{ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ }
تأليف
أبي أنس
ماجد البنكاني
مقدمة
ijk
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له.
وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه. يَا أَيُّهَا { الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } (1)
$pkڑ‰r'¯"tƒ { النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } (2)
$pkڑ‰r'¯"tƒ { الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } (3)
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى ، وخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .(4)
__________
(1) سورة آل عمران .
(2) سورة النساء .
(3) سورة الأحزاب .
(4) وهذه الخطبة تسمى عند العلماء "خطبة الحاجة"، وهي تشرع بين يدي كل خطبة، سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو نكاح أو درس أو محاضرة .
والبدعة : هي الإحداث في الدين .
فعن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد . أخرجه البخاري برقم (2034) ، وأخرجه مسلم برقم (1718) .
وعنها أيضاً قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .أخرجه مسلم برقم (1718) .
قال النووي : قوله : رد قال أهل العربية : الرد هنا بمعنى المردود ، ومعناه فهو غير معتد بة ، وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات .
وفي هذا الحديث دليل لمن يقول من الأصوليين أن النهي يقتضي الفساد .اهـ . شرح النووي على صحيح مسلم (12/16) .(1/1)
الحمد لله الذي هدى عباده المؤمنين لفعل الخيرات ، ورضي منهم بالقليل من العمل ، وحطَّ عنهم الكثير من الزلل ، الحمد لله الذي جعل الحسنة بعشر أمثالها ، وجعل السيئة سيئة واحدة ، الحمد لله الذي خلق جنة الفردوس وجعلها نزلاً لهم ثواباً منه وتفضلاً ومنّة على عباده ، حيث وعدهم بجنة عرضها كعرض السموات والأرض أعدّها لعباده المتقين .
فقال الله تعالى { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } (20) (1)
قال ابن كثير: "أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة وهي القصور أي الشاهقة من فوقها غرف مبنية طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات" .اهـ .(2)
هذا والمؤمنون متفاوتون في الجنة كلٌ حسب عمله ، حيث إنّ الجنة درجات ، كما أن النار دركات والعياذ بالله تعالى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فالناس في الجنة على درجات متفاوتة كما قال : { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا } اثتب(3) وكل مطلوب للعبد بعبادة أو دعاء أو غير ذلك من مطالب الآخرة هو في الجنة ، وطلب الجنة والاستعاذة من النار طريق أنبياء الله ورسله وجميع أوليائه السابقين المقربين وأصحاب اليمين ، كما في السنن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل بعض أصحابه كيف تقول في دعائك ، قال : أقول اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار" ، أما أني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ، فقال :
__________
(1) سورة الزمر .
(2) تفسير ابن كثير (4/50) .
(3) سورة الإسراء .(1/2)
"حولهما ندندن" .(1) فقد أخبر أنه هو ومعاذ وهو أفضل الأئمة الراتبين بالمدينة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يدندنون حول الجنة ، أفيكون قول أحد فوق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ومعاذ ومن يصلى خلفهما من المهاجرين والأنصار ، ولو طلب هذا العبد ما طلب كان في الجنة، وأهل الجنة نوعان سابقون مقربون ، وأبرار أصحاب يمين،قال تعالى: كَلَّا { إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى إ7ح !#u'F{$# يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ اثر } (2)
قال ابن عباس تمزج لأصحاب اليمين مزجا ويشربها المقربون صرفا .(3)
أخي الكريم هناك بعض الأعمال اليسيرة والتي ليس فيها الجهد الكبير ، وهي مع ذلك تحتوي على الأجور العظيمة ، ويكون بسببها دخول الجنة بإذن المولى جل وعلا ، وهذا من رحمة الله تعالى علينا .
__________
(1) رواه ابن خزيمة في صحيحه برقم (725) ، باب مسألة الله الجنة بعد التشهد وقبل التسليم والاستعاذة بالله بن النار ، وابن حبان في صحيحه برقم (868) ، ذكر ما يجب أن يكون قصد المرء في جوامع دعائه وبيان أحواله له .
(2) سورة المطففين .
(3) مجموع الفتاوى (10/700-702) .(1/3)
هذا وقد ألحقت بهذا البحث ، والذي أعددته لأخواني المسلمين ، وصفاً للحور العين، وهنّ الحور الحسان ،ليكون ذلك ترغيباً لهم على فعل الخيرات واجتناب المنكرات، وليشمروا عن ساعد الجد للعمل والمثابرة لآخرتهم، وليقدموا من أعمالهم الصالحة مهراً للحور الحسان اللاتي أعدهنّ الله جل في علاه لعباده المؤمنين الموحدين
وتبعته كذلك ببعض الأعمال الموصلة إلى الجنة بإذن المولى جل وعلا ، راجياً من الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها المسلمين . وتضمنت كذلك بعض الأعمال المخالفة للشرع الحنيف ألحقناها بهذا البحث لننبه الأخوة الأفاضل والأخوات الكريمات عليها لكي يتجنبوها ولا يقعوا فيها .
فقد جمعت لك بعض النصوص من الآيات والأحاديث الصحيحة بهذا الخصوص في هذا البحث والذي ضممت إليه أبيات من القصيدة النونية للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في وصف الجنة وما فيها من نعيم لكي تتشوق إليها وتعمل لكي تدخلها بإذن الله تعالى ورحمته ، وترغيباً لك على فعل هذه الأعمال، حيث أسميت هذا البحث والذي أُعدّ لأخواني المسلمين : ((الياقوت والمرجان في وصف الجنة والحور الحسان)) .
ولكي نطوف بالقارئ الحبيب من خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في عالم الجنة وما فيها من قصور ورياض وأشجار وحور عين حسان ، وطعام أهل الجنة وشرابهم ولباسهم ، وما فيها من نعيم ، لكي يتشوق القارئ الكريم إلى الجنة ونعيمها وما أعدّه الله له فيها ، وبالتالي يكون ذلك دافعاً له على القيام بواجبه كمسلم تجاه ربه جل في علاه ، ويكون دافعاً له كذلك على فعل الخيرات واجتناب المنكرات ، وليكون همه الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء .
فهذا الكتاب بين يديك وهذا جهدنا وهو جهد المقصر المقل ، ولم آلُ جهداً من تحري الحق ، فإن وُفقت إليه فإنه من فضل الله عليَّ ، وله المنة وحده .(1/4)
وإن كانت الأخرى فحسبي أنّي قد بذلت قصارى جهدي في جمع الأدلة الصحيحة ، مع الحرص على معرفة الحق والصواب .
وأستغفر الله ذا الكمال من خطئي ، وما زل به قلمي ، ودينُ الله بريء منه ، وأنا تائب عنه ، والله خيرُ مأمول ألا يضيع سعينا ، ولا يخيب رجاءنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ولا نريد منك أخي سوى الدعاءِ لنا بظهر الغيب ، ونسأله سبحانه وتعالى الإخلاص في القول والعمل ، وأن يتقبل منا أعمالنا . آمين .
هذا وأشكر كل من قدم لي يد المساعدة لإخراج هذا الكتاب، بما قدم لي من المساعدة .
وأخص بالذكر الأخ الفاضل نصر الله العزاوي (أبو بكر ) على مراجعته هذا الكتاب وتنبيهي على بعض الأخطاء.
فجزاهم الله عنا خير الجزاء وجعل عملهم هذا في ميزان حسناتهم يوم القيامة .
و "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"(1) ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل هذا الكتاب سبباً لصلاح المسلمين ، وأن يجعل له القبول في الأرض .
كما أسأله سبحانه أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يكون حجةً لنا لا علينا ، وأن ينفعنا به في يوم الدين، { tw Pِqtƒں يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) } (2)
__________
(1) صحيح الترمذي رقم (1592)، السلسلة الصحيحة برقم (416)، المشكاة رقم (3025)، التعليق الرغيب (2/56) ، صحيح موارد الظمآن برقم (2070) ، والحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) سورة الشعراء الآية .
قال ابن قيم الجوزية: وقد اختلفت عبارات الناس فى معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك: أنه الذى قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره. فسلم من عبودية ما سواه،==
== وسلم من تحكيم غير رسوله. فسلم فى محبة غير الله معه ومن خوفه ورجائه والتوكل عليه، والإنابة إليه، والذل له، وإيثار مرضاته فى كل حال والتباعد من سخطه بكل طريق. وهذا هو حقيقة العبودية التى لا تصلح إلا لله وحده.اهـ.إغاثة اللهفان (1/9) .
وقال: انقسمت القلوب إلى هذه الأقسام الثلاثة.
فالقلب الصحيح السليم: ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق، تام الانقياد والقبول له.
والقلب الميت القاسى: لا يقبله ولا ينقاد له .
والقلب المريض: إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسى. وإن غلبت عليه صحته التحق بالسليم.
فما يلقيه الشيطان فى الأسماع من الألفاظ، وفى القلوب من الشبه والشكوك: فيه فتنة لهذين القلبين، وقوة للقلب الحى السليم. لأنه يردّ ذلك ويكرهه ويبغضه، ويعلم أن الحق فى خلافه، فيخبت للحق قلبه ويطمئن وينقاد، ويعلم بطلان ما ألقاه الشيطان، فيزداد إيمانا بالحق ومحبة له وكفرا بالباطل وكراهة له. فلا يزال القلب المفتون فى مرية من إلقاء الشيطان. وأما القلب الصحيح السليم فلا يضره ما يلقيه الشيطان أبدا. اهـ.إغاثة اللهفان (1/12) .(1/5)
إنه ولي ذلك والقادر عليه . اللهم آمين
والحمد لله رب العالمين الرحمن المنّان الذي منّ علينا بهذه النعم العظيمة.
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتب
ماجد بن خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي
يوم الجمعة الموافق
10/ ربيع الآخر / 1425هـ
1/ 6 / 2004م
- - -
تمهيد
معنى الجنة:
الجنة: هي اسم للبساتين والمساكن التي أعدها الله لعباده المؤمنين الموحدين، ولها أكثر من اسم كما جاء ذلك في القرآن الكريم .قال ابن منظور: والجَنَّةُ: البُسْتانُ، ومنه الجَنّات، والعربُ تسمِّي النخيلَ جَنَّةً؛ وقال أَبو علي في التذكرة: لا تكون الجَنَّة في كلام العرب إِلا وفيها نخلٌ وعنبٌ، فإِن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجَنَّةٍ، وقد ورد ذكرُ الجَنَّة في القرآن العزيز والحديث الكريم في غير موضع. و الجَنَّةُ: هي دارُ النعيم في الدار الآخرة، من الاجْتنان، وهو السَّتْر لتَكاثُفِ أَشجارِها وتظليلها بالتِفافِ أَغصانِها، قال: وسمّيت بالجَنَّة وهي المرَّة الواحدة من مَصْدر جَنَّه جَنَّاً إِذا سَتَره، فكأَنها سَتْرةٌ واحدة لشدَّةِ التِفافِها وإِظْلالِها؛(1)
قال ابن قيم الجوزية: الجنة اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جداً، كما روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن أم الربيع بنت البراء، وهي أم حارثة بن سراقة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة - وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غريب - فإن كان في الجنة صبرت وأن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ، قال: "يا أم حارثة أنها جنان في الجنة وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى"(2) .
__________
(1) لسان العرب (13/99-100) .
(2) رواه البخاري برقم (2654) ، باب من أتاه سهم غرب فقتله .(1/6)
وفي الصحيحين(1) :من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : "جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"، وقد قال تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) } .(2)فذكرهما،ثم قال : { وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) } .(3)فهذه أربع
وقال: عدد الجنات وأنها نوعان: جنتان من ذهب، وجنتان من فضة.اهـ .(4)
فخلق الله سبحانه وتعالى الجنة والنار وأنه سيملأهما ، حيث أخبر سبحانه وتعالى بأن الجنة لعباده المؤمنين الموحدين وذلك رحمة وتفضلاً منه سبحانه ، كما أخبر سبحانه وتعالى كذلك أن النار أعدها للكفرة والملحدين والعياذ بالله .
وتجد هذا كثير في كتاب الله تعالى ، وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ولهذا أخبر الله سبحانه وتعالى أن القرآن الذي أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مثاني ، وذلك أن الله تعالى عندما يذكر أهل النار وحالهم في جهنم وما أعده لهم من العذاب والعياذ بالله ، ثم يعطف بذكر أهل الجنة وذكر حالهم وما أعد لهم من نعيم ولذات في الجنة .
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (7006) ، باب قول الله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ، وأخرجه مسلم برقم (180) ، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى .
(2) سورة الرحمن .
(3) سورة الرحمن .
(4) حادي الأرواح (1/71) .(1/7)
قال الله تعالى: { وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87) } .(1) وقال تعالى : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) } .(2)
قال ابن كثير رحمه الله : لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال عطف بذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة ، وهذا معنى تسمية القرآن مثاني على أصح أقوال العلماء .(3)
هذا وكل ما في الكون من المخلوقات هو آية من آيات الله تعالى الدالة على كمال قدرته سبحانه وتعالى .
قال ابن قيم الجوزية: وبالجملة فتأمل آيات الله التي دعا عباده إلى التفكر فيها وجعلها آيات دالة على: كمال قدرته، وعلمه، ومشيئته، وحكمته، وملكه، وعلى توحده بالربوبية والإلهية، ثم وازن بينهما وبين ما أخبر به من أمر الآخرة والجنة والنار تجد هذه أدل شيء على تلك شاهدة لها وتجدهما من مشكاة واحدة ورب واحد وخالق واحد ومالك واحد فبعداً لقوم لا يؤمنون .(4)
__________
(1) سورة الحجر .
(2) سورة الزمر .
(3) تفسير القرآن العظيم (1/63) .
(4) حادي الأرواح (1/132) .(1/8)
واعلموا أخوتي في الله بأن هناك فريقان : فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، فمن أطاع الله تعالى ورسله وعبده حق عبادته كان من الفريق الأول ، ومن كان عاصياً لله تعالى ولرسله فهو من أصحاب الفريق الثاني والعياذ بالله . قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) } .(1)
فعلينا جميعاً أن تشمِّر عن ساعد الجد وأن نَعملَ لآخرتنا .
عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم لأصحابه: "ألا هل مشمر للجنة ،فإن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة كثيرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة في مقام أبداً في حبرة ونضرة في دار عالية سليمة بهية"، قالوا: نحن المشمرون لها يا رسول الله،قال:"قولوا إن شاء الله"ثم ذكر الجهاد وحض عليه.(2)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر أصحابه بالجنة وترق قلوبهم لذلك حتى كأنهم يرونها رأي العين .
__________
(1) سورة الشورى الآية (7) .
(2) رواه ابن حبان برقم (7381) ، باب وصف الجنة وأهلها ، وابن ماجة في سننه برقم (4332) ، باب صفة الجنة ، وموارد الظمآن في كتاب صفة الجنة ، باب صفة أبواب الجنة برقم (2620) ، والأحاديث المختارة لأبي عبد الله المقدسي برقم (1343) وقال : إسناده حسن ، وقال صاحب كتاب مصباح الزجاجة (4/265): هذا إسناد فيه مقال الضحاك المعافري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في طبقات التهذيب : مجهول، وسليمان بن موسى الأموي مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات،وقال الألباني ضعيف،السلسلة الضعيفة برقم(3358)،وضعيف موارد الظمآن رقم(344).(1/9)
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قلنا يا رسول الله إذا كنا عندك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد فقال :
"لو تكونون على كل حال على الحال الذي أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة بأكفكم ، ولو أنكم في بيوتكم ولم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم" قال: قلنا : يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها .
قال: "لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم فلا يبأس ويخلد لا يموت ، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ، ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم ترفع على الغمام وتفتح لها أبواب السماوات ويقول الرب جل وعلا : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين" .(1)
هذا وأن المتمسك بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في آخر الزمان له من الأجر العظيم بحيث أن للواحد منهم له من الأجر خمسين شهيداً من الصحابة الكرام .
فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً منكم" .(2)
فاحرص أخي على هذا الأجر الكثير والثواب الجزيل ، اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل .
هَذَا وَلِلْمٍُْتَمْسِكِينَ بِسُنَّةِ الْـ ـمُخْتَارِ عِنْدَ فَسَادِ ذِي الأزْمَانِ
أجْرٌ عَظِيمٌ يَقْدُرُ قَدْرَهُ إلاَّ الَّذِي أعْطَاهُ لِلإنسَانِ
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه برقم (7387)، باب ذكر الأخبار عن وصف بناء الجنة التي أعدها الله جل وعلا لأوليائه وأهل طاعته، وموارد الظمآن كتاب صفة الجنة برقم (2621)، باب صفة أبواب الجنة ، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2218) .
(2) رواه الطبراني عن ابن مسعود، صحيح الجامع برقم (3334) .(1/10)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله، وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة؛ كما أخبرت به النصوص. وكذلك أهل النار فأنهم محجوبون عن ربهم، يدخلون النار، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفا بما يقول فإنما قصده إنك لو لم تخلق نارا أو لو لم تخلق جنة لكان يجب أن تعبد ويجب التقرب إليك والنظر إليك، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق. (1)
فصل وجود الجنة وخلقها
الإيمان بالجنة واجب على كل مسلم ومسلمة وأنها موجودة وقد أعدها الله تعالى لعباده وزينها لهم .فالجنة مخلوقة موجودة وهي كائنة .فقد قال الله تعالى: { وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) } .(2) وقد رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخلها في رحلة الإسراج والمعراج .
فعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك" .(3) الجنابذ : القبب ، والجنبذة هي القبة .
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "بينا أنا أسير في الجنَّة إذا أنا بنهرٍ حافَتَاه قبابُ اللُؤلؤ المجوَّف، فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الكوثرُ الذي أعطاك ربُّك، قال فضربَ الملك بيده فإذا طينُه مسكٌ أذفر"(4).
وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن أبوابها تفتح عند مجيء رمضان وهذا يدل كذلك على وجودها الآن .
__________
(1) مجموع الفتاوى المجلد السادس .
(2) سورة النجم آية .
(3) رواه البخاري برقم (3164) ، باب وإن إلياس لمن المرسلين ، ومسلم برقم (163) ، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات وفرض الصلوات .
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6582).(1/11)
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين".(1)
وفي رواية لمسلم: "فتحت أبوب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسُلسِلَت الشياطين".
وفي قصة خسوف الشمس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث رأى الجنة وتناول منها عنقوداً ، وهذا أيضاً يدل على وجودها الآن .
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فصلى ، .... قالوا : يا رسول الله! قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك كففت - وفي رواية تكعكعت - فقال : "إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه الدنيا..." .(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي رب! و عزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها ثم حفها بالمكاره ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها فذهب ثم نظر إليها ثم جاء فقال: أي رب! و عزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد فلما خلق الله النار قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فحفها بالشهوات ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها فقال: أي رب و عزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها". (3)
__________
(1) أخرجه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري برقم (715) ، باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة ، ومسلم برقم (907) ، باب ما عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار
(3) رواه أحمد والحاكم وأصحاب السنن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وبنحوه رواه مسلم في صحيحه . أنظر صحيح الجامع حديث رقم (5210) .(1/12)
قال ابن قيم الجوزية: أنه قد استقرّت حكمته سبحانه أنّ السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلاَّ على جسر المشقة والتعب، ولا يدخل إليها إلاَّ من باب المكاره والصبر وتحمّل المشاقّ.
ولذلك حفّ الجنة بالمكاره والنار وبالشهوات.
ولذلك أخرج صفيّه آدم من الجنة وقد خلَقها له، واقتضت حكمته أن لا يدخلها دخول استقرار إلاَّ بعد التعب والنصب، فما أخرجه منها إلاَّ ليُدخله إليها أتمّ دخول. فلله كم بين الدخول الأول والدخول الثاني من التفاوت.
وكم بين دخول رسول الله مكة في جوار المُطعِم بن عَديّ ودخوله إليها يوم الفتح.
وكم بين راحة المؤمنين ولذّتهم في الجنة بعد مقاساة ما قبلها وبي لذّتهم لو خلقوا فيها. وكم بين فرحة من عافاه بعد ابتلائه وأغناه بعد فقره وهداه بعد ضلاله وجمع قلبه بعد شتاته وفرحة من لم يذق تلك المرارات.
وقد سبقت الحِكْمة الإلهية أن المكاره أسباب اللذات والخيرات، كما قال تعالى: كُتِبَ { عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) } .(1)
وربما كان مكْروه النفوس إلى محبوبِها سَبباً ما مثلُهُ سَبَبُ . (2)
وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده يوم يبعثه" . (3)
__________
(1) سورة البقرة آية (216) .
(2) شفاء العليل (1/234) .
(3) قال المناوي رواه مالك، وأحمد والنسائي والبيهقي وابن حبان، صحيح الجامع حديث رقم (2373) .(1/13)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفا من أمامي، فقلت: من هذا يا جبريل ؟ قال: هذا بلال، و رأيت قصرا أبيض بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك" . (1)
وفي رواية: "فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك" .
ووقع في حديث أبي هريرة: "أن عمر بكى" وورد بلفظ: "فبكى عمر، وهو في المجلس" وقال: بأبي وأمي" . (2)
قوله: "الرميصاء" : هي أم أنس بن مالك .
قال ابن عبد البر: أم سليم هي الرميصاء والغميصاء والمشهور فيه الغين وأختها أم حرام الرميصاء ومعناهما متقارب والرمص والغمص قذى يابس وغير يابس يكون في أطراف العين وهذا منقبة ظاهرة لأم سليم. (3)
وقوله: "وسمعت خشفا" : وهي حركة المشي وصوته .
وقوله : "بأبي وأمي" أي أفديك بهما
فاسمعْ إذاً أوصَافَهَا وصِفَاتِ ها تيكَ المنازلِ رَبَّةِ الإحسانِ
هِيَ جنةٌ طابتْ وطابَ نعيمُهَا فَنعيمُهَا باقٍ وليسَ بفانِ
دارُ السلامِ وجنةُ المأوى وَمَنْـ ـزِلُ عسكَرِ الإيمانِ والقُرآنِ
فالدارُ دارُ سَلامةٍ وخِطَابُهُمْ فيها سَلامٌ واسمُ ذي الغُفْرَانِ
__________
(1) رواه البخاري برقم (3597)، باب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، ومسلم برقم (6273)، باب فضائل أم سليم أم أنس بن مالك وبلال رضي الله عنهما .
(2) أنظر فتح الباري شرح الحديث .
(3) أنظر الإصابة برقم (11562)، وشرح النووي على صحيح مسلم .(1/14)
إن في الجنَّة مالا عين رأت، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر، أعدها الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين الصالحين الموحدين العاملين،جعلنا الله سبحانه وتعالى منهم.(1) قال الله تعالى: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) } .(2) وقال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى إ7ح !#u'F{$# نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) } (3).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : لما ذكر تعالى حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين فيما جاؤا به وعملوا بما أمروهم به من
الأعمال الصالحة فلهم جنات عدن ، والعدن الإقامة تجري من تحتهم الأنهار ، أي من تحت غرفهم ومنازلهم .اهـ.(4) وقال الله تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) } (5).
__________
(1) فيه حديث رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2836)، وسيمر معنا.
(2) سورة السجدة .
(3) سورة الكهف .
(4) تفسير ابن كثير (3/83) .
(5) سورة الدخان .(1/15)
قال ابن منظور : السندس: هو الرقيق من الديباج، وهو ضرب من البرود. استبرق: قال الزجاج :في قوله تعالى: عَالِيَهُم ثيابُ سُندس خُضر وإِسْتَبْرَق ، قال: هو الدِّيباج الصفيق الغليظ الحسَن، قال: وهو اسم أَعجمي أَصله بالفارسية استَقْره، ونقل من العجمية إِلى العربية كما سُمِّيَ الدِّيباجُ وهو منقول من الفارسية، وقد تكرر ذكره في الحديث، وهو ما غلُظ من الحرير .(1)
وقال تعالى: { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) } (2)
وقال تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا زOح !#yٹ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) } (3)
قوله تعالى: { مَّثَلُ الْجَنَّةِ } أي: صفتها أن الأنهار تجري من تحتها، هذا قول الجمهور، وقال ثعلب: خبر المثل مضمر قبله، والمعنى: فيما نصف لكم مثل الجنة، وفيما نقصه عليكم خبر الجنة { أُكُلُهَا دَائِمٌ } قال الحسن: يريد أن ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا { وِظِلُّهَا } لأنه لا يزول ولا تنسخه الشمس.
قوله تعالى: { تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ } أي: عاقبة أمرهم المصير إليها . (4)
__________
(1) لسان العرب (6/107) و (10/5) .
(2) سورة التوبة .
(3) سورة الرعد .
(4) زاد المسير تفسير سورة الرعد .(1/16)
وقال تعالى: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) } (1).
والآيات في صفة الجنة كثيرة جداً.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وأما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها ، وتأمل قوله سبحانه: وقال تعالى: { جنات عدنٍ مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون بفاكهةٍ كثيرة وشرابٍ } (2). كيف تجد تحته معنى بديعا ،وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي.اهـ.(3)
فصل
الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة مؤمنة
وحيث إنّ الجنة التي داراً للمتقين ولا يدخلها إلا نفس مؤمنة كما أن النار لا يدخلها ويخلد فيها إلا نفس كافرة .
فعن بشر بن سحيم ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن ينادي أيام التشريق ، وقال المخرمي بعثه أيام منى أن ينادي : "لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة" .(4)
__________
(1) سورة محمد .
(2) سورة ص الآية (49-54).
(3) حادي الأرواح (1/39) .
(4) رواه ابن حبان في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - برقم (4849) ، باب ذكر إيجاب دخول النار للغال في سبيل الله جل وعلا، وفي المستدرك عن علي - رضي الله عنه - برقم(4376) ، وفي الأحاديث المختارة برقم (461) . صحيح ابن خزيمة برقم (2960) ، باب النهي عن صيام أيام التشريق القدرة لا بتصريح .(1/17)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ أترضون أن تكونوا شطر أهل
الجنة؟ إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة و ما أنتم في الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر". (1)
فصل
في عرض الرب سلعته الجنة على عباده
قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) } .(2)
عن ابن المبارك،عن محمد بن يسار،عن قتادة،قوله في هذه الآية: { إن الله اشترى من الموءمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } ،قال:ثامنهم الله فأغلى لهم الثمن .
وعن أبي رجاء ، عن الحسن، قوله في هذه الآية { إن الله اشترى من الموءمنين أنفسهم وأموالهم } قال : بايعهم فأغلى لهم الثمن .(3)
وعن بكير بن فيروز ، قال : سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - ، يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" .(4)
__________
(1) رواه أحمد والترمذي والبيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (89) .
(2) سورة التوبة الآية .
(3) تفسير الطبري (11/35) .
(4) رواه الترمذي برقم(2450)، صحيح الجامع برقم (6222)، والسلسلة الصحيحة برقم (2335) .(1/18)
وقال ابن قيم الجوزية : فجعل سبحانه هاهنا الجنة ثمناً لنفوس المؤمنين وأموالهم بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن ، وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيد: أحدها: إخبارهم سبحانه وتعالى بصيغة الخبر المؤكد بأداة أن .
الثاني: الأخبار بذلك بصيغة المرضى الذي قد وقع وثبت واستقر .
الثالث: إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه ، وأنه هو الذي اشترى هذا المبيع .
الرابع: أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدا لا يخلفه ولا يتركه . الخامس : أنه أتى بصيغة على التي للوجوب أعلاما لعباده بأن ذلك حق عليه أحقه هو على نفسه .
السادس: أنه أكد ذلك بكونه حقا عليه .
السابع: أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي التوراة والإنجيل والقرآن .
الثامن: إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد أوفى بعهده منه سبحانه.
التاسع : أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضا بشارة من قد تم له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه . العاشر : أنه أخبرهم إخباراً مؤكداً بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم ، والبيع ههنا بمعنى المبيع الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة ، وقوله بايعتم به أي عاوضتم و ثامنتم به . اهـ .(1)
يَا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ لَسْتِ رَخِيصَةً بَلْ أنْتِ غَالِيَةٌ عَلَى الكَسْلانِ
يَا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ لَيْسَ يَنَالُهَا فِي الألفِ إلا وَاحِدٌ لا اثْنَانِ
يَا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ مَاذَا كُفْؤهَا إلا أولُو التَّقْوَى مَعَ الإيمَانِ
فصل
في النعيم والملك الكبير
وقد أعطى الله سبحانه وتعالى لعباده في الجنة من النعيم المقيم، والملك الكريم، ومن حور العين،وهذا من تفضله ومنه وكرمه سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين.
__________
(1) حادي الأرواح (1/58) .(1/19)
قال الله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) } .(1)
قال القرطبي : والنعيم سائر ما يتنعم به، والملك الكبير استئذان الملائكة عليهم ، قاله السدي وغيره ، هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله فيستأذن عليه فذلك الملك العظيم ، وقاله مقاتل بن سليمان ، وقيل : الملك الكبير هو أن يكون لأحدهم سبعون حاجبا، حاجبا دون حاجب فبينما ولي الله فيما هو فيه مِنَ اللذة والسرور إذ يستأذن عليه ملك من عند الله قد أرسله الله بكتاب وهدية وتحفة من رب العالمين لم يرها ذلك الولي في الجنة قط ، فيقول للحاجب الخارج : استأذن على ولي الله فإن معي كتابا وهدية من رب العالمين ، فيقول هذا الحاجب للحاجب الذي يليه : هذا رسول من رب العالمين معه كتاب وهدية يستأذن على ولي الله ، فيستأذن كذلك حتى يبلغ إلى الحاجب الذي يلي ولي الله ، فيقول له : ياولي الله هذا رسول من رب العالمين يستأذن عليك معه كتاب وتحفة من رب العالمين أفيؤذن له ، فيقول : نعم فأدنوا له ،فيقول ذلك الحاجب الذي يليه : نعم فأذنوا
له ، فيقول الذي يليه للآخر كذلك حتى يبلغ الحاجب الآخر ، فيقول له : نعم أيها الملك قد أذن لك ، فيدخل فيسلم عليه ، ويقول : السلام يقرئك السلام وهذه تحفة وهذا كتاب من رب العالمين إليك ، فإذا هو مكتوب عليه من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي يموت فيفتحه ، فإذا فيه سلام على عبدي ووليي ورحمتي وبركاتي ياوليي أما آن لك أن تشتاق إلى رؤية ربك ، فيستخفه الشوق ، فيركب البراق فيطير به البراق شوقا إلى زيارة علام الغيوب ، فيعطيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .(2)
سُبْحَانَ قَاسِمِ فَضْلِهِ بَيْنَ العِبَا دِ فَذَاكَ مُولَي الفَضْلِ والإِحْسَانِ
__________
(1) سورة الإنسان .
(2) تفسير القرطبي (19/144-145) .(1/20)
فَالفَضْلُ عِنْدَ اللهِ لَيْسَ بِصُورَةِ الـ أعْمَالِ بَلْ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ
فصل
في أسماء الجنة
للجنة عدة أسماء ، ولكل اسم من هذه الأسماء معنى ، فاسماء الجنة مترادفة باعتبار الذات ، ومتباينة باعتبار الصفات .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : ولها عدة أسماء باعتبار صفاتها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة من هذا الوجه وتختلف باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه وهكذا أسماء الرب سبحانه وتعالى وأسماء كتابه وأسماء رسله وأسماء اليوم الآخر وأسماء النار . اهـ .(1)
الأسم الأول:الجنة. وهذا الاسم هو المتداول، قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) } .(2) وقال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) } .(3) والآيات في ذلك كثيرة جداً .
الأسم الثاني : دار السلام . قال الله تعالى : { لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) } (4)
وقال تعالى : { (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) } .(5)
الأسم الثالث : دار الخلد .
سميت بذلك لأن أهلها يكونون خالدين فيها جزاءً من ربهم تبارك وتعالى .
قال الله تعالى : { قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) } (6)
__________
(1) حادي الأرواح (1/65) .
(2) سورة البقرة .
(3) سورة النساء .
(4) سورة الأنعام .
(5) سورة يونس .
(6) سورة الفرقان .(1/21)
الأسم الرابع : دار المقامة . قال الله تعالى : { الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) } (1)
الأسم الخامس : جنة المأوى . قال الله تعالى : { أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) } .(2) وقال تعالى : { عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } .(3) الأسم السادس : جنات عدن . قال الله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) } (4) وقال تعالى: جَزَاؤُهُمْ { عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ارب.(5)
الأسم السابع: دار الحيوان.قال الله تعالى: { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِن الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) } .(6)
الأسم الثامن:الفردوس.قال الله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) } .(7) وقال تعالى : { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .(8)
__________
(1) سورة فاطر .
(2) سورة السجدة .
(3) سورة لنجم .
(4) سورة التوبة .
(5) سورة البينة .
(6) سورة العنكبوت .
(7) سورة الكهف .
(8) سورة المؤمنون .(1/22)
الأسم التاسع: جنات النعيم .قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) } .(1) وقال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) } .(2)
الأسم العاشر: المقام الأمين .قال الله تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } .(3)
الأسم الحادي عشر والثاني عشر : مقعد صدق وقدم صدق .
قال الله تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) } .سورة القمر
وقال تعالى : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } .(4)
الأسم الثالث عشر : الحسنى .
قال الله تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) } .(5) وقال تعالى : { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى } .(6)
والجنَّةُ اسْمُ الجنْسِ وهيَ كَثِيرةٌ جداً ولكنْ أصلُهَا نَوْعَانِ
ذَهَبِيتَانِ بِكُلِّ ما حَوَتَاهُ مِنْ حَلْيٍ وآنِيَةٍ وَمِنْ بُنْيَانِ
وَكَذَاكَ أيضاً فِضَّةٌ ثِنْتَانِ مِنْ حَلْيٍ وَبُنْيَانٍ وَكُلِّ أوَانِ
لَكِنَّ دَارَ الخُلْدِ وَالَمأوى وَعَدْ نٍ والسَّلاَمِ إضَافَةٌ لِمَعَانِ
أوْصَالُهَا استدعَتْ إضَافَتَهَا إلَيْـ ـهَا مِدْحةً مَعْ غَايَةِ التِّبيَانِ
لَكِنَّمَا الفِرْدَوسُ أعلاهَا وَأوْ سَطُهَا مَسَاكِنُ صَفْوَةِ الرَّحْمَنِ
__________
(1) سورة يونس .
(2) سورة لقمان .
(3) سورة الدخان .
(4) سورة يونس الآية (2) .
(5) سورة يونس .
(6) سورة الرعد الآية (18) .(1/23)
أعْلاهُ مَنْزِلَةً لأعْلَى الخَلْقِ مَنْـ ـزِلَةً هُوَ المَبْعُوثُ بِالقُرْآنِ
وَهِيَ الوَسِيلَةُ وَهْيَ أعْلَى رُتْبَةٍ خَلُصَتْ لَهُ فَضْلاً مِنَ الرَّحْمَنِ.(1)
فصل
في سوق الجنة
ثبت في السنة الصحيحة أن في الجنة سوقاً يأتون إليه المؤمنون كل جمعة فيزدادون فيه حسناً جمالاً .
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن في الجنة لسوقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهب ريحُ الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حُسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حُسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حُسنا وجمالاً، فيقولون،: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حُسناً وجمالاً"(2).
ريح الشمال : هي التي تأتي دبر القبلة. قال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال، لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام، وبها تأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحابة الشامية، وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة، أي المحركة لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسل أرض الجنة وغيره من نعيمها"(3).أ.هـ.
وعن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال : "إن قائل أهل الجنة ليقول انطلقوا بنا إلى السوق فيأتون جبالا من مسك فيجلسون فيتحدثون" .(4)
قال النووي : "المراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق ومعنى يأتونها كل جمعة أي أسبوع وليس هناك حقيقة أسبوع لفقد الشمس والليل والنهار والسوق يذكر ويؤنث وهو أفصح" .اهـ.(5)
فَيَقُولُ جَلَّ جَلالُهُ قُوُموا إلَى مَا قَدْ ذَخَرْتُ لَكُمْ مِنْ الإِحْسَانِ
__________
(1) أنظر تكلمتها في القصيدة النونية لابن قيم الجوزية رحمه الله(ص358) ، فصل في عدد الجنات وأجناسها.
(2) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2833).
(3) شرح النووي (17/171).
(4) مصنف ابن أبي شيبة رقم (34026) .
(5) شرح النووي على صحيح مسلم .(1/24)
يَأتُونَ سُوقاً لا يُبَاعُ وَيُشْتَرَي فِيهِ فَخُذْ مِنْهُ بِلا أثْمَانِ
قَدْ أسْلَفَ التُّجَارُ أثْمانَ المَبِيـ ـعِ بِعَقدِهِمْ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ
للهِ سُوقٌ قَدْ أقَامَتْهُ المَلا ئِكَةُ الكِرَامُ بِكُلِّ مَا إحْسَانِ
فِيهَا الَّذِي وَالله لا عَيْنٌ رَأتْ كَلاَّ وَلاَ سَمِعْت بِهِ أذُنَانِ
كَلاَّ وَلمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ امْرىءٍ فَيَكُونَ عَنْهُ مُعَبِّرَا بِلِسَانِ
فَيَرَى امْرَءاً مِنْ فَوْقِهِ فِي هَيْئَةِ فَيَرُوعُهُ مَا تَنْظُرُ العَيْنَانِ
فَإذَا عَلَيْهِ مِثْلُهَا إذْ لَيْسَ يَلْـ ـحَقُ أهْلَهَا شَيءٌ مِنَ الأحْزَانِ
وَاهَا لِذَا السُّوقِ الَّذِي مَنْ حَلَّهُ نَالَ التَّهَانِيَ كُلَّهَا بِأمَانِ
يُدْعَى بِسُوقِ تَعَارُفٍ مَا فِيهِ مِنْ صَخَبٍ وَلا غِشٍّ وَلا أيْمَانِ
وَتِجَارَةٌ مِنْ لَيْسَ تُلْهِيهِ تِجَا رَ اتٌ وَلا بَيْعٌ عَنِ الرَّحْمَنِ
أهْلُ المُرُوَّءةِ وَالفُتُوَّةِ وَالتُّقَى وَالذِّكْرِ للرَّحْمَنِ كُلَّ أوَانِ
يَا مَنْ تَعَوَّضَ عَنْهُ بِالسُّوقِ الَّذِي رُكِزَتْ لَدَيْهِ رَايَةُ الشَّيْطَانِ
لَوْ كُنْتَ تَدْرِي قَدْرَ ذَاكَ السُّوقِ لَمْ تَرْكَنْ إلَى سُوقِ الكَسَادِ الفَانِي
فصل
في الزيادة لأهل الجنة
قال الله تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) } .(1)
قال القرطبي قوله تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } روي من حديث أنس قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى "وَزِيَادَةٌ" قال : "للذين أحسنوا العمل في الدنيا لهم الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم" .
__________
(1) سورة يونس الآية (26) .(1/25)
وهو قول: أبي بكر الصديق، وعليّ بن أبي طالب في رواية. وحذيفة، وعُبادة بن الصامت، وكعب بن عُجْرة، وأبي موسى، وصُهيب، وابن عباس في رواية، وهو قول جماعة من التابعين، وهو الصحيح في الباب. (1)
وعن صهيب - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا ا لجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاُ أحب إليهم من النظر إلى ربهم"ثم تلا هذه الآية { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } (2).(3)
وعن جابر - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخل أهل الجنة الجنة ؛ قال الله جل وعلا : أتشتهون شيئا [فأزيدكم] ؟! قالوا : ربنا! وما فوق ما أعطيتنا؟! فيقول: بل رضاي أكبر".(4)
وكان ابن عمر يقول: أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ، ثم أصحهما هذه الآية: { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } ، وروى يزيد النحوي عن عكرمة، قال : تنظر إلى ربها نظرا ، وكان الحسن يقول: نضرت وجوههم ونظروا إلى ربهم .
فصل
في ريح الجنة
من الناس من يشم رائحة الجنة وهو في هذه الدنيا ، وذلك لشدة إيمانه بالله تعالى وتشوقه للجنة ونعيمها ، وخصوصاً أثناء الجهاد في سبيل الله تعالى .
__________
(1) تفسير القرطبي (8/330) .
(2) سورة يونس الآية (26).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (181)، ورواه الترمذي برقم (2608) .
(4) موارد الظمآن برقم (2647) ، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2237) ، باب في نساء أهل الجنة وفضل موضع القدم من الجنة على الدنيا وما فيها ، باب عرض الزيادة على أهل الجنة ، والسلسلة الصحيحة برقم (1336) .(1/26)
عن ثابت ، "قال أنس : عمي الذي سميت به لم يشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرا ، قال : فشق عليه ، قال : أول مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيبت عنه وإن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليراني الله ما أصنع ، قال : فهاب أن يقول غيرها ، قال : فشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ، قال :
فاستقبل سعد بن معاذ ، فقال له أنس : يا أبا عمرو أين ، فقال : واهاً لريح الجنة أجده دون أحد ، فقال : فقاتلهم حتى قتل ، قال : فوجد في جسده بضع وثمانون من بين حصول وطعنة ورمية ، قال : فقالت أخته عمة الربيع بنت النضر : ما عرفت أخي إلا ببنانه ، ونزلت هذه الآية: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) } .(1) قال : أنها نزلت فيه وفي أصحابه" .(2)
قال ابن حجر : يحتمل أن يكون ذلك - أي شم ريح الجنة - على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة ، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده ، والمعنى : أن الموضع الذي أقاتل فيه يئول بصاحبه إلى الجنة .اهـ .(3)
__________
(1) سورة الأحزاب الآية (23) .
(2) أخرجه البخاري برقم (2651) ، باب قول الله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ومسلم برقم(1903)، باب ثبوت الجنة للشهيد.
(3) فتح الباري (7/355) .(1/27)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" .(1)
قال النووي رحمه الله : هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان .
وقال : وفيه ذم هذين الصنفين، قيل معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها، وقيل معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا بحالها ونحوه، وقيل معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها .
وأما مائلات : فقيل معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل مائلات يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن ، وقيل مائلات يمشطن المشطة المائلة وهى مشطة البغايا مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة .
ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أونحوها.(2)
وَالرِّيحُ يُوجَدُ مِنْ َمسِيرَةِ أربعيـ ـنَ وَإنْ تَشَأ مائَةً فَمَرْويَّانِ
وَكَذَا رُوِي سَبْعِينَ أيْضاً صَحَّ هَـ ذَا كُلُّهُ وَأتَى بهِ أثرَانِ
مَا فِي رِحَالِهِمَا لَنَا مِنْ مَطْعَنٍ وَالجَمْعُ بَيْنَ الكُلِّ ذُو إمْكَانِ
وَلَقَدْ أتَى تقديرُهُ مِائَةً بِخَمْـ ـسٍ ضَرْبُهَا مِنْ غَيْرِ ما نُقْصَانِ
إنْ صَحَّ هَذَا فَهُوَ أيْضاً وَالذي مِنْ قَبْلِهِ فِي غَايَةِ الإمْكَانِ
إمَّا بَحسْبِ المُدركينً لرِ يحِهَا قُرباً وبُعدا مَا هُمَا سِيَّانِ
أوْ باخْتِلافِ قَرارِهَا وعُلُوِّهَا أيْضاً وَذَلِكَ واضِحُ التِّبْيَانِ
أوْ باختِلافِ السَّيْرِ أيْضاً فهو أنواعُ بقدْرِ إطَاقَةِ الإنْسَانِ
__________
(1) رواه مسلم برقم (2128) ، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات .
(2) شرح النووي (14/109) .(1/28)
مَا بَيْنَ ألفاظِ الرَّسُولِ تَنَاقُضٌ بَلْ ذَاكَ فِي الأفْهَامِ والأذْهَانِ
فصل
في ريح الجنة من أين تهب
وقد ثبت أن الريح التي تهب في الجنة وتحثوا في وجوه المؤمنين فيزدادون حسناً وجمالاً هي ريح الشمال عندما يذهبون إلى الجنة .
وقد تقدم حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن في الجنة لسوقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهب ريحُ الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حُسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حُسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حُسنا وجمالاً، فيقولون،: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حُسناً وجمالاً"(1).
قال النووي:"المراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق .
وقد تقدم كلام القاضي حيث قال: وخص ريح الجنة بالشمال لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام ، وبها يأتي سحاب المطر وكانوا يرجون
السحابة الشامية ، وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة ، أي المحركة لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك أرض الجنة وغيره من نعيمها" .اهـ .(2)
فصل
في صفة دخول أهل الجنة الجنة
عن خالد بن عمير قال : خطبنا عتبة بن عزوان - رضي الله عنه - ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد" فإن الدنيا قد آذنت بصرمٍ وولت حذَّاء، ولم يبقَ منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دارٍ لا زوال لها، فانتقلوا بخيرٍ ما بحضرتكم، و لقد ذكر لنا أنّ مصراعين من مصاريع الجنّة بينهما مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام"(3).
الصُرم : بالضم : أي الانقطاع والذهاب .
وحذَّاء : سريعة. والصبابة : هي البقة اليسيرة من الشيء.
ويتصابها : أي يجمعها .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2833).
(2) شرح النووي (17/170) .
(3) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2967).(1/29)
والكظيظ : هو الكثير الممتلئ .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفس محمدٍ بيده إن ما بني مصراعين من مصاريع الجنة، لكما بين مكّة وهجر أو هجر ومكة" (1).
المصراع : جانب الباب ، والمصراعان ، أي جانبا الباب .
هجر : مدينة عظيمة ، وهي قاعدة البحرين .
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ليدخُلن الجنّة من أُمتي سبعون ألفاً- أو سبعمائة ألفٍ- متماسكون، آخذ بعضهم ببعضٍ، لا يدخل أو لهم حتى يدخل أخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر"(2).
قال النووي رحمه الله تعالى : "ومعنى متماسكين ممسك بعضهم بيد بعض ويدخلون معترضين صفا واحدا بعضهم بجنب بعض ، وهذا لبعض بعظم سعة باب الجنة ، نسأل الله الكريم رضاه والجنة لنا ولأحبابنا ولسائر المسلمين"اهـ.(3)
وقال ابن حجر رحمه الله : "قال القرطبي المراد بالصورة الصفة يعني إنهم في إشراق ، وجوهم على صفة القمر ليلة تمامه وهي ليلة أربعة عشر ، ويؤخذ منه أن أنوار أهل الجنة تتفاوت بحسب درجاتهم ، قلت وكذا صفاتهم في الجمال ونحوه" .اهـ.(4)
فصل
في صفة أول زمرة تدخل الجنة
__________
(1) هو جزء من حديث طويل رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3340)، وفي كتاب التفسير برقم (4712) ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (194).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6543) ، وسلم في كتاب الإيمان برقم (219).
(3) شرح النووي (3/92) .
(4) فتح الباري (11/413) .(1/30)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول زمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشدّ كوكب دري في السماء إضاءةً لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، أمشاطهم الذّهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، أزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلقِ رجلٍ واحدِ على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء".
وفي رواية : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول زمرة تلج الجنّة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرُهم الألوة، ورشحهم المسك، لكل واحدٍ منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرةً وعشياً"(1).
زمرة : هي الجماعة .
الألوة : من أسماء البخور الذي يتبخربه.
والمجامر: جمع مجمرة وهي المبخرة، سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور .
وفي رواية لمسلم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "أول زمرةٍ يدخلون الجنًّة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجمٍ في السماء إضاءةً ، ثم هم بعد ذلك منازل"(2).
هَذَا وأوَّلُ زُمَْرةٍ فَوُجُوهُهُمْ كَالبَدْرٍ لَيْلَ السِّبِّت بَعْدَ ثَمَانِ
السَّابِقُونَ هُمُ وَقَدْ كَانُوا هُنَا أيْضاً أوْلِي سَبْقٍ إلى الإحْسَانِ
والزمرةُ الأخْرَى كَأضْوَءِ كَوْكَبٍ فِي الأفْقِ تَنْظُرُهُ بِهِ العَيْنَانِ
أمْشَاطُهُمْ ذَهَبٌ وَرَشْحُهُمُ فَمِسْـ ـكٌ خَالِصٌ بَاذِلَّةَ الحِرْمَانِ
فصل
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3245)، وفي أحاديث الأنبياء برقم (3327) ، ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).
(2) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).(1/31)
في أن أهل الجنة أبناء ثلاث وثلاثين
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "يدخل أهل الجنةِ الجنّةَ جُرْداً مُرداً مكحلين، بني ثلاث وثلاثين"(1).
وعن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أهل الجنَّة جُرْدٌ مرْدٌ كُحْلٌ لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم"(2).
وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يدخل أهل الجنة الجنة جُرداً مُرداً بيضاً
جعاداً، مكَحًّلين، أبناء ثلاثٍ وثلاثين، وهم على خُلْقِ آدم، ستون ذراعاً"(3).
جرداً : نزع عنه الشعر .(4)
مرداً : قالَ ابن الأَعرابي : المَرَدُ نَقَاءُ الخدين من الشعر ونَقاء الغُصْن من الوَرَق . و الأَمْرَد ُ: الشابُّ الذي بلغَ خروج لِحْيته وطَرَّ شاربه ولم تبد لحيته .(5)
جعاداً : جمع جعد وهو هنا جعد الشعر وهو ضد السَّبَط .
ريما يرد سؤال : كيف يكون لأهل الجنة أمشاط وهم جرداً ؟
الجواب : هو أن أهل الجنة لا تكون لهم الأشياء عن حاجة وإنما هو من كمال التنعم والتلذذ .
__________
(1) رواه الترمذي وقال : "حديث حسن غريب"، وقال الألباني : صحيح لغيره،صحيح الترغيب برقم (3698)
(2) رواه الترمذي وقال: غريب، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3699).
(3) رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي، كلهم من رواية علي بن زيد بن جدعان، عن ابن المسيب عنه، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3700).
(4) لسان العرب (3/115) .
