أمير بن محمد المدري
بسم الله الرحمن الرحيم
المحتويات
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، قيّوم السموات والأرضين ، مدبّر الخلائق أجمعين باعث الرسل - صلواته وسلامه عليهم - لهداية الناس وبيان شرائع الدين وأيّدهم بالدلائل القطعية وواضحات البراهين . أحمده على جميع نعمه وأسأله المزيد من فضله وكرمه . وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار الكريم الغفار ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، ومصطفاه وخليله صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه ما تعاقب الليل والنهار
وبعد
إن خطبة الجمعة تميزت بخصائص معينة -أهمها أن يكون موضوعها أقرب إلى واقع حياة الناس- الأثر العميق في تشكيل الفكر والسلوك، وبالتالي القدرة على أن تسبق إلى عقولهم بالحق سبقا، خصوصا أن حضور الخطبة فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل. فيحضرها المسلمون كلهم: الكبار، والصغار والرجال، والنساء، والحاكم، والمحكوم، فينصت الجميع إلى كلمات الخطيب على سبيل العبادة دون كلام في كل بلاد الأمة الإسلامية في يوم واحد، مما يهيئ لها فرصة سانحة لتقديم بضاعة تفيد الناس في دنياهم وأخراهم، أي ما يحتاجه الناس، وما يمس حياتهم، سواء ما يتعلق بأمر الإيمان، أو بالشئون الأسرية والاجتماعية، أو السياسية، أو العسكرية، أو الإعلامية.
هذا الكتاب
من خلال تلك السنوات التي قضيتها خطيباً في مسجد الايمان
رأيت أن أُسّطر تلك الخطب التي القيتها لعلها تكون صدقة جارية ينفع الله بها وهذه الخطب هي مفاتيح لاخواني الخطباء وليست من باب التحجيم لكن من خلالها يبنوا خطبهم ويضعوا بصماتهم.
وقد كتبت ثلاثون روضة تصلح لأن تكون تسعون خطبة وكانت طريقتي في التحضير أن ارى ما كتب واسمع ما قال العلماء والدعاة السابقين واللاحقين في الموضوع ثم اضع بصماتي على هذا الموضوع ليخرج الى الحياة جديداً
أسال الله ان ينفع بهذه الروضات وأن يجعلها خالصه لوجهه الكريم.
أمير بن محمد المدري
اليمن - عمران(1/1)
mAlmadari_1@hotmail.co
الخطابة في الاسلام
إن الخطابة في الإسلام لها مبادئ وأصول قامت عليها، وعلى سبيل المثال: خطبة الجمعة وما تتمتع به من مميزات، فجميع المسلمين يحضرونها ويجلسون لاستماعها، فالكل آذان صاغية للخطيب، وبها يكون التوجيه؛ فهي ليست مأخوذة من أناجيل مكتوبة، أو ترانيم خادعة؛ بل هي قانون حياة،ومنهج عمل، مدعمة بخير كلام، ليس فيه من التخريف وليس من كلام الناس بل من كلام رب الناس، ومن أحسن من الله قليلاً.
وتبرز أهميتة خطبة الجمعة في الاسلام من كون الحاضرين قد أتوا طواعية استجابة لأمر الله عزّ وجلّ الذي قال (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ))الجمعةا 9
ومنصاعين لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه ))
ولأن هؤلاء المصلين قد هيؤوا أنفسهم لتلقي أوامر الله عزّ وجلّ ترى أكثرهم قد اغتسلوا وتطيبوا وأتوا إلى المساجد بوجوه باشة وثياب نظيفة واستكملوا أتم ما يملي عليه الذوق السليم من نظافة المظهر الذي يدل على نظافة الباطن.
ومن منطلق الحرص على الدين لابدّ أن نعني الخطباء أهمية دورهم في التذكير بالمنهج القرآني فهماً وتطبيقاً ، وهذا مبدأ السير إلى وحدة الصف الإسلامي .(1/2)
مع قصر المدة الزمنية ومع كون الفرصة المتاحة لهم ليست سوى هذه الدقائق القليلة ، فإن الكلمة الطيبة و الفكرة الصحيحة يفعلان فعلهما دوماً وكما يقول المفكرون أن لا شئ يضيع ولا شئ يفنى وأن الكلمة تفعل فعلها ولو بعد حين وهذا مصداق قوله تعالى : (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )) ابراهيم 24،25
وقفات للخطيب
الخطيب الناجح والمؤثر هو ذلك الإعلامي الذي يعرف أخبار أمته فيقوم بإعدادها، وتبسيطها، وصياغة عرضها، إلى خليط من الناس مختلفي المنهل والمشرب.
الخطيب الناجح محب ودود، يَأْلف ويُؤْلف، فلا يعزل نفسه عن الناس، بل يسأل عنهم، ويغشَى مجالسهم، ويبارك أفراحهم، ويأسو جراحهم.
الخطيب الناجح يغشى مجلسه الكرماء، والصلحاء والبسطاء، فيعمر الحديث بالفكر والذِّكر، فتحل بركة السماء في الزمان والمكان.
الخطيب الناجح له في القلوب مكانة، ولدى النفوس منزلة؛ لأنه عنصر من عناصر الخير والنماء.
الخطيب الناجح هو من يدرك آلام أمته وآمالها، فيخفف الآلام، ويمسح الجراح، ويهون الداء، وينفث في الآمال لينتشي ويرتقي بها نحو آفاق رحبة عالية.
الخطيب الناجح هو إفراز أصيل، يدرك عظمة الأمانة وقدر المسئولية وتبعة العطاء.
الخطيب الناجح له همة عالية، وإرادة ماضية، ونفس راضية، وفعالية رائعة.
الخطيب الناجح هو ينبوع متدفق من الخير والعطاء؛ لأنه يحب ويعطي عن أريحية ورضى، سيّما وأن الشفقة على الخلق إحدى سماته وصفاته، يرى المنكر فلا يسكت عليه، بل يصوغه في قالب خطابي تربوي مؤثر، يوقظ الوسنان ويروي الظمآن، ويؤنس الرجفان، ويقود العميان إلى دروب الحق وميادين المعرفة.(1/3)
الخطيب الناجح يُحسِّن الحَسَن، ويُقبّح القبيح، ويرى معروفًا مطبوعًا أو مصنوعًا فلا ينسى أن يذكِّر به، وأن يشي بصاحبه، دعوة للخير وريادة في البر.
الخطيب الناجح لا تؤثر فيه الأحداث، بل هو الذي يؤثر فيها، ويحولها إلى إشراقة من الفأل الحسن، والثقة المبتغاة، فلا يزيده القهر إلا إرادة صلبة قوية، لا تتفتت أو تلين، ولا يزيده الظلم إلا عفوًا وعزّا، ولا تزيده المكارة إلا مضاء وعزمًا.((مواصفات خطيب الجمعة - علي مدني الخطيب))
الخطيب الناجح يستلهم الحَدَث ليربي به تلك الجموع الغفيرة التي قدمت إليه، وانساقت له، ورغبت فيه، فلا يمكن أن يمر حدث على الخطيب الناجح دون حسّ تربوي مؤثر، أو موعظة بليغة، أو ربط جيد بالآخرة، أو استنفار وبعث بالأمل بامتداد أنفاس الحياة، والتهوين من أمر الدنيا.
الخطيب الناجح إشراقة أمل، وفأل حسن، وهو روضة ندية نضيرة تغشاها رياحينها، وتزقزق حولها عصافيرها، ويشم عبيرها القاضي والداني.
الخطيب الناجح والمؤثر هو الذي يسأل نفسه عندما يقوم بإعداد مادته: ما الذي أريده من عرض هذا الموضوع دون غيره، والغاية من سرد هذه القضية، وما هي الوسيلة المثلي لبسطها وعرضها؟
وبمعني آخر يسأل نفسه: هل أريد معالجة فكرة جديدة؟ أم تثبيت مبدأ أصيل؟ أم محاربة عادة مقيتة دميمة وصفة مرذولة؟
الخطيب الناجح لا يقل أهمية عن المقاتل في صدر الجيش، يذود عن أمته بروحه؛ لأنه يحمي عقائدها من الدخن والدخل.
الخطيب الناجح هو لسان أمته المعبر، وترجمانها المؤثر، وقلبها النابض، وشريانها المتدفق، بل هو روح جديدة تسرى في نبضاتها وشرايينها وأبنيتها وكل مؤسساتها.
الخطيب الناجح مرجع للمرضى والزَّمنَى والعطشى وذي الحاجة والدَّيْن.
الخطيب الناجح يفهم الإسلام بشموله، وجميع محتوياته، من عبادات وآداب ومعاملات وعقائد وأخلاق وتشريعات.
الروضة الاولى
مع الله جل جلاله(1/4)
الحمد لله أعز جنده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده سبحانه عالم الخفيات وفاطر السماوات يدبر الامر يفصل الايات تسبح له الارض والسماوات .
وأشهد ان لا اله الا الله رفع السماء بغير عمد ولم يكن له كفوا احد سبحانه شق البحار وأجرى الانهار وهو العزيز الغفار
وأشهد ان سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار وعلى اله وصحبه الاطهار
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحه مباركه تبيض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل
يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا
يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن
نسأل الله عزوجل بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا وأن يكِره إلينا الفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين
عباد الله
سنقف واياكم في هذه الدقائق الغالية مع احلى الكلام واحسن الاسماء واجمل العبارات مع الله وعضمة الله
مع الله ... الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى. السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. يبسط الرزق ويغدق العطاء ويرسل النعم.
مع الله رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والفرقان. هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، ينفس الكرب، ويفرج الهم، ويذهب الغم، ويقضي الدين ويغني من الفقر.
مع الله في سبحات الفكر
مع الله في لمحات البصر
مع الله في مطمئن الكرى
مع الله عند امتداد السهر
مع الله والقلب في نشوة
مع الله والنفس تشكو الضجر
مع الله في امسنا المنقضي
مع الله في غدنا المنتظر
مع الله في عنفوان الصبا
مع الله في الضعف عند الكبر(1/5)
مع الله في الجد من امرنا
مع الله في جلسات السمر
مع الله في حب اهل التقى
مع الله في في كره من قد فجر
مع الله حبيب الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الملتجيئن، وأمان الخائفين، يحب التوابين ويحب المتطهرين.
مع الله الذي ((لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) القصص:70
مع الله الذي له (( الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) الجاثية:36، 37.
مع الله الذي((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ))لقمان10.
مع الله الذي(( اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ))الرعد8
مع الله الَّذِي(( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }الحشر22
مع الله ?لَّذِى(( جَعَلَ ?لشَّمْسَ ضِيَاء وَ?لْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ?لسّنِينَ وَ?لْحِسَابَ مَا خَلَقَ ?للَّهُ ذ?لِكَ إِلاَّ بِ?لْحَقّ يُفَصّلُ ?لآيَـ?تِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) يونس:5.
إنه حديث من الضعفاء والاذلاء والفقراء عن ربهم الغني العزيز والقوي
مع الله إنه الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، يتجه إليه المريض الذي استعصى مرضه على الأطباء، ويدعوه آملاً في الشفاء ويتجه إليه المكروب يسأله الصبر والرضا، والخُلف من كل فائت، والعوض من كل مفقود(1/6)
((?لَّذِينَ إِذَا أَصَـ?بَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ ر?جِعونَ)) البقرة:156ويتجه إليه المظلوم آملاً يوماً قريباً ينتصر فيه على ظالمه فليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب
((إنّى مَغْلُوبٌ فَ?نتَصِرْ)) القمر:10.
ويتجه إليه المحروم من الأولاد سائلاً أن يرزقه ذرية طيبة ((رَبّ إِنّى وَهَنَ ?لْعَظْمُ مِنّى وَ?شْتَعَلَ ?لرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً وَإِنّي خِفْتُ ?لْمَوَالِىَ مِن وَرَائِى وَكَانَتِ ?مْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ وَ?جْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً ي?زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَـ?مٍ ?سْمُهُ يَحْيَى? لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً)) مريم:4-7.
وكل واحد من هؤلاء يُؤمّل في أن يجاب إلى ما طلب، ويحقق له ما ارتجى فما ذلك على قدرة الله ببعيد، وما ذلك على الله بعزيز.
مع الله جل جلاله، سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، قال أبو بكر الكتاني: جرت مسألة بمكة أيام الموسم في المحبة، فتكلم الشيوخ فيها وكان الجنيد رحمه الله أصغرهم سناً، فقالوا له: هات ما عندك يا عراقي. فأطرق ساعة، ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، ومتصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هيبته، وصفا شربه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبته، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن عمل فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو لله وبالله ومع الله فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد. جبرك الله يا تاج العارفين.
إليه وإلاّ لا تُشدّ الركائب …ومنه وإلاّ فالمؤمل خائب
وفيه وإلاّ فالغرام مضيّعٌ…وعنه وإلاّ فالمحدث كاذب(1/7)
من علق نفسه بمعروف غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب، لا يغيب عن علمه غائب، ولا يعزب عن نظره عازب ((وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ?لأرْضِ وَلاَ فِى ?لسَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذ?لِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ)) يونس:61.
مع الله جلاله،: ((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ)) الرحمن:29
سبحانه يغفر ذنباً، ويفرّج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين، يحيي ميتاً ويميت حياً، ويجيب داعياً، ويشفي سقيماً، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء يجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيراناً ويغيث لهفاناً، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلىً، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويقيل عثرةً، ويستر عورةً، ويؤمن روعةً.
مع الله
الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، السماء بناهاوالجبال أرساها، والأرض دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، يبسط الرزق ويغدق العطاء، ويرسل النعم.
مع الله(1/8)
التواب الرحيم، ذو الفضل العظيم، الواسع العليم، العزيز الحكيم، ابتلى إبراهيم بكلمات، وسمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحي هادياً مهديا، وحناناً من لدنه وكان تقياً، أزال الكَرب عن أيوبوألان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورُفع إليه عيسى وشق القمر لمحمد صلى الله عليه وسلم، ونجى هوداً وأهلك قومه، ونجى صالحاً من الظالمين، فأصبح قومه في دارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وفدى إسماعيل بذبح عظيم، وجعل عيسى وأمه آية للعالمين، ونجى لوطاً وأرسل على قومه حجارة من سجيل منضود، ونجى شعيباً برحمته، وأهلك أهل مدين بعدله ((أَلاَ بُعْدًا لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ)) هود:95
مع الله
جل جلاله الذي، أغرق فرعون وقومه، ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية وخسف بقارون وبداره الأرض ((وَأَصْبَحَ ?لَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِ?لاْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ?للَّهَ يَبْسُطُ ?لرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ ?للَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ?لْكَـ?فِرُونَ)) القصص:82
ونجّا يوسف من غياهب الجب، وجعله على خزائن الأرض.
مع الله
الذي ضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأوجد وأبلى، ورفع وخفض، وأعز وأذل، وأعطى ومنع، ورفع ووضع.
هدى نوحاً وأضل ابنه، واختار إبراهيم وأبعد أباه، وأنقذ لوطاً وأهلك امرأته ولعن فرعون وهدى زوجته، واصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ومقت عمه وجعل من أنصار دعوته أبناء ألد خصومه كخالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، فسبحانه عدد خلقه، وسبحانه رضا نفسه، وسبحانه زنة عرشه، وسبحانه مداد كلماته.
مع الله جل جلاله(1/9)
الذي أرغم أنوف الطغاة، وخفض رؤوس الظلمة، ومزق شمل الجبابرةودمّر سد مأرب بفأرة، وأهلك النمرود ببعوضة، وهزم أبرهة بطير أبابيل، عذب امرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وغفر لامرأة بغيّ لأنها سقت كلباً كاد يموت من العطش.
قال ابن الجوزي رحمه الله: "نظر بعين الاختيار إلى آدم، فحظي بسجود ملائكته، وإلى ابنه، فأقامه في منزلته، وإلى نوح، فنجاه من الغرق بسفينته وإلى إبراهيم، فكساه حلّة خلّته، وإلى إسماعيل، فأعان الخليل في بناء كعبته وافتداه بذبح عظيم من ضجعته، وإلى لوط، فنجّاه وأهله من عشيرته، وإلى شعيب، فأعطاه الفصاحة في خطبته، وإلى يوسف، فأراه البرهان في همّته وإلى موسى، فخطر في ثوب مكالمته، وإلى داود فألان الحديد له على حدته وإلى سليمان، فسخّر له الريح يتنقل بها في مملكته، وإلى أيوب، فيا طوبى لركضته، وإلى يونس، فسمع نداءه في ظلمته، وإلى زكريا، فقرن سؤاله ببشارته، وإلى عيسى، فكم أقام ميتاً من حفرته، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، فخصه ليلة المعراج بالقرب من حضرته والوصول إلى سدرته.
وأعرض عن إبليس، فخَزَي ببعده ولعنته، وعن قابيل، فقلب قلبه إلى معصيته، وعن نمرود، فقال: أنا أحيي الموتى ببلاهته، وعن فرعون، فادعى الربوبية على جرأته، وعن قارون، فخرج على قومه في زينته، وعن أبي جهل، فشقي مع سعادة أمه وابنه وابنته، هكذا جرى تقديره ولا اعتراض على قسمته ((وَيُسَبّحُ ?لرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ?لْمَلْـ?ئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ)) الرعد:13" انتهى.
عباد الله
مع الله
الذي من تقرب إليه شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب إليه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، فالباب مفتوح ولكن من يلج؟ والمجال مفسوح ولكن من يُقبل؟ والحبل ممدود ولكن من يتشبث به؟ والخير مبذول ولكن من يتعرض له؟ فأين الباحثون عن الأرباح؟ وأين خطّاب الملاح؟ أين عشّاق العرائس؟ وطلاّب النفائس؟!(1/10)
من أقبل إليه، تلقاه من بعيد، ومن أعرض عنه، ناداه من قريب، ومن ترك من أجله أعطاه فوق المزيد، ومن أراد رضاه، أراد ما يريد، ومن تصرف بحوله وقوته، ألان له الحديد، أهل ذكره هم أهل مجالسته، وأهل شكره هم أهل زيادته، وأهل طاعته هم أهل كرامته، وأهل معصيته لا يقنطهم من رحمته إن تابوا إليه فهو حبيبهم، وإن لم يتوبوا فهو رحيم بهم، يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعايب، الحسنة عنده بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عنده بواحدة، فإن ندم عليها واستغفر غفرها له، يشكر اليسير من العمل، ويغفر الكثير من الزلل.
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا…
… واعصي الهوى فالهوى ما زال فتّانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا…
… لقطاً وتُلحق أُخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه
… نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس ما لي وللأموال أتركها…
… خلفي وأخرج من دنياي عريانا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا…
… ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
أين الملوك وأبناء الملوك ومن
… كانت تخرّ له الأذقان إذعانا
صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا
… مستبدلين من الأوطان أوطانا
خلوا مدائن كان العز مفرشها…
واستفرشوا حفراً غُبراً وقيعانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً
…ورافلاً في ثياب الغيّ نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعبٍ
… يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
إذا حل الهم، وخيم الغم، واشتد الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل وبارت الحيل. نادى المنادي: يا اللهُ يا الله (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) فيفرّج الهم، وينفّس الكرب، ويذلل الصعب ((فَ?سْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـ?هُ مِنَ ?لْغَمّ وَكَذ?لِكَ نُنجِى ?لْمُؤْمِنِينَ)) الأنبياء:88
إنه الله جل جلاله.(1/11)
إذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، وذبلت الأزهار، وذوت الأشجار، وغار الماء، وقل الغذاء، واشتد البلاء. خرج المستغيثون بالشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع، فنادوا: يا اللهُ يا الله، فينزل المطر، وينهمر الغيث، ويذهب الظمأ، وترتوي الأرض ((وَتَرَى ?لأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ?لْمَاء ?هْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)) الحج:5،
إنه الله جل جلاله.
إذا اشتد المرض بالمريض، وضعف جسمه، وشحب لونه، وقلت حيلته وضعفت وسيلته، وعجز الطبيب، وحار المداوي، وجزعت النفس، ورجفت اليد، ووجف القلب، وانطرح المريض، واتجه العليل، إلى العليّ الجليل. ونادى: يا اللهُ يا الله، فزال الداء، ودب الشفاء، وسُمع الدعاء ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى? رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ ?لضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ?لرَّاحِمِينَ فَ?سْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَـ?هُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى? لِلْعَـ?بِدِينَ)) الأنبياء:83، 84.
إنه الله جل جلاله.(1/12)
إذا انطلقت السفينة بعيداً في البحر اللجيّ، وهبّت الزوابع، وتسابقت الرياح وتلبدّ الفضاء بالسحب، واكفهر وجه السماء، وأبرق البرق، وأرعد الرعد وكانت ظلمات بعضها فوق بعض، ولعبت الأمواج بالسفينة، وبلغت القلوب الحناجر، وأشرفت على الغرق، وتربص الموت بالركّاب. اتجهت الأفئدة وجأرت الأصوات، يا اللهُ يا الله، فجاء عطفه، وأشرق ضياؤه في الظلام الحالك، فأزال المهالك ((هُوَ ?لَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِى ?لْبَرّ وَ?لْبَحْرِ حَتَّى? إِذَا كُنتُمْ فِى ?لْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ ?لْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ?للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ?لدّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـ?ذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ?لشَّـ?كِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى ?لأرْضِ بِغَيْرِ ?لْحَقّ ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى? أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ?لْحَيَو?ةِ ?لدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) يونس:22، 23، إنه الله جل جلاله.
إذا حلقت الطائرة في الأفق البعيد، وكانت معلقة بين السماء والأرض، فأشّر مؤشر الخلل، وظهرت دلائل العطل، فذعر القائد، وارتبك الركاب، وضجت الأصوات، فبكى الرجال، وصاح النساء، وفُجع الأطفال، وعم الرعب، وخيم الهلع، وعظم الفزع، ألحُّوا في النداء، وعظم الدعاء، يا اللهُ يا الله، فأتى لطفه وتنزلت رحمته، وعظمت منّته، فهدأت القلوب، وسكنت النفوس، وهبطت الطائرة بسلام. إنه الله جل جلاله.
إذا اعترض الجنين في بطن أمه، وعسرت ولادته، وصعبت وفادته وأوشكت الأم على الهلاك، وأيقنت بالممات. لجأت إلى منفّس الكربات، وقاضي الحاجات، ونادت: يا اللهُ يا الله، فزال أنينها، وخرج جنينها. بارك الله لها في الموهوب، ورزقت بره، وجعله الله من عباده الصالحين.(1/13)
إذا حلّت بالعالِم معضلة، وأشكلت عليه مسألة، فتاه عن الصواب، وعزّ عليه الجواب، مرّغ أنفه بالتراب، ونادى: يا اللهُ يا الله، يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني، اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. فيأتي التوفيق، وتُحلّ المغاليق، فينكشف السحاب، ويُلهم الجواب.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
ايها المسلمون!
أيها الأحبة، إن في القلب شعثاً لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبداً.
فليتك تحلو والحياة مريرة……وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر……وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود يا غاية المنى……فكل الذي فوق التراب تراب(1/14)
فسبحانه من خالق عظيم، جواد كريم، الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجل هباته، فمن أعظم منه جوداً؟ الخلائق له عاصون وهو لهم مراقب، يكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوه، ويتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا، يجود بالفضل على العاصي، ويتفضل على المسيء، من ذا الذي دعاه فلم يستجب له؟ أم من ذا الذي سأله فلم يعطه؟ أم من ذا الذي أناخ ببابه فنحاه؟ فهو ذو الفضل ومنه الفضل، وهو الجواد ومنه الجود، وهو الكريم سبحانه ومنه الكرم.
((قُلْ ي?عِبَادِىَ ?لَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى? أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ?للَّهِ إِنَّ ?للَّهَ يَغْفِرُ ?لذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ?لْغَفُورُ ?لرَّحِيمُ)) لزمر:53
عباد الله
مَن استيقَن قلبه هذه المعانيَ لا يرهَب غيرَ الله، ولا يخاف سِواه، ولا يرجو غيرَه، ولا يتحاكم إلاّ له، ولا يذلّ إلا لعظمتِه، ولا يحبّ غيرَه.
أمّا الذين يهجرون القرآنَ, ويرتكبون المحرمّات, ويفرّطون في الطاعات، أمّا الذين يتحاكمون إلى شرع غيرِ الله، ما قدروا الله حق قدره. الذين يسخرون من الدّين، ويحاربون أولياء الله, ويستهزئون بسنّة سيّد البشر, ما قدروا الله حقَّ قدره.
من شهِد قلبُه عظمةَ الله وكبرياءَه علِم شأنَ تحذيره جلّ وعلا في قوله: ((وَيُحَذّرْكُمُ ?للَّهُ نَفْسَهُ)) آل عمران:28، قال المفسرون: "أي: فخافوه واخشَوه".
ولأجل شهودِ صفاتِ عظمتِه سبحانه وجِلت قلوب المؤمنين لمجرّد ذكره تعالى كما قال سبحانه: ((إِنَّمَا ?لْمُؤْمِنُونَ ?لَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ?للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)) الأنفال:2 ويقول سبحانه: ((وَبَشّرِ ?لْمُخْبِتِينَ ?لَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ?للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)) الحج:34، 35.(1/15)
هذه ـ عبادَ الله ـ بعضُ عظمتِه سبحانه مما تتحمّله العقول، وإلاّ فعظمة الله وجلاله أجلّ من أن يحيطَ بها عقل، فمَن هذا بعضُ عظمته كيفَ يجعل في رتبتِه مخلوق لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا؟! والذين لا يقدّرون اللهَ حقَّ قدره, ولا يعظّمونه حقَّ عظمته, تصاب نفوسهم بالوهَن, وتمتلئ قلوبهم برهبةِ البشر والهزيمة النفسيّة التي تظلّ تلاحقهم مهما أوتوا من قوّة ونالوا من عدّةٍ وعدد. والهزيمة النفسيّة هي من أنكى الهزائم وأشدِّها خطرًا على مستقبَل الأمة, قال تعالى: ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) آل عمران:139
عباد الله
إنّ امتلاءَ القلب بعظمة الله يولّد ثقةً مطلقة بالله، ويجعل المسلمَ هاديَ البالِ ساكنَ النفس مهما ادلهمّت الخطوب. إنّ استشعارَ عظمة الله تملأ القلب رضًا وصبرًا جميلاً، فلا يحزنُنا تقلّّّب الذين كفروا في البلاد، فإنهم مهما علوا وتجبّروا لن يصِلوا إلى مطامعهم، ولن يحقّقوا أهدافهم الدّنيئة، فالله هو القويّ الذي لا يغلب. لقد بلغ فرعون ما بلغ من طغيان، ((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ?لأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ)) القصص:4فماذا كانت نتيجة الطغيان؟! ((فَأَخَذْنَـ?هُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـ?هُمْ فِى ?لْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ)) الذاريات:40
إنّ معرفتَنا بعظمةِ الله تورث القلبَ الشعورَ الحيّ بمعيّته سبحانه، التي تُفيض السكينةَ في المحن والبَصيرة في الفتن، فعندما لجأ رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى الغار, واقترب الأعداء حتى كانوا قابَ قوسين أو أدنى, شاهرين سيوفَهم، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، لو أنّ أحدَهم رفع قدَمه رآنا، فردّ عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم بكلّ ثِقة: ((ما ظنّك باثنين الله ثالثهما؟!))(1/16)
إنّ استشعارَ عظمةِ الله ومعيّته تبعَث في النفس معنى الثبات والعزّة, وتقوّي العزائم حتى في أشدّ حالات الضّنك، وقد كانت هذه الحقائق جليّة عند الصحابة حتى مع الحصار الاقتصاديّ والاجتماعيّ في شِعب أبي طالب، ولم تمضِ سِوى أعوام حتى فتَح الله على أبي بكر وعمر وغيرهم أعظمَ الانتصارات.
ومِن قبل يقِف موسى وجنودُه عند شاطئ البَحر فيقول بعضهم: إنّ فرعون من ورائنا والبحرَ من أمامنا, فأين الخلاص؟! ((قَالَ أَصْحَـ?بُ مُوسَى? إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)) [الشعراء:61]، فيردّ نبيّ الله موسى عليه السلام باستشعارٍ لعظمة الله وثِقة كاملةٍ بموعود الله: ((إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ)) الشعراء:62، فكان بعدَها النّصر والتّمكين.
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ((إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)) الأحزاب:56.
الروضة الثانية
مع الإخلاص والمخلصين
الحمد لله معزّ من أطاعه واتقاه، ومذلّ من خالف أمره وعصاه، قاهر الجبابرة وكاسر الأكاسرة، لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه، ينصر من نصره ويغضب لغضبه ويرضى لرضاه، أحمده سبحانه وأشكره حمدًا وشكرًا يملآن أرضه وسماه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه ومصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ولكل من نصره ووالاه.
((ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) آل عمران:102(1/17)
((ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ ?تَّقُواْ رَبَّكُمُ ?لَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ و?حِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَ?تَّقُواْ ?للَّهَ ?لَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَ?لأَرْحَامَ إِنَّ ?للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) النساء
عباد الله سنقف واياكم مع الاخلاص والمخلصين
الاخلاص عباد الله هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام
قال تعالى ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))البينة5 وقال تعالى ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )) الزمر
الإخلاص هو لب العبادة وروحها، قال ابن حزم: النية سر العبودية وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، فهو جسد خراب.
والإخلاص هو أساس قبول الأعمال وردها فهو الذي يؤدي إلى الفوز أو الخسران، وهو الطريق إلى الجنة أو إلى النار، فإن الإخلال به يؤدي إلى النار وتحقيقه يؤدي إلى الجنة.
الإخلاص أن يكون العمل لله تعالى، لا نصيب لغير الله فيه.
الاخلاص إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.
الإخلاص هو تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
الإخلاص هوتصفية العمل من كل شائبة.
الاخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر الى الخالق
المخلص عباد الله هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عزوجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله.
المخلص عباد الله هو من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته
قال تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))البينة5
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم )
( قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي ((الزمر14(1/18)
وقال تعالى
(({قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))الأنعام162
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمِعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هِجرتُه لدنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينكِحها فهِجرته إلى ما هاجَر إليه)) رواه البخاري ومسلم
وعن أبي كبشة عمرو بن سعدٍ الأنماريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إنما الدّنيا لأربعة نفَر: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتّقي اللهَ ويصِل فيه رَحِمه ويَعلَم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رَزَقه الله علمًا ولم يرزُقه مالاً، فهو صادِق النية يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلتُ بعمَل فلان، فهو نيّته فأجرهما سواء، وعبدٍ رزَقَه الله مالا ولم يرزقه عِلمًا، فهو يخبِط في ماله بغيرِ عِلم، لا يتّقي فيه ربَّه ولا يصِل فيه رحِمه ولا يعلَم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبَثِ المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلت فيه بعمل فلان، فهو نيّتُه فوِزرُهما سواء)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"
فتدبَّر ـ أيها المسلم ـ هذه الأعمالَ الصالحة التي أريد بها وجهُ الله والدار الآخرة وكان الإخلاص روحَها ومبناها كيف صارَ صاحبُها منَ الفائزين المقرَّبين
وقال تعالى:: ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)) الملك:2،
وقال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)) هود:7،(1/19)
وقال تعالى: ((إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)) الكهف:7
قال ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى في تفسيره: "ولم يقل: أكثر عملاً بل أحسن عملاً، ولا يكون العمَلُ حسنًا حتى يكون خالصًا لله عز وجلّ على شريعةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمتى فقَد العمل واحدًا من هذين الشّرطين حبط وبطل
وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه في تفسير ((لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)): "أَخلَصُه وأصوَبُه، فإذا كان العمل خالصًا ولم يكُن صوابًا لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبَل، فلا بدّ أن يكون خالصًا صوابًا"
ثم قرأ قوله تعالى
(( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ))الكهف110
والذين يريدون وجه الله فليبشروا بالجزاء ((واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )) الكهف
وقال تعالى،
((ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))الروم38
وأما أهل الرياء فإن الله ذمهم وبيّن عاقبتهم فقال (( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ))هود15
وقال تعالى ((مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ))الإسراء18)،
وقال جل شأنه((مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ))الشورى20(1/20)
وقد مدح الله المخلصين : فقال (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً))،النساء (( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه)).
عباد الله إن للإخلاص ثمرات عظيمة
فالإخلاص مصدر رزق عظيم للأجر وكسب الحسنات قال صلى الله عليه وسلم ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليه حتى ما تجعل في فم امرأتك)) رواه البخاري.
الإخلاص ينجي من العذاب العظيم يوم الدين وكما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به، فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت ليقال: جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به يعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت؟ قال تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكن تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من صنوف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها ألا أنفقت فيها قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)) رواه مسلم.
وهذا الحديث حدث به أبو هريرة فكان يغشى عليه من هوله كلماأراد التحديث به، ويمسح وجهه بالماء حتى استطاع التحديث به. وقال صلى الله عليه وسلم : ((من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لم يتعلمه إلا ليصيب به عرض من عرض الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة))رواه ابن ماجه وقال:
(( من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار))رواه ابن ماجه(1/21)
الإخلاص يريح الناس يوم يقول الله للمرائين اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء.
الإخلاص ينجي الإنسان من حرمان الأجر و نقصانه ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل غزى يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيء له"ثلاثاً" إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه.
وجاء رجل من أهل الشام قال : يارسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من عرض الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم : لا أجر له. فأعظم ذلك الناس فقالوا عد لرسول الله
فلعلك لم تفهمه فقال له لا أجر له.
قال صلى الله عليه وسلم :قال الله تعالى (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)).
الإخلاص يعظم العمل الصغير حتى يصبح كالجبل ، كما أن الرياء يحقر العمل الكبير حتى لا يزن عند الله هباء
قال تعالى ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ))الفرقان23
وقال ابن المبارك: (( رب عمل صغير تكثره النية ورب عمل كبير تصغره النية)).
وجاء في الحديث العظيم الذي أخرجه الترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صاى الله عليه وسلم : ((يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل منها مدّ البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقال: أفلك عذر أو حسنة فيها؟ فيقول الرجل: لا، فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها، أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة)) صححه الالباني.(1/22)
الإخلاص عباد الله يقلب المباحات إلى عبادات وينال بها عالي الدرجات،
قال أحد السلف: إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية حتى في أكلي ونومي ودخولي الخلاء
الإخلاص ينقي القلب من الحقد والغل ويسبب قبول العمل ولا يقبل الله من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجه
بالإخلاص عباد الله تنفس كروبنا
والدليل على ذلك حديث الثلاثة الذين حبستهم صخرة ففرج الله همّهم ، وكان منهم الرجل الذي وفّى عاملاً أجره ونماه وصبر على ذلك سنين، وقد كان يقول كل واحد منهم اللهم إنك إن كنت تعلم أننا فعلنا ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه
اللهم أخلص نياتنا وأجعل أعمالنا كلها صالحة ولوجهك خالصة يارب العالمين
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها المسلمون
أسمعوا الى أخبار المخلصين
وكونوا عبادَ الله منهم ؛ فإنهم في كنَفِ الله وحِفظِه ورِعايتِه وعِصمتِه، قد نجّاهم الله من مكائِدِ الشيطانِ وحَسرَة الخسران، وآواهم إلى حِزبِه المفلِحين قال الله تعالى عن إبليس: ((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ)) الحجر:39، 40
وقال تعالى: ((فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)) ص:82، 83، وشرَط الله تعالى لتوبَةِ التائبين تحقيقَ الإخلاص في أعمالهم(1/23)
فقال تعالى: ((إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)) النساء:146
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعريّ: (من خلُصت نيّته كفاه الله ما بينه وما بين الناس)
وقال عليّ رضي الله عنه: (لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا للقَبول)
وقال بعض العُبّاد: "إنَّ لله عبادًا عَقَلوا، فلمّا عَقَلوا عمِلوا، فلمّا عمِلوا أخلَصوا، فاستدعاهم الإخلاصُ إلى أبوابِ البرِّ جميعًا"
يقول الحسن البصري : إن كان الرجل جمع القرآن ولما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولما يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته ولم يشعر الناس به، ولقد أدركت أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملونه في السر فيكون علانية أبداً.
لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم
ومن عجائب المخلصين ما حصل لصاحب النفق
فقد حاصر المسلمون حصناً واشتد عليهم رمي الأعداء ، فقام أحد المسلمين وحفر نفقاً فانتصر المسلمون، ولا يُعرَف من هو هذا الرجل، وأراد مَسْلَمَة يريد أن يعرف الرجل لمكافأته،ولما لم يجده سأله بالله أن يأتيه، فأتاه طارق بليل وسأله شرطاً وهو أنه إذا أخبره من هو لا يبحث عنه بعد ذلك أبداً فعاهده، و كان يقول : (( اللهم احشرني مع صاحب النفق)).
وقد كان عمل الخلوة كان أحب إلى السلف من عمل الجلوة.
يقول حماد بن زيد : كان أيوب ربما حدث في الحديث فيرقّ وتدمع عيناه، فيلتفت و ينتخط ويقول ما أشد الزكام!!، فيظهر الزكام لإخفاء البكاء
قال الحسن البصري: ((إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام وذهب وبكى في الخارج)).(1/24)
يقول محمد بن واسع التابعي: (( إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته لا تعلم)).
للإمام الماوردي قصة في الإخلاص في تصنيف الكتب، فقد ألف المؤلفات في التفسير والفقه وغير ذلك ولم يظهر شيء في حياته لما دنت وفاته قال لشخص يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي وإنما إذا عاينت الموت و وقعت في النزع فاجعل يدك في يدي فإن قبضت عليها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء فاعمد إليها وألقها في دجلة بالليل وإذا بسطت يدي فاعلم أنها قبلت مني وأني ظفرت بما أرجوه من النية الخالصة، فلما حضرته الوفاة بسط يده ، فأظهرت كتبه بعد ذلك.
وكان علي بن الحسن يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين بالظلمة ، فالصدقة تطفيء غضب الرب، وكان أهل بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم ، فلما مات عرفوا، و رأوا على ظهره آثاراً مما كان ينقله من القرب والجرب بالليل فكان يعول 100 بيت .
تلك الأحوال والقصص أظهرها الله ليكون أصحابها أئمة (( واجعلنا للمتقين إماماً)).
وهكذا كان أحدهم يدخل في فراش زوجته فيخادعها فينسل لقيام الليل وهكذا صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله فكان يأخذ إفطاره ويتصدق به على المساكين ويأتي على العشاء..(1/25)
وهذا أعرابي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أهاجر معك، فغنموا بعد خيبر وقسم للأعرابي وأصحابه وكان يرعى دوابهم فلما جاءوه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي وصلني؟ ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا بسهم فأموت فأدخل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم : ((إن تصدق الله يصدقك))، فلبثوا قليلاً وهاجموا العدو وأثاب الله الأعرابي كما طلب فقيل أهو أهو قال صلى الله عليه وسلم : (( صدق الله فصدقه)) فكُفِّن في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة (( اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك وقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك )).
اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا، واجعلها خالصة لك، صواباً على سنة رسولك صلى الله عليه وسلم آمين،هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال (( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما))اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
الروضة الثالثة
مع التقوى والمتقين
الحمد لله الُُذي اكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعل امتنا وله الحمد خير أمه وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا وعلمنا الكتاب والحكمة وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة وأشهد أن محمد عبدة ورسوله أرسله للعالمين رحمة وخصه بجوامع الكلم فربماجمع أشتات الحكم والعلم في كلمة أو شطر كلمة صلى الله علية وعلى أله وأصحابه صلاه تكون لنا نوراًً من كل ظلمة وسلم تسليما
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل: ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.
ثم أما بعد(1/26)
عباد الله مع التقوى سيكون حديثنا مع صفات المتقين سنعيش في هذه الدقائق بإذن الله عز وجل.
و التقوى عباد الله : أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية، تقيه منه. وتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( المتقون هم الذين يحذرون من الله وعقوبته)
وقال طلق بن حبيب: ( التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله. وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله)وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: ((اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ )) آل عمران:102قال:
(تقوى الله أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر(.
وعرّف علي بن أبي طالب رضي الله عنه التقوى فقال: هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
فاحرص يا أخي الكريم على تقوى الله عز وجل فهو سبحانه أهل أن يُخشى ويُجل، ويعظم في صدرك
نتكلم عن التقوى لأن التقوى هي التي تصحبنا إلى قبورنا فهي المؤنس لنا من الوحشة والمنجية لنا من عذاب الله العظيم: (دخل علي رضي الله عنه المقبرة فقال: يا أهل القبور ما الخبر عندكم: إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قسمت وأن بيوتكم قد سكنت وإن زوجاتكم قد زوجت، ثم بكى ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا: إنا وجدنا أن خير الزاد التقوى).
التقوى هي خير ضمانة نحفظ بها أولادنا ومستقبل أبناءنا من بعدنا
قال تعالى)( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً ((النساء9(1/27)
وتأملوا عباد الله كيف أن الله سبحانه سخر نبيا هو موسى عليه السلام ووليا هو الخضر عليه السلام لإقامة جدار في قرية بخيلة فاعترض موسى عليه السلام((قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ))الكهف77
ثم يخبر الخضر عليه السلام سبب فعله بالغيب الذي أطلعه الله عليه في هذا الأمر فيقول:
((وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً )) الكهف:82.وقال ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما و كان الأب السابع والله أعلم
والتقوى وصية الله للأولين والآخرين، قال - تعالى -: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ)) النساء ـ 132.
قال القرطبي رحمه الله : الأمر بالتقوى كان عاماً لجميع الأمم، وقال بعض أهل العلم: هذه الآية هي رحى آي القرآن كله، لأن جميعه يدور عليها، فما من خير عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه ووسيلة مبلّغة له، وما من شر عاجل ولا ظاهر ولا آجل ولا باطن إلا وتقوى الله عز وجل حرز متين وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره.
فالتقوى أصلح للعبد وأجمع للخير، وأعظم للأجر، وهي الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، الكافية لجميع المهمات.
التقوى وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته عن العرباض بن سارية: قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح فوعظنا موعظة بليغة زرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فقال (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -:(1/28)
(اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها).
والتقوى هي وصية الرسل الكرام:
((كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ(123)إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ)) 124 الشعراء
((كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ))142 141الشعراء
((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ )) 161 الشعراء.
والتقوى وصية السلف الصالح رضوان الله عليهم كان أبو بكر ـ رضي الله عنه يقول في خطبته: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، ولما حضرته الوفاة، وعهد إلى عمر رضي الله عنه - دعاه فوصاه بوصيته قائلا: اتق الله يا عمر.
وكتب عمر - رضي الله عنه - إلى ابنه عبد الله:،أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله - عز وجل - فإنه من اتقاه وقاه، واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: أوصيك بتقوى الله - عز وجل - التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، ولما ولي خطب فحمد الله وأثنى عليه وقال:،أوصيكم بتقوى الله - عز وجل - فإن تقوى الله خلف من كل سعي، وليس من تقوى الله خلف.
وقال رجل لرجل أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله، والإحسان، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فيكفي المتقون شرفاً ان الله معهم برعايته وحفظه.
ومن وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل:( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.)رواه الترمذي
ما ذا نفهم من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه بالتقوى مع أن معاذ بهذه المنزلة؟(1/29)
أن المرء محتاج للتقوى ولو كان أعلم العلماء، وأتقى الأتقياء، يحتاج إلى التقوى لأن الإنسان تمر به حالات، ويضعف في حالات، يحتاج إلى التقوى للثبات عليها ، يحتاج إلى التقوى للازدياد منها. اتق الله حيثما كنت، في السر والعلانية، أتبع السيئة الحسنة تمحها، لماذا بدأ بالسيئة؟ ، لأنها هي المقصودة الآن، عند التكفير الاهتمام يكون بالسيئة، لا لفضلها ، ولكن لأنها المشكلة التي ينبغي حلّها. وخالق الناس بخلق حسن..، هناك أشياء بين العبد وخالقه وبينه والناس، هذه وصية جامعة. والكيّس لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو به السيئات، و ليس المقصود الآن هو فعل الحسنات ، وإنما كيف تكفر السيئة، لذلك بدأ فيها، وإلا فقد دلّ على حسنات كثيرة في أحاديث أخرى ولم يذكر السيئة فيها ، لأن المقصود تعليم الناس الحسنات، لكن هنا المقصود تعليم الناس كيفية تكفير السيئة.
والتقوى هي أجمل لباس يتزين به العبد: ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)) الأعراف 62.
إ ذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى
تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه
ولا خير فيمن كان لله عاصيا
والتقوى هي أفضل زاد يتزود به العبد، قال - تعالى -: ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ))197البقرة.
وبها الطريق الى الجنة فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما أكثر ما يدخل الناس الجنة قال((تقوى الله وحسن الخلق ))رواه احمد
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، شحم طاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا).(1/30)
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسألها في دعائه فيقول : (( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى))رواه مسلم
وفي دعاء السفر يقول: (( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى)).
والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى مسافراً فقال: (( أوصيك بتقوى الله و التكبير على كل شرف))، إذاً فالتقوى في السفر بالذات لها طعم خاص، فالمسافر يغيّر مكانه وحاله، وقد يكون في بلاد الغربة لا يخشى مما يخشى منه في بلده وموطنه، ولا يخشى فضيحة لو عرف، لكن في بلده يخاف الفضيحة، لذلك كانت ملازمة التقوى في السفر مهمة جداً. و على كل حال الإنسان يسأل الله التقوى في السفر والحضر
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل
خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب.
عباد الله :
إن تقوى الله - سبحانه و تعالى - إذا استقرت في القلوب وارتسمت بها الأقوال والأعمال والأحوال أثمرت وأعقبت من الفضائل والفوائد والثمار شيئاً كثيراً به تصلح الدنيا والآخرة دار القرار وما يشحذهم أولي الأبصار إلى صراط العزيز الغفار.
أيها المؤمنون:
إن من فوائد التقوى وثمارها أنها سبب لتيسير العسير قال الله - تعالى -: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً"))التغابن
وتقوى الله تعالى سبب لتفريج الكروب وإيجاد المخارج والحلول عند نزول الخطوب وهي سبب لفتح سبل الرزق قال الله - تعالى -: ((مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)) الطلاق
فتقوى الله سبب لنجاة العبد من الهلاك والعذاب والسوء قال - تعالى -: ((وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"))الزمر(1/31)
وهي سبب لتكفير السيئات ورفع الدرجات والفوز بالغرف والجنات قال - تعالى -: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً))
فاتقوا الله عباد الله فإن تقوى الله - تعالى - هي أكرم ما أسررتم وأعظم ما ادخرتم وأزين ما أظهرتم.
وقال تعالى -: ((قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد)).
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى
ولاقيت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله
وأنك لم تُرصد كما كان أرصدا
وكل من أراد العز في الدين والدنيا والبركة في الرزق والوقت والعمل فعليه بتقوى الله تعالى فإنها من أعظم ما استنزلت به الخيرات واستدفعت المكروهات.
قال الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))
إن تقوى الله تعالى هي خير ما يقدم به العبد على الله يوم العرض ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))
فإن تقوى الله تعالى أعظم جنة يحتمي بها العبد في ذلك اليوم. قال ابن القيم - رحمه الله -:
فتقوى الله سبب لنجاة العبد من الهلاك والعذاب والسوء
قال تعالى ((وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"))
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم اجعل لنا وللمسلمين من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، اللهم فرج هم المهمومين، واقضِ الدين عن المدينين، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وللمسلمين.(1/32)
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانبة
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله فإن تقوى الله - تعالى - هي أكرم ما أسررتم وأعظم ما ادخرتم وأزين ما أظهرتم.
التقوى سبب في توفيق العبد في الفصل بين الحق والباطل ومعرفة كل منهما: قال تعالى -((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا))29 سورة الأنفال
وقال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَءَامِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ))28سورة الحديد.
التقوى سبب لعدم الخوف من ضرر وكيف الكافرين: قال - تعالى ((وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ))120 سورة آل عمران.
التقوى سبب لنزول المدد من السماء عند الشدائد ولقاء الأعداء:قال - تعالى (( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))
التقوى سبب لتعظيم شعائر الله، قال تعالى ((وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ )) 32 سورة الحج
التقوى سبب لنيل رحمة الله، وهذه الرحمة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة: قال تعالى -)( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)) 156سورة الأعراف".
التقوى سبب للإكرام عند الله - عز وجل -: قال تعالى ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير)) 13 سورة الحجرات(1/33)
وجعل الله عز وجل التقوى هي الميزان عنده في التفاضل بين الناس فقال عز وجل ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير)) 13 سورة الحجرات
وسُئِل النبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟من أرفعهم حسباً؟ فقال: الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قالوا ليس عن هذا نسأل، بيّن لهم بعد ذلك فقال عندما سُئِل من أكرم الناس؟ قال: (( أتقاهم لله)) رواه البخاري
فالفضل والكرم إنما هو بتقوى الله لا بغيره من الانتساب للقبائل ولذلك
فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى
تقلب عرياناً ولو كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه
ولا خير فيمن كان لله عاصيا
وذُكِر أن سلمان رضي الله عنه كان يقول:
أبي الإسلام لا أبَ لي سواه
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
التقوى سبب للفوز والفلاح: قال - تعالى ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون )))52 سورة النور
إنها سبب للنجاة يوم القيامة من عذاب الله: قال - تعالى -((وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)) 72سورة مريم"،
وقال تعالى -(( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى)) 17سورة الليل".
إنها سبب لقبول الأعمال: قال - تعالى -((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)) 27 سورة المائدة".
التقوى سبب قوي لأن يرثوا الجنة
قال تعالى -(( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ))63سورة مريم".(1/34)
إن المتقين لهم في الجنة غرف مبنية من فوقها غرف: قال تعالى (( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ)) 20سورة الزمر
وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) رواه الترمذي وأحمد.
إنهم بسبب تقواهم يكونون فوق الذين كفروا يوم القيامة: في محشرهم، ومنشرهم، ومسيرهم، ومأواهم، فاستقروا في الدرجات في أعلى عليين قال تعالى -(( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)) 212سورة البقرة".
إنها سبب في دخولهم الجنة: وذلك لأن الجنة أعدت لهم،
قال تعال( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )) 133سورة آل عمران"،
وقال تعالى (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيم)) ِ65 "سورة المائدة".
إن التقوى سبب لتكفير السيئات والعفو عن الزلات: قال - تعالى ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا))5"سورة الطلاق(1/35)
وقال تعالى (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيم65سورة المائدة".
إن التقوى سبب لنيل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين: قال - تعالى -((جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ))31سورة النحل".
إن التقوى سبب لعدم الخوف والحزن وعدم المساس بالسوء يوم القيامة: وقال تعالى ((أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )) 62 سورة يونس
إنهم يحشرون يوم القيامة وفدًا إليه - تعالى -: والوفد هم القادمون ركبانًا، وهو خير موفود، قال تعالى -(( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا))85سورة مريم.
إن الجنة تقرب لهم، قال تعالى (( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ))90 سورة الشعراء
وقال تعالى(( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد )) 31"سورة ق".
إن المتقين تضاعف أجورهم وحسناتهم: كما قال - تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَءَامِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) 28سورة الحديد.
عباد الله متى نصل الى التقوى
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس)رواه الترمذي
اللهم اجعلنا من الذين يتّقونك، حتى نجني من ثمار التقوى ما يفرحنا يوم نلقاك، وأنت عنا راض.. يا حبيب المتقين.. يا رب!.
جاء رجل إلى الجنيد وقال له)إن الشيطان عارضني في صلاتي الليلة. فقال له الجنيد: لأنك لم تتق الله.(1/36)
جاء رجل إلى بشر الحافي فقال له: إني أخاف ألا يَقبل الله أعمالي، قال له بشر: إن كنت تخافه حقاً فاتق الله.
قال حكيم: لا يبلغ الرجل سنام التقوى إلا أن يكون بحيث لو جعل ما في قلبه في طبق، فطيف به في السوق لم يستح منه!
