت (ذل).(2/113)
ويحفظ السر إن صافى وإن صرما
(7/66)
عن ابن الأنباري قال: أنشدنا أحمد بن يحيى:
وليس خليلي بالملول(1)ولا الذي
إذا غبت عنه باعني بخليل
ولكن خليلي من يدوم وصاله
ويحفظ سري عند كل دخيل
(7/66)
عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: من كتم سره كانت الخيرة في يده. (7/67)
عن عمرو بن العاص أنه قال: ما أفشيت إلى أحد سراً فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدراً منه. (7/67)
أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني عبد الله بن حمدان العكبري أنشدني ابن مخلد:
خير إخوانك المشارك في المر
وأين الصديق في المرِّ أينا
الذي إن حضرت سرك بالود
وإن غبت كان سمعاً وعينا
(7/67)
عن ليث عن مجاهد قال: كانوا يقولون: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له. (7/67)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الفضل أحمد بن محمد الخواتيمي ببـ[ـيـ[ـهق أنشدنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي(2):
إذا كنت تأتي المرء تعرف حقه
ويجهل منك الحق فالصرم(3) أوسع
ففي الناس أبدال وفي الأرض مذهب
وفي الناس عمن لا يواتيك مقنع
وإنَّ امرأً يرضى الهوان لنفسه
حقيق لجدع الأنف والجدع أسفع
(7/67)
عن يوسف بن أسباط قال: قال سفيان: لا تصحب(4) من يحصي منته عليك. (7/68)
عن الأصمعي قال: كان عون بن عبد الله بن عتبة يقول: إياك ومجالسة عدوك ما وجدت من ذلك بداً، فإنه يتحفظ عليك عيوبك ويماريك صوابك. (7/68)
عن يوسف بن الحسين قال: قال لي ذو النون: عليك بصحبة من تسلم منه في ظاهر الغيب كسلامتك منه في المشاهدة. (7/68)
عن أبي علي الروذباري قال: أضيق السجون معاشرة الأضداد. (7/68)
__________
(1) في الأصل (بالملوك).
(2) في الأصل (الدعولي).
(3) كانت (وتجهل منك الحق والصرم).
(4) كان هنا (مع) فحذفتها.(2/114)
عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال [قال] لي: عادِ في الله، ووالِ في الله، فإنه لا ينال ولاية الله إلا بذاك، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك. (7/70)
عن فيض بن إسحاق الرقي قال: قال الفضيل بن عياض: تريد أن تقف الموقف مع نوح وإبراهيم ومع محمد صلى الله عليه وسلم وأن تدخل الجنة مع النبيين والصديقين؟! بأي عمل؟! أو بأي شهوة تركتها؟! أو أي قريب باعدته في الله؟! أو أي عدو قربته في الله عز وجل. (7/70)
عن الحسن بن عمرو قال: سمعت بشراً يقول: هل أبغضت أحداً في الله؟ هل تركت شهوة له؟. (7/70)
وقال: سمعت بشراً يقول: الحب في الله والبغض في الله، فإذ أحببت أحداً في الله فأحدثَ حدثاً فأبغضه في الله، فإن لم تفعل لم يكن ذلك الحب في الله. (7/70)
عن يوسف بن أسباط سمعت سفيان الثوري يقول: إذا أحب الرجل الرجل في الله ثم أحدث حدثاً في الإسلام فلم يبغضه عليه، فلم يحبه في الله. (7/71)
عن سفيان الثوري عن شيخ من الأنصار قال: إذا أحببتُ رجلاً في الله ثم أحدث فلم أبغضه فلم أكن أحببته في الله. (7/71)
عن منذر أبي يعلى الثوري عن محمد بن الحنفية قال: من أحب رجلاً على عدل ظهر منه وهو في علم الله من أهل النار آجره الله كما لو كان من أهل الجنة؛ ومن أبغض رجلاً على جور ظهر منه وهو في علم الله من أهل الجنة آجره الله كما لو كان من أهل النار. (7/71)(2/115)
عن إسحاق بن أبي إسرائيل قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: لا تجد مبتدعاً إلا وجدته ذليلاً ألم تسمع إلى قول الله عز وجل: (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا)(1). (7/72)
عن أحمد بن المقدام العجلي حدثنا حزم بن أبي حزم القطيعي عن الحسن قال: عمل قليل في سنة خير من كثير في بدعة. (7/72)
السابع والستون من شعب الإيمان
وهو باب في إكرام الجار
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (والجار ذي القربى) يعني الذي بينك وبينه قرابة، (والجار الجنب) الذي ليس بينك وبينه قرابة، (والصاحب بالجنب) يقول: الرفيق في السفر(2). (7/73)
قال المصنف: وروينا عن علي وعبد الله ثم عن إبراهيم وغيره في الصاحب بالجنب أنها المرأة؛ وعن سعيد بن جبير في رواية كذلك؛ وفي رواية: الرفيق الصالح. (7/73)
عن ابن المنكدر أن عمر رضي الله عنه قال: ثلاثة هن فواقر(3): جار سوء في دار مقامة، وزوجة سوء إن دخلت عليها آذتك وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يقبل منك، وإن أسأت لم يُقِلْكَ. (7/81)
__________
(1) سياق أبو نعيم في حلية الأولياء 7/280 أتم من هذا فإنه قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا سوار بن عبد الله بن سوار حدثنا أبي قال: قال سفيان بن عيينة: ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه، قال: وهي في كتاب الله، قالوا: وأين هي من كتاب الله؟ قال: أما سمعتم قوله تعالى (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا)؟! قالوا: يا أبا محمد هذه لأصحاب العجل خاصة! قال: كلا، اتلوا ما بعدها (وكذلك نجزي المفترين)، فهي لكل مفتر ومبتدع إلى يوم القيامة.
(2) قال الحليمي أو البيهقي: وهكذا ذكره مجاهد وقتادة ثم الكلبي ومقاتل بن حيان ومقاتل بن سليمان؛ زاد مقاتل بن سليمان في الصاحب بالجنب: يعني الرفيق في السفر والحضر.