(5) لسان العرب (3/401) .(1/32)
قال ابن حجر : "وقال القرطبي : قد يقال : أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ ونصف حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك؟ قال : ويجاب بان نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظمأ أوعرى أو نتن وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية ، ولا حكمة في ذلك إنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا" .(1)
هَذَا وَسِنُّهُمُ ثَلاثٌ مَعْ ثَلا ثِينَ التي هِيَ قُوَّةُ الشُّبَّانِ
وَصَغِيرُهُم وكبيرُهُمْ فِي ذَا عَلَى حَدٍّ سَواءٍ مَا سِوَى الوِلْدَانِ
وَلَقَدْ روى الخُدريُّ أيضاً أنَّهُمْ أبْنَاءُ عَشْرِ بَعْدَهَا عَشْرَانِ
وَكلاهُمَا فِي الترمذيِّ وَليسَ ذَا بتناقُضِ بَلْ هَا هُنا أمْرَانِ
حَذْفُ الثَّلاثِ وَنَيِّفٍ بَعْدَ العُقُو دِ وذِكْرُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ِسيَّانِ
عِنْدَ اتِّسَاعٍ فِي الكَلامِ فَعِنْدَمَا يَأتُوا بِتحْرِيرٍ فَبِالمِيزَانِ.
ألْوَانُهُمْ بِيضٌ وَلَيْسَ لَهُمْ لِحى جُعْدُ الشُّعُورِ مُكَحَّلُو الأجْفَانِ
هَذَا كَمَالُ الحُسْنِ فِي أبْشَارِهِمْ وَشُعُورِهِمْ وَكَذلِكَ العَيْنَانِ
فصل
في ثيابِهِمْ وحُلَلِهِمْ
قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى إ7ح !#u'F{$# نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) } (2).
__________
(1) فتح الباري (6/325) .
(2) سورة الكهف .(1/33)
قال القرطبي: لما ذكر ما أعدّ للكافرين من الهوان ذكر أيضاً ما للمؤمنين من الثواب. وفي الكلام إضمار؛ أي لا نضيع أجر من أحسن منهم عملاً، فأما من أحسن عملاً من غير المؤمنين فعمله مُحْبطَ. و "عملا" نصب على التمييز، وإن شئت بإيقاع "أحسن" عليه. وقيل: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } كلام معترض، والخبر قوله { أُوْلَائِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } و { جَنَّاتُ عَدْنٍ } سُرَّةُ الجنة، أي وسطها وسائر الجنات مُحْدِقَة بها. وذكرت بلفظ الجمع لسَعتها؛ لأن كل بُقعة منها تصلح أن تكون جنة. وقيل: العَدْن الإقامة، يقال: عَدَن بالمكان إذا أقام به. وعَدَنْت البلد توطنْته. وعَدَنَتِ الإبلُ بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه؛ ومنه "جناتُ عَدْن" أي جنات إقامة. ومنه سُمِّيَ المَعْدِن (بكسر الدال)؛ لأن الناس يقيمون فيه بالصيف والشتاء. ومركز كلّ شيء مَعدِنه. والعادن: الناقة المقيمة في المرعى. وعَدَن بلد؛ قاله الجوهري. { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ } تقدّم في غير موضع. { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } وهو جمع سِوار. قال سعيد بن جُبَير: على كل واحد منهم ثلاثة أسورة: واحد من ذهب، وواحد من ورِق، وواحد من لؤلؤ .اهـ. (1).
وقال تعالى : { إِن اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) } .(2)
وقال تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) } (3)
__________
(1) تفسير القرطبي (10/395) .
(2) سورة الحج .
(3) سورة فاطر .(1/34)
وعن قتادة حدثنا أنس - رضي الله عنه - ، قال : أهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - جبة سندس ، وكان ينهى عن الحرير ، فعجب الناس منها ، فقال : "والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا" .(1)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - ،قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا تلبسوا الحرير ، ولا الديباج ، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة" .(2) إن سألت عن لباس أهلـ ها و الحرير الذهب .
وإن سألت عن فرشها فبطائنها من استبرق
مفروشة في أعلى الر تب وإن سألت عن أرائكها
فهي الأسرة فما لها من فروج ولا خلال .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
"من يدخل الجنة ينعم ولا ييأس لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، وفي الجنة ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنُ سمعت ولا خطر على قلب بشر"(3).
لا يبأس: أي لا يصيبه بأس، وهو شدة الحال والبأس .
وينعم أي : يدوم له النعيم .(4)
وَهُمُ المُلوكُ عَلَى الأسِرًّةِ فَوْقَ هَا تِيكَ الرُّؤوس مُرَصَّعُ التِّيجَانِ وَلِبَاسُهُمْ مِنْ سُنْدُسٍ خُضر ومن إسْتَبْرَقٍ نَوْعَانِ مَعْرُوفَانِ
مَا ذَاكَ مِنْ دُودٍ بَنَى مِنْ فَوْقِهِ تِلْكَ الُبُيوتَ وَعادَ ذو طَيَرَانِ
كَلا وَلا نُسِجَتْ عَلَى الِمنْوَالِ نَسْـ ـجَ ثِيَابِنَا بِالقُطْنِ وَالكَتَّانِ
لَكِنَّهَا حُلَلٌ تَشُقُ ثِمَارَهَا عَنْهَا رَأيْتَ شَقَائِقَ النُّعْمَانِ
__________
(1) رواه البخاري برقم (2473) ، باب قبول الهدية من المشركين ، ومسلم برقم (2468) ، باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه .
(2) رواه البخاري برقم (5110)، باب الأكل في إناء مفضض، ومسلم برقم (2067) ، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء .
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2836) .
(4) شرح النووي (17/174) .(1/35)
بِيضٌ وَخُضْرٌ ثُّمَّ صُفْرٌ ثُمَّ حُمْـ ـرٌ كَالرِّباطِ بِأحْسَنِ الألْوَانِ
لا تَقْربُ الدَّنَسَ المُقَرَّبَ لِلْبِلَى مَا لِلْبلَى فِيهنَّ مِنْ سُلْطَانِ
وَنَصِيفُ إحْدَاهُنَّ وَهْوَ خِمَارُها ليْسَتْ لَهُ الدُّْنْيَا مِنَ الأثْمَانِ
سَبْعُونَ مِنْ حُلَلٍ عَليْهَا لا تَعُو قُ الطَّرْفَ عَنْ مُخَّ وَرَا السَّاقَانِ
لَكِنْ يَرَاهُ مِنْ وَرَا ذَا كُلِّهِ مِثْلَ الشَّرَابِ لَدَى زُجَاجِ أوَانِ
فصل
في سرر أهل الجنة وفرشهم وأرائكهم
قال الله تعالى: { مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) } .(1)
وقال تعالى : { عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) } .(2) وقال تعالى : : { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى إ7ح !#u'F{$# نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) } (3).
قال القرطبي رحمه الله : وخص الأخضر بالذكر لأنه الموافق للبصر ، لأن البياض يبدد النظر ويؤلم والسواد يذم ، والخضرة بين البياض والسواد ، وذلك يجمع الشعاع . والله أعلم .
وقال : الأرائك جمع أريكة ، وهي السرر في الحجال ، وقيل : الفرش في الحجال ، قاله الزجاج ، وقال ابن عباس : هي الأسرة من ذهب ، وهي مكللة بالدر والياقوت عليها الحجال . (4)
فِيهَا الأرائِكِ َوْهيَ مِنْ سُرُرٍ عَلَْ ـيهِنَّ الحِجَالُ كَثِيرَةُ الألْوَانِ
__________
(1) سورة الطور .
(2) سورة الواقعة .
(3) سورة الكهف .
(4) القرطبي (10(397) .(1/36)
لا تَسْتَحِقُّ اسْمَ الأرائِكِ دُونَ هَا تِيكَ الحِجَال وَذَاكَ وَضْعُ لِسَانِ
بَشْخَانَةٌ(1) يَدْعُونَهَا بِلسَانِ فَا رِسَ وَهْوَ ظَهْرُ البَيْتِ ذي الأرْكَانِ
وقال الله تعالى : { فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) } .(2) وقال تعالى: { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) } .(3)
وقال تعالى : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ $pkك]ح !$sـt/ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) } .(4)
قال ابن كثير : يقول تعالى : متكئين يعني أهل الجنة ، والمراد بالإتكاء ههنا الإضطجاع ، ويقال الجلوس على صفة التربيع على فرش بطائنها من استبرق وهو ما غلظ من الديباج ، قاله عكرمة والضحاك وقتادة ، وقال أبو عمران الجوني : هو الديباج المزين بالذهب ، فنبه على شرف الظهارة بشرف البطانة فهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى.اهـ .(5)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : في قوله عز وجل { بطائنها من إستبرق } ، قال: أخبرهم بالبطائن، فكيف بالظهائر؟(6).
وَالفُرْشُ مِنْ إسْتَبْرَقٍ قَدْ بُطِّنَتْ مَا ظَنُّكُمْ بِظَهَارَةٍ لِبِطَانِ
مَرْفُوعَةٌ فَوْقَ الأسرَّةِ يَتَّكِي هُوَ وَالحَبِيبُ بِخَلْوَةِ وَأمَانِ
يَتَحَدَّثَانِ عَلَى الأرَائِكِ مَا تَرَى حَِّبيْنِ فِي الخَلَوَاتِ يَنْتَحِبيَانِ
هَذَا وَكَمْ زَرِبِيَّةٍ(7) وَنَمَارِقٍ(8) وَوَسَائِدٍ صُفَّتْ بِلا حُسْبَانِ
فصل
في الخدم والغلمان
__________
(1) أي الأريكة ، والكلمة فارسية .
(2) سورة الغاشية .
(3) سورة الرحمن .
(4) سورة الرحمن .
(5) تفسير ابن كثير (4/278) .
(6) رواه البيهقي ، وقال الألباني : حسن موقوف، صحيح الترغيب رقم (3746).
(7) الزرابي : أي البسط .
(8) أي الوسائد .(1/37)
قال الله تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) } .(1)
وقال تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) } .(2)
قوله تعالى: { إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً } أي:في بياض اللؤلؤ وحسنه واللؤلؤ، إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظرا.وإنما شبهوا باللؤلؤ
المنثور،لانتشارهم في الخدمة.ولو كانوا صفا لشبهوه بالمنظوم.زاد المسيرتفسير سورة الإنسان
وقال ابن كثير : -هذا - إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في حسنهم وبهائهم ونظافتهم وحسن ملابسهم .(3)
وقال تعالى : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) } .(4)
قال القرطبي : "قوله تعالى : { ويطوف عليهم ولدان مخلدون } بين من الذي يطوف عليهم بالآنية أي ويخدمهم ولدان مخلدون فإنهم أخف في الخدمة ثم قال مخلدون أي باقون على ماهم عليه من الشباب والغضاضة والحسن لايهرمون ولا يتغيرون ويكونون على سن واحدة على مر الأزمنة وقيل مخلدون لايموتون وقيل مسورون مقرطون أي محلون والتخليد التحلية وقد تقدم هذا إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا أي ظننتهم من حسنهم وكثرتهم وصفاء ألوانهم لؤلؤا مفرقا في عرصة المجلس واللؤلؤ إذا نثر على بساط كان أحسن منه منظوما . وقيل : إنما شبههم بالمنثور لأنهم سراع في الخدمة بخلاف الحور العين إذ شبههن باللؤلؤ المكنون المخزون لأنهن لا يمتهن بالخدمة . (5)
__________
(1) سورة الطور .
(2) سورة الإنسان .
(3) تفسير ابن كثير (4/243) .
(4) سورة الواقعة .
(5) تفسير القرطبي (19/143) .(1/38)
قال ابن القيم : وشبههم باللؤلؤ لما فيه من البياض وحسن الخلقة ، وفي كونه منثوراً فائدتان : أحداهما : أنهم غير معطلين بل مثبوثون في خدمتهم وحوائجهم .
والثاني : أن اللؤلؤ إذا كان منثوراً لا سيما على بساط من ذهب أو حرير كان أحسن لمنظره وأبهى من كونه مجموعا في مكان .اهـ.(1)
فصل
في أنهار الجنة
قال الله تعالى : { مثل الجنة التي وُعِد المتقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسن وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفى ولهم فيها من كل الثمرات } (2).
غير آسن : أي لم يتغير ريحه .
قال ابن قيم الجوزي رحمه الله تعالى : فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ، ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا .
فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه .
وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصا .
وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي في اللذة وشربها .
وآفة العسل عدم تصفيتة .
__________
(1) شرح القصيدة النونية (2/530) .
(2) سورة محمد الآية (15).(1/39)
وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ، ويجريها في غير أخدود ، وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول والانزاف وعدم اللذة ، فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا : تغتال العقل ، ويكثر اللغو على شربها بل لا يطيب لشرابها ذلك إلا باللغو ، وتنزف في نفسها ، وتنزف المال ، وتصدع الرأس ، وهي كريهة المذاق ، وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتدعو إلى الزنا ، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم ، وتذهب الغيرة ، وتورث الخزي والندامة والفضيحة ، وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان ، وهم المجانين وتسلبه أحسن الأسماء والسمات ، وتكسوه أقبح الأسماء والصفات ، وتسهل قتل النفس، وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته أو هلاكه، ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياما له ولم يلزمه مؤنته ، وتهتك الأستار ، وتظهر الأسرار ، وتدل على العورات ، وتهون ارتكاب القبائح والمأثم ، وتخرج من القلب تعظيم المحارم ، ومدمنها كعابد وثن ، وكم أهاجت من حرب ، وأفقرت من غنى ، وأذلت من عزيز ، ووضعت من شريف ، وسلبت من نعمة ، وجلبت من نقمة ، وفسخت من مودة ، ونسجت من عداوة ، وكم فرقت بين رجل وزوجته فذهبت بقلبه وراحت بلبه ، وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة ، وكم أغلقت في وجه شاربها بابا من الخير ، وفتحت له بابا من الشر ، وكم أوقعت في بلية وعجلت من منيته ، وكم أورثت من خزية وجرت على شاربها من محنة وجرت عليه من سفلة . فهي جماع الأثم ، ومفتاح الشر ،(1/40)
وسلابة النعم ، وجالبةُ النقم ، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد ، كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة".(1) لكفى وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا ، وكلها منتفية عن خمر الجنة .اهـ .(2)
وقال الله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) } .(3)
قال القرطبي رحمه الله تعالى : "قوله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ } أي بساتين ، { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } من تحت أشجارها وغرفها الأنهار ، وقد تقدم في سورة البقرة أنها تجري منضبطة بالقدرة في غير أخدود { خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } قصور من الزبرجد والدر والياقوت، يفوح طيبها من مسيرة خمسمائة عام { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } ، أي في دار إقامة، يقال:عدن بالمكان إذا أقام به، ومنه المعدن،وقال عطاء الخراساني:
{ جنات عدن } هي قصبة الجنة ، وسقفها عرش الرحمن جل وعزّ ، وقال ابن مسعود : هي من ذهب لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل ، ونحوه الضحاك .
__________
(1) أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - برقم (2003) ، باب عقوبة من شرب الخمر إذا لم يتب منها بمنعه إياها في الآخرة .
(2) حادي الأرواح (1/122) .
(3) سورة التوبة .(1/41)
وقال مقاتل والكلبي : عدن أعلى درجة في الجنة ، وفيها عين التسنيم ، والجنان حولها محفوفة بها ، وهي من يوم خلقها الله حتى ينزلها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن يشاء الله { ورضوان من الله أكبر } أي : أكبر من ذلك { ذلك هو الفوز العظيم } .اهـ .(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهار : نهران ظاهران ، ونهران باطنان ، فأما الظاهران فالنيل والفرات ، وأما الباطنان فنهران في الجنة" .(2)
وفي لفظ لمسلم : "أنه رأى أربعة أنهار يخرج منهما نهران ظاهران ونهران باطنان"(3) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة" .(4)
قال النووي: في هذا الحديث أن أصل النيل والفرات من الجنة، وأنهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى، ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان إلى الأرض، ثم يسيران فيها ثم يخرجان منها، وهذا لا يمنعه العقل، وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد .
ثم قال : فأما سيحان وجيحان المذكوران في هذا الحديث اللذان هما من أنهار الجنة في بلاد الأرمن ، فجيحان نهر المصيصة ، وسيحان نهر إذنة ، وهما نهران عظيمان جدا أكبرهما جيحان ، فهذا هو الصواب في موضعهما .(5)
__________
(1) تفسير القرطبي (5/3043) .
(2) رواه البخاري برقم (5286) ، باب شرب اللبن.
(3) رواه مسلم برقم (164) ، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات وفرض الصلوات .
(4) رواه مسلم برقم (2839) ، باب ما في الدنيا من أنهار الجنة .
(5) شرح مسلم للنووي (17/176) .(1/42)
وعن حكيم بن معاوية القشيري ، عن أبيه - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "في الجنة بحرُ للماء، وبحرٌ لللبن، وبحرٌ للعَسلِ، وبحرٌ للخَمر، ثم تُشَقَّق الأنهارُ منها بَعْدُ"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنهار الجنة تخرج من تحت تلال أو من تحت جبال المسك" .(2)
أنْهَارُهَا فِي غَيْرِ أخْدُودٍ جَرَتْ سُبْحَانَ مُمْسِكِهَا عَنِ الفَيَضَانِ
مِنْ تَحِتهمْ تَجْرِي كَمَا شَاؤُوا مُفَجَّـ ـرَةً وَمَا لِلنَّهْرِ مِنْ نُقْصَانِ
عَسَلٌ مُصَفَّى ثُمَّ مَاءٌ خَمْـ ـرٌ ثُمَّ أنْهَارٌ مِنَ الألَبانِ
وَالله مَا تلِْكَ المَوَادُّ كَهَذِهِ لَكِنْ هُمَا فِي اللَّفْظِ مُجْتَمعَانِ
هَذَا وَبَيْنَهُمَا يَسِيرُ تَشَابُهٍ وَهْوَ اشْتِرَاكٌ قَامَ بِالأذْهَانِ
فصل
في نهر الكوثر
__________
(1) أخرحه أحمد (5/5)، وابن حبان (623، موارد)، والترمذي برقم (2574)، وصححه، و البيهقي، كلهم بلفظ (بحر الماء... )، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3722) ، وصححه في صحيح موارد الظمآن برقم (2221) ، باب في أنهار الجنة ، والمشكاة برقم (5650و5651) .
(2) صحيح موارد الظمآن برقم (2222)، والتعليق الرغيب(4/255)،والتعليقات الحسان برقم(7365).(1/43)
قال الله تعالى : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِن شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) } .(1)قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والمقصود أن الكوثر نهر في الجنة، وهو من الخير الكثير الذي أعطاه الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وهذا غير ما يعطيه الله من الأجر الذي هو مثل أحور أمته إلى يوم القيامة، فكل من قرأ أو علم أو عمل صالحاً أو علم غيره أو تصدق أو حج أو جاهد أو رابط أو تاب أو صبر أو توكل أو نال مقاماً من المقامات القلبية من خشية وخوف ومعرفة وغير ذلك، فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر ذلك العامل. والله أعلم . (2)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : سُئلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما الكوثر؟ قال :
" ذاك نهرٌ أعطانيه الله يعني في الجنة- أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيرٌ أعناقُها كأعناقِ الجُزُر" قال عمر: إن هذه لناعمةٌ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أكلتها أنعم منها"(3).
" الجُزُر" بضم الجيم والزاي:جمع جزور، وهو البعير .
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "بينا أنا أسير في الجنَّة إذا أنا بنهرٍ حافَتَاه قبابُ اللُؤلؤ المجوَّف، فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الكوثرُ الذي أعطاك ربُّك، قال فضربَ الملك بيده فإذا طينُه مسكٌ أذفر"(4).
__________
(1) سورة الكوثر .
(2) مجموع الفتاوى (16/521) .
(3) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب (3724).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6582).(1/44)
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدُر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج"(1).
وعن أنس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن في حوضي من الأباريق ، بعددِ نجومِ السماء" .(2)
قال المناوي: قال القاضي: إشارة إلى غاية الكثرة من قبيل خبر لا يضع العصا عن عاتقه واختار النووي أن المراد الحقيقة إذ لا مانع منه وللقاضي أن ينازعه بأن الحوض عرضه نحو ثلاثة أيام فالظاهر أن لا يسع من الأواني ما تسعه النجوم من السماء وأمور الآخرة غير معقولة فتفويض كيفية ذلك إلى علم الشارع أولى . (3)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : أنزلت علي آنفا سورة ، فقرأ : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
cخ) شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) } ، ثم قال : أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : إنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي ، فيقول : ما تدري ما أحدثت بعدك" .
زاد بن حجر في حديثه : "بين أظهرنا في المسجد ، وقال : ما أحدث بعدك" .(4)
قال النووي : وقوله : يختلج أي ينتزع ويقتطع .
فوائد الحديث : في هذا الحديث فوائد منها :
__________
(1) واه ابن ماجه برقم (4334) والترمذي برقم (3361) وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4615) .
(2) صحيح الجامع برقم (2134) ، وشرح الطحاوية برقم (192) .
(3) فيض القدير .
(4) رواه مسلم برقم (400) ، باب حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة .(1/45)
1- أن البسملة في أوائل السور من القرآن ، وهو مقصود مسلم بإدخال الحديث هنا .
2- وفيه : جواز النوم في المسجد ، وجواز نوم الإنسان بحضرة أصحابه .
3- وأنه إذا رأى التابع من متبوعه تبسما أو غيره مما يقتضى حدوث أمر يستحب له أن يسأل عن سببه .
4- وفيه إثبات الحوض ، والإيمان به واجب .اهـ .(1)
فصل
في عيون الجنة
تفضل الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين في الجنة بأن يزيدهم نعيم على نعيم ، وهذا من رحمته ومنه وكرمه سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين ، فمن هذه النعم التي أعطاها سبحانه لعباده في الجنة أن فجَّر لهم العيون ، حيث يسقون منها في الجنة نسأل الله أن نكون منهم .
قال الله تعالى: { عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) } .(2)
وقال تعالى : { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى إ7ح !#u'F{$# يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) } .(3)
قال القرطبي : "قال أبو العالية ومقاتل إنما سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنة وقال قتادة سلسة منقاد ماؤها حيث شاءوا ونحوه عن عكرمة" .(4)
وقال ابن القيم : "فأخبر سبحانه عن مزاج شرابهم بشيئين بالكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها فإن في الكافور من البرد وطيب الرائحة وفي الزنجبيل
من الحرارة وطيب الرائحة ما يحدث لهم باجتماع الشرابين ومجيء أحدهما على أثر الآخر حالة أخرى أكمل وأطيب وألذ من كل منهما بانفراده" .
__________
(1) شرح النووي (4/113) .
(2) سورة الإنسان .
(3) سورة المطففين .
(4) تفسير القرطبي (19/143) .(1/46)
وقال تعالى : { إِن الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) } (1).
وقال تعالى : { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) } (2)
قال ابن قيم الجوزية: وقال: يشرب "بها" المقربون، ولم يقل: "منها" إشعاراً بأَن شربهم بالعين نفسها خالصة لا بها وبغيرها فضمن "يشرب" معنى يروى، فعدَّى بالباءَ، وهذا ألطف مأْخذاً وأَحسن معنى من أن يجعل الباء بمعنى من، [ولكن] يضمن يشرب الفعل معنى فعل آخر، فيتعدى تعديته، وهذه طريقة الحذاق من النحاة وهى طريقة سيبويه وأئمة أصحابه، وقال في الأبرار: { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } ،لأن شرب المقربين لما كان أكمل استعير له الباءُ الدالة على شرب الري بالعين خالصة ودلالة القرآن أَلطف وأَبلغ من أن يحيط بها البَشر(3).
وقال رحمه الله في حادي الأرواح : "قال بعض السلف معهم قضبان الذهب حيثما مالوا مالت معهم" .(4)
وقال تعالى : { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } .(5) وقال تعالى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) } .(6)
__________
(1) سورة الحجر .
(2) سورة الإنسان .
(3) طريق الهجرتين وباب السعادتين (1/335) .
(4) حادي الأرواح (1/126) .
(5) سورة المطففين الآية (28)
(6) سورة الإنسان الآية (17-18) .(1/47)
قال القرطبي رحمه الله : "قال ابن عباس : أول ما يدخل أهل الجنة الجنة تعرض لهم عينان فيشربون من إحدى العينين فيذهب الله ما في قلوبهم من غل ثم يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم وتصفو وجوههم وتجري عليهم نضرة النعيم ونحوه عن علي - رضي الله عنه - " .اهـ .(1)
وقال ابن القيم : "فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون صرفا أن شراب الأبرار يمزج منها لأن أولئك أخلصوا الأعمال كلها لله فاخلص شرابهم وهؤلاء مزجوا فمزج شرابهم" .(2) قال الله تعالى : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } .(3) قال القرطبي : قوله تعالى فيهما عينان تجريان أي في كل واحدة منهما عين جارية قال ابن عباس تجريان ماء بالزيادة والكرامة من الله تعالى على أهل الجنة
وعن ابن عباس أيضا والحسن تجريان بالماء الزلال إحدى العينين التسنيم والأخرى السلسبيل وعنه أيضا عينان مثل الدنيا أضعافا مضاعفة حصباؤها الياقوت احمر والزبرجد الأخضر وترابهما الكافور وحمأتهما المسك أذفر وحافتاهما الزعفران وقال عطية إحداهما من آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين وقيل تجريان من جبل من مسك وقال أبو بكر الوراق فيهما عينان تجريان لمن كانت عيناه في الدنيا تجريان من مخافة الله عز وجل .(4)
فصل
في خيام الجنة وغرفها، وغير ذلك
هل في الجنة خيام، وهل تشبه خيام الدنيا ؟
__________
(1) تفسير القرطبي(10/33) .
(2) حادي الأرواح (1/126) .
(3) سورة الرحمن الآية (48) .
(4) تفسير القرطبي (17/178-179) .(1/48)
نعم والله في الجنة خيام ولكل مؤمن خيمة، وهي لا تشبه خيام الدنيا قطعاً، فهي أجمل وأفضل وأحلى وأكبر . فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ للمؤمن في الجنّة لَخَيمةً من لؤلؤةٍ واحدة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يَطوفُ عليهم المؤمنُ فلا يرى بعضهم بعضاً"(1).
و في رواية "عرضها ستون ميلاً" .الميل: هو ثلث فرسخ وكل بريد اثنا عشر ميلاً
قوله : إن في الجنة لخيمة : أي عظيمة مجوفة ، أي واسعة الجوف عرضها ، وفي رواية طولها ، ويتحصل بالروايتين أن طولها وعرضها كل واحد منهما ستون ميلا
في كل زاوية ، أي من الزوايا الأربع منها ، أي من تلك الخيمة أهل ، في رواية مسلم أهل للمؤمن أي ذلك الأهل ، وجمع باعتبار معناه الآخرين ، أي الجمع الآخرين من الأهل الكائنين في زاوية أخرى يطوف عليهم أي يدور على جميعهم المؤمن، قيل: إن المعنى يجامع المؤمن الأهل ، وأن الطواف هنا كناية عن المجامعة.(2)
لِلْعَبْدِ فِيها خَيْمَةٌ مِنْ لُؤلُؤٍ قَدْ جُوِّفَتْ هِيَ صَنْعَةُ الرَّحْماَنِ
سِتُّونَ مِيلاً طُولُهَا فِي الجَوِّ فِي كُلِّ الزَوَايَا أجْمَلُ النِّسْوَانِ
يَغْشَى الجَميعَ فَلا يُشَاهِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَهَذَا لاتِّسَاعَ مَكَانِ
فِيهَا مَقَاصِيرُ بِهَا الأبْوَابُ مِنْ ذَهَبٍ وَدُرٍ زِيْنَ بِالمُرْجَانِ
وخِيَامُها مَنْصُوبَةٌ بِرِيَاضِهَا وَشَوَاطِيءِ الأنهَارِ ذِي الجَرَيَانِ
مَا فِي الخِيَامِ سِوَى الَّتِي لَوْ قَابَلَتْ لِلنَّيِّرَيْنِ لَقُلْتَ مُنْكَسِفَانِ
للهِ هَاتِيكَ الخِيَامُ فََكَمْ بِهَا لِلْقَلْبِ مِنْ عُلَقٍ وَمِنْ أشْجَانِ
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3243) ، وفي كتاب التفسير برقم (4879) ، ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2838).
(2) تحفة الحوذي (7/198) .(1/49)
فِيهنَّ حُورٌ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ خَيْـ ـرَاتٌ حِسَانٌ هُنَّ خَيْرُ حِسَانِ
خَيْرَاتُ أخْلاقٍ حَسَانُ أوْجَهاً فَالحُسْنُ وَالإِحْسَانُ مُتَّفِقَانِ
فصل
في بناء قصور الجنة
لو رأيت قصراً من قصور الدنيا تعجب من بناءه وتقول سبحان الله ما أجمل هذا القصر، خصوصاً إذا كان من أفخم القصور وأجملها، فهذه قصور الدنيا فكيف بقصور الجنة هل يستطيع أحد منا أن يحدث عنها ويصفها لا والله لا نستطيع ذلك، الذي يستطيع أن يحدث عنها ويصفها لنا هو ربنا جّل وعلا ، ورسوله الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - .قال الله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) } (1) وقال تعالى : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) } . (2)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : "يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين به والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) ، أي : ماكثين فيها أبداً (ومساكن طيبة) أي حسنة البناء طيبة القرار" .اهـ .(3)
__________
(1) سورة التوبة .
(2) سورة آل عمران .
(3) تفسير ابن كثير (2/370) .(1/50)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال: لبنة من ذهب ولبنة من فضةٍ وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولا ييأس ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه"(1).
الملاط:بكسر الملم وبالطاء المهملة هو ما يجعل بين ساقي البناء كالطين ونحوه .
وعنه قال: "حائط الجنة لبنةٌ من ذهبٍ ولبنةٌ من فضةٍ ودُرُجها الياقوت واللؤلؤ" قال: وكنا نحدَّثُ أنَّ رضراض أنهارها اللُّؤلؤ، وترابها الزعفران"(2).
الرضراض: بفتح الراء وبضادين معجمتين، وهو الحصى الصغار الذي يجري عليها الماء .
والحصباء ممدودا ً: بمعنى واحد وهو الحصى، وقيل الرضراض: صغارها.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ،قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إن الله عز وجل أحاطَ حائط الجنة لبنةً من ذهبٍ، ولبنة من فضةٍ، ثم شقق فيها الأنهار، وغرس فيها الأشجار، فلما نظرت الملائكة إلى حُسنها قالت: طوبى لك منازل الملوك"(3).
طوبى : أسم شجرة في الجنة .
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - ،قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا:"أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهيا بي إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة" .(4) وعن الأعمش، عن مالك بن الحارث قال: قال مغيث بن سمي: "إن في الجنة قصورا من ذهب وقصورا من فضة وقصورا من ياقوت وقصورا من زبرجد جبالها المسك وترابها الزعفران" .(5)
__________
(1) رواه الترمذي برقم (2526) وابن حبان وأحمد واللفظ له، و البزار والطبراني في الأوسط. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3711).
(2) رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً على أبي هريرة،و قال الألباني: صحيح لغيره،صحيح الترغيب رقم(3712)
(3) أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3714).
(4) رواه البخاري في صحيحه برقم (4397) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة رقم (34025) .(1/51)
وَبِنَاؤُهَا الَلَّبِنَاتُ مِنْ ذَهَبٍ وَأخْـ ـرَى فِضَّةٍ نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ
وَقُصورُهَا مِنْ لُؤلُؤٍ وَزَبرْجَدٍ أوْ فِضَّةٍ أوْ خَالِصِ العِقْيَانِ
وَكَذَاكَ مِنْ دُرٍ وَيَاقُوتٍ بِهِ نُظِمَ البِنَاءُ بِغَايَةِ الإِتْقَانِ
وَالطِّيُن مِسْكٌ خَالِصٌ أوْ زَعْفَـ رَانٌ جَابَذَا أثَرَانِ مَقْبُولانِ
لَيْسَا بِمُخْتَلِفَيْنِ لا تُنْكِرْهُما فَهُمَا المِلاطُ لِذَلكَ البُنْيَانِ
المؤمن أدّل بمنزله في الجنة من الذي كان في الدنيا .
أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن المؤمن يعرف منزله الذي في الجنة وهو أدّل له من منزله الذي كان في الدنيا .فعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ - رضي الله عنه - ،عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"إذا خَلَصَ المؤمنونَ منَ النارِ حُبِسوا بقَنْطَرَةٍ بينَ الجنَّةِ والنار، فيَتقاصُّونَ مَظالِمَ كانت بينهم في الدُّنيا، حتَّى إذا نُقُّوا وهُذِّبوا أُذِنَ لهم بدخولِ الجنَّةِ، فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه، لأحدُهم بمسكَنِهِ في الجنَّةِ أدَلُّ بمنزِلهِ كان في الدُّنيا".(1)
فصل
في الفردوس
قال الله تعالى : { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) } .(2)
__________
(1) رواه البخاري برقم (2397) .
(2) سورة المؤمنون .(1/52)
الفردوس : البستان .قال ابن منظور: والفِرْدَوْسُ: حديقة في الجنة. وقوله تعالى: وتقدَّسَ: { الذين يَرِثون الفِرْدَوْس هم فيها خالِدُون } ؛ قال الزجاج: رُوي أَن الله عز وجل جعل لكل امرىءٍ في الجنة بيتاً، وفي النار بَيْتاً، فمن عَمِلَ عَمَلَ أَهل النار وَرِثَ بيتَه، ومن عمل عَمَل أَهل الجنة ورِثَ بيتَه؛ والفِرْدَوْس أَصله رُوميّ عرّب، وهو البُستان، كذلك جاء في التفسير. والعرب تُسمِّي الموضع الذي فيه كَرْم: فِرْدَوْساً. وقال أَهل اللغة: الفِرْدَوْس مذكر وإِنما أُنّث في قوله تعالى: { هم فيها } ، لأَنه عَنى به الجنة. (1)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة، ومنها تُفجَّر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "...فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنَّة فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة قال محمد بن فليح عن أبيه وفوقه عرش الرحمن".(3)
الفردوس : الحديقة التي تحوي كل شيء. قال عبد الله بن رواحة: في جنات الفردوس ليس يخافون خروجا عنها ولا تحويلا.(4)
والفردوس أعلى الجنة ووسطها ، ومن فوقه تفجر انهار الجنة .
لَكِنَّ عَالِيهَا هُوَ الفِرْدَوسِ مُسْـ ـتوْفٍ بِعرْشِ الخَالِقِ الرَّحْمَنِ
وَسَطَ الجِنَانِ وَعُلُوِّهَا فَلِذَاكَ كَا نَتْ قُبَّةً مِنْ أحْسِنِ البُنْيَانِ
مِنْها تُفَجَّرُ سَائِرُ الأنْهَارِ فَالـ ـمَنْبَوع مِنْهُ نَازِلٌ بِجِنَانِ
__________
(1) لسان العرب .
(2) أخرجه البخاري في الجهاد برقم (2790) .
(3) أخرجه البخاري برقم (2637) ، باب درجات المجاهدين في سبيل الله.
(4) تفسير زاد المسير .(1/53)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وما منكم من أحد إلا له منزلان : منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فإذا مات ، فدخل النار ، ورث أهل الجنة منزله ، فذلك قوله تعالى : (أولئك هم الوارثون ) . (1)
"وفي حديث المعراج: ...قالا لي هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لي هذاك منزلك قال قلت لهما بارك الله فيكما ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله..." .(2)
قال ابن حجر : وقال جمهور المفسرين في قوله تعالى (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض) الآية: المراد أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة، وهو موافق لهذا الحديث، وقيل المراد أرض الدنيا لأنها صارت خبزة فأكلوها كما تقدم، وقال القرطبي: يحتمل أن يسمى الحصول في الجنة وراثة من حيث اختصاصهم بذلك دون غيرهم، فهو إرث بطريق الاستعارة والله أعلم .(3)
فصل
في أبواب الجنة
للجنة التي أعدها الله لعباده المتقين عدة أبواب يدخل منها المؤمنون، نسأل الله لنا ولكم الدخول منها .قال الله سبحانه وتعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) } .(4)
__________
(1) رواه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5799) .
(2) جزء من حديث المعراج الطويل أخرجه البخاري برقم(6684)،باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح.
(3) فتح الباري .
(4) سورة الزمر .(1/54)
قال القرطبي: قوله تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً } يعني من الشهداء والزهاد والعلماء والقراء وغيرهم، ممن اتقى الله تعالى وعمل بطاعته. وقال في حق الفريقين: "وَسِيقَ" بلفظ واحد، فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان، كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل، وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان؛ لأنه
لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين.اهـ. (1)
وقوله هنا { وفتحت } بالواو ، وللكفار { فتحت } بدون واو فما السر في ذلك .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: "فيقال: هذا أبلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفجأهم العذاب بغتة فحين انتهوا إليها فتحت أبوابها بلا مهلة فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبه فإنها دار الإهانة والخزي فلم يستأذن لهم في دخولها ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجدا لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له..."
ثم قال: وقال خزنة أهل الجنة لأهلها: { سلام عليكم } فبدؤهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شر ومكروه ، أي سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون، ثم قال لهم: { طبتم فادخلوها خالدين } أي سلامتكم ودخولها بطيبكم ، فإن الله حرمها إلا على الطيبين فبشروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود.
__________
(1) تفسير القرطبي (15/284) .(1/55)
وأما أهل النار فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن وفتحت لهم أبوابها وقفوا عليها وزيدوا على ما هم عليه توبيخ خزنتها وتكبيتهم لهم
بقولهم: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) } .(1) فاعترفوا، وقالوا: { بَلَى } فبشروهم بدخولها والخلود فيها وإنها بئس المثوى لهم .(2)
وقد ثبت في السنة الصحيحة أن للجنة ثمانية أبواب .
فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون"(3).
وفي لفظ لهما : "لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد" .(4)
قال الزين بن المنير: إنما قال في الجنة ولم يقل للجنة ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة فيكون أبلغ في التشوق إليه . فتح الباري .
وقال الترمذي: وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر باب الصلاة ،باب الزكاة، باب الجهاد، باب الصدقة، باب الحج، باب العمرة، باب الكاظمين الغيظ، باب الراضين، باب من لا حساب عليه، باب الضحى، باب الفرح، باب الذاكرين، باب الصابرين، والظاهر أن الأبواب الأصول ثمانية وما زاد عليها كالخوخ المعهودة ...اهـ. فيض القدير .
__________
(1) سورة الزمر .
(2) حادي الأرواح (1/38-39) .
(3) رواه البخاري برقم (3084)، باب صفة أبواب الجنة ، ومسلم برقم (1152)، باب فضل الصيام .
(4) البخاري برقم (1797) ، باب الريان للصائمين ، ومسلم برقم (1152) ، باب فضل الصيام .(1/56)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة كلها ، وللجنة ثمانية أبواب ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد". فقال أبو بكر - صلى الله عليه وسلم - : والله ما على أحد من ضرورة من أيها دُعي فهل يدعي أحد منها كلها؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم"(1).
قال القاضى : قال الهروي في تفسير هذا الحديث : قيل : وما زوجان؟ قال : فرسان ، أو عبدان ، أو بعيران ، وقال ابن عرفة : كل شيء قرن بصاحبه فهو زوج ، يقال زوجت بين الإبل إذا قرنت بعيرا ببعير .(2)
قال ابن حجر: وفي الحديث من الفوائد أن من أكثر من شيء عرف به، وأن أعمال البر قل أن تجتمع جميعها لشخص واحد على السواء، وأن الملائكة يحبون صالحي بني آدم ويفرحون بهم، فإن الإنفاق كلما كان أكثر كان أفضل، وأن تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب.اهـ. (3)
أبْوَابُهَا حقٌ ثَمَانِيةٌ أتَتْ فِي النَّصِّ وَهْيَ لِصَاحِبِ الإِحْسَانِ
بَابُ الجِهَادِ وَذَاكَ أعْلاهَا وَبَا بُ الصَّوْمِ يُدْعَى البَابُ بِالرَّيَّانِ
وَلِكُلِّ سَعْيٍ صَالِحٍ بَابٌ وَرَبُّ السَّعْيِ مِنْهُ دَاخِلٌ بِأمَانِ
وَلَسَوْفَ يُدْعَى المَرْءُ مِنْ أبْوَابِهَا جَمْعاً إذَا وَفَّى حُلَى الإِيمَانِ
مِنْهُمْ أبُوبَكْرٍ هُوَ الصِّدِّيقُ ذَا كَ خَلِيفَةُ المَبْعُوثِ بِالقُرْآنِ
فصل في
سعة أبواب الجنة
سَبْعُونَ عَامًا بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْـ ـهَا قُدِّرِتْ بِالعَدِّ وَالحُسْبَانِ
__________
(1) رواه البخاري برقم (2686) ، باب فضل النفقة في سبيل الله ، ومسلم برقم (1027) ، باب من جمع الصدقة وأعمال البر .
(2) شرح النووي (7/115) .
(3) فتح الباري .(1/57)
هَذَا حَدِيثُ لَقِيطٍ الَمعْرُوفُ بِالـ ـخَبَرِ الطَّويِل وَذَا عَظِيمُ الشَّانِ
وَعَلَيْهِِِ كُلُّ جَلالَةٍ وَمَهَابَةٍ وَلَكَمْ حَوَاهُ بَعْدُ مِنْ عِرْفَانِ
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"والذي نفس محمدٍ بيده إن ما بني مصراعين من مصاريع الجنة، لكما بين مكّة وهجر أو هجر ومكة" (1).
وفي لفظ خارج الصحيحين: "إن ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر" .
المصراع : جانب الباب ، والمصراعان ، أي جانبا الباب .
هجر : مدينة عظيمة ، وهي قاعدة البحرين ، كما تقدم .
وتقدم حديث خالد بن عمير - العدوي البصري - قال : خطبنا عتبة بن عزوان - رضي الله عنه - ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد" فإن الدنيا قد آذنت
بصرمٍ وولت حذَّاء، ولم يبقَ منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دارٍ لا زوال لها، فانتقلوا بخيرٍ ما بحضرتكم، و لقد ذكر لنا أنّ مصراعين من مصاريع الجنّة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام"(2).
الصُرم : بالضم : أي الانقطاع والذهاب وحذَّاء : سريعة. والصبابة : هي البقة اليسيرة من الشيء. ويتصابها : أي يجمعها. والكظيظ : هو الكثير الممتلئ .
وعن حكيم بن معاوية، عن أبيه ،قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة سبع سنين" .(3)
__________
(1) هو جزء من حديث طويل رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3340)، وفي كتاب التفسير برقم (4712) ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (194).
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2967).
(3) موارد الظمآن في كتاب صفة الجنة برقم (2617) ، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2219)، باب صفة أبواب الجنة، والسلسلة الصحيحة برقم (1698).(1/58)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى" .(1)
فصل في مفتاح الجنة
لقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لأبواب الجنة مفتاحاً وأن هذا المفتاح هو شهادة أن لا إله إلا الله والذي لا يمتلك هذا المفتاح لن يُفتح له ولن يدخل الجنة ، وأن المفتاح له أسنان وأسنانه الأعمال وهي شرائع الإسلام .
فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله" .(2)
وقيل لوهب بن منبه:"أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة، قال: بلى ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك".(3)
فمراده بالأسنان التزام الطاعة، فلا يرد إشكال موافقة الخوارج وغيرهم، أن أهل الكبائر لا يدخلون الجنة، وأما قوله:لم يفتح له بالحق مراده لم يفتح له فتحا تاما أو لم يفتح له في أولي الأمر، وهذا بالنسبة إلى الغالب وإلا فالحق أنهم في مشيئة الله تعالى .
والحق : أن من قال لا اله إلا الله مخلصا أتى بمفتاح وله أسنان ، لكن من خلط ذلك بالكبائر حتى مات مصراً عليها لم تكن أسنانه قوية فربما طال علاجه.(4)
__________
(1) موارد الظمآن في كتاب صفة الجنة برقم (2618) ، باب صفة أبواب الجنة ، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2216) ، وظلال الجنة (2/381) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (22155) ، والبزار في مسنده برقم (2260) .
(3) أخرجه البخاري برقم(1180 )،كتاب الجنائز باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله.
(4) فتح الباري (3/110) .(1/59)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مفتاح الجنة الصلاة ومفتاح الصلاة الوضوء" .(1)
قال المناوي: قوله: مفتاح الجنة الصلاة: أي مبيح دخولها الصلاة لأن أبواب الجنة مغلقة فلا يفتحها إلا الطاعة والصلاة أعظمها، فيه استعارة وذلك أن الحدث لما منع من الصلاة شبه بالغلق المانع من الدخول والطهور لما رفع الحدث وكان سبب الإقدام على الصلاة شبه بالمفاح، ومفتاح الصلاة أي مجوز الدخول فيها .
قال الطيبي: جعلت الصلاة مقدمة لدخول الجنة كما جعل الوضوء مقدمة للصلاة فكما لا تمكن الصلاة بدون وضوء لا يتهيأ دخول الجنة بدون صلاة .
تنبيه: قد جعل اللّه لكل مطلوب مفتاحاً يفتح به فجعل مفتاح الصلاة الطهور ومفتاح الحج الإحرام ومفتاح البر الصدقة ومفتاح الجنة التوحيد ومفتاح العلم حسن السؤال والإصغاء ومفتاح الظفر الصبر ومفتاح المزيد الشكر ومفتاح الولاية والمحبة الذكر ومفتاح الفلاح التقوى ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة ومفتاح الإجابة الدعاء ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا ومفتاح الإيمان التفكر في مصنوعات اللّه ومفتاح الدخول على اللّه استسلام القلب والإخلاص له في الحب والبغض ومفتاح حياة القلوب تدبر القرآن والضراعة بالأسحار وترك الذنوب ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الحق والسعي في نفع الخلق ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار ومفتاح العز الطاعة ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ومفتاح كل خير الرغبة في الآخرة ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل، وهذا باب واسع من أنفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر ولا يقف عليه إلا الموفقون . (2)
__________
(1) رواه أحمد في مسنده برقم (14703) ، والترمذي في سننه برقم (4) ، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور ، والطبراني في الصغير برقم (296) .
(2) فيض القدير .(1/60)
هَذَا وَفَتْحُ البَابِ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ إلا بِمفْتَاحٍ عَلَى أسْنَانٍ
مِفْتَاحُهُ ِبشَهَادَةِ الإِخْلاصِ وَالتَّـ ـوْحِيدِ تِلْكَ شَهَادَةُ الإِيمَانِ
أسْنَانُهُ الأعْمَالُ وَهِيَ شَرَائِعُ الْـ إسْلامِ وَالمِفْتَاح بِالأسْنََانِ
لا تُلْغِيَنْ هَذَا المِثَالَ فَكَمْ بِهِ مِنْ حَلِّ إشْكَالٍ لِذِي العِرْفَانِ
فصل
في أن أبواب الجنة متى تفتح
أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن أبواب الجنة تفتح :
1- في رمضان :عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين".(1) وفي رواية لمسلم: "فتحت أبوب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسُلسِلَت الشياطين".
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله : ومن ذلك - أي المفاضلة بين ما خلق الله - تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي.أ.هـ.(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن". وقال ابن خزيمة: "الشياطين: مردة الجن" بغير واو - وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر اقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة".(3)
"صُفدت" : بضم الصاد وتشديد الفاء ، أي : شدت بالأغلال .
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (1800) ، باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1079) ، باب فضل شهر رمضان .
(2) زاد المعاد (1/56) .
(3) رواه الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه برقم (1883)،ورواه والبيهقي والنسائي، والحاكم بنحو هذا اللفظ وقال:صحيح على شرطهما، وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة وصحيح الترغيب برقم (998).(1/61)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم". (1)
2- يوم الاثنين والخميس .في رواية: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجل كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا".(2)
ورواه ابن ماجة بإسناد صحيح. إلا أنه قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم الإثنين والخميس فقيل يا رسول الله إنك تصوم الإثنين والخميس فقال: "إن يوم الإثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول: دعهما حتى يصطلحا".(3)
وفي رواية لمسلم : "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحنا" الحديث.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) رواه النسائي والبيهقي كلاهما عن ابي قلابة عن ابي هريرة، وقال الألباني رحمه الله: صحيح لغيره، صحيح الترغيب برقم (999).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2565)، وابن ماجة بإسناد صحيح.
(3) قال الألباني صحيح لغيره، الشمائل (259)، صحيح الترغيب رقم (1042) ورواه مسلم ومالك وأبو داود والترمذي باختصار ذكر الصوم.
(4) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (2565)، والترمذي برقم (747)، وأبو داود برقم(2436)، والنسائي (4/201 - 202).(1/62)
"تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا".(1)
وعن شرحبيل بن سعد عن أسامة ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم الاثنين والخميس ، ويقول : "إن هذين اليومين تُعرض فيهما الأعمال" .(2)
في هذه الأحاديث الحث على صوم الاثنين والخميس، وهذه هي السنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأعمال العباد تجمع جملة وتفصيلاً، فترفع أعمال الليل قبل أعمال النهار، وأعمال النهار قبل أعمال الليل، تعرض الأعمال على الله في كل يوم اثنين وخميس، فهذا كله مما جاءت به الأحاديث الصحيحة ... (3)
فصل
في أن طريق الجنة واحد
طريق الجنة التي أعدها الله تعالى لعباده الصالحين واحد ، وهذا مما اتفقت عليه الرسل جميعاً من أولهم إلى آخرهم ، وهذا بخلاف طريق جهنم والعياذ بالله فطرقها أكثر من أن تحصى . قال الله تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) } .(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2565)، وابن ماجة بإسناد صحيح.
(2) صحيح الترغيب رقم (1043)، وصحيح الجامع رقم (1570) .
(3) مجموع الفتاوى (4/252) .
