(( بئر رومة ))
وقف الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
د. عبد الله بن محمد الحجيلي
أستاذ مشارك بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية
قسم القضاء والسياسة الشرعية
مِن أَجَلِّ الوقوف الباقية إلى هذا الزمان ، المعروفة في الماضي والحاضر وقفُ سيدنا عثمان - رضي الله عنه - ( بئر رومة )(1) ، فقد بذل فيها الخليفة الراشد خالص ماله ، وسارع في شرائها يبتغي بها الله والدار الآخرة ، فعاجله النبي - صلى الله عليه وسلم - ببشرى عاجلة ؛ عيناً ثراء في جنة الخلد .
ورغم كَرِّ الحدثان وتغير الأزمان ، وتبدل الدول ، بقي هذا الوقف شاهدَ عدل على المسابقة في الصالحات ، من هؤلاء الصفوة ، خير الناس بعد الأنبياء والرسل ، صحابة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، فكل صاحب مال منهم كانت له صدقة معلومة ، ووقفية مكتوبة ، ولكن الكثير منها زال عينه وبقي وصفه في السطور وبطون الكتب .
ومع مرور الزمن أصبحت تلك الآبار التي شرب منها المصطفى مقصد زوار المدينة المنورة ، لينهلوا منها كما نهل ، ويشربوا منها كما شرب ، حتى أضحت في عصر متقدم - كما ذكر ذلك الإمام ابن سعد في طبقاته - تسمى : (( آبار النبي - صلى الله عليه وسلم - )) .
__________
(1) رومة : بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم ، بعدها هاء ، وقيل : رؤمة بعد الراء همزة ساكنة .
انظر : وفاء الوفاء: 3/967، المغانم المطابة 2/640 ، وبهجة النفوس للمرجاني 1/122 ، وإشارة الترغيب والتشويق للخوارزمي 2/367 .(1/1)
ومن أجلِّ تلك الآبار ذكراً ، وأشهرها فخراً ، بئر عثمان - رضي الله عنه - التي عدَّها كل من ترجم له منقبة من مناقبه العظمى ، وشهد له بذلك جمع من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته ؛ لأنه اشتراها في وقت اشتدت الحاجة إليها ؛ لقلة الماء العذب مع الاحتكار التي فرضه مالكها قبل الشرب منها ، فندب النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة لشرائها ، وفيهم الغني والفقير ، فكان السابق عثمان - رضي الله عنه - ، والثمن غال عين في جنة الخلد .
فأَنْعِم بالشَّاري والمُشْتَرى ، والثمن الغالي المبشر به ، المشهود عليه .
وقد تعرضت البئر عبر العصور الإسلامية إلى الهدم وعدم الاعتناء ، إلى أن انضمت المدينة المنورة تحت لواء الملك عبد العزيز سنة 1344هـ ، فتولت إدارة الأوقاف الإشراف عليها ، فأجرتها على مجموعة من مزارعي المدينة ، فقاموا بزراعتها خير قيام ، حتى تولت النظر عليها والقيام بها وزارة الزراعة بموجب عقد مبرم بينها وبين وزارة الأوقاف ، فنمتها أحسن تنمية ، ولا زالت كذلك إلى اليوم .
تقع بئر رومة في العقيق الأصغر ، في الجهة الشمالية الغربية لمسجد القبلتين ، بعيداً عنه ، في منطقة تعرف قديماً بـ (( مجتمع الأسيال )) ، في براح واسع من الأرض ، قبلي منطقة الجرف المعروفة إلى اليوم عند مفيض عين مروان بن الحكم من ناحية الجرف ، ومن ماء الجرف تنبع بئر سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ))(1) .
وبئر رومة بئر قديمة عادية جاهلية ، عرفت منذ عصور قديمة ، وأول ما ذكر من تاريخها ما ذكره الإمام المجد والسمهودي وغيرهم أن تُبَّعاً الملك اليماني واستسقى منها ، عندما حاصر المدينة المنورة(2) .
__________
(1) وفاء الوفاء: 3/967، المغانم المطابة 2/640 .
(2) وفاء الوفاء: 3/971، والمغانم المطابة: 4/643، وأخبار المدينة لابن شبه: 1/98.(1/2)
اختلفت الروايات في المالك لها في العصر الجاهلي ، فأكثر الروايات وأصحها أن المالك لها رجل من بني مزينة ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( نعم الحفير حفير المزيني )) ، قال السمهودي : (( يعني رومة والذي حفرها رجل من مزينة )) .
وذكر الإمام ابن عبد البر : أنها كانت ركية ليهودي يبيع ماءها للمسلمين ، ومنه اشتراها عثمان - رضي الله عنه - على دفعتين الأولى : اشترى النصف الأول بـ 12.000 درهم ، ثم اشترى النصف الآخر بـ 8000 درهم .
وذكر المجد عن أبي عبد الله بن منده : أنه قال : (( رومة الغفاري ، صاحب بئر رومة ، ثم ساق السند إلى بشر بن بشر الأسلمي عن أبيه .
قال : (( لما قدم المهاجرون - وساق الحديث ، ومنه : (( وكانت لرجل من بني غفار بئر يقال لها : رومة ، وكان يبيع منها القربة بالمد )) .
وفي رواية الكلبي : (( بيع القربة بالدرهم ))(1) .
وقال الإمام السمهودي : (( قال أبو بكر الحازمي أيضاً : هذه البئر تنسب إلى رومة الغفاري ))(2) .
وجاءت بعض الروايات أنها (( بئر )) وفي بعض الروايات أنها كانت (( عين )) .
وقد جمع الإمام السمهودي بين الروايات الماضية فقال : (( والجمع - أي بين الروايات - أن الحديث المتقدم (( نعم الحفير حفيرة المزني )) يعني : رومة ، أن الذي احتفرها كان رجلاً من مزينة ، ثم ملكها رومة الغفاري ))(3) .
وقد جمع الإمام ابن حجر وغيره بين الروايات التي ذكرت أنها كانت عيناً والروايات التي نصت على أنها كانت بئراً بما نصه : (( وإذا كانت أولاً عيناً فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئراً ، ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها أو طواها فنسب حفرها إليه ))(4) .
__________
(1) المغانم المطابة: 4/642.
(2) وفاء الوفاء: 3/970.
(3) وفاء الوفاء: 3/970.
(4) فتح الباري: 5/408.(1/3)
بعد أن اشترى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - (1) هذه البئر ، أصبح هو المالك لها ، وإلى يومنا هذا ، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة بصحة هذا البيع ومباركة النبي - صلى الله عليه وسلم - له : قال الإمام ابن حجر : (( وجاء من طرق كثيرة شهيرة صحيحة عن عثمان لما حصروه أنه استنشد
الصحابة عن أشياء منها : - وذكر الأشياء - ، وقال : ومنها شراؤه بئر رومة وغير ذلك ))(2) .
اختلفت الروايات في الثمن الذي دفعه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بين مكثر ومقل ، ومن تلك الروايات :
- ذكر البغوي بسنده أن قيمتها 35 ألف درهم .
- وذكر ابن عبد البر أن قيمتها 20 ألف درهم .
- وذكر الإمام السمهودي عن ابن شبة أن قيمتها 30 ألف درهم .
- وذكر ابن سعد أنه اشتراها بأربعمائة دينار .
- وذكر ابن زبالة فيما روي عنه أن قيمتها 100 بكرة وشيء يسير .
__________
(1) وعثمان بن عفان هو ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القرشي الأموي ، يكنى بأبي عبد الله وأبي عمرو ، وهي أشهرهما ، ولد في السنة السادسة بعد الفيل ، أمه أروى بنت كريز ، وأمها البيضاء أم حكيم عمّة النبي ? ، هاجر الهجرتين ، وكان ختن النبي ? على ابنتيه ، شهد له النبي ? بالجنة ، وبسببه كانت بيعة الرضوان ، وجهز نصف جيش العسرة ، وحفر بئر رومة ، وتصدق بها ووقفها ، توفي النبي ? وهو عنه راض ، بويع له بالخلافة بعد مقتل عمر ? في يوم السبت غرة المحرم سنة 24هـ من الهجرة ، وقتل بالمدينة على يد الخوارج لسبع عشرة يوماً من ذي الحجة سنة 35هـ وخلف بنين وبنات ، رضي الله عنهم .
الاستيعاب ، لابن عبد البر ، ص 544 ، رقم (1878) (بتصرف واختصار).، وانظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم 1/58-75 رقم (3) ، ط. الوطن ، الرياض ، و معجم الصحابة للبغوي 1/326 .
(2) الإصابة : ص 891 ، رقم 6083 ، (ترجمة سيد عثمان - رضي الله عنه - ) ط. الأفكار الدولية .(1/4)
والجمع بين هذه الروايات أنه اجتهاد من الرواة ، وإلا فقد ثبت بأحاديث صحيحة سأذكرها في هذا البحث من رواية النسائي وغيره أن عثمان لم يذكر القيمة عند المناشدة ، والله أعلم .
وصفها جمهرة من العلماء في أعصار متعددة ، ومما قالوه :
قال الإمام ابن النجار : (( وقد انتقضت خرزتها وأعلامها ، إلا أنها بئر مليحة جداً ، مبنية بالحجارة الموجهة ، وذرعتها فكان ذرعها ثمانية عشر ذراعاً ، منها ذراعان ماء ، وباقيها مطموم بالرمل الذي تسفيه الرياح فيها ، وعرضها ثمانية أذرع ، وماؤها طيب حلو ))(1) .
وقال الإمام المجد : (( طولها : ثمانية عشر ذراعاً ، وكانت قد تهدمت جوانبها وسقطت أطواؤها في السنين الماضية ، ولم تزل كذلك إلى عصرنا - القرن التاسع - فورد قاضي مكة المقدسة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد الطبري إلى المدينة الشريفة زائراً في حدود الخمسين وسبعمائة ، فاحتفل بعمارتها من صميم ماله ، فعل من يقصد بفعله ذات الله ، ويقرضه قرضاً حسناً ، واستفرغ الوسع وتأنق ، وبذل المجهود ، وطواها ، وشيد أركانها ، فجاءت في غاية من الحسن والرصّانة ))(2) .
وقال الإمام المطري : (( وقد خربت هذه البئر - يعني رومة - ونقضت حجارتها وأخذت ، وانطمت ، ولم يبق منها إلا أثرها ))(3) .
علق على هذا النص المراغي بقوله : (( وينبغي أن يعلم أنها جددت بعد ذلك ، ورفع بنيانها عن الأرض نصف قامة ، ونزحت فكثر ماؤها ولله الحمد ))(4) .
__________
(1) الدرة الثمينة ، لابن النجار ، ص 127 .
(2) المغانم المطابة 4/644 ، ونقل هذا النص المراغي في تحقيق النصرة ، ص 297 .
(3) التعريف ، ص 54 .
(4) تحقيق النصرة ، ص 296 .(1/5)
وقال الحربي في معرض حديثه عن العقيق : (( وإنما سمي العقيق لأنه عق في الحرة ، وبه آبار طيبة الماء وهما عقيقان واديان ، أصغر وأكبر ، فالأصغر فيه بئر رومة التي اشتراها عثمان ، وأبيار عبد الصمد بن علي [ العباسي ] تسقى في المسجد من ماء العقيق ، فمن بئر رومة وهذه المياه ، فأما الذي في سقاية جعفر فجعفر بن محمد وعليه وقف ، وأبيار عبد الحميد بن علي ، خمس ، وعلى بئاره وقف بناحية الوادي ))(1) .
هذا النص الذي ذكره الحربي يبين لنا مرحلة هامة من مراحل الوقف في العصر العباسي حيث إن أمراء الدولة العباسية قد حفروا الآبار التي يسقى منها المسجد - لعله مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهم ( عبد الحميد بن علي العباسي، وجعفر بن محمد العباسي ) وغيرهم وجعلوا عليها وقوفاً لأجل تنمية هذه الآبار ، وهل هذا الوقف في العراق أم في المدينة ؟ لم تبين الرواية ذلك .
وقال العياشي - من علماء القرن الحادي عشر - عنها : (( وهي بأسفل العقيق ، قرب مجتمع الأسيال ، ولم أزر هذه البئر إلا مرة واحدة لبعدها ، والطريق إليها من مساجد الفتح ، ثم يعدل يساراً ناحية مسجد القبلتين ، ثم يمر تحته أسفل منه قاصداً العقيق ، فهي هناك ، وبقربها مزارع ، ولما خرجنا لزيارتها - وكان ذلك عقب مطر - فوجدنا العقيق قد سال سيلاً عظيماً ، فحال طرف منه بيننا وبينها ، فخضناه حتى وصلنا إليها ، ومعظم سيل الوادي من غربيه ))(2) .
__________
(1) كتاب المناسك وأماكن طرق الحج، ص 421.
(2) المدينة المنورة في رحلة العياشي، لمحمد امحزون: ص 158-159.(1/6)
ووصفها الشيخ العباسي من علماء القرن العاشر بقوله : (( قلت : والبئر بجانب مسجد القبلتين ، وبقرب البئر بناء يشبه حصنًا منهدمًا ، ويقال : إنه كان ديراً لليهود ، وفي أطراف هذه البئر آبار أخرى كثيرة ، ومزارع ، وهي قبلي الجرف وآخر العقيق ، وبقربها اجتماع السيول ... وبينها وبين مسجد القبلتين بستان لحاكم المدينة(1) .
وقال أحد مؤرخي المدينة المجهولين عند تعداده لعيون المدينة المنورة الجارية في عصره قال : (( ومن شاميه - أي الحرم - في أرض الجرف المعروف بوادي إبراهيم ، بئر رومة من الآبار المأثورة ، وقف سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ))(2) .
وقال الأستاذ أحمد ياسين الخياري عن وصفها في العصر العثماني : (( ثم خربت ونقضت حجارتها وانطمست ، ولم يبق منها شيء ، ثم جددت ورفع بناؤها عن الأرض نحو نصف قامة ، ونزحت فكثر ماؤها ، وعاد كما كان ، ثم أهملت حقبة من الزمن حتى اعتنت بها الحكومة العثمانية ، فأعادت قفها وطوتها بالحجارة الضخمة المحكمة الصنع ، ونزحتها فعادت كما كانت سابقاً ))(3) .
وقال اللواء إبراهيم رفعت باشا : (( هذه البئر شمالي المدينة على مسيرة ساعة منها ، وهي حد العقيق من جهة الشمال ، وقطرها أربعة أمتار ، وعمقها اثنا عشر متراً أو تزيد ، وبجوارها حوض وحجرة للاستراحة ومزارع كثيرة، وفي شمالي البئر البركة والعيون التي تحف بها النخيل ))(4) .
من أوائل من وقف على عينها ووصفها وصفاً دقيقاً المؤرخ المعروف عبد القدوس الأنصاري ، إذ قال عنها في كتابه الشهير
(
__________
(1) عمدة الأخبار : ص 265 .
(2) رسالة في وصف المدينة ، لمجهول : ص 17 .
(3) تاريخ معالم المدينة المنورة : ص 184 .
(4) مرأة الحرمين : 1/429-430 .(1/7)
آثار المدينة ) ما نصه : (( تقع هذه البئر في عرصة العقيق الكبرى ، بغرب مجتمع الأسيال ( زغابة ) بشمالي غرب المدينة ، وقطرها أربعة أمتار وعمقها اثنا عشر متراً ، وبجوارها أبنية مستحدثة وإيوان أو مسجد ، لا أدري أله محراب أم لا ، ولعل بانيه بعض ولاة بني عثمان ؛ نظراً لطراز بنيانه ، وأمام هذا الديوان أو هذا المسجد بركة مربعة واسعة جميلة ...
والبئر غزيرة الماء ، وماؤها عذب صاف ، خفيف للغاية ، وهي مطوية بالحجارة المطابقة المنحوتة طياً محكماً ، وتسقي مزرعتها بالسانية ، وتوجد بناحيتها الجنوبية بمسافة نحو 40 متراً آثار بناية ضخمة علتها الرمال ، وقد كشف عنها أخيراً مستأجر المزرعة المرحوم الأستاذ أحمد عايد ، ليعمر من حجارتها مكاناً بجانب البئر ، فظهرت أن هذه البناية هائلة ، وبدت تربيعات غرفها العظيمة ، وقد عثر على قبر فيها ، وفيها هياكل بشرية ، وقد رأيت أحد القبرين ، فإذا شكله يدل على أنه قديم جاهلي )) .
وقال : (( وهي مع مزارعها اليوم من جملة أوقاف المسجد النبوي ، ومن إدارة الأوقاف تستأجره ))(1) .
__________
(1) أثار المدينة المنورة : ص 244-245.(1/8)
وقال الأستاذ : أحمد ياسين الخياري عنها : (( في العهد السعودي السعيد الميمون ، أصبحت فيها مبان عظيمة للموظفين ، ودوائر رسمية ، وحظائر مركزة فنية للدواجن والحيوانات والطيور ، وقد اعتنت الحكومة السعودية بالبئر ، فنزحتها وضربت فيها الآلات الارتوازية ، فزاد ماؤها وكثر خيرها , كما حفرت بئراً ثالثة في شمال غربي بئر رومة ، وأنشأت فيها مساكن للعمال ، وزرعتها كلها زراعة فنية عظيمة ، فأصحب مزرعة فنية نموذجية ، وكم من مرة زرتها ورأيت فيها المزارعين يقصدونها لشراء الشتلات ، وأخذ الأشجار ، وتلقى التعليمات لمزارعهم ، وطلب النجدة لمقاومة آفات مزارعهم الكثيرة المترامية الأطراف بالمدينة المنورة ، فكانت الوحدة برجالها المهندسين والعلماء والأطباء البيطريين والفنيين والفضلاء تلبي هذه الطلبات بصدور رحبة ، وقلوب فرحة لخدمة هذه البلدة الطاهرة ومزارعهم ، وتوجيههم التوجيه الحسن ، القائم على العلم الصحيح والتجارب الحقة ، فجزى الله حكومتنا الرشيدة ورجالها العاملين عن المدينة وأهلها ، ومزارعيها خير الجزاء ))(1) .
