ويمكن الإشارة إلى جزء من هذه الحقائق المخيفة التي تكشف الحالة الحضارية في تقرير التنمية الإنسانية - بعيدًا عن تحفظات كبيرة حوله -، وفكرة مبادرة الشراكة الأمريكية ـ الأوسطية، وكل هذا وذاك من الأرقام والوقائع والإحصائيات يؤكد الفجوة الكبيرة بين الرصيد الحضاري الكبير و بين الحالة الحضارية الحالية.
إن الملاحظات السابقة تضع أمام الفكر الإسلامي العديد من المسؤوليات والمهام في هذه المرحلة، أبرزها:
- مجهود التعامل مع العولمة وما تستبطنه من قيم و معرفة، وبناء الخطاب الحضاري الإسلامي بما يستبطنه أيضًا من أسس ومفاهيم وقيم تميزه عن الخطاب الغربي، والتي تستند على الاعتراف بالوحي كأحد أبرز وأهم مصادر التنظير الإسلامي.
- مواجهة التفلت الفكري في الداخل سواء اتجاهات الغلو العلماني والانجراف الفكري أم جماعات الغلو الفكري والتشدد الديني، وبناء الرؤية الحضارية الإسلامية في الفقه العام للتدين، ودور الدين في الممارسة السياسية، و العلاقة بين الشعب والسلطة..إلخ.
- بناء الرؤية الاجتهادية الإسلامية في التعامل الواقعي مع المشاكل والقضايا الداخلية التي تعاني منها الشعوب العربية، ومنها: الفقر والبطالة والفساد السياسي والتخلف العلمي والأمية وفشل المشاريع التنموية وإهدار الثروات والمعضلات الاقتصادية..إلخ.
http://www.islamtoday.net المصدر: ================
الفكر الإسلامي في زمن العولمة ( 2 )
محمد سليمان أبو رمان
يأتي في إطار مهام الفكر الإسلامي اليوم تحدٍ رئيس، وهو مواجهة العولمة التي تستند إلى الحداثة الغربية وتقوم عليها، وتوظف ما وصلت إليه التقنيات البشرية خاصة ثورة الانفوميديا في هذا المجال بشكل فاعل وكبير.
ومواجهة الحداثة أو فرضية تفوق الحضارة والعلوم والقيم الغربية تتطلب قراءة معرفية عميقة للحداثة الغربية ورصد مساحات الخلل وكشف الفجوات الكبيرة في بنيتها المفاهيمية الحاكمة، وتقديم الأسس الفلسفية والفكرية للخطاب الحضاري الإسلامي في مواجهة ذلك، وبيان أدوات ومناهج التعامل مع العولمة ومعطياتها وفيضانها الكبير على العالم الذي وصل إلى درجة كما يصفها هوفمان "إن أزمة القيم الغربية تحظى حاليا بالقلق داخل بقية العالم؛ لأنّ الثقافة في وقتنا الحالي ليست ثقافة مكان بعينه، بل هي ثقافة وقت بعين".
في هذا السياق من مهام الفكر الإسلامي يأتي كتاب مراد هوفمان المفكر الألماني المسلم، الذي كتب قبل هذا الكتاب عدة كتب تبين أسباب دخوله الإسلام وتحاول تقديم الأصول الفكرية للرؤية الإسلامية التي تتجاوز التناقضات والفراغات المعرفية الكبيرة في الفلسفة والثقافة الغربية الحديثة.
وليس كتاب هوفمان ببدع من الكتب التي تقدم نقدًا للفكر الغربي المستند على معطيات الحداثة، أو تتحدث عن الآفات المترتبة على النزعة المادية والمرتبطة أيضًا بالفلسفة الفردية الليبرالية الحديثة، فهناك على سبيل المثال كتاب الفوضى لأحد أبرز المنظرين الأمريكان بريجنسكي، لكن الجديد في كتاب هوفمان أنه ينقد الخبرة المعرفية والفلسفية الغربية الحديثة في شتى العلوم والمجالات الحيوية من خلال فكره الإسلامي الذي يصدر عن فهم يصل إلى قاع النظرية المعرفية الإسلامية التي تقوم على الاعتراف بمصادر المعرفة وحدود كل منها: الوحي و العقل والحس، أو الموائمة بين العقل المؤيد والعقل المسدد - على حد تعبير الإمام محمد عبده - رحمه الله -ـ.
يحمل كتاب هوفمان عنوان"خواء الذات: العقول المستعمرة"(دار الشروق الدولية، القاهرة، 2002)، ويأخذ جزءًا من العنوان من عبارة للدكتورة نادية مصطفى - أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة - إذ تقول:"عملية الاختراق المسماة بالعولمة، لا تتعلق باختراق حدود جغرافية، ولكن بالسيطرة على العقول"، فاستعمار العقول الذي تشير إليه مصطفى من أكبر التهديدات والحروب التي تشن على المسلمين اليوم وهي حروب من نوع جديد - كما يصفها محمد حسنين هيكل في كتابه"حرب من نوع جديد"-، وبما أنها تستهدف العقل والوعي و تدفع إلى الهزيمة الفكرية والنفسية؛ فهي إذًا أخطر من الحروب العسكرية والهيمنة السياسية. وهذه الملاحظة يشير لها الخبير الأمريكي جوزيف ناي في كتابه مفارقة القوة عندما يتحدّث عن القوة الناعمة والمرتبطة بالنموذج الثقافي الاستهلاكي الأمريكي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تعميمه على العالم.
ما يريد هوفمان إذًا قوله في هذا الكتاب هو: أن الحداثة الغربية - التي تستند عليها العولمة كمضمون فكري وثقافي ومعرفي يجري تسويقه وكأنه العلم بعينه، و أنه آخر ما وصل له العقل البشري من إبداع، وأنه الإنتاج المعرفي والثقافي الذي يحقق الخير والسعادة للإنسانية -، أنها - أي الحداثة - مليئة بالثغرات والتناقضات، وقد وصلت إلى أزمة حقيقية اليوم أنتجت ما يسمى بمدرسة"ما بعد الحداثة".
وبالتالي على العقل المسلم أن يتحرر من التبعية الخطيرة للفكر الغربي، وأن يشق طريقه في المعرفة والعلم والتفكير انطلاقًا من الرؤية الإسلامية الناصعة التي تنظر إلى الكون والوجود والحياة بشكل شمولي متكامل ولا تختزل أي جزء لحساب الآخر، كما هو الحال في الفكر الغربي والذي يختزل الحياة في بعدها الفيزيقي المادي المحسوس، الأمر الذي يصيب الإنسان باضطراب شديد في مسيرته الحديثة، كما يوضح ذلك كتاب هوفمان وكما يشرح الأمر بشكل مفصل للغاية محمد مزريان في كتابه القيم"البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية".
وإذا كان كتاب هوفمان يتآلف بشكل رئيس من ثلاثة أجزاء، فإن الجزء المهم و المساهمة الفكرية الرئيسة في الكتاب هو ما يرتبط بنقد الحداثة الغربية، ويدل على هذه الملاحظة أيضًا تقسيم صفحات الكتاب؛ إذ يشمل الجزء المتعلق بنقد الحداثة تقريبا 60 صفحة من صفحات الكتاب البالغة 111 صفحة، بينما يقع الجزء الأول المرتبط بالشيوعية في 15 صفحة تقريبًا، أما الجزء الثالث حول الرؤية الإسلامية فيقع في 25 صفحة.
زيف الحداثة:
يتتبع هوفمان المادية العلمية التي صبغت البحث العلمي في شتى حقول المعرفة الإنسانية في مدرسة الحداثة؛ ليصل إلى نتيجة أن العلم لم يصل إلى إرواء غليل الإنسان في القضايا الكبرى التي تشكل دومًا مصدر اهتمامه و محور تفكيره: الوجود و العدم، الله والكون، غائية الحياة..، بل صار العلم اليوم أكثر استعدادًا لتقبل فكرة صياغة أسئلة لا يستطيع الإنسان الإجابة عنها؛ لأنها تقع خارج قدرة المعارف الإنسانية.
وساهمت أزمة الحداثة الغربية في ظهور مدرسة ما بعد الحداثة التي تعبر عن ذروة التخبط في العلم الحديث، و تعيد نبش المطلقات الفلسفية والمعرفية التي انطلقت منها الخبرة العلمية المعاصرة، التي بنيت على فرضية التناقض مع الدين، وفرضية أن العقل البشري قادر على الوصول إلى المعرفة المطلقة بمفرده دون أية وصاية خارجية.
بدا واضحا اليوم أنّ هناك تطورًا دائمًا في العلوم، وأن النظريات العلمية تنقد بعضها، وأن ما يثبته العلم اليوم ينفيه غدًا، كما أن هناك فرضيات أساسية شكلت نموذجًا سائدًا في حقول علمية شتى ثبت اليوم عدم صحتها، الأمر الذي يصل ببول فييرانبد إلى القول - في كتابه ترجمتي -:"لقد وصلت إلى الاقتناع أن الأمر كله ليس إلاّ فوضى مجنونة"، وأصبح علماء الأنسنة أقرب إلى الشعراء منهم إلى العلماء إذ يقولون:"لماذا نتباحث اليوم فيما سوف يتغير غدًا على أي الأحوال؟!".(2/126)
هذا القلق و الاضطراب في عدم القدرة على الوصول إلى الحقيقة من خلال مناهج البحث الحداثية أنتج محاولات عديدة للخروج من هذا النفق، وبات عدد كبير من العلماء يشعر بالحاجة إلى الحكمة الشرقية و فلسفة الروح لإنقاذ العلم من متاهته المعاصرة، الأمر الذي حدث فعلاً مع فريتوف كابرا - أحد أفراد مدرسة ما بعد الحداثة - الذي قام في كتابه بالدمج بين الفيزياء والتصوف الشرقي، وكما في التصوف يتوقع كابرا أن ترفع فيزياء العصر الحديث - ما بعد الحداثة - كل المتناقضات، وتصل إلى نقطة يندمج فيها الملاحِظ والملاحَظ في وحدة واحدة: وحدة صوفية تتجاوز الفيزياء الحديثة.
الله أو الدمار:
يمكن استعارة عنوان كتاب المفكر الإسلامي سعد جمعة"الله أو الدمار"في قراءة نقاش هوفمان لأخطار وآفات الحداثة على الخبرة الغربية الحديثة والمعاصرة في شتى مجالات الحياة..
1- العلم والأخلاق: حاول العديد من المفكرين والعلماء وضع أساس جديد للأخلاق بدلاً؛ إلاّ أنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعًا، وأدى العلم إلى مشكلة أخلاقية حقيقية في الغرب؛ إذ لم يتظاهر العلم فقط بوجود برنامج دون مبرمج، لكنه تصرف و كأن العلم وحده هو المعول عليه. وأصبح الغرب وفقا لفاسلاف هافيل أول حضارة ملحدة في التاريخ أي تنكر دور الدين ابتداءً.
2- العلم والحضارة: الميراث من العلم، والعلم الزائف في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بدأ يثمر مجتمعًا لا إداريًا، نفعيًا، استهلاكيًا، موغلاً في الفردية، وليبراليًا، بما يعني حضارة تنشد المتعة حتى النخاع.
3- اللذة كأسلوب للحياة: كان جينو - المفكر الفرنسي المسلم - ذا إدراك عظيم عندما حدد أن المفهوم الجوهري للحركة الإنسانية الذي صيغ خلال فترة النهضة الأوروبية، يلخص مقدمًا البرنامج الذي ستأتي به الحضارة المعاصرة، كل شيء سوف يختزل إلى المستوى البشري، وإلى المقاييس البشرية، لذلك كان من الممكن التنبؤ أن الحضارة المعاصرة سوف تصل في النهاية إلى الغوص مرحلة تلو الأخرى، إلى مستوى أدنى الرغبات البشرية.
4- دين ما بعد الحداثة: أقام الغرب بنيانه الاجتماعي المعاصر بعيدًا عن الدين، وعلى الرغم من حضور الدين في المناسبات العامة، فهو لا يعدو أن يكون فلكلورًا أو تقليدًا عاريًا عن القوة.
لكن المشكلة هي أن الدين الذي خرج من الباب الأمامي في المجتمعات الغربية عاد من الباب الخلفي من خلال الإقبال الشديد للشباب ولفئات من المجتمع على أديان جديدة وغريبة؛ كجماعات العهد الجديد التي تتعبد داخل الأهرامات، والانبعاثيون الذين يعيدون عبادة إخناتون للشمس، وبالتساوي في مكان الصدارة إلى الآن أديان عبادة القمر، العلموية والتنجيم، والملائكة، والشيطان.
هذه الموجة الجديدة من التدين تستمد قوتها من الحنين إلى التوحد العضوي، والبحث عن المعنى، الغائبين بشدة في الحياة المعاصرة.
5- ثورة القيم: اعتبر الغربيون أن الخروج على الدين و على قيم العصور الوسطى التقليدية ثورة في القيم، واستبدلوها بالقيم الرأسمالية العملية. لكن طبقًا لتحليل عالم الاجتماع دانييل بيل في كتابه"التناقضات الثقافية للرأسمالية"؛ فإن المشكلة في العالم الغربي تكمن في أن نجاحه الاقتصادي يدفع إلى تدمير القيم الجوهرية التي قام عليها.
وداخل المسار الجديد للعلم والقيم العملية النفعية أصبح الناس غير معتادين على حقائق الحياة كالحوادث والمصائب الشخصية والمرض والكهولة والموت، إلى حد أنهم أصبحوا غير قادرين على التواؤم مع هذه الحوادث من غير مساعدة مستشاري الأحزان.
6- السلام الخيالي: لم يقدم عونًا لإحلال مدرسة ما بعد الحداثة محل الحداثة مثلما فعلت لا عقلانية الحروب المتواصلة داخل ما يفترض أنه العالم المستنير، وقد تنبأ بذلك تولستوي في رواية الحرب والسلام أن الحياة مستحيلة في اللحظة التي يظن فيها الإنسان أنه يستطيع أن يقودها ويمارسها وفقا لتوجيهات العقل الخالص.
ولم يعد المجتمع الغربي ينعم بالسلام حتى على المستوى الداخلي، فقد وصل مستوى العنف في المدارس الأمريكية الثانوية حدًا مرعبًا، وهذا لا يمثل سوى قمة جبل الجليد الغاطس؛ إذ يتغذى العنف كل يوم من كمية العنف غير المعقولة التي تشاهد يوميًا في التلفاز، وقد وصلت إلى ألعاب الكمبيوتر بشكل كبير.
7- حافز الربح: أعادت الفلسفة الرأسمالية السائدة في الغرب إنتاج جملة المفاهيم الحاكمة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في الغرب، و تعدلت كثيرًا من المفاهيم لتلائم هذه الفلسفة، فالخير هو النافع والفعال في الحصول على أقصى درجات السعادة عن طريق إنتاج أقصى كمية من البضائع لأكبر عدد من الناس.
في الواقع، النفعية هي التي قادت إلى الغلو الذي أنجب الماركسية، وأدت كذلك إلى تفاوت كبير في دخول الأفراد والدول.
ويصل ريتشارد فولك إلى القول: لم يعد الغرب حيزًا جغرافيًا، بل ظاهرة كونية تدار العولمة بمؤسسات لا تحصى، بالغة الضخامة، ومتعددة الجنسيات، ووصل الأمر إلى الحد الذي تدار به السياسة برأس المال، الأمر الذي يهدد الديمقراطية الاجتماعية بصورتها المعروفة في ألمانيا والدول الاسكندنافية.
8- الإعلام والتسلية (المعلومات تسلية): الإنسان الغربي يعاني اليوم من الكم الهائل من المخترعات والأجهزة التي تحرمه من الهدوء والاسترخاء والتأمل أو التفكير بعمق، أو الصلاة بخشوع. في الواقع يجب على الدوام إثارة غرائز الإنسان المعاصر، حتى عطلاته ينبغي تحويلها إلى مغامرات يشرف عليها محترفون بالتسلية.
وعلى الرغم من وجود برامج تلفازيه ذات مستوى رفيع، وأيضًا مجلات إلاّ أن العملة الرديئة تطرد الجيدة من السوق، والمنتجات الإعلامية الهابطة تستحوذ على النصيب الأوفر من المشاهدين، وكل هذا يعمل بشكل كبير على إفقار روحي للمجتمع وتنمية النرجسية والبعد عن العلاقات الاجتماعية.
في نفس الوقت تجاوزت وسائل الإعلام المعاصر كل الحواجز الموضوعة لحماية الدول ذات الأيدلوجية المغلقة من تأثيرات الأنباء والثقافات الأخرى، وهنا ينبغي على الدول الإسلامية أيضًا تغيير استراتيجيتها لحماية تراثها الإسلامي من خلال تحصين الناس بالعلم النافع لمواجهة الأفكار الضارة، وليس من خلال عزلهم المادي عن التعرض لها.
9- التعليم كأيدلوجيا: تلعب العلمانية دورًا حاسمًا في المعالم العامة للتعليم الغربي، من خلال إبعاد الدين عن المناهج الدراسية وعن صياغة أخلاق الطلاب، ويدرّس الإلحاد بشكل سافر في المدارس من خلال نظريات الحداثة أسسها اللادينية.
10- الثورة الجنسية: ضمن كثير من الثورات التي مرت بالإنسان الغربي في العقدين الماضيين؛ فإن أكثرها ثراءً وأطولها بقاءً هي على الأرجح الثورة الجنسية، وبدا الجنس للوهلة الأولى كأنه البديل الأقوى للدين مكتملاً بأنبيائه الذين يبشرون بالحرية الجنسية.
الآن فإن العادة السرية، والجنس ما قبل الزواج، تبادل الزوجات، الجنس في الشرج، والجنس المثلي، ومشاهدة العري، والدعارة؛ أصبحت كلها مقبولة، وتتكرر كموضوعات رئيسة من خلال تبادل الحديث، كما تجتذب الإعلام، الجنس مع الأطفال هو الوحيد الذي مازال محرمًا. ووصل الأمر إلى السماح لمحترفات البغاء بتكوين نقابات ببعض الدول على أنهن"عاملات جنس"، وفي ألمانيا منذ عام 2001؛ فإن الأزواج الشواذ يحصلون على التسجيل المدني.(2/127)
11- انحطاط الأسرة: الضحية المباشرة للثورة الجنسية، والتي هي الأكثر استحقاقًا للأسى هي الأسرة، انهيار الأسرة الناتج عن الثورة الجنسية هو عنوان الشؤم على قرب انهيار الحضارة الغربية.
ويعرض التلفاز كل ليلة كم هي عالية درجة الجمال في الرجال الآخرين والنساء الأخريات، ويحض الزوجات داخل بيوتهم على الدخول في منافسة مع جميلات التلفاز، وهي منافسة صعبة جدًا، ولا يمكنهم ببساطة الفوز بها، فعندما يصبح الجنس بضاعة تعرض في السوق، فسوف تتحلل الأسرة، وذلك ما يحدث بمعدلات مخيفة، وأرقام الطلاق تتصاعد في كل مكان، والأسوأ من ذلك المزيد والمزيد من الشباب يقررون عدم الزواج مطلقًا منذ البداية.
12- العدوان على الحياة والإدمان البنيوي: ومن آفات الحداثة إباحة الإجهاض وقتل الجنين غير المرغوب فيه، ومن أثارها الإدمان والكحول و المخدرات، والإدمان ليس مرتبطًا بالمخدرات والخمر، وإنما يصل إلى الإدمان على التكنولوجيا والاستهلاك وشراء الحديث، بما يذكرنا بكتاب هربرت ماركوز المتميز"الإنسان ذو البعد الواحد".
يقول هوفمان:"يطغى ضجيج الإدمان على صوت الضمير الذي قد يذكر الإنسان المعاصر بمصيره الحق، وهو معرفة الله، والدخول تحت عباءة الخضوع له. تعطي أنواع الإدمان معنى زائفًا للحياة، وتبدو على هيئة حلول، بينما هي في الحقيقة تمثل المشكلة الجوهرية.. إنها تحرم الإنسان من الصمت الوجودي والتركيز الذي يحتاج إليه من أجل إقامة الروابط السامية".
الفكر الإسلامي و العولمة:
في حوار سابق مع زكي ميلاد حول أحداث أيلول وأثارها على الفكر الإسلامي، قال: إن على الفكر الإسلامي اليوم أن يعيد بناء رؤيته الشمولية للكون وللمفاهيم الكبرى، ويصوغ من جديد استراتيجية الخروج من النفق الحضاري الذي وصلنا إليه.
و يرى الفضل شلق في مقالة له - في مجلة الاجتهاد - أن الهوية الحضارية ليست دورانًا حول الذات، وإنما عملية دؤوبة نحو تحقيق الذات من خلال النمو والتنمية، وعندها ستصبح الهوية الحضارية منجزاً وليس عائقًا.
وبالتالي؛ فإن الفكر الإسلامي في عصر العولمة مسؤول مسؤولية مباشرة عن طرح الرؤية الاجتهادية الإسلامية في التنمية والنهضة والتقدم، وإدارة الصراع الفكري ليكون جدلاً محركًا ومفعلاً لطاقات الأمة وليس كابحًا لها.
والسؤال الذي يجب على الفكر الإسلامي أن يجيب عنه: كيف نسير في مساق التنمية، وننهض انطلاقًا من روح الإسلام ومقاصده العامة؟، كيف نفقه المشروع الحضاري الإسلامي؛ ليكون طرحًا تنويريًا منفتحًا متقدمًا يمتلك أدوات الموائمة والتوفيق بين مصادر التنظير الإسلامي الوحي و العقل والحس؟
http://www.islamtoday.netالمصدر: ==============
أطفال الشوارع... بين ظلم الزمن وقساوة الأيام
فتيحة رشدي
الأطفال زينة الحياة الدنيا وبهجتها أيضا، وهم أيضا زينة مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تزخر بهذه الثروة العظيمة التي تفتقد بصورة صارخة في المجتمعات الأخرى المتقدمة... لكن لماذا تنقلب عندنا النعمة إلى نقمة بل إلى ويلات، لماذا يفتقد الأطفال في العديد من البيوت الراقية بينما يعجون في شوارع مدننا الكبيرة ولا يجدون حتى من يتحدث عنهم أو يواسيهم.
باتت بعض أحياء مدننا الكبيرة أمكنة لمبيت العديد من الأطفال الذين لا زالوا في عمر الزهور نجدهم في مواقف السيارات وفي إشارات الضوء الحمراء، وعند أبواب المحلات والمتاجر، يرمقون المارة بنظراتهم البائسة وبثيابهم الرثة، وجوه صفراء والأوساخ العالقة عليها تكاد تمحي الملامح. هكذا يكون منظر أطفالنا ذخر الأمة والمجتع، وهكذا ينسون ويداسون من طرف المجتمع.
كان الوقت صباحا، وكانت بدايات نسائم أكتوبر تداعب ثياب ووجوه المارة، حين تجمع أكثر من ستة أطفال في إحدى أركان أحيائنا اليتيمة، أمام متجر لازال لم يفتح أبوابه بعد، كانت أجثاتهم هادئة وكانوا مستسلمين للنوم منكمشين على بعضهم البعض، كان الواحد منهم يتخذ من الآخر متكأ له، كانت الصورة تبعث على الاشمئزاز وعلى التدمر الذي لا يمكن بلعه بين طبقة تجد كل شيء المأوى والمسكن والملبس.. وأخرى لا تنعم حتى بمخدة ترخي عليها أجثاثها المتعبة المنهكة والجائعة.
بعض المارة ألفوا المنظر ولا يكترثون ولا يأبهون حتى لوجودهم، والبعض الآخر يطلق بين الحين والآخر نظرة عليهم ولسان حالهم يقول: "يا لهؤلاء المساكين".
كان الطفل عادل أحد هؤلاء الأطفال المتشردين الذين اتخذوا من الشوارع والأزقة مخدعا لهم ومن المخدرات وليمة يجتمعون حولها ليبثوا فيها شكواهم وآهاتهم، كان يجذب بكم قميصه البالي والرث بينما يتحدث لي:"كنت في الخيرية، لكن المعاملة كانت جد قاسية وكنت أحس إني بسجن ولا أمل لي في الخروج منه، وعيت على هذه الدنيا ولا والد لي ولا أم، قمت بمحاولات عديدة من أجل الهروب رفقة بعض الأطفال، كنا نظن أن وراء أسوار الخيرية عالما رائعا تفننا في رسم وتسطير معالمه، لكن للأسف ما إن هربنا خارجا، حتى اكتشفنا أننا بعالم غريب عنا، عالم لا يضم سوى الذئاب بصورة آدميين، أصبحنا لا نجد ما نأكله أو نشربه أو أي مكان يأوينا من حر الشمس وقساوة البرد، حاولنا أن نعمل في الأسواق، نحمل ما طاب وما ثقل من القفف، لكن لا أحد يثق بنا وهكذا... لم نجد غير السرقة أحيانا والاستغلال.. أحيانا أخرى والتسول أحيانا كثيرة، وها نحن نعيش ولا ندري ما النتيجة وما الأمل".
بعيدا عن عادل وبحي آخر بضواحي المدينة الكبيرة التي تجمع التناقضات، يقبع الشاب حميد الذي جاوز عمره العقد الثالث ومع ذلك كان لا يزال قابعا متشردا دون مأوى أو مسكن. حميد كان فصلا آخر من فصول ظلم الزمان وقساوة الأيام، توفيت أمه وهو مازال تلميذا بالمدرسة الابتدائية، اضطر أبوه للزواج بامرأة تعتنى به وبابنه حميد، وبالفعل تزوج الأب ووجد في زوجته المثالية التي يطمح لها أي زوج، أراحته كثيرا واعتنت به كثيرا، ووفرت له سبل الراحة أيضا كثيرا، وبالمقابل رفضت حميد بكل قواها، ولم تطق أن تعيش معه تحت سقف واحد، وبأساليب زوجة الأب، طرد حميد من البيت وواجه مصيره بعيدا عن بيته الذي شهد مسقط رأسه، والذي له فيه ذكريات حلوة أو حتى مرة، المهم أنها أحلى مما هو عليه الآن، قاوم حميد حتى لا يستلسم لما يتعاطاه أبناء حاله، وظل يبيت الليل تحت سقف البيت الذي كان في يوم ما بيته، وهكذا كبر حميد بين الحرمان والجوع والبرد إلى أن قوي عوده واشتد ساعده بين استسلامه للقبول بصدقات أهل الحي الذين يعرفونه جيدا، وبين تقديم المساعدة لمن يطلبها منه مقابل دراهم معدودة، المهم أنه ظل مشردا، صحيح أنه لا يبتعد عن الحي الذي ولد فيه، لكنه لم يفعل شيئا ينقذه مما هو فيه ويبين لزوجة أبيه ولأبيه الذي تخلى عنه في لحظة جنونية أنه قادر على تحمل الصعاب وعلى تكوين نفسه بنفسه. مؤخرا لا حديث لأهل الحي إلا عن حميد الذي (حرك للطاليان)، نجح أخيرا في العبور إلى ما وراء الضفة، الجميع فرح والجميع ابتهج..."تشرد تشرد، اللهم في بلاد الغربة أحسن".(2/128)
القصة لا تنتهي عند هذا الحد، كان يجب أن آخذ رأي بعض المسؤولين حول الأطفال المتشردين والذين ولله الحمد لا يخلو منهم حي أو زقاق، وبالضبط كان السيد حسن مستشار جماعي عن الحي منذ ما يزيد عن الخمسة عشر سنة، كما أخبرني فأطفال الشوارع هي ظاهرة عامة ولا يوجد مجتمع لا يعاني منها حتى المجتمعات المتقدمة تشكو من ظاهرة أطفال الشوارع، ولإنقاذ هؤلاء يجب كما عبر لي أن تتظافر الجهود الدولة والخواص والمهتمين وجمعيات المجتمع المدني حتى نجد حلا جذريا وناجعا للظاهرة.
صحيح أن ظاهرة أطفال الشوارع ظاهرة تعاني منها حتى المجتمعات المتقدمة والمتطورة، وصحيح أيضا أنه لحلها ولإيجاد منافذ لها لابد من تظافر الجهود، ولكن متى ستتظافر هذه الجهود، ومتى سينظر للأمر انه استعجالي ولا يحتمل أي شكل من أشكال التأخير؟ متى سنولي اهتماما أوسع للظاهرة؟ ومتى ستبدأ بوادر الإحساس بالظاهرة قبل الشروع في البحث عن حلول لها؟
http://arabe.casanet.net.ma المصدر:
=-===========
توجيهات عامة في التعامل مع الزمن
1 - احرص على شراء حاجياتك من مكان واحد وفي وقت واحد وبكميات كبيرة حتى لا تعود للشراء في وقت قريب، ومثل ذلك المدارس والعلاج والنزهات.
2 - بالنسبة للعمل الوظيفي قسمه إلى الأقسام التالية وحافظ على هذا التقسيم قدر الإمكان.
أ - القسم الأول لمقابلة مرؤوسيك ورؤسائك في العمل لمناقشتهم في قضايا العمل.
ب - القسم الثاني لمقابلة المراجعين لمكتبك وسماع طلباتهم.
جـ - القسم الثالث لإنجاز المعاملات والأوراق التي يجب عليك إنجازها في ذلك اليوم.
د - القسم الرابع للرد على المكالمات الهاتفية الواردة للمكتب، وتذكر أن الهاتف وسيلة لقضاء الحاجات فاستعمله بقدرها ولا تجعله وسيلة لقتل الأوقات.
3 - بالنسبة للزيارات منك أو إليك احرص على أن تكون بموعد سابق وبقدر الحاجة منها وأن تقضي وقتها فيما يفيد مع الاستفادة من هوامش الوقت في إنجاز بعض الأعمال الثانوية.
4 - أمَّا الانتقال من مكان إلى آخر فليكن بأكثر الوسائل توفيراً للوقت والمال والجهد، وإذا استطعت أن يكون في غير أوقات الازدحام وعبر الطرق غير المزدحمة فلا تفرط في ذلك، وإذا أمكنك إنجاز بعض الأعمال أثناء انتقالك بالطيارة أو القطار أو الحافلة وما شابهها وإلاَّ فاجعله فرصة للراحة والنوم استعداداً لما بعد السفر من أعمال واحرص على الحجز قبل السفر بوقت كاف وبخاصة في المواسم.
5 - فترات الانتظار الاضطرارية مثل الانتظار عند الإشارة أو الطبيب أو انتظار الضيوف أو انتظار الطعام عندما تكون ضيفاً وأمثال ذلك يضيع فيها كثير من الأوقات.
ولتلافي هذه المشكلة عليك بالآتي:
حاول تقليل فترات الانتظار بترتيب مواعيدك، والالتزام بها واختيار الأوقات التي يقل فيها الزحام واسلك لقضاء غرضك أقصر الطرق وأقلها ازدحاماً وأرشد الآخرين للالتزام بدورهم وعدم تجاوزه، وأخيراً استفد من انتظارك في القراءة أو الكتابة أو الذكر أو التفكر.
6 - اجعل في برنامجك أوقاتاً خاصة للتطوير الذاتي من خلال القراءة والدراسة وأخذ الدورات التخصصية المناسبة والاعتكاف للعبادة وصيام النوافل وأشباه ذلك.
7 - اجعل في برنامجك أوقاتاً خاصة للترفيه والتنزه المشروع ولا تحسبن ذلك مما يضيع فإنه إذا أحسن الاستفادة منه وكان بقدره وفي زمنه المناسبين كان له أجملُ الأثر في تنشيط النفس وإزالة ما قد يصيبها من كلل وملل وسأم.
8 - لا تتردد في استعمال عبارة {ارجعوا هو أزكى لكم} وفي الرد بكلمة (لا) عندما يتسلط الفارغون لإضاعة وقتك والقضاء على أثمن ما تملك.
9 - احذر من ضياع حياتك أمام وسائل الترفيه بل كن حازماً في ضبط ذلك وبخاصة مع أطفالك ومن تعولهم، وعوّدهم على احترام النظام والترتيب لحياتهم باستغلال الوقت وتحمل المسئولية.
10 - ضع علبة احتياطية لمفاتيحك يسهل الوصول إليها وبعيدة عن متناول الأطفال والفضوليين، ورتب ما تحمله من مفاتيح في جيوبك بشكل ثابت بحيث يسهل الوصول إليها في أي ظرف بمجرد اللمس ولا تجمع المفاتيح كلها في ميدالية واحدة، بل اجعل كل مجموعة مفاتيح متقاربة في العمل في ميدالية خاصة بها؛ لأن كثيراً من الأوقات تضيع في البحث عن المفاتيح وربَّما كسرت الأبواب وتعطلت الأعمال.
( حتى لا تكون كلاًّ للشيخ/ د. محمد عوض القرني )
http://www.resalah.net المصدر:
==============
عزة المسلم في زمن الانكسار
أ. د.ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، وبعد:
لا شك أن العزة معنى ينشده كل سوي من بني البشر، وقد تمدح الناس بها وبالسعي لتحصيلها منذ القدم، وكثير منا يحفظ قول المتنبي:
عِشْ عَزِيزاً أَوْ متْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ بَيْنَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودِ
وقوله:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيْهِ مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيْلاَمُ
ومن منا لم يسمع أبيات أبي فراس:
ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا فِي المَعالِي نُفُوسنَا وَمَنْ خَطَبَ الحَسْناء لَمْ يُغْلِهَا المَهْرُ
أعزُّ بني الدنيا وأعلى ذوي العُلا وأكرم من فوق التراب ولا فخر
فما هي هذه العزة، وبماذا تكون؟ وهل لأهل الباطل عزة؟ وهل ثمة عزة غير شرعية؟ ولماذا ينسى بعض أهل الحق عزتهم فيخنس أمام بعض أهل الباطل؟
لعلي في هذه الكلمات أسلط بعض الأضواء على هذه المعاني، ولعل بسطها يتهيأ له موطن آخر _ بإذن الله_.
أما العزة في اللغة فمأخوذة من العز،وهو: ضد الذل، تقول منه عز يعز عزاً فهو عزيز، أي: قوي، والعزيز من صفات الله _عز وجل_، قال الزجاج: الممتنع فلا يغلبه شيء، وقال غيره: هو القوي الغالب على كل شيء.
ومن أسمائه: العزيز، وهو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده "تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (آل عمران: من الآية26).
والعزة التي نتحدث عنها: هي حالة نفسية تصاحبها قوة معنوية، وتنبثق منهما أقوال وأفعال تدل على الشعور بالفخر والاستعلاء والاستقلال عن الكافرين وصدق الانتماء لهذا الدين مع تواضع ورحمة بالمؤمنين.
والأمة اليوم أحوج ما تكون إلى الالتزام بالعزة والأخذ بمقوماتها على مستوى الحكومات والشعوب والأفراد، والاعتزاز بالدين من أقوى ما نواجه به أعداءنا في زمن تداعت فيه الأمم علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فهلم إلى طريق العزة والمجد والخلود.
مقومات العزة:
1- الإيمان المطلق بأن الله هو العزيز، وأنه هو وحده مصدر العزة وواهبها، وأنه لا أحد يملك العزة أو يهبها سواه "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً" [فاطر: من الآية10]، "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ" [المنافقون: من الآية8]، "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [آل عمران: من الآية26].(2/129)
2- اليقين بأن عزة الظالمين إلى زوال، وأنهم لا يملكون دوامها فضلاً عن أن يهبوها غيرهم: "وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً" [مريم:81، 82]،" الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا" [النساء: من الآية139]، وعندما أثبت بعض الضالين لنفسه عزة زائفة "يقولون لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ" قال الله: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لا يعلمون" [المنافقون: من الآية8]، ولما اختل مفهوم العزة الحقيقية عند قوم شعيب، فقالوا: "قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ"، "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" [هود:92].
3- صدق الانتماء لهذا الدين، وإن صاحبه هو العزيز، وغيره هو الذليل، كما قال الله: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ" (المنافقون: من الآية8)، "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران:139)، أما الكافر وإن كان عزيزاً في الدنيا فمآله:"ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ" (الدخان:49)، "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ" (السجدة:18).
4- عدم الانخداع بما عليه الكفار من قوة مادية أو عسكرية، فإنها لا تعني في موازين العزة الحقيقية شيئاً، "لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ" (آل عمران:196، 197)، وعز الآخرة وبؤسها لا يقارن بما يكون في الدنيا، لا في حجمه أو نوعه أو مدته، ولا مرحباً بعز محدود يعقبه ذل ممدود، ومع هذا فإن الدنيا دار مدافعة يرفع الله فيها أقوماً ويخفض آخرين، ومن سنته أن جعل أيامها دولاً، ثم إن العاقبة للتقوى.
5- الاستقلال عن الأعداء، والاستغناء عنهم، وعدم الاعتماد عليهم في شتى شؤون الحياة، وهذا لا يتعارض مع الإفادة مما عندهم من تقدم مادي من أجل تسخيره لخدمة هذا الدين، وتقوية المؤمنين، دون ذل أو خضوع أو تنازل.
لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
"وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً" (النساء: من الآية141).
كيف نحقق العزة في المجتمع المسلم؟:
1. الأخذ بمقومات العزة، والالتزام بها.
2. تربية أبناء المسلمين على العزة وصدق الانتماء، وتجريد الولاء لله ولرسوله، والبراءة من المشركين، وعدم الاعتماد على ثقافة الغرب أو التأثر بها.
3. استقلال وسائل الإعلام عن الاعتماد على الغرب والخروج من عبودية الغرب إلى حرية الإسلام.
4. الاستقلال السياسي، وهذا لا يتعارض مع إقامة العلاقات الدولية على أسس العدل والتعاون ورفع الظلم.
5. الاستقلال الاقتصادي، في شتى شؤونه وفروعه، وبناء الاقتصاد الإسلامي على أسس شرعية بعيدة عن مقومات الاقتصاد الغربي ودعائمه، وأن يكون تبادل المنافع المادية والاقتصادية مبنياً على الندية وحرية القرار.
6. إيجاد مراكز الدراسات الاستراتيجية التي يتحقق من خلالها رسم السياسات بعيدة المدى في شتى شؤون الحياة الشرعية والثقافية والسياسية والإعلامية والاقتصادية، وعدم الاعتماد على مراكز الدراسات الغربية وتحليلاتها.
7. إقامة المنابر التي تبث في الأمة روح العزة والكرامة والاستعلاء، والاستغناء عن الآخرين، وتحميها من المؤثرات الوافدة بشتى صنوفها وأشكالها وأخص الإعلامية منها.
وقفات مهمة
1- شعور المسلم بالعزة على الكافرين وتعامله بها يجعله يعيش حياة غير عادية فيها الانشراح والسعادة والغبطة.
2- ليس من العزة التكبر على المؤمنين والاستعلاء عليهم، فهذه عزة مذمومة، قال _ صلى الله عليه وسلم _ فيما يرويه عن ربه: "العز إزاري، والكبر ردائي، فمن ينازعني فيهما عذبته"، و قال: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس)، بل إن من كمال عزة المسلم تذلله للمسلمين وتواضعه لهم، وهذا لاينقصه بل يزيده، فما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه، وقد أثنى الله على المؤمنين بأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.
3- ليس من عزة المسلم ظلم الآخرين والتعدي عليهم في مال أو عرض أو دماء ولو كانوا كفاراً إلا بحق، وهذا باب ضل فيه كثيرون "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا" (المائدة: من الآية2).
4- من تمام عزة المسلم: حسن الخلق حتى مع الكفار، وحسن الخلق لا يعني الضعف والذلة والمسكنة، وإنما العدل والإنصاف وتحري الحق "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة: من الآية8)، "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الممتحنة:8).
5- خطورة العصبية والحزبية لقبيلة أو بلد أو جماعة داخل الصف المسلم، فإن المؤمنين حزب واحد "وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" (المائدة: من الآية56)، أما العصبيات والنعرات الجاهلية فهي من أخطر قوادح العزة التي نريد، وقد استغلها الأعداء مراراً لتفريق صف المسلمين، وتفريق كلمتهم، وقد ذم الله الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، فقال: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ".
6- جماع الذل في قوله _ صلى الله عليه وسلم _: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أناب البقر، ورضيتم بالزرع، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
7- لا يلزم من عدم قدرة المسلمين على مواجهة أعدائهم عسكرياً أن يذلوا لهم ويتنازلوا عن دينهم، فقد تعذر في عدم قدرتك على إقامة الحق، ولكن لا عذر لك في قول الباطل.
8- أي تنازل من المسلمين في شؤون دينهم وعقيدتهم وبلادهم سيغري عدوهم فيهم، فالثبات الثبات "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ"، "ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض".(2/130)
9- لا ينافي العزة الشرعية تأليف الكفار عند دعوتهم بالكلام الطيب أو مجادلتهم بالتي هي أحسن، فقد قال الله: "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (العنكبوت: من الآية46)، وعرض مجادلة عملية، فقال: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ".
10- العزة الحقيقة تقتضي التقيد بضوابط الشرع في معاملتنا لبعضنا، وفي تعاملنا مع غيرنا، من أهل الملل الأخرى، فإذا نص الشرع على ألا يقال للكافر سيد، فلا يجوز أن نجامل ونقول له سيد، أو ما في معناها كـ( مستر)، وإذا نص شرعنا على عدم بدئهم بالسلام فلا نبدؤهم بذلك، وإذا سلموا رددنا عليهم السلام، وهكذا نتبع شرعنا في كل ما يحكم علاقة المسلم بغيره.
11- من العزة بالدين إظهار شعائر الإسلام في أي مكان إلا إذا خاف المرء على نفسه لا ضعفاً أو هواناً.
12- من أهم مقتضيات العزة عدم التحاكم إليهم، أو الاستنصار بهم "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً".
ختاماً
وختاماً، يعيش المسلمون ضعفاً في جوانب كثيرة، لكنهم مع ذلك يتفوقون في الدين والأخلاق والقيم، ومتى راجع المسلمون دينهم واستقاموا على سنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - واتقوا ربهم، فإن العز حليفهم، فوصيتي لنفسي وللمسلمين بالاستقامة على الدين، ولنتفاءل فالعاقبة للمتقين "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ" [الأنبياء: 105-106].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://www.almoslim.net المصدر:
=============
آهات أندلسية في زمن الغرباء
عبد الرحمن فرحانة
(1)
آهٍ من قهرٍ في زمن الغرباءْ
كم غرناطةْ ..
نامتْ في أحضان الرومْ
كم عاصمةً ..
رفعتْ راياتٍ بيضاءْ
كم باباً ..
أُغلق في وجه الشرفاءْ
كم منْ قصرٍ ..
يتلألأ أضواءً في واحات الصحراءْ
(2)
آهٍ من قهرٍ في زمن الغرباءْ
من يفقؤ فينا عين المجدْ
من يزرع جذر كرامتنا ..
في الوحل الأمريكيْ
من يحرق في أيدينا رايات الخلفاءْ
(3)
آهٍ من قهرٍ في زمن الغرباءْ
قلبي مجبولٌ بالأحزان الأندلسيةْ
صوتي مشنوقٌ في حلقي
لكنّ حروفي المسجونةْ
تتحدى صمت الأشياءْ
تتحدى سيف السلطان الخشبيْ
قدّام الرومْ
وتلاطم مخرز والينا
راعي النوق العِبريةِّ في مرعى الحلفاءْ
(4)
آهٍ من قهرٍ في زمن الغرباءْ
يستوطن ذاكرتي
شيءٌ يشبه لون الشمسْ
عزٌّ مجبولٌ بالتاريخ الهجري
يجري في عمق شراييني
كالجدول يهدر فيه الماءْ
يستعمر قلبي وجع القهر
وأنين الموت الصحراوي
وتمزّق قلبي غربة حلمي
في موطن مجدٍ ..
أصج مقبرة للأشلاءْ
(5)
آهٍ من قهري في زمن الغرباءْ
قلبي يسبقني نحو الأمل الآتي ..
في عيني طفلي
قدماي تعانق هذي ..
الأرض السمراءْ
تنمو خطواتي فوق الرملْ
درباً خضراءْ
لكنّ الوالي يسحقني
ويحاكم أحلامي
ويُصادر نيّة عزمٍ في صدري
ويلاحق أفكاري الممنوعة َ ..
في كلّ الأرجاءْ
(6)
آهٍ من قهري في زمن الغرباءْ
الشمس تغيبُ ..
بأجفان الأفق الغربي
وطحالب آمالي
تنمو في مرفأ أحزاني
لا شيء جديدْ
غير القضبان تحاصر قائمة الأسماءْ
فخناجرهمْ ما زالتْ ..
تسرح في شطآن الجرح الوردي
ومقابرنا تنمو مثل الشوك البرّي
تحتلّ روابينا
وتصادر منا جذر بقاءْ
لا شيء جديدْ
ممنوع ٌ أن نتلو أي الأنفالْ
ويُحرّم تفسير الإسراءْ
(7)
آهٍ من قهري في زمن الغرباءْ
من يسرق سكّر درّاق الشامْ
من يحرق غابات النخل البصري
من يطفؤ نخوة عنترة العبسي
من يكسر أسياف الشهداءْ
(8)
آهٍ من قهرٍ في زمن الغرباءْ
في كلّ مدارات الأفق الشرقي
صنمٌ قرشي
وأبو جهل المخزومي
ما زال يعاقر خمر النّدماءْ
السّادة في أحضان الليلْ
والندوة مغلقة الأبوابْ
وجواري الشهوة ترقص في الأنحاءْ
لا شيء جديدْ
الليل طويلْ
والفجر يخاف شروق الشمسْ
لا .. لم يتبدّل وجه الأشياءْ
ما زال الصمت طعام البسطاءْ
(9)
زمن الغرباءْ
رفقاً بحنيني الدافقِ ..
للمجد الأمويْ
رفقاً بالأمل النابتِ..
في أعماق البؤساءْ
http://www.palestine-info.info المصدر
==============
أنات شاعر في زمن المحنة
أمل السعدي
في غمرة الأحزان والأوهام غرقت رشيد العرب في الأسقام
تبكي وتحكي لحن ألف قصيدة نسجت مآقيها لظى الإجرام
هل تعجبون لمن يدون أسطراً معجونة بالحزن والأحطام!!
لا تعجبوا أبداً فما أنا شاعر إلا لأني ذائق الآلام
أنا شاعر أبكي رياض مدينة حفرت حروف العز والإكرام
أنا شاعر أحكي فنون حضارة سطعت بنور الحق والإسلام
لما رأوني قال بعض قطيعهم هو شاعر الإلهام والأحلام
يبكي ويضحك وهو أكذب ضاحك متلون الأذواق والأقلام
قالوا وقالوا قولهم حتى بدت روح العداء شديدة الإظلام
دكوا مآثرها، ونادى حقدهم أن الخلاص بحرق كل سلام
رخصوا بتبر عراقنا لما رأوا شيم الرجال.. غدت كما الأصنام
حرية مزعومة رقصوا لها رقص الذئاب لمقتل الأغنام
كذبوا وما علموا بأني مسلم أمضي بروح الصدق والإسلام
إسلامي علمني بأني ضيغم الذل يقتلني كذا الإحجام
لغة المحافل والسياسة عجمة مطموسة الأفكار والأرقام
حبي لأهلي والفرات ومكة وبقدسنا ضاءت بلاد الشام
بغداد روحي والفؤاد لها اكتوى أوااا ه... أفديها وكل عظامي
يدعو لك القلب الحزين بحرقة لا رد من يدعو بقلب دامي
نصر مكين وعد ربي صادق معلومة هي دورة الأيام
http://www.alnoor-world.com المصدر :
==============
لحظات في حساب الزمن
هدوء لف ذلك البيت الكبير .. بعد أن ودعنا أبي وغادرنا في سفر قصير كعادته
استوحش المكان .. وشعرت ببرودة الجدران .. وازددت خوفا بغروب الشمس
وغشيتنا ظلمة حالكة إلا من نور خافت يشع من الغرفة المجاورة
أحسست بقشعريرة سرت في كل أنحاء جسدي لم ينتابني خوف من قبل .. كنت
حينها أبلغ الثامنة من العمر .. غشينا صمت عميق .. أمي كانت تعد طعام
العشاء.. وأختي التي تكبرني بعام تمسك بقلم يرتعش بين أناملها .. خربشات
غير مفهومة على ورقة صغيرة تحاول إخفاء شيء بصدرها .. التصقنا بجدتي علَّنا
نشعر ببعض الأمان والدفء .. اسمع ترتيلها بهمهمات خافته تلازم دقات قلبها
المتسارعة .. يقطع ذلك الصمت صوت قطرات المطر أذوب في الخيال واستمتع
بحديث المطر سلسا هادئا أعد الحبات وهي تتساقط .. واحد .. اثنتان .. ثلاثة
تسرع القطرات ويزداد انهمار المطر .. ويخترق صوت الرعد سكون حلمي ..
ارتعش واقفز في حجر جدتي .. تضمني وتكمل قراءتها
ونحن في تلك اللحظات .. وإذا بطرقات شديدة على الباب ..
افتحوا .. افتحوا .. ساعدوني
اهتزت أجسادنا بارتعاشة غريبة .. جرت أمي نحونا وهي تصرخ ..لا تقربوا
الباب .. لا تقربوا الباب
وازداد الطرق .. وعلا الصوت المرتعش .. افتحوا .. بسرعة .. افتحوا ..
ساعدوني
ماذا نفعل .. ؟؟ احتارت أمي .. وتبادلت النظرات مع جدتي
كانت .. لحظات في حساب الزمن
وكأنه .. دهرا لفنا في ثوبه .. لا يريد فكاكا
علت الصرخات .. لا تتحرك .. سأطلق النار .. لا تتحرك
أحاطته الأقدام من كل الجهات .. وصوبت البنادق إلى صدره .. لا لا لاتعيدوني
إلى السجن .. يُسحب من يديه ..(2/131)
نختلس النظر من النافذة ..
آه .. إنه ذلك السجين .. قالت جدتي .. ليته يتعلم من أخطائه .. كم مرة
هرب .. وكم مرة كسرت ساقه .. وفي كل مرة يحكم عليه بزيادة
هذه إحدى حكايات ذلك البيت .. يا ابنتي
انظري إلى ذلك المتحف .. قد كان بالأمس بيتنا
المصدر : http://www.naseh.net
===============
خط الزمن؟
مها عبد الله العومي
ماذا يعني لنا الزمن؟ إنه يعني الدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين التي نعيشها.
الزمن يعني الماضي، الحاضر والمستقبل..
من الناس من لا يفارق ماضيه؛ يجتر ذكرياته بحلوها ومرها فيرثي نفسه ويبكيها ويلومها؛ لأحداث مضت وانتهت، فهو لا يطيق بعداً عن ماضيه..
وهناك من لا يتعدى الساعة التي هو فيها، يدور في محيطها يأكل ويشرب ويلبس، فلا ماضٍ ينظر إليه ليستفيد من خبراته، ولا مستقبل يتطلع إليه، تاركاً أحداث الغد تفاجئه في أي وقت، وهو غير مستعد..
وهناك صنف ثالث لا يحلو له إلا العيش في المستقبل .. في عالم الأحلام، منشغلاً عما في يديه من زمن. فهو لا يحرك ساكناً في حاضره ليصل إلى ما يريد في مستقبله.
كل واحد من هؤلاء يشقي نفسه من حيث لا يعلم. فهو يحبس نفسه في دوائر مغلقة من الزمن، بل يقف في منطقة واحدة، لا يتقدم في دنياه ولا ينتج ولا يثمر.. وقد جعل الله له من الحياة سعة وآفاقا في الزمان والمكان، يتنقل بينها كيف يشاء.
إن إطالة التفكير فيما حدث لنا بالماضي نوعٌ من التشبث السلبي الذي قد يورث السخط على القدر (والعياذ بالله)، وقد يورثنا نظرة سوداوية قد تنتقل معنا في مراحل حياتنا، فتأسرنا بأغلالها لتجذبنا بعيداً عن إيجابية الحاضر، وتفاؤل المستقبل، وقد قيل (أشقى الناس بأفكاره من كانت له ذاكرة قوية).
صحيح أن كثيرا مما نمر به اليوم هو نتيجة لأفكار وتصرفات في الماضي، ولكن هذا لا يعني أن نبقى مأسورين لها دائماً، وفرق كبير بين أن نجعل الماضي كابوسا مزعجا، أو درسا مفيدا.
إن الماضي نبع لا ينضب، ذاخرٌ بالكثير من الدروس والعبر التي من الممكن أن نتعلم منها، لكي نجعل الغد أفضل من الأمس بعون الله وتوفيقه..
أما الحاضر فهو الواقع الحالي، وهو الأرض الخصبة للبذر، والاستثمار لما هو آت، وهو مجال الحركة والنشاط. فالعاقل من يواجه حاضره متوثباً، يميز العقبات التي تعترضه، ويعرف كيف يستفيد من إمكاناته المتوفرة له، فيجتهد فيصيب ويخطئ.
أما المستقبل .. فلا شك في أن أحداثه لن تتشابه تماماً مع أحداث الماضي، ويقع على كاهلنا مسؤولية صنعه، وعلينا أولاً أن نحلم به، ونرسم صورته الجميلة في مخيلتنا، ثم نخطط لبلوغ هذه الصورة، فما دمنا نعيش فهذا يعني أننا ما زال بوسعنا أن نختار ما نود أن نكون عليه في المستقبل، وأن الحاضر بين أيدينا لإحداث التغييرات التي نريد في واقعنا. فنضع الخطة تلو الخطة حتى نصل إلى ما نريد، متسلحين بالإرادة القوية والعزم الأكيد وبخبرة الماضي في مواجهة المواقف المستقبلية الجديدة، وقبل ذلك كله بعون الله عز وجل وتوفيقه، مرددين دعاء حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم:"اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة".
العفو عن الماضي، والعافية في الحاضر، والمعافاة في المستقبل. ولنتذكر دائماً أن السعيد هو المستفيد من ماضيه، المتحمس لحاضره، المتفائل لمستقبله..
موقع لها أون لاين http://www.lahaonline.com/Family/PreMarriag/a1-30-06-2002.doc_cvt.htm
=============
فسأل العادين
هدى بنت دليجان الدليجان
جاء الإسلام ليقيم الأمة الوسط في نظامها وأحكامها، تضبط موازينها على أساس العدل، وتؤرخ أيامها وشهورها بالعد القمري والحساب الشهري.
فالعد والحساب صناعة حكيمة لا يتقنها إلا الماهرون من الحفظة وعد الأيام وحساب الساعات صناعة مهمة للمؤمنين، فالأيام والشهور والسنين هي مجموع عمر ابن آدم الذي قدره الله - تعالى - للمكث في هذه الدنيا، ومن ثم يتبعه المكث في القبور إلى يوم البعث، وهناك يكون الحساب والجزاء، وكما قال الإمام الحسن البصري- رحمه الله-: (يا بن آدم الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما).
وكان المشركون يشركون مع الله الدهر في القدرة على الإحياء والإماتة لغلبة الظن في أذهانهم بعدم القدرة على البعث، واتباعهم أهوائهم فضلوا وأضلوا، قال - تعالى -. ((أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون، وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)) الجاثية:23-24، ففقدوا الحواس الإدراكية، وأظلمت البصيرة المعرفيه في تقييم فائدة الزمن، فزعموا له ما ليس له.
ومع ذلك يأتي هؤلاء المشركون يوم البعث فيسألون عن مقدار لبثهم في الأرض، فتضيع المصطلحات الحسابية، وتنتهي قدراتهم العددية فيحاروا جوابا- وهم في غاية الذل والانكسار- قال - تعالى -: ((قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون. أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم)) المؤمنون- فالسائل هو الله العلي الكريم يسأل المكذبين بالبعث سؤال التبكيت والقهر بعد النفخ في الصور وقيام الأموات من القبور، فأحالوا الجواب لمن أدرك الحساب من الملائكة أو الناس الصالحين الذين يتذكرون حساب مدة المكث، والإجابة بالإحالة إلى العادين فيها دلالة قوية على مدى اليأس والقنوط الذي اعتراهم وهم في موقف البعث الذي كذبوا به وهم أحياء في الدنيا، ويدل على ذلك ما جاء في سياق تصوير الموقف قوله - تعالى -: ((أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)).
ومن مفارقات آخر الزمان سرعة الأوقات وتقارب السنوات حتى تكون السنة كشهر والشهر كأسبوع والأسبوع كيوم واليوم كساعة، وهكذا تمضي الأعمار وتمر الأزمان ويظل العادون يدركون العدد، ويحسون بقصر تلك الحياة وضالتها، ويحسبون لما بعدها من المكث في القبور والبعث. ويظل الإيمان بالبعث وانتظار الحساب والجزاء اعتقاد المؤمن الجازم الذي لا يشك فيه، فيحاسب
نفسه على كل صغيرة وكبيرة، ويحسب عمره بانقضاء الليالي والأيام، ولا يتوانى في إدراك ما فاته
من اللحظات والدقات ليعمرها بالخير والعطاء سواء كانت تلك الأيام من عداد أيام الإجازات- كما يقال- أو من أيام العمل والاجتهاد-
ومن الإشكالات العجيبة في هذا الزمان أن يتناسى الناس حساب الأيام، فإذا بدأت الأعمال انتظروا الإجازات، وإذا انقضت العطلات قالوا لم يمر علينا مثل سرعة هذه الأوقات، حتى أن بعضهم يبدأ بحساب الإجازة القادمة من أول أيام الدراسة، حتى شب على ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، فضاعت متعة الفروق بين الأوقات، والاستعداد لبذل الطاقات.