(4) سورة الأنعام .(1/63)
ونحن مأمورون باتباع نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومن المعلوم أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا إلا ما وافق شرعنا ، وكل طرق الجنة مسدودة إلا طريقه - صلى الله عليه وسلم - ، لأن طاعته هي في الحقيقة طاعة لله تعالى .قال الله تعالى : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) } .(1) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،قال:"كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى، قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" .(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضاً، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن يعصني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني" .(3)
والطاعة هي الإتيان والامتثال بما أُمر به ، والانتهاء عما نُهيَ عنه ، والعصيان أن يخالف ذلك . قال ابن حجر : وفي الحديث وجوب طاعة ولاة الأمور ، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية ، والحكمة في الأمر بطاعتهم المحافظة على اتفاق الكلمة لما في الافتراق من الفساد .(4)
فصل
في أن باب الريان للصائمين
قال تعالى: { كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية } .(5)
قال وكيع وغيره : هي أيام الصوم إذ تركوا فيها الأكل والشرب .
__________
(1) سورة النساء .
(2) رواه البخاري برقم (6851) ، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(3) رواه البخاري برقم (2797) ، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به ، مسلم برقم (1835) ، باب وجوب طاعة الأمراء معصية وتحريمها في المعصية .
(4) فتح الباري (13/112) .
(5) سورة الحاقة الآية (24).(1/64)
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"(1).
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" ، إلا أنه قال :
"فإذا دخل آخرهم أُغلقَ، مَن دخلَ شَرِبَ، ومن شَرِبَ لم يظمأ أبداً".
قال النووي: قال العلماء سمى باب الريان تنبيها على أن العطشان بالصوم في الهواجر سيروى وعاقبته إليه ، وهو مشتق من الري .(2)
أبْوَابُهَا حقٌ ثَمَانِيةٌ أتَتْ فِي النَّصِّ وَهْيَ لِصَاحِبِ الإِحْسَانِ
بَابُ الجِهَادِ وَذَاكَ أعْلاهَا وَبَا بُ الصَّوْمِ يُدْعَى البَابُ بِالرَّيَّانِ
وَلِكُلِّ سَعْيٍ صَالِحٍ بَابٌ وَرَبُّ السَّعْيِ مِنْهُ دَاخِلٌ بِأمَانِ
فصل
فيما لأدنى أهل الجنة فيها
عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له : تمنَّ ، فيتمنى ويتمنى فيقول له : هل تمنيت ؟ فيقول : نعم ، فيقول له : فإن لك ما تمنيت ومثله معه" .(3)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن موسى - عليه السلام - سأل ربه: ما أدنى أهل الجنّة منزلةً؟ فقال رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة؟ فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: ربِّ! كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول
:
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1896)،ومسلم في كتاب الصيام برقم (1152).
(2) شرح النووي (7/116) .
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (182) .(1/65)
رضيت ربِّ. فيقول له: لك ذلك ومثلُه ومثلُه ومثلُه. فقال في الخامسة : رضيت ربِّ فيقول: هذا لك وعشرةُ أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت ربِّ قال:ربِّ لِلَّهِ فأعلاهم منزلةً؟ قال: أولئك الذين أردتُ غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم ترعين ولم تسمع أُذنُ، ولم يخطر على قلبِ بشر"(1). أخذاتهم :ما أخذوه من كرامة مولاهم وحصلوه. أردت : بضم التاء معناه اخترت واصطفيت.
وعن أبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن أدنى أهل الجنة منزلةً رجل صرف الله وجهه عن النار قِبَلَ الجنَّة، ومثَّل لهُ شجرةً ذات ظل، فقال: أي ربِّ لِلَّهِ قربني من هذه الشجرة أكون في ظلها" فذكر الحديث في دخوله الجنة وتمنيه، إلى أن قال في آخره: " إذا انقطعت به الأماني، قال الله: هو لك وعشرةُ أمثاله" قال: " ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك، قال: فيقول ما أُعطي أحدٌ مثل ما أُعطيت"(2).
وعن عبد الله بن عمرو ، قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة من يسعى عليه ألفُ خادم، كلُّ خادمٍ على عمل ليس عليه صاحبه. قال: وتلا هذه الآية { وإذا رأيتهم حَسِبْتَهُمْ لؤلؤاً منثوراً } (3).
وعن ابن عمر، قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل له ألف قصر ما بين كل قصر مسيرة سنة يرى أقصاها كما يرى أدناها في كل قصر من الحور العين والرياحين والولدان ما يدعو بشيء إلا أتي به" .(4)
هَذَا وَأعْلاهُمْ فَنَاظِرُ رَبِّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَقْتُهُ الطَّرَفَانِ
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم(189).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (188).
(3) رواه البيهقي ورواه أيضاً الحسين المروزي، وابن جرير الطبري بإسناد صحيح عن ابن عمر موقوفاً، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3705).
(4) مصنف ابن أبي شيبة رقم (34024) .(1/66)
لَكِنَّ أدْنَاهُمْ وَمَا فِيهِمْ دَنِي إذْ لَْيَس فِي الجَنَّاتِ مِنْ نُقْصَان
فَهوَ الذِي تُلْفَى مَسَافَةُ مُلْكِهِ بِسِنِينِنَا ألْفَانِ كَامِلَتَانِ فَيَرَى بِهَا أقْصَاهُ حَقَّا مِثْلَ رُؤ يَتِهَ لأدْنَاهُ القرِيبِ الدَّانِي
أوَ مَا سَمِعْتَ بِأنَّ آخِرَ أهْلِهَا يُعْطِيهِ رَبُّ العَرْشِ ذُو الغُفْرَانِ
أضْعَافَ دُنَيَانَا جَمِيعاً عَشْرَ أمْـ ـثَالٍ لَهَا سُبْحَانَ ذِي الإحْسَانِ
فصل
في أن هذه الأمة أكثر أهل الجنة
عن بريدة بن الحُصَيب ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أهل الجنة عشرون ومائة صف ، هذه الأمة منها ثمانون صفاً ، وأربعون من سائر الأمم" .(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ".... والذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، فكبرنا ، فقال : أرجو أن تكونوا ثلث
أهل الجنة ، فكبرنا ، فقال : أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ، فكبرنا ، فقال : ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود ...." .(2)
__________
(1) موارد الظمآن برقم (2639) ، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2231) ، باب في نساء أهل الجنة وفضل موضع القدم من الجنة على الدنيا وما فيها ، والمشكاة برقم (5644) .
(2) رواه البخاري برقم (3170) ، باب قصة يأجوج ومأجوج ، وهذا لفظه ، ومسلم برقم (221) ، باب كون هذه الأمة نصف أهل الجن .(1/67)
وعن مالك بن صعصعة - رضي الله عنه - ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ".... فأتيت على موسى عليه السلام فسلمت عليه ، فقال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ، فلما جاوزته بكى ، فنودي : ما يبكيك؟ قال : رب هذا غلام بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي...." .(1)
هَذَا وَإنَّ صُفُوفَهُمْ عِشْرُونَ مَعْ مائةٍ وَهذِي الأمَّة الثُّلُثَانِ
يَرْوِيهِ عَنْهُ بُرَيْدَةٌٌٌ إسْنَادُهُ شَرْطُ الصَّحِيحِ بِمُسْنَدِ الشَّيْبَانيِ
وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ أبِي هُرَيْـ ـرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحَبْرِ زَمَانِ
أعْنِي ابنَ عَبَّاسٍ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ غَيْرُ ذِي إتْقَانِ
وَلَقَدْ أتَانَا فِي الصَّحِيحِ بِأنَّهُمْ شَطْرٌ وَمَا اللَّفْظَانِ مُخْتَلِفَانِ
إذْ قَالَ أرْجُو أنْ تَكُونُوا شَطْرَهُمْ هَذَا رَجَاءٌ مِنْهُ لِلرَّحْمَانِ
أعْطَاهُ رَبُّ العَرْشِ مَا يَرْجُو وَزَا دَ مِنَ العَطَاءِ فِعَالَ ذِي الإِحْسَانِ
فصل
في درجات الجنة وغرفها
أخبرنا الله سبحانه وتعالى بأن للجنة درجات ، وأن المؤمنين يتفاوتون في الجنة كلٌ حسب درجته . فقال الله تعالى: { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) } . سورة النساء .
__________
(1) رواه البخاري برقم (3213) ، باب قول الله عز وجل وهل أتاك حديث موسى ، ومسلم برقم (164) ، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات وفرض الصلوات(1/68)
وقال تعالى: { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية } (1).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " إنَّ أهل الجنَّة ليتراءونَ أهل الغرف من فوقِهِم، كما يتراءون الكوكب الدُرّيّ الغابِرَ في الأُفق، من المشْرقِ والمغرب لتفاضُل ما بينهم " قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده، رجالٌ آمنوا بالله وصدّقو ا المرسلين"(2).
وفي رواية لهما:"كما تراءون الكوكب الغارب" بتقديم الراء على الباء. (3).
الغابر والغارب بمعنى ،وهو الذاهب الماشي، أي الذي تدلى للغروب وبَعُد عن العيون.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن في الجنة مِئَةَ درجة، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض"(4).
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،قال: " إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطِنها، وباطنها من ظاهرها أعدّها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام"(5).
__________
(1) سورة الزمر الآية (20).
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم(3256)،ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2831)
(3) البخاري كتاب الرقاق رقم (6556)، وفي صحيح مسلم الغابر..
(4) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2790) وفي كتاب التوحيد برقم (7423).
(5) رواه الترمذي برقم (1984) ، باب ما جاء في قول المعروف، وابن حبان صحيحه برقم(509) ، ذكر وصف الغرف التي أعدها الله لمن أطعم الطعام ودام على صلاة الليل وأفشى السلام ، والحاكم في المستدرك برقم(270)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين،وموارد الظمآن برقم(641)،باب في صلاة الليل،وحسنه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (641)، التعليق الرغيب(2/46).(1/69)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - :"الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة،ومنها تُفجَّر أنهار الجنة الأربعة،ومن فوقها يكون العرش،فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس".(1) الفردوس: الحديقة التي تحوي كل شيء. والفردوس أعلى الجنة ووسطها ، ومن فوقه تفجر أنهار الجنة .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".(2)
"ارتق" : اصعد في درج الجنة بقدر ما حفظته من آي القرآن.
ومنازل المؤمنين تتفاوت في الجنة حسب أعمالهم واجتهادهم في الدنيا. وفيه : فضيلة حفظ القرآن وترتيله . وتكون منزلته بقدر ما حفظ من القرآن.
وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك ، أن أم الربيع بنت البراء ، وهي أم حارثة بن سرقة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة ، وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غريب فإن كان في الجنة صبرت وأن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ، قال : "يا أم حارثة أنها جنان في الجنة وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى" .(3)
وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها" عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي".(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في الجهاد برقم (2790) .
(2) رواه أبو داود والترمذي (2914) وابن ماجة(3780) وأحمد(2/192) المشكاة(2134)،صفة (ص 125).
(3) البخاري برقم (2654) ، باب من أتاه سهم غرب فقتله .
(4) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (847).(1/70)
دَرَجَاتُهَا مِائَةٌ وَمَا بَيْنَ اثْنَتيْـ ـنِ فَذَاكَ فِي التَّحقِيقِ لِلْحُسْبَانِ
مِثْلُ الذِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَبَيْنَ هَا ذِي الأرضِ قَوْلُ الصَّادِقِ البُرْهَانِ
لَكِنَّ عَالِيهَا هُوَ الفِرْدَوسِ مُسْـ ـتوْفٍ بِعرْشِ الخَالِقِ الرَّحْمَنِ
وَسَطَ الجِنَانِ وَعُلُوِّهَا فَلِذَاكَ كَا نَتْ قُبَّةً مِنْ أحْسِنِ البُنْيَانِ
مِنْها تُفَجَّرُ سَائِرُ الأنْهَارِ فَالـ ـمَنْبَوع مِنْهُ نَازِلٌ بِجِنَانِ
فصل
في تفاضل أهل الجنة
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء" .(1)
وعن النعمان بن أبي عياش قال: سمعت أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - يقول : "كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي" .(2)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أهل الجنّة يرونَ أهلَ الغرف، كما يرون الكوكبَ الدرّي الغابر في الأُفق من المشرق والمغرب؛ لتفاضلِ ما بينهما" .قالوا : يا رسولَ الله! تلك منازلُ الأَنبياء؛ لا يبلغها غيرهم! قال : بلى ؛ والذي نفسي بيده ؛ رجال آمنوا باللهِ وصدقوا المرسلين" .(3)
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "إن الله وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب" .
فقال يزيد بن الأخنس السلمي : والله ما أولئك في أمتك يا رسولَ الله! إلا كالذباب الأصهب في الذِّبَّان! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) رواه مسلم برقم (2830) ، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء .
(2) رواه مسلم برقم (2831) ، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء .
(3) موارد الظمآن برقم (2640) ، تفاضل منازل أهل الجنة ، صحيح موارد الظمآن برقم (2232) .(1/71)
"إن ربي قد وعدني سبعين ألفا، مع كل ألف سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا، وزادني حَثَيات" .(1)
وعن عتبة بن عبد السلمي ، يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن ربي وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب ثم يتبع كل ألف سبعين ألفا ثم يحثي بكفه ثلاث حثيات" .
فكبر عمر! فقال - صلى الله عليه وسلم - :إن السبعين الألف الأول يشفعهم الله في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم وأرجو أن يجعل الله أمتي أدنى الحثيات الأواخر" .(2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي ليس معه أحد ، إذ رفع لي يخلو عظيم ، فظننت أنهم أمتي ، فقيل لي : هذا موسى - صلى الله عليه وسلم - وقومه ولكن انظر إلى الأفق ، فنظرت فإذا يخلو عظيم ، فقيل لي : انظر إلى الأفق الآخر فإذا يخلو عظيم ، فقيل لي :هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير نجاسة ولا عذاب" ، ثم نهض فدخل منزله ، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، فقال بعضهم : فلعلهم الذين
__________
(1) موارد الظمآن برقم (2642) ، تفاضل منازل أهل الجنة ، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2233) ، وظلال الجنة(1/260-261) .
(2) موارد الظمآن برقم (2643) ، تفاضل منازل أهل الجنة ، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2234) ، والتعليقات الحسان برقم (7203) .(1/72)
صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال بعضهم : فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله ، وذكروا أشياء ، فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما الذي تخوضون فيه فأخبروه ، فقال: "هم الذين لا يرقون(1) ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" .فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت منهم" ، ثم قام رجل آخر ، فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال:"سبقك بها عكاشة" .(2)
وَيَرَى الذِينَ بِذَيْلِهَا مَنْ فَوْقَهُمْ مِثْلَ الكَوَاكِبِ رُؤيَةٌ بِعِيَانِ
مَا ذَاكَ مُخْتَصَّاً بِرُسْلِ الله بَل لَهُمُ وَلِلْصِّدِّيقِ ذِي الإيمَانِ
فصل
أعظم نعيم في الجنة
في نظر أهل الجنة إلى ربّهم تبارك وتعالى
قال الله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } .(3)
__________
(1) قال ابن حجر في الفتح(11/408-409):ووقع في رواية سعيد بن منصور عند مسلم ولا يرقون بدل ولا يكتوون، وقد انكر الشيخ تقي الدين بن تيمية هذه الرواية وزعم إنها غلط من راويها،واعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه فكيف يكون ذلك مطلوب الترك وأيضا فقد رقى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - ورقى النبي أصحابه وإذن لهم في الرقى، وقال:من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل،والنفع مطلوب،قال:وأما المسترقي فإنه يسأل غيره ويرجو نفعه وتمام التوكل ينافي ذلك،قال:وإنما المراد وصف السبعين بتمام التوكل فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يكويهم ولا يتطيرون من شيء .اهـ.
(2) أخرجه البخاري برقم (5377) ، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو ، ومسلم برقم (220) ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولاعذاب.
(3) سورة القيامة الآية (23-24) .(1/73)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن ناساً قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر"؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال:" هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب"؟ قالوا: لا، قال:" فإنكم ترونه كذلك". فذكر الحديث بطوله(1).وعن صهيب - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا ا لجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاُ أحب إليهم من النظر إلى ربهم" ثم تلا هذه الآية { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } (2).(3)وعن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" .(4)
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (7000) ، باب قول الله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ، ومسلم برقم (182) ، باب معرفة طريق الرؤية .
(2) سورة يونس الآية (26).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (181)، ورواه الترمذي برقم (2608) .
(4) رواه البخاري برقم (4597) ، باب قوله ومن دونهما جنتان ، وفي باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة برقم (7006)، ومسلم برقم (180)، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى ..(1/74)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،قال:"إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً،في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن وجنتان من فضة آنيتهما وما يهما، وجنتان من كذا آنيتهما وما فيهما،وما بين القوم وبين أن ينظروا ربَّهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدنٍٍ"(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيميمة رحمه الله : واعلم أن هنا دلالة ثانية وهى دلالة العموم المعنوى وهى أقوى من دلالة العموم اللفظى وذلك أن قوله { فلا تعلم
نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } وقد فسرت القرة بالنظر وغيره فيقتضى أن النظر جزاء على عملهم والرجال والنساء مشتركون فى العمل الذى استحق به جنس الرجال الجنة فان العمل الذى يمتاز به الرجال كالامارة و النبوة عند الجمهور ونحو ذلك لم تنحصر الرؤية فيه بل يدخل فى الرؤية من الرجال من لم يعمل عملا يختص الرجال بل اقتصر على ما فرض عليه من الصلاة والزكاة وغيرهما وهذا مشترك بين الفريقين، وكذلك قوله { إن الابرار لفى نعيم على الارائك ينظرون } أن البر سبب هذا الثواب و البر مشترك بين الصنفين وكذلك كل ما علقت به الرؤية من اسم الايمان ونحوه يقتضى أنه هو السبب فى ذلك فيعم الطائفتين وبهذا الوجه احتج الائمة ان الكفار لا يرون ربهم فقالوا لما حجب الكفار بالسخط دل على أن المؤمنين يرون بالرضى ومعلوم أن المؤمنات فارقوا الكفار فيما استحقوا به السخط والحجاب وشاركوا المؤمنين فيما استحقوا به الرضوان والمعاينة فثبتت الرؤية فى حقهم باعتبار الطرد واعتبار العكس وهذا باب واسع ان لم نقطعه لم ينقطع .(2)
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (3243) في بدء الخلق، ومسلم برقم(2838) في الجنة وصفة نعيمها وأهلها.
(2) مجموع الفتاوى (6/439-440) .(1/75)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة:يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربّنا وسعديك، والخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أُعطيتنا ما لم تُعطِ
أحداً من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"(1).
قال ابن حجر رحمه الله : "وفيه تلميح بقوله تعالى : { ورضوان من الله أكبر } ، لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة ، وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم .
وفي هذا الحديث : أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه .(2)
وَيَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ فَوْقِهِمْ نَظَرَ العِيَانِ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ
هَذَا تَوَاتَرَ عَنْ رَسُولِ الله لَمْ يُنْكِرْهُ إلاَّ فَاسِدُ الِإيمَانِ
وَأتَى بِهِ القُرْآنُ تَصْريحاً وَتَعْـ ـرِيضاً هُمَا بِسِيَاقِهِ نَوْعَانِ
وَهِيَ الزِّيَادَةُ قَدْ أتَتْ فِي يُونُسٍ تَفْسِيرَ مَنْ قَدْ جَاءَ بِالقُرْآنِ
وَرَوَاهُ عَنْهُ مُسْلِمٌ بِصَحِيحِهِ يَرْوِي صُهَيْبُ ذَا بِلاَ كِتْمِانِ
وَهُوَ المَزِيدُ كَذَاكَ فَسَّرَهُ أبُو بَكْرٍ هُوَ الصِّدِّيقُ ذُو الإيقَانِ
وَعَليْهِ أصْحَابُ الرَّسُولِ وَتَابِعُو هُمْ بَعْدَهُمْ تَبَعِيَّةَ الإحسان
وَلَقَدْ أتَى ذِكْر اللقاء لربنا الرحمن في سور من الفرقان
ولقاؤه إذ ذاك رؤيته حكى الـ إجماع فيه جماعة ببيان
وعليه أصحاب الحديث جميعهم لغة وعرفا ليس يختلفان
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6549)،ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2829).
(2) فتح الباري (11/422) .(1/76)
وهذا النعيم للمؤمنين ، وأما الكافرون فقد حُجِبوا عن الربّ سبحانه وتعالى ، فلا يرونه ، وهذا من أعظم العذاب والعياذ بالله بخلاف المؤمنين الذين أعظم نعيم لهم في الجنة هو رؤية الرب سبحانه وتعالى . فقد قال الله تعالى عن حال الكفار: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } .(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فعلم أن الكافر محجوب على الإطلاق بخلاف المؤمن ، وإذا كانوا في عرصة القيامة محجوبين فمعلوم أنهم في النار أعظم حجباً ، وقد قال سبحانه وتعالى: { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً } .(2)، وقال: { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } .(3) ، وإطلاق وصفهم بالعمى ينافى الرؤية التي هي أفضل أنواع الرؤية .(4)
فصل
في كلام الرب تبارك وتعالى لعباده
عن عدي بن حاتم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم،وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة" .(5)
__________
(1) سورة المطففين الآية (15) .
(2) سورة الاسراء الآية (72) .
(3) سورة طه الآية (124)
(4) مجموع الفتاوى (6/501-502) .
(5) رواه البخاري برقم (1347) ، باب الصدقة قبل الرد ، ومسلم برقم (1016) ، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار .(1/77)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،قال : "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة:يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربّنا وسعديك، والخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أُعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"(1).
و عن صهيب - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا ا لجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاُ أحب إليهم من النظر إلى ربهم" ثم تلا هذه الآية { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } (2).(3)
أوَ مَا عَلِمْتَ بِأنَّهُ سُبْحَانَهُ حَقَّا يُكَلِّمُ حِزْبَهُ بِجِنَانِ
فَيَقُولُ جَلَّ جَلاَلُهُ هَلْ أنْتُمُ رَاضُونَ قَالُوا نَحْنُ ذُو رِضْوَانِ
أمْ كَيْفَ لاَ نَرْضَى وَقَدْ أعْطَيْتَنَا مَا لَمْ يَنَلْهُ قَطُّ مِنْ إنْسَانِ
هَلْ ثَمَّ شَيْءٌ غَيْرَ ذَا يَكُونُ أفْـ ـضَلَ مِنْهُ نَسْألُهُ مِنَ المَنَّانِ
فَيَقُولُ أفْضَلُ مِنْهُ رِضْوَانِي فَلاَ يَغْشَاكُمُ سَخَطٌ مِنَ الرَّحْمَنِ
وَيُذَكِّرُ الرَّحْمَنُ وَاحِدَهُمْ بِمَا قَدْ كَانَ مِنْهُ سَالِفَ الأزْمَانِ
مِنْهُ إلَيْهِ لَيْسَ ثَمَّ وَسَاطَةٌ مَا ذَاكَ تَوْبِيخًا مِنَ الرَّحْمَنِ
لَكِنْ يُعَرِّفُهُ الَّذِي قَدْ نَالَهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالعَفْوِ وَالإحْسَانِ
وَيُسَلِّمُ الرَّحْمَنُ جَلَّ جَلاَلُهُ حَقَّا عَلَيْهِمْ وَهُوَ فِي القُرآنِ
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6549)،ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2829).
(2) سورة يونس الآية (26).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (181).(1/78)
وَكَذَاكَ يُسْمِعُهُمْ لّذِيذَ خِطَابِهِ سُبْحَانَهُ بِتِلاوَةِ الفُرْقَانِ
فَكَأنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ قَبلَ ذَا هَذَا رَوَاهُ الحَافِظُ الطَّبَرَأنِي
فصل
في مطاعم الجنة
أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك
وَطَعَامُهُمْ مَا تَشْتَهِيهِ نُفُوسُهُمْ وَلُحُومُ طَيْرٍ نَاعِمٍ وَسِمَانِ
قال الله تعالى : { والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلةٌ من الأولين وقليلٌ من الآخرين على سررٍ موضونةٍ متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم وِلدانٌ مخلدون بأكوابٍ وأباريق وكأسٍ من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهةٍ مما يتخيرون ولحم طيرٍ مما يشتهون } - إلى قوله تعالى { وثلة من الآخرين } .(1).
وقال تعالى : { إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً } إلى قوله تعالى { وكان سعيهم مشكوراً } (2).
وقال تعالى: { كلما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزقنا من قبل وأُتوا به متشابهاً } (3).
وعن جابر - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يأكُلُ أهلُ الجنّة ويشْربون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون، طعامهم ذلك جشاءٌ كريح المِسْك يُلْهُمونَ التسبيح والتكبير كما تُلْهَمون النَفَس"(4).
الجشاء : تنفس المعدة عند الامتلاء .(5)
وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - ، قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من اليهود فقال: يا أبا القاسم! أنت تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون، يقول لأصحابه إن أقر لي بها خصمته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بلى والذي نفسُ محمدٍ بيده إن أحدهم ليُعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع"
فقال له اليهودي: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له حاجة.
__________
(1) سورة الواقعة (10-40).
(2) سورة الإنسان (5-22).
(3) سورة البقرة الآية (25).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2835).
(5) اللسان.(1/79)
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر" (1).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة"، فأتى رجل من اليهود ، فقال : بارك الرحمن عليك يا أبا
القاسم ، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة ، قال : "بلى" ، قال : تكون الأرض خبزة واحدة ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ضحك حتى بدت نواجذه ، ثم قال : ألا أخبرك بإدامهم ، قال : إدامهم بالام ونون ، قالوا : وما هذا؟ قال : ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً .(2)
قوله : بنزل أهل الجنة : النزل ما يعد للضيف .
والإدام : ما يؤكل مع الخبز . بالام : ثور بالعبرانية . نون : هو الحوت .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فصلى ، .... قالوا : يا رسول الله! قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك كففت - وفي رواية تكعكعت - فقال : "إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه الدنيا..." .(3)
__________
(1) رواه أحمد والنسائي بإسناد صحيح، وابن حبان وهذا لفظه ، وموارد الظمآن برقم (2629)، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2226) ، باب في أكل أهل الجنة وشربهم ، والتعليق الرغيب (4/259) .
(2) رواه البخاري برقم (6155)،باب يقبض الله الأرض يوم القيامة،ومسلم برقم(2792)،باب نزل أهل الجنة.
(3) رواه البخاري برقم (715) ، باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة ، ومسلم برقم
(907) ، باب ما عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار(1/80)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن طير الجنة أمثال البخت ترعى في شجر الجنة" قال أبو بكر: يا رسول الله لِلَّهِ إن هذه الطير ناعمة قال: " أكلتها أنعم منها قالها ثلاثاً وإني أرجو أن تكون ممن يأكل منها"(1).
والبخت : هي الإبل الخرسانية .
قال النووي : مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذ وأنواع نعيمها تنعما دائما لا آخر له ولا انقطاع أبدا وان تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من
التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا يشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية وأصل الهيئة وإلا في أنهم لا يبولون ولايتغوطون ولا يتمخطون ولا يبصقون وقد دلت دلائل القرآن والسنة في هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره أن نعيم الجنة دائم انقطاع له أبدا .(2)
وَطَعَامُهُمْ مَا تَشْتَهِيهِ نُفُوسُهُمْ وَلُحُومُ طَيْرٍ نَاعِمٍ وَسِمَانِ
وَفَوَاكِهُ شَتَّى بِحَسْبِ مُنَاهُمُ يَا شَبْعةُ كَمُلتْ لِذِي الإِيمَانِ
لَحْمٌ وَخَمْرٌ وَالنِّسَا وَفَوَاكِهُ وَالطيبُ مَعْ رَوْحٍ وَمَعْ رَيْحَانِ
وَصِحَافُهُمْ ذَهَبٌ يَطُوفُ عُلَيْهمُ بِأكُفِّ خُدَّامٍ مِنَ الوِلْدَانِ
وَانْظُرْ إلَى جَعْلِ اللَّذَاذَةِ لِلعُيُو نِ وَشَهْوَةٍ لِلنَّفْسِ فِي القُرْآنِ
لِلعَيْنِ فِيهَا لَذَّةٌ تَدْعَو إلى شَهَوَاتِهَا بِالنِّفْسِ والأمرانِ
سَبَبُ التَّنَاوُلِ وَهُوَ يُوجِبُ لذة أخْرَى سِوَى مَا نَالَتِ العَيْنَانِ
فصل
في أول طعام أهل الجنة
__________
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10 - 414): "رواه الترمذي باختصار ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير يسار بن حاتم وهو تقة".
(2) شرح النووي (17/171) .(1/81)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : بلغ عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فأتاه ، فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط
الساعة ، وما أول طعام يأكله أهل الجنة ، ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه ، ومن أي شيء ينزع إلى أخواله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خبرني بهن آنفا جبريل" ، قال : فقال عبد الله : ذاك عدو اليهود من الملائكة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت ، وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له ، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها" ، قال : أشهد أنك رسول الله" .(1)قال ابن منظور : والكَبَدُ: عِظَمُ البطن من أَعلاه . وكَبَد كل شيءٍ: عِظَمُ وسَطِه وغِلَظُه؛ كَبِدَ كَبَداً، وهو أَكْبَدُ. ورملة كَبْداء: عظيمة الوسط؛ وناقة كَبْداء . لسان العرب (3/376).
قال ابن حجر : فزيادة كبد الحوت : هي القطعة المنفردة المعلقة في الكبد وهي في المطعم في غاية اللذة ويقال إنها أهنأ طعام وأمرأه . فتح الباري (7/273) .
فصل
في آنية أهل الجنة
قال الله تعالى : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) } .(2)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3151) .
(2) سورة الواقعة .(1/82)
وقال تعالى : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) } .(1)قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن البصري وغير واحد: بياض الفضة في صفاء الزجاج والقوارير لا تكون إلا من زجاج، فهذه الأكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها، وهذا مما لا نظير له في الدنيا، قال ابن المبارك عن إسماعيل عن رجل عن ابن عباس: ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة. رواه ابن أبي حاتم:وقوله تعالى: { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أي على قدر ريهم لا تزيد عنه ولا تنقص بل هي معدة لذلك مقدرة حسب ري صاحبها، وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح وقتادة وابن أبزى، وعبد الله بن عبيد الله بن عمير والشعبي وابن زيد، وقاله ابن جرير وغير واحد، وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة، وقال العوفي عن ابن عباس { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } قدرت للكف وهكذا قال الربيع بن أنس، وقال الضحاك على قدر كف الخادم، وهذا لا ينافي القول الأول فإنها مقدرة في القدر والري.اهـ (2)وعن حذيفة - رضي الله عنه - ،قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا تلبسوا الحرير ، ولا الديباج ، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها،فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة".(3)
فصل
في خمر الجنة
__________
(1) سورة الإنسان الآية (15-16) .
(2) تفسير ابن كثير (8/296-297) .
(3) رواه البخاري برقم (5110) ، باب الأكل في إناء مفضض ، ومسلم برقم (2067) ، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء .(1/83)
قال الله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) } - إلى قوله تعالى { وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40) } .(1).
وقال تعالى : { إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً } إلى قوله تعالى { وكان سعيهم مشكوراً } (2).
وقال تعالى: { هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)
* وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) } (3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ليس في الجنة شيءٌ مما في الدنيا إلا الأسماء"(4).
يُسْقَوْنَ فِيهَا مِنْ رَحِيقٍ خَتْمُهُ بِالمِسْكِ أوَّلُهُ كَمِثْلِ الثَّانِي
مَعَ خَمْرَةٍ لَذَّتْ لِشَارِبِهَا بَلا غَوْلٍ وَلا دَاءٍ ولا نُقْصَانِ
وَالخَمْرُ فِي الدُّنْيَا فَهَذَا وَصْفُهَا تَغْتَالُ عَقْلَ الشَّارِبِ السَّكْرَانِ
وَبِهَا مِنَ الأدوَاءِ مَا هِيَ أهْلُهُ وَيَخَافُ مِنْ عَدَمٍ لِذِي الوِجْدَانِ
__________
(1) سورة الواقعة (10-40).
(2) سورة الإنسان .
(3) سورة ص الآية .
(4) أخرجه البيهقي في البعث (1/368) ، السلسلة الصحيحة (2188)،صحيح الترغيب رقم(3769).(1/84)
فَنَفَى لَنَا الرَّحْمَنُ أجْمَعَهَا عَنِ الْـ ـخَمْرِ الَّتِي فِي جَنَّةِ الحَيَوانِ
وَشَرَابُهُمْ مِنْ سَلْسَبِيلٍ مَزْجُهُ الْـ ـكَافُورُ ذَاكَ شَرَابُ ذِي الإْحَسانِ
فصل
في دخول الفقراء قبل الأغنياء الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمس مائة سنة" .(1)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفاً"(2).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن
أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء"(3) . (الجد) : بفتح الجيم هو الحظ والغنى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء".(4)
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه برقم (676) . (6887)
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (7388).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق رقم (6547)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2736).
(4) رواه البخاري برقم (5077)، (5077)، باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَة، ومسلم برقم (6887)، باب أكثر أهل الفقراء .
قال ابن بطال: ليس قوله " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء " يوجب فضل الفقير على الغني، وإنما معناه أن الفقراء في الدنيا أكثر من الأغنياء فأخبر عن ذلك كما تقول أكثر أهل الدنيا الفقراء إخبارا عن الحال، وليس الفقر أدخلهم الجنة وإنما دخلوا بصلاحهم مع الفقر، فإن الفقير إذ لم يكن صالحا لا يفضل، قلت: ظاهر الحديث التحريض على ترك التوسع من الدنيا كما أن فيه تحريض النساء على المحافظة على أمر الدين لئلا يدخلن النار كما تقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان في حديث " تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قيل: بم قال: بكفرهن، قيل يكفرن بالله قال: يكفرون بالإحسان . فتح الباري(1/85)
وعن عبد الله بن عمرو، قال : "يجمعون فيقال أين فقراء هذه الأمة ومساكينها، قال : فيبرزون، فيقال: ما عندكم، فيقولون: يا رب ابتليتنا فصبرنا وأنت أعلم ، قال : وأراه، قال : ووليت الأموال والسلطان غيرنا، قال: فيقال صدقتم فيدخلون الجنة قبل سائر الناس، ويبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان، قال : قلت: فأين المؤمنون يومئذ، قال: يوضع لهم كراسي من نور ويظلل عليهم الغمام ويكون ذلك اليوم أقصر عليهم من ساعة من نهار" .(1)
وَنَظِيرُ هَذَا سَبْقُ أهْلِ الفَقْرِ لِلْجَنَّاتِ فِي تَقْدِيرِهِ أثَرَانِ
مِائَةٌ بِخَمْسٍ ضَرْبُهَا أوْ أرْبَعِيـ ـنَ كِلاَهُمَا فِي ذَاكَ مَحْفُوظَانِ
فَأبْو هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَى أوْلاَهُمَا وَرَوَى لَنَا الثَّانِي صَحَابِيَّانِ
هَذَا بِحَسْبِ تَفَاوُتِ الفُقَرَاءِ فِي اسْـ ـتِحْقَاقِ سَبْقِهِمْ إلى الإِحْسَانِ
أوْ ذَا بِحَسْبِ تَفَاوُتِ فِي الأغْنِيَاءِ كِلاَهُمَا لاَ شَكَّ مَوْجُودَانِ
هَذَا َوَأوَّلُهُمْ دُخُولاً خَيْرُ خَلْـ ـقِ اللهِ مَنْ قَدْ خَصَّ بِالقُرْآنِ
وَالأَنْبِيَاءُ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ مِنَ التَّـ ـفْضِيلِ تِلْكَ مَوَاهِبُ المَنَّانِ
فصل
محاجة الجنة والنار وصفة أهليهما
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "احتجت الجنة والنار ، فقالت النار : فيّ الجبارون والمتكبرون ، وقالت الجنة : فيّ ضعفاء المسلمين ومساكينهم ، فقضى الله بينهما إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء ، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ، ولكليكما علي ملؤها".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : فمالي لا يدخلني
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة رقم (34028) .
(2) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2847).(1/86)
إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ، قال الله للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله تقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحداً ، وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً" .(1)
وعن حارثة بن وهب - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيفٍ مُستضعف لو يُقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار قال: كل عتل جواظ متكبر".(2)
وفي رواية: "مستكبر".
العتل:بضم العين والتاء جميعاً وتشديد اللام هو الغليظ الجافي والجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة هو الجموع المنوع وقيل: الضخم المختال في مشيته وقيل القصير البطن.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أهل النار كل جعظري جواظ متكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون".(3)
الجَعْظَرِيُّ: الفَظُّ الغليظُ، أو الأَكولُ الغليظُ، والقصيرُ المُتَنَفِّخُ بما ليس عندَه، كالجِعْظارَة. والجِعِنْظارُ: الشَّرِهُ النَّهِمُ، أو الأَكولُ الضَّخْمُ، كالجَعَنْظَرِ. والجَعَنْظَرَةُ: سَعْيُ البَطيءِ. والجَعْظَرُ: الضَّخْمُ الإسْتِ، إذا مَشَى حَرَّكَها. المنتفخ بما ليس عنده.
__________
(1) رواه البخاري برقم (4569) ، باب قوله وتقول هل من مزيد ، ومسلم برقم(2846) ، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء .
(2) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم(4918)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2853).
(3) رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.(1/87)
الجُواظُ، كغُرابٍ: الضَّجَرُ، وقِلَّةُ الصَّبْرِ. وكشَدَّادٍ: الضَّخْمُ المُخْتالُ، والكثيرُ الكلامِ والجَلَبَةِ في الشَّرِّ، والجَموعُ المَنوعُ، والصَّيَّاحُ، والضَّجورُ، كالجَوَّاظةِ، والعاجِزُ، والمُتَكَبِّرُ الجافِي. القاموس المحيط .
والمناع: هو المناع للخير . قال ابن منظور: رجل مَنُوعٌ ومانِعٌ ومَنَّاعٌ: ضَنِينٌ مُمْسِكٌ. وفي التنزيل: { مَنَّاعٍ للخير } وفيه: { وإِذا مسَّه الخيْرُ مَنُوعاً } . ومَنِيعٌ: لا يُخْلَصُ إِليه في قوم مُنَعاءَ . لسان العرب .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رب أشعث أغبر موضوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره".(1)
فصل
في تربة الجنة
عن أبي ذر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك" .(2)
الجنابذ : القبب، والجنبذة هي القبة. قال ابن منظور: الجُنْبُذَةُ: بالضم: ما ارتفع من الشيء واستدار كالقبة؛ قال يعقوب: والعامة تقول: جُنْبَذَة، بفتح الباء. ابن سيده: الجُنْبُذَة المرتفع من كل شيء. و الجُنْبُذَة: ما علا من الأَرض
واستدار. ومكان مُجَنْبَذ: مرتفع؛ حكاه كراع. و جُنْبُذة الكيل: منتهى أَصْبارِه؛ وقد جَنْبَذَه.والجُنْبُذَة: القبة.(3)
وفي رواية:".ثم أدخلت الجنة ، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2622).
(2) رواه البخاري برقم (3164) ، باب وإن إلياس لمن المرسلين ، ومسلم برقم (163) ، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات وفرض الصلوات .
(3) لسان العرب ( 3/482) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة برقم (342) ، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء .(1/88)
وقوله : "حبايل" : قال ابن منظور : أَراد به مواضع مرتفعة كحِبال الرمل كأَنه جمع حِبالة، وحِبالة جَمع حَبْل أَو هو جمع على غير قياس .(1)
وعن عبيد الله بن عبد الله مولى أم المؤمنين عائشة ، أنه سمع أبا هريرة يقول - رضي الله عنه - : قلنا : يا رسول الله إنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة ، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد . فقال : "لو تكونون على كل حال على الحال الذي أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة بأكفكم ولو أنكم في بيوتكم ، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم ، قال: قلنا: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها، قال: لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ أو الياقوت، وترابها الزعفران من يدخلها ينعم فلا يبؤس ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه" .(2)
قوله : ملاطها : قال ابن منظور : المِلاط: الطين الذي يُجعل بين سافَيِ
البِناء و يُمْلَطُ به الحائط، وفي صفة الجنة: ومِلاطُها مِسْك أَذْفَرٌ، هو من
ذلك، و يُمْلَطُ به الحائط أَي يُخْلط.(3)
وقوله: مِسْكٌ أذْفَر، أي طَيِّب الرِّيح، والذَّفَر بالتحريك يقَعَ على الطَّيِّب والكَرِيه، ويُفْرَق بينهما بِما يُضاف عليه ويُوصَف به ومنه صفة الجَنَّة وتُرابُها مِسْك أذْفَرُ. (4)
__________
(1) لسان العرب (11/138) .
(2) رواها ابن حبان في صحيحه برقم (7387)، موارد الظمآن برقم (2621)، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2621) ، باب فيما في الجنة من الخيرات ، والمشكاة برقم (5630) .
(3) النهاية في غريب الحديث (4/357) ، ولسان العرب (7/406) .
(4) النهاية في غريب الحديث (2/161) .(1/89)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن صائد: "ما تربة الجنة"؟ قال: درمكة بيضاء ، مسك يا أبا القاسم . قال: "صدقت" .(1)
قوله : دَرْمَكة بيضاء مِسْك؛ قال خالد: الدَّرْمَكُ الذي يُدَرْمَكُ حتى يكون دُقاقاً من كل شيء الدقيق والكحل وغيرهما، وكذلك التراب الدقيق دَرْمك؛ وخطب بعض الحَمْقى إِلى بعض الرؤساء كَرِيمة له فردّه وقال: امْسَحْ من الدَّرْمَكِ عَنِّي فاكا، إِني أَركَ خاطِباً كذاكا قال: والعرب تقول فلان كَذاكَ أَي سَفِلَةٌ من الناس .(2)
والأرْضُ مَرْمَرَةٌ(3) كَخَالِصِ فِضَّةٍ مِثْلَ المِرَاةِ تَنَالُهُ العَيْنَانِ
فِي مُسْلِمٍ تَشْبِيهُهَا بِالدَّرْمَكِ(4) الصَّـ ـافِي وَبِالمِسْكِ العَظِيمِ الشَّانِ
هَذَا لِحُسْنِ اللَّوْنِ لَكِنْ ذَا الطَّيْـ ـبِ الرَّيحِ صَارَ هُنَاكَ تَشْبِيهَانِ
حَصْبَاؤُهَا دُرٌّ وَيَاقُوتُ كَذَا كَ لآلِيءُ نُثِرَتْ كَنَثْرِ جُمَانِ
وَتُرَابُهَا مِنْ زَعْفَرَانِ أوْ مِنَ الـ ـمِسْكِ الذِي مَا اسْتُلَّ مِنْ غِزْلاَنِ
فصل
في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها
قال الله تعالى : { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) } .(5)
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (2928) ، باب ذكر ابن صياد .
(2) لسان العرب (10/423) .
(3) هو نوع من الرخام .
(4) هو دقيق الحواري والتراب الناعم .
(5) سورة الواقعة .(1/90)
وقال تعالى : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) } .(1) قال مجاهد: { وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } إن قام ارتفعت معه بقدر، وإن قعد تذللت له حتى ينالها، وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها، فذلك قوله تعالى : { تَذْلِيلاً } ، وقال قتادة: لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد، وقال مجاهد: أرض الجنة من ورق وترابها من المسك، وأصول شجرها من ذهب وفضة، وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد والياقوت والورق والثمر بين ذلك، فمن أكل منها قائماً لم تؤذه،ومن أكل منها قاعداً لم تؤذه، ومن أكل منها مضطجعاً لم تؤذه.اهـ. (2)
...
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إنه قال له رجل : يا رسول الله ما طوبى ، قال : "شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" .(3)
وَثِمَارُهَا مَا فِيهِ مِنْ عَجَمٍ كَأمـ ـثَالِ القِلالِ فَجَلَّ ذُو الإحْسَانِ
وَظِلالُهَا مَمْدُودَةٌ لَيْسَتْ تَقِيْ حَرًّا وَلا شَمْساً وَأنَّى ذَانِ
أوْ مَا سَمِعْتَ بِظِلِّ أصْلٍ وَاحِدٍ فِيهِ يَسِيرُ الرَّاكِبُ العَجْلانِ
مَائَةً سِنينَ قُدِّرَتْ لا تَنْقَضِي هَذَا العَظِيمُ الأصْلِ وَالأفْنَانِ
وَلَقَدْ رَوَى الخُدْرِيُّ أيْضَاً أنَّ طُو بَى قَدْرُهَا مِائَةُ بِلا نُقْصَانِ
تَنَفَتَّحُ الأكْمَامُ فِيهَا عَنْ لِبَا سِهُمُ بِمَا شَاؤُوا مِنَ الألْوَانِ
__________
(1) سورة الإنسان الآية (14) .
(2) تفسير ابن كثير (8/296-297) .
(3) صحيح ابن حبان برقم (7413) ذكر الاخبار عن اسم هذه الشجرة . وموارد الظمآن برقم (2625) ، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2223) .(1/91)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" .(1)
وعن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - ، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية ، أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع ، فقال له : ألست فيما شئت ، قال : بلى ولكني أحب أن أزرع ، قال : فبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده ، فكان أمثال الجبال ، فيقول الله : دونك يا بن آدم
فإنه لا يشبعك شيء ، فقال الأعرابي : والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا ،فإنهم أصحاب زرع ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ".(2) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب" .(3)
وفي حديث عامر بن يزيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول قام أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ما فاكهة الجنة قال فيها شجرة تدعى طوبى قال أي شجرنا تشبهها قال ليس تشبه شيئا من شجر أرضك ولكن أتيت الشام قال لا يا رسول الله قال فإنها تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تشتد على ساق ثم ينتشر أعلاها قال ما عظم أصلها قال لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما" .(4)
__________
(1) رواه البخاري برقم (3079) ، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة،ورواه مسلم برقم (2826) ، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها .
(2) رواه البخاري برقم (2221) ، باب كراء الأرض بالذهب والفضة ، وبرقم (7081) ، باب كلام الرب مع أهل الجنة .
(3) موارد الظمآن برقم (2624) ، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2222) .
(4) موارد الظمآن برقم (2626) ، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2224) .(1/92)
وعن عامر بن يزيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول قام أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال فيها عنب يعني الجنة يا رسول الله قال نعم قال ما عظم العنقود منها قال مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يني ولا يفتر قال ما عظم الحبة منه قال هل ذبح أبوك تيسا من غنمه قط عظيما ، قال : نعم ، قال فسلخ إهابها
فأعطاه أمك وقال ادبغي لنا هذا دلوا نروي به ماشيتنا ، قال : نعم ، قال : فإن تلك الحبة قال تسعني وأهل بيتي قال : نعم [وعامة] وعشيرتك" .(1)
أشْجَارُهَا نَوْعَان مِنْها مَالَهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِثَالٌ ثَانِ
كَالسِّدْرِ أصْلُ النَّبْقِ مَخْضُودٌ مَكَا نَ الشَّوْكِ مِنْ ثَمَرٍ ذَوِي ألْوَانِ
هَذَا وَظِلُّ السِّدْرِ مِنْ خَيْرِ الظَّلا لِ وَنَفْعُهُ التَّرْوِيحُ لِلأبْدَانِ
وَثِمَارُهُ أيْضاً ذَواتُ مَنَافِعٍ مِنْ بَعْضِهَا تَفْرِيحُ ذِي الأحْزَانِ
فصل
في أصناف أهل الجنة
قال ابن قيم الجوزي:وبالجملة فأهل الجنة أربعة أصناف ذكرهم الله سبحانه وتعالى في قوله : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) } .(2) فنسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه .(3)
فصل
في أن أهل الجنة لا ينامون
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"النوم أخو الموت أهل الجنة لا ينامون" .(4)
__________
(1) موارد الظمآن برقم (2627) ، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2225) .
(2) سورة النساء .
(3) حادي الأرواح (1/84) .
(4) السلسلة الصحيحة برقم (1807) .(1/93)
وفي رواية عن جابر: "النوم أخو الموت و لا يموت أهل الجنة" . (1)
قاله لمن سأل أينام أهل الجنة؟
فصل
في إلحاق ذرية المؤمن به في الجنة
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) } .(2)
قوله : وَمَا أَلَتْنَاهُمْ : أي ومانقصناهم .
قال القرطبي : أي ما نقصنا الأبناء من ثواب أعمالهم لقصر أعمارهم وما نقصنا
الآباء من ثواب أعمالهم شيئا بإلحاق الذريات بهم .(3)
قال ابن كثير:يخبر تعالى عن فضله وكرمه وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان يلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم لتقر أعين الآباء بالأبناء في منازلهم فيجمع بينهم على أحسن الوجوه بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك ولهذا قال ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء قال الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه ثم قرأ والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري به .(4)
__________
(1) قال المناوي: رواه البيهقي عن جابر بن عبد اللّه، ورواه عنه أيضاً بهذا اللفظ الطبراني في الأوسط والبزار . قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح . (صحيح) انظر حديث رقم:( 6808 )في صحيح الجامع.
(2) سورة الطور .
(3) تفسير القرطبي (17/67) .
(4) تفسير ابن كثير (4/442) .(1/94)
وقال ابن كثير: أي ساوينا بين الكل في المنزلة لتقر أعينهم وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني، بل رفعنا ناقص العمل فساويناه بكثير العمل تفضلا منا ومنة .(1)
فصل
في أن العبادات تُرفَعُ في الجنة إلا الذكر
وهم في شغل فاكهون
تُرفَعُ الأعمال عن المؤمنين في الجنة حيث إنّ العمل يكون في الدنيا فقط لأن هذه الدنيا هي دار العمل والجنة دار الجزاء فيكون المؤمنون في الجنة في شغل فاكهين ويكونون في النعيم .