(3) في الأصل (فواقد).(2/116)
عن عمران بن سليمان التيمي قال: بلغني أن لقمان قال لابنه: يا بني قد حملت الحجارة والحديد والحمل الثقيل فلم أجد شيئاً قط أثقل من جار السوء، يا بني قد ذقت المر كله فلم أذق شيئاً قط أمر من الفقر. (7/82)
عن يحيى بن سعيد عن وائل عن داود قال: سمعت محمد بن سعد يحدث عن أبيه قال: أربع من السعادة وأربع من الشقاء: فأما الشقاء: فالزوجة السوء والجار السوء والمركب السوء وضيق المسكن. (7/82)
عن محمد بن واسع قال: قال مسلم بن يسار: ما غبطت رجلاً بشيء من الدنيا (ما غبطته)(1) بثلاث: بزوجة صالحة وبجار صالح وبمسكن واسع(2). (7/83)
عن عبد الله بن أبي مليكة قال: قيل لابن عباس: من أكرم الناس عليك؟ قال: جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلي، لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت. (7/86)
عن الزهري قال: قال عبد الله بن العباس: ثلاثة لا يكافئهم عني إلا رب العالمين: رجل فسح لي في مجلسه، ورجل تخطى الخلق والمجالس حتى جلس إلي، ورجل ذكر في الليل حاجته فرآني أهلاً لذلك، لا يكافئه عني إلا رب العالمين. (7/86)
عن بشر بن المفضل بن لاحق عن أيوب السختياني أن رجلاً صحبه إلى مكة فاشتكى الرجل في بعض الطريق فأقام عليه أيوب حتى برأ وقال: أردت أن أدع الحج وأجعلها عمرة. (7/86)
عن معمر عن النعمان بن أبي شيبة الجندي أن طاوساً أقام على رفيق له حتى فاته الحج(3). (7/87)
عن عبد الله بن أبي داود صاحب الجواليق قال: سمعت بكر بن عبد الله يقول: إذا صحبت رجلاً فانقطع شسعه فلم تقم عليه فلست له بصاحب، وإذ قعد يبول فلم تقم عليه فلست له بصاحب. (7/87)
__________
(1) كانت (فأغبطته).
(2) قال البيهقي: وفي رواية وكيع عن حماد عن محمد بن واسع عن مسلم بن يسار قال: ما غبطت أحداً بشيء من الدنيا إلا جار صالح ومسكن واسع أو زوجة صالحة.
(3) عن عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر أن طاوساً أقام على رفيق له مرض حتى فاته الحج، وقال مرة: على رجل. (7/87)(2/117)
عن مندل بن علي عن جعفر بن محمد قال: المرؤة مرؤتان: مرؤة في السفر، ومرؤة في الحضر؛ فأما مرؤة الحضر فقراءة القرآن والنظر في الكتب وحضور المساجد ومجالسة أهل الخير؛ وأما مرؤة السفر: فبذل الزاد، وقلة الخلاف على من يصحبك، والمزاح في غير ما يسخط الله، وإذا فارقتهم أن تنشر عنهم الجميل. (7/87)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: أخبرنا أبو معاوية الأسود قال: إذا قال الرفيق للرفيق: أين قصعتي؟ فليس برفيق. (7/87)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت عطاء بن عمرو المستملي سمعت أبا بكر إسحاق بن محمد بن علي الحميدي ينشد:
ما المرء إلا من أطاع ربه
ولا الفتى إلا المواسي صحبه
كل امرئ يوماً سيأتي حتفه
إن كره الموت وإن أحبه
(7/88)
عن سلمة بن نبيط قال: كنت عند الضحاك بخراسان فأتاه رجل فسأله عن قول الله عز وجل (إنا نراك من المحسنين) ما كان إحسانه؟ قال: كان إذا مرض إنسان قام عليه، وإذا ضاق عليه المكان، يعني في السجن، وسع عليه، وإذا احتاج جمع له. (7/87)
عن ليث عن مجاهد قال: يكره أن يحد الرجل النظر إلى أخيه أو يتبعه بصره إذا قام، أو يسأله من أين جئت؟ وأين ذهبت؟ . (7/87)
عن بشر بن الحارث قال: قال ابن سيرين: ذاك النسا(1) يريد النساج، ثم التفت فقال: لو علمت أن ههنا من هو منه سبيل(2) أو قرابة، أو كلمة نحوها، ما قلت. (7/87)
الثامن والستون من شعب الإيمان
وهو باب في إكرام الضيف
عن العيزار بن حريث(3) أن ابن عباس أتاه الأعراب فقالوا: إنا نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونحج البيت ونصوم رمضان وإن أناساً من المهاجرين يقولون: إنا لسنا على شيء، فقال ابن عباس: من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحج البيت وصام رمضان وقرى الضيف دخل الجنة. (7/92)
__________
(1) كأنه سكت قبل أن يتم الكلمة.
(2) لعلها (بسبيل).