فحري عند استقبال المواسم الزمنية، مثل: استقبال المدارس في بداية العام، واستقبال! الإجازة في نهاية العام الدراسي، أن ندرك حقيقة العمر، وأن نحسب حساب الزمن، وأن نتدارك ما فاتنا من العبادات في غضون المشاغل والأعمال أو ما فرطنا فيه في أيام الإجازات، وأن نستغل أيامنا القادمة بالعمل الجاد الدؤوب المثمر لديننا وأمتنا وأنفسنا، وما يثقل به موازيننا يوم يكشف الكتاب، ويزداد الاضطراب، فيضيع الجواب إلا عن العادين الذين استعدوا ليوم الحساب
===============
الفهرس العام
الباب الثاني ... 2
أهمية الزمن في حياة المسلم ... 2
دموعٌ لم يغيّبها الزمن ... 2(2/132)
المرأة في عمق الزمن تحرير أم تغرير ... 4
الولاء والبراء بين العلم والحال في نازلة الزمان ... 9
يبٌ أنا أم زماني غريبُ؟! ... 18
الأستاذ الكبير... الزمان ... 19
قيمة الزمن ... 21
وقفة أمام بوابة الزمن ... 27
بوابة الزمن ... 33
قيمة الزمن في القرآن الكريم ... 39
خط الزمن ... ... 83
الدعاة والبعد الزمني الغائب ... 85
تأملات في أسباب غياب البعد الزمني وآثاره ... 87
البعد الزمني الغائب ... 92
الدعاة والبعد الزمني الغائب ... 109
نهاية الإجازة ... 110
من يوقف نزيف الغفلة ؟؟ ... 119
ماذا ستكتب على جدار الزمن ؟! ... 131
**وتوقفت عجلة الزمن ** ... 133
إنسانية الإنسان بين الديمقراطية والإسلام ... 134
أيها الجيل لماذا هذا الجمود ... 139
مع العام الدراسي ... 147
المصيف في ميزان الإسلام ... 152
من أجل إنتاجية أفضل أهمية رسم الأهداف ... 163
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ ... ... 169
وتلك الأيام نداولها بين الناس ... 172
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ ... 179
إن المستقبل للإسلام ... 184
{ فاعتبروا يا أولي الأبصار } ... 187
أين الخلل وما العمل ... 191
أهمية استغلال الإجازة الصيفية ... 194
لكننا نغتال ( اقرأ ) ... 197
حتى يأتيك اليقين ... 201
الإجازة رسمية وليست عبادية ... 204
رب همة أحيت أمة بإذن الله ... 232
الإعلام الديني.. سلحفاة في زمن الأرانب ... 244
وقفات من عزل الدعاة ... ... 249
أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ... 256
رسالة من مودعه ... 262
الطريق إلى التمكين ... 267
واجب الشباب عند فساد الزمان ... 301
المتحدثون عن الإسلام في زمان الفتن ... 310
آخر الزمان منفرات ومبشرات ... 320
سأحزن ما بقيتُ مع الزمان ... 329
الزمانُ النجيب ... 330
زمان الفاتحين ... 331
يا رعى الله زمان الشجب ... 333
مظاهر الغربة في زماننا اليوم ... 334
آراء معاصرة عن تغير الأحكام بتغير الزمان (1/3) ... 337
غريبٌ أنا أم زماني غريبُ؟! ... 352
قيمة عنصر الزمان بين الإدراك الخارجي والشعوري ... 353
محمد صلى الله عليه وسلم محرر الإنسان والزمان والمكان ... 356
أفيون هذا الزمان ... 362
لا يتغير الحلال والحرام بتغير الزمان ... 364
رجال لكل زمان ... 365
يقظة الوعي الحضاري .. هل يُنهي زمن الغفوة ؟ ... 370
إبحار في زمن السقوط ... 372
آه على زمن الشباب ... 374
قراءة في زمن المحنة ... 374
مولود في زمن المخاض ... 375
مبشرات في زمن الأزمات ... 378
النقال يسرع زمن استجابة المخ ... 385
الهجرة إلى الله في زمن الإنترنت ... 386
الصهاينة يسابقون الزمن في تهويد القدس المحتلة ... 387
غياب الأيديولوجية في زمن الاستضعاف ... 389
فلوجة العز في زمن الذل ... 402
تأملات في أسباب غياب البعد الزمني وآثاره ... 412
لن أعيش في زمنكم ... 417
تحذير ونذير يسابق الزمن ... " حقائق غائبة من قلب الحقيقة " ... 418
زمن الهوان العربي ... 428
في زمن ضاعت فيه الحقوق ... 434
التفاؤل في زمن اليأس ... 435
آه يا زمن ... 440
معذرة العراق إنه زمن الهوان ... 441
زمن البغاث ... 448
تاريخ الدعوة زمن الأنبياء (1) ... 450
تاريخ الدعوة زمن الأنبياء ( 2 ) ... 454
أنين العفة في زمن الغربة ... 459
خواطر في زمن الصحوة ... 460
الفكر الإسلامي في زمن العولمة ( 1 ) ... 465
الفكر الإسلامي في زمن العولمة ( 2 ) ... 471
أطفال الشوارع... بين ظلم الزمن وقساوة الأيام ... 479
توجيهات عامة في التعامل مع الزمن ... 482
عزة المسلم في زمن الانكسار ... 484
آهات أندلسية في زمن الغرباء ... 489
أنات شاعر في زمن المحنة ... 493
لحظات في حساب الزمن ... 494
خط الزمن؟ ... 495
فسأل العادين ... 497(2/133)
الوقت وأهميته في حياة المسلم
(3)
الباب الثالث
الفراغ أسبابه ونتائجه وعلاجه
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الثالث
الفراغ أسبابه ونتائجه وعلاجه
أخي الشاب دع الفراغ وابدأ العمل
دار الوطن
الحمد لله حمداً يبلغ رضاه، وصلى الله على نبيه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن والاه الى يوم الدين.
أما بعد:
هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره، وابيض شعره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وسقط حاجبيه، وتناثرت أسنانه؟ فهو يقوم بصعوبة، ويقعد بصعوبة، وينام بصعوبة، ويصلي بصعوبة، ويصوم بصعوبة، ويأكل بصعوبة، ويشرب بصعوبة، ويقضي حاجته بصعوبة.
هل تأملت هذا الرجل؟ ألم يكن شاباً مثلك..؟ يعيش حياة الشباب.. ويسير سيرهم.. ويلهو لهوهم.. ويلعب لعبهم..، لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب طويلة.. وأن قوة الشباب قاهرة.. وأن نضرة الشباب تزهو على الليالي والأيام !!
واليوم.. وبعد أن كبرت سنه.. وضعف بنيانه.. وتنوعت أسقامه.. يبكي على ما ضاع من عمره في اللهو واللعب.. يبكي على قوة الشباب التي ولت، وعلى نضرة الشباب التي استبدلت بالكبر والشيخوخة.. ويتمنى أن يعود إليه شبابه وقوته ليصرفها في طاعة الله ورضوانه. ولكن هيهات هيهات.. فكل يوم انشق فجره ينادي ابن آدم ويقول: يا ابن آدم ! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لن أعود الى يوم القيامة.
إن هذا الرجل يعيش اليوم في ندم وحسرة.. لماذا؟ لأنه لا يقوى على عبادة الله في زمن العجز والضعف والوهن.. يريد الصلاة فلا يستطيع.. يريد الصيام فلا يستطيع.. يريد الحج والاعتمار فلا يستطيع.. يريد زيارة القبور وتشييع الجنائز فلا يستطيع.. قد هدّه المرض.. وتكاثرت عليه الأوجاع.. ولذلك فإنه يبكي.
بكيت على الشباب بدمع عيني *** فلم يغن البكاء ولا النحيب
فيا أسفاً أسفت على شباب *** نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت من الشباب وكنت غصناً *** كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يوماً *** فأخبره بما فعل المشيب
احذر طول الأمل !!
أخي الشاب: قد تقول: وما الذي يجعلني أنتظر حتى أصل الى هذا الحد من الضعف والوهن.. إني سأتوب قبل ذلك العمر.. ربما في الأربعين أو بعد ذلك بقليل، وهي سن يكون الإنسان فيها متمتعاً بكامل صحته وقواه، وحينئذ أجمع بين الأمرين: متعة الشباب، وعبادة الله بعد ذلك.. والله تعالى غفور رحيم.. يتوب على العبد متى تاب، ولو في الخمسين من عمره أو الستين أو السبعين ما لم يغرغر على الموت.
ولبيان زيف هذا التصور - أخي الشاب - أحب أن أسألك هذا السؤال: من يضمن لك أن تصل الى الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين؟ بل من يضمن لك البقاء الى غد؟ بل من يضمن لك أن تقوم من مقامك؟ أما تعلم أن الموت يأتي بغتة؟ وأنه ينزل بالشباب كما ينزل بغيرهم؟ أما رأيت كثيراً من أقرانك أخذهم الموت فأصبحوا من سكان القبور؟
هل تمكن هؤلاء من التوبة؟ وهل تمتعوا بالمهلة؟ وهل استفادوا في قبورهم من تضييع الأوقات في الملاهي والمنكرات؟ وهل وصلوا السن التي تريد أن تصل إليها ثم تتوب بعدها؟ فلماذا تؤمل البقاء في هذه الدار، وطريقك محفوف بالمكاره والأخطار؟
ولماذا التسويف والغفلة؟ وأنت تعلم أن الموت يأتي بغتة وتوبوا الى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [النور:31].
قال ابن الجوزي: يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً، ولا يغتر بالشباب والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت من الشباب، ولهذا يندر من يكبر وقد أنشدوا:
يُعمّر واحد فيغرّ قوماً *** ويُنسى من يموت من الشباب
ومن الاغترار: طول الأمل، وما من آفة أعظم منه، فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً، وإنما تتُقدّم المعاصي وتُؤخر التوبة لطول الأمل وتبادر الشهوات.
تؤمل في الدنيا قليلاً ولا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش الى الفجر
فكم من صحيح مات بغير علة! *** وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
شباب عاجز:
وكذلك - أخي الشاب- إذا وصلت الى سن الأربعين فما يدريك أنك ستكون متمتعاً بقواك في هذه السن كما زعمت؟ قادراً على عبادة الله على أكمل وجه؟
أما يمكن أن يصاب ابن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين بالأمراض التي تزلزل أركانه؟ وتجعله طريح الفراش حبيس الأسرّة البيضاء؟ أما يمكن أن يبتلى ابن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين بالحوادث المروعة التي لا يستطيع بعدها حراكاً؟
فالله الله في تجديد التوبة، عساها تكف كف الجزاء، والحذر الحذر من الذنوب، فإن المبارزة لله تسقط العبد من عينه، ومتى سقط العبد من عين الله في أي أودية الدنيا هلك !
عاقبة التسويف:
أخي الشاب: هناك أمر آخر قد خفي عليك، وهو أن التسويف لا يقف عند حدّ، بل هو بحر لا ساحل له، والأماني لا تنقطع بصاحبها، ولا يزال العبد يسوف حتى يصير مجندلاً في قبره.. فإذا بلغ الثلاثين قال: سوف أتوب غداً.. وإذا جاوز الأربعين قال: سأتوب غداً.. وإذا بلغ الخمسين قال: غداً.. وإذا بلغ الستين قال: غداً غداً.. وكل يوم يمر عليه يزداد فيه بعداً من الله، ونفوراً من التوبة وسبيلها.. فالحازم من عزم على التوبة من ساعته، وترك سبل الغواية الآن قبل غده.
قال الحسن رحمه الله: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وكذب.. لو أحسن الظن لأحسن العمل.
خذ من شبابك قبل الموت والهرم ** وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعلم بأنك مجزئ ومرتهن *** وراقب الله واحذر زلة القدم
فيا أيها الشاب: إياك والتسويف بالتوبة، والاتكال على العفو والمغفرة، فالله تعالى كما أنه غفور رحيم، فإنه أيضاً شديد العقاب، ذو بطش شديد، وأخذ أليم. قال تعالى: إن بطش ربك لشديد [البروج:12]. وقال سبحانه: إن أخذه أليم شديد [هود:102]. وقال النبي : { إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته} [متفق عليه].
وهناك ثلاثة أسباب للتراخي والميل الى اللذات:
أحدها: رؤية الهوى العاجل، فإن رؤيته تشغل عن الفكر فيما يجنيه، لأن عين الهوى عمياء !
الثاني: التسويف بالتوبة، فلو حضر العقل لحذر من آفات التأخير، فربما هجم الموت قبل أن تحصل التوبة.
الثالث: رجاء الرحمة فيقول العاصي: ربي رحيم، وينسى أنه شديد العقاب.
قل للمفرط يستعد *** ما من ورود الموت بد
قد أخلق الدهر الشباب *** وما مضى لا يسترد
أو ما يخاف أخو المعاصي *** من له البطش الأشد
يوماً يعاين موقفاً *** فيه خطوب لا تحد
فإلام يشتغل الفتى *** في لهوه والأمر جد
شاب نشأ في عبادة الله:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله عز وجل، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه } [متفق عليه].
أخي الشاب:
ألا تريد أن يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟
ألا تريد أن تأخذ كتابك بيمينك فتقول فرحاً مسروراً: هاؤم اقرءوا كتابيه، إني ظننت أني ملاق حسابيه [الحاقة:19-20].
ألا تريد لقيا الأنبياء والمرسلين في جنات عدن؟
ألا تريد التمتع بالحور العين والجواري الحسان؟
ألا تريد النظر الى وجه الله الكريم؟ وجوه يومئذ ناضرة، الى ربها ناظرة [القيامة:22-23].
ألا تريد نعيماً لا ينفذ وقرة عين لا تنقطع؟
إن كنت تريد ذلك فـ:(3/1)
شمر عسى أن ينفع التشمير *** وانظر بفكرك ما إليه تصير
طولت آمالاً تكنفها الهوى *** ونسيت أن العمر منك قصير
وكن كما كان هذا الشاب الذي حكى عنه بكر العابد، فقال تعبّد شاب صغير من أهل الشام فبالغ بالعبادة والاجتهاد، فقالت له أمه: يا بني ! لماذا لا تلهو مع الشباب الذين هم في مثل سنك؟ فقال لها الشاب الطائع: يا أماه ! ليتك كنت بي عقيماً.. ليتك لم تلديني يا أماه.. إن لابنك في القبر رقاداً طويلاً، وفي عرصات القيامة موقفاً مهولاً.. فقالت له: يا بني ! لولا أني أعرفك صغيراً وكبيراً لظننت أنك أحدثت حدثاً موبقاً، أو أذنبت ذنباً مهلكاً لما أراك تصنع بنفسك، فقال لها: يا أماه ! وما يدريني أن يكون الله عز وجل قد اطلع علي وأنا في ذنوبي فمقتني، وقال: اذهب فلن أغفر لك.
هكذا كان شباب الأمس، يعبدون الله تعالى، ويخافون ألا يتقبل الله منهم، أما شباب اليوم - إلا من رحم الله - فقد جمع بين التقصير بل التفريط والغفلة، ومع ذلك يظن كل واحد منهم النجاة يوم القيامة.
وصية نبوية:
عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك } [الحاكم والبيهقي وصححه الألباني].
الإسلام وحظوظ النفس:
أخي الشاب: يخطئ من يظن أن طريق الاستقامة يمنع المتعة ويحرم البسمة، وينهى عن المزحة، ويحظر الشهوات على الإطلاق بل إنه ضبط هذه الأمور وفق حدود شرعية حتى لا يكون الإنسان عبداً لهواه وشهواته، فهناك انواع من المتع المباحة التي أقرها الإسلام وحث عليها، ومن ذلك:
أولاً: النكاح: فالنكاح حث عليه الإسلام، وجعله سبيلاً لضبط الشهوة، وطريقاً للمودة والرحمة بين الزوجين، قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [الروم:21].
ونظراً لقوة داعي الشهوة لدى الشباب خصهم النبي بالأمر به، فقال عليه الصلاة والسلام: { يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء } [متفق عليه].
وفي النكاح فوائد عظيمة منها:
1- أنه تنفيذ لأمر الله تعالى في كتابه.
2- أن اتباع لسنن الأنبياء والمرسلين وبخاصة سنة نبينا محمد .
3- به تحصيل المودة والرحمة والتعاون والألفة بين الزوجين.
4- به يتم التعارف والتآخي بين الأسر والعائلات.
5- به تحفظ الأنساب ولا تختلط.
6- به تحصن الفروج وتضبط الغرائز ولا يعتدي الناس بعضهم على بعض.
7- به يكثر النسل وتقوى شوكة الأمة ويهاب جانبها.
8- به يحصل الأجر لكلا الزوجين إذا عاشر كل منهما الآخر بالمعروف.
9- به تحفظ المجتمعات من الفساد والانحلال.
10- به يحفظ الزوجان من الأمراض الفتاكة التي تصيب من يقضي وطره بالطرق المحرمة.
أخي الشاب: وحرم الإسلام الزنى لما فيه من الأضرار الجسيمة على الأفراد والأسر والمجتمعات، فبالزنى تختلط الأنساب وتنتشر العداوة والبغضاء، ويظهر القحط ويعم البلاء، والزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله.
ومن نتائج الزنى:
1- غضب الرب سبحانه لانتهاك محارمه.
2- سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت.
3- ظلمة القلب وطمس نوره والوحشة وضيق الصدر.
4- الفقر اللازم للزناة ولو بعد حين.
5- السقوط من عين الله وأعين العباد.
6- الاتصاف بأخبث الأوصاف كالفاجر والزاني والخائن والفاسق.
7- نزع الإيمان من القلب، لقول النبي : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } [متفق عليه].
8- التعرض للعذاب في جهنم مع الزناة والزواني.
9- الإصابة بالأمراض الفتاكة كالإيدز والهربز والسيلان.
10- فوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.
ثانياً: الأكل والشرب: قال تعالى: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه [الملك:15].
1- أن يكون الطعام والشراب من الطيبات كما قال تعالى: ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث [الأعراف:157]. فالدخان والحشيشة والخمر كلها من الخبائث المحرمة.
2- أن يكون بقدر الحاجة كما قال تعالى: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا [الأعراف:31].
3- أن يكون في غير الأوقات التي حرم الله فيها الأكل والشرب كنهار رمضان، قال تعالى: ثم أتموا الصيام الى الليل [البقرة:187].
4- أن يكون الطعام والشراب من مال حلال، فإن كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به.
ثالثاً: الضحك والمزاح: فقد كان النبي يضحك، وكان يمزح، ولكن لا يقول إلا الصدق، فليس في الإسلام مكان لباطل ولو عن طريق المزاح والتفكه، وليس هناك نكات تروج للكذب، وتتخذ من السخرية مادة للضحك وتضييع الأوقات قال النبي : { ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له } [أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه الألباني].
رابعاً: الرحلات والزيارات: وهذه أيضاً من المتع المباحة شريطة ألا يتخللها معصية، من شرب للدخان أو استماع للملاهي أو التحدث بالرفث من القول وغير ذلك.
وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين: "أحث الشباب على إقامة الزيارات فيما بينهم، حتى تتوطد الألفة والمحبة بين القلوب، وعليهم أن يدرسوا أحوالهم وأحوال أمتهم، ليكونوا كقلب واحد، ورجل واحد، وما أعظم ثمرة الزيارات إذا قرنت برحلات قريبة أو بعيدة، فإن لها أثراً كبيراً، وعلى المربين من الأساتذة والمديرين قسط كبير من هذا التوجيه".
خامساً: الرياضة وتقوية الأبدان: فالمؤمن القوي خير واحب الى الله تعالى من المؤمن الضعيف، ويروى عن عمر أنه قال: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"، ولكن ينبغي للشاب أن يكون له نية صالحة في ذلك وهي الجهاد في سبيل الله والذب عن الشريعة والدفاع عن الدين والنفس والعرض والأرض والمال.
دع الفراغ وابدأ العمل:
أخي الشاب: ها نحن قد أخذنا الحديث وتكلمنا كثيراً، فلماذا لا نبدأ من الآن؟ أعترف أن البدايات قد تكون صعبة ولكن..
"عند الصباح يحمد القوم السرى".
وأذكرك بقول النبي : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ } [ البخاري]. فكأنك المقصود بهذا الحديث أيها الشاب، فأنت في الزمان الصحة والقوة، وعندك كثير من الأوقات التي انشغل فيها غيرك بتدبير معاشهم والسعي في أرزاقهم، فلماذا لا تستثمر هذه الأوقات فيما يقربك الى الله، وفيما يكون ذخراً لك يوم القيامة؟
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأبغض الرجل أراه فارغاً، لا في أمر دنياه، ولا في أمر آخرته.
وقال أبو العباس الدينوري: ليس في الدنيا أعز وألطف من الوقت والقلب، وأنت مضيع لهما !!
وقال يحيى بن معاذ الرازي: المغبون من عطل أيامه بالبطالات، وسلط جوارحه على الهلكات، ومات قبل إفاقته من الجنايات.
وقال أحد السلف: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما.
وقال عيسى عليه السلام: إن هذا الليل والنهار خزانتان فانظروا ما تضعون فيهما. وكان يقول: اعملوا لليل لما خُلق له، واعملوا للنهار لما خلق له.
وقال أبو زيد: إن الليل والنهار رأس مال المؤمنين، وربحهما الجنة، وخسرانها النار..
إنما الدنيا الى الجنة والنار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق!!
وقال إبراهيم بن شيبان: من حفظ على نفسه أوقاته فلا يضيعها بما لا رضى لله فيه، حفظ الله عليه دينه ودنياه.(3/2)
وقال عمر بن ذر أنه كان يقول في مواعظه: لو علم أهل العافية ما تضمنته القبور من الأجساد البالية، لجدّوا في أيامهم الخالية، خوفاً من يوم تتقلب فيه القلوب الأبصار.
اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسى أن يكون موتك بغتة
كم من صحيح رأيت من غير سقم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
قال الإمام ابن رجب: "فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة، وقبل أن لا يقدر عليها، ويحال بينه وبينها، إما بمرض أو موت، أو بأن يدركه بعض الآيات التي لا يُقبل معها عمل".
وقال ابن الجوزي: واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، ففي الصحيح عن رسول الله أنه قال: { من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة } [الترمذي، وصححه الألباني]. فكم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل ! وهذه الأيام مثل المزرعة، فكأنه قيل للإنسان: كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألف كرّ - والكرّ: مكيال يقدر بأربعين أردباً - فهل يجوز للعاقل أن يتوقف في البذر ويتوانى؟!
قال تعالى: وأنيبوا الى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين [الزمر:54- 58]. وقال تعالى: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون [المؤمنون:99-100].
وختاماً أخي الشاب:
1- اعلم أن عمرك رأس مالك فلا تضيعه فيما لا يفيد.
2- تخير أصدقاءك، واجتنب صحبة الأشرار ومجالسهم.
3- حافظ على الصلاة فإنها سبيل النجاة، ولا تنم عن صلاة الفجر.
4- أسبغ الوضوء على المكاره، وأكثر الخطا الى المساجد وانتظر الصلاة بعد الصلاة.
5- بادر الى المسجد عند سماع الأذان فالله أكبر من كل شئ.
6- أكثر من الصيام فإنه دواء لكثير من أدواء الشباب.
7- عوّد نفسك الصدقة والبذل والعطاء، فإنه سبب لرفع كثير من البلاء.
8- بادر بأداء فريضة الحج ولا تؤخرها، والعمرة الى العمرة كفارة لما بينهما.
9- اجعل لك ورداً من القرآن كل يوم وحافظ عليه فخيركم من تعلم القرآن وعلمه.
10- أكثر من الذكر والدعاء في الليل والنهار، فإن الله تعالى يحب الذاكرين ويجيب دعاء الداعين.
11- طالع في سيرة النبي وسير أصحابه، لعلك تكتسب بعض صفاتهم.
12- داوم على حضور مجالس العلم، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم.
13- عليك بالتواضع وإياك والكبر، فإنه لا يدخل الجنة متكبر.
14- إياك والحسد فإنه ذنب إبليس الذي طرد به من الجنة.
15- أطع والديك ولا تغضبهما فإنه لا يدخل الجنة عاق.
16- عيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة القبور من وسائل زيادة الإيمان والتذكير بالآخرة فلا تغفل عنها.
17- تبسمك في وجه أخيك صدقة فأحسن لقاء إخوانك.
18- إياك والغناء فإنه لا يجتمع في قلب عبد محبة الغناء ومحبة القرآن، فانظر أيها تختار.
19- تعوّد غض البصر عبادة المتقين.
20- كن في حاجة إخوانك، فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===============
كيف أملأ الفراغ في حياة زوجتي؟
المجيب ... عبد العزيز بن علي السويد
مستشار اجتماعي
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية /اجتماعية أخرى
التاريخ ... 05/06/1428هـ
السؤال
أنا موظف وعملي على صفة دائمة، حيث إن ساعات العمل ست ساعات، وساعات الراحة أربع وعشرون ساعة، على سبيل المثال الدوام من الساعة السادسة صباحا و حتى الثانية عشرة ظهرا، وأستلم في اليوم التالي عند الساعة الثانية عشرة ظهراً وحتى السادسة مساء وهكذا، وأعمل في مدينة بعيدة عن مدينتنا، و متزوج ولي ولد، وزوجتي معي، ولا أعرف أحداً بالمدينة التي أعمل فيها، فكيف أقضي هذا الفراغ الذي في حياتي وحياة زوجتي، وكيف أعوضها حرمانها وبعدها عن أهلها؟ أريد طريقة لترتيب وقتي.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الكريم... بالنسبة لوقت الفراغ الذي لديك فهو نعمة من الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" لذلك فتلك النعمة تستوجب الشكر بالعمل الصالح، والإخلاص بالعمل وتحمّل أمانة المسؤولية في عملك، ولكن قبل ذلك لابد من أخذ قسط من الراحة بعد ساعات عملك ليرتاح جسمك وذهنك, حتى تعود لعملك نشيطاً مرتاح البال.
أما كيف تقضي وقت الفراغ, فإن هناك عدة أمور يمكن أن تستفيد منها في وقت فراغك: 1- القراءة وتنمية هذه العادة، خاصة حين تقرأ في مجال عملك ستجد فائدتها مستقبلاً إن شاء الله.
2- تكوين أصدقاء صالحين، سواء من زملائك في العمل أو من خارج العمل لتقضوا وقت الفراغ فيما ينفع, خاصة إذا اجتمعت عائلاتكم معاً.
3- البحث عن عمل إضافي ومصدر للرزق، بشرط أن لا يكون على حساب عملك الرسمي..
4- بالنسبة لزوجتك يمكنها التعرف على بعض الجيران بعد التأكد من مناسبتهم لها .. وتتعرف أنت على نفس الجيران لتعرف الآباء والأبناء الكبار, حتى تعرف الصالح المناسب، فيكون هناك برنامج زيارة لهم، وتبادل الزيارة.
5- يوجد دور نساء متخصصة بتعليم القرآن وتجويده، وهي صباحية ومسائية ومجانية وخيرية, فيمكن لزوجتك الالتحاق بأقرب دار نسائية, وهي تابعة لجمعيات تحفيظ القرآن، وتشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية.. فتعوّض على زوجتك بعدها عن أهلها بما هو خير, وهو تعلّم القرآن الكريم وحفظه وتجويدة.
حيث لازلت شاباً وكذا زوجتك وغداً عندما ترزقان بأبناء وبنات , سيكون وقت الفراغ بالنسبة لزوجتك تقضية بأعمال المنزل, خاصة أثناء غيابك للعمل .. وحتى الآن يمكن لزوجتك بدل انتظارك لتعود من العمل أو النوم, يمكنها أن تقوم بالأعمال المنزلية , حتى إذا رجعت من عملك وجدتها صاحية ومتفرغة لك.
يمكن لزوجتك القيام ببعض الهوايات المنزلية, من التطريز والخياطة والزخرفة. تتعلمها كهواية،
ثم إذا أتقنتها يمكن بيع بعض المنتوجات للجيران... وهذه الهواية سهلة التعلم , وتقضي على وقت الفراغ وهي ممتعة ومفيدة، فبإمكانك شراء بعض اللوازم من المحلات المتخصصة أو المكتبات الكبيرة لأعمال النسيج والخياطة والحياكة والتطريز, واسأل الله أن يحفظك ويحفظ لك ابنك، و زوجتك وييسر لك أعمالك.
==============
أصبحت انطوائية!
المجيب ... د. عائشة بنت سفر الشهراني
أخصائية طب نفسي بوزارة الصحة
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /اخرى
التاريخ ... 01/07/1427هـ
السؤال
أنا أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، معاناتي هي أنني منذ خمس سنوات تغيرت أحوالي تماماً، لجأت إلى الوحدة والصمت الرهيب بدون سبب، ازداد كرهي للرجال كثيراً حتى أني لا أثق فيهم أبداً حتى الوالد، والأصعب أني أشعر برغبة ملحة في البكاء وخاصة في المناسبات السعيدة، ولم أعرف للعيد معنى غير الفراغ الكبير الذي يحاصرني، وعشقي الشديد للانطوائية والغربة التي أشعر فيها وأنا مع أهلي وبين أسرتي، بينما أجد راحتي مع صديقتي. أرشدوني فمعاناتي تزداد يوماً بعد يوم، وأصبحت أهرب كثيراً من كل شيء.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(3/3)
فما ذكرتيه -يا ابنتي- هو مظهر من مظاهر الاضطرابات العاطفية التي تصاحب فترة المراهقة؛ نتيجة التغيرات الهرمونية والنمو والتغيرات السنية، فيصبح المراهق كثير الحساسية والعزلة، مندفعاً -شديد الغيرة- يعاني من إحساس بالفزع، والرغبة في الحب، والعزلة، والخوف، والتوحد مع الأصدقاء أو صديق واحد، والإهمال في الدراسة...الخ.
وهذه المشاعر تتحسن مع الوقت إذا أدركنا أنها مجرد مرحلة عمرية وتنتهي، ولكن إذا ضخمناها واعتبرناها مشكلة مرضية فقد تزداد سوءاً، وتصبح سمة من سمات الشخصية، لذا من الأفضل في هذه المرحلة حُسن استغلالها، وملء وقت الفراغ فيما هو نافع، والقراءة في مراحل النمو (مرحلة المراهقة)، وكيف نستطيع أن نتجاوزها.
أنصحك بقراءة كتاب د. أكرم رضا (مراهقة بلا أزمة) وعليك كذلك بزيارة طبيبة نفسيه للتأكد من عدم إصابتك بالكآبة المرضية.
==============
أحس فراغاً عاطفيَّا، لذا..!
المجيب ... عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف ... الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /اخرى
التاريخ ... 07/11/1427هـ
السؤال
أعاني من الفراغ؛ وذلك بسبب عدم قبولي في الجامعة، ولأني أريد الوظيفة. وصراحة أريد الزواج، ولم يأت نصيبي. وأنا أعرف أن الزواج نصيب، ولكنني أحس بفراغ عاطفي، وليس فراغاً لأنني لا أعمل أو لا أدرس.. أقولها وكلي خجل وأسف إنني أصبحت أتحدث مع الشباب في الماسنجر وأحياناً في الجوال؛ لأنني أحس أنهم يعطونني الاهتمام والحنان والحب الذي أفتقده وأريده. أعلم أنك سوف تقرأ الرسالة وتحتقرني ولكن لا أحد يشعر بما أحس به، وما أحتاجه وأقسم بالله أنني لا أريد سوى الحلال ولا أتمنى سواه. ولكن ما العمل؟ وآسفة وسامحني إذا تبجحت في الألفاظ وشكراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعدم القبول في الجامعة أوجد الفراغ العاطفي وهو بدوره ربطك بالشباب. لا يا مباركة.. لن أحتقرك ولم تتبجحي في ألفاظك فأنت في أحسن حالات الأدب، وسؤالك قوة في الحق اسألي نفسك هل كل من تخرج من الثانوية قبل في الجامعة؟ الجواب: لا. سؤال آخر: الفراغ العاطفي هل هو سبب أو نتيجة بمعنى إحساسك بالفراغ والذي وصفتِه بالعاطفي هل له تعلق بالفراغ من العمل، أم أن هناك مشكلة داخل النفس؟
ابنتي: إن إحساسك بالنجاح يرفع رأسك، ويعلي قدرك في داخلك. وإحساسك بفقده يشعرك بضآلة نفسك، ويحط من قدرك في نفسك، ومن ثم عليك أن تعملي على إشعار نفسك بالنجاح بالمشاركة فيما تقدرين عليه من الأعمال الخيرية المجانية، أو الأعمال المهنية أو الوظيفية.
وأما محادثة الشباب عبر عدة وسائل فهي متعة باهظة الثمن، هم لا يتضررون منها أما أنت فهي حياتك ومجدك وعزك وعفافك.
اعلمي ابنتي أن أيًّا من هذه الثعالب البشرية لن يرضى بك زوجة، ولو تم ذلك فإن الطلاق في الأعم الأغلب هو النهاية الطبيعة لعلاقة كانت بداياتها غير سوية، كما تقول الإحصائيات في دول الخليج عامة. وستدخلين في مشاريع حب وهمية، تضعف قلبك وتَحَمُّلَكِ، وحرصك على النجاح.
وإليك وصفة النجاح النبوية "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز.. الحديث" واعلمي أن أخيات كثيرات لم يوفقن في دخول الجامعات، ولم يحصلن على وظائف، ولم يدفعهن ذلك للارتباط بالشباب. ومشكلتك في عواطف ومشاعر مشبوهة لم تجد من يرعاها بحق. اطلبي ذلك من قريباتك وصديقاتك حتى يسهل الله سبحانه العريس الصالح. فليس الهدف الزواج لكن السعادة. ولك تحياتي.
===============
أخي والانترنت .. والفراغ ..!!!
المجيب ... د. عبد العزيز الصمعاني
التصنيف ...
التاريخ ... 17/3/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
مشكلتي مع أخي الصغير صاحب أل 13 عاماً فهو أصغر فرد في عائلتنا .. وفي الفترة الأخيرة زادت الساعات التي يقضيها على الشبكة لمحادثة رفقائه الذين هم في عمره ومن هم أكبر منه ولقد تعرف في الفترة الأخيرة على شخص لا أدري بالضبط كم عمره ولا من يكون بالضبط ولكن هذا الشخص بدأ يرسل لأخي الصور الخليعة على بريده الإلكتروني والمصيبة أن أخي هو من يطلب منه ذلك ولقد كشفت هذا الأمر عندما جلست دون علم أخي وفتحت بريده الإلكتروني لأفاجأ بتلك الصور اللعينة ، وعندما علم أخي بذلك أنكر معرفته بذلك الشخص ولكني قرأت رسالة ذلك الشخص الذي يقر بأن أخي هو من يطلب منه هذه الصور..!! بصراحة لا أعرف كيف أتصرف مع أخي الصغير المراهق وخاصة أنني لابد أن أكون حذرة في التصرف معه لعلمي بحساسية المراهق في هذه الفترة وتمرده أفيدوني أفادكم الله .
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد :
أختي الكريمة أشكر لك ثقتك واتصالك في موقع الإسلام اليوم ..
يبدوا أن أخاك يعاني من فراغ وهو من أخطر الأشياء التي تواجه الشاب أو المراهق ..!!! حيث يكون وقت فراغه أكثر مما يستوعبه ولهذا _ كما ذكر أحد علماء الاجتماع _ أصبحت تقنية قضاء ساعات الفراغ والبطالة اليوم من أصعب القضايا التي واجهتها شعوب العالم .. !!
أخوك اختار أن يقضي فراغه بالجلوس كثيراً مع الإنترنت وحيداً بنفسه ولا يخفى عليك أن الإنترنت فيه خير وشر وأخوك في عمر حساس كما ذكرت وهو في عمر التجريب والمجازفة وهذا خطير خاصة إذا توفرت عوامل التجريب والمجازفة بدون تحكم أو مراقبة ولذلك قد لا ألوم أخاك كثيراً ولكن ألوم من حوله من الأخوة والأخوات وخاصة الأخوة القريبون من عمره حيث أنه بحاجة إلى صداقتهم مع ملاحظة وتوجيه الكبار له لذا نصيحتي لك هو بذل الجهد بأن لا يخلوا أخوك وحده على الإنترنت كثيراً وخاصة في المحادثات .. إضافة إلى تنوع وسائل ملء فراغه أي لا يقتصر على ملء فراغه على الإنترنت وهذا قد يتحقق بوجودكم حوله وتوفير وسائل مضمونة الفائدة بإذن الله .
على كل حال نحن بحاجة إلى أن نربي أولادنا التربية بالإقناع وبث الثقة عند الشخص ومراقبة الله وجعل الرقيب هو الله سبحانه وتعالى وهذا ضروري جداً وخاصة في هذا العصر والذي تكثر فيه المتناقضات وعوامل اللهو والإغراء لتلبية متطلبات الهوى والنفس التي غالباً ما تميل إلى الهزل وتسعى إليه .
وفقك الله لما فيه الخير وجزاك الله خيراً على حرصك على أخيك وانتباهك له .
==============
طفلتي .. والفراغ !!
المجيب ... أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف ...
التاريخ ... 28/11/1422
السؤال
ابنتي تبلغ من العمر ثلاث سنوات ، ومشكلتها أنها تشعر بفراغ ؛ كبير فأخوها صغير عمره أربعة أشهر ، ولا يمكنه اللعب ، معها وأبوها دائم الانشغال بدراسته وليس لدينا جيران . فأرجو منكم أن تقترحوا عليّ برنامجاً يساعدني على ملء وقت فراغها ، وما هي الكتب المعينة لي على تربيتها التربية الدينية القويمة ؟
الجواب
أختي الكريمة ، أشكر لك ثقتك وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .. أما استشارتك فتعليقي عليها ما يلي :
أولاً - ابنتك لم تزل صغيرة ، وعالمها صغير جداً ، ولم تدرك بعد معاني مثل " الانشغال "و"الفراغ" وغير ذلك .
ثانياً : في مثل هذا العمر قد يجدي كثيراً توفير بعض الألعاب الحركية للطفل ، وبعض التركيبات الخاصة بالأطفال ، إضافة إلى إيجاد بعض البرامج والأفلام الكرتونية الهادفة وهي متوفرة بفضل الله كثيراً في الأسواق .(3/4)
ثالثاً : جميل لو تم تحفيظ الطفلة بعض الأذكار البسيطة والأدعية .. والحروف والأرقام بطريقة بسيطة تتناسب مع عمر الطفلة ، وعدم الاستعجال في ذلك ، وانتظار النتائج بسرعة ، ويمكن الاستعانة ببعض البرامج والأشرطة سواء أشرطة الفيديو أو المسجل .. وهي أيضاً متوفرة .
رابعاً : لا تنسي الدعاء لها بالهداية والتوفيق والصلاح ، والجئي إلى الله بالدعاء واحتسبي عند الله رغبتك بتربيتها تربية إسلامية جادة ، وستؤجرين على ذلك إن شاء الله وتُعانين عليه .
وفقك الله ، وأعانك ، وأصلح لك أطفالك ، وجعلهم قرة عين لك في الدنيا والآخرة ..
============
الإنترنت وسيلة لقهر الفراغ والاحتلال!
2004/08/12
**سامي عكيلة
الإنترنت بديل عن الفراغ الاجتماعي للفلسطينيين
ظاهرة مقاهي الإنترنت في فلسطين المحتلة وانتشارها الذي وصف بالملحوظة، كانت مرتبطة بأزمة وقت الفراغ عند الشباب الفلسطيني المقرونة بسياسة "الكانتونات"، والسجون الجماعية التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي على أفراد المجتمع الفلسطيني والتي ما كان لها من جلاء لا في صيف ولا شتاء.
وأمام هذه السياسات الإسرائيلية تبرز الحاجة لابتكار بدائل ضرورية يلجأ إليها الإنسان الفلسطيني لمقاومة عدوه، وإذلاله للحصار الذي يفرضه عليه محتلو أرضه وسمائه وبحره.
فمن جانبه قال مصطفى حسين صاحب مقهى "إنترنت كوفي القدس" في حي الرمال بغزة: "هناك اهتمام كبير لافت للنظر من قبل الجماهير الفلسطينية، وخاصة فئة الشباب منهم"، وأرجع الإقبال الشديد على مقاهي الإنترنت إلى أن الشباب الفلسطيني المحاصر برًّا وبحرًا وجوًّا يعاني في فصل الصيف من أزمة وقت الفراغ: "بالإضافة إلى أن الإنترنت مصدر واسع وشامل للمعلومات التي تفيد بدورها الطلاب الفلسطينيين في دراستهم، وهي أيضًا سهلة الاستخدام، والوصول للمعلومة فيها غير معقد مقارنة بغيرها من الوسائل الاتصالية الأخرى".
وأضاف حسين: "أما عن فئة المراهقين فإن اهتمامهم بالإنترنت يعود إلى انخفاض تكلفة سعر الساعة، بالإضافة لكونه مصدرًا هامًّا لإشباع رغباتهم وتمضية أوقات فراغهم بما ينفع أو بما لا ينفع حسب ذوق المراهق نفسه وتربيته.
لا للمواقع الإباحية
ويؤكد "حسين" أنه يحاول بقدر الإمكان أن يراقب كل المحطات العاملة لديه في المقهى عبر جهاز مركزي مرتبط بأجهزة الكمبيوتر في المقهى "بالإضافة إلى امتلاك المقهى لبرنامج لديه القدرة على إغلاق كافة المواقع الإباحية التي يمكن لبعض المراهقين السعي وراءها تلقائيًّا".
ويرى حسين أن الإنترنت تعتبر من أهم وسائل الاتصال الجماهيرية القادرة على جمع أكثر من وسيلة اتصال في آن واحد، منوهًا إلى أن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى كافة الوسائل الاتصالية الحديثة التي بمقدورها أن تكون أحد عوامل صموده أمام الاحتلال الإسرائيلي وحصاره الخانق.
إدمان من نوع جديد
شعار لا للمواقع الإباحية ترفعه مقاهي الإنترنت
"هاني محمد الأستاذ" -20 عامًا- طالب جامعي يدرس المحاسبة، ومن الشغوفين بهذه الوسيلة، حيث يقصد مقاهي الإنترنت لمراسلة أهله في المملكة السعودية.
ويضيف هاني أن من المواقع التي يرغب في الدخول إليها موقع "الشات" المعروف باسم "mirc"، وكذلك برنامج "الماسنجر" الذي من خلاله يقوم بالتحدث مع أهله وأقربائه في السعودية بشكل مباشر.
ويضيف هاني قائلاً: "الإنترنت كل شيء في الدنيا، فهو بمثابة التلفزيون والإذاعة والسينما والصحيفة والكتاب وكل شيء ناطق أو مقروء على وجه الأرض، فالإنترنت الصديق الحميم بالنسبة لي، ومتنفسي الوحيد وسط الحصار الخانق". مؤكدًا أنه طيلة مكوثه أمام شاشة الكمبيوتر لا يشعر بالملل فالساعات تمضي كالبرق، على حد وصفه.
ويشير هاني إلى أنه يملك سبعة عناوين على البريد الإلكتروني وهي موزعة على "الهوت ميل" "والياهو"، الأمر الذي يزيد من اهتمامه بالإنترنت؛ لمتابعة الرسائل الجديدة التي ترده من أصدقائه من مختلف أنحاء العالم.
ضد الحصار
ومن جهته يقول "زكريا الصباح" -33 عامًا- مدير مقهى "أوفر سيز": خلال العطلة الصيفية يختلف نظام العمل في المقهي اختلافًا كاملاً، حيث يستقبل المقهى زبائن جددًا من فئات عمرية مختلفة، وهذا يحتم علينا تغيير مواعيد فتح وإغلاق المقهى وزيادة عدد المرشدين، وأجهزة الكمبيوتر المجهزة.
ويرجع الصباح الإقبال المتزايد على الإنترنت إلى البطالة، ووقت الفراغ الذي يعاني منه الشباب الفلسطيني خاصة في فصل الصيف.
ويشير إلى أن الإنترنت أحد الوسائل للتغلب على الإحباط النفسي عند الشباب الفلسطيني، حيث يفتح أمامه آفاقًا للاتصال بالعالم الخارجي مقابل الحصار المفروض على المدن الفلسطينية.
وينفي صباح سهولة السيطرة على بعض المراهقين الذين يسعون وراء المواقع الإباحية، مضيفًا أن الجانب الترفيهي أصبح طاغيًا على الجانب الثقافي؛ وذلك لطبيعة الكبت الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.
شات سياسي!!
وفي المقهى ذاته التقينا بعاصم الشاعر -20 عامًا- طالب في كلية الاقتصاد، حيث قال: "في أوقات الدراسة كنت ارتاد المقهى ثلاث مرات أسبوعيًّا، ولكن خلال الإجازة الصيفية أصبحت أقصد المقهى يوميًّا؛ وذلك لسعة فراغ الوقت الممل.
ويرى الشاعر أن الإنترنت وحده لا يكفي لسد الفراغ الكبير في حياة الشاب إلا أنه الوسيلة المتاحة في الوقت الحالي، مؤكدًا أن الإنترنت وسيلة من وسائل فك الحصار وشرح وجهة النظر الفلسطينية للعالم.
وضرب لنا الشاعر مثلاً في لقائه مع شخص أمريكي عن طريق الإنترنت، حيث حاول إقناعه بالحقيقة، ونقل له المعاناة الفلسطينية بعدما كان يجهلها.
الترفيه وليس التثقيف
ويؤكد حامد أبو هربيد -21 عامًا- الطالب في قسم الصحافة أن ما يميز الصيف هو وقت الفراغ، ووجود وسيلة مثل الإنترنت قد تساهم في إشباع هذا الفراغ، لكنها بحاجة إلى الترشيد الكافي بحيث لا تصبح مصدر قلق بدلاً من كونها مصدر ثقافة.
ويرى أن الاتجاه العام لدى الشباب تجاه الإنترنت يعتمد على الترفيه، داعيًا الشباب إلى اعتبار الإنترنت وسيلة لتطوير الذات وتنوير العقل في ظل التحديات القائمة.
ويفسر أبو هربيد الإقبال المتزايد على المقاهي في فترة الصيف في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة لدى الشعب الفلسطيني إلى أوقات الفراغ المقرونة بانعدام المرافق العامة للشباب.
ويضيف أن الشاب أصبح يدخر من مصروفه ويضغط على نفسه في سبيل ارتياد مقاهي الإنترنت، "والإنترنت قد يحل بعض المشاكل لدى الشباب، ولكنها تبقى قائمة في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المتردية".
مادية بحتة..!!
أما عن "حسن قنديل" -32 عامًا- الذي يعمل في مجال صيانة شبكات الإنترنت، أحد المتابعين لحركة انتشار مقاهي الإنترنت، فيعزو هذه الظاهرة إلى سببين، الأول: متعلق بالشعب الفلسطيني، حيث الكبت والضغط النفسي الذي يعاني منه، والآخر: متعلق بطبيعته المتجهة نحو الانفتاح والتعاطي مع التقنيات الحديثة.
وأكد قنديل أن أصحاب المقاهي -في معظمهم- ينظرون إلى الإنترنت نظرة مادية بحتة: "باعتباره وسيلة للكسب المادي، وهذه النظرة تزداد شراهة في فصل الصيف، حيث أوقات الفراغ لدى الشباب".
ويشير قنديل بالقول: "على الرغم من أن الجانب الثقافي هو الأساس في الإنترنت فإن 70% من الشباب لا ينظرون إليها بهذه الصورة، بل ينظرون إليها على أنها وسيلة لإضاعة الوقت، والهروب من الواقع الفلسطيني المؤلم".(3/5)
ويؤكد قنديل أن هذا الانتشار الواسع لمقاهي الإنترنت يرتكز على مظاهر فارغة، وليس على مضامين، وأضاف: "ومعظم المقاهي تعاني من ضعف في الإمكانيات، وعدم جاهزية في أجهزة الكمبيوتر، ورداءة شبكات الإنترنت وبطئها، ونقص الخبرات لدى مديريها".
ويضيف أن محاولة توحيد أسعار الساعة للإنترنت من قبل إحدى الشركات الفلسطينية باءت بالفشل، مرجعًا ذلك إلى أن الكثير من أصحاب المقاهي يتبعون أهواءهم محاولة منهم لاحتكار سوق الإنترنت.
=============
هل في حياة المسلم فراغ
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102]. (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1]. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما بعد ، أيَّها المسلمون :
فحين تغيبُ الاهتماماتُ الكبرى عن حسِّ المسلمِ و ضميرِه، تتسعُ دائرةُ الفراغِ من حولهِ، وتتمددُ مساحةُ الوقتِ الضائعِ سُدى، و من ثمَّ تنحصرُ المشاغلُ المستنزفةُ لعقاربِ الزمن في قضايا ثلاث :
أولها الطعامُ و الشراب !!
وثانيهما النومُ الاسترخاء !!
وثالثهما المتعةُ و الترفيه !!
هذه الثانويات ظلَّ الكثيرونَ مشغولينَ بها، متطاحنينَ من أجلِها، لِتُشكلَ بفضلِ عنايتِهم الفائقةِ بشأنِها عقباتٍ كوؤد أمامَ تقدمهِم إلى الأمام، أو انتقالِهم إلى مرحلةِ تحقيقِ غايةِ الوجودِ الإنساني، و ترجمةِ مفهومِ إياك نعبدُ إلى أرضِ الواقعِ الملموس،
أيُّها الأحبةُ الأفاضل :
نقولُ هذا الكلام و نحنُ على أبوابِ الإجازةِ الصيفية، و التي تعني لدى البعض كماً هائلاً من الفراغ، لا يُعرف كيف يُستغل، و لا كيف يُدارُ بطريقةٍ حَضاريةٍ مُثمرة، (( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا )) .
وتقدمُ نَتائجَ مفيدة على نطاقِ الفردِ والجماعة، والأُمةِ الوسط التي اختارها اللهُ جلَّ جلاله ، حين كانَ الوعيُ متنامياً، والهمومُ مثالية، كانتْ المشاغلُ متكدسةً، و الآمالُ عريضةً لدى أسلافِنا الأَماجد، فإذا بالنتائجِ أشبهُ بالمعجزات، وإذا بالإنجازاتِ قريبةٌ من الخيال، حسبك منها حركةُ الفتوحاتِ التي كانتْ على قدمٍ وساق !! وخيولُ المسلمين التي أزكمَ أنوفَها غُبارُ المعارك، وأعلى صَهيلَها الكرُّ و الفرُ، فضلاً عن خطواتٍ جرئيه في تربيةِ و إعدادِ النشئِ الجديد، ناهيك عن وثبةٍ بعيدةِ المدى مد البصر في التصنيفِ و التأليفِ و الابتكار، هكذا كانتْ أحوالهُم يومَ ارتقتْ اهتماماتُهم، و هكذا كانتْ إنجازاتُهم يومَ اتسعتْ مداركُهم، و نضجتْ عقولُهم وأفكارُهم، أمَّا نحنُ اليوم و للأسفِ الشديد فننامُ ملءَ جفونِنَا، و نشبعُ ملءَ بطونِنَا، ومع ذلك نتشوقُ إلى الإجازة لمزيدٍ من الراحةِ و الخُمول، و جُرعاتٍ أكبر من الاسترخاءِ و التثاؤب، فهلْ يليقُ ذلك بأمةٍ خُلقتْ لقيادةِ البشريةِ بأسرها، ووُجدتْ لتكونَ شاهدةً على الناس ، (( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) .
هل يليقُ ذلك بأمة شُرِّفتْ بحملِ أعظمِ رسالة، و حُمِّلتْ أثقلُ أمانة، و أنيطَ بها أضخمُ مسؤولية و أكبرُ تكليف ، إنَّ العجبَ لا ينقضي، والدهشةَ لا تقفُ عند حد، حينَ ترى من يشكو سَعةَ وقته و كثرةَ فراغه ! حق أصبحَ الفراغُ هماً ثقيلاً وعبئاً جسيماً و يا حسرةً على العباد !! حينَ يُصبحُ الفراغُ معضلة، و يُصبحُ الفراغُ مشكلة .
أيها المسلمون :
إنَّ المرءَ ليتساءلُ في عجب تُرى هلْ في حياةِ المسلمِ فراغ ؟ هلْ في حياةِ المسلمِ فراغ ؟
و قد علمَ أنَّه صاحبُ عقيدة و صاحبُ رسالة، يجبُ أنْ ينطلقَ بها إلى الآفاق، و يحملُها إلى الناس امتثالاً لأمرِ ربهِ حيثُ يقول: ((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ ((، وأمرهُ حيثُ يقول لنبينَهُ للناس ولا تكتموه، فهل يبقى فراغ بعد ذلك ؟!
هل في حياةِ المسلمِ فراغ ؟ و هو يرى جموعاً ممن ينسون الإسلام، يَتمرغونَ فوقَ تُرابِ الأضرحة و يتباكونَ على ضِفافِ القبور، و يَستغيثونَ بالعظامِ البالية، و اللحومِ الممزقة، يُشركونَ باللهِ العظيم في وضحِ النهار !! دونَ أن تدمعَ عينُه أو يأرقَ جُفنه !! أو تدفعُه نخوتُه إلى استصلاحِ أولئكَ المُعذبين !! هل في حياةِ المُسلمِ فراغ ؟ وهو يرى البدعَ والخُرافات تملأُ الدنيا بسخافاتِها وسماجتِها، فبدعٌ في الاعتقاد، و بدعٌ في العبادات، و بدعٌ في الأخلاقِ والسلوك !! فأنَّى له الفراغ قبلَ أنْ يستأصلَ شأفَتها، ويقتلعَ جذورَها، ويُعلي بإزائِها السُنَّة بجمالِها و بهائِها، و قوتِها و أصالتها،
أيُّها المسلمون :
إنَّنا مطالبون باستثمارِ كلِّ دقيقةٍ وثانيةٍ من عُمرِ الزمن !! نتقربُ فيها إلى الله، ونُسابقُ إلى جنتهِ من خلالِ تربيةِ ذواتِنا، وإعدادِ الآخرين، وصناعةِ الأُمةِ الجديدة القادرةِ على العطاءِ بلا حدود ، ألا إنَّ المجالاتِ المُتاحة، والقنواتِ المفتوحة لاستثمارِ الوقتِ، و شَغلِ الفراغ، فسيحةُ الأرجاء ممتدةُ الجوانب !! وبإمكانِنا أنْ نجعلَ من الفراغِ القادم مصنعاً للإنجازاتِ الباهرة، وورشةَ عمل لا تتوقفُ أربعاً وعشرين ساعة !! وحتى لا يكونَ كَلامُنا إنشائياً وطَرحُنا نظرياً إليك أيُها الحبيب ، هذه الخياراتِ المتنوعة، و البدائلَ المتعددة، لتنتقيَ منها ما يُلائمُك ، وتختارَ من بينها ما يناسبُك !! فأرخِ السمعَ يرحمُك الله، واستحضر القلبَ يا رعاكَ الله، فدونكَ هذه المراكزَ الصيفية إحدى مشروعاتِ الخيرِ الجبارة !! التي هي في ظنِنا مراكزُ مهمة، لاحتواءِ الشبابِ و تصريفِ طاقاته ، في نطاقِها الطبيعيِ المشروع، بعيداً عن الشذوذِ و الانحراف، والرعونةِ و الاندفاع، ففيها يتلقى الشباب دروساً في العقيدةِ و الأخلاق، والآدابِ والسلوك ، ويتعلمُ النشئُ الجديد ، كيفَ يكونُ إيجابياً في خدمةِ دينهِ و أمتهِ و مجتمعهِ و بلادهِ المُسلمة، فضلاً عن برامجَ مفيدةً لصقلِ المواهبِ وإنمائِها، و استغلالِ القُدراتِ و توجيهِها، و تعلمِ الحرفِ و اكتسابِها !! ناهيكَ عن برامجَ الرحلاتِ التربويةِ الجادة !! حيثُ الترويحُ البريء، والمتعةُ المباحة، فاحرصْ بارك الله فيك على المشاركةِ في برامجِها الهادفة، و مناشطِها الجذَّابة !! احرصْ على المشاركةِ مُعلماً أو متعلماً، مُلقياً أو مُتلقياً، (( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )) .
أيها المسلمون :(3/6)
حلقُ القرآن هي من أجلِّ أن نفاخرُ به الدنيا، وأعظمِ ما نُسامي به العالم و الجماعاتُ الخيريةُ لتحفيظِ القرآنِ الكريم !! بفضلٍ من اللهِ تعالى ثم بفضلِ جُهودِ المساندينَ لها و الداعمينَ لأهدافِها، والُمشرفين عليها !! تمكنتْ هذه الجماعاتُ المباركة أنْ توجدَ لنا جيلاً قرآنياً نعتزُ به، فبراعمُنا الصغار من حفظةِ كتاب الله هُم أملُ أمتِنا الواعد، و تباشيرُ صباحِنا الجديد، فما أجمل أن يوجَّه أمثالُهم إلى حلقِ القرآن !! دراسةً وحفظاً، وتدبراً و فهماً، ويا لسعادتِنا وبهجةِ قلوبِنا حين تَعمُ حِلقُ القرآن كلَّ مسجدٍ من مساجِدنا، إنَّ لم يكنْ كلَّ حُجرةٍ من حُجرِ بيوتِنا !! والإجازةُ أيُّها المسلمون فرصةٌ سانحةٌ ليشاركَ الجميع في تحقيقِ هذا المطلبِ الحيوي، وتجسيدِ هذه الغايةِ المهمةِ، حمايةً لأبناءِ المسلمين من الانحرافِ و الضياع، أو الانسياقِ وراءَ الممارساتِ المشبوهة، والوقوعِ في العاداتِ المحرمة !!
أيُّها الفضلاء :
إنَّ محاولةَ احتواءِ الشباب عبر حِلقِ القرآن يقودُنا إلى الحديثِ عن مشكلةِ انحرافِ الأحداث، وممارساتِ المراهقين !! فهؤلاء أمانةٌ في أعناقِنا، و مسؤوليتُنا جميعاً يجبُ استصلاحُهم و دعوتُهم بالرفقِ واللين !! من خلالِ الكلمةِ الطيبة، والابتسامةِ الحنون !! لو قامَ المحتسبونَ في كلِّ حيٍ بما يستطيعون تُجاه أولئكَ البسطاء، لأمكنَ بإذنِ الله تعالى كبحُ جماحِ انحرافهم ، وتهدئةُ عجلةِ تهورهِم واندفاعِهم، إنَّ المنهجَ السوي في تربيةِ أولئك لا يكونُ بالدعاءِ عليهم أو سبهم، أو التبرمِ من تصرفاتِهم، و لكنْ يكونُ من خلالِ الدعاءِ لهم بالهداية، و مناصحتِهم بالرفق والحكمة ، المنهجُ السوي يكونُ من خلالِ تحذيرِهم من المخدراتِ و شرِّها، والسرعةِ وخطرِها، والمعصيةِ وشؤمِها، فأينَ المشمرون لتحقيقِ هذا الأمل والاضطلاعِ بهذهِ المهمة؟! احتساباً لما عندَ اللهِ من الأجرِ والمثوبة، والثناءِ الحسنِ الجميل !!
أيُّها المسلمون :
يَفدُ إلى الجامعات طُلابُ العلمِ من كلِّ مكان !! و يتلقونَ علوماً مؤصلة نادرة، قلَّ أن يجدوهَا في مكانٍ آخر !! فهم يتلقونَ العقيدةَ السلفية، و علومَ القرآنِ و السُنَّة، و فقه فهمِ السلفِ الصالح !! طلبةُ العلمِ هؤلاء سيعودونَ بإذنِ اللهِ إلى أهلهِم وذويهم خلالَ إجازةِ الصيف كلَّ عام، والسؤالُ الذي يَعرضُ نفسَه ماذا سيقدمُ هؤلاء ؟ حينَ عودتِهم !!
تُرى هلْ سيكتفونَ بسردِ ذكرياتِهم مع الغُربةِ والسكنِ الداخلي، و الدراسةِ والمحاضرات، أمْ سيجدُونها فرصةً لافتراشِ أسرتِهم، و معانقةِ وسائِدهم، إلى أن يحينَ العامُ الجديد ؟! أم تُراهم يكونونَ رجالاً يُؤدونَ واجبَهم تُجاه أمتِهم، ويطلعونَ بمسؤوليتهم تُجاه مجتمعِهم، فيُعلِّمونَ الناسَ ما تعلموه !! ويفقهونهم بما فقهوه !! يُصلحونَ ما فسد، و يقيمونَ ما اعوَجْ، و يسَددونَ ما اختلْ أملُنا كبير بطلبةِ العلم أن يجعلوا من الإجازة فرصةً للدعوة، وساحةً للبناء، وميداناً للتنافس!! وغرس الآدابِ والقيم !! وبعثِ الحماسِ والهمم، وإنَّا لمنتظرون !!