قال داود لابنه سليمان - عليهما السلام -:"يا بني! إنما تستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء:
بحسن توكّله على الله فيما نابه.
وبحسن رضاه فيما آتاه، وبحسن زهده فيما فاته. وقال - أيضاً- عليه السلام -(لو أن رجلاً اتقى مائة شيء، ولم يتق شيئاً واحداً لم يكن من المتقين قال معروف الكرخي - رحمه الله تعالى -: إذا كنت لا تحسن تتقي أكلت الربا، وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتْك امرأة ولم تغض بصرك، وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك على عاتقك.
قال ابن المعتمر:
خلّ الذنوبَ صغيرها وكبيرها فهو التُّقى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرة إن الجبال من الحصى
وسأل عمر رضي الله عنه كعبا فقال له: ما التقوى؟ فقال كعب: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقا فيه شوك؟ قال: نعم. قال: فماذا فعلت؟ فقال عمر رضي الله عنه : أشمر عن ساقي، وانظر إلى مواضع قدمي وأقدم قدما وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة. فقال كعب: تلك هي التقوى.
تشمير للطاعة، ونظر في الحلال والحرام، وورع من الزلل، ومخافة وخشية من الكبير المتعال سبحانه
عبد الله كيف تكون تقيّاً؟
أولا أن تحب الله أكثر من أي شيء.
ثانيا أن تستشعر مراقبة الله دائماً.
ثالثاً أن تعلم عاقبة المعاصي.
فتأمل مافي الذنوب من الآلام والمصائب ؛ يقود إلى التقوى ولو كان فيها لذّة..
تفنى اللذاذة ممن نال لذتها
من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبّتها
لاخير في لذة من بعدها النار
رابعاً أن تتعلم كيف تقاوم هواك وتتغلب عليه.
خامساً أن تدرك مكائد الشيطان و وساوسه
أسال الله العلي القدير أن يجعلنا من عباده المتقين(1/37)
هذا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك فقال في كتابه الكريم: ((إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً)) الأحزاب:56
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إ
الروضة الرابعة
فأستقم كما أمرت
الحمد لله المحمود بكل لسان المعبود في كل مكان الذي لا يشغله شأن عن شأن سبحانه جل عن الاشباه والانداد وتنزه عن الصاحبة الاولاد .
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وأشهد ان نبينا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام .
اما بعد عباد الله اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون وبعد :-
عباد الله الاستقامة موضوع عظيم، جدير بكل مؤمن، العناية بالاستقامة، والحرص على ذلك في جميع الأوقات، وسؤال الله - جل وعلا - والضراعة إليه بطلب التوفيق لذلك.
عبد الله، إحرص على الخير، وبادر إليه وكن من أهله ، وأحذر الشر وأبتعد عنه وعن وسائله وأسبابه، وعليك بسؤال ربك والضراعة إليه: أن يمنحك العون والتوفيق.
وهذه الدنيا هي دار الابتلاء والامتحان، هي دار العمل والإعداد للآخرة. فالله خلق الخلق؛ ليعبدوه، وأرسل لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وأعطاهم عقولا وأسماعا وأبصارا، وابتلاهم بالشياطين، من الإنس والجن، والشهوات.
وهذه الدار دار عمل، ليست دار نعيم ولكنها دار عمل، هي دار الغرور،
((" فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ))
متاعها قليل، كما
قال تعالى (( أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ")) …(1/38)
و لقد أمر الله - عز وجل - عباده المؤمنين بالثبات على هذا الدين القويم، والاستقامة عليه حتى الممات، وكان على رأس الخلق إمام الموحدين، وقائد الغر المحجلين سيد المرسلين المعصوم - صلى الله عليه وسلم - حيث قال الله له"
(( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ))هود112
فاستقم كما أمرت . . أحس - عليه الصلاة والسلام - برهبتهه وقوتها حتى روي عنه أنه قال مشيرا إليها: شيبتني هود وأخواتها
فالاستقامة:عباد الله هي الاعتدال والمضي على نهج الله دون انحراف . مع اليقظة الدائمة ، والتدبر الدائم ، والتحري الدائم لحدود الطريق المستقيم
وقال أيضا"جل وعلا ((فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ))الشورى:15
كيف لا؟ وقد جعل الله لمن آمن بدينه حقا، واستقام على طريقه صدقا، الفضائل العظيمة، والمنازل الرفيعة، والدرجات العلا في يوم تزل فيه الأقدام، وتخف فيه الموازين، ولا شك أن الاستقامة من أعظم المسؤوليات، وأوجب الواجبات، التي كلفنا الله - عز وجل - بها، وأن على المرء أن يبذل جهده ويسأل ربه العفو والغفران إذا ما قصّر أو أخل في حياته بشيء منها، قال الله - عز وجل - على لسان رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ))فصلت6
وقد أخبر - عليه الصلاة والسلام - أن الناس لن يعطوا الاستقامة حقها فقال((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن))رواه ابن ماجة،
وقد تنوعت أقوال سلف هذه الأمة في تعريفها، وما المراد منها؟ فها هو أعظم الخلق استقامة بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام،(1/39)
أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يقول عنها: الاستقامة أن لا تشرك بالله شيئا، ويقول الفاروق أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب.
ويقول ترجمان القرآن وحبر هذه الأمة ابن عباس - رضي الله عنهما -: استقاموا أي أدوا الفرائض، وحقيقة الاستقامة: السداد في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد
والحق أخي المسلم : إن الاستقامة تعني التمسك بهذا الدين كله، صغيرة وكبيرة، قليلة وكثيرة، جلية وخفية والثبات عليه حتى الممات،
ورحم الله شيخ الإسلام بن تيمية يوم قال(أعظم الكرامة لزوم الاستقامة)تهذيب المدارج
نعم.. الاستقامة طريق إلى الجنة ونعيمها، والفوز بالنجاة من النار وجيحيمها.. الاستقامة تعني طاعة الكريم الرحمن، ومتابعة أشرف الرسل من ولد عدنان.. الاستقامة طريق إلى محبة الله والانقياد له وعبوديته وحب التلذذ بذكره.. الاستقامة ثبات على الدين، ولزوم لصراط الله المستقيم..
وثبات حتى الممات قال تعالى: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))
ومما يعينك عبد الله على سلوك سبيلها ونيلها والتشرف بأن تكون من أهلها ما يلي:
أولاً الإخلاص لله تعالى -:
فإن من أعظم الأصول المهمة في دين الله تعالى تحقيق الإخلاص لله تعالى إذ إنه حقيقة الدين، ومفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين"البينة:5
وهو مما ينبغي للعبد المجاهدة فيه حتى يُرزق تمامه، سئل سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله تعالى - أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب.
ثانياً متابعة المعصوم - صلى الله عليه وسلم -:
قولا وفعلا في كل ما يأتي الإنسان ويذر في حياته، فلا يكمن حب المسلم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا بمتابعته - عليه الصلاة والسلام(1/40)
(( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ))آل عمران31
ولا شك أن اتباع هدي المعصوم - صلى الله عليه وسلم - واقتفاء أثره في الأقوال والأعمال والأحوال عظيم، وطريق جليل لنيل الاستقامة والثبات عليها، وحق لمن فارق السنة أن يفارق الدليل، ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل.
ثالثاً فعل الطاعات واجتناب المحرمات:
فإن مما يعين العبد المسلم إلى الوصول إلى الاستقامة وتحقيقها محافظته على الطاعات فرائض كانت أو نوافل، وهي مما أهمّ الوسائل التي تجلب للعبد محبة سيده ومولاه((ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه))رواه البخاري
فإذا أحب الله عبدا أعانه وسدده ووفقه للاستقامة على دينه، كما أن اجتناب المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها جليِّها وخفيِّها له الأثر الكبير في تحقيق معنى الاستقامة، إذْ يقول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)) رواه أحمد
رابعاً العلم:
وأفضله بلا شك: علم الوحيين الكتاب والسنة، الذي هو أفضل القربات إلى الباري - جل وعلا وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وبه تحيا القلوب، وتُعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال والحرام، وهو الدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، وهو الصاحب في الغربة، والحديث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، وبه يعرف العبد ربه، ويوحده ولا يعبد غيره ويأنس به ولا يلتجأ إلى سواه، ورحم الله عمرو بن عثمان المكي يوم قال"العلم قائد، والخوف سائق، والنفس حرون بين ذلك جنوح خداعة، رواغة، فاحذرها وراعها بسياسة العلم، وسقها بتهديد الخوف يتمّ لك ما تريد) تهذيب مدارج السالكين(1/41)
خامساً مصاحبة الصالحين: إن من أهم ما يعين على الاستقامة مصاحبة الصالحين ومجالستهم وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم قال((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))رواه أبو داود
سادساً الدعاء: وهو السلاح الخفي للمؤمن، وحقيقته: إظهار العبد افتقاره إلى سيده ومولاه، وهو سمة من سمات المحسنين المستقيمين
قال تعالى
((وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ))الأعراف56 وليس شيء أكرم على الله من الدعاء، فهو من أجلّ وأهمّ الأسباب الجالبة للاستقامة بإذن الله تعالى ، كيف لا؟ والعبد يقرأ في كل ركعة من صلاته((اهدنا الصراط المستقيم))
اهدنا الصراط المستقيم . . وفقنا إلى معرفة الطريق المستقيم المصل اليك ؛ ووفقنا للاستقامة عليه بعد معرفته . . فالمعرفة والاستقامة كلتاهما ثمرة لهداية الله ورعايته ورحمته .
والتوجه إلى الله في هذا الأمر هو ثمرة الاعتقاد بأنه وحده المعين . وهذا الأمر هو أعظم وأول ما يطلب المؤمن من ربه العون فيه . فالهداية إلى الطريق المستقيم هي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين . .
صراط من : صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . . فهو طريق الذين قسم لهم نعمته . لا طريق الذين غضب عليهم لمعرفتهم الحق ثم حيدتهم عنه . أو الذين ضلوا عن الحق فلم يهتدوا أصلا إليه . . إنه صراط السعداء المهتدين الواصلين . .
ورحم الله إمام أهل البصرة الحسن البصري، كان إذا قرأ هذه الآية (فاستقم كما أمرت) كان يقول: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة
روى الإمام أحمد والنسائي عن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً غيرك.
قال صلى الله عليه وسلم ((قل آمنت بالله ثم استقم))
قلت فما أتقي؟ أي: أتوقى شره، فأومأ إلى لسانه..(1/42)
والاستقامة: الإقامة والملازمة للسير على الصراط المستقيم الذي جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهدي إليه كما قال - تعالى - :
((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ))الشورى53
وقال تعالى ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))الأنعام153
إنه صراط واحد صراط الله وسبيل واحد يؤدي الى الله طريق التوحيد والعبودية لله وحده
فالماشي على الصراط المستقيم لا يحيد يمنة ولا يسرة فيضل ويقع في المتاهات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفَى,وصلاةً وسلاماً على عبادِه الذين اصطفى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له العليّ الأعلى, وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله, صاحب النّهج السوي والخلق الأسنى, صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه.
وبعد
عباد الله لو تأملنا هذه الاية المباركة وهي
قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ))فصلت30) لوجدنا إشراقات كثيرة منها:
1 - ألا تخافوا من ردّ حسناتكم فهي مقبولة، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإنها مغفورة.
2 - ألا تخافوا مما تقدمون عليه، ولا تحزنوا على ما خلفتم في الدنيا.(1/43)
وهذه التنزلات الملكية بالأمان من المخاوف ومن الأحزان، وبالبشائر تتوارد عليهم وتتوالى وتتابع في جميع أحوالهم وفي حالات المخاوف، وأشدها عند الموت وفي القبر وعند البعث، ففي هذه المواطن الثلاثة المخيفة المغمّة يكونون في أمان وسلام ويستبشرون بالأمن والأمان من الرحيم المنان.
3- نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا.. فكيف ذلك؟
إن الملائكة أحباؤنا الذين يدعون لنا بالخير، ويلهموننا إياه ويحسّنون لنا الحسن، ويحذروننا من الشر حين كان الشيطان يزيّنه لنا، يدل على ذلك ما جاء في الحديث الشريف الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ("إن للشيطان لمّة بابن آدم، وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد من ذلك شيئاً - أي الإيعاد بالخير والتصديق بالحق - فليعلم أنه من الله تعالى ، فليحمد الله تعالى . ومن وجد الأخرى - أي لمة الشيطان - فليتعوذ بالله من الشيطان)ثم قرأ ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاًوَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))البقرة268
والملائكة يحضرون مجالس العبادة والصلاة وتلاوة كتاب الله، كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم:
((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.)).
والملائكة هم معناإن كنا من أهل الاستقامة والثبات في الآخرة.. فكيف ذلك؟
إنهم يكونون معنا في قبورنا، يلاطفوننا ويؤانسوننا، ويحتفون بنا، لئلا تعترينا وحشة في القبور، وفي الحشر والنشر، ويصاحبوننا في سيرنا على الصراط المستقيم حتى نصل إلى الجنة إن شاء الله تعالى وتتلقانا ملائكة الجنة فندخلها بسلام وأمان قال تعالى - :(1/44)
((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ))الزمر73
وهم الملائكة يشهدون للمؤمنين عند ربهم بطاعتهم وعبادتهم وأذكارهم وتلاوة كتاب الله، لأنهم معهم يشاركونهم.
قال تعالى : ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ))غافر51 ومن جملة الأشهاد الملائكة عليهم السلام.
روى ابن ماجة عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإن أحداً لن يصلي عليّ إلا عرضت عليّ صلاته حين يفرغ منها)"رواه النسائي
وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول)رواه البخاري
فالاستقامة نور في الحياة الدنيا، وعزة وكرامة في الآخرة ومنازل الأبرار في الجنة. اللهم اجعلنا من أهل الاستقامة. يارب العالمين
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه
فقال ((ِانَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))الأحزاب56
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
الروضة الخامسة
محاسبة النفس
الحمد لله الكريم الفتاح أهل الكرم والسماح المجزل لمن عامله بالارباح سبحانه فالق الإصباح وخالق الارواح .
احمده سبحانه على نعم تتجدد بالغدو والرواح واشكره على ما صرف من المكروه وازاح وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة بها للقلب انفساح وانشراح(1/45)
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله الذي ارسل بالهدى والصلاح اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله واصحابه ما بدا نجم ولاح .
اما بعد
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحه مباركه تبيض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل
يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا
يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن
نسأل الله عزوجل بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا وأن يكِره إلينا الفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين .
ثم اما بعد
يقول الله ((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) الأنبياء:47،
وقال تعالى: ((أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)) الرعد:33.
أيها المسلمون : إن الله سيحاسبنا على كل شيء على الصغير والكبير والفتيل والقطمير
فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.
أصحاب القلوب السليمه والعقول الواعية عرفوا أن الله لهم بالمرصاد
فعرفوا أنه لن ينجيهم إلا لزوم المحاسبة ومطالبت النفس ومحاسبتها على الأنفاس والحركات
قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) الحشر:18
تأمل يا عبد الله هذه الأيه التي أشارت إلى تقوى الله فيما مضى من عمرك من أعمال والنظر والمحاسبة فيما قدمت لأخرتك والله خبيرٌ بما تعمل في هذه اللحظة.
قال عمر الفاروق أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعما لكم قبل أن توزن عليكم وتهيئوا للعرض الأكبر (( يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافيه ))(1/46)
قال الفضيل بن عياض: من حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه وحضر عن السؤال جوابه وحسن منقلبه ومأبه ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته وأكيس الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها وعمل لما بعد الموت واشتغل بعيوبه وإصلاحها
عباد الله : ينبغي للعاقل أن يكون له في يوم ساعة يحاسب فيها نفسه كما يحاسب الشريك شريكه في شئون الدنيا فكيف لا يحاسب الأنسان نفسه في سعادة الأبد وشقاوة الابد نسأل الله أن يجعلنا من الأبرار والسعداء
قال ميمون بن مهران: لايكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه .
ومن فوائد محاسبة النفس يا عباد الله إنها تعرِّف الإنسان بنعمة الله عليه فيشكرها، ويستخدمها في طاعة الله ويحذر من التعرض لأسباب زوالها قال تعالى ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)) [إبراهيم:7].
فبداية المحاسبه أن يقيس العبد ويوازن بين نعم الله عليه من عافية وأمن وستر وغنى وبين ذنوبه فحينئذٍ يظهر التفاوت فيعلم العبد أن ليس له إلا عفوالله ورحمته أوالهلاك
حاسبت نفسي لم أجد لي
صالحاً إلا رجاءي رحمة الرحمن
ووزنت أعمالي فلم أجد
في الأمر إلا خفة الميزان
وبهذه المقايسة والمحاسبة يعلم العبد أن الرب رب بكرمه وعفوه وجبروته وعظمته وأن العبد عبد بذله وضعفه وفقره وعجزه وأن كل نعمة من الله فضل وكل نقمة منه عدل .
وبهذه المحاسبة يسيء العبد الظن بنفسه لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال الصلاح والتقوى فيرى المساوىء محاسن والعيوب كمالاً
فعين الرضى عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها.
فهذا صله بن أشيم يقول أحد أصحابه كنت أسمعه يقول بعد صلاة الفجر في دعاءه
(اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ومثلي لايستحق أن يطلب الجنة )(1/47)
وكلما عرف الأنسان ربه حق المعرفة عرف أن ما معه من البضاعة والطاعة مهما عظمت وكبرت وزادت لاتساوي شيء ولوجاء بعمل الثقلين لأنه أمام رب سريع الحساب.
فها هو أبوبكر يدخل مزرعة أحد الأنصار ويرى طائر يطير من شجرة إلى أخرى فيتأمل ويقول (هنيئاً لك ياطائر ترد الشجر وتأكل وتشرب وتموت ولاحساب ولاعقاب يا ليتني كنت شعرة في صدر عبدٍ مؤمن.)
وهاهو عمربن الخطاب يخاطب نفسه كما يقول أنس أني سمعته وبيني وبينه جدار وهو يحاسب نفسه ويقول (عمربن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أوليحاسبنك الله ويكررها )
قال الحسن البصري : في قوله ((وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)) القيامة:2
قال نفس المؤمن لاتلقى المؤمن إلايعاتب نفسه ماذاأردت بكلمتي ماذا أردت بأكلتي والفاجر يمضي قدماً لايعاتب نفسه
الأستغفار: أرباب البصائر أشد مايكونون ذليلين مستغفرين عقب الطاعات
فالإستغفار سمة المؤمنين كلما أذنبوا وأساؤا استغفروا ورجعوا إلى الله لإنه وحده الغافر ، قال تعالى : ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون)) آل عمران:135.
عباد الله الإستغفار ليس للعاصين فقط بل لإصحاب الطاعات.
فالمصلون بعد إتمام الصلاة الخاشعة المطمئنة يستغفروا من كل نقص وزلل في الصلاة ، وبعد رحلة الحج العظيمة والطواف والسعي ورمي الجمار قال تعالى : ((ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) البقرة:199،(1/48)
وبعد أن من الله على نبيه بالنصر والتمكين والفتح المبين أمره بالإستغفار ، قال تعالى : ((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)) سورة النصر
عبادالله :
على المؤمن أن يحاسب نفسه فالطاعة والفروض رأس المال والمعاصي هي الخسائر والنوافل هي الأرباح وليعلم أنّ كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة يمكن أن يشتري بها كنز من كنوز الأخرة
فإذا أصبح العبد وفرغ من صلاة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة فيقول لنفسه مالي بضاعة إلا العمر ولوتوفاني الله لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوماً حتى أعمل صالحاً ومن ثم ينوي فعل الخيرات ليكون من الرابحين.
فهذا الربيع بن خثيم كان له تحت سريره حفرة كلما رأى من نفسه إقبالاً على الدنيا نزل فيها وكأنه في قبره ويصبح ويبكي وكأنه في عداد الموتى ويقول رب ارجعون رب ارجعون ثم يصعد من الحفرة ويقول يانفس هاأنت في الدنيا فاعملي صالحاً
ويقول إبراهيم التيمي مثلت لنفس كأني في الجنة أكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأطوف في وديانها وأعانق أبكارها ثم مثلت لنفسي وكأني في النار أكل من زقومها وأشرب من حميمها وأصيح بين أهلها ثم قلت يانفس أي دار تريدين فقالت أعود إلى الدنيا فأعمل صالحاً كي أنال الجنة فقلت يانفسي هاأنت في الدنيا فأعملي.
الخطبة الثانيه :-
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه
وبعد
عباد الله
لنستمع ونفقه هذه الآيات التالية. قال تعالى قال تعالى: ((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِرَامًا كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)) الانفطار:10-12،(1/49)
وقال عز وجل: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) ق:16-18
وقال سبحانه وتعالى: ((وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) لجاثية:28، 29،
وقال تعالى: ((وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ)) لبقرة: 284
وقال تعالى: ((وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِى السَّمَاء وَالأرْضِ إِلاَّ فِى كتابٍ مُّبِينٍ)) النمل:75،
وقال تعالى: ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ)) غافر:19،
وقال جل وعلا: ((يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السماواتِ أَوْ فِى الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)) لقمان:16
وقال تعالى: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه)) الزلزلة:7، 8، وقال تعالى: ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءوفُ بِالْعِبَادِ)) آل عمران:30،(1/50)
وقال جل وعلا: ((وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا))
الإسراء:13، 14،
وقال تعالى: ((وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)) الكهف:49 وقال تعالى: ((وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا)) النبأ:29.
فياعبدالله حاسب نفسك قبل أي عمل تقوم هل هو لله أم لدنيا أم لشهوة فإن كان لله فاستعن بالله ثم حاسب نفسك أثناء العمل وأخلص النية.
وأخيراً حاسب نفسك بعد العمل أن لايخالطه عجب ولارياء ثم استغفر من كل نقص .
ومن فوائد محاسبة النفس يا عباد الله أنها تذكر الإنسان وتبعث فيه الاستعداد للقاء الله - عز وجل - الذي سوف يكون بين يديه الحساب هاهو الأحنف بن قيس كان يجيء بالمصباح فيضع أصبعة ثم يقول حس يا حنيف ما حملك على مافعلت يوم كذا ويوم كذا آلك قدرة على النار
ها هو عبدا لله بن رواحه لما قتل جعفر بن أبي طالب في معركة مؤته قام بن رواحه وأخذ القيادة ولم يكن قد ذاق طعاماً قبل ذلك ثم تقدم وقاتل فأصيبت إصبعية فارتجز وجعل يقول
هل أنت إلا إصبع دميت
وفي سبيل الله ما لاقيت
يا نفس إلا تقتلي تموتي
هذا حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد لقيت
إن تفعلي فعلهما هديت
وإن تأخرت فقد شقيت
ثم قال يا نفس إلى أي شيء تتشوقين إلى فلانة فهي طالقة ثلاثة إلى فلان وفلان العبيد هم أحرار لوجه الله إلى البيت الفلاني هو لله ولرسوله
يا نفس مالك تكرهين الجنة أقسم بالله لتنزلنه
طائعة أو لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنة
هل أنت إلا نطفة في شنة قد أجلب الناس وشدوا الرنه(1/51)
هاهو يزيد الرفاشي كان يحاسب نفسه كل يوم ويتذكر الآخرة ويقول ويحك يا يزيد من ذا يصلي عنك بعد الموت من ذا يصوم عنك بعد الموت من ذا سيتصدق عنك بعد الموت من الموت طالبه من القبر بيته من الدود أنيسة من التراب فراشه من منكر ونكير جليساه
ثم يقول أيها الناس ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم ما تبقى من حياتكم ,ثم يبكي بكاء شديدا .
وهاهو تابعي اخر بلغ من العمر 60 سنة فحاسب نفسه وحسب ايام عمره فإذا هي 21500زادت على العشرين الف يوم
الله اكبر فصرخ وقال ياويلتا
لو عصيت الله في اليوم بذنب واحد ءالقى ربي بعشرين الف ذنب فكيف لو كان في اليوم عشرة ذنوب او مائة ذنب ثم خر مغشيا عليه .
وقال محمد بن واسع لو كان للذنوب ريح ما قدر احد ان يجالسني .
اخي الحبيب حاسب نفسك لتعرف رصيدك من الخير والشر
حقوق الله هل وفيتها .
حقوق العباد هل اديتها .
ما حالك مع الصلاة هل تؤديها بشروطها واركانها .
متى اخرمرة بكيت من خشية الله فعينان لا تمسهما النار احداها عين بكت من خشية الله
ما حالك مع كتاب الله ولا تكن ممن قال الله تعالى عنهم لسان نبيه ((:وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)) الفرقان:30.
ما حالك مع النوافل والمستحبات فهي علامة الايمان وطريق محبة الرحمن .
يقول الحسن البصري في قوله تعالى
((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) ق:
يابن ادم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان احدهما عن اليمين وعن الشمال فصاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات فأعمل ما شئت أقلل او اكثر فإذا مت طويت صحيفتك حتى يوم القيامة فيقال لك إقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.(1/52)
ثم قال عدل والله من جعلك حسيب نفسك
عبد الله اجلس مع نفسك وحاسبها وقل لها يانفس اتعلمين ان كل من يلتفت الى ملاذ الدنيا ويأنس بها فمصيره الموت
يانفس اوما تنظرين الى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ثم ذهبوا
اما ترينهم كيف يجمعون مالا يأكلون ويبنون مالا يسكنون ويؤملون مالا يدركون يبني كل واحد قصرا مرفوعا الى جهة السماء ومقره قبر محفور تحت الارض .
ويحك يانفس أما تستحين من الله تزينين ظاهرك للخلق وتبارزين الله في السر بالعظائم .
ويحك اهو اهون الناظرين اليك اتأمرين الناس بالخير وانت ملطخة بالرذائل فأنظري يانفس بأي بدن تقفين بين يدي الله وبأي لسان تجيبين فأعدي للسؤال جوابا وللجواب صوابا .
يانفس اخرجي من الدنيا خروج الاحرار قبل ان تخرجي منها على الاضطرار .
عبد الله قل
انا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته المنايا ان يتوبا
انا العبد الذي اضحى حزينا على زلاته قلقا كئيبا
انا المضطر ارجو منك عفوا ومن يرجو رضاك لن يخيبا
فيأسفى على عملر تقضى ولم أ كسب به الذنوبا
وياحزناه من حشري ونشري بيوم يجعل الولدان شيبا
فيامن مد في كسب الخطايا خطاه أما ان الاوان ان تتوبا
قال مالك بن دينار مكتوب في التوراة :كما تدين تدان وكما تزرع تحصد
فتب الى مولاك من قريب فوالله ما ظلمك من جعلك حسيب نفسك
عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يقول العبد يوم القيامة : يارب الم تجرني من الظلم فيقول بلى فيقول اني لا اجيز على نفسي الا شاهدا من نفسي فيقول ((كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )) وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لاركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكّن وسحقا ,فعنكن كنت
اناضل )).
تبارك من اجرى الامور بحكمه
كما شاء لا ظلما ولا هضما
أخي فحاسب نفسك لنفسك وأخلص تخلص فالناقد بصير
العمر ينقص والذنوب تزيد وتقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد ر جل جوارحه عليه شهود(1/53)
عباد الله صلوا وسلموا على سيد البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك فقال في كتابه الكريم: ((إِنَّ اللَّهَ وَملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياايها الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً)) الأحزاب
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم...
الروضة السادسة
في ضلا ل الثقة
الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة. صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه، صلاة تشرق إشراق البدور.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى كما أمر واتركوا الفواحش ما بطن منها وما ظهر وأعلموا ان الدنيا دار ممر وأن الاخرة هي دار المقر .
((ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) آل عمران:102.
سنعيش عباد الله واياكم في ظلال الثقة بأنواعها :
الثقة بالله أيها الأحباب الكرام هي خلاصة التوكل على الله وهي قمة التفويض إلى الله ،
((وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ))غافر44
الثقة أيها المسلمون هي الإطمئنان القلبي الذي لا يخالطه شك .
الثقة هي التسليم المطلق للملك جل وعلا ، هي الإستسلام لله عز وجل .(1/54)
فهو الأعلم بما يصلحنا وهو الأعلم بما ينفعنا وما يضرنا ((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ))الملك.14
الثقة بالله هي كما قال شقيق البلخي: أن لا تسعى في طمع، ولا تتكلم في طمع، ولا ترجو دون الله سواه، ولا تخاف دون الله سواه، ولا تخشى من شيء سواه، ولا يحرك من جوارحك شيئاً دون الله؛ يعني في طاعته واجتناب معصيته
وقال بعض السلف: صفة الأولياء ثلاثة: الثقة بالله في كل شيء والفقر إليه في كل شيء والرجوع إليه من كل شيء.
الثقة بالله تعالى هي التي لقتّها الله تعالى أم موسى بقوله تعالى :
((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ))القصص 7
إذ لولا ثقتها بربها لما ألقت ولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه وينطلق به الموج إلى ما شاء الله .
لكنه أصبح في اليّم في حماية الملك جل وعلاورعايته وما كان جزاء هذه الثقة العظيمة :
قال تعالى : ((فرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))القصص 13
الثقة بالله نجدها جليّة عندما انطلق موسى ومن معه من بني إسرائيل هارباً من كيد فرعون وتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدوناً فقال بني إسرائيل وهم مذعورون مستسلمون لا مهرب ولا نجاة إنا لمدركون فرعون وجنوده من خلفنا والبحر من امامنا لكن موسى الواثق بالله وبمعية الله أرادأن يبعد الخوف والهلع ويضع مكانه السكينه والطمأنينة فأجاب بلسان الواثق قَالَ
((كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))الشعراء62
إن معي ربي يساعدني ويرعاني ويحفظني ولن يسلمني فما كان جزاء هذا الثقة العظيمة جاء الفرج من الله جل وعلا(1/55)
((فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ))الشعراء63
ونجى الله موسى وبني إسرائيل من كيد فرعون .
عباد الله الثقة بالله تتجلي جليّة واضحة في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو سيد الواثقين بالله فبينما هو في الغارو الكفار بباب الغار قال أبو بكر خائفاً يا رسول الله والله لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا فقال صلى الله عليه وسلم بلسان الواثق بالله يا ابا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا وعندئذ تنجلي قدره ذي العزة والجبروت فيرد قوي الشر والطغيان بأوهى الأسباب بخيوط العنكبوت ويُسجِل القرآن هذا الموقف قال تعالى :
((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))التوبة40
وفي عزوة الأحزاب نرى صورة المؤمنين الواثقين بربهم وبتأييده وعونه قال تعالى :
((وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ))الأحزاب22
((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))آل عمران173(1/56)
ها هو النبي صلى الله عليه وسلم يلقن الأُمة درساً في الثقة بالله فيقول لابن عباس ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)) [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح
وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)).
إن المسلم الواثق بالله يُوقن بأنّ الله لن ُيتركه ولن يُضيعه إذا ما تخلى عنه كل من في الأرض فثقته بما عند الله أكبر من ثقته بما عند الناس .
والإيمان بالله يقتضي أن يوقن العبد بأنه لا حول لأي قوة في العالم ولا طول لها إلا بعد أن يأذن الله، الإيمان بالله يقتضي أن يوقن العبد بأن هذا الكون وما فيه من أنواع القوى ما هي إلا مخلوقات مسخرة لله، تجري بأمر الله وتتحرك بقضائه وقدره. ((وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ?لْهُدَى? ءامَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقا)) الجن:13
الواثق بالله تراه دائماً هادئ البال ساكن النفس إذا ادلهمت وزادت عليه الخطوب والمشاكل فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ولسان حاله :
((قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ ))التوبة51
عباد الله
من أنواع الثقة الثقة بالنفس فعلى المسلمين أن يثقوا بأنفسهم ثقة ليس فيها خور ولا ضعف(1/57)
قال تعالى (( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ))آل عمران 139 قال الألوسي: "فلا تهنوا ولا تحزنوا ـ أيها المؤمنون ـ فإن الإيمان يوجب قوة القلب ومزيد الثقة بالله تعالى وعدم المبالاة بأعدائه".
الثقة بالنفس فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله لماذا الخور والضعف والهوان نحن الأعلون مبدأ والأعلون سنداً والأعلون منهجاً ربنا الرب الكريم العظيم ورسولنا النبي الرحيم وكتابنا القرآن الحكيم .
ها هو إبراهيم عليه السلام يضع زوجته وابنه في واد غير ذي زرع في صحراء خالية لا ماء ولا طعام ولا جيران فتقول زوجته يا إبراهيم لمن تتركنا لمن تدعنا يا إبراهيم فلم يجب فقالت يا إبراهيم ءآلله أمرك بهذا فأشار نعم قالت إذا لن يٌضيعنا والكريم جل وعلاحقاً ما ضيّعهم
قيل لإبراهيم بن أدهم ماِسر زهدك في هذه الدنيا فقال أربع :
علمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فاطمأن قلب
علمت أن عملي لا يقوم به أحد سواي فانشغلت به
علمت أن الموت لا شك قادم فاستعديت له .
علمت أني لا محاله واقف بين يدي ربي فأعددت للسؤال جواباً .
وقال عامر بن قيس : ثلاث آيات من كتاب الله استغنيت بهن على ما أنافيه
قرأت قول الله تعالى : ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ))الأنعام17
فعلمت وأيقنت أن الله إذا أراد بي ضر لم يقدر أحد على وجه الأرض أن يدفعه عني وإن اراد أن يعطيني شيئاً لم يقدر أحد أن يأخذه مني .
وقرأت قوله تعالى :
((فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ))البقرة 152
فاشتغلت بذكره جل وعلا عمّا سواه .(1/58)
وقرأت قوله تعالى : ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ))هود6
فعلمت وايقنت وازددت ثقة بأن رزقي الله لن يأخذه أحد غيري .
أسال جل وعلا أن يجعلنا وأياكم من أهل الايمان والتقوى بارك الله لي ولكم في القران العظيم 'ونفعنا وإياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم إنه تعالى جواد كريم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهدا ن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبه ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وبعد
ايها المسلمون ومن أنواع الثقة الثقة بثواب الله فالمسلم يعتقد أن أي خطوة يخطوها في سبيل الله أي تسبيحه أو تحميده أو صدقه أو حركة يتحركها لعز الإسلام فسيكتب الله له الأجر على ذلك :
((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ))التوبة120
عباد الله هل نحن واثقين كل الثقة فيما عند الله من جزاء وجنة ونعيم ؟؟؟ إذا لماذا لا نعمل لننال ذلك الجزاء .
قال الربيع بن خيثم: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له، وتصديق ذلك في كتاب الله: ((وَمَن يُؤْمِن بِ?للَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)) التغابن:11
((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ?للَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)) الطلاق:3،
((إِن تُقْرِضُواْ ?للَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَـ?عِفْهُ لَكُمْ)) التغابن:17،(1/59)
((وَمَن يَعْتَصِم بِ?للَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَى? صِر?طٍ مّسْتَقِيمٍ)) آل عمران:101، ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ?لدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)) البقرة:186.
ومن أنواع الثقة : الثقة بنصر الله فالله وعدنا بنصره إن كنّا مؤمنين وإن نصرنا دينه ورفعنا رايته فالمسلم يوقن بأن الله ناصره وناصر دينه مهما طال الزمن ومهما قويت شوكة الباطل قال تعالى : ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ))الأنبياء105
وقال تعالى (( وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ))الصافات173
وقال تعالى : ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ))غافر51
ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً .
هذا وصلوا وسلموا على المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى اله فمن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا
الروضة السابعة
مع التوبة والتائبين
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب وأشهد أن لا إلا الله القائل
((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))آل عمران135
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمد عبده ورسوله القائل :
(ايها الناس توبوا إلى الله واتسغفروا فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة)
عباد الله أوصيكم ونفسي أولاً بتقوى الله ومراقبته بالليل والنهار :(1/60)
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))النساء1
عباد الله ماذا بعد الصحة إلى السقم ماذا بعد البقاء إلا الفناء ماذا بعد الشباب إلا الهرم ماذا بعد الحياة إلا الممات .
أخوة الإيمان إنما مرض القلوب من الذنوب وأصل العافية أن تتوب .
التوبة وما أدراكم ما التوبة التوبة باب الأمل التوبة باب مفتوح
التوبة دموع حارة
:يقول تعالى ((نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الحجر49
سبحانه غفور رحيم من أعظم منه جوداً أو الخلق له عاصون يراقبهم ويكلأهم ويحفظهم كأنهم لم يعصوه
من ذ الذي دعاه فلم يجبه
من ذا الذي سأله فلم يععطيه
من ذا الذي رجاه فقطع رجاه
هو الفضل ومنه الفضل
وهو الجواد ومنه الجود
وهو الكريم منه الكرم ومن كرمه أن غفر للعاصين والسائلين واحب التوابين والمتطهرين
عباد الله
التوبة أن يقف العبد المذنب المقصر وكلّنا مذنبون وكلنّا مقصّرون يقف العبد أمام ربه التواب مُنكسر القلب خاشع الجوارح ولسان حاله ومقاله يقول ليس لي رباً سواك يقبل توتبتي من يغفر لي إن لم تغفرلي يارب العالمين من يرحمني إن لم ترحمني
إلهي لست للفردوس أهلاً
ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي توبةًواغفر ذنوبي
فإنك غافر الذنب العظيم
أيها المسلمون قد يقول لماذا نتوب ما هي معاصينا ما هي جرائمنا فأقول تتوب يا عبد الله لإن الله أمرك وأمر كل مؤمن معك .
قال تعالى : (( وتوبوا إلى الله جمعياً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ))(1/61)
تتوب لإن ميزانك سينصب أمام عينيك يوم القيامة فتوضع حسناتك في كفة وسيئاتك في كفة ولا ترجح الحسنات إلا بالتوبة النصوح التي تمحو السيئات تتوب يا عبد الله لإن الله يحب التوابين ويحب الأوابين ويحب المستغفرين تتوب يا عبد الله حتى يفرح الرب وتسعد الملائكة وتغيظ الشيطان وتُفرح الأخوان وتخزي الأعداء وتُبّيض صحيفتك وترفع درجتك وتوسع قبرك وتعلي قدرك .
تتوب يا عبد الله لإن الله يقول : (( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ))
ها هو عبد من عباد الله اطاع الله أربعين عاماً وعصاه أربعين فنظر إلى وجهه في المرآة وقد كبرت سنة وشاب شعر رأسه فقال
يا رب اطعتك اربعين وعصيتك أربعين فهل إذا جئتك قبلتني فسمع منادياً يقول له أطعتنا فقرّبناك وعصيتنا فأمهلناك وإن رجعت إلينا قبلناك
الله أكبر ما أحلم الله بنا وما أرحم الله بنا
عبد الله ! هل اتاك خبر تلك المرآة المؤمنة التي زنت وغفلت عن رقابة الله للحظات لكن حرارة الإيمان وخوفها من الرحمن أيقضت مضجعها فلم يهدأ بالها ولم يقرقرارها عصيت ربي وهو يراني كيف القاه وقد نهاني : (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ))
والمعصية تتأجج ناراً في قلبها وقبح الفاحشة تشتعل في صدرها لم تقنع بالتوبة بينها وبين ربها
فقالت يا رسول الله اصبت حداً فطهرني فينصرف عنها صلى الله عليه وسلم يمنة ويسرة ويردها
وفي الغد تأتي وتقول لم تردني يا رسول الله لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً فوالله إني لحبلى من الزنا فقال لها اذهبي حتى تلدي
فيا عجبً لأمرها تمضي الشهور والأيام وحر المعصية يتأجج في صدرها وتأتي بالصبي في خرقة تتعجل أمرها .
يا رسول الله ها قد ولدته فطهرني . عجباً لها فقال اذهبي فارضعيه حتى تفطميه سنتان ولم يطفيء حرها فلما فطمته اتت بالصبي وفي يده كسره خبز دليلاً لها وقالت قد فطمته وأكل الطعام برهانها .(1/62)
فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر بها فرجمت فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى راسها فينضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال مهلاً يا خالد فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لكفتهم .
لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له .
فصلّى عليها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ودعا لها .
عباد الله هل من توبة هل من أوبة هل من عودة فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار وليتوب مسيئ الليل .
وليست التوبة لأصحاب الفواحش والمنكرات فقط بل هي لكل مؤمن .
قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ))التحريم8
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم : (يتوب إلى الله ويستغفره في اليوم أكثر من سبعين مرة وفي رواية أكثر من مائة مرة )) رواه البخاري
وعن عمر يقول كنا نعد للنبي صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد .
رب اغفرلي وتب علي إنك انت التواب الرحيم .
والله جل وعلا ينزل إلى سماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله كل ليلة فيقول هل من تائب ما يتوب عليه هل من صاحب حاجة فأقضيها له هل من مستغفر فأغفر له
فيا عبد الله فارق المعصية وأهل المعصية ومكان المعصية .وكل ما يُذكرك بالمعصية وأكثر من قوله تعالى : (( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفرلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ))الاعراف
ارفع صوتك بالنداء
… يا رب إن ذنوبي قد كثرت
وليس لي بعذاب النار من قبل
… ولا أطيق لها صبراً ولاجلداً
فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكنتي
… ولا تذقني حراً للجهنم غدا
عبد الله
يا من عوّدت لسانك على الغيبة والنميمة وقول الزور تب إلى الله .
يا من أهملت أولادك وتركتتهم لقرناء السوء تب إلى الله .(1/63)
يا من تعودت على تأخير الصلاة بادر من الان وتب إلى الله
عبد الله يا من تعوّدت على أكل الحرام تب إلى الله وعد إلى الحلال قبل أن يهجم عليك ملك الموت
عبد الله لا تؤخر توبتك كيف بلك لو نزل بك الموت وأنت على غير توبة اعقدت مع ملك الموت عقداً بعدم مجيئة أم اتخذت عند الرحمن عهداً أن لا يقبض روحك حتى تتوب .
عباد الله ما أكثر نعم الله علينا وما أجلّها وما أشد تقصيرنا في شكرها ومع ذلك لم يحرمنا وما أكثر ما عصيناه ومع هذا لم يمنعنا .
عباد الله نحن مع من تتعامل نحن نتعامل مع الذي عرض التوبة على الكفار وفتح طريق الرجعة أمام الفجار
نحن نتعامل مع من لوعفا عن الخلق كل الخلق ما نقص من ملكه شيء القائل
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ))فاطر15
نحن نتعامل مع من رحمته سبقت غضبه
نحن نتعامل مع من اسمه التواب الغفار
عباد الله أحلى الاقوال وأجمل الافعال يوم يقول العبد يارب أذنبت يا رب أخطأت يارب أسأت فيأتي الرد سريعاً من التواب الرحيم ياعبدي غفرت عبدي سامحت عبدي عفوت
يارب
إن الملوك إذا شابت عبيدهم
في رقّهم عتقوهم عتق أبرار
وانت ياسيدي اولى بذي كرم
قد شبنا في الرق فأعتقنا من النار
عباد الله دعونا نقف وقفة تأمل مع التائبين ونعيش معهم
1-دينار العيار(1/64)
روي أن رجلاً كان يعرف بدينار العيار كانت له والدة تعظه ولا يتعظ ، فمر في بعض الأيام بمقبرة كثيرة العظام فأخذ منها عظماً مخراً فانفت في يده ففكر في نفسه ، وقال لنفسه ويحك كأني بك غداً قد صار عظمك هكذا رفاتا والجسم تراباً وأنا اليوم أقدم على المعاصي فندم وعزم على التوبة ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إليك ألقيت مقاليد أمري فاقبلني وارحمني ، ثم مضى نحو أمه متغير اللون منكسر القلب فقال يا أماه ما يصنع بالعبد الآبق إذا أخذ سيده ؟ فقالت : يخشن ملبسه ومطعمه ويغل يده وقدمه فقال : أريد جبة من صوف وأقراصاً من شعير ، وتفعلين بي كما يفعل بالآبق ، لعل مولاي يرى ذلي فيرحمني ففعلت ما طلب فكان إذا جنه الليل أخذ في بالبكاء والعويل ،
ويقول لنفسه : ويحك يا دينار ألك قوة على النار كيف تعرضت لغضب الجبار ؟ وكذلك إلى الصباح ،
فقالت له أمه في بعض الليالي : ارفق بنفسك ، فقال دعيني أتعب قليلاً لعلي أستريح طويلاً يا أمي ، إن لي موقفاً طويلاً بين يدي رب جليل ، ولا أدري أيؤمر بي إلى الظل الظليل أو إلى شر مقيل إني أخاف عناء لا راحة بعده ، وتوبيخاً لا عفو معه ،
قالت : فاسترح قليلاً فقال : الراحة أطلب ؟ اتضمنين لي الخلاص ؟ قالت فمن يضمنه لي ؟ قال فدعيني وما أنا عليه ، كأنك يا أماه غداً بالخلائق يساقون إلى الجنة وأنا أساق إلى النار فمرت به في بعض الليالي في قراءته (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانو يعملون ) ففكر فيها يحبها فقلت : قرة عيني أين الملتقى ؟
فقال بصوت ضعيف : إن لم تجديني في عرصه القيامة فاسألي مالكاً عني ثم شهق شهقة مات فيها فجهزته وغسلته ، وخرجت تنادي : أيها الناس هلموا إلى الصلاة على قتيل النار ، فجاء الناس ، فلم ير أكثر جمعاً ولا أغز دمعاً من ذلك اليوم .أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبه الثانية(1/65)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
لا زلنا وأياكم في رحاب التائبين
2-توبة امرأة بارعة الجمال أرادت أن تفتن الربيع بن خثيم .
أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم لعلها تفتنه ، وجعلوا لها ، إن فعلت ذلك ، ألف درهم ، فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده فنظر إليها فراعه أمرها ، فأقبلت عليه وهي سافرة ، فقال لها الربيع كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك ؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين ؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير ؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشياً عليها ، فو الله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم تاتت كأنها جذع محترق .
3-توبة شاب مسرف على نفسه على يد إبراهيم بن ادهم .
روي أن رجلاً جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له : يا أبا إسحاق إني مسرف على نفس ، فأعرض على ما يكون لها زاجراً ومستنقذاً لقلبي قال : إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية ولم توبقك لذة قال : هات يا أبا إسحاق !
قال : أما الأولى : فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه ، قال : فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه ؟ قال : يا هذا ! أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه ؟
قال : لا هات الثانية .
قال : إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً من بلاده قال الرجل : هذه أعظم من الأولى ! يا هذا إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين اسكن ؟ قال : يا هذا! أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتعصيه ؟ قال لا ، هات الثالثة .(1/66)
قال : إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعاً لا يراك فيه مبارزاً له فاعصه فيه قال : يا إبراهيم ! كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر ؟ قال يا هذا أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتصعيه وهو يراك ويرى ما تجاهر به ؟ قال : لا هات الرابعة .
قال : إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فق له : أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً واعمل لله عملاً صالحاً قال : لا يقبل مني ! قال يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب ، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير ، فكيف ترجو وجه الخلاص ؟ قالت : هات الخامسة :قال : إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم قال : لا يدعونني ولا يقبلون مني قال : فكيف ترجو النجاة إذا ؟ قال له : يا إبراهيم حسبي حسبي أنا استغفر الله واتوب إليه ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما .
4-توبة ثعلبة بن عبد الرحمن .
عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال :(1/67)
أسلم فتى من الأنصار يقال له : ثعلبه بن عبد الرحمن : قال : وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويخف له وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة له فمر بباب رجل من الأنصار فرأى امرأة من الأنصار تغتسل وخاف أن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع فخرج هارباً على وجهه فأتى جبالاً بين مكة والمدينة ففقده النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وإن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إن رجلاً من أمتك بين هذه الجبال يتعوذ بي فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عمر ، ويا سلمان انطلقا فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن ، فخرجاً من أنقاب المدينة فلقيا راعياً من رعاة المدينة يقال له ذفافة فقال له عمر : هل لك علم بشاب بين هذه الجبال يقال له : ثعلبة ؟ قال : لعلك تريد الهارب من جهنم فقال له : وما ملك بأنه هارب من جهنم ؟ قال لإنه إذا كان جوف الليل خرج علينا من بين هذه الجبال واضعاً يده على أم رأسه وهو ينادي ياليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد ولم تجردني لفصل القضاء فقال عمر : إياه نريد فانطلق بهما فلما كان في جوف الليل خرج عليم من بين تلك الجبال واضعاً يده على أم رأسه وهو ينادي يا ليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد ولم تجردني لفصل القضاء قال فغدا عليه عمر فاحتضنه فقال : يا عمر هل علم رسول الله بذنبي ؟ قال لا علم لي ، إلا أنه ذكرك بالأمس فأرسلني وسلمان في طلبك قال : يا عمر لا تدخلني عليه إلا وهو في الصلاة فابتدر عمر وسلمان الصف لما سمع ثعلبة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم خر مغشياً عليه فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم :(1/68)
قال : (يا عمر يا سلمان ما فعل ثعلبه ؟ قالا : ها هو ذا يا رسول الله فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحركه فانتبه . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما غيبك عني )) قال : ذنبي يا رسول الله قال : أفلا أدلك على آية تمحو الذنوب والخطايا )) قال : بلى يا رسول الله قال : قل :
(( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ))
قال : ذنبي يا رسول الله اعظم قال بل كلام الله أعظم )) ثم أمره بالإنصراف إلى منزله فمرض ثمانية أيام ثم إن سلمان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل لك في ثعلبة فإنه لما به به قد هلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((قوموا بنا إليه )) فدخل عليه فأخذ رأسه فوضعه في حجره فأزال رأسه عن حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ((لم أزلت رأسك عن حجري )) قال : لأنه ملآن من الذنوب قال : ما تشتكي ؟ قال : مثل دبيب النمل بين عظمي ولحمي وجلدي قال : ما تشتهي ؟ قال : مغفرة ربي قال : فنزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطيئة لقيته بقرابها مغفرة قال فأعلمه النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم قال : فصاح صيحة فمات قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله وكفنه فما صلى عليه جعل يمشى على أطراف أنامله فلما دفنه ، قيل له : يا رسول الله ، رأيناك تمشي على أطراف أناملك قال : (( والذي بعثني بالحق نبياً ما قدرت أن
أضع قدمي على الأرض من كثرة من نزل من الملائكة لتشييعه ))اللهم اجعلنا من التائبين يارب العالمين
عبد الله :
1-جدد توبتك كل ليلة قبل أن تنام وحقق شروطها فلعلها تكون آخر موتة .
2-عبد الله رد الحقوق المغتصبة إلى أصحابها فهذا من تمام التوبة
3-عبد الله من لزم الإستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب .(1/69)
4- عبد الله اتبع السيئة الحسنة تمحها امسح السود بالحسنات يذهبن السيئات .
5-عبد الله صاحب التائبين وجالس الصالحين يذكرونك بالله فالمرء على دين خليله .
6-عبد الله لا تنس سيد الإستغفار صباحاً ومساء قل :
((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفرلي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا
وأعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
في كل يوم لنا ميت نشيّعه
نحيي بمصرعه أثار موتانا
يا نفس مالي وللاموال أجمعهاخلفي
وأخرج من دنياي عُريانا
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه
فقال (( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما))الاحزاب
الروضة الثامنة
مع الثبات واسبابه
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهدا ن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبه ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وبعد
:-أيها المسلمون
عباد الله اتقوا الله وراقبوه
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))آل
عمران102
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))النساء1
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ))الحشر18
عباد الله(1/70)
سنقف وإياكم في هذه الدقائق الغالية مع الثبا واسباب الثبات لعلنا نكون واياكم ممن ثبتهم الله على الحق حتى ماتوا عليه
نتكلم على الثبات في وقت تمر الأمة فيه بمراحل حرجة من حروب وفتن ربما لو فكر فيها الرجل العاقل لشرد ذهنه وانخلع قلبه مما يرى، ولكن اعلم أخي المسلم أن الثبات على الحق والتمسك به من صفات المؤمنين الصادقين، قال - تعالى -: ((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ))إبراهيم27
وقدوتنا في ذلك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد لاقى ما لاقى ومع ذلك كان أشد ثباتًا حتى بلغ رسالة ربه على أتم وجه.