(3) كانت (حديث).(2/118)
عن سفيان قال: قال الأحنف بن قيس: ثلاث ليس فيهن انتظار: الجنازة إذا وجدت من يحملها، والأيم إذا أصبت(1) لها كفؤاً، والضيف إذا نزل به لم ينتظر به الكلفة. (7/95)
عن بكر بن عبد الله المزني قال: إذا أتاك ضيف فلا تنتظر به ما ليس عندك وتمنعه ما عندك، قدم إليه ما حضر، وانتظر به بعد ذلك ما تريد من إكرامه. (7/95)
عن فضالة الشحام قال: كان الحسن إذا دخل عليه إخوانه أتاهم بما يكون عنده، وربما قال لبعضهم: أخرج السله من تحت السرير، فيخرجها(2) فإذا فيها رطب فيقول: إنما دخرتها لكم. (7/95)
عن ابن عون قال: ربما دخلنا على الحسن فقدم إلينا مرقاً وليس فيه لحم. (7/96)
عن يحيى بن معين حدثنا الأصمعي أخبرني إسحاق بن إبراهيم قال: دخلنا على كهمس العابد فقدم إلينا إحدى عشرة بسرة حمراء وقال: هذا الجهد من أخيكم والله المستعان. (7/96)
عن ميمون بن مهران قال: إذا نزل بك ضيف فلا تكلف له ما لا تطيق، وأطعمه من طعام أهلك، والقه بوجه طلق، فإنك إن تكلفت له ما لا تطيق أوشك أن تلقاه بوجه يكرهه. (7/96)
أنشدنا أبو نصر بن قتادة أنشدنا الشيخ أبو بكر القفال الشاشي:
أوسع رحلي على من نزل
فزادي مباح على من أكل
نقدم حاضر ما عندنا
وإن لم يكن غير خبز وخل
وأما الكريم فيرضى به
وأما اللئيم فمن لا أبل(3)
(7/96)
عن المغيرة بن محمد المهلبي حدثنا محمد بن عباد قال: نزل ضيف بأعرابية فقدمت إليه خبزاً يابساً ولبنا حامضاً ولم تكن تملك غيرهما فلامها فقالت:
ألم تر أن المرء من ضيق عيشه
يلام على المعروف وهو يعذر
وما ذاك من لؤم ولا من ضراعة
ولكن كما يطبل له الدهر يزمر
(7/97)
فصل في التكلف للضيف عند القدرة عليه
عن سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة قال: كان إبراهيم يكنى أبا الضيفان وكان لقصره أربعة أبواب(4). (7/97)
__________
(1) كانت (أصيبت).
(2) كانت بالنون.
(3) أي فلا أبالي بسخطه.
(4) زاد عكرمة في رواية: لكي لا يفوته أحد.(2/119)
عن طلحة بن عمرو عن عطاء قال: كان إبراهيم عليه السلام خليل الله إذا أراد أن يتغدى طلب من يتغدى معه ميلاً في ميل، فقال عطاء: أحب الطعام إلى الله عز وجل ما كثرت فيه الأيدي. (7/97)
عن عبد الحميد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إن زكاة الرجل في داره أن يجعل فيها بيتاً للضيافة. (7/100)
عن الشعبي قال: لأن أعطي درهمين في نائبة أحب إلي من أن أتصدق بخمسة. (7/100)
عن عمرو بن ميمون بن مهران أن عبد الله بن عامر حين مرض مرضه الذي مات فيه فدخل عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم ابن عمر فقال: ما ترون في حالي؟ فقالوا: ما نشك لك في النجاة، قد كنت تقري الضيف وتعطي المختبط(1). (7/100)
عن بشر بن الحارث قال: قال الفضيل: يبلغني أن الرجل يصفي خبزه فيقع في قلبي ثم يبلغني أنه يدعو خمسة، ستة، فيزول عن قلبي. (7/101)
عن الحسين بن منصور قال: كنت مع أبي أحمد محمد بن عبد الوهاب فسألته عن هذه الآية (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) فقال: نعم والله، علي بن عثام دعاني يوماً إلى منزله فجعل يصب الماء بنفسه على يدي ويخدمني في جلالته وهيبته! فقلت: يا أبا الحسن أنت بنفسك؟! فقال: حدثني أبو أسامة عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين)؟ قال: كان إبراهيم يتولى خدمتهم بنفسه. (7/101)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (حديث ضيف إبراهيم المكرمين) قال: خدمته إياهم بنفسه. (7/102)
عن الأعمش عن خيثمة قال: كان عيسى عليه السلام إذا دعا أصحابه قام عليهم ثم قال: هكذا اصنعوا بالقراء. (7/102)
__________
(1) كانت (المحتبط) فأصلحتها، قال أبو عبيد في غريب الحديث 4/296 عقب إيراده هذا الأثر: يعني بالْمخْتبِط الرجل الذي يسأله من غير معرفة كانت بينهما ولا يد سلفت منه إليه ولا قرابة.(2/120)
عن مسعر قال: [كان] لخيثمة بن عبد الرحمن سلة من خبيص فكان إذا جاء القراء، أو قال: أصحابه، أخرجها إليهم(1). (7/102)
عن ابن عون قال: قِلْتُ عند الحسن ومحمد، وكلاهما لم يزل قائماً على رجليه حتى فرش لي، قال: ورأيت الحسن ينفض الفراش بيده، قال سليمان: تكرمة لابن عون. (7/102)
عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: قال لي رجاء بن حيوة: ما رأيت رجلاً أكمل عقلاً من أبيك، سمرت عنده ذات ليلة فغشى؟؟ السراج فقال لي: يا رجاء إن السراج قد غشى، قال: ووصيف إلى جانبنا نائم، قال: فقلت له: فأنبه الوصيف؟ قال: قد نام، قال: فقلت له: أفأقوم أنا فأصلحه؟ قال: ليس من مروءة الرجل أن يستخدم ضيفه(2)؛ قال: فقام ووضع وأتى السراج وأخرج فتيلته وأخذ ففتحها وصب في السراج منها ثم رجع وقال لي: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز. (7/102-103)