أيُّها الأحبة :
الأنشطةُ البيتية و البيئيةُ المنزلية مجالٌ مفتوح، و أرضٌ خصبة، ولو التفتنَا إليها واهتممنَا بها لجعلنَا من البيتِ جنةً يتنعمُ بها الأهلُ كُلُّهم !! وأنت على سبيلِ المثال يمكنُك أن تصنعَ مكتبةً منزليةً جذابة !! تحتوي كُتباً مُشوِّقة في كلِّ مجالٍ مفيد، و جمالُ إعدادِها، وجودةُ عرضِها، وحُسنُ الدعايةِ لها، كفيلٌ بجعلِها مكتبةً مزدحمةً بأهلِ البيت، لا أن تبقى مجردُ لوحةٍ فنية، وأثاثٍ منزليٍ فاخر !! ثم تذكرْ يرحمُكَ الله أنَّ النصيحةَ المكتوبة المُغلفةَ بالحبِ والرحمة، المُذيَّلة بالدعاءِ والأمانيِ الصادقة، تُوجهُها إلى الأبوينِ الكريمين، أو إلى الاخوةِ الأفاضل والأخواتِ الطيبات، منشطٌ مهجورٌ من مناشطِ الدعوة، بإمكانك أنْ تسلكَهُ وسترى النتائجَ بإذنِ الله، ثم تذكرْ يرحمك الله أنَّ إسداءَ المعروفِ إليهم، وتقديمَ الإحسانِ لهم، والقيامَ بحوائجِهم ربَّما كانَ أبلغَ أثراً وأكثرَ فاعليةً في قبولِ نصيحتِك، و الاستجابةِ لدعوتِك بقلوبٍ مطمئنةٍ، ونفوسٍ مقبلة !!
أيُّها الأخُ المسدد :
الإجازةُ الصيفية فرصةٌ لترميمِ الجُسورِ المُتداعية !! وفتحِ القنواتِ المسدودةِ، وبعثِ الصلةِ المفقودة بين ذويِ الأرحامِ والأقارب، والتي نجزم بأنَّ انقطاعَها وتَهشُّمها ليسَ دائماً بسببِ عدواتٍ مُستحكمةِ !! أو كراهةٍ متأصلة، ولكنَّها بسببِ مشاغلَ دُنيوية، وتسويفاتٍ سببُها العجزُ و الكسل !!
لذا فلإجازةُ فرصةٌ لتصويبِ الخطأ !! واستدراكِ الفائت !! وإعادةِ المياهِ الى مجاريها.
أيُّها الحبيب :
زيارةُ المرضى والدعاءِ لهم، وشحذِ عزائِمهم وتثبيتِهم وسيلةٌ ناجحةٌ من وسائلِ امتدادِ الصحوة، و إذكاءِ جذوتِها، فالمريضُ غالباً ما يكونُ منكسرَ القلب، خفيفَ النفس، صالحاً للتلقي، متقبلاً للنُصح، سيَّما بعدَ أن عرفَ ضعفَه و قلَّة حيلتِه، وزالَ عنه كبرياؤُه، وذهبتْ عنه أنفتُه، فما أجملَ زيارةِ المستشفياتِ ونحوها، ولقاءِ هؤلاءِ المرضى ودعوتِهم بالرفقِ، وتذكيرِهم بالقضاءِ والقدر، وحملهِم على الصبرِ والاحتساب، وإشعارِهم بأنَّا وإيَّاهم جسدٌ واحد، يؤلمُنا ما يُؤلمُهم، و يَسوؤُنا ما يَسوؤُهم، و هذا لعمركَ سرُّ من أسرارِ التكافلِ الاجتماعي لا يوجدُ في غير الإسلام.
أيُّها الأفاضل :
للعلماءِ المخلصين منزلةٌ نفيسةٌ في قلوبِنا، و مكانةٌ رفيعةٌ في نفوسِنا، نُجلّهم و نُوقرهُم ، ونُكبرهم ونُعظمهم، ونَعرفُ لهم قدرَهم ونَجلسُ إليهم، ويتَلقَّى عنهم العلمَ بدليلهِ، والإجازةُ فرصةٌ للاقترابِ منهم و التعرفِ عليهم، ومدِّ الجسورِ معهم، وحينَ يكونُ الشبابُ لحمةً واحدةً مع علمائِهم المخلصين، يَعمُ الخير و ينتشرُ العدل، و يغيبُ الاختلاف، و يتوارى التباغضُ والحسد !!
أيُّها الأحبة :
إنَّ إهداءَ المصحفِ الشريفِ أسرعُ وسائلِ الدعوةِ نجاحاً، ولكنها وسيلةٌ معطلةٌ أو شبهُ معطلة، فنحنُ نرى الكثيرين يجتهدونَ في إهداءِ الكُتُبِ والأَشرطةِ ونحوها، لكنْ يندرُ أن تجدَ فيهم منْ يجعلُ إهداءَ المصحفِ الشريف ضمنَ برنامجهِ الدعوي، وفي يقينِنا أنَّ لكتابِ الله وقعاً خاصاً في النفوس، و أثر مَرجواً في القلوب، و ما يدريك فلعلَّ هذا الذي أهديتَهُ كتَابَ الله تقَعُ عينُه على قولهِ تعالى: (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ )) ، فيتوبُ ويستغفر و يُنيبُ، و يتراجع، أو ربما وقعت عينيه على قوله تعالى: (( فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى )) فاهتزَّ كيَانُه، وارتعدَ قلبَهُ، فتابَ وندم، أو ربَّما وقَعَ بصرُه على قوله تعالى : (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) ، فتاقت نفسُه الى الفردوسِ الموعود، والتهبَ حماسُه إلى جنَّةِ الخُلود، فإن لم يكنْ هذا و لا ذاك فبأي حديثٍ بعدَه يؤمنون؟!
أيَّها المُسدد :(3/7)
ماذا عن الدعوةِ الفردية ؟! هلاَّ وضعتَها ضمنَ برنامجِك الدعوي خلالَ الإجازةِ خاصَّة ؟! هلْ فكرتَ في تبني شخصٍ ما ؟! تتولَّى دعوتَه بإخلاص، وتتابعهُ باستمرار تَمدُه بالنافعِ المفيد، و تزوده بكلِّ قيمٍ جديدة، تتدرجُ معه في الدعوةِ دون يأسٍ أو تراجع، قدْ يكونُ هذا المدعو أباكَ أو أخاكَ أو جارَك القديمَ أو الجديد ، تتوسمُ فيه الاستجابة، وتقرأُ في عينيهِ النجابة، مرةً تزورُهُ وأخرى تستضيفُهُ، وثالثةً تُهديه هدية، ورابعةً تخصُه بدعاء ، حتى تنجَلي غُمتُهُ، وتنقشعَ سحابتُه، وتَصلحَ حالُهُ، ويَطيبَ مآلُه بإذنِ العزيزِ الحكيم .
وأخيراً أيُّها المسلمون :
فإنَّ للنفسِ حقاً في المعاهدةِ والاهتمام، ومراجعةِ صحيفةِ العملِ وكشفِ الحساب ، وهو أمرٌ مطلوبٌ في كلِّ حين ، إلاَّ أن لهُ في الإجازة وقعاً خاصاً، كونها فترةً تقلُ فيها التزاماتُ الدراسة وارتباطاتُ العمل، فهي فرصةٌ للخلوة مع النفس، والنظرِ فيما كسبتْ واكتسبت، ليُصححَ المسارُ إن كانَ معوجاً، ويُقومَ التوجُه إنْ كانَ مختلاً ، ويُصوبَ المنهجُ إن كانَ معتلاً ، هي فرصةٌ للتزودِ من الصالحات بزيارة الحرمينِ الشريفين ، واعتمارِ البيتِ الحرام ، وتلاوةِ القُرآنِ وحفظهِ، واستظهارِ المُتونِ ومراجعتِها، ونحو ذلك من المفيدِ النافع، ثمَّ لا يعني ما سبق أن يحرمَ الإنسانُ نفسَه من المتعَة الحلال، و الترفيهَ البريءَ المباح، ما دامَ في حدودِه المعقولة ، التي لا تَخدشُ حياءً، ولا تُذهبُ وقاراً، ولا تُعطِّل واجباً،
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أمَّا بعدُ:
فقضيةُ الأمنِ أحبتي الكرام قُلنا مراراً و تكراراً أنَّها قضيةٌ حيويةٌ بالنسبةِ لنا جميعاً، وهي قضيةٌ لا تقبلُ الجدالَ أو المناقشة، فلأمنُ شأنُنا جميعاً و مطلبُنا جميعاً وأملُنا جميعاً، لذا فإنَّ القيام بحوادث تفجيريةٍ أمرٌ مرفوضٌ شرعاً بكلِّ المقاييس شرعاً وعقلاً وذوقاً، مهما كانتْ الدوافعُ والمبررات ، ونحنُ مُطالبونَ شرعاً أنْ نكونَ يداً واحدةً في التصدي لكلِّ من يستهدفُ أمننَا بكلِّ جوانبهِ سواءٌ أمنُنا العقدي ، أوأمنُنا الأَخلاقي، أوأمنُنا السُلوكي أوأمنُنا البدني .
ويجب أنْ نسعى جاهدين إلى الحفاظِ على أمننا بكلِّ صورهِ و جوانبهِ، لننعمَ بالأمنِ الشامل، حين تكون العقيدةُ سلفيةً محمديةً، محفوظةً عن البدعٍ والخرافات .
والأخلاقُ قرآنيةً نبوية ، مصونةً عن الفُحشِ والخنا، والسلوكُ تربوياً مثالياً بعيداً عن الشذوذِ والانحراف، والدمُ محرماً معصوماً إلاَّ بحقه، أيُّها المسلمون إننا مستهدفون في عقيدتِنا و أخلاقِنا وأرواحِنا، فالذين يحاولون الخروجَ بنا عن عقيدتِنا السلفية من خلالِ إشاعةِ خرافاتِهم وبدعِهم، أو الدعوةِ الى مناهجَ فكريةٍ دخيلة، هؤلاء مستهدفونَ لأمننا العقدي، والذين يحاولُون تهريبَ المخدراتِ الى بلادِنا وترويجِها بين شبابِنا و فتيانِنا، أوتسهيلَ أسبابِ الفسادِ والانحرافِ لهم ، فهؤلاء مستهدفونَ لأمننا الأخلاقي ، يَجبُ التصدي لهم، وقل مثل هذا لمن يسفكُ الدمَ الحرامَ بغير حقه، ونحنُ جميعاً نرفضُ كلَّ هذه الأشكال من الاختراقاتِ الأمنية،وندعوا الله مُخلصين أن يجنبنَا ويلاتِها، وأنْ يحفظَ بلادَنا خاصةً وبلادَ المسلمين عامَّة ، من كلِّ شرٍ وبلاءٍ وفتنه ، فنحنُ ضعفاءُ بأنفسنا أقوياءُ باللهِ سبحانه، ولقد وَعدَنا جلَّ جلاله بالأمنِ التام، والظلِّ الوارف متى تمسكنَا بشرعِه، والتزمنَا بهديه، وتجنبنَا أسبابَ غضبِه، قال تعالى : (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور،وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون
=============
همّ الفراغ وفقه الترويح
سعود بن إبراهيم الشريم
مكة المكرمة
16/3/1422
المسجد الحرام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- الشواغل في حياة الناس. 2- من أضرار الحضارة الغربية. 3- مشكلة الفراغ. 4- مراعاة الإسلام لمطالب الفطرة البشرية. 5- الترويح في واقعنا. 6- الترويح في واقع السلف. 7- التحذير من التوسع في الترويح. 8- بيان خطر كثير من المسابقات الثقافية. 9- وسطية الإسلام وتوازنه.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ عنهم فمات، فميتته جاهلية.
أيها المسلمون:
إن حياة الناس بعامة مليئة بالشواغل والصوارف المتضخمة، والتي تفتقد من حيث الممارسات المتنوعة إلى شيء من الفرز والترتيب لقائمة الأولويات، مع عدم إغفال النظر حول تقديم ما هو أنفع على ما هو نافع فحسب.
ثم إن الضغوط النفسية والاجتماعية الكبيرة الناتجة عن هذا التضخم، ربما ولدت شيئاً من النهم واللهث غير المعتاد، تجاه البحث عما يبرد غلّة هذه الرواسب المتراكمة، ويطفئ أوارها(1)[1].
إن الحضارة العالمية اليوم قد عنيت بإشعال السلاح، ورفع الصناعة، وعولمة بقاع الأرض، تلكم الحضارة التي حولت الإنسان إلى شبه آلة تعمل معظم النهار - إن هي عملت - ليكون ساهراً أو سادراً(2)[2] أو خامداً ليله، هذه هي الثمرة الحاصلة، ليس إلا.
إن تلكم الحضارة برمّتها لم تكن كفيلة في إيجاد الإنسان العاقل، الإنسان المدرك، الإنسان الموقن بقيمة وجوده في هذه الحياة، وحكمة خلق الله له، بل إن ما فيها من آليات متطورة وتقنيات، كان سبباً بصورة ما في إيجاد شيء من الفراغ في الحياة العامة، مما ولد المناداة في عالم الغرب بما يسمى "علم اجتماع الفراغ"، وإن لم يكن هذا الفراغ فراغ وقت على أقل تقدير، فهو فراغ نفس، وفراغ قلب، وفراغ روح، وأهداف جادة، ومقاصد خالية من الشوائب.
يأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6]. لاَ أُقْسِمُ بِهَاذَا الْبَلَدِ
============
مشكلة الفراغ
عبد الباري بن عوض الثبيتي
المدينة المنورة
26/3/1423
المسجد النبوي
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة(3/8)
1 ـ صيحات تحذير من أضرار الفراغ. 2 ـ منشأ مشكلة الفراغ. 3 ـ أضرار الفراغ ومفاسده. 4 ـ سوء استغلال أوقات الفراغ. 5 ـ الفراغ سلاح ذو حدين. 6 ـ فوائد استغلال الفراغ في الخير. 7 ـ لا فراغ في حياة المسلم. 8 ـ لا بد من التخطيط السليم لاستثمار الفراغ. 9 ـ واجب المؤسسات التعليمية والتربوية. 10 ـ وسائل مفيدة لملء الفراغ.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي السعادة في الدارين، والنجاة يوم يقوم الناس لرب العالمين، ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
عباد الله، دارَ الزمان دورتَه، وأقبل الصيف بحر نهاره الطويل وليله القصير، ومع هذه البداية تتعالى الصيحات محذرة من أضرار الفراغ على النشء، وما قد يسببه لهم من جنوح وانحراف. وقتُ الفراغ باتساعه الخطير الذي أفرزته الحضارة المعاصرة غدا خطرًا وعبءًا كبيرًا على حركة المجتمع، وهو في العصر الحاضر يتجاوز فراغ الوقت إلى فراغ النفس وفراغ القلب وفراغ القيم والمبادئ وفراغ الأهداف الجادة.
لقد نشأت مشكلة الفراغ عن انعدام الهدف من الحياة، فليست مشكلة الفراغ أصيلة نابعة من فطرة الإنسان، وإنما هي مشكلة طارئة نابعة من جنس الحضارة المعاصرة.
الفراغ يجعل الإنسان يشعر بأنه لا فائدة له، وأنه عضو مشلول في المجتمع لا ينتج ولا يفيد، فالإنسان الفارغ لا يترقب شيئًا تهفو إليه نفسه كنتيجة لعمله، فهو بلا هدف في الحياة، وأيُّ حياة هذه التي لا هدف لها.
الفراغ وسيلة من وسائل إبليس يوسوس بها للإنسان، فيثير فيه كوامن الغريزة ويُلهبها فتحرقه، إذ أن وفرة الوقت دون عمل أيًا كان يوقع صاحبه في أسر الوساوس الشيطانية والهواجس النفسية الخطيرة.
الفراغ داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية، فالنفس لا بد لها من حركة وعمل، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلَّد الفكر وثقل العقل وضعفت حركة النفس، ويصبح الفراغ ـ عباد الله ـ مشكلة حقيقية ظاهرة في الإجازة الصيفية، حيث يجد الشباب مساحة من الوقت كثيرة واسعة، ولا يجد ما يملؤها به من جادّ العمل وجيِّده، وقد يكون هذا الفراغ قاتلاً، بل يرى كثير من الباحثين أن وقت الفراغ عامل رئيس في الانحرافات المختلفة، ففشو المخدرات مثلاً واستفحالها في كثير من المجتمعات المسلمة ناتج عن غياب السيطرة الرشيدة على مشكلة وقت الفراغ.
من السهل أن ينقاد شاب يعيش في فراغ ليقع فريسة لتأثير الآخرين، ومن قرأ سير أولئك الذين وقعوا فريسة أصحاب المذاهب المنحلة والأفكار الفاسدة كانوا من الشباب الذين يعانون من الفراغ، وشهد علماء الاجتماع أن نسبة الجرائم والمشكلات الخلقية تتناسب طردًا مع زيادة الفراغ في أي زمان ومكان، ولذا ينتشر بين الشباب ظاهرة إشغال وقت الفراغ بعيدًا عن المراقبة والإشراف والتوجيه، بالتجول في الشوارع والأسواق دون مسوّغ نافع، فيمارسون هدر الوقت وتتبع العورات، وكذا الجلوس في المقاهي وعلى جوانب الطرقات، مع إفساح المجال للعنصر الفاسد أن يؤدي دوره، ويصولَ ويجولَ، يشجِّعهم على المفاسد، يجرُّهم إلى العادات الضارة، إنها قد تكون ساعات قاتلة، بل هي قاتلة. وقد يقضي الشاب جلَّ وقته مع الفضائيات، فتنقطع علاقاته العاطفية والاجتماعية، وسيعاني من الصراع مع ذاته أولاً، ثم مع أهله ومجتمعه، وسيشعر بالنقص والكبت والحرمات، ثم يصبح مصدر إزعاج بخروجه على المألوف، وانعدام التزامه وجهله بحقوقه وحقوق الآخرين، ومن ثم الهروب إلى الممنوع.
وبهذا نعلم أن من حق الآباء والمربين إذًا أن يحذروا آفات الفراغ، وأن يحصنوا النفوس من شرورها، ومن المؤسف حقًا أن الناس ينتبهون نوعا ما إلى إهدار المال، ويعرفون مدى خسارته، بينما لا يدركون معاني إهدار الوقت، وما أصدق كلمة الفاروق عمر بن الخطاب حينما قال لعامله: (إن هذه الأيدي لا بد أن تُشغل بطاعة الله قبل أن تشغلك بمعصيته).
الفراغ ـ عباد الله ـ لا يبقى فراغًا أبدًا، فلا بد أن يُملأ بخير أو شر، وما لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل، فطوبى لمن ملأه بالخير والصلاح.
إن السيطرة الرشيدة على وقت الفراغ وتصريفه في قنواته المناسبة يضمن للأمة ارتقاءها بطاقات أبنائها، ويكسبها مناعة ولقاحًا في وجه السموم والأوبئة الفكرية، ويتيح للأمة القدرة على سد منافذ الانحراف السلوكي. ولهذا حرص الإسلام على شغل أوقات الفراغ بعد الواجبات بالعمل النافع المثمر، بحيث لا يجد الإنسان الفراغ الذي يشكو منه، ويحتاج في ملئه إلى تبديد الطاقة أو الانحراف، بل إن الأصل في حياة المسلم أنه لا يوجد فيها وقت فراغ، ذلك أن الوقت والعمر في حياة المسلم ملك لله، والتربية الإسلامية تعوّد الناشئ ليرى كل ساعات الحياة ولحظاتها أمانة في عنقه، يشغلها بالخير، دعا رسول الله دعوة صريحة إلى أن نستفيد من ساعات فراغنا قبل أن تمضي فقال: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)) أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما(1)[1].
تأمل هذا العمق التربوي من معلم البشرية نبينا محمد في توجيه بليغ يجعل الفراغ موسمًا للاستثمار، وتجارة رابحة يدخر فيها المسلم من الصحة ليوم السقم، ومن الشباب للهرم، ومن الغنى للفقر، إنها دعوة للإفادة من ساعات الفراغ قبل أن تمضي فلا تعود، اغتنمها قبل حلول مرض مقعِد أو كبر مفنِّد أو بلاء مشغل، ولقد صدَّق فعلُ رسول الله قولَه في الحث على الاستفادة من الوقت، فلم يكن في حياته ثمة فراغ، بل كيف يُتصور الفراغ في حياته وهو يتلقى عن ربه قوله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ [الشرح: 7، 8]؟!
هذا خطاب لكل مسلم، أي: لا تبق ـ أيها المسلم ـ فارغًا أبدًا، فإذا فرغت من عمل فابدأ في عمل آخر، إذا فرغت من عمل دينك فاشتغل بعمل دنياك، وإذا فرغت من عمل دنياك فاشتغل بعمل دينك، وإذا فرغت من حاجة بدنك فخذ غذاءً لقلبك أو متعة لروحك، وإذا فرغت من شأن نفسك فأقبل على شأن أسرتك، ثم على شأن مجتمعك وأمتك، وهكذا لا فراغ أبدًا إلا استجمام وتأهب للعمل، تقول عائشة رضي الله عنها عن الرسول الأسوة : ولا رُئِيَ قط فارغًا في بيته(2)[2]، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: إني أكره أن أرى الرجل فارغًا لا في عمل دنيا ولا آخرة(3)[3]، وروي أيضًا: إني لأبغض الرجل أن آراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة، ورأى شريح القاضي جيرانًا له يجولون فقال: ما لكم؟ فقالوا: فرغنا اليوم، فقال شريح: وبهذا أمر الفارغ؟!(4)[4](3/9)
لا شك ـ عباد الله ـ أن هذه النصوص تشكل دافعًا يحفِّزنا لتوظيف دقائق أعمارنا في عمارة الأرض، أو إنجاز عمل نافع لنا أو لغيرنا من الناس، أو للترويح المشروع عن أنفسنا ومن نعول، فإذا أصبح ذلك نموذجًا متَّبعًا في أمة فإن مجموع إنتاجية أفرادها سيحدث لها تقدمًا في ميدان العلم والتقنية والعمل الخدمي للناس، يقول الشافعي رحمه الله راسمًا للأجيال قاعدة تربوية: "إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل"، إذا لم تدر النفس في حركة سريعة من مشروعات الخير والبر والتطوع لم تلبث أن تنهبها الأفكار الطائشة وتلفها دوامة الترهات، والأفضل أن يرسم الإنسان لنفسه منهجًا يستغرق وقته ويسد منافذ الشيطان؛ ليجعل من وقت الفراغ فراغًا عاملاً، يعود على جسمه بالصحة، وعلى عضلاته بالقوة، وعلى بدنه بالنشاط والحيوية، وعلى مجتمعه بالنفع والفائدة.
إن كثيرًا من شباب الأمم الناهضة ينتهزون أوقات الإجازات والفراغ لتنمية الملكات واستغلال المواهب وتوسيع الأفكار وتثقيف العقول بالجديد من العلوم والمعارف والآداب.
كلنا يعلم أن الفراغ قضية واقعة لا نستطيع إنكارها، إلا أننا نستطيع بالتخيطط السليم التخلص من الملل، وتوجيه الرغبات الكامنة، وإحياء الملكات المخبوءة، والتنمية الشخصية للملكات والإمكانات، وتعزيز العادات الطيبة، وتعليمهم تحمل المسؤولية ضمن برامج هادفة ووسائل متنوعة، تجمع بين التوجيه والإرشاد والترويح والاستجمام، وإذا نهض بهذا الواجب أهل التربية والاجتماع والإصلاح شكلوا واحة تجتذب الشباب إليها عبر ما يطرحونه من برامج وأنشطة تلبي رغبات وطموح أبنائها، حتى لا يكونوا عرضة للآثار السلبية للصيف وفراغه، وإهدار طاقات الأمة الفاعلة، يقول علي رضي الله عنه: (من أمضى يومًا في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد بناه أو حمد حصله أو خير سمعه أو علم اقتبسه فقد عق يومه)، وهكذا ـ عباد الله ـ لا توجد هذه المشكلة في حياة المسلم، لا يمكن أن يوجد فراغ في قلب عامر بذكر الله، ولا في روح متعبِّدة لله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين والصابرين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
إن خطورة الفراغ وثقل الإجازة يلقي بالمسؤولية والتبعة على مؤسساتنا التعليمية والاجتماعية والخدمية، وعلى الآباء والمربين، في توظيف أوقات الفراغ، ولوضع برامج تنسجم وتطلعات الأمة في استثمار طاقات الأبناء وتستوعبهم في محاضنها.
من الوسائل المفيدة لملء الفراغ القراءة الهادفة، حضور المحاضرات والندوات، أداء حقوق الوالدين ومزيد من برهم، صلة الرحم، الاشتراك في الأنشطة الاجتماعية المفيدة، تعلم حرفةٍ مهنية، الإحسان إلى الضعفاء والمساكين والملهوفين والأيتام، الاجتهاد في طلب العلم، سعي للإصلاح بين الناس، زيارة الحرمين، أداء العمرة، كذا الدروس العلمية والدورات في المساجد نعمة يجب الاستفادة منها واستثمارها، وهذا رسول الله يقدم بعض مجالات النشاط التطوعي فيقول: ((تبسُّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)) أخرجه الترمذي من حديث أبي ذر رضي الله عنه(5)[1].
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الله الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض...
__________
(1) هو في مستدركه (4/341)، وقال : "صحيح على شرط الشيخين"، ولم يتعقبه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3355)، لكن ذكر له البيهقي في الشعب (7/263) علّة، وهي أن الصحيح أنه من رواية عمرو بن ميمون الأودي مرسلاً، كذا أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص2)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/77)، والبغوي في شرح السنة (4022)، وصححه الحافظ في الفتح (11/235).
(2) انظر: صفة الصفوة (1/200).
(3) أخرجه ابن المبارك في الزهد (741)، وهناد في الزهد (2/357)، وأحمد في الزهد (ص159)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/158)، والطبراني في الكبير (9/103)، وأبو نعيم في الحلية (1/130)، وقال الهيثمي في المجمع (4/63) عن إسناد الطبراني: "فيه رجل لم يسم، وبقية رجاله ثقات".
(4) أخرجه هناد في الزهد (2/357)، وأبو نعيم في الحلية (4/134) من طريق الأعمش قال: سمعتهم يذكرون عن شريح أنه رأى... وذكر القصة.
(5) هو في كتاب البر والصلة من السنن (1956)، وقال: "حديث حسن غريب"، وأخرجه أيضا البخاري في الأدب المفرد (891)، والبزار (4070)، وصححه ابن حبان (529)، وله شواهد كثيرة أشار إليها الترمذي، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (572).
=============
الإجازة ونعمة الفراغ
عبيد بن عساف الطوياوي
حائل
3/4/1423
جامع الخلف
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- الفراغ نعمة مغبون فيها كثير من الناس. 2- كيف يكون قضاء أوقات الفراغ؟ 3- حفظ الوقت من سمات الصالحين.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة المؤمنون، من النعم العظيمة التي تحصل للعبد في هذه الحياة نعمة الفراغ، نعم أيها الإخوة، الفراغ بأن يكون العبد فارغًا من مشاغل هذه الحياة، يقول النبي في الحديث الصحيح: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)). فالفراغ من النعم العظيمة، وفي هذا الحديث تذكير لكل مسلم بهذه النعمة، والتي من واجبها عليه اغتنامها واستعمالها بما يعود عليه بالنفع دنيا وأخرى، وإن لم يكن كذلك فإنه في عداد المغبونين.
وتأملوا ـ أيها الإخوة ـ قول نبيكم ، يقول: ((مغبون فيهما كثير من الناس)) أي: أن الذين يوفَّقون لاغتنام نعمة الصحة ونعمة الفراغ قلة، القلة هم الذين يسلمون من الغَبْن، أما الكثرة أكثر الناس ـ والعياذ بالله ـ مغبون، مغبون لماذا؟ لتفريطه وعدم مبالاته بنعمة الصحة والفراغ.
أيها الإخوة، ونحن في هذه الأيام نعيش بداية الإجازة، إذ تفرغ كثير من الناس وخاصة الشباب منهم، لا سيما من هم على مقاعد الدراسة من الذكور والإناث، وهذا مما يزيد الأمر خطورة، فإذا اجتمع الشباب والفراغ فلا تسل عن النتائج، إنما قل: اللهم سلم سلم، يقول الشاعر:
إن الفراغ والشباب والجِده…مفسدة للمرء أي مفسده(3/10)
الفراغ والشباب والجدة ـ يعني الغنى ـ مفسدة للمرء، هذا ما قاله هذا الشاعر قبل عشرات السنين، قبل أن يكون هناك استراحات يستأجرها الأحداث وصغار السن ليعكفوا بها على ما حرم الله، وقبل أن يكون هناك مقاهٍ ـ أعزكم الله ـ للمُعَسَّل ونحوه، وقبل أن يكون هناك مقاهٍ للإنترنت، وقبل أن يكون هناك أنواع من المخدرات، قبل أن يكون هناك سيارات تنقلهم من بلد إلى بلد، وطائرات يسافرون من خلالها لبلاد الكفار وغيرهم.
فقضية فراغ الشباب قضية خطيرة، والاهتمام بها من أوجب الواجبات، فإذا كان الواحد منا يضع يده على قلبه من الخوف الشديد الذي ينتابه على بعض الشباب وقت انشغالهم فكيف بهم وقد تفرغوا؟! كيف بهم والواحد منهم ينام النهار ويسهر الليل وقد توفر ت له سبل الفساد والانحراف؟!
أيها الإخوة المؤمنون، إن هذا الفراغ الذي سوف يمر به أبناؤنا إذا لم يغتنم بالخير فإنهم سوف يستعملونه في الشر، ولنكن ـ أيها الإخوة ـ صرحاء، أبناؤك إذا لم تشغلهم بالخير فإنهم سوف يجدون من يشغلهم بالشر.
ومن رعى غنمًا في أرض مَسْبَعَة…ونام عنها تولى رعيها الأسد
إذا لم نعمل على حفظ أوقاتهم واغتنامها بما ينفعهم من أمور الدنيا والدين فإنهم سوف يقضون أوقاتهم بما يعود وبالا عليهم وعلى أسرهم، بل وعلى مجتمعهم وأمتهم.
فينبغي لنا أن نرسم الخطط لهذا الفراغ الذي سوف يخرج منه أبناؤنا إما بصلاح وإما بفساد. نعم إخوتي في الله، ثلاثة أشهر أو أكثر كفيلة بأن تشكل حياة الشاب وترسم أوضاعه، فهذه الثلاثة قد يحفظ فيها أجزاء كثيرة من كتاب الله وعددًا كبيرًا من أحاديث النبي ، قد يلازم فيها درسًا لأحد المشايخ فيصير طالب علم أو داعيًا إلى الله تعالى. ثلاثة أشهر قد يلازم الابن والده والبنت أمها، فيتعلمان منهما الكثير، فالابن يتعلم معاني الرجولة ويتعود الاعتماد على النفس، والبنت تتعلم من أمها مهام النساء، لتعتمد على نفسها بعد ذلك. وهذا قد يكون في هذه الثلاثة أشهر إذا استغلت استغلالاً صحيحًا، وخطّط لها تخطيطًا سليمًا.
وأما إذا لم يخطط لها وترك الشاب والشابة يسهر الواحد منهم طوال الليل عند القناة الفلانية لمتابعة برنامج ساقط وعند القناة الأخرى لمشاهدة مسلسل هابط وعند ثالثة لرؤية جسد عار وعند رابعة لرؤية ومشاهدة ما يجعل الشاب أحيانًا يقع على أخته فسوف تنتهي الثلاثة أشهر بشهادة ذات تقدير عال في عالم الانحراف والضياع والفساد لكل شاب وشابة.
فلنعمل ـ أيها الإخوة ـ على اغتنام أوقات فراغ أبنائنا، ولنهتم بهذا الأمر الذي سوف نكون أول من يجني ثماره، نعم أول من يجني ثماره مهما كانت هذه الثمار حلوة أو فاسدة، لذيذة أو مرة، وَالْبَلَدُ الطَّيّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذالِكَ نُصَرّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ [الأعراف:58].
أيها الإخوة المؤمنون، إن قضية الفراغ قضية مهمة، يجب أن لا يستهان بها، وأن لا يغفل عنها، ولا أدل على ذلك من الاعتناء بها في كتاب الله ومن حرص النبي عليها وأمره باغتنامها وحثه على استغلالها، يقول جل جلاله: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7، 8]، ويقول النبي : ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك))، فذكر منها الفراغ قبل كثرة المشاغل.
أسأل الله لي ولكم علمًا نافعًا وعملاً خالصًا وسلامة دائمة، إنه سميع مجيب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون، اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ بأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يُجنى من الشوك العنب، فوالله الذي لا إله غيره، لن نعمل على حفظ أوقات أبنائنا ونحن مفرطون في أوقاتنا، فلنكن قدوات خير لا قدوات سوء في كل شيء، لا سيما في قضية الوقت والفراغ.
فلنهتم بحفظ أوقاتنا نحن قبل أن نهتم بحفظ أوقات أبنائنا؛ لأن الاهتمام بالوقت من صفات الصالحين، والتفريط فيه وإضاعته من أبرز عادات المفرطين، فالله الله في حفظ أوقاتكم، فالواحد منكم ما هو إلا أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضه، تقول رابعة: "يا سفيان، إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم فاعمل"، ويروى عن وَهْب بن منبه رحمه الله أنه قال: "ينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها هو وإخوانه والذين ينصحون له في دينه ويصدقونه عن عيوبه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاته فيما يحل ويحمد، فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات، وفضل بلغة واستجمام للقلوب".
أسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم على حفظ أوقاتنا واغنام فراغنا بما يفيدنا وينفعنا، وأن يجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، إنه سميع مجيب.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى...
=============
نعمتا الصحة والفراغ
أسامة بن عبد الله خياط
مكة المكرمة
3/5/1426
المسجد الحرام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- التذكير بعِظَم نعمتي الصحة والفراغ. 2- حث الشارع على اغتنام الصحة والفراغ. 3- أحوال الناس في الإجازة الصيفية. 4- مسؤولية أولياء الأمور عن الأبناء تتأكد في الإجازات.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله الذي وَسِع كل شيء رحمةً وعلمًا، واشكروه على ما أسبغ عليكم من نعمه الظاهرة والباطنة، واذكروا أنه قد وعد الشاكرَ بالمزيد، وتوعّد الكافر بالعذاب الشديد.(3/11)
أيها المسلمون، إنه إذا كان تتابعُ النعم، وترادُف المِنَنِ، وتعاقُب الآلاء، فَيْضًا من الربّ الكريم لا يَغِيض، وغَيْثًا مِدْرَارًا لا ينقطع، كما قال عز من قائل: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]. فإن من هذا الفَيْضِ نعمتين يُغْبَنُ فيهما كثير من الناس، جاء ذكرهما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله أنه قال: ((نعمتان مَغْبُونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))(1)[1]. فكم ممن مَتّعه الله بسمعه وبصره وقوته، وحفظ عليه نُضْرَة الشباب ورَوْنَقَه وبهاءه، مَغْبُونٌ في صحته حين لا يستعملها فيما يبلّغه رضوان ربه الأعلى ونزول دار كرامته، وحين لا يستثمرها في كل ما يسعد به في دنياه وآخرته، وحين ينسى أن آفة النعم الزوال؟ فكم من صحيح لا يشكو من عِلّة في نفسه أو جسمه نزل به السَّقَامُ، ووَهَنْتُه الأمراضُ، وأقضّت مضجعَه العِللُ فسعت به إلى شيخوخة مبكّرة، وعِلّة مُسْتَحْكِمة، أو داءٍ حائل بينه وبين ما يشتهي من متع الحياة الأثيرة لديه، المُذَلّلة المبذولة بين يديه، فإن كان ممن أبلى شبابه، وأفنى عمره، واستنفد قوته فيما يحرم من الشهوات والنزوات، وما يُحَقَّر من الأعمال وما يُستقبَح من الغايات، ولم يبتغ إلى ربه الوسيلة بما يرضيه، ولم يدّخر عنده سبحانه من الرصيد ما يسعد به حين يلقاه؛ غُبِنَ هنالك غَبْنًا أورثه حسرة، وأعقبه ندامة لا نظيرَ لها؛ لتفويته الفرصة، وإضاعته المَغْنَم، وتَبْدِيده الأرباح.
والفراغ أيضًا نعمة أنعم الله به على عباده، وهو خلو الوقت من الشواغل وفراغ القلب من كل ما يَتَنَغّصُ به العيش، وتتكدّر به الحياة، فإذا امتنّ الله على عبده بذلك فلم يقطع وقته وسُوَيْعات عمره مؤدّيًا شكر هذه النعمة بإنفاقها فيما يَصْلُح به شأنه، ويعلو به قدره، ويكثر به خيره، ويسعد به مجتمعه، وتقوى به أمته، بل كان ممن يصرف وقته، ويقطع زمانه لهوًا ولعبًا وعبثًا ومجونًا وإسفافًا وتعلّقًا بالأدنى ورضًا بالخَسِيس، وركونًا إلى القبيح من القول والعمل، فأضاع الوقت الثمين والزمان الشريف سُدَى، غُبِنَ هنالك غَبْنًا فاحشًا لا مجال لرفعه والخلاصِ من آثاره.
ولذا جاء التوجيه النبوي الكريم باغتنام فُرَصِ العمر التي هيّأها الله، ومَنَّ بها على عباده، وتوجيهها الوجهة التي أرادها الله لها، وذلك في الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه والبيهقي في شعب الإيمان بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله أنه قال: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سَقَمِك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هَرَمِك، وغناك قبل فقرك))(2)[2].
ألا وإن من أجمل سُبُل اغتنام نعمة الفراغ وأعظمها نجاحًا وتوفيقًا ما اعتاد سلوكَه أولو الألباب في هذه الإجازات التي تعقب انقضاء عام من الدراسة والتحصيل العلمي في مختلف ضروبه، وما صحب ذلك من جَهْد، وما أدرك النفوس فيه من عناء الكَدّ والطّلَب، فليست الإجازة في حسبانهم ليلاً ساهرًا يُقْضَى كلّه أو جُلّه في مجلس لغو وقيلٍ وقال، وبثٍّ للشائعات، وترويجٍ للأكاذيب والمفتريات التي تُشْحن بها النفوس، وتُمْلأ بها الخواطر، وتَسُوغ بها الظنون، وتبعث على كل الشرور، وتُفْضِي إلى كل محظور، أو في جولات عابثة بالأسواق لإضاعة الأوقات وتضييق الطرقات، وإيذاء المؤمنين والمؤمنات، أو في تتبع ما تبثّه كثير من الفضائيات وأمثالها مما لا يرضي الله ولا ينفع عباده، ولا يعين على حق، ولا يحجز عن باطل، ولا يحفظ خُلُقًا، ولا يهذّب سلوكًا. وليست الإجازات أيضًا نومًا طويلاً يستغرق أكثر ساعات النهار، وتَفُوت به الواجبات من الجُمَعِ والجماعات، وتُعَطّل به المصالح والأعمال، وتَكْسُد به سوق الجدّ والنشاط، وتَرُوج به سوق العجز والكسل؛ لكن الإجازة عندهم فرصة عظيمة للاستزادة من كل نافع تزكو وتكمل به العقول والنفوس والأبدان، وللتشمير عن ساعد الجد في استباق الخيرات، والتنافس في الباقيات الصالحات، والتمتع بالمباحات الطيبات؛ لأنهم يستشعرون عظم المسؤولية عند وقوفهم بين يدي مُسْدِي هذه النعم يوم القيامة، تلك المسؤولية التي أخبر عنها رسول الله في الحديث الذي أخرجه الترمذي في جامعه بإسناد حسن عن ابن مسعود أن رسول الله قال: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيم علم))(3)[3]. ولأنهم يستشعرون أيضًا عظم المسؤولية المنوطة بالأولياء من الآباء والأمهات والمربّين والمربّيات وأمثالهم في حفظ أوقات شبابنا وتوجيهها الوجهة التي يبلغون بها أجمل الغايات وأسمى المنازل، وتجعل منهم خير شباب لخير أمة أخرجت للناس، ولأنهم قبل ذلك وبعده يستيقنون أن طريق الشكر الذي يسلكونه موعودٌ صاحبُهُ بالمزيد، كما قال عَزّ اسمُه: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه . أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلّم عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله، إن عِظَم المسؤولية عن الأبناء والبنات أمر لا يصح الغفلة عنه أو التفريط فيه في كل حين، وإنّ على من يسمع قول نبي الله صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته))(4)[1]. إن على من يسمع هذا البيان النبوي الكريم أن لا يُغْمِض الأجفان عن هذه المسؤولية المترتبة عليه في حق من استرعاه الله أمره من أولاده، فليست الإجازة سببًا يُسَوِّغ التفريط أو غضّ الطرف عن ما لا يجوز من أعمال وما لا يصح من سلوك بحجة الترفيه والتسلية وإرسال النفس على سَجِيّتها تفعل ما تشاء، وتذر ما تشاء، وإنما هي سبب يُقَوِّي جانب الرعاية، ويؤكد واجب العناية، ويتضح به شدة الحاجة إلى دوام التعهد واستمرار الرقابة الحكيمة الواعية الناشئة عن كثرة المخالطة واتصال السؤال ومتابعة الأحوال؛ لتنوّع الأخطار وجِدّية التهديد، مع سهولة التعرّض لها ويُسْر الاصطلاء بنارها.
فاتقوا الله عباد الله، وليكن لكم في الموفّقين من عباد الله خيرُ قدوة في السير على نهجهم شكرًا لله على النعم التي أنعم الله بها عليكم، ودفعًا للنقم عنكم، وقيامًا بالمسؤولية التي وُسِّدَت إليكم.(3/12)
واذكروا على الدوام أن الله تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المتقين ورحمة الله للعالمين، فقال سبحانه في الكتاب المبين: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
__________
(1) أخرجه البخاري في الرقاق (6412) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 306)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب [3355]، وأخرجه ابن المبارك في الزهد، ومن طريقه البغوي في شرح السنة [4022] عن عمرو بن ميمون مرسلاً، وصحح سنده الحافظ في الفتح (11/234).
(3) أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2416) وقال : "هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي إلا من حديث الحسين بن قيس، وحسين بن قيس يضعّف في الحديث من قبل حفظه، وفي الباب عن أبي برزة وأبي سعيد"، وله شاهد أيضاً من حديث معاذ رضي الله عنه، وانظر تمام تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني (946).
(4) أخرجه البخاري في الجمعة (893)، ومسلم في الإمارة (1829).
=============
لابد من ملء الفراغ
كلما فكرت في حقيقة أن سبعين سنة من محاربة العقائد الدينية بكل الأساليب لم يُقْضَ عليها ، ولم تغيبها في التراب - كما قدر أعداء العقائد الدينية - ازدادت ثقتي بالحق الذي أحمله ، وكان ذلك برهاناً على قصر النظرة البشرية التي تحدثها أوهامها أحياناً بأنها تعلم كل شيء ، وتريد أن تزيل من أمامها كل ما يعوقها عن تحقيق ما قصرت نظرتها وعلمها عليه.
أما هذه المعركة المشار إليها فهي التي وقعت - ولا تزال - بين الشيوعية والأديان.
إن الشيوعية استخدمت كل الوسائل : المادية والمعنوية من أجل القضاء على "أفيون الشعوب" ولكن هل نجحت ؟!
هل نجحت في القضاء على المسيحية - مع أن المسيحية لا تهتم إلا بالجانب الروحي من الحياة، تاركة الجانب المادي لقيصر - ولئن عجزت الشيوعية عن القضاء على المسيحية، فهي عن أن تقضي على الإسلام - الذي هو في حقيقته دين شمولي لشأن الدنيا والآخرة معاً - أعجز.
ليس من شأننا الحديث عن معاداة الشيوعية للأديان في روسيا ! ، ولكن نريد أن نتخذ من ذلك دليلاً على عبثية المحاولات التي تبذل من أجل المحو أو التحريف والتشويه للحقائق التي تؤمن بها الشعوب.
***
لا شك أن هناك حملة قوية من أغلب الفئات النافذة بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية هذا القرن هدفها تقليل التأثير الإسلامي في بنية الشعوب الإسلامية ، وإبعاده شيئاً فشيئاً عن جميع النواحي المهمة في الحياة وخاصة الثقافية منها والتشريعية والاقتصادية.
ومع أن هذه الفئات قد حققت كثيراً مما كانت تتطلع إليه ، لكن الهدف النهائي - وهو تخفيف قبضة العقيدة الإسلامية ، وترويض حدة الشعور الديني - لم يتحقق منه شيء ، ولا تبدو في الأفق بوادر تشير إلى ذلك ، بل إن المشاهَد أن الشعور الإسلامي في تصاعد ، والاعتقاد بأن الكوارث المحيطة والمتربصة ليست إلا بسبب انفصام عرى العقيدة الإسلامية من بعض النفوس ، وأنه لا مخرج من هذا الواقع المتأزم إلا بعقد سلام بين الشعوب وتاريخها المغتصَب ، والاعتراف بأن المجتمع لن يكون محصناً ولا قوياً وهو منشق على نفسه ، يتبرأ جانب من جانب ، ويطارد قاهر مقهوراً ؛ لأن دوامة الزمن مستمرة في الدوران ، وغداً سيكون المَوْتور واتراً ، وهكذا...
***
إننا إذا تناولنا جانباً من جوانب التجاهل والإهمال الذي يلقاه الإسلام في دياره - وهو الجانب الثقافي - سيبدو لنا التأزم والعبث بأوضح صورة.
هذه خطط ، وتلك مناهج وضعت لتنشئة أجيال لتكون قادرة على الوقوف على قدميها في عالم عاصف بالأفكار ، والذين وضعوا ذلك وصلوا - برجاحة عقولهم ، وغزارة علمهم ، وقبل ذلك كله بحرارة إخلاصهم لأوطانهم وغِنى عواطفهم نحو أبناء قومهم ! - إلى أن الإسلام شأنه شأن الأديان كلها ، لا يمثل إلا زاوية روحية يكفي أن يقدم الحديث عنه للأجيال ضمن هذه الزاوية : تعليم لبعض العبادات ، وحديث عن التوبة والمغفرة ، والذكر ومراسم الدفن، وبعض مكارم الأخلاق مثل الرحمة والرفق بالحيوان، وأشياء أخرى لا تخرج عن هذا الإطار الفقير. ويستطيع أن يقوم بتقديم هذا الجانب أي فرد - عالم أو جاهل - مؤمن بما يقول أو جاحد. والقصد من هذا الاختصار واضح لكل ذي نظر ، وهو ليس القناعة حتى بهذه الأشياء المقدمة ، بل الإجابة على تساؤل الذين يتساءلون بإلحاح : أين مكان الدين من تربية الأجيال ؟.
تريدون ديناً ؟! ، لا مانع ، خذوا هذا الدين ! هذا هو الإسلام !
أما إذا لم يشفِ هذا الجواب العملي النفوس التي تحترق وتململت تطلب إجابة أشفى "كان الصراخ لها قرع الظنابيب" (1).
نريد أن ننظر إلى واقعنا على ضوء هذا الذي يجري فيه ، فعندما لا يقتنع المسلم أن ما يقدَّم لأبنائه هو الإسلام ، فإنه يفتش عن بديل آخر لهذا ، كأن يلقن أبناءه الإسلام الذي يؤمن به والذي يراه مخالفاً - في اتساعه وشموله ، بل في أحكامه العملية - لهذا الإسلام المسكين المستكين الراكد العاجز الذي تحدثه عنه أجهزة الثقافة وأقنية الفكر.
وإذا افترضنا أن من الآباء من لا يبالون : أدرس أبناؤهم إسلاماً وقرآناً أم درسوا غير ذلك ؟! فإن من الآباء كذلك من يشعر بالمسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتقه ، ومن يعتقد اعتقاداً لا يتزعزع أن الله سائله كيف ربى ولده ، وهو لذلك يرى أن الأمر جد لا هزل فيه. وحتى أولئك الآباء غير المبالين ، عندما يشب أبناؤهم عن الطوق ، ويقارنون ما لقنوا بما هو موجود في الكتب الإسلامية المبذولة بأعداد هائلة ، وبنسب تفوق كل أنواع الكتب الأخرى ؛ فإن كثيراً من هؤلاء الأبناء يراجعون ما لقنوا ، ويكتشفون الزيف الكثير في ذلك ، فإما أن يرفضوه جملة ، وإما أن يشكوا فيه ، وهما أمران ينتج عنهما انفصام في الشخصيات ، وتمزق داخلي ينعكس على تصرفاتهم وأعمالهم ، وبدلاً من أن يكونوا خلايا منتجة في جسم المجتمع يؤول أمرهم إلى أن يكونوا خلايا مشلولة لا أثر لها ، أو مريضة تنفث التوتر والضعف في بنية الأمة.
وتبقى هناك فئة تمضي في البحث عن الحقيقة المغيبة بنفسها ، فإما أن تنجح في العثور عليها وإما أن تفشل، وهي في حالتي نجاحها وفشلها لا تحقق لمجتمعها شيئاً على المستوى العام ؛ لأن نجاحها فيما نجحت فيه لا يحسب لها ، بل عليها ، لأنه غير معترف به من قبل الذين رسموا وخططوا ، وفشلها يتخذ ذريعة لتثبيت الباطل الذي حاولت خارج إطاره ، ولاستمرار الزيف الذي لم يطفئ فيها التحرق للبحث عن الحق.
إن كبرى الأزمات التي نعاني منها مردها إلى هذه الحال التلفيقية التي نعيش فيها : تتجاور فينا المتناقضات ، ونعيش في أجواء يسودها التنافر والتمزق ؛ فالكفر الصُّرَاح بجانب نصف الكفر بجانب الإسلام وأجزاء الإسلام ! والعبودية ونصف العبودية بجانب الحرية وما هو فوق الحرية من الطغيان والجبروت ، والعروبة بجانب دعوى العروبة والشعوبية السافرة، والفساد المرخص له بجانب المساجد ودور العبادة ، والقوانين الحديثة المكتوبة ، بجانب القوانين السرية النافذة : قوانين العشائر والفئات والطوائف. وهيكل الدولة الحديثة الذي تسري فيه روح الغرائز وتسود فيه شريعة الغاب...
خلط وتلفيق وحلول وسط تعكس نفوساً خربها النفاق وفتك بها الهوان فلم تعد تعرف معروفاً ، ولا تنكر منكراً.(3/13)
الحرج من هذا الواقع المرير مرهون بأن نقف أمام أنفسنا وقفة صادقة ، وأن نعترف بسبب المشكلة أولاً ، وهو هنا عدم وجود دليل واضح ومنهج أصيل تسير على هدْيه الأجيال الإسلامية ، ثم الانفصال بين مفهومين للإسلام في أذهان هذه الأجيال : مفهوم تقدمه فئة غير مقتنعة بالإسلام ولا تبالي بأي واد هلك ، إسلام مقطع الأوصال ، مشوه القسمات ؛ ومفهوم آخر تبحث عنه هذه الجموع المتعطشة التي فقدت ثقتها بكل شيء ، وانهارت أمام عيونها كل المناهج المستوردة والمفروضة ، وهي في خلال بحثها عنه تلاقي الجفاء والمقت ، وتعاني من الإنكار والجحود.
وما لم يكن هناك اعتراف بهذه الحقيقة فإن جهودنا أفراداً وجماعات ستذهب سدى ، وسنبقى حيث نحن ، هدر للطاقات ، وتضحية بالكفاءات ، ومطاردة دائمة... حتى يأتي يوم نفقد فيه الطِّراد حيث نفقد الطرائد.
الهوامش :
1- شطر بيت لسلامة بن جندل وصدره : إنا إذا ما أتانا صارخ فزع …
والصارخ : المستغيث ، والصراخ : الإغاثة. والظنابيب : جمع ظُنبوب ، وهو ظاهر الساق. ويمكن أن يستعار هذا المعنى للدلالة على الرد بعنف على الاحتجاج.
================
الفراغ وأثره في النفس والمجتمع
د. عبدالله سلطان السبيعي
اتجه العلم الحديث لأسباب تاريخية إلى فصل العلم عن الدين، والابتعاد عن قبضة الكنيسة ورجال الدين ، ولسوء حظ بلاد العرب والمسلمين فقد استورد هذا الاتجاه بما فيه من خطر عظيم لعدم وجود البديل وهو الفكر الإسلامي.
أنا لا أدعي وأنا أكتب هذا المقال أنني أعرف في الدين أكثر مما يعرفه الشخص العادي، وهذا نقص أعترف به ، ولكنني هنا أحاول أن أعكس ما تعلمته وأربط ما أعلمه من طب وعلم النفس مع عقيدتي الإسلامية. هذا ليس هو الطريق لأسلمة العلم ، الشيء الذي يقصد به أكثر من ذلك لعل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه من القول والعمل.
قرأت مؤخراً آية من كتاب الله هي قوله تعالى في آخر سورة الشرح ((فَإذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وإلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)). قرأت تفسير هذه الآية في أكثر من مرجع فإذا هي مخاطبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يتوجه إلى الله بالعبادة بعد أن يفرغ من شغله مع الناس ، وأن ينصب في ذلك ويتوجه إلى الله بكل ما يفعله.
المعنى الذي استشعرته من الآية والذي ينطق على كل إنسان مهما كان هو معنى الفراغ بمعناه الشامل ، أي إذا انتهى الإنسان من أي عمل كان ، ووجد نفسه فارغاً ، لا يجد شيئاً يفعله ، توجهه الآية الكريمة أن يبحث عن شيء يشتغل به ،ولكن الآية لا تترك التوجيه هكذا عائماً يفسره كل حسب هواه ، إنها توجهنا ، ألا يكون ما نشتغل به لمجرد شغل الفراغ ولكن يجب أن يخضع لضابطين أساسيين هما: النصب ،والنية الصالحة.
وإذا انتقلنا إلى الكلام عن الفراغ وما يجر إليه من مفاسد وذلك في ظلال هذه الآية وهذا المفهوم؛ نجد:
أولاً: أن الفراغ سبب أساسي في الكثير من أمراض العصر النفسية والجسمية ، لا يختلف الأطباء أبداً في أثر الفراغ في الجسم البشري أو حتى الحيواني وأنه يؤدي إلى تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والروماتيزم والجلطات القلبية والدماغية ،وهم أيضاً لا يختلفون كذلك أن الفراغ وراء الاكتئاب والقلق النفسي والهم.
ثانياً: الفراغ يجعل الإنسان يشعر بأنه لا فائدة له، وأنه عضو مشلول في المجتمع لا ينتج ولا يفيد. فالإنسان الفارغ لا يترقب شيئاً تهفو إليه نفسه كنتيجة لعمله ، فهو بلا هدف في الحياة وأي حياة هذه التي لا هدف لها.
ثالثا: الفراغ وسيلة من وسائل إبليس يوسوس فيها للإنسان فيثير فيه كوامن الغرائز ويلهبها فتحرقه وتفلت من لجامها لتحرق ما حوله. وهذه حقيقة لا مراء لها.
رابعًا: الفراغ سبب للمشاكل الأخلاقية والجريمة، ويشهد بهذا علماء الاجتماع، إذ وجد أن نسبة الجرائم والمشاكل الأخلاقية تتناسب طرداً مع نسبة البطالة في أي زمان ومكان.
خامساً: الفراغ سبب في كسب الذنوب مثل التفكير في المعاصي والحديث في الناس ، وما إلى ذلك.
سادساً: الفراغ تعيل للطاقة وقد قال صلى الله عليه وسلم ما معناه:أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع..." ومنها:وعن عمره فيم أبلاه. فلا حول ولا قرة إلا بالله ولنعد مرة أخرى إلى الشرطين الذين وضعتهما الآية الكريمة لعلاج هذا الداء (الفراغ)، ألا وهما:
1- النصب: (بفتح الباء) أي إن مشاهدة التلفزيون وقضاء الساعات أمامه وقراءة الجرائد الهزيلة وما إلى ذلك ليس مما يداوي هذا المرض ويمنع الخلل الذي يجره على الإنسان ومن خلفه المجتمع الذي هو عضو فيه. الشرط هنا هو التعب أي أن يجهد الإنسان نفسه فالتعب وحده هو الذي يصرفه عن ما ذكرناه من عواقب الفراغ الوخيمة.
2- الرغبة إلى الله: أي التوجه إليه وقصده وحده بما تجهد فيه نفسك وهذا ليس فقط لربط الدنيا بالدين كما هو هدف القرآن في كل توجيه ولكنه أيضاً الوسيلة الوحيدة لسلسلة أخرى من المشاكل، ألا وهي التسيب وانخفاض مستوى الكفاءة الإنتاجية في العمل، وهذا من اكبر المعضلات في علم الإدارة. لا يمكن أن يردع الإنسان ترغيب ولا ترهيب أن لا يقصر في عمله أو يخون صاحب العمل سواء كان فرداً أو حكومة ، لكنه الخوف من الله سبحانه والعلم بأنه مطلع على كل ما نعمله وحتى ما تخفيه الأنفس. هذا الخوف من الله هو المقصود بالآية، فالعامل يخلص العمل ليس رغبة في تقدير صاحب العمل وحفنة من المال، ولا خوفاً من العقاب إن هو قصر ولكن رغبة في ما عند الله، ومن ثم الجزاء نقداً (حاضراً) بالشعور بالراحة النفسية والسمعة الحسنة والكسب المادي ، ومؤجلاً بما عند الله جزاء النية الصادقة والضمير اليقظ .
لا أجد داعياً لأعود فأتحدث عن ما يفعله التوجيه الإلهي في هذه الآية ، إذ ينقضّ على معول من معاول الهدم فيحطمه ويرى الإنسان المسلم كيف يبنى بنيانه على أساس من الإيمان يرتبط فيه علم النفس بعلم الاجتماع بعلم الإدارة بالطب البشري.
============
الفراغ
إسماعيل بن صالح آل عبد الرحيم
أحسب أن المجتمع يستطيع الخلاص من مفاسد كثيرة لو أنه تحكم في أوقات فراغه ، لا بالإفادة منها بعد أن توجد ، بل بخلق الجهد الذي يستنفد كل طاقة ، ويوجه هذا وذاك إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده ، فلا يبقى مجال يشعر امرؤ بعده أنه لا عمل له.
إن الفراغ في الشرق يدمر ألوف الكفايات والمواهب ، ويخفيها وراء ركام هائل من الاستهانة والاستكانة ، كما تختفي معادن الذهب والحديد في المناجم المجهولة!
يروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: إني لأرى الرجل فيعجبني ، فإذا سألت عنه فقيل لا حرفة له ، سقط من عيني.
وقال أيضاً: إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً (أي فارغاً) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة..
وقال حكيم: من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه ، وظلم نفسه!
والفراغ داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية ، إذ النفس لابد لها من حركة وعمل ، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلد الفكر وثخن العقل وضعفت حركة النفس واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب ، وربما حدث له إرادات سيئة شريرة ينفس بها عن هذا الكبت الذي أصابه من الفراغ(1).
وقد نبه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى غفلة الألوف من الناس عما وهبوا من نعمة العافية والوقت فقال: «نعمتان من نعم الله مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ»(2).(3/14)
ويقصد بالفراغ: الخلو من المشاغل والمعوقات الدنيوية المانعة للمرء من حيث الاشتغال بالأمور الأخروية.