عباد الله
إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف شاء فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)) رواه مسلم
وهذه أمُّ سلمة رضي الله عنها تحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: ((اللهم مقلبَ القلوب، ثبت قلبي على دينك))، قالت: قلت: يا رسول الله، وإنَّ القلوب لتتقلب؟! قال: ((نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا إن قلبه بين إصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله عز وجل أقامه، وإن شاء الله أزاغه)) أخرجه أحمد في مسنده الترمذي في جامعه بإسناد صحيح وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: ((يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك))، قال: فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، هل تخاف علينا؟ قال: ((نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلّبها كيف يشاء)) أخرجه الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه بإسناد صحيح(1/71)
وما سمي الإنسان إلا لِنَسْيِهِ
ولا القلب إلا أنه يتقلب
ومصداق هذا كله مشاهد ملموس في واقع الناس فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم أصبحت وزهرها يابس هشيم فبينا ترى الرجل من أهل الخير والصلاح ومن أرباب التقى والفلاح قلبه بطاعة ربه مشرق سليم إذا به انقلب على وجهه فترك الطاعة وتقاعس عن الهدى. وبينا ترى الرجل من أهل الخنا والفساد أو الكفر والإلحاد قلبه بمعصية الله مظلم سقيم إذا به أقبل على الطاعة والإحسان وسلك سبيل التقى والإيمان.
أيها الإخوة المؤمنون:
إن تذكر هذا الأمر لتطير له ألباب العقلاء وتنفطر منه قلوب الأتقياء وتنصدع له أكباد الأولياء كيف لا والخاتمة مغيّبة والعاقبة مستورة والله غالب على أمره والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: ((فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) متفق عليه
فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله
أعلموا أنه على قدر ثبات العبد على الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثباته على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذا الصراط في الدنيا يكون سيره على ذلك الصراط فمنهم من يمر مر البرق ومنهم من يمر مر كالطرف ومنهم كالريح ومنهم من يمشي مشياًومنهم من يحبو حبواً ومنهم المخدوش ومنهم من يسقط في جهنّم وهل تجزون إلا ما كنتم تعملون ولذا نحن في اليوم مرات ومرات ندعو الله أن يثبّتنا على الصراط المستقيم ونقول ((اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}))
يارب ثبّتنا على طريق الصالحين طريق الايمان طريق التقوى طريق التوحيد طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولائك رفيقاً(1/72)
فيا عباد الله عليكم أن تجتهدوا في أخذ أسباب الثبات وأن تحتفوا بها علماً بأن المقام جد خطير والنتائج لا تخالف مقدماتها والمسببات مربوطة بأسبابها وسنن الله ثابتة لا تتغير، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
فمن أسباب حصول الثبات على الحق والهدى والدين والتقى
أولاً الشعور بالفقر إلى تثبيت الله - تعالى - وذلك أنه ليس بنا غنى عن تثبيته طرفة عين فإن لم يثبتنا الله وإلا زالت سماء إيماننا وأرضُه عن مكانها وقد قال مخاطباً خير خلقه وأكرمهم عليه: ((وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً"))
وقال - تعالى -: ((إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا))
وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قوله: ((لا ومصرف القلوب)) كما روى ابن ماجه بسند جيد مما يؤكد أهمية استشعار هذا الأمر واستحضاره.
ثانيا ًومن أسباب الثبات على الخير والصلاح الإيمان بالله تعالى
قال عز وجل -: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة")). إبراهيم 27
والإيمان الذي وعد أهله وأصحابه بالتثبيت هو الذي يرسخ في القلب وينطق به اللسان وتصدقه الجوارح والأركان فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل فالالتزام الصادق في الظاهر والباطن والمنشط والمكره هو أعظم أسباب التثبيت على الصالحات
قال الله تعالى -: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)). فالمثابرة على الطاعة المداوم عليها المبتغى وجه الله بها موعود عليها بالخير والتثبيت من الله مقلب القلوب ومصرفها.
ثالثاًومن أسباب الثبات على الطاعة والخير ترك المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها(1/73)
فإن الذنوب من أسباب زيغ القلوب فقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:
((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) رواه البخاري
وأما الصغائر فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه)) رواه احمد وابن ماجه
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
رابعاًمن أسباب الثبات على الإسلام والإيمان الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلماً وعملاً وتدبراً
فإن الله - سبحانه و تعالى - أخبر بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتاً للمؤمنين وهداية لهم وبشرى قال الله تعالى -:
((قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ"))
فكتاب الله هو الحبل المتين والصراط المستقيم والضياء المبين لمن تمسك به وعمل.
خامساًومن أسباب الثبات على الصالحات عدم الأمن من مكر الله
فإن الله - سبحانه و تعالى - قد حذر عباده مكره فقال عز وجل -:
((أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ))
وقد قطع خوف مكر الله - تعالى - ظهور المتقين المحسنين وغفل عنه الظالمون المسيئون كأنهم أخذوا من الله الجليل توقيعاً بالأمان وقال الله تعالى -: ((أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ` سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ))
يا آمناً معَ قبحِ الفعل منه
هل أتاك توقيعُ أمن أنت تملكه
جمعت شيئين أمناً واتباع هوى(1/74)
هذا وإحداهما في المرء تهلكه
أما المحسنون من السلف والخلف فعلى جلالة أقدارهم وعمق إيمانهم ورسوخ علمهم وحسن أعمالهم فقد سلكوا درب المخاوف يخافون سلب الإيمان وانسلاخ القلب من تحكيم الوحي والقرآن حتى صاح حاديهم يقول:
والله ما أخشى الذنوب فإنها
لعلى سبيل العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من
تحكيم هذا الوحي والقرآن
فالحذر الحذر من الأمن والركون إلى النفس فإنه مادام نَفَسُك يتردد فإنك على خطر قال ابن القيم رحمه الله: ((إن العبد إذا علم أن الله - سبحانه و تعالى مقلب القلوب وأنه يحول بين المرء وقلبه وأنه - تعالى - كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء فما يؤمّنه أن يقلب الله قلبه ويحول بينه وبينه ويزيغه بعد إقامته
وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بقوله: ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)) فلولا خوف الإزاغة لما سألوه أن لا يزيغ قلوبهم.
سادساًومن أسباب الثبات على الهدى والحق سؤال الله التثبيت
فإن الله هو الذي يثبتك ويهديك -: فألحوا على الله - تعالى - بالسؤال أن يربط على قلوبكم ويثبتكم على دينكم فالقلوب ضعيفة والشبهات خطافة والشيطان قاعد لك بالمرصاد ولك فيمن تقدمك من المؤمنين أسوة حسنة فإن من دعائهم: ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)). وما ذكره الله - تعالى - عنهم: ((رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)). وقد كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))
أسال الله ان يثبتنا واياكم على الخير والصلاح(1/75)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله تعضيما لشانه واشهد ان محمد عبده ورسوله الداعي الى رضوانه وعلى اله واصحابه وجميع اخوانه
وبعد .لا زلنا واياكم مع اسباب الثبات
سابعاًمن أسباب الثبات على الإيمان نصر دين الله الواحد الديان ونصر أوليائه المتقين
قال الله تعالى -: ((إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ))
ونصر دين الله - تعالى - وأوليائه يكون بطرائق عديدة لا يحدها حد ولا تقف عند رسم فالدعوة إلى الله بجميع صورها نصر لدين الله وطلب العلم نصر لدين الله والعمل بالعلم نصر لدين الله وجهاد الكفار والمنافقين والعصاة نصر لدين الله والرد على خصوم الإسلام وكشف مخططاتهم نصر لدين الله والبذل في سبيل الله والإنفاق في وجوه البر نصر لدين الله والذب عن أهل العلم والدعوة وأهل الخير والصحوة نصر لدين الله وطرائق نصر دين الله وأوليائه كثيرة جعلنا الله وإياكم منهم من أوليائه وأنصار دينه ولا تحقرن من هذه الأعمال شيئاً فقاعدة الطريق اتق النار ولو بشق تمرة قال ابن القيم - رحمه الله -:
هذا ونصر الدين فرض لازم
لا للكفاية بل على الأعيان
بيد وإما باللسان فإن
عجز ت فبالتوجه والدعاء بجنان.
ثامناًومن أسباب الثبات على الهدى الرجوعُ إلى أهل الحق والتقى من العلماء والدعاة(1/76)
فهم أوتاد الأرض ومفاتيح الخير ومغاليق الشر فافزع إليهم عند توالي الشبهات وتعاقب الشهوات قبل أن تنشب أظفارها في قلبك فتوردك المهالك قال ابن القيم - رحمه الله - حاكياً عن نفسه وأصحابه: (وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه - أي شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة).
عاشراًومن أسباب الثبات على الحق والتقى الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي
فإنه لن يحصل العبد الخيرات إلا بهذا وقد أمر الله - تعالى - نبيه بالصبر فقال: ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا")) وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وما أعطي أحدٌ عطاء خيراً وأوسع من الصبر)) رواه مسلم
فالصبر مثل اسمه مر مذاقته
لكن عواقبه أحلى من العسل
الحادي عشر ومن أسباب الثبات على الحق والهدى ترك الظلم
فالظلم عاقبته وخيمة وقد جعل الله التثبيت نصيب المؤمنين والإضلال حظ الظالمين فقال جل ذكره:
((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ))إبراهيم 27
فاتقوا الظلم أيها المؤمنون اتقوا ظلم أنفسكم بالمعاصي والذنوب واتقوا ظلم أهليكم بالتفريط في حقوقهم والتضييع لهم واتقوا ظلم من استرعاكم الله إياهم من العمال ونحوهم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.(1/77)
وقال - صلى الله عليه وسلم -(( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين، قلب أبيض كالصفا، وقلب أسود مربادا كالكوز مجخيا (أي مقلوبًا) لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرًا.)) رواه احمد
وهذه صفة أهل النار ويقول - صلى الله عليه وسلم ((تعس عبد الدينار. تعس عبد الدرهم. تعس عبد الخميصة. تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)) رواه البخاري
ومن المعروف أن الدينار مملوك والعبد مالك للدينار فكيف يكون الدينار هو المالك والعبد هو المملوك؟
من ذلك يتبين لنا أن العبد إذا انشغل بجمع الدينار وتركَ عبادة الله كان عبدًا للدينار من دون الله ولذلك يدعو الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا الصنف فيقول "تعس وانتكس".
وأعجب من ذلك أن يكون المال سببًا في الانتكاس الكلي وهو الردة، فقد ثبت عند الإمام مسلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرسل عمر رضي الله عنه لجمع الزكاة فذهب إلى ابن جميل وكان فقيرًا فأغناه الله فطلب عمر منه الزكاة فمنع ولم يعترف بها قال تعالى -: (( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين (75) فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون )) التوبة: 55-57
الحادي عشر ومن أسباب الثبات على الدين والصلاح كثرة ذكر الله - تعالى
كيف لا وقد قال جل شأنه : ((أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت))(1/78)
وقد أمر الله - تعالى - عباده بالإكثار من ذكره فقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيرا ` وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ` هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً))) فذكر الله كثيراً وتسبيحه كثيراً سبب لصلاته سبحانه وصلاة ملائكته التي يخرج بها العبد من الظلمات إلى النور فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله وإحسانه.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة
اللهن ثبتنا على الطاعة يارب العالمين
وصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله فقد أمركم الله بذلك فقال - تعالى -:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
الروضة التاسعة
مـ االحافظين ـع ((1))
الحمد لله الخافض الرافع القابض الباسط المعز المذل المحيي المميت السميع البصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا إله هو إليه المصير القائل كما في الحديث القدسي : إبن ادم؛ لا تخافَن من ذي سلطان ما دام سلطاني باقيا وسلطاني لا ينفد أبدا
يابن أدم لا تخش من ضيق الرزق ما دامت خزائني ملآنة وخزائني لا تنفذ أبدا
يابن آدم لا تأنس بغيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني وإن أنست بغيري فتك وفاتك الخير كله اللهم قوي إيماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا وثقل موازيننا
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد رسول الله البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنتة إلى يوم البعث والنشور.
أما بعد:
عباد الله اتقوا الله وراقبوه(1/79)
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))آل
عمران102
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))النساء1
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ))الحشر18
سنقف وإياكم عباد الله مع الحافظين الذين مدحهم الله في كتابه ((وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))التوبة112
مع الذين حفظوا الله فحفظهم …
عبدالله
إحفظ الله يحفظك هذا واجبك؛ هذه مهمتك وتلك منته وفضله .
أنت عبده وليس لك ربا سواه وهو سيدك ومولاك ونجاتك في رضاه وأنت الفقير إليه الحقير بين يديه وهو الغني عنك المقتدر عليك فلن تعجزه في ملكه وأنت في قبضته وتحت سطوته وجبروته ولن تغيب عن سمعه وبصره وأنت في علمه وتمضي بعنايته ورعايته ولن تستغني عنه وأنت من خلقه وتأكل من رزقه وتتقلب في نعمته فأنت إما إلى غضبه ونقمته وذلك من تمام عدله أو إلى رحمته ومنته وذلك من كمال فضله .
احفظ الله يحفظك : إحفظ الله يعني إحفظ حدوده وأوامره ونواهيه فأوامره بالالتزام بها ونواهيه بالإجتناب وحدوده بالوقوف عندها .
فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه جل وعلا
قال تعالى : ((هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ }ق33 -32
وقال تعالى(1/80)
((التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))التوبة112
عبد الله :
إحفظ الله بطاعته يحفظك من معصيته
إحفظ الله بأكل الحلال يحفظك من الحرام
إحفظ الله بصحبة الصالحين يحفظك من الطالحين
إحفظ الله يحفظك في العاجلة والآجلة
أحفظ الله يحفظك من كل شبهه وشهوه
من حفظ الله في صباه حفظه الله عند ضعفه وقوته
من حفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى حفظه الله
من حفظ ما بين فكيه وفخذيه حفظه الله .
إحفظ الله يحفظك فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين
اسمع الى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح
وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)).
1))إحفظ الله في إيمانك
واعلم أن الله لم يخلقك عبثا ولن يتركك سدى
((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ))المؤمنون115
إنما خلقك يا عبد الله لغاية عظيمة ومهمة جسيمة ألا وهي عبادتهالتي هو في غاية الغنى عنها وانت في امس الحاجة اليها
وأي شرف أعظم وأي مكانة ارفع من أن تكون عبدا لله .
ومما زادني شرفا وتيها
… وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي
… وأن صيرت أحمد لي نبيا(1/81)
2))إحفظ الله في صلاتك
فإنها الفيصل بين الإسلام والكفر وأداؤها علامة الهداية وتركها علامة الغواية والضلالة فهي الصلة بين العبد وربه فإذا تركت انقطعت الصلة ولا يبالي الله في أي واد
هلك تاركها .
أمرنا الله بحفظها والمحافظة عليها ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ))البقرة
((والذين هم على صلواتهم يحافظون ))المؤمنون
وقال صلى الله عليه وسلم :
((من حافظ عليهن كَن له نورا ونجاة يوم القيامة )) رواه احمد بسند صحيح
أخي المسلم ستكون من الحافظين للصلاة بثلاث :
أن تؤديها في وقتها - تكون في جماعة - تؤديها بخشوع وسكينة .
3))أحفظ الله في طهارتك
فإن الوضوء أمانة والغسل أمانة .
قال صلى الله عليه وسلم : ((لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) رواه احمد وابن ماجه
فيا عبد الله كن متطهرا طاهرا يحفظك الله من شياطين الأنس والجن .
ولا تنس أن تذكر الصحابي الجليل بلال بن رباح حين قال النبي صلى الله عليه وسلم له يا بلال إني أسمع دف نعليك في الجنة فما ارجى عمل عملته في الإسلام قال يا رسول الله ما أحدثت في ساعة من نهار إلا توضأت وما توضأت إلا صليت بذاك الوضوء ركعتين .
الله أكبر أين المشمرون للجنان ولرضا ربهم المنان .
4- إحفظ الله في جارحة النظر
فلا تقلب البصر فيما حرم الله ولا تتبع به عورة مسلم فإنه من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره .
إحفظ الله في بصرك فلا تنظر إلى امرأة لا تحل لك من أولئك النساء المتبرجات اللائي نزعن من الحياء وكشفن الغطاء وعرين أجسادهن وأصبحن مطمعا لكل فاجر مبتذلات لكل ناظر فهن كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها
فيا عبد الله لا تتبع النضرة النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك .
((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ))النور30…(1/82)
كل الحوادث مبدأها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها
…… فعل السهام بلا قوس ولا وتر
يسر ناضره ما ضر خاطره
…… لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
4))- إحفظ الله في سمعك
فلا تسمع به ما حرم الله .
نزه سمعك عن كل ساقط من القول وقبيح من الحديث فإنه عارية مستردة ونعمة مستوفاه وأنت مسؤل عنها يوم القيامة
((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ))الإسراء36
أخي :
أحذر كل الحذر من أن تصغي بسمعك للمعازف والغناء فإنها تصد عن ذكر الله وتزين للمحرمات وتغري بإرتكاب الموبقات وتفقد الإنسان مروءته وعدالته ورجولته فهي رقية الزنا ومهاد الفاحشة تقود إلى البلية وتوقع في الرزية .
فيسقط العبد بها في غضب الله وتوقعه فيما لا يحمد عقباه .
5))إحفظ الله في فرجك
فلا تقضي وطرك في فرج لا يحل لك
((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ))الإسراء32
عبد الله كن من الحافظين لفروجهم:
((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ))المؤمنون5
6))أحفظ الله في عقلك
فلا تغطه بالمسكرات ولا تحجبه بالمخدارت ولا تتلفه بالخمور قال تعالى
((إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))المائدة90
وقال صلى الله عليه وسلم :
((لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر )) رواه ابن ماجه
قال صلى الله عليه وسلم ((من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب )) رواه البخاري
وشارب الخمر إن لم يتب يسقى من ردغة الخبال وهي عصارة أهل النار
إحفظ الله عند نومك(1/83)
عبد الله هل تريد أن تنام في حفظ الله ورعايته نم على طاعة وذكر ولا تنم على معصية واقرأ آية الكرسي والمعوذات وامسح بهم على جسدك وادع الله وقل : بسمك ربي وضعت جنبي وباسمك ارفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين
وفي الصحيحين عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم انه امره ان يقول عند منامه((ان قبضت نفسي فارحمها وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))
وجاء في حديث عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم علمه ان يقول )(اللهم احفظني بالاسلام قائما واحفظني بالاسلام قاعدا واحفظني بالاسلام راقدا ولا تطمع في عدوا ولا حاسدا))
عبد الله كي تكون في حفظ الله ورعايته طوال اليوم ما عليك إلا أن تصلى الفجرجماعة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله .)) رواه مسلم
7))- إحفظ الله في زوجتك وبناتك
فأنت راع ومسؤول عن رعيتك فالزمهن بالستر والعفة والطهارة فالمرأة الصالحة مملكتها بيتها المرأة الشريفية ليست بالولاجة الخراجة المخالطة للأجانب المزاحمة للرجال فتقع عرضة لذئاب البشر ينهشون أغلى ما فيها .
ثم يلقونها تحت أقدامهم وما ذلك إلا لأنها خالفت أمر ربها وعصت رسولها ولم تحافظ على نفسها وخرجت من بيتها بغير محرم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبه الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .وبعد عبد الله
8))إحفظ الله في أولادك
وعلمهم آداب الإسلام وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
جنبهم بؤر الفساد ومسببات الإنحراف وأحطهم بسياج الرفقة الصالحة وحفظهم القرآن الكريم وعلمهم السنة وأطعمهم الحلال فإنهم يصبرون على جوع الدنيا ولا يصبرون على نار جهنم .
وينشأ ناشئ الفتيان منا
……على ما كان عوده أبوه(1/84)
واعلموا ان الله قد يحفظ العبد بصلاحه بعد موته في ذريته كما قال تعالى في سورة الكهف((وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ)) الكهف 82
أي انهما حفظا بصلاح ابيهما '
روي ان سعيد بن المسيب قال لابنه لازيدنَ في صلاتي رجاء ان احفظ فيك ثم تلا هذه الايه من سورة الكهف
9))إحفظ الله في قدمك
فلا تمشي إلى حرام ولا تخط بها إلى خطيئة وأياك إياك أن تحملك هذه الأقدام إلى كاهن أو ساحر أو مشعوذا فمن ذهب إلى منجم أو مشعوذ لا تقبل منه صلاته أربعين يوما ومن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هذا ما صح عن النبي .المصطفى وإياك إياك أن تحملك قدمك إلى دعاة المعصية ودعاة الفاحشة فتضل وتزيغ
10))- إحفظ الله في بطنك
فلا تأكل أموال الناس بالباطل ولاتغذيه إلا بطريق الحلال والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وأمرنا أن نأكل من الطيبات .
إحفظ الله في بطنك فلا تأكل مال اليتم ولا تأخذ مالك عن طريق الرشوة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما)) رواه احمد والترمذي
ومالك ستسأل عنه يوم القيامة من أين اكتسبته وفيما أنفقته .
11))- إحفظ الله في لسانك
فإنه صغير الحجم عظيم الجرم وقد أوكل الله بك من يسجل كل كلمة .
قال تعالى ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ))ق
فيا عبد الله لا تتكلم بالغيبه والنميمة والسخرية والإستهزاء ولا تطعن في مسلم ولا تلعن مؤمن فالمؤمن ليس بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش البذيء
والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .
وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم .
12))- إحفظ الله في أيمانك
فلا تكثر الحلف وعظَم الله :
قال الشافعي ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا تعظيما لله عز وجل .(1/85)
إحفظ الله في أيمانك فلا تحلف بغير الله لا تحلف بالأمانة فقد قال صلى الله عليه وسلم( من حلف بالأمانة فليس منا ).رواه ابوداوود
ولا تحلف بالطلاق قال صلى الله عليه وسلم :( من كان حالفا فليحلف بالله أوليصمت) رواه البخاري
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الحافظين المحفوظين بحفظ الله ورعايته .
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه
فقال (( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما))اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
الروضة العاشرة
مع االحافظين 2
الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراساً للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكر به من الغفلة، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي كان خلقه القرآن فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيها من القول والعمل، ورضي الله عن جنده وحزبه، ومن ترسم خطاه وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران، وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد عباد الله إن كل مشكلة وكل معضلة وكل ضيق وكرب سلاحه بالإيمان والتقوى
قال جل وعلا
((وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ))آل عمران120
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ))الطلاق2
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ))الطلاق4
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ))الطلاق5(1/86)
((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ))الاعراف 96
هذا وعد الله ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثا .
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين الأبرار .
لا زلنا واياكم مع الحافظين الذين حفظوا اوامر الله وعملوا بها وحفظوا نواهي الله فأجتنبوها وحفظوا حدود الله فلم ينتهكوها فحفظهم الله في الدنيا والاخرة
قال بن الجوزي في صفة الصفوة ان رجلا رآى عصفورا يتردد على نخلة من النخلات وفي فمه شئ فاستغرب وقال العصافير لا تعشعش على النخل فلماذا يطير العصفور إلى هذه النخلة فحط العصفور على مكان مرتفع فرأى أن على النخلة حية عيماء يأتي العصفور فيصدر صوتا جميلا فتفتح الحية فمها ويضع قطعة من اللحم في فمها .
سبحان الله ، من الذي دل العصفور إنه الواحد الأحد من الذي رزق الحية إنه الحي القيوم القائل :
((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ))هود6
أخي الحبيب :
هل حفظت الله بالتوكل عليه والثقة فيما عنده يحميك من شر الأشرار ويبارك لك في رزقك .
((فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ))يوسف64
طلب أبناء يعقوب عليه السلام أخاهم يوسف فقال يعقوب عليه السلام إني أخاف أن يأكله الذئب فغاب عنه يوسف أربعين عاما .
ومرت الأيام والسنون وجاؤا لاخذ بينامين فقال خذوه فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
فأعاد الله له الأثنين يوسف وبنيامين .
احفظ الله تجده تجاهك
احفظ الله تجده امامك
من الله وحدوده وراعى حقوقه وجد الله معه في كل احواله يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويسدده قال تعالى((إنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ))النحل128(1/87)
إن الله سبحانه وتعالى مع الذين اتقوه بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى بالنصر والتأييد, ومع الذين يحسنون أداء فرائضه والقيام بحقوقه ولزوم طاعته, بعونه وتوفيقه ونصره.
وقال تعالى على لسان موسى(( قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ))الشعراء62
قيل لاحد الصالحين الاتستوحش وحدم قال من يكون الله معه لا يستوحش وهو جليس من ذكره
ها هو أبو الطيب الطبري أحد علماء الإسلام بلغ من العمر سبعين سنة وبينما هو على سفينة وصلت إلى الشاطئ لكن اليابسة بعيدها تحتاج إلى قفز وقوة فما استطاع الشباب فإذا بهذا العالم الجليل يشمر عن ساقيه ويقفز إلى اليابسة .
فاستغرب الشباب وقالوا ما هذه القوة يا شيخ ، قال هذه جوارح حفظناها وقت الصغر فحفظها الله لنا وقت الكبر .
فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
فالعين يحفظها الله إذا حفظت الله والسمع يحفظه الله ويبارك فيه يوم يحفظ الله وكذلك اليد والرجل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
ومن ضيع الله ضيعه .
أما سمعتم خبر البرامكة الذين كانوا وزراء بني عباس فأعطاهم الله المال والذهب حتى طلوا قصورهم بماء الذهب لكنهم ضيعوا أوامر الله في المعاصي داخل القصور غناء وخمر ومجون وتضييع للصلاة وزنا وفواحش فأخذهم علام الغيوب الذي يمهل ولا يهمل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الله ما أقدره ولا إله إلا الله ما أعظمه وما أجله .
فسلط الله عليهم أقرب الناس إليهم فقتل شبابهم وشيوخهم أودعهم السجن وحبس النساء في غرف.
قيل ليحيي البرمكي ما أنزلكم هذه المنزلة وقد كنتم وكنتم فقال وهو يبكي دعوة مظلوم غفلنا عنها وما غفل عنا علام الغيوب .
عبد الله :
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
………فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
…تنام عيناك والمظلوم منتبة
………يدعوا عليك وعين الله لم تنم(1/88)
قبل لعلي بن الحسين رضي الله عنه : كم بين العرش والتراب قال دعوة مستجابة يرفعها الله فوق الغمام حتى تصل إليه .
فالله خير حافظا وهو أرحم الرحمين .
من الذي يصرف الأمور إلا الله من الذي بيده مقاليد الأمور إلا الواحد الأحد من الذي بيده قلوب العباد إلا الله .
قال قتادة : من يتق الله يكن معه ومن يكن معه فمعه القوة التي لا تغلب والحارس الذي لاينام
ها هو أبوبكر يقول :ليلة الهجرة يا رسول الله لو رأى أحدهم تحت قدمه لرآنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلسان الواثق بالله تعالى يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .
لا تحزن إن الله معنا .
من يتق الله يحمد في عواقبه
……ويكفه شر منعزواو من هانوا
من استجار بغير الله في فزع
……فإن ناصره عجز وخذلان
فالزم يديك بحبل الله معتصما
……فإنه الركن إن خانتك أركان .
قال بعض الصالحين إذا أردت أن توصي صاحبك أو جارك فقل له إحفظ الله يحفظك .
قال صلى الله عليه وسلم : موصيا معاذ بن جبل :
(( اتق الله حيثما كنت ))
راقب الله في الخلوة والحلوة يكن معك في السراء والضراء .
فهو الحافظ الذي حفظ إبراهيم في لهب النار .
يرمي فيقول حسبنا الله ونعم الوكيل فيأتي الفرج ((قلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ))الأنبياء69
من الذي يطفي النار إنه الله .
من الذي يكسر الحديد إنه الله .
أرسل الحجاج جنوده إلى الحسن البصري فعلم الحسن أنها النهاية فقتل ولجأ إلى منفس الكربات وتمتم بكلمات بينه وبين الله .
وانطلق إلى الحجاج ودخل قصره وهو يتمتم بكلمات بينه وبين ربه وقد جهز الجلادين والسياف فما أن رأى الحسن حتى دعاه إلى جواره وسلم عليه وقبله في رأسه طيب لحيته وودعه بخير .
فلحقه رئيس الجند فقال يا أبا سعيد والله ما دعاك الحجاج إلا لقتلك فماذا قلت وأنت داخل : قال قلت :(1/89)
يا ذا العزة التي لا ترام ، والركن الذي لا يضام ، يا حي يا قيوم اجعل نقمة الحجاج علي بردا وسلاما كما جعلت النار بدرا وسلاما على إبراهيم
فسبحان مقلب القلوب من قلب قلب الحجاج إلا الله
إذا لماذا نذل بين يدي المخلوقين وننسي الخالق .
إذا لماذا نطرق باب المخلوقين ونسينا باب الخالق .
الذي لا يغلق .
إذا لماذا تستخف من الناس ولا تستخف من الله .
عبد الله اذا سألت فأسال الله.
أن السؤال فيه بذل لماء الوجه وذلة للسائل، وذلك لا يصلح إلا لله وحده، فلا يصلح الذل إلا له بالعبادة والمسألة، وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول في دعائه: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك، فصنه عن المسألة لغيرك.
أما من أكثر المسألة بغير حاجة فإنه يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم، كما ثبت ذلك في الصحيحين، لأنه أذهب عز وجهه وصيانته وماءه في الدنيا، فأذهب الله من وجهه في الآخرة جماله وبهاءه الحسي، فيصير عظما بغير لحم ويذهب جماله وبهاؤه المعنوي فلا يبقى له عند الله وجاهة .
الله والذي بيده خزائن السماوات والأرض، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء أحق من يسأل ويطلب منه قضاء الحوائج،
جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر))،
قال بعض السلف: إني لأستحي من الله أن أسأله الدنيا وهو مالكها، فكيف أسأل من لا يملكها؟! وكان بعض السلف يتواصون في طلب الحوائج إلا من الله، قال طاووس لعطاء: إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونك حجابه ، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك.
الله يغضب ان تركت سؤاله وبني ادم ان تسله يغضب
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية(1/90)
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه
وبعد
عباد الله
حين دخل عبدُ الله ابن علي ذلكم الحاكمُ العباسيُ دمشقَ في يوم واحد فقط من الأيام يقتلُ فيها ثمانيةً وثلاثين آلفَ مسلم.
ثم يُدخلُ الخيولَ مسجدَ بني أميةَ، ثم يتبجحُ ويقول:
من ينكرُ علي في ما أفعل؟
قالوا لا نعلمُ أحداً غير الإمامُ الأوزاعي.
فيرسل من يستدعيه، فعلمَ أنه الامتحان وعلم أنه الابتلاء، وعلم أنه إما أن ينجحَ ونجاحٌ ما بعدَه رسوب، وإما أن يرسبَ ورسوبٌ ما بعده نجاح، فماذا كان من هذا الرجل ؟
قام واغتسلَ وتحنطَ وتكفن ولبس ثيابه من على كفنه، ثم أخذَ عصاه في يده، ثم اتجه إلى من حفظه في وقت الرخاء فقال: يا ذا العزةِ التي لا تضام، والركنَ الذي لا يرام.
يا من لا يهزمُ جندُه ولا يغلبُ أوليائهُ أنتَ حسبي ومن كنتَ حسبَه فقد كفيتَه، حسبي اللهُ ونعم الوكيل.
ثم ينطلقَ وقد اتصلَ بالله سبحانه وتعالى انطلاقة الأسد إلى ذلك الحاكم.
ذاك قد صفَ وزرائَه وصف سماطين من الجلود يريد أن يقتله وأن يرهبه بها.
قال فدخلت وإذ السيوف مصلته، وإذ السماط معد، وإذا الأمور غير ما كنت أتوقع.
قال فدخلت ووالله ما تصورت في تلك اللحظة إلا عرش الرحمن بارزا والمنادي ينادي:
فريق في الجنة وفريق في السعير.
فوالله ما رأيته أمامي إلا كالذباب، والله ما دخلت بلاطه حتى بعت نفسي من الله جل وعلا.
قال فأنعقدَ جبينُ هذا الرجل من الغضب ثم قال له أأنتَ الأوزاعي ؟
قال يقولُ الناسُ أني الأوزاعي.
قال ما ترى في هذه الدماء التي سفكناها ؟
قال حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن جَدُك أبن عباس وعن ابن مسعود وعن أنس وعن أي هريرة وعن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:(1/91)
( لا يحلُ دمُ امرأ مسلمٍ إلا بأحدِ ثلاث، الثيبُ الزاني، والنفسُ بالنفسِ، والتاركُ لدينه المفارقُ للجماعة).
قال فتلمظَ كما تتلمظُ الحيةَ وقام الناس يتحفزون ويرفعون ثيابهم لألا يصيبَهم دمي، ورفعتُ عمامتي ليقعُ السيفُ على رقبتي مباشرة.
وإذ به يقول وما ترى في هذه الدور التي اغتصبنا والأموالِ التي أخذنا ؟
قال سوفَ يجردُك اللهُ عرياناً كما خلقَك ثم يسأُلك عن الصغيرِ والكبيرِ والنقيرِ والقطميرِ، فإن كانت حلالاً فحساب، وإن كانت حراماً فعقاب.
قال فأنعقدَ جبينُه مرة أخرى من الغضبِ وقام الوزراء يرفعون ثيابهم وقمت لأرفع عمامتي ليقع السيف على رقبتي مباشرة.
قال وإذ به تنتفخ أوداجه ثم يقول أخرج.
قال فخرجت فوالله ما زادني ربي إلا عزا.
ذهب وما كان منه إلا أن سار بطريقه حتى لقيَ الله جل وعلا بحفظه سبحانه وتعالى.
ثم جاء هذا الحاكم ومر على قبره بعد أن توفي ووقف عليه وقال:
والله ما كنتُ أخافُ أحداً على وجهِ الأرضِ كخوفي هذا المدفونُ في هذا القبر.واللهِ إني كنتُ إذا رأيتُه رأيتُ الأسدَ بارز.
اعتصمَ بالله وحفظَ اللهَ في الرخاء فحفظَه اللهُ في الشدة:
( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
اللهم أصالح فساد قلوبنا يا رب العالمين .
عباد الله : ما ضاعت أمة الإسلام اليوم إلا يوم ضيعنا أوامر الله ولم تحكم شرع الله .
ما ضاعت أمة الإسلام اليوم إلا يوم استنصرنا بالشرق والغرب ونسينا القوي العزيز .
ما ضاعت أمة الإسلام اليوم إلا يوم خاف المسلم أن يقول للظالم يا ظالم .
لو حفظنا الله حق الحفظ بطاعته واتباع وأمره وتحكيم شرعه لما تسلط علينا من ذلوا ومن هانا .
سلفنا الصالح حفظوا الله واعتزوا به فأعزهم العزيز .
وما اغتروا بدنيا زائلة وصدق الله القائل :
(( من كان يريد العزة فالله العزة جميعا ))
قال أحد السلف :(1/92)
لما أطعنا لن سخرت منا حتى الوحوش في البراري ولما عصينا الله سلط الله علينا حتى الفئان في جحورها .
خرج عقبة بن نافع قائدا للمسلمين ليفتح ثمان أوويفيا فلما وصل إلى هناك دخل غاية أفريقيا الموحشة وإذا بالسود في طريقة والحياة والعقارب .
فقام وصل ركعتين وخرج وصعد على صخرة وسط الغابة .
وقال أيتها الأسود أيتها السباع أيتها الحيات أيتها العقارب نحن اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جئنا لنفتح الدنيا بلا إله إلا الله فارحلوا إنا نازلون ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه .
ورآن الناس بعد ذلك عجبا رأوا أن السباع تخرج من الغابة تحمل أشبالها والذئاب تحمل أجروانها والحيات تحمل أولادها ونادى في الناس لا تؤذوهم حتى يرحلوا عنا .
الله أكبر :
بمعابد الافرنج كان آذاننا
……قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها
……سجداتنا والأرض تقذف نارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا
……لم نخش يوما غاشما جبارا
ذكر بن كثير بسند جيد أن صلة بن أشيم التابعي ، كان يغزوا في خراسان مع قتيبة بن مسلم وكان صلى بن أشيم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في عبادة وفي بكاء الله أكبر
قولوا ذلك لاهل الطرب والغناء إلى آخر الليل ولا حياء من رب الأرباب .
طوال الليل وصلة بن أشيم يصلي داخل الغابة فقام يصلي ويتنفل فأتى اسد فدار عليه فما تحول ولا تحرك وما اضطرب فلم سلم من الركعتين قال يا حيدرة إن كنت أمرت بأكلي فكلني فإنه ليس معي سلاح إلا حماية الله .
وإن كنت ما أمرت بقتلي فانطلق إلى حال سبيلك واتركني أصلي فقام الأسد فولى ذنبه وخفض صوته وذهب إلى حال سبيله فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
عبد الله
كن من الحافظين لحدود الله وأوامره يحفظك الله في الساعة التي لا مفر منها(1/93)
ساعة الموت ساعة والتفت الساق بالساق كم رأينا وسمعنا أناس حفظوا أوامر الله أدوا الصلاة في أوقاتها وصلوا الأرحام أكلوا الحلال حسنت أخلاقهم فجاءت ساعة الموت فثبتهم الله بالقول الثابت .
ونطقوا بكلمة التوحيد بكل سرور وحسنت الخاتمة .
وكم رأينا وسمعنا من أناس ضيعوا أوامر الله فصروا وقطعوا الصلاة وقطعوا الأرحام أكلوا الحرام ساءت أخلاقهم عصوا ربهم فجاءت ساعة الموت فعجزت ألسنتهم عن النطق بكلمة التوحيد وساءت الخاتمة .
اللهم احفظنا بحفظك ورعايتك واحرسنا بعينك التي لا تنام .وصلوا وسلموا على المصطفى صلى الله عليه وسلم .
الروضة الحادية عشرة
مع الخاشعين
الحمد لله الكريم الفتاح أهل الكرم والسماح المجزل لمن عامله بالارباح سبحانه فالق الإصباح وخالق الارواح .
احمده سبحانه على نعم تتجدد بالغدو والرواح واشكره على ما صرف من المكروه وازاح وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة بها للقلب انفساح وانشراح
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله الذي ارسل بالهدى والصلاح اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله واصحابه ما بدا نجم ولاح .
اما بعد
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحه مباركه تبيض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل
يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا
يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن
نسأل الله عزوجل بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا وأن يكِره إلينا الفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين .
عباد الله الخاشعين منهم الخاشعين وما وهو الخشوع وما هي صفات الخاشعين .
الخشوع أيها المسلمون هو الانكسار والذل بين يدي ملك الملوك جل و علا .
الخشوع هو الذل والانكسار للمخلوقين الضعفاء والوقوف أمام رب الأرض والسماوات .(1/94)
الخشوع هو تذلل القلوب لعلام الغيوب .
الخشوع هو أول ما يرفع من الناس كما جاء من حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم
وصدق حذيفة بن اليمان رضى الله عنه حين قال : ( أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ، ورب مصل لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعاً )
الله جل وعلا مدح الخاشعين الخائفين المنكسرين لعظمته فقال تعالى
( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )الأنبياء90
وقال تعالى ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )لأحزاب35
ومدح الله الخاشعين في أشرف العبادات وهي الصلاة فقال تعالى :
((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ا لَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ )المؤمنون2
عباد الله :-أول أسباب الفلاح في الدنيا والأخرة الخشوع في الصلاة فالصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح .
وكان يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ركوعه ((اللهم لك ركعت وبك
أ منت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري )) رواه احمد والنسائي
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ايضا يدعو ويقول (( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا تسمع )) رواة مسلم .
ويقول حذيفة بن اليمان : إياكم وخشوع النفاق : قالوا : وما خشوع النفاق ، قال :
أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع(1/95)
قال جل وعلا : (( َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ)النساء43
نزلت هذه الآية قبل أن يحرم الخمر حين كان يشرب المسلمون الخمر ثم يصلون ولا يعلمون ما يقولون ونحن أيها المسلمون اليوم لسنا سكارى بالخمر لكن نحن سكارى بالدنيا وشهواتها وملذاتها حتى لايدري المسلم وهو يصلي ما يقول وما يقرأ وما يسبح فيعبد الله وهو يسبح في وديان الدنيا .
فيا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى بالدنيا وشهواتها وأقبلوا على الله بقلوب خاشعة منيبة خاضعة .
قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين ( من صلى لله ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه )
أيها الأخوة المسلمين :
من الناس من يصلي وله خمس الأحر من صلاته ومنهم السدس ومنهم العشر بل إن منهم من يصلي ولا تقبل منه صلاته بل تلف في خرقة بالية وتقول ضيعك الله كما ضعيتني
قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل لينصرف ، وما كتب له إلا عُشر صلاته ،تُسعها ، ثُمنها، سُبعها ، سُدسها ، خُمسها ، ربُعها ، ثُلثها ، نُصفها))رواه أبو داود والنسائي
وصدق الله تعالى حين قال
((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ))الفرقان23
قال أحد التابعين : الصلاة كجارية تهدى إلى ملك من الملوك فهل تهدى جارية عمياء أو شلاء أوبكماء فهل تقبل هذه الهدية فلله المثل الأعلى الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا
عبد الله يا ساهياً في صلاتة جسمك في مصر وقلبك هائم في كل مصر صورة بلا روح جسد بلا حياة عربي النطق اعجمي الفهم مثلك مثل من طلب منه الملك جوهرة ثمينة لقاء قربة وجعله في الحاشية فأشترى حفنة تراب ووضعها في سلة قش وقدمها فلما رأها الملك غضب وكان الطردو الإبعاد بديل القرب والإسعاد
عباد الله: الاطمئنان شرط أ ساسي لقبول الصلاة(1/96)
كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد مع أصحابه يوماً .. فدخل رجل فصلى .. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه وهو يصلي
ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام .. ثم قال ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ
فرجع الرجل فصلى .. كصلاته الأولى
ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه .. فقال له : وعليك السلام
ارجع فصلِّ .. فإنك لم تصلِّ
فرجع الرجل فصلى .. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال له وعليك السلام .. ارجع فصلِّ .. فإنك لم تصلِّ
فقال الرجل : والذي بعثك بالحق .. ما أحسن غير هذا .. فعلمني
فقال صلى الله عليه وسلم : إذا قمت إلى الصلاة فكبر .. ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن .. ثم اركع حتى تطمئن راكعاً .. ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً .. ثم افعل ذلك في صلاتك كلها )) رواه البخاري..
عجباً .. فما أحوج كثير من الناس اليوم أن يقال له بعد صلاته : ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ..؟! ينقر أحدهم سجوده كنقر الغراب .. ويركع مستعجلاً كالمرتاب لا يناجي ربه في السجود .. ولا يخشع للرحيم الودود
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم((أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته )) قالوا يارسول الله كيف يسرق من صلاته يسرف من صلاتة قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها )) صحيح الترغيب والترهيب525
نعم هو أسوأ الناس سرقة لأنه يسرق في بيت الملك فأين الحياء.
وهواسوأ الناس سرقة لأنه يسرق من صلاته فيفسدها.
وهو أسو الناس سرقة لان سارق الدنيا ينتفع بما يسرق ويتمتع به ا ما هو فيسرق من حق نفسه في الثواب ويشتري بذلك العقاب في الأخرة .(1/97)
عباد الله: أسمعوا هذا الحديث العظيم عن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلاً لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي فقال (( لو مات هذا على حاله مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وآله وسلم)) صحيح الترغيب والترهيب529
……………………
الصلاة ياعبد الله
مناجاه بينك وبين الله فكيف تكون المناجاة والقلب غافل ها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تخبرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الخاشعين وامام المخبتين وتقول كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه ويلاعبنا ونلاعبه فاذا حضرت الصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه
جاء في حديث أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قمت إلى صلاتك فصلي صلاة مودع)
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أذكر الموت في صلاتك وصلى صلاة رجل لا يظن انه سيصلي صلاة غيرها)صحيح الجامع
أيها المسلمون
الخاشعون هم الذين يحضرون قلوبهم في الصلاة ويجعلون الهموم هماً واحداً للصلاة
الخاشعون هم أهل الفهم يقرأون ويفهمون ما يقرأون ويسبحون ويعرفون من يسبحون .
الخاشعون هم أهل التعظيم عرفوا عظمة الله فعظموا هذه الصلاة وعظموا من يقفون بين يديه
الخاشعون هم الذين أيقنوا أنهم ضعفاء واقفون أمام الرب القوى أيقنوا أنهم اذلاء واقفون بين يدي العزيز
الخاشعون هم الذين يوقنون أن الصلاة هي التي تنتهى عن الفحشاء والمنكر .
الخاشعون يتلذذون بصلاتهم ويستأنسون بمناجاتهم فسرعان ما تنقضي دون أن يشعروا .
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (( وجعلت قرة عيني في الصلاة)).
كانت هذه اللذه عند عروه بن الزبير رضي الله عنه بحراً أغرقت فيه سفن الألم فلم تقترب من شاطئ الجسد ولم تصل إلى عالم الوجدان فكيف كان ذلك ؟(1/98)
وقعت الأكله في رجة فأشاروا عليه بقطعها حتى لا تفسد جسده كله فأشار عليهم بقطعها في الصلاة وخرج بخشوعه من دنيا البشر إلى لذة القرب من الله فقطعوا كعبه بالسكين دون أن يلتفت حتى بلغوا عظمه فوضعوا عليه المنشار و نشروها وهو لا يلتفت ثم جيء بالزيت المغلي فغمرت به فغشي عليه ساعة ثم أفاق وهو يقول هل انتهيتم ؟
سُئل خلف بن أيوب : ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال: لا أُعوِّد نفسي شيئاً يفسد علي صلاتي ، قيل له : وكيف تصبر على ذلك؟ قال : بلغني أن الفساق يصبرون تحت سياط السلطان فيقال : فلان صبور ويفتخرون بذلك ؛ فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟!!.
وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع .
وذكر الذهبي في ترجمة أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري
أنه كان صاحب نسك وعبادة
قال عنه ابن وهب : رأيت سفيان الثوري في الحرم بعدما صلى المغرب قام ليصلي النافلة .. فسجد سجدة .. فلم يرفع رأسه حتى نودي بالعشاء
وقال علي بن الفضيل : أتيت أريد الطواف بالكعبة .. فإذا سفيان ساجداً يصلي فطفت شوطاً فإذا هو على سجوده .. فطفت الثاني فإذا هو على سجوده ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أسمع معي يا عبد الله وعش معي لنكن من الخاشعين.(1/99)
إذا سمعنا الأذان ونداء التوحيد الله اكبر الله اكبر فلنستحضر في قلوبنا هول النداء يوم القيامة يوم الصاخة ويوم الحاقة يوم الزلزلة يوم الدمدمة يوم ينادى على كل إنسان للعرض على الله عز وجل فإن المسا رعين إلى هذا النداء في الدنيا هم الذين ينادون يوم القيامة باللطف واللين فللعبد موقفين بين يدي الله في الصلاة ويوم القيامة فإذا أحسن العبد وقوفه في الصلاة سهل وهان عليه الوقوف العظيم يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين قال : أحد العباد ما سمعت النداء : إلا تذكرت هول النداء للعرض على الله يوم القيامة(( يوم تعرضون لا تخفى منكم خافيه ))الحاقة.
فإذا تطهرنا للصلاة لا بد أن نتطهر ظاهراً وباطنا فلا يكفي أن نغسل الظاهر وننسى الباطن فلنخرج من قلوبنا كل غلٍ وحسد وبغضاء لمسلم وليكن شعارنا (( ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا انك رؤوف رحيم ))
فإذا دخلنا في الصلاة كبرنا وقلنا الله أكبر فإذا نطقت ألسنتنا بالتكبير فينبغي أن لا نكِذب ذلك بقلوبنا فلنقل الله أكبر باللسان والقلب فلا شيء أكبر من الله لا دنيا ولا مال ولا أهل ولا شهوة . ا لله أكبر
ثم نقرأ دعاء الاستفتاح الذي اوله وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ولنتوجه بقلوبنا و أجسادنا إلى الله خالق كل شيء إلى الله رب كل شيء .
تم نستعيذ بالله من الشيطان الر جيم ولنعلم أن هذا الشيطان هو عدونا المتربص بنا ليبعدنا عن الخشوع أمام علام الغيوب .
ثم نبدأ في قرأة أم الكتاب الفاتحة الشافية الكافية السبع المثاني .
فإذا قلنا الحمد لله رب العالمين قال الكريم حمدني عبدي
فإذا قلنا الرحمن الرحيم قال الكريم أثنى علي عبدي
فإذا قلنا مالك يوم الدين قال الكريم مجًدني عبدي
فإذا قلنا أياك نعبد وأياك نستعبن قال الكريم هذا لعبدي ولعبدي ما سأل
الله أكبر لو لم يكن من الصلاة الا ذكر الله لنا لكفى(1/100)
بها غنيمة ومع هذا الفضل من الناس من يقرأ وهو غافل يتحرك اللسان والقلب غافل ( أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )محمد24
لذا ينبغي أن نحرص على تدبر ما نقرأ من السور فهذا زرارة بن أوفى احد التابعين لما قرأ قوله تعالى : ( فإذا نقر في الناقور .. ) خر ميتاً وكان يصلي الصبح .
وكان إبراهيم النخعي إذا سمع قوله تعالى : إذا السماء انشقت اضطرب حتى تضطرب أوصاله .
وفي السجود نضع أفضل مكان فينا بذل وانكسار وخشوع لله وأقرب ما يكون العبد من ربهوهو ساجد فلنستشعرذلنا وعز مولانا وانه اغظم من كل عظيم .
وفي التشهد نجلس جلوس تأدب ووقار بين يدي الله ثم نرفع كل معان المدح والثناء والتحيات لله والصلوات الطيبات لله .
ثم نسلم على المصطفى صلى الله عليه وسلم ولو بعدت المسافات وتستحضره أما منا ونسلم عليه بوقار وأدب السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ونذكر جهاده وبذله وجهاده في سبيل نشر هذا الدين ليصل إلينا غضاَ طرياونسلم عليه ونذكر أنه هو السبب بعد الله في خروجنا من الظلمات إلى النور
السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته ونستشعر أن الله سيردعليه روحه ليرد علينا سلامنا
كما صح عنه ثم نقول ( السلام علينا و على عباد الله الصالحين فكل عبد صالح في الارض نحن نسلم عليه هذا لنعلم أننا بغير الصالحين في ضياع أننا بغير نصرةالصالحين في ضياع
السلام علينا و على عباد الله الصالحين
ثم نجدد العهد والميثاق مع الله ونؤدي الشهادتين بإخلاص وإيمان ونصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وندعوا بما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا فأغفرلي فانه لا يغفر الذنوب الاانت )) رواه البخاري
ونستعيذ بالله من شر عذاب القبر وعذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.(1/101)
ثم نسلم على الملائكة والحاضرين من المسلمين ثم نستغفر الله من كل نقص وتقصير في صلاتنا .
هكذا هي صلاة الخاشعين هكذا هي صلاة المنيبين
سئل حاتم الأصم عن صلاته فقال : أقوم الى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي والصراط تحت قدمي والجنه عن يميني والنار عن يساري وملك الموت على رأسي وأظنها أخر صلاتي ثم أكبر تكبيرا بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعاً بتواضع و سجود بخشوع ثم أسلم ولا أدري أقبلت صلاتي أم لا .
ها هو على بن أبي طالب إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون فقيل له مالك ؟ .فيقول:جاء وقت أمانه عرضت على السماوات والارض فأبين أن يحملنها وحملتها أنا .
وهاهو على بن الحسين كان إذا توضأ اصفر لونه فقيل له ما هذا ؟ ما الأمر ؟ قال : أتدرون بين يدي من سأقف .
الله أكبر .. الله أكبر
هاهي أم المؤمنين عائشة تقوم في ساعةٍ من الليل فتبحث عن الني فلا تجده في فراشه وتتلمسه بيدها فتصل يديها إلى قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد قتسمعة وهو يدعو الله في سجوده ويقول ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت علي نفسك)) رواه مسلم
قال بن القيم كان بعض السلف يصلي في اليوم والليلة أربع مائة ركعة ثم يقبض علي لحيته ويقول لنفسه : يا مأوى كل سوء وهل رضيتك لله طرفة عين .