قال الله تعالى : { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } .(2)
وَلَقَدْ رَوَيْنَا أنَّ شُغْلَهُمُ الَّذِي قّدْ جَاءَ فِي يس دُونَ بَيَانِ
شُغْلُ العَرُوسِ بِعُرْسِهِ مِنْ بَعْدِ مَا عَبَثَتْ بِهِ الأشْوَاقُ طُلَ زَمَأنِ
والذي يبقى في الجنة من العمل فقط هو ذكر الله تعالى ، حيث يلهمون التسبيح والتحميد كما نلهم النفس .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول زمرة تلج الجنّة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرُهم الألوة، ورشحهم المسك، لكل واحدٍ
منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد ، يسبحون الله بكرةً وعشياً"(3).
زمرة : هي الجماعة .
وعن جابر - رضي الله عنه - ، قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يقول :
"إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون" .
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/73) .
(2) سورة يس الآية (55) .
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3245)، وفي أحاديث الأنبياء برقم (3327) ، ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).(1/95)
قالوا : فمابال الطعام ،قال : "جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس" .(1)
قال ابن حجر : "قال القرطبي هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله يلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه فجعل تنفسهم تسبيحا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه ومن أحب شيئا أكثر من ذكره وقد وقع في خبر ضعيف أن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى فإذا نشرت كانت علامة البكور وإذا طويت كانت علامة العشي" .(2)
فصل
في احتجاج الجنة والنار
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"احتجت الجنة والنار ، فقالت النار : فيّ الجبارون والمتكبرون ، وقالت الجنة : فيّ ضعفاء المسلمين ومساكينهم ، فقضى الله بينهما إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء ، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ، ولكليكما علي ملؤها".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : فمالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ، قال الله
__________
(1) رواه مسلم برقم (2835) .
(2) فتح الباري (6/326) .
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2847).(1/96)
للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله تقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحداً ، وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً" .(1)
وعن حارثة بن وهب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيفٍ مُستضعف لو يُقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار قال: كل عتل جواظ متكبر".(2)وفي رواية: "مستكبر".
العتل: بضم العين والتاء جميعاً وتشديد اللام هو الغليظ الجافي والجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة هو الجموع المنوع وقيل: الضخم المختال في مشيته وقيل القصير البطن.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أهل النار كل جعظري جواظ متكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون".(3)
الجعظري: المنتفخ بما ليس عنده.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رب أشعث أغبر موضوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره".(4)
فصل
فيمن يشتهي الولد في الجنة
عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة
__________
(1) رواه البخاري برقم (4569) ، باب قوله وتقول هل من مزيد ، ومسلم برقم(2846) ، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء .
(2) رواه البخاري في كتاب التفسيربرقم (4918)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2853).
(3) رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2622).(1/97)
كان حمله ووضعه وشبابه كما يشتهي في ساعة" .(1)
فائدة: لا ولد في الجنة، أما ما رواه الترمذي من "أن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان وضعه وحمله في ساعة كما يشتهي في ساعة"، فمحمولٌ على أنه لو اشتهاه لكان، لكنه لم يشتهه. (2)
وقال المناوي: ويكون ذلك كله كما يشتهي من جهة القدر والشكل والهيئة وغيرها والمراد أن ذلك يكون إن اشتهى كونه لكنه لا يشتهي ذلك فلا يولد له فلا تعارض بينه وبين خبر العقيلي بسند صحيح إن الجنة لا يكون فيها ولد. (3)
فصل
في المحاورة بين أهل الجنة وأهل النار
قال الله تعالى : { (43) وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) } .(4)
__________
(1) رواه أحمد والترمذي والبيهقي وابن حبان موارد الظمآن برقم (2636) ، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2229) ، باب في نساء أهل الجنة وفضل موضع القدم من الجنة على الدنيا وما فيها ، والمشكاة برقم (5648)، وصحيح الجامع برقم (6649) .
(2) مغني المحتاج (3/431) .
(3) فيض القدير .
(4) سورة الأعراف .(1/98)
عن ابن عباس، قوله: وَنادَى أصحَابُ الجَنَّةِ أصحَابَ النَّارِ أنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكلّ خير علمه الناس أو لم يعلموه، ووعد أهل النار كلّ خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه فذلك قوله: وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ قال: فنادى أصحاب الجنة أصحاب النار أنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ يقول: من الخزي والهوان والعذاب، قال أهل الجنة: فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا من النعيم والكرامة. فأذَّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أنْ لَعْنَةُ اللّهِ على الظَّالِمينَ . (1)
__________
(1) تفسير الطبري (8/135) .(1/99)
وقال ابن كثير: يخبر تعالى بما يخاطب به أهل الجنة أهل النار على وجه التقريع والتوبيخ إذا استقروا في منازلهم { أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا فَهَلْ وَجَدتُّم وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا } أن ههنا مفسرة للقول المحذوف وقد للتحقيق أي قالوا لهم { قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا قَالُواْ نَعَمْ } كما أخبر تعالى في سورة الصافات عن الذي كان له قرين من الكفار { فَاطَّلَعَ فَرَءاهُ في سَوَاء الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبّى لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الاْولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } أي: ينكر عليه مقالته التي يقولها في الدنيا ويقرعه بما صار إليه من العذاب والنكال وكذلك تقرعهم الملائكة يقولون لهم: { هَاذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَاذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُواْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وكذلك قرّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلى القليب يوم بدر فنادى "يا أبا
جهل بن هشام ويا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ـ وسمى رؤوسهم ـ هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً، وقال عمر: يارسول الله تخاطب قوماً قد جيفوا ؟ فقال "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا" . (1)
ويُروى أن طاووساً دخل على هشام بن عبد الملك فقال له: اتق الله واحذر يوم الأذان. فقال: وما يوم الأذان؟ قال: قوله تعالى: { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } فصعِق هشام . (2)
__________
(1) تفسير ابن كثير (3/374) .
(2) تفسير القرطبي (7/209) .(1/100)
وقال الله تعالى: { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِن اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) } .(1)
قال الإمام الطبري: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة عند نزول عظيم البلاء بهم من شدّة العطش والجوع، عقوبة من الله لهم على ما سلف منهم في الدنيا من ترك طاعة الله وأداء ما كان فرض عليهم فيها في أموالهم من حقوق المساكين من الزكاة والصدقة. يقول تعالى ذكره: ونادى أصحاب
النار بعد ما دخلوها أصحاب الجنة بعد ما سكنوها أن يا أهل الجنة: أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ أي أطعمونا مما رزقكم الله من الطعام. (2)
وقال القرطبي(3): هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال. وقد سئل ابن عباس: أي الصدقة أفضل؟ فقال: الماء، ألم تَرَوْا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة "أن أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ"؟. وروى أبو داود أن سعداً أتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: أيّ الصدقة أعجب إليك؟ قال: "الماء". وفي رواية: فحفر بئراً فقال "هذه لأمّ سعد".(4)
فصل
في يوم المزيد
__________
(1) سورة الأعراف .
(2) تفسير الطبري (8/143) .
(3) تفسير القرطبي (7/215) .
(4) رواه أبو داود برقم (1681) باب في فضل سقي الماء .(1/101)
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتاني جبريل عليه السلام وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء ، فقلت : ما هذه يا جبريل ، قال : هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولقومك من بعدك تكون أنت الأول وتكون اليهود والنصارى من بعدك ، قال : مالنا فيها ، قال : لكم فيها خير لكم فيها ساعة من دعا ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه وليس له بقسم إلا ودخر له ما هو أعظم منه أو تعوذ فيها من شر هو مكتوب إلا أعاذه من أعظم منه ، قلت : ما هذه النكتة السوداء فيه ، قال : هذه الساعة تقوم
يوم الجمعة ، وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد ، قال قلت : لم تدعونه يوم المزيد ، قال : إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من المسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه حتى حف الكرسي بمنابر من نور وجاء النبيون حتى يجلسوا عليها ثم حف المنابر بكراسي من ذهب ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثيب ، فيتجلى لهم تبارك وتعالى حتى ينظروا إلى وجهه ، وهو يقول : أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي هذا محل كرامتي فسلوني ، فيسألوه الرضا ، فيقول الله عز وجل : رضائي أحلكم داري وأنا لكم كرامتي فسلوني ، فيسألوه حتى تنتهي رغبتهم ، فيفتح لهم عند ذلك مالا عين رأت ولا أذن(1/102)
سمعت ولا خطر على قلب بشر إلى مقدار منصرف الناس يوم الجمعة ، ثم يصعد تبارك وتعالى على كرسيه فيصعد معه الشهداء والصديقون ، أحسبه قال : ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم درة بيضاء لا قصم فيها ولا فصم أو ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء منها غرفها وأبوابها مطردة فيها أنهارها متدلية فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا فيه كرامة ، وليزدادوا فيه نظرا إلى وجهه تبارك وتعالى ولذلك دعي يوم المزيد" .(1)
قوله : زبرجدة خضراء : الزبرجد الجوهر المعروف .
أوَ مَا سَمِعْتَ بِشَأنِهِمْ يَوْمَ المَزِيـ ـدِ وَأنَّهُ شَأنٌ عَظِيمُ الشَّانِ
هُوَ يَوْمُ جُمْعَتِنَا وَيَوْمَ زِيَارَةِ الرَّ حْمَنِ وَقْتَ صَلاتِنَا وَأذَانِ
وَالسَّابِقُونَ إلَى الصَّلاةِ هُمُ الألَى فَازُوا بِذَاكَ السَّبْقُ بِالإِحْسَانِ
سَبْقٌ بِسَبْقٍ وَالمُؤخِّرُ هَهُنَا مُتَأخِّرٌ فِي ذَلِكَ المَيْدَانِ
وَالأقْرَبُونَ إلَى الإِمَامِ فَهُمْ أوْلُو الزُّ لْفَى هُنَاكَ فَهَا هُنَا قُرْبَانِ
قُرْبٌ بِقُرْبٍ وَالمَبَاعِدُ مِثْلُهُ بُعْدٌ بُبِعْدٍ حِكْمَةُ الدَّيَّانِ
__________
(1) مجمع الزوائد (10/421) ، باب في رؤية أهل الجنة لله تبارك وتعالى ورضاه عنهم ، وقال الهيثمي : رواه البزار، والطبراني في الأوسط بنحوه وأبو يعلى باختصار ، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وقد واحد وضعفه غيرهم ، وإسناد البزار ==فيه خلاف ، وقال الطبراني لم يروه عن أبي عمران إلا عبد السلام بن حفص تفرد به خالد ، وفي الأحاديث المختارة برقم (2219) ، وفي مسند الشافعي (1/70) ، ومصنف ابن أبي شيبة (5571) ، والمعجم الأوسط برقم (2084) ، مسند الحارث زوائد الهيثمي برقم (196) ، والسنن الواردة في الفتن برقم (432) ، والترغيب والترهيب برقم (5747) ،(1/103)
وَلَهُمْ مَنَابِرُ لُؤلَؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَمَنَابِرُ اليَاقُوتِ وَالعِقْيَانِ
هَذَا وَأدْنَاهُمْ وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ مِنْ فَوْقِ ذَاكَ المِسْكِ كَالكُثْبَانِ
مَا عِنْدَهُمْ أهْلُ المَنَابِرِ فَوْقَهُمْ مِمَّا يَرَوْنَ بِهِمْ مِنَ الإِحْسَانِ
فَيَرَوْنَ رَبَّهُمُ تَعَالَى جَهْرَةً نَظَرَ العِيَانِ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ
وَيُحَاضِرُ الرَّحْمَنُ وَاحِدَهُمْ مُحَا ضَرَةَ الحَبِيبِ يَقُولُ يَا ابْنَ فُلاَنِ
هَلْ تَذْكُرُ اليَوْمَ الذِي قَد كُنْتَ فِيـ ـه مُبَارِزاً بِالذَّنْبِ وَالعِصْيَانِ
فَيَقُولُ رَبِّ أمَا مَنَنْت بِغَفْرَةٍ قِدْماً فَإنَّكَ وَاسِعُ الغُفْرَانِ
فَيُجِيْبُهُ الرَّحْمَنُ مَغْفِرَتِي الَّتِي قَدْ أوْصَلَتْكَ إلَى المَحَلِ الدَّانِي
فصل
في آخِرَ أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخِرَ أهل النار خروجاً من النارِ(1/104)
عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ : "إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ. رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً. فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى. فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى. فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ. قَالَ فَيَأْتِيَهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى. فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ:يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى.فَيَقُولُ الله لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا. أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا. قَالَ فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي أَوْ أَتَضْحَكُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟" قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَالَ فَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً". (1)
وفي رواية عند الإمام أحمد في مسنده، عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار رجل يخرج منها زحفاً فيقال له : انطلق فادخل الجنة ، قال : فيذهب يدخل فيجد الناس قد أخذوا المنازل قال : فيرجع فيقول : يا رب قد أخذ الناس المنازل ، قال : فيقال له : أتذكر الزمان الذي كنت فيه ، قال : فيقول : نعم ، فيقال له : تمنه ، فيتمنى ، فيقال : إن لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف
__________
(1) رواه البخاري برقم برقم (6424) و (7345)، باب كَلَامِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِم، ومسلم برقم (414)، باب آخر أهل النار خروجاً .(1/105)
الدنيا ، قال : فيقول : أتسخر بي وأنت الملك ؟ قال : فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه " . (1)
فصل
في دعوى أهل الجنة
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) } .(2)
قال ابن قيم الجوزي: و في الحديث افضل الدعاء الحمد لله رب العالمين فهذا دعاء ثناء و ذكر يلهمه الله أهل الجنة فأخبر سبحانه و عن أوله و آخره فأوله تسبيح و آخره حمد يلهمونهما كما يلهمون النفس و في هذا إشارة إلى أن التكاليف في الجنة يسقط عنهم و لا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوى التي يلهمونها و في لفظ
__________
(1) مسند أحمد برقم (3593) .
قال الحافظ: قيل اسمه جهينة وذلك أنّ في صحيح أبي عوانة أن هذا الرجل هو آخر أهل النار خروجاً منها. وفي رواية مالك للخطيب عن ابن عمر: "آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين".وقال أيضاً: وقد وقع في ((غرائب مالك للدار قطني)) من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واه عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه، إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة، فيقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين "وحكى السهيلي أنه جاء أن اسمه هناد،وجوز غيره أن يكون أحد الاسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر.اهـ.فتح الباري.
(2) سورة يونس .(1/106)
اللهم إشارة إلى صريح الدعاء فإنها متضمنة لمعنى يا الله فهي متضمنة للسؤال و الثناء و هذا هو الذي فهمه من قال إذا أرادوا شيئا قالوا سبحانك اللهم فذكروا بعض المعنى و لم يستوفوه مع انهم قصروا به فانهم اوهموا انهم إنما يقولون ذلك عندما يريدون الشيء و ليس في الآية ما يدل على ذلك بل يدل على أن أول دعائهم التسبيح و آخره الحمد و قد دل الحديث الصحيح على انهم يلهمون ذلك كما يلهمون النفس فلا تختص الدعوى المذكورة بوقت إرادة الشيء و هذا كما انه لا يليق بمعنى الآية فهو لا يليق بحالهم ، والله تعالى اعلم بالصواب .(1)
فصل
فيما جاء في ذبح الموت
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أيضاً،قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح - زاد أبو كريب فيوقف بين الجنة والنار واتفقا في باقي الحديث - فيقال:يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم هذا الموت ، قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا؟قال: فيشرئبون وينظرون ، ويقولون : نعم هذا الموت ، قال : فيؤمر به فيذبح ، قال : ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلاموت ، ويا أهل النار خلود فلا موت،قال: ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } (2) وأشار بيده إلى الدنيا".(3)
__________
(1) حادي الأرواح (1/293) .
(2) سورة مريم الآية (39) .
(3) رواه البخاري برقم (4453) ، باب وأنذرهم يوم الحسرة ، ومسلم برقم (2849) ، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء .(1/107)
وفي رواية : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "يدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذنٌ بينهم فيقول: يا أهل الجنة لاموت ويا أهل النار لاموت كل خالد فيما هو فيه"(1).
قوله: فيشرئبون وينظرون : أي يرفعون رؤوسهم وينظرون إلى المناد .
قال ابن منظور: فيَشْرَئِبُّون لصوته؛ أَي يرفعون رؤوسهم ليَنْظُروا إِليه؛ وكلُّ رافع رأْسه مُشرئبٌّ . (2)
قال ابن حجر: قال القاضي أبو بكر بن العربي: استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل لأن الموت عرض والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث ودفعته، وتأولته طائفة فقالوا: هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة، وقالت طائفة: بل الذبح على حقيقته والمذبوح متولي الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم، قلت: وارتضى هذا بعض المتأخرين وحمل قوله، هو الموت الذي وكل بنا، على أن المراد به ملك الموت لأنه هو الذي وكل بهم في الدنيا كما قال تعالى في سورة ألم السجدة واستشهد له من حيث المعنى بأن ملك الموت لو استمر حيا لنغص عيش أهل الجنة، وأيده بقوله في حديث الباب، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم، وتعقب بأن الجنة لا حزن فيها البتة، وما وقع في رواية ابن حبان أنهم يطلعون خائفين إنما هو توهم لا يستقر، ولا يلزم من زيادة الفرح ثبوت الحزن،
بل التعبير بالزيادة إشارة إلى أن الفرح لم يزل، كما أن أهل النار يزداد حزنهم ولم يكن عندهم فرح إلا مجرد التوهم الذي لم يستقر ... (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6548)،ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2850).
(2) لسان العرب .
(3) فتح الباري .(1/108)
"إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح ثم ينادي منادٍ يا أهل الجنة ، لا موت ، يا أهل النار لاموت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم وأهل النار حزناً إلى حزنهم".
أوَ مَا سَمِعْتَ بِذَبْحِهِ لِلْمَوْتِ بَيْـ ـنَ المَنْزِلَيْنِ كَذَبْحِ كَبْشِ الضَّانِ
حَاشَا لِذَا المَلَكِ الكَرِيمِ وَإنَّمَا هُوْ مَوْتُنَا المَحْتُومُ لِلإنْسَانِ
وَاللهُ يُنَشِىء مِنْهُ كَبْشاً أمْلَحاً يَوْمَ المَعَادِ يُرَى لَنَا بِعِيَانِ
يُنْشِي مِنَ الأعْرَاضِ أجْسَاماً كَذَا بِالعَكْسِ كُلٌّ قَابِلُ الإمْكَانِ
فصل
في خلود أهل الجنة فيها
الجنة دار بقاء لا دار فناء، ودار جزاء لا دار بلاء ، من دخلها خُلد فيها ولا يخرج منها، لا موت فيها، ينعم ولا ييأس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابُه.فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،قال: "من يدخل الجنة ينعم ولا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابُه في الجنة ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر"(1).
وعن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وذلك قول الله عز وجل: { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } "(2).(3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2836) .
(2) سورة الأعراف الآية (43).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (3737).(1/109)
وفي رواية : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "يدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذنٌ بينهم فيقول: يا أهل الجنة لاموت ويا أهل النار لاموت كل خالد فيما هو فيه"(1).
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:"قال القرطبي : وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة ، كما قال تعالى: { لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا } (2)، وقال تعالى: { كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا } .(3)
فمن زعم أنهم يخرجون منها ، وإنها تبقى خالية ، أو أنها تفنى وتزول ، فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة". اهـ .(4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح ثم ينادي منادٍ يا أهل الجنة ، لا موت ، يا أهل النار لاموت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم وأهل النار حزناً إلى حزنهم".
قالت عكرشة بنت الأطش رحمها الله تعالى : " إن الجنة دار لا يرحل عنها من قطنها ، ولا يحزن من سكنها ، ولا يموت من دخلها فابتاعوها بدار لا يدوم ، ولا ينصرم عمومها دار الخلد .(5))
هَذَا وَخَاتِمَةُ النَّعِيمِ خُلُودُهُمْ أبَداً بِدَارِ الخُلْدِ وَالرِّضْوَانِ
أوَ مَا سَمِعْتَ مُنَادِيَ الإيمَانِ يُخْـ ـبِرُ عَنْ مُنَادِيهِم بِحُسْنِ بَيَانِ
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6548)،ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2850).
(2) سورة فاطر الآية (36) .
(3) سورة السجدة الآية (20) .
(4) فتح الباري (11/421) .
(5) تاريخ ابن عساكر (ص254) تراجم النساء ، وبلاغات النساء (ص74) .(1/110)
لَكُمُ حَيَاةٌ مَا بِهَا مَوْتٌ وَعَا فِيَهٌ بِلا سَقَمٍ وَلا أحْزَانِ
وَلَكُمْ نَعِيمٌ مَا بِهِ بَؤسٌ وَمَا لِشَبَابِكُمْ هَرَمٌ مَدَى الأزْمَانِ
كَلا وَلا نَوْمٌ هُنَاكَ يَكُونُ ذَا نَوْمٌ وَمَوْتٌ بَيْنَنَا أخَوَانِ هَذَا عَلِمْنَاهُ اضْطِرَاراً مِنْ كِتَا بِ الله فَافْهَمْ مُقْتَضَى القُرْآنِ
وَالجَهْمُ أفْنَاهَا وَأفْنَى أهْلَهَا تَبًّا لِذَاكَ الجَاهِلِ الفَتَّانِ
طَرْداً لِنَفْيِ دَوَامِ فِعْلِ الرَّبِّ فِي الـ ـمَاضِي وَفِي مُسْتَقْبَلِ الأزْمَانِ
وَابُو الهُذَيْلِ يَقُولُ يَفْنَى كُلُّ مَا فِيهَا مِنَ الحَرَكَاتِ للسُّكَّانِ
وَتَصِيرُ دَارُ الخُلْدِ مَعْ سُكَّانِهَا وَثَمَارِها كَحِجَارَةِ البُنْيَانِ
قَالُوا وَلَوْلا ذَاكَ لَمْ يَثْبُتْ لَنَا رَبٌّ لأجْلِ تَسَلْسُلِ الأعْيَانِ
فَالقَوْمُ إمَّا جَاحِدُونَ لِرَبِّهِمْ أوْ مُنْكِرُونَ حَقَائِقَ الإِيمَانِ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والواجب أن يعلم أن كل ما أعده الله للأولياء من نعيم بالنظر إليه وما سوى ذلك هو في الجنة، كما أن كل ما وعد به أعداءه هو في النار. وقد قال تعالى: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .(1) وفي الحديث الصجيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يقول: الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتهم عليه" وإذا علم أن جميع ذلك داخل في الجنة، فالناس في الجنة على درجات متفاوتة كما قال: { انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلاَْخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } .(2) وكل مطلوب للعبد بعبادة أو دعاء أو غير ذلك من مطالب الآخرة هو في الجنة.
__________
(1) سورة السجدة الآية (71) .
(2) سورة الإسراء الآية (71) .(1/111)
وطلب الجنة والاستعاذة من النار طريق أنبياء الله ورسله، وجميع أوليائه السابقين المقربين، وأصحاب اليمين. كما في السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل بعض أصحابه: "كيف تقول: في دعائك؟" قال: أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار؛ أما إني لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ. فقال: "حولهما ندندن" فقد أخبر أنه هو - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ ـ وهو أفضل الأئمة الراتبين بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ـ إنما يدندنون حول الجنة، أفيكون قول أحد فوق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ، ومن يصلي خلفهما من المها جرين والأنصار؟! ولو طلب هذا البعد ما طلب كان في الجنة.
وأهل الجنة نوعان: سابقون مقربون، وأبرار أصحاب يمين. قال تعالى: { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الاَْبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الاَْبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الاَْرَآئِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } .(1) قال ابن عباس تمزج لأصحاب اليمين مزجا ويشربها المقربون صرفا .اهـ. (2)
فالجنة سلعة الله وهي غالية ولا ينالها إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات جعلنا الله وإياكم منهم وحشرنا في زمرتهم .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من خاف أدلج و من أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" . (3)
__________
(1) سورة المطففين الآية (81-82) .
(2) مجموع الفتاوى المجلد السادس .
(3) رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، صحيح الجامع حديث رقم (6222).(1/112)
قوله: "من خاف أدلج" قال المناوي: بسكون الدال مخففاً سار من أول الليل وأما بالتشديد فمعناه سار من آخره "ومن أدلج بلغ المنزل" يعني من خشي اللّه أتى منه كل خير ومن أمن اجترأ على كل شر، كذا في الكشاف، وقال في الرياض: المراد التشمير في الطاعة. وفي الترغيب معناه من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة والمبادرة بالعمل الصالح خوف القواطع والعوائق. وقيل هو حث على قيام الليل. جعل قيامه من علامات الخوف لأن الخائف يدلج أي منعه الخوف من نوم كل الليل، والأظهر أنه ضرب مثلاً لكل من خاف الردى أو فوت ما يتمنى أن يصل إلى السير بالسرى ولا يركن إلى الراحة والهوى حتى يبلغ المنى "ألا إن سلعة
اللّه غالية" أي رفيعة القدر، "ألا إن سلعة اللّه الجنة" قال الطيبي: هذا مثل ضربه لسالك الآخرة فإن الشيطان على طريقه، والنفس وأمانيه الكاذبة أعوانه، فإن تيقظ في سيره وأخلص في عمله أمن من الشيطان وكيده ومن قطع الطريق انتهى، وثمن هذه السلعة العمل الصالح المشار إليه بقوله: { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً } ، وقال العلائي: أخبر أن الخوف من اللّه هو المقتضي للسير إليه بالعمل الصالح والمشار إليه بالإدلاج وعبر ببلوغ المنزلة عن النجاة المترتبة على العمل الصالح وأصل ذلك كله الخوف.اهـ. (1)
كما أن الجنة تحتوي على القصور فهي كذلك تحتوي على الغرف أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين ، ولكن عليهم أن يدفعوا الثمن ، ليس دينار ولا درهم ولكن إيمان وحسنات كالجبال الرواسي ، ولا يتوهم البعض بأنه بعمله يدخل الجنة ولكن برحمة الله تعالى وفضله ، كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) فيض القدير .(1/113)
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قاربوا وسددوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله ، قالوا : يا رسول الله ولا أنت ، قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" .(1) وفي رواية : "إلا أن يتغمدنى الله منه برحمة ولكن سددوا" ، وفى رواية : "إلا أن يتداركني الله منه برحمة" .
قال النووي رحمه الله : اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا أيجاب ولا تحريم ولا غيرها من أنواع التكليف ولا تثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع ، ومذهب أهل السنة أيضا أن الله تعالى لا يجب عليه شيء تعالى الله بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء ، فلوا عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلا منه ، وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه ، ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك ولكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب المنافقين ويخلدهم في النار عدلا منه .اهـ .(2)
فسنذكر النصوص الواردة ببناء غرف أو بيت في الجنة، عسى الله تعالى ينفع بها وليكون ذلك زاداً يتزودون به في يوم الدين، ورصيداً لهم عند الله تعالى بإذنه سبحانه .
غُرُفَاتُهَا فِي الجَوِّ يُنْظَرُ بَطْنُهَا مِنْ ظَهْرِهَا وَالظَّهْرُ مِنْ بَطْنَانِ
سَكَّانُهَا أهْلُ القِيَامِ مَعَ الصِّيَا مِ وَطَيِّبِ الكَلِمَاتِ وَالإِحْسَانِ
ثِنْتَانِ خَالِصُ حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَعَبِيدُهُ أيْضاً لَهُمْ ثِنْتَانِ
فصل
في الغرف المبنية في الجنة
للذين آمنوا وعملوا الصالحات
__________
(1) مسلم برقم (2816) ، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى .
(2) شرح مسلم (17/159-160 ) .(1/114)
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) } .(1)وقال تعالى: { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37) } .(2)
قال القرطبي: قوله تعالى لكن الذين اتقوا ربهم لما بين أن للكفار ظللا من النار من فوقهم ومن تحتهم بين أن للمتقين غرفا فوقها غرف لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضا .(3)
وقال ابن كثير : هذه الغرف أجرا على أعمال المؤمنين الذين صبروا أي على دينهم وهاجروا إلى الله ونابذوا الأعداء وفارقوا الأهل والأقرباء ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده وتصديق موعودة .(4)
وقال في موضع آخر : قال الله تعالى : { إلا من آمن وعمل صالحا } ، أي : إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ، أي : تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف وهم في الغرفات آمنون ، أي في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ومن كل شر يُحْذَرُ منهُ.(5)
فصل
في الغرف المبنية للمتقين
قال الله تعالى: { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) } .(6)
التقوى سبباً لدخول الغرف التي في الجنة .
__________
(1) سورة العنكبوت الآية (58) .
(2) سورة سبأ الآية (37) .
(3) تفسير القرطبي (15/245) .
(4) تفسير ابن كثير (3/421) .
(5) تفسير ابن كثير (3/542) .
(6) سورة الزمر .(1/115)
قال ابن كثير : ثمَّ أخبر عز وجل عن عباده السعداء أنّهم لهم غرفٌ في الجنّة ، وهي القصور أي الشاهقة من فوقها غرف مبنية طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات .(1)
فصل
في غرف الجنة للذين آمنوا
وصدقوا المرسلين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ أهل الجنَّة ليتراءونَ أهل الغرف من فوقِهِم، كما يتراءون الكوكب الدُرّيّ الغابِر في الأُفق، من المشْرقِ والمغرب لتفاضُل ما بينهم " قالوا : يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء ، لا يبلغها غيرهم ؟ قال : "بلى والذي نفسي بيده، رجالٌ آمنوا بالله وصدّقو ا المرسلين" .(2)
وفي رواية لهما : "كما تراءون الكوكب الغارب" بتقديم الراء على الباء .(3)
وفي صحيح مسلم الغابر ..
الغابر والغارب بمعنى، وهو الذاهب الماشي، أي الذي تدلى للغروب وبعد عن العيون.
قال المناوي: الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار، والمراد هنا القصور العالية في الجنة . "كما يتراءون" : بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية ، وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد الهمزة ، الكواكب في السماء ، يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض .
قوله: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون" .
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/50) .
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3256)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها برقم (2831).
(3) البخاري كتاب الرقاق رقم (6556) .(1/116)
أنتم يا أهل الدنيا فيها : الكوكب الدري ، بضم فكسر مشدداً نسبة إلى الدر لصفاء لونه وخلوص نوره الغابر : بموحدة من الغبور أي الباقي في الأفق وهو من الأضداد، ويقال للماضي وللباقي غابر والماد الباقي بعد انتشار الفجر وحينئذ يرى أضوأ وفي الموطأ بالهمز بدل الموحدة من الغبور وهو السقوط والذهاب يعني الذاهب الذي قد تدلى للغروب ودنا منه وانحط إلى الجانب الغربي وفي الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة وفي التمثيل به دون بقية الكواكب .
فائدتان : إحداهما : بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض ، وإن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما زعمه التوربشتي من أن رواية الهمز تصحيف لما فيها من الركاكة لأن الساقط في الأفق لا يراه إلا بعض الناس وما الجنة يراه جميع أهلها غفلة عن هذا التوجيه الوجيه ومما يصرح برده خبر أحمد إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في الدرجات فقوله الطالع صفة للكوكب وصفه بكونه غارباً وبكونه طالعاً وقد صرح في هذا خبر ابن المبارك عن أبي هريرة :
إن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجات .(1/117)
وفي رواية لمسلم من الأفق : متعلق بمحذوف أي قريبه أو هو بيان للمحل الذي يقر فيه الكوكب والأفق بضمتين أو بضم فسكون كعسر وعسر كما في الصحاح وغيره فمن اقتصر على الأول كالمصباح لم يصب الناحية من السماء أو الأرض والأول هو المراد هنا ،من المشرق والمغرب ، شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء في جانب الشرق والغرب في الإضاءة مع البعد ، لتفاضل ما بينهم ، يعني يرى أهل الغرف كذلك لتزايد درجاتهم على من عداهم وإنما قال من المشرق أو المغرب ولم يقل في السماء أي في كبدها لأنه لو قيل في السماء كان القصد الأولى بيان الرفعة ويلزم منه البعد وفي ذكر المشرق والمغرب القصد الأول منه البعد ويلزم منه الرفعة وفيه سمت من معنى التقصير بخلاف الأول فإن فيه نوع اعتذار .(1)
3- فصل
4- في القتال في سبيل الله في الصف الأول
5- سبباً لدخول الغرف التي في الجنة
قال الله تعالى: { الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ tbrâ"ح !$xےّ9$# (20) } . (2)
وعن نعيم بن همار ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال :
"أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا ، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة يضحك إليهم ربك ، فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه" .(3)
__________
(1) فيض القدير .
(2) سورة التوبة .
(3) رواه أحمد في المسند، صحيح الجامع حديث رقم (1107) .(1/118)
قال المناوي : هذا ترغيب في جهاد أهل الطغيان بحد السيف والسنان ، وإعلام بالتربية بما تحصل به التصفية بما يؤدي إلى مناصبة الكفار ومقارعة أهل دار البوار ، وفي الخبر إشعار بأن فضل الشهادة أرفع من فضل العلم ، وإليه ذهب جمع فاحتجوا له بما منه أن العلم يحصله العبد في الحياة الدنيا ليتقرب إلى اللّه زلفى والأجر في الآخرة ، والشهادة تحصل للعبد عند خروج روحه من بدنه فهي ثواب اللّه الذي لا يبلغ أحد أقصى أمده
فالعلم مثاب عليه والشهادة من الثواب وفي تفاضل الثواب والمثاب عليه نظر لا يخفى على أولي الألباب وأيضاً فالشهادة درجة عند اللّه سبحانه وتعالى والعلم يحصله العبد في الدنيا ليكمل به عمله وإيمانه والشهادة متى اتصف بها العبد حصلت له الدرجة العالية بيقين والعلم قد يتصف به من لا يكون من المتقين فيرجع علمه وبالاً عليه ولا يرغب بحق فيما لديه لأن الشهادة اسم مدح في كل حال والمتصف بها مخصوص بالأجر الذي لا تنقطع دونه الأماني وتنتهي إليه الآمال والعلم في نفسه ينقسم إلى محمود ومذموم والمتصف بالممدوح مثاب ومعاقب ومرحوم والتحقيق أنه لا يمكن إطلاق القول بتفضيل العلم ولا الشهادة وأن ذلك لا يقاس بتفضيل عبادة على عبادة .اهـ. (1)
فصل
في أن الذهاب إلى المسجد(2)
__________
(1) فيض القدير .
(2) هذا ولا ينسى أحدنا بأن صلاة النافلة في البيوت لها أجر عظيم عند الله تعالى .
فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاةِ المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة. رواه البخاري وبنحوه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: { اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً". رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (32)، وفي كتاب التهجد برقم (1187)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (777).
اجعلوا من صلاتكم: أي بعض صلاتكم وهي صلاة النافلة أي اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، قاله الشيخ الألباني رحمه الله الترغيب (1/249).
وقال ابن حجر: استنبط من قوله في الحديث { ولا تتخذوها قبورا" أن القبور ليست بمحل عبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة. أ.هـ.فتح (1/529)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً"( ).
قال النووي: وإنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان.أ.هـ.(1/119)
طريق موصل إلى الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح" .(1)
النزل : ما يهيأ للضيف من كرامة عند قدومه.
قوله : "من غدا إلى المسجد" ، وفي رواية "خرج" ، وفي رواية "يخرج" .
وراح : أي ذهب ورجع ، وأصل الغدو الرواح بغدوة والرجوع بعشية استملال في كل ذهاب ورجوع توسعاً .
"أعد اللّه" أي هيأ "له نزلاً" ، أي محلاً ينزله ، والنُزُل بضمتين المحل الذي يهيأ للنزول فيه وبضم فسكون ما يهيأ للقادم من نحو ضيافة .
فعلى الأول من في قوله : "من الجنة" للتبعيض وعلى الثاني للتبيين .
وفي رواية بدل من في وهي محتملة لهما ، وفي رواية للبخاري أو راح بأو فعلى الواو لا بد من الأمرين حتى يعدّ له النزل وعلى أو يكفي أحدهما في الإعداد ، وكذا يقال في قوله : "كلما غدا وراح" ، أي بكل غدوة وروحة إلى المسجد قال بعضهم : الغدو والرواح كالبكرة والعشي في قوله : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } أراد بهما الديمومة لا الوقتين المعلومين لأن المسجد بيت اللّه فمن دخله لعبادة أي وقت كان أعد اللّه له أجره لأنه أكرم الأكرمين لا يضيع أجر المحسنين وفي قوله كلما إيماء إلى أن الكلام فيمن تعود ذلك .
فالذهاب والإياب إلى المسجد لكل صلاة يكون لك نزلاً في الجنة بإذن الله تعالى ، فكيف لو ذهبت إلى المسجد في اليوم خمس مرات،فاحرص على هذا الأجر.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (662)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (1522).(1/120)
فَحَريٌّ بمن يصلّون في البيوت أن يحرصوا على الصلاة في المسجد ، لأن المسجد يصنع الرجال ، قال الله تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) } .(1)
فصل
في أن بناء المساجد طريق موصل إلى الجنة
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال عند قول الناس فيه حين بني مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنكم أكثرتم عليَّ ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في الجنة".
وفي رواية: "بنى الله له مثله في الجنة".(2)"مثله": أي في الشرف والفضل والتوقير لأنه جزاء المسجد فيكون مثلاً له في صفات الشرف.
وعن أبي ذر - رضي الله عنهم - ، قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بنى لله مسجداً قدر مفحص قطاةٍ بنى الله له بيتاً في الجنة".(3)
"مفحص" أي : محل فحصها للتبيض والفحص الكشف والبحث.
__________
(1) سورة النور الآية (36-37) .
(2) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (450) ومسلم في كتاب المساجد برقم (533)، باب فضل بناء المساجد والحث عليها.
(3) رواه البزار واللفظ له والطبراني في الصغير، وابن حبان في صحيحه، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب برقم (263).(1/121)
قال النووي: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "من بنى مسجداً لله بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة مثله" يحتمل قوله - صلى الله عليه وسلم - مثله أمرين: أحدهما أن يكون معناه بنى الله تعالى له مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرهما فمعلوم فضلها أنها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. الثاني: أن معناه أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا. (1)
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بنى لله مسجداً يُذكرُ فيه، بنى الله له بيتاً في الجنة".(2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من حَفَرَ بئر ماءٍ لم يشرب منه كبدٌ حَرّى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجداً كمفحص قطاةٍ أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة".(3)
"حَرّى" : أي عطش وهي فعل من الحر تأنيث حران وهما للمبالغة يريد أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش ، كما في "اللسان".
قال المناوي: تنبيه: قال الزركشي: خص القطاة بالذكر دون غيرها لأن العرب تضرب به المثل في الصدق ففيه رمز إلى المحافظة على الإخلاص في بنائه والصدق في إنشائه . (4)
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بنى لله مسجداً صغيراً كان أو كبيراً بنى الله له بيتاً في الجنة".(5)
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم .
(2) رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب برقم (264)، وانظر صحيح الجامع برقم (6127) .
(3) رواه ابن خزيمة في صحيحه، وروى ابن ماجة منه ذكر المسجد فقط بإسناد صحيح قاله الألباني في صحيح الترغيب برقم (265)، وانظر صحيح الجامع برقم (6129) .
(4) فيض القدير .
(5) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (267).(1/122)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة أوسع منه".(1)
وعن بشر بن حيان قال: جاء واثلة بن الأسقع ونحن نبني مسجداً، قال: فوقف علينا فسلم ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "من بنى مسجداً يصلى فيه بنى الله عز وجل له في الجنة أفضل منه".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "من بنى مسجداً لا يريد به رياءً ولا سمعةً بنى الله له بيتاً في الجنة".(3)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً عَلَّمه ونَشَرَه، أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً وَرَّثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالهِ في صحته وحياته، تلحَقُهُ من بعد موته".(4)
فاحرص أخي المسلم على بناء مسجد ، لتنال هذا الأجر ."فمن بنى لله تعالى" ، أي لأجله ابتغاء لوجهه " بيتاً" مكاناً يصلى فيه . "بنى الله له بيتاً في الجنة" سعته كسعة المسجد عشر مرات فأكثر ، كما يفيده التنكير الدال على التعظيم: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } .(5).
__________
(1) رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (268).
(2) رواه أحمد والطبراني، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب برقم (269).
(3) رواه الطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (270).
(4) رواه ابن ماجة واللفظ له وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي، صحيح الترغيب رقم (271).
(5) سورة الأنعام الآية (160) .(1/123)
قال الحافظ العراقي: ولا بد لحصول هذا الثواب من اسم البناء فلا يكفي جعل الأرض مسجداً بدونه ، ولا نحو تحويطه بطين أو تراب ، ولا يتوقف حصوله على بنائه بنفسه بل أمره كاف، والأوجه عدم دخول الباني لغيره بأجرة ، وقضية إناطة الحكم بالبناء عدم حصوله لمن اشترى بناء ووقفه مسجداً والظاهر خلافه اعتباراً بالمعنى . انتهى. وتبعه تلميذه ابن حجر .
قال الراغب: والبناء اسم لما يبنى . وقال الزمخشري: مصدر سمى به المبني بيتاً أو قبة أو خباء ومنه بنى على امرأته لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديداً والبيت مأوى الإنسان بالليل ثم قيل من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر أخص ويقع على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر وبه شبه بيت الشعر ويعبر عن مكان الشيء بأنه بيته،ولما قال المصطفى ذلك قالوا: يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطريق؟ قال:"نعم"
وفيه : ندب بناء المساجد .
قال النووي: ويدخل فيه من عمره إذا استهدم فيتأكد بناءه وعمارته وإصلاح ما تشعب منه ويسن بناؤه في الدور والمراد بها كما قال ابن دقيق العيد القبائل .
وفيه ندب كنسه وتنظيفه وتحريم تقذيره حتى بطاهر لأنه استهانة به .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : "أن امرأة سوداءَ كانت تَقُم المسجد ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها بعد أيام فقيل له: إنها ماتت. قال: "فهلا آذنتموني؟" فأتى قبرها فصلى عليها".(1)
"تقم المسجد" : تجمع القمامة، وهي الكناسة.
"امرأة سوداء" واسمها أم محجن كما رواه البيهقي من حديث بريدة ورواه أبو الشيخ في حديث آخر .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (458)،ومسلم في الجنائز برقم (956).(1/124)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "في الحديث فضل تنظيف المسجد ، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب ، وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير " . اهـ .(1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب".(2)
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها".(3)
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى :
فائدة : قال ابن الجوزي : من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيداً من الإخلاص .اهـ.
ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص ، وإن كان يؤجر بالجملة . اهـ .(4)
فصل
في أن رص الصفوف وسد فرجة في الصلاة
سبباً لبناء بيت في الجنة
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سد فرجة رفعه الله بها درجة وبنى له بيتاً في الجنة".(5)
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سد فرجة من الصف غفر له".(6)
والفرجة التي تكون بينك وبين صاحبك الذي بجانبك في الصلاة ، فمجرد أن تضع قدمك بجانب قدمه في الاصطفاف للصلاة تنال هذا الأجر ، ونرى وللأسف من يبعد قدمه عن قدم صاحبه ، فاحرص أخي على الأجر والثواب العظيم ، ورص قدمك مع قدم صاحبك.
حديث ضعيف
__________
(1) فتح الباري .
(2) رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، وابن خزيمة في صحيحه ، ورواه الترمذي مسنداً مرسلاً وقال في المرسل: هذا أصح ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (275).
(3) رواه أحمد، وقال الألباني رحمه الله تعالى: صحيح ، صحيح الترغيب برقم (274).
(4) الثمر المستطاب (1/457-458) .
(5) رواه الطبراني، وأخرجه المحاملي في الأمالي ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1892).
(6) رواه الطبراني .(1/125)
عن أبي قرصافة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ابنوا المساجد و أخرجوا القمامة منها فمن بنى لله بيتا بنى الله له بيتا في الجنة و إخراج القمامة منها مهور الحور العين . ضعيف .
قال المناوي : أخرجه الطبراني ، وكذا ابن النجار والضياء المقدسي في كتاب الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين عن أبي قرصافة بكسر القاف وفاء مخففة الكناني واسمه جندرة بن خيشنة نزل عسقلان روت عنه ابنته .
رمز المؤلف لصحته . وإن تعجب فعجب رمزه مع حكم الحافظ المنذري بضعفه وإعلال زين الحفاظ العراقي في شرح الترمذي له بأن في إسناده جهالة وقول الحافظ الهيثمي وغيره في إسناده لكن المؤلف اغتر بتصحيح الضياء . اهـ . فيض القدير .وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم ( 53) .
فصل
في أن صلاة ثنتي عشرة ركعة في اليوم
سبباً لبناء بيت في الجنة
عن أم المؤمنين أم حبيبة ، رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "ما من عبدٍ مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة" .
قالت أم حبيبة : فما برحت أصليهن بعد. (1)
وقال عمرو: ما برحت أصليهن بعد، وقال النعمان مثل ذلك.
وزاد الترمذي "أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة".
وعنها رضي الله عنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بيتاً في الجنة".
قالت أم حبيبة : فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(2)
وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1693) ، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم
(1250) ، وأخرجه النسائي.
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين.(1/126)
وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن عن عنبسة.
وقال النعمان: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.
وعنها رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى في كل ليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة".(1)
عن أم حبيبة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال: "من صلى في يوم و ليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة : أربعا قبل الظهر ، و ركعتين بعدها ، و ركعتين بعد المغرب ، و ركعتين بعد العشاء ، و ركعتين قبل صلاة الغداة" .(2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ثابر على ثنتي عشرة ركعةً في اليوم والليلة دخل الجنة، أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر".(3)
وفي رواية عنها رضي الله عنها،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر و ركعتين بعدها و ركعتين بعد المغرب و ركعتين بعد العشاء و ركعتين قبل الفجر" .(4) "ثابر":بالثاء المثلثة وبعد الألف باء موحدة ثم راء أي: لازم وواظب.
فاحرص أخي، يا رعاك الله على السنن القبلية والبعدية ، لكي لا يفوتك هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل ، وهذه الحسنات تنفعك يوم القيامة { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ } .(5)
حديثان ضعيفان
__________
(1) أخرجه مسلم.
(2) صحيح الجامع حديث رقم (6362) .
(3) رواه النسائي وهذا لفظه ، والترمذي ، وابن ماجة، وصححه الألباني في الترغيب برقم (577).
(4) صحيح الجامع حديث رقم (6183) ، صحيح ابن ماجه رقم (935) .
(5) سورة الشعراء الآية (88) .(1/127)
عن أنس - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة من ذهب" .(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال: "من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة:ركعتين قبل الفجر و ركعتين قبل الظهر و ركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر و ركعتين بعد المغرب و ركعتين بعد العشاء الآخرة" .(2) ضعيف .
فصل
في أن من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة
بنى الله له بيتاً في الجنة
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعاً كُتب من العابدين ومن صلى ستاً كُفيَ ذلك اليوم، ومن صلى ثمانية كتبه الله من القانتين، ومن صلى ثنتي عشرة ركعة بني له بيتاً في الجنة، وما من يوم ولا ليلة إلا له من يمن به على عباده صدقة وما مَنَّ الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره".(3)
وعن أبي موسى - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من صلى الضحى أربعا و قبل الأولى أربعا بني له بيت في الجنة" .(4)
قال المناوي : المراد بقوله وقبل الأولى الظهر فإنها أول الصلوات المفروضة في ليلة الإسراء وهي أول الفرائض المفعولة في الضحى والضحى كما يراد به صدر النهار يراد به النهار كما في قوله تعالى : { أن يأتيهم بأسنا ضحى } في مقابلة قوله :
{ بياتاً } ، وفيه ندب صلاة الضحى وهو المذهب المنصور وزعم أنها بدعة مؤول .
__________
(1) أخرجه الترمذي والبيهقي ،وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، حديث رقم (5658).
(2) ضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (5672).
(3) رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، وقال الألباني رحمه الله حسن، صحيح الترغيب برقم(671).
(4) صحيح الجامع حديث رقم (6340) .(1/128)
قال الحافظ العراقي : وقد اشتهر بين العوام أن من صلاها ثم قطعها عمي فتركها كثير خوفاً من ذلك ولا أصل له . اهـ .(1)
وللطبراني في الأوسط عن أبي موسى رفعه : "من صلى الضحى أربعا بنى الله له بيتا في الجنة" .
عن القاسم الشيباني، أن زيد بن أرقم رأى قوما يصلون من الضحى فقال أما لقد علموا أن الصلاة هذه الساعة أفضل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" .(2)
"الأوابين": جمع أواب ، وهو كثير الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى : "قلت : وفي الحديث رد على الذين يسمون الست ركعات التي يصلونها بعد المغرب بـ "صلاة الأوابين" ، فإن هذه التسمية لا أصل لها وصلاتها بالذات غير ثابتة كما تقدم" .(3)
حديث موضوع .
عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من صلى بين المغرب و العشاء عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة". موضوع .
أخرجه البيهقي ، قال المناوي : رواه البيهقي عن عائشة ، ورواه الترمذي عنها مقطوع السند .
وقال العلامة الألباني : موضوع ، انظر ضعيف الجامع حديث رقم (5662) .
حديث ضعيف
عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أفضل الصلاة عند الله المغرب و من صلى بعدها ركعتين بنى الله له بيتا في الجنة يغدو و يروح" .(4)
ضعيف .
فصل
في أن قراءة سورة الإخلاص عشر مرات
بُنيَ له بيتاً في الجنة
__________
(1) فيض القدير .
(2) رواه مسلم برقم (748) ، باب الأوابين حين ترمض الفصال .
(3) صحيح الترغيب (1/352) .
(4) أخرجه الطيالسي عن عائشة رضي الله عنها،وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم(1021).(1/129)
عن معاذ بن أنس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة".(1)
وفي رواية : "من قرأ قل هو اللّه أحد حتى يختمها" . هكذا هو ثابت في رواية أحمد فكأنه سقط من قلم المصنف .
"عشر مرات بنى اللّه له بيتاً في الجنة" ، تمامه عند مخرجه أحمد .