وفى الحديث الآخر: «اغتنم خمساً قبل خمس» -وعد منها -«وفراغك قبل شغلك»(3).
يقول بعض الصالحين: فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة ، وكان السلف الصالحون يكرهون من الرجل أن يكون فارغاً لا هو في أمر دينه ولا هو في أمر دنياه.. ولهذا قيل: الفراغ للرجل غفلة وللنساء غلمة: أي محرك للغريزة.
ويشتد خطر الفراغ إذا اجتمع مع راغ الشباب الذي يتميز بقوة الغريزة والجدة(4) وفى هذا يقول أبو العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة!
ويقول آخر:
لقد هاج الفراغ عليه شغلاً وأسباب البلاء من الفراغ
ولقد قطع الله تعالى المعذرة لأهل الفراغ بقوله:((وجَعَلْنَا اللَّيْلَ والنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ وكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً))[الإسراء:13] فأتاح لهم التكسب من نعم الله وفضله والنظر في مخلوقاته والتفكر فيها واسترجاع طاقات العقل بما ينفع من أمور الدنيا والآخرة.
وبتعدد أنواع الفراغ يمكننا تقييم الحالات التي يصاب بها الشخص من إهدار الأعمال على هامش المفسدة ، فجعل الله صفة "الفراغ العقلي" للدواب وذلك لأنها غير مهيئة لاستخدام عقلها ، فشابهها الإنسان عندما يعطل دور عقله في تحصيل العلوم النافعة ، وهذا هو سر تمييز عمر بن الخطاب رضي الله عنه للرجال حين قال : أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، ومروءته خُلُقه(1).
فلابد من إدراك أهمية ملء الذهن بما ينفع ، فإذا عاش الإنسان في فراغ عقلي فإنما كتب على حياته الدمار ، وأما من ملأ عقله بما ينفعه في دنياه وأخرته فالفوز حليفه في الدنيا والآخرة ، وذلك لأنه كان يغذي عقله لما خلق له في تدبر أمر الله جل علاه والحقوق اللازمة له والتفكر في مخلوقات الله كما أمر تبارك وتعالى بذلك حين قال:((وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ والشَّمْسَ والْقَمَرَ والنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [النحل:12].
وأما الفراغ القلبي.. فأوضح الله تبارك وتعالى أن ملء الفراغ القلبي يكون بالإيمان ، وهذا ما أكده ابن مسعود رحمه الله حين طلب منا أن نتفقد قلوبنا في المواطن الإيمانية بقول:"اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القران ، وفى مجالس الذكر ، وفي أوقات الخلوة ، فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك"(2).
وما عليك في هذه المرحلة إلا أن تقض على هذا الفراغ بتقوية صلتك بالله ، حتى تضع في قلبك إيماناً قوياً ، بدل فراغ قاتل يسمم حياتك.
والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، وذلك هو الفراغ النفسي.. فمن أطلق لنفسه العنان تهوي به ذات اليمين وذات الشمال ، فإن هذه صورة تمثل النفوس الفارغة التي صورها لنا سيد قطب بقوله: "إنها صورة (النفوس الفارغة) التي لا تعرف الجد ، فتلهو في أخطر المواقف وتهزل في مواطن الجد ، وتستهتر في مواطن القداسة..
والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال بالقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال ، فلا تصلح للنهوض بعبء ولا الاضطلاع بواجب ، ولا القيام بتكليف وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة(1).
فهذه هي حالة النفوس الفارغة. فلا قول ولا عمل ولا إيمان ولا دين همها اللعب واللهو في الدنيا ويتبعه حسرة وندامة يوم القيامة.
إن إدراك الإنسان قيمة الزمن ، وإيجاد الحل للفراغ ليس إلا إدراكاً لوجوده وإنسانيته ووظيفته في ركام هذه الحياة.
فأين الذين قاموا بما تقتضيه هذه الخصال فإن الحساب عسير. يقول الحسن البصري رحمه الله: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم!.
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي.
وإذا كان هذا هو حرص سلفنا على الوقت وتقدير قيمته وخطره ، فإن مما يدمى القلب ، ويمزق الكبد أسى وأسفاً: ما نراه -البوم - عند المسلمين من إضاعة للأوقات فاقت حد التبذير إلى التبديد. حتى يجلسون الساعات الطوال من ليل أو نهار حول مائدة النرد أو رقعة الشطرنج ، أو لعب الورق . أو غير ذلك -مما يحل أو يحرم - لا يبالون لاهين عن ذكر الله وعن الصلاة ، فإذا سألتهم عن عملهم هذا قالوا بعبارة تفقدك الأمل فيهم (نقتل الوقت) ، وما يدرون أنهم يقتلون أنفسهم في الحقيقة ، وسوف يندمون حين يقال لهم:((أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)) [ فاطر:37 ].
إذاً فالفراغ داء قتال إذا لم يمضه صاحبه بما ينفع وإذا أراد الله سبحانه بالعبد خيراً أعانه بالوقت وجعل وقته مساعداً له ، وإذا أراد شراً جعل وقته عليه ، وناكده وقته حتى يفقد وظيفته في هذه الحياة.
وأفضل ما تصان به حياة إنسان أن يرسم لها منهاجاً يستغرق أوقاتها ، ولا تترك فرصة للشيطان أن يتطرق إليها بوسوسة ، أو إضلال ، فإن ذلك هو بداية حمل النفس على المتاعب العقلية والبدنية من غير عمل ناجح.
إن المسلم يغالي بالوقت مغالاة شديدة لأن الوقت عمره ، فإذا سمح بضياعه ، وترك العوادي تنهبه فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش ، والإسلام دين يعرف قيمة الوقت وخطر الفراغ ، ويقدر خطورة الزمن يؤكد الحكمة الغالية "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" ، وما فشت المنكرات وازدادت حدة العصيان وانتشار الجرائم إلا بازدياد نسبة الفراغ ، ذلك لأنه يفتح على هؤلاء المجانين أبواباً عديدة.. على رأس كل باب شيطان يدعو إلى الرذيلة ، فعند ذلك هل يتحكم الشخص بعقله أمام هذه الأبواب فيربي فراغه على التحصيل والاستفادة أم ينفذ من أحد هذه الأبواب؟! فالزمن نعمة جلى ، ومنة كبرى لا يدريها ويستفيد منها كل الفائدة إلا الموفقون الأفذاذ ، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما "نعم أنت خلقت للعبادة والعبادة عمل تستلزم منك عدم إهدار أوقاتها بين الغفلة والكسل.. ويقول الحسن البصري: يا ابن آدم. إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك" ، فالإنسان مأمور باغتنام أوقات فراغه. حتى ولو لم تكن مناسبة للاغتنام ، لأن الأماني والأحلام لا تصنع حاضراً ولا تبنى مستقبلاً ، وهذا ما عناه أحمد بن فارس الرازي بقوله:
إذا كان يؤذيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا
ويُلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي: متى؟
والأيام تنطوي على ما عمل فيها بلا استرجاع إلى يوم القيامة فأهل الفراغ تطوى صحائفهم اليومية معظمها على عتبة الفراغ والبطالة. إن هؤلاء هم أولى بالحجر عليهم من الحجر على أهل إضاعة المال ، فهذا يمكن استرجاعه والتصرف فيه والاستفادة منه أما الوقت فلا!
يقول الإمام الحسن البصري: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني ، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة" ولو قلبنا صفحات تاريخنا الإسلامي لوجدناه مليئاً برجال سابقوا الزمان ، وملؤوه بالعلم والمعرفة ، فتخلد ذكرهم وهم بين طبقات الثرى ، كانوا دائماً بين أروقة العلم والعبادة لأن قيمة الزمن عندهم ترتبط بالغاية من الخلق وهي العبادة.(3/15)
ومع ذلك فإننا نحن الآن لا نبني بفراغنا شيئاً ثمرته خير للأمة والفرد ، لأننا لا نبالي بمرور الوقت الذي استغله وتحكم فيه أعداؤنا ، فمثلاً لقد أهدرنا وقت قراءة القرآن الذي هو الروح لتحريك الأمة وهو مصنع الرجال الأفذاذ.
ولي دعوة في آخر هذا المطاف للشباب لأنهم هم عماد المستقبل ، وهم القوة الدافعة لحضارات الأمم وتقدمها ، وهم أصحاب طاقات جبارة تتفجر في وسط العالم لأنها هي مرحلة الإنتاج ، أدعوهم إلى استغلال هذا الوقت العنفواني المزهر في تربية النفس وصقلها بين أجنحة المواهب ، وصرف الهمم إلى الإنتاج البشري المثمر ، ذلك لأني أرى الكثيرين من شباب اليوم فارغي النفوس والقلوب والرؤوس..فلا علم ولا عمل ، ولا دين ولا إيمان... ولا نرى لهم أثراً على الساحة العالمية سوى الانتصارات الرياضية ، والانخراط في سلك التائهين.. والناظر إلى الغرب وواقع الشباب فيه يدرك مدى الانحطاط الخلقي الذي يغوص في وحله الألوف من أصحاب الصرعات الانحرافية التي بدأ. فيروسها ينتقل إلى طاقات الشباب الإسلامي حتى يعيشوا في خواء روحي وفراغ عقلي. نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.
=============
لا تتركوا فراغاً بعدكم
محمد بن عبد الله الدويش
مما يمدح به بعض الرجال أن يقال عنه حين يمضي: لم يُسَدّ الفراغ الذي تركه، ولم يجد الناس من يخلفه. وتكثر هذه الحال حين يحل بعض طلبة العلم أو الدعاة في بلدة مقفرة، فيعمرها بالدعوة والعلم، والأغلب أن بقاءه فيها إلى أمد.
وترك الفراغ يدل بلا شك على قدرة وعطاء متميز؛ فالناس ألفٌ منهم كواحد.
ولكن مع الإيمان بتفاوت قدرات الناس وطاقاتهم ألا يمكن أن نخفف من أثر فقْد هؤلاء العاملين؟
إن اتساع الهوة التي يتركها من يذهب قد تكون نتيجة للفارق الكبير في القدرة والعطاء بينه وبين من بعده، وقد تكون نتيجة لطبيعة الأسلوب الإداري الذي يمارسه، لذا فثمة وسائل يمكن أن تقلل من أثر هذا الأمر:
1- أن يعتني الداعية بالطلاب، ويربي طائفة منهم ويعلمهم، حتى يتهيؤوا لسد مكانه، وأن يحذر من أن تستهلك ممارسة العمل جهده فلا يبقى للتعليم والتربية نصيب من ذلك.
وقد كان للسلف اعتناء بإعداد التلاميذ. قال ابن جماعة: (واعلم أن الطالب الصالح أَعْوَدُ على العالِم بخيري الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه، وأقرب أهله إليه؛ ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يُلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم، ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالِم إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله - تعالى - فإنه لا يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر(1).
2- أن يمارس أسلوب العمل الجماعي، ويعوّد العاملين معه عليه؛ فقد يصعب أن يوجد بعده مثله، لكن حين يُدار العمل بطريقة جماعية فسيكون أكثر نضجاً، وما لم يَتَرَبّ العاملون معه على ممارسة العمل الجماعي فلن يجيدوه بعده.
3- توزيع المسؤوليات والتفويض؛ فبعض الناس لفرط حرصه على العمل يربط كل صغيرة وكبيرة به شخصياً، فقد تسير الأمور حال بقائه، لكنه حين ينصرف سرعان ما ينفرط عقدها.
4- الاعتناء بالصف الثاني من العاملين، والتفكير باستمرار فيمن يخلفه من بعده، وتهيئة المجال له.
5- الاعتناء برفع مستوى العاملين، وأن تكون الأعمال الدعوية ميداناً لتدريب الطاقات والرفع من كفاءتها.
6- تدوين التجارب والإجراءات؛ فقد لا يوجد بعده من يستوعب التجربة كاملة، أو يرتبط إنجاز بعض المهام والأعمال بإجراءات محددة؛ فتدوين ذلك وتنظيمه يسهّل المهمة على من بعده.
7- ومما يعين على ذلك ألا يعجل الداعية قدر الإمكان بالانتقال إلى بلده، وأن يحتسب بقاءه في سبيل الله - عز وجل - فالدعوة تستحق منا أكثر من ذلك.
__________
(1) تذكرة السامع والمتكلم.
=============
الفراغ عند الشباب وخطورته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:-
أيها المسلمون: اعلموا أن أيامكم التي تمر بكم تقربكم من ربكم، وتدنيكم من أجلكم، وتسرع بكم إلى قبوركم، وكم من مضيع لأوقاته! ماضٍ في غفلاته! فلم يُفقْ ولم يَصْحَ إلا في معسكر الموتى! فندم على ما قصر في الحياة الدنيا!
الوقت هو حياة الإنسان ولا بد من استغلاله فيما يعود على الإنسان بالنفع، وفيما يدفع عنه الضر، ولعمري! كم من أناس يقضون أوقاتهم في غير فائدة تذكر، أو منفعة تسطر!! ولما كان الفراغ قاتلاً للأوقات، خاصة وقت الشباب الذي هو أغلى من كل شيء؛ كان الاهتمام به أبلغ وأشد..
إن الفراغ في حياة الشباب أمره خطير، وشره مستطير، لما خص به الشباب من خصوصيات كثيرة تختلف عن بقية مراحل عمر الإنسان.
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
عباد الله: فالشباب مفسدة للمرء إن لم يوجه في الخير ومن هنا عني الإسلامي بهذه المرحلة العمرية أيما عناية، ووجه الشباب إلى ما يقضون به أوقاتهم.
والفراغ مفسدة للمرء إن لم يستغل فيما يعود على المرء بالنفع في حياته وبعد مماته لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن شبابه فيا أبلاه...
والجدة والمال والغنى أيضاً من أسباب فساد الإنسان ما ينتظر أحدكم إلا غنى مطغياً، أو فقرا منسيا، أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال - فالدجال شر غائب ينتظر -، أو الساعة - والساعة أدهى وأمر -قال الألباني فيه نظر
ومن أسباب التفريط في الوقت في حياة الشباب:
1. الرفقة السيئة التي لا يسلم منها كثير من الشباب إلا من سلمه الله - تعالى- الرفقة السيئة التي ليس لهم هم إلا تضييع الأوقات في أي أمر كان! وإذا اجتمع مع هذا السعة والجدة والمال فإنه الوبال والخبال؛ جريمة وفاحشة وفساد عريض. والله المستعان
2. مرحل المراهقة وما يرتبط بها من انفعالات، وهي مرحلة الانتقال من عالم الطفولة إلى عالم الكبار، ولذلك ترتبط بها بعض التغيرات العضوية والنفسية في حياة الشباب وبالتالي يجد نفسة مضطراً للتفكير في أمور مثل الزواج؛ والمستقبل المأمول وغير ذلك، والانشغال به مما يضيع الكثير من أوقاتهم.
3. عدم اهتمام كثير من الأسر بأبنائهم وبناتهم في هذه المرحلة، وتوجيه أفكارهم التوجيه الصحيح ومراقبة تحركاتهم وتصرفاتهم من غير مبالغة وإشغالهم بأعمال تساعد في بناء شخصياتهم وأهدافهم في المستقبل .
4. عدم تقدير قيمة الوقت، من قبل بعض الآباء والأبناء فلا يعرف كثير منهم قيمة الوقت وأنه رأس مال الانسان، كما قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)رواه البخاري.
وقال الحسن البصري: (يا ابن آدم إنما أنت أيام إذا ذهب يومك ذهب بعضك)
والوقت أعظم ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
إلى غير ذلك من الأسباب..
يا شباب الإسلام: إن الفراغ في حياتكم إذا لم يستغل فإنه يسبب مشاكل كثيرة؛ ولذا لا بد أن تملؤوا أوقاتكم بما يفيدكم ويفيد أمتكم..
إن المشاكل التي تترتب على فراغ الشباب عديدة:
منها: ضعف الأمة وهوانها؛ لأن النصرة والمنعة والبناء والتفكير والإبداع لا يكون إلا بسواعد الشباب؛ فالشباب قوة وحيوية ونشاط، فإذا أهملت هذه الطاقات والقدرات ذبلت المجتمعات، وقرب انقراضها من ذاكرة الأجيال.. إن الشباب هم عماد الأمم، وإذا تعطل هؤلاء ولهو وتركوا الواجب عليهم -كما هو الحال اليوم في كثير من المجتمعات- فويلٌ ثم ويلٌ لأمتهم المنتمين إليها!!(3/16)
ومن المشاكل: انصراف الشباب من النافع إلى الضار.. ومن الطاعة إلى المعصية، فإن المغريات والمفتنات في هذا الزمن كثيرة وكثيرة؛ وإن الشهوات قد ضجت منها الأرض، واسودّ بها الزمن! فإذا انصرف الشباب إليها نتيجة لفراغهم، فسدت أخلاقهم، وانتكست فطرهم، وشوهت سمعتهم.
أيها الشباب: إن الفراغ الذي تجدونه في حياتكم مع وجود الشهوات ليعد أمراً خطيراً على حاضركم ومستقبلكم، يقول بعض الصالحين:
(فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة، بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجر في قياد الشهوات، شوش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه).
وقال بعض السلف: (الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل، ثم لا تتوجه إليه، وتقل عوائقك ثم لا ترحل إليه). يعني: الله جل جلاله.
أيها المسلمون! لقد كان سلفكم الصالح يكرهون من الرجل أن يكون فارغاً، لا هو في أمر دينه، ولا هو في أمر دنياه، وهنا تنقلب نعمة الفراغ نقمة على صاحبها، ولهذا قيل: الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غلمة، أي: محرك للغريزة والتفكير في أمر الشهوة! وهل كان تعلق امرأة العزيز بيوسف- عليه السلام- وشغفها، وتدبير المكايد لإيقاعه في شباكها، إلا نتيجة الفراغ الذي تعيشه!!
ويشتد خطر الفراغ إذا اجتمع مع الفراغ الشباب الذي يتميز بقوة الغريزة والجدة، أي القدرة المالية التي تمكن الإنسان من تحصيل ما يشتهي... وفي هذا يقول الشاعر:
لقد هاج الفراغ عليه شغلاً وأسباب البلاء من الفراغ
والفراغ: منه الفراغ العقلي.. هذا العقل إذا لم يستخدمه الإنسان في ما خلق له؛ فإنه يعد كالبهيمة؛ لأنه بهذا (الفراغ العقلي) ساوى الأنعام في كونها لا تعقل{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} (22) سورة الأنفال.
فلا بد من إدراك أهمية ملء الذهن بما ينفع، فإذا عاش الشباب في فراغ عقلي فإنما كتب على حياته الفناء، كما أنه قد كتب على آخرته البوار، لذلك يعترف أهل النار يوم القيامة بفراغ عقولهم حينما يقولون { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (10) سورة الملك. فهذا مصير من عاش منعوتاً في (فراغ عقلي) وأما من ملأ عقله بما ينفعه في دنياه وآخرته، فإنه يفوز فوزاً عظيماً في الدنيا والآخرة.
ومن أنواع الفراغ: الفراغ القلبي: إن القلب مضغة، بحياتها يحيى الجسد، وبموتها يموت؛ فهو وعاء الإيمان كما أنه وعاء الهوى.قال تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } (7) سورة الحجرات.
يا معشر الشباب: إن فراغ القلوب من الإيمان، يلزم منه امتلاؤها بالهوى والعصيان، من ملأ قلبه بحب الله ورسوله، فرغ القلب من الهوى والزيغ والضلال، ومن ملأه بالشهوة فقد فرغ من تقوى الله مرضاته، فيا له من فراغ قاتل، ويا له من تدبير سافل، أتظن أيها الشاب! أنك بترك قلبك للهوى والشيطان سوف تكون غداً من الناجين!! ما أظنك ستبلغ تلك المرتبة وتلك المنزلة! إن بلوغ المنزلة العالية يكون لمن ألزم نفسه عبودية الله وملأ قلبه بحبه وتقديسه!
ومن أنواع الفراغ: الفراغ النفسي:
إن النفس إذا لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وشغلها بالحق يكون بتزكيتها، وتهذيبها، وإلجامها عن الباطل.. وإلا تعودت على السوء، واستمرت بالانحراف فخاب بذلك صاحبها (قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وتاب علىَّ وعليكم إنه هو التواب الرحيم
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي حقق الإسلام قولاً وعملاً، وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:-
أيها الناس: إن المخاطر التي تترتب على الفراغ إذا لم يستغل الوقت فيما ينفع الانسان في دنياه وأخراه، وخصوصاً وقت الشباب، كثيرة جدا ، ولكن نأتي الآن على بيان الأمور التي يقضي بها الشباب أوقاتهم حتى يفوزوا بالرضى والجنان..
إن أهم ما يشغل به الشاب وقته فيما يعود عليه بالخير في أمر الدنيا والآخرة، ولا بد من ذلك؛ فإن انصرفت النفس إلى غير ذلك، فقد جانبت خير المسالك، ودخلت طريق المهالك.
ومن الأمور المعينة على حفظ الوقت وطرد الفراغ القاتل:-
1. الحركة الهادفة: فعلى الشاب أن يكون داعية رحالاً سائحاً في محلات مدينته، ومدن قطره، يبلغ دعوة الإسلام.. أنظر أيها الشاب مثلاً كيف كانت رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسيح في البوادي تبلغ الأعراب كلمة الإسلام وتبشر به، ولم يكن ثَمَّ انتظار ورودهم إلى المدينة،
وهذا يعد مجالاً خصباً لاستغلال وقت الإنسان فيه حيث يكون الإنسان رحالاً حركياً يحمل كلمة الله إلى كل مكان (منزله، ومدرسته، وظيفته، بلدته قريته..) وإذا بلغ الشاب المسلم هذه المرتبة فلا يجد الفراغ إليه سبيلاً..
2. حب المساعدة وقضاء الحاجات: إننا عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود!! أما عندما نعيش لغيرنا، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة! تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض.
يقول أبو عثمان شيخ البخاري - رحمه الله -: (ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تم وإلا قمت له بمالي، فإن تم وإلا استعنا له بالإخوان، فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان!!).
هكذا أيها الشباب ويا معشر الناس جميعاً: كان السلف يعرفون بماذا يستغلون أوقاتهم، وكيف يقضون حاجات الناس بسعة صدر ورضى نفس!!
هذا هو إسلامنا.. دين معايش للواقع.. لا دين نظريات ومُثُل!!
دين حركة وجهاد.. لا دين خيال وافتراض!!
لهذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - موجهاً البشرية على التحرك في قضاء الحاجات..((أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه ديناً، أو يطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد ( يعني : مسجد المدينة ) شهراً ، ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه _ ولو شاء أن يمضيه أمضاه _ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام ، وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ))1. وقال: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة))2.
3. ومما يستغل به الشباب وجميع الناس أوقاتهم: القراءة.. قراءة القرآن، وقراءة كل ما ينفع! {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.
أيها الشباب أخرجوا من ضيق الذاتية إلى رحابة الحياة.. لقد ضيع الكثير أوقاتهم، وقتلوا أعمارهم، وخسروا حضهم!! فبئس الثمن وبئست البضاعة! أين أنتم يا شباب الإسلام هاكم القرآن فاقرؤوه، ورتيلوا آياته الحسان!! هاكم مجدكم وعزتكم وسؤددكم!
لا تضيعوا الأوقات!! هل استغنت الأمة المجروحة عن الطاقات حتى تضيع!؟ وهل ارتفعت الأمة بقدراتها حتى لا تحتاج إلى الشاب الرفيع!؟(3/17)
أين أنتم من القراءة والتفكير والإبداع والتنوير!؟ لا أراكم يبطء بكم الهوى عن المسير! وتقعدتكم الأماني والآمال عن الإنجاز والتعمير! لاتتكلوا على آبائكم ومن يقيت نفوسكم ويشبع بطونكم. ولم تعرفوا خطورة الاتكال! فإنه ما بددت الأوقات ومزقت اللحظات إلا من سوء التدبير وقلة التفكير!
4. مما يشغل به الشاب وقته: كيف يكون نافعاً لأمته؟ فهو يدرس ليفيد ويستفيد، وينهي دراسته ليبدع ويخترع.. ويكون قدوة في ذلك الفعل الجميل.. وهذا كله بعد أداء فرائض الله - تعالى- وشرائع دينه، كالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها ، والصيام، وغير ذلك لانه لا يمكن أن يخدم أمته أو ينفع مجتمعه قاطع لحبل الله. فمن قطع حبل الله قطعه الله.. ولذلك فإن الذين يحاولون أن يخدموا أمتهم بدون مبادئ ولا شرائع ولا دين يفسدون أكثر مما يصلحون...
فيا شباب الإسلام أنتم عماد الأمة وأملها المنشود؛ فإياكم وإهدار الأوقات وتبديد الطاقات..
5. مما يستغل به الإنسان وقت فراغه: الرياضة والألعاب الرياضية: وهذا مصرف من مصارف الوقت النافعة.. ولنا أصل في الشريعة يدل على ذلك حيث كان السلف الصالح يدربون أنفسهم وأولادهم على القوة والشجاعة، وقد أوصى عمر فقال: (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل). وفي رواية: (وأن يثبوا على الخيل وثباً) أي قفزاً..
ولا يعني هذا أن يصرف الشاب كل وقته في الرياضية، فإن في ذلك تضييعاً للحقوق الأخرى: حقوق الله، وحقوق نفسه ومن لهم عليه حق، ولكن تكون مقداراً بمقدار..
نسأل الله أن يصلح شباب المسلمين وشاباتهم ورجالهم ونسائهم جميعاً.. اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين يا رب العالمين... هذا والله أعلم.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
-------------------------
1- حسنه الألباني ( انظر السلسلة الصحيحة رقم: 906 )
2- رواه مسلم.
المصدر موقع امام المسجد www.alimam.ws
===============
قبل أن يقضي الفراغ على أطفالنا!!
(1-2) لقمان عطا المنان*
تتعدد المدارس على طول البلاد وعرضها وعلى وجه الخصوص ما يسمى بمرحلة الأساس الحكومية أو الخاصة التي صارت تجارة رائجة رابحة.. هذه المدارس التي تحوي جيوشاً جرارة من التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم في الغالب ما بين ست سنوات إلى أربع عشرة سنة حيث يقضون ثمان سنوات بين أركانها وجدرانها.. ولكن السؤال الذي يطرح ويفرض نفسه هو: كيف يقضي هؤلاء التلاميذ أوقات فراغهم في العطلة أو الإجازة؟!..
ذات مرة سمعت بأذني - وأنا أشق طريقي وسط أحد الأحياء العاصمية أثناء شجار وقع بين اثنين من الأطفال لا يتجاوز عمر أحدهما إحدى عشرة سنة - ألفاظاً متبادلة بينهم يعف القلم عن ذكرها!!..
توقفت وتأملت هذه الألفاظ التي تفوّه بها هذان الطفلان، وتساءلت وفي نفسي مرارة: من أين أتى هؤلاء الصغار بهذه الألفاظ البذيئة، وهذا السلوك المشين؟!..
كانت الأسئلة تحاصرني، لكنني لم أجد لها إجابة شافية سوى أنها حدثت بسبب الفراغات العريضة التي تتركها بعض الأسر والمدارس.. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في ذلك: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)..
ولكم أن تتصوروا معي هؤلاء الصغار وهم يجلسون في الطرقات، ويتشاغبون في أشياء لا تسمن ولا تغني عن جوع.. أو انظروا إلى جلوسهم أمام الحوانيت وهم يحملون الألعاب النارية التي يفجرونها بين الفينة والأخرى بعد أن يقوموا بوضعها خلسة تحت أقدام الكبار أو الصغار ثم تنفجر مسببة الهلع والفزع والروع للجالسين والمارة، بينما هم يقهقهون!!..
إن أخطر ما يواجهه هؤلاء الصغار هو الفراغ القاتل الذي إن لم يستثمر في شيء مفيد ضاع الصغير وفسد؛ لا سيما من كان في مرحلة المراهقة وبداية طور النضوج!!..
* نود من خلال هذا التحقيق أن تتناول موضوعاً طالما غفل عنه الكثيرون!!..
* ما أكثر ما يعانيه المارة بالشارع من تلفظ الصغار بألفاظ وكلمات بذيئة؛ فيجب على أولياء الأمور أن يحاولوا علاجها بشتى الطرق بالتي هي أحسن؛ بطرق كثيرة مثل ملء فراغهم بأشياء مفيدة يمكن أن يسدوا بها هذا الفراغ القاتل الذي يذهب كثيراً في أشياء تنعكس على سلوكهم، ويجب على الآباء أن يعلموا أنه (لكل داء دواء)؛ فإن معرفة الأسباب الكامنة وراء الداء تمثل نصف الدواء..
إن على الأب أو الأم أن يسمع بعقل القاضي وروح الأب لأسباب انفعال الطفل بعد أن يهدئ من روعه، ويذكر له أنه على استعداد لسماعه؛ وحل مشكلته، وإزالة أسباب انفعاله.. وهذا ممكن إذا تحلى بالهدوء والذوق في التعبير عن مسببات غضبه..
ثانيًا: إحلال السلوك القويم محل السلوك المرفوض:
ثم بعد ذلك البحث عن مصدر تواجد الألفاظ البذيئة في قاموس الطفل؛ فالطفل جهاز محاكاة للبيئة المحيطة؛ فهذه الألفاظ هي محاكاة لما قد سمعه في بيئته المحيطة: (الأسرة - الشارع - الأقران).. كما يجب أن يراعى أن يعزل الطفل عن مصدر الألفاظ البذيئة المصدر؛ كأن يبعد عن قرناء السوء إن كانوا هم المصدر؛ فالأصل كما قيل في تأديب الصبيان (الحفظ من قرناء السوء، وإظهار الرفض لهذا السلوك؛ وذمه علنًا، مع إدراك أن طبيعة تغيير أي سلوك هي طبيعة تدريجية؛ وبالتالي التحلي بالصبر، والهدوء في علاج الأمر أمر لا مفر منه)؛ (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)..
يُعَوَّد سلوك (الأسف) كلما تلفظ بكلمة بذيئة.. ولا بد من توقع أن سلوك الأسف سيكون صعبًا في بادئ الأمر على الصغير؛ فتتم مقاطعته حتى يعتذر، ويناول هذا الأمر بنوع من الحزم والثبات والاستمرارية..
* عبد القادر عوض - معلم بالمرحلة الثانوية:
يمكن لأولياء الأمور أن يرشدوا أطفالهم؛ بأن يبتعدوا عن كل ما هو قبيح وضار لهم؛ من سوء السلوك، والألفاظ البذئية، وإبعادهم عن قرناء السوء، مع استعمال اللين معهم، والحكمة والموعظة بالتي هي أحسن، وإرساء مناهج سلوكية ذات صبغة إسلامية لهم؛ لا سيما في عطلاتهم المدرسية التي هي مرحلة الانحراف الحقيقية للأطفال؛ ففيها يتعلمون السلوك المشين!!..
أهمية التربية
تلعب التربية السليمة داخل الأسرة المسلمة الدور الكبير من الوالدين الذَين يقومان بمهمة التوعية والإرشاد لأبنائهما؛ لا سيما عند نعومة أظافرهم، وغرس القيم الدينية التي ينادي بها الإسلام والتي يمكن للطفل أن يملأ فراغه بها..
وهنالك عدة أمور ينبغي على الأب والأم أن يراعياها في تربية أبنائهما منذ الصغر؛ حتى يصيروا أبناءًا صالحين ينتفع بهم آبائهم ومجتمعاتهم..
ويرى الكثير من علماء التربية أن هناك عدة أمور يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تنشئة الطفل تنشئة قويمة إذا عمل بها أولياء الأمور منها:
* إلزام الطفل بالاستجابة لقواعد تهذيب السلوك التي تم وضعها: فمن المهم أن يعتاد الطفل الاستجابة بصورة لائقة إلى توجيهات والديه قبل دخوله المدرسة بفترة طويلة..
* ومن هذه التوجيهات: جلوسه في مقعد السيارة، وعدم ضرب الأطفال الآخرين، وأن يكون مستعداً لمغادرة المنزل في الوقت المحدد صباحاً، أو عند الذهاب إلى الفراش، وهكذا..
وهذه النظم التي يضعها الكبار ليست محل نقاش للطفل إذا كان الأمر لا يحتمل ذلك..
واجعل الطفل يميّز بين الأشياء التي يكون مخيّراً فيها وبين قواعد السلوك المحددة التي ليس فيها مجال للاختيار..
* التمييز بين احتياجات الطفل ورغباته:(3/18)
فقد يبكي الطفل إحساساً بالألم، أو الجوع، أو الخوف.. وفي هذه الحالات يجب الاستجابة له في الحال.. أما بكاؤه لأسباب أخرى فلن يسبب أية أضرار له.. وفي العادة يرتبط بكاء الطفل برغباته، وأهوائه.. والبكاء حالة طبيعية نتيجة حدوث تغير، أو إحباط للطفل.. وقد يكون البكاء جزءاً من نوبات الغضب الحادة؛ فيجب فى هذه الحال تجاهله، مع عدم معاقبته؛ وإنما يخبر بأنه طفل كثير البكاء؛ وعليه أن يكف عن ذلك..
وهناك بعض الأحيان التي يجب أن يُتَجَنَّب فيها الاهتمام بالطفل، أو ملاعبته مؤقتاً..
* يجب ألاَّ يغفل الوالدان عن التهذيب؛ حتى في وقت المتعة، والمرح:
إذا كان كلا الوالدين يعملان فربما يرغبان في قضاء جزء من المساء بصحبة الطفل، وهذا الوقت الخاص يجب أن يكون ممتعاً، ولكن ليس معنى هذا أن يتهاونا في تطبيق قواعد التهذيب؛ فإذا أساء الطفل السلوك فيجب تذكيره بالحدود التي عليه التزامها.
* قواعد السلوك مع الطفل:
الأطفال في هذه السن لا يتقيدون بهذه القواعد، أما عندما يبلغ الطفل أربع أو خمس سنوات من العمر فيمكن أن تشرح له الموضوعات التي تتعلق بتهذيب السلوك؛ لا سيما قبل دخوله مرحلة الأساس، أما عندما يبلغ الطفل سن المراهقة - من أربع عشرة سنة إلى ست عشرة سنة - فيمكن مناقشته كشخص بالغ؛ وفي تلك المرحلة يمكن أن يسأل عن رأيه في أي من هذه القواعد، والعقوبات.
* تعليم الطفل كيفية التغلب على السَأَم:
إذا كنت تلعب وتتحدث مع الطفل عدة ساعات كل يوم فليس من المتعيّن أن تشاركه اللعب دائماً؛ أو تحضر له بصفة دائمة صديقاً من خارج المنزل ليلعب معه؛ فعندها وعندما تكون مشغولا فتوقّع من طفلك أن يسلّي نفسه بمفرده؛ فالطفل البالغ من العمر أربعة أعوام يستطيع تسلية نفسه نصف الوقت، أما الذي يبلغ من العمر خمسة أعوام مثلاً فيستطيع أن يشغل نفسه ساعات طويلة يوميا..
* ثم حدوث التغيرات؛ مثل الخروج من المنزل، وبدء الحياة المدرسية يعد من ضغوط الحياة العادية، ومثل هذا يعلم الطفل، ويجعله قادراً على حل مشاكله؛ فعلى الآباء أن يكونوا دائما قريبين، ومستعدين لمساعدة الطفل عند اللزوم، لكن يجب ألا تقدم له المساعدة إذا كان بمقدوره أن يفعل ذلك الشيء بمفرده..
* وعموماً فعلى الآباء أن يجعلوا حياة الطفل واقعية، وطبيعية؛ بالقدر الذي يستطيع تحمله وفقا لسنّه؛ بدلاً من الاجتهاد في توفير أكبر قدر من المتعة له؛ لأن قدرات الطفل على التكيف، وثقته بنفسه سوف تنشط بتلك التجارب؛ وسيستفيد من خوضها..
* ومن الأشياء المهمة تعليم الطفل احترام حقوق والديه:
تأتي احتياجات الأطفال - من حب، وطعام، وملبس، وأمن، وطمأنينة - في المقام الأول، ثم تأتي احتياجات الآباء في المقام الثاني، أما رغبات الطفل (مثل اللعب)، أو نزواته (مثل حاجته إلى مزيد من القصص الإسلامية) فيجب أن تأتي في المقام الثالث ووفقاً لما يسمح به وقت آبائهم.. ويزداد هذا الأمر أهمية بالنسبة للوالدين العاملين الذين يكون وقتهما الذي يقضيانه مع أطفالهما محدوداً.. والشيء المهم هنا هو مقدار الوقت الذي يقضيانه مع طفلهما وفعاليته؛ فالوقت المثمر - والذي يجب أن يتفاعل فيه مع الطفل بأسلوب ممتع - هو وقت العطلات.. ويحتاج الأطفال إلى مثل هذا النوع من الوقت مع والديهم يومياً..
أما قضاء الآباء كل لحظة من وقت فراغهم أو من عطلتهم مع الطفل فإنه ليس في صالح الطفل أو صالحهم؛ حيث يجب أن يكون هناك توازن؛ يحافظ به الآباء على استقرارهم النفسي والذهني؛ بحيث يمنحهم قدرة أكبر على العطاء..
وليعلم الآباء أن الطفل إذا لم يتعلم احترام حقوق والديه فقد لا يحترم حقوق الآخرين؛ لا سيما عندما ينطلق في وقت فراغه في الإجازة، ويقترن مع أصدقائه؛ حيث يجد الطريق أمامه ليتعلم كل شيء منهم؛ الأمر الذي يجعله أقل تحمساً واهتماماً بالواجبات المدرسية..
* علي عز الدين عمر - رب أسرة:
من أهم الأشياء التي تجعل الطفل سوياً على الاستقامة الاهتمام برعايته، وتربيته تربية مستقيمة وفق ما أمر به الدين الإسلامي، ولكن للأسف الشديد فإن أغلب الأطفال اليوم صاروا لا يحترمون أحداً من الكبار؛ وهذا يعود بالطبع إلى عدم التربية!!..
* الزبير محمد إبراهيم - معلم:
التربية السليمة دوماً هي التي توجه الطفل إلى الاستفادة من أوقات فراغه عند الإجازات، والتربية لا بد أن تزرع من الوالدين في المقام الأول؛ لأن المدارس اليوم صارت تؤدي واجبها في الناحية الأكاديمية فقط؛ على عكس ما كان عليه الأمر في الماضي حيث كان التعليم فيه يقوم بواجبه كاملا نحو التلاميذ؛ بإرشادهم للسلوك القويم الذي يجب عليهم أن يسلكوه في حياتهم!!..
* الأمين عبد الله - رب أسرة:
والله يا ابني! منذ أن تأتي الإجازة نضع أيدينا على قلوبنا!؛ خوفاً من الصخب والضجيج الذي سيسببه لنا هؤلاء الأطفال!!.. والمشكلة تكمن في أن الكثير من الآباء يضع الحبل على الغارب فلا يهمه أمر ابنه؛ أين خرج؟!، وإلى أين اتجه؟!.. ويمكن أن يكون لا يعلم شيئاً عن مستواه الدراسي في المدرسة!!..
اللعب مفيد ولكن!!..
اللعب في سن المدرسة هو أكثر أنشطة الطفل ممارسة؛ يستغرق معظم ساعات يقظته، وقد يفضله على النوم والأكل، ولكن لا بد ألاَّ يشغله ذلك عن أداء صلواته بانتظام، وألاَّ يأخرها عن موعدها المحدد..
وغياب اللعب لدى الطفل يدل على أن هذا الطفل غير عادي.. فاللعب نشاط تلقائي؛ طبيعي؛ لا يُتعلم!!..
اللعب له عدة فوائد؛ فهو يُكسب الطفلَ مهارات حركية؛ فيتقوى جسمه.. وأيضا عمليات معرفية كالاستكشاف، ويزيد من المخزون اللغوي لديه، وغير ذلك من الفوائد..
* وليد سليمان - أعمال حرة:
الطفل هو في سن اكتساب، وهو يقوم بأي عمل يريد أن يتعرف عليه.. والطفل الذي لا يلعب طفل غير طبيعي..
ومن الأشياء المهمة أن الأطفال لا يعرفون الكذب، ولكن من المؤسف أن بعض الأمهات والآباء يعلمون أبنائهم الكذب!.. والأب التقي حقاً هو الذي يقوم بمراقبة أبنائه حتى لا ينحرفوا ويسيروا في طرق متعرجة!!.
* عبد الحميد حسن - رب أسرة
في ظل الظروف المعيشية القاسية، وتقلب الأحوال الاقتصادية ابتعد الناس عن مراقبة أبنائهم وعن متابعتهم في حال خروجهم للشارع أو التقائهم بأصدقائهم، بل حتى لدرجة عدم وقوفهم على مستوياتهم الدراسية!!.. وأقول: إن الفراغ الواسع الذي يعيشه الأطفال اليوم لهو من إهمال الآباء أنفسهم!؛ فمهما كانت الظروف فلا بد من رعاية تسد خلل هذا الفراغ!.. والله المستعان.
* محمد جابر - سائق ترحيل أطفال
حقيقة الأطفال في حاجة ماسة إلى أن يملأوا الفراغ بأشياء مفيدة، وبرامج نافعة، وكثيراً ما أسمع بعض الألفاظ القبيحة من الأطفال؛ وأندهش لها.. وذات مرة سمعت من أحد الأطفال كلمات يقولها لأخيه، وعندما قلت له: لماذا تقول مثل هذه الألفاظ القبيحة؟! قال لي: إن أخاه قد سبقه بكلام أقبح!!.. وفيما بعد علمت أن هذين الطفلين قد تعلما هذه الألفاظ من بعض أصدقائهم الذين يجالسونهم من أولئك الذين تطلقهم أسرهم دون رقابة!!..
* إبراهيم غالي - مواطن:
عدم رعاية الآباء لأطفالهم، إضافة لعدم التنظيم الجيد لأوقاتهم، مع غياب المتابعة.. كلها عوامل تساهم في تدني أخلاقهم، ومستواهم الدراسي!!..
* حمد عباس أيوب - معلم:(3/19)
الواجب على الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم أن تضع برامج مفيدة للأطفال؛ لا سيما في مرحلة الأساس في الإجازات الصيفية؛ بحيث لا تكون مملة ومنفرة، وأن تسطيع هذه البرامج أن تملأ الفراغ الذي تخلّفه المدارس؛ فالجرعات المدرسية غير كافية لإشباع حاجة هؤلاء الصغار.
* محمد عثمان نمر - معلم:
الأطفال هم أمل المستقبل ويمثلون الحاضر؛ فلا بد من الأخذ بأياديهم إلى طريق النور؛ وذلك بسد فجوة العطلات والإجازات التي تمر بهم مرور الكرام دون أن يكون هناك أي برامج تفيدهم في الدنيا والآخرة..
* زينب حماد - معلمة:
اللعب شيء طبيعي للأطفال؛ ولا بد منه، ولكن يجب أن تتماشى أيضاً معه أشياء مفيدة، بل لا بد للمدارس التي ينتمي لها الأطفال خاصة مرحلة الأساس أن تقدم لهم برامج خلال العطلة الصيفية.
فترة المراهقة
ليس سهلاً أن تربي طفلاً في زماننا هذا المشحون بالتوتر، وضيق الوقت، واللهث خلف الظروف المعيشية الصعبة التي شغلت الكثير من الآباء.. ولكن التربية مسؤولية عظيمة سيسأل عنها الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون؛ لأنه بمثل ما على الأبناء من حق لآباءهم فأيضاً وضع الإسلام حقا للأبناء على الآباء!!..
فما بالك بابنك وأنت غافلا عنه وقد تعدى عتبة الطفولة؛ وخط شاربه، وغلظ صوته، ومِنْ حوله مستجداتٌ وصرعات لا تنتهي؛ من موسيقى، وقصات شعر، وأزياء غربية غريبة، وتمرد، وعناد، وعالم انفتحت أبوابه على مصراعيه!!..
المراهقون: هل هم حقاً مشاكل متحركة، أو براكين ثائرة، وحروب مستمرة؟!، أم هم أطفال ولجوا عالم الكبار؛ ويحتاجون في دخولهم هذا إلى تهيئة، وعناية، وتكوين علاقة حميمة؟!..
* عبد المعطي أحمد علي - معلم:
أكثر ما يفسد الأطفال لا سيما المراهقين منهم هو اهتمامهم باللبس الغربي، والأفلام الغربية، والموسيقى، وعالم الموضة؛ خاصة التسريحات، والحلاقات الغريبة على مجتمعنا هذا كله.. وفي تقديري هذا كله بسبب الفراغ العريض.. وللأسف لايحترمون أحداً من الكبار عندما يدخنون السجائر، أو يتعاطي بعضهم (التمباك)، أوالشيشة التي صارت شغلهم الشاغل..
وبالطبع إن كثيرا من الآباء لا يدرون شيئاً عنهم؛ لعدم مراقبتهم لهم؛ خاصة في العطلات والإجازات!!..
* عبد السلام يوسف - مشرف تربوي سابق..
للأسف الفراغ الذي يعيش فيه هؤلاء الصغار هو مفسدة عظيمة لهم إن لم توضع لهم برامج مفيدة من قبل آبائهم.. وأكبر مشكلة تواجه هؤلاء الصغار - ولا يدري عنها آباءهم شئياً - هي مصاحبتهم للذين يكبرونهم سنًا وفكرًا!!..
الإخفاق المدرسي
مستويات الإخفاق (الفشل) قد تحدث أزمة ليس فقط في مستوى الطفل الأكاديمي والتعليمي، ولكن أيضاً في نفسية الطفل؛ بل ربما السبب يعود لأصدقائه، وما تأثر به خلال الإجازات والعطلات المدرسية؛ فاجعل نظرة الطفل للفشل، والإخفاق بطريقة لا تؤثر عليه؛ بحيث ترفع من معنوياته، وتشجعه على المزاكرة؛ حتى لا يترك الدراسه؛ وذلك عن طريق إدخاله معهدا، أو كورسا يقوي من مستواه أثناء فترة الإجازة، والعطلة؛ وبهذا تكون قد أغلقت عليه فجوة كبيرة أثناء فراغه..
* علي أحمد - معلم أساس:
أكثر ما يؤدي لانحراف الطفل مبكراً هو فشله في دراسته؛ والذي ربما يعود سببه إلى الفراغ في إجازته؛ حيث يكون قد انشغل بأشياء قد تصاحبه حتى أثناء العام الدراسي؛ وأعني بهذا أشياء يتعلمها من أصدقائه في هذه العطلة؛ ويتمسك بها؛ وبالتالي تؤثر في دراسته؛ ويفشل دراسياًًً!!.
============
أخي الشاب دع الفراغ وابدأ العمل
دار الوطن
الحمد لله حمداً يبلغ رضاه، وصلى الله على نبيه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن والاه الى يوم الدين.
أما بعد:
هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره، وابيض شعره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وسقط حاجبيه، وتناثرت أسنانه؟ فهو يقوم بصعوبة، ويقعد بصعوبة، وينام بصعوبة، ويصلي بصعوبة، ويصوم بصعوبة، ويأكل بصعوبة، ويشرب بصعوبة، ويقضي حاجته بصعوبة.
هل تأملت هذا الرجل؟ ألم يكن شاباً مثلك..؟ يعيش حياة الشباب.. ويسير سيرهم.. ويلهو لهوهم.. ويلعب لعبهم..، لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب طويلة.. وأن قوة الشباب قاهرة.. وأن نضرة الشباب تزهو على الليالي والأيام !!
واليوم.. وبعد أن كبرت سنه.. وضعف بنيانه.. وتنوعت أسقامه.. يبكي على ما ضاع من عمره في اللهو واللعب.. يبكي على قوة الشباب التي ولت، وعلى نضرة الشباب التي استبدلت بالكبر والشيخوخة.. ويتمنى أن يعود إليه شبابه وقوته ليصرفها في طاعة الله ورضوانه. ولكن هيهات هيهات.. فكل يوم انشق فجره ينادي ابن آدم ويقول: يا ابن آدم ! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لن أعود الى يوم القيامة.
إن هذا الرجل يعيش اليوم في ندم وحسرة.. لماذا؟ لأنه لا يقوى على عبادة الله في زمن العجز والضعف والوهن.. يريد الصلاة فلا يستطيع.. يريد الصيام فلا يستطيع.. يريد الحج والاعتمار فلا يستطيع.. يريد زيارة القبور وتشييع الجنائز فلا يستطيع.. قد هدّه المرض.. وتكاثرت عليه الأوجاع.. ولذلك فإنه يبكي.
بكيت على الشباب بدمع عيني *** فلم يغن البكاء ولا النحيب
فيا أسفاً أسفت على شباب *** نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت من الشباب وكنت غصناً *** كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يوماً *** فأخبره بما فعل المشيب
احذر طول الأمل !!
أخي الشاب: قد تقول: وما الذي يجعلني أنتظر حتى أصل الى هذا الحد من الضعف والوهن.. إني سأتوب قبل ذلك العمر.. ربما في الأربعين أو بعد ذلك بقليل، وهي سن يكون الإنسان فيها متمتعاً بكامل صحته وقواه، وحينئذ أجمع بين الأمرين: متعة الشباب، وعبادة الله بعد ذلك.. والله تعالى غفور رحيم.. يتوب على العبد متى تاب، ولو في الخمسين من عمره أو الستين أو السبعين ما لم يغرغر على الموت.
ولبيان زيف هذا التصور - أخي الشاب - أحب أن أسألك هذا السؤال: من يضمن لك أن تصل الى الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين؟ بل من يضمن لك البقاء الى غد؟ بل من يضمن لك أن تقوم من مقامك؟ أما تعلم أن الموت يأتي بغتة؟ وأنه ينزل بالشباب كما ينزل بغيرهم؟ أما رأيت كثيراً من أقرانك أخذهم الموت فأصبحوا من سكان القبور؟
هل تمكن هؤلاء من التوبة؟ وهل تمتعوا بالمهلة؟ وهل استفادوا في قبورهم من تضييع الأوقات في الملاهي والمنكرات؟ وهل وصلوا السن التي تريد أن تصل إليها ثم تتوب بعدها؟ فلماذا تؤمل البقاء في هذه الدار، وطريقك محفوف بالمكاره والأخطار؟
ولماذا التسويف والغفلة؟ وأنت تعلم أن الموت يأتي بغتة وتوبوا الى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [النور:31].
قال ابن الجوزي: يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً، ولا يغتر بالشباب والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت من الشباب، ولهذا يندر من يكبر وقد أنشدوا:
يُعمّر واحد فيغرّ قوماً *** ويُنسى من يموت من الشباب
ومن الاغترار: طول الأمل، وما من آفة أعظم منه، فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً، وإنما تتُقدّم المعاصي وتُؤخر التوبة لطول الأمل وتبادر الشهوات.
تؤمل في الدنيا قليلاً ولا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش الى الفجر
فكم من صحيح مات بغير علة! *** وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
شباب عاجز:
وكذلك - أخي الشاب- إذا وصلت الى سن الأربعين فما يدريك أنك ستكون متمتعاً بقواك في هذه السن كما زعمت؟ قادراً على عبادة الله على أكمل وجه؟(3/20)
أما يمكن أن يصاب ابن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين بالأمراض التي تزلزل أركانه؟ وتجعله طريح الفراش حبيس الأسرّة البيضاء؟ أما يمكن أن يبتلى ابن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين بالحوادث المروعة التي لا يستطيع بعدها حراكاً؟
فالله الله في تجديد التوبة، عساها تكف كف الجزاء، والحذر الحذر من الذنوب، فإن المبارزة لله تسقط العبد من عينه، ومتى سقط العبد من عين الله في أي أودية الدنيا هلك !
عاقبة التسويف:
أخي الشاب: هناك أمر آخر قد خفي عليك، وهو أن التسويف لا يقف عند حدّ، بل هو بحر لا ساحل له، والأماني لا تنقطع بصاحبها، ولا يزال العبد يسوف حتى يصير مجندلاً في قبره.. فإذا بلغ الثلاثين قال: سوف أتوب غداً.. وإذا جاوز الأربعين قال: سأتوب غداً.. وإذا بلغ الخمسين قال: غداً.. وإذا بلغ الستين قال: غداً غداً.. وكل يوم يمر عليه يزداد فيه بعداً من الله، ونفوراً من التوبة وسبيلها.. فالحازم من عزم على التوبة من ساعته، وترك سبل الغواية الآن قبل غده.
قال الحسن رحمه الله: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وكذب.. لو أحسن الظن لأحسن العمل.
خذ من شبابك قبل الموت والهرم ** وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعلم بأنك مجزئ ومرتهن *** وراقب الله واحذر زلة القدم
فيا أيها الشاب: إياك والتسويف بالتوبة، والاتكال على العفو والمغفرة، فالله تعالى كما أنه غفور رحيم، فإنه أيضاً شديد العقاب، ذو بطش شديد، وأخذ أليم. قال تعالى: إن بطش ربك لشديد [البروج:12]. وقال سبحانه: إن أخذه أليم شديد [هود:102]. وقال النبي : { إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته} [متفق عليه].
وهناك ثلاثة أسباب للتراخي والميل الى اللذات:
أحدها: رؤية الهوى العاجل، فإن رؤيته تشغل عن الفكر فيما يجنيه، لأن عين الهوى عمياء !
الثاني: التسويف بالتوبة، فلو حضر العقل لحذر من آفات التأخير، فربما هجم الموت قبل أن تحصل التوبة.
الثالث: رجاء الرحمة فيقول العاصي: ربي رحيم، وينسى أنه شديد العقاب.
قل للمفرط يستعد *** ما من ورود الموت بد
قد أخلق الدهر الشباب *** وما مضى لا يسترد
أو ما يخاف أخو المعاصي *** من له البطش الأشد
يوماً يعاين موقفاً *** فيه خطوب لا تحد
فإلام يشتغل الفتى *** في لهوه والأمر جد
شاب نشأ في عبادة الله:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله عز وجل، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه } [متفق عليه].
أخي الشاب:
ألا تريد أن يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟
ألا تريد أن تأخذ كتابك بيمينك فتقول فرحاً مسروراً: هاؤم اقرءوا كتابيه، إني ظننت أني ملاق حسابيه [الحاقة:19-20].
ألا تريد لقيا الأنبياء والمرسلين في جنات عدن؟
ألا تريد التمتع بالحور العين والجواري الحسان؟
ألا تريد النظر الى وجه الله الكريم؟ وجوه يومئذ ناضرة، الى ربها ناظرة [القيامة:22-23].
ألا تريد نعيماً لا ينفذ وقرة عين لا تنقطع؟
إن كنت تريد ذلك فـ:
شمر عسى أن ينفع التشمير *** وانظر بفكرك ما إليه تصير
طولت آمالاً تكنفها الهوى *** ونسيت أن العمر منك قصير
وكن كما كان هذا الشاب الذي حكى عنه بكر العابد، فقال تعبّد شاب صغير من أهل الشام فبالغ بالعبادة والاجتهاد، فقالت له أمه: يا بني ! لماذا لا تلهو مع الشباب الذين هم في مثل سنك؟ فقال لها الشاب الطائع: يا أماه ! ليتك كنت بي عقيماً.. ليتك لم تلديني يا أماه.. إن لابنك في القبر رقاداً طويلاً، وفي عرصات القيامة موقفاً مهولاً.. فقالت له: يا بني ! لولا أني أعرفك صغيراً وكبيراً لظننت أنك أحدثت حدثاً موبقاً، أو أذنبت ذنباً مهلكاً لما أراك تصنع بنفسك، فقال لها: يا أماه ! وما يدريني أن يكون الله عز وجل قد اطلع علي وأنا في ذنوبي فمقتني، وقال: اذهب فلن أغفر لك.
هكذا كان شباب الأمس، يعبدون الله تعالى، ويخافون ألا يتقبل الله منهم، أما شباب اليوم - إلا من رحم الله - فقد جمع بين التقصير بل التفريط والغفلة، ومع ذلك يظن كل واحد منهم النجاة يوم القيامة.
وصية نبوية:
عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك } [الحاكم والبيهقي وصححه الألباني].
الإسلام وحظوظ النفس:
أخي الشاب: يخطئ من يظن أن طريق الاستقامة يمنع المتعة ويحرم البسمة، وينهى عن المزحة، ويحظر الشهوات على الإطلاق بل إنه ضبط هذه الأمور وفق حدود شرعية حتى لا يكون الإنسان عبداً لهواه وشهواته، فهناك انواع من المتع المباحة التي أقرها الإسلام وحث عليها، ومن ذلك:
أولاً: النكاح: فالنكاح حث عليه الإسلام، وجعله سبيلاً لضبط الشهوة، وطريقاً للمودة والرحمة بين الزوجين، قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [الروم:21].
ونظراً لقوة داعي الشهوة لدى الشباب خصهم النبي بالأمر به، فقال عليه الصلاة والسلام: { يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء } [متفق عليه].
وفي النكاح فوائد عظيمة منها:
1- أنه تنفيذ لأمر الله تعالى في كتابه.
2- أن اتباع لسنن الأنبياء والمرسلين وبخاصة سنة نبينا محمد .
3- به تحصيل المودة والرحمة والتعاون والألفة بين الزوجين.
4- به يتم التعارف والتآخي بين الأسر والعائلات.
5- به تحفظ الأنساب ولا تختلط.
6- به تحصن الفروج وتضبط الغرائز ولا يعتدي الناس بعضهم على بعض.
7- به يكثر النسل وتقوى شوكة الأمة ويهاب جانبها.
8- به يحصل الأجر لكلا الزوجين إذا عاشر كل منهما الآخر بالمعروف.
9- به تحفظ المجتمعات من الفساد والانحلال.
10- به يحفظ الزوجان من الأمراض الفتاكة التي تصيب من يقضي وطره بالطرق المحرمة.
أخي الشاب: وحرم الإسلام الزنى لما فيه من الأضرار الجسيمة على الأفراد والأسر والمجتمعات، فبالزنى تختلط الأنساب وتنتشر العداوة والبغضاء، ويظهر القحط ويعم البلاء، والزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله.
ومن نتائج الزنى:
1- غضب الرب سبحانه لانتهاك محارمه.
2- سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت.
3- ظلمة القلب وطمس نوره والوحشة وضيق الصدر.
4- الفقر اللازم للزناة ولو بعد حين.
5- السقوط من عين الله وأعين العباد.
6- الاتصاف بأخبث الأوصاف كالفاجر والزاني والخائن والفاسق.
7- نزع الإيمان من القلب، لقول النبي : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } [متفق عليه].
8- التعرض للعذاب في جهنم مع الزناة والزواني.
9- الإصابة بالأمراض الفتاكة كالإيدز والهربز والسيلان.
10- فوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.
ثانياً: الأكل والشرب: قال تعالى: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه [الملك:15].(3/21)
1- أن يكون الطعام والشراب من الطيبات كما قال تعالى: ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث [الأعراف:157]. فالدخان والحشيشة والخمر كلها من الخبائث المحرمة.
2- أن يكون بقدر الحاجة كما قال تعالى: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا [الأعراف:31].
3- أن يكون في غير الأوقات التي حرم الله فيها الأكل والشرب كنهار رمضان، قال تعالى: ثم أتموا الصيام الى الليل [البقرة:187].