هذا كله حياء من الله تعالى .……………
هذه حياة الخاشعين الذين هم على صلاتهم يحافظون وعليها دائمون وبين يدي ربهم خاضعون .
إنها الصَّلاةُ يا عباد الله : قرَّةُ عيونِ الموَحِّدين ، ولذَّةُ أرواح
المحبين ، وبستان العابدين وثمرة الخاشعين .
فهيَ بستَانُ قلوبهم .. ولذَّةُ نفوسهم .. ورياضُ جوارحهم .
فيها يتقلبون في النعيم .. ويتقربون إلى الحليم الكريم ..
عبادة .. عظَّم الله أمرها .. وشرَّف أهلها .. وهي آخر ما أوصى به النبي عليه
السلام .. وآخر ما يذهب من الإسلام .. وأول ما يسأل عنه العبد بين يدي الملك العلّام .(1/102)
هذا هو واقع الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم مع الصلاة ..
يفزعون إليها عند النوائب
ويلوذون بها في النوازِلِ
يتعرف بها أحدهم إلى الله في الرخاء .. فيعرفه ربه في الشدة
بوابة للرحمات و مفتاح الكنز .. الذي من حصله حاز الخيرات ..
وكانت لأحدهم رَبيع قَلْبِهِ .. وحياة نفسه ، وقُرّة عَيْنِهِ ، ولذة جسده ، بل
هي جلاءً حُزْنِهِ .. وذَهاب همِّه وغَمّه ..
وقد أشار المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حين قال : ( أرحنا بها يا بلال)
ولهذا ورد عنه أنه كان يقول :
( وجعلت قرة عيني في الصلاة) رواه احمد والنسائي
هؤلاء هم الخاشعين
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم هذا وصلوا وسلموا .............
الروضة الثانية عشرة
مع الخوف والخائفين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ((ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) آل عمران:102، ((أَيُّهَا ?لنَّاسُ ?تَّقُواْ رَبَّكُمُ ?لَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ و?حِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَ?تَّقُواْ ?للَّهَ ?لَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَ?لأَرْحَامَ إِنَّ ?للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً))لنساء:1
عباد الله سنعيش واياكم مع الخوف والخائفين
الخوف من الله
هو من المقامات العليّة وهو من لوازم الإيمان ، قال الله تعالى :
((وخافونِ إن كنتم مؤمنين))ال عمران
(( فلا تخشوهم واخشونِ)) البقرة
((إنما يخشى الله من عباده العلماء))، وقال صلى الله عليه وسلم (( أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية ))(1/103)
وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه وقد وصف الله الملائكة بقوله : (( يخافون ربهم من فوقهم ))، والأنبياء بقوله : (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ))
الخوف من الله هو سمة المؤمنين واية المتقين وديدن العارفين
الخوف من الله طريقٌ للامن في الاخرة وسبب للسعادة في الدارين
الخوف من الله دليل على كمال الايمان وحسن الاسلام وصفاء القلب وطهارة النفس
إذا سكن الخوف من الله في القلب أحرق مواضع الشهوات فيه وطرد بهرج الدنيا عنه
الخوف من الله هو سوط الله يقوّم به الشاردين عن بابه ويرد به الابقين الى رحابه
الخوف من الله أصل كل خير في الدنيا والاخرة وكل قلب ليس فيه خوف من الله فهو قلب خرب
سنقف مع الخوف والخائفين لماذا لان البيوت أُتخمت بالمعاصي وأمتلات العقول بالشبهات والنفوس بالشهوات
تُسمع المعصية وقل من ينكرها ويُؤكل الحرام وكأنه حلال يجالس صاحب المعصية ويؤاكل ويشارب مرتكب الكبيرة دون إنكار.
نتكلم عن الخوف يوم أجدبت قلوبنا منه واسودت وأظلمت وقست وتحجرت فهي كالحجارة أو أشد قسوة لم تعد تهزها الموعظة أو تنفعها الذكرى إلا من إلا من رحم ربك فالخوف من الله هو الوسيلة الاكيدة لاتعاظ الراقدين وتنبيه الغافلين إستخدمها الرسل أجمعون والدعاة الصادقين ففتح الله على ايديهم قلوباًغلفا وأعينا عميا وأذانا صما
الخوف من الله هو الذي منع إبن ادم أن يقتل اخاه عندما هم ان يقتله
((لئن بسطت اليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي اليك لاقتلك إني أخاف الله رب العالمين )) المائدة
والله جل وعلا أمرنا بخوفه ومدح الخائفين في كتابه
قال تعالى ((إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)) ، قال ابن سعدي -رحمه الله- : (( وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده وأنه من لوازم الإيمان فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفهم من الله)).(1/104)
وقال جل شأنه (( وإياي فارهبون)) ، والأمر يقتضي الوجوب.
وقال تعالى (( فلا تخشوا الناس واخشون)) ، قال ابن سعدي: أمر الله بخشية الله التي هي رأس كل خير فمن لم يخشَ الله لم ينكفّ عن معصته ولم يمتثل أمره)).
روىالإمام أحمد والترمذي رحمهما الله عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: قول الله تعالى: ((وَ?لَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى? رَبّهِمْ ر?جِعُونَ)) المؤمنون:60
أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يتقبل الله منه)).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني أرى ما لا ترون، أطّت السماء وحُقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى)).رواه احمد والترمذي
وعن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله)) رواه الترمذي
فأين القلوب الممتلئة بخوف الله وخشيته
أين القلوب التي ذلت لعزت الجبروت وخشعت لصاحب الملكوت
عباد الله إن الله تعالى يريد لعباده أن يعرفوه ويخشوه ويخافوه ولذلك نجد القران الكريم مليء بالايات التي تصف لنا شدة عذاب الله وقوة بطشه وسرعة أخذه واليم عقابه وما أعد من العذاب والنكال للكفار وذكر لنا النار واحوالها وما فيها من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والاغلال وهذه المواعظ لا يتعظ بها الا الخائفين من ربهم والمشفقين من عقابه(1/105)
قال تعالى (( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع )) ،
و قال تعالى: ((لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عبادِ فاتقون)).
قال ابن كثير: ( يخوف الله عباده) إنما يقص خبر هذا الكائن لا محالة ليخوّف به عباده. قال : لينزجروا عن المحارم والمآثم.(يا عبادِ فاتقون) أي اخشوا بأسي وسطوتي وعذابي ونقمتي.
وبين سبحانه أن مايرسله من الآيات لتصديق الأنبياء عليهم السلام كناقة صالح إنما يرسله من أجل التخويف(( وآتينا ثموداً ناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)).
كذلك الآيات الكونية كالخسوف والكسوف وغيرها.
وكذلك قال الله في البرق والرعد: ((هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينشيء السحاب الثقال)).
عباد الله
عباد الله الخوف شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب إمتدت فروعها الى الجوارح فأتت أكلها بإذن ربها وأثمرت عملا صالحا وقولاًحسنا وسلوكاً قويما وفعلاً كريما فتخشع الجوارح وينكسر الفؤاد ويرق القلب وتزكو النفس وتجود العين
إنّ للخوف من الله ثمرات عظيمة في الدنيا والاخرة
أما في الدنيا ..
فالخوف من الله أولاً من أسباب التمكين في الأرض، وزيادة الإيمان والطمأنينة لأنك إذا حصل لك الموعود وثقت أكثر ، قال عز وجل : (( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكنكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)) ، إذاً الخوف من الله يؤدي إلى التمكين في الأرض والانتصار على الأعداء وأن يهلك الله عدوهم ويخزيهم ويورث المؤمنين أرضهم وديارهم.
والخوف من الله ثانياً يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه وعدم طلب المقابل في الدنيا فلا ينقص الأجر في الآخرة قال تعالى (( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً* إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً))الانسان 9-10،(1/106)
وقال تعالى(( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال*رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)) النور 36-37،
أي تضطرب وتتقلب وهذا هو الذي دفعهم للعمل ، يريدون النجاة ويحذرون الهلاك ويخافون أن يأتوا وكتبهم بشمالهم.
وأمّا في الآخرة..
أولاً الخوف من الله يجعل الإنسان في ظل العرش يوم القيامة،
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة (( ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله))، ((ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))، الخشية الموجبة لدمع العين تؤدي إلى أن النار لا تمس العين يوم القيامة.
ثانيا الخوف من الله من أسباب المغفرة،
جاء في البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم رجل كان فيمن قبلنا عنده جهل عظيم ورزقه الله مالاً فقال لبنيه لما حضره الموت: أي أب كنت لكم؟قالوا: خير أب ، قال: فإني لم أعمل خيراً قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ، ففعلوا وما أسهل أن يعيده الله كما كان، قال : ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته..!!، فعذره الله بجهله وشفع له خوفه من ربه وإلا فالذي ينكر البعث كافر.
ثالثا الخوف من الله طريقاً إلى الجنة
لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ((من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)) رواه الترمذي وقال حديث حسن
أي الذي يخاف من إغارة العدو وقت السحر يسير من أول الليل(أدلج) فبلغ المنزل والمأمن والمطلب، وهذا مثل ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم لسالك الآخرة فإن الشيطان على طريقه والنفس الأمارة بالسوء والأماني الكاذبة وأعوان إبليس ، فإن تيقظ في مسيره وأخلص النية في عمله أمن من الشيطان وكيده ومن قطع الطريق عليه، هذه سلعة الله التي من دخلها كان من الآمنين.
رايعاً الخوف من الله يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة:(1/107)
قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (( وعزتي وجلالي، وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة)) رواه ابن حبان في صحيحه
ولله در القائل
يا آمنا مع قبح الفعل منه هل
أتاك توقيع أمن أنت تملكه
جمعت شيئين أمنا و اتباع هوى
هذا وإحداهما في المرء تهلكه
والمحسنون على درب الخوف قد ساروا
و ذلك درب لست تسلكه
فرطت في الزرع وقت البذر من سفه
فكيف عند حصاد الناس تدركه
هذا وأعجب شيء فيك زهدك في
دار البقاء بعيش سوف تتركه
خامساً الخوف سبب للنجاة من كل سوء
قال صلى الله عليه وسلم (( ثلاث منجيات:منها خشية الله تعالى في السر والعلانية)) فهذه الخشية هي التي تحفظ العبد وتنجيه من كل سوء لأنه قال ووعد الله لا يخلف وهذا رسوله (منجيات) وعمّم تشمل الدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهدا ن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبه ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وبعد
ايها المسلمون إسمعوا الى أحوال الخائفين
وتشبهواإن لم تكونوا مثلهم
إنّ التشبه بالكرام فلاح
سيد الخائفين هو محمد صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه
وهذا أبو بكر رضي الله عنه أفضل رجل في هذه الأمة بعد رسول الله نظر إلى طير وقع على شجرة فقال: ما أنعمك يا طير، تأكل وتشرب وليس عليك حساب وتطير ليتني كنت مثلك، وكان رضي الله عنه كثير البكاء وكان يمسك لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد) وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله،(1/108)
وهذا عمر الرجل الثاني بعد أبي بكر قال لابنه عبد الله وهو في الموت: (ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني ثم قال: بل ويل أمي إن لم يغفر لي ويل أمي إن لم يغفر لي)، وأخذ مرة تبنة من الأرض فقال: (ليتني هذه التبنة ليتني لم أكن شيئا، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت منسيا)، وكان رضي الله عنه يمر بالآية من ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياما معاد يحسبونه مريضا، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء،
وهذا عثمان رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر يبكي حتى يبل لحيته وقال: (لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصيرُ)،
وهذا علي رضي الله عنه كما وصفه ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية يقول: كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ويتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه قابضا على لحيته يضطرب ويتقلب تقلب الملسوع ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه يقول للدنيا: إلي تعرضت، إلي تشوفت، هيهات هيهات غري غيري قد طلقتك ثلاثا فعمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية رضي الله عنه على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء وهو يقول: هكذا والله كان أبو الحسن.
وهذا ابن عباس رضي الله عنه كان أسفل عينيه مثل الشّراك البالي من البكاء.(1/109)
وهذا أبو عبيدة رضي الله عنه يقول عن نفسه: وددت أني كنت كبشا فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويشربون مرقي، وهكذا كان حال صحابة رسول الله مع أنهم كانوا مبشرين بالجنة فهذا علي رضي الله عنه يصفهم ويقول: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلم أرَ أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا أو قياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقعون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب العزي من طول سجودهم إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبتل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب.
وهذا سفيان الثوري رحمه الله يقول: والله لقد خفت من الله خوفا أخاف أن يطير عقلي منه وإني لا أسأل الله في صلاتي أن يخفف من خوفي منه.
هذا شداد بن أوس رضي الله عن هكان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم ويقول (إن النار أذهبت مني النوم فيقوم يصلي حتى يصبح)
وهذا منصور بن المعتمر كان كثير الخوف والوجل كثير البكاء من خشية الله قال عنه زائدة بن قدامة: إذا رأيته قلت: هذا رجل أصيب بمصيبة ولقد قالت له أمه: ما هذا الذي تصنع بنفسك تبكى عامة الليل، لا تكاد أن تسكت لعلك يا بنيّ أصبت نفسا، أو قتلت قتيلا؟ فقال: يا أمه أنا أعلم بما صنعت نفسي
وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه لما حضرته الوفاة جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت وأنت؟ فقال: ما أبكي جزعاً من الموت أن حل بي ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن هما القبضتان، قبضة في النار وقبضة في الجنة فلا أدري في أي القبضتين أنا.
ويقول الحسن بن عرفه: رأيت يزيد بين هارون بواسط وهو من أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعد ذلك بعين واحدة ثم رأيته بعد ذلك وقد ذهبت عيناه فقلت له: يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان، فقال: ذهب بهما بكاء الأسحار.(1/110)
أيها الإخوة: هل من مشمر؟ هل من خائف؟ هل من سائر إلى الله؟ بعد هذا الذي سمعناه أرجو أن نكون مثل سلفنا علما وعملا خوفا ورجاء ومحبة فإن فعلنا ذلك كنا صادقين وكنا نحن المشمرين إن شاء الله.
عباد الله
أخبر الحق سبحانه عن حال الخائفين وقد اصبحوا في الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا: ((وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم )) الطور 25-26-27
.الخائفون هم أهل القلوب الوجلة
قال تعالى: ((الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم )) الحج:35
الخائفون هم أهل الخشية
قال تعالى : ((الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله )) الزمر:23.
قال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار لما ينهون من الوعد والوعيد،
وقال: صلى الله عليه وسلم ((إذا قشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات من الشجرة ورقها)) الطبراني.
الخائفون هم أهل البكاء
: ((قال عقبة بن عامر: ما النجاة يا رسول الله؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)).
والبكاء من خشية الله سمة العارفين قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بمئة ألف درهم.
وقد بين صلى الله عليه وسلم أن من بكى من خشية الله فأن الله يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فقال ((...ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)) بل حرم الله النار على من بكى من خشيته قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع))رواه الترمذي وفي رواية قال: ((حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله)) وكلا الحديثين صحيح.
وفي الأثر الإلهي: ((ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي)).
الخائفون هم اهل الهمّة في الطاعة(1/111)
فهذا عمر رضي الله عنه كان في وجهه خطان أسودان من الدموع وكان يأخذ تبنة من الأرض ويقول: (يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئا مذكورا).
وهذا أبو عبيدة بن الجراح يقول: (وددت أني شاة فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحتسون مرقي).
وهذا عبد الله بن المبارك يقول: (لو أن رجلا وقف على باب المسجد ونادى ليخرج شر الناس لما سبقني إليه إلا رجل أوتي أكثر مني قوة أو سمعا).
ايها المسلمون لماذا اولائك خافوا
أنهم خافوا من الله لاسباب
أولاً معرفتهم بالله تعالى قال تعالى: ((وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون )) الزمر:67.
يقول عبد الواحد المقدسي: ركبنا البحر فألقتنا السفينة إلى جزيرة فرأينا رجلا يعبد وثنا، قلنا له: ما تعبد؟ فأشار إلى الوثن، قال: وأنتم ما تعبدون؟ قلنا نعبد الله، قال: ومن الله؟ قلنا: الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي الناس قضاؤه، قال: وما أعلمكم به ؟ قلنا: رسول الله من عند الملك، قال: فأين الرسول ؟ قلنا: مات، قال: فهل ترك من علامة ؟ قلنا: كتاب من عند الملك، قال: ينبغي أن تكون كتب الملوك حسانا، أئتوني به، فجئناه بالقرآن الكريم فقرأنا عليه فبكى ثم قال: ما يصنع من أراد الدخول في دينكم؟، قلنا: يغتسل ويتوضأ ويقول كلمة التوحيد ويصلي. فاغتسل وقال كلمة التوحيد وصلى فلما جن علينا الليل أخذنا مضاجعنا، قال: أسألكم الإله الذي دللتموني عليه إذا جنه الليل ينام؟، قلنا: لا بل هو حي قيوم لا ينام، قال: بئس العبيد أنتم تنامون وربكم لا ينام)).
وأما سبب أمننا لجهلنا بالله وصفاته وعظيم قدره وللأثر ((يأتي على الناس زمان يجتمعون في مساجدهم ويصلون وليس فيهم مؤمن)).(1/112)
ثانيا حبهم لله سبحانه: فملك عليهم قلوبهم يقول ابن القيم: (من عرف ربه أحبه) كيف لا ومصدر النعمة هو الله: ((وما بكم من نعمة فمن الله )) النحل:53. ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) إبراهيم:34
وإليه شكواك ونجواك: ((إنما أشكو بثي وحزني إلى الله )) يوسف:86. وإليه وحده تلجأ عند بلواك: ((وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو )) الأنعام:17. فأي حب ينبغي أن يكون.
لقد أصبح من البداهة أن نسمع من يبذل ماله لعاهرة أو ينتحر لأجل لعوب ضاربا مثلا حقيرا لسالكي دربه، وأصبح من النادر أن نجد من يبذل ماله ونفسه لربه.
رحم الله عمر رضي الله عنه وقد سئل: أي شيء أحب إليك، قال: صوم في الصيف وضرب بالسيف.
وهذه رابعة تناجي ربها فتقول: إلهي غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم، إلهي خلا كل حبيب بحبيبه وأنت حبيب المستأنسين وأنيس المستوحشين، إلهي إن طردتني عن بابك فباب من أرتجي وإن قطعتني عن خدمتك فخدمة من أرتجي،
وأما سبب أمننا فهو انحرافنا في حبنا ولمن يكون، فمنا المحب للمال وللنساء والمنصب وهي فتن على الطريق للحديث: ((تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار))
ثالثا هم خافوا من الله لانهم أمتلأوا يقيناً
واليقين عباد الله هو كمال التصديق والرسوخ بوجود الله والجنة والنار والحساب، يرى رسول الله أحد الأصحاب فيقول له: ((كيف أصبحت؟، فيقول: أصبحت مؤمنا حقا، فيقول المصطفى: وما حقيقة إيمانك؟، فيقول: أصبحت أرى عرش ربي بارزا، وأصبحت أرى أهل الجنة وهم يتزاورون، وأهل النار وهم يتعاوون فقال صلى الله عليه وسلم: عرفت فالزم))
وأما أسباب أمننا فضعف اليقين والثقة بالله وما أخبر عنه فخسرنا أنفسنا وخسرنا ديننا.
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فيا من تخاف الله عز وجل:
• تذكر قبل أن تعصي: أن الله سبحانه يراك ويعلم ما تخفي وما تعلن، فانه "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور".(1/113)
• تذكر قبل أن تعصي: أن الملائكة تحصي عليك جميع أقوالك وأعمالك وتكتبها في صحيفتك، "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد".
• تتذكر قبل أن تعصي: لحظة الموت وخروج روحك وهي تجذب جذبا شديدا حينها تتمنى أن تتوب إلى الله وتصلي وتقرأ القرآن،
"والتفت الساق بالساق* إلى ربك يومئذ المساق".
• تذكر قبل أن تعصي: القبر وعذابه وظلمته فهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حف النار فهناك لا أب شفيق ولا أم ترحم.
• تذكر قبل أن تعصي: يوم يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة.
• تذكر قبل أن تعصي: يوم تتطاير الصحف فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.
• تذكر قبل أن تعصي: يوم تدنو الشمس من الرؤوس قدر ميل ويعرق الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه ومنهم من يصل إلى ركبتيه ومنهم من يصل إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما والعياذ بالله.
• تذكر قبل أن تعصي: يوم تشهد عليك أعضائك بما عملت من خير وشر، "حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون".
• تذكر قبل أن تعصي: يوم يقول المجرمون: "يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا".
• تذكر قبل أن تعصي: يوم يؤتى بأناس من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيؤخذ بهم ذات الشمال فيقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: <يارب أصحابي!> فيقال: <إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك>.
• تذكر قبل أن تعصي: أنك سوف تعبر الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر عملك فإما أن تنجوا وإما أن تخطفك كلاليب جهنم والعياذ بالله. قال تعالى: "وان منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا".
• تذكر قبل أن تعصي: وقوفك بين يدي الله عز وجل وليس بينك وبينه حجاب أو ترجمان فيذكرك بكل ذنب عملته.
• تذكر قبل أن تعصي: عندما يقول العاصي يوم القيامة: "ي حسرتى على ما فرطت في جنب الله".(1/114)
• تذكر قبل أن تعصي: نار جهنم وبعد قعرها وشدة حرها وعذاب أهلها وهم يسبحون فيها على وجوههم.
• تذكر قبل أن تعصي: أن الذنوب تؤدي إلى قلة التوفيق وحرمان العلم والرزق وضيق الصدر وقصر العمر وموت الفجأة وذهاب الحياء والغيرة وأعظم عقوباتها أنها تورث القطيعة بين العبد وربه وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير واتصلت به أسباب الشر
أسأل الله جل وعلا أن يقوي إيماننا وأن يرفع درجاتنا اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا
هذا وصلوا وسلموا على المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى اله فمن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا
الروضة الثالثة عشرة
مع الشكر والشاكرين
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهدا ن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبه ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وبعد
:-أيها المسلمون
عباد الله اتقوا الله وراقبوه
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))آل
عمران102
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))النساء1
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ))الحشر18
عباد الله إن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى بالليل والنهار عافانا وأعطانا ومنحنا ووهبنا ووهدانا .
هل نحن من الشاكرين لنعمه جل وعلا(1/115)
فالشكر خير عيش السعداء لم يترقوا إلى أعلى المنازل إلا بشكرهم ، و الإيمان نصفين ، نصفٌ شكر ونصفٌ صبر
والشكر عباد الله هو ظهور أثر النعم الإلهية على العبد في قلبه إيماناً وفي لسانه حمداً وثناءً وفي جوارحه عبادة وطاعة ويكون القليل من النعمة مستوحياً الكثير من الشكر فكيف إذا كانت النعم كثيرة؟، ومن العباد من هو شاكر ومنهم من هو كافر.
أهل الشكر هم المخصوصين بمنته عليهم من بين عباده فقال تعالى
)( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ((الأنعام
و قسم الله الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهل الكفر وأحب الأشياء إليه الشكر وأهل الشكر
((إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ))الإنسان3
يبتلي عباده ليستخرج الشكور فقال تعالى على لسان سليمان عليه السلام : ((هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ))النمل40
ووعد الله الشاكرين بالزيادة ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ)) إبراهيم:7،
والله يرضى عمل الشاكرين ويرضى الشكر ((إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )) الزمر7
وأخبر سبحانه وتعالى أن إبليس من مقاصده أن يمنع العباد من الشكر، فتعهد إبليس بأشياء ((ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـ?نِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـ?كِرِينَ)) الأعراف:17 فإبليس يريد حرمانهم من الشكر والقعود بينهم وبينه.(1/116)
ووصف الله الشاكرين بأنهم قليل من عباده ((وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ?لشَّكُورُ)) سبأ:12
وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: [اللهم اجعلني من القليل فقال ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين : الله تعالى يقول ((وما آمن معه إلا قليل)) ويقول
(( وقليل من عبادي الشكور)) ويقول ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم)) قال عمر: صدقت..!!،
وإذا كان الشكر من صفات الأنبياء والمؤمنين فإنه ليس كذلك عند كل الناس فإن كثيراً منهم يتمتعون بالنعم ولا يشكرونها.
أثنى الله على أول رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشكر وهو نوح عليه السلام
((ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)) الإسراء:2، إشارة إلى الاقتداء به.
وأخبر عن خليله إبراهيم بشكر نعمته ((إِنَّ إِبْر?هِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـ?نِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأنْعُمِهِ))النحل:120، 121،
فمن صفات الأمة القدوة الذي يؤتم به بالخير يعدل مثاقيل من أهل الأرض أنه كان قانتاً لله شاكراً لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله.
وأمر الله به داود فقال:
(إعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْراً))سبأ:12
ودعا سليمان عليه السلام ربَّه أن يكون من الشاكرين:
(رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ?لَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى? و?لِدَىَّ) الأحقاف:15
وأمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالشكر فقال: ((بل ?للَّهَ فَ?عْبُدْ وَكُن مّنَ ?لشَّـ?كِرِينَ))لزمر:66، وأمر الله لقمانَ بالشكر فقال:
(( ولقد ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ?لْحِكْمَةَ أَنِ ?شْكُرْ للَّهِ)) قمان:12
وأوَّلُ وصية وصَّى بها ربُّنا الإنسانَ [هي الوصية] بالشكر له وللوالدين فقال:
(أَنِ ?شْكُرْ لِى وَلِو?لِدَيْكَ إِلَىَّ ?لْمَصِيرُ) لقمان:14..
الشكرعباد الله(1/117)
هو الغاية من الخلق((وَ?للَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـ?تِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ ?لْسَّمْعَ وَ?لأبْصَـ?رَ وَ?لأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))النحل8، فهذه غاية الخلق، أما غاية الأمر ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) عمران123
فكما قضى الله لهم بالنصر فليشكروا هذه النعمة.
والخلاصة أن الشكر غاية الخلق وغاية الأمر فخلق ليشكر وأمرليشكر(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )
البقرة152
فكونوا عباد الله من الشاكرين اللهم إجعلنا من عبادك الشاكرين يارب العالمين
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إرغاما لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد البشر، اللهم صلِّ وسلم على هذا النبي الشافع المشفع في المحشر وعلى آله وأصحابه السادة الغرر.
أما بعد: عباد الله،
الشكر لله يكون بالقلب واللسان والجوارح.
فالشكر لله يكون
بأن يعلم أن الله هو المنعم بكل النعم التي يتقلب فيها
وأما الشكر باللسان
لسان المرء يعرب عما في قلبه ، فإذا امتلأ القلب بشكر الله لهج اللسان بحمده والثناء عليه، وتأمل ما في أذكار النبي صلى الله عليه وسلم من الحمد والشكر لرب العالمين..
كان لما يفيق من نومه يقول :[الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره)
وإذا أوى إلى فراشه لينام يقول: [الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا فكم ممن لا كافي له وملا مؤوي].(1/118)
ومن أذكار الصباح والمساء[ اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر] من قالها حين يصبح فقد أدى شكر ليله
وفي لياة من الليالي تبحث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم فوقعت
يد ها على يد النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد في بطن الليل وقدماه منصوبتان يقول: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه مسلم
قال صلى الله عليه وسلم : (يا معاذ إني أحبك فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعنّي على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك) رواه النسائي
والشكر بالجوارح عباد الله
فما من عمل يعمله ابن آدم من الطاعات والعبادات إلا وهو شاكر فيه لنعم ربه سبحانه وتعالى.
والخلاصة في الشكر بالجوارح ؛ العمل الصالح، فعند بلوغ الأربعين ((حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )لأحقاف15
فسأل الله العمل الصالح عقب سؤاله التوفيق على شكر نعمته يعني أن الشكر باللسان وحده لا يكفي.
ومن وسائل الشكر بالجوارح حديث (( كل ابن آدم يصبح وعلى كل سلامىومفصل صدقة)) فكيف يؤدي شكر 360 مفصل؟، كل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وعدد المفاصل 360 إذا شكرها المرء [أمسى يومه وقد زحزح عن النار].
من الأشياء التي تؤدي إلى الشكر:
أولا أنك تنظر إلى من هو دونك، قال صلى الله عليه وسلم : (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله )رواه مسلم عن ابي هريرة(1/119)
فمما يحفظ العبد من ترك الشكر عندما ينظر إلى من هو فوقه أن هذه قسمة الله (( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما أتاكم)).
ثانيا أن يعلم العبد أنه مسئول عن النعمة (( ثم لتُسألن يومئذ عن النعيم)) ومحاسب عليها حتى الماء البارد، ومن نوقش الحساب عُذِّب.
وقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تفطرت قدماه وتشققت قيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟قال: [ أفلا كون عبداً شكوراً!!]. فتشكر الله على المغفرة.
ومن الوسائل أن ندعو الله أن يعيننا على الشكر[ اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك]، قالها لمعاذ، وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم : أي المال نتخذ؟ فلفت نظرهم صلى الله عليه وسلم فقال: [ ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر دينه ودنياه] ر واه احمد وابن ماجه
قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليرضى على العبد أن يأكل الاكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها))رواه مسلم
قال الحسن البصري رحمه الله : إن الله ليمتع بالنعمة ماشاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذاباً ولهذا كانوا يسمون الشكر(الحافظ) لأنه يحفظ النعم الموجودة و ( الجالب) لأنه يجلب النعم المفقودة.
كان عمر بن عبد العزيز إذا قلّب بصره في نعمة أنعمها الله عليه قال: [ اللهم إني أعوذ بك أن أبدّل نعمتك كفراً وأن أكفرها بعد أن عرفتها وأن أنساها ولا أثني بها]، لأن الله ذم الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رُفعت مائدته قال( الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفيٍّ ولا مكفور، الحمد لله ربنا غير مكفي ولا مودّع ولا مستغنٍ ربنا) رواه البخاري.(1/120)
وكذلك من شكر النعم المتجددة أنك تسجد سجود الشكر وفي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أمر فسرّ به فخرّ لله ساجداً، وأبو بكر لما جاءه قتل مسيلمة المرتد الذي ألب عليه العرب وأشد الناس على المسلمين خرّ لله ساجداً، وعلي رضي الله عنه لما رأى ذا الثدية في الخوارج أسود مخدّج مقطوع اليد عند العضد مثل حلمة المرأة، وأنه علامة وآية أنه سيقاتل الخوارج أمرهم فبحثوا في جثث القتلى وأخرجوه ؛ سجد علي رضي الله عنه شكراً لله. وكعب بن مالك سجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه.
أخيرا أسال :الله بأن يجعلنا من الشاكرين، وأن يوفقنا لطريق الشكر ومنزلته العالية.
اللهم أجعلنا من عبادك الشاكرين وأعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ((إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)) الأحزاب:56.
الروضة الرابعة عشرة
مع الصبر والصابرين
الحمد لله الخافض الرافع القابض الباسط المعز المذل المحيي المميت السميع البصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا إله هو إليه المصير القائل كما في الحديث القدسي : إبن ادم؛ لا تخافَن من ذي سلطان ما دام سلطاني باقيا وسلطاني لا ينفد أبدا
يابن أدم لا تخش من ضيق الرزق ما دامت خزائني ملآنة وخزائني لا تنفذ أبدا
يابن آدم لا تأنس بغيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني وإن أنست بغيري فتك وفاتك الخير كله اللهم قوي إيماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا وثقل موازيننا .
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد رسول الله البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنتة إلى يوم البعث والنشور.
أما بعد:
عباد الله اتقوا الله وراقبوه(1/121)
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))آل
عمران102
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))النساء1
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ))الحشر18
عباد الله
في هذه الدقائق الغالية سنقف واياكم مع الصبر والصابرين
فإن الله جعل الصبر جواداً لا يكبو، وصارماً لا ينبو، وجنداً لا يُهزم، وحصناً حصيناً لا يُهدم،وهو مطيّة لا يضل راكبها فهو والنصر أخوان شقيقان،فالنصر مع الصبر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدّة ولا عدد، ومحله من الظفر محل الرأس من الجسد، وهو سبيل النجاح والفلاح، وهو فضيلة يحتاج إليه الإنسان في دينه ودنياه
الصبر عباد الله هو حبس النفس عن الجزع واللسان عن الشكوى والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما
الصبر عباد الله هو خاق من أخلاق النفس به تسكن النفس عند البلاء والمصيبة
الصبر عباد الله لازم إلى الممات، فالحياة لا تستقيم إلا بالصبر، فهو دواء المشكلات لدار الابتلاء، والصبر زاد المجاهد إذا أبطأ عنه الصبر، وزاد الداعية إذا أبطأ عنه الناس بالإجابة، وزاد العالم في زمن غربة العلم، بل هو زاد الكبير والصغير ، والرجل والمرأة ، فبالصبر يعتصمون وإليه يلجئون وبه ينطلقون.
قال الإمام أحمد - رحمه الله - في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
(( وجدنا خير عيشنا بالصبر))،(1/122)
إن الله وصف الصابرين بأوصاف وخصّهم بخصائص لم تكن لغيرهم،وذكر الصبر في نحو تسعين موضعاً من الكتاب الكريم، وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها ثمرة له.
يكفي الصابرين شرفاًأنهم في معيّة الله ، فظفروا بها بخير الدنيا والآخرة، وفازوا بها بنعمة الله الظاهرة والباطنة ، قال تعالى
((إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))البقرة153
وجعل الله سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين فقال تعالى: (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ))السجدة24
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( بالصبر واليقين ؛ تُنال الإمامة في الدين)
هذا الصبر علّق القرآن الفلاح عليه فقال الله سبحانه وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))آل عمران200
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اصبروا على طاعة ربكم, وعلى ما ينزل بكم من ضر وبلاء, وصابروا أعداءكم حتى لا يكونوا أشد صبرًا منكم, وأقيموا على جهاد عدوي وعدوكم, وخافوا الله في جميع أحوالكم; رجاء أن تفوزوا برضاه في الدنيا والآخرة.
وإذا كانت الأعمال لها أجر معلوم محدود فإن الصبر أجره لا حد له ،
قال تعالى: ((ِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ))الزمر10
قال سليمان بن القاسم:كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر لأجل هذه الآية((ِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ))الزمر10 قال : كالماء المنهمر،
وجعل الله للصابرين أموراً ثلاثة لم يجعلها لغيرهم، كل منها خيرٌ مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون وهي الصلاة منه والرحمة والهداية((وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون))(1/123)
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ))
وجعل الصبر سبحانه وتعالى عوناً وعدة وأمر بالاستعانة به، فقال )(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ((البقرة153 فمن لا صبر له؛ لا عون له،
يا أيها المؤمنون اطلبوا العون من الله في كل أموركم: بالصبر على النوائب والمصائب, وترك المعاصي والذنوب, والصبر على الطاعات والقربات, والصلاة التي تطمئن بها النفس, وتنهى عن الفحشاء والمنكر
وعلّق النصر على الصبر والتقوى فقال تعالى: (( بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ))آل عمران125
وقال صلى الله عليه وسلم : (( واعلم أن النصر مع الصبر)) رواه الترمذي
وجعل سبحانه الصبر والتقوى جنة عظيمة من كيد العدو ومكره فقال(( وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ))آل عمران120
عباد الله ما احوج أمتنا في هذه الايام وفي هذه الفتن الى التأمل في هذه الايات والعودة الى الله عودة صادقة
وأخبرالله جل وعلا أن ملائكته تسلّم في الجنة على الصابرين فقال: (( سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ))الرعد24
سلام عليكم بما صبرتم على الطاعات وصبرتم عن الشهوات وصبرتم على البلاء سلام عليكم فنعم عقبى الدار
وجعل الله الصبر منزلة فوق منزلة المعاقِب لمن عاقبه بمثل العقوبة فهو أفضل وأكثر أجراً فقال: (( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ))النحل126(1/124)
وجعل الله الصبر على المصائب من عزم الأمور وهذه مرتبة لا ينالها أي أحد فقال عز وجل )( وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ((الشورى43
ولمن صبر على الأذى، وقابل الإساءة بالعفو والصفح والسَّتر, إن ذلك من عزائم الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي أمر الله بها، ورتَّب لها ثوابًا جريلا وثناءً حميدًا.
وأوصى لقمان الرجل الصالح الحكيم ولده بأن يصبر على ما أصابه في سبيل الله (( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ))لقمان17
وحكم الله بالخسران حكماً عاماً على من لم يكن من أهل الصبر فقال:
(( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))
عبد الله
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة
إذا استعنت بصبر أن ترى الفرج
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومدمن القرع للأبواب أن يلج
وقل من جد في أمر يحاوله
واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصبر ضياء ، كما جاء في حديث مسلم فقال: ((الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك)).
و لما مات أبو سلمة ، ماذا تقول أم سلمة وزوجها بهذه المكانة الكبيرة في نفسها، قالت ما تعلمته سابقاً: ((إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها))، ولما مات زوجها وجاءت لتقول العبارة فقالت أي المسلمين خير من أبي سلمة؟بعدما رأت من حسن معشره وطيب خصاله،ولأنها مؤمنة قالت ما تعلمته، قالت: فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد خطبها وتزوجها .(1/125)
وإذا صبر العبد على فقد الولد، يقول صلى الله عليه وسلم : (( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم، قال قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم، فيقول ماذا قال عبدي، فيقولون حمدك واسترجع، فقال: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد))رواه الترمذي
فلا يقبض لمؤمن صفي من أهل الأرض فيصبر ويحتسب إلا وكان له ثواب إلا الجنة.
كذلك فالناس يبتلون على حسب دينهم وعلى حسب صبرهم (( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً وعنده صبر قوي زيد له في البلاء ليزداد أجراًو.يوم القيامة يود أهل العافية عندما يعطى أهل البلاء الثواب ويقسم عليهم ، الذين صبروا في الدنيا،يتمنون لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بمقاريض..! الحديث في الترمذي وحسنه الألباني.
عباد الله
إن الصبر ثلاث انواع أولها صبرُ على البلاء وهو بضاعة الصديقين ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول
((وأسألك من اليقين ما تهون عليّ به مصائب الدنيا ))
ولهذا وصف الله تعالى بالصبر أولياءه واحبابه فقال عن ايوب عليه السلام
وأثنى عليه بأحسن الثناء لأنه صبر فقال:
(( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ))ص44 فمدحه بقوله نعم العبد لأنه صبر.
وقال صلى الله عليه وسلم((أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله ولاحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من احدكم بالعطاء)) صحيح الجامع
والناس يبتلون على حسب دينهم وعلى حسب صبرهم (( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً وعنده صبر قوي زيد له في البلاء ليزداد أجراًو.يوم القيامة و يود أهل العافية عندما يعطى أهل البلاء الثواب ويقسم عليهم ، الذين صبروا في الدنيا،يتمنون لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بمقاريض..! الحديث في الترمذي وحسنه الألباني.
وقد :(1/126)
بشر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يصبر على فقد عينيه بالجنة : ((إن الله تعالى قال إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة)) [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم (( ومال عبد مؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)).
وتلك الأمة السوداء التي جاءت تشتكي للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أُصرع وإني أتكشف فادعُ الله لي، قال : (( إن شئتِ صبرتي ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيكِ)) فقالت: أصبر ولكن ادع الله لي ألا أتكشف. فدعا لها فكانت تصرع ولا تتكشف. متفق عليه
عباد الله إذا اردنا ان نصبر على البلاء فعلينا أولاً ان نلاحظ حسن الجزاء ونلمح الغايات ونطالع العواقب فإنه على قدر التعب تكون الراحة
وثانياً إنتظار الفرج مهما ضاقت الامور فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا
ثالثا ليعلم كل مبتلى ان غيره من الناس من ابتلي باكثر مما هو عليه(1/127)
وهاهو عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد من أحسن الناس وجهاً، دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليد:هكذا تكون فتيان قريش، ولا دعا بالبركة فقالوا أنه أصابه بالعين،خرج هذا محمد بن عروة بن الزبير من المجلس فوقع في اصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطأه حتى مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة في رجل عروة وقالوا لابد من نشرها بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها فلما وصل المنشار إلى القصبة(وسط الساق) وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه ثم أفاق والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يده وقال: ((أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله))، ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، لما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، ولما قالوا: نسقيك شيئاً يزيل عقلك؟قال: إنما ابتلاني ليرى صبري، ورفض.
وهاهو أبوقلابة التابعي الجليل ممن ابتلي في بدنه ودينه،وأريدعلى القضاء وهرب إلى الشام فمات بعريضة وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكروعندما سئل على ماذا تحمد فقال الم يعطني لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وبدنا على البلاء صابراً.
أسال ان يجعلني واياكم من الصابرين والشاكرين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبه الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.وبعد(1/128)
والنوع الثاني من انواع الصبر الصبرعن المعصية فهو من اعظم انواع الصبر ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلمسبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله يوم صبروا فالامام صبر عن الظلم والشاب صبر عن الفاحشة والغني عن تناول اللذات والشهوات وصبر المتصدق على إخفاء الصدقة من بعضه وصبر المتحابين في الله على ذلك الحال في حال إجتماعهما وافتراقهما وصبر الباكي من خشية الله على كتمان ذلك عن الناس
ولهذا كان الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف عليه السلام فقد كان شاباً وعازبا وغريبا عن اهله ومملوكا ليس كالحر والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته وهي الداعية له الى نفسها والحريصة على ذلك ومع كل هذه الدواعي فقد صبر إختيارا وإيثارا لما عند الله وما هم بالمعصية نهائيا فلله ما اعلى همته
والصبر عن المعصية يختاج الى الحياء من الله وتذكر الوقوف بين يديه .
أما النوع الثالث من انواع الصبر فهو الصبر على طاعة الله فهو الصبر الاعلى
فهذا نوحٌ عليه السلام صبر في دعوته لقومه صبراً عظيماً دام ألف سنة إلا خمسين عاماً جاهد ودعوة، وصبر على الإيذاء والسخرية، اتهموه بالجنون والسحر والضلال وهو يقابل ذلك بالصبر حتى قالوا: {لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين}، وصبر..
إبراهيم تعرض لمحنة عظيمة ويصبر صبر الموحد الموقن بوعد الله، حتى لما ألقي في النار قال: {حسبي الله ونعم الوكيل}، حتى لما أُمِر بذبح ولده صبر وهمّ بذبح الولد ، وأخذ السكين وأضطجع الولد استسلاماً لأمر الله، والله ابتلاه بهذا الأمر فصبر.
وموسى واجه التهديد والإيذاء من قومه وقوم فرعون قبلهم، فصبر على دعوة قومين!.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لما تذكرأخيه موسى: { يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر}رواه البخاري(1/129)
إبراهيم لما أُمِر بترك ولده وهو حديث عهد ولادة ، وقد كان عقيماً ، جاءه اسماعيل بعد سنوات طويلة جداً وهو شيخ كبير، وجاءه الأمر من الله اتركه وأمه في وادٍ غير ذي زرع!، مانال الخليل هذه المرتبة من شيء قليل، فمضى ولم يلتفت ولم يتحسر ولم يتردد ، حتى قالت هاجر: لمن تتركنا؟آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فرجع للشام ورزقه الله من سارة بإسحاق ومن ورائه يعقوب.
وعيسى عانى من بني إسرائيل من التهم الباطلة، تآمروا على قتله وصلبه وصبر حتى رفعه الله إليه.
وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم كم تعرض للأذى والاضطهاد، قالوا عنه مجنون ساحر كذاب خائن، وأشد شيء على الصادق أن يتهم بالكذب ,أشد شيء على العاقل أن يقال عنه مجنون، وأشد شيء على الأمين أن يتهم بالخيانة، وأشد شيء على المؤمن أن يقال عنه شاعر ساحر به جنّة، وهو أكمل الخلق وأصدقهم وأعقلهم ، ووضعوا الشوك وأخرجوه من بلده ، وذهب للطائف يعرض نفسه على القبائل، وأحسّ بالاضطهاد وخرج من مكة لا يدري من الهم لم يستفق إلى في قرن الثعالب، حتى تآمروا على قتله{ليُثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك}، وقتلوا بعض أصحابه وعذبوا بعضهم، وأشد شيء على النبي أن يرى أتباعه يضطهدون ويقتلون أمامه، يمر عليهم فيقول:
( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)،
وهكذا صبر صلى الله عليه وسلم حتى أتاه اليقين من ربّه بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة حتى لما ذهب المدينة لا يُظَنّ أن مجالات الصبر قد خفّت لأنه عانى من المنافقين معاناة عظيمة، يكفي حادثة الإفك، وصبر على كيد اليهود ، ووضعوا له السم، وكانت نوبات الحمى تنتابه حتى مات في آخر نوبة منها فكان في ذلك أجله وهكذا أصحابه، بلال ، سمية،صهيب،عمار، مقداد ، أبو بكر، صهروهم في الشمس وعذبوهم..
وهذا الصحابي خبيب ، يسجن ليقتل ويصلب..
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنبٍ كان في الله مصرعي(1/130)
وتلك المرأة التي قُتِل أبوها وأخوها وزوجها في يوم أحد فصبرت على ما حصل لها من هذه الأقدار، فماتوا في رفعة الدين ونصرة الدين وجهاد الكفار، وهكذا سار على هذا المنوال التابعون وتابعو التابعين..
فيا ضعيف العزم الطريق طويل..تعب فيه آدم.. وجاهد فيه نوح.. وألقي في النار إبراهيم.. واضطجع للذبح إسماعيل.. وشق بالمنشار زكريا وذبح الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود، واتهم بالسحر والجنون نبي الله الكريم وكسرت رباعيته وشج رأسه ووجهه وقُتِل عمر مطعوناً وذو النورين علي والحسين وسعيد بن جبير وعذب ابن المسيب ومالك..، فالشاهد أنه في النهاية لا سبيل إلا الصبر..
عباد الله إن الكريم من يصبر على طاعة الله واللئيم من يصبر على طاعة الشيطان فاللئام أصبر الناس في طاعة اهوائهم وشهواتهم وهم اقل الناس صبراً في طاعة الله فيصبرون على البذل في طاعة الشيطان ولا يصبر على البذل في طاعة الله
الى الذين لا يصبرون امام الصور المحرمة الى الذين لا يصبرون على قيام الفجر الى الذين لا يصبرون على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
ولذلك فإن المسلم عليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يسلك سبيل الصابرين، نسأل الله عزوجل أن يجعلنا منهم، وأن يرزقنا هذا الخلق الكريم، إنه جواد كريم..
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه
فقال (( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما))
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
الروضةالخامسة عشرة
مع الصدق والصادقين
الحمد لله الذي علا وقهر ,وعز واقتدر وفطر الكائنات بقدرته فظهرت فيها ادلة وحدانية من فطر فسبحانه من اله عظيم لا يماثل ولا يضاهى ولا يدركه بصر وتعالى من قادر محيط لا تنجي منه قوة ولا مفر .(1/131)
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له على رغم أنف من جحدبه وكفر شهادة ندخرها ليوم لا ملجأ فيه ولا وزر شهادة نرجو بها النجاة من نار لا تبقي ولا تذر .
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله سيد البشر وعلى اله وصحبه السادة الغرر الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده فما وهى عزم احدهم ولا فتر .
عباد الله اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلن وتمسكوا بما شرع الله لكم من الدين القويم وأعلموا أن طاعة الله فيها السلامة والنجاة وفيها الرفعة والعزة وإياكم والمعاصي فإنها توجب اليم العقاب ووبيل العذاب .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))آل عمران102
َ((يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))النساء1
الصدق به تميّز أهل النفاق من أهل الايمان وسكان الجنان من أهل النيران وهوسيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء الا أقامه ولا واجه الباطل إلا أرداه وصرعه .
الصدق من نطق به علت على الخصوم كلمته
الصدق هو الباب الذي دخل من الواصلون الى حضرة ذي الجلال .
أمر الله سبحان أهل الايمان أن يكونوا مع الصادقين فقال جل وعلا
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ))التوبة119
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : " أي اصدقوا والزموا الصدقَ تكونوا من أهله وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً...
وقال الحسن البصري: إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهدِ في الدنيا والكفِّ عن أهلِ المِلّة(1/132)
.قال القرطبي : حقُّ مَنْ فَهِمَ عن الله وعقل عنه أن يلازمَ الصدقَ في الأقوال، والإخلاصَ في الأعمال، والصفاءَ في الأحوال، فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى رضا الغفّار.
وجعل الله الصادقين مع الذين انعم عليهم من النبيين
فقال تعالى(( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ))النساء69 وأخبرنا جل وعلا أن الصدق كله خير فقال تعالى ((فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ))محمد21
وقسّم الله تعالى الناس الى قسمين لا ثالث لهما إمّا صادق وإما منافق فقال تعالى ((لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ))الأحزاب24
فالايمان اساسه الصدق والنفاق اساسه الكذب فلا يجتمع كذب وايمان ابداً
ويوم القيامة لا ينفع العبد الا الصدق فقال تعالى ((قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))المائدة119
وقد أمر الله رسوله أن يسأله أن يجعل مدخاه ومخرجه على الصدق فقال تعالى ((وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً }الإسراء80
وأخبرنا جل وعلا عن خليله إبراهيم حين دعاه أن يجعل له لسان صدق فقال تعالى ((وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ))الشعراء84
وحقيقة الصدق عباد الله
هو الحقّ الثابت المتصل بالله والموصل اليه من الاقوال والاعمال(1/133)
والصدق عباد الله جسر الى الجنة فقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إن الصدق يهدي الى البر وإن البر يهدي الى الجنة وإن الكذب يهدي الفجور وإن الفجور يهدي الى الجنة ))
وفال صلى الله عليه وسلم
((إضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأدوا إذا اوئتمنتم واوفوا إذا عاهدتم واحفضوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم ))
وقال إبراهيم الخواص (الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه أو فضل يعمل فيه )
وقال يوسف بن اسباط (لأن أبيت ليله أعامل الله بالصدق أحب اليّ من أن اضرب بسيفي في سبيل الله )
وقال أخر(من طلب الله بالصدق أعطاه مرأه يُبصر فيها الحقّ والباطل )
عباد الله
الصدق حقيقته أن تصدق في مواطن لا ينجيك منها إلا الكذب
عباد الله
إجعلوا الصدق مطيتكم والحقّ سيفكم والله تعالى غاية مطلبكم
فالصدق دعامة الفضائل وعنوان الرُقي ودليل الكمال ومظهر من مظاهر السلوك النظيف
الصدق عباد الله لا يستغني عنه عالم ولا حاكم ولا قاضي ولا تاجر ولارجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير
الصدق عباد الله من صفات الله تعالى فهو القائل ((ومن اصدق قيلا ومن أصدق من الله حديثا ))
وقال تعالى ((إن الله لا يخلف الميعاد))
وقال جل شأنه ((ومن أوفى بعهده من الله ))
الصدق عباد الله أهمّ صفة تميّز بها الانبياء
قال تعالى ((واذكر في الكتاب إسماعيل
وقال تعالى ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ))مريم41
وقال تعالى ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ))مريم54
وقال تعالى ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ))مريم56
وإمام الصادقين هو محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان يلقب قبل البعثة بالصادق الامين(1/134)
ونظر أحد الاعراب الى وجهه صلى الله عليه وسلم فأبصر أمارات الصدق تُشع من وجهه صلى الله عليه وسلم فقال والله ما هذا بوجه كذاب
وصعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل الصفا وجمع بطون قريش فقال لهم لو اخبرتكم أن خيلاً خلف هذا الوادي ستغير عليكم اكنتم مصدقيّ
فقالوا جميعا ما جربنا عليك كذباً
وقال تعالى ((وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ))الزمر33 أي أن رسول الله جاء برسالة قائمة على الصدق
والذي جاء بالصدق في قوله وعمله من الأنبياء وأتباعهم, وصدَّق به إيمانًا وعملا أولئك هم الذين جمعوا خصال التقوى, وفي مقدمة هؤلاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به, العاملون بشريعته من الصحابة, رضي الله عنهم, فمَن بعدهم إلى يوم الدين.