__________
(1) تاريخ معالم المدينة المنورة ، للخياري : ص 184-185 .(1/9)
وقال الأستاذ علي حافظ : (( البئر لا ينضح منها الماء اليوم ، ومشرفة على الجفاف ، وماؤها قليل جداً ، يظهر قاعها بين الصخور ، وهي - أعني البئر - والبستان تحت يد أوقاف المسجد النبوي ، وأجرتها على وزارة الزراعة مدة طويلة ، وقد اتخذتها الوزارة محطة للتجارب الزراعية ، وتربية الدواجن ، وبنت حظائر للأبقار والدجاج والأرانب وغير ذلك ، كما بنت كراجاً واسعاً للسيارات ، ومساكن للموظفين ، وأنشأت فيها حدائق غاية في الجمال والتنسيق ، ومشاتل لشجر الزينة ، والفواكه والزهور والموالح ، والسبب في إهمال بئر رومة وعدم السقي منها أن ماءها قل ، وحفرت وزارة الزراعة بئرين ارتوازيين في شمال بئر رومة ، وركبت على كل من البئرين طلمبة تضخ الماء للري ، وسعة بوصة الضخ في كل بئر أربع بوصات .
ويقع بستان بئر رومة ونفس البئر على شفا وادي العقيق من جهة الشرق وشمال البلاد المسماه ( أم شجرة ) التابعة للسيدين عبيد وأمين مدني ، وجنوب بلاد الأزهري ويفصل بينها وبين كل من البلادين طرق تؤدي لوادي العقيق وللمدينة ويتجه الطرق من شرق لغرب ... ))(1) .
تقع مزرعة بئر عثمان ( رومة ) في حي من أرقى الأحياء بالمدينة المنورة ويسمى هذا الحي ( بئر عثمان ) وتحيط بالمزرعة المخططات السكنية الراقية كمخطط الأزهري ، ومخطط عبد الغني حسين ، ومخطط آل المدني ، ومخطط الشربيني ، وحي عشوائي من جهة الجنوبي ، وقد قامت إدارة الأوقاف بالمدينة المنورة منذ زمن طويل باستخراج حجة استحكام للعرصة التابعة لبئر عثمان ( رومة ) ، وقامت بتأجيرها ، والآن تستأجرها وزارة الزراعة منذ ما يقرب من 35 عاماً ، وقد أقامت عليها مبان ، وزرعت الأرض كاملة ، وأحاطت أرض المزرعة بسور حديدي .
أما مساحة الأرض حسب صك التملك وذرعتها حسب المخططات المستخرجة لها من أمانة المدينة المنورة ، المرفقة صوراً منها فهي كالتالي :
__________
(1) فصول من تاريخ المدينة المنورة، لحافظ: ص 192.(1/10)
أولاً : الحدود :
شمالاً : شارع بعرض (30) متراً حسب اللوحة يفصل عن مزرعة .
جنوباً : شارع بعرض (30) متراً حسب اللوحة يفصل البعض عن مخطط أمين مدني .
شرقاً : شارع بعرض (20) متراً حسب اللوحة يفصل عن مخطط عبد الغني حسين .
غرباً : شارع بعرض (30) متراً حسب اللوحة يفصل عن مخطط فاروق شربيني .
ثانياً : الذرعة : حسب صك التملك والطبيعة والتنظيم :
شمالاً : من شرق إلى غرب : شطفه 7.38 مترًا ثم ميل إلى الشمال 148.20 متراً ثم شطفه 6.77 متر وهو تمام الحد .
جنوباً : من شرق إلى غرب : شطفه 6.96 متر ثم بميل إلى شمال 198.37 متراً وهو تمام الحد .
شرقاً : من قبله إلى شمال بميل إلى شرق 461.77 مترًا وهو تمام الحد .
غرباً : من قبله إلى شمال بميل إلى غرب 14.97 متر ثم ميل خفيف إلى الغرب 21.67 متراً ثم 12.92 متراً ثم 24.33 متراً ثم ميل خفيف إلى شرق 39.56 متر ثم 39.56 متراً ثم 53.07 متراً ثم ميل أشد إلى الشرق 51.10 متراً ثم 53.69 متراً ثم ميل أخف إلى الشرق 148.62 متراً وهو تمام الحد .
ثالثاً : المساحة الكلية : 108449.43 متراً مربعاً .
تعادل : (2571.11) مخزناً .
توجهت في يوم : 8/11/1424هـ في الصباح الباكر إلى مزرعة بئر رومة بعد أخذ موعد مسبق من المهندس الزراعي : محمد بن منير الترك ، مدير المزرعة التابعة الآن لوزارة الزراعة لأنها مستأجرة للمزرعة ، ووجدت منه كل حفاوة وترحيب ، واستعد للإجابة على كل أسئلتي ، وقد سألته أسئلة كثيرة عن واقع المزرعة ، وأفادني بالآتي : إن مزرعة بئر عثمان تشتمل على الأقسام التالية :
أولاً: العيادة البيطرية ، وتغطي خدماتها أنحاء منطقة المدينة المنورة كافة ، ويصرف العلاج للحيوانات مجاناً ، مع مجموعة متكاملة من الأطباء البيطريين والعمال الفنيين .
ثانياً : المشاتل الزراعية وهي ثلاثة ( مشتل الغابة ، مشتل الخضار ، مشتل الفاكهة ) .
ثالثاً : الصيانة والأجهزة الآلية .(1/11)
رابعاً : الهيدرولوجيا : وتختص بقياس الهواء وكمية الأمطار في المناطق الزراعية .
ثم زودني بتقرير ربع سنوي عن أعمال المشاتل الزراعية وتحتوي على ما يلي :
1 - المساحة الإجمالية للمشتل بالدونم : 110 دونم .
والمساحة الإجمالية للمزرعة بالدونم : 70% .
2 - نوع التربة : رملية من الدرجة الثانية .
3 - كمية الأمطار : قليلة ( نادرة ) .
4 - نسبة الأملاح : 2000 جزء في المليون .
5 - عدد الآبار وأنواعها : أربع آبار ثلاث عاملة (( ارتوازية )) .
6 - عدد المكائن وأنواعها : اثنتان غطاس + دنمو على طرمبة.
7 - الآليات وحالتها : حراثة + هايكس ( م 82 ) .
8 - المنشآت الخراسانية: مستودعان من الخراسانة حالتها جيدة.
9 - عدد الصوبات الزراعية ومساحتها وحالتها : (2) صوبة مساحتها : (10) دونم .
10 - السور الخارجي نوعه وحالته : سور حديدي شبكي تتم صيانته من حين لآخر .
11 - عدد الفنيين (اثنان) .
12 - عدد العمال (ستة) .
13 - بيت مغطى من الفيبرجلاس لإنتاج شتلات الزينة 945 مترًا .
ومن خلال التجوال داخل المزرعة بالسيارة لاحظت مجموعة كبيرة من أشجار النخيل المثمرة ، ثم ذهبت إلى البئر القديمة ( بئر رومة ) فوجدتها مغطاة بشبك حديدي ، وسألت المهندس محمد منير الترك عن حالتها ، فقال : (( لقد عمدنا إلى حفر بئر ارتوازية عام 1409هـ بداخل البئر بعمق 35 متراً وماؤها حلو جداً ، وهي تمون المزرعة بماء عذبة 2 بوصة طيلة النهار )) وبجوار البئر مسجد تابع لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ، قديم الإنشاء ، مفروش ، لعله مستخدم من قبل بعض أهالي الحي المجاور للمزرعة .
الحديث الأول :(1/12)
روى الإمام البخاري بسنده إلى أبي عبد الرحمن [السلمي] : أن عثمان - رضي الله عنه - حيث حوصر أشرف عليهم وقال : أنشدكم الله ، ولا أنشد إلا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من حفر رومة فله الجنة ، فحفرتها ، ألستم تعلمون أنه قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة ، فجهزته ، قال : فصدقوه بما قال(1) .
وجه الاستدلال من هذا الحديث :
هذا الحديث الشريف استدل به الإمام البخاري على أن بئر رومة وقف شرعي لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، حيث قال : ( باب إذا وقف أرضاً أو بئراً أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين )(2) ، ومن المعروف عند العلماء أن فقه الإمام البخاري في عناوين أبواب أحاديثه في كتابه .
التعليق على النص :
قوله : (( من حفر رومة )) هذا النص قد يفهم منه القارئ أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قد باشر حفر هذا البئر ، ومن المعروف لكل مطلع أن بئر رومة بئر جاهلية ، محفورة منذ قديم الزمان ، فهي بئر عادية لا يعرف حافرها ، إنما المعروف المالك لها ، على خلاف في ذلك سبق ذكره ، لهذا قال ابن بطال : (( هذا وهم من بعض رواة الحديث ، والمعروف أن عثمان اشتراها ولم يحفرها ))(3) .
قال الإمام ابن حجر : (( هو المشهور في الروايات ))(4) ، أي الروايات الأخرى للحديث عند المحدثين الذين رووا هذا الحديث بأسانيدهم كالترمذي ، والنسائي وغيرهم ، وسيأتي ذكرها .
__________
(1) البخاري مع الفتح : 5/406 ، كتاب الوصايا ، رقم الحديث (2778) ، انظر : الأحاديث المختارة : 1/477 .
(2) البخاري مع الفتح : المصدر السابق .
(3) فتح الباري : 5/407 .
(4) المصدر السابق .(1/13)
وذكر الإمام ابن حجر تعليلاً آخر غير هذا فقال : إنها إذا كانت عيناً فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئراً ، ولعل العين كانت تجري إلى البئر فوسعها ، وطواها ، فنسب حفرها إليه ))(1) .
الحديث الثاني :
قال البخاري : (( قال عثمان قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين ؟ )) فاشتراها عثمان - رضي الله عنه - (2) .
وجه الاستدلال من هذا الحديث :
استدل الإمام البخاري بهذا الحديث كما ورد في عنوان ترجمة الباب بما نصه : (( باب من رأى صدقة الماء وهبته ، ووصيته جائزة مقسوماً أو غير مقسوم )) .
وعلق عليه الإمام ابن حجر بقوله : (( وأراد المصنف بالترجمة الرد على من قال إن الماء لا يملك )) ، وهذا فقه دقيق من الإمام البخاري وكذلك الإمام ابن حجر ، فقد استدلوا بهذا الحديث على جواز وقف الماء والتصدق به ، وهبته ، وإباحته للعموم مقسوماً كان أو غير مقسوم ، وأول دليل على ذلك وقف عثمان بن عفان لبئر رومة ، وإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - له على ذلك ، بل طلبه منه أن تكون وقفاً عاماً لجميع المسلمين ، وأن يشترط لنفسه أن يكون دلوه ضمن دلاء المسلمين ، فهذا شرط صحيح لا يؤثر في صحة الوقف العام .
الحديث الثالث :
__________
(1) المصدر السابق : 5/408 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح: 5/29، كتاب المساقاة ، أخرجه الإمام البخاري تعليقاً غير مسند، لأنه ليس على شرطه، ووصله غيره من المحدثين كالترمذي والنسائي وابن خزيمة، وستأتي أحاديثهم.
انظر: فتح الباري: 5/407، وأخرجه الإمام ابن حجر في كتابه "تغليق التعليق" الذي خرج فيه الأحاديث المعلقة عند البخاري .(1/14)
روى الترمذي بسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما حصر عثمان أشرف عليهم من فوق داره ، ثم قال : أذكركم بالله ؛ هل تعلمون أن حراء حين انتفض ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ؟ ، قالوا : نعم . قال : أذكركم بالله هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جيش العسرة : من ينفق نفقة متقبلة ، والناس مجهدون معسرون ، فجهزت ذلك الجيش ؟ قالوا : نعم .
ثم قال : أذكركم بالله ؛ هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها ، فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل ؟ قالوا : نعم . وأشياء عدّدها ، ثم قال : (( هذا حديث حسن صحيح غريب ))(1) .
__________
(1) الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5/625 ، كتاب المناقب رقم (3699). وجامع الأصول : 8/641، رقم (6475) ، قال محقق الكتاب : "إسناده حسن، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان - رضي الله عنه - ". والنسائي : 6/236 ، باب وقف المساجد، رقم (3610). وأخرجه الإمام ابن خزيمة في صحيحه : 4/121، برقم (2491) ، قال المحقق : "إسناد صحيح لغيره". وأخرجه الضياء في الأحاديث المختارة : 1/482 ، الأرقام ( 358 ، 359 ، 360 )، وقال محقق الكتاب : "إسناد صحيح" .
قال الإمام الضياء في المختارة (1/482) ما نصه : رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن عن عبد الله بن جعفر. وقال : حديث حسن صحيح غريب ، من حديث أبي عبد الرحمن(1) .
ورواه النسائي عن محمد بن وهب عن محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن أبي أنيسة نحوه(2) .
ورواه أبو حاتم بن حبان عن أحمد بن الحسن بن عبد الجبار عن أبي نصر التمار عن عبيد الله بن عمرو(3) .
وسئل عنه الدارقطني فقال: "يرويه أبو إسحاق السبيعي، واختلف عنه، فرواه زيد بن أبي أنيسة، وشعبة وعبد الكريم بن دينار، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السلمي(4) .
وخالفهم يونس بن أبي إسحاق ، وإسرائيل، فروياه عن أبي إسحاق عن أبي سلمى بن عبد الرحمن وقول شعبة ومن تابعه أشبه بالصواب(5) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي في الجامع: 5/625، كتاب المناقب رقم (3699).
(2) أخرجه النسائي في السنن: 6/263، كتاب الأحباس، رقم (3610).
(3) أخرجه ابن حبان في الإحسان: 9/32، رقم (6877).
(4) أخرجه الدارقطني في العلل: 3/52.
(5) أخرجه الإمام أحمد في المسند: رقم (420).(1/15)
وجه الاستدلال من الحديث :
وجه الدلالة من الحديث قوله : (( فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل )) فهذا نص صريح من الواقف وهو الخليفة الراشد سيدنا عثمان أنه اشترى بئر رومة ، وجعلها وقفاً عاماً ، لم يخص بها أحدًا ، بل لعامة المسلمين وغيرهم أن يستقوا منها ؛ أغنياء أو فقراء ، مقيمين أو مسافرين .
فالنص المذكور صريح في الدلالة على الوقف العام المؤبد ما دام عين الوقف قائماً .
الحديث الرابع :
روى الترمذي بسنده إلى ثمامة بن حزن القشيري ، قال : (( شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان ، فقال : ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم عليّ ، قال : فجيء بهما فكأنهما جملان أو كأنهما حماران ، قال : فأشرف عليهم عثمان ، فقال : أنشدكم بالله والإسلام ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة ، فقال : من يشتري بئر رومة ، فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير منها في الجنة ، فاشتريتها من صلب مالي ؟ فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر ، قالوا : اللهم نعم ... ))(1)
__________
(1) إسناده حسن .
- سنن الترمذي: 5/627 ، كتاب المناقب رقم (3703) .
- وأخرجه الضياء في الأحاديث المختارة : 1/446 رقم (321 ، 322) ، قال محقق الكتاب : إسناد حسن .
- سنن النسائي : 6/235، كتاب وقف المساجد رقم (3608) .
- مسند الإمام أحمد : 1/559 ، مسند عثمان، رقم (555) .
- السنن الكبرى للنسائي : 6/143 ، كتاب وقف المساجد ، رقم (6402) .
- جامع الأصول : 8/640 ، فضائل الصحابة، رقم (6475) .
- أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة : ص 580 ، رقم (1355) .
قال محقق الكتاب : "إسناده ضعيف، ولكن له شواهد بمعناه ، ... لذا قال الترمذي : هذا حديث حسن ، وقد روى من غير وجه عن عثمان" الهامش : 8/640 .
- أخرجه الإمام ابن خزيمة في صحيحه : 4/122 برقم (2492) .
وقال المحقق : "قلت : إسناده صحيح لغيره. رجاله ثقات غير يحيى بن أبي الحجاج وهو لين الحديث" .
وقال: أخرجه عبد الله بن أحمد بن في زوائد المسند : 1/74-75 ، وإسناده حسن .(1/16)
الحديث .
وجه الاستدلال من الحديث :
أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - اشترى بئر رومة لما حض النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين على شرائها ، على الشرط الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو : (( أن يجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير منها في الجنة )) ، ومعنى هذا الشرط : أن يجعلها وقفاً عاماً للناس كافة في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وما بعده من العصور ، ما دام عين البئر قائماً ، وأن يشتريها من صلب ماله ، ويجعلها مباحة للناس كافة بدون تمييز ، ولا يمنع الناس من الاستفادة من مائها بعد تملكها.