4- أن يكون الطعام والشراب من مال حلال، فإن كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به.
ثالثاً: الضحك والمزاح: فقد كان النبي يضحك، وكان يمزح، ولكن لا يقول إلا الصدق، فليس في الإسلام مكان لباطل ولو عن طريق المزاح والتفكه، وليس هناك نكات تروج للكذب، وتتخذ من السخرية مادة للضحك وتضييع الأوقات قال النبي : { ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له } [أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه الألباني].
رابعاً: الرحلات والزيارات: وهذه أيضاً من المتع المباحة شريطة ألا يتخللها معصية، من شرب للدخان أو استماع للملاهي أو التحدث بالرفث من القول وغير ذلك.
وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين: "أحث الشباب على إقامة الزيارات فيما بينهم، حتى تتوطد الألفة والمحبة بين القلوب، وعليهم أن يدرسوا أحوالهم وأحوال أمتهم، ليكونوا كقلب واحد، ورجل واحد، وما أعظم ثمرة الزيارات إذا قرنت برحلات قريبة أو بعيدة، فإن لها أثراً كبيراً، وعلى المربين من الأساتذة والمديرين قسط كبير من هذا التوجيه".
خامساً: الرياضة وتقوية الأبدان: فالمؤمن القوي خير واحب الى الله تعالى من المؤمن الضعيف، ويروى عن عمر أنه قال: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"، ولكن ينبغي للشاب أن يكون له نية صالحة في ذلك وهي الجهاد في سبيل الله والذب عن الشريعة والدفاع عن الدين والنفس والعرض والأرض والمال.
دع الفراغ وابدأ العمل:
أخي الشاب: ها نحن قد أخذنا الحديث وتكلمنا كثيراً، فلماذا لا نبدأ من الآن؟ أعترف أن البدايات قد تكون صعبة ولكن..
"عند الصباح يحمد القوم السرى".
وأذكرك بقول النبي : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ } [ البخاري]. فكأنك المقصود بهذا الحديث أيها الشاب، فأنت في الزمان الصحة والقوة، وعندك كثير من الأوقات التي انشغل فيها غيرك بتدبير معاشهم والسعي في أرزاقهم، فلماذا لا تستثمر هذه الأوقات فيما يقربك الى الله، وفيما يكون ذخراً لك يوم القيامة؟
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأبغض الرجل أراه فارغاً، لا في أمر دنياه، ولا في أمر آخرته.
وقال أبو العباس الدينوري: ليس في الدنيا أعز وألطف من الوقت والقلب، وأنت مضيع لهما !!
وقال يحيى بن معاذ الرازي: المغبون من عطل أيامه بالبطالات، وسلط جوارحه على الهلكات، ومات قبل إفاقته من الجنايات.
وقال أحد السلف: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما.
وقال عيسى عليه السلام: إن هذا الليل والنهار خزانتان فانظروا ما تضعون فيهما. وكان يقول: اعملوا لليل لما خُلق له، واعملوا للنهار لما خلق له.
وقال أبو زيد: إن الليل والنهار رأس مال المؤمنين، وربحهما الجنة، وخسرانها النار..
إنما الدنيا الى الجنة والنار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق!!
وقال إبراهيم بن شيبان: من حفظ على نفسه أوقاته فلا يضيعها بما لا رضى لله فيه، حفظ الله عليه دينه ودنياه.
وقال عمر بن ذر أنه كان يقول في مواعظه: لو علم أهل العافية ما تضمنته القبور من الأجساد البالية، لجدّوا في أيامهم الخالية، خوفاً من يوم تتقلب فيه القلوب الأبصار.
اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسى أن يكون موتك بغتة
كم من صحيح رأيت من غير سقم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
قال الإمام ابن رجب: "فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة، وقبل أن لا يقدر عليها، ويحال بينه وبينها، إما بمرض أو موت، أو بأن يدركه بعض الآيات التي لا يُقبل معها عمل".
وقال ابن الجوزي: واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، ففي الصحيح عن رسول الله أنه قال: { من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة } [الترمذي، وصححه الألباني]. فكم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل ! وهذه الأيام مثل المزرعة، فكأنه قيل للإنسان: كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألف كرّ - والكرّ: مكيال يقدر بأربعين أردباً - فهل يجوز للعاقل أن يتوقف في البذر ويتوانى؟!
قال تعالى: وأنيبوا الى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين [الزمر:54- 58]. وقال تعالى: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون [المؤمنون:99-100].
وختاماً أخي الشاب:
1- اعلم أن عمرك رأس مالك فلا تضيعه فيما لا يفيد.
2- تخير أصدقاءك، واجتنب صحبة الأشرار ومجالسهم.
3- حافظ على الصلاة فإنها سبيل النجاة، ولا تنم عن صلاة الفجر.
4- أسبغ الوضوء على المكاره، وأكثر الخطا الى المساجد وانتظر الصلاة بعد الصلاة.
5- بادر الى المسجد عند سماع الأذان فالله أكبر من كل شئ.
6- أكثر من الصيام فإنه دواء لكثير من أدواء الشباب.
7- عوّد نفسك الصدقة والبذل والعطاء، فإنه سبب لرفع كثير من البلاء.
8- بادر بأداء فريضة الحج ولا تؤخرها، والعمرة الى العمرة كفارة لما بينهما.
9- اجعل لك ورداً من القرآن كل يوم وحافظ عليه فخيركم من تعلم القرآن وعلمه.
10- أكثر من الذكر والدعاء في الليل والنهار، فإن الله تعالى يحب الذاكرين ويجيب دعاء الداعين.
11- طالع في سيرة النبي وسير أصحابه، لعلك تكتسب بعض صفاتهم.
12- داوم على حضور مجالس العلم، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم.
13- عليك بالتواضع وإياك والكبر، فإنه لا يدخل الجنة متكبر.
14- إياك والحسد فإنه ذنب إبليس الذي طرد به من الجنة.
15- أطع والديك ولا تغضبهما فإنه لا يدخل الجنة عاق.
16- عيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة القبور من وسائل زيادة الإيمان والتذكير بالآخرة فلا تغفل عنها.
17- تبسمك في وجه أخيك صدقة فأحسن لقاء إخوانك.
18- إياك والغناء فإنه لا يجتمع في قلب عبد محبة الغناء ومحبة القرآن، فانظر أيها تختار.
19- تعوّد غض البصر عبادة المتقين.
20- كن في حاجة إخوانك، فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
============
في مواجهة الفراغ الفكري والنفسي في الشباب
إن من أكبر المهام التي يفرضها علينا "التحدي الذي تواجهه الأمة الإسلامية": تحدي الصهيونية والاستعمار والماركسية: ممثلاً في التغريب والغزو الثقافي والشعوبية: هو بناء ذاتية المثقف المسلم العربي.(3/22)
إن أي ثقافة أو قراءة أو إطلاع دون هوية ومعرفة للهدف ودون إيمان برسالة الإيمان والحب لهذه الأمة والذود عنها وافتداء عقائدها ووجودها، لا قيمة لها، بل إنها سوف تكون مصدراً من مصادر الشقاء لأنها سوف تدفع صاحبها ليجري مع كل ريح، وسوف يعجز عن تحديد موقفه من أهواء المذاهب وتيارات النظريات وزخارف التعابير المنمقة الكاذبة نحن مطالبون أولاً بأن نعرف ركائز فكرنا وعقيدتنا، فإذا عرفناها آمنا بها واعتنقناها وملأنا بها كياننا الروحي والنفسي والعقلي، واستطعنا في ضوئها أن نواجه كل ما يقدم إلينا من هذا الشتات الكثير المختلط، إن الخطر الذي اجتاح بعض من غلبوا على أمرهم فانحازوا إلى هذا الفكر أو ذاك إنما كان مصدره "منطقة الفراغ" التي دفعت الرياح الهوج لتملأها ولو أنهم كانوا قد عملوا على ملأها بالحق والخير والإيمان والنور المستمد من العقيدة الصافية والفكر الأصيل لما استطاعت الأهواء أن تجتاحهم، لقد برقت يف عيونهم كلمات خادعة لفرويد ونيتشه وماركس وسارتر، ولو تعمقوها لوجدوها سماً زعافاً. إن المثقف المسلم الأصيل، المؤمن بأمته وعقيدته لا تخدعه الأسماء اللامعة ولا المطبوعات الفاخرة ولا الكلمات البراقة وإنما يعرف الرجال بالحق فمن عرف الحق عرف أهله ومن ثم فإن هذه الركائز قد تكون قادرة على إلقاء الضوء الكاشف أمام النفوس المستشرفة للضوء والعقول المتطلعة إلى النور.
إن أمتنا ليست في حاجة إلى أن تعتنق مذهباً ما من هذه المذاهب المطروحة أمام الفكر، أو نظام مجلوب من خارج دائرة ثقافتها. وهل يجوز لأمة لها هذا التاريخ العريق والدور الأصيل في بناء حضارة الإنسانية أن تحتوي، أو تصهر في أتون فكر الأمم، أو أن تستبعد لنظريات الفكر البشري وعندها الفكر الرباني الخالص الأصيل المستمد من وحي السماء. إن أبرز طوابع أمتنا هي الأصالة والاحتفاظ بالكيان الخالص والذاتية التي لا تنصهر ولا تذوب في فكر الأمم، ولأمتنا المنهج الأصيل الذي يحقق لها إذا أخذت به أسعد ما تتطلع إليه الأمم من نظم الاجتماع والفكر استمداداً من التوحيد الخالص والالتقاء بالفطرة والتجاوب مع الطابع الإنساني، إن نظرة فكرنا الإسلامي العربي نظرة رحبة عميقة واسعة الآفاق والأبعاد جامعة بين الروح والمادة والعقل والقلب، والدنيا والآخرة في إطار الالتزام الأخلاقي والمسئولية الفردية والإيمان بالبعث والجزاء. هذا الفهم الجامع الكامل الرحب من شأنه أن يثرى آفاق حياتنا في مواجهة التحدي الاستعماري الخطير الذي يلتمس الآن أصول فكرنا لتزييفه واحتوائه من خلال مؤسسات ظاهرة هي التبشر والاستشراق ومن خلال قوى خفية تتمثل في بروتوكولات صهيون وما تدبره في خفاء عن طريق الفكر والصحافة والثقافة وبواسطة مذاهب فلسفية تدور حول النفس والأخلاق والاجتماع ومقارنات الأديان وذلك في سبيل تحقيق هدفها الخطير المعلن وهو السيطرة على العالم بعد القضاء على كل قيمه ومثله وأخلاقياته.
ومن هنا فإن هذا التحدي يجب أن يكون قائماً في نفس كل منا وعقله، لا يغيب عنا لحظة ولا تجدنا ننظر في أمر من هذا الخطر الذي ترمي إليه كل القوى الطامعة في بلادنا والتي ترى أن خير وسيلة لاحتوائنا هو استقطاب فكرنا، حيث أننا أمة لا يمكن أن تخضع إلا إذا أزيلت رواسيها: القرآن والإسلام واللغة العربية. لقد تنبهنا لهذا الخطر منذ وقت طويل وبقى أن نحول هذا الفهم إلى إرادة حية تصد هذا الكيد وتحمي هذا الميراث وتحمل تلك التبعة وتزود عن هذه الأمانة بكل مرتخص وغال، ذلك أن أي إنسان منا ما هو إلا ابن هذه الأمة وهذا الفكر وهي بنوة عريقة ونسب كريم فقد حمل آبائنا أشرف رسالة وأعظم دعوة وكانوا من المجاهدين في سبيل هذا الحق، قادة للهدى والنور والخير في كل أرض وعصر ومن حقهم علينا أن نسير على طريقهم في النضال وأن نحمي هذه الأمانة ونذود عنها وأن نظل قادرين على حمل اللواء، وأن نقدم الإسلام إلى الأمم الحائرة التي تعيش اليوم في قلق وتمزق نتيجة غلبة النزعة المادية عليها.
ومن أجل تحقيق هذا كله أردت أن أضع بين أيديكم هذه المجموعة من الحقائق الفكرية والثقافية كأساس لبناء نظرة صحيحة إلى الحياة.
(أولاً): إن التدين جزء من الطبيعة البشرية ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بغير دين وقد عجزت الأيديولوجيات والمذاهب الحديثة أن تقدم له بديلاً عن الدين يرضي روحه ويسعد حياته.
لقد حررت الأديان الإنسان من عبودية المجتمع وعبودية الفرد ليتجه إلى الله وحده ولكن هذه الأيديولوجيات أعادت الإنسان إلى سجن المجتمع - لقد تضاءل الإنسان ليصبح مجرد نملة اجتماعية في مجتمع النمل.
لقد علمت الأديان أنه ليس حشرة اجتماعية ولكنه إنسان ذو كرامة. فاستطاعت أن تمنح معتنقيها هداية لا تستطيع أن تجاريها فيها الأيديولوجيات التي فصلت الإنسان من عبادة قوى الطبيعة إلى عبادة قوى المال والمادة.
(ثانياً): إن الإنسان ليست له أزمة ولا قضية حادة في ظل مفهوم الإسلام ذلك أن الإسلام نظر إلى الإنسان نم خلال طبيعته الجامعة بين الروح والجسم والعقل القلب. نظر إليه بوصفه كياناً متكاملاً وبذلك أقر رغباته المادية كلها وأباحها له دون أن يقيدها إلا بضوابط معينة قصد بها حماية الإنسان نفسه من الانهيار والتدمير وحتى يكون قادراً على أداء رسالته في الحياة ومواجهة مختلف التحديات دون أن يضعف أو ينهار.
(ثالثاً): ألغى الإسلام الفكرة الوثنية القديمة (التي تتجدد عن طريق الأيديولوجيات) القائلة بأن هناك صراعاً بين الجسم والروح، وأعلن أن الجسم والروح متكاملان وبذلك عارض مفهوم الرهبانية ومفهوم الإباحية معاً ودعا إلى التوازن وإلى إعلاء الرغبات حتى تتحقق القدرة على تنفيذها على النحو الطبيعي السليم.
لقد وضع الإسلام ضوابط من ثلاث عناصر:
الاعتدال - الحلال - العفة.
ولذلك فقد عجزت أزمة الجنس أن تمد لها مجالاً في محيط الإسلام لأنها لم توجد أصلاً. وفي الغرب (وفي الفكر الغربي الوافد الذي نراه في المسرحيات والسينما ونقرأه في الكتب والروايات) نجد مجتمعاً آخر، يختلف اختلافاً أساسياً عن مجتمعنا. لقد كانت أوروبا تعيش في ظلال القسر الشديد ثم انطلقت إلى الإطلاق الشديد وبذلك كانت مضطربة في الأولى لأنها خالفت الفطرة، ممزقة في الأخرى لأنها جاوزت الطبيعة.
أما الإسلام فقد قبل مبدأ الفطرة القائم على التوازن. أعلن وجود الرغبات من مال وطعام وجنس ولكنه وضعها في إطارها الصحيح ولم يجعل الطعام قضية تفوق القضايا أو تسيطر عليها ولم يجعل الجنس قضية القضايا كما نرى فيما ينقل إلينا ولكنه جعل الحياة متكاملة في عناصرها متوائمة في رغباتها وحدودها بعيدة عن الزهادة والسرف والرهبانية والتحلل والإطلاق والكبت وجعل للحياة أفاقاً أوسع من المادة وأعلى من الرغبات جعل هناك الأشواق الروحية والنفسية والعقلية إلى الثقافة والعلم والعبادة. فالإسلام لا يرفض الرغبات الحسية ولكنه يضعها في إطار واضح. فيجعل تحقيقها عن الطريق الطبيعي بالزواج في حالة القدرة أو التسامي والإعلاء بها بعد في حالة عدم الاقتدار. وذلك: دون أن تفقد هذه الرغبات حقها المعترف به في حالة الاستطاعة.
رابعاً: كذب الإسلام ودحض الافتراض القائل بأن الدين يصرف الإنسان عن النضال والعمل وأعلن أن الدين يدفع إلى القوة والتقدم والكشف والعمران جميعاً إيماناً بدعوة الله للإنسان إلى العمل واستخلافه في الأرض.(3/23)
ولا ريب أن دعوة الإسلام إلى امتلاك الإرادة الخاصة ورفض القيود ومقاومة الغزو كانت مصدر كل النضالات الوطنية التي انطلقت في العالم الإسلامي منذ جاءت موجة الاحتلال الأجنبي إلى الآن.
خامساً: أعلن الإسلام عن قيام الإرادة الحرة لكل مسلم وكل إنسان.
فكل إنسان مريد وقادر على العمل والتعبير، وقد هدي إلى الطريقين: طريق الخير وطريق الشر وعليه أن يختار أحدهما وفطرته تهديه ودين الله المبلغ له عن طريق الرسل والكتب ترشده.
هذه الإرادة لها تبعتها: هي المسئولية والحساب والجزاء الأخروي. فلا إرادة بلا مسئولية ولا مسئولية بلا جزاء.
أما الذين يقولون بالجبرية والصدفة وبأن الحياة مطلقة وأن من حق الإنسان أن يأخذ منها ما يشاء قبل أن يدركه الموت فذلك ليس مفهومنا، وهو في ذاته مفهوم باطل بحكم العقل والقياس وأن ترتيب البث والجزاء بعد الموت ليس أمراً مستحيلاً ولا متناقضاً مع العقل والفطرة، ذلك لأن للإنسان رسالة في الحياة، هو مطالب بأن يقوم بها على الوجه الصحيح، في سبيل إقامة مجتمع يرضى عنه الله تبارك وتعالى، فله في ذلك أجر الإحسان وجزاء الخطأ فإقرار البعث مطابق للفطرة ولا يشكل تناقضاً عقلياً بل إن إنكار البعث هو الذي يشكل التناقض، ويصور هذه الحياة، على أنها مسرحية هزيلة أو لعبة أو لهواً وهي ليست كذلك بالقطع، الإنسان له رسالة وهو محاسب عليها (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون).
سادساً: قرر الإسلام أن هناك قاسم مشترك أعظم على مختلف القيم والتصرفات: والأخلاق مقررات جاء بها الدين من عبد الله وهي ثابتة ثبات الفطرة الإنسانية نفسها، لا تتغير بتغير الزمان والمكان.
(فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).
وقاعدة الأخلاق الأساسية في الإسلام هي أن الحق واحد والخير واحد وانهما لا يختلفان ولا يتعددان وكذلك الشر والباطل.
والأخلاق هي تمييز بين الحق والباطل والخير والشر، وسيظل الخير هو الخير والشر هو الشر على اختلاف الأزمنة والبيئات ولن يتحول يوماً إلى ضده.
ولقد دعانا الإسلام إلى أخلاقية الحياة وأقام الالتزام الأخلاقي في كل الأعمال والتصرفات وجعله جزءاً من الدين فالدين في الإسلام جامع بين العقيدة والشريعة والأخلاق وهي لا تنفصل ولا تتجزأ.
أقول هذا لنكون في يقظة إزاء المذاهب التي تقول بأن الأخلاق نسبية، لا، ليست الأخلاق ولكنها التقاليد. أن الأخلاق من عند الله والتقاليد من صنع المجتمع نفسه. فالتقاليد متغيرة نعم، أما الأخلاق فلا ولقد يظن دعاة الفكر المادي أن الأخلاق كالدين نبعت من الأرض ولم تنزل من السماء ولذلك فهم يرونها متغيرة أما نحن: المسلمون فنفرق بين الأخلاق والتقاليد ونرى أن الأخلاق ثابتة كثبات القيم الأساسية وأن التقاليد متغيرة ويجب أن تتغير مع اختلاف العصور والهيئات.
والقاعدة أن هناك ثوابت وهناك متغيرات: والتطور والتغير والتحول إنما يشمل المتغيرات أما الثوابت فشأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب فهي ثابتة. ذلك في الإسلام أفلاك ثابتة وقيم لا يمكن أن تتغير ولكن ما في داخلها يتغير ويتحرك.
وتلك ميزة الإسلام:
سابعاً: هناك منهجان مختلفان: منهج للعلوم ومنهج للإنسانيات: منهج العلوم يستمد قوته من المادة ويتحرك في فلكها ولكنه لا يصلح للتطبيق على الإنسان: ولا يستطيع مقايسة الأخلاق والنفس والمجتمع. إن المفاهيم التي ترتبط بالإنسان في مشاعره وعواطفه يصعب إخضاعها لقوانين الظواهر الطبيعية. ذلك لأنها تتعرض لظروف مختلفة تتعلق بأعماق النفس ولا تخضع للتجربة.
ثامناً: لا تصدقوا الفكر الذي تقدمه الروايات والأفلام السينمائية والمسرحيات ولا تعتبروه مسلمات. ذلك لأنه لا يصدر عن حقائق وإنما عن أهواء وخيال.
الواقع هو المجتمع الذي نعيش فيه بما قامت عليه أعمدته من مقومات رسمها الدين الذي هدى البشرية إلى الحق، ثم جاءت العلوم مفسرة له: أما ذاك عالم الخيال والوهم:
إن الإسلام قد قدم لنا كل المفاهيم والقيم والتفسيرات لمختلف قضايا المجتمع والإنسان والأخلاق والنفس على نحو كريم، فيه السماحة واليسر، وفيه قبول الاضطرار والمغفرة عند الإساءة. والتوبة من الذنب، إطارات واسعة فسيحة وقيم أساسية: ثم بعد ذلك قدرة على الحركة دون تزمت أو ضيق فإذا جاءت اليوم الرواية الخيالية والمسرحية وأفلام السينما لتقدم لنا مفاهيم أخرى مخالفة للفطرة أو مضادة للحق فما أحرانا أن نعرف وجه الحق وأين هو ولا نتحول تحت تأثير البريق الخاطف أو الضوء الساطع، أو التقاء هذه المفاهيم مع أهواءنا ورغباتنا، لا نتحول إلى اعتناق مفاهيم ليست من الأصالة في شيء ولنعرف تماماً أن الرواية والمسرحية والقصة السينمائية ليست إلا ملهاة وتسلية أريد بها إزجاء الفراغ وإدخال شيء من الترويح على الناس ولكنها لا تكون أبداً نظماً ولا عقائد ولا قوانين مقررة نحاول أن نطبقها في المجتمع فننقل أحكام عالم الخيال إلى عالم الواقع والعكس هو الصحيح.
فهي لن تزيد عن أن تكون مخدراً يريد به أصحابه نقل الناس ساعات من واقعهم إلى عالم غريب خيالي ثم إذا هم عادوا وجدوا الواقع قائماً بقوته واستمراره لا مفر من التسليم له والاعتراف به والتجاوب معه.
ولنكن قادرين على الفهم الواسع العميق للفارق البعيد بين حقائق الأمور كما جاءت بها رسالات السماء وبين نظريات الفكر البشري التي وضعها الإنسان وفق هواه وفي سبيل تحقيق رغبائه متجاوزاً ما يراد له من الخير إلى ما يريد هو من الشر، لنفرق دائماً بين الواقع القائم في عالم الحياة والوجود، ومكاننا منه ومسئوليتنا إزاءه وبين هذا العالم الوهمي الخرافي الذي صنعه الإنسان ليدخل على بعض النفوس تسلية أو ملهاة ولا نخلط أبداً بين العالمين: عالم الواقع وعالم الوهم والخيال.
نحن نعي أننا ملتزمون أمام الله بمسئولية الفرد إزاء المجتمع، الفرد الذي يملك إرادة التصرف والذي يتحرك في الحياة بين قوى الخير والشر فيختار ما يشاء ويتحمل مسئوليته: مسئولية الجزاء والعقاب والثواب في عالم آخر بعد أن نموت ونبعث. فإذا جاء عالم الوهم والخيال من خلال الرواية أو القصة أو المسرحية ليشكك في ذلك ويقدم لنا صوراً زاهية براقة من معطيات الجنس أو الطعام أو الترف فذلك كله خداع وتضليل، ولذلك نحن نرفضه ونبتسم ونسخر منه، لأننا نعلم أنه يريد أن يخرجنا من أرض الواقع التي يجب أن عيشها دائماً، ويخرجنا من أصالة مفاهيمنا حين يريد أن يصور لنا الحياة وكأنها متعة طيبة من خلال أصواء وترف وذهب وحرير، كل هذا هو عالم الوهم الذي يخذل من يصدقه، لأنه لا يلبث بعد أن ينتهي من قراءته أو مشاهدته أن يجد نفسه في عالم الواقع القائم المستمر، بل ويجد الحسرة تملأ النفس على حد تعبير القصص القديمة: نظر نظرة أعقبتها ألف حسرة.
فماذا يجد بعد: ما هو رد الفعل: إنه ذلك الإحساس بالتمزق والحرمان إذا ما اندمج في الخيال وظن أنه الواقع.
لنقبل إذن عالمنا الواقع الحي على حقيقته ولا نسرف في خداع أنفسنا بالخيال والوهم لبضع لحظات مع أغنية لا تصور إلا أكاذيب الشعراء أو مسرحية أو فيلماً لا يصور إلا أوهام الذين يريدون تدمير النفس الإنسانية، لنحاول أن نعيش واقعنا فإذا لم يكن ما نريد فلنرد ما يكون، فإن علينا أن نعمل ونتقدم ونضيف ونجدد ونكافح حتى نحقق الحياة الطيبة التي نرجوها.
تاسعاً: في مجال النظرة إلى الأمور يجب أن نفرق بين أمرين هامين:
هناك أمور مشتركة بين الأمم هي العلوم فالعلم عالمي عام.(3/24)
وهناك أمور خاصة مطبوعة في كل أمة بطابعها: هي الأخلاق والأدب والفن. لكل أمة مزاجها وذوقها وتقاليدها وعقيدتها.
ويمكن أن تلتقي الأمم في العلوم وفي المعارف العامة أما ما سوى ذلك فيؤخذ بحذر شديد.
وقد حرص الإسلام على أن يحفظ شخصية أهله ولذلك دعاهم إلى معارضة التقليد وإنكار التبعية وكفل لهم منهجه الرصين المحكم القادر على ملاقاة كل بيئة وعصر - وكفل لهم كل ما يحتاجونه في مجال الاجتماع والسياسة والاقتصاد والتربية.
ولم يمنع الإسلام الانفتاح والالتقاء بالثقافات المختلفة ولكن على قاعدة أساسية واضحة: هو أن لا تحجب الشخصية الأصلية ولا الملامح العامة ولا تهدم قيمة من القيم الأساسية.
وقد دعا الإسلام إلى إعلان التمييز بين المسلمين وغيرهم في العادات والأخلاق وأسلوب العيش والحياة. وأعلن أن التقليد فقدان للشخصية وأن التبعية عبودية للفكر والعقل.
عاشراً: الإسلام ليس ديناً فحسب ولكنه نظام مجتمع والدين جزء منه.
والإسلام منهج حياة وليس نظرية، وهو منهج متكامل لا يقبل التجزئة ولا يقر النظرة الانشطارية التي ترى رؤية أهل التخصص الحديث فليس علم النفس وحدة أو علم الاجتماع أو السياسة أو الاقتصاد هو وحدة كل شيء، ولكن هذه العلوم والمفاهيم قاصرة بذاتها ولا تصلح إلا حين تتكامل في إطارها لخدمة الإنسان نفسه فلا تقوم نظرية في واحدة منها على نقيض حقيقة في الأخرى، هذا التكامل هو الذي يحول دن التمزق حين يعلي قوم العقل أو يعلي قوم الوجدان. أما نحن فنوازن بين العقل والوجدان والروح والمادة والدنيا والآخرة فلا نفقد الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية والثقة العقلية.
كذلك فإن منهج المعرفة الإسلامي يقوم على الترابط بين القيم ويتخذ من الوحي هادياً للعقل ومن الفطرة سبيلاً إلى العلم، هذا المنهج الذي يقوم على التحرر من الهوى والتعصب. ويتجاوز الرغبة الخاصة إلى الغاية الكبرى.
حادي عشر: قرر الإسلام أن الإيمان بالله قوة دافعة تعطي الأمل وتحول دون اليأس وتبعث الثقة المتجددة في النفس الإنسانية، وتحرص على المعاودة في حالة الإخفاق وليس الإيمان مضاداً للمعرفة ولكنه ضوءها الكاشف فالإسلام لا يقف بالإنسان عند مفهوم المعرفة القائم على الحس والتجربة بل يضيف إليه علماً آخر جاء به الوحي وسجله القرآن وفيه تفصيل عالم الغيب وعالم الآخرة وقد جعل الإسلام الإيمان بالغيب شرطاً أساسياً من شروط المعرفة.
ثاني عشر: إن من أخطر ما يطرح في أفق مجتمعنا: القول بأن كل إنسان حر، ومعنى الحرية هنا أنه يرفض التجربة التي قدمتها له الأجيال السابقة وذلك عين الضعف والقصور والعجز، فالشخصية القوية الرحبة تكون قادرة على مناقشة وجهة النظر الأخرى، ولو كانت خاطئة، والنظر في تجارب الذين مضوا على الطريق، إما أن يحجب الإنسان نفسه عن ذلك فإنه سوف يتقوقع في أضيق الحدود وسوف يعجز عن اقتحام الحياة وتحقيق النجاح.
علينا أن نواجه خبرات الناس وتجاربهم ومعنا ضوئنا الكاشف ومقاييسنا الأصلية. بل علينا أن نطالب الأجيال التي سبقتنا بتجربتها، وعلينا أن نكون منصفين فنأخذ خير ما فيها، ثم نحاول أن لا نقع فيما وقعوا فيه من أخطاء. تلم هي ضرورة الالتقاء بين الأجيال، وحتمية الحلقات المتتابعة ببين الأمم، ليس بين الأجيال صراع كما يقولون، بل بينها لقاء وتكامل.
لقد استشرى هذا الخطر: خطر رفض تجربة الأجيال السابقة، والنظر إليها في شيء كثير من الانتقاض أو الزهد فيها وذلك من شأنه أن يفوت خيراً كبيراً، ولقد تعالت صيحات تقول: إن على الأبناء أن يشقوا طريقهم دون توجيه من أحد وأن عليهم أن يستعلوا على تجربة الأجيال التي سبقتهم وكيف يستعلي من لا يملك شيئاً. كيف يستعلي من يجهل. وكيف يرى نم ينظر في الظلام، إننا دائماً في حاجة إلى أمرين وكل الأمم الناهضة تتشبث بهما: منهج أصيل هو ضوء كاشف نعرض عليه كل شيء ولا نقبل إلا ما يقره. وتجربة للذين سبقوا على الطريق وبنوا قبلا حتى نعرف موضع اللبنة التي سيقدر لنا أن نضعها، إن هؤلاء الذين يعلنون تلك الصيحة ليسوا لنا بناصحين ولا أمناء، إنهم يريدون تحطيم الرابطة الأصلية بين الأجيال وإيجاد الصراع بينها، ونحن جميعاً نعرف بروتوكولات صهيون وما نصت عليه في هذا الشأن: إنها تريد تدمير هذه الأمة الصامدة في وجه الغزو الفكري والاستعمار والصهيونية. إنهم يطمعون في إخراج أجيال مدمرة ممزقة نفسياً متحللة من كل القيم والضوابط فهم يدفعون الأجيال إلى التمرد على القيم الأساسية للمجتمعات، وعلى الآباء وعلى المربين وعلى الأساتذة (صحيح أن بعض الآباء والمربين والأساتذة ليسوا مستوى المثل الأعلى) ولكن: ليس الطريق هو إزاحتهم ورفضهم وإنما الطريق هو الوصول إلى التجارب وفحصها: والأخذ بالنافع وأمن عثار الضار منها، إن الشباب وهو يحمل أمانة الغد لابد أن يبني على الأساس وأن يتحرر من أخطاء السابقين وأن يستمد التجربة والمثل الأعلى والأسوة من المنهاج وهو القرآن والنموذج الكامل وهو محمد صلى الله عليه وسلم قدوة الأجيال والعالم.
ثالث عشر: إن الإسلام يدعونا إلى المجاهدة والمذاهب النفسية الحديثة تدعونا إلى الانطلاق فأيهما الخير من أجل بناء الشخصية الإسلامية القادرة على مواجهة أخطار المجتمع وصناعة الحياة والدفاع عن القيم والمقدسات.
إن المجاهدة بمعنى معارضة الأهواء والمطامع والكظم بمعنى تأجيل الرغبة ليس هو الكبت الذي صور فرويد أخطاره وبالغ في التخويف منها. تلك المخاطر الوهمية التي أذاعها فرويد عن الكبت تختلف تماماً، ذلك أن الكبت إنما يستمد معناه ومدلوله من إنكار الرغبات أساساً وتحريمها عقيدة وعدم الاعتراف بها واحتقارها: كاحتقار الجنس أو المال أو الطعام بينما الإسلام يقرها جميعاً وينكر تحريمها: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة): إن الإسلام لا يحتقر الرغبات وإنما يعترف بها (نفسية وحسية) اعترافاً كاملاً دون إنكار لها وإن كان يدعو إلى الاعتدال في استعمالها أو تأجيل ممارستها حتى تتحقق القدرة التي تضعها في إطارها المشروع والصحيح. فتأخير ممارستها ليس كبتاً وإنما هو إعلاء.
إن خطر الكبت الذي تفترض الفرويدية أنه يؤدي إلى العصاب لا يتحقق إلا نتيجة الإنكار والرفض والاحتقار للرغبات، أما الاعتراف بها مع التأجيل فذلك مما لا يتعارض مع الطبيعة البشرية وهو ما ترضاه وتحتمله، ولقد هللت طويلاً دعوات التربية الحديثة بأن توجيه الأطفال وعقابهم يؤدي إلى كذا وكذا من الأمراض ثم أثبتت التجارب التي أجريت على الطبيعة وبالإحصاء الدقيق أن ذلك محض وهم، وإن النفس الإنسانية قابلة للتوجيه والتحذير والعقوبة دون أن يحدث ذلك عندها شياً البتة مما يسمى بمركبات النقص أو غيره.
ونحن نؤمن أن صانع النفس البشرية (جلا وعلا) أقدر على فهمها وآمن عليها من الأخطار وهو الحامي لها من أولئك الفلاسفة الماديين، وأن ما رسمه لها من أساليب تحذير وضوابط ومناهج ترغيب وترهيب إنما هو دوائها الحق وأنه متقبل منها وليس بشاق عليها ولا خطر فيه وليس له ضرر ما على النحو الذي تهول به الفلسفات المادية والوثنية.(3/25)
وإن كنا نريد أن نعرف الخلفيات فلنذكر أن الهدف هو تفكيك عروة الشباب منذ الطفولة وبناء أجيال متحللة مدمرة ورفع يد الآباء عن التوجيه وخلق جو من الكراهية في محيط الأسرة حتى يفقد الشباب تلك الثمرة الخصبة "تجربة الجيل" وثمرة العبرة من كفاح الآباء وذلك في طريق هدف بروتوكولات صهيون الصريح: الذي يقول: "يجب تدمير المجتمعات الإنسانية قبل السيطرة عليها".
رابع عشر: أعطى الإسلام البشرية: التفسير الجامع (الرباني المصدر الإنساني الهدف) لا ريب أنه صدق التفاسير، لقد أهمل التفسير المادي جوانب المعنويات والقوى الذاتية والدين والأخلاق وهي جميعها بعيدة الأثر في مقدرات التاريخ وحركة المجتمعات وسيظل الدين بمفهومه الإسلامي الواسع الجامع عنصراً هاماً من عناصر تشكيل الذاتية الفردية والاجتماعية.
وأن القائلين بأن الدين ليس مصدراً من مصادر التوجيه أو ليس عاملاً من عوامل بناء الحضارات وحركة التاريخ إنما يتجاهلون شطراً هاماً من طبائع النفوس وخصائص الأشياء.
خامس عشر: ما يزال الإسلام والإسلام وحده هو المنهج القادر على إعطاء النفس العربية والإسلامية، بل النفس الإنسانية ريها وسكينتها، وقوتها وحيويتها. إن الخطأ هو اعتناق عقائد المجتمعات التي تشكلت على نحو خاص، والخطأ هو أن تأخذ الأمور من نهاياتها فهذه الحضارات قد شاخت وبان عوارها وفسدت ولم تعد تنفع أهلها، وحاول أصابها تعديل مناهجها مرة بعد مرة، ومع ذلك فلم تحقق لهم ما يطمعون فيه، إن ما يطمعون فيه لا يوجد لأنهم يقيسون بمقياس واحد: مقياس جزئي، هو مقياس العقل والعلم والمادة بينما يقيس الإسلام بمقياس متكامل:عقل وقلب وعلم ووحي وروح ومادة.
إن حضارة الإسلام لا تقوم على العلم وحده ولكن على العلم في إطار العقيدة.
سادس عشر: إن تخلف المسلمين في العصر الحديث قضية مستقلة، عن منهج الإسلام ذاته، فمنهج الإسلام حين طبق أمام تلك الحضارة الباذخة وحين غفل عنه المسلمون وتجاوزونه وقعوا في هوة التخلف فالعيب ليس عيب المنهج، لأن المنهج رباني وقد سجلت تجربته بصماتها على التاريخ. إن القيم الإسلامية في تقدميتها ونصاعتها ليست مسئولة عن التخلف، وإنما جاء التخلف نتيجة تجاوزها وإهمالها، يقول ولفرد كانتول سميث: "إنه دين استطاع أن يوحي إلى المتديئين به شعوراً بالعزة كالشعور الذي يخامر المسلم من غير تكلف ولا اصطناع".
ولقد يرى البعض أن تخلف المسلمين ليس له إلا سبب واحد: هو سقوط العزيمة، سقوط الإرادة: الغفلة عن الأخطار المحدقة من كل جانب (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم): (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم).
إن ظواهر التخلف ظهرت في اليوم الذي بدأ فيه المسلمون يميلون إلى الحلول السهلة، ويسترخون، ويتجاهلون الخطر المحدق. ويبتعدون عن حياة اليقظة التامة والمرابطة الدائمة في الثغور، والانحراف عن مبادئ القرآن. هذه أمة الرباط إلى يوم القيامة كما حدث الصادق المصدوق، لقد فقد المسلمون التحدي فسقطت العزيمة: غفلوا عن المجاهدة، فقدوا روح الصلاة والإيمان واكتفوا بالمظاهر، عن ذلك دارت الدائرة عليهم، يقول أرنولد تويئبي: إن الغرب وضع الحبل في رقبة العالم الإسلامي منذ القرن الخامس عشر وكان يتهيب أن يشده، ثم بدا له المسلمين في نوم عميق فشد حلبه وسيطر عليهم.
سابع عشر: إن دخائل كثيرة دخلت على المسلمين وأفسدت حياتهم وأعلت من شأن المتعة والترف وأبعدتهم عن الاخشيشان والقدرة على الصمود، وفرغت حياتهم من فريضة الجهاد وتخلفوا عن مفهومهم الأصيل: احرص على الموت توهب لك الطريق، وغفلوا عن بذل النفس رخيصة في سبيل الحق، وتقهقروا إلى الحرص والخوف والجبن والذلة بما أعجزهم عن مواجهة الموت في ميادين المقاومة. وقبلوا بالحياة ذليلة، ولو علموا أنهم سيموتون في نفس اللحظة التي ينتهي فيها الأجل لما حرصوا ولا جزعوا. واليوم حين تعود فريضة الجهاد إلى حياتهم يبدأون عصراً جديداً.
ثامن عشر: أقر الإسلام حرية الفكر والعقيدة: "لا إكراه في الدين" ودعا إلى المطالبة بالبرهان والدليل ونهى عن تحكيم الهوى وفتح باب الاجتهاد ودعا إلى عدم الانخداع بالأوهام والاغترار بالظنون وأنكر القول بغير دليل وقرر عدم كتمان العلم وأطلق حرية البحث ودعا إلى التحرر من التبعية والتقليد وأقر مبدأ الأصالة.
وفرق بين العقائد والمعارف. وجعل العقائد خاصة وجعل المعارف عامة وفرق بين الأساس والعارض وفرق بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية (من لغو القول وإزجاء الفراغ) ودعا إلى الأخذ من كل علم بأحسنه كما دعا إلى التحري عن الحق وأفهم أهله بأن من كرامة العلم الربط بين العقيدة والعمل بها ورفض مبدأ العلم لذاته وقرر أن العلم يعترف بالحق إذا تبين وأن يغير العالم رأيه إذا جاء الدليل وإنما يطلب العلم من أجل العمل بع وأقام الإسلام الفطرة ودعا إلى نقاءها وشدد بالنهي عن إفسادها بالتعاليم الضارة. ودعا إلى التحري عن الحق وطالب أهله بأن من كرامة العلم أن نعترف بالحق إذا تبين وأن نرجع إلى الحق إذا جاء الدليل ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم هديت فيه لرشدك أنه تعود إلى الحق فإن الحق قديم وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
===============
الإسلام والفراغ :
كره الإسلام للمسلم أن يعتاد القعود غير المثمر بحيث تتسع مساحة الفراغ في حياته ويضيع وقته فيما لا يعود عليه بخير في معاشه ولا معاده ، فإن هذا هو الغبن والخسارة بعينها حتى ولو كان الإنسان ذا ثروة كبيرة ، وكفاية في الدنيا .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ » (1) ، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عن إضاعة الوقت في الجلسات على الطرقات تلك التي اعتاد الناس أن يجلسوها ، ولما اعتذروا إليه بأنهم لا يستغنون عن مثل هذه المجالس وجههم إلى ضرورة شغل الوقت في عمل الخير فلا يصح أن تكون هذه المجالس خالية عن فائدة ، وجعل للطريق حقا على المسلم ينبغي أن يؤديه وحرمة لا بد أن يرعاها (2) ، وعندما تتسع مساحة الفراغ في حياة الإنسان فإنه سيجنح إلى السوء واللغو واللهو ، ولذا فقد عمرت المقاهي والمنزهات والمنتديات والمجالس في عصرنا هذا بالكلام الفاحش , أو النظرة الماكرة ، أو اللعبة المحرمة ، وخلت من معاني الخير والفضيلة إلا في مجال ضيق محدود .
__________
(1) صحيح البخاري [المغني] (8\ 396) (6049),سنن الترمذي [المغني] (8\ 396) (2304),سنن ابن ماجه [المغني] (8\ 396) (4170),مسند أحمد بن حنبل (1/258),سنن الدارمي [المغني] (8\ 396) (2707).
(2) أخرج البخاري ما يفيد ذلك ( المظالم 5 \ 112 ) من حديث أبي سعيد الخدري .
من تعلم مهنة فلا يتركها :
وكره الإسلام أيضا للمسلم أن يتعلم مهنة أو صنعة أو عملا نافعا ثم يتركه دون حاجة ، وخاصة إذا كانت هذه المهنة مما يعم نفعها المسلمين ، وتتعلق بها بعض مصالحهم ، أو لها دور مؤثر في الاقتصاد أو تنمية المجتمع الإسلامي ، أو في الدفاع عنه .
إن إحالة الإنسان على المعاش أو التقاعد ليس معناها أن يقطع صلته بالعمل ، وما يتعلق بتخصصه فيخلد إلى الخمول والكسل ، بل إن الفرصة تصبح متاحة أمامه بشكل أوسع للإبداع والإنتاج ، والإفادة من الوقت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من علم الرمي ثم تركه فليس منا ، أو قد عصى » (1) .
__________(3/26)
(1) صحيح مسلم [بداية المجتهد] (2\ 430) . (1919),سنن النسائي [بداية المجتهد] (2\ 430) . (3578),سنن أبو داود [بداية المجتهد] (2\ 430) . (2513),سنن ابن ماجه [بداية المجتهد] (2\ 430) . (2814),مسند أحمد بن حنبل (4/148),سنن الدارمي [بداية المجتهد] (2\ 430) . (2405).
فتعلم الرمي أو غيره من وسائل الفروسية والقوة ، أو الأعمال النافعة نعمة من نعم الله تعالى على العبد ، وكفر هذه النعمة إهمالها وتركها .
وقد امتن تعالى على نبيه داود عليه السلام بأن علمه صنعة الدروع ، وأمره وقومه بالقيام بحقها من الشكر { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } (1) .
__________
(1) سورة الأنبياء الآية 80
رعاية شئون الأسرة :
وأوجب الإسلام على المسلم رعاية شئون أهله وأسرته ، ولم يبح له أن يفرط في حقوقهم الدنيوية والأخروية ، ومن حقوقهم الدنيوية أن يؤمن لهم قدرا كافيا من التعليم ومن القوت حتى تتسنى لهم الحياة الكريمة التي يترفعون بها عن الحاجة للناس ، وهذا يتطلب منه العمل والجد ليوفر لهم ما يعيشون به كرماء أعزاء ، دون إهمال لحقوقهم الأخروية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن عليه قوته » (1) ، وقال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : « إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس » (2) .
__________
(1) صحيح مسلم [الموطأ على المنتقى] (7\ 61) (996),سنن أبو داود [الموطأ على المنتقى] (7\ 61) (1692),مسند أحمد بن حنبل (2/195).
(2) صحيح البخاري [الأم] (6\ 80) (1234),صحيح مسلم [الأم] (6\ 80) (1628),سنن الترمذي [الأم] (6\ 80) (2116),سنن النسائي [الأم] (6\ 80) (3628),سنن أبو داود [الأم] (6\ 80) (2864),مسند أحمد بن حنبل (1/176),موطأ مالك [الأم] (6\ 80) (1495),سنن الدارمي [الأم] (6\ 80) (3196).
أي المكاسب أفضل :
اختلف العلماء أي المكاسب أفضل ، مع اتفاقهم على أن العمل كله فاضل إذا كان مشروعا . فمنهم من ذهب إلى أن أفضل المكاسب الزراعة ، ومنهم من رأى أن أفضلها كسب اليد أي الصناعة ، وذهب آخرون إلى تفضيل التجارة على غيرها ، وفريق آخر رأى أن أفضل المكاسب على الإطلاق ما يكتسب من أموال الكفار المحاربين عن طريق الجهاد في سبيل الله .
قال الماوردي : أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة ، والأشبه بمذهب الشافعي أن أطيبها التجارة وقال : والأرجح عندي أن أطيبها الزراعة ؛ لأنها أقرب إلى التوكل ، قال النووي : والصواب أن أطيب الكسب ما كان بعمل اليد ، فإن كان زراعة فهو أطيب الكسب لما يشمل عليه من كونه عمل اليد ، ولما فيه من التوكل ، ولما فيه من النفع العام للآدمي والدواب ، ولأنه لا بد فيه في العادة أن يؤكل منه بغير عوض (1) .
وقال ابن حجر : وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفار بالجهاد وهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهو أشرف المكاسب لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى ، وخذلان كلمة أعدائه والنفع الأخروي . قال : ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه أفضل ، ثم قال : والحق أن ذلك مختلف المراتب ، وقد يختلف اختلاف الأحوال والأشخاص ، والعلم عند الله تعالى (2) .
وقال العيني : ينبغي أن يختلف الحال في ذلك باختلاف حاجة الناس ، فحيث كان الناس محتاجين إلى الأقوات أكثر كانت الزراعة أفضل للتوسعة على الناس (3) .
وباستعراض هذه الأقوال وغيرها يتبين لنا فضل العمل ، وكسب اليد ، ولا ريب أن الأعمال والمهن المشروعة كلها فاضلة ، وإن كان بعضها أفضل من بعض ، وأفضلها أعظمها نفعا للأمة وأعمها خيرا وفائدة لها ، وأكثرها سدا لحاجاتها .
وتظهر لنا من خلال ذلك نظرة العلماء الواعية في مجال بناء المجتمع الإسلامي وتكافله على أساس الإفادة من جميع الطاقات ، وتوزيع المهن
__________
(1) النووي ، شرح صحيح مسلم ( 10 \ 213 ) ، ابن حجر ، فتح الباري ( 4 \ 304 ) .
(2) ابن حجر ، فتح الباري ( 4 \ 304 ) .
(3) بدر الدين العيني ، عمدة القاري ( 12 \ 155 ) .
والكفاءات وتوزيعها توزيعا شاملا يغطي جميع احتياجات الأمة ، وهذا ما تسعى لتحقيقه الدول الناهضة حتى تحقق كفايتها وتميزها لا في مجال الإنتاج الغذائي فحسب ، بل في مجال الصناعة والتجارة ، والصناعات الحربية ، واستخراج المواد الخام ، وغير ذلك ولن تنال دولة استقلالها أو تحافظ على مقومات شخصيتها متميزة إذا كانت لا تستطيع الاستغناء عن غيرها من الدول في مواردها ومقوماتها المختلفة .
والأمة الإسلامية تملك بحمد الله من أسباب التكافل والتضامن ما يؤهلها للاكتفاء الذاتي في شئون حياتها كافة .
فلدى المسلمين ملايين الهكتارات من الأراضي المزروعة والأراضي الصالحة للزراعة والغابات والمراعي ، والصحاري الغنية بالمواد الخام ، والمناجم ، والبترول ، والمعادن ، وتملك من الثروة الحيوانية ما لا يكاد يحصى من حيوان أليف وغير أليف ، ولا تحتاج إلى غيرها في السواعد والأيدي العاملة . فمن غير السائغ بحال أن تكون أمة عدد سكانها نحو ألف مليون ، وتملك مثل هذه الثروات عاجزة عن تأمين حاجاتها وكفايتها في شتى المجالات .
=============
كيف تقضى الأوقات وقت الإجازة
س : يقول السائل : سماحة الشيخ هل من توجيه للآباء والأمهات بكيفية قضاء أوقات أبنائهم في أيام الإجازات والعطل ؟
ج : الواجب على الوالدين الحرص على حفظ أولادهم بنين
وبنات وتوجيههم ، فإنهم أمانة في أعناقهم وهم مسئولون عنهم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته » (1) .
فأول ما يجب عليهم تعاهدهم في أمر الصلاة , يقول الله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ } (2) .
ومن ثم حملهم على فعل الخيرات , ومجانبة المنكرات بأنواعها , يقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } (3) .
وفي أوقات الإجازات والعطل يحرص الوالدان على العناية بأوقات أولادهم ، إما في حفظ القرآن الكريم أو في الأعمال النافعة وصلة الأرحام ، أو في سفر مستحب كالعمرة وزيارة المسجد النبوي ، أو مباح للترويح عن النفس مع البعد عن المنكرات ، المهم أن يكون الأولاد مقيمين لأوامر الله بعيدين عن حدوده ومحرماته . وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (853),صحيح مسلم الإمارة (1829),سنن الترمذي الجهاد (1705),سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2928),مسند أحمد بن حنبل (2/121).
(2) سورة طه الآية 132
(3) سورة التحريم الآية 6
=============(3/27)
الحرب بالوكالة ومشاريع ملء الفراغ في العالم العربي
عامر حسين
23رجب 1427هـ الموافق له 17 أغسطس 2006م
الحرب التي وضعت أوزارها بين الكيان الصهيوني والدولة اللبنانية لم تخضها أطرافها بشكل أصيل تعبيراً عن أنفسهم، وإنما خاضتها أطرافها بالوكالة عن أطراف أخرى خارجية، فالكيان الصهيوني خاض هذه الحرب بالوكالة عن الولايات المتحدة، وبأهداف أمريكية، وأسلحة أمريكية، وغطاء سياسي أمريكي.
وحزب الله خاض هذه الحرب بأجندة إيرانية، ووفق أهداف إيران ومصلحتها الاستراتيجية، وبأسلحة إيرانية، وبغطاء سياسي إيراني.
وهذه الحرب بالوكالة هي امتهان كامل للعالم العربي، وإعلان بأن العرب أصبحوا غير قادرين عن خوض حروبهم بأنفسهم، وأصبحوا غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم، مما جعل الأمر يتطلب استدعاء أطراف أخرى لتقوم بذات الدور الذي فشل العرب فرادى ومجتمعين في القيام به.
حالة الضعف هذه التي يعيشها العالم العربي لا تخفى على أحد، وكانت أبرز تجلياتها في الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، وإسقاط بغداد عاصمة الخلافة العباسية وحاضرة الحضارة الإسلامية، وهي ليست وليدة اللحظة الراهنة ولا هي من تجليات حرب الخليج الثانية وحصار العراق، وكذلك حصار ليبيا والسودان وسوريا، إنما هذه الحالة موجودة منذ انهيار الخلافة العثمانية التي ظلت تملأ هذا الفراغ، وتدافع عن العالم العربي والإسلامي لفترة زادت عن الخمسة قرون ضد الاستعمار الأوروبي.
في بداية مرحلة الضعف هذه، ومع الحرب العالمية الأولى؛ ظهر وعد بلفور والنوايا الصهيونية الخبيثة في فلسطين، ثم جاء عصر الانتداب، وكان معه وقبله الاحتلال البريطاني الفرنسي للدول العربية، وهكذا انكشف الوطن العربي استراتيجياً أمام القوى الدولية ذات النفوذ بدءً من العهد الاستعماري وحتى الآن.
وحتى بعد أن حصلت الدول العربية على استقلالها فقد ظل هذا الفراغ موجوداً، وتمثل في الاستقطاب الأمريكي لبعض الدول العربية، والاستقطاب السوفيتي لبعضها الآخر حتى جاءت قارعة أحد 11 سبتمبر 2001 لتتحول أمريكا من التدخل غير المباشر في المنطقة إلى التدخل المباشر والكامل، وممارستها العدوان العسكري، وإزالة نظام سياسي عربي مستقر.
إن عدداً من المحللين العرب يرجع هذه الحالة إلى الكساح الاقتصادي والسياسي والأمني الذي يعيشه العرب، والذي جعلهم مطمعاً لقوى النفوذ الدولي، فحالة التخلف السياسي العربي، وعدم وجود نظام ديمقراطي؛ أدى إلى تكوين حالة خاصة من الاغتراب السياسي نتيجة للتسلط والدكتاتورية التي مارستها الدولة في عالمنا العربي لعقود طويلة.
حلف بغداد وبواكير الأطماع الأمريكية:
وقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في المنطقة في خمسينات القرن الماضي بعد حرب السويس بإطلاق الرئيس الأمريكي أيزنهاور استراتيجية 'ملء الفراغ' مرة تحت عنوان 'حلف الدفاع عن الشرق الأوسط'، ومرة أخرى تحت عنوان 'حلف بغداد'، ولكن هذه المحاولات فشلت في ظل وجود الاتحاد السوفيتي، وفي ظل الممانعات العربية القوية التي كانت موجودة في هذه الفترة.
ففي عام 1955 تم تأسيس حلف بغداد على يد بريطانيا، وضم إلى جانب بريطانيا [الدولة المستعمرة للعراق] العراق وتركيا وباكستان، ويهدف هذا الحلف الذي لعب الأمريكيون دوراً كبيراً في تأسيسه في الكواليس إلى تقوية الدفاع الإقليمي، والحيلولة دون تغلغل الاتحاد السوفيتي إلى منطقة الشرق الأوسط، وقد رفضت كل من سوريا ولبنان والأردن ومصر الانضمام إلى هذا الحلف الذي اصطدم بمعارضة شعبية عربية قوية، وقد مثل هذا الرفض العربي فشلاً ذريعاً للولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعطى قوة أكبر للحركة القومية العربية لمجابهة القوى الاستعمارية ومخططاتها في المنطقة، وقد غادر هذا الحلف بغداد بعد أن تولى عبد الكريم قاسم مقاليد الحكم في العراق عام 1959م الذي قرر الانضمام إلى صف سوريا ومصر ولبنان فيما يتعلق بموقفهم من الصراع مع الكيان الصهيوني، وهكذا مات هذا الحلف المشبوه، وفشل في تحقيق أهدافه، وفشلت السياسة الأمريكية في أولى خطواتها للسيطرة على العالم العربي.(3/30)
أمريكا ومحاولة تعميم النموذج التركي:
وعلى الصعيد الإقليمي نشطت تركيا وطرحت مشروعاتها ذات الطابع الاقتصادي، وتحالفت استراتيجياً مع إسرائيل، واللافت هنا أن الولايات المتحدة حينما أطلقت 'مبادرة الشرق الأوسط الكبير' اعتبرت تركيا إحدى الدول القائدة في المنطقة، واعتبرت أن نظامها الإسلامي الحاكم الآن عبر حزب العدالة والتنمية هو نموذج مثالي يجب أن يسود العالم العربي والإسلامي، وخططت واشنطن لكي يخرج من تركيا عشرات ومئات الدعاة والوعاظ ليدعوا إلى النموذج الإسلامي التركي ومزاياه، وأن يساهموا في محو الأفكار المتطرفة السائدة في الذهنية العربية والإسلامية، ويستبدلوها بأفكار تركية متصالحة مع العلمانية.
وغير خاف أن واشنطن كانت دائماً داعمة ومؤيدة لوجود تركيا في حلف شمال الأطلنطي؛ كي تعمل كعازلٍ بين الاتحاد السوفييتي [سابقاً] وبين أوروبا والخليج العربي في عهد الحرب الباردة، ونظرت واشنطن بعد ذلك لأنقرة على أنها يمكن أن تلعب دور الموصل داخل الاتحاد الأوروبي للمصالح الأمريكية، والولايات المتحدة تعلن في كثيرٍ من المناسبات أنها تؤيد انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي؛ لأنها تعتبر النموذج الإسلامي في تركيا الأفضل والأمثل في العالم الإسلامي، وترغب في تقوية ودفع هذا النموذج العلماني لكي يهيمن على المنطقة والعالم العربي والعالم الإسلامي.
الولايات المتحدة تريد أن يمارس المسلمون دينهم، وأن يذهبوا إلى مساجدهم، ويعبدوا الله بشرطٍ واحدٍ: هو الفصل بين الدين والدولة، وهو النمط القائم في الولايات المتحدة نفسها، ولكنه غير قائم في العالم الإسلامي سوى في تركيا، وواشنطن ترى أنه لو نجحت التجربة الإسلامية التركية، وانتشرت في العالم الإسلامي؛ فإن مستقبل الأحزاب الإسلامية سوف يصبح كمستقبل الأحزاب المسيحية في ألمانيا ودول أوروبية أخرى؛ فهذه الأحزاب بدأت كأحزابٍ دينيةٍ، وانتهى بها الأمر إلى أن أصبحت أحزاباً معتدلةً لا يكاد الدين يصيغ توجهاتِها.
كما ترغب واشنطن أن تكون تركيا غطاءً لإسرائيل، ليقوم الطرفان بقيادة التغيير في العالم العربي والإسلامي؛ حتى تختفي الحساسية ضد الصهاينة لو دخلوا هذا المعترك وحدَهم.
مشاريع أمريكية مشبوهة:
كما شهدت المنطقة العربية دعوات لما يسمى 'مشروع نظام البحر المتوسط'، فظهرت توجهات فكرية وسياسية وثقافية لتوثيق العلاقات بين جانبي البحر المتوسط تجسدت في 'مؤتمر الأمن والتضامن في البحر المتوسط'، واقترح الاتحاد الأوروبي عقد الاجتماع التمهيدي له عام 1995، ويشمل منطقة تجارة حرة لأربعين دولة، ويعالج شؤون الأمن المتبادل والهجرة إلى أوروبا، والإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وينظم شؤون التجارة ومشاريع النفط والغاز، ويدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويختص بشؤون الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وينتظم ذلك كله في ميثاق ومؤسسات.