__________
(1) قال الأعمش: ورث خيثمة بن عبد الرحمن مئتي ألف درهم فأنفقها على القراء والفقهاء؛ وقال: كان خيثمة يصنع الخبيص والطعام الطيب ثم يدعو إبراهيم يعني النخعي ويدعونا معه فيقول: كلوا، ما أشتهيه، ما أصنعه إلا من أجلكم؛ وقال: ربما دخلنا على خيثمة فيخرج السلة من تحت السرير فيها الخبيص والفالوذج فيقول: ما أشتهيه، كلوا أما إني ما جعلته إلا لكم، وكان موسراً، وكان يصر الدراهم فإذا [رأى] الرجل من اصحابه مخرق القميص أو الرداء أو به خلة تحيّنه فإذا خرج من الباب خرج هو من باب آخر حتى يلقاه فيعطيه فيقول: اشتر قميصاً، اشتر رداءً، اشتر حاجة كذا؛ وقال: نفست امرأة المسيب بن رافع وهو غائب فاشترى لها خيثمة خادماً بستمئة. (راجع صفة الصفوة 3/92-93)
(2) وفي رواية: إستخدامه ضيفه.(2/121)
عن شعيب عن عمر بن عبد الملك بن عمير قال: وفد أسماء بن خارجة إلى عبد الملك بن مروان فلما دخل عليه قال له: بأي شيء سدت الناس؟ قال: هو(1) من غيري أحسن منه مني، قال: عزمت عليك لتخبرني، قال: ما تقدمت جليساً إلى مركب لي قط، ولا سألني أحد قط حاجة إلا رأيت له الفضل علي بمسألته إياي، ولا دعوت أحداً قط إلى طعام إلا رأيت له بذلك الفضل علي. (7/103)
عن إبراهيم بن علي الذهلي قال: قال الأوزاعي: كرامة الضيف طلاقة الوجه. (7/103)
عن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن أبيه قال: دخلت على محمد بن سيرين في يوم حار فوجد في وجهي التعب فقال: يا جارية هاتي لحبيب غداء، هاتي، هاتي، حتى قال ذلك مراراً، قلت: لا أريد، قال: هاتي، فلما جاءت به قلت: لا أريده، قال: لقمة وأنت بالخيار، فلما أكلت لقمة نشطت فأكلت. (7/103)
عن محمد بن أحمد بن معروف قال: رأيت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي دخل على رجاء بن السندي فقال: يا أبا محمد ما حال البرذون؟ فقال رجاء:
إني لأكرم قبل الضيف حامله
لا أكرم الضيف إن لم أكرم الفرسا
قال إسحاق:
مطية الضيف عندي عدل صاحبها
لا أكرم الضيف إن لم أكرم الفرسا
(7/103)
التاسع والستون من شعب الإيمان
وهو باب في الستر علىأصحاب القروف
عن زيد بن وهب قال: أتى عبد الله يعني ابن مسعود فقيل له: هل لك في فلان؟ تقطر لحيته خمراً! قال: إن الله عز وجل نهانا عن التجسس؛ وإن يظهر إليـ[ـنا] شيئاً أخذناه. (7/108)
__________
(1) أي الجواب في ذلك أو البيان له.(2/122)
عن زكريا عن عامر قال: جاءت امرأة إلى عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إني وجدت صبياً ووجدت معه قبطية فيها مئة دينار فأخذته واستأجرت له ظئراً، وإن أربع نسوة يأتينه فيقبلنه لا أدري أيهن أمه فقال لها: إذا هن أتينك فاعلميني، ففعلت، فقال لامرأة منهن: أيتكن أم هذا الصبي؟ فقالت: والله ما أحسنت ولا أجملت يا عمر، تعمد إلى امرأة ستر الله عليها فتريد أن تهتك سترها! قال: صدقت ثم قال للمرأة: [إذا] أتينك فلا تسأليهن عن شيء وأحسني إلى صبيهن ثم انصرف. (7/108)
أنشدنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنشدني أبو الحسن بن سفيان الكوفي أنشدني أبو العباس الرهبي(1):
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا
فيهتك الله ستراً عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا
ولا تعب أحداً منهم بما فيكا(2)
(7/108)
__________
(1) لعلها (المرهبي).
(2) قال القرطبي في تفسيره 16/327-328: "قال الشاعر:
المرء إن كان عاقلاً ورعاً----أشغله عن عيوبه ورعه
كما القيم المريض يشغله---عن وجع الناس كلهم وجعه
وقال آخر:
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا---فذكر البيتين كما تقدم؛ وأثبت منه هذا الشطر وقد كان في الأصل هكذا: "لا تهتكن الله من مساوئ الناس ما سترا".(2/123)
عن علي رضي الله عنه وذكر آخر الزمان والفتن قال: خير أهل ذلك الزمان كل(1) نُوَمَة، أولئك مصابيح الهدى، ليسـ[ـوا] بالمساييح ولا المذاييع البُذُر(2). (7/110)
عن علي أنه قال: طوبى لعبد يعرف الناس ولا يعرفونه، يعرفه الله برضوان؛ أولئك مصابيح الهدى، ليسوا بالمذاييع ولا البذر، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة. (7/110)
عن زبيد اليامي(3) قال: قال عبد الله: قولوا خيراً تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله، ولا تكونوا عجلاء مذاييع بذراً. (7/110)
فصل في ستره على نفسه
عن إبراهيم بن هانئ قال: كنت عند أحمد بن حنبل وعنده الشقيقي وهو يذاكره آداب عبد الله بن المبارك فقال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: من تهاون بالستر أطلق لسانه في عيوب نفسه فكفى الناس شره(4) قال: فنفر أحمد من مكانه قال: سبحان الله ونتهاون بالستر؟! (7/111)
عن إبراهيم بن عبد الله السعدي قال: سألت الأصمعي عن السفلة؟ فقال: الذي لا يبالي ما قال وما قيل فيه. (7/112)
عن أبي إسحاق القرشي وسئل عن السفلة فقال: مثل الذي لا يبالي ما قال وما قيل فيه. (7/112)
__________
(1) كانت (كان).
(2) قال أبو عبيد في غريب الحديث 3/464 عقب أن ذكر هذا الأثر: قوله: كل نُومَة ـ يعني الخاملَ الذكرِ الغامضَ في الناس الذي لا يعرف الشر ولا أهله؛ وأما المذاييع فإن واحدهم مِذْياع وهو الذي إذا سمع عن أحد بفاحشة أو رآها منه أفشاها عليه وأذاعها؛ والمساييح الذين يسيحون في الأرض بالشر والنميمة والإفساد بين الناس؛ والبُذُر أيضاً نحو ذلك؛ وإنما هو مأخوذ من البَذْر، ويقال: بذرت الحَب وغيره، إذا فرّقته في الأرض، وكذلك هذا يبذر الكلام بالنميمة والفساد، والواحد منه بَذور.
(3) تصحفت إلى (اليافي).