(( من صلب مالي )) ، فسره الإمام السندي بقوله : (( أي من أصل مالي ورأس مالي ، لا مما أثمره المال من الزيادة ، وأصل المال عند التجار أعز شيء )) ، وهذا يدل على حرص سيدنا عثمان في انتفاء المال الذي اشترى به هذا الوقف .
الحديث الخامس :(1/17)
أولاً : روى النسائي والإمام أحمد في المسند بسندهما عن عمر بن جاوان - رجل من تميم - وذاك أني قلت له : أرأيت اعتزال الأحنف بن قيس ما كان ؟ قال : سمعت الأحنف يقول : أتيت المدينة وأنا حاج ، فبينما نحن في منازلنا نضع رحالنا ، إذ أتى آت فقال : قد اجتمع الناس في المسجد ، فاطلعت ، فإذا الناس مجتمعون ، وإذا بين أظهرهم نفر قعود ، فإذا هو علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فلما قمت عليهم قيل هذا عثمان بن عفان قد جاء ، فقال : فجاء وعليه ملية صفراء ، فقلت لصاحبي كما أنت حتى أنظر ما جاء به ، فقال عثمان : أههنا علي ؟ أههنا الزبير ؟ أههنا طلحة ؟ أههنا سعد ؟ فقالوا : نعم. قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له )) فابتعته ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : إني ابتعت مربد بني فلان ، قال : فاجعله في مسجدنا وأجره لك ، قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من يبتاع بئر رومة غفر الله له )) ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : قد ابتعت بئر رومة ، قال : فاجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك ، قالوا : نعم . قال : فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من يجهز جيش العسرة غفر الله له ، فجهزتهم حتى ما تفقدون عقالاً ولا خطاماً ، قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد، اللهم اشهد ، اللهم اشهد ))(1) .
__________
(1) حديث صحيح بمجموع طرقه .
... - سنن النسائي: 6/233-134، كتاب وقف المساجد، رقم 3606).
... - السنن الكبرى: 6/142، كتاب وقف المساجد، رقم (6400).
... - تحفة الإشراف للمزي، رقم (9781).
... - أخرجه الطيالسي في مسنده: 1/80-81، برقم (82).
... قال المحقق: "حديث صحيح،وإسناد المصنف حسن". ص 82.
... - وأخرجه ابن خزيمة في صحيح: 4/119، رقم (2487)، وقال المحقق : "إسناده حسن لغيره" .
... - المسند: 1/535-536، مسند عثمان، رقم (511).
... قال محقق المسند : "حديث صحيح لغيره ، وهذا إسناد ضعيف ، عمرو بن جاوان روى له النسائي ، ولم يرو عنه غير حصين ، ولم يذكره أحد في الثقات غير ابن حبان ، قال الذهبي : لا يعرف ، وباقي رجاله رجال الشيخين " ص : 536 .
... وقال أيضاً: "أخرجه الطيالسي: (82) وابن أبي عاصم (1303) من طريق أبي عوانه بهذا الإسناد". ... =
= ... وقال أيضاً : أخرجه ابن أبي شيبة : 12/39، وابن أبي عاصم (1303 في السنة، والبزار (390-391) ، - وابن خزيمة (2487) ، وابن حبان (6920) من طريق عن حصين به" وله شواهد كثيرة .
... - أخرجه الإمام ابن شبه في أخبار المدينة: 1/188-189، رقم (1940) .
... - جامع الأصول لابن الأثير: 8/637-638، باب في فضائل الصحابة رقم (6473) ، قال عبد القادر الأرناؤوط : "أخرجه في كتاب الجهاد رقم 6/46-47 ، باب فضل من جهز غازياً ، وفي إسناده عمرو بن جاوان التميمي البصري لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات ، ولكن يشهد له ففي حديث أبي عبد الرحمن السلمي رقم (6463) فهو به حسن" الهامش : 6/638 .
... - أخرجه البيهقي في الدلائل: 5/215، من طريق الطيالسي .
... - ابن عساكر في تاريخ دمشق (ص 334) ترجمة عثمان من طريق أبي عوانة مطولاً به .
... - وقال الإمام الضباء في المختارة: 1/477 ما نصه :
... "رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة بنحوه .
... ورواه الإمام أحمد في مسنده عن بهز عن أبي عوانة .
... ورواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن ابن إدريس عن حصين عن عمر بن جاوان .
وعن إسحاق عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه عن حصين عن عمر بن جاوان نحوه ولم يذكر فيه الزبير .
وقيل: عمر بن جاوان وهو الصواب .
ورواه أبو حاتم بن حبان عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر ابن أبي شيبة .(1/18)
وجه الاستدلال من الحديث :
ما ورد في الحديث من توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - في قوله لما أخبره بشراء بئر رومة : (( فاجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك )) ، فهذا النص يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرشده إلى جعلها وقفاً عاماً للمسلمين كافة في كل عصر ، ففعل سيدنا عثمان وجعلها وقفاً مؤبداً ما دامت العين قائمة .
الحديث السادس :
روى الإمام النسائي بسنده إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن عثمان أشرف عليهم حين حصروه ، فقال : أنشدكم بالله رجلاً سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم الجبل حين اهتز فركله برجله ، وقال : اسكن ، فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان ، وأنا معه ، فانتشد له رجال ، ثم قال : أنشد بالله رجلاً شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بيعة الرضوان يقول : هو يد الله وهذه يد عثمان ، فانتشد له رجال ، ثم قال : أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم جيش العسرة يقول : من ينفق نفقة متقبلة فجهزت نصف الجيش من مالي ، فانتشد له رجال ، ثم قال : أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من يزيد في هذا المسجد ببيت في الجنة ، فاشتريته من مالي ، فانتشد له رجال ، ثم قال : أنشد بالله رجلاً شهد رومة تباع فاشتريتها من مالي ، فأبحتها لابن السبيل ، فانتشد له رجال ))(1) .
وجه الدلالة من الحديث :
__________
(1) - سنن النسائي : 6/236 ، كتاب وقف المساجد، رقم (3609) .
... - السنن الكبرى له : 6/144 ، رقم (6403) .
... - أخرجه الضياء في المختارة: 1/528-529، الأرقام (395 ، 396) ، قال المحقق : "إسناده منقطع" .
... - رواه الدارقطني في السنة : 4/199 من طريق عبد الله بن جعفر به بنحوه .
... - أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (420) .(1/19)
قوله : (( فأبحتها لابن السبيل )) ، فعثمان بن عفان كما يفيد هذا الحديث سمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحض على شراء بئر رومة فجاء إليهم وهي تباع ، فاشتراها من ماله وجعلها وقفاً عاماً لابن السبيل وغيره ، صدقة خالصة لله ، يرجو ثواب الله والدار الآخرة ، وشراء هذا الوقف شهده جمع من الصحابة ، من هؤلاء الجمع من شهد له يوم الدار ، فهو قد أوقفها ثم أشهد عليها من حضر من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو حدث معلوم عند جمع غفير من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد بقي منهم جماعة على قيد الحياة عندما حصر في داره يوم الفتنة .
الحديث السابع :
روى النسائي وغيره بسنده إلى عمر بن جاوان عن الأحنف بن قيس أنه أتى المسجد ، فإذا علي وطلحة والزبير وسعد - رضي الله عنهم - ، ثم أقبل عثمان - رضي الله عنه - ، وعليه ملاءة صفراء قد رفعها على رأسه ، فوقف عليهم ، فقال : أهاهنا علي؟ قالوا : نعم . قال : أهاهنا طلحة ؟ قالوا : نعم . قال : أهاهنا الزبير ؟ قالوا : نعم . قال : أهاهنا سعد ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم الله الذي لا إله إلا هو ؛ هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من يبتاع رومة غفر الله له ، فابتعتها بكذا وكذا ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إني ابتعت بئر رومة ، فقال : اجعلها سقاية للمسلمين ، وأجرها لك ؟ قالوا : نعم ))(1) .
__________
(1) إسناده حسن .
... - سنن النسائي: 6/234-235، كتاب وقف المساجد رقم (3607) .
... - السنن الكبرى له: 6/143، رقم (6401) .
... - تحفة الأشراف للمزي، رقم (19781) .
... - أخبار المدينة لابن أبي شبه: 1/98 رقم (444) .
... قال محقق الكتاب : "في إسناده عمرو بن جاوان التميمي البصري ، لم يوثقه ابن حبان ، وباقي رجاله ثقات يشهد له حديث السلمي عند الترمذي (3700) فهو به إسناد حسن" (1/98) .
... - الضياء في الأحاديث المختارة : 1/474-477 ، الأرقام (348 ، 349 ،350). وقال المحقق : " إسناد الأحاديث حسن " .(1/20)
وجه الدلالة من هذا الحديث :
أن عثمان - رضي الله عنه - سارع إلى شراء بئر رومة ، ثم أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فأرشده إلى أن يجعلها سقاية للمسلمين ، وقفاً عاماً لعثمان ما بقي عين هذا الوقف ، وأن أجرها له .
وفي هذا الحديث ذكر قيمة شراء البئر مبهمة ، وهو لم يذكر مطلقاً فيما مضى من الأحاديث ، وقد جاءت عدة أخبار عنه بأنه اشتراها ( بثلاثين ألفا ) وقيل ( بأربعين ألفاً ) ، وقيل : أقل من ذلك .
(الملاءة) بالضم والمد : الإزار والريطة(1) .
الحديث الثامن :
روى الإمام أحمد وغيره بسنده إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : أشرف عثمان من القصر - وهو محصور - قال : أنشد بالله من شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حراء إذ اهتز الجبل فركله بقدمه ، ثم قال : اسكن حراء ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، وأنا معه ؟ فانتشد له رجال ، فقال : أنشد بالله من شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين إلى أهل مكة ، قال : هذه يدي ويد عثمان ، فبايع لي ، فانتشد له رجال ، قال : أنشد بالله من شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من يوسع لنا هذا البيت في المسجد ؟ فانتشد له رجال ، قال : أنشد بالله من شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم جيش العسرة قال : من ينفق اليوم نفقة متقبلة ، فجهزت نصف الجيش من مالي ؟ قال : فانتشد له رجال ، قال : وأنشد بالله من شهد رومة يباع ماءها ابن السبيل ، فابتعتها من مالي ، فأبحتها ابن السبيل . قال: انتشد له رجال ))(2) .
__________
(1) النهاية : ص 865 .
(2) حديث صحيح .
... - المسند : 1/478 ، مسند عثمان ، رقم (420) .
... قال محقق المسند : "حديث صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين" .
... - أخرجه الدارقطني : 4/198 من طريق أحمد بن حنبل بهذا الإسناد .
... - وأخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة : 1/463، و495 رقم (751) و(805) ، وقال المحقق : "إسناده صحيح لغيره، مكرر (751) سنداً ومتناً" .
... - والحديث ذكره ابن رجب في العلل : ص 376 .
... - وأخرجه ابن حبان في الموارد : ص 540 .
... - والنسائي : 6/236 من طريق زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق. كما أخرجه من طريق يونس أيضاً برقم (3607) ، ص : 463 الهامش .
... - وأخرجه الضياء في الأحاديث المختارة : 1/482-486 ، وقال المحقق : "إسناد صحيح" .(1/21)
وجه الدلالة من الحديث :
وجه الدلالة ، ما ذكره عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من استنشاد القوم فشهدوا له بأنه اشترى بئر رومة ، وكان صاحبها يبيع ماءها ، فاشتراها من صلب ماله وجعلها وقفاً عاماً ، يستقي منها ابن السبيل وغيره ، بدون أن يدفع رسماً كما كان يفعل قبل الشراء ، وجعلها مباحة للناس كافة في عصره وإلى يوم القيامة .
الحديث التاسع :
روى الإمام أحمد بسنده في المسند إلى ثمامة بن حزن القُشيري ، قال : شهدت الدار يوم أصيب عثمان ، فاطلع عليهم اطلاعة ، فقال : ادعوا لي صاحباكم اللذين ألباكم عليّ ، فدُعيا له ، فقال : نشدتكما الله ، أتعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله ، فقال : (( من يشتري هذه البقعة من خالص ماله ، فيكون فيها كالمسلمين ، وله خير منها في الجنة ؟ )) فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين ، فأنتم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين.
ثم قال : أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا رومة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من يشتريها من خالص ماله ، فيكون دلوه فيها كدليّ المسلمين ، وله خير منها في الجنة )) ، فاشتريتها من خالص مالي ، فأنتم تمنعوني أن أشرب منها .
ثم قال : هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة ؟ قالوا : اللهم نعم(1) .
__________
(1) إسناد حسن .
... - المسند للإمام أحمد: 1/559، مسند عثمان، رقم (555) .
... قال محقق المسند: "إسناده حسن، هلال روى عنه جمع، وحديثه عند النسائي في "عمل اليوم والليلة" وذكره ابن حبان في "الثقات" وباقي رجاله رجال الشيخين غير ثمامة بن حزن فمن رجال مسلم".
... - أخرجه ابن أبي عاصم في السنة: ص 580-581، رقم (13060) عن طريق هلال بن حق عن الجريري بهذا الإسناد .
... - وأخرجه الترمذي (3703)، وابن أبي عاصم (1305)، والنسائي: 6/235، وابن خزيمة (2492)، وابن عساكر في ترجمة عثمان ص 339 من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن الجريري، وحسنه الترمذي".
... - أخرجه الضياء في الأحاديث المختارة: 1/446 رقم (321)، قال المحقق: "إسناد حسن".(1/22)
وجه الدلالة من الحديث :
هذا الحديث يدل على أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - استجاب لدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فاشترى بئر رومة من صاحبها من خالص ماله وجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين ، وجعلها وقفاً عاماً ولم يحتكرها لنفسه طلباً لثواب الآخرة الذي بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث .
الحديث العاشر :
روى البغوي في معجم الصحابة من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال : لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء ، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها : ( رومة ) ، وكان يبيع منها القربة بمد ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - تبيعنيها بعين في الجنة ؟ ، فقال : يا رسول الله ليس ولا لعيالي غيرها ، فبلغ ذلك عثمان - رضي الله عنه - فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أتجعل لي فيها ما جعلت له ؟ قال : نعم ، قال : قد جعلتها للمسلمين(1) .
وجه الاستدلال من الحديث :
شراء عثمان بن عفان بئر رومة من الغفاري وجعلها وقفاً عاماً للمسلمين على الشرط الذي شرطه النبي - صلى الله عليه وسلم - للغفاري بعين مثلها في الجنة ، وإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فعله عثمان - رضي الله عنه - من شراء العين وجعلها صدقة عامة للناس كافة ، من الغني والفقير وابن السبيل .
التعليق على النص :
__________
(1) رواه البغوي في معجم الصحابة : 1/293-294 ، رقم (191) (ترجمة بشر الأسلمي) .
... - فتح الباري : 5/407-408 ، ولم يحكم على الحديث ، مجمع الزوائد : 3/129 .
... - وفاء الوفاء : 3/969 .
... - المغانم المطابة : 4/642 .
... - معجم البلدان : 1/299 .
... - الإصابة : 1/540 .(1/23)
استشكل الإمام ابن حجر ما جاء في النص من أنها ( عين ) وقال : وإن كانت عيناً فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئراً ، ولعل العين كانت تجري إلى البئر فوسعها وطواها ، فنسب حفرها إليه ، وما قاله صحيح من أنها كانت عيناً فوسعها ؛ لأن المدينة معروفة من عصر الجاهلية وإلى عصرنا الحاضر بالمياه الجوفية والعيون الجارية في باطن الأرض ، ومن ذلك العين الزرقاء شرب أهل المدينة إلى وقت قريب، ويطلق على المنطقة التي في طرفها البئر من شرقيها (( منطقة العيون إلى اليوم )) وقد رأيناها ونحن صغار كذلك ثم غارت بعد استعمال الحفارات الارتوازية لحفر الآبار .
الحديث الحادي عشر :
روى ابن النجار والمطري في كتابهما بسندهما إلى موسى بن طلحة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( نعم الحفيرة حفيرة المزني )) يعني ( رومة ) فلما سمع بذلك عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ابتاع نصفها بمائة بكرة ، وتصدق بها ، فجعل الناس يستقون منها ، فلما رأى صاحبها أن قد امتنع منه ما كان يصيب عليها ، باع عثمان النصف الباقي بشيء يسير ، فتصدق بها كلها(1) .
الحديث الثاني عشر :
روى ابن شبة قال : محمد بن يحيى ، أخبرني غير واحد من أهل البلد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( نعم القليب قليب المزني ))(2) .
الحديث الثالث عشر :
__________
(1) ساقه بسنده ابن النجار في الدرة الثمينة: ص 127، رقم (20)، قال المحقق: إسناده ضعيف .
... - والمطري في التعريف: ص 57 .
... - معجم البلدان: 1/299.
... - والسمهودي في الوفاء: 3/967 .
... - والفيروزابادي في المغانم المطابة. قال المحقق: "وهو من رواية ابن زبالة، وله شواهد تقويه" .
(2) أخبار المدينة: 1/98 رقم (447) .
... وفاء الوفاء: 3/967 .