ولكن يواجه هذا المشروع مشكلات كثيرة مثل: تحديد إطاره الجغرافي؛ فهناك دعوات لأن يضم دول المغرب العربي الخمسة فقط بالإضافة إلى البرتغال وفرنسا، وإسبانيا وإيطاليا، ومالطا، وهناك دعوات لإطار أوسع ودعوات لنظام أكثر سعة مما أدى لإرباك الدعوة وعدم نجاحها.
وهناك مشروع الشرق الأوسط الذي تم تطويره إلى 'الشرق الأوسط الكبير'، ثم إلى 'الشرق الأوسط الجديد'، وهو المشروع الذي يعد له الفكر الصهيوني منذ إنشاء دولة إسرائيل في الأربعينيات، ويعد شيمون بيريز أبرز منظريه والمشرفين عليه في الوقت الراهن.
وترى أمريكا وإسرائيل أن جميع الظروف مهيأة الآن لانطلاق هذا المشروع، والذي تكون فيه إسرائيل هي القائدة، حيث سيعتمد على التكنولوجيا الصهيونية والأيدي العاملة والسوق العربية، ورغم أن هناك إلحاحاً أمريكيّاً لتمرير هذا المشروع إلا أن الوجود الإسرائيلي سيفسده، والأمة تواجهه بكل عنف، وخاصة على مستوى الفصائل الإسلامية، ولن ينجح إلا مشروع ينبت من داخل العالم العربي تقوده مصر والسعودية وسوريا، ويحظى بإجماع الدول العربية أو غالبيتها ليعالج ويصحح مكامن الضعف في النظام الحالي.
المخاوف من المشروع الإيراني مبررة:
الضعف العربي أعطى نفوذاً للدولة الإيرانية في المنطقة بشكل كبير، فإيران بما تقدمه لحزب لله من دعم أوجدت لها دوراً في المنطقة العربية، حيث أصبح الكلام الآن أن حزب الله هو امتداد طبيعي لإيران، وما حدث في الجنوب اللبناني من انتكاسة 'إسرائيلية' مؤخراً سيعطي إيران دفعة معنوية واستراتيجية على المستوى العربي والإقليمي، وإذا شنت واشنطن حرباً ضد إيران فإن الخاسر الوحيد في هذه الحرب هي الدول العربية التي ستصطلي بتفوق أحد المشروعين، إما المشروع الأمريكي - الصهيوني أو مشروع النفوذ الإيراني في المنطقة.
إننا نستطيع أن نؤكد وجود مشروع إيراني فارسي إقليمي لا يمكن إغفاله، استطاع جرّ أمريكا ومساعدتها إلى ساحتي أفغانستان والعراق، ونجح في وضع الجيش الأمريكي بين فكي الكماشة في العراق، ثم استغل هذا الوضع وحرك أوراق ملفاته ومنها ملفه النووي، ونجح أيضاً في استقطاب محاور أخرى للاصطفاف معه عربياً، مثلما أمكنه صياغة علاقات إستراتيجية مع سوريا، واللعب بحرية تامة في الميدان العراقي مستفيداً من حالة التشرذم العربية وحالة الفراغ، كما استطاع توظيف ورقة حزب الله ووضعه في خاصرة إسرائيل ليستطيع بها ملاعبة الأمريكان، والضغط عليهم في الملفات الأخرى.
وهكذا فإن المشروع الإيراني لملء الفراغ العربي موجود، والذي ينكر ذلك إنسان غير موضوعي ولا يرى الواقع، وركائز هذا المشروع هي التحالف الاستراتيجي مع سوريا وحزب الله، وتطوير هذا التحالف ليشمل منظمات المقاومة الإسلامية في فلسطين، ناهيك عن ركيزة أساسية وهي اختراق العراق تماماً، والسعي لفصل الجنوب عن الشمال والوسط، ثم بعد ذلك يتم اللعب بورقة الأقليات الشيعية في الخليج.
المحاولة العربية الوحيدة فشلت:
بعد حرب الخليج الثانية ظهر 'إعلان دمشق' الذي تنادت فيه دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى مصر وسوريا إلى الاجتماع في دمشق، وانتهى الاجتماع بإصدار 'إعلان دمشق' الذي أعلن بناء نظام عربي جديد، ولكن هذه الصيغة لم تستطع الصمود أمام تطورات الوضع في المنطقة.
إعلان دمشق كان آخر محاولة من جانب الأمة لملء هذا الفراغ العربي , أو علي الأقل المشاركة في ملء هذا الفراغ ، وجعل مهمة حفظ التوازن الاستراتيجي في المنطقة - خاصة في الخليج - مهمة ومسئولية عربية قومية , بعد أن أظهرت كل من مصر وسوريا الإرادة والقدرة علي أداء ذلك الدور بالمشاركة الكبيرة في حرب تحرير الكويت عسكرياً وسياسياً.
ونحن نتذكر اليوم إعلان دمشق لأن فشل هذه المحاولة هو الذي أدى إلى ظهور البديل الحالي , الذي لا يستسيغه كثيرون , والذي يحمله الكثيرون أيضاً في المنطقة وفي العالم مسئولية الاضطرابات في العراق ولبنان وفلسطين , والمقصود طبعاً هو التحالف الاستراتيجي بين كل من إيران وسوريا وحزب الله.
لقد قال دبلوماسي مصري كبير في أعقاب فشل إعلان دمشق: إن من قتلوا الإعلان سيندمون أشد الندم، ولكن بعد أن يكون الأوان قد فات , فسوريا لن تجد أمامها سوي التحالف مع إيران , أما مصر فلن تضيع وقتها في الاعتماد على غيرها فيما يختص بأمنها القومي , ولن تكون قادرة علي مساعدة الآخرين ما داموا لا يريدون مساعدة أنفسهم أولاً.(3/31)
والذين أفشلوا إعلان دمشق ليسوا فقط الشركاء المباشرين ولكن الولايات المتحدة لعبت دوراً أساسياً في إجهاض هذه المحاولة العربية لملء الفراغ الاستراتيجي , حتى تحتكر لنفسها مسئولية الأمن في الخليج , وحتى لا يتطور ذلك التكتل الاستراتيجي العربي الذي كان يؤسس له إعلان دمشق ليكون مدخلاً لتوازن استراتيجي يؤثر على بقية القضايا والخطط في الإقليم ككل , وهنا التقت المصلحة الأمريكية مع المصلحة الإسرائيلية الدائمة والمتمثلة في مقاومة أية تحالفات استراتيجية عربية - عربية حتى ولو لم تكن مواجهة إسرائيل من بين أولوياتها , بما أن أي تحسن في الأوضاع الاستراتيجية العربية سيؤثر علي مجريات الصراع العربي - الإسرائيلي، وطرق إدارته وأساليب تسويته لصالح الأطراف العربية .
http://www.islammemo.cc:المصدر
=============
الصيف وملايين الأوقات تحسب في خانات الفراغات
د. علي بن عمر بادحدح
أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
القلم ليس مرفوعا عن أيام الإجازات:
(الصيف ضيعت اللبن) مثل عربي شهير يضرب لمن ضيع الفرصة، وفوت الغنيمة، وترك المجال الرحب الواسع، ولم يكن له من ذكاء عقله ومن شرف نفسه ومن قوة عمله ما يجعله محصلا لمكاسب دنياه ومدخرا لمآثر أخراه.
مثل يضرب بامرأة تزوجت رجلا شهما كريما، يغدق عليها طعاما وشرابا ولبنا سائغا للشاربين مع حسن معاملة وإجلال وإكرام، لكنها لم تقابل ذلك باعترافها بالنعمة وشكرها لها وانتفاعها منها، وحرصها عليها وقابلت ذلك بإعراض وتضييع، وبجحود وإنكار، فكانت العاقبة أن طلقها ثم تزوجها غيره، لم تجد عنده يدا مبسوطة بالكرم، ولا وجها مشرقا بالسرور، ولا معاملة محفوفة بالإعزاز والإكرام، فتندمت وتحسرت على ما فات عليها وما ضاع منها، لكنها لم تنحو باللائمة على غيرها، وإنما خاطبت نفسها تذكرها تفريطها، وتبين لها سوء تدبيرها، فقالت: (الصيف ضيعت اللبن)، ومضى مثلا لكل من أضاع الفرصة وفرط في الغنيمة.
وها نحن اليوم نبدأ موسم الصيف، وما أدراك ما موسم الصيف! ملايين الملايين من الأوقات التي تحسب في خانة الفراغات، والتي تصنف فيما يعرف بالعطلة، وهي: (اسم في لفظه ومعناه، واشتقاقه اللغوي مأخوذ من العطالة والعطل، وهو الخلو من الزينة في أصل اللغة، وهو هنا خلو عن العمل الجاد والانتفاع المثمر)، والاستغلال الهادف للطاقات المختلفة المتنوعة كلها من وقت ممتد، وعقل مفكر، وقوة وصحة وعافية وفرص وأبواب من الخير مشرعة، ثم قد ينتهي الزمان وينقضي الصيف بأيامه وأسابيعه وأشهره وسعته التي ليس فيها كثير من العمل المطلوب المكلف به، وحينئذ تعود مرة أخرى التسويفات..إذا جاء الصيف سأفعل، وإذا كانت الإجازة سأنجز، وإذا تخليت عن بعض الأعباء والمهمات سأفرغ لغيرها، ويمضي الإنسان بذلك دن أن يدرك أن ما يضيعه إنما هو جزء حقيقي مهم من عمره وحياته، وأنه يبدد من رصيده، ويفني من كنوزه ما قد يكون أقل القليل منه موضع ندامة وحسرة شديدة وأكيدة وعظيمة في وقت لا ينفع فيه الندم.
ولعلنا نذكر أمرين مهمين قبل حديثنا عن الصيف:
الأمر الأول: في المنهج الإسلامي الفراغ فرصة للعمل.
ويخطئ من يظن غير ذلك، ويعتقد أن الفراغ فرصة للنوم والكسل، ولعلنا نكتفي بالآية التي نتلوها كثيرا ونسمعها في صلواتنا كثيرا: {فإذا فرغت فانصب (7) وإلى ربك فارغب (8)} [الشرح: 7 - 8].
وقبل أن أذكر ما ذكره المفسرون من الصحابة والتابعين وغيرهم ندرك جميعا بمعرفتنا للغة العرب المعنى العام: إذا فرغت وانتهيت وصارت عندك فسحة من الوقت وشيء من الراحة فأي شيء تصنع؟ فانصب، وكلنا يعلم أن النصب هو التعب والمقصود به الجد والعمل الذي يجدد مرة أخرى الإنجاز ويحقق الخير بإذنه - سبحانه وتعالى -.
لنستمع - أيها الإخوة - إلى القلوب المؤمنة والأفهام المسلمة والنفوس الحية والهمم العالية كيف فسرت؟ وكيف فقهت هذه الآيات من كتاب الله - سبحانه وتعالى -..
عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: (إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل).
وعن ابن عباس: (إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء).
وأما الحسن وزيد بن أسلم فروي عنهما قولهما: (إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب إلى عبادة ربك).
وعن مجاهد إمام التابعين من المفسرين: (إذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك).
وعن الجنيد: (إذا فرغت من أمر الخلق فانصب في عبادة الحق).
هل رأيتم في مجموع هذه الأقوال قولا يقول: إذا فرغت فنم؟ إذا فرغت فاله والعب؟ إذا فرغت فضيع الأوقات وانحر الساعات؟ هل سمعنا شيئا من ذلك؟
والذي نقلته لكم نقلته من نحو ثمانية أو تسعة تفاسير من أمهات كتب التفسير، ولو رجعتم إلى عشرات أخرى غيرها لم تضفروا إلا بمثل هذه المعاني الشريفة العظيمة التي ترجمها القاسمي - المفسر المتأخر المعاصر - ليجعل لها إطارا واسعا ومعنى شاملا حين قال: (إذا فرغت من عمل من أعمالك النافعة لك ولأمتك فانصب إلى عمل وخذ في عمل آخر واتعب فيه؛ فإن الراحة إنما تكون بعد التعب والنصب).
هذا فقه الإيمان، وهذه دلالة القرآن، وهذه نفوس أسلافنا وأفكارهم وعقولهم وهكذا ينبغي أن نفقه الأسس السليمة لا أن نسمح للمفاهيم المغلوطة أن تروج، فمع آخر يوم من انتهاء الاختبارات تسمع الطلبة والطالبات وهم يتوعدون بالنوم الطويل واللعب الكثير والسهو واللهو والغفلة، ويرون ذلك هو الميدان الصحيح، وهو العمل المطلوب ليس في يوم أو يومين! بل في أشهر معدودات متواليات، وليس هم الذين يقولون ذلك بل أسرهم وآباؤهم وأمهاتهم يوافقونهم في مثل هذا في الجملة، فهم يرون ألا يكلموهم وأن لا يوقظوهم من نومهم وسباتهم، وأن لا يثربوا عليهم في لهوهم وفراغهم وغير ذلك، بل ليس هؤلاء فحسب بل المجتمع في مجمله كأنما يقول لهم ذلك، وكأنما يؤكد لهم أن الرسالة المطلوبة هي مثل هذا اللغو واللهو والفراغ غير المجدي.
وقاعدة أخرى - أيها الأخوة الأحبة - المسؤولية حقيقة كلية في المنهج الإسلامي.
ليست هناك مسؤولية في زمان دون زمان.. لن يكون الحساب يوم القيامة على أيام الدراسة والعمل والقلم مرفوع عن أيام الإجازة أو العطل من قال هذا؟ ومن يتوهم هذا؛ فإنه لاشك على خطر عظيم، والمسؤولية كذلك لا ترتفع عن مكان دون مكان ليست هي في مكة المكرمة أو المدينة، فإذا كان في غيرها أو في خارج هذه البلاد أصبح الأمر آخر، وأصبح التصرف مختلفا وأصبح القول غير القول وغير ذلك ما نعلم كثيرا منه، إنها قضية واضحة كذلك: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا (36)} [الإسراء: 36].
ليست هناك حدود في الزمان أو المكان تخرج عن دائرة هذه المسؤولية: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18)} [ق: 18].
قول منكرة ومنونة؛ لتدل على العموم في سائر الأوقات وفي سائر الأحوال في الرضا والغضب أنت مسؤول عن قولك في العمل والإجازة أنت مسؤول عن فعلك في بلادك وفي خارجها أنت محاسب على أفعالك، والأمر في ذلك يطول والفقه الإيماني يدعو إلى أن يكون المرء المؤمن عاقلا، وأن يعمل مثلما يعمل التاجر، فالتجار - كما نعلم - في مواسمهم يشمرون عن ساعد الجد، ويفتقون العقول عن الأفكار والحيل والأساليب المناسبة لمزيد من الأرباح في هذه المواسم، وتجدهم يزيدون في الأوقات ويغتنمون الفرص في الإقبال وإتاحة الإمكانات والطاقات.. والنبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المشهور يقول: (اغتنم خمسا قبل خمس)(3/32)
استمعوا إليها لتروا أن معظمها متعلق بالزمان والوقت: (حياتك قبل موتك.. شبابك قبل هرمك.. فراغك قبل شغلك.. صحتك قبل سقمك). انظروا إلى الأوائل كلها متعلقة بالزمن.. كلها مربوطة بما يتيسر من هذا الزمان الممتد.
وهنا نستحضر الحديث العظيم عند الإمام البخاري في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).
امتداد في الزمن، وقوة في البدن، وتكاليف تنزلت بها الآيات وشهدت بها ووجهت إليها الأحاديث وأمة مهيضة الجناح متأخرة عن ركب الأمم يحدق بها الأعداء من كل مكان وتحيط بها المكائد في كل وجه وصوب، ثم بعد ذلك ملايين من الأبناء والبنات والأسر من هنا وهناك ضائعون في فلك لا نهاية له.. سائرون في طرق لا تفضي إلى خير ولا إلى علم ولا إلى عمل ولا إلى تقدم أو نحو ذلك إنها قضية خطيرة.
يحسبون - أيها الإخوة - في مقاييس الإنجاز والعمل في الدول والشركات الدقائق والساعات، ويقولون: إذا حصل أمر من الأمور وتعطلت الأجهزة أو تعطل العمل لأمر أو لآخر لمدة ساعة فيقولون: إن هذه الساعة من عدد كذا من الموظفين أصبحت تشكل كذا من الساعات الإنتاجية وتقدر بكذا من الملايين، وتقدر بكذا وكذا، وأما نحن فنضربها ونحسبها ثم نهبها للفراغ ونهدرها في الهباء وننحرها بلا نفع ولا فائدة.
إنها المسؤولية المناطة بنا جميعا أنا وأنت وهذا وذاك.. إن الشباب والشابات والأبناء والبنات جزء عظيم من المسؤولية مناط بآبائهم وأمهاتهم، وسبل التربية والتوجيه وسبل اغتنام الأوقات وغير ذلك مما نعلمه، إضافة إلى مسؤولية المجتمع في كل دوائره المختلفة.
ولعلي أقف هنا وقفات سريعة وليس مقامنا مقام تفصيل فيما ينبغي عمله أو فيما ننكره ونحذر منه ولكها ومضات مهمة:
هناك أرباح وخسائر، وهناك رابحون وخاسرون متى يتضح ذلك؟ بعد نهاية الموسم وفي آخره، لكن هل ننتظر حتى يأتي آخر الموسم ونرى هل ربحنا أم خسرنا؟ أم نتنبه في أوله وبدايته حتى نأخذ الأسباب ونهيأ العدة، ونجتهد في أن نخرج من الموسم بأكبر ربح ممكن، بدلا من أن تكون الخسائر فادحة وليتها خسائر في جانب المادة فحسب.. إهدار للأوقات أو إهلاك للأموال أو غير ذلك، بل كثيرة هي الخسائر الفادحة من الإيمان الذي يضعف والحياء الذي يذبل، والهم التي تخور والعزائم التي تفتر، واللهو الذي يتمكن من النفوس، والعبث الذي يضيع العقول، والغفلة التي لا تنهض عزما ولا تقيم أملا ولا تحيي عملا في هذه الأمة.
أبواب الخير الكثيرة الخيرة مشرعة، واغتنموا لكم ولأبنائكم هذه الفرص من الوقت المتاح:
أولا: في ميدان القرآن الكريم:
المساجد التي تمتلئ بحلق التحفيظ، وكثير من الطلاب وأسرهم يقولون: ليس هناك وقت متاح في أوقات الدراسة! وإذا ذهبوا إلى المساجد فستضيع الأوقات عليهم عن الدراسة، وسيتأخرون فيها، فلنقبل منهم ذلك في أوقات الدراسة فماذا يقولون اليوم؟ وإضافة إلى ذلك الأبواب مشرعة في أنماط مختلفة متعلقة بالقرآن، فهناك الدورات القرآنية التي تتيح الفرص لتعلم القراءة والتجويد والتلاوة، ولحفظ الجديد ولمراجعة وتمكين المحفوظ القديم ونحو ذلك من الأمور الخيرة، إضافة إلى المسابقات القرآنية والمنافسات القرآنية العظيمة.. أبواب من الخير لو أننا أحسنا توجيه أبنائنا إليها ورغبناهم فيها لوجدنا تحقق موعود الله - عز وجل -: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (17)} [القمر: 17].
إنه يسير وإنه محبوب لا ينبغي أن نقول: (إنها إجازة فكيف نثقل عليهم بذلك) سبحان الله! هل في كتاب الله من ثقل على النفوس؟ هل فيه من هم أو غم على القلوب؟ أليس هو الذي تنشرح به الصدور؟ أليس هو الذي تطمئن به القلوب؟ أ ليس هو الذي تلتذ به الأسماع؟ أليس هو الذي تترطب به الألسنة؟ أليس هو الذي تعم به الخيرات والبركات؟ أليس هو الذي يبصر وينير العقول ويرشدها؟ أليس هو الذي يفتق الطاقات ويجعل المقبل عليه ذكيا فطنا، فضلا عن كونه زكيا نقيا طاهرا؟
لماذا نحرم أبناءنا؟ لماذا نقصر في حقهم؟ ونفرط في توجيههم إلى الخير الذي لهم؟ ولا نقول ليرتبطوا بالحلق أو بالقرآن ليلهم ونهارهم، فلا يكون عندهم فرصة لشيء من راحة، ولو قضوا ذلك في كتاب الله لما كان قليل. وباب آخر وهو: باب القراءة...
القراءة المجني عليها لا يعرف أبناؤنا كثيرا من كتاب ربهم، ولا من سنة نبيهم، ولا من سيرة مصطفاهم، ولا من صفحات تاريخهم، ولا من علوم شريعتهم، ولا من حقائق واقعهم، ولذلك تجد الطلاب وقد صاروا اليوم كأنما عقولهم ورؤوسهم فارغة حتى ما يقرؤونه في مدارسهم يقرؤونه ليفرغوه على أوراق الاختبارات، ثم يحاولون بكل جهد أن ينسخوه من عقولهم، وأن ينظفوها حتى لا يبقى فيها أي أثر من آثار تلك المعلومات والقراءات والفرصة سانحة والوقت متسع والمنهج لو أراد الآباء والأمهات ومؤسسات المجتمع والحكومة أن تبسط ميادين المنتزهات فحسب أين هي المكتبات؟ أين هي المسابقات؟ أين هي القراءات؟ أين هي المجالات التي ينبغي أن يأخذ بها أبناؤنا؟
وأستحضر هنا خبرا تافها سخيفا، لكنه أخذ حظا وافرا في وسائل الإعلام كلها قصة ابتكرتها امرأة إنجليزية قصة خرافية عن شخصية خيالية، وجعلت لها اسما ثم أصدرت لها كتابا فتلقاه القوم - وهم يقرؤون ويحبون أي شيء بالقبول العظيم - حتى توالت الأجزاء، وجنت هذه المرأة من هذه القصة ستمائة مليون جنيه إسترليني - كما يقولون - وعندما نزل الجزء الأخير نشر في الصحف أن المكتبات في بعض الدول الكبيرة المشهورة في بلاد الغرب سوف تداوم أربعا وعشرين ساعة حتى تلبي احتياجات الناس من الإقبال على هذا الكتاب.
قد نقول سخافة وقد نقول ضياع لكنهم يقرؤون وربما نجد سوق الكتاب وهو يشكو الحزن الأليم حتى إن ما يطبع باللغة العربية في العام الواحد لا يبلغ إلا خمس ما يطبع في بريطانيا وحدها فقط ويصدق حينئذ فينا قول أعدائنا إننا أمة لا نقر.
أنتم - معاشر الآباء - فضلا عن الشباب أليس في فرص الإجازات ميدان لنقرأ في السيرة.. لنقرأ في تاريخن.. لنقرأ ما ينفعنا لنعرف ما يجري حولنا وهذه قضية أخرى مهمة.
والثالثة: ميدان الترفيه:
وهو أيضا يمكن أن يكون نافعا ومفيدا، لقد كان لهو السابقين من أسلافنا لهو بالخيل، وكان نور الدين زنكي القائد العادل المقاتل المجاهد العظيم كان لعبه بالكرة على الخيل يعطفها يمنة ويسرة يقول: (ما أريد بها إلا الاستعداد للجهاد).
وكم هي فرص الترفيه التي يمكن أن تكون نافعة ومفيدة، والمراكز الصيفية - بحمد الله - تقدم كثيرا من هذا النافع المفيد المثمر الذي يدخل السرور ويغير النفس، ومع ذلك يكسب المهارة الجديدة والمعلومة الجديدة والمعرفة الجديدة، إضافة إلى أجواء من الأخوة والتعاون وغير ذلك.
والعمل ميدان أيضا لاغتنام الوقت والاستفادة من الطاقات:
العمل للشباب والشابات في صور مختلفة ولو كان عملا ذاتيا ربما لا يكون له العائد المالي لكنه له عائد تربوي ونفسي.
والسفر وما أدراك ما السفر؟ وله في جانب السلبيات باب واسع، لكنه كذلك يمكن أن يكون نافعا ومفيدا إذا لم يكن في البلاد التي يعظم فسادها، ويكثر شرها وهي بلاد أعدائنا التي ننفق فيها أموالنا وغير ذلك من الأمور التي نعرفه.
وأبواب الخير في هذا كثيرة مشرعة، المهم أن نعرف أن الفراغ فرصة للعمل، وأن المسؤولية لا يستثنى منها شيء.(3/33)
ولاشك - أيها الإخوة الأحبة - أن هناك صورا محزنة، ومظاهر مؤسفة، وأحوالا مخزية نراها في هذه الفترة من الصيف، قد تحدث إلي بالأمس غيور، ظل يتابع الاتصال وهو يركز على وجوه النقد التي تصاحب كثيرا من ممارسات الصيف، فآثرت أن يكون حديثنا الأول هو حديث الإيجاب وحديث القواعد المؤسسة، وحديث الآيات البينة الواضحة، وحديث هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان النموذج الأمثل في اغتنام الأوقات، والذي كان مضرب المثل الحقيقي في حياة كل مسلم ومؤمن.
لكننا لابد كذلك أن ننبه إلى هذه السلبيات؛ لأنها لا تقع إلا منا نحن إما مباشرة وإما بطرق غير مباشرة، وهذه مآس كثيرة وهذه مشكلات عديدة:
أولها: مشكلات السهر والعبث:
أكثر الشباب والشابات - بل وكثير من الأسر - عندما يأتي هذا الصيف لا يذوقون النوم في ليله أبدا ويسهرون الليل ينحرون أوقاته حتى الصباح، فإذا جاء الصباح قتلوه نوما وقتلوه كسلا وقتلوه سلبية، وهذا أمر ظاهر ومشاهد ولو أردت أن تجرب أن تتصل بأي بيت في صباح أي يوم لما وجدت لك مجيبا، ونرى ذلك بآثاره السلبية، فالشباب يصنعون - كما تعلمون - من التجمعات في الأماكن السكنية وفي أماكن المنتزهات ويصنعون ما هو معلوم من الأذية والمعاكسات والمغازلات وغير ذلك من الأمور المعلومة ومآس أخرى في مخازي الأسواق والمنتزهات ولعلنا هنا نتوجه إلى النساء والفتيات فإن الخروج المسف المكثر المتأخر إلى ما بعد منتصف الليل في هذه الأماكن مع قصد في التميع والتكسر، وعدم مراعاة لأحكام الحجاب وآداب الحياء ومراعاة الواقع الاجتماعي والأسري والتربوي؛ فإن هذا نعلم منه الكثير، وترى اليوم الأسواق وهي تعج بروادها كأنما كانوا في مجاعة فخرجوا يتطلبون قوتهم، أو كانوا قد عريت أجسامهم فخرجوا يشترون أكسية وأحذية أو نحو ذلك، ولاحرمة في التسوق، ولا غضاضة في قضاء الحوائج، لكنها بهذه الصورة والهيئة التي تكثر عند الناس حتى تكون كأنها جدول أعمال له في كل يوم ساعات أو له في كل أسبوع أيام والمسألة بقضاء الحاجة تنقضي في أوقات يسيرة لمن كان يطلب حاجته ويعرفها دون هذا العبث والنزهة التي تتدثر بدثار التسوق ونحو ذلك.
ومآس أخرى في السياحة والأسفار:
ليس أولها ما يصنعه كثير من النساء من نزع الحجاب مع أول درجات سلم الطائرة كأنما هناك مكان ليس فيه حكم لشرع الله أو كأنما هناك مكان يخلو ويخرج عن علم الله المحيط الشامل القائل - جل وعلا - في وصف علمه وشموله: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (19)} [غافر: 19].
وهذه صور كثيرة نحن مسؤولون عنه.. قد نكون من أهلها وقد يكون بعض معارفنا أو جيراننا أو أقاربنا من أهلها، وقد يكون غيرهم من أهلها، ونحن نملك أن نقول كلمة ننصح بها أو نقدم رسالة نذكر بها، وأن نحذر مما يستهدفنا ونحن نمر في بلادنا وعلى مستوى أمتنا بأعظم هجمة شرسة تريد استئصال إسلامنا من جذوره، ونسخ تاريخنا من أصوله، وفوق ذلك كذلك نجد أننا نمر بأشد الظروف التي تكاد فيها أوضاع أمتنا في داخلها تموج بكثير من المتغيرات والاضطرابات، فهل يحسن بنا مع ذلك كله أن نبقى على غفلتنا، وأن نبقى على السر الأعظم في سبب بلائنا ونكباتنا ومصائبنا والسبب الأساس في تسلط أعدائنا وهو مخالفتنا لأمر الله وتنكبنا لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} [الروم: 41].
فالله الله في أبنائكم وبناتكم، والله الله في أوقاتكم وأيامكم ولياليكم وساعاتكم، والله الله في قلوبكم ونفوسكم، والله الله في الفرص العظيمة والأبواب المشرعة من الخير، لعل الله - سبحانه وتعالى - أن يعوضنا كثيرا مما فرطنا فيه، وأن يجعل هذه الأوقات المتاحة فرصة لننجز عملا نخدم به أنفسنا نعلي به إيماننا نعظم به أجورنا ننصر به أمتنا نقوي به مجتمعن.
http://www.aldaawah.com المصدر:
-=============
قبل أن يقضي الفراغ على أطفالنا !! (1-2)
لقمان عطا المنان
تتعدد المدارس على طول البلاد وعرضها وعلى وجه الخصوص ما يسمى بمرحلة الأساس الحكومية أو الخاصة التي صارت تجارة رائجة رابحة..هذه المدارس التي تحوي جيوشاً جرارة من التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم في الغالب ما بين ست سنوات إلى أربع عشرة سنة حيث يقضون ثمان سنوات بين أركانها وجدرانها..ولكن السؤال الذي يطرح ويفرض نفسه هو: كيف يقضي هؤلاء التلاميذ أوقات فراغهم في العطلة أو الإجازة؟!..
ذات مرة سمعت بأذني - وأنا أشق طريقي وسط أحد الأحياء العاصمية أثناء شجار وقع بين اثنين من الأطفال لا يتجاوز عمر أحدهما إحدى عشرة سنة - ألفاظاً متبادلة بينهم يعف القلم عن ذكرها!!..
توقفت وتأملت هذه الألفاظ التي تفوّه بها هذان الطفلان، وتساءلت وفي نفسي مرارة: من أين أتى هؤلاء الصغار بهذه الألفاظ البذيئة، وهذا السلوك المشين؟!..
كانت الأسئلة تحاصرني، لكنني لم أجد لها إجابة شافية سوى أنها حدثت بسبب الفراغات العريضة التي تتركها بعض الأسر والمدارس.. والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول في ذلك: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)..
ولكم أن تتصوروا معي هؤلاء الصغار وهم يجلسون في الطرقات، ويتشاغبون في أشياء لا تسمن ولا تغني عن جوع.. أو انظروا إلى جلوسهم أمام الحوانيت وهم يحملون الألعاب النارية التي يفجرونها بين الفينة والأخرى بعد أن يقوموا بوضعها خلسة تحت أقدام الكبار أو الصغار ثم تنفجر مسببة الهلع والفزع والروع للجالسين والمارة، بينما هم يقهقهون!!..
إن أخطر ما يواجهه هؤلاء الصغار هو الفراغ القاتل الذي إن لم يستثمر في شيء مفيد ضاع الصغير وفسد؛ لا سيما من كان في مرحلة المراهقة وبداية طور النضوج!!..
* نود من خلال هذا التحقيق أن تتناول موضوعاً طالما غفل عنه الكثيرون!!..
* ما أكثر ما يعانيه المارة بالشارع من تلفظ الصغار بألفاظ وكلمات بذيئة؛ فيجب على أولياء الأمور أن يحاولوا علاجها بشتى الطرق بالتي هي أحسن؛ بطرق كثيرة مثل ملء فراغهم بأشياء مفيدة يمكن أن يسدوا بها هذا الفراغ القاتل الذي يذهب كثيراً في أشياء تنعكس على سلوكهم، ويجب على الآباء أن يعلموا أنه (لكل داء دواء)؛ فإن معرفة الأسباب الكامنة وراء الداء تمثل نصف الدواء..
إن على الأب أو الأم أن يسمع بعقل القاضي وروح الأب لأسباب انفعال الطفل بعد أن يهدئ من روعه، ويذكر له أنه على استعداد لسماعه؛ وحل مشكلته، وإزالة أسباب انفعاله.. وهذا ممكن إذا تحلى بالهدوء والذوق في التعبير عن مسببات غضبه..
ثانيًا: إحلال السلوك القويم محل السلوك المرفوض:
ثم بعد ذلك البحث عن مصدر تواجد الألفاظ البذيئة في قاموس الطفل؛ فالطفل جهاز محاكاة للبيئة المحيطة؛ فهذه الألفاظ هي محاكاة لما قد سمعه في بيئته المحيطة: (الأسرة الشارع الأقران).. كما يجب أن يراعى أن يعزل الطفل عن مصدر الألفاظ البذيئة المصدر؛ كأن يبعد عن قرناء السوء إن كانوا هم المصدر؛ فالأصل كما قيل في تأديب الصبيان (الحفظ من قرناء السوء، وإظهار الرفض لهذا السلوك؛ وذمه علنًا، مع إدراك أن طبيعة تغيير أي سلوك هي طبيعة تدريجية؛ وبالتالي التحلي بالصبر، والهدوء في علاج الأمر أمر لا مفر منه)؛ (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)..(3/34)
يُعَوَّد سلوك (الأسف) كلما تلفظ بكلمة بذيئة.. ولا بد من توقع أن سلوك الأسف سيكون صعبًا في بادئ الأمر على الصغير؛ فتتم مقاطعته حتى يعتذر، ويناول هذا الأمر بنوع من الحزم والثبات والاستمرارية..
* عبد القادر عوض - معلم بالمرحلة الثانوية:
يمكن لأولياء الأمور أن يرشدوا أطفالهم؛ بأن يبتعدوا عن كل ما هو قبيح وضار لهم؛ من سوء السلوك، والألفاظ البذئية، وإبعادهم عن قرناء السوء، مع استعمال اللين معهم، والحكمة والموعظة بالتي هي أحسن، وإرساء مناهج سلوكية ذات صبغة إسلامية لهم؛ لا سيما في عطلاتهم المدرسية التي هي مرحلة الانحراف الحقيقية للأطفال؛ ففيها يتعلمون السلوك المشين!!..
أهمية التربية:
تلعب التربية السليمة داخل الأسرة المسلمة الدور الكبير من الوالدين الذَين يقومان بمهمة التوعية والإرشاد لأبنائهما؛ لا سيما عند نعومة أظافرهم، وغرس القيم الدينية التي ينادي بها الإسلام والتي يمكن للطفل أن يملأ فراغه بها..
وهنالك عدة أمور ينبغي على الأب والأم أن يراعياها في تربية أبنائهما منذ الصغر؛ حتى يصيروا أبناءًا صالحين ينتفع بهم آبائهم ومجتمعاتهم..
ويرى الكثير من علماء التربية أن هناك عدة أمور يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تنشئة الطفل تنشئة قويمة إذا عمل بها أولياء الأمور منها:
* إلزام الطفل بالاستجابة لقواعد تهذيب السلوك التي تم وضعها: فمن المهم أن يعتاد الطفل الاستجابة بصورة لائقة إلى توجيهات والديه قبل دخوله المدرسة بفترة طويلة..
* ومن هذه التوجيهات: جلوسه في مقعد السيارة، وعدم ضرب الأطفال الآخرين، وأن يكون مستعداً لمغادرة المنزل في الوقت المحدد صباحاً، أو عند الذهاب إلى الفراش، وهكذا..
وهذه النظم التي يضعها الكبار ليست محل نقاش للطفل إذا كان الأمر لا يحتمل ذلك..
واجعل الطفل يميّز بين الأشياء التي يكون مخيّراً فيها وبين قواعد السلوك المحددة التي ليس فيها مجال للاختيار..
* التمييز بين احتياجات الطفل ورغباته:
فقد يبكي الطفل إحساساً بالألم، أو الجوع، أو الخوف.. وفي هذه الحالات يجب الاستجابة له في الحال.. أما بكاؤه لأسباب أخرى فلن يسبب أية أضرار له.. وفي العادة يرتبط بكاء الطفل برغباته، وأهوائه.. والبكاء حالة طبيعية نتيجة حدوث تغير، أو إحباط للطفل.. وقد يكون البكاء جزءاً من نوبات الغضب الحادة؛ فيجب فى هذه الحال تجاهله، مع عدم معاقبته؛ وإنما يخبر بأنه طفل كثير البكاء؛ وعليه أن يكف عن ذلك..
وهناك بعض الأحيان التي يجب أن يُتَجَنَّب فيها الاهتمام بالطفل، أو ملاعبته مؤقتاً..
* يجب ألاَّ يغفل الوالدان عن التهذيب؛ حتى في وقت المتعة، والمرح:
إذا كان كلا الوالدين يعملان فربما يرغبان في قضاء جزء من المساء بصحبة الطفل، وهذا الوقت الخاص يجب أن يكون ممتعاً، ولكن ليس معنى هذا أن يتهاونا في تطبيق قواعد التهذيب؛ فإذا أساء الطفل السلوك فيجب تذكيره بالحدود التي عليه التزامها.
* قواعد السلوك مع الطفل:
الأطفال في هذه السن لا يتقيدون بهذه القواعد، أما عندما يبلغ الطفل أربع أو خمس سنوات من العمر فيمكن أن تشرح له الموضوعات التي تتعلق بتهذيب السلوك؛ لا سيما قبل دخوله مرحلة الأساس، أما عندما يبلغ الطفل سن المراهقة - من أربع عشرة سنة إلى ست عشرة سنة - فيمكن مناقشته كشخص بالغ؛ وفي تلك المرحلة يمكن أن يسأل عن رأيه في أي من هذه القواعد، والعقوبات.
* تعليم الطفل كيفية التغلب على السَأَم:
إذا كنت تلعب وتتحدث مع الطفل عدة ساعات كل يوم فليس من المتعيّن أن تشاركه اللعب دائماً؛ أو تحضر له بصفة دائمة صديقاً من خارج المنزل ليلعب معه؛ فعندها وعندما تكون مشغولا فتوقّع من طفلك أن يسلّي نفسه بمفرده؛ فالطفل البالغ من العمر أربعة أعوام يستطيع تسلية نفسه نصف الوقت، أما الذي يبلغ من العمر خمسة أعوام مثلاً فيستطيع أن يشغل نفسه ساعات طويلة يوميا..
* ثم حدوث التغيرات؛ مثل الخروج من المنزل، وبدء الحياة المدرسية يعد من ضغوط الحياة العادية، ومثل هذا يعلم الطفل، ويجعله قادراً على حل مشاكله؛ فعلى الآباء أن يكونوا دائما قريبين، ومستعدين لمساعدة الطفل عند اللزوم، لكن يجب ألا تقدم له المساعدة إذا كان بمقدوره أن يفعل ذلك الشيء بمفرده..
* وعموماً فعلى الآباء أن يجعلوا حياة الطفل واقعية، وطبيعية؛ بالقدر الذي يستطيع تحمله وفقا لسنّه؛ بدلاً من الاجتهاد في توفير أكبر قدر من المتعة له؛ لأن قدرات الطفل على التكيف، وثقته بنفسه سوف تنشط بتلك التجارب؛ وسيستفيد من خوضها..
* ومن الأشياء المهمة تعليم الطفل احترام حقوق والديه:
تأتي احتياجات الأطفال - من حب، وطعام، وملبس، وأمن، وطمأنينة - في المقام الأول، ثم تأتي احتياجات الآباء في المقام الثاني، أما رغبات الطفل (مثل اللعب)، أو نزواته (مثل حاجته إلى مزيد من القصص الإسلامية) فيجب أن تأتي في المقام الثالث ووفقاً لما يسمح به وقت آبائهم.. ويزداد هذا الأمر أهمية بالنسبة للوالدين العاملين الذين يكون وقتهما الذي يقضيانه مع أطفالهما محدوداً.. والشيء المهم هنا هو مقدار الوقت الذي يقضيانه مع طفلهما وفعاليته؛ فالوقت المثمر - والذي يجب أن يتفاعل فيه مع الطفل بأسلوب ممتع - هو وقت العطلات.. ويحتاج الأطفال إلى مثل هذا النوع من الوقت مع والديهم يومياً..
أما قضاء الآباء كل لحظة من وقت فراغهم أو من عطلتهم مع الطفل فإنه ليس في صالح الطفل أو صالحهم؛ حيث يجب أن يكون هناك توازن؛ يحافظ به الآباء على استقرارهم النفسي والذهني؛ بحيث يمنحهم قدرة أكبر على العطاء..
وليعلم الآباء أن الطفل إذا لم يتعلم احترام حقوق والديه فقد لا يحترم حقوق الآخرين؛ لا سيما عندما ينطلق في وقت فراغه في الإجازة، ويقترن مع أصدقائه؛ حيث يجد الطريق أمامه ليتعلم كل شيء منهم؛ الأمر الذي يجعله أقل تحمساً واهتماماً بالواجبات المدرسية..
* علي عز الدين عمر - رب أسرة:
من أهم الأشياء التي تجعل الطفل سوياً على الاستقامة الاهتمام برعايته، وتربيته تربية مستقيمة وفق ما أمر به الدين الإسلامي، ولكن للأسف الشديد فإن أغلب الأطفال اليوم صاروا لا يحترمون أحداً من الكبار؛ وهذا يعود بالطبع إلى عدم التربية!!..
* الزبير محمد إبراهيم معلم:
التربية السليمة دوماً هي التي توجه الطفل إلى الاستفادة من أوقات فراغه عند الإجازات، والتربية لا بد أن تزرع من الوالدين في المقام الأول؛ لأن المدارس اليوم صارت تؤدي واجبها في الناحية الأكاديمية فقط؛ على عكس ما كان عليه الأمر في الماضي حيث كان التعليم فيه يقوم بواجبه كاملا نحو التلاميذ؛ بإرشادهم للسلوك القويم الذي يجب عليهم أن يسلكوه في حياتهم!!..
* الأمين عبد الله - رب أسرة:
والله يا ابني! منذ أن تأتي الإجازة نضع أيدينا على قلوبنا!؛ خوفاً من الصخب والضجيج الذي سيسببه لنا هؤلاء الأطفال!!.. والمشكلة تكمن في أن الكثير من الآباء يضع الحبل على الغارب فلا يهمه أمر ابنه؛ أين خرج؟!، وإلى أين اتجه؟!.. ويمكن أن يكون لا يعلم شيئاً عن مستواه الدراسي في المدرسة!!..
اللعب مفيد ولكن!!..
اللعب في سن المدرسة هو أكثر أنشطة الطفل ممارسة؛ يستغرق معظم ساعات يقظته، وقد يفضله على النوم والأكل، ولكن لا بد ألاَّ يشغله ذلك عن أداء صلواته بانتظام، وألاَّ يأخرها عن موعدها المحدد..
وغياب اللعب لدى الطفل يدل على أن هذا الطفل غير عادي.. فاللعب نشاط تلقائي؛ طبيعي؛ لا يُتعلم!!..(3/35)
اللعب له عدة فوائد؛ فهو يُكسب الطفلَ مهارات حركية؛ فيتقوى جسمه.. وأيضا عمليات معرفية كالاستكشاف، ويزيد من المخزون اللغوي لديه، وغير ذلك من الفوائد..
* وليد سليمان - أعمال حرة:
الطفل هو في سن اكتساب، وهو يقوم بأي عمل يريد أن يتعرف عليه.. والطفل الذي لا يلعب طفل غير طبيعي..
ومن الأشياء المهمة أن الأطفال لا يعرفون الكذب، ولكن من المؤسف أن بعض الأمهات والآباء يعلمون أبنائهم الكذب!.. والأب التقي حقاً هو الذي يقوم بمراقبة أبنائه حتى لا ينحرفوا ويسيروا في طرق متعرجة!!.
* عبد الحميد حسن - رب أسرة:
في ظل الظروف المعيشية القاسية، وتقلب الأحوال الاقتصادية ابتعد الناس عن مراقبة أبنائهم وعن متابعتهم في حال خروجهم للشارع أو التقائهم بأصدقائهم، بل حتى لدرجة عدم وقوفهم على مستوياتهم الدراسية!!.. وأقول: إن الفراغ الواسع الذي يعيشه الأطفال اليوم لهو من إهمال الآباء أنفسهم!؛ فمهما كانت الظروف فلا بد من رعاية تسد خلل هذا الفراغ!.. والله المستعان.
* محمد جابر - سائق ترحيل أطفال:
حقيقة الأطفال في حاجة ماسة إلى أن يملأوا الفراغ بأشياء مفيدة، وبرامج نافعة، وكثيراً ما أسمع بعض الألفاظ القبيحة من الأطفال؛ وأندهش لها.. وذات مرة سمعت من أحد الأطفال كلمات يقولها لأخيه، وعندما قلت له: لماذا تقول مثل هذه الألفاظ القبيحة؟! قال لي: إن أخاه قد سبقه بكلام أقبح!!.. وفيما بعد علمت أن هذين الطفلين قد تعلما هذه الألفاظ من بعض أصدقائهم الذين يجالسونهم من أولئك الذين تطلقهم أسرهم دون رقابة!!..
* إبراهيم غالي مواطن:
عدم رعاية الآباء لأطفالهم، إضافة لعدم التنظيم الجيد لأوقاتهم، مع غياب المتابعة.. كلها عوامل تساهم في تدني أخلاقهم، ومستواهم الدراسي!!..
* حمد عباس أيوب معلم:
الواجب على الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم أن تضع برامج مفيدة للأطفال؛ لا سيما في مرحلة الأساس في الإجازات الصيفية؛ بحيث لا تكون مملة ومنفرة، وأن تسطيع هذه البرامج أن تملأ الفراغ الذي تخلّفه المدارس؛ فالجرعات المدرسية غير كافية لإشباع حاجة هؤلاء الصغار.
* محمد عثمان نمر معلم:
الأطفال هم أمل المستقبل ويمثلون الحاضر؛ فلا بد من الأخذ بأياديهم إلى طريق النور؛ وذلك بسد فجوة العطلات والإجازات التي تمر بهم مرور الكرام دون أن يكون هناك أي برامج تفيدهم في الدنيا والآخرة..
* زينب حماد معلمة:
اللعب شيء طبيعي للأطفال؛ ولا بد منه، ولكن يجب أن تتماشى أيضاً معه أشياء مفيدة، بل لا بد للمدارس التي ينتمي لها الأطفال خاصة مرحلة الأساس أن تقدم لهم برامج خلال العطلة الصيفية.
فترة المراهقة:
ليس سهلاً أن تربي طفلاً في زماننا هذا المشحون بالتوتر، وضيق الوقت، واللهث خلف الظروف المعيشية الصعبة التي شغلت الكثير من الآباء.. ولكن التربية مسؤولية عظيمة سيسأل عنها الله - تعالى -يوم لا ينفع مال ولا بنون؛ لأنه بمثل ما على الأبناء من حق لآباءهم فأيضاً وضع الإسلام حقا للأبناء على الآباء!!..
فما بالك بابنك وأنت غافلا عنه وقد تعدى عتبة الطفولة؛ وخط شاربه، وغلظ صوته، ومِنْ حوله مستجداتٌ وصرعات لا تنتهي؛ من موسيقى، وقصات شعر، وأزياء غربية غريبة، وتمرد، وعناد، وعالم انفتحت أبوابه على مصراعيه!!..
المراهقون: هل هم حقاً مشاكل متحركة، أو براكين ثائرة، وحروب مستمرة؟!، أم هم أطفال ولجوا عالم الكبار؛ ويحتاجون في دخولهم هذا إلى تهيئة، وعناية، وتكوين علاقة حميمة؟!..
* عبد المعطي أحمد علي - معلم:
أكثر ما يفسد الأطفال لا سيما المراهقين منهم هو اهتمامهم باللبس الغربي، والأفلام الغربية، والموسيقى، وعالم الموضة؛ خاصة التسريحات، والحلاقات الغريبة على مجتمعنا هذا كله.. وفي تقديري هذا كله بسبب الفراغ العريض.. وللأسف لايحترمون أحداً من الكبار عندما يدخنون السجائر، أو يتعاطي بعضهم (التمباك)، أوالشيشة التي صارت شغلهم الشاغل..
وبالطبع إن كثيرا من الآباء لا يدرون شيئاً عنهم؛ لعدم مراقبتهم لهم؛ خاصة في العطلات والإجازات!!..
* عبد السلام يوسف - مشرف تربوي سابق..
للأسف الفراغ الذي يعيش فيه هؤلاء الصغار هو مفسدة عظيمة لهم إن لم توضع لهم برامج مفيدة من قبل آبائهم.. وأكبر مشكلة تواجه هؤلاء الصغار - ولا يدري عنها آباءهم شئياً - هي مصاحبتهم للذين يكبرونهم سنًا وفكرًا!!..
الإخفاق المدرسي:
مستويات الإخفاق (الفشل) قد تحدث أزمة ليس فقط في مستوى الطفل الأكاديمي والتعليمي، ولكن أيضاً في نفسية الطفل؛ بل ربما السبب يعود لأصدقائه، وما تأثر به خلال الإجازات والعطلات المدرسية؛ فاجعل نظرة الطفل للفشل، والإخفاق بطريقة لا تؤثر عليه؛ بحيث ترفع من معنوياته، وتشجعه على المزاكرة؛ حتى لا يترك الدراسه؛ وذلك عن طريق إدخاله معهدا، أو كورسا يقوي من مستواه أثناء فترة الإجازة، والعطلة؛ وبهذا تكون قد أغلقت عليه فجوة كبيرة أثناء فراغه..
* علي أحمد - معلم أساس:
أكثر ما يؤدي لانحراف الطفل مبكراً هو فشله في دراسته؛ والذي ربما يعود سببه إلى الفراغ في إجازته؛ حيث يكون قد انشغل بأشياء قد تصاحبه حتى أثناء العام الدراسي؛ وأعني بهذا أشياء يتعلمها من أصدقائه في هذه العطلة؛ ويتمسك بها؛ وبالتالي تؤثر في دراسته؛ ويفشل دراسياًًً!!.
http://www.meshkat.net المصدر:
==============
المرأة والفراغ
* قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- : ((ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه علمي)) إن العمر الحقيقي للإنسان ليس هو السنين التي يقضيها من يوم الولادة غلى يوم الوفاة, إنما عمره الحقيقي بقدر ما يكتب له في رصيده عند الله من عمل الصالحات وفعل الخيرات.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال...)) وذكر ((عن عمره فيما أفناه)).
فليست الحياة كما تتصورين ذلك الروتين اليومي أكل وشرب.. ونوم ولهو.. ولعب ومرح.. وزينة وتفاخر.. إنما هذه الحياة هي حياة الغافلين. إنما أنت خلقت لشيء وهدف أسمى من ذلك المتاع، إنما خلقت لعبادة الله وحده لا شريك له.
العوائق التي تصرف المرأة دون أن تستثمر وقتها:
1- طول الأمل والتسويف:
فكلما هم المرء بعمل يأتيه الشيطان ويغريه بالتسويف قائلا: اعمله غدا أو بعد غد.. وهكذا يقضي عمره مسوفا ولم يحصل ما قال.
* فلنقطع التسويف بالعمل والحزم والجزم.
2- الانشغال بأمور تافهة: بل قد تكون أحيانا محرمة.
ومن صور تضييع الوقت بغير فائدة:
متابعة الصحف والمجلات الخليعة.. سماع الأشرطة المحرمة.. متابعة المسلسلات والأفلام الهابطة.. الإسهاب في المكالمات الهاتفية.. متابعة الجديد من الأزياء.. وكثرة الذهاب إلى الأسواق. أيتها المباركة.. استفيدي من وقتك بمطالعة الكتب الدينية وقصص الأنبياء وتلاوة القرآن.. وسوف تجدين البركة والطهر والعفاف ترفرف علي بيتك.
3- القدوة والجليس السيء: بعض النساء تنظر إلى من هي أقل منها في استغلال الوقت واستثماره، ولا تنظر إلى من هي أحسن منها، معللة نفسها بأن فلانة أكثر مني إضاعة للوقت وهكذا.
4- الشعور بالنقص والضعف: فقد تكون بعض النساء قوية العزيمة قادرة على الاستفادة من وقتها، لكنها تحطم نفسها بنفسها، فكلما همت بعمل شعرت أنها أقل من ذلك العمل.(3/36)
والعلاج: الاستعانة بالله، وأن تعلم أن ذلك من وساوس الشيطان، وترويض النفس وتدريبها مرة بعد مرة حتى تتعود على هذا العمل. قال - تعالى -: ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)) (العنكبوت: 69).
* أقترح:
عليك بعمل برنامج يومي لاستغلال كل لحظة من لحظات وقتك من الصباح حتى المساء، وتحاولين الالتزام بهذا البرنامج قدر المستطاع حتى لا يضيع وقتك سدى وأنت لا تشعرين "فإن الوقت إذا مضى لا يعود" حافظي على أذكار اليوم والليلة كلها: فإن أحب الخلق إلى الله من لا يزال لسانه رطباً بذكر الله.
رسالة: ((كيف تقضي المرأة المسلمة وقتها)).
http://www.denana.com المصدر:
-=============
الإجازة ونعمة الفراغ
عبيد بن عساف الطوياوي
الخطبة الأولى:
أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة المؤمنون، من النعم العظيمة التي تحصل للعبد في هذه الحياة نعمة الفراغ، نعم أيها الإخوة، الفراغ بأن يكون العبد فارغًا من مشاغل هذه الحياة، يقول النبي في الحديث الصحيح: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)). فالفراغ من النعم العظيمة، وفي هذا الحديث تذكير لكل مسلم بهذه النعمة، والتي من واجبها عليه اغتنامها واستعمالها بما يعود عليه بالنفع دنيا وأخرى، وإن لم يكن كذلك فإنه في عداد المغبونين.
وتأملوا ـ أيها الإخوة ـ قول نبيكم، يقول: ((مغبون فيهما كثير من الناس)) أي: أن الذين يوفَّقون لاغتنام نعمة الصحة ونعمة الفراغ قلة، القلة هم الذين يسلمون من الغَبْن، أما الكثرة أكثر الناس ـ والعياذ بالله ـ مغبون، مغبون لماذا؟ لتفريطه وعدم مبالاته بنعمة الصحة والفراغ.
أيها الإخوة، ونحن في هذه الأيام نعيش بداية الإجازة، إذ تفرغ كثير من الناس وخاصة الشباب منهم، لا سيما من هم على مقاعد الدراسة من الذكور والإناث، وهذا مما يزيد الأمر خطورة، فإذا اجتمع الشباب والفراغ فلا تسل عن النتائج، إنما قل: اللهم سلم سلم، يقول الشاعر:
إن الفراغ والشباب والجِده *** مفسدة للمرء أي مفسده
الفراغ والشباب والجدة ـ يعني الغنى ـ مفسدة للمرء، هذا ما قاله هذا الشاعر قبل عشرات السنين، قبل أن يكون هناك استراحات يستأجرها الأحداث وصغار السن ليعكفوا بها على ما حرم الله، وقبل أن يكون هناك مقاهٍ ـ أعزكم الله ـ للمُعَسَّل ونحوه، وقبل أن يكون هناك مقاهٍ للإنترنت، وقبل أن يكون هناك أنواع من المخدرات، قبل أن يكون هناك سيارات تنقلهم من بلد إلى بلد، وطائرات يسافرون من خلالها لبلاد الكفار وغيرهم.
فقضية فراغ الشباب قضية خطيرة، والاهتمام بها من أوجب الواجبات، فإذا كان الواحد منا يضع يده على قلبه من الخوف الشديد الذي ينتابه على بعض الشباب وقت انشغالهم فكيف بهم وقد تفرغوا؟! كيف بهم والواحد منهم ينام النهار ويسهر الليل وقد توفر ت له سبل الفساد والانحراف؟!
أيها الإخوة المؤمنون، إن هذا الفراغ الذي سوف يمر به أبناؤنا إذا لم يغتنم بالخير فإنهم سوف يستعملونه في الشر، ولنكن ـ أيها الإخوة ـ صرحاء، أبناؤك إذا لم تشغلهم بالخير فإنهم سوف يجدون من يشغلهم بالشر.
ومن رعى غنمًا في أرض مَسْبَعَة *** ونام عنها تولى رعيها الأسد
إذا لم نعمل على حفظ أوقاتهم واغتنامها بما ينفعهم من أمور الدنيا والدين فإنهم سوف يقضون أوقاتهم بما يعود وبالا عليهم وعلى أسرهم، بل وعلى مجتمعهم وأمتهم.
فينبغي لنا أن نرسم الخطط لهذا الفراغ الذي سوف يخرج منه أبناؤنا إما بصلاح وإما بفساد. نعم إخوتي في الله، ثلاثة أشهر أو أكثر كفيلة بأن تشكل حياة الشاب وترسم أوضاعه، فهذه الثلاثة قد يحفظ فيها أجزاء كثيرة من كتاب الله وعددًا كبيرًا من أحاديث النبي، قد يلازم فيها درسًا لأحد المشايخ فيصير طالب علم أو داعيًا إلى الله - تعالى -. ثلاثة أشهر قد يلازم الابن والده والبنت أمها، فيتعلمان منهما الكثير، فالابن يتعلم معاني الرجولة ويتعود الاعتماد على النفس، والبنت تتعلم من أمها مهام النساء، لتعتمد على نفسها بعد ذلك. وهذا قد يكون في هذه الثلاثة أشهر إذا استغلت استغلالاً صحيحًا، وخطّط لها تخطيطًا سليمًا.
وأما إذا لم يخطط لها وترك الشاب والشابة يسهر الواحد منهم طوال الليل عند القناة الفلانية لمتابعة برنامج ساقط وعند القناة الأخرى لمشاهدة مسلسل هابط وعند ثالثة لرؤية جسد عار وعند رابعة لرؤية ومشاهدة ما يجعل الشاب أحيانًا يقع على أخته فسوف تنتهي الثلاثة أشهر بشهادة ذات تقدير عال في عالم الانحراف والضياع والفساد لكل شاب وشابة.
فلنعمل ـ أيها الإخوة ـ على اغتنام أوقات فراغ أبنائنا، ولنهتم بهذا الأمر الذي سوف نكون أول من يجني ثماره، نعم أول من يجني ثماره مهما كانت هذه الثمار حلوة أو فاسدة، لذيذة أو مرة، " وَالْبَلَدُ الطَّيّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ " [الأعراف: 58].
أيها الإخوة المؤمنون، إن قضية الفراغ قضية مهمة، يجب أن لا يستهان بها، وأن لا يغفل عنها، ولا أدل على ذلك من الاعتناء بها في كتاب الله ومن حرص النبي عليها وأمره باغتنامها وحثه على استغلالها، يقول جل جلاله: " فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ " [الشرح: 7، 8]، ويقول النبي: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك))، فذكر منها الفراغ قبل كثرة المشاغل.
أسأل الله لي ولكم علمًا نافعًا وعملاً خالصًا وسلامة دائمة، إنه سميع مجيب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون، اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ بأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يُجنى من الشوك العنب، فوالله الذي لا إله غيره، لن نعمل على حفظ أوقات أبنائنا ونحن مفرطون في أوقاتنا، فلنكن قدوات خير لا قدوات سوء في كل شيء، لا سيما في قضية الوقت والفراغ.