فقال عمر: إذن نستكثر يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "اللّه أكبر وأطيب" .
قال المناوي : في هذا الحديث إثبات فضل { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، وقد قال بعضهم : إنها تضاهي كلمة التوحيد لما اشتملت عليه من الجمل المثبتة والنافية مع زيادة تعليل ومعنى النفي أنه الخالق الرزق المعبود لأنه ليس فوقه من يمنعه من ذلك كالوالد ولا من يساويه كالكفؤ ولا من يعينه كالولد . اهـ .(2)
وسورة الإخلاص فيها التوحيد الخالص ، وهي تعدل ثلث القرآن كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن" .
قالوا:وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن".
وفي رواية "إن الله عز وجل جزأ القرآن بثلاثة أجزاء فجعل (قل هو الله أحد) جزءاً من أجزاء القرآن".(3)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: (قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".(4)
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم (589)، وصحيح الجامع رقم (6472)،والمشكاة رقم (2185) .
(2) فيض القدير .
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (811).
(4) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم(5013).(1/130)
قال السيوطي : وأصل علوم القرآن ثلاثة : توحيد وتذكير وأحكام . فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله ، والتذكير منه الوعد والوعيد والجنة والنار . والأحكام منها التكاليف كلها وتبيين المنافع والمضار والنهي والندب ولهذا كانت الفاتحة أم القرآن لأن فيها الأقسام الثلاثة .
وسورة الأخلاص ثلثه لأن فيها أحد الأقسام وهو التوحيد .(1)
وهي متضمنة لصفة الرحمن .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : أي متضمنة لصفة الرحمن سبحانه وتعالى بما فيها من الأسماء الدالة على الصفات وليس فيها ذكر لغير صفات الله . والرحمن اسم من أسماء الله دال على سعة رحمته وعمومها .
وفيها إثبات المحبة من الله تعالى لعبده كما جاء ذلك في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فعن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .فقال:"سلوه لأي شيء يصنع ذلك" فسألوه . فقال : لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أخبروه أن الله يحبه".(2)
وفي رواية للبخاري من حديث أنس - رضي الله عنه - : فقال : يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة .
فقال: إني أحبها. فقال: "حبك إياها أدخلك الجنة".(3)
فوائد الحديث :
1- فيه إثبات ثواب وفضل سورة الإخلاص .
2- وأنها تعدل ثلث القرآن .
3- وأنه يدخل صاحبها الجنة .
4- وأن حبها يكون سبباً لحب الله تعالى لعبده .
__________
(1) مختصر الاتقان في علوم القرآن (ص96-98) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم(7375)،ومسلم في كتاب صلاة المسافرين(1887).
(3) أخرجه البخاري تعليقاً ووصله الترمذي (2901) من طريقه عن إسماعيل بن أبي أويس.(1/131)
5- وفيه جواز ختم كل ركعة بسورة الإخلاص .
حديث ضعيف
عن خالد بن زيد:"من قرأ { قل هو الله أحد } عشرين مرة بنى الله له قصرا في الجنة" .(1) ضعيف .
بيت في الجنة زعيمه النبي - صلى الله عليه وسلم -
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه"".(2) ربض الجنة: أي ما حولها .
وفي رواية عن فضالة بن عبيد، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و هاجر ببيت في ربض الجنة ، و بيت في وسط الجنة ، و بيت في أعلى غرف الجنة ، و أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و جاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة ، و بيت في وسط الجنة ، و بيت في أعلى غرف الجنة ، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا و لا من الشر مهربا يموت حيث شاء أن يموت .(3)
فصل
في أن إطعام الطعام وإفشاء السلام وقيام الليل
سبباً لبناء غرف الجنة
عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام".(4)
وعنه أيضاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها"
فقال أبو مالك الأشعري: لمن هذا يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناسُ نيامُ".(5)
__________
(1) أخرجه ابن زنجويه عن خالد بن زيد ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (5779) .
(2) رواه أبو داود، الصحيحة رقم (273)، صحيح الجامع رقم (1464).
(3) صحيح الجامع حديث رقم (1465) .
(4) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (945).
(5) صحيح الترغيب رقم (624).(1/132)
وفي أخرى عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام".(1)
يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها لكونها شفافة لا تحجب ما وراءها .
قالوا لمن هي يا رسول اللّه ، قال : أعدها اللّه تعالى ، أي هيأها لمن أطعم الطعام في الدنيا للعيال والفقراء الأضياف والإخوان ونحوهم وألان الكلام ، أي تملق للناس واستعطفهم ، قال في الصحاح اللين ضد الخشونة وقد لان الشيء ليناً وألينه صيره ليناً وقد ألانه أيضاً على النقصان والتمام وتلين تملق . انتهى .
قال الطيبي:جعل جزاء من تلطف في الكلام الغرفة كما في قوله تعالى: { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) } .(2) { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) } .(3) . وفيه إيذان بأن لين الكلام من صفات الصالحين الذين خضعوا لبارئهم وعاملوا الخلق بالرفق في الفعل والقول ولذا جعلت جزاء من أطعم الطعام كما في قوله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) } .(4)
فدل على أن الجواد شأنه توخي القصد في الإطعام والبذل ليكون من عباد الرحمن وإلا كان من إخوان الشيطان .اهـ .(5)
__________
(1) صحيح ابن خزيمة رقم (2137) ، المشكاة (1232، 1233) ، والترغيب رقم (612) ، صحيح الجامع رقم (2123) .
(2) سورة الفرقان .
(3) سورة الفرقان .
(4) سورة الفرقان .
(5) فيض القدير .(1/133)
وقال الله تعالى: { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) } .(1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها كانت خيراً لصاحبها وإن لم ينو فإن نوى زاد خيراً على خير وآتاه الله تعالى من فضله أجراً عظيماً. أ.هـ.(2)
إطعام الطعام ، وإفشاء السلام، وقيام الليل، سبب لبناء الغرف التي في الجنة ، فاحرص أُخي قبل فوات الأوان
فصل
في أن عيادة المريض وزيارة المسلم
سبباً لبناء بيت في الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عاد مريضاً ناداه منادٍ من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً" .(3)
قوله : طبت : بمعنى طهرت .وقوله : وطاب : أي طهر .
وتبوأت : أي نزلت من الجنة منزلاً .
ورواه ابن حبان إلا أنه قال : "إذا عاد الرجل أخاه أو زاره قال الله تعالى : طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً".
قوله : "من عاد مريضا" ، أي محتسبا .
"أو زار أخا له":أي في الدين في الله أي لوجه الله لا للدنيا ناد مناد ، أي ملك أن طبت دعاء له بطيب عيشه في الدنيا والأخرى وطابَ ممشاك مصدر أو مكان أو زمان مبالغة .
6- وقال الطيبي :كناية عن سيره وسلوكه طريق الآخرة بالتعري عن رذائل الأخلاق والتحلي بمكارمها وتبوأت أي تهيأت من الجنة أي من منازلها العالية منزلا أي منزلة عظيمة ومرتبة جسيمة بما فعلت .اهـ. تحفة الأحوذي (6/124) .
7- أحاديث ضعيفة
__________
(1) سورة النساء (114).
(2) شرح رياض الصالحين (3/235) .
(3) رواه الترمذي برقم(969)،وأبو داود برقم(3098)،وابن ماجة برقم(1442)،السلسلة الصحيحة برقم(1367).(1/134)
عن أبي هريرة : "أربع من كن فيه كان من المسلمين ، و بنى الله له بيتا في الجنة أوسع من الدنيا و ما فيه:من كان عصمة أمره لا إله إلا الله ، و إذا أصاب ذنبا قال : أستغفر الله ، و إذا أعطي نعمة قال : الحمد لله ، و إذا أصابته مصيبة قال : إنا لله و إنا إليه راجعون" .(1) وفي رواية : "من بنى لله مسجداً بنى الله له في الجنة أوسع منه" .(2)وعن أبي سعيد - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة" .(3) ضعيف .وعن أبي أمامة - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من قرأ { حم } الدخان في ليلة جمعة أو يوم جمعة بنى الله له بيتا في الجنة" .(4) ضعيف جداً . وفي رواية : "من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة غفر له" .(5)
__________
(1) أخرجه أبو إسحاق المراغي في ثواب الأعمال ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (762) .
(2) رواه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - . قال الهيثمي : فيه علي بن زيد بن جدعان ، ورواه أيضاً أحمد عن ابن عمرو ، قال الزين العراقي : فيه الحجاج بن أرطأ وفيه مقال .
(3) أخرجه البيهقي ، قال المناوي : أخرجه البيهقي عن أبي سعيد الخدري ، وفيه عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون قال في الكاشف: ضعفه أبو داود،وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم(5367).
(4) أخرجه الطبراني عن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، قال الهيثمي : فيه فضالة بن جبير ضعيف جداً . وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (5768).
(5) أخرجه الطبراني عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنهما، قال الهيثمي : فيه فضالة بن جبير ضعيف جداً . والحسن لم يسمه من أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وقال المناوي : فهو منقطع لكن له شواهد . وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (5767).(1/135)
يَا خَاطِبَ الحُورِ الحِسَانِ وَطَالِباً لِوِصَالِهِنَّ بِجَنَّةِ الحِيَوَانِ
لَوْ كُنْتَ تَدْرِي مَنْ خَطَبْتَ وَمَنْ طَلَبْـ ـتَ بَذَلْتَ مَا تَحْوِي مِنَ الأثْمَانِ
أوْ كُنْتَ تَدْرِي أينَ مَسْكَنُهَا جَعَلْـ ـتَ السَّعْيَ مِنْكَ لَهَا عَلَى الأجْفَانِ
وَلَقَدْ وَصَفْتُ طَرِيقَ مَسْكَنُهَا فَإنْ رُمْتَ الوِصَالَ فَلا تَكُنْ بِالْوَانِي
أسْرَعْ وَحُثَّ السَّيْرَ جَهْدَكَ إنَّمَا مَسْرَاكَ هَذَا سَاعَةٌ لِزَمَانِ
فَاعْشَقْ وَحَدِّثْ بِالوِصَالِ النَّفْسَ وَابْـ ـذُلْ مَهْرَهَا مَا دُمْتَ ذَا إمْكَانِ
وَاجْعَلْ صِيَامَكَ قَبْلَ لُقْيَاهَا وَيَوْ مَ الوَصْلِ يَوْمَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانِ
وَاجْعَلْ نُعُوتَ جَمَالِهَا الحَادِي وَسِرْ تَلْقَى المَخَاوِفَ وَهْيَ ذَاتُ أمَانِ
لا يُلْهِيَنَّكَ مَنْزِلٌ لَعِبَتْ بِهِ أيْدِي البِلَى مُذْ سَالِفِ الأزْمَانِ
فَلَقَدْ تَرَحَّلَ عَنْهُ كُلُّ مَسَرَّةٍ وَتَبَدَّلَتْ بِالهَمِّ وَالأحْزَانِ
سِجْنٌ يَضِيقُ بِصَاحِبِ الإيمَانِ لَـ ـكِنْ جَنَّةُ المَأوَى لِذِي الكُفْرَانِ
سُكَّانُهَا أهْلُ الجَهَالَةِ وَالبَطَا لَةِ وَالسَّفَاهَةِ أنْجَسُ السُّكَّانِ
وَأَلذُّهُمْ عَيْشاً فَأجْهَلُهُمْ لِحَقِّ اللهِ ثُمَّ حَقَائِقِ القُرْآنِ
عَمَرَتْ بِهمْ هَذِي الدِّيَارُ وَأقْفَرَتْ مِنْهُمْ رُبُوعُ العِلْمِ وَالإيمَانِ
قَدْ آثَرُوا الدُّنْيَا وَلَذَّةَ عَيْشِهَا الـ ـفَانِي عَلَى الجَنَّاتِ وَالرِّضْوَانِ
صَحِبُوا الأمَانِي وابْتُلُوا بِحُظُوظِهِمْ وَرَضُوا بِكُلِّ مَذَلَّةٍ وَهَوَانِ
كَدْحاً وَكَدًّا لا يُفَتَّرُ عَنْهُمُ مَا فِيهِ مِنْ غَمّ وَمِنْ أحْزَانِ
وَاللهِ لَوْ شَاهَدْتَ هَاتِيكَ الصُّدُو رَ رَأيْتَهَا كَمَرَاجِلِ النِّيرَانِ
وَوَقُودُهَا الشَّهَوَاتُ وَالحَسَرَاتُ وَالالآمُ لا تَخْبُو مَدَى الأزْمَانِ(1/136)
أبْدَانُهُمْ أجْدَاثُ هَايِتكَ النُّفُو سِ اللاءِ قَدْ قُبِرَتْ مَعَ الأبْدَانِ
أرْوَاحُهُمْ فِي وَحْشَةٍ وَجُسُومُهُم ْ فِي كَدْحِهَا لا فِي رِضَى الرَّحْمَنِ
هَرَبُوا مِنَ الرِّقِّ الِّذِي خُلِقُوا لَهُ فَبُلُوا بِرِقِّ النََّفْسِ وَالشَّيْطَانِ
لا تَرْضَ مَا اخْتَارُوهُ هُمْ لِنُفُوسِهِمْ فَقَدْ ارْتَضَوا بِالذُّلِّ وَالحِرْمَانِ
لَوْ سَاوَتِ الدُّنيا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ لَمْ يَسْقِ مِنْهَا الرَّبُّ ذَا الكُفْرَانِ
لَكِنَّهَا وَالله أحْقَر عِنْدَهُ مِنْ ذَا الجَنَاحِ القَاصِرِ الطِّيَرَانِ
وَلَقْدْ تَوَلَّتْ بَعْدُ عَنْ أصْحَابَهَا فَالسَّعْدُ مِنْهَا حَلٌ فِي الدَّبَرَانِ
لا يُرْتَجَى مِنْهَا الوَفَاءُ لِصَبِّهَا أيْنَ الوَفا مِنْ غَادِرِ خَوَّانِ
طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ فَكَيْفَ تَنَالُهَا صَفْواً أهَذَا قطُّ فِي الإمْكَانِ
يَا عَاشِقَ الدُّنْيَا تَأهَّبْ لِلِّذي قَدْ نَالَهُ العُشَّاقُ كُلَّ زَمَانِ
أوَ مَا سَمِعْتَ بَلْ رَأيْتَ مَصَارِعَ الـ ـعُشَّاقِ مِنْ شِيبٍ وَمِنْ شُبَّانِ
الحور العين
وما جاء في حسنهن وأوصافهن وجمالهن
خلق الله سبحانه وتعالى الحور الحسان لعباده المؤمنين تفضلاً منه سبحانه .
فقال تعالى: { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) } . سورة الرحمن .
قال عمرو بن ميمون: إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حُلّة فيرى مخ ساقها من وراء ذلك، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء.
وقال الحسن: هنّ في صفاء الياقوت، وبياض المرجان. (1)
__________
(1) تفسير القرطبي (17/118) .(1/137)
ويروى حديث عن ابن مسعود، عن رسول - صلى الله عليه وسلم - : " إن المرأة من نساء الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها و ذلك بأن الله تعالى يقول : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) } فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه" . (1)
وأخبر الله تعالى بأنه زوَّج عباده المؤمنين بالحور العين.فقال تعالى: { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) } . سورة الدخان . قال ابن كثير : أي هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحسان الحور العين اللاتي لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان ، كأنهن الياقوت والمرجان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" .(2)
قوله تعالى: { وزوجناهم بحور عين } قال ابن كثير:أي وجعلنا لهم قرينات صالحات وزوجات حساناً من الحور العين.وقال مجاهد:وزوجناهم أنكحناهم بحور عين.(3)
الزَّوْجُ : البعل ، والزوج أيضا المرأة ، قال الله تعالى : { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } .(4) ، ويقال لها زَوْجَةٌ أيضاً ، قال يونس : ليس من كلام العرب زَوَّجَهُ بامرأة بالباء ولا تَزَوَّجَ بامرأة بل بحذفها فيهما ، وقوله تعالى : { وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } أي قرناهم بهن من قوله تعالى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } .(5) أي وقرناءهم . مختار الصحاح (1/117) .
وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم
فهن الكواعب الأتراب
اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشراب .
فصل
في معنى الحور
والحور جمع حوراء:وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين.
__________
(1) ضعيف الجامع حديث رقم (1776) .
(2) تفسير ابن كثير (4/147) .
(3) تفسير ابن كثير (4/442) .
(4) سورة البقرة الآية (35) .
(5) سورة الصافات الآية (22) .(1/138)
وقال مجاهد رحمه الله : الحوراء التي يحار فيها الطرف باد مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون.(1)
الحور : جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين التي يحار الطرف فيها من رقة الجلد وصفاء اللون ، قاله مجاهد.اهـ .(2)
وقال ابن القيم رحمه الله : والصحيح أن الحور مأخوذة من الحور في العين وهو شدة بياضها مع قوة سوادها فهو يتضمن الأمرين.
قال الله تعالى : { وزوجناهم بحور عين } .(3)
قال مقاتل : العين حسان الأعين ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول و ضيق العين في المرأة من العيوب .
فَاسْمَعْ صِفَاِت عَرَائِسِ الجَنَّاتِ ثُمَّ اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا أخَا العِرْفَانِ
حُورٌ حِسَانٌ قَدْ كَمُلْنَ خَلائِقاً وَمَحَاسِناً مِنْ أجْمَلِ النِّسْوَانِ
حَتَّى يَحَارُ الطَّرْفُ في الحُسْنِ الَّذِي قَدْ أُلْبِسَتْ فَالطَّرْفُ كَالحَيْرَانِ
وًيَقُولُ لَمَّا أنْ يُشَاهِدَ حُسْنَهَا سُبْحَانَ مُعْطِي الحُسْنِ وَالإحْسَانِ
وَالطَّرْفُ يَشْرَبُ مِنْ كُؤوسِ جَمَالِهَا فَتَرَاهُ مِثْلَ الشَّارِبِ النَّشْوَانِ
كَمُلَتْ خَلائِقُهَا وَأُكْمِلَ حُسْنُهَا كَالبَدْرِ لَيْلَ السِّتِّ بَعْدَ ثَمَانِ
وَالشَّمْسُ تَجْرِي فِي مَحَاسِنِ وَجْههَا وَاللَّيْلُ تَحْتَ ذَوَائِبِ الأغْصَانِ
فصل
في أن نساء الجنة قاصرات الطرف
ومعنى مقصورات
وأخبر سبحانه وتعالى كذلك بأن جعل الحور العين قاصرات الطرف لا ينظرنّ إلى غير أزواجهنّ .قال الله تعالى : { * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) } .(4)
__________
(1) تفسير الطبري (25/136) .
(2) شرح قصيدة ابن القيم (2/548) .
(3) سورة الدخان الآية (54) .
(4) سورة ص .(1/139)
قال الله تعالى : { حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) } .(1) قوله تعالى: { قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } : أي لا ينظرن إلى غير أزواجهن في الجنة.
قال الإمام الطبري : وهن النساء اللواتي قصرن أطرافهن على بعولتهن لا يردن غيرهم ولا يمددن أبصارهن إلى غيرهم .(2) و { حُورٌ مَقْصُورَاتٌ } : أي محبوسات في القصور لأزواجهن .
قال بن عباس - رضي الله عنه - : حور سود الحدق ، وقال مجاهد : مقصورات
محبوسات، قصر طرفهن وأنفسهن على أزواجهن قاصرات لا أزواجهن .(3)
وقال ابن حجر : حور مقصورات في الخيام أي محبوسات ومن ثم سموا البيت الكبير قصرا لأنه يحبس من فيه .(4)
ووصف الله سبحانه وتعالى هؤلاء الحور المقصورات في الخيام كأنهنّ بيضٌ مكنون
فقال الله تعالى : { وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) } .(5)
قوله: { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ : } أَي مستور من الشمس وغيرها . و الأَكِنَّةُ: الأَغطِيَةُ . قال الفراء : للعرب في أَكنَنْتُ الشيءَ إِذا ستَرْتَه لغتان: كنَنْتُه و أَكنَنْتُهُ ، و كنَنْتُ الشيءَ: ستَرْتُه وصُنْتُه من الشمس .(6)
وقال الله تعالى: { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) } .(7)
وقوله: { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } : أي لم يمسهن ولم يجامعهن أحد من الإنس أو الجن .
وفي الآية دليل على أن مؤمني الجن يدخلون الجنة كما أن كافرهم في النار .
وعلى هذا بوب الإمام البخاري ، قال : باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم .
وَرَأوْا عَلَى بُعْدٍ خِيَاماً مُشْرِفَا تٍ مُشْرِقَاتِ النُّورِ وَالبُرْهانِ
__________
(1) سورة الرحمن الآية (72) .
(2) تفسير الطبري (23/56) .
(3) صحيح البخاري (4/1849) .
(4) فتح الباري (8/624) .
(5) سورة الصافات .
(6) لسان العرب (13/361) .
(7) سورة الرحمن .(1/140)
فَتَيَمَّمُوا تِلْكَ الخِيَامَ فَآنَسُوا فِيهِنَّ أقْمَاراً بِلا نُقْصَانِ
مِنْ قَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لا تَبْغِي سِوى مَحْبُوبِهَا مِنْ سَائِرِ الشُّبَّانِ
قَصَرَتْ عَلَيْهِ طَرْفُهَا مِنْ حُسْنِهِ وِالطَّرْفُ فِي ذَا الوَجْهِ لِلنِّسْوَانَِ
أوْ أنَّهَا قَصَرَتْ عَلَيْهِ طَرْفَهُ مِنْ حُسْنِهَا فَالطَّرْفُ لِلذُّكْرَانِ
فصل
في أن نساء الجنة مطهرات
خلق الله سبحانه وتعالى الحور العين ، وهنّ الحسان بأحسن صورة ، وجاء من أوصافهنّ أنهنّ زوجات مطهرات. قال الله تعالى: { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) } .(1)
قوله تعالى : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } ، أي مطهرات من الغائط والرفث والحيض والنفاس والنجاسة والبصاق ، وما شابه ذلك .
وقال عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم : مطهرة لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن .
وقال ابن عباس رضي الله عنه أيضا : مطهرة من القذر والأذى .
وقال مجاهد : لا يبلن ولا يتغوطن ولا يمذين ولا يمنين ولا يحضن ولا يبصقن ولا يتنخمن ولا يلدن .
وقال قتادة : مطهرة من الإثم والأذى طهرهن الله سبحانه من كل بول وغائط وقذر ومأثم .
وهذا بشارة من الله تعالى لعباده المؤمنين .
__________
(1) سورة البقرة .(1/141)
قال ابن قيم الجوزية : فتأمل جلالة المبشر ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة وقدر ما بشرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره ، وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات وما فيها من الأنهار والثمار ، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة ، ونعيم القلب ، وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه .(1)
وِإذَا انْحَدَرْتَ رَأيْتَ أمراً هَائِلاً مَا لِلصِّفَاتِ عَلَيْهِ مِنْ سُلْطَانِ
لا الحَيْضُ يَغْشَاهُ وَلا بَوْلٌ وَلا شَيءٌ مِنَ الآفَاتِ فِي النِّسْوَانِ
فَخِذَانِ قَدْ حَفَّا بِهِ حَرَساً لَهُ فَجَنَابُهُ فِي عِزَّةٍ وَصِيَانِ
فصل
فيما يستحب من جمال المرأة
أجمل ابن القيم نقاط الجمال التي تكون في المرأة ، وهذه النقاط كلها متوفرة في الحور ، فقال :
... و إنما يستحب الضيق منها في أربعة مواضع : فمها ، وخرق أذنها ، وأنفها ، وما هنالك .
... ويستحب السعة منها في أربعة مواضع : وجهها ، وصدرها ، وكأهلها وهو ما بين كتفيها ، وجبهتها .
... ويستحسن البياض منها في أربعة مواضع : لونها ، وفرقها - أي البياض بين شعرها - وثغرها ، وبياض عينها .
... ويستحب السواد منها في أربعة مواضع : عينها ، وحاجبها ، وهدبها ، وشعرها .
... ويستحب الطول منها في أربعة : قوامها ، وعنقها ، وشعرها ، وبنانها .
... ويستحب القصر منها في أربعة : وهي معنوية : لسانها ، ويدها ، ورجلها ، وعينها . فتكون قاصر الطرف ، قصيرة الرجل واللسان عن الخروج ، وكثرة الكلام ، قصيرة اليد عن تناول ما يكره الزوج ، وعن بذله .
... وتستحب الرقة منها في أربعة: خصرها ، وفرقها ، وحاجبها، وأنفها.(2)
وكل هذه الأوصاف موجودة ومتوفرة في نساء الجنة وهنّ الحوريات ، بل أكثر من هذا أعدهنّ الله تعالى لعباده نسأل الله أن نكون منهم .
__________
(1) حادي الأرواح (1/149) .
(2) حادي الأرواح (1/151) .(1/142)
بعد هذا يا عبد الله أما تستعد لهذه النساء بالدعوة إلى الله تعالى ، وبصيام الهواجر ، وقيام الليل ، وقراءة القرآن .
وًيَقُولُ لَمَّا أنْ يُشَاهِدَ حُسْنَهَا سُبْحَانَ مُعْطِي الحُسْنِ وَالإحْسَانِ
وَالطَّرْفُ يَشْرَبُ مِنْ كُؤوسِ جَمَالِهَا فَتَرَاهُ مِثْلَ الشَّارِبِ النَّشْوَانِ
كَمُلَتْ خَلائِقُهَا وَأُكْمِلَ حُسْنُهَا كَالبَدْرِ لَيْلَ السِّتِّ بَعْدَ ثَمَانِ
وَالشَّمْسُ تَجْرِي فِي مَحَاسِنِ وَجْههَا وَاللَّيْلُ تَحْتَ ذَوَائِبِ الأغْصَانِ
فصل
في الشوق إلى الحور العين
قال أحمد بن أبي الحواري حدثني جعفر بن محمد ، قال : لقي حكيم حكيما ، فقال : أتشتاق إلى الحور العين ، فقال : لا ، فقال : فاشتق إليهن فان نور وجههن من نور الله عز و جل ، فغشي عليه فحمل إلى منزله نعوده شهرا .
وقال ربيعة بن كلثوم : نظر إلينا الحسن ، و نحن حوله شباب ، فقال : يا معشر الشباب أما تشتاقون إلى الحور العين .
وقال لي ابن أبي الحوارى : حدثني الحضرمي ، قال : نمت أنا وأبو حمزة على سطح ، فجعلت أنظر إليه يتقلب على فرشه إلى الصباح ، فقلت : يا أبا حمزة ما رقدت الليلة ، فقال : إني لما اضطجعت تمثلت لي حوراء حتى لكأنني أحسست بجلدها وقد مس جلدي ، فحدثت به أبا سليمان ، فقال : هذا رجل كان مشتاقا ، وقال ابن أبي الحوارى : سمعت أبا سليمان ، يقول : ينشا خلق الحور العين إنشاء فإذا تكامل خلقهن ضرب عليهن الملائكة الخيام .
و ذكر ابن أبي الدنيا عن صالح المري عن زيد الرقاشي ، قال : بلغني إن نورا سطع في الجنة ما مِنْ موضع من الجنة إلا دخل من ذلك النور فيه ، فقيل : ما هذا ، قال : حوراء ضحكت في وجه زوجها ، قال صالح : فشهق رجل من ناحية المجلس ، فلم يزل يشهق حتى مات .(1)
فصل
في أسرّة المؤمنين وعليها الحور
__________
(1) حادي الأرواح (1/163) .(1/143)
وأخبر سبحانه وتعالى بأن أعدّ لهم كذلك أسرّة يتكئون عليها مع الحور العين ، وهذا منه سبحانه منة وإحساناً على عباده .
فقال الله تعالى: { مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) } .(1) قال ابن كثير:- قوله - وزوجناهم بحور عين،أي وجعلنا لهم قرينات صالحات، وزوجات حسانا من الحور العين،وقال مجاهد:وزوجناهم أنكحناهم بحور عين(2)
فِيهَا الأرَائِكِ وَهْيَ مِنْ سُرُرٍ عَلَيْـ هِنَّ الحِجَالُ وَذَاكَ كَثِيرَةُ الألوَانِ
لا تَسْتَحِقُّ اسْمَ الأرَائِكِ دُونَ هَا تِيكَ الحِجَالِ وَذَاكَ وَضْعُ لِسَانِ
بِشْخَانَةٌ(3) يَدْعُونَهَا بِلِسَانِ فَا رِسَ وَهْوَ البيْتِ ذِي الأرْكَانِ
وقال الله تعالى : { وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ } . سورة الواقعة الآية (34) .
روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، في قوله تعالى : { وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ } ، قال : "ارتفاعها لكما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة" .(4) .
وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث : الفرش في الدرجات وما بين الدرجات كما بين السماء والأرض ، وقيل : إن الفرش هنا كناية عن النساء اللواتي في الجنة ولم يتقدم لهن ذكر ولكن قوله عز وجل وفرش مرفوعة دال لأنها محل النساء ، فالمعنى : ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن دليله قوله تعالى : { إنا أنشأناهن إنشاء } ، أي خلقناهن خلقا وأبدعناهن إبداعا ، والعرب تسمي المرأة فراشا ولباسا وإزارا ، وقد قال تعالى : { هن لباس لكم } ، ثم قيل على هذا هن الحور العين أي خلقناهن بِلا ولادة .(5)
__________
(1) سورة الطور .
(2) تفسير ابن كثير (4/242) .
(3) أي الأريكة ، والكلمة فارسية .
(4) رواه الترمذي برقم (2540) ، باب ما جاء في صفة ثياب أهل الجنة ، وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد .
(5) تفسير القرطبي (17/210) .(1/144)
وإن سألت عن أرائكها فهي
الأسرة فما لها من فروج ولا خلال
فصل
في أن الجنة ليس فيها عجوز
وأخبر الله تعالى بأن المرأة العجوز في الدنيا يعيدها الله سبحانه وتعالى شابة في الجنة جميلة بكراً . فهذا من فضل الله تعالى على عباده بأن جعل زوجات المؤمنين في الجنة أبكاراً شابات جميلات متحببات لأزواجهنّ .
قال الله تعالى : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) } .(1)
عرباً : بضم الراء وسكونها ، جمع عروب ، وهي المتحببة إلى زوجها عشقاً له. أترابا : جمع ترب أي مستويات في السن. قال القرطبي رحمه الله : أي خلقناهن خلقا جديداً ، وهو الإعادة ، أي أعدناهن إلى حال الشباب وكمال الجمال ، والمعنى : أنشأنا العجوز والصبية إنشاءً واحداً وأضمرن .(2)
وقال الطبري رحمه الله : هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز رمصاً شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى .
وعن ابن عجلان ، قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس ، في قوله : : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) } قال : هن من بني آدم نساءكن في الدنيا ينشئهن الله أبكاراً عذارى عرباً .(3)
هَذَا وَسِنُّهُمُ ثَلاثٌ مَعْ ثَلا ثيِنَ الَّتِي هِي قُوَّةُ الشُّبَّانِ
وَصَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ فِي ذَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ مَا سِوَى الوِلْدَانِ
__________
(1) سورة الواقعة .
(2) تفسير القرطبي (17/210) .
(3) تفسير الطبري (27/186) .(1/145)
وعن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتته عجوز من الأنصار ، فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الجنة لا تدخلها عجوز" ، فذهب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ، ثم رجع إلى عائشة ، فقالت عائشة : لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن ذلك كذلك إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا" .(1)
لا يفنى شبابها ، ولا تبلى ثيابها ، ولا يخلق ثوب جمالها ، ولا يمل طيب وصالها ، قد قصر طرفها على زوجها ، فلا تطمع لأحد سواه .
فصل
في أن نساء الجنة مخلوقات من الزعفران
عن أبي أمامة،قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"خلق الله الحور العين من الزعفران".(2)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : "حور العين خلقن من الزعفران" .(3)
فصل
في أن نساء الجنة ذوات نواهد جميلات
في سن واحد
وأخبر سبحانه وتعالى بأن جعل عنده للمتقين مفازاً ، وهي الحدائق والأعناب ، والنساء ذوات النواهد الجميلات في سن واحدٍ .
__________
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/419) : رواه الطبراني في الأوسط ، باب فيمن يدخل الجنة من عجائز الدنيا ، وفيه مسعدة بن اليسع وهو ضعيف. وحسنه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية للترمذي برقم (205) .
(2) الطبراني في الكبير برقم (7813)
(3) الفردوس بمأثور الخطاب برقم (2730) .(1/146)
فقال الله تعالى : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) t,ح !#y‰tn وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) } .(1) كواعب : أي ذات نواهد جميلات ، والكَعابُ، بالفتح: المرأَةُ حين يَبْدو ثَدْيُها للنُّهود. وتقول رجل عالي الكعب إذا وصفته بالشرف والظفر .و الكعبةُ: البيتُ الحرام، منه، لَتَكْعِيبها أَي تربيعها وسُمِّيَ كَعْبَةً لارتفاعه وترَبُّعه .(2)
أتْرَابُ سِنٍّ وَاحِدٍ مُتَمَاثِلٍ سِنُّ الشَّبَابِ لأجْمَلِ الشُّبَّانِ
بِكْرٌ فَلَمْ يَأخُذْ بَكَارَتَهَا سِوَى الـ ـمَحْبُوبِ مِنْ انْسِ َولا مِنْ جَانِ
حِصْنٌ عَلَيْهِ حَارِسٌ مِنْ أعْظَمِ الـ ـحُرَّاسِ بَأساً شَأنُهُ ذُو شَانِ قال ابن كثير رحمه الله : وكواعب أترابا : أي وحورا كواعب ، قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : كواعب أي نواهد يعنون أن ثديهن نواهد لم يتدلين لأنهن أبكار عرب أتراب ، أي في سن واحد .(3)
وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم
فهن الكواعب الأتراب
اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشراب .
فصل
في أن نساء الجنة كالياقوت والمرجان
ومن الأوصاف التي خلقهنّ الله عليها ،كأنهنّ الياقوت والمرجان ، كما وصفهنّ الله سبحانه وتعالى بقوله : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) } .(4)
قال الحسن : هنّ في صفاء الياقوت وبياض المرجان . وقال الإمام الطبري : يقول تعالى ذكره كأن هؤلاء القاصرات الطرف اللواتي هن في هاتين الجنتين في كصيحاني الياقوت الذي يرى السلك الذي فيه من ورائه فكذلك يرى مخ سوقهن من وراء لتطحن وفي حسنهن الياقوت والمرجان .(5)
__________
(1) سورة النيأ الآية .
(2) لسان العرب (1/719) .
(3) تفسير ابن كثير (4/466) .
(4) سورة الرحمن .
(5) تفسير الطبري (27/152) .(1/147)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها، وذلك بان الله يقول: { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) } .(1)، فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لأريته من ورائه" .(2)
وروي عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالت : قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل : { حور عين } .
قال: "حور وعثمان عين ضخام شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر" .
قلت : يا رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) }
قال : "صفاؤهن كصفاء الدر الذي في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي" .
قلت : يا رسول الله فأخبرني عن قول الله : { فيهن خيرات حسان } .
قال : "خيرات الأخلاق حسان الوجوه" .
قال قلت : يا رسول الله فأخبرني عن قوله تعالى كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) } .(3)
قال : "رقتهن كرقة الجلد الذي في داخل البيضة مما يلي القشر" .
قلت : يا رسول الله فأخبرني عن قوله : { عربا أترابا } .
قال : "هن اللاتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصاً شمطاً خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى ، قال : عربا معشقات محببات أترابا على ميلاد واحد" .
قلت : يا رسول الله أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين .
قال : "نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة" .
__________
(1) سورة الرحمن .
(2) رواه الترمذي برقم (2533) ، باب في صفة نساء أهل الجنة .
(3) سورة الصافات .(1/148)
قلت : يا رسول الله وبم ذاك؟ قال : "بصلاتهن وصيامهن لله عز وجل ألبس الله عز وجل وجوههن النور وأجسادهن الحرير وعثمان الألوان خضر الثياب بنو الحلي ، مجامرهن الدر ، وأمشاطهن الذهب ، يقلن : ألا نحن الخالدات فلا نموت أبداً ، ألا ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً ، ألا ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً ، طوبى لمن كنا له وكان لنا" .
قلت : المرأة منا تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة في الدنيا ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها منهم؟
قال : "يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا ، قال فتقول أي رب إن هذا كان أحسنهم خلقا في دار الدنيا فزوجنيه ، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة" .(1)
قوله : رمصاً : الرمَص هو البياض الذي تَقْطَعه العين ويَجتمع في زوايا الأجفان ، والرمص الرطْب منه والغَمص اليابس .(2)
وقوله : شمطاً : الشَّمَطُ في الشعَر: اختلافُه بلونين من سواد وبياض، شَمِطَ شَمَطاً، و اشْمَطَّ و أشْماطَّ، وهو أَشْمَطُ، والجمع شُمْطٌ و شُمْطانٌ. و الشمَطُ في الرجل: شيْبُ اللِّحية، ويقال للرجل أَشْيَبُ. و الشمَطُ: بياض شعر الرأْسِ يُخالِطُ سَواده .(3)
وَالزُّمْرَةُ الأخْرَى كَأضْوَاءِ كَوْكَبٍ فِي الأفقِ تَنْظُرُهُ بِهِ العَيْنَانِ
أمْشَاطُهُمْ ذَهَبٌ وَرَشْحُهُمُ فَمَسْـ ـكٌ خَالِصٌ بَاذِلَّةَ الحِرْمَانِ
فصل
في أن المرأة من أهل الجنة
لو اطلعت إلى الأرض أضاءت كل شئ
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير برقم (7813) ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه ، وفي إسنادهما سليمان بن أبي كريمة وهو ضعيف . مجمع الزوائد (10/417) .
(2) النهاية في غريب الحديث (2/263) .
(3) لسان العرب (7/336) .(1/149)
ومن شدة جمال نساء الجنة وحسنهنّ الذي خلقهنّ الله تعالى عليه ووصفهنّ به ، إنّها إذا اطلعت الواحدة منهن إلى الأرض أضاءت ما بين السماء والأرض ويكون ضوءُها كضوء الشمس .
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم ، أو موضع قدم من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو أن امرأة اطلعت إلى الأرض من نساء أهل الجنة لأضاءت ما بينهما ، ولملأت ما بينهما ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" . (1). الغدوة : الذهاب، والروحة: المجيء.القاب: القَدْر.فقال أبو معمر:قاب القوس،من مقصبة إلى رأسه،ولكل قوسٍ قابان.
قال ابن حجر : وقيل الْقابُ: ما بين مقبض القوس وسيته ، وقيل : ما بين الوتر والقوس ن وقيل : المراد بالقوس هنا الذراع الذي يقاس به ، وكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة .(2)
النصيف : الخمار .
و ذكر ابن أبي الدنيا ، عن صالح المري ، عن زيد الرقاشي ، قال : بلغني أن نورا سطع في الجنة فما من موضع من الجنة إلا دخل من ذلك النور فيه ، فقيل : ما هذا؟ قال : حوراء ضحكت في وجه زوجها ، قال صالح : فشهق رجل من ناحية المجلس فلم يزل يشهق حتى مات .(3)
وَنَصِيفُ إحْدَاهُنَّ وَهْوَ خِمَارُهَا لَيْسَتْ لَهُ الدُّنْيَا مِنَ الأثْمَانِ
سَبْعُونَ مِنْ حُلَلٍ عَلَيْهَا لا تَعُو قُ الطَّرْفَ عَنْ مُخِّ وَرَا السَّاقَانِ
لَكِنْ يَرَاهُ مِنْ وَرَا ذَا كُلِّهِ مِثْلَ الشَّرَابِ لَدَى زُجَاجِ أوَانِ
فصل
في أن نساء الجنة كلما جامعها زوجها عادت بكراً
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (9792) وفي كتاب الرقاق برقم (6568) ومسلم في كتاب الإمارةبرقم (1880)
(2) فتح الباري (6/14) .
(3) حادي الأرواح (1/163) .(1/150)
قال الله تعالى : { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } .(1)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له : أنطأ في الجنة؟قال:"نعم والذي نفسي بيده دحماً دحماً ، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا".(2)
قوله:دحماً دحماً:قال ابن منظور:الدَّحْمُ:الدفع الشديد.قال ابن الأَعرابي:دَحَمَهُ دَحْماً إِذا دفعه؛قال رؤبة:ما لم يُبِجْ يأْجُوجَ رَدْمٌ يَدْحَمُهْ أَي يدفعه؛ومنه سمّي الرجل دَحْمانَ ودُحَيْماً.والدَّحْمُ:النكاح.و دَحَمَ المرأَة يَدْحَمُها دَحْماً:نكحها.لسان العرب(12/196)
وَجِمَاعُهَا فَهْوَ الشِّفَاءُ لِصَبِّهَا فَالصَبُّ مِنْهُ لَيْسَ بِالضَّجْرَانِ
8- وَإذَا يُجَامِعُهَا تَعُودُ كَمَا أتَتْ بِكْراً بِغَيْرِ دَمٍ وَلا نُقْصَانِ
9- فَهُوَ الشَّهِيُّ وَعُضْوُهُ لا يَنْثَنِي جَاءَ الحَدِيثُ بِذَا بِلا نُكْرَانِ
وَلَقَدْ رَوَيْنَا أنَّ شُغْلَهُمُ الَّذِي قّدْ جَاءَ فِي يس دُونَ بَيَانِ
شُغْلُ العَرُوسِ بِعُرْسِهِ مِنْ بَعْدِ مَا عَبَثَتْ بِهِ الأشْوَاقُ طُلَ زَمَأنِ
__________
(1) سورة يس الآية (55) .
(2) موارد الظمآن برقم (2629)، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2226)، باب في نساء أهل الجنة وفضل موضع القدم من الجنة على الدنيا وما فيها،والتعليقات الحسان(9/246/7359).(1/151)
وروى الطبراني عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكار" .(1)
قال المناوي: ففي كل مرة اقتضاض جديد لكن يظهر أن ذلك الاقتضاض لا تألم فيه للمرأة ولا كلفة على الرجل كما في الدار الدنيا فإن تلك الدار لا ألم فيها ولا عناء ولا مشقة وأقول يظهر أنه ليس المراد أن الواحدة منهن ينسد فرجها كما كان فحسب إذ ليس في ذلك كبير شأن بل أن تعود متصفة بجميع صفات العروس البكر من حيث صغرها وكثرة حيائها ومزيد تعطرها وكونها أنتق رحماً وأعذب فاهاً وأضيق مسلكاً وأسخن فرجاً وأنها تلاعبه ويلاعبها ويعضها وتعضه إلى غير ذلك من أوصاف البكر المذكورة في الأخبار وأما مجرد انسداد الفرج بجلدة تزول بأدنى تحامل عليها بالذكر فلا أثر له هكذا فافهم .اهـ. (2)
وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه سئل هل يمس أهل الجنة أزواجهم؟ ، قال : "نعم ، بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وشهوة لا تنقطع" .(3)
__________
(1) تفرد به أبو يعلى، ورواه أبو نعيم . شرح القصيدة النونينة (2/553) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/417) : "رواه البزار وفي رواية عنده وعند الطبراني في الصغير والأوسط ، قال : قيل يا رسول الله أنفضي إلى نسائنا في الجنة ، فقال " إي والذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي في اليوم الواحد إلى مائة عذراء" . ورجال هذه الرواية الثانية رجال الصحيح لغيره .
محمد بن ثواب وهو ثقة وفي الرواية الأولى عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف بغير كذب وبقية رجالها ثقات" . ضعيف الجامع رقم (1830) .
(2) فيض القدير .
(3) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/416) : " رواها كلها الطبراني بأسانيد ورجال بعضها وثقوا على ضعف في بعضه" .(1/152)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنّ الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة، لا يملّها ولا تملّه، كلما أتاها وجدها بكراً، وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته؛ فيجامعها بقوة سبعين رجلاً، لا يكون بينهما منيّ؛ يأتي من غير منيّ منه ولا منها. (1)
فصل
في أن المؤمن يُعطى في الجنة قوة مائة رجل
من طبيعة الرجل في الدنيا إذا جامع زوجته يشعر بالتعب والفتور ولكن في الآخرة يُعطى قوة مائة رجل ، فلا يمل ولا يتعب بحيث كلما عاد للجماع عادت إليه شهوته.فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "يعطى الرجل في الجنة كذا وكذا من النساء" .
قيل : يا رسول الله ومن يطيق ذلك؟! قال: "يعطى قوة مائة" .(2)
وفي الخبر عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عدن أبكارا" .
وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - ، قال:جاء رجل من أهل الكتاب، فقال:يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ، قال: "نعم أن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع". قال: الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى؟ قال : "تكون حاجة أحدهم رشحاً يفيض من جلودهم كرشح المسك" .(3)
قال بن الجوزي رحمه الله:لما كانت أغذية أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ولا فضلة تستقذر بل يتولد عن تلك الأغذية أطيب ريح وأحسنه(4)
__________
(1) تفسير القرطبي (15/43) .
(2) موارد الظمآن برقم (2629) ، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2226) ، باب في نساء أهل الجنة وفضل موضع القدم من الجنة على الدنيا وما فيها ، وتخريج المشكاة برقم (5636) ، والروض النضير برقم (1085) .
(3) قال الحافظ : خرجه النسائي من حديث ، وسمى الطبراني في روايته هذا السائل ثعلبة بن الحارث. فتح الباري (6/324) ..
(4) فتح الباري (6/324) .(1/153)
وقال القرطبي : قد يقال أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ وهل هناك حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك؟
قال : ويجاب بان نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظمأ أو عرى أو نتن وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية ، ولا حكمة في ذلك إنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا .
وقال النووي:مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة ، ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له.(1)
وقال ابن عباس : إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة لا يملها ولا تمله ، كلما أتاها وجدها بكراً ، وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته فيجامعها بقوة سبعين رجلا لا يكون بينهما مني لا يأتي مني منه ولا منها" .(2)
عن إبراهيم التيمي، قال : "بلغني أنه يقسم للرجل من أهل الجنة شهوة مائة وأكلهم ونهمتهم فإذا أكل سقي شرابا طهورا يخرج من جلده رشحا كرشح المسك ثم فإذا شهوته" .(3)
يُعْطِى المُجامِعُ قُوَّةَ الِمائَةِ التِي اجْـ
ـتَمَعَتْ لأقْوَى وَاحِدِ الإنْسَانِ
لا إنَّ قُوَّتَهُ تَضَاعَفُ هَكَذَا
إذْ قَدْ يَكُونُ لأضْعَفِ الأرْكَانِ
وَيَكُونُ أقْوَى مِنْهُ ذَا نَقْصٍ مِنَ الـ
إيمَانِ وَالأعْمَالِ والإحْسَانِ
ولَقَدْ رَوَينَا أنَّهُ يَغْشَى بِيَوْ
مٍ وَاحِدٍ مائةً مِنَ النِّسْوَانِ
فصل
في أن الحور العين يطلبن أزواجَهُنَّ
أكثر مما يطلبهن أزواجهن
من المعلوم أن المرأة في الدنيا إذا غاب عنها زوجها تشتاق له وتطلبه بشدة، ولكن الحور العين يطلبن أزواجهن أكثر من المرأة في الدنيا وأشد بل وتدعي على المرأة في الدنيا لأنها تؤذي زوجها .
فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
__________
(1) فتح الباري (6/324-325) .
(2) تفسير القرطبي (17/210) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة رقم (34027) .(1/154)
"لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا" .(1)
وفي مراسيل عكرمة : "أن الحور العين لأكثر عدداً منكن يدعون لأزواجهن يقلن : اللهم اعنه على دينك و اقبل بقلبه على طاعتك" .
قوله : دخيل: أي ضيف ونزيل ، يعني هو كالضيف عليك وأنت لست بأهل له حقيقة وإنما نحن أهله فيفارقك ويلحق بنا يوشك أن يفارق إلينا أي واصلاً إلينا(2)
و ذكر ابن أبي الدنيا ، عن أبي سليمان الداراني ،قال :
قال ابن زيد : يقال للمرأة من أهل الجنة وهي في السماء : أتحبين أن نريك زوجك من أهل الدنيا ؟ فتقول : نعم ، فيكشف لها عن الحجب ويفتح الأبواب بينها وبينه حتى تراه وتعرفه وتعاهده بالنظر حتى تستبطئ قدومه وتشتاق إليه كما تشتاق المرأة إلى زوجها الغائب عنها ، ولعله يكون بينها وبين زوجته في الدنيا ما يكون بين النساء وأزواجهن من مكالمة أو مخاصمة فتغضبه زوجته التي في الدنيا فيشق ذلك عليها وتقول : "ويحك دعيهِ من شَرِّك إنما هو معك ليالٍ قلائل" . (3)
فصل
في أن الحورية تستقبل الرجل بالمعانقة والمصافحة
__________
(1) رواه أحمد في مسنده برقم (22154)، والترمذي برقم (1147) ، وابن ماجة برقم(2014) ، باب في المرأة تؤذي زوجها ، مسند الشاميين برقم (1166) ، والطبراني في المعجم الكبير برقم (224) ، والفردوس بمأثور الخطاب برقم (7501) ، والمنذري في الترغيب والترهيب برقم (2988) .
(2) تحفة الأحوذي (4/284) .
(3) التذكرة في أحوال الموتى والآخرة للقرطبي (2/463) .(1/155)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال حدثني جبريل عليه السلام ، قال : يدخل الرجل على الحوراء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة ، قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأي بنان تعاطيه لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوؤه ضوء الشمس والقمر ، ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها ، فبينا هو متكئ معها على أريكة إذ أشرف عليه نور من فوقه فنظر إذا الله عز وجل قد أشرف على خلقه فإذا حوراء تناديه : يا ولي الله أما لنا فيك من دولة ، فيقول : من أنت يا هذه ، فتقول : أنا من اللواتي قال الله تعالى : { ولدينا مزيد } فيتحول عندها فإذا عندها من الجمال والكمال ما ليس مع الأولى ، فبينا هو متكئ معها على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه فإذا حوراء أخرى تناديه : يا ولي الله أما لنا فيك من دولة ، فيقول : ومن أنت؟ فتقول : أنا من اللواتي قال الله عز وجل : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .(1) فلا يزال يتحول من زوجة إلى زوجة" .(2)
فصل
في الحورية اللعبة
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : إن في الجنة حوراء ، يقال لها : اللعبة كل حور الجنان يعجبن بها يضربن بأيديهن على كتفها ، و يقلن : طوبى لك يا لعبة ، لو يعلم الطالبون لك لجدوا ، بين عينيها مكتوب : من كان يبتغي أن يكون له مثلي فليعمل برضاء ربي .