عباد الله إن الاتصاف بالصدق خير من كل شيء من أعراض الدنيا
وهذا أعرابي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أهاجر معك،فهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنطلقوا الى غزوة خيبر و بعد خيبر قسّم النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي وأصحابه وكان يرعى دوابهم فلما جاءوه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي وصلني؟ ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا بسهم فأموت فأدخل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم : ((إن تصدق الله يصدقك))، فلبثوا قليلاً وهاجموا العدو وأثاب الله الأعرابي كما طلب فقيل أهو أهو قال صلى الله عليه وسلم :
(( صدق الله فصدقه)) فكُفِّن في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة (( اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك وقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك)).(1/135)
ولما للصدق من رابطة قوية بالإيمان، فقد جوّز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقع من المؤمن ما لا يُحمد من الصفات، غير أنه نفى أن يكون المؤمن مظنه الوقوع في الكذب؛ لاستبعاد ذلك منه، وقد سأل الصحابة فقالوا: (يا رسول الله أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: " نعم "، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن كذَّابًا؟ قال: " لا "))(رواه الإمام مالك).
والصدق خلق جميل يمكن اكتسابه بالاعتياد عليه، والحرص على التزامه، وتحري العمل به، حتى يصل صاحبه إلى المراتب العالية، يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه، ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صدِّيقا))، وكذلك شأن الكاذب في السقوط إلى أن يختم له بالكذب: ((وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب، حتى يُكتب عند الله كذَّابا))(رواه البخاري ومسلم).
قال الله - تعالى -((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)) الأحزاب: 23.
وقال ابن عباس: أربع من كن فيه فقد ربح: الصدق، والحياء، وحسن الخلق، والشكر.
وقال بشر بن الحارث: من عامل الله بالصدق استوحش من الناس.
وقال رجل لحكيم: ما رأيت صادقًا! فقال له: لو كنت صادقًا لعرفت الصادقين.
وقيل لذي النون: هل للعبد إلى صلاح أموره سبيل؟ فقال:
قد بقينا من الذنوب حيارى فدعاوى الهوى تَخفُ علينا
نطلب الصدق ما إليه سبيل وخلاف الهوى علينا ثقيل
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (ما كذبت مذ علمت أن الكذب يشين صاحبه)
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله(والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت)(1/136)
وقال الشعبي رحمه الله: "عليك بالصدق حيث ترى أنه يضرك فإنه ينفعك.واجتنب الكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرك" وقال عبد الملك بن مروان لمعلم أولاده: "علمهم الصدق كما تعلمهم القران".
ويقول الشاعر:
عود لسانك قول الصدق تحظ به …إن اللسان لما عودت معتاد
عباد الله إن الصدق انواع فمن انواع الصدق
صدق في نقل الأخبار:
مطلوب من المسلم الناقل التثبت فيما يقال واجتناب الظنون والأوهام والحذر من التحدث بكل ما يسمع كما قال عليه الصلاة والسلام: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع))
وكما قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)) ومن ذلك لمز الدعاة والمصلحين وترديد الأباطيل والأراجيف الكاذبة التي يروجها المغرضون والمفسدون بهدف تشويه دعاة الحق الذين يصدعون به ولا يخافون لومة لائم ويتلقف هذه التهم أناس لا علم لهم ولا تثبت فتلوكها ألسنتهم، وكأنها قضية مسلمة لا مرية فيها، وقد حذر سبحانه من هذا المسلك المنحرف فقال:
((إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ))
وقال الله عز وجل: ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً ))
قال ابن عباس: أي لا تقل، وقال: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم، وهذا النوع من الصدق في القول يحتم على الصادق أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه جل وعلا كقوله مثلا: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، فإن قلبه إذا كان منصرفا عن الله تعالى مشغولا بأماني الدنيا وشهواته فهو كاذب.
ومن انواع الصدق عباد الله(1/137)
الصدق في الافعال والاقوال والصدق في الفعل هو معاملة الله تعالى بصدق نية، وإخلاص، ومحبة، ويقين، واتباع لشرع رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ومعاملة الخلق بصدق ورحمة ووفاء، قال الله تعالى: ((وَلَـ?كِنَّ ?لْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِ?للَّهِ وَ?لْيَوْمِ ?لآخِرِ وَ?لْمَلَئِكَةِ وَ?لْكِتَـ?بِ وَ?لنَّبِيّينَ وَءاتَى ?لْمَالَ عَلَى? حُبّهِ ذَوِى ?لْقُرْبَى? وَ?لْيَتَـ?مَى? وَ?لْمَسَـ?كِينَ وَ?بْنَ ?لسَّبِيلِ وَ?لسَّائِلِينَ وَفِي ?لرّقَابِ وَأَقَامَ ?لصَّلَو?ةَ وَءاتَى ?لزَّكَو?ةَ وَ?لْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَـ?هَدُواْ وَ?لصَّابِرِينَ فِى ?لْبَأْسَاء و?لضَّرَّاء وَحِينَ ?لْبَأْسِ أُولَئِكَ ?لَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ ?لْمُتَّقُونَ)) البقرة:177
قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً)) رواه ابو داوود
فهذا هو الرّبح الأوفر لأهل الصدق، وأي ربح أعظم من الجنة
ومن انواع الصدق عباد الله
الصدق في الوعد والوفاء به:
سواء كان هذا الوعد على مكان معين أو في زمان معين أو على أعطية أو زواج أو أي أمر آخر يعد به الرجل أخاه، فالصدق في القول يستلزم الوفاء بها وعدم إخلافها مهما كانت الظروف، وللأسف الشديد فإن هذا النوع من الصدق في القول لازلنا نفتقده كثيرا في واقعنا وقل من يحرص عليه.
الصدق في الوفاء بالعقود والعهود :
سواء كان عهدا مع الله عز وجل أو مع رسوله صلى الله عليه وسلم أو مع أي أحد فالوفاء بكل ذلك من لوازم الصدق كما أن إخلاف أي منها من لوازم الكذب والنفاق ((وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون )).
فالوفاء بعهد الله عز وجل يقتضي توحيده وإفراده بالعبادة، كما يقتضي التحاكم إلى شرعه وحده والكفر بالطاغوت، وهذا هو مقتضى الصدق في شهادة أن لا إله إلا الله التي يرددها الإنسان بلسانه.(1/138)
كما أن الوفاء بعهده صلى الله عليه وسلم يقتضي إحياء سنته والذب عنها وتقديم قوله على قول كل أحد، وهذا مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله،
وأما الوفاء بعهد الناس فقد جعل الشرع إخلافه والغدر فيه من أشد أنواع الكذب بل جعله من أركان النفاق وآيات المنافقين كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهم كانت فيه خصلة من النفاق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه أحمد من حديث أبي هريرة: ((لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ، ولا يجتمع الكذب والصدق جميعا، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا)).
ولذا كان حرص السلف على الوفاء بالعهد بل بما هو دونه فأخرج الفريابي عن عبد اله بن عمرو لما حضرته الوفاة قال: انظروا فلانا لرجل من قريش. فإني كنت قلت له في ابنتي قولا يشبه العدة وما أحب أن ألقى الله تعالى بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا مع الصادقين وأن يحشرنا معهم وأن يعصمنا من الكذب والزلل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدّله وعلّمه البيان وبه فضلّه وأمدّه بلسان يترجم به عما حواه و عقله والصلاة والسلام على من أرسله ربه و أكرمه وبالقرآن الكريم أرسله وعلى آله وأصحابه ما كبّر عبد وهلّله .
وبعد عبادالله
إن الصدق أساس الثقة بين الأفراد كما أنه الصفة الأساسية للمؤمن لانه دليل قوة الشخصية و مراقبة الله فى كل سلوك و عمل و هو الغنى الأكبر للنفس المؤمنة,
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم(( أربع إذا كن فيك فلا عليك مافاتك من الدنيا: حفظ أمانة و صدق حديث و حسن خليقة و عفة فى طعمة))(1/139)
و من أجل ذلك أن ينأى المؤمن عن كل صورة من صور الكذب نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكذب و لو على سبيل المزاح بقوله: ((لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب فى مزاحه و إن كان صادقا))
تقول أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ما كان خلق أبغض غلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من الكذب و لقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فمايزال فى نفسه شىء حتى يعلم أنه قد أحدث فيها توبة
و يروي لنا الصحابى عبدالله بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم موقفا يعتبر دستورا فى التربية الإسلامية و منهجا متكاملا فى التعامل مع الاطفال و فى تنشئتهم على الصدق
قال عبدالله: دعتنى أمى يوما و أنا صغير و رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد فى بيتنا فقالت: تعالى أعطك, فقال لها صلى الله عليه و سلم: ما اردت ان تعطيه؟ قالت اردت ان أعطيه تمرا فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ((أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة))
و ما أجدرنا أن نضع هذا التوجيه النبوى الكريم نصب أعيننا فى تعاملنا مع أطفالنا لينشئوا على الصدق
عباد الله إن للصدق ثمرات عظيمة منها أولاً
الصدق = طمأنينة وثبات:
ومن آثار الصدق ثبات القدم، وقوة القلب، ووضوح البيان، مما يوحي إلى السامع بالاطمئنان، ومن علامات الكذب الذبذبة، واللجلجة، والارتباك، والتناقض، مما يوقع السامع بالشك وعدم الارتياح، ولذلك: قال صلى الله عليه وسلم ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة))رواه الترمذي وقال: حديث صحيح
الصدق نجاة وخير:(1/140)
ففي قصة توبة كعب بن مالك يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا: " يا رسول الله إن الله - تعالى - إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدّث إلا صدقًا ما بقيت "، ويقول كذلك: " فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ... "(رواه البخاري).
فصدق الله القائل (( فلو صدقوا لكان خيراً لهم ))
وقيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال بلى. قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: تقوى الله - عز وجل -، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك مالا يعنيني
ثالثاًوعلى الصدق يترتب الأجر والثواب يوم القيامة كما قال سبحانه: ((ليجزي الله الصادقين بصدقهم ))وكما قال: ((هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ))ويقول ابن تيمية رحمه الله: والصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها. ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصدق))
وقال تعالى ((إِنَّ ?لْمُسْلِمِينَ وَ?لْمُسْلِمَـ?تِ وَ?لْمُؤْمِنِينَ وَ?لْمُؤْمِنَـ?تِ وَ?لْقَـ?نِتِينَ وَ?لْقَـ?نِتَـ?تِ وَ?لصَّـ?دِقِينَ وَ?لصَّـ?دِقَـ?تِ وَ?لصَّـ?بِرِينَ وَ?لصَّـ?بِر?تِ وَ?لْخَـ?شِعِينَ وَ?لْخَـ?شِعَـ?تِ وَ?لْمُتَصَدّقِينَ وَ?لْمُتَصَدّقَـ?تِ و?لصَّـ?ئِمِينَ و?لصَّـ?ئِمَـ?تِ وَ?لْحَـ?فِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ?لْحَـ?فِظَـ?تِ وَ?لذاكِرِينَ ?للَّهَ كَثِيراً وَ?لذاكِر?تِ أَعَدَّ ?للَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) الأحزاب:35.
رابعاً(1/141)
أن الصدق أساس الخير والبركة والنماء في الأموال والأولاد وكل المعاملات كما قال عليه الصلاة والسلام: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)) وكان جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه إذا بايع أحدا قال: أعلم يا أخي أن ما أخذنا منك خير مما أعطيناك فاختر.
فقد يتوهم بعض الناس أن ستر الحقائق ودفن الأخطاء والعيوب في التعاملات يدر لهم ربحا ويدفع عنهم شرا، وهذا وهم وسراب، فمثل هذا التاجر كسبه ممحوق بركته حتى تجد كثيرا منهم يتساءل ويعجب أين تذهب أموالنا في حين أن غيرهم ممن يصدق في بيعه يبارك الله له في هذا القليل.
خامساًثم من أعظم ثمرات الصدق في الدنيا:
حسن الخاتمة:(1/142)
وما أعظمها من ثمرة لو لم يكن للصدق ثمرة لكفى، فحسن الخاتمة هي التي من أجلها شمر المشمرون، وهي التي أقضت مضاجع الصالحين وأوجلت قلوب العارفين، وهذا حق لا ريب فيه فإن العبد عندما يصدق ويتحرى الصدق فإنه يكتب عند الله صديقا ويوفق إلى قول كلمة الصدق عند موته التي هي شهادة ألا إله إلا الله، التي من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة، وهذه الكلمة إنما يكون للنطق بها في هذا الموقف هذا الفضل لأنها صدق في ذاتها ولا يوفق إليها إلا صادق، وهو عندما يقولها في هذا الوقت تكون شهادة صدق لأنها شهادة من عبد موقن بها عارف بمضمونها قد ماتت منه الشهوات ولانت نفسه المتمردة وانقادت بعد إبائها واستعصائها وأقبلت بعد إعراضها وذلت بعد عزها وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها واستسلمت بين يدي ربها وفاطرها ومولاها الحق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته وتجرد فيها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك واجتمع همها على من أيقنت بالقدوم عليه والمصير إليه، فوجه العبد وجهه بكليته إليه وأقبل بقلبه وروحه وهمه عليه فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا واستوى سره وعلانيته فقال: لا إله إلا الله مخلصا من قلبه وقد تخلص قلبه من التعلق بغيره وشارف القدوم على ربه وخمدت نيران شهوته وامتلأ قلبه من الآخرة فصارت نصب عينيه، وصارت الدنيا وراء ظهره فكانت تلك الشهادة الصادقة الخالصة خاتمة عمله فطهرته من ذنوبه وأدخلته على ربه لأنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة وافق ظاهرها باطنها وسرها علانيتها.
اللهم احسن ختامنا وارزقنا الصدق في الاقوال والافعال يارب العالمين
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه
فقال (( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما))اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
الروضة السادسةعشرة
مع الصدقة وأهميتها(1/143)
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه
اما بعد عباد الله اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون وبعد :-
عباد الله سنقف واياكم مع الصدقة واهميتها في الدنيا والاخرة
إعلموا عباد الله
إن (الصدقة) باب (للرزق) فلا تغلقوه، وطريق للخير فلا تنكبوه.. اطلبوا (الرزق) الواسع بها، فبها يبارك الله لك في رزقك القليل، ولا يفتح عليك أبواباً تضطر فيها إلى الدَيْن والسؤال.. بسبب مرض، أو مصيبة.. والرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - يوجهنا: (داووا مرضاكم بالصدقة). ومن هنا جاء توجيه علي -رضي الله عنه-: (الصدقة دواء منجح). فيها يصرف الله عنك البلاء، ويفتح عليك أبواب الخير والسعادة.. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.. فأنت بصدقتك أدخلت السرور والفرح على أهل بيت ضاقت بهم السبل، واشتد عليهم الكرب.. فجاءت صدقتك نوراً وأملاً يبدد ظلامهم الدامس، ويأسهم القاتل، فالله - سبحانه - حقيق أن يبدد من حولك الظلمات، ويدخل على قلبك السعادة والأمل... فـ (من يُعطِ باليد القصيرة، يُعطَ باليد الطويلة).. ويدك بالتأكيد هي اليد القصيرة.. ويد مولاك - سبحانه - هي الطويلة العظيمة.
استنزلوا الرزق بالصدقة!! فقد (فرض الله الزكاة تسبيباً للرزق).. فلا تبخل بحق الله في مالك، فهو الواهب، وهو المانح، فإن مَنَعتَ مُنِعْتَ، فأي المنعَيْن أشدّ؟! فإنّ " لله في كل نعمة حقاً، فمن أداه زاده منها، ومن قصّر عنه خاطر بزوال نعمته".
الزكاة تحصين، والصدقة حفظ، والعطاء زيادة، والبذل سيادة.. "سوسوا إيمانكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء".
استنزلوا الرزق بالصدقة!!(1/144)
، والمعنى، إذا افتقرتم وأعسرتم فتصدقوا بالقليل الذي تملكون.. فإن الله يعطف الرزق عليكم بالصدقة. فكأنكم عاملتم الله بالتجارة، وإنها لتجارة رابحة، وههنا أسرار لا تعلم..
فأين المتاجرون بالصدقات؟!
أين المتاجرون بالبذل والإنفاق؟!
أين المتاجرون بدفع الزكوات؟!
أين الذين يتاجرون في هذا كله مع الله؟!
وهل يخسر تاجر يتاجر في تجارة مع الواسع العليم: ((مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))البقرة261
فاستنزلوا الرزق بالصدقة!!
فقه ينبغي له أن يحيا فينا، فيتبوأ مكاناً علياً، ويتصدر فهمنا، ويحكم سلوكنا، ويتوج عرش قلوبنا، حتى نتخلص من شح نفوسنا، وسوء ظننا
قال الله - تعالى - آمراً نبيه: ((قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ))إبراهيم: 31
ويقول - جل وعلا -((وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ..)) البقرة: 195
وقال - سبحانه -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم))البقرة: 254
وقال - سبحانه -: ((أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)) البقرة: 267(1/145)
وقال - سبحانه ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) التغابن: 16. ومن الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله صلى الله عليه وسلم (ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) في الصحيحين
عباد الله إن للصدقة فضائل وفوائد
أولاً: أنها تطفىء غضب الله - سبحانه وتعالى-
كما في قوله: صلى الله عليه وسلم (إن صدقة السر تطفىء غضب الرب - تبارك وتعالى -) صحيح الترغيب
ثانياً: أنها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها
كما في قوله: صلى الله عليه وسلم (والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار) صحيح الترغيب
ثالثاً: أنها وقاية من النار
كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (فاتقوا النار، ولو بشق تمرة)
رابعاً: أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة
كما في حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل امرىء في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس)
قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) في الصحيحين
خامساً: أن في الصدقة دواء للأمراض البدنية
كما في قوله: صلى الله عليه وسلم (داووا مرضاكم بالصدقة) يقول ابن شقيق: (سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ) صحيح الترغيب.
سادساً: إن فيها دواء للأمراض القلبية(1/146)
كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: (إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم) رواه أحمد.
سابعاً: أن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء
كما في وصية يحيى - عليه السلام - لبني إسرائيل: (وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم) صحيح الجامع
فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإن الله - تعالى - يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنهم قد جربوه.
ثامناً: أن المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك
وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) في الصحيحين.
تاسعاً: أن صاحب الصدقة يبارك له في ماله
كما أخبر النبي عن ذلك بقوله: (ما نقصت صدقة من مال) في صحيح مسلم.
عاشراً: أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به
كما في قوله - تعالى ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ))البقرة: 272]. ولما سأل النبي عائشة - رضي الله عنها - عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلا كتفها. قال(بقي كلها غير كتفها) صحيح مسلم
الحادي عشر: أن الله يضاعف للمتصدق أجره
كما في قوله - عز وجل -: ((إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)) الحديد: 18
وقوله - سبحانه -: ((مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) البقرة: 245.(1/147)
الثاني عشر: أن صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة
كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان) قال أبو بكر: يارسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: {نعم وأرجو أن تكون منهم) في الصحيحين.
الثاث عشر: أنها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلا أوجب ذلك لصاحبه الجنة
كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟)قال أبو بكر: أنا. قال: (فمن تبع منكم اليوم جنازة؟) قال أبو بكر: أنا. قال: (فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟) قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله(ما اجتمعت في امرىء إلا دخل الجنة) رواه مسلم
الرابع عشر: أن فيها انشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته،
فإن النبي ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع) في الصحيحين (فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلمَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقياً بالاستكثار منها والمبادرة إليها
وقد قال - تعالى ((وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)) الحشر: 9
الخامس عشر: أنَّ النبَّي جعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به،(1/148)
وذلك في قوله: (لا حسد إلا في اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل والنهار)،
فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله؟ نسأل الله الكريم من فضله.
السادس عشر: أنَّ الصدقة مطهرة للمال، تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة فقد كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يوصي التَّجار بقوله: (يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، صحيح الجامع.
اسأل الله ان يقوي إيماننا وان يرفع درجاتنا أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
عباد الله
أيها المسلمون ما هي أفضل الصدقات:
أولاً: الصدقة الخفية؛
لأنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة وفي ذلك يقول - جل وعلا ((إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ)) البقرة: 271(1/149)
(فأخبر أنَّ إعطاءها للفقير في خفية خيرٌ للمنفق من إظهارها وإعلانها، وتأمَّل تقييده - تعالى - الإخفاء بإتيان الفقراء خاصة ولم يقل: وإن تخفوها فهو خيرٌ لكم، فإنَّ من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيشٍ، وبناء قنطرة، وإجراء نهر، أو غير ذلك، وأمَّا إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد، والستر عليه، وعدم تخجيله بين النَّاس وإقامته مقام الفضيحة، وأن يرى الناس أن يده هي اليد السفلى، وأنَّه لا شيء له، فيزهدون في معاملته ومعاوضته، وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص، وعدم المراءاة، وطلبهم المحمدة من الناس. وكان إخفاؤها للفقير خيراً من إظهارها بين الناس، ومن هذا مدح النبي صدقة السَّر، وأثنى على فاعلها، وأخبر أنَّه أحد السبعة الذين هم في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة، ولهذا جعله - سبحانه - خيراً للمنفق وأخبر أنَّه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته
[طريق الهجرتين].
ثانياً: الصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار
كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحُ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا) في الصحيحين.
ثالثا: بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة؛ لقوله: صلى الله عليه وسلم (افضل الصدقة جهد المُقل، وابدأ بمن تعول) رواه أبو داود، وقال(سبق درهم مائة ألف درهم) قالوا: وكيف؟! قال: (كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها) رواه النسائي، صحيح الجامع،(1/150)
رابعا: الإنفاق على الأولاد كما في قوله: صلى الله عليه وسلم ( (الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة) في الصحيحين، وقوله: صلى الله عليه وسلم (أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم.
اخامسا: الصدقة على القريب، كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. قال أنس: (فلما أنزلت هذه الآية( لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)
آل عمران: 92. قام أبو طلحة إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه لَن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال رسول الله: {بخ بخ مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى أن تجعلها في الأقربين). فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه في الصحيحين
وقال: صلى الله عليه وسلم (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة و قال - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع وهو القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها؛
سادسا: الصَّدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله - سبحانه وتعالى- بقوله
(( وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ )) النساء: 36
وأوصى النبي أبا ذر بقوله: (وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها) رواه مسلم.(1/151)
سابعا: النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهاداً للكفار أو المنافقين، فإنه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات ومن ذلك قوله - سبحانه -: ((انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) التوبة: 41،
وقال - سبحانه - مبيناً صفات المؤمنين الكُمَّل الذين وصفهم بالصدق ((إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) الحجرات: 15 وقال: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا) في الصحيحين
ثامنا: الصدقة الجارية: وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره عليه؛ لقوله: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم.
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك وبطاعتك عن معصيتك
اللهم قوي إيماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا يارب العالمين
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير محمد صلى الله عليه وسلم وعلى وصحبه من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
الروضة السابعة عشرة
مع الطيبين
الحمد لله الكريم الفتاح أهل الكرم والسماح المجزل لمن عامله بالارباح سبحانه فالق الإصباح وخالق الارواح .
احمده سبحانه على نعم تتجدد بالغدو والرواح واشكره على ما صرف من المكروه وازاح وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة بها للقلب انفساح وانشراح
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله الذي ارسل بالهدى والصلاح اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله واصحابه ما بدا نجم ولاح .
اما بعد(1/152)
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحه مباركه تبيض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل
يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا
يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن
نسأل الله عزوجل بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا وأن يكِره إلينا الفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين
يقول تعالى: ((قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)) المائدة:100
اسمع ـ يا عبد الله ـ إلى كلام العزيز الحميد الذي بيَّن لنا أنه لا يستوي عنده الخبيث والطيّب، فالطيّب في أعلى الدرجات، والخبيث في أسفل الدّركات. والله جعَل الدنيا دار ابتلاء وامتحان، لماذا؟ ليميز الخبيثَ من الطيب. والله تعالى طيّب يحبّ الطيب من القول، ويحب الطيب من العمل، ويضاعفه لأصحابه. الله جل وعلا يحب الطيّبين من الناس، ويبغِض الخبيث. الله جل وعلا يرفع الطيّبَ ويبارك لأصحابه فيه.
أيها المسلمون، الله أمرنا أن نكون طيّبين في أقوالنا وأعمالنا وذواتنا وأموالنا، ونهانا أن نكون من الخبيثين في أقوالنا وأعمالنا وأموالنا وذواتنا. فانظروا وتأمّلوا هل يستوي من طاب لسانه وطاب قوله فلا يقول إلا طيّبا ولا ينطق إلا خيرا، إذا حضرتَ مجلسَه وجدتَه طيّبا مطيَّبا بذكر الله والصلاة والسلام على محمد رسول الله،
هل يستوي هذا مع ذلك الرجل الذي إذا تكلّم تكلّم بغيبة ونميمة وتفريق بين الناس؟!
وصدق الله القائل: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)) إبراهيم:24، 25.(1/153)
قال ابن قيم الجوذية رحمه الله: شبه الله سبحانه (وتعالى) الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع
و جمهور المفسرين يقولون الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله " فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة .
الشجرة الطيبة أول صفة لهاانها طيبة وذلك يحتمل عدة امور منها
أنها طيبة المظر والصورة والشكل (( والنخل باسقات لها طلع نضيد ))ق
وثانيها كونها طيبة الرائحة وثالثها كونها طيبة الثمرة ورابعها كونها طيبة المنفعة
أصلها ثابت راسخ رسوخ الجبال باقٍ فرعها في السماء بعيدة عن عفونات الارض
عباد الله الكلمة الطيبة قد تهدي انساناً
الكلمة الطيبة قد تغير مجتمعاً
الكلمة الطيبة قد ينقذ الله بها قلوباً أو يعمر بها نفوساً بل قد يحيي بها الله أقواماً من السبات
عباد الله
الكلمة الطيبة كحبة القمح المفردة قد تهمل وتذهب أدراج الرياح وقد تكون مباركة فتنبت وتثمر وقد تكون الثمرة خصبة تتضاعف وتتضاعف
الكلمة الطيبة كلمة الحق كالشجرة الطيبة ثابتة سامقة مثمرة لا تزعزها الاعاصير ولا تعصف بها رياح الباطل ولا تقوى عليها معاول الطغيان وإن خيّل للبعض أنها معرضة للخطر فهي سامقة متعالية تطل على الشر والظلم والطغيان من علو .
والكلمة الخبيثة كلمة الباطل كالشجرة الخبيثة قد تتعالى وتتشابك ويخيّل الى البعض أنها أضخم من الشجرة الطيبة وأقوى ولكنها تظل ضعيفةً وما هي إلا فترة ثم تجتث من قوق الارض فلا قرار لها ولا بقاء .(1/154)
عباد الله، هل يستوي المؤمن طيّبُ الأعمال الذي إذا رأيتَه رأيتَ عمله طيّبًا، عملَه حسنًا، عملا يحبه الناس ويحبه الله، يؤدّي فرائض الله، طيّبا في أعماله، راعيا لأمانته في وظيفته، هل يستوي هذا مع ذلك الخبيث في عمله وفعله؟! تراه لا يرعى أمانة الله، متقهقرا في الصلوات، إذا استُرعي على مال أكله، إذا استُعمل على وظيفة ارتشى وغشّ وخان، هؤلاء ولو كانوا كثيرين فهم عند الله من أخبث البشر.
اللهم طيّب السنتنا بذكرك يارب العالمين
أيها المؤمنون، هل يستوي المال الطيب والمال الخبيث؟! فالطيب من المال وإن قل فمآله إلى بركة، مآله إلى خير، وصاحب المال الحلال تستجاب دعوته، ويبارك الله في أهله وأولاده. لا يستوي هذا مع صاحب المال الخبيث ولو كان الحرام قليلا فهو داء وسمّ زعاف، صاحب المال الحرام من أيّ مصدر كان؛ من رشوة أو ربا أو غش أو خيانة لأموال المسلمين فهو مال خبيث، وبالٌ على صاحبه في الدنيا والآخرة.
عباد الله، أهل الإيمان معدنهم أفضل المعادن، فهم كالذهب وأصفى وأطيب، ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)) البينة:7،
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن مثل المؤمن كمثل القطعة من الذهب، ينفخ فيها صاحبها فلم تتغير. والذي نفس محمد بيده، إن المؤمن كمثل النخلة أكلت طيّبا ووضعت طيبا))
وقال صلى الله عليه وسلم ((مثل المؤمن كمثل النخلة ما أخذتَ منها من شيء نفع)). النخلة تثمر طوال السنة بلحا رطبا، والمؤمن أينما حلّ نفع، كالغيث والنخلة أغصانها وجذوعها وجريدها يفيد البلادَ والعباد، والمؤمن كله خير؛ كلامه وماله وحركته. والنخلة ترمَى بالحجر وترد بأطيب الثمر، وهكذا المؤمن يدفع الإساءةَ بالإحسان. النخلة أصلها ثابت لا يتزعزع، والمؤمن ثابت لا تغيّره شهوة ولا شبهة ولا غيرها، فهو ثابت على دينه وتقواه. النخلة فرعها في السماء، والمؤمن لا يأخذ زاده وغذاءه إلا من خالق السماء.(1/155)
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن خير عباد الله الموفون الطيّبون، أولئك خيار عباد الله)). معيشة المؤمن طيّبة، ورزقه طيّب، وحياته طيبة،
((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ))
وقال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) البقرة:222
وقال تعالى: ((وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)) الفرقان:48.
فالمؤمنون استلموا الماء الطهور من ربهم، فتطهروا بالماء الطهور، فأصبحوا طاهرين متطهِّرين، ويوم القيامة الجزاء من جنس العمل، ((وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا)) الإنسان:21.
طهارة في الماء، طهارة في الصلاة، وطهارة في الجنة مع سيد الطاهرين محمد صلى الله عليه وسلم.
أسال جل وعلا أن يجعلنا وأياكم من أهل الايمان والتقوى بارك الله لي ولكم في القران العظيم 'ونفعنا وإياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم إنه تعالى جواد كريم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهدا ن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبه ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وبعد
عباد الله
إعلموا أن الحياة الطيّبة لا تكون إلا بالإعمال الصالحة والإيمان، قال تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) النحل:97.
فالإيمان عباد الله مع العمل الصالح جواؤه حياة طيبة في هذه الارض ولا يهم أن تكون الحياة ناعمة بالمال وفي الحياة أشياء اخرى غير المال تطيب بها الحياة فالحياة الطيبة هي الحياة التي تمتلء بالاتصال بالله والثقة به والاطمئنان الى رعايته وستره ورضاه .(1/156)
الحياة الطيبة هي التي فيها الرضا بما قسم الله والعيش على الذكر والقران .اللهم احيينا حياة طيبة يارب العالمين
عباد الله
وفي الحياة الزوجية الطيبات للطيّبين، الأقوال الطيّبة لا تصدر إلا من أناس طيبين، الأقوال الخبيثة لا تخرج إلا من أناس خبيثين،
قال تعالى
((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ))النور26
والمؤمن ذريته طيبة مباركة، ((قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)) مريم:4، 5.
فأنت ـ يا عبد الله ـ طيّب، تزوجتَ طيّبة، يعطيك الله ذريّة طيبة. والمؤمن إن أنفق وأخرج من ماله أنفق من الطيبات، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)) البقرة:267.
والجود عباد الله لا بد ان يكون من أفضل الموجود ولا يكون بالرديء الذي يعافه صاحبه فالله أغنى عن تقبل الرديء الخبيث قال تعالى ((ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون )
وقال تعالى (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ))
ايها المسلمون
المؤمن في حياته كلها طيب، في أخلاقه طيب، في سلامه طيب، قال تعالى: ((فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً)) النور:61.
والمؤمن رحلته طيبة إلى الله تعالى، فإذا مات جاءته ملائكة بيض الوجوه يقولون: "اخرجي ـ أيتها النفس الطيبة ـ إلى روح وريحان ورب راض غير غضبان"، قال تعالى: ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ)) النحل:32.(1/157)
تتوفاهم الملائكة طيبة نفوسهم بلقاء الله فهم بعيدين عن الكرب وعذاب الموت يقولون سلام عليكم طمأنةً لقلوبهم وترحيباً بقدومهم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون تعجيلا لهم بالبشرى وهم على أعتاب الاخرة جزاءً وفاقاً على ما كانوا يعملون
والمؤمن في قبره يأتيه رجل طيب الرائحة طيب الملبس جميل الصورة فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، أنا عملك الطيب، فيفتح له نافذة إلى الجنة، ويوسّع له في قبره. وفي الجنة تستقبل الملائكة المؤمنين
قال تعالى: ((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)) الزمر:73،
فهو الاستقبال الطيب والثناء المستحب لماذا لانكم طبتم وتطهرتم كنتم طيبين وجئتم طيبين
سلام عليكم طبتم فادخلوا دار الطيبين والأزواج المطهرة،
سلام عليكم طبتم طيّبكم الله رفعكم الله أعّزكم الله وهبكم الله
سلام عليكم طبتم طيّبكم فعلُ الخيرات وأداءُ الصلوات و طاعةُ الوالدين وحبّ الصالحين وذكر الله ونصرة الصالحين والحياء والعفة وحسن الخلق.
فيا أيها المؤمن، عنوان السعادة والصلاح في الدين والدنيا والآخرة الإيمانُ الصحيح، فالمؤمن الحق لا يأتي إلا طيبًا، ولا يصدر منه إلا طيب، بدنه طيب، وخلقه طيب، مدخله طيب، ومخرجه طيب.
وأخيرًا، أسأل الله بأسمائه الحسنى أن يجعلني وإياكم من الذين طابت أقوالهم وأعمالهم ونفوسهم، وأسأل الله أن يجعلنا وذرياتنا من الطيبين المطيبين، اللهم
هذا وصلوا وسلموا على المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى اله فمن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا
الروضة الثامنة عشر
مع المستغفرين
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وِأشهد أن محمد عبده ورسوله(1/158)
يايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون
أما بعد :
عباد الله سنقف وإياكم في هذه الدقائق مع الإستغفارو المستغفرين فألاستغفار وطلب المغفرة هما غاية كل مؤمن وهما دعوة الأنبياء ومطلب الصديقين وأمنية المذنبين والتائبين .
فالله يدعوا إليها والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه وهي دعوة الرسل جميعا فهذا نبي الله هود يقول : كما قال الله تعالى :
((وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ)) هود 52.
وقال صالح (( فاستغفروا ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب ))
وقال شعيب لقومه : (( استغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ))
وهذا الصديق أبو بكر يسأل المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم : أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته .
فأوصاه المصطفى أن يدعوا في صلاته قبل أن يسلم ويقول : اللهم أني ظلمت نفسي ظلما كثيرا فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
أيها المسلمون مغفرة الله لنا ورحمته بنا خير لنا من الدنيا وما فيها .
قال تعالى :
(( لئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))الأعراف149
و قال تعالى (( وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ))النساء110
نعم ومن يُقْدِمْ على عمل سيِّئ قبيح, أو يظلم نفسه بارتكاب ما يخالف حكم الله وشرعه, ثم يرجع إلى الله نادمًا على ما عمل, راجيًا مغفرته وستر ذنبه, يجد الله تعالى غفورًا له, رحيمًا به.
ما أعظم الله ما أرحم الله أن رجعنا إليه قبلنا إن دعوناه أجابنا إن سألناه أعطانا .
وجاءت كلمة السوء نكرة لتشمل أي سوء تعمله يا عبد الله ما عليك إلا الرجوع إلى الرب الغفور والتوبة النصوح
عباد الله : لماذا نستغفر الله ؟
نستغفر الله :(1/159)
لان النبي صلى الله عليه وسلم قال ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفروا الله تعالى فيغفر لهم ))رواه مسلم
نستغفر الله
لإننا أصحاب خطايا وذنوب فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون
نستغفر الله:
لإن إبليس عليه اللعنة قال وعزتك وجلالك لأغوينهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم والله برحمته وعفوه وكرمه يقول :
(( وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما داموا يستغفروني )) .
سبحان الله القائل : ((قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))الزمر53
قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي, وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم.
نستغفر الله :
لإن الله أمر أكرم الخلق عليه يحيينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يستغفر .
قال تعلى(( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ))محمد19.
ولقد حثنا المصطفى صلى الله عليه وسلم : على الإستغفار والتوبة فقال
(( أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروا فإني استغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة وفي رواية سبعين مرة )) رواه البخاري
يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: (ما رأيت أكثر استغفاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم)
أخي المسلم يا عبد الله
كم نصيبك من الإستغفار في اليوم والليلة إذا كان حبيب الله ورسوله المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة .(1/160)
وها هو عبد الله بن عمر يقول : كنا نعد للنبي صلى الله عليه وسلم :في المجلس الواحد مائة مرة يقول رب اغفرلي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم .عبد الله كن من(( الذين يقولون ربناإننا أمنا فأغفرلنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار))ال عمران 16-17
نستغفر الله ونتوب إلى الله :
لإننا محتاجون إلى رحمة الله ومغفرته وعفوه قال تعالى ((لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }النمل46
نستغفر الله :
لإننا محتاجون للغيث والأمطار وما أنقطعت الأمطار وأجدبت الأرض إلا بالذنوب والمعاصي ولن يأتي الغيث من رب السماء إلا بالتوبة والإستغفار .
نستغفر الله ونتوب إلى الله :
لإن منا من قطع الصلاة وتهاون بها لإن منا من حلف بغير الله وحلف كاذبة الإيمان المغلظة .
لإن منا من تعامل بالربا وباع واشترى غشا .
لإن منا من سكت عن قول الحق وخاف من مخلوق مثله .
لإننا ما أمرنا بالمعروف وما نهينا عن المنكر لإن منا عق والديه وقطع الرحم ، سل لسانه على إخوانه بالغيبة والنميمة والسخرية والإستهزاء .
دخل رجل على الحسن البصري يشكو قلة الأمطار والجدب فقال : أكثر من الإستغفار .
وجاء رجل آخر يشكو الفقر فقال أكثر من الإستغفار .
وجاء رجل آخر يشكو قلة الولد فقال له كثر من الإستغفار .
فسأله أحد تلامذته مستعجبا من الإجابة الواحدة للثلاثة الأسئلة فقال أما قرأت قول الله تعالى : (( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهاراً..))نوح
وعن مورِّق قال : كان رجل يعملُ السيئات ، فخرج إلى البرية ، فجمع ترابًا ، فاضطجع عليه مستلقيًا ، فقال : ربِّ اغفر لي ذنوبي ، فقال : إنَّ هذا ليعرفُ أنَّ له ربًا يغفرُ ويُعذب ، فغفر له .(1/161)
وأما استغفارُ اللسان مع إصرار القلب على الذنب ، فهو دُعاء مجرَّد إن شاء اللَّه أجابه ، وإن شاء ردَّه .
وقد يكون الإصرار مانعًا من الإجابة . وفي (( المسند )) من حديث عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا : (( ويلٌ للذين يصرُّون على ما فعلوا وهم يعملون )) .
قال الضحاك : ثلاثةٌ لا يستجاب لهم ، فذكر منهم : رجل مقيم على امرأة زنى كلما قضى شهوته ، قال : ربِّ اغفر لي ما أصبتُ من فلانة ، فيقول الربُّ : تحول عنها وأغفر لك ، فأما ما دمت مقيمًا عليها ، فإنِّي لا أغفر لك ، ورجلٌ عنده مالُ قوم يرى أهله ، فيقول : ربِّ اغفر لي ما آكل من مال فلان ، فيقول تعالى : ردَّ إليهم مالهم وأغفر لك ، وأما ما لم تردَّ إليهم فلا أغفر لك .
قال بعض العارفين : من لم يكن ثمرةُ استغفاره تصحيح توبته ، فهو كاذب في استغفاره . وكان بعضُهم يقول : استغفارُنا هذا يحتاج إلى استغفارٍ كثير .
فأفضل الاستغفار ما اقترن به تركُ الإصرار ، وهو حينئذ توبةٌ نصوح ، وإن قال بلسانه : أستغفر اللَّه وهو غيرُ مقلع بقلبه ، فهو داعٍ للَّه بالمغفرة ، كما يقول : اللهمَّ اغفر لي ، وهو حسن وقد يُرجى له الإجابة .
وأفضل أنواع الاستغفار : أن يبدأ العبد بالثَّناء على ربِّه ، ثم يثني بالاعتراف بذنبه ، ثم يسأل اللَّه المغفرة. وبالجملة فدواءُ الذنوبِ الاستغفارُ .
أيها المسلمون بالإستغفار تدفع النقم والمحن والبلايا قال تعالى(( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ))الأنفال33
فالله وضع لهذه الأمة أمانان من العذاب في الدنيا :
فالأمان الأول وجود الرسول صلى الله عليه وسلم .
والأمان الثاني الإستغفار .(1/162)
فبالإستغفار تزول الهموم وتفرج الكروب ، ففي الحديث الصحيح عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : حيث قال : (( من لزم الإستغفار جعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيقا مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب )) .
وبالإستغفار والتوبة تنال القوة والتمكين للمؤمنين قال تعلى :
َ((يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ))هود52
ويا قوم اطلبوا مغفرة الله والإيمان به, ثم توبوا إليه من ذنوبكم, فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم متتابعًا كثيرًا, فتكثر خيراتكم، ويزدكم قوة إلى قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع النِّعم عليكم, ولا تُعرضوا عما دعوتكم إليه مصرِّين على إجرامكم.
وبالإستغفار يتيسر العسير وتزول المصيبة ، قال شيخ الإسلام بن تيمية : (إني لأمر بالمسألة فتستعصي علي فأستغفر الله واستغفر الله واستغفر الله فيفتح الله علي ) .
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه
وبعد
الهي الهي
ما زلت أُعرف بالإساءة دائماً
ويكون منك العفووالغفران
لم تنتقصني إن أسأت وزدتني
حتى كأن إساءتي إحسان
منك التفضل والتكرم والرضا
أنت الاله المنعم المنّان
يروى عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه :يابني عوِِد لسانك اللهم اغفرلي فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً.
وقال قتادة ايها الناس ان هذا القران يدلكم على دوائكم ودائكم فأما داؤكم فألذنوب وأما دواؤكم فألاستغفار .(1/163)
وقال الحسن البصري أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي اسواقكم وفي مجالسكم فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة
فالإستغفار سمة المؤمنين كلما أذنبوا وأساؤا استغفروا ورجعوا إلى الله لإنه وحده الغافر ، قال تعالى : ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))آل عمران135
والذين إذا ارتكبوا ذنبًا كبيرًا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه, ذكروا وعد الله ووعيده فلجأوا إلى ربهم تائبين, يطلبون منه أن يغفر لهم ذنوبهم, وهم موقنون أنه لا يغفر الذنرب إلا الله, فهم لذلك لا يقيمون على معصية, وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم .
عباد الله الإستغفار ليس للعاصين فقط بل لإصحاب الطاعات فالمصلون بعد إتمام الصلاة الخاشعة المطمئنة يستغفروا من كل نقص وزلل في الصلاة ، وبعد رحلة الحج العظيمة والطواف والسعي ورمي الجمار
قال تعالى : ((ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ))البقرة199
وبعد أن من الله على نبيه بالنصر والتمكين والفتح المبين أمره بالإستغفار ، قال تعالى : ((إذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ))النصر1-3 ً
قال أبو ذر لكل داء دواء ودواء الذنوب الإستغفار.
وقالت عائشة طوبى لمن وجد في صحيفته يوم القيامة إستغفار .
واعلموا أيها المسلمون أنه ليس كل من يستغفر يغفر له لا بعد من التوبة النصوح وعدم الإصرار على الذنب ، فلا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الإستغفار .(1/164)
يقول الله تعالى في الحديث القدسي : (( ياعبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم )) .
وإن من واسع فضل الله على العباد أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه تعالى يغفر الذنوب كلها، فعلى العبد ألا يقنط من رحمة ربه وإن عظمت ذنوبه وكثرت آثامه، فقد قال عز وجل: ((وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ ?لضَّآلُّونَ)) الحجر:56.
وروى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي
والملك العظيم جلا وعلا ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة نزولا يليق بجلاله وكماله فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له هل من صاحب حاجة فأقضيها له .
الهي انت الذي تهب الكثير
وتجبر القلب الكسيروتغفر الزلات
وتقول هل من تائبٍ مستغفرٍ
أو سائل ٍأقضي له الحاجات
علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الإستغفار وهو دعاء من قاله حين يصبح ثلاثا فمات من يومه دخل الجنة ومن ليلته كذلك :
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفرلي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
اللهم أنت ربي إقرار بأن الله هو المدبر المالك لكل شؤونه المحتاج إليه على الدوام
لا إله إلا أنت : إقرار بالوحدانية وهو وحده المستحق للطاعة والحب والخضوع .
خلقتني وأنا عبدك فالله : هو الذي خلق وهو الذي يرزق .(1/165)
أبوء لك بنعمتك علي : أعترف بنعمتك علي بالليل والنهار عافيتني ، سترتني ، آويتني ، هديتني ، أمنتني ، وفقتني فكيف لا أشكرك .
وأبوء بذنبي : أعترف وأقر بخطئي .
فاغفر لي : سامحني اعف عني استرني فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فلا ملجأ من الله إلا إليه ولا أمل إلا فيه جل وعلا
عبد الله أخيراً
هل تريد راحة البال. وانشراح الصدر وسكينة النفس وطمأنينة القلب والمتاع الحسن ؟ عليك بالاستغفار: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً) هود: 3.
هل تريد قوة الجسم وصحة البدن والسلامة من العاهات والآفات والأمراض والاوصاب ؟ عليك بالاستغفار(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) هود: 52.
هل تريد دفع الكوارث والسلامة من الحوادث والأمن من الفتن والمحن ؟ عليكم بالاستغفار: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) لأنفال:33
هل تريد الغيث المدرار والذرية الطيبة والولد الصالح والمال الحلال والرزق الواسع ؟ عليكم بالاستغفار: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) نوح :10ـ12
هل تريد تكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات ؟ عليكم بالاستغفار: {وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} البقرة: 58.
الاستغفار هو دواؤك الناجح وعلاجك الناجح من الذنوب والخطايا، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار دائماً وأبداً بقوله: (يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه فإني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة).(1/166)
والله يرضى عن المستغفر الصادق لأنه يعترف بذنبه ويستقبل ربه فكأنه يقول: يارب أخطأت وأسأت وأذنبت وقصرت في حقك، وتعديت حقوقك، وظلمت نفسي وغلبني شيطاني، وقهرني هواي وغرتني نفسي الأمارة بالسوء، واعتمت على سعت حلمك وكريم عفوك، وعظيم جودك وكبير رحمتك.
فالأن جئت تائباً نادماً مستغفراً، فاصفح عني، وأعف عني، وسامحني، وأقل عثرتي، وأقل زلتي، وأمح خطيئتي، فليس لي رب غيرك، ولا إله سواك.
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرضا
وجميل عفوك ثم أني مسلم
في الحديث الصحيح : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ).
ومن اللطائف كان بعض المعاصرين عقيماً لا يولد له وقد عجز الأطباء عن علاجه وبارت الأدوية فيه فسأل أحد العلماء فقال: عليكم بكثرة الاستغفار صباح مساء فإن الله قال عن المستغفرين {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}[نوح :12]. فأكثر هذا الرجل من الاستغفار وداوم عليهن فرزقه الله الذرية الصالحة.
فيا من مزقه القلق، وأضناه الهم، وعذبه الحزن، عليك بالاستغفار فإنه يقشع سحب الهموم ويزيل غيوم الغموم، وهو البلسم الشافي، والدواء الكافي
أسأل الله أن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا وأن يقوي إيماننا .............
الروضة التاسعة عشرة
مع اهل الفجر
الحمد لله رب العالمين وأرحم الراحمين وأقدر القادرين وأحكم الحاكمين الذي له الخلق والأمر وبيده النفع والضر
وأشهد أن لا إله إلا الله بارئ البريات وغافر الخطيئات وعالم الخفيات المطلع على الضمائر والنيات سبحانه أحاط بكل شيئ علماً ووسع كل شيء رحمة وحلما وقهر كل مخلوق عزة وحكما يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم لا تدركه الأبصار ولا تتوهمه الأفكار وكل شيء عنده بمقدار .
وأشهد أن سيدنا وحبينا محمد رسول الله النبي المختار وعلى آله وصحبه الأطهار(1/167)
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن وأنتم مسلمون .
عباد الله سنقف وإياكم مع الفجر ورجاله مع الفجر وأصحابه.
عباد الله صلاة الفجر تشكو من قلة المصلين فيها مع أنها صلاة مباركة مشهوده أقسم الله بوقتها فقال :
وقال تعالى : ((وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ)) الفجر:1، 2
وقال تعالى: ((أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)) الإسراء:78
عباد الله :
كم أجور ضيعها قاطع صلاة الفجر كم حسنات ضيعها مضيع صلاة الفجر أو مؤخرها كم من كنوز فقدناها يوم تكاسلنا عن صلاة الفجر .
1- صلاة الفجر تعدل قيام ليلة كاملة.
يقظة من قيام + إجابة للأذان + صلاة مع أهل الإيمان = ثواب قيام ليلة.
قال صلى الله عليه وسلم ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله )).اخرجه مسلم
2 - الحفظ في ذمة الله لمن صلى الفجر .
فعن أبو ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله))رواه مسلم
نعم إنها ذمة الله ليست ذمة ملك من ملوك الدنيا إنها ذمة ملك الملوك ورب الأرباب وخالق الأرض والسماوات ومن فيهاومن وصف نفسه فقال
((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) الزمر:67
ذمة الله التي تحيط بالمؤمن بالحماية له في نفسه وولده ودينه وسائر أمره فيحس بالطمأنينه في كنف الله وعهده وامانه في الدنيا والاخرة ويشعر أن عين الله ترعاه .
وإذا العناية لا حظتك عيونها
……نم فالمخاوف كلهن أمان
فاستمسك بحبل الله معتصما
……فإنه الركن إن خانتك أركان
اللهم احفظنا بحفظك ورعايتك وكن لنا معينا ومؤيدا وناصراً وكافيا
3- صلاة الفجرجماعة نور يوم القيامة:(1/168)
قال صلى الله عليه وسلم :
((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ))رواه الترمذي وا بن ماجه
والنور على قدر الظلمة فمن كثر سيره في ظلام الليل إلى الصلاة عظم نوره وعّم ضياءه يوم القيامة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((فيعطون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يغطي نوره مثل الجبل بين يديه ومنهم من يغطي فوق ذلك ومنهم من يغطي نوره مثل النخلة بيمينه حتى يكون آخر من يغطي نوره على إبهام قدمه يضيء مرة وينطفئ مرة ))
قال تعالى : ((يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)) الحديد:12.
اللهم نور قلوبنا ونور قبورنا ونور بصائرنا يا نور السماوات والأرض .
4- دخول الجنة لمن يصلي الفجر في جماعة :
قال صلى الله عليه وسلم :((من صلى البردين دخل الجنة ))والبردين هما الفجر والعصر
وقال صلى الله عليه وسلم (( لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ))
5- تقرير مشرف يرفع لرب السماء عنك يا من تصلي الفجرجماعة .
قال صلى الله عليه وسلم :
((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح والعصرثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم كيف وجدتم عبادي فيقولون تركناهم وهو يصلون وأتيناهم وهم يصلون ))
فيا عبد الله يا من تحافظ على صلاة الفجر سيرفع اسمك إلى الملك جل وعلا
ألا يكفيك فخرا وشرفا !!!؟؟
6- قال صلى الله عليه وسلم : ((ركعتا الفجر خير من الدينا وما فيها ))
الله اكبر
إذا كان سنة الفجر خير من الدنيا وما فيها فكيف بأجر الفريضة ألله أكبر سيكون أعظم وأشمل .