فلنهتم بحفظ أوقاتنا نحن قبل أن نهتم بحفظ أوقات أبنائنا؛ لأن الاهتمام بالوقت من صفات الصالحين، والتفريط فيه وإضاعته من أبرز عادات المفرطين، فالله الله في حفظ أوقاتكم، فالواحد منكم ما هو إلا أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضه، تقول رابعة: "يا سفيان، إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم فاعمل"، ويروى عن وَهْب بن منبه - رحمه الله - أنه قال: "ينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها هو وإخوانه والذين ينصحون له في دينه ويصدقونه عن عيوبه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاته فيما يحل ويحمد، فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات، وفضل بلغة واستجمام للقلوب".
أسأل الله - تعالى -أن يعينني وإياكم على حفظ أوقاتنا واغتنام فراغنا بما يفيدنا وينفعنا، وأن يجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، إنه سميع مجيب.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى..
3/4/1423
http://www.alminbar.net المصدر:
=============(3/37)
الفراغ و الترفيه البريء
الفراغ نعمة من نعم الله، يجب شغله بكل وسيلة شرعية، وذلك بالقيام بالعبادة بمفهومها الواسع، أو على أقل تقدير بالأمور المباحة شرعًا دون ما هو محرم، ففيما أحلَّ الله غُنية عما حرم، وقد أرشد المولى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله - سبحانه -: (فإذا فرغت فأنصب وإلى ربك فأرغب) [الشرح: 7، 8].
وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) خرجه البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((اغتنم خمسًا قبل خمس))، وذكر منها: ((وفراغَك قبل شغلك)) خرجه الإمام أحمد والبيهقي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
وكم كان الفراغ سببًا في الانحراف بكل ضُروبه، والفساد بشتى صوره، عند عدم استثماره، فهو مِنَّة ونعماء، لكن إذا استُغِلَّ في معصية الله فهو نقمة وبلاء.
الترفيه البريء، والترويح المباح، لا غضاضة على الإنسان فيه، بل قد يكون مطلوبًا أحيانًا لأغراض شرعية، كما في حديث حنظلة: ((ولكن ساعة وساعة)).
لكن يجب أن يكون كل ترفيه وترويح في حدود ما هو مباح شرعًا، فالإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروِّحوا عن أنفسهم، أو يُدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يقوموا بالوسائل المباحة في ذلك شرعًا.
أما أن يُستغَل ذلك فيما يضعف الإيمان، ويهزُّ العقيدة، ويخدش الفضيلة، ويوقع في الرذيلة، ويقضي على الأخلاق والقيم والمُثل والمبادئ، فلا وكلا.
http://tourism.albahah.net المصدر:
=============
مشكلة الفراغ
عبد الباري بن عوض الثبيتي
الخطبة الأولى:
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي السعادة في الدارين، والنجاة يوم يقوم الناس لرب العالمين، " يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " [آل عمران: 102].
عباد الله، دارَ الزمان دورتَه، وأقبل الصيف بحر نهاره الطويل وليله القصير، ومع هذه البداية تتعالى الصيحات محذرة من أضرار الفراغ على النشء، وما قد يسببه لهم من جنوح وانحراف. وقتُ الفراغ باتساعه الخطير الذي أفرزته الحضارة المعاصرة غدا خطرًا وعبءًا كبيرًا على حركة المجتمع، وهو في العصر الحاضر يتجاوز فراغ الوقت إلى فراغ النفس وفراغ القلب وفراغ القيم والمبادئ وفراغ الأهداف الجادة.
لقد نشأت مشكلة الفراغ عن انعدام الهدف من الحياة، فليست مشكلة الفراغ أصيلة نابعة من فطرة الإنسان، وإنما هي مشكلة طارئة نابعة من جنس الحضارة المعاصرة.
الفراغ يجعل الإنسان يشعر بأنه لا فائدة له، وأنه عضو مشلول في المجتمع لا ينتج ولا يفيد، فالإنسان الفارغ لا يترقب شيئًا تهفو إليه نفسه كنتيجة لعمله، فهو بلا هدف في الحياة، وأيُّ حياة هذه التي لا هدف لها.
الفراغ وسيلة من وسائل إبليس يوسوس بها للإنسان، فيثير فيه كوامن الغريزة ويُلهبها فتحرقه، إذ أن وفرة الوقت دون عمل أيًا كان يوقع صاحبه في أسر الوساوس الشيطانية والهواجس النفسية الخطيرة.
الفراغ داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية، فالنفس لا بد لها من حركة وعمل، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلَّد الفكر وثقل العقل وضعفت حركة النفس، ويصبح الفراغ ـ عباد الله ـ مشكلة حقيقية ظاهرة في الإجازة الصيفية، حيث يجد الشباب مساحة من الوقت كثيرة واسعة، ولا يجد ما يملؤها به من جادّ العمل وجيِّده، وقد يكون هذا الفراغ قاتلاً، بل يرى كثير من الباحثين أن وقت الفراغ عامل رئيس في الانحرافات المختلفة، ففشو المخدرات مثلاً واستفحالها في كثير من المجتمعات المسلمة ناتج عن غياب السيطرة الرشيدة على مشكلة وقت الفراغ.
من السهل أن ينقاد شاب يعيش في فراغ ليقع فريسة لتأثير الآخرين، ومن قرأ سير أولئك الذين وقعوا فريسة أصحاب المذاهب المنحلة والأفكار الفاسدة كانوا من الشباب الذين يعانون من الفراغ، وشهد علماء الاجتماع أن نسبة الجرائم والمشكلات الخلقية تتناسب طردًا مع زيادة الفراغ في أي زمان ومكان، ولذا ينتشر بين الشباب ظاهرة إشغال وقت الفراغ بعيدًا عن المراقبة والإشراف والتوجيه، بالتجول في الشوارع والأسواق دون مسوّغ نافع، فيمارسون هدر الوقت وتتبع العورات، وكذا الجلوس في المقاهي وعلى جوانب الطرقات، مع إفساح المجال للعنصر الفاسد أن يؤدي دوره، ويصولَ ويجولَ، يشجِّعهم على المفاسد، يجرُّهم إلى العادات الضارة، إنها قد تكون ساعات قاتلة، بل هي قاتلة. وقد يقضي الشاب جلَّ وقته مع الفضائيات، فتنقطع علاقاته العاطفية والاجتماعية، وسيعاني من الصراع مع ذاته أولاً، ثم مع أهله ومجتمعه، وسيشعر بالنقص والكبت والحرمات، ثم يصبح مصدر إزعاج بخروجه على المألوف، وانعدام التزامه وجهله بحقوقه وحقوق الآخرين، ومن ثم الهروب إلى الممنوع.
وبهذا نعلم أن من حق الآباء والمربين إذًا أن يحذروا آفات الفراغ، وأن يحصنوا النفوس من شرورها، ومن المؤسف حقًا أن الناس ينتبهون نوعا ما إلى إهدار المال، ويعرفون مدى خسارته، بينما لا يدركون معاني إهدار الوقت، وما أصدق كلمة الفاروق عمر بن الخطاب حينما قال لعامله: (إن هذه الأيدي لا بد أن تُشغل بطاعة الله قبل أن تشغلك بمعصيته).
الفراغ ـ عباد الله ـ لا يبقى فراغًا أبدًا، فلا بد أن يُملأ بخير أو شر، وما لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل، فطوبى لمن ملأه بالخير والصلاح.
إن السيطرة الرشيدة على وقت الفراغ وتصريفه في قنواته المناسبة يضمن للأمة ارتقاءها بطاقات أبنائها، ويكسبها مناعة ولقاحًا في وجه السموم والأوبئة الفكرية، ويتيح للأمة القدرة على سد منافذ الانحراف السلوكي. ولهذا حرص الإسلام على شغل أوقات الفراغ بعد الواجبات بالعمل النافع المثمر، بحيث لا يجد الإنسان الفراغ الذي يشكو منه، ويحتاج في ملئه إلى تبديد الطاقة أو الانحراف، بل إن الأصل في حياة المسلم أنه لا يوجد فيها وقت فراغ، ذلك أن الوقت والعمر في حياة المسلم ملك لله، والتربية الإسلامية تعوّد الناشئ ليرى كل ساعات الحياة ولحظاتها أمانة في عنقه، يشغلها بالخير، دعا رسول الله دعوة صريحة إلى أن نستفيد من ساعات فراغنا قبل أن تمضي فقال: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)) أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما[1].
تأمل هذا العمق التربوي من معلم البشرية نبينا محمد في توجيه بليغ يجعل الفراغ موسمًا للاستثمار، وتجارة رابحة يدخر فيها المسلم من الصحة ليوم السقم، ومن الشباب للهرم، ومن الغنى للفقر، إنها دعوة للإفادة من ساعات الفراغ قبل أن تمضي فلا تعود، اغتنمها قبل حلول مرض مقعِد أو كبر مفنِّد أو بلاء مشغل، ولقد صدَّق فعلُ رسول الله قولَه في الحث على الاستفادة من الوقت، فلم يكن في حياته ثمة فراغ، بل كيف يُتصور الفراغ في حياته وهو يتلقى عن ربه قوله - تعالى -: " فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ " [الشرح: 7، 8]؟!(3/38)
هذا خطاب لكل مسلم، أي: لا تبق ـ أيها المسلم ـ فارغًا أبدًا، فإذا فرغت من عمل فابدأ في عمل آخر، إذا فرغت من عمل دينك فاشتغل بعمل دنياك، وإذا فرغت من عمل دنياك فاشتغل بعمل دينك، وإذا فرغت من حاجة بدنك فخذ غذاءً لقلبك أو متعة لروحك، وإذا فرغت من شأن نفسك فأقبل على شأن أسرتك، ثم على شأن مجتمعك وأمتك، وهكذا لا فراغ أبدًا إلا استجمام وتأهب للعمل، تقول عائشة - رضي الله عنها - عن الرسول الأسوة: ولا رُئِيَ قط فارغًا في بيته[2]، ويقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: إني أكره أن أرى الرجل فارغًا لا في عمل دنيا ولا آخرة[3]، وروي أيضًا: إني لأبغض الرجل أن آراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة، ورأى شريح القاضي جيرانًا له يجولون فقال: ما لكم؟ فقالوا: فرغنا اليوم، فقال شريح: وبهذا أمر الفارغ؟! [4]
لا شك ـ عباد الله ـ أن هذه النصوص تشكل دافعًا يحفِّزنا لتوظيف دقائق أعمارنا في عمارة الأرض، أو إنجاز عمل نافع لنا أو لغيرنا من الناس، أو للترويح المشروع عن أنفسنا ومن نعول، فإذا أصبح ذلك نموذجًا متَّبعًا في أمة فإن مجموع إنتاجية أفرادها سيحدث لها تقدمًا في ميدان العلم والتقنية والعمل الخدمي للناس، يقول الشافعي - رحمه الله - راسمًا للأجيال قاعدة تربوية: "إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل"، إذا لم تدر النفس في حركة سريعة من مشروعات الخير والبر والتطوع لم تلبث أن تنهبها الأفكار الطائشة وتلفها دوامة الترهات، والأفضل أن يرسم الإنسان لنفسه منهجًا يستغرق وقته ويسد منافذ الشيطان؛ ليجعل من وقت الفراغ فراغًا عاملاً، يعود على جسمه بالصحة، وعلى عضلاته بالقوة، وعلى بدنه بالنشاط والحيوية، وعلى مجتمعه بالنفع والفائدة.
إن كثيرًا من شباب الأمم الناهضة ينتهزون أوقات الإجازات والفراغ لتنمية الملكات واستغلال المواهب وتوسيع الأفكار وتثقيف العقول بالجديد من العلوم والمعارف والآداب.
كلنا يعلم أن الفراغ قضية واقعة لا نستطيع إنكارها، إلا أننا نستطيع بالتخيطط السليم التخلص من الملل، وتوجيه الرغبات الكامنة، وإحياء الملكات المخبوءة، والتنمية الشخصية للملكات والإمكانات، وتعزيز العادات الطيبة، وتعليمهم تحمل المسؤولية ضمن برامج هادفة ووسائل متنوعة، تجمع بين التوجيه والإرشاد والترويح والاستجمام، وإذا نهض بهذا الواجب أهل التربية والاجتماع والإصلاح شكلوا واحة تجتذب الشباب إليها عبر ما يطرحونه من برامج وأنشطة تلبي رغبات وطموح أبنائها، حتى لا يكونوا عرضة للآثار السلبية للصيف وفراغه، وإهدار طاقات الأمة الفاعلة، يقول علي - رضي الله عنه -: (من أمضى يومًا في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد بناه أو حمد حصله أو خير سمعه أو علم اقتبسه فقد عق يومه)، وهكذا ـ عباد الله ـ لا توجد هذه المشكلة في حياة المسلم، لا يمكن أن يوجد فراغ في قلب عامر بذكر الله، ولا في روح متعبِّدة لله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
----------------------------------------
[1] هو في مستدركه (4/341)، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ولم يتعقبه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3355)، لكن ذكر له البيهقي في الشعب (7/263) علّة، وهي أن الصحيح أنه من رواية عمرو بن ميمون الأودي مرسلاً، كذا أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص2)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/77)، والبغوي في شرح السنة (4022)، وصححه الحافظ في الفتح (11/235).
[2] انظر: صفة الصفوة (1/200).
[3] أخرجه ابن المبارك في الزهد (741)، وهناد في الزهد (2/357)، وأحمد في الزهد (ص159)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/158)، والطبراني في الكبير (9/103)، وأبو نعيم في الحلية (1/130)، وقال الهيثمي في المجمع (4/63) عن إسناد الطبراني: "فيه رجل لم يسم، وبقية رجاله ثقات".
[4] أخرجه هناد في الزهد (2/357)، وأبو نعيم في الحلية (4/134) من طريق الأعمش قال: سمعتهم يذكرون عن شريح أنه رأى...وذكر القصة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين والصابرين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
إن خطورة الفراغ وثقل الإجازة يلقي بالمسؤولية والتبعة على مؤسساتنا التعليمية والاجتماعية والخدمية، وعلى الآباء والمربين، في توظيف أوقات الفراغ، ولوضع برامج تنسجم وتطلعات الأمة في استثمار طاقات الأبناء وتستوعبهم في محاضنها.
من الوسائل المفيدة لملء الفراغ القراءة الهادفة، حضور المحاضرات والندوات، أداء حقوق الوالدين ومزيد من برهم، صلة الرحم، الاشتراك في الأنشطة الاجتماعية المفيدة، تعلم حرفةٍ مهنية، الإحسان إلى الضعفاء والمساكين والملهوفين والأيتام، الاجتهاد في طلب العلم، سعي للإصلاح بين الناس، زيارة الحرمين، أداء العمرة، كذا الدروس العلمية والدورات في المساجد نعمة يجب الاستفادة منها واستثمارها، وهذا رسول الله يقدم بعض مجالات النشاط التطوعي فيقول: ((تبسُّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)) أخرجه الترمذي من حديث أبي ذر رضي الله عنه[1].
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الله الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً " [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...
----------------------------------------
[1] هو في كتاب البر والصلة من السنن (1956)، وقال: "حديث حسن غريب"، وأخرجه أيضا البخاري في الأدب المفرد (891)، والبزار (4070)، وصححه ابن حبان (529)، وله شواهد كثيرة أشار إليها الترمذي، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (572).
26/3/1423
http://www.alminbar.net المصدر:
==============
هم الفراغ وفقه الترويح
سعود بن إبراهيم الشريم
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتقوا اللهَ معاشرَ المسلمين، واعلموا أنّ أصدقَ الحديث كلام الله، وخيرَ الهدي هدي محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذَّ عنهم فمات فميتتُه جاهليّة.
أيّها المسلمون، إنّ حياةَ النّاس بعامّة مليئة بالشّواغل والصّوارف المتضخِّمة، والتي تفتقر من حيث الممارساتُ المتنوِّعة إلى شيء من الفرز والتّرتيب لقائمة الأولويّات منها، مع عدمِ إغفال النّظر حول تقديم ما هو أنفع على ما هو نافع فحسب.
ثمّ إنّ الضغوطَ النفسيّة والاجتماعيّة الكبيرة الناتجةَ عن هذا التضخّم ربّما ولَّدت شيئًا من النّهم واللّهث غير المعتاد تجاهَ البحثِ عمّا يبرِد غلّةَ هذه الرواسب المتراكمة ويطفئ أوارَها[1].
إنّ الحضارة العالميّة اليومَ قد عُنيت بإشعال السلاح ورفع الصّناعة وعولمةِ بقاع الأرض، تلكمُ الحضارة التي حوَّلت الإنسانَ إلى شِبه آلةٍ تعمَل معظمَ النهار ـ إن هي عملت ـ ليكون ساهرًا أو سادرًا[2] أو خامدًا ليلَه، هذه هي الثمرة الحاصلة، ليس إلا.(3/39)
إنّ تِلكم الحضارةَ برمّتها لم تكن كفيلةً في إيجادِ الإنسان الواعي الإنسان العاقل الإنسان المدرك الموقِن بقيمةِ وجودِه في هذهِ الحياة وحكمةِ خلقِ الله له، بل إنَّ ما فيها من آلياتٍ متطوّرة وتقنيات كان سببًا بصورةٍ ما في إيجاد شيءٍ من الفراغ في الحياةِ العامة، ممّا ولَّد المناداةَ في عالم الغرب بما يسمَّى: "علم اجتماع الفراغ"، وإن لم يكن هذا الفراغُ فراغَ وقتٍ على أقلّ تقدير فهو فراغ نفس وفراغ قلبٍ وفراغ روح وأهدافٍ جادّة ومقاصدَ خاليةٍ من الشّوائب.
( يأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ )[الانشقاق: 6]، ( لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى كَبَدٍ ) [البلد: 1-4].
إنّ الحضارةَ العالميّة حينما توفِّر للإنسانِ بالتقدُّم العمليّ والجهد الصناعيّ قوّةَ الإنسان ونشاطَه، وتوفّر له مزيدًا من الوقت، ثمّ يكون في نفسِه وقلبه وروحِه ذلكم الفراغ، فهنا تحدُث المشكِلة ويكمُن الدّاء الذي يجعَل أوقاتَ الفراغ في المجتمعاتِ تعيش اتَّساعًا خطيرًا، حتّى صارت عبئًا ثقيلاً على حركتِها وأمنِها الفكريّ والذّاتيّ، ومَنفذًا لإهدارِ كثيرٍ مِن المجهودات والطّاقات المثمِرة.
إنّ غيابَ الضّبط والتّحليل والتّرشيد للظّاهرة الحضاريّة الجديدة المنشِئةِ أوقاتَ الفراغ ليمثِّل دليلا بارزًا على وجود شرخٍ في المشروع الحضاريّ والعولمَة الحرّة، غير بعيدٍ أن تؤتَى الأمّة المسلمة من قبله.
وإنّ عدمَ وعينا التامّ بخطورة هذا المسلك تجاهَ أوقات الفراغ وعدَم وعينا التامّ بالمادّة المناسبَة لشغل تلك الأوقات في استغلال العمليّات التنمويّة والفكريّة والاقتصاديّة البنَّاءة لجديرٌ بأن يقلِبَ صورتَه إلى مِعوَل هدم يضاف إلى غيره من المعاول، من حيثُ نشعر أو لا نشعر، والتي ما فتِئ الأجنبيّ عنّا يبثُّها ليلَ نهار، لنسفِ حضارة المسلمين على كافّة الأصعدة بلا استثناء، كيف لا؟! ورسول الله يقول: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحّة والفراغ)) رواه البخاري[3].
إنّ الإسلامَ دينٌ صالح للواقع والحياة، يعامِل الناسَ على أنّهم بشر، لهم أشواقهم القلبيّة وحظوظُهم النفسية، فهو لم يَفترض فيهم أن يكونَ كلُّ كلامهم ذكرًا، وكلّ شرودهم فكرًا، وكلّ تأمّلاتهم عِبرة، وكلّ فراغِهم عبادة. كلاّ، ليس الأمر كذلك، وإنّما وسَّع الإسلام التّعاملَ مع كلّ ما تتطلَّبه الفطرة البشريّة السّليمة من فرح وترح، وضحكٍ وبكاء، ولهو ومرَح، في حدود ما شرعه الله، محكومًا بآداب الإسلام وحدودِه.
عبادَ الله، إنّ قضيّةَ إشغال الفراغ باللّهو واللّعب والمرح والفرح لهيَ قضيّة لها صِبغة واقعيّة على مضمار الحياة اليوميّة، لا يمكن تجاهلُها لدى كثيرٍ من المجتمعات، بل قد يشتدُّ الأمر ويزداد عند وجودِ موجبات الفراغ كالعُطَل ونحوِها، حتّى أصبَحت عند البعضِ منهم مصنَّفةً ضمنَ البرامج المنظّمة في الحياة اليوميّة العامّة، وهي غالبًا ما تكون غوغائيّة تلقائيّة ارتجاليّة، ينقصها الهدفُ السّليم، لا تحكمُها ضوابط زمانيّة ولا مكانيّة، فضلا عن الضّوابط الشرعية وما يحسُن من اللّهو وما يقبح.
التّرويح والتّرفيه ـ عبادَ الله ـ هو إدخال السّرور على النفس، والتنفيس عنها، وتجديد نشاطِها، وزمُّها عن السّآمة والمَلل.
وواقعُ النبيّ إبَّانَ حياتِه يؤكِّد أحقِّية هذا الجانب في حياة الإنسان، يقول سماك بن حَرب: قلتُ لجابر بن سمرة: أكنتَ تجالس رسول الله؟ قال: نعم، كان طويلَ الصّمت، وكان أصحابه يتناشَدون الشعرَ عنده، ويذكرون أشياء من أمر الجاهليّة، ويضحكون فيبتسمُ معهم إذا ضحكوا. رواه مسلم[4].
وأخرج البخاريّ في الأدب المفرد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله منحرفين ولا متماوتِين، وكانوا يتناشدون الأشعارَ في مجالسهم ويذكرون أمرَ جاهليتهم، فإذا أريد أحدُهم على شيءٍ من دينه دارَت حماليق[5] عينيه[6].
وذكر ابن عبد البر - رحمه الله - عن أبي الدرداء أنّه قال: (إنّي لأستجمّ نفسي بالشيء من اللّهو غيرِ المحرّم، فيكون أقوى لها على الحقّ)[7].
وذكر ابن أبي نجيح عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (إنّي ليعجبُني أن يكونَ الرّجل في أهله مثلَ الصبيّ، فإذا بُغي منه حاجة وُجِد رجلا)[8].
وذكر ابن عبد البرّ عن عليّ - رضي الله عنه - أنّه قال: (أجمّوا هذه القلوبَ، والتمِسوا لها طرائفَ الحكمة، فإنّها تملّ كما تملّ الأبدان)[9].
يقول ابن الجوزيّ: "ولقد رأيت الإنسانَ قد حُمّل من التكاليف أمورًا صَعبة، ومِن أثقل ما حُمّل مداراةُ نفسِه وتكليفها الصبرَ عمَّا تحبّ وعلى ما تكرَه، فرأيتُ الصّوابَ قطعَ طريق الصّبر بالتسلية والتلطّف للنّفس".
وبِمثل هذا تحدّث أبو الوفاء بن عقيل فقال: "العاقلُ إذا خلا بزوجاتِه وإمائه لاعبَ ومازح وهازل، يعطي للزوجة والنفسِ حقَّهما، وإن خلا بأطفاله خرجَ في صورة طفلٍ وهجَر الجدَّ في بعضِ الوقت".
هذه ـ عبادَ الله ـ بعضُ الشّذرات حولَ مفهوم اللّهو والتّسلية والترويح، يُؤكَّد من خلالِه أنّ الإسلام قد عُني بهذا الجانب حقَّ العناية، غيرَ أنّنا نودّ أن نبيّن هنا وجهَ الهوّة بَين مفهوم الإسلام للتّرويح والتّسلية وبين اللّهو والمرَح في عصرنا الحاضر، والذي هو بطبيعته يحتاج إلى دراساتٍ موسَّعة تقتنِص الهدف للوصول إلى طريقةٍ مثلى للإفادة منها في الإطار المشروع.
فينبغي دراسةُ الأنشطةِ الترويحيّة الإيجابيّة منها والسلبيّة، والربط بينها وبين الخلفيّة الشرعيّة والاجتماعيّة للطبقة الممارسة لهذا النشاط، ومدَى الإفادة مِن الترويح والإبداع في الوصول إلى ما يقرّب المصالحَ ولا يبعّدها، وما يُرضي الله ولا يسخطه، وتحليل الفِعل وردود الفِعل، بين معطيات المتطلّبات الشرعيّة والاجتماعيّة، وبين متطلّبات الرّغبات الشخصيّة المشبوهة، وأثرِ تلك المشاركاتِ في إذكاءِ الطاقات والكفاءات الإنتاجيّة العائدة للأسَر والمجتمعات بالنّفع في دينِهم ودنيَاهم.
إنّ علينا جميعًا كمسلمين أن نشدَّ عزائمَنا لصيانتها ما أمكنَ من أيِّ ضياع في مرحٍ أو لهو غير سليم، أو ممّا إثمه أكبرُ من نفعه، فلا ينبغي للمسلمين أن يطلِقوا لأنفسهم العِنانَ في التّرويح، بحيث يزاحِم آفاقَ العمل الجادّ واليقظة المستهدفة، ولا أن يشغلَ عن الواجبات أو تضيع بسبب الانغماس فيه الفرائضُ والحقوق، إذ ليست إباحة التّرويح وسطَ رُكام الجدّ إلا ضربًا من ضروب العَون وشحذِ الهمّة على تحمّل أعباء الحقّ، والصبر على تكاليفه، والإحساس بأنّ ما للجدّ أولى بالتّقديم ممّا للَّهو والتّرويح، وبهذا يُفهَم قول النبيّ لحنظلةَ بن عامر وقد شكا إليه تخلُّلَ بعض أوقاتِه بشيءٍ من الملاطفة للصّبيان والنّساء، فقال له: ((ولكن ساعة وساعة))[10].(3/40)
أمّا أن يصبِحَ التّرويح للنفس طابعَ الحياة في الغدوِّ والآصال والخَلوة والجَلوة، وهمًّا أساسًا من هموم المجتمعات في الحياة، فهو خروجٌ به عن مقصده وطبيعته، واتّجاهٌ بالحياة إلى العبث والضّياع، والإنسان الجادّ عليه أن يجعلَ من اللّهو والترويح له ولمن يعوله وقتًا ما، ويجعل للعمل والجدّ أوقاتًا، لا العكس، لا سيّما ونحن نعيش في عصرٍ استهوت معظم النّفوسِ فيه كلّ جديد وطريف، حتّى صارت أكثرَ انجذابًا إلى احتضان واعتناقِ ما هو وافد عليها في ميدان اللّهو والمرح، ولا غروَ في ذلك عبادَ الله، فإنّ الاسترخاءَ الفكريّ وهشاشةَ الضابط القيمِيّ لدى البعضِ منّا هما أنسبُ الأوقات لنفاذ الطرائف والبدائع إلى النفوس، وهنا تكمن الخطورة ويستفحِل الداء.
فاللهوُ المنفتِح ـ عبادَ الله ـ والذي لا يضبَط بالقيود الواعيّة، إنّه ولا شكّ يتهدَّد الأصالةَ الإسلاميّة، لتصبح سبهللا بين خطرين:
أحدهما: خطرٌ في المفاهيم، إن كان هناك شيء من بعض المسابقات تُدعَى ثقافيّةً، تقوم في الغالب على جمع للتضادِّ الفكريّ، أو تنميّة الصراع الثقافي، أو تصديع الثوابت المعلوماتيّة لدى المسلمين، بقطعِ النظر عن التفسير الماديّ للتأريخ والحياة، أو على أقلِّ تقدير الإكثار من طرحِ ما علمُه لا يحتاج إليه الذكيّ، ولا يستفيد منه البليد.
والخطر الثاني ـ عباد الله ـ تلك التي تعَدّ وسائلَ للترويح والتسلية عبرَ القنوات المرئيّة التي تنتِج مفاهيمَ مضلِّلة، عبرَ طرق جاذِبة في الثقافاتِ والشهوات، لاسترقاق الفِكر من خلالِ فنونٍ أو أساطيرَ أو عروض لما يفتِن أو للسِّحر والشعوذة وما شاكلها.
ونِتاج الخطرين ولا شكَّ تمزُّق خطير، متمثِّلٌ في سوءِ عشرة زوجية، أو تباين أفراد أسرةٍ إسلامية، ناهيكم عن القتل والخطف والانتحار والتآمر والمخدّرات والمسكرات، وهلُمّ جرّا.
وما حال من يقَع في مثل هذا الترويح إلا كقول من يقول: "وداوني بالتي كانت هي الداءَ"[11]، أو كما يتداوَى شاربُ الخمر بالخمر، فلرُبَّ لهوٍ بمرّة واحدة يقضي على بُرج مشيّد من العِلم والتّعليم للنّفس، ويا لله كم من لذّة ساعةٍ واحدة أورثت حزنًا طويلا، وإِنَّ (مَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [النحل: 95]، ( مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) [النحل: 96].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صوابا فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفارا.
----------------------------------------
[1] الأوار: حرّ النار والشمس.
[2] السادر: المتحيّر.
[3] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق (6412) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
[4] أخرجه مسلم في كتاب المساجد (670) بنحوه، واللفظ الذي ذكره الخطيب في خطبته هو لفظ أحمد (5/86، 88).
[5] حماليق العين: هو ما يسوده الكحل من باطن أجفان العين، وهو كناية عن فتح العينين، والنظر الشديد.
[6] هو في الأدب المفرد (81)، وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة في المصنف (5/278)، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/540)، والألباني في صحيح الأدب المفرد (432).
[7] ذكره ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص274)، وابن عبد البر في بهجة المجالس (ص115)، والبغوي في شرح السنة (13/184)، والذهبي في السير (5/421).
[8] أخرجه البيهقي في الشعب (6/292).
[9] أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (659)، وأخرجه أيضًا الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/129)، والسمعاني في أدب الإملاء (ص68) من طريق النجيب بن السري عن علي، وهذا سند منقطع، انظر: المراسيل لابن أبي حاتم (ص424-425).
[10] أخرجه مسلم في كتاب التوبة (2750) عن حنظلة الأسيدي - رضي الله عنه -.
[11] شطر بيت لأبي نواس، وشطره الأول: "دع عنك لومي فإن اللوم إغراءُ"، وهو في ديوانه (1/21)، وانظر: نهاية الأرب (3/83).
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحدِ الأحَد، الفردِ الصمَد، الذي لم يلِد ولم يولد. وأشهَد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامُه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمّا بعد: فاتّقوا الله أيّها النّاس.
واعلموا أنّ شريعةَ الإسلام شريعة غرّاء، جاءت بالتّكامل والتّوازن والتّوسُّط، ففي حين إنّ فيها إعطاءَ النّفس حقَّها مِن التّرويح والتسلية، فإنّ فيها كذلك ما يدلّ على أنّ منه النافعَ ومنه دون ذلك.
فقد صحَّ عند النسائي وغيره أنّ النبيّ قال: ((كلّ لهوٍ باطل غيرَ تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بسهمه)) الحديث[1].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - معلِّقًا على هذا الحديث: "والباطل مِن الأعمال هنا ما ليس فيه منفعة ولم يكن محرّمًا، فهذا يرخَّص فيه للنفوس التي لا تصبِر على ما ينفع، وهذا الحقّ في القَدر الذي يُحتاج إليه في الأوقات التي تقتضي ذلك، كالأعياد والأعراس وقدوم الغائِب ونحو ذلك" انتهى كلامه[2]، ويقول ابن العربي - رحمه الله - عن هذا الحديث: "ليس مرادُه بقوله: ((باطل)) أي: أنّه حرام، وإنّما يريد به أنه عارٍ من الثواب، وأنّه للدنيا محض، لا تعلّقَ له بالآخرة، والمباح منه باطل" انتهى كلامه[3].
هذا في اللهو المُباح عباد الله، وأمّا اللّهو المحرّم أو اللهو المباح الذي قد يفضي إلى محرّم فاستمعوا ـ يا رعاكم الله ـ إلى كلام الإمام البخاريّ - رحمه الله - في صحيحه حيث يقول: "باب: كلّ لهوٍ باطل إذا أشغله عن طاعة الله"[4]، يعلِّق الحافظ ابن حجر على هذا فيقول: "أي: كمَن التهى بشيء من الأشياء مطلقًا، سواء كان مأذونا في فعله أو منهيًّا عنه، كمن اشتغل بصلاة نافلة أو بتلاوة أو ذكر أو تفكّرٍ في معاني القرآن مثلا، حتّى خرج وقت الصلاة المفروضة عمدًا، فإنّه يدخل تحت هذا الضابط، وإذا كان هذا في الأشياء المرغَّب فيها المطلوب فعلها فكيف حال ما دونها؟! "[5].
فالحاصِل ـ أيّها المسلمون ـ أنَّ الترويحَ والفرح ينبغي أن يخضعا للضوابِط الشرعيّة، وأن لا يبغيَ بعضها على حدود الله، والله يقول: ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ) [البقرة: 229].
ألا وإنّ مَن أراد أن يفرحَ ويلهو فليكن فرحَ الأقوياء الأتقياء، وهو في نفس الوقت لا يزيغ ولا يبغي، بل يتّقي الأهازيج والضّجيج التي تقلق الذاكرَ وتكسِر قلبَ الشاكر، ولله ما أحسنَ كلامًا لحكيم من حكماء السّلف يصِف فيه الباغين في اللّهو العابّين منه كما الهيم[6]، دون رسم للحقّ، أو رعايةٍ للحدود، حيث يقول عن مرَحهم: "إنّه من مشوِّشات القلب إلاّ في حقِّ الأقوياء، فقد استخفّوا عقولَهم وأديانهم من حيث لم يكن قصدُهم إلا الرياء والسّمعة وانتشار الصّيت، فلم يكن لهم قصدٌ نافع ولا تأديب نافذ، فلبِسوا المرقّعات، واتّخذوا المتنزّهات، فيظنّون بأنفسهم خيرًا، ويحسبون أنّهم يحسنون صنعًا، ويعتقدون أنّ كلَّ سوداء تمرة، فما أغزر حماقةَ من لا يميز بينَ الشّحم والورم، فإنّ الله - تعالى -يبغض الشبابَ الفارغ، ولم يحمِلهم على ذلك إلا الشباب والفراغ"[7].
( وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرازِقِينَ ) [الجمعة: 11].(3/41)
هذا وصلُّوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحبِ الحوض والشّفاعة، فقد أمرَكم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكتِه المسبّحة بقدسه، وأيّه بكم ـ أيّها المسلمون ـ فقال - جل وعلا -: ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ) [الأحزاب: 56].
اللهمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد...
----------------------------------------
[1] أخرجه النسائي في كتاب الخيل من السنن (3578)، ولفظه: ((وليس اللهو إلا في ثلاثة.... ))، وأخرجه أيضًا أحمد (4/148)، وأبو داود في كتاب الجهاد (2513) من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، وصححه الحاكم (2/95)، ووافقه الذهبي، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (821).
[2] الاستقامة (1/277).
[3] انظر: فيض القدير (5/402).
[4] وذلك في كتاب الاستئذان من صحيحه.
[5] فتح الباري (11/91).
[6] الهيم هي الإبل العطاش.
[7] إحياء علوم الدين (2/ 250) بتصرف.
4/5/1424
http://www.alminbar.net المصدر:
=============
الفراغ وأثره في النفس والمجتمع
عبد الله سلطان السبيعي
اتجه العلم الحديث لأسباب تاريخية إلى فصل العلم عن الدين، والابتعاد عن قبضة الكنيسة ورجال الدين، ولسوء حظ بلاد العرب والمسلمين فقد استورد هذا الاتجاه بما فيه من خطر عظيم لعدم وجود البديل وهو الفكر الإسلامي.
أنا لا أدعي وأنا أكتب هذا المقال أنني أعرف في الدين أكثر مما يعرفه الشخص العادي، وهذا نقص أعترف به، ولكنني هنا أحاول أن أعكس ما تعلمته وأربط ما أعلمه من طب وعلم النفس مع عقيدتي الإسلامية.
هذا ليس هو الطريق لأسلمة العلم، الشيء الذي يقصد به أكثر من ذلك لعل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه من القول والعمل.
قرأت مؤخراً آية من كتاب الله هي قوله - تعالى -في آخر سورة الشرح (فَإذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وإلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ).
قرأت تفسير هذه الآية في أكثر من مرجع فإذا هي مخاطبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يتوجه إلى الله بالعبادة بعد أن يفرغ من شغله مع الناس، وأن ينصب في ذلك ويتوجه إلى الله بكل ما يفعله.
المعنى الذي استشعرته من الآية والذي ينطق على كل إنسان مهما كان هو معنى الفراغ بمعناه الشامل، أي إذا انتهى الإنسان من أي عمل كان، ووجد نفسه فارغاً، لا يجد شيئاً يفعله، توجهه الآية الكريمة أن يبحث عن شيء يشتغل به، ولكن الآية لا تترك التوجيه هكذا عائماً يفسره كل حسب هواه، إنها توجهنا، ألا يكون ما نشتغل به لمجرد شغل الفراغ ولكن يجب أن يخضع لضابطين أساسيين هما: النصب، والنية الصالحة.
وإذا انتقلنا إلى الكلام عن الفراغ وما يجر إليه من مفاسد وذلك في ظلال هذه الآية وهذا المفهوم؛ نجد: أولاً: أن الفراغ سبب أساسي في الكثير من أمراض العصر النفسية والجسمية، لا يختلف الأطباء أبداً في أثر الفراغ في الجسم البشري أو حتى الحيواني وأنه يؤدي إلى تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والروماتيزم والجلطات القلبية والدماغية، وهم أيضاً لا يختلفون كذلك أن الفراغ وراء الاكتئاب والقلق النفسي والهم.
ثانياً: الفراغ يجعل الإنسان يشعر بأنه لا فائدة له، وأنه عضو مشلول في المجتمع لا ينتج ولا يفيد.
فالإنسان الفارغ لا يترقب شيئاً تهفو إليه نفسه كنتيجة لعمله، فهو بلا هدف في الحياة وأي حياة هذه التي لا هدف لها.
ثالثا: الفراغ وسيلة من وسائل إبليس يوسوس فيها للإنسان فيثير فيه كوامن الغرائز ويلهبها فتحرقه وتفلت من لجامها لتحرق ما حوله. وهذه حقيقة لا مراء لها.
رابعًا: الفراغ سبب للمشاكل الأخلاقية والجريمة، ويشهد بهذا علماء الاجتماع، إذ وجد أن نسبة الجرائم والمشاكل الأخلاقية تتناسب طرداً مع نسبة البطالة في أي زمان ومكان.
خامساً: الفراغ سبب في كسب الذنوب مثل التفكير في المعاصي والحديث في الناس، وما إلى ذلك.
سادساً: الفراغ تعيل للطاقة وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ما معناه: أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع...ومنها: وعن عمره فيم أبلاه.
فلا حول ولا قرة إلا بالله ولنعد مرة أخرى إلى الشرطين الذين وضعتهما الآية الكريمة لعلاج هذا الداء (الفراغ)، ألا وهما:
1- النصب: (بفتح الباء) أي إن مشاهدة التلفزيون وقضاء الساعات أمامه وقراءة الجرائد الهزيلة وما إلى ذلك ليس مما يداوي هذا المرض ويمنع الخلل الذي يجره على الإنسان ومن خلفه المجتمع الذي هو عضو فيه.
الشرط هنا هو التعب أي أن يجهد الإنسان نفسه فالتعب وحده هو الذي يصرفه عن ما ذكرناه من عواقب الفراغ الوخيمة.
2- الرغبة إلى الله: أي التوجه إليه وقصده وحده بما تجهد فيه نفسك وهذا ليس فقط لربط الدنيا بالدين كما هو هدف القرآن في كل توجيه ولكنه أيضاً الوسيلة الوحيدة لسلسلة أخرى من المشاكل، ألا وهي التسيب وانخفاض مستوى الكفاءة الإنتاجية في العمل، وهذا من اكبر المعضلات في علم الإدارة.
لا يمكن أن يردع الإنسان ترغيب ولا ترهيب أن لا يقصر في عمله أو يخون صاحب العمل سواء كان فرداً أو حكومة، لكنه الخوف من الله - سبحانه - والعلم بأنه مطلع على كل ما نعمله وحتى ما تخفيه الأنفس.
هذا الخوف من الله هو المقصود بالآية، فالعامل يخلص العمل ليس رغبة في تقدير صاحب العمل وحفنة من المال، ولا خوفاً من العقاب إن هو قصر ولكن رغبة في ما عند الله، ومن ثم الجزاء نقداً (حاضراً) بالشعور بالراحة النفسية والسمعة الحسنة والكسب المادي، ومؤجلاً بما عند الله جزاء النية الصادقة والضمير اليقظ.
لا أجد داعياً لأعود فأتحدث عن ما يفعله التوجيه الإلهي في هذه الآية، إذ ينقضّ على معول من معاول الهدم فيحطمه ويرى الإنسان المسلم كيف يبنى بنيانه على أساس من الإيمان يرتبط فيه علم النفس بعلم الاجتماع بعلم الإدارة بالطب البشري.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
لابد من ملء الفراغ
كلما فكرت في حقيقة أن سبعين سنة من محاربة العقائد الدينية بكل الأساليب لم يُقْضَ عليها، ولم تغيبها في التراب - كما قدر أعداء العقائد الدينية - ازدادت ثقتي بالحق الذي أحمله، وكان ذلك برهاناً على قصر النظرة البشرية التي تحدثها أوهامها أحياناً بأنها تعلم كل شيء، وتريد أن تزيل من أمامها كل ما يعوقها عن تحقيق ما قصرت نظرتها وعلمها عليه.
أما هذه المعركة المشار إليها فهي التي وقعت - ولا تزال - بين الشيوعية والأديان.
إن الشيوعية استخدمت كل الوسائل: المادية والمعنوية من أجل القضاء على أفيون الشعوب ولكن هل نجحت؟ ! هل نجحت في القضاء على المسيحية - مع أن المسيحية لا تهتم إلا بالجانب الروحي من الحياة، تاركة الجانب المادي لقيصر - ولئن عجزت الشيوعية عن القضاء على المسيحية، فهي عن أن تقضي على الإسلام - الذي هو في حقيقته دين شمولي لشأن الدنيا والآخرة معاً - أعجز.
ليس من شأننا الحديث عن معاداة الشيوعية للأديان في روسيا!، ولكن نريد أن نتخذ من ذلك دليلاً على عبثية المحاولات التي تبذل من أجل المحو أو التحريف والتشويه للحقائق التي تؤمن بها الشعوب.(3/42)
*** لا شك أن هناك حملة قوية من أغلب الفئات النافذة بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية هذا القرن هدفها تقليل التأثير الإسلامي في بنية الشعوب الإسلامية، وإبعاده شيئاً فشيئاً عن جميع النواحي المهمة في الحياة وخاصة الثقافية منها والتشريعية والاقتصادية.
ومع أن هذه الفئات قد حققت كثيراً مما كانت تتطلع إليه، لكن الهدف النهائي - وهو تخفيف قبضة العقيدة الإسلامية، وترويض حدة الشعور الديني - لم يتحقق منه شيء، ولا تبدو في الأفق بوادر تشير إلى ذلك، بل إن المشاهَد أن الشعور الإسلامي في تصاعد، والاعتقاد بأن الكوارث المحيطة والمتربصة ليست إلا بسبب انفصام عرى العقيدة الإسلامية من بعض النفوس، وأنه لا مخرج من هذا الواقع المتأزم إلا بعقد سلام بين الشعوب وتاريخها المغتصَب، والاعتراف بأن المجتمع لن يكون محصناً ولا قوياً وهو منشق على نفسه، يتبرأ جانب من جانب، ويطارد قاهر مقهوراً؛ لأن دوامة الزمن مستمرة في الدوران، وغداً سيكون المَوْتور واتراً، وهكذا...
*** إننا إذا تناولنا جانباً من جوانب التجاهل والإهمال الذي يلقاه الإسلام في دياره - وهو الجانب الثقافي - سيبدو لنا التأزم والعبث بأوضح صورة.
هذه خطط، وتلك مناهج وضعت لتنشئة أجيال لتكون قادرة على الوقوف على قدميها في عالم عاصف بالأفكار، والذين وضعوا ذلك وصلوا - برجاحة عقولهم، وغزارة علمهم، وقبل ذلك كله بحرارة إخلاصهم لأوطانهم وغِنى عواطفهم نحو أبناء قومهم! - إلى أن الإسلام شأنه شأن الأديان كلها، لا يمثل إلا زاوية روحية يكفي أن يقدم الحديث عنه للأجيال ضمن هذه الزاوية: تعليم لبعض العبادات، وحديث عن التوبة والمغفرة، والذكر ومراسم الدفن، وبعض مكارم الأخلاق مثل الرحمة والرفق بالحيوان، وأشياء أخرى لا تخرج عن هذا الإطار الفقير.
ويستطيع أن يقوم بتقديم هذا الجانب أي فرد - عالم أو جاهل - مؤمن بما يقول أو جاحد.
والقصد من هذا الاختصار واضح لكل ذي نظر، وهو ليس القناعة حتى بهذه الأشياء المقدمة، بل الإجابة على تساؤل الذين يتساءلون بإلحاح: أين مكان الدين من تربية الأجيال؟ تريدون ديناً؟ ! لا مانع، خذوا هذا الدين! هذا هو الإسلام! أما إذا لم يشفِ هذا الجواب العملي النفوس التي تحترق وتململت تطلب إجابة أشفى " كان الصراخ لها قرع الظنابيب " [1].
نريد أن ننظر إلى واقعنا على ضوء هذا الذي يجري فيه، فعندما لا يقتنع المسلم أن ما يقدَّم لأبنائه هو الإسلام، فإنه يفتش عن بديل آخر لهذا، كأن يلقن أبناءه الإسلام الذي يؤمن به والذي يراه مخالفاً - في اتساعه وشموله، بل في أحكامه العملية - لهذا الإسلام المسكين المستكين الراكد العاجز الذي تحدثه عنه أجهزة الثقافة وأقنية الفكر.
وإذا افترضنا أن من الآباء من لا يبالون: أدرس أبناؤهم إسلاماً وقرآناً أم درسوا غير ذلك؟ ! فإن من الآباء كذلك من يشعر بالمسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتقه، ومن يعتقد اعتقاداً لا يتزعزع أن الله سائله كيف ربى ولده، وهو لذلك يرى أن الأمر جد لا هزل فيه.
وحتى أولئك الآباء غير المبالين، عندما يشب أبناؤهم عن الطوق، ويقارنون ما لقنوا بما هو موجود في الكتب الإسلامية المبذولة بأعداد هائلة، وبنسب تفوق كل أنواع الكتب الأخرى؛ فإن كثيراً من هؤلاء الأبناء يراجعون ما لقنوا، ويكتشفون الزيف الكثير في ذلك، فإما أن يرفضوه جملة، وإما أن يشكوا فيه، وهما أمران ينتج عنهما انفصام في الشخصيات، وتمزق داخلي ينعكس على تصرفاتهم وأعمالهم، وبدلاً من أن يكونوا خلايا منتجة في جسم المجتمع يؤول أمرهم إلى أن يكونوا خلايا مشلولة لا أثر لها، أو مريضة تنفث التوتر والضعف في بنية الأمة.
وتبقى هناك فئة تمضي في البحث عن الحقيقة المغيبة بنفسها، فإما أن تنجح في العثور عليها وإما أن تفشل، وهي في حالتي نجاحها وفشلها لا تحقق لمجتمعها شيئاً على المستوى العام؛ لأن نجاحها فيما نجحت فيه لا يحسب لها، بل عليها، لأنه غير معترف به من قبل الذين رسموا وخططوا، وفشلها يتخذ ذريعة لتثبيت الباطل الذي حاولت خارج إطاره، ولاستمرار الزيف الذي لم يطفئ فيها التحرق للبحث عن الحق.
إن كبرى الأزمات التي نعاني منها مردها إلى هذه الحال التلفيقية التي نعيش فيها: تتجاور فينا المتناقضات، ونعيش في أجواء يسودها التنافر والتمزق؛ فالكفر الصُّرَاح بجانب نصف الكفر بجانب الإسلام وأجزاء الإسلام! والعبودية ونصف العبودية بجانب الحرية وما هو فوق الحرية من الطغيان والجبروت، والعروبة بجانب دعوى العروبة والشعوبية السافرة، والفساد المرخص له بجانب المساجد ودور العبادة، والقوانين الحديثة المكتوبة، بجانب القوانين السرية النافذة: قوانين العشائر والفئات والطوائف.
وهيكل الدولة الحديثة الذي تسري فيه روح الغرائز وتسود فيه شريعة الغاب...
خلط وتلفيق وحلول وسط تعكس نفوساً خربها النفاق وفتك بها الهوان فلم تعد تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً.
الحرج من هذا الواقع المرير مرهون بأن نقف أمام أنفسنا وقفة صادقة، وأن نعترف بسبب المشكلة أولاً، وهو هنا عدم وجود دليل واضح ومنهج أصيل تسير على هدْيه الأجيال الإسلامية، ثم الانفصال بين مفهومين للإسلام في أذهان هذه الأجيال: مفهوم تقدمه فئة غير مقتنعة بالإسلام ولا تبالي بأي واد هلك، إسلام مقطع الأوصال، مشوه القسمات؛ ومفهوم آخر تبحث عنه هذه الجموع المتعطشة التي فقدت ثقتها بكل شيء، وانهارت أمام عيونها كل المناهج المستوردة والمفروضة، وهي في خلال بحثها عنه تلاقي الجفاء والمقت، وتعاني من الإنكار والجحود.
وما لم يكن هناك اعتراف بهذه الحقيقة فإن جهودنا أفراداً وجماعات ستذهب سدى، وسنبقى حيث نحن، هدر للطاقات، وتضحية بالكفاءات، ومطاردة دائمة حتى يأتي يوم نفقد فيه الطِّراد حيث نفقد الطرائد.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شطر بيت لسلامة بن جندل وصدره:إنا إذا ما أتانا صارخ فزع والصارخ: المستغيث، والصراخ: الإغاثة والظنابيب: جمع ظُنبوب، وهو ظاهر الساق ويمكن أن يستعار هذا المعنى للدلالة على الرد بعنف على الاحتجاج.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
الفراغ العاطفي
د. رقية بنت محمد المحارب
ما أن تبلغ الفتاة سن التكليف حتى تبدأ بتكوين علاقاتها الجادة، وفي ذلك الحين تأسرها الكلمة...النظرة... التعامل.. وما أسرع ما تعلق بشباك المحبة، لمعلمة... أو صديقة... أو مدعي محبة.. سيما إذا كانت صاحبتنا قليلة خبرة، ولا تستشير.
ما أبعاد هذه المحبة؟! وما مغبة شبكتها؟ وهل طريقها آمن؟ أسئلة محيرة مرعبة لا تطرأ عليها ولا تلوح لها بجهلها ولانشغالها بما في نفسها من غريزة جامحة تحتاج لإشباع في هذه المرحلة الخطرة، فما أحوجها لأن تبتهج بإجابة شافية لهذه الأسئلة، وما قد يحدثه تصرفها من عواقب وخيمة لا سمح الله عند وقوعها.
وقد تكون حبيبتنا رهينة الظروف المفرطة... في القسوة أحياناً، أو المفرطة في التسيب والانشغال العائلي أحياناً أخرى.
ثم تذهب في حلم اليقظة الذي قد يستمر أشهراً.. فإذا أفاقت وجدت نفسها في ضياع وهلاك، قد ينفعها الندم وقد لا ينفعها..
وقد تقول صاحبتنا حينما تفيق من هول الفاجعة: ما دوركم أيها المربون؟ أين أنتم أيها الآباء.. المعلمات.. المرشدات.. الداعيات؟
هل يمكن أن تقدموا لنا حلاً لهذه المشكلة مع العاطفة، لهذه المهلكة التي أوردتنا الموارد وضيعتنا في دروب المتاهات؟(3/43)
سؤال عظيم وكبير في مضمونه يحتاج إلى جواب وأي جواب... فهلا تسمح لي بنيتي الحبيبة؛ لأن أضع أمامها الجواب الشافي بإذنه - تعالى - وبتوفيق منه، ولأن أحقق ما ترمي إليه نفسها المتعطشة المتلهفة وهنا أقول:
أولا: الحنان الأسري والإشباع العاطفي حين الطفولة من حق أولادنا، وإذا راهقوا فهم أشد حاجة إليه، ويجب إيصاله لهم بطرق مختلفة.
ثانيا: فتح باب الحوار مع الشباب، والإجابة على أسئلتهم بكل شمول على أن يكون ذلك بهدوء وتعقل واحتواءهم بكل ما تعنيه هذه الكلمات، وقدوتنا في هذا معلمنا العظيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حواره مع الشاب الذي قال له: "إئذن لي في الزنا قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا، وأخذ - صلى الله عليه وسلم - يسأله... وهو يقول كذلك الناس لا يحبونه".
ثالثا: احترام مشاعر الأولاد وتقدير كل مرحلة عمرية يمرون بها وإعطاءها حقها من جميع النواحي قدر الإمكان، الناحية العقلية والاجتماعية والنفسية ومحاولة سد حاجتهم فيها...
رابعا: التقرب إليهم، والتودد لهم، وملاطفتهم.
خامسا: احترام علاقاتهم، واختيار الصحبة لهم منذ الصغر بإحسان انتقاء الحي والمدرسة.
سادسا: الابتعاد كل الابتعاد عن الاستخفاف والاستهزاء والتحقير...
سابعا: الثناء عليهم أمام الآخرين لما في ذلك من رفع لمعنوياتهم والإحساس بقيمتهم.
ثامنا: تكليفهم بأعمال محببة لهم، وإشعارهم بنجاحهم فيها ومكافأتهم عليها لأن في ذلك إعطاءهم للثقة في أنفسهم.
تاسعا: محاولة جذبهم واتخاذهم أصدقاء، ومصارحتهم، والاستماع لحديثهم والإنصات له، وتوجيههم دون إشعارهم باللوم والتأنيب وعدم إفشاء أسرارهم بعد المصارحة.
عاشرا: أخذ استشارته بأحد الأمور بقصد إعطائه الفرصة للشعور بنموه العقلي والعاطفي.
أحد عشر: مشاورة الفتاة في سن الزواج إذا تقدم لها أحد الخاطبين؛ لأن ذلك مما أمر به ديننا الحنيف.
اثنا عشر: إشغال وقتها بما تحبه وترغب فيه من الأعمال، وإعانتها ومساعدتها بطريقة تحببها فيه لتكون ربة بيت ناجحة، وإشعارها بأن سيكون لها مملكتها الخاصة بها قريباً بإذن الله - تعالى -.
ثالث عشر: الإكثار من الدعاء لهم دائما بحضورهم وفي غيابهم.
رابع عشر: عدم كتمان المشاعر الأبوية عنهم؛ لما في ذلك من سعادة لهم ورفع لمعنوياتهم.
خامس عشر: العطف عليهم دائما وخاصة عند المرض.
سادس عشر: إبعادهم بقدر الاستطاعة عن المثيرات الجنسية والعاطفية؛ لأنها لا تلبث أن تدفع إلى الرغبة في أي صورة كانت.
سابع عشر: إعطائهم الهدايا التي تناسبهم في مراحلهم العمرية، وما يتناسب مع ميولهم واتجاهاتهم.
ثامن عشر: حثهم على استغلال أوقاتهم وخاصة في الإجازة، دون التصريح لذلك وإنما باختيار الوسائل المناسبة، بإهدائه بعض ما يقرأ أو يسمع على أن يشتمل على تشويق لجذبه.
هذه نصائح للمربين من أمهات ومعلمات ومرشدات عسى أن تعود عليهن بالنفع والفائدة.
http://www.saaid.net المصدر:
============
نظرة الإسلام إلى وقت الفراغ
لقد عرف الوقت بأنه: مقدارٌ من الزمن، أما كلمة (الفراغ) فتكاد تجمع المعاجم اللغوية على أن معناها: الخلو من الشغل، فلقد ورد في لسان العرب لابن منظور أنه: الخلاء، وذكره الجوهري في الصحاح بما يقرب من هذا المعنى، فيقال: فرغت من الشغل، وتفرغت لكذا.. وذكر الراغب الأصفهاني: أن الفراغ خلاف الشغل، وقد فرغ فراغًا وفروغًا وهو فارغ(1).
ومن هنا فوقت الفراغ لغويًا يعني: الزمن الذي يخلو فيه الإنسان من الشغل أو العمل.
وقد ذكرت كلمة الفراغ وبعض مشتقاتها في القرآن الكريم، من ذلك قوله - تعالى -: {فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب} (الانشراح: 7)، وذكر عامة المفسرين عند تفسيرهم لهذه الآية: {فإذا فرغت فانصب} أن المقصود إذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك.
ومن المعلوم أن الأصل في حياة المسلم أنه لا يوجد فيها وقت فراغ -بمعنى عدم العمل، لا للدنيا ولا للآخرة- ذلك أن الوقت أو العمر في حياة المسلم ملك لله، والإنسان مسئول عنه، فحياة المسلم كلها عبادة(2)، فهو مطالب بملء الوقت كله في عبادة الله، بمعناها الشمولي العام لجميع جوانب الحياة -ولعل أبلغ من عرّف العبادة بمعناها الشامل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة- لا بمعناها الضيق، أو كما يفهمه بعض الناس بقصرها على أداء بعض العبادات، كالصلوات والصيام والزكاة والحج والعمرة، ونحو ذلك من الأفعال التعبدية الظاهرة فقط.
ومن هنا تصبح جميع جوانب حياة المسلم تعبدية إذا اقترنت بالنية الصالحة، في العمل، أو الفكر، أو السكون، أو الحركة، أو الجد، أو المرح، أو القتال، أو اللهو، أو الأكل، أو الشرب، أو النوم، أو العلم، أو غيرها من الأعمال، حتى في الجماع مع الزوجة، فلقد ورد في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ? فقال: أرأيتم لو وضعها في الحرام كان يكون عليه وزر ? قالوا: بلى'، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال له الأجر)(3).
وهذا ما عبر عنه ابن القيم - رحمه الله - في معرض حديثه عن كيفية عمارة المسلم لوقته، فقال: (إن عمارة الوقت تكون بالاشتغال في جميع آناء الوقت بما يقرب إلى الله، أو يعين على ذلك من مأكل، أو مشرب، أو منكح، أو منام، أو راحة، فإنه متى أخذها بنية القوة على ما يحبه الله وتجنب ما يسخطه، كانت من عمارة الوقت، وإن كان له فيها أتم لذة، فلا تحسب عمارة الوقت بهجر اللذات والطيبات)(4).
فكل أفعال الإنسان المسلم ونشاطاته عبارة عن أشكال تدور حول حقيقة واحدة، هي: العبادة، والاختلاف بينها إنما هو في الهيئة ليس إلا، وفي المظهر وليس الجوهر. إذ لا يوجد في التصور الإسلامي نشاط إنساني لا ينطبق عليه معنى العبادة، أو لا يطلب فيه تحقيق هذا الوصف، فالمنهج الإسلامي غايته تحقيق العبودية لله أولاً وآخرًا(5).