وقال عطاء السلمي لمالك بن دينار : يا أبا يحيى شوقنا .
قال عطاء : إن في الجنة حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها لولا أن الله تعالى كتب لها على أهل الجنة أن لا يموتوا لماتوا من حسنها ، فلم يزل عطاء كمدا من قول مالك .(3)
فصل
__________
(1) سورة السجدة الآية (17) .
(2) قال الهيثمي:"رواه الطبراني في الأوسط،وفيه سعيد بن زربي، وهو ضعيف"،مجمع الزوائد(10/418).
(3) حادي الأرواح (1/163) .(1/156)
في غناء الحور العين
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيُرْسِلُ رَبُّنَا رِيحاً تَهُزُّ ذَوَائِبَ الأغْصَانِ
فَتُثِيرُ أصوَاتاً تَلَذُّ لِمَسْمَعِ الـ إنْسَانِ كَالنَّغَمَاتِ بِالأوْزَانِ
يَا لَذَّةَ الأسْمَاعِ لا تَتَعَوَّضِي بِلَذَاذَةِ الأوْتَارِ وَالعِيدَانِ
أوَ مَا سَمِعْتَ سَمَاعُهُمْ فِيهَا غِنَا ءُ الحُورِ بِالأصْوَاتِ وَالألْحَانِ
قال الله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) } .سورة الروم الآية.قوله:يحبرون:قال ابن منظور:أي يُسَرُّونَ،وقال الليث: يُحْبَرُونَ يُنَعَّمُونَ ويكرمون؛ قال الزجَّاج: قيل إن الحَبْرَةَ ههنا السماع في الجنة.وقال: الحَبْرَةُ في اللغة كل نَغْمَةٍ حَسَنَةٍ مُحَسَّنَةٍ.وقال الأَزهري: الحَبْرَةُ في اللغة النَّعمَةُ التامة .(1)
وعن عامر بن نساف قال : سألت يحيى بن أبي كثير عن قوله عز وجل : { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } قال : الحبرة اللذة والسماع .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الحور العين يغنين في الجنة ، يقلن : نحن الحور الحسان ، خلقن لأزواج كرام" .(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن أزواج أهل الجنة - زاد في رواية من الحور - ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط - أي بأصوات حسان ما سمع في الدنيا مثلها أحد قط - وإن مما يغنين به : نحن الخيرات الحسان ، أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعين" .
وفي رواية : وإن مما يغنين به :
نحن الخالدات فلا يمتنه
نحن الآمنات فلا يخفنه
__________
(1) لسان العرب (4/158) .
(2) صحيح الجامع برقم (1598) .(1/157)
نحن المقيمات فلا يظعنه " .(1)
وقالت عائشة رضي الله عنها : إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا نحن المصليات وما صليتن ، ونحن الصائمات وما صمتمن ، ونحن المتوضئات وما توضأتن ، ونحن المتصدقات وما تصدقتن ، فقالت عائشة رضي الله عنها : فغلبهن والله الثانية .(2)
ومن غناء الحور العين :
وَاهًا لِذَيَّاكَ السَّمَاعِ فَإنَّهُ مُلِئَتْ بِهِ الأذُنَانِ بِالإحْسَانِ
وَاهًا لِذَيَّاكَ السَّمَاعِ وَطِيبِهِ مِنْ مِثْلِ أقْمَارِ عَلَى أغْصَانِ
وَاهًا لِذَيَّاكَ السَّمَاعِ فَكَمْ بِهِ لِلْقَلْبِ مِنْ طَرَبٍ وَمِنْ أشْجَانِ
وَاهًا لِذَيَّاكَ السَّمَاعِ وَلَمْ أقُلْ ذَيَّاكَ تَصْغِيراً لَهُ بِلِسَانِ
مَا ظَنُّ سَامِعِهِ بِصَوْتٍ أطْيَبَ الـ أصْوَاتِ مِنْ حُورِ الجِنَانِ حِسَانِ
نَحْنُ النَّوَاعِمُ وَالخَوَالِدُ خَيْرَا تٌ كَامِلاتُ الحُسْنِ وَالإحْسَانِ
لَسْنَا نَمُوتُ وَلا نَخَافُ وَمَالَنَا سَخَطٌ وَلا ضِغْنٌ مِنَ الأضْغَانِ
طُوْبَى لِمَنْ كُنَّا لَهُ وَكَذَاكَ طُوبَى لِلِّذِي هُوَ حَظُّنَا لَفْظَانِ
فِي ذَاكَ آثَارٌ رُوِينَ وَذِكْرُهَا فِي التَّرمِذِيِّ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِي
فصل
في أن نساء الجنة خيرات حسان
قال الله تعالى : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } .(3)
قال ابن كثير رحمه الله : المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة قاله قتادة ، وقيل خيرات جمع خيرة المرأة الصالحة الحسنة الخلق الحسنة الوجه ، قاله الجمهور .(4)
__________
(1) رواه الطبراني في الصغير ، والأوسط، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3749).
(2) تفسير القرطبي (17/187) .
(3) سورة الرحمن الآية (70) .
(4) تفسير ابن كثير (4/281) .(1/158)
وعن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : إن لكل مسلم خيرة ، ولكل خيرة خيمة ، ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليه كل يوم تحفة وكرامة وهداية لم تكن قبل ذلك لا مرحات ولا طمحات ولا بخرات ولا ذفرات حور عين كأنهن وعثمان مكنون. تفسير ابن كثير (4/281) .
خَيْرَاتُ أخْلاقٍ حَسَانٌ أوْجُهَا فَالحُسْنُ وَالإِحْسَانُ مُتَّفِقَانِ
فصل
في كم للمؤمن من الحور العين
عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويحلى حلة الإيمان ، ويزوج من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه " .(1)
وزاد الترمذي في رواية : "ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها" .(2)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن للشهيد عند الله خصال أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويحلى حُلة الإيمان ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها و يزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه".(3)
__________
(1) رواه ابن ماجة برقم (2799) ، باب فضل الشهادة في سبيل الله ، والترمذي برقم (1663) ، باب في ثواب الشهيد ، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب" .
(2) الترمذي برقم (1663) ، باب في ثواب الشهيد .
(3) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/293)، رواه أحمد وفيه ست خصال والبزار والطبراني إلا أنه قال سبع خصال وهي كذلك ورجال أحمد والطبراني ثقات.(1/159)
وقال رجل : أين أنا يا رسول الله إن قتلت ، قال : "في الجنة" ، فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل" .(1) قال النووي : فيه ثبوت الجنة للشهيد .
وفيه المبادرة بالخير ، وأنه لايشتغل عنه بحظوظ النفوس . شرح النووي (13/43) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول زمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دُرّي في السماء، ولكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب(2).
الأعزب : هو من لا زوج له من الرجال والنساء .
العَزَب والعُزُوبَة وهو البَعيد عن النكاح .(3)
وقال النووي: والمشهور في اللغة "عَزَب" بغير الألف ، وهو من لا زوجة له ، والعزوب : البعد ، وسمي عزباً لبعده عن النساء. شرح النووي (17/171) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول زمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشدّ كوكب دري في السماء إضاءةً لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يمتخطون ، ولا يتفلون ، أمشاطهم الذّهب ، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، أزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلقِ رجلٍ واحدِ على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء".
__________
(1) رواه البخاري برقم (3820)، باب غزوة أحد، ومسلم برقم (1899)، باب ثبوت الجنة للشهيد .
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3245)وفي كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3327) ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).
(3) النهاية في غريب الحديث (3/228) .(1/160)
وفي رواية:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول زمرة تلج الجنّة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرُهم الألوة، ورشحهم المسك، لكل واحدٍ منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرةً وعشياً"(1).
زمرة:هي الجماعة. قال ابن حجر : والعظم والمخ بضم الميم وتشديد المعجمة ما في داخل العظم ، والمراد به وصفها بالصفاء البالغ ، وأن ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد .
ووقع عند الترمذي:ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها ونحوه .(2)
عن مجاهد، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ على المنبر { جنات عدن } ، فقال: وهل تدرون ما جنات عدن؟ قال: قصر في الجنة له خمسة آلاف باب على كل باب خمسة وعشرون ألفا من الحور العين لا يدخله إلا نبي، هنيئا لصاحب القبر وأشار إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصديق، هنيئا لأبي بكر، وشهيد، وأنى لعمر شهادة، ثم قال: والذي أخرجني من ضري إنه لقادر على أن يسوقها إلي .(3)
هَذَا وأوَّلُ زُمَْرةٍ فَوُجُوهُهُمْ كَالبَدْرٍ لَيْلَ السِّبِّت بَعْدَ ثَمَانِ
السَّابِقُونَ هُمُ وَقَدْ كَانُوا هُنَا أيْضاً أوْلِي سَبْقٍ إلى الإحْسَانِ
فصل
في أن للمؤمن خيمة له فيها أهلون
عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3245)، وفي أحاديث الأنبياء برقم (3327) ، ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).
(2) فتح الباري (6/325) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة رقم (34032) .(1/161)
"إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا" .(1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قال :
إن لكل مسلم خيرة ، ولكل خيرة خيمة ، ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليه كل يوم تحفة وكرامة وهداية لم تكن قبل ذلك لا مرحات ولا طمحات ولا بخرات ولا ذفرات حور عين كأنهن وعثمان مكنون .(2)
الحور كما وصفهن ابن القيم
10- وإن سألت عن عرائسهم
وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب
اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشراب
فاللورد والتفاح ما لبسته الخدود
واللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور
تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت
ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت
يرى وجهه في صحن خدها
ويرى مخ ساقها من وراء اللحم
ولا يستر جلدها ولا عظمها ولا حللها
ولو اطلعت على الدنيا لملأت
ما بين الأرض والسماء ريحاً
ولاستنطقت أفواه الخلائق
تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً
ولتزخرف لها ما بين الخافقين
ولا غمضت عن غيرها كل عين
ولطمست ضوء الشمس
كما تطمس ضوء النجوم .
ميرأة من الحمل والولادة
والحيض والنفاس
مطهرة من المخاط والبصاق
والبول والغائط وسائر الأدناس .
11- لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها ولا
يخلق ثوب جمالها ولا يمل طيب وصالها
قد قصر طرفها على زوجها
12- فلا تطمع لأحد سواه إن نظر
13- إليها سرته وإن أمرها أطاعته
14- وإن غاب عنها حفظته
فهو في غاية الأماني والأمان .
هذا ولم يطمثها قبله إنس ولا جان
كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً
وكلما حدثته ملأت أذنه
لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً وإذا برزت
ملأت القصر والغرفة نوراً .اهـ .(3)
__________
(1) رواه البخاري برقم (4598) ، باب حور مقصورات في الخيام ، ومسلم برقم (2838) ، باب في صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين .
(2) تفسير ابن كثير (4/281) .
(3) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن قيم الجوزية .(1/162)
المحدث خيثمة بن سليمان وقصته مع الحور العين
قال الخطيب : خيثمة ثقة ثقة قد جمع فضائل الصحابة ، قال بن أبي كامل سمعت خيثمة يقول : ركبت البحر وقصدت جبلة [بلدة بساحل بحر الشام قرب اللاذقية] لأسمع من يوسف بن بحر ، ثم خرجت إلى أنطاكية ، فلقينا مركب ، فقاتلناهم ثم تسلم مركبنا قوم من مقدمه ، فأخذوني ثم ضربوني وكتبوا أسماءنا ، فقال : ما اسمك قلت خيثمة ، فقال اكتب حمار بن حمار ، ولما ضربت سكرت ونمت فرأيت كأني أنظر إلى الجنة ، وعلى بابها جماعة من الحور العين ، فقالت إحداهن : يا شقي أيش فاتك ، قالت : أخرى أيش فاته ، قالت : لو قتل كان في الجنة مع الحور ، فقالت لها : لأن يرزقه الله الشهادة في عز من الإسلام وذل من الشرك خير له ثم انتهت ، قال : ورأيت كأن من يقول لي اقرأ براءة ، فقرأت إلى قوله تعالى : { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } .سورة التوبة الآية (2).قال فعددت من ليلة الرؤيا أربعة أشهر ففك الله أسري(1)
قصة شاب عابد مع الحور العين
كان شابا بالعراق يتعبد ، فخرج مع رفيق له إلى مكة فكان إن نزلوا فهو يصلي وإن أكلوا فهو صائم فصبر عليه رفيقه ذاهبا وجائياً فلما أراد إن يفارقه قال له : يا أخي اخبرني ما الذي هيجك إلى ما رأيت ، قال : رأيت في النوم قصراً من قصور الجنة وإذا لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، فلما تم البناء إذا شرافة من زبرجدة و شرافة من ياقوت ، وبينهما حوراء من حور العين مرخية شعرها عليها ثوب من فضة ينثني عليها معها كلما تثنت ، فقالت:جد إلى الله في طلبي فقد والله جددت إليه في طلبك ، فهذا الذي تراه في طلبها . قال أبو سليمان:هذا في طلب حوراء فكيف بمن قد طلب ما هو أكثر منها؟. التذكرة في أحوال الموتى والآخرة للقرطبي (2/463) .
__________
(1) تذكرة الحفاظ (3/858ـ859) .(1/163)
على المسلم أن يعمِّر آخرته لأنها موطنه الحقيقي ، حيث أن الدنيا دار ممر لا دار مقر ، ودار امتحان وبلاء وليست دار جزاء، وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها سجن للمؤمن وجنة للكافر . (1)
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دخل عمر رضوان الله عليه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على سرير قد أثر في جنبه، فقال : يا رسول الله! لو اتخذت فراشا أوثر من هذا لِلَّهِ فقال : "يا عمر ما لي وللدنيا ، وما للدنيا ولي؟! والذي نفسي بيده؛ ما مثلي ومثل الدنيا؛ إلا كراكبٍ سارَ في يومٍ صائف، فاستظلَّ تحتَ شجرة ساعةً من نهار، ثم راحَ وتركها" .(2)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الرقاق برقم(7366)،وأحمد برقم (8241)،ورواه الترمذي والبيهقي في الزهد.
قال النووي: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" معناه أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان، وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد.اهـ. شرح النووي.
(2) صحيح ابن حبان برقم(6352)،وموارد الظمآن برقم(2526)،والترمذي برقم (2377)،وابن ماجة برقم(4109)،وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/326): ورجال أحمد رجال هلال بن خباب وهو ثقة،وقال الحاكم في المستدرك (4/344): هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وشاهده حديث عبد الله بن مسعود،صحيح موارد الظمآن رقم(2143)(1/164)
وعن المستورد أخي بني فهرٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم - وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة فلينظر بم يرجع"(1).
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : لقد ارتحلت الآخرة مقبلة وارتحلت الدنيا مدبرة فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فاليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل .
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى للفقراء الذين دخلوا عليه قبل موته : اصبروا فإنها أيام قلائل ، لباس دون لباس ، وطعام دون طعام حتى نلقى الله .
طريق الجنة واحد ومبين وقد دلنا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،(2) والجنة مبتغى كل عبد مؤمن، وهذا هو طريقها واضحا معبداً عليه أعلامه ، وفوقه أنواره وها أنتم في مبتداه فسيراً حثيثاً إلى منتهاه حيث أبواب الجنة مفتحة أيها السالكون !! إليكم الطريق كما رسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوليه :
1- "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك".(3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنة برقم (2858).
(2) صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما بعثَ الله من نبي إلاَّ كان حقاً عليه أن يَدُل أمته على خير ما يُعلِّمُه لهم، وينهاهم عن شرِّ ما يُعلِّمهُ لهم". رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو. وقالَ أبو ذر: لقد توفَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلْب جناحيه في السماء إلاَّ ذكر لنا منه علماً. وقال عمر بن الخطاب: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاماً، فذكر بدءُ الخلق؛ حتَّى دخلَ أهل الجنة منازلهم وأهْل النار منازلهم، حفظَ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه. رواه البخاري.
(3) رواه أحمد والبيهقي والحاكم عن العرباض، صحيح الجامع رقم (4369) .(1/165)
2- "كلكم يدخل الجنة إلا من أبى ، قيل : ومن يأبى يا رسول الله؟ فقال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".(1)
بين رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذين الحديثين الطريق ورسمه واضحاً لكل ذي بصيرة فهلم أيها الإخوان لنسير سوياً ، أخوانا متحابين وأصدقاء متعاونين فهيا بنا هيا بنا !!
فهناك بعض الأعمال التي توصل إلى الجنة وهي كثيرة جداً، وأحببنا أن نذكر بعضها لِيَتَسنّى للمسلمين العمل بها وأن يأتوا بها لتكون لهم ذخراً وسبباً لدخولهم الجنة بإذن المولى جل وعلا.
وكما أسلفنا أن دخول الجنة لا يكون بعمل المرء وإنما برحمة الله تعالى وفضله ، والله سبحانه وتعالى يرحم عباده المؤمنين به والموحدين ، فتكون هذه الأعمال سبباً لرحمة الله تعالى لهم ، فلا يعتمد أحدكم على عمله بل يدعوا الله تعالى دائماً وأبداً بأن يدخله الجنة وأن يرافق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
فصل
في أن من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه قال : قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه" .(2)
قوله: أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله سر من أسرار التوحيد، وهو أن الشفاعة إنما تنال بتجريد التوحيد فمن كان أكمل توحيدا كان أحرى بالشفاعة لا أنها تنال بالشرك بالشفيع كما عليه أكثر المشركين وبالله التوفيق .(3)
__________
(1) رواه البخاري برقم (7117)، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وأحمد برقم(8664).
(2) رواه البحاري برقم (99) ، باب الحرص على الحديث .
(3) حاشية ابن القيم (13/56) .(1/166)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". زاد جُنادَةُ : "من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء".(1)
قال النووي:هذا حديث عظيم الموقع وهو أجمع أو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد فانه - صلى الله عليه وسلم - جمع فيه ما يخرج عن جميع ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدهم فاختصر - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحرف على ما يباين به جميعهم وسمى عيسى
عليه السلام كلمة لأنه كان بكلمة كن فحسب أب بخلاف غيره من بني آدم،قال الهروي سمى كلمة لأنه كان عن الكلمة فسمى بها كما يقال للمطر رحمة (2)
وعن عمرو - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حَرُمَ على النار، لا إله إلا الله".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3435)، باب قوله عز وجل: { يا أهلَ الكتاب لا تَغلوا في دينكم ولا تَقولوا على اللهِ إلا الحق } الآية، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (139)، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله .
(2) شرح النووي (1/227) .
(3) رواه الحاكم في المستدرك(1/351)وقال:حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق، أحكام الجنائز (ص34).(1/167)
وعن رفاعة الجهني - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال: خيراً، وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة".(1)
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها. ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. أ.هـ.
وقال القاضي عياض: ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة. أ.هـ.
وذكر ابن قيم الجوزية بعض فوائد التوحيد فقال:فأعظم أسباب شرح الصدر: التوحيدُ وعلى حسب كماله، وقوته، وزيادته يكونُ انشراحُ صدر صاحبه،قال تعالى: { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } (2)
__________
(1) رواه أحمد،وقال الهيثمي في المجمع(1/20):رواه أحمد وعند ابن ماجة بعضه ورجاله موثقون .
(2) سورة الزمر الآية (22). أي: أفيستوي من شرح الله صدره للإسلام، فاتسع لتلقي أحكام الله، والعمل بها، منشرحاً، قرير العين، على بصيرة من أمره، وهو المراد بقوله: فهو على نور من ربه، كمن ليس كذلك. تيسير الكريم الرحمن (4/291).(1/168)
وقال تعالى : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } (1).
فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشركُ والضَّلال مِن أعظم أسبابِ ضيقِ الصَّدرِ وانحرافه، ومنها: النورُ الذي يقذِفُه الله في قلب العبد وهو نورُ الإيمان، فإنه يشرَح الصدر ويُوسِّعه، ويُفرِحُ القلبَ. فإذا فُقِدَ هذا النورمن قلب العبد ضاقَ وحَرِجَ وصار في أضيق سجنٍ وأصعبه.وقد روى الترمذي في(( جامعه)) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"إذا دخلَ النُّورُ القَلْبَ انفَسَحَ وانشرَحَ قالوا: وما عَلامةُ ذلكَ يارسُولَ الله؟ قال: الإنَابَةُ إلى دارِ الخُلُود والتَّجافي عَنْ دارِ الغُرور والاستِعْدادُ للمَوْتِ قَبلَ نُزوله"(2).
فيُصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النورُ الحِسِي، والظلمة الحِسِّية هذه تشرحُ الصدر، وهذه تُضِّيقه .اهـ. (3)
فصل
طاعة الله تعالى سبب لدخول الجنة
من المعلوم أن طاعة الله سبحانه وتعالى سبب لدخول الجنة وفيها الفوز العظيم .
__________
(1) الأنعام (125).
(2) أخرجه الزبيدي في ((إتحاف السادة المتقين)) (7 / 258)، والطبري (8 / 21) والبغوي في تفسيره (6 / 72)، وابن كثير في تفسيره (3 / 328) وعزاه لعبد الرزاق .
(3) زاد المعاد .(1/169)
قال الله تعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .(1) قال ابن قيم الجوزية:من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعمل غيره وان تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه واعجب من هذا علمك انك لابد لك منه وانك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب .
وقال: فائدة: ما أخذ العبد ما حرم عليه إلا من جهتين إحداهما سوء ظنه بربه وانه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيرا منه حلالا والثانية أن يكون عالما بذلك وان من ترك لله شيئا أعاضه خيرا منه ولكن تغلب شهوته صبره وهواه عقل فالأول من ضعف علمه والثاني من ضعف عقله وبصيرته قال يحي بن معاذ من جمع الله عليه
قلبه في الدعاء لم يرده قلت إذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه .اهـ. (2)
فأكمل حالات المؤمن أن يكون اشتغاله بطاعة الله والجهاد في سبيله ، والدعوة إلى طاعته لا يطلب بذلك الدنيا ، ويأخذ من مال الفيء قدر الكفاية ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لأهله قوت سنة من مال الفيء ثم يقسم باقيه ، وربما رأي محتاجا بعد ذلك فيقسم عليه قوت أهله بلا شيء .
__________
(1) سورة النساء آية (13) .
(2) الفوائد (1/47) .(1/170)
فمن اعتقد طاعته ثم يخالف أمره بالمعاصي التي يعتقد أنها معصية فله نصيب من الذلة والصغار ، وقال الحسن : إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية في رقابهم ، أبى الله أن يذل إلا من عصاه ، كان الإمام أحمد يدعو : اللهم أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية .
وقال أبو العتاهية : ألا إنما التقوى هي العز والكرم * وحبك للدنيا هو الذل والسقم وليس على عبد تقي نقيصة * إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم. فأهل هذا النوع خالفوا الرسول من أجل داعي الشهوات .
(والنوع الثاني) من خالف أمره من أجل الشبهات وهم أهل الأهواء والبدع ، فكلهم لهم نصيب من الذلة والصغار بحسب مخالفتهم لأوامره، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) } .(1) وأهل الأهواء والبدع كلهم مفترون على الله ، وبدعتهم تتغلظ بحسب كثرة افترائهم عليه ، وقد جعل الله من حرم ما أحله الله وحلل ما حرمه الله مفتريا عليه الكذب ، فمن قال على الله ما لا يعلم فقد افترى عليه الكذب ، ومن نسب إليه ما لا يجوز نسبته إليه من تمثيل أو تعطيل ، أو كذب بأقداره فقد افترى على الله الكذب .
وقد قال الله عز وجل: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) } .(2) وقال سفيان:الفتنة أن يطبع الله على قلوبهم .
فلهذا تغلظت عقوبة المبتدع على عقوبة العاصي لأن المبتدع مفتر على الله مخالف لأمر رسوله لأجل هواه .
ومن محبة الله تعالى وطاعته تحكيم شرعه وبما أنزل سبحانه .
__________
(1) سورة الأعراف .
(2) سورة النور .(1/171)
قال ابن قيم الجوزية: لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير وهرم عليها الكبير فلم يروها مكرا فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن والنفس مقام العقل والهوى مقام الرشد والظلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم والرياء مقام الإخلاص والباطل مقام الحق والكذب مقام الصدق والمداهنة مقام النصيحة والظلم مقام العدل فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور وأهلها هم المشار إليهم وكانت قبل ذلك لأضدادها وكان أهلها هم المشار إليهم فإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت وراياتها قد نصبت وجيوشها قد ركبت فبطن الأرض والله خير من ظهرها وقلل الجبال خير من السهول ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس. (1)
فصل في اتباع السنة
وأن من أطاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الجنة
__________
(1) الفوائد (1/48-49) .(1/172)
قال الله تعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) } .(1)
قال ابن كثير: أي من عمل بما أمره الله ورسوله وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون، ثم الشهداء ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم، ثم أثنى عليهم تعالى فقال : { وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } .(2)
وقال ابن قيم الجوزية: وهذه المعية ثابتة في الدنيا، وفي دار البرزخ، وفي دار الجزاء، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة. (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال:"من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".(4)
__________
(1) سورة النساء الآية (69) . ذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة: عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل من الأنصار إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محزون، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا فلان ما لي أراك محزوناً ؟" فقال: يانبي الله شيء فكرت فيه، فقال: ما هو ؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إِلى وجهك ونجالسك وغداً ترفع مع النبيين فلا نصل إِليك، فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، فأتاه جبريل بهذه الآية { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ النَّبِيّينَ } الآية، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فبشره .
(2) تفسير ابن كثير (2/309) .
(3) كتاب الروح .
(4) رواه البخاري برقم (7117)، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وأحمد برقم(8664).(1/173)
تكون نجاة المرء في الدنيا والآخرة باتباع هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - : لستُ تارِكاً شيئاً كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعملُ بهِ إلا عَمِلتُ به، فإني أخشى إن تركتُ شيئاً من أمرِهِ أن أزِيغَ، فأما صدَقتُهُ بالمدينةِ فدَفعها عمرُ إلى عليّ وعباسٍ، وأما خَيبرُ وفدكٌ فأمسَكَها عمرُ وقال: هما صدَقةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كانتا لحقوقهِ التي تَعْروهُ ونَوائبهِ، وأمرُهما إلى وليِّ الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليومِ".
قال أبو عبدِ اللهِ:اعتراكَ، افتعلت، من عَرَوتهُ فأصبته، ومنه: يَعروهُ، واعتراني. (1)
وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصرى قال: "السنة، والذى لا إله إلا هو بين الغالى والجافى، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقى: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف فى إترافهم، ولا مع أهل البدع فى بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا".(2)
__________
(1) رواه البخاري برقم (3025)، باب فرض الخمس، ومسلم برقم (4536)، باب جواز الإغارة على الكفار .
(2) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/88) .(1/174)
وكان محمد بن أسلم الطوسى،الإمام المتفق على إمامته، مع رتبته أتبع الناس للسنة فى زمانه،حتى قال:"ما بلغنى سنة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا عملت بها، ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا، فما مكنت من ذلك"، فسئل بعض أهل العلم فى زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث: "إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فَعَلَيكُمْ بِالسَّوَادِ الأعْظَمِ". فقال: "محمد بن أسلم الطوسى هو السواد الأعظم" وصدق والله، فإن العصر إذا كان فيه إمام عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة، وهو الإجماع، وهو السواد الأعظم، وهو سبيل المؤمنين التى من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم، وساءت مصيرا . (1)
والعمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لله تعالى، وصواباً على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً وصواباً.
هذا وقد بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الثقلين كافة إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، فقرائهم وأغنيائهم .
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي المغانم ولم تحل
لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" .(2)
__________
(1) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/88) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب التيمم رقم(328)،ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة رقم(521)(1/175)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسول الله إلى جميع الثقلين، إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، ملوكهم وزهادهم، الأولياء منهم وغير الأولياء، فليس لأحد الخروج عن متابعتة باطنا وظاهرا ولا عن متابعة ما جاء به من الكتاب والسنة في دقيق ولا جليل لا في العلوم ولا الأعمال، وليس لأحد أن يقول له كما قال الخضر لموسى وأما موسى فلم يكن مبعوثا إلى الخضر . اهـ.(1)
وقال ابن قيم الجوزية: فاكمل الهدى هدى رسول الله وكان موفيا كل واحد منهما حقه فكان مع كماله وإرادته وأحواله مع الله يقوم حتى ترم قدماه ويصوم حتى يقال لا يفطر ويجاهد في سبيل الله ويخالط أصحاب ولا يحتجب عنهم ولا يترك شيئا من النوافل والأوراد لتلك الواردات التي تعجز عن حملها قوى البشر والله تعالى أمر عباده إن يقوموا بشرائع الإسلام على ظواهرهم وحقائق الإيمان على بواطنهم ولا يقبل واحدا منهما إلا بصاحبه وقرينه.اهـ. (2)
فأما مخالفة بعض أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطأ من غير عمد،مع الاجتهاد على متابعته،فهذا يقع كثيراً من أعيان الأمة من علمائها وصلحائها،ولا إثم فيه،بل صاحبه إذا اجتهد فله أجر على اجتهاده ، وخطأه موضوع عنه، ومع هذا فلا يمنع ذلك من علم أمر الرسول،نصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين، ولا يمنع ذلك من عظمة من خالف أمره خطأ،وهب أن هذا المخالف عظيم له قدر وجلالة، وهو محبوب للمؤمنين إلا أن حق الرسول مقدم على حقه وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم .
فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ، ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم الأمة ، فإن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ .
__________
(1) مجموع الفتاوى (2/234) .
(2) الفوائد (1/142) .(1/176)
ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة ، وربما أغلظوا في الرد - لا بغضاً له بل هو محبوب عندهم ، معظم في نفوسهم - لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إليهم ، وأمره فوق كل أمر مخلوق. فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولى أن يقدم ويتبع ، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفوراً له ، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخلافه ، بل يرضى بمخالفة أمره ومتابعة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا ظهر أمره بخلافه. كما أوصى الشافعي: إذا صح الحديث في خلاف قوله؛ أن يتبع الحديث ويترك قوله. وكان يقول:"ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ،وما ناظرت أحداً فباليت أظهر الحق على لسانه أو على لساني". لأن تناظرهم كان لظهور أمر الله ورسوله لا لظهور نفوسهم والانتصار لها .
وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق ؛ صغيراً كان أو كبيراً وينقادون لقوله .
وقيل لحاتم الأصم : أنت رجل عيي لا تفصح ، وما ناظرت أحداً إلا قطعته ، فبأي شيء تغلب خصمك ؟ قال : بثلاث : أفرح إذا أصاب خصمي ، وأحزن إذا أخطأ ، وأحفظ لساني عن أن أقول له ما يسوءه . فذكر ذلك للإمام أحمد فقال : ما كان أعقله من رجل .
فصل
في أن محبة الله والرسول - صلى الله عليه وسلم -
طريق موصل إلى الجنة
من الطرق الموصلة إلى الجنة محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) } .(1)
__________
(1) سورة آل عمران الآية (31) .(1/177)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الساعة، فقال : متى الساعة؟ قال : "وماذا أعددت لها" ، قال : لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : "أنت مع من أحببت" ، قال أنس : فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - أنت مع من أحببت قال أنس فأنا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم .(1)
قال النووي رحمه الله : فيه فضل حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والصالحين وأهل الخير الأحياء والأموات، ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما واجتناب نهيهما والتأدب بالآداب الشرعية، ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم، وقد صرح في الحديث الذي بعد هذا بذلك فقال أحب قوما ولما يلحق بهم.
وقوله : ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة الفرائض، معناه ما أعددت لها كثير نافلة من صلاة ولا صيام ولا صدقة .اهـ.(2)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: يا رسول الله! كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المرء مع من أحب" .(3)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5816) ، باب علامة حب في الله عز وجل لقوله إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، ومسلم برقم (2639) ، باب المرء مع من أحب .
(2) شرح النووي (16/186) .
(3) رواه البخاري برقم (5816) ، باب علامة حب في الله عز وجل لقوله إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، ومسلم برقم (2640) ، باب المرء مع من أحب .(1/178)
قال ابن قيم الجوزية : وللمحبة تأثير عجيبٌ في انشراح الصدر، ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراضُ عن الله تعالى(1) وتعلُّقُ القلب بغيره، والغفلةُ عن
ذِكره، ومحبةُ سواه،فإن من أحبَّ شيئاً غيرَ الله، عُذِّبَ به، وسجن قلبُه في محبته ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه،ولا أكسف بالاً،ولا أنكد عيشاً، ولا أتعب قلباً. (2)
فصل
في أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب لدخول الجنة
كذلك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أسباب دخول الجنة، بل ومن أسباب رفع الدرجات في الجنة بإذن الله تعالى .
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً"(3).
فيه الحث على الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيها من الأجر العظيم والخير العميم، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبب في رحمة الله للعبد.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"(4).
__________
(1) قال الله تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال ربي لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى، وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } طه (125 ـ 127).
(2) زاد المعاد .
(3) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (284)، وأبو داود والترمذي .
(4) رواه الترمذي برقم (484)، وابن حبان برقم (908) وغيرهما، المشكاة (923) وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب: حسن لغيره رقم (1668) .(1/179)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطّ عنه بها عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات"(1).
وعن مكحول عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة"(2).
ويستحب إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما وهذا ظاهر في الآية.
وذكر ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى : في كتابه العظيم (جلاء الأفهام) تسعاً وتسعين فائدة يحصل عليها المصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - منها:
يصلي الله عليه بكل صلاة عشر صلوات، وترفع له عشر درجات، ويكتب له عشر حسنات، وتمحى عنه عشر سيئات، ويرجى إجابة دعائه إذا بدأه بحمد الله ثم - صلى الله عليه وسلم - بعدها وختم دعاءه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسبب لنيل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - ، وسبب لغفران الذنب وذهاب الهم والغم وقضاء الحوائج ، وتكون سبب للقرب منه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.
وتكون سبباً لطيب المجلس، وسبب لتثبيت القدم على الصراط ونور على الصراط، وبركة على المصلى في عمره وأسباب مصالحه.
__________
(1) رواه أحمد، والنسائي، وابن حبان، والحاكم وقال: (صحيح الإسناد)، وصححه الألباني في، المشكاة (922) وفضل الصلاة (12211)، وصحيح الترغيب رقم (1657) .
(2) رواه البيهقفي في الشعب بإسناد حسن ، الصحيحة : (1527) ، الإرواء (4)، فضل الصلاة (40). وصحيح الترغيب برقم (1673).(1/180)
وسبب لنيل رحمة الله، وسبب لهداية المصلي عليه وحياة قلبه، ويقول رحمه الله تعالى: (فكلما أكثر العبد من الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة شيء من أوامر ولا شك في شيء مما جاء به بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه وكلما ازداد في ذلك بصيرة ومعرفة ازدادت صلاته عليه - صلى الله عليه وسلم - فذكره - صلى الله عليه وسلم - وذكر ما جاء به وحمد الله سبحانه على أنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياة الوجود وروحه"أ.هـ.
فصل
في أن من طَلَبَ العلم دخل الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".(1)
نفس : أزال. ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه معناه: من كان عمله ناقصاً لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6793)، وأبو داود في كتاب الأدب برقم (4946) وابن ماجة (225).(1/181)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في هذا الحديث: فضل المشي في طلب العلم ويلزم من ذلك الاشتغال بالعلم الشرعي بشرط أن يقصد به وجه الله تعالى وإن كان هذا شرطاً في كل عبادة، العلماء يقيدون هذه المسألة لكونه قد يتساهل فيه بعض المبتدئين ونحوهم . أ.هـ.(1)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له".(2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان
في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ أخذ بحظ وافر".(3)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: "غنيمة مجالس الذكر الجنة".(4)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء"
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية برقم (4199) ، والترمذي في كتاب الأحكام برقم (1376)، والنسائي في كتاب الوصايا برقم (3653).
(3) أخرجه أبو داود برقم (3641) ، والترمذي (3682) ، وابن ماجة (223) ، وابن حبان (88 مع الإحسان)،وأحمد (5/196) ، والدارمي (1/98)، والبغوي في شرح السنة(1/275-276)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله(1/36-37)،والطحاوي في مشكل الآثار(1/429)،الإيمان(25و 115)
(4) رواه الإمام أحمد (2/177 و 190).(1/182)
قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله جلهم لنا نعرفهم قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله".(1)
وذكر ابن قيم الجوزية أسباب شرح الصدور فقال: ومنها : العلم فانه يشرح الصدر، ويوسعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا، والجهل يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس0فكلما اتسع علمُ العبد انشرح صدره واتسع ، وليس هذا لكل علم بل للعلم الموروث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهو العلم النافع ، فأهله أشرح الناس صدراً ، وأوسعهم قلوبا ، وأحسنهم أخلاقا وأطيبهم عيشاً . (2)
فصل
في أن من حافظ على الوضوء وصلاة ركعتين بعده
دخل الجنة
المحافظة على الوضوء والمداومة عليه والصلاة عقبه بركعتين والتي تسمى عند العلماء بسنة الوضوء تكون من الطرق الموصلة إلى الجنة .
فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال :
أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فدعا بلالاً فقال: "يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ إنني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي؟" فقال بلال: يا رسول الله! ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بهذا".(3)
خشخشتك: الخشخشة حركة لها صوت كصوت السلاح، أي صوت مشيتك.
فصل
في أن من حافظ على هؤلاء الكلمات بعد الوضوء دخل الجنة
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء".(4)
__________
(1) رواه الطبراني كما في مجمع الزوائد (10/77).
(2) زاد المعاد .
(3) أخرجه الترمذي في المناقب، وأحمد في المسند (5-360) بسنده، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (194).
(4) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234) وأحمد في مسنده (17316/1).(1/183)
وفي رواية:"ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل في أيها شاء".(1)
وزاد الترمذي بعد التشهد : "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين".(2) وزاد أحمد: "ثم رفع نظره إلى السماء".(3)
وزاد ابن ماجة مع أحمد قول ذلك ثلاث مرات. (4)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما من أحدٍ يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة".(5)
وفي رواية: فقلت بخٍ بخٍ لِلَّهِ ما أجود هذه!
فصل
في أن الأذان طريق موصل إلى الجنة
عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،قال: "من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينة كل يوم ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة".(6)
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظر إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة".(7)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وابو داود وابن ماجة وقالا: فيسحن الوضوء .
(2) أخرجه الترمذي في الطهارة برقم (55).
(3) في مسنده (17316/6).
(4) في كتاب الطهارة (470).
(5) رواه مسلم في الطهارة برقم (234) ، وأبو داود ، والنسائي ،وابن ماجة ، وابن خزيمة في صحيحه.
(6) رواه ابن ماجة ، والحاكم وقالا: صحيح على شرط البخاري، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة برقم (42) ، والمشكاة برقم (678)، وصحيح الترغيب برقم(240)، وصحيح الجامع برقم (5878).
(7) رواه أبو داود والنسائي، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (41) والإرواء (214)، والمشكاة (665)، وصحيح الترغيب رقم (239).(1/184)
الشظية: بفتح الشين وكسر الظاء المعجمتين بعدهما ياء مثناة مشددة هي القطعة من الجبل تنقطع منه ولم تنفصل.
فصل
في أن من ردد مع المؤذن دخل الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام بلال يُنادي فلما سكت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال مثل ما قال هذا يقيناً دخل الجنة".(1)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال المؤذن: الله اكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال: أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة".(2)
فصل
في أن من حافظ على الصلوات المفروضات دخل الجنة
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة".(3)
__________
(1) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال:صحيح الإسناد،صحيح الترغيب رقم(249)والمشكاة(676)
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (848) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (527).
(3) رواه أبو داود، والنسائي ، وابن حبان في صحيحه، ورواه الإمام مالك، صحيح الترغيب برقم (363).(1/185)
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - : أن أعرابياً عرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال: يا رسول الله! أو يا محمد! أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: فكف النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نظر في أصحابه ثم قال: "لقد وفق أو لقد هدي" قال: "كيف قلت"؟ قال: فأعاد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم. دع الناقة".(1) وفي رواية ابن أبي شيبة "إن تمسك به".
أن أعرابياً: بفتح الهمزة وهو البدوي أي الذي يسكن البادية.
وتصل الرحم :أي تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما يتيسر أو زيادة أو طاعتهم أو غير ذلك.
وعن عثمان - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من علم أن الصلاة حقٌ مكتوبٌ واجبٌ دخل الجنة".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن أعرابياً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ، قال :
"تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان، قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1396) ، وفي كتاب الأدب برقم (5982) ، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (104).
(2) رواه أبو يعلى وعبد الله ابن الإمام أحمد في زياداته على المسند، صحيح الترغيب برقم (375).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1397)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(107).(1/186)
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: قد وردت أحاديث كثيرة في هذا الأصل الكبير الذي دلّ عليه الحديث. ومدلولها كلها متفق أو متقارب على أن من أدى ما فرض الله عليه بحسب الفروض المشتركة والفروض المختصة بالأسباب التي من وجدت فيه وجبت عليه. فمن أدى الفرائض واجتنب المحرمات استحق دخول الجنة، والنجاة من النار. ومن اتصف بهذا الوصف فقد استحق اسم الإسلام والإيمان، وصار من المتقين المفلحين، وممن سلك الصراط المستقيم.اهـ. (1)
وعن معدان بن أبي طلحة اليعمري ، قال : لقيت ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة ، أو قال قلت : بأحب الأعمال إلى الله ، فسكت ، ثم سألته فسكت ، ثم سألته الثالثة ، فقال : سألت عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "عليك بكثرة السجود لله ، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة"، قال معدان : ثم لقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ما قال لي ثوبان .(2)
وعن ربيعة بن كعبٍ - رضي الله عنه - ، قال : "كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتِيهِ بوضوئه وحاجته فقال لي: "سلني" فقلت : أسألك مرافقتك في الجنة . قال : "أو غيرَ ذلك"؟ قلت: هو ذاك .قال : "فأعني على نفسك بكثرةِ السجود".(3)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - : أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ قال: "تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم".(4)
(أو): بإسكان الواو ونصب "غير" أي سل غير ذلك، يعني غير مرافقته في الجنة.
__________
(1) بهجة القلوب الأبرار (ص7) .
(2) رواه مسلم برقم (488) ، باب فضل السجود والحث عليه .
(3) رواه مسلم برقم (489) ، باب فضل السجود والحث عليه .
(4) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1396)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (106).(1/187)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى البردين دخل الجنة".(1)
البردان : الصبح والعصر .
وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يحرصون على جميع العبادات ويتسابقون إليها ، وخصوصا الصلاة .
فهاهو المحدث الثقة بشر بن الحسن يقال له الصفّي لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين سنة، ومثله إبراهيم بن ميمون المروزي كانت مهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة، قال ابن معين : كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردها .
وقال قاضي قضاة الشام سليمان بن حمزة المقدسي: لم أصل الفريضة قط منفرداً إلا مرتين وكأني لم أصلهما قط، مع أنه قارب التسعين، هكذا كانوا فوصلوا . (2)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (574)،ومسلم في كتاب المساجد برقم(1436).
(2) سباق نحو الجنان (ص98) .(1/188)
قال ابن قيم الجوزية: والناس في الصلاة على مراتب خمسة : أحدهما: مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها. الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار الثالث من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته فهو في صلاة وجهاد الرابع من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئا منها بل همه كله مصروف إلى أقامتها كما ينبغي وإكمالها واتمامها قد استغرق قلب شان الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها الخامس من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك ولكن مع هذا قد اخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل ناظرا بقلبه إليه مراقبا له ممتلئا من محبته وعظمته كأنه يراه ويشاهده وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات وارتفعت حجبها بينه وبين ربه فهذا بينه وبين غيره في الصلاة افضل واعظم مما بين السماء والأرض وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به فالقسم الأول معاقب والثاني محاسب والثالث مكفر عنه والرابع مثاب والخامس مقرب من ربه لان له نصيبا ممن جعلت قرة عينه في الصلاة فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا قرت عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة وقرت عينه أيضا به في الدنيا ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تعالى تقطعت نفسه على الدنيا حسرات وقد روي إن العبد إذا قام يصلي قال الله عز وجل ارفعوا الحجب فإذا التفت قال أرخوها.(1)
فصل
في أن من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة
__________
(1) الوابل الصيب (1/38) .(1/189)
عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: أسندت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدري فقال: "من قال: (لا إله إلا الله) خُتم له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وَجْهِ الله خُتم له به، دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله خُتم له بها دخل الجنة".(1)
ورواه الأصبهاني بلفظ: "يا حذيفة! من خُتم له بصيامِ يومٍ يريد به وجه الله عز وجل، أدخله الله الجنة". (2)
فصل
الحج المبرور من أسباب دخول الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أهل مُهِلٌ قط إلا بُشِّرَ، ولا كَبَّر مكبِرٌّ قط إلا بُشِّرَ" قيل: يا رسول الله! بالجنة؟ قال: "نعم".(4)
أهَلَّ: الملبي إذا رفع صوته بالتلبية.
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئلَ: أي الأعمال أفضل؟ قال:"العج والثج".(5)
"العج" بفتح العين المهملة وتشديد الجيم" هو رفع الصوت بالتلبية، وقيل بالتكبير. و "الثج" بالمثلثة: هو نحر البُدْن.
__________
(1) رواه أحمد بإسناد لا بأس به، وصححه الألباني في الترغيب برقم (985).
(2) قال الألباني رحمه الله: صحيح لغيره، صحيح الترغيب (1/579).
(3) أخرجه البخاري في كتاب العمرة برقم(1773)، ومسلم في كتاب الحج برقم(3276).
(4) رواه الطبراني في الأوسط، وقال الشيخ الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (1137).
(5) رواه ابن ماجة والترمذي وابن خزيمة في صحيحه، صحيح الترغيب رقم (1138).(1/190)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما ترفعُ إبلُ الحاجِّ رِجْلاً، ولا تضعُ يَداً، إلا كَتَبَ الله له بها حسنةً أو محا عنه سيئةً، أو رفعه بها درجةً".(1)
فصل
في أن من تابع بين الحج والعمرة دخل الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".(2)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة".(3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،قال: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكبر خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة وما من مؤمن يظل يومه محرماً إلا غابت الشمس بذنوبه".(4)
فصل
الوقوف بعرفة من أسباب دخول الجنة
__________
(1) أخرجه البيهقي في الشعب (3/479)، وابن حبان في صحيحه، صحيح الترغيب برقم (1106).
(2) أخرجه البخاري في كتاب العمرة برقم (1773)، ومسلم في كتاب الحج برقم (3276).
(3) رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة ، وابن حبان، وصححه الألباني، المشكاة (2524، 2525) الصحيحة (1200)، صحيح الترغيبرقم (1105).
(4) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، وقال الألباني رحمه الله: حسن صحيح، صحيح الترغيب رقم (1133).(1/191)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "... وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول هؤلاء عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبا غسلها الله عنك وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء".(2)
فصل
في أن من جاهد في سبيل الله دخل الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: مر رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشعبٍ في عينة من ماء عذبة فأعجبته فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ وجبت له الجنة".(3) الفواق : ما بين الحلبتين.
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير عن ابن عمر، صحيح الجامع (1373).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الحج برقم (2275).
(3) أخرجه الترمذي بإسناد حسن (1650)، والمشكاة (3830).(1/192)
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فيهم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كيف قلت؟" قال: أرأيت أن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك".(1)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رجل أين أنا يا رسول الله إن قتلت؟ قال: "في الجنة" فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل".(2)
وعن فضالة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"أنا زعيم، والزعيم الحميل لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى غرف الجنة، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلباً، ولا من الشر مهرباً، يموت حيث شاء أن يموت".(3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4857) والترمذي في كتاب الجهاد برقم (1712) والنسائي في كتاب الجهاد برقم (3156و 3157).
(2) رواه البخاري في كتاب المغازي برقم (4046)،ومسلم في كتاب الإمارة برقم(4890).
(3) رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1300).(1/193)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رضي بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً وجبت له الجنة" فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها عليَّ يا رسول الله فأعادها عليه ثم قال: "وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض" قال وما هي يا رسول الله؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".(1)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيله".(2)
قال ابن قيم الجوزية : لما كان الجهاد ذروة سَنام الإسلام وقبته، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة في الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذِّروةِ العُليا منه، واستولى على أنواعه كُلِّها فجاهد في الله حقَّ جهاده بالقلب، والجنان، والدعوة، والبيان، والسيف، والسِّنَانِ (جمع أسنة: نصل الرماح) وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد، بقلبه، ولسانه، ويده. ولهذا كان أرفع العَالَمِينَ ذكراً ، وأعظمهم عند الله قدرا - صلى الله عليه وسلم - . (3)
فصل
في الشهادة في سبيل الله
وقال تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) } .(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4856) والنسائي في كتاب الجهاد (3131).
(2) أخرجه البخاري في كتاب العتق برقم (518)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (84).
(3) زاد المعاد .
(4) سورة آل عمران .(1/194)
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) } .(1)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رأيت الليلة رجلين آتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دار هي أحسن وأفضل لم أر قط أحسن منها قالا لي: أما هذه فدار الشهداء".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رجلاً أسود أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إني رجل أسود منتِنُ الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل، فأين أنا؟ قال: "في الجنة". فقاتل حتى قُتل، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قد بيض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك".