... معجم البلدان: 1/299 .(1/24)
وروى ابن شبة قال : محمد بن يحيى ، قال ابن أبي الزناد ، أخبرني أبي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( نعم الصدقة صدقة عثمان )) ، يريد ( رومة )(1) .
الحديث الرابع عشر :
وروى ابن شبة عن عبد الله بن حبيب السلمي ، قال عثمان - رضي الله عنه - : أنشدكم الله ، أتعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من اشترى بئر رومة فله مثلها من الجنة )) ، وكان الناس لا يشربون منها إلا بثمن ، فاشتريتها بمالي ، فجعلتها للفقير والغني وابن السبيل ، فقال الناس : نعم(2) .
1 - روى الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة أثراً بسنده إلى أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري في قصة وفد أهل مصر إلى المدينة ، ومجادلتهم لسيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وما نتج عن هؤلاء الأحزاب من محاصرته - رضي الله عنه - ، ومما جاء في هذا الأثر مما له علاقة ببئر رومة قول الراوي : (( قال : حصروه في القصر ، قال : فأشرف عليهم ذات يوم ، فقال : السلام عليكم ، قال : فما سمع أحداً من الناس رد عليه ، إلا أن يرد رجل في نفسه ، قال : فقال : أنشدكم الله هل علمتم أني اشتريت رومة من مالي ، يستعذب بها ، قال : فجعلت رشاي فيها ، كرشاء المسلمين ، قال : قيل نعم ، قال : فعلام تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ ))(3) .
__________
(1) أخبار المدينة: 1/98 رقم (449) .
... قال محقق الكتاب: "إسناده ضعيف منقطع" .
وفاء الوفاء: 3/967 .
(2) أخبار المدينة: 1/99 رقم (451) .
... قال محقق الكتاب: "إسناده ضعيف، ولكن له شواهد بمعناه" .
... انظر: جامع الأصول رقم (6473) ورقم (6475)، وقد تقدم حديث الأحنف بن قيس فهو شاهد له: 1/99 .
(3) تخريج الأثر :
... - فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل:1/470-473، رقم(765) مطولاً. وفي رقم(766) مختصراً .
... قال محقق الكتاب وصي الله عباس ما نصه : "أخرجه ابن حبان (ص: 540)، وابن راهويه في مسنده (ل 299) من طريق المعتمر ، وابن شبه في تاريخ المدينة : 2/340-360 ، من قوله : أشرف عليهم إلى آخر الحديث ، وخليفة ابن خياط في تاريخه (ص: 68 ، 172 ، 174). والمحب الطبري في الرياض النضرة : 3/78 ، ونسبه لأبي حاتم : ص : 470 الهامش " .
... - وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب : ص: 547 (موجزاً) مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ .
... - أخرجه ابن شبه في أخبار المدينة : 1/233-234 ، رقم (2078) .
... قال محقق الكتاب: أخرجه الطبري في تاريخه: 4/354-356-383-384 .
... - أخرجه ابن أبي خزيمة في صحيحه : 4/122 برقم (2493) ولم يعلق عليه المحقق .(1/25)
وذكر قصة طويلة جداً استغرقت ثلاث صفحات كاملة .
2- وروى ابن شبه بسنده إلى الزهري ، قال: اطلع عثمان - رضي الله عنه - يوماً إلى الناس، وهو محصور ، فقال : أنشدكم الله ، هل سمع أحد منكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا رجف بهم حِراء بعض جبال مكة : اسكن، فإنه ليس فوقك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، وعليه يومئذ رسول الله ، وأبو بكر وعمر ، أنا وعبد الرحمن وطلحة ، والزبير وسعيد وسعد ، فقال أكثر الناس : اللهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو بلغه أنه قال : من يشتري رومة ببئر رواء في الجنة ؟ فاشتريتها من مالي ، فجعلت الناس فيها سواء ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنا أستسقيكم منها فتأبون علي ؟! اللهم اشهد عليهم ... الخ الأثر ))(1) .
ورواه أيضاً في موطن آخر إلى الزهري : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من يشتري رومة بشرب رواء في الجنة )) فاشتراها عثمان - رضي الله عنه - من ماله فتصدق بها(2) .
3- روى ابن شبة بسنده عن أبي قلابة قال : (( لما كانوا بباب عثمان - رضي الله عنه - وأرادوا قتله ، أشرف عليهم فذكر أشياء ، ثم ناشدهم الله فأعظم النشدة : هل تعلمون أن رومة كانت لفلان اليهودي ؟ ولا يسقي منها أحداً قطرة إلا بثمن ، فاشتريتها بمالي بأربعين ألفاً ، فجعلت شربي فيها وشرب رجل من المسلمين سوى ، ومااستأثرتها عليهم ؟ قالوا : قد علمنا ذلك ))(3) .
__________
(1) أخبار المدينة: 1/232 رقم (2077). قال محقق الكتاب: "إسناد صحيح" .
(2) أخبار المدينة: 1/99 رقم (450). قال محقق الكتاب: "إسناد صحيح" .
(3) أخبار المدينة لابن شبه : 1/98 رقم (445) .(1/26)
4- روى ابن شبة بسنده عن عبدالرحمن بن أسامة الليثي ، عن أبيه قال : لما حُصر عثمان - رضي الله عنه - أرسل إلى عمار بن ياسر فطلب أن يُدخل عليه روايا ماء ، فطلب له ذلك عمار من طلحة ، فقال عمار : سبحان الله اشترى عثمان هذه البئر - يعني رومة - بكذا وكذا ألفاً ، فتصدق بها على الناس ، وهؤلاء يمنعونه أن يشرب منها(1) .
5- روى ابن شبة بسنده عن عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري عن خاله عَدي بن ثابت قال : أصاب رجل من مزينة بئراً يقال لها رومة ، فذكرت لعثمان بن عفان وهو خليفة فابتاعها بثلاثين ألف درهم من مال المسلمين وتصدق بها عليهم(2)(3) .
__________
(1) أخبار المدينة لابن شبه : 1/98 رقم (448) .
(2) أخبار المدينة لابن شبه : 1/98 رقم (446) .
(3) ما ذكر في هذا الخبر لا يتفق مع الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها. ولم أذكره هنا إلا ليعلم القارئ اختلاف الناقلين ووهمهم في الأخبار ، وأسوة بما ذكره الإمام ابن شبه في أخباره ، وعلق على هذه الرواية الإمام السمهودي بقوله : "قلت : سنده متروك ، لذا قال الزبير بن بكار بعد روايته : وليس هذا بشيء ، وثبت عندنا أن عثمان اشتراها بماله وتصدق بها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أهـ. وفاء الوفا : 3/967 .(1/27)
6- أ/ روى ابن سعد بسنده إلى محمد بن عبد الله بن عمران بن عثمان قال : نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رومة ، وكانت لرجل من مزينة يسقي عليها بأجر ، فقال : (( نعم صدقة المسلم هذه من رجل يبتاعها من المزني فيتصدق بها ، فاشتراها عثمان - رضي الله عنه - بأربعمائة دينار فتصدق بها ، فلما علق عليها العلق مر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها ، فأخبر أن عثمان اشتراها وتصدق بها ، فقال : اللهم أوجب له الجنة ! ودعا بدلو من مائها فشرب منه ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا النقاخ ، أما إن هذا الوادي ستكثر مياهه ، ويعذبون ، وبئر المزني أعذبها ))(1) .
ب/ وروى كذلك بسنده إلى المطلب بن عبد الله بن حنطب قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً ببئر المزني ، وله خيمة إلى جنبها ، وجرة فيها ماء بارد ، فسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماء بارداً في الصيف ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( هذا العذب الزلال ))(2) .
جـ/ وذكر ابن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب من رومة وعدها ضمن الآبار التي شرب منها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة المنورة .
في هذا الحديث معجزة نبوية حيث ذكر أن هذا الوادي ستكثر مياهه وبالفعل كثرت خاصة في القرون العاشر إلى الثالث عشر الهجري ، فقد ذكر أحد مؤرخي المدينة المنورة أن بالعقيق والغابة أكثر من 58 عيناً جارية(3) .
وذكر الهجري أن بني العباس حفروا الآبار حول رومة وأوقفوها على الحرم النبوي الشريف .
__________
(1) الطبقات : 1/247-248 ، تحت عنوان " التيار التي شرب منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذين النصين لأول مرة يذكرا ، ولم أطلع عليهما فيما ألف حول المدينة المنورة ، عند القدماء والمعاصرين ، وهذا توفيق من الله ، والحمد لله .
(2) المصدر السابق .
(3) وصف المدينة المنورة : ص 18-29 .(1/28)
7- قال ابن عبد البر : (( واشترى عثمان - رضي الله عنه - بئر رومة، وكانت ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من يشتري رومة فيجعلها للمسلمين ، يضرب بدلوه في دلائهم ، وله بها مشرب في الجنة ؟ )) ، فأتى عثمان اليهودي فساومه بها ، فأبى أن يبيعها كلها ، فاشترى نصفها باثنتي عشر ألف درهم فجعله للمسلمين ، فقال له عثمان - رضي الله عنه - : إن شئت جعلت على نصيبي قرنين ، وإن شئت ، فلي يوم ولك يوم ، قال : بل لك يوم ولي يوم ، فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين ، فلما رأى ذلك اليهودي ، قال : أفسدت على ركيتي ، فاشتر النصف الآخر فاشتراه بثمانية آلاف درهم ))(1) .
التعليق على النص :
هذا النص بدون سند ، في كتاب الاستيعاب وعنه نقل بعض مؤرخي المدينة المنورة .
هذا النص يفيد أن مالك البئر كان يهودياً .
هذا النص يفيد أن قيمة شراء البئر عشرون ألف درهم .
الركبة : البئر .
القرنان : قال ابن الأثير : (( هما قرنا البئر المبنيان على جانبها ، فإن كانتا من خشب. فهما : ( زنوقان )(2) ، ويستخدمان لجذب الماء بأن تعرض عليهما خشبة فيها بكرة تجري عليها حبال الدلاء .
الفوائد الفقهية المستخرجة من الأحاديث النبوية الواردة في ( بئر رومة ) :
__________
(1) - الاستيعاب ص 545 ، وعنه نقل كل من جاء بعده.
- المطري في التعريف ص 57 .
- ابن فرحون في الوفاء 3/970 .
- الدر الثمينة 126 .
- تحقيق النصرة ص 295 .
(2) النهاية : ص 275 ، مادة (قرن) .(1/29)
هذه الفوائد مستقاة من شروح العلماء ، كشرح الإمام ابن حجر لصحيح البخاري المعروف بـ ( فتح الباري ) وشرح صحيح مسلم للإمام النووي وشرح الترمذي المعروف بـ ( تحفة الأحوذي ) وغير ذلك ، وكذلك الفوائد الحديثية التي ذكرها الإمام البخاري في تراجم أبوابه ، والإمام النسائي ، والإمام ابن خزيمة في صحيحه وغيرهم . والبعض الآخر استنتاج شخصي من قبلي فمهمته من بعض نصوص الحديث وفي مثل هذه الحالة أذكر النص الذي أخذت منه الفائدة الحديثة .
- مشروعية الوقف إذا صح أصله ، وعظيم ثوابه في الآخرة ، خلافاً لمن منع ذلك كشريح ، ومن تأول كأبي حنيفة وقال : لا يلزم ، وأنه من الصدقة الجارية التي تلحق الميت بعد وفاته ، بل حصر بعض العلماء الصدقة الجارية بالوقف ، قال الإمام النووي : (( الصدقة الجارية : هي الوقف ))(1) ، وإن الوقف من خصائص أهل الإسلام مخالفاً لشوائب الجاهلية ، هذا مذهب الجماهير وعليه إجماع المسلمين(2) .
- ثواب الوقف يلحق بالميت بعد وفاته ، وهذا أمر مجمع عليه من قبل العلماء ، كما حكى ذلك النووي في شرحه - وهو يدخل ضمن الحديث النبوي الصحيح : (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )) ، وفسر الإمام النووي الصدقة الجارية بالوقف ))(3) .
قال الإمام ابن خزيمة : (( إن أجر الصدقة المحبسة يكتب للمحبس بعد موته مادامت الصدقة جارية ))(4) .
- أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث إنما يتبع فيه شروط الواقف ، إذا ذكرت ، وإن لم تذكر يكون التصرف فيه لإمام الوقف وخليفة المسلمين في أي عصر من العصور أو من ينيبه .
__________
(1) مسلم مع النووي : 11/85 .
(2) المصدر السابق : 11/86 .
(3) المصدر السابق : 11/85 .
(4) صحيح ابن خزيمة : 4/122 .(1/30)
فبئر رومة ذكر عثمان - رضي الله عنه - : (( أنه جعلها سقاية للمسلمين )) فتبقى على هذا الشرط ما دامت العين قائمة ، ويشرف على العناية بها ، وعدم التعرض لعينها خليفة المسلمين في أي عصر ، أو من ينيبه .
- فيه منقبة وفضيلة ظاهرة لا تخفى لعثمان - رضي الله عنه - وأنه من المسارعين إلى الخيرات حال الدعوات ... لهذا انتشد الصحابة - رضي الله عنهم - في أحلك الأوقات وشهد له جمع غفير بأن (( بئر رومة )) صدقة ، صدقة متقبلة شهد له بها خير البشر سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن ثوابها شرب رواء خير منها في الجنة .
- أن هذا الوقف المعروف اليوم (( بئر عثمان )) وقف صحيح النسبة لسيدنا عثمان بن عفان يشهد به ويقطع به كل أحد من المسلمين لثبوت ذلك بشهادة جمع غفير من الصحابة رضوان الله عليهم ، وهذه الشهادة ثابتة بالأحاديث التي جاءت من طرق كثيرة شهيرة صحيحة .
وهو من أشهر المعالم الوقفية التي بقيت عبر العصور الإسلامية من عهد النبي - رضي الله عنه - إلى عصرنا الحاضر ، ويعرفه أهل المدينة جيلاً بعد جيل إلى عصرنا الحاضر .
- أن الوقف يصح أن يخص بجهة عامة ، وأنه يخرج عن ملك الواقف ، فعثمان - رضي الله عنه - جعله (( سقاية للمسلمين )) فلم يخص به أحداً مطلقاً ، وأن للإمام إذا أخبر به أن يصرفه سبيل الصدقة العامة، إذا لم يظهر مراد المتصدق، فعثمان عندما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بشراء (( بئر رومة )) قال له : (( اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك )) .
قال الإمام ابن خزيمة : (( حبس آبار المياه على الأغنياء والفقراء وابن السبيل ))(1) ، مستدلاً بأحاديث (( بئر رومة )) .
__________
(1) صحيح ابن خزيمة: 4/121.(1/31)
- المستحب لصاحب الوقف إذا أراد إيقافه أن يستشير العلماء والصالحين وغيرهم من ذوي الخبرة والمعرفة ؛ لأن عثمان عندما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بشراء رومة من خالص ماله ، أرشده إلى أن يجعلها سقاية للمسلمين كافة وفي كل عصر ، يشرب منها الغني والفقير ، والمقيم وابن السبيل .
- أنه يستحب لولي الأمر المستشار أو العالم ونحوهم إذا استشيروا أن يمحضوا للمستشير النصيحة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما استشاره عثمان في وقف (( بئر رومة )) ، وعليه أن يخبره بعظيم فائدة الوقف ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : (( وأجرها لك )) ، وهذا يدفع صاحب الوقف أن يسارع إلى الوقف طلباً للأجر والمثوبة .
- يجوز لصاحب الوقف الغني أن يستفيد من وقفه الموقوف للصالح العام فإذا كان مسجداً جازت له الصلاة فيه ، وإن كانت بئراً جاز له الاستقاء والشرب منها ، قال الإمام ابن حجر : (( جواز شرب الغني والفقير من صدقة التطوع إذا حصل بغير مسألة ))(1) .
قال الإمام ابن حجر : (( لو حبس بئراً على من يشرب منها فله أن يشرب منها، وإن لم يشترط لأنه داخل في جملة من يشرب ))(2) .
وقال أيضاً : (( جواز انتفاع الواقف بوقفه إذا شرط ذلك ))(3) ، فيما يجوز الانتفاع به بما لا يتعارض مع شروط الوقف ، فإذا عارضه أصبح شرطاً باطلاً كأن يشرط مثلاً : (( أن لا يشرب من هذه البئر فلان أو تلك القبيلة لأجل عداوة بينهما ، فلا يجوز ذلك ، فهذا شرط باطل ، أو شرط بيع الماء أو نحو ذلك .
وقال أيضاً : (( لا يجوز تخصيص أحد دون أحد بالشرب من المياه ))(4) .
__________
(1) فتح الباري: 5/30.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق .
(4) فتح الباري : المصدر السابق ، انظر : صحيح ابن خزيمة : 4/121 .(1/32)
- مشروعية قسمة الماء وقفاً كان هذا الماء أو غير وقف ، قال الإمام ابن حجر : (( مشروعية قسمة الماء )) ، ولعل هذا مأخوذ من قصة تقاسم عثمان - رضي الله عنه - واليهودي الشرب من الماء ، بأن يكون له يوم ولليهود يوم آخر .