7- الرزق والبركة لمن صلى الفجر جماعة :
هذا الوقت وقت البركة في الرزق فإن النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم بارك لأمتي في بكورها ))
اللهم زد في أرزاقنا وبارك لنا فيها ووفقنا للصلاة في جماعة يار ب العالمين(1/169)
.ياقومنا هذي الفوائد جمّة فتخيروا قبل الندامة وانتهوا
إن مّسكم ضمأ يقول نذيركم لا ذنب لي قلت للقوم استقوا
عباد الله
ذكر الله عمَار المساجد فوصفهم بالايمان النافع وبالقيام بألاعمال الصالحة التي أمها الصلاة والزكاة وبخشية الله التي هي اصل كل خير
فقال تعالى ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ)) التوبة:18.
وحضورنا للصلاة مع الجماعة إنما هو عمارة لبيوت الله وبالاخص صلاة الفجر .
ومن ترك صلاة الفجر فقد اثر حب النفس وحب النوم على محاب الله ورسوله قال تعالى:
((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)) التوبة:24.
عباد الله كما أن للمحافظ على صلاة الفجر جماعة أجور وكنوز فإن لمن ضيعها آثار مدمرة وعقوبات مخفية :
أولها الإتصاف بصفات المنافقين :
قال تعالى : ((وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)) النساء:142
فهم لا يقومون الى الصلاة بحرارة الشوق الى لقاء الله والوقوف بين يديه والاتصال به إنما هم يقومون يراءون الناس فيقومون اليها كسالى كالذي يؤدي عملاً ثقيلاً فهم لا يتذكرون الله إنما يتذكرون الناس وهم لا يتوجهون الى الله إنما يتوجهون الى الناس وهي صورة تثير الإشمئزاز في نفوس المؤمنين(1/170)
وقال صلى الله عليه وسلم : (( ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً )) رواة الشيخان عن أبي هريرة .
وها هو ابن مسعود يقول : لقد رايتنا وما يتخلف عن صلاة الفجر إلا منافق معلوم النفاق ))
ويقول بن عمر : كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر أسأنا به الظن .
ثانيها : الويل والغي لمن ترك صلاة الفجر :
قال تعالى : ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ))
الماعون:4، 5،
الله المستعان نصاً قرانياً ينذر المصلين بالويل لأنهم لم يقيموا الصلاة حقاً إنما ادوا حركات لا روح فيها ولم يتجردوا لله فيها إنما أدوها رياء ولم تترك الصلاة أثرها في قلوبهم وأعمالهم فهي إذن هباء بل هي إذن معصية تنتظر سوء الجزاء
وقال عز وجل: ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)) مريم:59
أضاعوها فأخروها عن وقتها كسلاً وسهوا ونوماً
وغي هو واد في جهنم تتعوذ منه النار في اليوم سبعين مرة .
ثالثها : يبول الشيطان في أذنيه
كما روى ان بن مسعود قال ذكر رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم : نام ليلة حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشيطان قد استولى عليه واستخف به حتى جعله مكاناً للبول نعوذ بالله من ذلك .
رابعهاً الخبث والكسل طوال اليوم لمن نام عن صلاة الفجر .
وبهذا روى مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
(( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ))
ليس هذا فحسب بل وتعلن فضيحة على الملأ وتفوح معصية في ألأرجاء : قال أحد التابعين ((إن الرجل ليذنب الذنب فيصبح وعليه مذلته ))(1/171)
خامسها : كسر الرأس في القبر ويوم القيامة :
فقد ثبت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم رآى في رؤيا له :
((أن رجلاً مستلقياً على قفاه وآخر قائم عليه بصخرة يهوي بها على رأسه فيشد في رأسه فتتدهور الحجر فإذا ذهب ليأخذه فلا يرجع حتى يعود رأسه كما كان يفعل به مثل المرة الأولى وهكذا حتى تقوم الساعة فقال صلى الله عليه وسلم هذا جبريل ، قال هذا الذي يأخذ القرآن ويرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ))
عباد الله كيف نأمل أن ينصرنا الله عز وجل وان يرزقنا ويهزم أعداءنا وان يمكن لنا في الارض ونحن في تقصير وتفريط في حق الله .
كيف نسمع نداءه في كل يوم حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة خير من النوم ونحن لا نستجيب .
هل أمنا مكر الله ؟
هل نسينا وقوفنا بين يدي الله .
فياعبد الله قم عن الفراش وانهض من نومك واستعن بالله رب العالمين
سادسها : يمنع الرزق وبركته:
قال ا بن القيم :
((ونومة الصبح تمنع الرزق لإنه وقت تقسم فيه الأرزاق ))
رآى بن عباس ابناً له نائما نوم الصبح فقال له قم ا تنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق .
فيا عبد الله لا تفرط في الصلاة عامة وصلاة الفجر خاصة وشمر عن ساعد الجد واستعن بالله
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين نحمده تعالى ونشكره ونثني عليه الخير كله، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.وبعد
عبد الله هذه أمورتساعدك على اداء صلاة الفجر في جماعة :
أولها : نم مبكراً واترك السمر .(1/172)
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اخبرنا ان الجسم له حق علينا فإن اطالة السهر له تأثير على صحة الانسان فالنوم المبكر خير والكلام بعد صلاة العشاء ورد النهي عنه من نبينا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح الا ما استثناه الدليل من مسامرة الزوج زوجته والجلوس مع الضيف ومدارسة العلم اما اذا خشي فوات صلاة الفجر فلا يجوز .
وثانيها : احرص على آداب النوم
كالنوم على طهارة وأداء ركعتي الوضوء والمحافظة على أذكار النوم والاضطجاع على الشق الايمن ووضع الكف الايمن تحت الوجه وقراءة المعوذتين في الكفين ومسح ما أستطاع من الجسد بهما وغير ذلك من الاداب وادع الله أن يوفقك للقيام .
ثالثها ابذر الخير تحصد الخير :
فمن نام عقب أداء
.طاعة من صلة رحم أو بر والدينأو احسان الى جار أو صدقة سر أ, أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو سعي في حاجة مسلم كافأه الله بأن يكون ممن يشهدون الفجر .
رابعهاعدم الاكثار من الاكل والشرب
فأن كثرة الاكل تولد ثقلا في النوم بل حتى الطاعة تقل والخشوع يذهب لان من اكل كثيرا شرب كثيرا فتعب كثيرا فنام كثيرا فغفل كثيرا فخسر كثيرا .
ورابعها : ابتعد عن المعاصي في النهار كي تستطيع أن تقوم للصلاة وذلك بحفظ الجوارح عما لا يحل لها بالبعد عن النظر الحرام وكذلك اللسان والسمع وسائر الاعضاء فمن نام على معصية ارتكبها من غيبة مسلم أو خوض في باطل أو نظرة الى حرام أو خلف وعد أو اكل حرام عوقب بالحرمان من شهود الفجر لان من أساء في ليله عوقب في نهاره ومن أساء في نهاره عوقب في ليله .
اسأل الله أن يوفقنا لطاعته وأن يبعدنا عن معصتيه
خامسها لا تنسى عاقبة الصبر فمن عرف حلاوة الاجر هانت عليه مرارة الصبر والعاقل الفطن له في كل ما يرى حوله عبرة فمن سهر الليالي بلغ المعالي ومن استأنس بالرقاد استوحش يوم المعاد الا إن سلعة الله غالية الا إن سلعة الله الجنة.
اسأل الله أن يوفقنا لطاعته وأن يبعدنا عن معصتيه(1/173)
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال
((إِنَّ اللهَ وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِى ّياايها الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً))الا أحزاب:
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
الروضة العشرون
مع تكبير الله
الحمد لله الذي علا وقهر ,وعز واقتدر وفطر الكائنات بقدرته فظهرت فيها ادلة وحدانية من فطر فسبحانه من اله عظيم لا يماثل ولا يضاهى ولا يدركه بصر وتعالى من قادر محيط لا تنجي منه قوة ولا مفر .
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له على رغم أنف من جحدبه وكفر شهادة ندخرها ليوم لا ملجأ فيه ولا وزر شهادة نرجو بها النجاة من نار لا تبقي ولا تذر .
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله سيد البشر وعلى اله وصحبه السادة الغرر الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده فما وهى عزم احدهم ولا فتر .
عباد الله
اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلن وتمسكوا بما شرع الله لكم من الدين القويم وأعلموا أن طاعة الله فيها السلامة والنجاة وفيها الرفعة والعزة وإياكم والمعاصي فإنها توجب اليم العقاب ووبيل العذاب .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))آل عمران102
َ((يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))النساء1
عباد الله سنقف وإياكم في هذه الدقائق الغالية مع تكبير الله مع تعظيم الله مع قول الله أكبر .
عباد الله هل كبّرنا الله حق تكبيره هل عظّمنا الله حق تعظيمه(1/174)
قد نسمع من يقول الله أكبرلكنه يعتقد غير ذلك يعتقد أنه هناك من هو أكبر من الله نعوذ بالله من ذلك .
التكبيرعباد الله هو أن يقول الإنسان الله أكبر معتقداً أن لا كبير ولا عظيم إلا الله الذي بيده كل شيء فالحكم له والتوكل عليه والوقوف ببابه والرغبة في ثوابه والرهبة من عقابه.
قال جل وعلا
قال تعالى : ((وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ))المدثر3
أي لا تكبر غير الله ولا تعظم أحداً أعظم من الله فهو سبحانه أكبر من كل كبير لا إله إلا هو .
الله أكبر كلمة تعلن للخلق اجمعين أن الله أعظم من كل عظيم فهو الكبير المنّزه عن النقائص موصوف بكل صفات الكمال .
الله أكبركلمة يقولها المسلم بلسانه وقلبه وجوارحه مستشعراً قوله تعالى :
((مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ))نوح13
والتكبير عباد الله يتضمن شكر الله وحمده على نعمه الجزيلة التي لا تحصى.
فمن نعم الله علينا إنزال القرآن ومن نعم الله أيضاً شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن فلذا بعد انتهاء رمضان أمرنا الله بالتكبير
قال تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْالْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))لبقرة185.
وفي الحج ينطلق الحجاج إلى بيت الله الحرام تلبية للنداء وتعظيما لشعائر الله و تقرباً إلى الله عز وجل بنسكهم
قال تعالى : ((لن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ))الحج37(1/175)
وقال تعالى : ((وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ))الإسراء111
وكبر تكبيرا فهو المشرع فلا حكم إلا حكمه ، قال تعالى : ((أفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ))المائدة50
وكبره تكبيراً فأي إحسان إلا إحسانه وأي إنعام إلا إنعامه وأي كرم إلا كرمه وأي جود إلا جوده .
واي فضلٍ إلا فضله واي عطاءٍ إلا عطاءه
قال جل وعلا ((وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)) إبراهيم.34
وكبره تكبيراً لا تكبر الشرق ولا الغرب ولكن كبر القوي المتين
وهو العلي فكل أنواع
العلو له ثابتة بلا نكران
وهو العظيم بكل معنىً يوجب
التعظيم لا يحصيه من إنسان
وهو الجليل فكل أوصاف
الجلال له محققةٌ بلا بطلان
وكبره تكبيرا فهو الكبير الغني عن كل احد الفرد الصمد الذي لا شريك له ولا ولد
عباد الله : من أسماء الله الحسنى المتكبر أي أن كل ماسوى الله حقير وضعيف أمام كبرياءه و عظمته وجلاله
قال تعالى ((يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )) فاطر 15
فهو صاحب الغنى المطلق جل جلاله ونحن أصحاب الفقر المطلق الضعفاء المساكين
ومن أسماء الله الحسنى الكبير أي المتصف بالكمال والدوام وهو أكبر من كل ما سواه فكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون .
قال تعالى : ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ))لقمان30(1/176)
يمر الإمام مالك في أحد الشوارع ، فيرى رجلاً سكراناً قد بالغ في السكر حتى أغمي عليه وهو يردد الله الله فقام الإمام مالك ينظف فم هذا السكران وهو يقول فم نجس ينطق بأحلى كلمة في الوجود لا طهرن فمه من أجل هذه الكلمة العظيمة .
وانطلق الإمام مالك إلى منزله وفي المنام سمع منادياً يقول له يا إمام طهرت فمه من أجلنا طهرنا قلبه من أجلك
و قبيل الفجر انطلق إلى المسجد للصلاة ودخل المسجد وفي إحدى زوايا المسجد رأى أحد المصلين رافعاً يديه إلى الله خاشعاً ذليلاً قائلاً يا رب اتراك قبلتني يارب لا تردني خائباً ولا من بابك مطروداً .
فاقترب من الإمام مالك فقال له بعد أن تأمل ملامح وجهه فقال أنت صاحبي بالبارحة فقال من هداني قد اخبرك بحالي .
ها هو أبي بن كعب يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : يا أبي إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة فيقول أبي باكياًَ يا رسول الله
الله الكبير المتعال ذكرني باسمي قال نعم
الله ذكرني في علياءه بإسمي قال صلى الله عليه وسلم نعم فانطلق لسانه حامداً ربه الكبيرجل وعلا بعد أن سمع السورة من نبيه صلى الله عليه وسلم
طفح السرور عليّ حتى أنه
…من عظم ما قدر سرني أبكاني
أُبي لم يتحمّل الموقف لم يصمد للنبأ لانه أيقن ماذا يعني تسمية الله له بإسمه وماذا يعني تردد اسمه في الملأ الاعلى ,حيث الواحد الاحد ,حيث العضمة والكبرياء حيث سدرة المنتهى حيث العرش والكرسي .
والله أكبر هي مفتاح الصلاة فالمصلي يكرر في كل ركن الله أكبر كلما ظهرت أمامه الدنيا وشهواتها قال الله اكبر أي من كل ذلك
وإذا وسوس الشيطان قال الله أكبر فيخنس الشيطان فكلما كرر التكبير استعان بالله واستشعر كبرياءه جل وعلا وكلما سها في صلاته وقل الخشوع رجع إلى الله قائلاً الله أكبر .(1/177)
ولقد علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول بعد الصلاة الله أكبر ثلاثة وثلاثين وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكبر الله عند النوم اربعا وثلاثون كل هذا ليعيش المؤمن مع الله الكبير حتى لا يخضع لمخلوق ولا يذل لدينا ولا لشهوة
علمنا صلى الله عليه وسلم عندما نصعد إلى مكان مرتفع أن نقول الله أكبر الله وكأن النبي يعلمنا أننا إذا ارتقينا وعلونامكاناً عالياًَ فإن الله أكبر من ذلك وأعلى وأجل
قال تعالى : ((أيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)).النساء 178
وعند استلام الحجر الأسود علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول باسم الله والله أكبر وعند رمي الجمرات بسم الله والله أكبر مع كل جمرة وعند ذبح الأضاحي بسم الله والله أكبر .
هذا التكبير أيها المسلمون يزرع في نفوسنا الشعور بعظمة الله وكبرياءه فنتواضع له ونخضع له .
يقول الله تعالى في الحديث القدسي :
((الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئاً منهما عذبته ))
وفي رواية قذفته في النار وفي رواية قصمته . صحيح البخاري .
فهذا عبد ضعيف من عباد الله نسي أنه فقير وأن الله قوي فكان يعذب الدعاة إلى الله في أحد البلدان التي يدّعى حكامها الإسلام فكان يذيقهم الوان العذاب, كان يهين أحباب الله الذين يرفعون راية الحق .
فقالوا له أتق الله وراقبه فقال أين ربكم هذا لو نزل لوضعته في زنزانة ولعذبته بالحديد استغفر الله استغفر الله .
لكن الله يمهل ولا يهمل فهو القائل جل وعلا
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ))إبراهيم42
خرج بسيارته ذات يوم وبينما هو منطلق في الطريق جاءت قاطرة من الجانب الآخر من الطريق محملة باسياخ من الحديد فاصطدمت بسيارته حتى حطّمت سيارته وجسده ايضا فما استطاعو إخراجه لإن الحديد قد مزق جسده .(1/178)
الله المستعان قال سيكبل الملك بالحديد انظروا كيف كانت خاتمته هذا في الدنيا مابالكم بعذاب الاخرة .
إلى أولالئك الذين يمكرون بالمؤمنين الصادقين اتقوا الله فهو بالمرصاد .
إلى أولئك الذين لا هم لهم إلا محاربة أولياء الله الصالحين راقبوا الله واعلموا أنه ليس بغافل عما تعملون .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدّله وعلّمه البيان وبه فضلّه وأمدّه بلسان يترجم به عما حواه و عقله والصلاة والسلام على من أرسله ربه و أكرمه وبالقرآن الكريم أرسله وعلى آله وأصحابه ما كبّر عبد وهلّله .
وبعد عبادالله
عجباً لهذا الإنسان المخلوق الضعيف لا يساوي شيئاً بالنسبة للقوي جل جلاله
فلو نظرنا لاي إنسان مهما بلغ من علو وسلطان في هذه الدنيا فهو لا يخرج عن قبضة الله ولا يملك إلا أن ينفّذ أقدار الله ويجري ويعيش تحت قضاء الله
ها هو النمرود بن كنعان تكبر على الله وقال أنا أحيي وأميت فأ هلكه الله بمخلوق ضعيف أرسله الله إليه فقتله شر قتله.
عجباً لهذا الإنسان المتكبر
أين هو قبل 50 سنة إنه إما لا شيءوإما طفل صغير لا يملك لنفسه شيئا
وهو الان لا يضمن أن يستمر في ملكه وسلطانه يوماً واحداً فالموت مصيره مهما طال غناه وعظمت قوته .
عباد الله أين الذين سادوا وشادوا أوطاناً وحكموا وأحكموا بنياناً وجمعوا فحشدوا أموالا وأعواناً عُوضوا بارباح الهوى خسرانا وبدلوا الكبر وا لتجُبر هوانا وأخرجوا من ديارهم بعد الجموع وحدانا وما استصحبوا مما جمعوا إلا اكفاناً .(1/179)
روى البيهقي بسند حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وغِلَظُ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء خمسمائة عام، والكرسي فوق الماء، والله سبحانه فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم). مستوٍ على عرشه، ويسمع ويرى كلّ شيء في ملكوته، ولا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه، ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) الأنعام:103.
عباد الله، إنّ تكبير الله و تعظيمه في القلوب داعٍ إلى مراقبته والخوف منه والعمل بمرضاته. تعظيم الله في القلوب طريق للتقوى ((اتق الله حيثما كنت)) من ليل أو نهار، في بر أو جوّ أو في أقصى البحار،
((يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ)) [لقمان:16].
فمن كان لله معظمًا كان له أخوف ومنه أقرب وعن معاصيه أبعد، ومن كان للمعاصي مرتكبًا وعن الطاعات والواجبات متوانيًا متكاسلاً كان لتعظيم ربّه ومراقبة مولاه مقصّرًا ومفرّطًا.
أيها المسلمون ما جاهر مجاهر بمعصية إلا لمّا ضعفت مراقبته لله وقلّ تعظيمه له. ما ترك الصلاة تارك ولا تخلّف عنها جماعة في المساجد متخلّف إلا لما ضعفت مراقبة الله في قلبه وقلّ تعظيمه لله وخوفه منه، ولو راقب العبد ربه لما تخلّف عن الصلاة، ولما نام عنها وتركها.
عباد الله: من تكبر أذله الله ومن تواضع لله رفعه والمتكبرون يحشرون يوم القيامة في صور الذر يطؤهم الناس بإقدامهم .
قال تعالى :
((تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ))القصص83
وممن لا يحبهم الله المتكبرين والمستكبرين .(1/180)
((انَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)) الأعراف206
وقال تعالى : ((قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ))الزمر72
وقال تعالى : ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ))الزمر60
عباد الله: لا تغّرنا الدنيا بزينها وشهواتها فهي قليلة جداً بالنسبة للآخرة التي لا تنتهي ابداً وهي بكل ما فيها تافهة حقيرة بالنسبة لما في الاخرة من نعيم مقيم .
قال تعالى : ((وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ))الإسراء21
ما ينبغي أن ننشغل بالدنيا عن الآخرة ولا بالذي في أيدي الناس عما في يد الله فدرجات الآخرة أعظم وأشرف وأكرم , والدنيا والآخرة لا يملكهما إلا الله تعالى .
قال تعالى : (( مَن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً ))النسا134 .
فكل كبرياء غير كبرياء الله وهم وزيف لا ينبغي أن نتأثر به .
قال تعالى : ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))الزمر67
والمؤمن الصادق يبحث عن رضا الله وحده وليس رضا المخلوقين .
قال تعالى : ((وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))التوبة72
أخيراً عباد الله لا ينبغي أن تكون لنا رغبة إلا فيما عند الله ولا رهبة إلا من عذاب الله فلا نعظم سواه ولا نخضع لغيره ولا بد أن تلهج قلوبنا قبل ألسنتنا بكلمة الله أكبر وتنزل كل الشعارات البراقة والهزيلة ونلهج ( الله أكبر )
عباد الله(1/181)
إعلموا أن مراقبة الله وتكبيره وتعظيمه صمّام أمان في نفوس الناس، وازع خيرٍ ومانع شرٍ إذا غُرس في قلب العبد. وما قلّت وضعفت مراقبة الله في قلوب الناس إلا وانتشرت فيهم المعاصي والمنكرات، وجاهروا بالخطايا والمخالفات، واعتدوا على الحقوق والواجبات، فما غشّ غاشٌّ أخاه المسلم إلا لما ضعفت مراقبة الله، ولا اعتدى معتد على حقّ غيره من مالٍ أو أرض إلا لما ضعفت مراقبة الله واستشعار نظره وعظمته، ما تبرجت من تبرجت ولا سفرت عن وجهها من تبرجت ولا تبذّلت من تبذّلت إلا لما غفلت عن مراقبة علاّم الغيوب ولم تقدره حقَّ قدره. وما توارى متوارٍ ولا غمز غامز ولا عاكس معاكسٌ ولا خان خائن ولا زنى زانٍ ولا سرق سارق ولا وشى واشٍ إلا لما ضعفت مراقبة الله في القلوب وقلّ تعظيمه فيها. ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)) الزمر:67.
فلله الحمد رب السماوات ولا ينبغي أن نحتكم إلا لشرع الله وحده ما تحكم لله العلي الكبير .
((فلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))الجاثية37
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه
فقال (( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما))اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
الروضة الواحدة والعشرون
مع عباد الرحمن
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كل شيءٍ قائم به وكل شيءٍ خاضع له ، غنى كل فقير ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره ، ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فإليه منقلبه
كل ملك غيره مملوك ، وكل قويٍ غيره ضعيف ، وكل غنيٍ غيره فقير(1/182)
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثم أما أما بعد:
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل: ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.
عباد الله
يقول الله تعالى وهو أصدق القائلين (( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{64} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً{65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً{66})) الفرقان
هذه لوحة قرآنية رسمت فيها صفات عباد الرحمن وضح الله فيها معالمهموصفاتهم وجعلهم أنموذجاً يقتدى بهم ويتأسى بهم
وعباد الرحمن هم المنسوبون إلى الله وحده فكما أن هناك عباد للشيطان وللطاغوت وللشهوات فإن هناك عباداً لله ، وكما أن هناك عباداً للدنيا والنساء فإن هناك عبيدُ لله وحده .
هؤلاء العباد الذين يئس الشيطان من أن يغويهم أو يجد منفذاً للسيطرة عليهم فقد أقسم كما قال جل وعلا : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{83})) ص
وقال تعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ))الحجر42
عباد الرحمن نسبهم الله إلى ذاته
عباد الرحمن إنه الرحمن الذي علم أنهم أهل لرحمته وأن رحمته تحيطهم عن يمينٍِ وشمال ومن فوقهم ومن تحتهم .
أخي الحبيب يا عبد الله(1/183)
أتريد أن تكون من عباد الرحمن ؟ أتريد أن تنتسب إلى الله عز وجل أتريد أن تكون واحداً من هؤلاء ما عليك إلا أن تتصف بصفات عباد الرحمن قولاً وعملاً فما أكثر من يقول : أنا من عباد الرحمن ولكن أفعاله تقول غير ذلك أول صفة من صفاتهم كما قال تعالى : (وعبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً))
إنّ صفة المشي لها عند الله قيمة لأنها تعبر عما في الإنسان من مشاعر وأخلاق فالمتكبرون والمتجبرون لهم مشية والمتواضعون لهم مشية كل يمشي معبراً عما في ذاته
عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً متواضعين هيّنين ليّنين يمشون بسكينةٍ ووقار بلا تجبر واستكبار ولا يستعلون على أحد من عباد الله .
عباد الرحمن يمشون مشية من يعلم أنه من الأرض خرج وإلى الأرض يعود ((مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى))طه55
اعلموا أيها المسلمون
أنه ليس معنى يمشون على الأرض هوناً أنهم يمشون متماوتين منكسي الرؤوس كما يفهم بعض الناس فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أسرع الناس مشيةىً وأحسنها وأسكنها
قال أبو هريرة
(ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله كأن الشمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله كأنما الأرض تطوى له ).
ورأى عمر بن الخطاب رجلاً يمشي رويداً مطاطأ الرأس فقال : مالك أأنت مريضاً ؟ قال : لا فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي مشية الأقوياء .
ورأت أحد أزواج النبي شباباً يمشون متماوتين فقالت من هؤلاء ؟ قالوا
النسّاك الزهاد
فقالت : لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا هؤلاء
والقرآن نهى عن مشي المرح والبطر والفخر والاختيال قال تعالى : ((وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً))الإسراء37(1/184)
وهذا لقمان يوصي ابنه ((وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ))لقمان18
لا تُمِلْ وجهك عن الناس إذا كلَّمتهم أو كلموك؛ احتقارًا منك لهم واستكبارًا عليهم, ولا تمش في الأرض بين الناس مختالا متبخترًا, إن الله لا يحب كل متكبر متباه في نفسه وهيئته وقوله.
ولا تكلم الناس وأنت معرض عنهم بل أقبل عليهم بوجهك وتواضع وابتسم فالابتسامة صدقة والله لا يحب كل مختالٍ فخور
المختال الذي يُظهر أثر الكبر في أفعاله
والفخور الذي يظهر أثر الكبر في أقوالهوالله يحب المتواضع الذي يعرف قدر نفسه ولا يحتقر أحداً من الناس كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو
( اللهم أحييني مسكيناً ومتني مسكيناً وأحشرني في زمة المساكين )
روى الامام أحمد قوله صلى الله عليه وسلم (( من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله تبارك وتعالى وهو غضبان ))
وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما رجل ممن قبلكم يتبختر يمشي في بردته قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة )
إذاً علام يتكبر الناس علام يتميزون علام يستعلون على عباد الله بأموالهم ومناصبهم ولو نظروا إلى أنفسهم لوجدوا أن أباهم الماء المهين وجدّهم التراب كما قال تعالى : ( وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهين )
رأى مطرف بن عبد الله أحد الأمراء يمشي متبختراً فنهاه وقال هذه مشيةٌ يبغضها الله تعالى فقال له : أما تعرفني ؟ قال : نعم أعرفك.. وأعرف من أنت . انت الذي أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفةُ قذره ، وأنت مع ذلك تحمل العذره
فيا عجباً ممن خرج من مجرى البول مرتين كيف يتكبر .
ولا يمشي فوق الأرض إلا تواضعاً
فكم تحتها قوم همُ منك أرفعُ
…وإن كنت عزٍ وجاهٍ ومنعةٍ
…………فكم مات من قومٍ همو منكم أقنعُ(1/185)
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين كان يمشي خلف أصحاب كواحدٍ منهم وكان يجلس لا يتميز عليهم ، حتى أن الرجل الغريب ليأتي فيقول أيكم بن عبد المطلب وكان في بيتكم في مهنة أهله ، يرقع ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته .
عباد الرحمن أيها المسلمون
هم الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً .
فهم لا يلتفتون إلى حماقة الحمقى وسفه السفهاء ويترفعون عن الرد عن كل سب وشتم واستهزاء إنما هم أكرم وأرفع " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً
وقال تعالى
((وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً ))الإسراء53
وقل لعبادي المؤمنين يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك ألقى الشيطان بينهم العداوة والفساد والخصام. إن الشيطان كان للإنسان عدوًا ظاهر العداوة.
وحسن الكلام مع الأعداء يطفئ خصومتهم ويكسر شوكتهم (( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) فصلت34
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله تعضيما لشانه واشهد ان محمد عبده ورسوله الداعي الى رضوانه وعلى اله واصحابه وجميع اخوانه
عباد الله : هؤلاء عباد الرحمن رأينا حالهم مع أنفسهم وهو بالتواضع لا الفخر ولا الكبرياء وحالهم مع الناس بالصبر على جهل السفهاء .
ثم انظروا حالهم مع ربهم(1/186)
إذا خيّم الليل وأرخى سدوله إذا أوى الناس إلى فرشهم كان عباد الرحمن مع ربهم " يبيتون لربهم سجداً وقياماً "
بينما كثير من الناس في غفلاتهم نائمون وفي سهرهم ماجنون هناك عباد يبيتون لربهم سجداً وقياماً ، إنهم يضعون الجباه التي لم تنحني لمخلوق يضعونها بين يدي الله جل وعلا راكعة ساجدة خاشعة خائفة طائعة
((إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ))السجدة15
وهم قياما يتلون أيات الله يسألونه الجنه ويستعيذون به من النار
إنهم يفعلون ذلك ليس طلباً لمرضاة احد ولا لإيتغاء محمدة او شهرة وإنما يبيتون لربهم سجّداً وقياماً يبتغون وجهه يرجون رحمته ويخافون عذابه
وصدق الله القائل عنهم ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ))الزمر9
عباد الرحمن هم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً
روى الامام احمد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال ((عجب ربنا تعالى من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين اهله الى صلاته فيقول الله جل وعلا انظروا الى عبدي ثار عن فراشه ووطائه رغبةًفيما عندي وشفقةًمما عندي
ورجل غزا في سبيل الله ثم إنهزم اصحابه فرجع حتى يهريق دمه فيقول الله انظروا الى عبدي رجع رجاء فيما غندي وشفقةً مما عندي ))
((إنهم عباد الرحمن كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)) الذاريات17
مات أحد علماء الصوفية في عصرهوهو الجنيد فقيل له يا امام ما فعل الله بك فقال ذهبنت تلك الاشارات وطاحت العبارات وضاعت العلوم ولم ينفعنا إلا ركعات كنّا نركعها في السحر(1/187)
عباد الرحمن
تتجافى جنوبهم عن المضاجع
كلهم مابين خائف متهجد وطامع
تركوا لذة الكرى للعيون الهواجع
وأستهلّت عيونهم فائضات المدامع
ودعوا ياربنا ياجميل الصنائع
عباد الله
شتان بين من يقضي الليل في طاعة الله وبين من يقضيه في معصيةالله
شتان بين من يسهر في لهو وعبث حتى قرب الفجر فإذا قرب الفجر ناموا
وبين من يقضي الليل صلاةً واستغفاراً وتسبيحاً ونوماً على ذكر الله
شتان بين من يقضي الليل في إجرام يدبر المكائد والشرور لعباد الله الصالحين
وبين من يقضي الليل علماً وتعلماً ودعوة الى شرع الله
عباد الرحمن
إذا ما الليل أظلم كابدوه
فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا
,اهل الامن في الدنيا هجوع
قال صلى الله عليه وسلم
((إن في الجنةغرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها قيل هي لمن يارسول الله قال((لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام)) رواه الترمذي
اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين من عبادك المتقين الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه
هذاوصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله فقد أمركم الله بذلك فقال - تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
الروضةالثانيةوالعشرون
عالم القبور
الحمد لله المحمود بكل لسان المعبود في كل مكان الذي لا يشغله شأن عن شأن سبحانه جل عن الاشباه والانداد وتنزه عن الصاحبة الاولاد .
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وأشهد ان نبينا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام .
اما بعد عباد الله اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون وبعد :-(1/188)
عباد الله ما اقصر عمر الدنيا وما اسرع مروره فمهما طال الليل لابد من دخول الفجر ومهما طال العمر لا بد من دخول القبر .
الموت باب وكل الناس داخله
ياليت شعري بعد الموت ما الدار
الدار دار نعيم ان عملت بما
بما يرضي الاله وان فرطت فالنار
ومهاامتد عمر الانسان سيقول يوم القيامة عندما يسأل كم لبثت ؟ لبثت يوما أو بعض يوم .
قال صلى الله عليه وسلم (اذا أحب الله عبدا استعمله ) قالوا يارسول كيف يستعمله قال يوفقهالى عمل صالح قبل الموت ) رواه الترمذي عن انس
ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم اجعل خي عمري اخره وخير عملي خواتمه .
هاهو رجل من الصالحين كان اماما لاحد المساجد في صنعاء وفي يوم من الايام خرج من بيته متوجها اللى المسجد ليصلي صلاة الظهر وبعد ان صلى السنة القبليه وقرأ شيئا من القران ثم اقيمت الصلاة وتقدم ليصلي بالناس وفي الركعة الثالثة في السجدة الثانية سمع الناس مثل الجشاء عبر المكبرات وهم يقولون سبحان الله سبحان الله فتقدم احدهم وأكمل الصلاة وحركوا إمامهم وقد صعدت روحه الى بارئها .
الله اكبر انها الخاتمة الحسنه التي لا تأتي الا من حسن عمل وصلاة على وقتها وفعل للخيرات وأداء للحقوق وأكل للحلال .
فلا حول ولا قوة إلا بالله اذا نزل بنا ملك الموت لقبض ارواحنا ولا حول ولا قوة الا بالله اذا فارقنا الاهل والاصحاب ولا حول ولا قوة الا بالله اذا ادخلنا في قبورنا مع أعمالنا ولا حول ولا قوة الا بالله اذا طال يوم القيامة وقوفنا ولا حول ولا قوة الا بالله اذا استدعانا للحساب ربنا ولا حول ولا قوة الا بالله اذا تطايرت يوم القيامة صحائفنا .
اللهم إنا نسألك ان تجيرنا من عذاب القبر اللهم ارزقنا أعمالا تبيض وجوهنا يوم نلقاك يارب العالمين .
اخواني ماذا أعددنا لتلك الحفرة المظلمة .(1/189)
اخواني ماذا أعددنا للقبور التي كان عثمان رضي الله عنه إذا راها بكى بكاء شديدا وعندما يسأل لما هذا البكاء فيقول ان القبر أول منازل الاخرة فإن صلح كان ما بعده ايسر وإن لم يصلح كان ما بعده اشد واعظم .
القبور عبادالله مدرسة يتعلم منها وفيها المسلم الكثير .
القبور تذكرنا بالاخرة وبقصر اعمارنا .قال صلى الله عليه وسلم (الا واني قد نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها فإنها تذكركم بالاخرة )).رواه ابو داوود
الفبور تغرس في قلوبنا ان الناس سواسية لا تفاضل بينهم الا بالتقوى .
عباد الله
إذهبوا الى القبور وتأملوا هل تفرقون بين غني وفقير بين ملك ومملوك بين عزيز وذليل لا فرق بينهم .
أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر
تفانوا جميعا وماتوا جميعا ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور
فياسائلي عن اناس مضو أما لك في مامضى معتبر
بينما النبي صلى الله عليه وسلم ماشيا مع اصحابه ذات يوم فرأى قبرا يحفر فأسرع نحوه ثم جثا على ركبتيه وبكى وقال يا اخواني لمثل هذا فأعدوا يا اخواني لمثل هذا فأعدوا .
وهاهو عمروبن العاص يرى ميتا يقبر فأسرع الى المسجد فصلى ركعتين فقيل له لما فعلت هذا؟ قال المقبرة فتذكرت قول الله جل وعلا ((وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)) سبأ54
فأشتهيت الصلاة قبل ان يحال بيني وبينها .
الله اكبر فيا من يشتهي الصلاة صلي قبل ان يحال بينك وبينها
يامن يشتهي قول لا اله الا الله قلها قبل ان يحال بينك وبينها
يامن يشتهي صلة الرحم قبل ان يحال بينك وبينها يامن يشتهي فعل الخيرات إفعلها قبل ان يحال بينك وبينها .
يقول سلمان الفارسي : أضحكني ثلاث : مؤمل للدنيا والموت يطلبه وغافل لا يغفل عنه وضاحك بملء فيه لا يدري الله راضٍ عنه أم ساخط .وابكاني ثلاث فراق الاحبة محمد وصحبه وهول المطلع يوم القيامة ووقوفي بين يدي الله لا ادري الله راض عني ام ساخط(1/190)
عبادالله كلنا زار المقابر وشيعنا أباءا وامهات أحباباً وأصحاب هل أخذ الغني من ماله شيء في قبره هل استطاع صاحب الجاه والسلطان ان يستعين بسلطانه في قبره لا والله ,هل أدخل احدٌ معه سراجاًأو نوراً لا والله لا نور ولا سراج الا نور العمل الصالح .
عباد الله لو اذن الله لاهل المقابر أن يخرجوا من قبورهم ليقولوا لا اله الا الله لكانت هذه الكلمه خيرٌ من الدنيا وما فيها .
ياأهل الدنيا انتم في عمل ولا حساب أما أهل المقابر فهم في حساب ولا عمل
فالميت ينطلق معه الى قبره ثلاثة أهله وماله وعمله فيرجع إثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله
وصدق الله القائل ((وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ))النجم39
والله لو عاش الفتى من عمره الفاًمن الاعوام مالك أمره
متنعماً فيها بكل نفيسة متنعما فيها بنعمى عصره
لا يعتريه الهم طول حياته أبدا ولا تجري الهموم بباله
ما كان ذلك كله في أن يفي بمبيت أول ليلة في قبره
دخل علي بن ابي طالب المقبرة فسلم على اهلها وقال يا أهل المقابر اما بيوتكم فقد سكنت أما نساءكم فقد تزوجن غيركم أما أموالكم فقد قسمت
الله المستعان البيت الذي ضللت تبنيه سنين طويله تركته ليسكنه غيرك الزوجة التي عشت معها سنين طويله وربما فضلتها على الام المباركة هذه الزوجة تزوجت غيرك ,المال الذي جمعته من حرام او حلال قُسم بين الورثه
عباد الله ماأصعب بناء بيت الدنيا وما أسهل بناؤ بيت الاخرة يقول صلى الله عليه وسلم ((من صلى لله اثني عشرة ركعة تطوعاً من غير الفريضة بنى الله له بيتاً في الجنة )) رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم ((من قرأ سورة الاخلاص عشرمرات بنى الله له قصرا في الجنة )) رواه احمد
وشتان بين بيت اللبن والاحجار وبيت الذهب والفضة ,شتان بين بيت بناه البشر وبيت بناه رب البشر .(1/191)
فقال علي بن ابي طالب هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم يا اهل المقابر ثم قال والله لو اجابوا لقالبوا إن خير الزاد التقوى . ووعظ عمر بن عبد العزيز يوماً اصحابه فكان من كلامه أنه قال ( أذا مررت بهم فنادهم إن كنت مناديا ؛ وأدعهم إن كنت داعيا ؛ ومر بعسكرهم ؛ وانظر إلى تقارب
منازلهم 00 سل غنيهم مابقي من غناه ؟ وسل فقيرهم مابقي من فقره ؟ 00 واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون ؛ وعن الاعين التي كانوا للذات بها ينظرون 00
واسألهم عن الجلود الرقيقة ؛ والوجوه الحسنة ؛ والأجساد الناعمة ؛ ماصنع بها الديدان تحت الأكفان ؟!00 أُكلت الألسن ؛ وعُفرت الوجوه ؛ ومُحيت المحاسن ؛
وكثسرت الفقار ؛ وبانت الأعضاء ؛ ومزقت الأشلاء 00 فأين حجابهم وقبابهم ؟ وأين خدمهم وعبيدهم ؟ وجمعهم وكنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات ؟ أليس الليل
والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مُدلهمه ظلماء ؟ قد حيل بينهم وبين العمل ؛ وفارقوا الأحبه والمال والأهل 0فيا ساكن القبر غداً! مالذي غرّك من الدنيا ؟ أين دارُك الفيحاءُ ونهرك المطرد ؟وأين ثمارك اليانعة ؟ وأين رقاقُ ثيابك ؟ وأين طيبك وبخورك ؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك ؟ 00 ليت شعري بأي خديك بدأ البلى 00 يا
مجاور الهلكات صرت في محلّة الموت 00 ليت شعري مالذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا 00 وما يأتيني به من رسالة ربي )) 00 ثم انصرف رحمه الله فما
عاش بعد ذلك إلا جمعه0
هاهو يزيد الرفاشي كان يحاسب نفسه كل يوم ويتذكر الآخرة ويقول ويحك يا يزيد من ذا يصلي عنك بعد الموت من ذا يصوم عنك بعد الموت من ذا سيتصدق عنك بعد الموت من الموت طالبه من القبر بيته من الدود أنيسة من التراب فراشه من منكر ونكير جليساه
ثم يقول أيها الناس ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم ما تبقى من حياتكم ,ثم يبكي بكاء شديدا .(1/192)
وعن وهب بن الورد قال : بلغنا أن رجلاً فقيهاً دخل على عمر بن عبد العزيز فقال: سبحان الله !- كأنه تعجّب من أمره الذي هو عليه -وقال: تغيرت بعدنا ّ فقال
له عمر: وتبيّنت ذلك فعلاً ؟ فقال له : الأمر أعظم من ذلك فقال له عمر : يا فلان ! فكيف لو رأيتني بعد ثلاث ؛ وقد أُدخلتُ قبري 00 وقد خرجت الحدقتان فسالتا
على الخدين 00 وتقلصت الشفتان على الأسنان 00 وانتفخ الفم 00 ونتأ البطن فعلا الصدر 00 وخرج الصديد من الدُبر 00!!))0
تصور نفسك يا عبد الله وقد جاءك الموت واصبحت محمولاًعلى الاكتاف فياليت شعري ما تقول جنازتك هل ستقول قدموني قدموني ام ستقول ياويلها أين تذهبون بها.
ثم تصور يا عبد الله وانت تدخل المقبرة لا زائراًولا حاملاً بل محمولاً ميتا فتخيل احب الناس اليك واقرب الناس اليك وهم ينزلونك الى قبرك ويضعون اللبن ليغلقوا قبرك فأنحجب الضوء عنك ثم بدأوا يحثون على قبرك التراب ويقول احدهم إستغفروا لأخيكم وسلو له الثبات فإنه الان يسأل ثم ذهبوا وتركوك وحيدا فريداً في ذلك الظلام من فوقك تراب ومن تحتك تراب وعن يمينك تراب وعن شمالك تراب ثم تعاد روحك الى جسدك ويأتيك منكر ونكير فيجلسانك ويسألانك من ربك ما دينك من نبيك فإن كنت من الصالحين الصادقين التائبين فإن الله سيثبتك فهو القائل
((يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ))
فتقول ربي الله وديني الاسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فينادي منادي من السماء أن صدق عبدي فأفرشوا له من الجنة والبسوه من الجنة وأفتحوا له نافذة الى الجنة ثم يفسح لك في قبرك مد البصر ثم يأتيك رجلاًحسن الوجه حسن الثياب طيب الرائحه وهو عملك الصالح وهو انيسك في قبرك ز(1/193)
أما إن كان العبد والعياذ بالله كافرا مضيعاً لدينه تاركاً للصلاة أكلا للحرام فاعلاً للمنكرات ومات على ذلك فإنه سيقول هاه هاه لا ادري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوا له من النار والبسوه من النار وأفتحوا له نافذة الى النار ويضيق له في قبره حتى تختلف اضلاعه ,ثم يأتي اليه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب فبيح الرائحة وهو عمله السيء وهو رفيقه .
عباد الله
إذهبوا الى المقابر وأسألوا سكانها وصيحوا في واحد منهم يافلان ماغرك بالدنيا فقد تركتها أين بيتك الواسع أين الثياب الرفيعة اين العطور الفارهة اين الجلد الرقيق والجسد الناعم كيف انت والهوام والديدان خرقت الاكفن ومحت الالوان واكلت اللحوم والبنان ونخرت العظم واليدان .
عبد الله
مازلت مذ صورت في سفر وستنقضي وسينقضي السفرا
ماذا تقول وانت في غصص ماذا تقول وانت تحتضر
ماذا تقول وانت في جدث ٍ ماذا تقول وفوقك المدر
اخي نعوذ بالله ان نكون من الذين
((إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ }محمد27
اخي نعوذ بالله ان نكون من الذين(( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ))النحل 28
أخي المسلم : هل رأيت القبور ؟ هل رأيت ظلمتها ؟ هل رأيت وحشتها ؟هل رأيت شدتها ؟هل رأيت ضيقها ؟ هل رأيت عمقها؟ هل رأيت هوامها وديدانها؟
ما علمت أنها أعدت لك كما اعدت لغيرك؟
أما رأيت أصحابك واحبابك وارحامك نُقلوا من القصور إلى القبور 00 ومن ضياء المهود إلى ظلمه اللحود 00 ومن ملاعبة الأهل والوالدان إلى مقاساة الهوام
والديدان 00 ومن لتنعُم بالطعام والشارب إلى التمرُغ في الثرى والتراب 00 ومن أُنس العشرة إلى وحشة الوحدة 00 ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل ؟ فأخذهم
الموووووووووووووووتُ على غِرّة ؛ وسكنوا القبور بعد حياة الترف واللذة ؛ وتساووْا جميعاً بعد موتهم في تلك الحفرة ؛ فالله نسأل أن يجعل قبورنا روضة من(1/194)
رياض الجنة 0
أخي الحبيب:
ماذا أعددت لأول ليلة تبيتها في قبرك ؟
أما علمت أنها ليلة شديدة ؛ بكى منها العلماءُ ؛ وشكى منها الحكماءُ ؛
وشمّر لها الصالحون الأتقياء ؟
فارقت موضع مرقدي 0000 يوماً ففارقني السكون ُ
القبر أول ليلةٍ 0000 بالله قل لي ما يكونُ ؟!
كان الربيع بن خثيم رحمه الله الذي قال عنه ابن مسعود رضي الله عنه يا ربيع والله لو رأك الرسول صلى الله عليه وسلم لأحبك0كان رحمه الله يتجهز لتلك الليلة
ويروى أنه حفر في بيته حفرةً ؛ فكان إذا وجد في قلبه قساوةً دخل فيها ؛ وكان يمثل نفسه أنه قد مات وندم وسأل الرجعة فيقول : (( رب ارجعون لعلي اعملُ صالحاً فيما تركت)) المؤمنون : 99-100
فيجيب نفسه فيقول : قد رجعت يا ربيع !! فيرى فيه ذالك أياماً أي يُرى فيه العبادةُ والاجتهادُ والخوفُ والوجلُ0
وعن أبي هريرة ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الميت يصيرُ إلى القبر: فيجلس الرجل الصالح في قبره فزعٍ ولاشعوف( أي غير خائف ولا مذعور )0 ثم يقال له : فيم كنت؟ فيقول: كنت في الاسلام0 فيقال له:ماهذا الرجل ؟فيقول : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه0 فيقال
له : هل رأيت الله ؟فيقول ماينبغي لأحد أن يرى الله 0فيُفرج له فرجهٌ قِبل النار ؛ فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً ؛فيقال له :انظر إلى ما وقاك الله عز وجل 0ثم يفرجُ له قِبل الجنه ؛ فينظر إلى زهرتها وما فيها ؛ فيقال له : هذا مقعدك ؛ ويقال له : على اليقين كنت ؛ وعليه متّ؛ وعليه تُبعث إنشاء الله 0
قال: ويجلس الرجل السوء في قبره فزعاً مشعوفاً ؛ فيقال له : فيم كنت؟ فيقول: لاأدري ؛ فيقال له : ماهذا الرجل ؟ فيقول : سمعت الناس يقولون قولاً فقلته0
فيفرج له قِبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها ؛ فيقال له: انظر ماصرف الله عنك0 ثم يثفرج له فرجة قِبل النار ؛ فينظر إليها يحطم بعضثها بعضاً ؛ فيقال له(1/195)
(( هذا مقعدك على الشك كنت ؛ وعليه متّ ؛ وعليه تبعث إنشاء الله )) رواه ابن ماجه وصححه البوصيري 0
أرى أهل القصور غذا أُميتوا 000 بنوا فوق المقابر بالصخورِ
أبوا إلا مباهاةً وفخراً000 على الفقراءِ حتى في القبورِ
لعمرُك لو كشفت التُرب عنهم 000 فما تدري الغنيّ من الفقيرِ
ولا الجلدَ المباشر ثوب صوفٍ 000 من الجلدش المباشرِ للحريرِ
إذا أكل الثرى هذا وهذا 000 فما فضلُ الغنيّ على الفقيرِ ؟!
فياإخوتاه : ألا تبكون من الموت وسكرته؟
وياإخوتاه : ألا تبكون من القبر وضمّته ؟
وياإخوتاه:ألاتبكون خوفاً من النار في القيامة؟
وياإخوتاه:ألاتبكون خوفاً من العطش يوم الحسرة والندامة؟
أسأال الله ان يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة وان لا يجعلها حفرة من حفر النار
الخطبة الثانية :-
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه
وبعد
عباد الله ماهي اسباب عذاب القبر
لقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم ) أن رجلاً ضرب في قبره سوطاً فامتلأ القبر عليه ناراً؛ لكونه صلى صلاة واحدة بغير طهور، ومر على مظلوم فلم ينصره) الحديث رواه الطحاوي في بسند حسن.
وأخبر صلى الله عليه وسلم كما في حديث سمرة بن جندب الذي رواه البخاري عن تعذيب من يكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وعن تعذيب من يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به في النهار، وعن تعذيب الزناة والزواني، وعن تعذيب آكل الربا، أخبر عنهم كما شاهدهم في البرزخ.
وفي حديث آخر أخبر صلى الله عليه وسلم عن رضخ رؤوس أقوام بالصخر لتثاقل رؤوسهم عن الصلاة، وعن الذين يسرحون بين الضريع والزقوم لتركهم زكاة أموالهم، وعن الذين يأكلون اللحم المنتن الخبيث لزناهم، والذين تقرض شفاههم بمقارض من حديد لقيامهم في الفتن بالكلام والخطب(1/196)
. وجاء في حديث رواه أبو سعيد عنه صلى الله عليه وسلم ذكر أرباب بعض الجرائم وعقوباتهم: فمنهم من بطونهم أمثال البيوت وهم على سابلة آل فرعون، وهم أكلة الربا، ومنهم من تفتح أفواههم فيلقمون الجمر حتى يخرج من أسافلهم، وهم أكلة أموال اليتامى، ومنهم من تقطع جنوبهم ويطعمون لحومهم، وهم المغتابون، ومنهم من لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم، وهم الذين يمزقون أعراض الناس.
فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم، بحسب كثرتها وقلتها، وصغرها وكبرها. ما لم يغفر الله لهم ويتجاوز عنهم بتوبة أو رحمة منه تعالى.
فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها وقد حِيل بينها وبين شهواتها وأمانيها.
تالله لقد وعظت فما تركت لواعظ مقالاً، ونادت: يا عُمار الدنيا، لقد عمرتم داراً موشكة بكم زوالاً، وخربتم داراً أنتم مسرعون إليها انتقالاً، عمرتم بيوتاً لغيركم منافعها وسكناها، وخربتم بيوتاً ليس لكم مساكن سواها، هذه دار الاستباق، ومستودع الأعمال وبذر الزرع، وهذه محل للعبر، رياض من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
عباد الله مالنجاة من عذاب القبر إسمعوا الى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان ))
ومما ينجي من عذاب القبر ما دل عليه ما رواه النسائي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: )) كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة.(((1/197)
وروى الترمذي وابن ماجه وغيرهما بسند صحيح عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه،( وهذا لفظ ابن ماجه وعند الترمذي( ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجه من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه )). وهذا بعض فضل الجهاد في سبيل الله والاستشهاد فيه.
ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر: ما ثبت عند أبي داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى غفر له ((. فدل هذا الحديث وما جاء في معناه من الآثار على أن من حافظ على قراءة سورة الملك وداوم على ذلك وعمل بما دلت عليه؛ فإنها تنجيه من عذاب القبر.
ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره))(رواه الترمذي(
وهذا يحمل من أصيب بداء البطن أن يصبر ولا يجزع، ويحتسب الأجر عند الله، وأن يحتسبه أهله كذلك.
ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر: ما رواه الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر )). وهذا محض فضل الله وتوفيقه لحسن الخاتمة.
وقد دل على ذلك أن تلك الأعمال من الصلاة والزكاة والصيام وفعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس من أسباب النجاة من عذاب القبر وكربه وفتنه.