(4) هذه الجملة مصحفة ولعلها (فكشف للناس ستره) أو (فعرف الناس شره) أو نحوهما والأولى أقرب.(2/124)
عن سليمان بن عبد الرحمن الأزدي عن أنس أنه قال لبنيه: يا بني أتدرون ما السفلة؟ قالوا: وما السفلة؟! قال: الذي لا يخاف الله عز وجل. (7/112)
السبعون من شعب الإيمان
وهو باب في الصبر على المصائب وعما تنزع إليه النفس من لذة وشهوة
عن زيد بن علي بن الحسين(1) عن أبيه عن ابن عباس قال: جاءه نعي بعض أهله وهو في سفر فصلى ركعتين ثم قال: فعلنا ما أمرنا الله عز وجل (واستعينوا بالصبر والصلاة). (7/114)
عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في مسير فاسترجع ثم تنحى عن الطريق ثم صلى ركعتين فأطال فيهما الجلوس ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) . (7/114)
عن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت قال: لما حضرت عبادة الوفاة قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن يعني الدار ثم قال: اجمعوا إلي موالي وخدمي وجيراني ومن كان يدخل علي فجمعوا له فقال: إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم(2) يأتي علي من الدنيا وأول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو والذي نفسي بيده القصاص يوم القيامة؛ وأحرج(3) على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي؛ قال: فقالوا: بل كنت والداً وكنت مؤدباً؛ قال: وما قال لخادم سوءاً قط؛ فقال: أغفرتم لي ما كان من ذلك؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فقال: أما(4) فاحفظوا وصيتي؛ أحرج على إنسان منكم يبكي فإذا أخرجت نفسي فتوضأوا وأحسنوا الوضوء ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجداً فيصلي، ثم يستغفر لعبادة ولنفسه؛ فإن الله تبارك وتعالى قال: ([و]استعينوا بالصبر والصلاة)؛ ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تتبعني نار ولا تضعوا تحتي أرجواناً. (7/114-115)
__________
(1) كانت (الحسن).
(2) كانت (يومي).
(3) كانت (وأخرج).
(4) كانت (أما لي).(2/125)
عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان في قوله عز وجل (واستعينوا بالصبر والصلاة) يقول: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة، فحافظوا عليها وعلى مواقيتها، وتلاوة القرآن فيها وركوعها وسجودها وتكبيرها والتشهد فيها والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإكمال طهورها؛ فذلك إقامتها وإتمامها؛ قوله (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) يقول: صرْفك عن بيت المقدس إلى الكعبة، كبر ذلك على المنافقين واليهود؛ (إلا على الخاشعين) يعني المتواضعين. (7/115)
عن الربيع عن أبي العالية في قوله (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء) قال: يقول: هم أحياء في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاءوا، ويأكلون من حيث شاءوا؛ وقوله (ولنبلونكم) قال: قد ابتلاهم بذلك كله، وسيبتليهم بما هو أشد من ذلك، يقول الله عز وجل: (وبشر الصابرين) إلى قوله (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) والصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا. (7/115-116)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) ونحو هذا، قال: أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال: (وبشر الصابرين) ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته، يطيب نفوسهم، فقال: (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا)؛ وأما البأساء فالفقر والضراء فالسقم؛ وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم. (7/116)
عن مجاهد قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نعم العدلان، ونعم العلاوة: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). (7/116)
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) إلى آخر الآية، قال: أخبر الله أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى. (7/116)(2/126)
عن جويبر عن الضحاك في قوله (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليهم راجعون) قال: هي لمن أخذ بالتقوى وأدى الفرائض. (7/116)
عن سفيان الثوري عن سفيان العصفري عن سعيد بن جبير قال: لم يعط لأحد من الأمم الإسترجاع غير هذه الأمة! أما سمعت قول يعقوب (يا أسفى على يوسف). (7/117)
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: أربع من كن فيه بنى الله له بيتاً في الجنة: من كان عصمة أمره لا إله إلا الله، وإذا أصابته مصيبة قال: (إنا لله وإنا إليه راجعون) وإذا أعطي شيئاً قال: الحمد لله، وإذا أذنب ذنباً قال: أستغفر الله. (7/117)
عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال: بينا عمر يمشي إذ انقطع شسع نعله فاسترجع فقال له، يعني(1) أصحابه: ما لك يا أمير المؤمنين؟! قال: انقطع شسع نعلي فساءني، وكل ما ساءك مصيبة(2). (7/117)
__________
(1) لعلها (بعض).
(2) قال ابن أبي شيبة 5/336: حدثنا أبو اسامة قال حدثنا سفيان عن دينار التمار عن عون بن عبد الله قال: كان عبد الله يمشي مع أصحابه ذات يوم فانقطع شسع نعله فاسترجع فقال له بعض القوم: يا أبا عبد الرحمن تسترجع على سير؟! قال: ما بي ألا أن تكون السيور كثير، ولكنها مصيبة.
حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي اسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب أنه انقطع شسعه فاسترجع وقال: كل ما ساء فهو مصيبة.
حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا شيبان عن منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب قال: انقطع قبال نعل عمر فقال: إنا الله وإنا إليه راجعون فقالوا: يا أمير المؤمنين أفي قبال نعلك؟! قال: نعم، كل شيء أصاب المؤمن يكرهه فهو مصيبةٌ".(2/127)
عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى قال: إذا قبض ولد العبد – قال: والله أعلم بما قال العبد – قال: يسأل الله الملائكة، فقال: قبضتم ولد فلان؟ قالوا: نعم ربنا، قال: فماذا قال عبدي؟ قالـ[ـوا]: حمدك واسترجع؛ فقال: أخذتم ثمرة فؤاده وحمدني واسترجع؟! ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. (7/119)
عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله عز وجل (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) قال: كانوا ثلاثة والنبي صلى الله عليه وسلم رابعهم: ابراهيم ونوح وهود ومحمد رابعهم؛ فأمر أن يصبر كما صبروا صلى الله عليهـ[ـم] وسلم أجمعين. (7/121)
عن عمران القصير عن الحسن قال: الإيمان الصبر والسماحة؛ الصبر عن محارم الله، وأداء فرائض الله. (7/122)
عن علقمة قال: قال عبد الله: الصبر نصف الإيمان؛ واليقين الإيمان كله. (7/122)
عن عكرمة قال: قال علي: خمس احفظوهن لو ركبتم الإبل لأنضيتموهن قبل أن تدركوهن: لا يخاف العبد إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحي جاهل أن يسأل، ولا يستحي عالم إن لم يعلم أن يقول: الله أعلم؛ والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ إذا قطع الرأس نتن باقي الجسد؛ ولا إيمان لمن لا صبر له. (7/124)
عن الشعبي عن صله بن زفر عن حذيفة قال: تعودوا الصبر فإنه يوشك أن ينزل بكم البلاء مع أنه لا يصيبكم أشد مما أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (7/124)
عن أبي عثمان سعيد بن عثمان قال: سمعت سرياً يقول: لم أجد فيما بلونا، شيئاً أشد علي من طالح يلي أمر صالح؛ ولم أر لهذا الدهر دواء إلا الصبر عليه؛ ولم أر هلاك أهله إلا في الطمع. (7/127)(2/128)
عن معمر عن زيد بن أسلم قال: مات ابن لداود صلوات الله عليه وسلم فجزع عليه جزعاً شديداً، فقيل له(1): ما كان يعدل عندك؟ قال: كان أحب إلي من ملء الأرض ذهباً؛ قال: قيل له: إن لك من الأجر على قدر ذلك؛ أو قال: على حسب ذلك. (7/139)
عن كثير بن تميم قال: كنت جالساً مع سعيد بن جبير فطلع علينا ابنه عبد الله فقال: إني لأعلم خير حالاته(2)، قالوا: وما هو؟ قال: أن يموت فأحتسبه. (7/140)
عن عيسى بن يونس قال: ما لقيت سفيان الثوري قط إلا وأول ما يبتدئ به يقول: لا تعبأ بصاحب عيال فقلَّ ما رأيت صاحب عيال إلا خلط(3)
__________
(1) يظهر من السياق أن القائل لهذا القول ملك من الملائكة،وقد يكون القائل نبياً معاصراً لسليمان.
(2) وفي رواية أخرى: "خير خلة فيه".
(3) روى المصنف في الزهد الكبير ص182-184 عن أبي المليح قال: مات صالح بن مسمار فترك درهماً وأربع دوانيق؛ وقيل له عند موته: أوص بأمك أو أختك إلى من شئت! قال: إني لأستحي من الله أوصي بهما إلى غيره.
وعن عبد الله بن المبارك عن عبد العزيز قال: أصاب محمد بن كعب القرظي مالاً فقيل له: ادخر لولدك من بعدك، قال: لا، ولكن ادخره لنفسي عند ربي، وأدخر ربي لولدي.
وعن أبي عثمان النهدي قال: قال معاذ بن جبل: إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء؛ قالوا: وما فتنة السراء؟ قال: إذا لبس النساء عصب اليمن ورياط الشام، فأتعبن الغني وكلفن الفقير ما لا يجد.
وعن مسلم بن عبد الله عن أبي حازم قال: اعلموا أنه ليس شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلكم فآثر نفسك أيها المرء بالنصيحة على ولدك واعلم أنك إنما تخلف مالك في يد رجلين: عامل فيه بمعصية الله فيشقى بما جمعت له؛ وعامل فيه بطاعة الله فيسعد بما شقيت له؛ فارج لمن قدمت منهم رحمة الله وبقِّ لمن خلفت منهم رزق الله.
وعن معتمر بن سليمان قال: قال لي سفيان الثوري: يا معتمر صاحب العيال لا يكون رجلاً صالحاً، وما رأيت صاحب عيال إلا خلط ودخل فيما لا يعنيه.
وعن ابراهيم بن بشار الرمادي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: صاحب العيال لا يفلح كانت لنا هرة لا تكشف القدور فلما ولدت كشفت القدور".(2/129)
؛ قال: وكان له بني تعيس يقول: يا أبا عمرو ليت الله قبضه فاسترحت، فأقول: لله أبوك! أو ليس قد أخبرتني أن عندك مئتي دينار وربما ربحت فيها؟! قال: فقدمت قدمة من الغزو فأول ما ابتدأني به: مات حبيبي واسترحت. (7/140)
عن منصور بن عبد الرحمن قال: كنت جالساً مع الحسن فقال لي رجل: سله عن قول الله عز وجل (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها)، فسألته عنها فقال: سبحان الله من يشك في هذا؟! كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب؛ (من قبل أن نبرأها) النسمة. (7/140)
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم) قال: ليس أحد إلا يفرح ويحزن، ولكن إذا أصابته مصيبة جعلها صبراً، وإن أصابه خير جعله شكراً. (7/141)
فصل في أي الناس أشد بلاء
عن عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا هشام الدستوائي عن حماد عن أبي وائل عن ابن مسعود أو غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - شك هشام - أنه قال: إذا أحب الله عبداً ابتلاه فمن حبه إياه يُمسه البلاء حتى يدعوه فيسمع دعاءه. (7/145)
عن أبي وائل عن كردوس بن عمرو وكان يقرأ الكتب: إنا لنجد(1) في ما نقرأ من الكتب: إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه. (7/145)
عن أبي وائل عن كردوس التغلبي قال: وجدت في الإنجيل إذ كنت أقرأه: إن الله ليصيب العبد بالأمر يكرهه وإنه ليحبه لينظر كيف تضرعه إليه. (7/210)
عن الحسن قال: ما من مؤمن إلا وله جار منافق. (7/147)
عن ابن عباس أن امرأة أيوب قالت له: قد والله قد نزل بي الجهد والفاقة ما ان بعت قرني برغيف فأطعمتك، فادع الله أن يشفيك، قال: ويحك! كنا في النعماء سبعين عاماً فنحن في البلاء سبع سنين. (7/147)
__________
(1) في الأصل (فلا نجد).(2/130)
عن عاصم الأحول عن الحسن في قوله (من يعمل سوءاً يجز به) فقال الحسن: إنما ذاك لمن(1) أراد الله عز وجل هوانه، فأما من أراد الله عز وجل كرامته فإنه يتجاوز عن سيئاته (وعد الصدق الذي كانوا يوعدون). (7/147)
عن الحسن أن عمران بن حصين ابتلي في جسده فقال: ما أراه إلا بذنب، وما يعفو الله أكثر، وتلا: (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)(2). (7/147)
عن زياد بن الربيع قال: قلت لأبي بن كعب: يا أبا المنذر آية في كتاب الله أحزنتني! قال: وما هي؟ قلت: (ومن يعمل سوءاً يجز به) قال: إن كنت أراك فقيهاً، إن المؤمن لا يصيبه مصيبة [عثرة] قدم ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر(3). (7/147)
عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) قال: المصيبة في الدنيا. (7/155)
عن الربيع بن أنس عن أبي العالية (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) قال: المصائب في الدنيا؛ (لعلهم يرجعون) لعلهم يتوبون. (7/155)
عن عطية بن قيس قال: مرض كعب فعاده رهط من أهل دمشق فقالوا: كيف تجدك يا أبا اسحاق؟ قال: بخير، جسد أخذ بذنبه، إن شاء ربه عذبه، وإن شاء رحمه، وإن بعثه بعثه خلقاً جديداً لا ذنب له. (7/155)
عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال: إن الوجع لا يكتب به الأجر إنما الأجر في العمل، ولكن يكفر الله عز وجل به الخطايا(4). (7/162)
__________
(1) كانت (إنما).