- جواز شراء وبيع وتملك ووقف الماء المأخوذ من الآبار أو المناهل أو الخزانات أو الثلاجات ، وأنها من الوقوف الجائزة خلافاً لمن منع ذلك ، وهذا ما صرح به الإمام البخاري حين قال : (( باب من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة ، مقسوماً أو غير مقسوم ))(1) ، ثم استدل بفعل عثمان في شرائه لبئر رومة وجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين ، قال الإمام ابن حجر : (( أراد المصنف بالترجمة الرد على من قال : إن الماء لا يملك ))(2) ، فإذا ملك الماء جاز وقفه عند جماهير العلماء .
قال الإمام ابن خزيمة : (( إباحة حبس آبار المياه ))(3) .
- يستحب لصاحب الوقف أن يبين مصرف الوقف ، لأن هذا حق من حقوقه الشرعية ، وفي حالة الإبهام على ولي الأمر أن يجتهد في صرفه في الأنفع للواقف وحسب ما يفهم من المنافع العامة للوقف .
فعثمان - رضي الله عنه - ذكر أنه جعلها (( للغني والفقير وابن السبيل )) ، كما هو وارد في بعض مرويات الحديث .
__________
(1) فتح الباري : 5/29 .
(2) فتح الباري : 5/30 .
(3) صحيح ابن خزيمة : 4/119 .(1/33)
استدل الإمام البخاري بأحاديث وقف عثمان - رضي الله عنه - بما ذكره في ترجمة عناوين أبوابه وهذا نصه : (( باب إذا وقف أرضاً أو بئراً واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين ))(1) ، وشرح هذه الترجمة الإمام ابن حجر بقوله : (( هذه الترجمة معقودة لمن يشترط لنفسه وقف منفعة ، وقد قيد بعض العلماء الجواز بما إذا كانت المنفعة عامة ))(2) ، ولكن واضح من ترجمة الإمام البخاري أن الوقف يصح عاماً ويجوز لصاحب الوقف أن يشترط شرطاً لا يؤثر في صحة الوقف (( من اشتراطه لنفسه دلواً كدلاء المسلمين )) .
قال الإمام ابن خزيمة : (( إباحة شرب المحبس من ماء الآبار التي حبسها ))(3) .
- إذا أوقف الواقف وقفاً ولم يبين حدود الوقف كما هو الحال في مثل وقف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - ، يرجع في تحديد الحدود إلى النصوص الشرعية إذا كانت صريحة في ذلك ، ففي مثل هذا الوقف يعاد إلى ما جاء من نصوص شرعية في تحديد حرم البئر .
- إذا كان للوقف أرض أو مبان أو مستغلات تابعة له فهي جزء لا يتجزأ من الوقف ، ومصرف غلة هذه التوابع مصرف غلة الوقف ، فتنفق في مثل هذه الحال على الفقراء والمساكين وابن السبيل ، وقد يعود النظر إلى خليفة المسلمين في ذلك العصر ، فوقف عثمان - رضي الله عنه - في الدولة العثمانية كانت له غلال تنفق على الحرم النبوي الشريف ، وكذلك في العهد السعودي .
__________
(1) فتح الباري : 5/407 .
(2) المصدر السابق.
(3) صحيح ابن خزيمة: 4/121.(1/34)
- جواز الشهادة بصحة الوقف العام عند الحاكم الشرعي إذا كان الوقف معروفاً عينه ، مثل وقف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - بئر رومة ، وهذه الشهادة تسمى شهادة السماع ، وبهذا شهد نفر من أبناء المدينة لدى قاضي الشرع في المدينة المنورة ، وأجاز الحاكم الشرعي شهادتهم ، وأصدر صكاً شرعياً بإثبات وقفية سيدنا عثمان - رضي الله عنه - لبئر رومة وما حولها ، وهذا الصك محفوظ لدى إدارة الأوقاف في المدينة - وستأتي دراسته - وهذه الشهادة شهادة صحيحة ، يشهد بها كل مسلم مقيم في المدينة المنورة ، لأنهم يروون - جيلاً بعد جيل - أن هذا الوقف هو وقف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - من عدد كبير لا يمكن تواطؤهم على الكذب ، واستناداً إلى ما شهد به جمع غفير من الصحابة في عهد سيدنا عثمان - رضي الله عنه - ، ووصل إلى عصرنا بالأحاديث الصحيحة الشهيرة المعروفة عند العلماء .
- استحباب إثبات الوقف بالوسائل الشرعية المشروعة التي تحفظ عين الوقف من العدوان عليه ، فعثمان - رضي الله عنه - أشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة على وقفه عندما أعلن وقفه لبئر رومة سقاية للمسلمين ، وسمع ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكل من حضر من الصحابة فهذا (( إثبات بالشهادة )) ، وكرر هذا الإثبات عندما كان خليفة ، باستشهاد جمع غفير من الصحابة .
ويستحب إثبات الوقف بالكتابة أيضًا ، كما هو الحال في عصرنا وعصور إسلامية سالفة ؛ لأن الكتابة أبقى من الشهادة ؛ لذهاب أعيان المستشهد بهم ، وإن كان وقف عثمان - رضي الله عنه - ثبت بكتابة وتدوين الأحاديث النبوية الشريفة الخاصة به .
وقد فهم هذا العلماء من الأحاديث الواردة في بئر عثمان ، قال الإمام ابن حجر : (( يستحب الإشهاد على الوقف والصدقة ))(1) .
__________
(1) فتح الباري: 5/390.(1/35)
- الوقف يصبح وقفاً إذا صرح مالك الوقف بوقفه بأي صيغة تدل على الوقف ، قال العلماء : (( إن الوقف يتم بقول الواقف : (( جعلت هذا وقفاً )) أو بأي صيغة من الصيغ الدالة على الوقف ، كقول عثمان - رضي الله عنه - : (( فجعلتها للفقير والغني وابن السبيل ))(1) .
وفي لفظ آخر : (( قد جعلتها سقاية للمسلمين )) فهذه الألفاظ الصادرة من عثمان - رضي الله عنه - تدل على أنه جعلها وقفاً عاماً لكافة المسلمين .
- يستحب لولي الأمر كالملك والسلطان أو نوابهم كمدراء الأوقاف في عصرنا أن يحضوا أهل الغنى على الصدقات الجارية والأوقاف العامة ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الصحابة القادرين كافة في عصره إلى شراء بئر رومة من اليهودي وسمع هذه الدعوة جمع غفير من الصحابة .
- يستحب لولي الأمر ونوابه أن يعلنوا ذلك على الملأ كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين دعا دعوة عامة إلى شراء هذه البئر من صاحبها ، وفي عصرنا يمكن أن تستخدم وسائل الإعلام كافة ، مسموعة أو مقروءة أو مرئية .
- يستحب لولي الأمر إذا رأى أن هنالك مصلحة عامة محجرة غير مستفاد منها ، أن يدعو أهل الغنى إلى شرائها ، فهذا اليهودي قد احتكر هذا البئر ، والماء نفع عام لا سيما إذا كان عذباً ، ومثل ذلك الأراضي المشتراة للنفع العام ؛ كالمساجد والطرق ونحو ذلك .
- أن الصدقة العامة كالأوقاف العامة غير الأهلية لا تحتاج إلى قبول معين ، وأن للإمام أو نائبه قبولها وصرفها بما يراه من المصالح العامة .
__________
(1) فتح الباري: 5/408.(1/36)
- يجب على ولي الأمر أو نوابه المحافظة على الأوقاف العامة من الآبار والمساجد والدور الموقفة للصالح العام واستخراج الوثائق الثبوتية الخاصة بها ، ومنع العدوان عليها بأي صورة من الصور ، كهدم الآبار أو المساكن أو تملكها بالإحياء ونحو ذلك ، وهذا ما فعله ولاة المدينة المنورة في العصور الإسلامية كلها ، وفي دولتنا العظيمة في عصرنا بالمحافظة على آبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وآبار الصحابة كبئر عثمان وغير ذلك من المعالم والآثار النبوية أو الصحابية ، وكل معلمة لأي وقف عام ورثته عن الدول الماضية .
- يستحب لأصحاب الأموال الذين يريدون الوقف أن يختاروا الأوقاف ذات النفع العام الكثير كالدور والآبار التي تبقى دهوراً طويلة ، كما فعل عثمان - رضي الله عنه - في شرائه لبئر رومة التي بقيت من عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عصرنا الحاضر .
- استفاد بعض العلماء من أحاديث بئر رومة أن الصدقة والوقف يصح قبل القبض ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر عثمان على صدقته قبل قبضها ، وأن القبض ليس شرطاً بل يقع التملك بمجرد القول ، والإشهاد عليه ، لأن القبض أمر زائد عن التملك ، فله في حالة المنع الشكوى إلى قاضي المسلمين لتمكينه من عين الموقوف أو الانتفاع به .
- إذا أذن ولي الأمر لشخص ما أن يحفر بئراً في أرض الموات لقصد الارتفاق ، فإنه لا يملك هذه البئر ، لأن إذن ولي الأمر مخصوص بأن يجعلها وقفاً عاماً للناس كلهم .
- الماء يملك بمجرد الحصول عليه ، سواء أكان ذلك بالشراء أو الهدية ، فإذا ملكه جاز له التصرف به بشتى أنواع التصرفات كالوقف أو البيع أو الصدقة ونحو ذلك، فعثمان - رضي الله عنه - لم يتصرف بعين البئر بالوقف وإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد التملك بالشراء من صاحبها اليهودي أو المزني .(1/37)
- جواز تمكين أصحاب المواشي من الشرب من الآبار الموقوفة إذا كان ذلك لا يضر بالناس ، أما إذا قل الماء قُدِّم الآدمي على الحيوان .
يقول الإمام ابن حجر : (( جواز سقيا كل حيوان محترم لا يجوز قتله ، وله الأجر ، فإذا دار الأمر بين الإنسان والحيوان واستويا في الحاجة قدم الآدمي فهو أحق ))(1) .
- جواز تمكين الرعاة من الاستقاء من الماء وحمله معهم ؛ لأن هذا مما جرى به العرف في كل زمان ومكان ، إلا إذا كان الماء لا يسع الجميع فيمكن قسمته بينهم بالتساوي ، أو حسب ما يراه ولي الأمر أو القاضي ومن في حكمهم .
- الحث على الإحسان للإنسان وغيره كالحيوان ؛ لأن الله كتب الإحسان في كل شيء، لهذا لا يجوز منع المحتاج للماء من أخذه ، وعده النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبائر ، سواء أكان هذا الماء موقوفاً أو غير موقوف ؛ لأن الناس شركاء في الماء ، وهو نوع من الأنواع الثلاثة المذكورة في الحديث ، ولكن إذا كان الماء يباع وهنالك وفرة في المياه ، وكان هذا الماء عذباً مثلاً ، فيجوز له المنع حتى يبذل القيمة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ بئر رومة من اليهودي أو المزني قهراً ؛ لأن المياه كثيرة ومتوفرة في المدينة ، لكن ميزة هذه البئر عذوبة مائها .
- إن الوقف لا يصح إلا فيما له أصل دائم كالآبار والدور ، فدوام هذا الأصل لأجل الانتفاع به ، أما ما ليس له أصل يدوم الانتفاع به ؛ كالطعام فلا يصح وقفاً ، والمراد في مثل وقف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - ( البئر ) ؛ لأنها مصدر دائم للماء وليس الماء في حد ذاته ، مراداً فهو كالطعام ، قال الإمام ابن حجر في تعريفه للوقف : (( الوقف شرعاً : ورود صيغة تقطع تصرف الواقف في رقبة الموقوف الذي يدوم الانتفاع به ، وتثبت صرف منفعته في جهة خير ))(2) .
__________
(1) فتح الباري : 5/32 .
(2) فتح الباري: 5/403.(1/38)
- استدل الإمام السندي من قول عثمان - رضي الله عنه - في وقفه : (( من صلب مالي )) أنه يستحب للواقف أن يختار الغالي والنفيس ، ويبتعد عن الحقير الخسيس في الوقف والصدقة ؛ لأن عثمان - رضي الله عنه - أخبر أن هذا الوقف من صلب ماله ، وصلب المال كما فسره العلماء : (( أصل المال وخياره )) وعلى كل مسلم يود الوقف الاقتداء بهذا الخليفة الراشد في وقفه وحسن اختياره .
- جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتجاج ، وأنه ليس من المن المبطل للصدقة ، أفاد ذلك الإمام ابن حجر من محاجة عثمان - رضي الله عنه - لمحاصريه ، واستنشاده الصحابة في ذلك ، وأن هذا التحدث هو من التحدث بنعمة الله التي ندب الله الحديث عنها ، أما إن كان التحدث للمفاخرة أو للاستعلاء على الآخرين فمذموم شرعاً ، لأنه يصير من المن الذي يبطل الصدقات ، وهو نوع من الكبائر المحرمة شرعاً .
- يجب على من استُشْهِدَ لإثبات وقف أن يسارع بأداء الشهادة على وجهها ، حتى لا يأثم شرعاً ويكون من الكاتمين للشهادة ، لأن الله سبحانه وتعالى أمر الشهود بأداء الشهادة { وَلاَ يَأبَى الشُّهَدَاء إِذَا مَا دعُوا ... } الآية ، لا سيما إذا كان الداعي ولي الأمر أو نائبه كمدراء الأوقاف في شتى مناطق الدولة ، خاصة إذا كان هؤلاء الشهود لهم معرفة تامة في الوقف ، ولا يعلمه غيرهم ، فالشهادة واجبة عليهم بإجماع العلماء ، وهذه الفائدة أخذتها من استنشاد عثمان - رضي الله عنه - ، لأنهم تحملوا الشهادة حال وقف الواقف ، وأدوها كاملة عند الطلب .(1/39)
- جواز الوقف على أناس لا يحصون كثيروا العدد(1) ، والدليل على ذلك قول عثمان - رضي الله عنه - : (( فجعلتها سقاية للمسلمين )) ، وذلك أن الحبس إذا كان على قوم لا يحصون عدداً لكثرتهم جائز ؛ لأن منافع الوقف تعطى في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الصفة ، ولا شك أن قول عثمان في لفظ آخر : (( أبحتها لابن السبيل )) ، أن المسافرين عدد غير محصور قطعاً في كل زمان ومكان .
- جواز الوقف على قوم موهومين غير مسمَّين ، وفي سبيل الله ولابن السبيل ، من غير اشتراط حصة لأحد منهم ، والفرق بين هذه الفائدة وسابقتها أن الفائدة الماضية في جواز الوقف لعدد لا يحصون كثرة ، وفي هذه الفائدة يجوز على أناس غير مسمَّين كالفقراء والمسافرين والأغنياء وغيرهم ، والله أعلم .
في يوم السبت الموافق 12/10/1424هـ قمت بزيارة لفرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة ، وبمساعدة كل من المدير العام الأستاذ عبد الرحمن بن علي المويلحي ، ومدير إدارة الأوقاف الأستاذ حسين غالب ، حصلت على صور الوثائق التالية :
- صورة صك تملك للبئر ومزرعتها برقم 611 في 6/5/1386هـ .
- صورة كروكي الموقع .
- صورة لبعض صفحات عقد الإيجار الخاص بالبئر وأرضها المبرم مع وزارة الزراعة .
- سجل حصري لقيمة الإيجارات الخاصة بالبئر وغيرها من أوقاف الحرم .
- صورة من صك قديم للأرض مؤرخ بعام 1356هـ صادر من محكمة المدينة المنورة .
وهذه الصكوك الشرعية هي التي سأقوم بدراستها لأنها في نظري أول صكوك شرعية صدرت لإثبات وقفية بئر رومة من العصر النبوي حتى العصر السعودي .
وقد سألت الأستاذ حسين غالب عن صكوك عثمانية فقال : إنه طيلة مكثه في هذه الإدارة وتعامله مع الجهات القضائية لأكثر من أربعين عاماً لم يسبق أن سمع أو رأى أو علم عن أي صك آخر غير ما زودني به .
__________
(1) صحيح ابن خزيمة: 4/118، "مأخوذ من فقه أبوابه".(1/40)
وفي يوم الاثنين الموافق 28/10/1424هـ قمت بزيارة إلى قسم السجلات في المحكمة الكبرى ، واطلعت على سجل الوقفية الخاصة ببئر عثمان ، وتأكدت أن الصك مطابق للأصل ، وسجلت رقم الصك إذ لم يكن مدوناً ، ورقم الجلد ، والصفحات ، ورأيت قرار رئيس القضاة في هامش الصك بتوقيعاتهم الذاتية الحرة ، وسجلت أسماء القضاة الواضحة القراءة ، إذ لم تكن مدونة في الصورة الممنوحة لإدارة الأوقاف .