والجامع في ذلك تحقيق التقوى لله تعالى، كما قاله سبحانه(1/198)
((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )) الأحقاف:13.
عبد الله أخيرا تأمل هذه الاية بتدبر
((حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ))المؤمنون99-100
كلا، آلان تراجع حساب ، آلان تتوب، آلان تنتهي عن المعاصي.
يا مدبرا عن المساجد ماعرف الصلاة.
يا معرضا عن القرآن، يا متهتكا في حدود الله.
يا ناشئا في معاصي الله.
يا مقتحما لأسوار حرمها الله.
آلان تتوب، أين أنت قبل ذلك ؟
خرج عليه الصلاة والسلام إلى تبوك:
وفي ليلةٍ من الليالي نامَ هوَ الصحابة، وكانوا في غزوةٍ في سبيل الله.
قال ابنُ مسعود رضي الله عنه و أرضاه:
قمتُ أخرَ الليل فنظرتُ إلى فراش الرسولِ صلى الله عليه وسلم فلم أجده في فراشه.
فوضعتُ كفي على فراشهِ فإذا هوَ بارد.
وذهبتُ إلى فراشِ أبي بكر فلم أجده على فراشه.
فألتفت إلى فراش عمر فما وجدته،
قال وإذا بنورٍ في أخر المخيم وفي طرف المعسكر، فذهبتُ إلى ذلك النور ونظرتُ.
فإذا قبرٌ محفور، والرسولُ عليه الصلاة والسلام قد نزلَ في القبر.
وإذا جنازةٌ معروضةٌ، وإذا ميتُ قد سجي في الأكفان.
وأبو بكرٍ وعمر حول الجنازة، والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر وعمرَ دليا لي صاحَبكما.
فلما أنزلاهُ، نزلهُ صلى الله عليه وسلم في القبر، ثم دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام ثم التفتَ إلى القبلةِ ورفع يديه وقال:
( الهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فأرضَ عنه)، ( الهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فأرضَ عنه)،
قال: قلت من هذا ؟
قالوا هذا أخوك عبد الله ذو البجادين مات في أولِ الليل.
قال ابنُ مسعود فوددت واللهِ أني أنا الميت : ( الهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فأرضَ عنه).(1/199)
وإذا رضي اللهُ عن العبدِ أسعده.
والله لو عاش الفتى في عمرهِ .......ألفاً من الأعوامِ مالكَ أمره
متنعماً فيها بكلِ لذيذةٍ .............متلذذاً فيها بسكناَ قصره
لا يعتريه الهمُ طول حياته .......... كلا ولا تردٌ الهمومُ بصدره
ما كان ذلك كلُه في أن يفي....... فيها بأولِ ليلةٍ في قبره
واللهِ لو عاش ألف سنه، وما طرقَه همٌ ولا غم ولا حزن.
واللهِ لا يفي بأولِ ليلةٍ في القبر.
و واللهِ لننزلنَها جميعاً، أولُ ليله.
هذا وصلوا وسلموا على محمد المصطفى والرسول المجتبى صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم
الروضة الثالثة والعشرون
حـ الله ــب (1)
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والعاقبة للمتقين ولا عدوان الا على الظالمين
اللهم لك الحمد ملء السموات وملء الأرض, وملء ما بينهما, وملء ما شئت من شيء بعد ـ أهل الثناء والمجد ـ أحق ما قال العبد ـ وكلنا لك عبد ـ, لا مانع لما أعطيت, ولا معطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد,
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ))فاطر15
. وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المتقين وأشرف المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل: ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.
ثم أما بعد
مع من سيكون اللقاء وعن من سيكون اللقاء والحديث
مع حب الإله الكريم العظيم الغفور التواب
وإلى من لا يحبون الله مع عدم إستغناءهم عن بره وإلى من يدعون محبة الله دون أن يوافقوه طرفة عين .(1/200)
مع المحبة المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون فهي قوت القلوب وغذاء الارواح وقرة العيون ذهب اهلها بشرف الدنيا والاخرة ،اذا غرست شجرة المحبة في القلب وسقيت بماء الاخلاص ومتابعة الحبيب ، اثمرت انواع الثمار واتت أكلها كل حين بإذن ربها أصلها ثابت في قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى.
أخي المسلم :- تعال معي لنملأ قلوبنا أنا وانت حباُ لله .
تعال لنعيش دقائق نغرس حب الله في قلوبنا .
أخي :- كم هي نعم الله عليك بالليل والنهار .
أخي :- من عافاك ، من سترك ، من أمَنك من أعطاك من حماك من رزقك من وهبك الا الله
قال صلى الله عليه وسلم :
((أحبوا الله لما يغذوكم به.)) صحيح
ومن أجل هذه النعم :
نعمة الإسلام : فلو لم يكن بحبك ما كان سماك باسم الإسلام ولا وسمك بسمة الإيمان .
عبد الله:- هل كان لك ادنى فضل في كونك مسلما هل يزعم أحد منا أنه دعى ربه في بطن أمه أن يخرجه مسلما ففعل .
أخي : أيها المسلم كان من الممكن أن تكون حطبا لجهنم تولد على الكفر وتموت عليه ولكنه يحبك جعلك مسلما.
عصمك من عبادة العبيد وأسجدك لمن خلق الملوك والعبيد
حماك من السجود للصنم وأخضعك لمن خلقك من العدم .
سبحانه وتعالى
ما للعباد عليه حق واجب
……كلا ولا سعى لديه ضائع
إن عذبوا فبعد له أونعموا
……فبفضله وهو الكريم الواسع
أخي :- لماذا لا تحبه وأنت تسمع قوله جل وعلا
((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))آل عمران26
عبد الله :- لأنه يحبك أرشدك اليه عن طريق آثار قدرته وملامح عظمته
سبحانه خلق فأبدع وسمى نفسه البديع وجَمل فأتقن فهو الجميل .
عجبا كيف لا يعبده من رأى آثاره وكيف لا يعرفه من لمح أنواره(1/201)
((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ))الإسراء44
وهو تعبير تنبض به كل ذرة في هذا الكون الكبير ، وتنتفض روحا حية تسبح الله . فإذا الكون كله حركة وحياة ، وإذا الوجود كله تسبيحة واحدة شجية رخية ، ترتفع في جلال إلى الخالق الواحد الكبير المتعال . وإنه لمشهد كوني فريد ، حين يتصور القلب . كل حصاة وكل حجر . كل حبة وكل ورقة . كل زهرة وكل ثمرة كل نبتة وكل شجرة كل حشرة وكل زاحف كل حيوان وكل انسان كل دابة على الارض وكل سابحة في الماء والهواء ومعها سكان السماء كلها تسبح الله وتتوجه الى علاه فلا اله إلا الله
عبد الله:- ابعد كل هذا تهجره وتنساه وتتركه الى غيره
عبدالله:- لماذا تتودد الى من يجافيك وتجافي من يتتودد اليك
سبحانه من اله يتعرف الى خلق عنه معرضون
فيا عجبا كيف يعصى الإله ……أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة وفي ……كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء كل له آية ……تدل على أنه الواحد
أخي الكريم :- من تحب أكثر مالك أم الله،
اسأل نفسك من أغلى شيء في حياتك أهلك دنياك أم الله .
أياك يا عبد الله أن تحب شيء مثل حبك لله أو أشد
قال تعالى : ((ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ)) 165 البقرة
إنهم يحبون الله نعم لكنهم يساوون هذا الحب بحب آخر
ويوم القيامة يقول أمثال هؤلاء
((تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إ ِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ))الشعراء98(1/202)
قال تعالى : (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة24
نعم
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا ؛ فإما تجرد لها ، وإما انسلاخ منها . وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة ؛ ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة . . كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب ، ويخلص لها الحب ، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة ، وهي المحركة والدافعة . فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة ؛ على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة .
ألآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة [ وشيجة الدم والنسب والقرابة والزواج ] والأموال والتجارة [ مطمع الفطرة ورغبتها ] والمساكن المريحة [ متاع الحياة ولذتها ] . كل هذا في كفة . وفي الكفة الأخرى:حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفَى, وسلام على عبادِه الذين اصطفى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له العليّ الأعلى, وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله, صاحب النّهج السوي والخلق الأسنى, صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه.
وبعد
قال أحد السلف : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وماذاقوا اطيب ما فيها قيل وماذاك
قال محبة اللة ومعرفة اللة .(1/203)
عبد اللة:- جِرب علَق القلب بالله وحده أخرج منه كل شوائب الدنيا وشهواتها وقف مع اللة واسأله أان يوّفقك ويزيدك محبة له .
اسمع موسى عليه ا لسلام وهو يقول كما
قال تعالى ((وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ))طه84
يارب انا قادم اليك انا منطلق اليك لماذا لأرضيك فأرضى عني يا ارحم الراحمين
وهذا ابراهيم علية السلام يقول
كما قال تعالى: ((وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ))الصافات99
وهذا نبييا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويقول (( اللهم إلى اسألك حبك هل هذا يكف لا وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني الي حبك)).
اللهم ما رزقتني مَما أحب فأجعله قوة لي فيما تحب)).
عبد الله:- كل إنسان يعاملك ليربح منك ويكسب عليك أما الله يعاملك لتربح أنت منه وتكسب عليه فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف الى أضعاف كثيرة لأنه يحبك والسيئة عليك واحدة وهي أسرع شيء إلى المحو
دمعة واحدة تمحو الآف الخطايا وخطوة قصيرة في الطاعة تنسف أطنان الذنوب كيف لا وقد سمى نفسه الغفور .
سبحانه جل وعلا يشكراليسير من العمل ويمحوا لكثير من الزلل لأنه يحبك أسمع إليه وهويقول .
((إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة فإن هو عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإذا هم بسئية ولم يعملها لم أكتبها عليه فإن عملها كتبتها سيئة واحدة ))
وقال جل وعلا كما في الحديث القدسي ((إذا تقرب إلي عبدي شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب إلَي ذراعا تقربت إليه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ))
سبحانه ماذا يكسب منك ماذا سيربح عنك حاشاه هو الغني لا تنفعه طاعاتنا ولا تضره معاصينا هذا كله لإنه يحبك .
إذاً لماذا لا تحبه وتجعل حياتك كلها في رضاه .
لإنه يحبك ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة نزولا يليق بجلاله فينادي الجموع الغافلة والاجفان التائمة باطيف قوله وحلو ندائه فيقول :
((هل من سائل فأعطيه سؤاله هل من مستغفر فأغفر له ))(1/204)
يا أخي يا عبد الله:- إليس لك إلى الله حاجة في أمر دنيا أو في أمر آخرة ؟
هل إستغنيت عن ربك ،
هل استكفيت حاجتك منه
هل حللت كل مشاكلك
هل تخلصت من متاعبك
رد علي وأجبني ، ألا تشكوا قسوة القلب ألا تعاني هجر القرآن إلا يسوؤك حالك مع الله إلا يواجهك ضيق عيش ، أو عقوق ولد أو مرض أو وقوع في بلاء .
إذا هلم إليه إن كان يواجهك شيء
ارفع شكواك، قدم نجواك هنا في الثلث الأخير هنا فاتحة الأحزان وفاتحة الرضوان وجنات النعيم الدنيوي والكرم الألهي . قف مع الله وقل
أنا العبد الذي كسب الذنوبا ……وصدته الأماني أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزينا ……على زلاته قلقاً كئيبا
أنا العبد المسئ عصيت سراً … فمالي الآن لا أبدي النحيبا
أنا العبد المفرط ضاع عمري……فلم أرعَ الشبيبة والمشيبا
أنا العبد الغريق بُلجِّ بحر ……أصيح لربما ألقى مجيبا
أنا العبد السقيم من الخطايا……وقد أقبلت ألتمس الطبيبا
أنا الغدّار كم عاهدت عهداً……وكنت على الوفاء به كذوبا
فيا أسفي على عمر تقضّى ……ولم أكسب به إلا الذنوبا
ويا حزناه من حشري ونشري ……بيوم يجعل الولدان شيبا
ويا خجلاه من قبح اكتسابي ……إذا ما أبدت الصحف العيوبا
ويا حذراه من نار تلظى ……إذا زفرت أقلقت القلوبا
فيا من مدّ في كسب الخطايا ……خطاه أما آن الأوان لأن تتوبا
عجبا لك يا عبد الله ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونها الحرس والحجاب وتنسى من بابه مفتوح إلى يوم الدين .
لإنه يحبك لا يزداد على كثرة السؤالا جودا وكرما سبحانه هذا حبه لك فأين حبك له لو ناداك أبوك يطلب منك منفعة له لأجبته وهذا هو الله العلي العظيم يناديك فتنام عنه.
لو أسدى إليك أحد أصحابك معروفا ثم طلب منك أن ترده في السحر لما تأخرت عنه
اذا لم التأخير مع من أنت مغمور في بحر نعمه أين رد الجميل ياناكر الجميل ، إسمع يا عبد الله وتأمل مع كثرة معاصيك تواتر إحسان الله إليك .(1/205)
قواك على طاعته وأعانك على بره وحبب إليك الإيمان وزينه في قلبك.
غرس في قلبك غرس الفطرة فعَرفك نفسك قبل أن تطلب.
أسجد الملائكة لأبيك بل وطرد إبليس من سمائه وأخرجه من جنته وابعده عن قربه لإنه لم يسجد لك وأنت لم تزل بعد نطفة في صلب أبيك .
أخي هل لا زال قلبك بعيدا عن الله إلى الآن .
اخي هل امتلأ قلبك حبا لله .
إسمع إلى من أحب الله وأحبهم الله .
عبد الله بن جحش قبل أحد يرفع يديه إلى السماء يا رب أسألك أن ترزقني غدا رجل من الكفار شديد القوة أقاتله ويقاتلني فسأقتله ثم أسألك أن ترزقني رجل آخر من الكفار أقاتله ويقاتلني فأقتله ثم اسألك أن ترزقني رجل من الكفار شديد القوة أقاتله ويقاتلني فأقتله ثم اسألك أن ترزقني رجل من الكفار شديد القوة أقاتله ويقاتلني فيقتلني ويبقر بطني ويجدع أنفي ويقطع أذني فأتيك يوم القيامة هكذا فتقول فيما حدث هذا فأقول فيك و من أجلك يا رب فيقول صدقت .
ِ((إنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))التوبة111
يقول سعد بن معاذ والله يارسول الله لقد رايته بعد المعركة قد جدع أنفه وبقر بطنه وقطعت أذنه وحوله اثنين من الكفار ، الله أكبر صدق مع الله فصدقه الله .
عبد الله إذا فرح الناس بالدنيا فأفرح أنت بالله .
عبد الله إذا أنس الناس بالناس فأنس أنت بالله .
عبد الله إذا استغنى الناس بالناس فأستغني أنت بالله.
عبد الله إذا تودد الناس إلى الناس فتودد أنت إلى الودود الرحيم .
واتصل به واطرق بابه وقل له مسكين يارب فتصدق عليه .
واتصل به واطرق بابه وقل له أنا عبد ك الفقير المسكين .(1/206)
سئل الجنيد ما هي صفات من يحب الله فقال :
هو عبد ذاهب عن نفسه متصل بربه إن تكلم فعن الله وإن سكت فمع الله وإن تحرك فبأمر الله وإن نطق فبالله ومع الله.
كان بن عمر يدعو على الصفا والمروة وفي مناسكه((اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ويحب رسلك ويحب عبادك الصالحين)).
وكان حكيم بن حزام الصحابي الجليل يطوف بالبيت ويقول (لا اله الا الله نعم الرب ونعم الاله احبه واخشاه)
وقال الحسن البصري في قوله تعالى ((ياأيتها النفس المطمئنة )) النفس المؤمنة أطمأنت الى الله واطمأن اليها واحبت لقاء الله واحب لقاءها ورضيت عن الله ورضي عنها فأمر بقبض روحها فغفر لها وادخلها الجنة وجعلها من عباده الصالحين))
لله در القائل :
فليتك تحلوا والحياة مريرة
……وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
……وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
…وكل الذي فوق التراب تراب
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه
فقال ((ِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56))اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
الروضةالرابعة والعشرون
حب الله ((2))
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى لتكونوا من اولياء الله الذين يقول الله فيهم
((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ))يونس62
عباد الله!
لا زلنا وإياكم في ضلال حب الإله حب الكريم حب الرحيم
دعوني أخاطب كل واحد منا بصراحه .(1/207)
عبد الله:- كيف تريد أن يحبك الله وأنت لا تحب المصطفى ، كيف تريد أن تكون من أهل محبة الله وأنت لا تعيش مع المصطفى ومع سيرة المصطفى ومع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم
قال تعالى (( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ))آل عمران31
قل -أيها الرسول-: إن كنتم تحبون الله حقا فاتبعوني وآمنوا بي ظاهرًا وباطنًا, يحببكم الله, ويمحُ ذنوبكم, فإنه غفور لذنوب عباده المؤمنين, رحيم بهم. وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله -تعالى- وليس متبعًا لنبيه محصد صلى الله عيه وسلم حق الاتباع, مطيعًا له في أمره ونهيه, فإنه كاذب في دعواه حتى يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم حق الاتباع.
وقال تعالى(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))المائدة54
وصف الله سبحانه المحبين له بخمسة اوصاف :احدها الذلة على المؤمنين ولين الجانب وخفض الجناح والرحمة والرأفة للمؤمنين .
الثاني :العزة على الكافرين والشدة والغلظة عليهم.
الثالث :الجهاد في سبيل الله ومجاهدة اعدائه باليد واللسان .
الرابع :لا يخافون في الله لومة لائم أي يجتهدون فيما يرضي الله ولا يبالون بلوم من لامهم في شيء منه .
الخامس :متايعة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباعه في امره ونهيه
عبد الله لإن الله يحبك إبتلاك الم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( من يرد الله به خيرا يصب منه )) صحيح .
ابتلاك ليرفع درجاتك في الجنة لإنه يحبك(1/208)
ابتلاك لتفيق من غفلة نفسك وتصحو من سكرة ذنبك لإنه يحبك .
ابتلاك ليمحو خطيئة تدخلك النار لإنه يحبك ،
ابتلاك لتعرف نعمه عليك وتعلم قدرها فتشكره عليها وهذا أيضا لإنه يحبك
ابتلاك لتتواضع له وتدعوه سحرا فيستجيب لك فورا ويعوضك عن فقد نعمه واحدة نعما كثيرة لإنه يحبك ، أفلا تحبه وتطيعه وتقف ببابه .
إبتلاك لتدخل الجنة من أوسع أبوابها وأسهل طرقها
((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ))الزمر10
سبحانه جل وعلا الحسنة من فضله تصدر وبلطفه تحصل ثم يقبلها منك ويثني عليك.
يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم
يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا
و أنت يا حي يا قيوم لم تنم
إن كان جودك لا يرجوه ذو سفه
فمن يجود على العاصين بالكرم
والله لو لا الله ما سجد ساجد لو لا حبه لنا ما قدر طائع على إتمام طاعته وما أطاق عابد جهد عبادته
((وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))النور21
عبد الله:- من هداك لتصلي مع المسلمين الا الله وغيرك يسهو ويلعب
عبد الله:- من اعانك على ذكره وشكره بالليل والنهار الا الله .
لماذا لإنه يحبك ...
عبد الله:- لإنه يحبك فكم من ذنوب عصمك منها ووقاك وأبعدك عنها وهداك . والله لو أخذنا الله بما جنت أيدينا لعذبنا وما كان لنا ظالما
((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً))فاطر45
ولذا كان بعض الصالحين يتذكر ذلك كلما شرب شربة ماء عذبه فيقول : الحمد الله الذي جعله عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبا .
هل عرفت الآن إلى أي حد يحبك.
كم نطلب الله في ضر يحل بنا(1/209)
… فإن تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا
… فإن رجعنا إلى الشاطئ عصيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة
… وما سقطنا لإن الحافظ الله
عبد الله:- تأمل في هذه المكافآت التي أعطاناإياها الكريم جل وعلا رحمة منه وحبا فينا .
1-قال صلى الله عليه وسلم
: ((ما من رجل يصلي علي مائة إلا غفر له الله ))صحيح
2-قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه :
((من علم أني ذو قدره على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئا )) صحيح
3-قال صلى الله عليه وسلم )) من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكان صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة ))صحيح
4-قال صلى الله عليه وسلم (( من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة ))صحيح
5-قال صلى الله عليه وسلم (( ما جلس قوم يذكرون الله إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم ))صحيح
6-قال صلى الله عليه وسلم : ((من غَسل واغتسل ثم بكر وابتكر ومن ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع وأنصت ولم يلغ كان له بكل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد أجر سنة صيامها وقيامها )) صحيح
عبد الله:- لماذا لا تحب الله وهو الغفار غفر أي ستر وهو من أظهر الجميل وستر القبيح رآك على الذنوب فلم يفضحك وحاربته بالمعاصي فلم يهتك سترك أخفى عن الناس ذنبك وستر عيبك وجمل ظاهرك وأخفى باطنك فلم يعرف الناس همَك بالشر والخيانة .
إذا كنت تغدو في الذنوب بعيدا
… وتخاف في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوه
وافاض من نعمه عليك مزيدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا
… في بطن أمك مضغة ووليدا
ولو شاء أن تصلى جهنم خالدا
… ماكان الهم قلبك التوحيدا
سبحانه جل وعلا يفرح بتوبة عبده وهي فرحة احسان وبر ولطف لا فرحة محتاج فالخلق جميعهم لا يساووا في ملكه ذرة تراب.
من أنت أيها الفقير حتى يتقرب إليك أغنى الإغنياء.(1/210)
ماذا تساوي يا ذليل حتى يتودد إليك العزيز ومع ذلك يغفر ويتودد ويتلطف بل يجعل أعظم الذنوب عنده ان يظن العبد ان الرب لن يغفر
فهذا احد التابعين يسأل يوم عرفة من أسوأ الناس في هذا اليوم ؟ فقال من يظن ان الله لن يغفر له
ما زلت اعرف بألاساءة دائما
وتنالني بالعفو والغفران
وكان احد التابعين وهو عتبة الغلام يدعو ويقول :-الهي ان تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فإني لك محب فلم يزل يرددها حتى الفجر.
وقال ايضا : من عرف الله احبه ومن احب الله اطاعه ومن اطاع الله اكرمه ومن اكرمه أ سكنه في جواره ومن اسكنه في جواره فطوباه وطوباه .
عبد الله
إعلم علماً يقينياً أنه على قدر حبك لله يحبك الناس وعلى قدر خوفك من الله تهابك الخلق وعلى قدر شغلك بالله تشتغل في أمرك الخلق
أسال الله ان يوفقنا لطاعته وان يختم لنا بالحسنى
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم اجعل لنا وللمسلمين من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، اللهم فرج هم المهمومين، واقضِ الدين عن المدينين، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وللمسلمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:-
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
ايها المسلمون!
اتقوا الله تعالى حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى وتجنبوا أسباب سخط الله فان أجسامكم على النار لا تقوى.
عباد الله!
رحمة الله لا ممسك لها لا تعز على طالب في أي زمان ومكان
وجدها ابراهيم وسط السنة النار
وجدها يوسف في غيابت الجب وغياهب السجن
وجدها يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت.
وجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل وفي قصر فرعون وهو متربص به.(1/211)
وجدها فتية الكهف حين افتقدوها في القصور.
وجدها محمد صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه في الغار .
اخي المسلم راجع ذكريات حياتك لتتذكر اين وجدت رحمة الله كم عافاك كم منحك كم وهبك كم سترك.
عبد الله:- اذا احبك الله هداك الى صراطه المستقيم ووفقك الى خير الدنيا والاخرة والمؤمن اذا عرف ربه عز وجل احبه واذا احبه اقبل اليه
هاهي ام المؤمنين خديجة رضي الله عنها احبها الله جل وعلا جاء جبريل الى النبي صلى الله عليه وسلم وهي تموت برسالة فقال يارسول الله أقرئ خدبجه من الله السلام وقل لها ان الله يبشرك بقصر في الجنةمن قصي لا صخب فيه ولا نصب الله اكبر الله اكبر هذا جزاء من يدافع عن اولياء الله هذا جزاء من يحبهم الله ويحبونه ويرفعوا راية الحق خفاقة
احب الله ابي بن كعب فلما نزلنت سورة البينة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ابي ان الله امرني ان اقرأ عليك سورة البينة فقال يارسول الله سماني بأسمي في علياءه قال نعم
قال يارسول الله ءالله سماني بأسمي قال نعم فبكى وقال انا الذي سماني ربي.
عبد الله كيف تعرف ان الله يحبك ؟
1-اذا اعطاك الله الصلاح والتقوى والايمان فأنت ممن يحبهم الله تعالى
قال صلى الله عليه وسلم
((ان الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب لكن الدين لا يعطيه الله الامن يحب))
2- تيسير الطاعة فأذا وفقت للصلوات جماعة فأعلم ان الله يحبك
اذا وفقت لفعل الخيرات واكل الحلال فأعلم ان الله يحبك.
3- تعسير المعصية اذا ابعدك الله عن المعصية فأعلم ان الله يحبك
اذا ابعدك الله عن الحرام واكل الحرام فاعلم انه يحبك لكن اذا عصيت الله بعد ستره عليك الاولى والثانية والثالثة فأعلم انك سقطت من عين الله فلا يبالي في أي واد هلكت
قال تعالى ((حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ))الأنعام44
عبد الله :-هل انت ممن يحب الله اسمع صفات من يحب الله(1/212)
1-ذكر الله فمن احب شيء اكثر من ذكره فياعبد الله هل اكثرت من ذكر الله باليل والنهار لو كنت ممن يكثر تلاوة القران فأنت ممن يحب الله
اهل المال ييحبون المال ولذلك يكثرون من ذكره لكن اهل الله هم اهل القران والذكر والايمان فبالله عليك هل يعذب الله من كانوا اهله وخاصته وجلساء كتابه.
قال صلى الله عليه وسلم(من سره ان يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف ) حسنه الالباني في صحيح الجامع
وقال ذو النون :- من شغل قلبه ولسانه بالذكر قذف الله في قلبه نور الشوق اليه
وقال ابراهيم بن ادهم : اعلى الدرجات ان يكون ذكر الله عندك احلى من العسل ، واشهى من الماء العذب الصافي عند العطشان في اليوم الصائف.
من علامات حب الله حب القران وعلامة حب الله وحب القران حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة وعلامة حب السنة حب الاخرة ومن علامة حب الاخرة بغض الدنيا وعلامة بغض الدنيا ان لا يأخذ منها الا زادا يبلغه الاخرة
2-حب المؤمنين فأنت تحب من يذكرك بالله تحب من يحبب الله في قلبك تحب من يحب الله وتكره من يعادي الله ودين الله.
قال تعالى ((انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون))المائدة
إني أحب اباحفصٍ وشيعته
كما أحب عتيقاً صاحب الغار
وقد رضيت علياً قدوةً علماً
وما رضيت بقتل الشيخ في الدار
كل الصحابة سادتي ومعتقدي
فهل عليّ بهذا القول من عار
3-التقرب الى الله بالنوافل بعد الفرائض فهي التي توصل الى محبة الله وحفظة قال تعالى في الحديث القدسي (( ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فأذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن أ ستعاذني لا عيذنه))(1/213)
قال محمد الموصلي : ان القلب الذي يحب الله عزوجل يحب التعب والنصب لله وقال اخر افعل الخيرات وتوصل الى الله بالحسنات وباد رالى محبته يسرع الى محبتك
4-قطع علائق الدنيا ، واخراج حب غير الله من القلب فإن القلب مثل الاناءلا يتسع الا لشيء واحد((مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ))الاحزاب4
5- وترك معصيته
تعصي الاله وانت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لاطعته ان المحب لمن يحب مطيع
هذا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك فقال في كتابه الكريم: ((إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً)) الأحزاب:56
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم...
الروضة الخامسة والعشرون
سورة فاطر
الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراساً للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكر به من الغفلة، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي كان خلقه القرآن فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيها من القول والعمل، ورضي الله عن جنده وحزبه، ومن ترسم خطاه وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران، وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد
عباد الله إن كل مشكلة وكل معضلة وكل ضيق وكرب سلاحه بالإيمان والتقوى
قال جل وعلا
((وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ))آل عمران120(1/214)
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ))الطلاق2
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ))الطلاق4
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ))الطلاق5
((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ))الاعراف 96
هذا وعد الله ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثا .
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين الأبرار .
عباد الله
سنقف وإياكم مع آيات من سورة مباركة أنها سورة فاطر إنها سورة مكية ، تنطلق لتحقق أهداف السورة المكية فتبني العقيدة وتغرس مكارم الأخلاق وتتحدث عن توحيد الملك
الخلّاق - جل وعلا -
تبدأ السورة المباركة بالحمد لله الكلمة العظيمة المباركة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ((والحمد لله تملأ الميزان)) .
تبدأ السورة بالحمد لله كما بدأت سورة الأنعام والفاتحة والكهف وسبأ .
((الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) الفاتحة
(( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ{1})) الانعام
((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ{1}))
فما ذُكر الله بأفضل من الحمد فالحمد كله راجع إلى الله وحده
والحمد لله هي العبادة الوحيدة التي تستمر في الآخرة ففي جنة الله يقول المؤمنون كما قال تعالى : (( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفورٌ شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصبٌ ولا يمسنا فيها لغوب)). فاطر
( وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) الاعراف(1/215)
الله أكبر فأهل الجنة لا يصلون ولا يصومون ولكنهم يحمدون الله ويلهمون التحميد كما يلهمون النفس .
عباد الله : المؤمن يحمد الله على كل حال وبالتالي لا يحزن عليه حبيب لأنه يأتيه دائماً وهو حامدٌ لله عز وجل لا يشكو حاله ولا يشمت عليه عدو لأنه حامد راضي بما قسم الله له وبما ابتلاه .
((الحمد لله فاطر السماوات والأرض)) فهو سبحانه مبدع وخالق السماوات والأرض على غير مثال منشئ هذه الخلائق كلها التي نرى بعضها من فوقنا ومن تحتنا والتي لا نعرف منها إلا القليل .
أيها المسلمون
لا يحتاج القلب الموصول بالله الى علم دقيق بمواقع النجوم في السماء وأحجامها ومساراتها ليستشعر الرهبة والروعة في هذا الخلق العظيم
المؤمن يكفيه مشهد واحد ليوّحد الله ويحمده ويسبحه مشهد النور الفائض في الليلة الظلماء أو مشهد الغروب الزاحف في الظلام . الموحي بالوداع والانتهاء .
بل يكفي المؤمن زهرة واحدة يتأمل في ألوانها واصباغها وتشكيلها وتنسيقها ليسّبح الله المبدع .
…تأمل في نبات الأرض وانظر
………………إلى آثار ما صنع المليك
…عيون من لجين شاخصات
………………بأحداق هي الذهب السبيك
…على كثب الزبرجد شاخصاتٍ
………………بأن الله ليس له شريكُ
…فيا عجباً كيف يعصى الإله
………………أم كيف يجحده الجاحدُ
…وفي كل شيءٍ له آيةٌ ……
………………تدل على أنه الواحد
((الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة)) بعضهم له جناحان ووبعضهم له أربع يزيد في الخلق ما يشاء .
من فخامة الأجسام وتفاوت الأشكال والأجنحة .
قال تعالى : ( فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون ) فصلت
وقال تعالى : ( عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) …التحريم
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل ليلة الإسراء وله 600 جناح بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب .(1/216)
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أطّت السماء وحُق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد لله وراكع .. )
عباد الله إن لله ملائكة منذ خلقهم ساجدون ولله ملائكة منذ خلقهم وهم راكعون فإذا ما قامت القيامة قالوا يارب سبحانك ربنا ما عبدناك معه عبادتك
…سبحانك ربنا ما شكرناك من شكرك
سبحانك ربنا ما قدرناك حق قدرك
سبحانه جل وعلا يزيد في الخلق ما يشاء
خلق آدم من غير أبٍ ولا أم
خلق حواء من أب بدون أم
خلق عيسى من أم بلا أب
خلقنا جميعاً من أم وأب
وجعل أماً وأباً ولكن يجعل من يشاء عقيماً
فالله يزيد في الخلق ما يشاء يزيد من بعض الجوارح عند بعض الناس ما يشاء يعلم أكثر مما يعلم الناس
فمن الناس من يسمع أكثر ما يسمع الناس يرى أكثر مما يرى الناس يشم أكثر مما يشم الناس
سبحان من قسم الحظوظ
فلا اعتراض ولا ملامة .
أعمى وأعشى وبصير
……ورزقاء اليمامة
قال تعالى : (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{2
نعم أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا مانع لما أعطى ولم معطى لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد .
عباد الله هذه الآية حين تستقرفي قلب المؤمن سيتم التحول العجيب في كل شيء لأن هذه الآية تقطعه عن كل قوّة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله وحده و تُيّئسه من كل من في السماوات والأرض وتصله برحمة الله .
هذه الاية عباد الله تغلق أمام العبد كل باب في السماوات والأرض وتفتح أمامه باب الله الذي يملك كل شيء وبيده خزائن كل شيء له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه
وبعد(1/217)
عباد الله :
ورحمة الله تتجلى في كل شيء ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله فإذا هو مهاد فيه كل الرحة وينام الإنسان على الحرير وقد أمسكت عنه رحمة الله فإذا هو شوك وألم .
سبحان الله يعالج الإنسان أعسر الأمور مع رحمة الله فإذا هي أيسر الأمور وقد تخلت عنه رحمة الله فإذا هي من أعسر الأمور وأشقّها مع رحمة الله فإذا هي أيسر الامور ويعالج أعسر الامور وقد تخلت عنه رحمة الله فإذا هي من أشق الامور وأعسرها
عباد الله
إعلموا أنه لا ضيق مع رحمة الله لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب الجب أو في شعاب الهلاك .
فهؤلاء أصحاب الكهف خروجوا من قصورهم التي ما وجدوا فيها رحمة الله وانطلقوا في رحاب الله إلى الكهف قال تعالى : (( فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً )).
هاهو ابن القيم يقول : كنا إذا ضاقت علينا الدنيا انطلقنا إلى شيخ الاسلام ا بن تيمية وهو في سجنه فنستمع إلى ذكر الله فيفّرج الله علينا همنا .
شيخ الاسلام ابن تيمية الذي حُبس وسُجن والسجان يغلق الباب وهو يقرأ قول تعالى ((فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ))الحديد13 ابن تيمية الذي قال : ( ما يفعل أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري وصدري في يدي ربي )
عباد الله : المال والولد والزوجة والقوة والجاه والسلطان تصبح مصادر قلق وتعب ونكد إذا أمسكت عنها رحمة الله
فإذا فتح الله ابواب رحمته كان فيها السكن والسعادة والطمانينة
يبسط الله الرزق مع رحمته فإذا هو متاع طيب ورخاء في الدنيا وزاد في الاخرة ويمسك رحمته جل وعلا فإذا الرزق مصدر قلق وحسد وبغضٍ وبخل
يمنح الله الذرية مع رحمته فإذا هي في الحياة زينة ومصدر فرح واستمتاع ومضاعفة الاجر وخلف صالح ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء نكد وشقاء وتعب(1/218)
يهب الله القوّة والصحّة مع رحمته فإذا هي نعمة وحياةٌ طيبة وتلذذ بالحياة ويمسك رحمته فإذا الصحة والقوّة بلاء يحطم الجسم ويفسد الروح
اللهم امنحنا رحمتك في كل شيء
يعطي الله السلطان والجاه مع رحمته فإذا هما أداة إصلاح ومصدر أمن ويمسك رحمته فإذا هما مصدر قلق على فوتهما ومصدر طغيان وبغيٌ بهما رحمة الله وجدها ابراهيم عليه السلام وهو في النار ((قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ))الأنبياء69
النار سبب والله رب الاسباب النار تحرق لكن الله جعلها لا تحرق
رحمة الله وجدها يوسف عليه السلام وهو في غيابت الجُب
رحمة الله وجدها يونس عليه السلام وهوفي ظلمات ثلاث في بطن الحوت وفي ضظلمة البحر وفي ظلمة الليل فأنطلق بالتسبيح ((فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }الأنبياء87
رحمة الله وجدها كليم الله موسى وهو طفل مجرّد من كل قوّة في اليم لكن معه رحمة الله ترعاه
عباد الله لو غرست هذه الحقيقة في قلب المومن لاصبح كالطود الشامخ أمام كل شيء لا يخاف أحداً إلا الله ولا يرجو إلا ثواب الله ولا يسأل أحداً إلا الله ولا يستعين الا بالله شعاره ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))يونس107
نعم إنها أية واحدة من القران تفتح طريقاًللنور وتفجر ينبوعاًمن الرحمة وتشق طريقاًممهداًالى الرضا والثقة والطمانينة والسعادة
ايها المسلمون رحمة الله وسعت كل شيء لكن لا تُنال هذه الرحمة إلا بأمور منها
أولاً الاحسان في كل شيء الاحسان في العبادة الاحسان في الصلاة ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك(1/219)
الإحسان في المعاملة مع الناس وخي إحسان الى الناس دعوتهم الى الخير قال تعالى ((إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ))الأعراف56
ثانياً تنال رحمة الله بالتقوى والزكاة والايمان بالله واتباع محمد صلى الله عليه وسلم
قال تعالى ((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ{156} الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ )) الاعراف
ثالثا تُنال رحمة الله برحمة الاخرين فالراحمون يرحمهم الرحمن ومن لا يرحم لا يُرحم
ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لاناس بالرحمة منهم
قال صلى الله عليه وسلم ((رحم الله رجلا سمحاً إذا باع سمحا إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحا إذا اقتضى ))
قال صلى الله عليه وسلم ((رحم الله رجلا صللى قبل العصر أربعا))
اللهم ارحمنا اجمعين وادخلنا في رحمتك وامنحنا رحمتك في كل شيء وادخلنا دار رحمتك يارب العالمين
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك وبطاعتك عن معصيتك
اللهم قوي إيماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا يارب العالمين
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير محمد صلى الله عليه وسلم
وعلى وصحبه من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
الروضةالسادسة والعشرون
الموت الضيف الاخير
الحمد لله الكريم الفتاح أهل الكرم والسماح المجزل لمن عامله بالارباح سبحانه فالق الإصباح وخالق الارواح .(1/220)
احمده سبحانه على نعم تتجدد بالغدو والرواح واشكره على ما صرف من المكروه وازاح وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة بها للقلب انفساح وانشراح
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله الذي ارسل بالهدى والصلاح اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله واصحابه ما بدا نجم ولاح .
اما بعد
عباد الله
أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحه مباركه تبيض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل
يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا
يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن
نسأل الله عزوجل بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا وأن يكِره إلينا الفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين .
مع من سنقف واياكم سنقف واياكم مع الزوارمع الضيوف الذين نستقبلهم طوال حياتنا.
من هؤلاء الضيوف من هؤلاء الزوار.
هؤلاء الضيوف لهم مدة محددة يعلمها الله عز وجل لان الضيف لا يطيل ,من الناس من يحسن استقبال هؤلاء الضيوف والتعامل معهم .
من هؤلاء الضيوف المصيبة ,فالمصيبة تزورك يا عبدالله ولها مدة محددة يبتليك الله بها اتصبر ام لا , اتشكو حالك الى الناس ام تشكو حالك الى الملك جل وعلا
ولسان حا لك
((إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)) يوسف:86.
تأتيك المصيبة يا عبد الله اتتذلل لمخلوق ام تقول انا لله وانا اليه راجعون وتصبر وانما الصبر عند الصدمة الاولى.
ومن هؤلاء الضيوف النعمة والعافية يبتليك الله بها اتشكر ام تكفر ,ام تنسى حال النعمة وتسأل وتجأر حال النقمة كما قال تعالى ((وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا))الإسراء:83(1/221)
ومن هؤلاء الضيوف هذه الايام و هذه الدقائق التي نعيشهاماهي الا ضيوف تحل علينا ثم تنطلق ,وما من يوم ينشق فجره الاوينادي ابن ادم انا يوم جديد وعلى عملك شهيد فأغتنمني فأني لا اعود الا يوم الوعيد ,وما انت يابن ادم الا ايام معدودات اذا ذهب يوم ذهب بعضك حتى تنتهي ويقال مات فلان .
عبد الله اليوم 24 ساعة كل ساعة خزانة فارغة فأملأها بما تريد املأها بالذكر والقران والاحسان والايمان او املأها بالشر والكف والعصيان فإذا ماأنتهت الساعة
اغلقت تلك الخزانة ولن تفتح الا يوم القيامة وحينئذ يقال لك
((اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)) الإسراء:14
ومن الضيوف التي تحل علينا المرض يبتلينا الله به ليكفر الله بهامن خطايانا ويمتحن صبرنا ويذكرنا بنعمة العافية.
ومن هؤلاء الضيوف شهر رمضان الذي أنزل فيه القران ,هذا الضيف المبارك الذي يستمر عندنا اياما معدودات ثم ينطلق فمن الناس من يغتنم هذا الضيف فيفوز بالعتق من النيران ومن الناس من يفرط فيه ويخرج من بين يديه بلا شيء.
ومن هؤلاء الضيوف والزوار ,الزائر الاخير الذي ليس بعده زائر والضيف الذي ليس بعده ضيف الا وهو الموت مفرق الجماعات وهادم اللذات وميتم البنين والبنات .
ولابد من وقفة مع هذا الضيف الاخير .
عباد الله
كلنا يكره هذا الزائر الاخير ,كلنا لا يحبه فلماذا؟؟
لماذا نكرهه ؟ ّ مع أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خيّر بين البقاء في الدنيا والموت قال : بل الرفيق الأعلى : وعلى دربه سار أصحابه الذين كانوا يرحبون بالموت ويحسنون استقباله .فهذا بلال بن رباح مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه الموت فتبكي زوجته وتولول وتقول وكرباه عليك يا بلالاه وحزناه عليك يا بلالاه فقال بلال لا تقولي وكرباه بل قولي وطرباه غدا نلقى الاحبة محمد وصحبه.
وهذا ابو هريرة يأتيه الموت فيقول اللهم اني أحب لقاءك فأحب لقاءي مرحبا بالموت حبيبا جاء على فاقة(1/222)
ترى ما الفارق بيننا وبينهم ؟؟
لماذا نكره قدومه ؟ لماذا ؟ نخاف زيارته ؟
لماذا يرتعد القلب وجلا من ذكره .
ما هي الأسباب :-
نحن نخاف الموت أ ولا حياء من الله :
قيل لأحدى التابعيات : أتحبين الموت ؟ قالت لا ، قيل ولم ؟ قالت : لو عصيت آدميا ما أحببت لقاءه فكيف أحب لقاء الله وقد عصيته .؟؟؟
أخي .....قل
يانفس توبي قبل ان لا تستطيعي ان تتوبي وأعصي الهوى فالهوى مازال فتانا
نحن نخاف الموت ثانيا لاننا لاندري
أين النزول وإلام المصير ؟؟؟
هل نحن من الفائزين السعداء ام نحن من الخاسرين الاشقياء
قال سعيد بن أبي عطية : لما حضر أبا عطية الموت جزع منه فقالوا له : أتجزع من الموت ؟؟ قال : مالي لا أجزع وإنما هي ساعة ثم لا أدري أين يذهب بي ؟؟
وكيف تنام العين وهي قريرة ……ولم تدر في أي المحلين تنزل
لما حضرت أحمد بن خضرويه المنية سئل عن مسألة فدمعت عيناه وقال : يا بني كنت أدق بابه خمسا وتسعين سنة وها هو يفتح الساعة ، لا أدري يفتح بالقبول والسعادة أو الشقاوة فأنّى لي أوان الجواب ؟؟؟
الموت باب وكل الناس داخله ياليت شعري بعد الموت ما الدار
الدار دار نعيم ان عملت بما يرضي الاله وان فرطت فالنار
دخلوا على الشافعي وهو يموت فقيل له كيف اصبحت ؟فقال اصبحت من الدنيا راحلا وللاخوان مفارقا ولسوء عملي ملاقيا ولكأس المنية شاربا وعلى الله واردا ولا ادري اروحي تصير الى الجنة فأهنيها ام الى النار فأعزيها ثم انشأيقول
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجاءي نحو عفوك ربي سلما
تعاضمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك اعضما
فما زلت ذا عفوعن الذنب
لم تزل تجود وتعفومنَة وتكرما
ولما حضرت ابراهيم النخعي الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك ؟ قال انتظر من الله رسولا يبشرني بالجنة أوبالنار .
عباد الله نحن نخاف الموت ثالثا لقلة الزاد :
ماذا قدمنا هل عملنا اعمالا تبيض وجوهنا يوم نلقى الله ,هل عملنا اعمالا تثبتنا عند قدوم الموت(1/223)
قال حل وعلا : ((وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ)) المنافقون:10
تحسر بعض الناس عند موته فقيل له : ما بك ؟ فقال : ما ظنكم بمن يقطع سفرا طويلا بلا زاد ، ويسكن قبرا موحشا بلا مؤنس ويقوم بين يدي حكم عدل لا حجة .
عبد الله ما أخبار زادك .
بكم ركعة في جوف الليل أعتقت رقبتك من النار ؟ بكم يوم صمته في شدة الحر اتقيت حر جهنم ؟ بكم شهوة تركتها ترجو نعيم الأبد ؟؟ أين الزاد الذي يبلغ ؟ أين العمل الذي يصلح ..
نحن نخاف الموت رابعا لاننا سرفون على انفسنا بالمعاصي
فالمسرفون في المعاصي يخافون القدوم ، ويهابون المنون أساءوا فخافوا ، وعاثوا فهابوا ، ماتوا فلا قوا ما كانوا يحذرون .
لاه بدنياه والأيام تنعاه ……والقبر غايته واللحد مثواه
يلهو ول كان يدري ما أعد له …إذا لأحزنه ما كان ألهاه
أو ما جنت يده لو كنت تعرفه …ويلاه مما جنت كفاه ويلاه
عباد الله ان هذا الزائرالاخير ارسل الله لنا برقيات قبل وصوله رحمة بنا لعلنا نتوب لعلنا نرجع لعلنا نعود.
عبد الله
قد بعث إليك الموت ؟ برقيات تعلمك بقرب وصول أجلك ... ما هي :
اولا المرض : لما مرض عبد الملك بن مروان مرض الموت جعل يلوم نفسه ويضرب بيده على رأسه ويقول : وددت انني كنت اكتسبت يوما بيوم ما يكفيني , واشتغل بطاعة الله .
انه المرض ياعباد الله كم من متكبرين واعزاء اذلهم المرض كم من اقوياء اضعفهم المرض كم من اغنياء افقرهم المرض .
فيا من استبعد موته واطال امله ونسي قبره فليقرأ موعظة الحسن البصري حين قال : من لم يمت فجأة مرض فجأة فأتقوا الله واحذروا مفاجأة ربكم .
ان الطبيب بطبه ودوائه لايستطيع دفاع نحب قد اتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي قد كان ابرأ مثله فيما مضى
مات المداوي والمداوى والذي جلب الدواء وباعه ومن اشترى(1/224)
ثانيا من برقيا الموت الشيب : فالله الله في العمل قبل المشيب .
يا مسكين .. أحين يعطيك القوة تنساه ؟ وحين يسلبك إياها تذكره ؟ أف لك .. أما تعلم أنه ما من شعرة تبيض إلا وهي تقول للتي تليها : أختي قد جاء الموت فاستعدي له .
أخي .. الشيب رسول الله إليك يخبرك بدنوا أجلك فأعد لما بعده .
إذا الرجال ولدت أولادها ……وبليت من كبر أجسادها
وأصبحت أمراضها تعتادها ……تلك زروع قد دنا حصادها
واعلم أنك على سفر ، وأنك مغادر لا محاله .
وإذا رأيت بنيك فاعلم أنهم……قطعوا إليك مسافة الآجال
وصل البنون إلى محل أبيهم وتجهز الآباء للترحال
رحم الله الحسن البصري حين أيقظ الشيخ بقوله :
يا معشر الشيوخ .. ما ينتظر بالزرع إذا بلغ ؟ قالوا : الحصاد وأيقظ الشباب بقوله :
يا معشر الشباب .. إن الزرع قد تبلغه العاهه قبل أن يبلغ .
ثالثا من رسائل الضيف الاخير فراق الأحبة .
كان الرجل من السلف يبلغه موت أخ من إخوانه فيقول : أنا لله وإنا إليه راجعون كد ت والله أن أكون أنا الميت فيزيده الله بذلك جدا واجتهادا .
افهم يا هذا ما أقول : كان ملك الموت قريبا منك في الدار التي تجاورك وقبض منها أخاك ، وكان من الممكن أن يغير وجهته ، ويقبضك لكن الله أعطاك فرصة أخرى ومد لك في العمر حتى تفيق فهل أفقت ؟
ايها المسلمون:
لقد وعظتكم القبور فلم تترك مكانا لو عظ الواعظين ...
اخي ........ كم مرة استمعت فيها لو عظ القبور ؟ كم مرة زرتها.....
إلى من يشكو قسوة القلب ، والرجوع إلى الذنب ، ونكث العهد مع الرب ، والبعد عن الله بعد القرب : ألم تسمع أبدا قبل ذلك عن وعظ القبور ؟.؟؟
زر المقبرة لترى مكنك القادم فهل اعددت لك زادا وانيسا ورفيقا
اتيت القبور فناديتها اين المعظم والمحتقر
تفانوا جميعا فما مخبر وماتوا جميعا ومات الخبر
فياسائلي عن اناس مضوا اما لك فيما معتبر
عباد الله(1/225)
كل يوم نموت فيه ونحيا .. ننام ونصحوا إلى أن يأتي اليوم الذي ننام فيه لنستيقظ على نفخة الصور يوم القيامة ؟؟ فالنوم اخو الموت فالنوم موت اصغر والموت نوم اكبر وكما تنامون تموتون وكما تستيقضون تبعثون
في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( كان إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول : باسمك الهم أحيا ، وباسمك اللهم أموت ، وإذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور))
ليذكر الإنسان الموت كل ليلة مع منامه بل ويذوق طعمه وإمكانية حدوثه إن ظن لحظة أنه معمر أو مخلد,
رب شروق بلا غروب .. رب ليل بغير نهار .. كم من رجل أمسى من أهل الدنيا وأصبح من أهل الآخرة .. وكم من رجل بات يقسم ميراث ابيه فلما حل الصباح لحق بأبيه .
عباد الله بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،اقول ماسمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المومنين فأستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين نحمده - تعالى - ونشكره ونثني عليه الخير كله، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.وبعد
عباد الله
اين الهروب من الموت :
نشرت مجلة القصيم السعودية أن شابا في ذمشق حجز ليسافر وأخبر والدته أن موعد إقلاع الطائرة في السعة كذا وكذا وعليها أن توقظه إن دنا الوقت ، ونام هذا الشاب ، سمعت أمه أخبار الأحوال الجوية في التلفاز ، وعلمت أن الرياح هوجاء ، وأنالجو غائم ، وأن هناك عواصف رملية فأشفقت على وحيدها فلم توقظه أملا في أن تفوته الطائرة .
ولما تأكدت أن الرحلة قد أقلعت ، أتت إلى ابنها لتوقظه فوجدته ميتا في فراشه فر من الموت ، وفي الموت وقع ، ومن المقدور لا ينجي الحذر ، وصدق ربنا :(1/226)
((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)) النساء:78
.تأمل يا عبد الله ....
أنظر إلى هذه النماذج التي اصطحبت معها في قبرها ما تتقرب به إلى ربها لتنال بها الشفاعة :
سعد بن أبي وقاص : آخر العشرة المبشرين بالجنة موتا وقد أوصى أن يكون شاهد إثباته جبه صوف كان لقي المشركين فيها يوم بدر ، فقال : أخبئها لهذا ، فكفن فيها .
وها هو علي بن عبد الله بن حمدان ( سيف الدولة ) جمع من نفض الغبار الذي اجتمع له من غزواته شيئا ، وعمله لبنة بمقدار الكف ، وأوصى أن توضع في لحده ، فنفذت وصيته .