(2) جاء في تفسير القرطبي 16/31: وقال أحمد ابن أبي الحواري: قيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم [يعني من الناس]؟ فقال: لأنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم؛ قال الله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
(3) انظر المرض والكفارات لابن أبي الدنيا ص93 و179.
(4) قال البيهقي: ولعله يكون حطه إن كان خطيئة؛ أو زيادة درجة إن صادفه ذلك والخطايا مكفرة؛ جمعاً بين الاخبار.(2/131)
عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: مر موسى عليه السلام على رجل في متعبد له ثم مر به بعد ذلك وقد مزقت السباع لحمه فرأس ملقى وفخذ ملقى وكبد ملقى فقال موسى: يا رب عبدك كان يطيعك فابتليته بهذا؟! فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى إنه سألني درجة لم يبلغها بعمله فابتليته بهذا لأبلغه بذلك الدرجة. (7/163)
عن حوشب عن الحسن قال: إنه ليكفر عن العبد خطاياه كلها بحمى ليلة. (7/166)
عن هشام عن الحسن قالوا: كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة لما مضى من الذنوب. (7/167)
عن عبد الملك بن عمير قال: قال أبو الدرداء: حمى ليلة كفارة سنة. (7/167)
عن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير قال: الحمى بريد الموت. (7/167)
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال أبو هريرة: ما من مرض أحب إلي من هذه الحمى، إنها تدخل في كل مفصل، وإن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر. (7/168)
عن أيوب عن ابن سيرين عن (أبي الزيات)(1) القشيري قال: دخلنا على أبي الدرداء نعوده فدخل علينا أعرابي فقال: ما لأميركم؟ وأبو الدرداء يومئذ أمير، قلنا: هو شاكٍ، قال: والله ما اشتكيت قط، أو قال: ما صدعت قط، فقال أبو الدرداء: أخرجوه عني ليمت بخطاياه، ما أحب أن لي بكل وصب وصبته حمر النعم، وإن وصب المؤمن يكفر خطاياه. (7/176)
عن ابن أبي ليلى قال: ذكرت الأوجاع عند أبي الدرداء فقال رجل: ما اشتكيت شيئاً قط، قال: فقال أبو الدرداء: أخرجوه عني إن ذنوبك لحمة(2) عليك كما هي، ما حط عنك منها شيء. (7/176)
__________
(1) في جامع معمر 11/197: (الرباب).
(2) لعلها (لجمة).(2/132)
عن هلال بن يساف أو بعض أصحابنا عنه قال: كنا قعوداً عند عمار بن ياسر فذكروا الأوجاع فقال أعرابي: ما اشتكيت قط، قال عمار: ما أنت منا، أو لست منا؛ إن المسلم يبتلى ببلاء فتحط عنه ذنوبه كما يحط الورق من الشجر، وإن كان الكافر، أو قال: الفاجر، شعبة يشك، يبتلى ببلاء فمثله مثل بعير اطلق فلم يدر لم أطلق؟! وعقل فلم يدر لم عقل؟! (7/178)
عن سعيد بن وهب قال: دخلت مع سليمان على صديق له نعوده فقال: إن الله عز وجل إذا ابتلى عبده المؤمن بشيء من البلاء ثم عافاه كان كفارة لما مضى ومستعتباً فيما بقي؛ وإن الفاجر إذا أصابه الله عز وجل بشيء من البلاء ثم عافه كان كالبعير عقله أهله ثم أطلقوه لا يدري فيما عقلوه ولا فيما أطلقوه. (7/178)
عن قيس بن أبي حازم قال: طلق خالد بن الوليد امرأته ثم أحسن عليها الثناء فقيل له: يا أبا سليمان لأي شيء طلقتها؟ قال: ما طلقتها لأمر رابني منها ولا ساءني! ولكن لم يصبها عندي بلاء(1). (7/179)
عن شبيب بن شيبة قال: سمعت الحسن قال: كان الرجل منهم – أو من المسلمين – إذا مر به عام لم يصب في نفسه ولا ماله قال: ما لنا أتودع الله منا؟. (7/179)
__________
(1) هذا الخبر فيه نكارة، والله أعلم.(2/133)
عن الحجاج الطائي عن علقمة قال: دخلنا على ابن مسعود فقلنا: يا أبا عبد الرحمن ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قلنا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي المغفرة، قلنا له: ألا نأتيك بطبيب؟ قال: الطبيب أنزل بي ما ترون، قال: ثم بكى عبد الله، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول]: إن العبد إذا مرض يقول الرب تبارك وتعالى: عبدي في وثاقي؛ فإن كان نزل به المرض وهو في اجتهاده قال: اكتبوا له من الأجر قدر ما كان يعمل في اجتهاده؛ وإن كان به المرض في فترة منه قال: اكتبوا له من الأجر ما كان في فترته(1)؛ فأنا أبكي أنه نزل بي المرض في فترة، ولوددت أنه كان في اجتهاد مني. (7/185)
عن إبراهيم عن علقمة قال: مرض ابن مسعود مرضاً له فقلت: ما رأيتك جزعت من مرض أشد مما جزعت في مرضك هذا! فقال له: إنه أخذني وقرب بي من الغفلة. (7/185)
عن أحمد بن أبي الحواري حدثنا عبد العزيز بن عمر قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود إذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً؛ يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة. (7/190)