[ رقم الصك (55) سجل عام 1356هـ الصفحات (35-36) جلد واحد ]
الوثيقة الأولى
الصفحات ( 35-36 ) جلد واحد
صادرة من المحكمة الشرعية بالمدينة المنورة برقم (55) بتاريخ 20 ربيع الأول عام 1356هـ ، والمتضمن بيع العرصة الخاصة بها ، ووضع حكر عليها لمعالي الشيخ عبد الرحمن السليمان ، وزير المالية والدفاع بالمملكة العربية السعودية.:
(( وثيقة إثبات وقف : وبيع وحكر ))
لوقف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ( بئر رومة ) عام 1356هـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، أما بعد :(1/41)
فبناء على الاقتضاء توجهت بذاتي أنا : عبد الحفيظ ابن المرحوم الشيخ عبد المحسن كردي المدني ، نائب السيد : محمد زكي ابن المرحوم السيد أحمد برزنجي القاضي بمحكمة المدينة المنورة ، حالاً إلى عين الدار الكائنة بالعنبرية ، مقر صاحب الدولة الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية والدفاع بالمملكة العربية السعودية ، مستصحباً رئيس الكتاب علي حافظ ، وكاتب الضبط يوسف مدني ، وبعد الاستقرار فيها عقدت لديه مجلساً شرعياً ، فحضر في المجلس الشرعي المذكور سعادة مدير الأوقاف بالمدينة المنورة السيد : حسين طه ، وأنهى قائلاً : إن بئر سيدنا عثمان - رضي الله عنه - وقف عام لجميع المارة من المسلمين ينتفعون بها ، وإن العرصة التابعة للبئر المذكورة المعلومة بعينها المشهورة شهرة تغني عن تحديدها ، مع ما فيها من أنقاض وهي بركة وديوان ومرابط ، هي من جملة أوقاف الحرم الشريف النبوي ، وقليلة النفع ، نؤجرها تارة ، وتبقى خالية أخرى ، وذلك بموجب قيود الأوقاف ، وليس للعرصة المذكورة حجة شرعية ، وإنما لدي البينة على ذلك ، وقد استحسن حضرة صاحب المعالي والدولة وزير المالية والدفاع الشيخ: عبد الله السليمان ، هذا الحاضر أن يستحكر العرصة المذكورة بحكر سنوي وقدره ثلاثون ريالاً عربياً سعودياً سنوياً ، ويدفع قيمة الأنقاض الموجودة على العرصة ما عدا البئر ، فإنها وقف لعموم المسلمين كما ذكر آنفاً ، وقد اشترط على معاليه أن يبنى مظلة ليستظل بها المارة ، ويجري سبيلاً من ماء البئر العذب لشرب الصادرين والواردين ، ليلاً ونهارًا ، وتعهد بذلك ، وإن قيمة الأنقاض التي على القطعة المذكورة وهي البركة والديوان والمرابط هو ألف ومائة ريال عربي سعودي ، وحيث إن القطعة المذكورة قليلة النفع ، وإن الثلاثين ريال الحكر الذي سيفرض على القطعة المذكورة هو زيادة عن أجر مثلها في الوقت الحاضر فإني أسترحم إعطائي الإذن الشرعي في بيع الأنقاض والأبنية المذكورة(1/42)
بثمن المثل المذكور ، وقدره ألف ومائة ريال ، وتحكير أرضها بأجرة المثل وزيادة المبلغ المذكور لضرورة عمارة الخرب من أوقاف الحرم الشريف النبوي ، وإعطائي حجة شرعية بذلك للاستناد عليها وقت الحاجة ، وقد صادق على جميع ذلك معالي صاحب الدولة الوزير المومى إليه ، فقبل الشرط المذكور ، فحضر في المجلس الشرعي كل من الشيخ : عبد العزيز بن محمد الحجام ، والسيد : عباس بن السيد علوي السقاف ، وشهدا لدي شهادة معتبرة شرعاً قائلين : نشهد أن القطعة التابعة لبئر سيدنا عثمان - رضي الله عنه - المعلومة بعينها المشهورة شهرة تامة تغني عن تحديدها مع الأنقاض التي عليها وهي بركة وديوان ومرابط من جملة أوقاف الحرم الشريف النبوي ، وهي قليلة النفع ، وإن مبلغ ثلاثين ريالاً سعودياً عربية ، هي زيادة عن أجر مثلها في الوقت الحاضر ، كما أن قيمة مثل أبنية وأنقاض القطعة المذكورة هي ألف ومائة ريال سعودية ، وإن تحكير أرض القطعة المذكورة بالثلاثين الريال المذكورة من معالي وزير المالية الأفخم وبيع أنقاضها بثمن المثل المذكور فيه نفع وغبطة لجانب الأوقاف ، حيث إن الثلاثين هي زيادة عن أجرة المثل في الوقت الحاضر ، لا سيما وقد شرط على معالي الوزير بناء مظلة للمارة ، وإيجاد سبيل ماء من ماء البئر العذب لشرب الصادرين والواردين ليلاً ونهاراً ، وأنه سيعمرها ويحيها ، هكذا نشهد لله تعالى .(1/43)
ثم صار تزكية الشاهدين المذكورين سراً وعلناً من كل الشيخ : عبد العزيز وحمد الخريجي وفق الأصول ، وبناء على شهادة الشاهدين المذكورين المعدلين طبق القواعد الشرعية ، تحقق لدي أن قطعة الأرض التابعة لبئر سيدنا عثمان - رضي الله عنه - المعلومة بعينها المشهورة شهرة تامة تغني عن تحديدها هي مع أنقاضها وأبنيتها من جملة أوقاف الحرم الشريف النبوي ما عدا البئر فإنها وقف لعموم المسلمين ، وأن مبلغ ثلاثين ريالاً سعودياً هي زيادة عن أجر مثلها في الوقت الحاضر ، وأن قيمة أبنيتها وأنقاضها التي هي عبارة عن بركة وديوان ومرابط ألف ومائة ريال سعودية ، وأن تحكير قطعة الأرض المذكورة بالثلاثين الريال المسطورة من معالي وزير المالية والدفاع وبيع أنقاضها وأبنيتها المذكورة منه بثمن المثل المذكور فيه نفع لجانب أوقاف الحرم ، فعليه أذنت لمدير الأوقاف السيد : حسين طه هذا الحاضر بتحكير أرضها بالحكر المسطور سنوياً ، وبيع أنقاضها بالثمن المذكور ، ما عدا البئر فإنها وقف للمسلمين كما ذكر آنفاً ، وذلك لضرورة صرف القيمة في عمارة الخرب من أوقاف الحرم ، وشرطت على معالي الوزير المومى إليه بناء مظلة ، وإجراء سبيل من ماء البئر العذب لشرب المارة ليلاً ونهارً [ وتعهد المذكور بما هو مسطور بالواقع ] سجل وبالطلب كتب وحرر في عشرين ربيع الأول سنة ست وخمسين وثلاثمائة وألف .
طبق الأصل
المحكمة الشرعية
1346هـ المدينة المنورة
[ ختم المحكمة ]
الوثيقة الثانية
(( نص قرار رئيس القضاة بنقض حكم تحكير أرض بئر عثمان وبيع أنقاضها المهمش في أعلى الصك الماضي ))
عدد: 217 ، تاريخ 22/8/1356هـ(1/44)
بالاطلاع على هذا الصك الصادر من محكمة المدينة الشرعية وجد الإذن لمدير الأوقاف السيد : حسين ، ببيع أنقاض البركة والديوان والمرابط التابعة لبئر عثمان - رضي الله عنه - التابعة لأوقاف الحرم النبوي بمبلغ ألف ومائة ريال سعودي ، وتحكير أرضها بمبلغ ثلاثين ريالاً على معالي وزير المالية لضرورة صرف القيمة في عمارة الخراب في أوقاف الحرم غير صحيح لما يأتي :
الأول : أن المنصوص عليه أن الوقف لا يجوز بيعه إلا إذا تعطل نفعه وهذا لم يحصل .
ثانياً : أنه لا يجوز بيع وقف لتعمير آخر إلا إذا تعطل نفعه ، واتحد الواقف والجهة .
فلذا جرى نقض هذا الإذن ، وعلى هذا حصل التوقيع ، 22 شعبان سنة 1356هـ .
عضو ... عضو ... عضو ... عضو ... رئيس القضاة
توقيع ... الختم ... توقيع ... الختم ... الختم
سليمان حمدان ... (غير واضح الاسم) ... محمد عبد الرحمن أبو حسين ... (غير واضح الاسم) ... عبد الله بن حسن
مقيد السجلات ... رئيس الكتاب
علي حافظ
الوثيقة الثالثة
صك إثبات لوقف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - (( حجة استحكام ))
بئر رومة في عام 1386هـ
عدد/611 صحيفة/ 83 جلد 4 في 6/5/1386هـ (( نص الوقفية ))(1/45)
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، فبالمجلس الشرعي المعقود لدي أنا : محمد الحافظ بن موسى حميد ، القاضي بالمحكمة الشرعية الكبرى بالمدينة المنورة التي يرأسها فضيلة الشيخ : عبد العزيز بن صالح ، حضر مدير أوقاف المدينة المنورة بالنيابة السيد : حبيب بن السيد محمود أحمد ، وأنهى بأن الثلاثة البساتين الكائنة الأولى : بجزع الصدفة المسماة بالأندلس ... ، والثانية : المسماة بالربخية الكائنة بجزع الجرف ... ،(1/46)
والثالثة : المسماة بئر أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - المحدودة قبلة : الشارع الفاصل بينها وبين بستان آل مدني ، وشمالاً : بمسيل وادي العقيق ، وشرقاً : البعض ليوسف الأنصاري وتمام الحد الشارع الفاصل بينها وبين بستان الأزهري ، وغرباً : بمسيل وادي العقيق ، المذروعة قبلة من شرق إلى غرب مائة وواحد وخمسون متراً وربع المتر ، ثم يتجه شمالاً بطول اثنا عشر متراً ثم يتجه نحو الغرب بطول مائة وثلاثة عشر متراً ونصف المتر وهو تمام الحد ، وشمالاً من الشرق للغرب مائة وخمسة وسبعون متراً ، وشرقاً : من قبلة إلى شمال أربعمائة واثنان وخمسون متراً ونصف المتر ، وغرباً من قبلة إلى شمال خمسمائة متر ، والثلاثة البساتين المذكورة من جملة أوقاف الحرم النبوي الشريف ، وتحت يد أوقاف المدينة المنورة ونظرها منذ عهد حكومة الأتراك ، بدون معارض لها فيها ولا منازع ، وطلب تحرير حجة استحكام حيث لم يكن لها حجة شرعية قديمة وإنه جرى الاستفسار من الدوائر الحكومية الرسمية والإعلان عنها من قبل مجلس الإدارة وعلى صفحات جريدة المدينة المنورة ، فلم يظهر في ذلك أي معارض ، وذلك حسب ما يتضح من أوراق المعاملة المقيدة بأساس هذه المحكمة بعدد ( 6700 ، في 8/6/1385هـ ) ، ولدى الاطلاع على أوراق المعاملة وجدت مقيدة بأساس هذه المحكمة بالرقم والتاريخ المذكورين أعلاه ، ومضمونها مطابق لما ذكر ، وبطلب البينة من المنهى المذكور أحضر للشهادة وأدائها كل من : بكر عبد الجواد ، وأسعد بن صالح شامي ، ومحمد علي سعد ، ولدى استشهادهم قرر كل منهم قائلاً : أشهد أن البستان المسماة بالأندلس الكائنة بجزع الصدقة ، والبستان المسماة بالربخية الكائنة بالجرف ، والبستان المسماة (( بئر عثمان )) ، وحدد كل منهما هي أي الأماكن المذكور من جملة أوقاف الحرم النبوي الشريف وتحت يد مديرية الأوقاف بالمدينة منذ عهد حكومة الأتراك ، بدون معارض لها فيها ولا منازع ،(1/47)
هكذا أشهد لله تعالى ، فأجريت تزكية الشهود المذكورين وفق الأصول الشرعية ، ثم حضر مهندس الأوقاف عبد الرحمن جزائري وقرر بأنه أجرى ذرعة البساتين المذكورة ، ويصادق على ذرعتها طبق ما هو مشروح بعاليه ، غب ذلك صدر القرار مني بما نصه : (( بناء على شهادة الشهود المعدلين وفق الأصول الشرعية ، ثبت لدي أن البساتين الثلاثة ( الأندلس ، والربخية ، وبئر عثمان ) المحدودة والمزروعة بعاليه هي من جملة أوقاف الحرم النبوي الشريف ، وتحت يد مديرية أوقاف المدينة وتصرفها منذ عهد حكومة الأتراك بدون معارض لها في ذلك ولا منازع ثبوتاً صحيحاً شرعياً ، وما هو الواقع حرر في السادس من شهر جمادى الأولى لسنة ست وثمانين وثلاثمائة وألف من هجرة من له العز والشرف سيدنا محمد ? وآله وصحبه وسلم .
القاضي بالمحكمة الشرعية الكبرى
بالمدينة المنورة
[ خاتم القاضي وتوقيعه ]
وفي أعلى الصك سجل النص التالي:
(( إن الختم المبصوم بذيل هذا الصك هو ختم فضيلة الشيخ محمد الحافظ ))
رئيس المحكمة الكبرى بالمدينة المنورة وتوابعها
ختم المحكمة الكبرى ... ... ختم الشيخ عبد العزيز بن صالح
ثانياً : (( التهميشات على ظهر الصك )) :
وفي ظهر الصك هذه الشروحات : (( شروحات المحكمة الشرعية بالمدينة المنورة ، صك استحكام الأوقاف الثلاثة بستان الربخية وبئر عثمان والأندلس ونظم هذا الصك المؤرخ في 6/5/1386هـ في الضبط الخامس لعام 1385هـ ، وصحيفة (71) وقوبل وبيض .
سكرتير القاضي ... مدير الشؤون الإدارية
توقيع ... توقيع
وكتب أيضاً: "غير قابل للتمييز" ... المسجل
[ وشروحات أخرى من قبل إدارة الأوقاف]
الوثيقة الرابعة
صك إقرار المستأجر وقف الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - صادر من كتابة العدل عام 1355هـ، عدد (91) (( المعروف ببئر رومة ))
إقرار(1/48)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين ، أما بعد : فقد حضر لدي أنا : محمود سندي بن أحمد كاتب عدل المدينة المنورة صالح بن عباس سندي وأقر بطوعه واختياره حال صحة وكمال وعقل وجواز تصرفاته الشرعية بحضرة المحترم السيد : حسين طه مدير الأوقاف بالمدينة المنورة قائلاً : بناء على العريضة المقدمة لوكالة الإمارة الجليلة المحالة لمديرية الأوقاف في الحادي والعشرين من ربيع الآخر لسنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف ، وعدد ألفين وسبعمائة وسبعة وستين ، والكشف المحرر عليها من قبل الهيئة للكشف المؤرخ في الثالث عشر من جمادى الآخرة لسنة أربع وخمسين المذكورة وتعهد بإحداث غرفة للمكينة على بئر مزرعة سيدنا عثمان رحمه الله تعالى الكائنة ظاهر المدينة المنورة وقف الحرم الشريف النبوي التي استأجرها من مديرية الأوقاف بالمدينة المنورة بأجرة قدرها مائتان واثنتان وأربعون قرشاً سعودياً ، ووضع مكينة في الغرفة المذكورة لسقي المزرعة المذكورة بسهولة بشرط أن يكون حفر محل الغرفة المذكورة جانب البئر المذكورة من الجهة الشرقية ولا يمس طيء البئر ، بل تفتح لها طاقة لأجل تركيب الطلومة من الأسفل قريباً للماء ويحفظ ( كذا ) الطاقة بالجهة ( كذا ) ، من الجهة القبلية الشرقية أيضاً ، وأن لا يضر بالبئر شيء وإن ما أحدثته في البئر والمزرعة وتوابعها ومساكنها من تعمير وترميم أو غير ذلك جميعه ملحقاً بالوقف ليس لي حق المطالبة بشيء من ذلك ، وأنه إذا حصل خلل أو خراب في البئر المذكورة أكون ملزماً بتعمير ذلك ، تبرعاً مني لجانب الوقف المذكور فلا طلب ولا دعوى فصادقه على جميع ما شرح السيد حسين المومى إليه وإقراره وإذنه بما هو محرر أعلاه على الوجه المشروح وسماع الإقرار من المقر المذكور ومصادقة السيد : حسين عليه بحضور كل من يوسف بن جلال هندي وعثمان حمد الله سندي صار تحرير هذا الصك من قبلي وسجل بعد تلاوته عليها بحضور الشاهدين(1/49)
المذكورين الموقع كل منهما إمضاؤه الذاتي وصدق المقرر على إقراره ووقع إمضاءه الذاتي وصدق السيد حسين على جميع ما شرح ووقع إمضاءه الذاتي أعلى هذا السجل ولذا أصدق من قبلي لاعتماده طبق الأصول تحريراً في اليوم الثامن عشر من شهر ربيع الأول لسنة خمس وخمسين وثلاثمائة وألف .
نسخة ثانية ... التاريخ: 18/3/1355هـ ... التوقيع وختم كتابة العدل
هذه دراسة موجزة للوثائق التي حصلت عليها الخاصة بوقف الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - على ضوء علم التوثيق الشرعي وعلم التوثيق العام التاريخي المعروف (( بعلم الدبلوماتيك العربي )) .
وقد قسم علماء التوثيق عموماً الوثيقة القديمة إلى أجزاء وصيغ وحصروا أجزاءها الرئيسة في أربعة أنواع هي :
أولاً : الرسم الافتتاحي ، ويطلق عليه عند علماء التوثيق العاصر (( بالبروتوكول الافتتاحي )) .
ثانياً : النص ، والمراد به : النص الكامل لمضمون (( وثيقة الإثبات ، وهو يماثل (( التصرف القانوني في أنواع الوثائق الأخرى عند علماء الدبلوماتيك )) .
ثالثاً : الرسم الختامي ، ويطلق عليه علماء التوثيق المعاصر (( البروتوكول الختامي )) .
رابعاً : علامات الصحة والتوثيق .