وهاهو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق : أحد الفقهاء السبعة الذي أوصى وقال : كفنوني في ثيابي التي كنت أتهجد فيها
ترى .. ما حالك أنت ياعبد الله ؟ أي عمل من الصالحات سيؤنس وحشتك بعد موتك ؟ جبة قتال ، أم لبنة جهاد أم ثياب تهجد ام صلة رحم ام ركعات في الليل ام طاعة والدين ام حسن خلق ؟؟
أخي .. بادر من الآن .. الآن ..... الآن
أخي غدا تسافر فأين زادك ؟؟ أنقله إلى غير مسكن ؟؟ أسفر من غير تزود ؟ أقدوم إلى بلاد ربح بغير بضاعة .
أخي يا عبد الله :
1-إحرص على زيارة المقابر مرة في الشهر وادع في هذه الزيارة لأموات المسلمين من عرفت منهم ومن لم تعرف .
2-شيع جنازة كلما استطعت واذكر : من تبع جنازة إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن يدفن فإنه يرجع بقيراط من الأجر .
3-لا تصرف جزء من وقتك في عمل تندم عليه بعد الموت واملا أوقات فراغك بما يفيدك في أمر دنيا أو أمر آخرة .
4-اعف عمن ظلمك .. صل من قطعك .. أعط من حرمك فالدنيا جيفة لا تستحق التنازع من أجلها وكلنا على سفر منها عاجلا أو آجلا 5-أنفق مالك قبل أن يوزع غدا على الورثة ، وكلما كان إنفاقك في الدنيا أكثر كانت أملاكك في الجنة أكبر .(1/227)
6-إذا صليت فصل صلاة مودع وكأنها آخر صلاة .
اسأل الله ان يحسن ختامنا وان لا يميتنا الا وهو راض عنا وصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله فقد أمركم الله بذلك فقال - تعالى -:(( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) الأحزاب:56.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين
الروضة السابعة والعشرون.
المخلوق العجيب ((البحر))
الحمد لله الُُذي اكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعل امتنا وله الحمد خير أمه وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا وعلمنا الكتاب والحكمة وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة وأشهد أن محمد عبدة ورسوله أرسله للعالمين رحمة وخصه بجوامع الكلم فربماجمع أشتات الحكم والعلم في كلمة أو شطر كلمة صلى الله علية وعلى أله وأصحابه صلاه تكون لنا نوراًً من كل ظلمة وسلم تسليما
أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى تدرعوا بها في الشدة والرخاء في السراء والضراء اعمروا بها أوقاتكم صباحاً ومساءً فبها تدفع المحن والبلايا والفتن والرزايا وصدق الله تعالى القائل
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ))الطلاق2
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ))الطلاق4
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ))الطلاق5
أيها المسلمون عباد الله سنقف اليوم وإياكم مع مخلوق عجيب مخلوق عظيم
جليل خلقة الله جل وعلا عبرة لمن يعتبر وعظة لمن يتعظ إنهُ البحر بأمواجه العظيمة، البحر بأتساعه الهائل
البحر آية من آيات الله الدالة على عظمته وجبروته .
ففي الجنة رحمته وفي النار سطوته وعذابه وفي البحر عظمته(1/228)
ان ماء هذا المخلوق العجيب يملأ ثلاث أرباع سطح الأرض ولولا أن الله جل وعلى يمسك البحر بقدرته ومشيئته لطفح على الأرض فأغرقها ودمرها ويجعل عاليها سافلها.
في البحار امواج عاتية وأعماق مظلمة حالكة ا لضلام وعلى عمق 60متراً عن سطح البحر يصبح كل شئ مظلماً في البحار ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يدهُ لم يكد يراها وصدق الله ((أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ))النور40
فلا نور إلا نور الإيمان، لا نور إلا نورالاعمال الصالحات .
البحر عباد الله خلق من خلق الله يعبد الله يوحد الله يسبح لله ومن عجائبه أنهُ يرى ابن ادم يعصي لله تعالى مع حلمه تعالى عليه فيتألم لذلك فلولا أن الله منعهُ اغراقهم لأغرقهم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
ففي مسند الأمام أحمد فيما يروي عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من ليلة إلا والبحر يشرف
فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن يطفح على العصاة من بني أدم فيكفهُ الله .
فسبحان الله البحر يتمعر ويغضب عندما تنتهك محارم الله وكم من بشر لا يحركون ساكناً والفواحش تنتشر والمنكرات تسري ولا ينكرون منكرا ولا يأمرون بالمعروف
الله أكبر البحر جندي من جنود الله يهلك الله به من يشاء من أعدائه وينجي به من يشاء من عبادة المؤمنون
البحر تجدهُ
جندي من جنود الله بارزاً في قصة موسى علية السلام عندما خافت علية أمه من بطش فرعون
فأوحى الله إليها وحي الهام إذا خفت عليه فالقية في اليم ولا تخافي و لاتحزني فأوحى الله إليها أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل.(1/229)
بالله يا للقدرة ياام موسى ارضعيه فإذا خفت عليه وهو في حضنك وهو في رعايتك اذاخفت عليه وفي فمه ثديك وهو تحت عينيك فالقيه في اليم
الله اكبر طفلاً في الأشهر الأولى من حياته يلقى في اليم في تابوت صغير لامن يحميه لامن يرعاه
لكن الله بعنايته وحفظة يحرسهُ ويرعاه ،،،
فألزم يديكَ بحبل الله معتصماً
فانهُ الركن ان خانتكَ أركان
ولا تخافي ولا تحزني انه هنا في اليم
في البحر العظيم بأمواجه في رعاية اليد التي لاخوف معها اليد التي تجعل النار برداًً وسلاماً وتجعل البحر ملجأ وملاذا،،،
اليد التي لا يجرؤ فرعون الطاغية ولا طغاة الأرض جميعا ان يدنو من حماها الأمن العزيز
وإذا العناية لاحظتكَ عيونها
نم فالمخاوف كلهّن أمان
ان القدرة التي ترعاه تدبر أمره وتكيد به لفرعون واله فتجعلهم يلتقطونه وتجعلهم يحبونه ويبحثون له عن مرضعة ويحرم عليه المراضع حتى تبصره أخته من بعيد فتعرفه فتقول هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ثم يعود الطفل الغائب إلى امه الملهوفة معافى في بدنه مرموقا في مكانته يحميه فرعون وترعاه امرأته وتضطرب المخاوف من حوله وهو آمن بحفظ الله
((فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))القصص13
واستمرت المعركة بين موسى ولي الله وفرعون عدو الله بين الحق والباطل إلى حين
خروج موسى ومعهُ بني إسرائيِل فتبعهُ فرعون وجنوده فإذا البحر من أمام موسى وقومه وفرعون وجنوده من خلفهم
دلائل الحال كلها أن لامفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم
فإذا بنو إسرائيل يقولون يا موسى إنا لمدركون ضعفت ثقتهم بالله ونسوا ان الله هو الحافظ والمعين لكن موسى لا يشك لحظة واحدة وملء قلبه الثقة بربه واليقين بعونه والتأكد من النجاة
فقال موسى بلسان الواثق بنصر الله
((قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))الشعراء62(1/230)
فجاء الفرج وأزيل الكرب هكذا مهما زاد الظلم ومهما بلغ الطغيان
كلا لن تكون مدركين كلا لن نكون ضائعين كلا إن معي ربي سيهدين.
فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر
بعصا يضرب البحر العظيم، بعصا يضرب المخلوق العجيب نعم بعصا وقعت المعجزة فالعصا سبب والله هو رب الأسباب فانفلق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم. وقعت المعجزة ووقف الماء على جانب الطريق كالطود العظيم ووقف فرعون مع جنوده مشدوها بذلك المشهد الخارق وذلك الحدث العجيب وأطال الوقوف وهو يرى موسى وقومه يعبرون البحر في طريق مكشوف وتم تدبير الله فخرج بنو إسرائيل من الشاطئ الأخر بينما كان فرعون وجنوده بين فرقي الماء أجمعين وقد قربهم الله لمصيرهم المحتوم ((إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ))لشعراء8 فالبحر المغرق أصبح أمانا وسلاما ويبسا .
فدخل موسى وقومه بأهلهم وعتادهم لا تبتل لهم قدما بإذن الله تعالى.
قال ابن عباس صار البحر أثنا عشر طريقا لكل سبط طريق فاقترب فرعون بجنوده وتمادوا ودخلوا أجمعين ودخل آخر جندي من جنود فرعون وخرج آخر رجل من قوم موسى فأمر الله البحر أن يغرق فرعون وجنوده ((وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ))الشعراء65
نعم إنه البحر الذي كان لموسى الطفل الرضيع أمانا ورعاية وحفظا هو الآن يغرق فرعون وقومه بإذن الله تعالى .(1/231)
عباد الله : هذا المخلوق العجيب نجده مع نبي الله يونس الذي كان هو وقومه في بقعه قريبه من البحر وقد ضاق صدرا بتكذيب قومه فانذرهم بعذاب قريب وغادرهم مغضبا آبقا فقاده الغضب إلى شاطئ البحر حيث ركب سفينة مشحونة وفي وسط الأمواج والرياح وكانت هذه علامة عند القوم بان من بين الركاب راكبا مغضوبا عليه لأنه ارتكب خطيئة وانه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق فاقترعوا على من يلقونه من السفينة . فخرج سهم يونس وكان معروفا بصلاحه ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فالقوه في البحر أو القى بنفسه إليه فأرسل الله له حوتا فابتلعه وأمره أن لا يكسر له عظما ولا يخمش له لحما وطاف به البحار وغاص به إلى الأعماق وبقي في بطن الحوت أياما يسمع الحيتان وتسبيحها فسبح الله واستغفره
((لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))الأنبياء87
فسمع الله دعاءه واستجاب له ونجاه من الغم . فلفظه الحوت وخرج من بطنه سقيما عاريا على الشاطئ((وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ))الصافات146
وهو القرع يظله بورقه العريض ويمنع عنه الذباب الذي يقال انه لايقرب هذه الشجرة وكان هذا من تدبير الله ولطفه فلما استكمل عافيته ردع الله الى قومه الذين تركهم مغاضبا فآمنوا واستغفروا وطلبوا العفو من الله فسمع لهم ولم ينزل بهم عذاب المكذبين فآمنوا فمتعناهم الى حين وكانوا مائة ألف اويزيدون
يقول الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))لقمان27
وقال تعالى ((قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ))الكهف109(1/232)
الله أكبر ما أعظم الله لو أن جميع ما في الأرض من شجر تحولت أقلام وجميع ما في الأرض من بحار تحولت إلى مداد وهذا البحر يمده سبعة أبحر وجلس الكتّاب يكتبون ويسجلون كلمات الله المتجددة الدالة على عظمته على علمه وقدرته ورحمته الدالة على مشيئته .... فماذا؟ لقد نفدت الأقلام ونفد المداد نفدت الأشجار ونفدت البحار الأقلام وانتهت وكلمات الله باقية لا تنفد ولا تأت لها نهاية لان علم الله لايحد ولان إرادته لا تكف ولان مشيئته سبحانه ماضية ليس لها حدود ولا قيود .
وتتوارى الأشجار والبحار وتنزوي الأحياء والأشياء وتتوارى الأشكال والأحوال ويقف القلب البشري خاشعا أمام جلال الخالق الباقي الذي لا يتحول ولا يتبدل ولا يغيب . اسأل الله ان يغفر لنا ذنوبنا وان يستر عيوبنا أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانيه
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اكتفى
وبعد:-
عباد الله انظروا وتأملوا إلى تلك السفن التي تبحر في ظهر هذا المخلوق العجيب من يسيرها من يقودها إنه الله جل وعلا القائل:
(( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ. أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير . ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ))الشورى33
السفن الجواري في البحر كالجبال آية أخرى من آيات الله هذا البحر من أنشاه ؟ من من البشر يدعي هذا الادعاء؟ هذه الريح من سيرها وسخرها الا الله(1/233)
والسفن الجواري في البحر كالجبال آية أخرى من آيات الله . آية حاضرة مشهودة . آية تقوم على آيات كلها من صنع الله دون جدال . هذا البحر من أنشأه ؟ مَن مِن البشر أو غيرهم يدعي هذا الادعاء ؟ ومن أودعه خصائصه من كثافة وعمق وسعة حتى يحمل السفن الضخام ؟ وهذه السفن من أنشأ مادتها وأودعها خصائصها فجعلها تطفو على وجه الماء ؟ وهذه الريح التي تدفع ذلك النوع من السفن التي كانت معلومة وقتها للمخاطبين [ وغير الريح من القوى التي سخرت للإنسان في هذا الزمان من بخار أو ذرة أو ما يشاء الله بعد الآن ] من جعلها قوة في هذا الكون تحرك الجواري في البحر كالأعلام ؟ . .
إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره . .
وإنها لتركد أحياناً فتهمد هذه الجواري وتركد كما لو كانت قد فارقتها الحياة
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . .
في إجرائهن وفي ركودهن على السواء آيات لكل صبار شكور . والصبر والشكر كثيراً ما يقترنان في القرآن . الصبر على الابتلاء والشكر على النعماء ؛ وهما قوام النفس المؤمنة في الضراء والسراء .
أو يوبقهن بما كسبوا . .
فيحطمهن أو يغرقهن بما كسب الناس من ذنب ومعصية ومخالفة عن الإيمان الذي تدين به الخلائق كلها ، فيما عدا بعض بني الإنسان !
ويعف عن كثير . .
فلا يؤاخذ الناس بكل ما يصدر منهم من آثام ، بل يسمح ويعفو ويتجاوز منها عن كثير .
ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص . .
سبحان الله من يحفظ الفلك في البحار الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس سوى الله.
لكن يا سبحان الله وإذا حلت بنا مصيبة إلتجئنا إلى الله لكن إذا فرجت ضل من تدعون إلا إياه .
قال تعالى:
((وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً ))الإسراء67(1/234)
وإذا أصابتكم شدة في البحر حتى أشرفتم على الغرق والهلاك، غاب عن عقولكم الذين تعبدونهم من الآلهة، وتذكَّرتم الله القدير وحده؛ ليغيثكم وينقذكم، فأخلصتم له في طلب العون والإغاثة، فأغاثكم ونجَّاكم، فلمَّا نجاكم إلى البر أعرضتم عن الإيمان والإخلاص والعمل الصالح، وهذا من جهل الإنسان وكفره. وكان الإنسان جحودًا لنعم الله عزَّ وجل.
وهذا المشهد في البحريحس به من كابده ويحس بالقلوب الخافقة الواجفة المتعلقة بكل هزة وكل رجفة في الفلك صغيراً كان أو كبيراً حتى عابرات المحيط الجبارة التي تبدو في بعض اللحظات كالريشة في مهب الريح في هذا البحر العظيم ولكن الانسان هو الانسان فما أن تنجلي المصيبة وتحس قدماه ثبات الارض من تحته حتى ينسى لحظات الشدة فينسى الله
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا
……فلما وصلنا إلى الشاطئ نسيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة
……وما سقطنا لان الحافظ الله
قال رجل لأحد الصالحين أخبرني عن الله ؟ فقال ألم تركب البحر قال بلى ؟ قال هل حدث لك مرة أن حلت بكم عاصفة قال نعم ؟ قال:وانقطعت الحيل عن الملاحين ووسائل النجاة قال نعم ؟ قال فهل خطر ببالك وظهر في نفسك أن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء قال نعم : قال فذاك هو الله لا إله إلا هو وسع كل شئ علما ))
هذا وصلوا وسلموا على المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى اله فمن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا
الروضة الثامنة والعشرون
المرض دروس وعبر
الحمد لله الذي أعد للمؤمنين جناتٍ خالدين فيها أبداً وأعدّ للكافرين جهنم لا يخرجون منها أبداً
سبحانه من بكت من خشيته العيون سبحانه أمره بين الكاف والنون فسبحان الذي بحمده الأولون والآخرون وسجد له المصلون .
وأشهد أن لا إله إلا الله في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي جهنم سطوته وفي الجنة رحمته ،
وأشهد أن محمداً رسول الله البشير النذير والسراج المنير من بعثه الله هادياً وبشيراً ونذيراً .(1/235)
عباد الله أوصيكم بتقوى الله - عز وجل - فإنها وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) النساء 131
فما من خير عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه وما من شرٍ عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله عز وجل حرز متين وحصن متين وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره .
وبعد
عباد الله : إن الدنيا دار بلاء وأمراض ظل زائل ومتاع منتهي ما من إنسان في هذه الدنيا إلا ولابد أن يواجه فيها مرض وعافية وسرور وفرح وحزن وسراء وضراء كل هذا لماذا ، قال تعالى : ((تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{2} )) تبارك
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ))الكهف7
عباد الله :
كثيراً من الناس قد يواجه المرض لكنه ينسى الصبر عليه وينسى ما في المرض والبلايا من فوائد جمَّة في الدنيا والأخرى .
فإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا وفيه نعمة ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم .
ولولا الليل لما عُرف قدر النهار ولولا المرض لما عُرف قدرالصحة والعافية وأهل الجنة يفرحون ويزداد فرحهم عندما يتفكرون في آلام أهل النار بل إن من نعيم الجنة رؤية اهل النار وما هم فيه من عذاب .
وإليكم عباد الله بعض فوائد المرض والبلايا
أولاً :…المرض تهذيب للنفوس وتصفية لها من الشر الذي فيها
قال تعالى :
( وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم وويعفوا عن كثير ) الشورى 30(1/236)
فإذا أصيب العبد فلا يقل من اين هذا ولا من أين أتى فما أُصيب إلا بذنبٍ فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا هم ولا حزن ولا اذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) متفق عليه
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض من أقاربه وهو مريض بالحمى وقال : ( لا بارك الله فيها " أي الحمى " فقال صلى الله عليه وسلم ((لا تسبوا الحمى فإنها مكفرة للذنوب والخطايا )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة )
وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر)) والاختلاج هو الحركة والإضطراب، وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خير له من عقوبة الآخرة حتى تكفر عنه ذنوبه،
وعن أنس قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا أردا الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة)) رواه الترمذي وقال حسن صحيح،
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) رواه البخاري،
عباد الله
من الناس من له ذنوب وليس له ما يكفرها فيبتليه الله بالحزن والمرض لتصفيته وتنقيته من الذنوب إن صبر واحتسب .
فعن عائشة أن رسول الله طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة))
ثانياً:…من فوائد المرض أنه يعقبه لذة وسرور في الآخرة(1/237)
فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والنعيم لا يدرك بالنعيم وكما قال صلى الله عليه وسلم ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )
عباد الله إن الإبتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون داراً للإمتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات كما يكون الابتلاء بكثرة الأموال والأولاد والصحة قال تعالى: ((ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا ترجعون )).
ومن جملة الإبتلاءات: الأمراض حيث يبتلي الله بها من شاء من عباده.
وإذا نزل بالعبد مرض مرض أو مصيبة فحمد الله واسترجع وصبر إلا أعطاه الله من الأجور ما لا يعلم قال تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )
فكل الأعمال قد تجد لها أجراً معيناً إلا الصبر لعظمته فأجره بغير حساب .
والمصائب والآلام ملازمة للبشر ولا بد لهم منها لتحقيق العبودية لله قال تعالى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ))البقرة155
قال بعضهم: لولا حوادث الأيام لم يعرف صبر الكرام ولا جزع اللئام،
وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن العبد قال الله لملائكته وهو أعلم قبضت ابن عبدي قالوا : نعم فيقول وهو أعلم : فماذا قال ؟ فيقولون : حمدك واسترجع فقال : ابنو لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد )
ويوم القيامة يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن جلودهم وأجسادهم كانت تقرص بالمقاريص لما يرون من ثواب أهل البلاد والأمراض عند الله .
ثالثاً:…من فوائد المرض أنه يُعرف به صبر العبد على بلواه وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط(1/238)
هكذا أيها المسلمون إذا صبر العبد إيماناً وثباتاً كُتب في ديوان الصابرين ويكفي الصابرين شرفاً أنهم في معية وحفظ الملك جل وعلا قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ))البقرة153
وإن حمد العبد وشكر كتب في ديوان الشاكرين ويكفي الشاكرين شرفاً أنهم أهل الزيادة قال تعالى : ( ولئن شكرتم لأزيدنكم )
أخرج مسلم عن صهيب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إت أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك إلا للمؤمن )
والصبر المأجور صاحبه هو الذي لا بد أن يتدبر فيه أموراً منها أن يعلم أن المرض مقدر من عند الله ((قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ))وأن يتيقن أن الله أرحم به من نفسه ومن والدته والناس أجمعين، وأن يعلم أن ما أصابه هو عين الحكمة من الله، وأن الله أراد به خيراً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) رواه البخاري، وأن ما أصابه علامة على محبة الله له، وأن يعلم أن الجزع لا يفيده، وإنما يزيد آلامه ويفوت عليه الأجر،
قال علي بن أبي طالب: (إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور)
اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا أذنب استغفر وإذا ابتلي صبر يارب العالمين .
رابعاً:…إنّ المرض سبباً للدعاء واللجوء والانكسار بين يدي الله
قال تعالى : ( فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون )
كم من أناس أعرضوا عن اللجوء إلى الله والدعاء والانكسار بين يدي الله جل وعلا .فمرضوا فلجأوا الى الله خاشعين منكسرين
فأهل التوحيد إذا أصيبوا ببلاء أو مرض صبروا و لجأوا إلى الله وحده واستعانوا به وحده جل جلاله .(1/239)
قال صلى الله عليه وسلم : ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)) رواه مسلم
ويقول صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة)) رواه البخاري، وقوله تعالى: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) رواه البخاري، ومعنى احتسبه أي صبر على فقده راجياً الأجر من الله.
تأملوا أيها المسلمون البلاء العظيم عند أيوب - عليه السلام - فقد ابتلاه الله في أهله وماله وولده وجسده لله حتى ما بقي إلا لسانه وقلبه ومع هذا كله كان يمسي ويصبح وهو يحمد الله ولم يشك حاله إلا إلى الله جل وعلا
بعد سنين من البلاء والمرض رفع يديه إلى الله بكل ذلّ وانكسار (( رب إني مسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين ))
فجاء الجواب من الجواد الكريم ( فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين ) …الأنبياء
وقال تعالى : ( إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب ) …ص(1/240)
وهاهو عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد من أحسن الناس وجهاً، دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليد:هكذا تكون فتيان قريش، ولا دعا بالبركة فقالوا أنه أصابه بالعين،خرج هذا محمد بن عروة بن الزبير من المجلس فوقع في اصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطأه حتى مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة في رجل عروة وقالوا لابد من نشرها بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها فلما وصل المنشار إلى القصبة(وسط الساق) وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه ثم أفاق والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يده وقال: ((أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله))، ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، لما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، ولما قالوا: نسقيك شيئاً يزيل عقلك؟قال: إنما ابتلاني ليرى صبري، ورفض.
وهاهو أبوقلابة التابعي الجليل ممن ابتلي في بدنه ودينه،وأريدعلى القضاء وهرب إلى الشام فمات بعريضة وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكروعندما سئل على ماذا تحمد فقال الم يعطني لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وبدنا على البلاء صابراً.
أسال ان يجعلني واياكم من الصابرين والشاكرين
اسأل الله ان يقوي إيماننا وان يرفع درجاتنا أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه
وبعد(1/241)
خامساً :…من فوائد المرض أنه الله يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر فلو دامت للعبد أحواله لتجاوز وطغى ونسي المنتهى لكن الله سلط عليه الأمراض والأوجاع وخروج الأذى والريح ليعلم أنه ضعيف .
يا مدعي الكبر إعجاباً بصورته……
انظر خلاك فإن النت تثريب
لو فكر الناس ما في بطونهم
ما ادعى الكبر شبان وشيبان
فالعبد يجوع كُرها ويمرض كرهاً ويموت كرهاً ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً .
فمن اكنت هذه طبيعته فلماذا يتكبر ولماذا يتغطرس
((يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ) …الانفطار
( كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ) …المعارج
وقال ابن القيم رحمه الله: (لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً أو آجلاً
سادساً: من فوائد المرض معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله فأهل السماوات والأرض محتاجون إليه سبحانه فهم الفقراء إليه فهو الغني سبحانه ولولا أن سلّط على العبد هذه الأمراض والبلايا لنسي نفسه ونسي خالقه
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله)
قال تعالى
( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) …إبراهيم
سابعاً:…من فوائد المرض أن فيه مساواه تامة
فهي سنة الحياة فلا يفرق المرض بين غنيٍ ولا فقير ولا يعرف فقيراً ولا عزيزاً الناس سواء والمرض لابد للجميع .
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ))الحجرات13(1/242)
ثامناً:…من فوائد المرض أنه يهمس في قلوبنا قائلاً: بنيتك يا ابن ادم ليست من الصلب والخديد بل من مواد ضعيفة قابلة للتحلل والتفسخ فدع عنك الغرور واعرف عجزك وتعرف على أصلك وافهم وظيفتك في الحياة الدنيا .
تاسعاً:…المرض يجعلك تتأمل فيمن ابتلاهم الله بأشد منك فيجعلك هذا تصبر وتحمد الله على ما أنت فيه وترضى بما قسمه الله لك .
ولقد كان الصالحون يفرحون بالمرض والبلاء ويعدونه نعمة كما يفرح الواحد منا بالرخاء قال صلى الله عليه وسلم : ((وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء))
ولما كان الأنبياء والصالحون هم أحب الخلق إلى الله تعالى كان بلاؤهم أشد من غيرهم فعن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً قال: ((الأنبياء ثم الأقل فالأقل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابةً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)) رواه الترمذي وهو صحيح.
وهذا نبيكم سيد الخلق أجمعين كان أشد الناس بلاءً حيث يشتد عليه المرض أكثر من غيره حتى قالت عائشة رضي الله عنها: ((ما رأيت أحداً أشد عليه الوجع من رسول الله)) رواه البخاري ومسلم.
وقال أبو سعيد: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك؟ قال: ((إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجرة، قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ،قلت: ثم من؟ قال: الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها (يجمعها)، وإن أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء)).
اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين وقوي ايماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا ولا تميتنا الا وانت راضٍ عنا يارب العالمين(1/243)
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ((إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)) الأحزاب:56.
الروضة التاسعة والعشرون
محامد للبداية
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وهو بكل لسان محمود، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الإله المعبود. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.
2-الحمد لله الذي خلق الموت والحياة وجعل الظلمات والنور وجعل لكل شيء نهاية، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
3-الحمد لله العلي القدير السميع البصير الذي أحاط بكل شيء علما وهو اللطيف الخبير علم ما كان وما يكون وخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة في يوم النشور، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن على طريقتهم يسير وسلم تسليما.(1/244)
4-الحمد لله يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، خلق الخلق في هذه الدنيا ليبتلهم أيهم أحسن عملا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أنذر أمته من بلاء ينزل آخر الزمان لا عاصم لهم منه إلا التقوى والعمل الصالح قال: ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه تعرض من الدنيا)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، ودابة الأرض، وخويصة أحدكم، وأمر العامة)) اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
5-إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.
6-الحمد لله رب العالمين ، قيّوم السموات والأرضين ، مدبّر الخلائق أجمعين ، باعث الرسل - صلواته وسلامه عليهم - لهداية الناس وبيان شرائع الدين ، وأيّدهم بالدلائل القطعية وواضحات البراهين . أحمده على جميع نعمه ، وأسأله المزيد من فضله وكرمه . وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار ، الكريم الغفار ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، ومصطفاه وخليله . صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه ما تعاقب الليل والنهار .(1/245)
7-الحمد لله الذي جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وجعل فيها كتابه خير منهاج ونبراس، وبذر فيها بذور الخير ففاح شذاً وطاب غراس، اصطفاها من بين سائر الأمم، وأفاض عليها ما شاء من النعم، ودفع عنها كل شر وبأس. وأصلي وأسلم على من كان لظلامنا بإذن الله ضياء، ولأبصارنا جلاء، جاءنا على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فجلى المبهمات، وكشف الغياهب والظلمات، وجاء من عند ربه بكتاب معجز الآيات، واضح البينات، فانهدم بنيان الوثنية، وارتفع لواء الحنيفية. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الفقهاء العلماء الأكياس، وعلى من سار على نهجهم واتبع دربهم ما ترددت في الصدور الأنفاس. أما بعد: {ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَأَيُّهَا ?لنَّاسُ ?تَّقُواْ رَبَّكُمُ ?لَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ و?حِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَ?تَّقُواْ ?للَّهَ ?لَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَ?لأَرْحَامَ إِنَّ ?للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يأَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً % يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـ?لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].(1/246)
8-الحمد لله ذي الجلال الأكبر ، عز في علاه فغلب وقهر ، أحصى قطر المطر ، وأوراق الشجر ، وما في الأرحام من أنثى وذكر ، خالق الخلق على أحسن الصور ، ورازقهم على قدر ، ومميتهم على صغر وشباب وكبر . أحمده حمدا يوافي إنعامه ، ويكافئ مزيد كرمه الأوفر . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من أناب وأبصر ، وراقب ربه واستغفر ، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، الطاهر المطهّر ، المختار من فهر ومضر . صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وذويه ، ما أقبل ليل وأدبر ، وأضاء صبح وأسفر ، وسلم تسليما كثيرا كثيرا .
9-الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ، وسببا للمزيد من فضله ، جعل لكل شيء قدرا ، ولكل قدر أجلا ، ولكل أجل كتابا .وأشهد أن لا إله إلا الله [ وحده لا شريك له ، شهادة تزيد في اليقين ، وتثقل الموازين ] ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أمين وحيه ، وخاتم رسله ، وبشير رحمته ، ونذير نقمته ، بعثه بالنور المضي ، والبرهان الجلي ، فأظهر به الشرائع المجهولة ، وقمع به البدع المدخولة ، وبين به الأحكام المفصولة .صلى الله عليه ، وعلى آله مصابيح الدجى ، وأصحابه ينابيع الهدى ، وسلم تسليما كثيرا .
10-الحمد لله المدبر للملك والملكوت ، المتفرد بالعزة والجبروت ، الرافع للسماء بغير عماد ، المقدّر فيها أرزاق العباد ، الذي صرف قلوب أوليائه عن ملاحظة [ الوسائل ] والأسباب إلى مسبب الأسباب ، فلم يعبدوا إلا إياه ، [ ولم يستعينوا إلا به ، ولم يقدح اتخاذهم الأسباب في توكلهم ، ولا توكلهم في اتخاذ الأسباب ] .[ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ] ما من ذرة إلا إليه خلقها ، وما من دابة إلا عليه رزقها ، [ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، حفظه وكفاه فهو به كفيل ، وهو حسبه ونعم الوكيل .صلى الله وسلم عليه ، وعلى آله وصحبه المهتدين إلى سواء السبيل ] .(1/247)
11-الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، عالم السر والخفيات الذي لايعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولافي الأرض وهو بكل شيء خبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
12-الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً أحمده سبحانه وأشكره وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.
13-الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما وهو على كل شيء قدير وجعل لكل شيء قدرا مطابقا لعلمه وحكمته وهو الحكيم الخبير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهية والخلق والتدبير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد والمصير وسلم تسليما.
14-الحمد لله المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقدارا، وضرب لهم آجالا، لا يستأخرون عنها ولا يستقدمون، قدر مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، علم ما كان وما سيكون، ولو كان كيف يكون، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة العباد إلا ما شاء لهم، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.(1/248)
15-الحمد لله عالم السر والنجوى، المطلع على الضمائر وكل ما يخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده سبحانه، وعد المخلصين الدرجات العلى، وحذر المشركين به نارًا تلظى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [لشورى:11]، وأشهد أن محمدًا عبده رسوله، أكمل الخالق توحيدًا، وأبرهم عملاً، وأتقاهم لله رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
16-الحمد لله الحمد لله، الحمد لله فاطر الأكوان وباريها، ورافع السماء ومعليها، وباسط الأرض وداحيها، وخالق الأنفس ومسويها، وكاتب الأرزاق ومجريها، سبحانه من إله عظيم إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى عليه ربه في كتابه المكنون، ورفع ذكره في العالمين، ورضي الله عن آله الطيبين وصحابته الميامين.
17-الحمد لله العزيز الوهاب القاهر القابض الغلاب, يمهل للظالم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر, أحمده تعالى وأشكره على سوابغ نعمه, وأسأله أن يدفع عنا أسباب سخطه ونقمه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
18-الحمد لله الذي حبه أغلى الغايات، ومحبته أسمى الأمنيات، ربنا الحق الذي له الحمد جزيل العطايا والهبات، أعد لعبادة المحبين له وزين لهم الجنات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له رفيع الدرجات، الذي بيده المحيا والممات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير البريات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، أهل السجايا والمهمات العاليات، والتابعين لهم المقتفين أثرهم في طلب الكثير من الحسنات، والذين اجتنبوا القبيح من السيئات.(1/249)
19-الحمد لله أعز جنده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده سبحانه عالم الخفيات وفاطر السماوات يدبر الامر يفصل الايات تسبح له الارض والسماوات
وأشهد ان لا اله الا الله رفع السماء بغير عمد ولم يكن له كفوا احد سبحانه شق البحار وأجرى الانهار وهو العزيز الغفار
وأشهد ان سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار وعلى اله وصحبه الاطهار
20- الحمد لله معزّ من أطاعه واتقاه، ومذلّ من خالف أمره وعصاه، قاهر الجبابرة وكاسر الأكاسرة، لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه، ينصر من نصره ويغضب لغضبه ويرضى لرضاه، أحمده سبحانه وأشكره حمدًا وشكرًا يملآن أرضه وسماه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه ومصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ولكل من نصره ووالاه.
21-الحمد لله الُُذي اكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعل امتنا وله الحمد خير أمه وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا وعلمنا الكتاب والحكمة وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة وأشهد أن محمد عبدة ورسوله أرسله للعالمين رحمة وخصه بجوامع الكلم فربماجمع أشتات الحكم والعلم في كلمة أو شطر كلمة صلى الله علية وعلى أله وأصحابه صلاه تكون لنا نوراًً من كل ظلمة وسلم تسليما
22- الحمد لله المحمود بكل لسان المعبود في كل مكان الذي لا يشغله شأن عن شأن سبحانه جل عن الاشباه والانداد وتنزه عن الصاحبة الاولاد .
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وأشهد ان نبينا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام .
23- الحمد لله الكريم الفتاح أهل الكرم والسماح المجزل لمن عامله بالارباح سبحانه فالق الإصباح وخالق الارواح .(1/250)
احمده سبحانه على نعم تتجدد بالغدو والرواح واشكره على ما صرف من المكروه وازاح وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة بها للقلب انفساح وانشراح
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله الذي ارسل بالهدى والصلاح اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله واصحابه ما بدا نجم ولاح
24- الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه
25- الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة. صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه، صلاة تشرق إشراق البدور.
26- الحمد لله الخافض الرافع القابض الباسط المعز المذل المحيي المميت السميع البصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا إله هو إليه المصير القائل كما في الحديث القدسي : إبن ادم؛ لا تخافَن من ذي سلطان ما دام سلطاني باقيا وسلطاني لا ينفد أبدا
يابن أدم لا تخش من ضيق الرزق ما دامت خزائني ملآنة وخزائني لا تنفذ أبدا
يابن آدم لا تأنس بغيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني وإن أنست بغيري فتك وفاتك الخير كله اللهم قوي إيماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا وثقل موازيننا(1/251)
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد رسول الله البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنتة إلى يوم البعث والنشور.
27- الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراساً للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكر به من الغفلة، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي كان خلقه القرآن فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيها من القول والعمل، ورضي الله عن جنده وحزبه، ومن ترسم خطاه وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران، وسلم تسليماً كثيراً
28- الحمد لله الذي علا وقهر ,وعز واقتدر وفطر الكائنات بقدرته فظهرت فيها ادلة وحدانية من فطر فسبحانه من اله عظيم لا يماثل ولا يضاهى ولا يدركه بصر وتعالى من قادر محيط لا تنجي منه قوة ولا مفر .
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له على رغم أنف من جحدبه وكفر شهادة ندخرها ليوم لا ملجأ فيه ولا وزر شهادة نرجو بها النجاة من نار لا تبقي ولا تذر .
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله سيد البشر وعلى اله وصحبه السادة الغرر الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده فما وهى عزم احدهم ولا فتر .
الروضة الثلاثون
أدعية منوعة
1-اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضى، والقصد في الغنى والفقر. اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد... اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(1/252)
2-اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا واختم لنا بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير وتوفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ووفقهم واهدهم للعمل بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وهيء لهم البطانة الصالحة وانصر عبادك الموحين المجاهدين نصراً مؤزراً، اللهم انصر كل من جاهد في سبيلك لتكون كلمتك هي العليا نصراً مؤزراً يا رب العالمين، اللهم واشف مرضانا وارحم موتانا وعليك بمن عادانا بلغنا بما يرضيك آمالنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا واحشرنا يوم القيامة في زمرة نبينا وتحت لواء حبيبنا واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة أبداً. آمين. آلا وصلوا على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما أمركم ربكم تبارك وتعالى حيث قال: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} اللهم صلّ وسلم وبارك على رسولك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه.
3-اللهم اعصمنا من شر الفتن وعافنا من جميع البلايا والمحن وأصلح منا ما ظهر وما بطن. أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العام عاماً مباركاً للمسلمين، عاماً ترتفع فيه راية الإسلام، وتخبو فيه راية الشرك وأهله، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم تجاوز عن تفريطنا في العام الفائت وارزقنا استدراك ما فات، اللهم أعز عبادك المؤمنين، وأذل الشرك والمشركين.(1/253)
4--اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا. واختم لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خير، وتوفنا وأنت راضٍ عنا. اللهم انصر المجاهدين المسلمين الموحدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. واحشرنا يوم القيامة في زمرة نبينا ولواء حبيبنا، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئةً مرئيةً لا نظمأ بعدها أبداً. اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وانصرنا على من عادانا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. آمين.
5-اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين. اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم رحمة اهد بها قلوبنا، واجمع بها شملنا ولم بها شعثنا ورد بها الفتن عنا. اللهم صل على محمد...
6-اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أعدنا إلى رحابك، وخذ بنواصينا يا رب إلى طاعتك ورضوانك. يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، كن كما شئت فكما تدين تدان.(1/254)
7-اللهم آتي قلوبنا تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, اللهم وارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى, اللهم ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا, وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خذاي ولا مبدلين ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ودمر اللهم أعداءك أعداء هذا الدين من اليهود والنصارى والزنادقة والملحدين وأعوانهم وأذنابهم يا جبار السموات والأرضين, اللهم آمنا في دورنا وأوطاننا, اللهم وأصرف عنا الغلا والوبا, 8-اللهم ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا, اللهم وأهدي شيبنا وشبابنا, ذكرانا وإنثانا, ردهم إليك يا ربنا ردًا جميلاً, اللهم من أرادنا وديننا بسوء فأشغله بنفسه واجعل اللهم تدميره في تدبيره يا جبار السموات السبع والأرضين.
9-اللهم تب علينا توبة صادقة نصوحاً. اللهم اغفر لنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك. أشهد أن لا إله إلا أنت، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.(1/255)
10-اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، وطهر جوارحنا من المعاصي والسيئات، ونق سرائرنا من الشرور والبليات، اللهم باعد بيننا وبين ذنوبنا كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وثبتنا على الصراط المستقيم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا من المتقين الذاكرين الذين إذا أساءوا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، الذين يريدون أن تكون كلمتك هي العليا، اللهم ثبتهم وسددهم، وفرج همهم ونفس كربهم وارفع درجاتهم. اللهم واخز عدوهم من اليهود والنصارى ومن شايعهم وسعى في التمكين لهم وتسليطهم على المسلمين، اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم وخالف بين كلمتهم واجعلهم غنيمة للمسلمين وعبرة للمعتبرين، اللهم عليك بهم، اللهم زلزل بهم الأرض وأسقط عليهم كسفاً من السماء، اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الزيع والبدع والعناد والفساد.
11-اللهم طهّر ألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة ، وقلوبنا من النفاق والغل والغش ، والحسد والكبر والعجب ، وأعمالنا من الرياء والسمعة ، وبطوننا من الحرام والشبهة ، وأعيننا من الخيانة ، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .(1/256)
12-ربنا أعِنّا ولا تعن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا .اللهم اجعلنا لك شاكرين ، لك ذاكرين ، لك راهبين ، لك طائعين ، إليك مخبتين ، إليك أواهين منيبين .ربنا تقبّل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وأجب دعوتنا ، وثبّت حجّتنا ، واهد قلوبنا ، وسدد ألسنتنا ، واسلل سخيمة صدورنا .راهبين : الرهبة : الخوف والفزع .مخبتين : المخبت : الخاشع المخلص في خشوعه .أوّاهين : الأوّاه : المتأوّه المتضرّع .منيبين : الإنابة : الرجوع إلى الله بالتوبة والإخلاص .حوبتنا : الحوبة والحوب : الإثم والذنب .ثبّت حجّتنا : يريد بالحجة الدليل والبيّنة في الدنيا ، وأما في الآخرة فعند جواب الملكين في القبر .سدد ألسنتنا : السداد القصد والاستقامة ، ولزوم الطريقة المثلى .سخيمة صدورنا : السخيمة : الغضب والغلّ .
13-اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو فعل أو عمل ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه. اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا واجعل خير أيامنا يوم لقائك، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.(1/257)
14-اللهم إنا نسألك بذلِّ عبوديتنا لك، وبعظيم افتقارنا لك، أن تنتصر لعبادك المؤمنين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها... اللهم انتصر لعبادك المؤمنين المستضعفين في فلسطين. اللهم انصرهم على الصهاينة الغاصبين. اللهم اهزم كل من يساند اليهود، ويشجعهم على قتل المستضعفين والأبرياءِ من إخواننا الفلسطينيين. اللهم انصرنا على الأمريكيين الكائدين الحاقدين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وبث الرعب في قلوبهم، وأذهب النوم عن عيونهم. اللهم أضعف كل من يناصرهم. اللهم أرنا فيهم يومًا قريباً تَشفي به صدور قوم مؤمنين، وتُذهب غيظ قلوبهم. اللهم أحْسِنْ خلاص المسجونين والمأسورين من إخواننا المسلمين في سجون الأمريكيين الظالمين. اللهم اجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك، وشوقته إلى لقائك، وحبوته برضاك، وفرغت فؤاده لحبك. اللهم ارحمنا، وارحم والدينا، وارحم من علمنا، والمسلمين أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين ـ آمين ـ والحمد لله رب العالمين.
15-اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تهدينا وتسددنا اللهم اهدنا وسددنا اللهم اهدنا واهدي بنا وأجري على أيدينا الخير لكثير من خلقك إلى يوم القيامة اللهم اجعلنا مباركين حيثما كنا اللهم قنعنا بما آتيتنا. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك يا رب العالمين اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم إنا نسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم أعز دينك وأعلي كلمتك وانصر جندك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين. اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشر والشرك والفساد وانشر رحمتك على العباد يا رب العالمين.(1/258)
16-اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم آمنا في البيوت والدور وأصلح ولاة الأمور اللهم وفق ولاة أمور المسلمين عامة للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم. اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
17-اللهم طهر ألسنتنا من الكذب وقول الزور، وأعيننا من الخيانة والفجور، وقلوبنا من الشك والشرك والنفاق، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
18-اللهم من علينا بالتوبة النصوح، اللهم اغفر ذنوبنا جميعها أولها وآخرها، اللهم كفر عنا السيئات اللهم من علينا بعفوك وكرمك يا عفو يا كريم ويا أرحم الراحمين، اللهم طهر قلوبنا وجوارحنا من كل منكر ومكيدة وطهر مجتمعاتنا ومجتمعات المسلمين من الربا والزنا والفواحش والمنكرات، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ومزقه كل ممزق وأدر عليه دائرة السوء يارب العالمين، اللهم عليك بالذين يحبون أن تشيع الفاحشة ويروجوها اللهم ارحم حالنا وتفريطنا وهواننا وضعفنا يا قوي يا عزيز اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم فرج همهم اللهم نفس كربهم، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان.(1/259)
19-اللهم أصلح القلوب والأعمال وأصلح ما ظهر منا وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلصين. اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزينا برحمتك بالبر والتقوى واجعلنا من عبادك المهتدين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم أصلح القلوب والأعمال وأصلح ما ظهر منا وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلصين. اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزينا برحمتك بالبر والتقوى واجعلنا من عبادك المهتدين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الروضة الاخيرة
اساس التأثير
قبل أن أودعك أخي الخطيب أقول لك إن أساس التأثير والقبول هي ثلاثة أمور التوفيق من الله والإخلاص والقدوة
أخي الخطيب قبل أي شيء أوصيك أن تجدد نيتك وتتفقد إخلاصك حتى تكون لكلماتك وخطبك أثراً في قلوب الناس إذ النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة، ثم تأمل معي كم لك من الأجور والحسنات وأن تقوم في مسجدك خطيباً كل جمعة، وكم هو النفع الذي ينتشر بين الناس بسبب كلماتك ونصائحك عبر الخطبة، إن استشعارك أخي لهذه الفضائل يدفعك إن شاء الله إلى السعي الجاد للرقي بخطبتك قالباً ومضمونا. فلا بد أخي أن توقظ في نفسك حس الدعوة إلى الله وتتلمس حاجة مجتمعك وأمتك إلى نصحك ووعظك وتغييرك ....
أخي الخطيب : إعلم أن الإخلاص لله روح الدين ولباب العبادة وأساس أي داع إلى الله وهو في حقيقته قوة إيمانية ، وصراع نفسي ، يدفع صاحبه بعد
جذب وشد - إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية ، وأن يترفع عن الغايات الذاتية ، وأن يقصد من عمله وجه الله لا يبغي من ورائه جزاءً ولا شكوراً(1/260)
والناس ينظرون إلى سلوك الخطيب، ويدققون النظر فيه، ولذا ينبغي أن تتطابق أفعاله مع أقواله، فالتزام الخطيب بأحكام الإسلام بوجه عام، وتطبيق ما يدعو إليه في خطبته، يجعل كلامه مقبولاً عند المستمعين، أما مخالفة العمل للقول، فإنه يجعل المستمعين لا يثقون به ولا بكلامه.
قال الله تعالى: ((أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )البقرة44
ويقول أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )الصف2,3
وأسوتنا هو محمد صلى الله عليه وسلم
فقد كان صلى الله عليه وسلم عابداً متحنثاً ، وقائداً فذاً ، شيَّد أمَّةً من الفُتات المتناثر ، ورجل حرب يضع الخطط ، ويقود الجيوش ، وأباً عطوفاً ، وزوجاً ، تحققت فيه المودة ، والرحمة ، والسكن ، وصديقاً حميماً ، وقريباً كريماً ، وجاراً تشغله هموم جيرانه ، وحاكماً تملأ نفسه مشاعر محكوميه يمنحهم من مودته ، وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم ، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض ، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل ، وتغلغلت في كيانه كله ، ورأى الناس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة كلها ، فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها ، ورأوها متمثلة فيه ، ولم يقرؤوها في كتاب جامد ، بل رأوها في بشر متحرك ، فتحركت لها نفوسهم ، وهفت لها مشاعرهم ، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم ، كلٍّ بقدر ما يُطيق فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل ، وكان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي ، قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به .(مقومات الداعية الناجح-بادحدح)(1/261)
ولأن القدوة هي أعظم وسائل التربية ذلك ، لأن دعوة المترف إلى التقشف دعوة ساقطة ، ودعوة الكذوب إلى الصدق دعوة مضحكة ودعوة المنحرف إلى الاستقامة دعوة مخجلة ، لذلك كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله ، وفضائله ، ومكارمه قدوةً صالحة ، وأسوة حسنة ، ومثلاً يُحتذى ، وهي ليست للإعجاب السلبي ، ولا للتأمل التجريدي ، ولكنها وُجدت فيه لنحققها في ذوات أنفسنا ، كل بقدر ما يستطيع .
وقد ورد في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ أن ((يا معاذ أوصيك بتقوى الله ، وصدق الحديث ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وترك الخيانة ، وحفظ الجار ، ورحمة اليتيم ، ولين الكلام ، وبذل السلام ، وحسن العمل ، وقصر الأمل ، ولزوم الإيمان ، والتفقه في القرآن ، وحب الآخرة والجزع من الحساب ، وخفض الجناح ، وأنهاك أن تَسُبَّ حكيماً ، أو تكذب صادقاً ، أو تُطيع آثماً ، أو تعصي إماماً عادلاً ، أو تُفسد أرضاً .. وأوصيك باتقاء الله عند كل حجر ، وشجر ، ومدر ، وأن تُحدث لكل ذنب توبة ، السر بالسر ، والعلانية بالعلانية)) .أخرجه البيهقي في كتاب الزهد
يستطيع الإنسان أن يكون عالماً جهبذاً في الطب ، أو العلوم ، أو الهندسة من دون أن تتطلب هذه العلوم ممن يتعلمها قيداً سلوكياً ، ولا يُفسد حقائقها أن يتبع النابغ فيها هوى نفسه ، في حياته الخاصة ، إلا علم الدين ، فإنك إن كنت من المتدينين المخلصين ، أو من علمائه أو الداعين إليه ، فلا بد أن تكون قدوة حسنة لمن تدعوهم إليه ، وإلا ما استمع إليك أحد ، ولو كنت أكثر الناس اطلاعاً وعلماً في دين الله ، ولن ينظر إليك أحد نظرة احترام جديرة بك ، إلا إذا كان سلوكك وفقاً لقواعد الدين .(1/262)
قال ملك عمان ، وقد التقى النبي صلى الله عليه وسلم : والله ما دلني على هذا النبي الأمي ، إلا أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له ، وأنه يغلب فلا يبطر ، ويُغلب فلا يضجر ، ويفي بالعهد وينجز الوعد .
قال أحد كُتاب السيرة الغربيين الذين أسلموا : " كان محمد ملكاً ، وسياسياً ، ومحارباً ، وقائداً، ومشرِّعاً ، وقاضياً ، وفاتحاً ، ومهاجراً ، مارس بالفعل جميع المبادئ التي كان يلقنها للناس ، ولن تجد في القرآن حُكماً أو أمراً لم يعمل به النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا كان يمارس بالفعل كل ما كان يدعو إليه بالقول ، فالمرء مثلاً لن يكون عفواً ، إلا أن يكون له عدو يلقى منه أشد الإساءة ، ثم تدور الدائرة على هذا العدو فيقع في قبضته ، ويصبح تحت رحمته ، ثم يملك القدرة على الانتقام منه ، ثم يعفو عنه .. ثم يقول الكاتب : " تأمل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة دخول الظافر المنتصر ، وقد خرَّت جزيرة العرب صريعة تحت قدميه ، وأصبحت مكة قلعة العدو تحت رحمته ، فلو شاء لقطع رؤوس القوم ، الذين كانوا بالأمس ألد أعدائه ، الذين اتخذوه هزواً ، وأمعنوا في اضطهاده والاستخفاف به ، ولو أنه عاقبهم بذنبهم لكان مُحقاّ ، ولم يكن ملوماً ، ولم تظهر فضيلة العفو قط بصورتها الكاملة في تاريخ أي دين من الأديان حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ولولاه لظلت هذه الفضيلة معطلة إلى الأبد " .(1/263)
الخطيب القدوة هو الذي يعامل الناس ويدعوهم بالقول والعمل فيصبح مؤثراًأشد التأثير تلتف حوله القلوب وتحوم حوله الافئدة وفي صورة مثيرة رهيبة ومخيفة يبين فيها النبي صلى الله عليه وسلم حال من خالف عمله قوله فيقول (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع عليه أهل النار ويقولون يا فلان الم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول نعم كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ) رواه البخاري
فأين الدعاة من هذا الحديث العظيم أسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن توافق أقوالهم أفعالهم وان يجعل هذا العمل صالحاً ولوجهه خالصا .
ونلتقي في الجزء الثاني بإذن الله
أمير بن محمد المدري
اليمن - عمران
??
??
??
??
14(1/264)