وقال لهذا أو لغيره: "فقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له من صوف، تدخل بينه وبين جبته".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - أيضاً، أن أم الربيع البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء فقال: "يا أم حارثة إنها جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى".(4)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جيء بأبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مثل به فوضع بين يديه فذهبت أكشف عن وجهه فنهاني قومي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها".(5)
__________
(1) سورة محمد .
(2) رواه البخاري في كتاب التعبير برقم (7047).
(3) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1381).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2809).
(5) أخرجه البخاري (6/32 فتح) ومسلم (2471).(1/195)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن للشهيد عند الله خصال أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويحلى حُلة الإيمان ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها و يزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه".(1)
وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي - رضي الله عنه - وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" فقام رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى أأنت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا؟ قال: نعم فرجع إلى أصحابه فقال: "أقرأ عليكم السلام" ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل".(2)
(رث الهيئة): خلق الثياب.
(جفن سيفه): غمده.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين".(3)
عن الثوري عن منصور عن مجاهد عن يزيد بن شجرة قال كان يصدق قوله فعله وكان يخاطبنا فيقول اذكروا نعمة الله عليكم ما أحسن أثر نعمة الله عليكم لو ترون ما أرى من أخضر وأصفر و في الرحال ما فيها قال كان يقال إذا صف الناس للقتال أو صفوا في الصلاة حسنة أبواب السماء وأبواب الجنة وأبواب النار
__________
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/293)، رواه أحمد وفيه ست خصال والبزار والطبراني إلا أنه قال سبع خصال وهي كذلك ورجال أحمد والطبراني ثقات.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1886).(1/196)
وزين حور العين فاطلعن فإذا هو أقبل قلن اللهم انصره وإذا هو أدبر احتجبن منه وقلن اللهم اغفر له فانهكوا وجوه القوم فدى لكم أبي وأمي ولا تخزوا الحور العين قال فأول قطرة تنضح من دمه يكفر الله به كل شيء عمله قال وتنزل إليه ثنتان من الحور العين تمسحان التراب عن وجهه وتقولان قد آن لك ويقول هو قد آن لكما ثم يكسى مائة حلة ليس من نسج بني آدم ولكن من نبت الجنة لو وضعت بين إصبعين وسعته قال وكان يقول أنبئت أن السيوف مفاتيح الجنة فإذا كان يوم القيامة قيل يا فلان هذا نورك ويا فلان ابن فلان لا نور لك .(1)
عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن عمير قال: إذا التقى الصفان أهبطت الحور العين إلى سماء الدنيا فإذا رأين الرجل يرضين مقدمه قلن اللهم ثبته وإن نكص احتجبن عنه فإن هو قتل نزلتا إليه فمسحتا التراب عن وجهه وقلن اللهم عفر من عفره وترب من تربه .(2)
__________
(1) مصنف عبد الرزاق رقم (9538) .
(2) عبد الرزاق رقم (9540) .(1/197)
وغاب أنس بن النضر - رضي الله عنه - عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهد في قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني: أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحدقال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع! قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } (23) (1).(2)
وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف". فقام رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى أنتَ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا؟ قال: نعم. فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام. ثم كسر جفن سيفه، فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو فَضَربَ به حتى قتل".(3)
رث الهيئة: خلق الثياب.
جفن سيفه: غمده.
بحضرة العدو: أي بقربه وقوله: "جفن سيفه": أي قرابه (غِمده).
وقوله: "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" قال العلماء: معناه أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها. أ.هـ.(4)
__________
(1) الأحزاب (23).
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4048)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4895).
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1902).
(4) شرح النووي (13/46) .(1/198)
وعن البراء - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل مقنع بالحديد، فقال: يا رسول الله! أقاتل أو أسلم؟ قال: "أسلم ثم قاتل". فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عَمِلَ قليلاً وأُجِرَ كثيراً".(1)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء رجل من بني النبيت قبيل من الأنصار فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبدُهُ ورسوله. ثم تقدم فقاتل حتى قتل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عَمِلَ هذا يسيراً وأُجِرَ كثيراً".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه" فدنا المشركون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قوموا إلى الجنة عرضها السماوات والأرض" قال: يقول عمر بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال "نعم" قال: بخٍ بخٍ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟" قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال: "فإنك من أهلها" فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة! فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل. (3)
القرن: بفتح القاف والراء: وهو جعبة النشاب.
بخٍ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2808)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم(1900).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1900).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4892) ، وأبو داود في كتاب الجهاد برقم (2618).(1/199)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رأيت الليلة رجلين آتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل لم أر قط أحسن منها قالا لي: أما هذه فدار الشهداء".(1)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل مقنع بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم قال: أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عمل قليل وأجر كثير".(2)
مقنع بالحديد: مغطى بالسلاح أو على رأسه بيضة وهي الخوذة.
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رجلاً أسود أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إني رجل أسود منتِنُ الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل، فأين أنا؟ قال: "في الجنة". فقاتل حتى قُتل، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قد بيض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك".
وقال لهذا أو لغيره: "فقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له من صوف، تدخل بينه وبين جبته".(3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التعبير برقم (7047).
(2) رواه البخاري (6/24 فتح)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4890).
(3) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1381).(1/200)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " للشهيد عند الله خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويحلى حُلة الإيمان ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها و يزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه".(1)
فصل
في الصيام من أسباب دخول الجنة
قال الله تعالى: { وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) } .(2)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"(3).
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" إلا أنه قال: "فإذا دخل آخرهم أُغلقَ، مَن دخلَ شَرِبَ، ومن شَرِبَ لم يظمأ أبداً".
وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصيام جُنةٌ وحصنٌ حصين من النار".(4)
__________
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد(5/293)،رواه أحمد وفيه ست خصال والبزار والطبراني إلا أنه قال سبع خصال وهي كذلك ورجال أحمد والطبراني ثقات،وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(5182)
(2) الأحزاب (35).
(3) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1896)، ومسلم في كتاب الصيام برقم(1152).
(4) رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي،وقال الألباني رحمه الله: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم(980).(1/201)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الصوم جنة يستجن بها العبد من النار".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك وللصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي الله تعالى فرح بصومه".(2)
"كل عمل ابن آدم له" أي: له أجر محدود (إلا الصوم) فأجره بدون حساب.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان"(3). أي: يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة.
قال المناوي: "وهذا القول يحتمل أنه حقيقة بأن يجسد الله ثوابهما ويخلق الله فيه النطق (والله على كل شيء قدير) أ.هـ. الترغيب (1/579)
فصل
في أن من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".(4)
وعنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرِم".(5)
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير عن عثمان بن أبي العاص، صحيح الجامع (3861).
(2) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1904)، ومسلم في كتاب الصيام برقم(1151).
(3) رواه أحمد والطبراني والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني، تمام المنة ص (94) ، والمشكاة (1963)، وصحيح الترغيب رقم (973).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصوم برقم (1901)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1779).
(5) رواه النسائي والبيهقي.(1/202)
وفي رواية لمسلم قال: "من يقيم ليلة القدر فيوافيها" أراه قال: "إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
باب
ثواب صوم عرفة
عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة؟ قال: "يكفر السنة الماضية والباقية".(1)
ورواه الترمذي، إلا أنه قال: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله".(2)
وعن قتادة بن النعمان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صام يوم عرفة غُفر له سنة أمامه وسنه بعده".(3)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام يوم
عرفة غفر له ذنب سنتين متتابعتين" . (4)
وعن سعيد بن جبير قال: سأل رجل عبد الله بن عمر عن صوم يوم عرفة؟ فقال: "كنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعدله بصوم سنتين".(5)
باب
ثواب من صام يوم عاشوراء
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية".(6)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء".(7)
وعنه سئل عن صيام عاشوراء فقال: "ما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهراً إلا هذا الشهر يعني رمضان".(8)
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (1162)، وابو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي.
(2) صحيح الترغيب رقم (1010) .
(3) صحيح الترغيب رقم (1011) .
(4) صحيح الترغيب رقم (1012) .
(5) صحيح الترغيب رقم (1014) .
(6) أخرجه مسلم في كتاب الصيام برقم (1162 و 197).
(7) رواه الطبراني بإسناد جيد، قال في المجمع (3/186): رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
(8) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، برقم (1132).(1/203)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "صيام يوم عاشوراء إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".(1)
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامةُ وسنة خلفه ومن صام عاشوراء غفر له سنة".(2)
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - ، أن رسول - صلى الله عليه وسلم - صامَ يَوْمَ عاشوراءَ، وأقر بصيامِهِ.(3)
فصل
قيام الليل والإستغفار من أسباب دخول الجنة
قال تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) } .(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يتنزل إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له".(5)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة".(6)
__________
(1) أخرجه مسلم.
(2) رواه البزار، وقال الألباني رحمه الله: صحيح لغيره، صحيح الترغيب برقم (1021).
(3) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (2397)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1130).
(4) سورة الذاريات .
(5) أخرجه البخاري في كتاب التهجد برقم (1345) وفي كتاب التوحيد برقم (7494) وفي كتاب الدعوات برقم (6321)،وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم(1769)
(6) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1767، 1768).(1/204)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء".(1)
فصل
في دعاء دخول السوق
عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي و يميت و هو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة ، ورفع له ألف ألف درجة و بنى له بيتا في الجنة" .(2)
وفي رواية فيها زيادة عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من دخل السوق فقال: لا إله إ لا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة "(3).
وفي رواية : "وبنى له بيتاً في الجنة" .
وفيه من الزيادة : قال الرواي : فقدمت خراسان ، فأتيت قتيبة بن مسلم ، فقلت : أتيتك بهدية فحدثته بالحديث ، فكان قتيبة بن مسلم يركب في موكبه حتى يأتي السوق فيقولها ثم ينصرف"(4).
فصل
في أن إفشاء السلام طريق موصل إلى الجنة
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (2/250 و 436)، وأبو داود (1308، 1450)، والنسائي (3/205)، وابن ماجة (1339) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3488)، و صحيح الترغيب برقم (619).
(2) صحيح الجامع حديث رقم (6231) .
(3) صحيح الترمذي (2726) والكلم (229) والمشكاة برقم (2431) وقال الألباني في صحيح الترغيب: :حسن لغيره، برقم (1694).
(4) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين . وصححه الألباني صحيح الجامع رقم (6231).(1/205)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" .(1)
قال النووي رحمه الله : "وقال الشيخ أبو عمرو رحمه الله معنى الحديث لا يكمل إيمانكم إلا بالتحاب، ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك، وهذا الذي قاله محتمل والله أعلم .
وأما قوله: أفشوا السلام بينكم فهو بقط الهمزة المفتوحة .
وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف كما تقدم في الحديث الآخر .
والسلام التآلف ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين" . اهـ.(2)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: فإن السلام سبب للمحبة التي توجب الإيمان الذي يوجب دخول الجنة، كما قال - صلى الله عليه وسلم - :
"والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" والسلام من محاسن الإسلام؛ فإن كل واحد من المتلاقيين يدعو للآخر بالسلامة من الشرور، وبالرحمة
والبركة الجالبة لكل خير، ويتبع ذلك من البشاشة وألفاظ التحية المناسبة ما يوجب التآلف والمحبة، ويزيل الوحشة والتقاطع. بهجة قلوب الأبرار (ص46) .
فالسلام حقّ للمسلم. وعلى المسلَّم عليه ردّ التحية بمثلها أو أحسن منها، وخير الناس من بدأهم بالسلام .
فصل
في أن المصافحة سبب لغفران الذنوب ودخول الجنة
__________
(1) رواه مسلم برقم (54) ، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وأن محبة المؤمنين من الإيمان وأن إفشاء السلام سبب لحصولها .
(2) شرح النووي (2/36) .(1/206)
عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا"(1).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يحضر دعاءهما ولا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما"(2)
وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال: "إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنه ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر"(3).
وفي رواية لأبي داود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي حذيفة فأراد أن يصافحه فتنحى حذيفة فقال : "إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر"(4).
وهناك أمور تحول بين العبد وبين دخول الجنة نذكر منها باختصار لكي يتجنبها العبد .
فصل
في أن من أماط الأذى عن طريق الناس
دخل الجنة
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (5212) ، والترمذي برقم (2727)، وابن ماجة برقم (3703) ، وأحمد (4/289 و303) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5654)، والصحيحة برقم (524) وصحيح الترغيب برقم (2718).
(2) رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، قال في مجمع الزوائد (8/36): رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح غير ميمون ين عجلان وثقه ابن حبان و لم يضعفه أحد.
(3) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والضياء، ورواه الطبراني، قال في صحيح الزوائد (8/37): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير سالم بن غيلان وهو ثقة" . تحفة الأحوذي (7/429) .
(4) صححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2721)،والسلسلة الصحيحة برقم(526).(1/207)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرةٍ قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين".(1)
وفي رواية: "مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال: والله لأنَحيَّنَ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة".(2)
يتقلب: يتحول فيها من مكان لآخر يتنعم بملاذها. في شجرة: بسبب شجرة. ظهر الطريق: عن الطريق أو ما ظهر منه. لأنحين: لأزيلن.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وفي هذا الحديث: دليل على أن من أزال عن المسلمين الأذى فله هذا الثواب العظيم في أمر حسي ، فكيف بالأمر المعنوي ؟ هناك بعض الناس والعياذ بالله أهل شر وبلاء ، وأفكار خبيثة ، وأخلاق سيئة يدون الناس عن دين الله فإزالة هؤلاء عن طريق المسلمين أفضل بكثير وأعظم أجراً عند الله فإذا أزيل أذى هؤلاء ، إذا كانوا أصحاب فكار خبيثة سيئة إلحادية يرد عليها وتبطل أفكارهم
فإن لم يجد ذلك شيئاً قطعت أعناقهم لأن الله يقول في كتابه العزيز { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ اججبِ } (3) هنا يقول بعض
العلماء : إنها للتنويع يعني أنهم يقتلون ويصلبون وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وينفوا من الأرض حسب جريمتهم .اهـ.(4)
فصل
في أن من فعل أربع خصالٍ في يوم دخل الجنة
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (1914).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (652)، وفي كتاب المظالم برقم (2472) ، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4917) وفي كتاب الأدب برقم (6612).
(3) سورة المائدة .
(4) شرح رياض الصالحين .(1/208)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أصبح منكم اليوم صائماً" فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : أنا، فقال: "من أطعم منكم اليوم مسكيناً"، فقال أبو بكر : أنا، فقال: "من تبع منكم اليوم جنازة" ، فقال أبو بكر : أنا، فقال: "من عاد منكم اليوم مريضاً"، قال أبو بكر : أنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل في يومٍ إلا دخل الجنة".(1)
فصل
في أن من قرأ القرآن دخل الجنة
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "القرآن شافع مشفع وماحِلٌ مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار".(2)
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ القرآن وتعمله وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوءه مثلُ ضوء الشمس ويُكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بما كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن".(3)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".(4)
"ارتق" : اصعد في درج الجنة بقدر ما حفظته من آي القرآن.
ومنازل المؤمنين تتفاوت في الجنة حسب أعمالهم واجتهادهم في الدنيا، وفيه فضيلة حفظ القرآن وترتيله وتكون منزلته بقدر ما حفظ من القرآن.
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه في موضعين منه (3/92 و 7/110).
(2) أخرجه ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان عن جابر، صحيح الجامع برقم (4319).
(3) رواه الحاكم وقال:صحيح على شرط مسلم ورواه أبو داود بالمعنى، المشكاة (2139).
(4) رواه أبو داود والترمذي برقم (2914) وابن ماجة (3780) وأحمد (2/192)، المشكاة برقم (2134)، وصفة الصلاة (ص 125).(1/209)
وعن عبد الله بن مسعود قال: "إن هذا القرآن شافع مشفع، من اتبعه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه (أو كلمة نحوها) زخَّ في قفاه إلى النار".(1)
زخ: بالزاي والخاء المعجمتين أي دفع .
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحب هذه السورة قل هو الله أحد، قال: "إن حبها أدخلك الجنة".(2)
فيه إثبات ثواب وفضل سورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن وأنه يدخل صاحبها الجنة.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكر ذلك
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك" فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أخبروه أن الله يحبه".(3)
وفي رواية للبخاري من حديث أنس: فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال: إني أحبها فقال: "حبك إياها أدخلك الجنة".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسَجَد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله - وفي رواية: يا وَيْلي- أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فسَجَد فلَهُ الجنة، وأُمِرتُ بالسُّجود فأبَيْتُ فِلي النّار".(4)
السجدة: يعني: آية السجدة.
__________
(1) رواه البزار موقوفاً على ابن مسعود، صحيح الترغيب (39).
(2) أخرجه البخاري تعليقاً ووصله الترمذي (2901) من طريقه عن إسماعيل بن أبي أويس.
(3) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7375)، ومسلم صلاة المسافرين برقم (1887).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (81).(1/210)
وعن أبي أمامة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".(1)
يعني لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا أن يموت.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة،والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران".(2)
السفرة : هم الملائكة الرسل إلى الرسل صلوات الله عليهم، لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل السفرة الكتبة. والبررة: المطيعون من البر وهو الطاعة .
فالذي يداوم على قراءة القرآن ويحرص عليه أعظم من منزلة من لا يداوم على قراءته ومن يقرأ القرآن وهو شاق عليه فله أجران أجر على قراءته وآخر على مشقته وتعتعته.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة لإتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى، قال : ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم .
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونحن في الصُّفةِ، فقال : "أيكم يحب أن يغدوا كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟" .
فقلنا : يا رسول الله نحب ذلك .
__________
(1) أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) برقم(100) وابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم(123) والطبراني (7532)، المشكاة (974) الصحيحة (972) تمام المنة (ص 227).
(2) أخرجه البخاري برقم (4937) ، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1859).(1/211)
قال : "أفلا يغدوا أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن إعدادهن من الإبل؟"(1)
الصفة : مكان مظلل في المسجد النبوي يأوي إليه فقراء المهاجرين .
بطحان : بضم الباء وإسكان الطاء : موضع بقرب المدينة.
كوماوين : الكوما من الإبل بفتح الكاف: العظيمة السنام.
وأصل الكوم : العلو .
والحاصل أن الآيات تفضل على أعدادهن من النوق ومن أعدادهن من الإبل ، كذا ذكره الطيبي ، والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم أراد ترغيبهم في الباقيات وتزهيدهم عن الفانيات فذكره هذا على سبيل التمثيل والتقريب إلى فهم العليل وإلا فجميع الدنيا أحقر من أن يقابل بمعرفة آية من كتاب الله تعالى أو بثوابها من الدرجات العلى .(2)
فصل
في أن من سبح الله دبر كل صلاة دخل الجنة
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن من ذكر الله تعالى بعد كل صلاة مفروضة يكون ثوابه الجنة بإذن الله تعالى .
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليها عبد مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله تعالى دبر كل صلاة عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً فذلك خمسون ومئة باللسان وألف وخمس مئة في الميزان ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين فذلك مئة باللسان وألف بالميزان" قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله! كيف هما يسير ومن يعمل
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1870) ، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه ، وابو داود في كتاب الصلاة برقم (1456).
(2) عون المعبود (4/231) .(1/212)
بها قليل؟ قال: "يأتي أحدكم يعني الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله ويأتيه في صلاته فيذكره حاجةً قبل أن يقولها".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال: "ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين".(2)
الدثور: هو المال الكثير.
وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وثلاثاً وثلاثين تحميدة وأربعاً وثلاثين تكبيرة".(3)
قوله: "معقبات" معناه: تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة، سُميَّت معقبات لأنها تفعل مرة بعد مرة أخرى. شرح النووي (5/95).
فصل
في أن لا حول ولا قوة إلا بالله
كنز من كنوز الجنة
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟" فقلت: بلى يا رسول الله قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(4)
__________
(1) رواه أبو داود، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، والنسائي وفيه عطاء بن السائب وفيه اختلاف بسبب اختلاطه، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب برقم (603) ، والمشكاة برقم (2406) ، والكلم برقم (111) .
(2) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (843)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (595).
(3) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (596).
(4) رواه البخاري برقم(4205و6384و6409و6610و7386)، ومسلم برقم(2704)و(6802).(1/213)
كنز من كنوز : سمَّى هذه الكلمة كنزاً لنفاستها وصيانتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ذخائر الجنة ومحصلات نفائسها ويحصل لقائلها ثوابٌ نفيسٌ يدخر له في الجنة.
قال النووي رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر.
ومعنى الكنز هنا: أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما ان الكنز أَنْفَسُ أموالكم.
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة" قال: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(1)
وعن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباهُ دفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخدمه قال: فأتى عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صليت ركعتين فضربني برجله، وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة" قلت: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(2)
فصل
في غراس الجنة
عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به مر على إبراهيم عليه السلام فقال: من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد فقال له إبراهيم عليه السلام: يا محمد مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة قال: "ما غراس الجنة" قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.(3)
__________
(1) رواه الطبراني، وأحمد، السلسلة الصحيحة رقم (1746)، وصحيح الترغيب رقم (1581) .
(2) رواه الحاكم ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب رقم (1582).
(3) رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1583).(1/214)
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة"(1).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لقيتُ إبراهيم ليلة أُسري بي فقال: يا محمد أقرئ أُمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء, إنها قيعان وأن غراسها سُبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" (2).
قيعان: جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر.
غراس جمع غرس وهو : ما يستر الأرض من البذر ونحوه.
ذكر الله سبب لدخول الجنة وكلما أكثر العبد من ذكر الله كثرت غراسه في الجنة.
فاحرص على أن تكثر غراس الجنة .
فصل
في أن سيد الاستغفار من أسباب دخول الجنة
عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة(3).
أبوء: أُقر وأعترف بباء مضمومة ثم واو وهمزة ممدودة.
__________
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، صحيح الجامع (6305).
(2) رواه الترمذي برقم(3462) وقال: "حديث حسن"،صحيح الكلم الطيب (ص27)وصحيح الترغيب برقم(1550)
(3) أخرجه البخاري برقم (5964) ، باب ما يقول إذا أصبح .(1/215)
هذا الدعاء جامع لمعاني التوبة كلها مع الإقرار لله بالإلوهية والاعتراف بأنه الخالق والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه بما وعده به الاستعاذة من شر النفس وإضافة النعماء إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو كل هذا مسبوك ببديع المعاني وأحسن الألفاظ ولذلك سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيد الاستغفار .
فصل
في أن من حفظ أسماء الله تعالى دخل الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله تسعةٌ وتسعون اسماً من حَفِظَها دخل الجنة وإن الله وتر يحب الوتر"(1).
وفي رواية ابن أبي عمر " من أحصاها"
قال النووي رحمه الله تعالى : أمّا قوله - صلى الله عليه وسلم - (من أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى (من حفظها) وقيل : أحصاها عدها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملاً وقال بعضهم : المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوفٍ لها وهو ضعيف والصحيح الأول.
فصل
في أن من سأل الله الجنة دخلها
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار قالت النار اللهم أجره من النار"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،"إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها ، فكان إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة،فقالت: { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6410)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6750).
(2) رواه أحمد وابن حبان والبيهقي والحاكم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5630) .(1/216)
دp¨Yyfّ9$# وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } . (1) فكشف لها عن بيتها في الجنة" .(2)
قال أبو العالية : يتحقق فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم ما تعلمون من آسية بنت مزاحم فأثنوا عليها فقال لهم إنها تعبد ربا غيري فقالوا له اقتلها فأوتد لها أوتادا وشد يديها ورجليها فقالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ووافق ذلك حضور فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنة فقال فرعون ألا تعجبون من جنونها إنا نعذبها وهي تضحك فقبض روحها وقال فيما روى عنه عثمان النهدي كانت تعذب بالشمس فإذا أذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها وقيل سمر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى فأطلعها الله حتى رأت مكانها في الجنة وقيل لما قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة أريت بيتها في الجنة يبنى وقيل إنه من درة عن الحسن ولما قالت ونجني نجاها الله أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وتتنعم ومعنى من فرعون وعمله تعني ومعناه الكفر وقيل من عمله من عذابه وظلمه وشماتته، وقال ابن عباس الجماع ونجني من القوم الظالمين أهل مصر مقاتل القبط قال الحسن وابن كيسان نجاها الله أكرم نجاة ورفعها إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب.(3)
هذا الدعاء قد يكون سبباً لبناء البيت في الجنة فاحرص عليه .
فصل
من كنَّ له ثلاث من البنات فصبر على تربيتهن دخل الجنّة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كنَّ له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وسرائهن أدخله الله الجنة برحمته أياهن" فقال رجل: وابنتان يا رسول الله قال: " وابنتان" قال رجل: يا رسول الله وواحدة قال : "وواحدة" . (4).
__________
(1) التحريم الآية (11) .
(2) السلسلة الصحيحة (2508) .
(3) تفسير القرطبي (18/203) .
(4) رواه الحاكم في المستدرك (4/176) وقال : (صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.(1/217)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كنًّ له ثلاث بنات يؤوبهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة" قيل يا رسول الله فإن كانتا اثنتين قال: "وإن كانتا اثنتين" قال: فرأى بعض القوم أن يقول لو قال واحدة لقال: (واحدة).(1).
فصل
في أن من مات له ثلاثة من الولد فصبر دخل الجنة
عن أنس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم"(2).
الحنث: بكسر الحاء وسكون النون : هو الإثم والذنب والمعنى أنهم لم يبلغوا السن الذي تكتب عليهم في الذنوب.
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من أشكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله في سبيل الله عزَّ وجلَّ وجبت له الجنة"(3).
وعن عتبة بن عبد السلمي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل"(4).
__________
(1) رواه أحمد في مسنده (3/303) ، والطبراني و زاد: ويزوجهن ،قال في جمع الزوائد (8/175): "رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط بنحو وزاد :ويزوجهن، صحيح الترغيب برقم (1975).
(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1248) ، ومسلم في كتاب البر والصلة .
(3) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2000)، والسلسلة الصحيحة برقم (2296).
(4) رواه ابن ماجه بإسناد جيد، صحيح الجامع (5772)، الرياض (958)، الجنائز (ص23) . وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1993).(1/218)
وعن حبيبه أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل عليها فقال: " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا جيء بهم يوم القيامة حتى يوقفوا على باب الجنة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون حتى يدخل آباؤنا فيقال لهم :"ادخلوا أنتم وآباؤكم"(1).
وعن أبي حسان قال:قلت لأبي هريرة - رضي الله عنه - ، إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يطيب أنفسنا عن موتانا؟قال: نعم "صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوب هذا فلا يتناهى أو قال ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة"(2).
الدعاميص: بفتح الدال وبالصاد مهملتين جمع دعموص بضم الدال وهي دويبة صغيرة تكون في العذران إذا نشفت يضرب لونها إلى السواد وشبه الطفل به لصغره وسرعة حركته في الجنة. وقيل الدعموص هو الرجل كثير الدخول على الملوك من غير إذن منهم.
وصنفة الثوب : بفتح الصاد المهملة والنون معاً بعدهما فاء هي حاشيته وطرفه الذي لا هدب له، وقيل هي الناحية ذات الهدب والله تعالى أعلم.
فصل
في أن من مات له ولد واحد دخل الجنة
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة" فقالت له عائشة : فمن كان له فرط ؟ قال: " من كان له فرط ؟؟" قالت : فمن لم يكن له فرط من أمتك ؟ قال: " فأنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي"(3).
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد جيد، المشكاة (1754)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(2003).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2635)، وأحمد (2/510).
(3) رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن، المشكاة (1735).(1/219)
الفرط: بالتحريك هو الذي يتقدم القوم ليرتاد لهم الماء ويهيء لهم الدلاء والرشاء والمراد به هنا الولد دون البلوغ يقدمه المرء بين يديه ذكراً كان أو أنثى وجمعه أفراط.
وقوله " فأنا فرط أمتي" أي أتقدمهم إلى الحوض قبل ورودهم أهيء مصالحهم في دار القرار والله تعالى أعلم.
وعن قرة بن إياس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابن له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أتحبه" قال: نعم يا رسول الله أَحبكَ الله كما أحبه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما فعل فلان بن فلان" قالوا يا رسول الله مات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبيه "ألا تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك" فقال رجلٌ : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا؟ قال "بل لكلكم"(1).
وفي رواية للنسائي قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس جلس إليه نفر من أصحابه فيهم رجلٌ له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعد بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
"مالي لا أرى فلاناً" قالوا : يا رسول الله بُنيه الذي رأيته هلك فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بُنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال: "يا فلان أيهما كان أحب إليك؟ أن تمتع به عمرك أو لا تأتي إلى باب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟" قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لهو أحب إليَّ قال: "فذاك لك"(2).
__________
(1) رواه أحمد ، والنسائي وابن حبان، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2007).
(2) سبق تخريجه.(1/220)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة من الولد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم" فقالوا: يا رسول الله أو اثنان قال: "أو اثنان" قالوا: أو واحد؟ قال: "أو واحد" ثم قال: "والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته"(1).
السرر: بسين مهملة وراء مكررة محركاً : هو ما تقطعه القابلة وما بقي بعد القطع فهو السُّرَّة.
فصل
في أن أهل الجنة ثلاثة
عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم عفيف متعفف ذو عيال"(2).
ذو سلطان : صاحب ولاية.
موفق: يوفقه الله تعالى لما فيه مرضاته من العدل.
رقيق القلب: لديه حنان وعطف ولطف وشفقة.
عفيف : لديه عفة عن السؤال، ومتعفف: مبالغ في ترك السؤال.
ذو عيال: كثير العيال.
فصل
في أن كفالة اليتيم طريق موصل إلى الجنة
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما(3).
كافل اليتيم: القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة" وأشار مالك - أحد رواة السند - بالسبابة والوسطى(4).
__________
(1) أخرجه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2008)، والمشكاة برقم (1754).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنة برقم (2865).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6005)
(4) رواه مسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (2983).(1/221)
قوله: له أو لغيره: يعني سواء كان اليتيم قريباً منه كالأم تكفل ولدها اليتيم أو الجد أو الجدة أو الأخ أو كان أجنبياً منه لا قرابة بينه وبينه فإن كل واحد من هؤلاء يحوز هذا الأجر العظيم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسنُ إليه وشرُ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُساء إليه"(1).
وعن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من ضمَّ يتيماً بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة ومن أعتق امرءً مسلماً كان فكاكه من النار يجزئ بكل عضوٍ منه عضواً منه"(2).
فصل
في أن تقوى الله وحسن الخلق طريق موصل إلى الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: "تقوى الله وحُسن الخُلق" وسُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار
فقال: " الفم والفرج"(3).
__________
(1) رواه ابن ماجه في كتاب الأدب باب حق اليتيم برقم (3679)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (2905) .
(2) رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1895).
(3) أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد) برقم (289) والترمذي (2004) وابن ماجه (4246) وابن حبان (476)، وأحمد (2/ 291, 392 و442)، والحاكم (4/324) والبيهقي في الزهد (236) والقضائي في الشهاب(1050)، والبغوي في معالم التنزيل (4/377) ، وشرح السنة
(13/79 - 80)، والخرائطي في مكارم الأخلاق ص (10)،وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2642).(1/222)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم ،و غضوا أبصاركم ، وكُفُوا أيديكم"(1).
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في النار"(2).
فصل
في أن الحب في الله طريق موصل إلى الجنة
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن لله جلساء يوم القيامة عن يمين العرش وكلتا يدي الله يمين على منابر من نور وجوههم من نور ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولا صديقين " ، قيل يا رسول الله من هم قال:"هم المتحابون بجلال الله تبارك وتعالى"(3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ألا أُخبركم برجالكم في الجنة؟" قالوا: بلى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "النبي في الجنة والصديق في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة"(4).
__________
(1) رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في صحيحه، والحاكم والبيهقي ، وقال الحاكم صحيح الإسناد ، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب (2925).
(2) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2933).
(3) رواه أحمد بإسناد حسن، قال في مجمع الزوائد (10/277): "رواه الطبراني ورجاله وثقوا"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (9022).
(4) رواه الطبراني بإسناد حسن، الصحيحة (287).(1/223)
وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"(1).
منابر: جمع منبر وهو المكان العالي. يغبطهم: يتمنون أن لهم مثلهم من المنزلة والشرف دون زوالهما عنهم وهو حسد الغِبطة. المتحابين في جلال الله تعالى لهم منزلة عظيمة ومقام كريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فصل
في أن الصبر على البلاء طريق موصل إلى الجنة
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة فقلت: بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك "فقالت: أصبر فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها"(2).
أتكشف:من التكشف، والمراد أنها خشيت، تظهر عورتها وهي لا تشعر. فتح الباري (10/115)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله عز وجل قال: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه"(3)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم،فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟فيقولون : نعم،فيقول : فماذا قال عبدي؟فيقولون : حمدك واسترجع،فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد" . (4)
__________
(1) أخرجه الترمذي (2390) وأحمد (5/236-237) ، المشكاة (5011) وقال الألباني: صحيح، صحيح الترغيب رقم (3019).
(2) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5652)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2576).
(3) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5653) .
(4) رواه الترمذي،وابن ماجه،وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم(807)،السلسلة الصحيحة(1408).(1/224)
إذا مات ولد العبد، أي الإنسان ذكراً كان أو أنثى، قال الله تعالى لملائكته الموكلين بقبض الأرواح: قبضتم ولد عبدي أي روحه، فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده ، أي نتيجته كالثمرة تنتجها الشجرة، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي، فيقولون: حمدك واسترجع ، أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون .
قال الطيبي: رجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما أراد الله من التفضل على عبده الحامد لأجل تصبره على المصائب وعدم تشكيه بل إعداده إياها من النعم الموجبة للشكر ثم استرجاعه وأن نفسه ملك لله وإليه المصير، وقال أولا ولد عبدي أي فرع شجرته ثم ترقى إلى ثمرة فؤاده أي نقاوة خلاصته، فإن خلاصة المرء الفؤاد، والفؤاد إنما يعتد به لمكان اللطيفة التي خلق لها فحقيق لمن فقد تلك النعمة فتلقاها بالحمد أن يكون هو محمودا حتى المكان الذي يسكنه، ولذلك قال فيقول الله تعالى لملائكته أو لمن شاء من خلقه ابنوا لعبدي بيتا في الجنة يسكنه في الآخرة(1/225)
وسموه بيت الحمد أخذ من تسميته به أن الأسقام والمصائب لا يثاب عليها لأنها ليست بفعل اختياري بل هو على الصبر وهو ما عليه ابن عبد السلام وابن القيم ، قالا : فهو إنما نال ذلك البيت بحمده واسترجاعه لا بمصيبته، وإنما ثواب المصيبة يكفر الخطايا لكن الأصح خلافه تنبيه ظاهر ترتيب الأمر ببناء البيت على الحمد والاسترجاع معا أنه لو أتى بأحدهما دون الآخر لا يبنى له شيء وعليه فكان القياس في وجه التسمية أن يقال سموه بيت الحمد والاسترجاع لكن الأقرب أن الخصلة التي يستحق بها ذلك إنما هي الحمد وذلك الاسترجاع معه كالتتمة والرديف بدليل إفراده بالتسمية تتمة قال المصنف موت الأولاد فلذ الأكباد ومصابهم من أعظم مصاب وفراقهم يقرع القلوب والأوصال والأعصاب يا له من صدع لا يشعب يوهي القوي ويقوي الوهي ويوهن العظم ويعظم الوهن مر المذاق صعب لا يطاق يضيق عنه النطاق شديد على الإطلاق لا جرم أن الله تعالى حث فيه عليه الصبر الجميل ووعد عليه بالأجر الجزيل وبنى له في الجنة ذاك البناء الجليل .اهـ .(1)
فصل
في أن التبكير إلى صلاة الجمعة طريق موصل إلى الجنة
عن أوس بن أوس - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوةٍ عمل سنة أجر صيامها وقيامها".(2)
قوله: "غسَّل" أي أوجب على أهله الغسل بسبب جماعه لها وقال آخرون: إنما هو غسل بالتخفيف ومعناه غسل رأسه ثم اغتسل جميعه، وهذا من باب التأكيد من غسل الرأس. زاد أبو داود في رواية له: "من غسَّل رأسه".
فصل
في أن الصدق والأمانة في التجارة طريق موصل إلى الجنة
__________
(1) فيض القدير (1/440) .
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (690).(1/226)
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة" .(1)
قوله : "التاجر الصدوق الأمين" : أي من تحرى الصدق والأمانة كان في زمرة الأبرار من النبيين والصديقين ومن توخى خلافهما كان في قرن الفجار من الفسقة والعاصين، قاله الطيبي، وقال في اللمعات: كلاهما من صيغ المبالغة تنبيه على رعاية الكمال في هذين الصفتين حتى ينال هذه الدرجة الرفيعة انتهى .(2)
فصل
في أن من كظم الغيظ طريق موصل إلى الجنة
عن سهل بن معاذ عن أبيه - رضي الله عنه - ،أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من حور العين ما شاء" (3).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دلني على عمل يدخلني الجنة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تغضب ولك الجنة"(4).
فصل
في أن صلة الرحم أفضل من عتق الرقاب
__________
(1) رواه الدارقطني برقم(18)،والترمذي برقم(1209)،وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم(2499).
(2) تحفة الأحوذي (4/:335) .
(3) رواه أبو داود في الأدب (4777) ابن ماجه في الزهد (4186)، الصحيحة (1750).
(4) قال الهيثمي في جمع الزوائد (8/70):"رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأحد إٍسنادي الكبير رجاله ثقات ". صحيح الجامع (7374).(1/227)
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) } . سورة الرعد .
بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن صلة الرحم من أعظم القربات إلى الله تعالى،بل أفضل من عتق الرقاب. فعن كريب مولى بن عباس رضي الله عنهما، أن - أم المؤمنين - ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته : أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه . قالت : أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي . قال : أو فعلت . قالت : نعم .
قال : أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" .(1)
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (2452) ، باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها ، ومسلم برقم (999) ، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين .(1/228)
قال ابن حجر في الفتح:"قال بن بطال: فيه: أن هبة ذي الرحم أفضل من العتق، ويؤيده ما رواه الترمذي ، والنسائي، وأحمد، وصححه بن خزيمة وابن حبان، من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعا:"الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة"(1)،لكن لا يلزم من ذلك أن تكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقا لاحتمال أن يكون المسكين محتاجا ونفعه بذلك متعديا والآخر بالعكس ...". فتح الباري (5/219)
فصل
في أن خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة
وعن أبي سعيد أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة،من عاد مريضاً،وشهد جنازة،وصام يوماً،وراح إلى الجمعة،وأعتق رقبة".(2)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أن رجلاً مات فدخل الجنة فقيل له: ما كنت تعمل؟ قال: فإما ذَكَرَ وإما ذُكِّر فقال: إني كنت أبايع الناس فكنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة أو في النقد فَغُفِر له" فقال أبو مسعود وأنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(3)
__________
(1) رواه الترمذي،والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم،وصححه الألباني في صحيح الترغيب(892).
(2) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (686).
(3) أخرجه البخاري في كتاب البيوع برقم (2077) وفي كتاب الاستقراض برقم (2391) وفي كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3451) ومسلم في المساقاة برقم (3971).(1/229)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: "تقوى الله وحُسن الخُلق" وسُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: " الفم والفرج"(1).
فصل
في أن زيارة أهل الخير ومجالستهم
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما من عبد أتى أخا يزوره في الله إلا نادى مناد من السماء : أن طبت وطابت لك الجنة، وإلا قال الله في ملكوت عرشه :عبدي زار في، وعلي قراه، فلم أرض له بقرى دون الجنة".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ أخرى فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه، قال:أين تريد؟قال:أريد أخاً لي في هذه القرية،قال:هل لك عليه من نعمةٍ تربها عليه؟ قال:لا غير أني أحببته في الله تعالى،قال:فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه"(3).
قوله: المدرجة : بفتح الميم والراء الطريق . لكَ نِعْمَةٌ تَرُبُّها : تقوم بها وتسعى في صلاحها.
قال ابن منظور:أي تَحْفَظُها وتُراعِيها و تُرَبِّيها، كما يُرَبِّي الرجُلُ ولدَه.(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد) برقم (289)، والترمذي (2004)، وابن ماجه (4246)، وابن حبان (476)، وأحمد (2/ 291, 392 و442)، والحاكم (4/324) والبيهقي في الزهد (236) والقضائي في الشهاب(1050)، والبغوي في معالم التنزيل (4/377) ، وشرح السنة (13/79 - 80) ، والخرائطي في مكارم الأخلاق ص (10) ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2642).
(2) السلسلة الصحيحة رقم (2632) .
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6495) .
(4) لسان العرب (1/401) .(1/230)
قوله: "بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه": قال العلماء محبة الله عبده هي رحمته له ورضاه عنه وإرادته له الخير وأن يفعل به فعل المحب من الخير، وأصل المحبة في حق العباد ميل القلب والله تعالى منزه عن ذلك في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعالى وأنها سبب لحب الله تعالى العبد ، وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب .(1) من أحب في الله فقد أحبه الله .
فصل
في كثرة الصيام والصلاة رفع للدرجات ودخول للجنان
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ال: "كان رجلان من (بَلِيّ) من (قُضاعة) أسلما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستُشهد أحدُها وأُخِّر الأخر سنةً، فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤّخر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد فتعجبت لذلك فأصبحت فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذُكِر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعةٍ وكذا وكذا ركعتةً صلاة سنةٍ".(2)
بلي: قبيلة من قضاعة.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثٌ أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهمٌ في الإسلام كمن لا سَهمَ له، وأسهم الإسلام ثلاثة:
الصلاة والصوم والزكاة، ولا يتولى الله عبداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجلٌ قوماً إلا جعله الله معهم، والرابعة لو حلفتُ عليها رجوتُ أن لا آثم، لا يستر الله عبداً في الدنيا إلا ستره يوم القيامة".(3)
__________
(1) شرح مسلم (16/124) .
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، وقال الألباني: "صحيح"، الترغيب (365).
(3) رواه الإمام أحمد بإسناد جيد، وحسنه الألباني في الترغيب (367).(1/231)
وعن ربيعة بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال: "كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتِيهِ بوضوئه وحاجته فقال لي: "سلني" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: "أو غيرَ ذلك"؟ قلت: هو ذاك قال: "فأعني على نفسك بكثرةِ السجود". رواه مسلم.
(أو): بإسكان الواو ونصب "غير" أي سل غير ذلك، يعني غير مرافقته في الجنة.
"هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب من قوله وجعلني مباركا اينما كنت فهكذا المؤمن مبارك اين حل والفاجر مشئوم اين حل فمجالس الذكر مجالس الملائكة ومجالس الغفلة مجالس الشياطين وكل مضاف الى شكله واشباهه فكل امرئ يصير الى ما يناسبه. اهـ . (1)
فيه من الفوائد : فضيلة الذكر ، وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم، وفضيلة مجالسة الصالحين وبركتهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فهؤلاء الذين هم من أفضل أولياء الله كان مطلوبهم الجنة ومهربهم من النار . اهـ . (2)
فصل
بعض المعاصي تكون سببا للإبتعاد من الجنة والتقرب من النار ويستحق صاحبها العقاب
من عقيدة أهل السنة والجماعة أن مرتكب بعض المعاصي وخصوصاً الكبائر منها أن صاحبها مستحق للعقاب إن شاء الله عذبه على قدر ذنبه ثم يدخله الجنة، وإن شاء عفى عنه وأدخله الجنة ابتداءاً ، فعلى العبد أن يتجنب هذه المعاصي لكي لا تكون عائقاً له من دخول الجنة في أول الأمر ولكي لا يعذب بسببها في القبر ، فأحببنا أن نذكرها لكي من باب التعاون على البر والتقوى، ومن تمام النصح فيما بيننا .
الشرك بالله تعالى
قال الله تعالى: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) } .(3)
__________
(1) الوابل الصيب (1/101) .
(2) كتاب الزهد والورع والعبادة (1/135) .
(3) سورة المائدة .(1/232)
وقال تعالى: { إن الشرك لظلم عظيم } .(1)
والآيات في الباب كثيرة.
فالشرك هو أن تجعل لله نداً وهو خلقك وتعبد معه غيره وتصرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى من شجر، أو حجر، أو بشر، أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو جني، أو نجم، أو مَلَكٍ وغير ذلك.
وسُئل - صلى الله عليه وسلم - : أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك".(2)
و الند هو : المثل .
قال تعالى: { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) } . سورة الزمر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فمن جعل لله نداً من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية فقد كفر بإجماع المسلمين. (3) أ.هـ
فالذي يموت مشركاً بالله تعالى والعياذ بالله فهو من أهل النار خالداً فيها.
ومن أنوع الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين:
عبادة القبور : واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم.
يقول الله عز وجل: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ َOخgح !%tوكٹ غَافِلُونَ (5) } .(4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار".(5)
__________
(1) سورة لقمان الآية (13).
(2) أخرجه البخاري برقم (4207)، باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ، ومسلم برقم (86)، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده .
(3) مجموع الفتاوى (1/88).
(4) سورة الأحقاف الآية (5).
(5) رواه البخاري (8/176 فتح).(1/233)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الكبائر سبعٌ أولُهُنَّ الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقِّها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وفرارُ يومِ الزحفِ، وقَذفُ المحصناتِ، والانتقالُ إلى الأعرابِ بعدَ هجرتِهِ".(1)
ومن أنواع الشرك: الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس.
وعن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب".(2) وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
قال تعالى: { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركي العرب لأنهم أشركوا في الإلهية. (3) أ.هـ.
فمن أشرك بربوبية الله فزعم أن شيئاً في الوجود يشارك الله في الخلق والتدبير، والحياة والموت والرزق، والنفع والضر، وغير ذلك من خصائص الرب الخالق، فهو كافرٌ ومن أشرك بألوهية الله، فزعم أن أحداً غير الله يستحق أن يُعبد من دون الله، أو عَبَدَ مع الله إلهاً آخر، أو تقرب إلى غير الله عز وجل بالعبادة، فهو كافر.
الذبح لغير الله تعالى
__________
(1) رواه البزار من رواية عمرو بن أبي سلمة، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم(1848).
(2) رواه البخاري برقم (991)، باب قول الله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال بن عباس شكركم ، ومسلم برقم (71)، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء .
(3) مجموع الفتاوى (1/91).(1/234)
وكذلك من أنواع الشرك الأكبر الذبح لغير الله. قال الله تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } . الإنعام (121).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من ذبح لغير الله".(1)
وعن هانئ مولى علي أن علياً - رضي الله عنه - قال: يا هانئ ماذا يقول الناس؟ قال: يدّعون أن عندك علماً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تظهره فاستخرج صحيفة من سيفه فيها: هذا ما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من ذبح لغير الله ومن تولى غير مواليه ولعن الله العاق لوالديه ولعن الله منتقص منار الأرض".(2)
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من ذبح لغير الله".(3)
ترك الصلاة
قال الله تعالى: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) } . سورة المدثر .
وقال تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) } . سورة الماعون (4-7).
__________
(1) رواه مسلم برقم (1978).
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/153)، وأصله في الصحيحن من وجه آخر عن علي - رضي الله عنه -
(3) أخرجه أحمد في المسند (1/217و317 و309)والحاكم في المستدرك(4/356) والبيهقي في السنن الكبرى(8/231)ورجال أحمد رجال الصحيح كما في المجمع(1/103).(1/235)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر".(1)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من لم يحافظ على الصلاة لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي جهل وأبي بن خلف".(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".(3)
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي - رضي الله عنه - قال: "كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يَرونَ شيئاً من الأعمال تركُه كُفر، غيرَ الصلاة".(4)
سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (2/290 و 425) و (4/60و 103)و(5/72 و 377)،وأبو داودبرقم(864) و (413) والنسائي(1/232) وابن ماجة (1425) و (1426) والترمذي برقم (411) وابن أبي عاصم في الأوائل رقم (35)، والطبراني في الكبير(2/39)والحاكم في المستدرك (1/262و 263) ، وصححه الترمذي والحاكم .
(2) أخرجه أحمد في المسند (2/169) والدارمي (2/301) وابن حبان رقم (254) وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/292) إلى الطبراني في الكبير و الأوسط، وقال: ورجال أحمد ثقات، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/386) إسناده جيد.
(3) أخرجه أحمد في المسند (5/346)، والترمذي في كتاب الإيمان برقم (2623) والنسائي في المجتبى (1/231) والحاكم في المستدرك (1/6-7) وصححه ، وأخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان (46)، وابن ماجة في السنن (1079) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهو عن بُريدة - رضي الله عنه - ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (564).
(4) رواه الترمذي، والحاكم (1/1) عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة به، وقال الألباني: صحيح موقوف، الترغيب (565)، وحكم تارك الصلاة.(1/236)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل قال: من عاد لي ولياً آذنته بالحرب".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه".(2)
وقالت عائشة رضي الله عنها: "أُمِروا بالاستغفار لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فسبوهم".(3)
الرياء وهو من النفاق
قال الله تعالى: { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) } . سورة النساء .
وقال الله تعالى: { كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ } .سورة البقرة (264).
__________
(1) رواه البخاري في الرقاق رقم (6502).
(2) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (3673)،ومسلم في فضائل الصحابة برقم(2541).
(3) رواه مسلم في التفسير برقم (3022) عن هشام عن أبيه عن عائشة.(1/237)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول الناس يُقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمته فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت ليقال جرئ فقد قيل ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه الله نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمة فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت لك قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار".(1)
جريء: هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد أي: شجاع.
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ به ومن يُرائي يُرائي الله به".(2)
قوله: "سمع" معناه: من أظهر عمله للناس رياءً أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأشهاد.