وكل نوع من هذه الأنواع يحتوي على أقسام عدة ، داخل كل جزء من أجزائها .
وهذا تطبيق عملي لما ذكرته ، مع ذكر أمثلة مستقاة ومنتفاة من الصكوك الشرعية الخاصة بوقف سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ( بئر رومة ) الماضي ذكر نصوصها .
الجزء الأول : الرسم الافتتاحي للوثيقة :
وهو أول أقسام الوثيقة الشرعية ويتضمن عدة أقسام ، هي :
أ - الافتتاحية : وقد جرى العرف الشرعي منذ بداية صياغة الوثائق الشرعية وطيلة العصور الإسلامية أن تفتح بالبسملة والحمدلة ، والصلاة والسلام على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .(1/50)
يقول العلامة الصولي : (( إن قريشاً في الجاهلية كانت تكتب (( باسمك اللهم )) وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك ، ثم لما نزلت سورة النمل كتب (( بسم الله الرحمن الرحيم ))(1) ، وهذا واضح في كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك وغيرهم ، والوثائق الوقفية التي وصلت لنا بسند صحيح إلى عصرنا الحاضر كوقفية عمر بن الخطاب وغيره .
ويقول القلقشندي : (( استحباب الابتداء بالبسملة فيما يكتب به من أصناف المكاتبات والولايات وغيرها وعلى هذا مصطلح كتاب الإنشاء في القديم والحديث ))(2) .
ثم بعد البسملة تأتي (( الحمد لله )) ، وهذا أمر متفق عليه منذ القدم ، لأن الحمد ثناء على الله - عز وجل - .
ثم بعد ذلك يؤتى (( بالصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وصحبه الكرام في أوائل الوثائق الشرعية منذ العصور الأولى ، وأول مَن كتبها هارون الرشيد ))(3) .
وهذا هو المعمول به إلى اليوم عند القضاة وكتاب التوثيق في المملكة العربية السعودية ، لذا صدَّر كاتب الوثيقة الأولى وثيقته بقوله : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين .
__________
(1) أدب الكاتب : ص 20 .
(2) صبح الأعشى: 6/211.
(3) أدب الكاتب: ص 29.(1/51)
ب - الوالي الشرعي الذي قام بإصدار الوثيقة الشرعية ، أو الأمر بإصدارها ، لأنه في الغالب - كما هو معلوم في كافة العصور الإسلامية - أن لكل قاض مجموعة من الكتبة الذين يتولون كتابة المحاضر والصكوك ، ولا بد أن يذكر القاضي اسمه كاملاً ، وقد يذكر رئيس المحكمة التابع لها ، أو يكتفي بذكر المحكمة فقط ، حسب سعة نطاق المحكمة وولايتها ، ففي الوثيقة الأولى : ذكر اسمه صريحاً فقال : (( أنا - أي القاضي - عبد الحفيظ بن المرحوم الشيخ عبد المحسن كردي المدني ، نائب السيد محمد زكي بن المرحوم السيد أحمد برزنجي )) ، ثم ذكر المحكمة الشرعية التابع لها فقال : (( بمحكمة المدينة المنورة )) وفي الوثيقة التالية : ذكر القاضي اسمه صريحاً وهو (( القاضي محمد الحافظ بن موسى حميد )) ثم ذكر رئيس المحكمة الذي يعمل فيها فقال : (( القاضي بالمحكمة الشرعية الكبرى التي يرأسها فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح )) لذا اعتبره علماء التوثيق (( الفاعل القانوني لسائر التصرفات القانونية )) ، لذا لا بد من ذكر القاضي ، فقد نص الفقهاء وعلماء التوثيق الشرعي أنه لا بد من ذكر اسمه الصريح المشهور به ؛ لأن القاضي نائب عن ولي الأمر ، وولي الأمر هو الذي أذن له بالقضاء ، فلو لم يأذن له ويعينه قاضياً ، لأضحت كل تصرفاته باطلة ، لأنه أصبح في مثل الحال افتئاتاً على ولي الأمر ، أو طفيلياً على الولاية ، وإذا لم يأذن له ولي الأمر لم تصح ولايته .(1/52)
وإذا بطلت ولايته بطلت تصرفاته ؛ لأن من المبادئ المقررة في القضاء لدى فقهاء الشريعة جواز تحديد الولاية القضائية وتخصيصها نوعاً ومكاناً وذلك مراعاة لمصالح ظاهرة تعود على عموم المتقاضين وحكوماتهم ، وقد وردت نظم القضاء في المملكة مراعية لهذا المبدأ(1) في عصرنا الحاضر ، فيما يمكن أن أطلق عليه (( المصطلح السعودي في التوثيق )) ؛ لأن كل عصر من العصور الإسلامية اشتهر بنوع من المصطلحات ، حتى ألف فيه الإمام ابن فضل العمري كتابه المعروف (( بالمصطلح الشريف )) ، فهذا مصطلح العصر العباسي ، وهذا المملوكي ، وهذا العثماني ، وأخيراً السعودي ، ففي العصور الماضية كان القاضي يقرن اسمه بمجموعة من الألقاب الفخرية مثل : (( قاضي القضاة ، سلطان الفقهاء والحكام ، محرر القضايا والأحكام ... الخ )) ، فهذه الألقاب معروفة وخاصة في العصر المملوكي وما بعده ، أما في عصرنا الحاضر فيكتفي القاضي بما ذكرته أعلاه فقط، ولا يزيد عليه شيئًا ألبتة .
الجزء الثاني : النص الكامل توابعه :
وهذا ثاني أقسام الوثيقة الشرعية ويشتمل على : مقدمة النص ، العرض ، الاستشهاد ، وهو يساوي : التصرف القانوني في الأجزاء الأخرى من الوثائق الدبلوماتية الخاصة ، ولهذا يعتبر هذا القسم أهم أجزاء الوثيقة على الإطلاق ، وهذا تطبيق عملي على الوثائق الخاصة ببئر عثمان - رضي الله عنه - .
أولاً : مقدمة النص : وهو في العادة نص إنشائي متكامل ، ففي العصور القديمة يُشترط فيه البلاغة ، ويتضمن هذا النص عرض واف وشاف لطلب صاحب الدعوى أو الملكية ، ومبررات الطلب ، أو مبررات التصرف القضائي من صاحب الطلب ، ولماذا تقدم بهذا الطلب إلى الحاكم الشرعي ؟
وهذه أمثلة مستقاة من الوثائق الشرعية المدروسة :
الوثيقة الأولى تضمن الطلب ما يلي :
إنهاء مدير الأوقاف في عصره إثبات وقف سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - .
__________
(1) القضاء في المملكة العربية السعودية : ص 198 .(1/53)
طلب الإذن له من الحاكم الشرعي ببيع أنقاض البئر .
طلب الإذن له بتحكير أرض وعرصة بئر سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - .
ثانياً : العرض : ويقصد به المبررات الخاصة ، أو الأسباب المباشرة التي تؤدي إلى إخراج الوثيقة ، ويطلق عليه في الاصطلاح : (( المسوغ الشرعي لصياغة الوثيقة وإعطاء صورة منها )) ، وهو في الحقيقة (( ملخص أمين لإجراءات الدعوى والحكم )) .
ويجب أن يحتوي النص على ما يلي :
أ - تحقيق عدم وجود وثائق أصلية سابقة .
ب - إثبات الملكية بالبينة العادلة .
جـ- الإذن بالكتابة .
د - تحديد العين .
هـ- الحكم القضائي .
وهذا تطبيق عملي من خلال وثائق (( بئر عثمان )) فالقاضي قُدم له طلب من مدير الأوقاف ، يطلب فيه إثبات العين المراد إثباتها (( بئر عثمان )) وذلك بموجب شهادة السماع ، ومنحه صكاً شرعياً لها ، حتى يتمكن من بيع أنقاضها ، وتحكير أرضها .
والقاضي طلب البينة العادلة ؛ فأحضر الشهود الذين يعرفون العين تمام المعرفة ، ثم طلب التزكية لهم ، فزكاهم بعض العدول الذين يعرفونهم تمام المعرفة ، ثم تم تحديد عين البئر والعرصة التابعة لها .
ثم بعد ذلك صدر منه الحكم القضائي وهذا نصه :
بناء على شهادة الشاهدين المذكورين المعدلين طبق القواعد الشرعية، تحقق لدي أن قطعة الأرض التابعة لبئر سيدنا عثمان - رضي الله عنه - المعلومة بعينها ، المشهورة شهرة تامة تغني عن تحديها هي وأنقاضها وأبنيتها من جملة أوقاف الحرم النبوي الشريف ما عدا البئر فإنها وقف لعموم المسلمين .
أن مبلغ ثلاثين ريالاً سعودياً هي زيادة عن أجر مثلها في الوقت الحاضر .
أن قيمة أبنيتها وأنقاضها التي هي عبارة عن بركة وديوان ومرابط ألف ومائة ريال سعودية .
وأن في تحكير قطعة الأرض المذكورة بالثلاثين الريال المسطور... فيه نفع لجانب أوقاف الحرم .
هذه خلاصة الحكم القضائي الشريف .(1/54)
ثم صدر منه الحكم بالإذن بتحكير الأرض بعد إثبات ملكيتها ، لأنه لو لم تثبت ملكية الأرض لم يجز البيع ولا التحكير قطعاً .
ثم أصدر صكاً شرعياً ، ولا بد من تمييز هذا الصك ؛ لأن جميع ما له علاقة بالأوقاف لا بد من تمييزه كما نصت عليه الأنظمة المرعية ، لذا رفع الصك الشرعي إلى رئاسة القضاء ، فجاء الحكم من رئاسة القضاء بما ملخصه :
إثبات ملكية الأرض ووقفها ، وأنها من جملة أوقاف الحرم وغيره .
نقض الإذن الصادر من القاضي ، لأنه غير صحيح للمبررات والأسباب المذكورة في قرار رئاسة القضاء المهمشة في سجل الصك الموجود بالمحكمة الشرعية الكبرى بالمدينة المنورة ، ومرفق صورة منه ، فلتراجع .
الجزء الثالث : الرسم الختامي (( البروتوكول الختامي )) :
وهو آخر أجزاء الوثيقة ويشتمل على الفقرات الختامية وتاريخ الوثيقة ، وفي القديم بعض العبارات الدينية وتوقيعات الشهود وختم القاضي والمحكمة .
وهذا كله واضح جليّ في الوثائق المرفقة كلها ، ما عدا العبارات الدينية فكان في المصطلح القديم يكتب القاضي عبارات اصطلح عليها واتخذها لنفسه حتى أصبحت علامة عليه مثل (( حسبي الله )) (( عفى الله عنه )) ونحو ذلك ، وغالباً ما تختم الصكوك الشرعية الصادرة بالمملكة العربية السعودية منذ تأسيسها بذكر التاريخ والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله وصحبه .
الجزء الرابع : علامة الصحة والتوثيق :
من المصطلح عليه ، أن يذيل القاضي الصك الشرعي بتوقيعه الذاتي ، وختم خاص به ثم ختم المحكمة هذا الذي نصت عليه الأنظمة القضائية المرعية في المملكة العربية السعودية ، ولكن لاحظت في الصك الأول أن ختم المحكمة والختم الخاص بالقاضي ، قد جعلا في أعلى الصك على ما هو جار عليه العمل في العصر العثماني ، أما في الصك الثاني والأخير فهما على المصطلح المعمول به الآن .
هذه بعض الوقفات التي ظهرت لي من خلال الاطلاع على صكوك الوقف:(1/55)
1- أحكام الشريعة الإسلامية المرجع الأساسي لجميع الأحكام القضائية في المملكة العربية السعودية :
ففي هذه القضية العينية المنظورة في محكمة المدينة المنورة نجد أن كل الصكوك التي صدرت منها صدرت وفق أحكام الشريعة الغراء ، لذا نصت المادة الأولى من نظام المرافعات الشرعية على ما يلي : (( تطبق المحاكم الشرعية على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية ، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة... ))(1) .
ولما كان الإذن الصادر في بيع أنقاض وأبنية بئر عثمان وتحكير أرضها مخالفاً للمنصوص عليه من أقوال الفقهاء والمعمول به في المملكة العربية السعودية لم يتردد رئيس القضاة في نقضه ، وإبطال الحكم الصادر من قاضي المدينة المنورة في ذلك الوقت وفي هذه القضية ، وقد استجاب القاضي لذلك ولم يجادل ، وشرح نقض الحكم في سجل الأحكام وهو باق إلى اليوم .
2 - مبدأ تسبيب الأحكام القضائية :
إن بيان أسباب الحكم أو النقض من أهم المبادئ العظيمة التي يقوم عليها القضاء في الإسلام ، وهذا ما طبقته السلطة القضائية في المملكة العربية السعودية ، وهذا واضح جلي في قضية الإذن بتحكير أرض وعرصة بئر عثمان - رضي الله عنه - ، فلما أذن القاضي ببيع الأنقاض وتحكير الأرض ، ورفع الصك إلى رئيس القضاة في ذلك الوقت قام بنقضه موضحاً أسباب النقض .
3- مبدأ تمييز الأحكام :
__________
(1) مجلة العدل ، العدد (15) "اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية" : ص 120 .(1/56)
إن مبدأ تمييز الأحكام الصادرة من القضاة من قبل جهة عليا مبدأ سارت عليه المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها ، وهذا نوع من أنواع تعدد المحاكم الشرعية رأسياً ، لأجل مراجعة الأحكام الشرعية من علماء متمرسين أمضوا جل حياتهم في الأعمال القضائية ، وإلى هذا أشار كتاب القضاء في المملكة العربية السعودية حيث يقول : (( لما كان نظر الملك عبد العزيز - رحمه الله - قد اتجه منذ تأسيس المؤسسات القضائية وتقريره لأنظمته إلى إيجاد جهة عليا تعنى بترقيق الأحكام وتمييزها احتياطاً لها ، وكان ذلك العمل مناطاً بالهيئة المشرفة على القضاء ، ثم برئاسة القضاة ، ثم ظهرت الحاجة إلى تخصص محكمة مستقلة تقوم بتمييز الأحكام ومراجعتها والنظر فيها، فصدر توجيه الملك سعود - رحمه الله - بتأسيس محكمة التمييز في الرياض عام 1381هـ وافتتاع فرع لها في مكة المكرمة ))(1) .
وتطبيقاً لهذا المبدأ العظيم ، تم نقض الإذن الصادر من قاضي المدينة المنورة بتحكير أرض وعرصة بئر عثمان وبيع أنقاضها، بالقرار رقم (217) الصادر في 22/8/1356هـ الصادر من فضيلة رئيس القضاة في عصره الشيخ/ عبد الله بن حسن آل الشيخ ، وعضوية أربعة من القضاة ، وتسجيل هذا القرار بجانب الحكم القضائي بالتواقيع الذاتية للقضاة كما هو مبين في الصفحة ؟؟؟؟ من تسجيل عام 1356هـ ، المحفوظ في سجلات محاكم المدينة المنورة .
4- مبدأ تعدد المحاكم الشرعية والدوائر القضائية وتاريخها وتطورها :
هذا المبدأ العظيم يهدف إلى تسهيل المهمة القضائية على القضاة وأصحاب القضايا ، مع ضمان العدالة القضائية ، وتسهيل الخدمات ، وسرعة إنهاء الخصومات المعروضة أمام المحاكم ، وبذل الخدمات التوثيقية للمستفيدين في إجراءات دقيقة وسريعة ، وانطلاقاً من هذه المبادئ العظيمة والمهام الجليلة والأهداف السامية التي تضمنتها الأنظمة السعودية وأهداف وزارة العدل الجليلة ، نلاحظ ما يلي :
__________
(1) ص: 90.(1/57)
أ - إحداث المحاكم الشرعية في مناطق المملكة العربية السعودية كافة بعد توحيدها وقبل التوحيد أيضاً ولهذا تعتبر محكمة المدينة المنورة من أوائل المحاكم الشرعية التي استحدثت في المملكة العربية السعودية ، كما يلاحظ من ختم المحكمة الموجود على ختم الصك ؛ إذ هو مؤرخ عام (1346هـ) وذلك تطبيقاً للأمر الملكي الكريم رقم 140 في 21/2/1346هـ المتضمن نظام تشكيل المحاكم الشرعية وتحديد اختصاصاتها ووظائفها ومما تضمنه ذلك الأمر الكريم (( إنشاء محكمة شرعية ومحكمة للأمور المستعجلة في المدينة المنورة )) .
ب - إحداث كتابة عدل في المدينة المنورة ، وهذه الإدارة هي التي تولت إصدار وثيقة الإقرار (المرفقة) المؤرخة في 18/3/1355هـ .
جـ - تطور محكمة المدينة المنورة إلى المحكمة الشرعية الكبرى وتوابعها في المناطق التي تندرج تحت سلطتها ، وهذه المحكمة في هذا الطور هي التي أصدرت صك التملك رقم (55) وتاريخ 20/3/1356هـ الخاص بإثبات وقفية أرض سيدنا عثمان - رضي الله عنه - المشهورة (( بئر عثمان )) .
ثم بعد ذلك تطورت إلى مسمى (( رئاسة المحاكم الشرعية )) كما هو الواقع الآن ، وتشتمل على عدد من المحاكم الشرعية والدوائر القضائية وغيرها .