عن ثابت قال: بلغنا أن عمران بن حصين اشتكى بطنه ثلاث وثلاثين سنة، قال: فدخل عليه أصحابه فقالوا: إنه ليمنعنا من الدخول عليك طول شكاتك، قال: فلا تفعلوا فإن أحب ذلك إلي أحبه إلى الله عز وجل. (7/195)
__________
(1) هذا الحديث له أصل ثابت مشهور، ولسنا بصدد سوق الحديث المرفوع وإنما أوردته لما معه من الموقوف.(2/134)
عن الحسن قال: دخلنا على عمران بن حصين في وجعه ذلك الشديد، فقال له رجل: يا أبا نجيد والله إني لأيئس(1) من بعض ما أراك [فيه]، قال: لا تفعل، فإن أحبه إلي أحبه إلى الله، قال الله: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)؛ هذا مما كسبت يداي، ويأتي عفو ربي فيما يبقى(2). (7/196)
عن المسيب بن رافع أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: إن المرء المسلم يمشي في الناس وما عليه خطيئة، قيل: ولم ذاك يا أبا بكر؟ قال: بالمصائب والحجر والشوكة والشسع ينقطع. (7/196)
عن قيس بن حبتر قال: سمعت ابن مسعود يقول: حبذا المكروهان: الموت والفقر، وأيم الله ما هو إلا الغنى والفقر، وما أبالي بأيهما ابتليت، لأن حق الله تعالى في كل واحد منهما واجب، إن كان الغنى إن فيه العطف، وإن كان الفقر إن فيه الصبر. (7/196)
__________
(1) لعلها (لأبتئس).
(2) روى ابن أبي الدنيا في الرضا عن الله بقضائه ص86 عن حميد بن هلال قال: حدثني مطرف قال أتيت عمران بن حصين يوماً فقلت له: والله انى لأدع إتيانك لما أراك فيه ولما أراك تلقى، قال: فلا تفعل فوالله إن أحبه إليّ أحبه إلى الله، قال جرير وكان سقى بطنه فمكث ثلاثين سنة على سرير منقوب.
وروى ص87 عن يونس عن الحسن قال: اشتكى عمران بن حصين فدخل عليه جار له فاستبطاه في العيادة فقال له: يا أبا نجيد إن بعض ما يمنعني عن عيادتك ما أرى بك من الجهد، قال: فلا تفعل فإن أحبه إلي أحبه إلى الله ولا تبتئس لي بما ترى، لرأيت [لعلها أرأيت] اذا كان ما ترى مجازاة بذنوب قد مضت وأنا أرجو عفو الله على ما بقي فإنه قال: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)؛ فمن جزاء الصبر لله على المصيبة هداية القلب ونعم الثواب.(2/135)
عن وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: كنا نعرض المصاحف عند علقمة بن قيس فمر[ر]ت بهذه الآية (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، قال: فسألناه عنها فقال هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم(1)؛ وروي(2) هذا عن ابن مسعود. (7/196)
عن أبي عثمان الحناط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الهدى: الإسترجاع عند المصيبة، والإستكانة عند النعمة، ونفي الإمتنان عند العطية. (7/196)
__________
(1) وهذا كقوله تعالى (---وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
(2) لعلها (وروى).(2/136)
عن هشام بن عروة عن أبيه أنه خرج إلى الوليد بن عبد الملك حتى إذا كان بوادي القرى وجد في رجله شيئاً فظهرت به قرحة وكانوا على رواحل فأرادوه على أن يركب محملاً فأبى عليهم، ثم غلبوه ورحلوا ناقة له بمحمل فركبها، ولم يركب محملاً قبل ذلك؛ فلما أصبح تلا هذه الآية (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)، حتى إذا فرغ منها قال: لقد أنعم الله على هذه الأمة في هذه المحامل بنعمة لا يؤدون شكرها؛ ورقى في رجله الوجع حتى قدم على الوليد، فلما رآه الوليد قال: يا أبا عبد الله إقطعها فإني أخاف أن يبالغ فوق ذلك؛ قال: فدونك، قال: فدعا له الطبيب وقال له: إشرب المرقِّد، قال: لا أشرب مرقداً أبداً، قال: فقدرها الطبيب واحتاط بشيء من اللحم الحي مخافة أن يبقى منها شيء فيرقى(1) فأخذ منشاراً فأمسه النار واتكى له عروة فقطعها من نصف الساق؛ فما زاد على أن يقول: حسن حسن(2)؛ فقال الوليد: ما رأيت شيخاً قط أصبر من هذا؛ إذ أصيب عروة بابن له يقال له محمد، في ذلك السفر، دخل اصطبل دواب من الليل ليبول فركضته بغلة فقتلته؛ وكان من أحب ولده إليه فلم يسمع من عروة في ذلك كله كلمة حتى رجع(3)، فلما كان بوادي القرى قال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا؛ اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت منهم واحداً وأبقيت ستة؛ وكانت لي أطراف أربعة فأخذت منها طرفاً وأبقيت لي ثلاثة؛ وأيمك لئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت؛ فلما قدم المدينة جاءه رجل من قومه يقال له عطاء بن أبي ذؤيب فقال: يا أبا عبد الله والله ما كنا نحتاج أن نسابق بك ولا أن نصارع بك، ولكنا كنا نحتاج إلى رأيك والأنس بك، فأما ما أصبت به فهو أمر دخره الله لك، وأما ما كنا نحب أن يبقى لنا منك فقد بقي(4). (7/196-197)
__________
(1) كانت (فرقي).
(2) أظن صوابها (حسّ حسّ).
(3) كانت (يرجع).
(4) ما أحسن تعازي السلف.(2/137)