__________
(1) رواه مسلم في الإمارة رقم(1905)والترمذي في الزهد رقم(2383)والنسائي في الجهاد(6/23و24)
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6499)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (3986).(1/238)
وعن معاذ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اليسير من الرياء شرك".(1)
فصل
في الكبر
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بينما رجل يتبختر في برديه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".(3)
وقال عليه الصلاة والسلام: "يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس".(4)
وقال بعض السلف: أول ذنب عصي الله به الكبر قال الله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) } . سورة البقرة الآية (34).
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكبر سفه الحق وغمص الناس".
وفي لفظ: "الكبر بطر الحق وغمط الناس".(5)
__________
(1) أخرجه ابن ماجة برقم (3989) مطولاً وابن أبي الدنيا،والحاكم في المستدرك(4/328 و 3/270) ،وأبو نعيم في حلية الأولياء(2/5) ، والطبراني فيالصغير(2/123) رقم (892 مع الروض الداني)وقال: لم يروه عن زبيد إلا الفياض ولا عنه إلا طلحة تفرد به إسحاق بن سليمان. وأخرجه من طريق صحيح الحاكم في المستدرك (1/4) وعنه البيهقي في الأسماء والصفات (ص 499-500) وصححه الحاكم .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (142 و 148 و 149) وأحمد في المسند (1/385 و 427) والحاكم في المستدرك (4/182).
(3) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5790)، ومسلم في كتاب اللباس برقم(2088).
(4) أخرجه أحمد في المسند(2/179)،والترمذي في الجامع رقم(2492)وقال:هذا حديث حسن صحيح.
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان (1/93) رقم (91).(1/239)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تعالى: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار".(1) المنازعة: المجاذبة.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اختصمت الجنة والنار إلى ربها فقالت الجنة: يا رب مالي يدخلني ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار أوثرت بالجبارين والمتكبرين".(2)
قال الله تعالى: { تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) } . سورة القصص .
ومر عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - وعلى رأسه حزمة خطب فقيل له: ما يحملك على هذا وقد أغناك الله عز وجل؟ الله أردت أن أدفع به الكبر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال ذرة من كبر".(3)
إفطار رمضان بلا عذر ولا حاجة
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } . البقرة (183-184).
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان
كفارات لما بينهم ما اجتنبت الكبائر".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - :"رغم أنف امرئٍ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له".(5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2620)، ورواه أبو داود في كتاباللباس برقم (4090),
(2) رواه البخاري في التفسير برقم (4850)، ومسلم في كتاب الجنة برقم (2846).
(3) أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (233).
(5) أخرجه الترمذي في الدعوات برقم (3545) والحاكم في المستدرك (1/549)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".(1/240)
قال الذهبي رحمه الله تعالى: وعند المؤمنين أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عذر أنه شر من المكاس والزاني بل يشكون إسلامه ويظنون به الزندقة والإنحلال.
ترك الحج مع القدرة عليه
قال الله تبارك وتعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) } . آل عمران (97).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان".(1)
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : من ملك زاداً أو راحلة تبلغه حج بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً.(2)
وكان سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله عز وجل: إن عبداً صححت له جسمه، ووسَّعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يَفُد إليَّ لمحروم".(3)
اكتساب الحرام وأكله ولُبسِه ونحو ذلك
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم } وقال: { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب! يا رب! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك".(4)
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه الترمذي والبيهقي.
(3) رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي وقال الألباني: صحيح لغيره، الترغيب(1166).
(4) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1015).(1/241)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ المال أمِن الحلال أم من الحرام".(1)
الغش
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على صُبرة طعامٍ، فأدخل يدهُ فيها، فنالَت أصابِعُه بَلَلاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطَّعام؟!"
قال: أصابتْهُ السماء يا رسول الله! قال: "أفلا جَعَلْتَهُ فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منّا".(2)
وفي لفظ لمسلم: "من غش فليس مني".
ولفظ ابن ماجة: "ليس منا من غش".
وفي هذين اللفظين عموم سواء كان المسلمين أم الكفار فلا يجوز الغش بأي نوع من أنواعه لأنك تعامل الناس بدينك وعقيدتك وأخلاقك التي يتحلى بها كل مسلم المستمدَّ من الكتاب والسنة.
وفي رواية لأبي داود ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ برجلٍ يبيع طعاماً فسأله، كيف تبيعُ! فأخبرَه، فأوحي الله إليه: أن أدخل يدك فيه، فإذا هو مَبْلول! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من غشَّ".(3)
إنفاق السلعة بالحلف الكاذب
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدق البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحاً ويمحقا بركة بيعهما اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب".(4)
منفقة : بفتح الميم والفاء بينهما نون، وهو الرواج ضد الكساد، محقه من المحق وهو النقص والإبطال.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2059).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (102)، وابن ماجة والترمذي.
(3) صحيح الترغيب (2/334).
(4) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2114)، ومسلم في كتاب البيوع برقم (1532).(1/242)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات فقلت: خابوا وخسروا ومن هم يا رسول الله. قال: "المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".(1)
الغناء والموسيقى
قال الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) } (2) .
وقال تعالى: { وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) } (3).
لهو الحديث: فسره ابن عباس بأنه الغناء، وكذلك ابن مسعود حيث قال: والذي لا إله إلا هو لهو الغناء.
والمكاء والتصدية: هو التصفيق والصفير.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة"(4).
وصح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الربيع البقل".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير
والخمر والمعازف"(5).
الحِرَ: هو الفرج والزنا به. المعازف: اسم لآلات اللهو والطرب .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام"(6).الكوبة:هو الطبل الصغير وهو آلة من آلات الطرب.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (106).
(2) سورة لقمان .
(3) سورة الأنفال .
(4) رواه الترمذي وإسناده حسن، صحيح الجامع رقم (5194) .
(5) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم .
(6) رواه أحمد في مسنده وأبو داود عن عبد الله بن عمر،صحيح الجامع برقم(1747)و(1748).(1/243)
وقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء" فذكر منها: "إذا اتخذت القينات والمعازف"(1).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الجرس مزمار الشيطان"(2) .
وقال أبو سعيد الخدري: بينما كنا نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عرض شاعر نشيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان، لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً"(3).
وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى معلم أولاده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن فقد بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء.
قطع الرحم
قال الله تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) } (4)
وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل الجنة قاطع". قال سفيان: يعني قاطع رحم. (5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائد بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى. قال: فذاك لكِ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقرأوا
__________
(1) رواه الترمذي عن علي - رضي الله عنه - ، ضعيف الجامع برقم (608).
(2) رواه مسلم .
(3) رواه مسلم .
(4) سورة محمد الآية (22-23).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5984)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة برقم (2556).(1/244)
إن شئتم: "فهل عسيتم أن توليتم إن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسا له في اثره فليصل رحمه".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله".(3)
وفي لفظ: "قال الله عز وجل: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته".(4)
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن عز وجل، فمن قطعها حرم الله عليه الجنة".(5)
فصل
في أن عقوق الوالدين من أسباب دخول النار
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7502) وفي كتاب التفسير برقم (8/575 - 580 فتح)، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2554).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5986) وفي كتاب البيوع برقم (4/306)، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2556).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5988)، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2555)
(4) رواه أبو داود في كتاب الزكاة برقم (1694) ورواه الترمذي في أبواب البر والصلة برقم (1908) ، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2528).
(5) رواه أحمد والبزار، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2532).(1/245)
قال الله تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) } .(1)
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) } .(2)
العقوق مأخوذ من العق وهو القطع، ومنه سميت العقيقة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع لأنها تعق: يعني تقطع رقبتها عند الذبح.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس".(3)
واليمين الغموس التي يحلفها كاذباً عامداً سميت غموساً لأنها تغمس الحالف في الإثم.
وعنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من الكبائر شتم الرجل والديه!" قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: "نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".(4)
وفي رواية: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه!" قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".(5)
__________
(1) سورة الإسراء .
(2) سورة الرعد الآية .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان والنذور برقم (6675).
(4) أخرجه البخاري، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (90) وهذا لفظه.
(5) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5973).(1/246)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد".(1)
وعن أبي محمد جبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة قاطع". قال سفيان في روايته: يعني قاطع رحم. (2)
وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال".(3)
منعاً: معناه: منع ما وجب عليه
و وهات: طلب ما ليس له. و وأد البنات معناه: دفنهن في الحياة .
و قيل وقال: معناه: الحديث بكل ما يسمعه فيقول: قيل كذا وقال فلان كذا مما لا يعلم صحته ولا يظنها وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع.
و إضاعة المال: تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا وترك حفظه مع إمكان الحفظ.وكثرة السؤال:الإلحاح فيما لا حاجة إليه.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟..." فذكر منها عقوق الوالدين. (4)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أهله".(5)
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (1900) والعلل الكبير (340) وابن حبان (429 الإحسان) والبخاري في الأدب المفرد برقم (2) والبغوي في شرح السنة برقم (3424) ومعالم التنزيل (3/490) والخطيب في جامع أخلاق الراوي (2/230) وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/215)، السلسلة الصحيحة (516).
(2) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5984)، ومسلم في البر والصلة برقم (2556).
(3) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5975) وفي كتاب الاستقراض برقم (2408).
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.(1/247)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر".(1)
وعن عمرو بن مرة الجهني - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله! أرأيت إن صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وأديت الزكاة وحججت البيت فماذا لي، قال: "من فعل ذلك كان مع النبيين والصديقيين والشهداء إلا أن يعق والديه".(2)
وعن أبي بكر: "كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".(4)
قال النووي رحمه الله تعالى:من استحل قطيعة الرحم بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهو كافر مخلد في النار، ومن لم يستحل قطيعتها فإنه لا يدخل الجنة في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريد الله سبحانه وتعالى.
فصل
في حرمة أذية الجار
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الأشربة (8/318) وأحمد في المسند (3/314) وصححه الحاكم كما في فتح الباري (10/405).
(2) رواه ابن حبان (5/184) رقم (3429 مع الإحسان) والخطيب في جامع أخلاق الراوي (2/207) وأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/333).
(3) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (67) وأخرجه وكيع في الزهد رقم (243) و(429). وهناد في الزهد رقم (1398) وأحمد في المسند (5/36) وابن المبارك في الزهد (252) والطيالسي (2/58 مع منحة المعبود) وأبو داود رقم (4902) والترمذي (2513) وابن ماجة (4211)، وابن حبان رقم (455)و(456) مع الإحسان والحاكم في المستدرك (2/356) و (4/162-163) والبغوي في شرح السنة (13/26) وقال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح الاسناد.
(4) رواه البخاري.(1/248)
قال الله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) } . سورة النساء .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه".(1)
وفي رواية: "لا يدخل الجنة من لايؤمن جاره بوائقه".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت".(3)
وفي رواية لمسلم: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره".
فصل
في التحذير من البخل والإدخار شحاً
قال الله تعالى: { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) } .(4)
وقال تعالى: { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) } .(5)
البخل: هو منع ما يجب وما ينبغي بذله.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (46).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6018)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (47).
(4) سورة محمد .
(5) سورة الحشر الآية .(1/249)
والشح: هو الطمع فيما ليس عنده وهو أشد من البخل لأن الشحيح يطمع فيما عند الناس ويمنع ما عنده والبخيل يمنع ما عنده مما أوجب عليه من زكاة ونفقات ومما ينبغي بذله فيما تقتضيه المروءة.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".(2)
وعن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه، فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه، إلا أخرج الله له من جهنم حيةً يقال لها: (شجاع) يتلمظ، فيطوّق به".(3)
التلمظ: تطعّم ما يبقى في الفم من آثار الطعام.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما رجل أتاه ابن عمه يسأله من فضله، فمنعه، منعه الله فضله يوم القيامة، ومن منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ، منعه الله فضله يوم القيامة".(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وأي داء أدوى من البخل".(5)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (996) وأحمد في المسند (2/160 و 193 - 195) ، والحاكم في المستدرك (1/415) و (4/500) والبيهقي في السنن الكرى (7/467).
(2) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2578).
(3) رواه الطبراني في الأوسط، و الكبير، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (896).
(4) أخرجه أحمد، والطبراني في الصغير و الأوسط، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (897)، الروض النضير (581).
(5) رواه البخاري في كتاب فرض الخمس برقم (3137) وفي كتاب المغازي برقم(4383).(1/250)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث مهلكات شح مطاع وهو متبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه".(1)
الظلم وأخذ أموال الناس بالباطل ودعاء المظلوم
قال الله تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) } . البقرة (188).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من اقتطع حق امرئٍ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار" قيل: يا رسول الله أو إن كان شيئاً يسيراً؟ قال:"وإن كان قضيباً من أراك"(2).
شهادة الزور
قال الله تعالى: { والذين لا يشهدون الزور } . الفرقان (72).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: عَدَلَتْ شهادةٌ الزور الشركَ بالله، قرأ: { واجتنبوا قول الزور } (3).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر فقال: "الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس" وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور" أو قال: "شهادة الزور"(4). الزور: الكذب والباطل والتُهمة. النهاية (2/318)
شرب الخمر
__________
(1) أخرجه البزار (80-83 مع كشف الأستار) والطبراني في الأوسط (1/91) كما في مجمع الزوائد، الترغيب والترهيب (1/286) والديلمي الفردوس (2475) والعقيلي في الضعفاء الكبير (3/447)، صحيح الترغيب (2607).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (137).
(3) رواه الطبراني في الكبير موقوفاً على ابن مسعود. وقال الألباني: حسن موقوف، صحيح الترغيب رقم (2301).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5977) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (88).(1/251)
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) } . سورة المائدة .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرقُ السارقُ حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ".(1) وزاد مسلم في رواية: "ولكن التوبة معروضةٌ بعدُ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أتاني جبريلُ فقال: يا محمد إن الله لعن الخمرَ، وعاصرها، ومعصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكل مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمرَ في الدنيا، فمات وهو يُدمنُها، لم يشربها في الآخرة".(3)
وفي رواية للبيهقي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شرب الخمرَ في الدنيا ولم يتُب، لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة".(4)
وفي رواية لمسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتُب منها، حُرمها في الآخرة".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3475)، ومسلم في كتاب الحدود برقم (1688).
(2) رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2360).
(3) رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5575)، ومسلم في كتاب الأشربة برقم (2203).
(4) صحيح الترغيب (2/599).(1/252)
وعن ابي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة مُدمنُ خمرٍ، ولا مؤمنُ بسحرٍ ولا قطاع رحمٍ".(1)
الزنا وبعضه أكبر إثما من بعض
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) } .(2)
وقال تعالى: { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) } .(3)
وقال تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ×pxےح !$sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) } . سورة النور .
وقال تعالى: { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) } . سورة النور .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".(4)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سورة الفرقان.
(3) سورة الإسراء.
(4) رواه البخاري في كتاب الديات برقم (6876)،ومسلم في كتاب القسامة برقم(1676).(1/253)
وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تفتح أبوابُ السماء نصف الليل، فينادي منادٍ: هل من داعٍ فيُستجاب له؟ هل من سائل فيعطى؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ، إلا استجاب الله عزَّ وجل له، إلا زانيةً تسعى بفرجها أو عشّارا".(1)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرضٍ مقدسةٍ" فذكر الحديث إلى أن قال: "فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاهُ ضيق، وأسفله واسع، يتوقد تحته نارٌ، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجالٌ ونساءٌ عراة".
اللواط وإيتان البهيمة والمرأة في دبرها
سواء كانت زوجته أو غيرها
قال الله تعالى: { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) } .(2)
واللواط أفحش وأقبح من الزنا.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوطٍ، فاقتلوا الفاعل والمفعول له".(3)
__________
(1) رواه أحمد، والطبراني واللف له، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(2391).
(2) سورة الشعراء .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الحدود برقم (4462) والترمذي في أبواب الحدود برقم (1456)، و العلل الكبير (251)، وابن ماجة في كتاب الحدود رقم (4462) والدارقطني في السنن (3/124) وأحمد في المسند (820) وابن الجارود في المنتقى (820) والحاكم في المستدرك (4/355) والبيهقي في السنن الكبرى (8/232) ، إرواء الغليل (8/16-18)، وصحيح الترغيب (2422).(1/254)
وقال - صلى الله عليه وسلم - :"لعن الله من عمل عمل قوم لوط -قالها ثلاثاً- في عمل قوم لوطٍ".(1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكراً أو امرأة في دبرها".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى النساء في أعجازهن فقد كفر".
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدَّقه، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".
وفي رواية: "فقد برئ مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".(3)
ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب
عن أنس - رضي الله عنه - قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات. (4) الموبقات: المهلكات.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يُهلكنه".
وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهن مثلا: "كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيءُ بالعود، والرجل يجيءُ بالعود، حتى جمعوا سواداً، وأججوا ناراً، وانضجوا ما قذفوا فيها".(5)
صنيع القوم : أي طعامهم. وسواداً : أي شخصاً يبين من بعد.
__________
(1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى كتاب الرجم (5/159)، والترمذي في جامعه (4/58) ، صحيح الترغيب (5421)، والسلسلة الصحيحة (3462).
(2) رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه،وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(2424).
(3) صحيح الترغيب (2/626).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6492).
(5) صحيح الترغيب رقم (2470).(1/255)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب، كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ، حتى جملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب، متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا عائشة! إياك ومحقِّرات الذنوب، فإنّ لها من الله طالباً".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو أن يُؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئاً"، قال وأشار بالسبابة والتي تليها.
وفي رواية: "لو يُؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان -يعني الإبهام والتي تليها- لعذبنا، ثم لم يظلمنا شيئاً".(3)
وعن أبي الأحوص قال: قرأ ابن مسعود: "ولو يؤاخذُ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم" الآية، فقال: كاد الجُعل يعذَّب في جحره بذنب ابن آدم".(4)
الجُعل: بضم الجيم وفتح العين: دُويبة تكاد تشبه الخنفساء تدحرج الروث.
التحذير من السرقة
قال الله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) } .(5)
وعن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) صحيح الترغيب رقم (2471).
(2) صحيح الترغيب (2472).
(3) صحيح الترغيب (2475).
(4) صحيح الترغيب (2477).
(5) سورة المائدة .(1/256)
فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أتشفع في حدٍّ من حدود الله!" ثم قام فخطب فقال: "يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".(1)
قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فقال: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".(2)
النميمة
قال الله تعالى: { وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) } .(3)
النميمة: نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة نمام" وفي رواية: "قتات".(4) القتات و النمام بمعنى واحد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله".(5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تجد من شرار الناس ذا الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجه".(6)
وفي لفظ: "تجد شرار الناس ذا الوجهين".
وعن كعب قال: اتقوا النميمة فإن صاحبها لا يستريح من عذاب القبر.
الغيبة والبهت
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد.
(2) متفق عليه.
(3) سورة نون .
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6056)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (105).
(5) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (216)، ورواه مسلم في كتاب االطهارة برقم (292).
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6058)، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2526).(1/257)
قال الله تعالى: { وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } . سورة الحجرات الآية (12).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغيبة ذكر أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن ما تقول فقد بهته".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : حسبك من صفية كذا وكذا يعني أنها قصيرة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". -يعني لأفسدته وأنتنته. قالت:وحكيت له أسناناً فقال:"ما أحب أني حكيت إنساناً،وأن لي كذا وكذا".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. (3)
يخمشون: أي يجرحون.
الحسد
قال الله تعالى: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (54) } (4)
وقال تعالى: { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) } .(5)
الحسد: هو أن يتمنى الحاسد زوال النعمة عن أخيه شفاء لحقد نفسه وغيظ قلبه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2589)، وأبو داود والترمذي والنسائي.
(2) أخرجه الترمذي وأبو داود والبيهقي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2834).
(3) أخرجه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2839).
(4) سورة النساء .
(5) سورة النساء .(1/258)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه".(2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس افضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان".
قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟
قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد".(3)
وعن ابن الزبير - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء هي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".(4)
الكذب
قال الله تعالى: { إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } .(5)
وقال الله تعالى: { قتل الخراصون } . الذاريات الآية (10).
الخراصون: الكذابون.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا".(6)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان".(7)
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه ابن ماجة، والبيهقي وغيره، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(2889).
(4) سبق تخريجه.
(5) سورة غافر الآية (28).
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6094)، ومسلم في كتاب البر برقم (2606 و 2607).
(7) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (23)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (59).(1/259)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصل من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر".(1)
السحر والكهانة والعرافة
قال الله تعالى: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } .(2)
فالسحر كفر والساحر لا بد أن يكفر وحد الساحر القتل لأنه كفر بالله تعالى وكسبه حرام .
وأما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم إذا ادَّعيا علم الغيب ولا يعلم علم الغيب إلا الله تعالى.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".(3)
وأما الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب لا يكفر ولكن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً عقوبة له على ما فعل .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً".(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (34)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (58).
(2) سورة البقرة الآية (102).
(3) رواه الإمام أحمد (2/429)، صحيح الجامع (5939).
(4) رواه مسلم في صحيحه برقم (1715).
(5) أخرجه النسائي في كتاب الأشربة (8/318) وأحمد في المسند (3/314) وصححه الحاكم كما في فتح الباري (10/405).(1/260)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "حد الساحر ضربه بالسيف".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات..." (2) وقد تقدم.
وقال بجالة بن عبدة: أتانا كتاب عمر - رضي الله عنه - قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة.(3)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر".(4)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: "الرقا والتمائم والتولة شرك".(5)
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تكهن له، أو سحر أو سُحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".(6)
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (1460)، والدراقطني (3/114) ، وعبد الرزاق في المصنف(10/184) ، والحاكم في المستدرك (4/360) والطبراني في الكبير (2/172) رقم (1665). ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم (241) .
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أحمد في المسند (1/190 و 191) وابو داود (3403) وابن حزم في المحلى(1/397)، وعبد الرزاق في المصنف (10/179 و 10و181)وأبو عبيد في الأموال(ص35).
(4) أخرجه أحمد في المسند (4/399) والحاكم في المستدرك (4/146) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. صحيح الترغيب (3050).
(5) أخرجه أبو داود في الطب برقم (3883) وابن ماجة (3530) في الطب وأحمد في المسند (1/381) ، والبغوي في شرح السنة (12/156-157) وابن حبان برقم (1412) والطبراني في الكبير (10503) ، والحاكم في المستدرك (4/217) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(6) رواه البزار صحيح الترغيب برقم (3041).(1/261)
وعن صفية بنت ابي عبيد عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة اربعين يوما".(1)
أكل مال اليتيم
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) } .(2)
وقال تعالى : { وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) } . (3)
وتقدم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :"اجتنبوا السبع الموبقات"وذكر منها أكل مال اليتيم. (4)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعراج: "فإذا أنا برجال وقد وكل بهم رجال يفكون لحاهم وآخرون يجيشون الصخور من النار فيقذفونها بأفواههم وتخرج من أدبارهم فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً". رواه مسلم .
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا أبا ذر! إني أراك ضعيفا، وإني أحبّ لك ما أحب لنفسي، لا تأمّرن على اثنين، ولا تولين مال اليتيم".(5)
تعليق التمائم والحروز
عن عقبة بن عامر: انه جاء ركب عشرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايع تسعة، وأمسك عن رجل منهم، فقالوا: ما شأنه؟ فقال: "إن في عضده تميمة"، فقطع الرجل التميمة، فبايعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "من علّق فقد أشرك".(6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2230).
(2) سورة النساء .
(3) سورة النساء .
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1826).
(6) صحيح الترغيب (3455).(1/262)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أنه دخل على امرأته وفي عنقها شيء معقود، فجذبه فقطّعه، ثم قال: لقد أصبح آل عبد الله أغنياء أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ثم قال: سمعت رسول لله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الرقي والتمائم والتولة شرك". قالوا: يا أبا عبد الرحمن! هذه الرقي والتمائم قد عرفناهما، فما التولة؟ قال: شيءٌ تصنعه النساء يتحبّبن إلى أزواجهن".(1)
التولة: بكسر المثناة فوق وبفتح الواو: شيء شبيه بالسحر أو من أنواعه، تفعله المرأة ليحبِّبها إلى زوجها.
وعن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: دخلت على عبد الله بن حكيم أبي معبد الجهني نعوده وبه حمرةٌ، فقلت: ألا تعلِّق شيئا؟ فقال: الموت أقرب من ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تعلَّق شيئا وكل إليه".
ورواه الترمذي إلا أنه قال:فقلنا: ألا تعلّق شيئا؟فقال: الموت أقرب من ذلك. (2)
قال الخطابي: التميمة يقال:إنها خرزة كانوا يعلقونها،يرون أنها ترفع عنهم الآفات، واعتقاد هذا الرأي جهل وضلالة، إذ لا مانع إلا الله، ولا دافع غيره. أ.هـ(3)
النياحة واللطم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اثنتان هما بالناس كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت".(4)
وقال - رضي الله عنه - : "النائحة إذا لم تتب أُلبست درعاً من جرب وسربالا من قطران يوم القيامة".(5)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".(6)
__________
(1) صحيح الترغيب (3457).
(2) صحيح الترغيب (3456).
(3) صحيح الترغيب (3/348).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (67).
(5) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (974).
(6) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1297) ورواه مسلم في كتاب الإيمانبرقم(103).(1/263)
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال:قال - صلى الله عليه وسلم - :"إن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه".(1)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نيح
عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة".(2)
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تعدد عليه فتقول: واكذا واكذا، فقال حين افاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذا أنت كذا".(3)
وزاد البخاري: "فلما مات لم تبك عليه" أي بعد هذه القصة، فإنه مات شهيداً في غزوة مؤتة كما هو معروف في كتب الحديث والسيرة. قاله الألباني
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه، واسيداه! أو نحو ذلك، إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا أنت؟!".(4) اللهز: هو الدفع بجمع اليد في الصدر.
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي، إذا قالت: واعضداه! وامانعاه، واناصراه، واكاسياه، جبذ الميت فقيل: أنا حِرها أنت؟! أكاسيها أنت؟!".(5)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم(1292)،ورواه مسلم في كتاب الجنائزبرقم(927).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1291)، ومسلم في كتاب الجنائز برقم(933).
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4267).
(4) رواه ابن ماجة، والترمذي،وقال: حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3522).
(5) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وحسنه لألباني في صحيح الترغيب برقم(3523).(1/264)
وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة من الكفر بالله، شقً الجيب، والنياحة، والطعن في النسب".(2)
وفي رواية لابن حبان: "ثلاثة هي الكفر".
وفي أخرى: "ثلاث من عمل الجاهلية لا يتركهن أهل الأسلم" فذكر الحديث
الجيب: هو الخرق الذي يخرج الإنسان منه رأسه في القميص ونحوه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة رن إبليس رنةً اجتمعت إليه جنوده. فقال: أيأسوا بأن تردوا أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم، وافشوا فيهم النوح. (3)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة".(4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "النياحة من أمر الجاهلية، وإن النائحة إذا ماتت ولم تتب قطّع الله لها ثيابا من قطران، ودرعاً من لهب النار".(5)
(القطران) بتفح القاف وكسر الطاء، قال ابن عباس: "هو النحاس المذاب"
وقال الحسن: "هو قطران الإبل" وقيل غير ذلك.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (934).
(2) رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(3525).
(3) رواه الطبراني في الكبير، وأبو يعلى في المسند الكبير، والضياء في المختارة، وحسنه الألباني في الترغيب (3526)، والصحيحة برقم (3417).
(4) رواه البزار،وقال المنذر في الترغيب: رواته ثقات، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3527).
(5) رواه ابن ماجة، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب (3/382).(1/265)
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ولما مات أبو سلمة قلت: غريب وفي أرضه غربة، لأبكيّنه بكاءً يتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة تريد أن تساعدني، فاستقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه؟". فكففت عن البكاء، فلم أبك. (1)
تساعدني: أي في البكاء والنوح، قولها (غريب في أرض غربة) لأنه من أهل مكة ومات بالمدينة.
وعن أسيد بن أبي أسيد التابعي ، عن امرأة من المبايعات قالت: "كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا، أن لا نخمش وجها، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، ولا ننشر شعراً".(2)
وعن أبي أمامة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها،
والداعية بالويل والثبور".(3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلُ زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف فيه الحزن، قالت: وأنا أطلع من شق الباب فأتاه رجل فقال: أي رسول الله! إن نساء جعفر - وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن، فذهب الرجل ثم أتى فقال: والله لقد غلبنني أو غلبننا.فزعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاحثِ في أفواههن التراب". فقلت: أرغم الله أنفك، فوالله ما أنت بفاعل ولا تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العَنا. (4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (922).
(2) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3535).
(3) رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني، صحيح الترغيب(3536).
(4) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1305)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (935).(1/266)
قال النووي: مرادها أن الرجل قاصر عن القيام بما أمر به من الإنكار والتأديب، ومع ذلك لم يفصح بعجزه عن ذلك ليرسل غيره فيستريح من التعب. أ.هـ.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - ، أنه قال: إذ حُضِر: إذا أنا مت فلا يؤذن علي أحد، إني أخاف أن يكون نعياً وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي. (1)
ورواه ابن ماجة إلا أنه قال: كان حذيفة إذا مات له الميت قال: لا تؤذنوا به أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذني هاتين ينهى عن النَّعي. (2)
وعن أبي بردة قال: وجِعَ أبو موسى الأشعري - صلى الله عليه وسلم - ورأسه في حجر امرأة من أهله، فأقبلت تصيح برنة، فلم يستطيع أن يردّ عليها شيئا، فلما أفاق قال:
أنا بريء ممن برئ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة".(3)
الصالقة: التي ترفع صوتها بالندب والنياحة.
الحالقة: التي تحلق رأسها عند المصيبة.
الشاقة: التي تشق ثوبها.
و الرنة: هي صوت مع البكاء فيه ترجع كالقلقلة واللقلقة، والقلقلة: الصوت الشديد. واللقلقة: الصياح والجلبة عن الموت. شرح النووي (2/111)
ورواه النسائي إلا أنه قال: أبرأ إليكم كما برئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من حلق، ولا فرق، ولا صلق".(4)
احداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث
__________
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3531)،وأحكام الجنائز(ص 44).
(2) صحيح الترغيب: (3/383).
(3) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1296)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (104).
(4) صحيح الترغيب (3/384).(1/267)
عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجةً، غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشرا".
قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمسّت منه ثم قالت، أما والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا".(1)
الخلوق: طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب.
بعارضيها: عارضا الإنسان: صفحتا خدّيه، "النهاية" (3/212)
والإحداد والحداد في اللغة مشتق من الحد، وهو المنع، لأنها تمنع الزينة والطيب، وفي الشرع: ترك الطيب والزينة. شرح النووي (10/111)
__________
(1) رواه البخاري في الطلاق برقم (5334، 5335)، ورواه مسلم في الطلاق برقم (1486، 1487).(1/268)
وأخيراً وبعد أن تعرفنا على الجنة وما فيها، ومهما كتبنا وتكلمنا لا نستطيع وصفها على حقيقتها التي خلقها الله عليها لأن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لكن حسبنا أن نبذل قصارى جهدنا لكي نوصل المعلومة إلى أخوتنا من باب التعاون على البر والتقوى، والدال على الخير كفاعله. فعليك أخي الحبيب، كما عليك أختي الفاضلة أن تقدموا لأنفسكم خيراً وأن تتزودوا لهذه الأوقات { وَتَزَوَّدُوا فَإِن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) } سورة البقرة، والعاقل الكيس الفطن هو من عمل كل ما يقربه إلى الله ، وإلى جنات النعيم، ويكثر من الخيرات وفعل الطاعات ، وعلينا أخوتي في الله أن نعلم أن هذه الدنيا فانية زائلة مصيرها إلى انقضاء ، فلا بد أن لا نحرص عليها وأن نجعل الجنة في قلوبنا ولا تتعدى الدنيا أيدينا لأن ما عند الله هو خير وأبقى، وهي دار البقاء، قال الله تعالى: { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) } . سورة الكهف .
فَاجْمَعْ قُوَاكَ لِمَا هُنَاكَ وَغَمِّضْ الـ ـعَيْنَيْنِ وَاصْبِرْ سَاعَةً لِزَمَانِ
مَا هَهُنَا وَاللَّهِ مَا يَسْوِي قُلا مَةَ ظُفْرِ وَاحِدَةٍ تُرَى بِجِنَانِ(1/269)
هذا وقد حث الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين على التسابق إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدّها لعباده المتقين.فقال تعالى: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) } سورة الحديد .ودعاهم للمسارعة إلى مغفرته وإلى جنات النعيم. فقال تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) } . سورة آل عمران . والجنة لا تحصل عليها بالتكاسل عن العمل والنوم عنها بل بالمثابرة والعمل ويبذل ما في وسعه للحصول عليها لأنها غالية .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" .(1)
يَا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ لَسْتِ رَخِيصَةً بَلْ أنْتِ غَالِيَةٌ عَلَى الكَسْلانِ
يَا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ لَيْسَ يَنَالُهَا فِي الألفِ إلا وَاحِدٌ لا اثْنَانِ
يَا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ مَاذَا كُفْؤهَا إلا أولُو التَّقْوَى مَعَ الإيمَانِ
فاحرصوا أخوتي على صالح الأعمال وادخروا من الحسنات ما ينفعكم في أُخراكم ، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن .
واصحوا من غفلتكم واستيقظوا من رقدتكم وجدوا في العمل واستعدوا للرحيل عسى أن تدخلوا جنة ربكم .
يَا غَافِلاً عَمَّا خُلِقْتَ لَهُ انْتَبِهْ جَدَّ الرَّحِيلُ فَلَسْتَ بِاليَقْظَانِ
__________
(1) رواه الترمذي برقم (2450) ، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه ألا من حديث أبي النضر ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6222) ، والسلسلة الصحيحة برقم (2335) .(1/270)
سَارَ الرِّفَاقُ وَخَلَّفُوكَ مَعَ الألَى قَنَعُوا بِذَا الحَظِّ الخَسِيسِ الفَانِي
اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول أو عمل إنك سميع قريب مجيب الدعاء يارب العالمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. .
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وكتب
ماجد بن خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي
مصادر الكتاب
1- القرآن الكريم .
2- موطأ الإمام مالك .
3- مسند الإمام أحمد .
4- صحيح البخاري .
5- صحيح مسلم .
6- مستدرك الحاكم .
7- سنن الدارمي .
8- مسند أبي يعلى .
9- فتح الباري .
10- شرح صحيح مسلم للنووي .
11- تفسير الطبري .
12- تفسير القرآن العظيم لابن كثير .
13- تفسير القرطبي .
14- تفسير الجلالين .
15- أحكام القرآن .
16- تفسير السعدي .
17- مصنف ابن أبي شيبة .
18- مصنف عبد الرزاق .
19- مجمع الزوائد للهيثمي .
20- مستدرك الحاكم .
21- عمل اليوم والليلة لابن السني .
22- شعب الإيمان للبيهقي .
23- موارد الظمآن .
24- فيض القدير .
25- سنن النسائي .
26- المعجم الكبير .
27- المعجم الأوسط .
28- المعجم الصغير .
29- الطحاوي في مشكل الآثار .
30- جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر .
31- مسند البزار .
32- الأدب المفرد للبخاري .
33- تذكرة الحفاظ .
34- مسند الحارث زوائد الهيثمي .
35- مسند الشهاب للقضاعي .
36- السنن الواردة في الفتن .
37- الترغيب والترهيب .
38- المحلى لابن حزم .
39- رياض الصالحين .
40- مسند الطيالسي .
41- مسند الشاميين .
42- الفردوس بمأثور الخطاب .
43- مجموع الفتاوى .
44- الفتاوى الكبرى .
45- الأمالي للمحاملي .
46- جامع الأصول .
47- حلية الأولياء .
48- السلسلة الصحيحة .
49- التعليقات الحسان .
50- صحيح الجامع للألباني .
51- ضعيف الترغيب .(1/271)
52- صحيح الترغيب .
53- صحيح الترمذي .
54- صحيح ابن ماجة .
55- صحيح ابن خزيمة .
56- مشكاة المصابيح .
57- الروض النضير .
58- إرواء الغليل .
59- صحيح موارد الظمآن .
60- فضل الصلاة .
61- صفة الصلاة .
62- مختصر الشمائل المحمدية للترمذي.
63- الثمر المستطاب .
64- تحفة الأحوذي .
65- حادي الأرواح .
66- القصيدة النونية .
67- الجواب الكافي
68- زاد المعاد .
69- الأمالي للمحاملي .
70- الأحاديث المختارة .
71- والبغوي في معالم التنزيل .
72- شرح السنة للبغوي .
73- الخرائطي في مكارم الأخلاق
74- التذكرة في أحوال الموتى والآخرة للقرطبي .
75- سيماهم في وجوههم .
76- الحور العين لمصطفى مراد .
77- صفة الجنة من صحيح السنة .
78- الجنة دار الأبرار والطريق الموصل إليها . أبو بكر الجزائري .
79- سباق نحو الجنان .
80- تاريخ ابن عساكر .
81- مختصر الإتقان في علوم القرآن .
82- تراجم النساء .
83- بلاغات النساء .
84- معجم البلدان .
85- لسان العرب .
86- القاموس المحيط .
87- معجم مقاييس اللغة .
88- مختار الصحاح .
89- الفائق .
90- النهاية في غريب الحديث .
91- التعاريف للمناوي .
92- معجم البلدان لياقوت الحموي .
93- معجم ما استعجم للأندلسي .
فهرس المواضيع
المادة ... الصفحة
المقدمة ..... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 5
تمهيد .............................................. ... 13
فصل وجود الجنة وخلقها ......................... ... 18
صفة الجنة ......................................... ... 23
فصل الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة مؤمنة ............. ... 28
فصل في عرض الرب سلعته الجنة على عباده ............. ... 29
فصل في النعيم والملك الكبير ........................... ... 31
فصل في أسماء الجنة .................................... ... 32
فصل في سوق الجنة .................................... ... 37
فصل في الزيادة لأهل الجنة ............................. ... 39(1/272)
فصل في ريح الجنة ..................................... ... 40
فصل في ريح الجنة من أين تهب ......................... ... 43
فصل في صفة دخول أهل الجنة الجنة ..................... ... 44
فصل في صفة أول زمرة تدخل الجنة ..................... ... 46
فصل في أن أهل الجنة ثلاث وثلاثين ..................... ... 47
فصل في ثيابهم وحللهم ................................. ... 49
فصل في سرر أهل الجنة وفرشهم وأرائكهم .............. ... 53
فصل في الخدم والغلمان ................................ ... 55
فصل في أنهار الجنة ..................................... ... 57
فصل في نهر الكوثر .................................... ... 62
فصل في عيون الجنة .................................... ... 65
فصل في خيام الجنة وغرفها، وغير ذلك .................. ... 68
فصل في بناء قصور الجنة ............................... ... 70
المؤمن أدّل بمنزله في الجنة من الذي كان في الدنيا ...... ... 72
فصل في الفردوس ..................................... ... 73
فصل في أبواب الجنة ................................... ... 75
فصل في سعة أبواب الجنة .............................. ... 79
فصل في مفتاح الجنة ................................... ... 80
فصل في أبواب الجنة متى تفتح .......................... ... 83
فصل في أن طريق الجنة واحد ........................... ... 86
فصل في أن باب الريان للصائمين ....................... ... 87
فصل فيما لأدنى لأهل الجنة فيها ........................ ... 88
فصل في أن هذه الأمة أكثر أهل الجنة ................... ... 90
فصل في درجات الجنة وغرفها ......................... ... 92
فصل في تفاضل أهل الجنة .............................. ... 95
فصل أعظم نعيم في الجنة في نظر أهل الجنة إلى ربّهم تبارك وتعالى ................................................ ... 97(1/273)
فصل في كلام الرب تبارك وتعالى ....................... ... 101
فصل في مطاعم الجنة أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك .. ... 103
فصل في أول طعام أهل الجنة ............................ ... 106
فصل في آنية أهل الجنة ................................. ... 107
فصل في خمر الجنة ..................................... ... 109
فصل في دخول الفقراء قبل الأغنياء الجنة ................. ... 110
فصل محاجة الجنة والنار وصفة أهليهما ................... ... 112
فصل في تربة الجنة ..................................... ... 114
فصل في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها .................. ... 117
فصل في أصناف أهل الجنة .............................. ... 120
فصل في أهل الجنة لاينامون ............................ ... 121
فصل في إلحاق ذرية المؤمن به في الجنة ................... ... 121
فصل في أن العبادات تُرفَعُ في الجنة إلا الذكر وهم في شغل فاكهون ............................................... ... 123
فصل في احتجاج أهل الجنة والنار ....................... ... 125
فصل فيمن يشتهي الولد في الجنة ........................ ... 126
فصل في المحاورة بين أهل الجنة .......................... ... 127
فصل في يوم المزيد ..................................... ... 130
فصل في آخِرَ أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخِرَ أهل النار خروجاً من النارِ ....................................... ... 133
فصل في دعوى أهل الجنة .............................. ... 134
فصل فيما جاء في ذبح الموت ........................... ... 135
فصل في خلود أهل الجنة ............................... ... 137
الأعمال التي تكون سباً لبناء بيت أو غرف في الجنة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 143
فصل في الغرف المبنية للذين آمنوا وعملوا الصالحات.............................................. ... 146
فصل في الغرف المبنية للمتقين ........................... ... 147(1/274)
غرف الجنة للذين آمنوا وصدقوا المرسلين ................ ... 148
15- القتال في سبيل الله في الصف الأول سبباً لدخول الغرف التي في الجنة ........................................... ... 150
فصل في أن الذهاب إلى المسجد طريق موصل إلى الجنة .. ... 152
فصل في أن بناء المساجد طريق موصل إلى الجنة .......... ... 154
رص الصفوف وسد فرجة في الصلاة سبباً لبناء بيت في الجنة .................................................. ... 159
صلاة في أن ثنتي عشرة ركعة في اليوم سبباً لبناء بيت في الجنة ... 160
فصل في أن من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة ........................................... ... 162
فصل في أن قراءة سورة الإخلاص عشر مرات بُنيَ له بيتاً في الجنة .................................................. ... 164
بيت في الجنة زعيمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ...................... ... 167
فصل في أن إطعام الطعام وإفشاء السلام وقيام الليل سبباً لبناء غرف الجنة ....................................... ... 168
فصل في أن عيادة المريض وزيارة المسلم سبباً لبناء بيت في الجنة .................................................. ... 170
الحور الحسان ...................................... ... 173
الحور العين وما جاء في حسنهن وأوصافهن وجمالهن ... 177
فصل في معنى الحور .................................... ... 178
فصل في أن نساء الجنة قاصرات الطرف و معنى مقصورات ... 180
فصل في أن نساء الجنة مطهرات ........................ ... 182
فصل فيما يستحب من جمال المرأة ...................... ... 184
فصل في الشوق إلى الحور العين ......................... ... 185
فصل في أسرة المؤمنين وعليها الحور ..................... ... 186
فصل في أن الجنة ليس فيها عجوز ....................... ... 188
فصل في أن نساء الجنة مخلوقات من الزعفران ............. ... 189(1/275)
فصل في أن نساء الجنة ذوات نواهد جميلات في سن واحد ... 190
فصل في أن نساء الجنة كالياقوت والمرجان ............... ... 191
فصل في أن المرأة من أهل الجنة لو اطلعت إلى الأرض أضاءت كل شئ ....................................... ... 194
فصل في أن نساء الجنة كلما جامعها زوجها عادت بكراً . ... 195
فصل في أن المؤمن يُعطى في الجنة قوة مائة رجل .......... ... 197
فصل في أن الحور العين يطلبن أزواجَهُنَّ أكثر مما يطلبهن أزواجهن .............................. ... 200
فصل في أن الحورية تستقبل الرجل بالمعانقة والمصافحة ... ... 201
فصل في الحورية اللعبة .................................. ... 202
فصل في غناء الحو العين ................................ ... 202
فصل في أن نساء الجنة خيرات حسان ................... ... 204
فصل في كم للمؤمن من الحور العين ..................... ... 205
فصل في أن للمؤمن خيمة له فيها أهلون ................. ... 208
الحور كما وصفهن ابن قيم الجوزية ..................... ... 208
المحدث خيثمة بن سليمان وقصته مع الحور العين .......... ... 211
قصة شاب عابد مع الحور العين ......................... ... 211
الأعمال الموصلة إلى الجنة ....................... ... 213
فصل في أن من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة ... 218
فصل طاعة الله تعالى سبب لدخول الجنة ................. ... 221
فصل في أن من أطاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الجنة ........... ... 224
فصل في أن محبة الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - طريق موصل إلى الجنة ... ... 229
فصل في أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب لدخول الجنة ...... ... 230
فصل في أن من طلب العلم دخل الجنة ................... ... 232
فصل في أن من حافظة على الوضوء وصلاة ركعتين بعده دخل الجنة ............................................ ... 235(1/276)
فصل في أن من حافظ على هؤلاء الكلمات بعد الوضوء دخل الجنة ............................................ ... 235
فصل في أن الأذان طريق موصل إلى الجنة ............... ... 236
فصل في أن من ردد مع المؤذن دخل الجنة ................ ... 237
فصل في أن من حافظ على الصلوات المفروضات دخل الجنة ................................................. ... 283
فصل في أن من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة ............ ... 242
فصل الحج المبرور من أسباب دخول الجنة ............... ... 242
فصل في أن من تابع بين الحج والعمرة دخل الجنة ......... ... 243
فصل الوقوف بعرفة من أسباب دخول الجنة .............. ... 244
فصل في أن من جاهد في سبيل الله دخل الجنة ......... ... 245
فصل في الشهادة في سبيل الله ........................ ... 247
فصل في الصيام من أسباب دخول الجنة .................. ... 254
فصل في أن من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ............. ... 255
باب ثواب صوم عرفة .................................. ... 256
باب ثواب من صام يوم عاشوراء ....................... ... 257
فصل قيام الليل والإستغفار من أسباب دخول الجنة ....... ... 258
فصل في دعاء السوق ................................ ... 259
فصل في أن إفشاء السلام طريق موصل إلى الجنة .......... ... 260
فصل في أن المصافحة سبب لغفران الذنوب ودخول الجنة ... 261
فصل في أن من أماط الأذى عن طريق الناس دخل الجنة .. ... 262
فصل في أن من فعل أربع خصالٍ في يوم دخل الجنة ....... ... 264
فصل في أن من قرأ القرآن دخل الجنة ................... ... 264
فصل في أن من سبح الله دبر كل صلاة دخل الجنة .......... ... 268
فصل في أن لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة .................................................. ... 270
فصل في غراس الجنة .................................... ... 271
فصل في أن سيد الاستغفار سبب لدخول الجنة ........... ... 272(1/277)
فصل في أن من حفظ أسماء الله تعالى دخل الجنة ......... ... 273
فصل في أن من سأل الجنة دخلها ........................ ... 273
فصل من كنَّ له ثلاث من البنات فصبر على تربيتهن دخل الجنّة ................................................. ... 275
فصل في أن من مات له ثلاثة من الولد فصبر دخل الجنة .. ... 275
فصل في أن من مات له ولد واحد دخل الجنة ............ ... 277
فصل في أن أهل الجنة ثلاث ............................ ... 279
فصل في أن كفالة اليتيم طريق موصل إلى الجنة ........... ... 279
فصل في أن تقوى الله وحسن الخلق طريق موصل إلى الجنة ... 280
فصل في أن الحب في الله طريق موصل إلى الجنة ........ ... 281
فصل في أن الصبر على البلاء طريق موصل إلى الجنة ....... ... 282
فصل في أن التبكير إلى صلاة الجمعة طريق موصل إلى الجنة ... 284
فصل في أن الصدق والأمانة في التجارة طريق موصل إلى الجنة .................................................. ... 285
فصل في أن من كظم الغيظ طريق موصل إلى الجنة ........ ... 285
فصل في أن صلة الرحم أفضل من عتق الرقاب ........... ... 286
فصل في أن خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة ... ... 287
فصل في أن زيارة أهل الخير ومجالستهم .................. ... 288
فصل في كثرة الصيام والصلاة رفع للدرجات ودخول للجنان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . ... 289
فصل ... 291
بعض المعاصي تكون سببا للإبتعاد من الجنة والتقرب من النار ويستحق صاحبها العقاب
الشرك بالله تعالى ....................................... ... 291
الذبح لغير الله تعالى .................................... ... 294
ترك الصلاة ........................................... ... 294
سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ................... ... 295
الرياء وهو من النفاق ................................... ... 296
فصل في الكبر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... 297
إفطار رمضان بلا عذر ولا حاجة ....................... ... 299(1/278)
ترك الحج مع القدرة عليه ............................... ... 299
اكتساب الحرام وأكله ولُبسِه ونحو ذلك ................. ... 300
الغش ................................................. ... 301
إنفاق السلعة بالحلف الكاذب ........................... ... 302
الغناء والموسيقى ....................................... ... 302
قطع الرحم ........................................... ... 304
فصل في أن عقوق الوالدين من أسباب دخول النار ....... ... 306
فصل في حرمة أذية الجار ............................... ... 309
فصل في التحذير من البخل والإدخار شحاً .............. ... 310
الظلم وأخذ أموال الناس بالباطل ودعاء المظلوم ........ ... 312
شهادة الزور ....................................... ... 312
شرب الخمر ........................................ ... 313
الزنا وبعضه أكبر إثما من بعض .......................... ... 314
اللواط وإيتان البهيمة والمرأة في دبرهاسواء كانت زوجته أو غيرها ................................................. ... 316
ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب .................. ... 317
التحذير من السرقة ..................................... ... 318
النميمة ................................................ ... 319
الغيبة والبهت ......................................... ... 320
الحسد ............................................... ... 321
الكذب .............................................. ... 322
السحر والكهانة والعرافة ............................... ... 323
أكل مال ايتيم ......................................... ... 325
تعليق التمائم والحروز .................................. ... 326
النياحة واللطم ........................................ ... 327
احداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث ................. ... 332
الخاتمة ....................................... ... 335(1/279)
الفهارس ... ... ................................. ... 339
مصادر الكتاب ............................... ... 341
فهرس المواضيع ............................... ... 399(1/280)