6- إصدار الصكوك الشرعية ومجانيتها وتطورها :
إصدار الصكوك الشرعية من نسخ عدة عرف من العصر الأموي على يد القاضي سليم بن عتر (75هـ) ؛ إذ تبقى نسخة في ديوان القاضي ، والأخرى تسلم إلى صاحب الدعوى ، وجرى العمل على هذا إلى عصرنا الحاضر ، ومنذ أن تكونت المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز أصبحت المحاكم تصدر الصكوك الشرعية بمختلف أنواعها ، وتلاحظ في الصكوك الأولى لوقفية عثمان - رضي الله عنه - بئر رومة أن الصكوك صدرت باسم : (( الحكومة العربية الحجازية )) أما الصك الثاني فقد كان بعد توحيد المملكة العربية السعودية ، فقد صدر باسم (( المملكة العربية السعودية )) .(1/58)
أما بصدد مجانية الصكوك كانت الصكوك الشرعية تصدر برسوم محددة كما نص عليها نظام كتاب العدل الصادر بالأمر السامي رقم 11083 وتاريخ 19/8/1364هـ ، الفصل السادس ، المواد (22-34) ، ثم ألغيت هذه المواد .
كما يلاحظ الدارس تطور الصكوك الشرعية من الناحية الورقية فقد كانت تصدر بأوراق عادية في أول العهد السعودي لقلة الورق في ذلك العصر ، ومن نسخة واحدة ، ثم بعد توحيد المملكة العربية السعودية أصدرت صكوكاً شرعية ذات قيمة بورق ذي مواصفات خاصة من الورق القوي الذي يمكن الاحتفاظ به لمدة طويلة دون تمزق ، ولا زالت الدراسات جارية في جلب أنواع من الورق المقوى السميك المرن الذي يمكن الاحتفاظ به لمدة أعوام طويلة بدون تلف .
7 - اهتمام المملكة العربية السعودية بالأوقاف العامة والخاصة :
إن هذا الاهتمام واضح جلي ، يجعل الإشراف على الأوقاف منذ تكوين الدولة السعودية المعاصرة على يد الملك عبد العزيز - رحمه الله - للمحاكم الشرعية ، وهذا يقوم على المبدأ الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية في تحكيم الشريعة الإسلامية في شؤونها كلها ، لهذا كله أصبحت المحاكم الملجأ الآمن الذي يسارع إليه النُّظَّار وغيرهم في الحفاظ على مملكاتهم الوقفية ، وكذلك الدوائر الحكومية المعنية في الوقف العام كما هو الحال في وقف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - ، ولو ترك الحبل على الغارب لاختفت كثير من الأوقاف العظيمة التي نراها اليوم شاهدة بنزاهة القضاة وحرص الدولة - أعزها الله - على حفظ الأموال والممتلكات الوقفية لأناس درجوا من عصور ماضية ، ولهذا رأينا في وقفية سيدنا عثمان أن رئيس القضاة نقض الحكم الشرعي لما رآه غير موافق لمصلحة الوقف ، ومخالف للمنصوص عليه في الفقه الإسلامي .
8 - اهتمام المملكة العربية السعودية بتسجيل الأوقاف وحصرها وحفظها :(1/59)
إن معرفة عين الأوقاف واستخراج الوثائق الشرعية الخاصة بها ، سواء أكانت أوقافاً عامة أم أهلية ، من الأمور التي اهتمت بها حكومة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها ، وأبلغت مدراء الأوقاف في المناطق كافة ضرورة استخراج الوثائق الثبوتية لها ، وهذا ما فعله نائب رئيس الأوقاف في وقته السيد : حبيب محمود أحمد باستخراج صك شرعي لبئر عثمان - رضي الله عنه - وحفظها وهذا جهد مشكور منه ، وإن كان هذا الواجب الشرعي في نظري قد تأخر كثيراً ، لأن المدينة المنورة انضمت لسلطان الملك عبد العزيز - رحمه الله - في 19/5/1344هـ ، فالواجب على رؤساء الأوقاف المسارعة في تسجيل الأوقاف ولو فعل كل رئيس ما فعله السيد : حبيب محمود أحمد لحمينا كثيراً من الأوقاف العامة من الزوال أو العدوان من قبل الغير ؛ لأن المعالم الآن زالت وخفيت معالم كثير من الأوقاف التاريخية .
9 - اهتمام المملكة العربية السعودية بإثبات الأوقاف العامة والخاصة :(1/60)
إن أغلب الأوقاف الموجودة في الحرمين معروفة الأعيان ، يعرفها الخلف عن السلف ، كوقف عثمان - رضي الله عنه - ( بئر رومة ) وأوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك ، وهذه الأعيان معروفة إلى وقت قريب ، ثم طرأ بعد ذلك تغير ديموغرافي لمعالم المدينة المنورة كلها ، نتيجة لهذه الهجمة الشرسة على الأراضي وتملكها والمتاجرة بها ، حتى أضحت الآن خافية على من رآها بأم عينه بعد أن أزيلت معالمها ، ومن يسر الشريعة الإسلامية تسهيل الإثبات في الأوقاف فتثبت الأوقاف بطرق يسيرة لا تقبل في غيرها ومن ذلك (( شهادة السماع )) وهي وسيلة الإثبات في الصكوك الشرعية الخاصة بوقف عثمان - رضي الله عنه - وهذا مما أجمع عليه الفقهاء قديماً وحديثاً قال الدكتور : سعيد بن درويش الزهراني : (( اتفق جمهور الفقهاء على القضاء بشهادة السماع في النسب ، والموت ، والنكاح ، والعتق ، والوقف ، ومصرفه ، وشرائطه ))(1) .
وشهادة السماع تحدث عنها الفقهاء في كتب القضاء والفقه العام ، والقصد هنا الإشارة إلى الطريق الشرعي لإثبات الوقف ، ومن أراد الاستقصاء فعليه بمراجعة كتب الفقه العام وفقه القضاء خاصة .
10 - منقبة عظيمة من مناقب الملك عبد العزيز - رحمه الله - وسياسته العادلة :
فعندما انضمت المدينة المنورة لسلطانه أبقى قضاتها على ما كانوا عليه في العهود التي قبله ، منهم : (( رئيس المحكمة في وقته الشيخ : زكي بن أحمد بن إسماعيل بن زين العابدين البرزنجي الشافعي ، المولود سنة 1294هـ والمتوفى 1365هـ ، فقد كان قاضياً في المدينة المنورة في عهد الدولة التركية ثم الهاشمية واستمر في العهد السعودي ثم نقل رئيساً لمحكمة مكة المكرمة عام 1357هـ ))(2) .
__________
(1) طرائق الحكم: ص 119.
(2) قضاة المدينة المنورة ، للزاحم : 71-72 .(1/61)
وكذلك نائبه الشيخ : عبد الحفيظ بن عبد المحسن الكوراني الكردي ، المولود سنة 1311هـ والمتوفى سنة 1370هـ ، عين قاضياً في عهد الأشراف واستمر في العهد السعودي حتى توفي(1) .
وهذه السياسة العادلة مأخوذة من سياسة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين ، حيث أبقى النبي - صلى الله عليه وسلم - كل من أسلم من الملوك أو الرؤساء وزعماء القبائل في مناصبهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، وكان يكتب إليهم بذلك ، فمن أسلم أبقاه ، ومن كفر عزله ، وهذه السياسة العادلة لها أعظم الأثر في تأليف القلوب ، وجمع الكلمة ، وتوحيد الصفوف ، ونشر الأمن والعدل ، بخلاف ما رأينا وسمعناه في قديم الدهر وحديثه .
11 - الحكر وأثره السيء على الأوقاف :
تضمن الصك رغبة أحد المواطنين أن يحتكر أرض بئر رومة ويشتري أنقاضها من قاضي المدينة في عصره ، ولكن نقضت رئاسة القضاء في وقتها هذا الحكم ، والمراد بالحكر عند الفقهاء هو : (( عقد إجارة لمدة طويلة يعقد بإذن الحاكم ، ويدفع المستحكر لجانب الوقف مبلغاً معجلاً من المال يقارب قيمة الأرض ، ويحدد مبلغاً آخر ضئيلاً يستوفى سنوياً لجهة الوقف من المستحكر أو من ينتقل إليه هذا الحق ))(2) .
وهذه الطريقة وإن كانت مشروعة لاستثمار الوقف إلا أنها كان لها الأثر السيء في زوال عين الأوقاف ، وقد رأينا هذا في كثير من الأوقاف الأهلية بالمدينة المنورة ، لأن المحتكر يعتقد بأنه قد اشتراها فتتناقلها الأيدي ويزول الوقف ، لذا لا بد من دراسة الآثار السيئة للحكر في الأراضي الوقفية بالمدينة المنورة من قبل كبار العلماء أو جهات مختارة من الوزارة ، وإرشاد أصحاب الوقوف إلى الطرق المثلى للاستثمار وإن اتضح معارضة الحكر لمصالح الوقف أن يصدر منع رسمي من قبل الدولة ويبلغ للمحاكم الشرعية كافة لتنفيذه ، والله أعلم .
__________
(1) المصدر السابق : ص 79 .
(2) المدخل الفقهي العام ، للزرقا : ص 617 .(1/62)
وفي نهاية البحث أوصي نفسي وكل مسلم لديه وقف بتأمل تلك الفوائد التي استخرجتها من أقوال الأئمة الأخيار المشهود لهم بالفقه والتبحر فيه ، كالإمام البخاري وابن خزيمة وابن حجر وغيرهم ، والسعي الجاد في تطبيق تلك الفوائد فيما يخصه من مالك أو حاكم ، أو نائب أو قاض ، أو وزير أو سلطان ، لأن أحكامهم تتعدي إلى الكافة ، وقد تستمر العصور الطويلة كما هو الحال في وقف سيدنا عثمان بن عفان الخليفة الراشد - رضي الله عنه - .
وأوصي إخواني الباحثين بتتبع الأوقاف النبوية والراشدية والخليفية والسلطانية وغيرها في الأعصار الإسلامية كافة ، ودراستها دراسة فقهية وحديثية وقضائية وفقهية ، ونشر ذلك في الوسائل الإعلامية كافة ؛ لأن هذا الجهد المبارك من العهد المأخوذ على العلماء ببيان العلم ونشره والنصح لولاة الأمر ، والنصح للعامة ، لأن نصح الأغنياء والموسرين وحضهم على الوقف تعاون على البر والتقوى ، فإذا استجابوا لذلك عم نفعهم الغني والفقير ، والذكر والأنثى ، لأن الوقف من الصدقات الجارية العظيمة النفع الباقية العصور الطويلة لا سيما إذا اختير نوعها ، وسلمت من الحوادث ، وأهم الوقوف التي يجب حض الناس عليها : سقي المياه ، والدور ، والمستشفيات ، ودور الرعاية ونحو ذلك ، والحمد لله أولاً وآخرًا .
- - -
أهم المصادر والمراجع
- آثار المدينة المنورة ، تأليف/ عبد القدوس الأنصاري ، طبع المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ، ط3 ، 1393هـ
- إثبات الملكية في الوثائق العربية ، تأليف/ د. جمال الخولي ، الدار المصرية اللبنانية ، ط1 ، 1415هـ
- الأحاديث المختارة ، تصنيف/ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي ، 643هـ ، حققه/ عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
- أحكام الأوقاف ، للإمام أبي بكر أحمد بن عمرو الخصاف ، مصورة مكتبة الثقافة بالقاهرة ، عام 1322هـ(1/63)
- أحكام الأوقاف ، للشيخ/ مصطفى أحمد الزرقا ، نشر دار عمار ، عمان الأردن ، ط1 ، 1418هـ
- أخبار المدينة المنورة ، المطبوع باسم (( تاريخ المدينة المنورة )) ، لأبي زيد عمر بن شبه النمري ، ت262هـ ، علق عليه وأخرج أحاديثه : علي محمد دندل ، ياسين بيان ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان ، ط1 ، 1417هـ
- أدب الكاتب ، للإمام أبي بكر محمد بن يحيى الصولي ، تعليق/ أحمد حسن بسيج ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1415هـ
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله النمري ، ت 463هـ ، حققه / عادل مرشد ، دار الإعلام ، عمان ، الأردن ، ط1 ، 1423هـ
- بهجة النفوس والأسرار في تاريخ دار هجرة النبي المختار ، تأليف/ عبد الله بن محمد المرجاني ، ت769هـ ، نشر مكتبة نزار مصطفى الباز ، مكة ، ط1 ، 1418هـ
- تاريخ مدينة دمشق ، تصنيف/ الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف ابن عساكر ، حققه/ أبو سعيد عمر بن غرامة العمروي ، نشر دار الفكر
- تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً ، تأليف/ أحمد ياسين الخياري ، من منشورات نادي المدينة المنورة الأدبي رقم (59)
- تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة ، للإمام أبي بكر الحسين بن عمر المراغي ، ت816هـ ، حققه د. عبد الله العسيلان ، ط1 ، 1422هـ
- التعريف بما آنست الهجرة من معالم دار الهجرة ، تأليف/ محمد بن أحمد المطيري ، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة
- جامع الأصول في أحاديث الرسول ، للإمام المبارك بن محمد الجزري ، ت606هـ ، حققه/ عبد القادر الأرنؤوط ، نشر مكتبة الحكومي وغيرها ، 1389هـ
- سنن الترمذي ، لابن عيسى محمد بن عيسى بن سورة ، ت279هـ ، حققه/ أحمد محمد شاكر ، نشر البابي الحلبي بمصر ، ط2 ، 1398هـ
- سنن الدارقطني ، للإمام علي بن عمر الدارقطني ، ت385هـ ، نشر عالم الكتب ، بيروت ، ط4 ، 1406هـ(1/64)
- سنن النسائي ، للإمام أحمد بن شعيب النسائي مع حاشيتي السيوطي والسندي ، حققه/ عبد الفتاح أبو غدة ، دار البشائر الإسلامية ، ط1 ،1406هـ
- السنن الكبرى ، للإمام أحمد بن شعيب النسائي ، ت303هـ ، حققه/ حسن عبد المنعم شلبي ، نشر مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1421هـ
- صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، تأليف/ أحمد القلقشندي ، ت821هـ ، تحقيق/ د. يوسف طويل ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1407هـ
- صحيح ابن خزيمة ، للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ت311هـ ، حققه/ د. محمد مصطفى الأعظمي ، نشر المكتب الإسلامي ، بيروت
- صحيح مسلم مع شرح النووي ، نشر المطبعة المصرية
- الطبقات الكبرى ، لمحمد بن سعد بن منيع الزهري ، ت 230هـ ، أعد فهرستها : رياض عبد الله عبد الهادي ، ط1 ، 1417هـ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان
- العدل ، مجلة علمية تصدر عن وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية ، العدد (15/ السنة/4/ رجب 1423هـ)
- عمدة الأخبار في مدينة المختار ، للعلامة الشيخ أحمد عبد الحميد العباسي ، تحرير/ محمد الطيب الأنصاري ، نشر أسعد درابزوني
- علم التوثيق الشرعي، تأليف/ د. عبد الله بن محمد الحجيلي ، نشر مكتبة الملك فهد الوطنية ، الرياض ، 1424هـ
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، ت 852هـ ، نشر المطبعة السلفية
- فصول من تاريخ المدينة المنورة ، تأليف/ علي حافظ ، نشر شركة المدينة المنورة ، جدة ، ط2 ، 1405هـ
- فضائل الصحابة ، للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، ت241هـ ، حققه/ وصي الله محمد عباس ، نشر جامعة أم القرى
- القضاء في المملكة العربية السعودية ، تأليف ونشر وزارة العدل في المملكة العربية السعودية
- محاضرات في الوقف ، محمد أبي زهرة ، دار الفكر العربي ، القاهرة
- مسند الإمام أحمد ، ت241هـ ، حققه/ شعيب الأرنؤوط ، ومجموعة ، نشر مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1413هـ(1/65)
- مسند الطيالسي ، سليمان بن داود بن الجاروت ، ت 204هـ ، حققه/ د. محمد عبد المحسن التركي ، نشر دار هجر ، مصر
- المدخل الفقهي العام، للشيخ/ مصطفى الزرقا ، دمشق ، بدون ناشر أو تاريخ
- مرآة الحرمين ، تأليف اللواء / إبراهيم رفعت باشا ، نشر دار المعرفة ، بيروت
- معجم البلدان ، للإمام الشيخ ياقوت عبد الله الحموي ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1399هـ
- معجم الصحابة ، للإمام أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، ت317هـ ، تحقيق/ محمد الأمين بن محمد محمود الجكني ، نشر دار البيان ، الكويت ،1421هـ
- كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ، للإمام الحربي ، تحقيق / حمد الجاسر ، نشر دار اليمان ، الرياض ، ط2 ، 1401هـ
- النهاية في غريب الحديث والأثر ، للإمام المبارك بن محمد الجزري ، اعتنى به/ رائد صبري أبي علفه ، نشر بيت الأفكار الدولية ، عمان ، الأردن
- وصف المدينة المنورة ، لعلي بن موسى ، ضمن (( رسائل في تاريخ المدينة المنورة )) ، نشر حمد الجاسر ، نشر دار اليمامة ، الرياض ، عام 1392هـ
- وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ، تأليف/ علي بن أحمد السمهودي ، تحقيق/ محمد محيي الدين عبد الحميد ، نشر دار إحياء التراث العربي ، ط4 ، 1404هـ
-(1/66)