لذا نجد أن مفهوم وقت الفراغ المتداول الآن مرادف لمفهوم البطالة، أي (لا عمل)، وهذا ما يراه الاتجاه الغربي المادي، ومن هنا يمكننا طرح سؤال مهم، وهو: هل يمكن وجود وقت فراغ في حياة المسلم ?
لا شك أن ذلك غير ممكن بأي حال من الأحوال، فإن العمر -كما أسلفنا- ملك لله، وما الإنسان إلا مسئول عنه ومستأمن عليه في هذه الدنيا التي حدد الله - عز وجل - فيها دوره بوضوح ودقة متناهية وذلك في قوله - تعالى -: {وما خلقت الجن إلا ليعبدون} (الذاريات: 65).
وبناءً على ذلك لا يصح تصور وجود وقت مستقطع من حياة الإنسان المسلم يكون فارغًا فيه، ويسمى وقت فراغ.. فراغ من أي شيء، طالما أن حياته كلها عبادة لله، حتى في ترويحه وسروره وأنسه وجميع مناشط حياته ? فهو في كل أوقاته إما مأمور بأمر، أو منهي عن أمر، وبالتالي لا يمكن تصور وجود وقت في حياة المسلم يحق له أن يتصرف فيه كيفما يشاء حسب ما تنص عليه بعض تعريفات علماء الغرب لوقت الفراغ.. ومن هنا يقرر بعض الباحثين أن كلمة الفراغ الواردة في الأحاديث النبوية إنما يراد بها: سلامة القلب، والنفس، والفكر من كل ما يلهي عن الخير والعبادة(6).
وهذا ما جعل الصحابي الجليل معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، يقول: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.. وهذا أبو الدرداء - رضي الله عنه -، يقول: إني لأستجم لقلبي بالشيء من اللهو، ليكون أقوى لي على الحق.(3/44)
ولا شك أن ما ذكر آنفًا يمثل حقيقة مهمة في التصور الإسلامي الصحيح لوقت الفراغ في حياة الفرد المسلم من الناحية النظرية التي ينبغي وجودها وشعور المسلم بها، إلا أن واقع المسلمين بشكل عام يشهد بضد ذلك، فما زال التصور الإسلامي الصحيح لوقت الفراغ بعيدًا عن أذهان بعض عامة المسلمين وأفرادهم، فكل متأمل لواقع الأمة المسلمة يرى الفراغ في كثير من أفراد المجتمع الإسلامي الحديث أصبح عمرًا مهدرًا، بل وعبئًا على حركة المجتمع نحو التقدم... فهو يمثل طاقة استهلاكية، أو يغذيها، أو يمهد لها سبلها دون أن يقابلها دفعة إنتاجية، أو تنمية ماهرة، أو إبداع فكري جديد.
ومن يرغب التأكد مما ذكر من أن أوقات الفراغ في حياة الكثير من المسلمين أصبحت زمنًا ضائعًا لديهم، ومعوقة لسير المجتمع نحو النهضة الإسلامية الشاملة، عليه أن ينظر إلى البرامج والأنشطة الترفيهية التي يمارسها كثير من أفراد المجتمع المسلم، حيث تحولت هذه البرامج والأنشطة إلى هدر للطاقات وتسطيح للمفاهيم والأفكار، بل وأحيانًا للهدم، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي.
وهذا الواقع يؤكد ضرورة العمل على تصحيح مفهوم وقت الفراغ في تصورات أفراد المسلمين، وإبراز حقيقة مهمة في حياة الفرد المسلم وهي أنه لا يمكن وجود وقت خال في حياة المسلم ليس فيه وظيفة للدنيا أو للآخرة، وحتى إن كانت للدنيا فهي للتزود والتقوي بها على أمور الآخرة.. كما ينبغي ضرورة تبصير المسلمين أنه لا يمكن تصور وجود وقت زائد عن حاجة المسلم، يكون فيه متحررًا من القيود أو التكاليف الشرعية.
http://www.islamweb.net المصدر :
==============
من يملأ الفراغ الاستراتيجي العربي ؟
السيد أبو داود
حالة الفراغ الاستراتيجي التي يعيشها العالم العربي لا تخفى على أحد، وكانت أبرز تجلياتها في الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق وإسقاط بغداد عاصمة الخلافة العباسية وحاضرة الحضارة الإسلامية، وحالة الفراغ الاستراتيجي هذه ليست وليدة اللحظة الراهنة ولا هي من تجليات حرب الخليج الثانية وحصار العراق وكذلك حصار ليبيا والسودان وسوريا، إنما هذه الحالة موجودة منذ انهيار الخلافة العثمانية التي ظلت تملأ هذا الفراغ وتدافع عن العالم العربي والإسلامي لفترة زادت عن الخمسة قرون ضد الاستعمار الأوروبي، في بداية مرحلة الضعف هذه ومع الحرب العالمية الأولى ظهر وعد بلفور والنوايا الصهيونية الخبيثة في فلسطين ثم جاء عصر الانتداب وكان معه وقبله الاحتلال البريطاني الفرنسي للدول العربية.
وهكذا انكشف الوطن العربي استراتيجيًا أمام القوى الدولية ذات النفوذ بدءًا من العهد الاستعماري وحتى الآن.
وحتى بعد أن حصلت الدول العربية على استقلالها فقد ظل هذا الفراغ موجودًا، وتمثل في الاستقطاب الأمريكي لبعض الدول العربية والاستقطاب السوفيتي لبعضها الآخر حتى جاءت قارعة أحد 11 سبتمبر 2001 لتتحول أمريكا من التدخل غير المباشر في المنطقة إلى التدخل المباشر والكامل وممارستها العدوان العسكري وإزالة نظام سياسي عربي مستقر.
إن عددًا من المحللين العرب يرجع حالة الفراغ الاستراتيجي العربي هذه إلى الكساح الاقتصادي والسياسي والأمني الذي يعيشه العرب والذي جعلهم مطمعًا لقوى النفوذ الدولي.
فحالة التخلف السياسي العربي وعدم وجود نظام ديمقراطي أدى إلى تكوين حالة خاصة من الاغتراب السياسي نتيجة للتسلط والدكتاتورية التي مارستها الدولة في عالمنا العربي لعقود طويلة.
ويُرجع البعض حالة التخلف السياسي هذه إلى العصر العباسي الثاني الذي انفصلت في ظله السلطة السياسية عن المجتمع العربي وأخذت ترتبط بالعناصر التركية التي شكلت نخبة عسكرية اضطلعت بالقضية الأمنية فحالت بين المجتمع العربي وبين أداء الدور العسكري "الجهادي"، وفي المقابل تحكمت في سلطته السياسية وموارده الاقتصادية مما قاد إلى نوع من الانفصال بين المدني والعسكري والسياسي والأمني، ترسخ في العصرين المملوكي والعثماني واستمر في ظل السيطرة الاستعمارية البريطانية والفرنسية على مجتمعاتنا العربية التي لم تنجح في تجاوز ذلك عند تشكيل دولها الوطنية الحديثة.
محاولات أمريكية قديمة:
لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في المنطقة في خمسينات القرن الماضي بعد حرب السويس بإطلاق الرئيس الأمريكي أيزنهاور استراتيجية "ملء الفراغ" مرة تحت عنوان "حلف الدفاع عن الشرق الأوسط" ومرة أخرى تحت عنوان "حلف بغداد"، ولكن هذه المحاولات فشلت في ظل وجود الاتحاد السوفيتي والقومية العربية وجمال عبد الناصر.
ورغم كل شيء يقال عن القومية العربية فقد ظلت حائط صد وملأت الفراغ الاستراتيجي، ولكنها تلوثت على أيدي مستبدين استغلوها لتحقيق أحلام خاصة.
وإذا كانت القومية العربية بفعل مكنونات الاستبداد داخل قادتها قد فشلت في مواجهة الصهيونية ومحاولات السيطرة الأمريكية فإن التيارات الإسلامية الناهضة تبدي مقاومة عنيفة للأمريكان والصهيونية واضطرها الضغط الأمريكي إلى ممارسة أشد أنواع العنف كطريق وحيد متاح للعمل السياسي.
متغيرات جديدة:
لقد ظهرت متغيرات جديدة بعد حرب الخليج الثانية وزادت وضوحًا بعد احتلال العراق جعلت الأمر مختلفًا ومعَقَّدًا بالنسبة للدول العربية على مختلف الأصعدة الدولية والإقليمية والعربية وتتكامل هذه الظروف فيما بينها لتنشئ واقعًا جديدًا يملأ الفراغ الاستراتيجي بعد ترهُّل وشيخوخة النظام العربي وعدم جدواه.
على الصعيد الدولي كان انهيار الاتحاد السوفيتي خطرًا على العالم العربي وهو الذي كان يناصر إلى درجة كبيرة الحقوق العربية في المحافل الدولية ويتصدى للمخططات الأمريكية ثم حاصرت أمريكا والغرب الشيوعية وأماتتها داخل بلادها وقضت عليها.. بعد ذلك تفرغت أمريكا لأمرين: الأمر الأول: هو حماية النفط وضمان تدفقه بنظام معين وحجم محدد وسعر مناسب. والأمر الثاني: هو الحفاظ على أمن إسرائيل ونسج مشروع جديد باسم "النظام الشرق أوسطي" تكون لإسرائيل فيه القيادة.
وعلى الصعيد الإقليمي نشطت تركيا وطرحت مشروعاتها ذات الطابع الاقتصادي وتحالفت استراتيجيًا مع إسرائيل.
وعلى الصعيد العربي شهدت العلاقات العربية تمزقًا غير مسبوق وغاب التضامن العربي وانهار الرابط القومي بين الدول العربية وانحسر المد القومي وترسخت القطرية وظهرت نزعات قطرية استقلالية وتفاعلت المصالح القطرية مع المصالح العالمية وخاصة الأمريكية وهو ما أفرز حالة الاستعانة بالقوات الأجنبية.
مشاريع ملء الفراغ:
ولهذا ظهرت على الساحة عدة مشاريع لملء هذا الفراغ منها مشروع نظام البحر المتوسط وإعلان دمشق ومشروع الشرق الأوسط الذي تم تطويره مؤخرًا باسم "الشرق الأوسط الكبير".
وبالنسبة لمشروع نظام البحر المتوسط فثمة توجهات فكرية وسياسية وثقافية لتوثيق العلاقات بين الجانبين البحر المتوسط تجسدت في "مؤتمر الأمن والتضامن في البحر المتوسط" واقترح الاتحاد الأوروبي عقد الاجتماع التمهيدي له عام 1995 ويشمل منطقة تجارة حرة لأربعين دولة ويعالج شؤون الأمن المتبادل والهجرة إلى أوروبا والإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وينظم شؤون التجارة ومشاريع النفط والغاز، ويدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويختص بشؤون الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وينتظم ذلك كله في ميثاق ومؤسسات.(3/45)
ولكن يواجه هذا المشروع مشكلات كثيرة مثل: تحديد إطاره الجغرافي؛ فهناك دعوات لأن يضم دول المغرب العربي الخمسة فقط بالإضافة إلى البرتغال وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا ومالطا، وهناك دعوات لإطار أوسع ودعوات لنظام أكثر سعة مما أدى لإرباك الدعوة وعدم نجاحها.
وبعد حرب الخليج الثانية أيضًا ظهر "إعلان دمشق" الذي تناول فيه مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى مصر وسوريا إلى الاجتماع في دمشق، وانتهى الاجتماع بإصدار "إعلان دمشق" الذي أعلن بناء نظام عربي جديد، ولكن هذه الصيغة لم تستطع الصمود أمام تطورات الوضع في المنطقة، وهناك مشروع الشرق الأوسط الذي تم تطويره إلى "الشرق الأوسط الكبير" وهو المشروع الذي يعد له الفكر الصهيوني منذ إنشاء دولة إسرائيل في الأربعينيات، ويعد شيمون بيريز أبرز منظريه والمشرفين عليه في الوقت الراهن.
وترى أمريكا وإسرائيل أن جميع الظروف مهيأة الآن لانطلاق هذا المشروع والذي تكون فيه إسرائيل هي القائدة حيث سيعتمد على التكنولوجيا الصهيونية والأيدي العاملة والسوق العربية ورغم أن هناك إلحاحًا أمريكيًّا لتمرير هذا المشروع إلا أن الوجود الإسرائيلي سيفسده والأمة تواجهه بكل عنف وخاصة على مستوى الفصائل الإسلامية، ولن ينجح إلا مشروع ينبت من داخل العالم العربي تقوده مصر والسعودية وسوريا ويحظى بإجماع الدول العربية أو غالبيتها ليعالج ويصحح مكامن الضعف في النظام الحالي.
5/5/1425
23/06/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
==============
الفراغ طريق الانحراف
الاتجاهات والعوامل الاجتماعية المفسرة للانحراف:
إن أوقات الفراغ إذا لم يُخطط لها بشكل صحيح، بحيث يكون عطاؤها إيجابيًا، يضمن سلامة الفرد والمجتمع، فسوف تنتهي إلى مسالك الانحراف التي يدمر الإنسان فيها ذاته ومجتمعه، لذلك فالعلاقة قد تكون تلازمية بين أوقات الفراغ وما قد تنتهي إليه من الضياع الذي يؤدي إلى الانحراف.
وقد عزت بعض الأدبيات التي تناولت الانحراف بشكل عام وانحراف الأحداث بشكل خاص، أسباب ذلك إلى البيئة الأسرية وما يكون فيها من تفكك أسري، أو سوء تنشئة.. إلى غير ذلك. وهناك من عزاها إلى جماعة الرفاق وأثرها على الحدث، وما ينتج عنها من مخالطة واكتساب لقيم ومعايير تلك الجماعة، ومدى تقمص الحدث لتلك المعايير، ومن ثم ترجمتها إلى سلوك عملي.. في حين أرجعت أدبيات أخرى أسباب الانحراف إلى الظروف الاقتصادية لأسر الأحداث، بينما أكد آخرون أن انحراف الأحداث إنما يعود بدرجة كبيرة إلى (وقت الفراغ) الذي يعيشه الحدث، باعتبار أن ذلك الوقت يهيئ المناخ المناسب للانحراف من خلال ما يمارس فيه من أنشطة قد تكون سلبية، أو انحرافية.
وذكر بعض الباحثين أن مكان قضاء وقت الفراغ ونوعية المشاركين للحدث في قضاء ذلك الوقت، يعدان عاملين من عوامل الانحراف، فقد أشارت بعض الدراسات التي أجريت في بعض الدول العربية عن متعاطي المخدرات، إلى أن أغلبهم كانوا يشغلون وقت فراغهم، إما في الطرقات العامة، أو في الجلوس في المقاهي الشعبية عندما كانوا في مرحلة الشباب من عمرهم(1).
وخلصت دراسات أخرى أجريت حول علاقة وقت الفراغ بالانحراف إلى النتائج التالية:
أ- أن أغلبية الأفعال الانحرافية يرتكبها الفرد أثناء وقت الفراغ.
ب- أن نسبة كبيرة من الانحرافات ترتكب بقصد الاستمتاع بوقت الفراغ أو الحصول على وسائل تهيئ الاستمتاع بهذا الوقت(2).
ويؤكد باحثون آخرون أن كثيرًا من المشكلات السلوكية يرتبط بوقت الفراغ، وأن نسبة كبيرة من انحراف الأحداث تحدث خلال ذلك الوقت(3).
ويملك الحدث في السعودية -على سبيل المثال- وقت فراغ كبيرًا في حياته اليومية، ذلك أن المهمات الأساسية في حياته اليومية (الدراسة، النوم، الأكل، الحاجيات الضرورية) لا تتطلب منه أكثر من (20) ساعة بأي حال من الأحوال، وهذا يوفر للحدث أربع ساعات فراغ يوميًا(4)يقضيها بطرق مختلفة (اللعب; اللهو; المطالعة; الأنشطة الرياضية.. إلى غير ذلك)، وينطبق هذا التقدير على الحدث المنتظم في الدراسة، أما نظيره غير المنتظم في دراسته، فسيتوفر لديه وقت فراغ أكبر بكثير.
وقد لاحظت من واقع خبرتي العملية في إدارة رعاية الأحداث بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في المملكة العربية السعودية أن أكثر من خمس الأحداث المودعين بدور الملاحظة الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية خلال الأعوام (1409، 1410، 1411هـ) غير منتظمين في الدراسة(5)، وهذا مما يثير ويؤكد أهمية التساؤل حول علاقة وقت فراغهم بانحرافهم.
ومن هنا تأتي أهمية هذا المبحث في محاولة لإلقاء بعض الضوء على العلاقة بين كيفية قضاء وقت الفراغ والانحراف، والاتجاهات والعوامل الاجتماعية المفسرة للانحراف.
الاتجاهات والعوامل الاجتماعية المفسرة للانحراف*
أولاً: الاتجاهات الاجتماعية المفسرة للسلوك المنحرف:
يتجه الدارسون للسلوك المنحرف لتفسيره انطلاقًا من تخصصاتهم العلمية، فعالم النفس ينظر ويفسر ذلك السلوك من الزاوية النفسية البحتة، وكذا عالم القانون في تفسيره للسلوك المنحرف، إذ ينظر إليه من الزاوية القانونية، وكذا كل متخصص.
وحيث إن دراستنا هذه اجتماعية بالدرجة الأولى فإن منطلقها لتفسير السلوك المنحرف هو الجوانب والاتجاهات الاجتماعية التي حاولت أن تفسر هذا السلوك.. وكما هو معلوم فإن الاجتماعيين اهتموا بدراسة الجريمة بوصفها ظاهرة من الظواهر الاجتماعية، فالسلوك الإجرامي ما هو إلا إفراز من إفرازات المجتمع، ولقد تتابعت تلك الدراسات التي تربط بين ذلك السلوك الإجرامي وبين مكونات البيئة الاجتماعية المحيطة به، حتى تكوّن ما يسمى بالمدرسة الاجتماعية، على غرار المدرسة النفسية والمدرسة البيولوجية... إلخ.
ولقد كتب للمدرسة الاجتماعية أن تسود، ويصبح لها الأثر الواضح في تفسير السلوك المنحرف أكثر من غيرها من المدارس الأخرى، فهي أكثر انتشارًا بين علماء الإجرام المعاصرين، خاصة في المدرستين الأمريكية والسوفيتية(6)، وهذا الانتشار الواسع لتلك المدرسة جعلها تفرز أكثر من اتجاه يتناول ظاهرة السلوك المنحرف بالتفسير، وأبرز تلك الاتجاهات:
1- الاتجاه الثقافي (الاختلاط التفاضلي).
2- الاتجاه الاقتصادي.
3- الاتجاه البيئي (الأيكولوجي).
4- الاتجاه التفاعلي (الوصم).
(1) الاتجاه الثقافي (الاختلاط التفاضلي):
يعتبر العالم الأمريكي (أدوين سذرلاند) رائد الاتجاه الثقافي بنظريته التي أخرجها في عام 1939م، في كتابه مبادئ علم الإجرام، وتعد تلك النظرية من أكثر النظريات الاجتماعية شهرة في علم الإجرام، ذلك أن النظرية بنيت على تحليل نفسي اجتماعي لطبيعة بيئة الجماعة وأثرها على سلوك أفرادها، إضافة إلى أنها تتضمن صياغة منطقية ترتيبية لسلسلة من العلاقات الاجتماعية المتبادلة بين الأفراد(7).(3/46)
فهذه النظرية تنظر للفرد على أنه جزء من جماعته التي ينتمي إليها، وبالتالي فهو يتبنى كل مواقفها وتصرفاتها واتجاهاتها، ومن هنا فهو يتعلم كراهية القانون أو عدم احترامه من خلال نظرته لموقف جماعته من هذا القانون، فكراهية جماعته للقانون أو عدم احترامها له تجعل الفرد يخالف القانون كلما سنحت له الفرصة، انطلاقًا من تصوره أن هذا الفعل مألوف لدى جماعته وغير مستهجن.. وعلى العكس من ذلك قد يتربى الفرد على احترام القانون وعدم مخالفته إذا كانت جماعته التي ينتمي إليها تحترم ذلك القانون ولا تخالفه، ومن هنا تتضح حالة التفاضل بين احترام القانون أو عدم احترامه.. وتتوقف تلك الحالة التفاضلية من قبل الفرد على نوعية وماهية التركيب الاجتماعي الخاص بكل جماعة، ومواقفها بالنسبة للقانون، ومدى احترامها له من عدمه(8).
ويقدم (أدوين سذرلاند) نظريته على صورة تفسيرية للعملية التي تؤدي بالفرد إلى السلوك الانحرافي، من خلال تسعة منطلقات أساسية، هي(9):
1- السلوك الانحرافي يكتسبه الفرد بالتعليم ولا يورث، فالفرد الذي لم يتدرب على الجريمة لا يفعل الجريمة ابتداءً من نفسه، مثله مثل الفرد الذي لا يتعلم الميكانيكا فإنه لا يستطيع أن ينتج أي مخترع ميكانيكي.
2- تتم عملية تعلم السلوك الانحرافي بالاتصال الاجتماعي وبالتفاعل بين الفرد وأشخاص آخرين في المجتمع، وقد يكون هذا الاتصال لفظيًا بالقول، وقد يكون بالإشارات أو الحركات ذات الدلالات المتعارف عليها.
3- تتم عملية تعلم السلوك الانحرافي في وسط الجماعات التي يكون بين بعضها بعضًا علاقات متينة، تهيئ الاتصال الشخصي المباشر بين أفرادها بدرجة كبيرة. وفي هذا إشارة إلى أن وسائل الاتصال العامة لا تؤدي دورًا كبيرًا في تكوين السلوك الانحرافي، باعتبار أنها ليست وسائل اتصال شخصية مباشرة، بل وسائل اتصال عامة.
4 - عملية تعلم السلوك الانحرافي لدى الفرد تشمل جانبين اثنين:
أ- فن ارتكاب الجريمة ويشمل: التخطيط، التحضير، وطرق ارتكابها، ووسائل إخفائها، بغض النظر عن تعقيد تلك العملية أو بساطتها.
ب- الاتجاهات الخاصة للدوافع والميول التي تقود الفرد إلى السلوك المنحرف، وإلى التصرفات الإجرامية، والتبريرات التي تعطى لهذه التصرفات.
5 - تتم عملية تعلم الاتجاه الخاص للدوافع والميول من الأشخاص الذين يحيطون بالفرد، واتجاهاتهم نحو نصوص القانون من حيث مناسبتها أو عدم مناسبتها، ففي بعض المجتمعات قد يحاط الفرد بأشخاص يرون وجوب احترام نصوص القانون، وقد يحاط في مجتمع آخر بأشخاص يرون عدم الغضاضة في انتهاك القانون، والفرد في كلا الموقفين يتعلم ممن يختلط بهم، أما إذا كان هناك انقسام في الرأي بين الجماعة التي تحوط الفرد تجاه القانون، فهنا يبدأ الفرد يعيش الصراع الثقافي حول مدى مناسبة نصوص القانون من عدمه.
6 - يبدأ الفرد بالانحراف حينما تترجح لديه كفة آراء الجماعة التي لا ترى غضاضة في انتهاك القانون على كفة آراء الجماعة التي ترى احترام القانون.
7 - تتباين العلاقات التفاضلية نسبيًا بحسب أربع عمليات:
التكرار، الاستمرارية، الأسبقية، والعمق.
فالتكرار: يعني كمية التعرض للموقف.
والاستمرار: يعني مدة ووقت التعرض للموقف.
والأسبقية: تعني الأقدمية عمريًا في التعرض لذلك الموقف.
والعمق: ويرتبط بعدة أمور، مثل مكانة وأهمية النمط الذي يتعلم منه الفرد سلوكه.
8 - تتضمن عملية تعلم السلوك المنحرف كل الآليات التي يتضمنها أي تعلم آخر، وذلك يعني أنها ليست عملية تقليد مجرد.
9 - يعبر السلوك المنحرف عن حاجات وقيم عامة، ومع ذلك فإنه لا يفسر بهذه الحاجات والقيم، لأن السلوك السوي هو أيضًا يعبر عن الحاجات والقيم نفسها.
ورغم أهمية تلك النظرية وما حظيت به من اهتمام من قبل العلماء بشكل لم تنلْه أية نظرية أخرى، إلا أنه وجِّه لها بعض الانتقادات من قبل العلماء، حيث طالب بعضهم بإدخال تعديلات أو إضافات إليها.
ومن أبرز هذه الانتقادات:
1- أنها أغفلت الإرادة الحرة للفرد، واعتبرته عاجزًا عن التحكم في أفعاله، وأنه مجرد ترس داخل المجتمع الكبير الذي يعيش فيه، لا حول له ولا قوة.
2- توقفت عند حد القول: بأن الاختلاط بالمجرمين يقود إلى الجريمة، ولم تحفل بدراسة العوامل التي تدفع الشخص إلى ذلك الاختلاط، في الوقت الذي لم ينزلق غيره إلى عين السبيل(10).
3- منطق النظرية مؤداه اعتبار رجال الشرطة والقضاة والباحثين في علم الإجرام أشد الناس إجرامًا، بسبب اختلاطهم المستمر بأولئك المجرمين.
4- تستخدم النظرية عددًا من المتغيرات مثل العمق، والتكرار، والاستمرار، المخالطة، والأسبقية، وهذه يتعذر قياسها علميًا أو اختبارها تجريبيًا(11).
5- تعجز النظرية عن تفسير بعض أنواع السلوك الإجرامي، أو بمعنى آخر هي تصلح لتفسير الجرائم العادية أو المعروفة والتي يلعب فيها التفكير والاعتقاد دورًا أساسيًا، ولكنها لا تصلح لتفسير الجرائم التي يلعب فيها الانفعال والصدفة الآنية دورًا أساسيًا(12).
6- لا تدخل النظرية في اعتبارها الاختلافات بين الأفراد في الصفات الشخصية أو النواحي العضوية والنفسية والعقلية، وأثر ذلك على اختلاف تأثر الفرد بالمؤثرات الخارجية.
7- ارتكازها على عامل واحد في تفسير السلوك المنحرف.
2- الاتجاه الاقتصادي:
يعتبر الجانب الاقتصادي في حياة الأمم المعاصرة عاملاً أساسيًا في تقدم أو تأخر الأمم، ولأهمية ذلك الجانب عده بعض الباحثين من أمثال (كيتليه) و(ميشيل فري) و(بونجر) و(سيرك بيرت) عاملاً من العوامل المهمة الموجهة للسلوك الإنساني، ويؤثر عليه تأثيرًا يلمسه كل دارس للسلوك الإنساني.
لذا لا غرابة أن يظهر من العلماء من يربط بين الانحراف السلوكي وبين التغيرات الاقتصادية المختلفة، مثل الغنى أو الفقر، وفترة الرخاء أو فترة الكساد الاقتصادي، أو البطالة.
وهناك من يرى أن الظروف الاقتصادية للمجتمع هي من أول الظواهر الاجتماعية التي وقف عندها المفكرون قديمًا وحديثًا حين دراستهم لظاهرة الجريمة، ابتداءً من فلاسفة اليونان وحتى العصر الحديث، إذ نالت الظروف الاقتصادية الحظ الأوفر من اهتمام الباحثين ودراساتهم.. ومن أوائل الدراسات الإحصائية لتأثير الظروف الاقتصادية على الجريمة تلك الدراسة التي قام بها (أدولف كيتليه) (Adolf Quetelet) (13).
ويفترض هذا الاتجاه أن هناك ارتباطًا بين السلوك المنحرف والظروف الاقتصادية المختلفة، مثل حالة الفرد الاقتصادية، سواء الغنى أو الفقر وكذلك البطالة، وخروج الأحداث للعمل في سن مبكرة، وخروج الأم للعمل، وطبيعة النظام الاقتصادي في البلاد، إضافة إلى أنه مع تطور الأمم اقتصاديًا وتنوع الجوانب الاقتصادية، يقوم المجتمع بفرض قوانين تحفظ النظام الاقتصادي وتوقع العقوبات على مخالفيها، وهذا مما يؤدي إلى ظهور جرائم جديدة(14).
وسنذكر كل جانب من جوانب الظاهرة الاقتصادية والعلاقة بينها وبين السلوك المنحرف:(3/47)
فأصحاب هذا الاتجاه يرون أن للفقر دورًا في رفع معدلات انحراف السلوك، خاصة في جرائم الأموال، والتسول، والتشرد، والدعارة في بعض صورها.. ويعتمد أصحاب هذا الاتجاه فيما ذهبوا إليه على نتائج العديد من الدراسات التي ظهر فيها أن غالبية مرتكبي السلوك المنحرف هم من ذوي المستويات الاقتصادية المتدنية.. ومن أبرز الدراسات في هذا المجال الدراسة التي قام بها العالم الإيطالي (فورنساري دي فيرس) عام 1894م، وشملت إيطاليا وإنجلترا وإيرلندا وجنوب ويلز، وشملت العديد من أنواع الجرائم، وانتهت إلى القول: بأن الفقر هو البيئة التي تتهيأ فيها كل الدوافع لارتكاب الجريمة(15).
وكذلك دراسة (سيرل برت) في إنجلترا عام 1933م، التي انتهت إلى أن غالبية العينة التي أجريت عليها الدراسة من الأحداث الجانحين كانت تعيش إما في أسر شديدة الفقر أو فقيرة(16).
ويعزو أصحاب هذا الرأي السلوك المنحرف للفقر، من حيث إنه ينتج عنه عدم توفير المتطلبات الضرورية للفرد والأسرة، وكذلك انعدم العناية الصحية، وانقطاع الأبناء عن مواصلة التعليم، إضافة إلى (حرمان الأولاد من أسباب اللعب والتسلية في المنزل، وخروجهم إلى الشوارع لقضاء الوقت وقتله، والاختلاط بكثير من رفاق السوء، كما أنه قد يرغم الأطفال على ترك مقاعد الدراسة.. ونتيجة لهذا تتفشى الأمية بينهم، فيشبوا جهلاء لا يقدرون على تمييز النافع من الضار، والخير من الشر، والفضيلة من الرذيلة، وبذلك يكونون لقمة سائغة لتيار الانحراف والجنوح)(17).
وعلى الرغم مما سبق ذكره من ربط الفقر بالسلوك المنحرف، إلا أننا لا نستطيع أن نسلم بأن الفقر عامل رئيس لارتكاب السلوك المنحرف، بل هو عامل من العوامل المتعددة التي تؤدي إلى السلوك المنحرف، بدليل وجود الملايين من الفقراء يسلكون الطريق السوي رغم فقرهم، إضافة إلى وجود سلوك منحرف بين أفراد الفئة الغنية، وكما يذكر العالم (بيرت): (إذا كان أغلبية المجرمين من الفقراء، فإن أغلبية الفقراء ليسوا من المجرمين)(18).
يضاف إلى ذلك ظهور بعض الدراسات التي أثبتت عدم وجود علاقة بين الفقر والسلوك المنحرف، مثل دراسة الباحثة الإنجليزية (ماري كاربنتر) عام 1853م، التي انتهت إلى القول: بأن تأثير الفقر على الأحداث أقل بكثير من تأثير التكوين الثقافي والاجتماعي لآبائهم عليهم، ودراسة (شليدون والينور غلوريك) عام 1950م، التي أجريت على (1000) حدث (500 منحرف، و500 غير منحرف)، وظهر فيها أن عدد الفقراء من أسر غير المنحرفين لا يختلف كثيرًا عنه في أسر المنحرفين(19).
ويعتبر (سذرلاند) من أشد الناس الذين انتقدوا ربط الانحراف بالفقر، بل على العكس من ذلك يرى أن الانحراف مرتبط بالثراء، إذ الأثرياء لديهم قدرة على ارتكاب الجريمة بما يملكون من نفوذ في المجتمع بسبب ثرائهم، وذلك مما يعينهم على إخفاء أمرهم عن السلطات.
كما يربط أصحاب هذا الاتجاه بين البطالة من جانب والسلوك المنحرف من جانب آخر، ويقصد بالبطالة هنا توقف الإنسان عن العمل سواء أكان ذلك بسبب أزمة اقتصادية أو صناعية طارئة، أو أن يكون السبب عائدًا للفرد نفسه كأن يكون الفرد عاجزًا أو غير مؤهل للعمل، ففي هذه الحالة نجد الفرد قد يتجه لارتكاب السلوك المنحرف نتيجة لعدم وجود مورد مالي يفي باحتياجاته واحتياجات أسرته، زد على ذلك ما تهيؤه البطالة للفرد من زيادة في وقت الفراغ لديه، بما يجعله مهيأ أكثر للانحراف والانزلاق في طريق الجريمة.
كما أنه قد يتجه أبناء مثل هذا الفرد للانحراف، (إذ يقل إجلالهم لأبيهم وقد صار عاجزًا عن إشباع مطالبهم، وقد يعزفون عن الدراسة لعدم القدرة على شراء الكتب والنهوض بكافة متطلباتها، فلا يجدون غير أبواب العصابات يقرعونها بحثًا عن كساء أو غذاء) (20)، كما أن البطالة تولد مشاعر الإحباط المتلاحقة نتيجة للعجز عن إشباع الحاجات الضرورية للفرد أو من يعولهم، وتتزايد تلك المشاعر كلما طالت فترة البطالة التي يعيشها.
ويربط أصحاب هذا الاتجاه كذلك بين خروج الحدث للعمل مبكرًا والسلوك المنحرف، ذلك أن خروج الحدث للعمل مبكرًا يعني حرمانه من الدراسة، وحرمانه بالتالي من الآثار الإيجابية التي يمكن أن تعود عليه من العملية التعليمية. كما أن العمل في بعض المهن كالعمل في المقاهي أودور اللهو، يؤدي إلى انحراف الحدث، بسبب احتكاك الحدث برواد تلك الأماكن التي تعتبر في الغالب أوكارًا لتجمع المنحرفين.. وهناك بعض الدراسات التي توصلت إلى أن نسبة الجناح بين الأحداث الذين يعملون تفوق نسبته بين الأحداث الذين لا يعملون.
كما يربط أصحاب هذا الاتجاه بين خروج الأم للعمل وارتكاب الأبناء للسلوك المنحرف، وما يلي ذلك من إهمال الأم لدورها الأساس في هذه الحياة وهي تنشئة أولادها وتربيتهم; إذ أن خروجها إلى العمل سيقطع جزءًا ليس باليسير من وقتها لأولادها، ويضعف من دورها المذكور مما يؤدي إلى تهيئة الظروف والبيئة المناسبة لقيام الأطفال بأعمال منحرفة، بالإضافة إلى أن خروج الأم للعمل قد يؤدي إلى الصراع والشجار بين الزوجين نتيجة لإهمال دورها الاجتماعي الأساس، وهذا الصراع والشجار يفسد جو الأسرة والعلاقات الزوجية مما يؤثر على الأطفال في تلك الأسرة.
ولهذا يؤكد (ناي) بعد دراسة ميدانية، أن هناك علاقة بين اشتغال الأم والسلوك الجانح.. كذلك أوضحت الدراسات التي أجريت في مصر أن نسبة المشتغلات من أمهات الجانحين أعلى منها بالنسبة للمشتغلات من أمهات غير الجانحين(21).
3- الاتجاه البيئي (الأيكولوجي):
استعار الدارسون لعلم الإجرام مصطلح الأيكولوجيا من علم البيولوجيا، وهو يعني صلة الكائن الحي بالبيئة المحيطة به.. ولقد بدأ استخدم هذا المصطلح كاتجاه في علم الاجتماع على يد العالم (بارك) وأتباعه في جامعة شيكاغو، فلقد تصور (بارك) المدينة، والمجتمع المحلي، والمنطقة، على أنها نوع من الكائنات الاجتماعية وليست مجرد ظواهر جغرافية مجردة.. فاهتم (بارك) بدراسة التغير الاجتماعي وسرعة حدوثه واتساع نطاقه وما ينشأ عنه من مشكلات وصراع ثقافي(22).
وعليه فإن هذا الاتجاه يدرس صلة الإنسان ببيئته الاجتماعية بجميع جوانبها الجغرافية والحضارية، وخاصة عند دراسة السلوك المنحرف وارتباطه بنمو المدن وتوسعها.. ومن هنا، فهذا الاتجاه يفسر السلوك المنحرف تفسيرًا عمرانيًا على أساس ارتباط السلوك الجانح بأوضاع تنشأ مع نمو المدن وتوسعها، نتيجة لهجرة الناس إلى تلك المدن من جميع الجهات، فيتكون فيها خليط من الثقافات، ومستويات مختلفة من الناحية الاقتصادية، وتنمو المدينة على أساس ذلك الاختلاف وذلك التباين بين النازحين، بل إن بعض العلماء أمثال العالم (كليفوردشو)، ينظر إلى الجانح والجريمة على أنها نتيجة لا مفر منها مع توسع المدينة وامتدادها.. ويرى الأيكولوجيون أن المدينة تتوسع لتكون في النهاية خمس حلقات، أو أحزمة هي(23):
1- الحلقة الأولى: الوسط والمركز، حيث المؤسسات التجارية والمرافق الحيوية، ومقر أول مجموعة نزحت لتكون المدينة.
2- الحلقة الثانية: وتسمى المنطقة الانتقالية، وهي منطقة تدهورت بعد انتعاش ويعيش فيها الطلاب، والعمال، والمهاجرون الجدد، والمنحرفون، والمدمنون، وتجار المخدرات واللصوص.
3- الحلقة الثالثة: وتشمل أحياء بيوتها متشابهة، ويقطنها الموظفون وبعض أصحاب المهن.
4- الحلقة الرابعة: وتسمى ضواحي المدينة، وهي أقل ازدحامًا ويقطنها أفراد الطبقة الوسطى في بيوت يملكونها.(3/48)
5- الحلقة الأخيرة: ما بعد الضواحي ويقطنها الأثرياء في فلل واسعة.
ويحدد (كليفوردشو) منطقة الجنوح في المنطقة الثانية، والتي توصف بأنها المنطقة الانتقالية، وهي التي تكونت بعد انسحاب الأثرياء منها إلى الضواحي، ونزوح الفقراء إلى الداخل لانخفاض الإيجارات إضافة إلى تميز تلك المنطقة بكثرة الزحام، وقدم المباني، وعدم استقرار السكان.. كما قام (كليفوردشو) بتسجيل ثلاث ملاحظات عن منطقة الجنوح (الحلقة الثانية) وهي(24):
1- تظل معدلات الجنوح عالية رغم التغير السكاني السريع، وهذا يعني أن الجنوح جزء من التراث الأيكولوجي.
2- انخفاض معدلات الجنوح كلما ابتعدنا عن وسط المدينة.
3- تختص كل منطقة بنوع أو أنواع معينة من الجنح.
وأشار (كليفوردشو) - بعد دراسته الشهيرة مع بعض زملائه حول ظاهرة الجناح في مدينة شيكاغو- إلى أن (الظروف القائمة داخل هذه المنطقة -مناطق الجنوح- تجعل سيطرة المجتمع على أبنائه ضعيفة أو تُضعف من أساليب الضبط الاجتماعي إلى درجة عدم التزام هؤلاء الأبناء بالامتثال للمعايير الثقافية المقبولة داخل المجتمع)(25)، ولعل ذلك عائد إلى طبيعة سكان تلك المناطق، إذ يقطنها خليط من البشر ومن الثقافات، إضافة إلى وجود المنحرفين والمدمنين وتجار المخدرات واللصوص فيها، وهذا يعني تأثر أبناء السكان فيها بالجو السائد في المنطقة.
إلا أن هذا الاتجاه أُخذ عليه بعض المآخذ التي قد تضعفه، وأهمها:
1- وجود عوامل أخرى قد تؤثر على زيادة الجناح في منطقة دون أخرى غير العوامل الأيكولوجية، مثل اختلاف عدد أفراد الشرطة في منطقة، ونوعيتهم، ودرجة متابعتهم للظروف الأمنية في الحي، ودقة ضبطهم لعملهم.
2- عدم تحديده للمنطقة الجانحة بوضوح، فهل هي المنطقة التي يعيش فيها الجانحون، أم هي المنطقة التي يمارسون فيها نشاطهم الانحرافي، أم هي المنطقة التي قبض على الجانحين فيها ?
3- عدم تفسيره لوجود أفراد غير منحرفين في نفس المنطقة الجانحة التي حددها أصحاب هذا الاتجاه، إضافة لعدم تفسيره لوجود منحرفين في مناطق أخرى لا يعتبرها الأيكولوجيون مناطق جناح، مثل المنطقة أو الحلقة الرابعة أو الخامسة.
4- قصور الإحصائيات الرسمية التي استندت عليها بحوث أنصار ذلك الاتجاه عن الإحاطة بالنطاق الشامل للمدى الواقعي للجريمة، إضافة إلى عدم ثبات هذه الإحصائيات كأساس للمقارنة، والشك في صدق المقارنة بمقتضاها خلال فترات زمنية طويلة لا تتماثل خلالها الحقائق التي تتخذ أساسًا للمقارنة(26).
5- اعتمادها على عامل واحد في تفسير السلوك المنحرف، وإهمالها لتداخل وأثر العوامل الأخرى في تكوين ذلك السلوك المنحرف.
كما يلاحظ عدم انطباق ذلك التقسيم الذي توصل إليه الأيكولوجيون على المدن في دول العالم الثالث.
4- الاتجاه التفاعلي (الوصم):
يعد الأمريكي (إدوين ليميرت) من أبرز من يمثل هذا الاتجاه، الذي يرى أن الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع الفرد المنحرف هي التي تؤدي إلى وجوده واستمراره في ذلك السلوك المنحرف، وما ذلك الانحراف إلا نتيجة تفاعلية بين فعل الفرد المنحرف وردود الأفعال من المجتمع تجاهه، وبتناميها في عملية تصاعدية تؤدي به في النهاية إلى استقراره في السلوك المنحرف، ومن ثم وصمه بتلك الوصمة أو الصفة التي تحمل مدلولاً يتعارف عليه المجتمع، ويتعامل مع من يحمله على هذا الأساس، وعلى حيثيات وإشارات ومضامين تلك الصفة أو الرمز. ومما لا شك فيه أن لتلك الصفة أو الرمز الذي يطلقه المجتمع على المنحرف أثرًا في استمرار ذلك السلوك، وبناء عليه يتحول هذا التعامل من المجتمع مع الفرد الجانح من خلال إطلاق تلك الصفة أو الرمز إلى تدعيم ذاتي لذلك السلوك الجانح، (فإن إطلاق مسميات على السلوك هو فعل اجتماعي، ومثل هذا الفعل -شأنه شأن أي فعل اجتماعي آخر- يمكن أن ينمو ويتم الحفاظ عليه من خلال عملية التدعيم أو العكس)(27).
ونظرية الوصم تقوم على فرضيتين أساسيتين(28):
الأولى: أن الانحراف لا يقوم على نوعية الفعل وماهيته بقدر ما يقوم على نتيجته وما يوصف به الفاعل من قبل المجتمع.
الثانية: أن الانحراف عملية اجتماعية تقوم بين طرفين، الفعل الانحرافي من جانب، وردة فعل المجتمع تجاه هذا الفعل الانحرافي ووصمه بالانحراف من جانب آخر.
وتأسيسًا على ما سبق، فإن أصحاب هذا الاتجاه يرون أن المؤسسات الإصلاحية مثل السجون ودور الملاحظة والتوجيه تلعب دورًا كبيرًا في إضفاء صفة الجنوح والانحراف والإجرام على أفرادها، ذلك أن من يودع فيها يوصف بأنه مجرم أو خريج سجون، وبالتالي يصمه المجتمع بتلك الوصمة التي لم تأت إلا بسبب دخوله السجن أو دار الملاحظة، ومن هنا فإن المؤسسات من وجهة نظر أصحاب هذا الاتجاه لا تعمل على إصلاح من يدخلها بقدر ما تصبغه بهذه الصفة، ووصمه من ثم بالجنوح أو الأجرام من قبل المجتمع، وبالتالي يتكرس فيه ذلك الانحراف نتيجة لتلك الوصمة أو الصفة التي يطلقها عليهم المجتمع. ومن ثم تصبح تلك الوصمة عقبة في سبيل إصلاح الفرد المنحرف أو تقويمه.
ويرى العالم الأمريكي (إدوين ليميرت) أن الجنوح يتم على ثلاثة مستويات(29):
أولاً: الجنوح الفردي: وهو يظهر نتيجة الضغوط النفسية الداخلية النابعة من الفرد ذاته، ويكون تأثيرها على الفرد نفسه.
ثانيًا: الجنوح الظرفي: وهو يظهر نتيجة التعرض لمواقف ضاغطة وعوامل آنية، بحيث لا تترك للفرد فرصة التفكير والاختيار.
ثالثًا: الجنوح الاجتماعي: وهو يحدث على مستوى التنظيم الاجتماعي القيمي، أو التنظيم الثقافي الذي يرى السلوك المنحرف أسلوبًا من أساليب العيش.
وهذه المستويات الثلاثة من الجنوح لا تحدث فجأة، وإنما لا بد أن يمر الفرد بعدد من المراحل وفق منطلقات وفرضيات تلك النظريات. فالفرد يرتكب الفعل المنحرف لأول مرة لينظر ردة فعل المجتمع، وبطبيعة الحال لا يمكن للمجتمع، أو على الأقل جزء من ذلك المجتمع، أن يتجاهل ذلك الفعل.. وردة الفعل تلك قد تكون استحسانًا أو استهجانًا(30).
ولقد وضع (إدوين ليميرت) عددًا من المراحل لتبلور واكتمال هذا الجنوح(31):
1- يرتكب الفرد انحرافه (الأول) كبادرة لاختبار ردة فعل المجتمع تجاهه.
2- حدوث ردة فعل المجتمع، وتتمثل في معاقبة الفرد على تصرفاته الانحرافية.
3- يكرر الفرد انحرافه ويكون بنسبة وبحجم أكبر من الانحراف الأول.
4- يقوم المجتمع بردة فعل وتتمثل في عقوبة الفرد على سلوكه المنحرف، ولكنها تكون بشكل أشد ورفض أقوى من المرة الأولى.
5- يزداد الانحراف ويصاحبه شعور بالعداء والكراهية على الذين يمارسون العقاب معه أو رفضه.
6- تبدأ ردود فعل المجتمع الرسمية، وتأخذ شكلاً جديدًا بإضفاء صفة الوصم بالانحراف على الفرد.
7- يزداد الانحراف كرد مباشر ومجابهة للمجتمع الذي أعطاه صفة الانحراف ووصمه بها.
8- وفي هذه المرحلة، يقبل المنحرف صفة الوصم بالانحراف، مع محاولة التكيف والتوافق مع مركزه الاجتماعي الجديد كفرد منبوذ من المجتمع.(3/49)
ولقد أضاف (هوارد بيكر) بعدًا نسبيًا لتلك المراحل، إذ أن العلاقة بين الانحراف وبين ردود فعل المجتمع تجاهه ليست علاقة ثابتة في كل الظروف والأزمنة، بل هي تختلف باختلاف الزمان والمكان الذي حدث فيه ذلك الفعل وردة الفعل، كما تختلف العلاقة أيضًا باختلاف المجتمع الذي تصدر عنه ردة الفعل نحو الفعل الانحرافي; ذلك أن المجتمع قد يصف بعض الأفعال بالشذوذ وهي غير كذلك، ومن ثم تثبت الوصمة على صاحب ذلك الفعل، في حين يوجد أفراد منحرفون فعلاً لكن لم تصل أخبارهم للمجتمع، ومن هنا فإن العلاقة بين الانحراف وبين ردة فعل المجتمع تختلف باختلاف المتغيرات السابقة(32).
إلا أنه يؤخذ على هذا الاتجاه أنه لا يفسر كيف تنشأ بداية الانحراف، وإنما يفسر استمرار الفرد المنحرف في ذلك الطريق بسبب ردة فعل المجتمع.
وعليه فهذا الاتجاه قد يكون مناسبًا لتفسير ظاهرة العود للانحراف والاستمرار فيه، وليس لنشأته وبدايته.
ثانيًا: الأوساط الاجتماعية المؤثرة على انحراف الأحداث
تلعب الأوساط الاجتماعية دورًا بارزًا وذا أثر واضح في انحراف الأحداث أو استقامتهم، فالسلوك الإنساني ما هو إلا تفاعل تبادلي في الغالب بين الفرد ومجتمعه الذي يعيش فيه، بدءًا من مجتمعه الصغير الأسرة، ومرورًا بالمجتمع الأوسع، وتتماشى مع نمو الفرد، فعند التحاقه بالمدرسة تبدأ مؤثرات الوسط المدرسي بالتأثير عليه، كما تبدأ مؤثرات جماعات الرفاق مع نموه وتكوينه لعلاقات اجتماعية جديدة مع الأصدقاء سواء في الحي أو المدرسة، وخلال ذلك كله تلعب مؤثرات الوسط الاجتماعي في الحي دورًا مهمًا في تشكيل سلوك الفرد، ويكون لذلك الوسط الاجتماعي في الحي أثره السلبي أو الإيجابي على سلوك الحدث، كغيره من الأوساط الأخرى.
ولقد أشار الإسلام إلى أهمية الوسط الاجتماعي وأثره على سلوك الفرد، ففي الحديث الذي يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض ? فدُل على راهب، فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة ? فقال: لا، فقتله فكمل به المائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة ? فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة! انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله - عز وجل -، فاعبد الله - تعالى - معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء...)(33).
فمن الحديث يتضح أن أسباب قيامه بعمليات القتل أنه يعيش في وسط اجتماعي سيئ، أصحابه يرتكبون المعاصي، ولا شك أن في مشاهدتهم ما يغري بارتكاب ما يأتون تقليدًا لهم ومحاكاة لسلوكهم.
ولقد ركز دوركايم (Durkheim) وغيره من علماء الاجتماع على أهمية الوسط الاجتماعي في تفسير الجريمة(34).
ذلك أن الوسط الاجتماعي ليس دوره فقط بناء الفرد، بل يتعداه إلى ضبط سلوك الفرد وجعله يتوافق مع قيم ذلك الوسط، ويقصد هنا بالوسط الاجتماعي: الأسرة، المدرسة، جماعة الرفاق، الحي، حيث تؤثر جميع هذه الأوساط على سلوك الحدث سلبًا أو إيجابًا.. وسنعرض بشيء من التفصيل لتلك الأوساط وبعض العوامل المكونة لها:
* الأسرة:
تعد الأسرة المحضن الأساس الذي يبدأ فيه تشكل الفرد وتكون اتجاهاته وسلوكه بشكل عام، (فالأسرة) تعد أهم مؤسسة اجتماعية تؤثر في شخصية الكائن الإنساني، وذلك لأنها تستقبل الوليد الإنساني أولاً، ثم تحافظ عليه خلال أهم فترة من فترات حياته وهي فترة الطفولة، وهي (الفترة الحرجة في بناء تكوين شخصية الإنسان كما يقرر علماء النفس، وذلك لأنها فترة بناء وتأسيس)(35).
وإلى هذا أشار حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)(36).
ففي البيئة الأسرية يشكل الأبوان الطفل، ويحددان اتجاهاته الرئيسة وهي الاتجاهات العقدية، فالأسرة تلعب دورًا رئيسًا ومهمًا في رسم شخصية الفرد وسلوكه وعقائده الباعثة على جميع السلوكيات المتنوعة. وفي الأسرة يتعلم الأطفال (التحكم في رغباتهم، بل وكبت الميول التي لا توافق المجتمع.. ومن هنا فإن أسس الضبط الاجتماعي تغرس بواسطة الوظيفة التربوية في محيط الأسرة)(37).
لذا لا غرابة أن نلحظ اهتمام الباحثين في مجال انحراف الأحداث بالأسرة، وجعلها من المحاور الرئيسة التي تدور عليها أبحاثهم، في محاولة اكتشاف أسباب الانحراف والعوامل المؤدية إليه. ومما لا شك فيه أن الأسرة المفككة عامل رئيس في انحراف الأحداث وسلوكهم طريق الجنوح، ومحضن مناسب لتخريج أحداث منحرفين.
ولا يتوقف الأمر على الأسرة المفككة فحسب، بل إن الأسرة المستقرة اجتماعيًا قد تخرج أحداثًا منحرفين في حالة عدم إتباع السلوك الصحيح للتنشئة السليمة لأفرادها، (فقد تكون عملية التنشئة الاجتماعية في الأسرة خاطئة، ينقصها تعلم المعايير والأدوار الاجتماعية السليمة، والمسؤولية الاجتماعية، أو تقوم على اتجاهات والدية سالبة مثل التسلط والقسوة، والرعاية الزائدة والتدليل، والإهمال والرفض، والتفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث، وبين الكبار والصغار، وبين الأشقاء وغير الأشقاء، والتذبذب في المعاملة)(38).
كذلك تدل الدراسات على أن الاختلافات بين الوالدين لها آثارها السلبية على الطفل، وتتمثل تلك الآثار في هروب الطفل إلى الشارع، أو انغماسه في أحلام اليقظة، وكل ذلك هروبًا من الواقع الذي يعيش فيه(39).
ويربط بعض الباحثين بين الأسر ذات العدد الكبير وانحراف الأحداث، كما يربط بين انحراف الوالدين أو أحدهما وانحراف الحدث، فيما تشير دراسات أخرى إلى وجود علاقة بين درجة وكيفية الضبط داخل الأسرة وبين ما يقوم به الطفل من انحراف، وليس على ذلك فحسب، بل وموقف الطفل نفسه تجاه هذا الضبط ومدى استجابته له من عدمه.
كذلك لا يمكن أن نغفل دور الأسرة في تكوين الاتجاهات الإيجابية، نحو كيفية قضاء وقت الفراغ، فكما يتعلم الطفل السلوك الانحرافي داخل الأسرة فكذلك يتعلم السلوك السوي من توجيه الأسرة نحو قضاء وقت الفراغ فيما ينفعه من عدمه، نتيجة تقليد الطفل لمن حوله فيما يمارسونه من أنشطة ترويحية. فلقد وجد (ناش) في دراساته أن 70% من ميول وهوايات أهالي مدينة نيويورك قد بدأت في المنزل، وأن 70% من هذه الهوايات أيضًا ظهرت قبل سن الثانية عشرة، وهذا ما يؤكد على دور الأسرة ليس في حسن تربية الطفل وإكسابه المعايير السليمة المتوافقة مع المجتمع فحسب، بل تكوين اتجاهات إيجابية نحو استغلال وقت فراغه، مما يكون لديه إطارًا وقائيًا من الانحراف، من خلال استفادته من وقت فراغه بما يحقق له النمو المتوازن، وبما يحقق إشباع حاجاته النفسية والاجتماعية(40).
ولعل من أبرز الدراسات التي أكدت العلاقة بين التفكك والانحراف، الدراسة التي قام بها العالمان الأمريكيان (شيلدون والينور جلوك) عام 1935م، وتوصلا إلى النتائج التالية:
1- إن أسر الأطفال الجانحين أكثر تبديلاً لبيوتهم.
2- إن الأطفال الجانحين يعيشون في بيوت أقل ملاءمة من الناحية الصحية، وأكثر ازدحامًا بالسكان.
3- إن غالبية الأطفال الجانحين لا يعيشون مع الوالدين، إما بسبب الطلاق أو الهجر بين الوالدين.
4- يتميز الأطفال الجانحون بعدم احترامهم لوالديهم، وعدم التزامهم بالقيم العائلية.(3/50)
5- تتميز البيوت التي يعيش فيها الأطفال الجانحون بتفككها القيمي، وضعف الرقابة، وانعدام وجود أسباب التسلية والترويح داخل الأسرة.
6- إن عائلة الطفل الجانح أكبر نسبيًا من عائلة الطفل غير الجانح(41).
ومن الدراسات العربية في هذا الميدان الدراسة التي أجراها (وليد حيدر)(42)في الجمهورية العربية السورية، وظهر منها أن 55% من أفراد العينة البالغ عددهم (113) حدثًا يعيشون في أسر مفككة إما بطلاق أو وفاة أحد الوالدين.
وكذلك الدراسة التي أجراها مركز أبحاث مكافحة الجريمة بالمملكة العربية السعودية(43)عام (1404هـ)، وأظهرت ما يلي:
- كثيرًا ما لا يسكن الجانح مع والديه.
- أم الجانح ليست في ذمة الأب.
- أم الجانح ليست الزوجة الوحيدة.
- أحد الوالدين أوكلاهما متوفى.
- في الغالب ليس الأب هو ولي الأمر.
وفي دراسة أخرى (تماضر حسون) اتضح أن 78% من أفراد العينة المنحرفة انحدروا من أسر تتميز علاقاتها بالاضطراب والتوتر(44).
ونستطيع أن نقول: إن هناك علاقة طردية بين التفكك الأسري من جانب وبين انحراف الأحداث من جانب آخر، وإن كانت ليست العامل الوحيد في تفسير الانحراف إلا أن لها دورًا لا ينكر، ملموسًا ورئيسًا.
* المدرسة:
تأتي المدرسة في المرتبة الثانية من حيث الأهمية في تنشئة الطفل، خاصة بعد أن عمم التعليم وأصبح إجباريًا في سنواته الأولى في أغلب الدول، وتحملت المدرسة تعليم الصغار بالتعاون مع الأسرة من أجل توسيع مدارك الطفل وجعله يحب المعرفة والتعليم، مما أدى إلى بروز المدرسة كمؤسسة اجتماعية مهمة، لها أثرها الفعال في مختلف جوانب الطفل النفسية، والاجتماعية، والأخلاقية، والسلوكية، خاصة وأن الطفل في السنوات الأولى من عمره يكون مطبوعًا على التقليد والتطبع بالقيم التي تسود مجتمعه الذي يعيش فيه، فهو يتأثر في الغالب بالجو الاجتماعي الذي يعيشه في المدرسة، لذا فإن المدرسة تعد عاملاً عظيم الأثر في تكوين شخصية الفرد التكوين العلمي والتربوي السليم، وفي تقرير اتجاهاته في حياته المقبلة وعلاقته في المجتمع.
ومن هنا فإن المدرسة ليست محضنًا لبث العلم المادي فحسب، بل هي نسيج معقد من العلاقات خاصة للطفل الصغير، ففيها تتوسع الدائرة الاجتماعية للطفل بأطفال جدد وجماعات جديدة، فيتعلم الطفل في جوها (المزيد من المعايير الاجتماعية في شكل نظم، كما يتعلم أدوارًا اجتماعية جديدة، فهو يتعلم الحقوق والواجبات، وضبط الانفعالات، والتوفيق بين حاجته وحاجات الغير، ويتعلم التعاون، ويتعلم الانضباط السلوكي)(45).
فالطفل يتعلم كل ذلك من خلال ما يتلقاه من علوم معرفية وما يكتسبه من مخالطة رفاقه في المدرسة، فالمدرسة بالجملة لها أثرها الفعال في سلوك الأطفال وتوجهاتهم في المستقبل.. كما أننا ومن خلال المدرسة نستطيع أن نكتشف عوارض الانحراف مبكرًا لدى الأطفال، مما يهيئ الفرصة المبكرة لعلاجها قبل استفحالها، مثل الاعتداء على الزملاء، أو السرقة من حاجياتهم، أو محاولة الهرب من المدرسة، أو إتلاف أثاث المدرسة، مما يعطي مؤشرًا أوليًا لوجود خلل في سلوكيات الطفل.
إن المدرسة (مسرح مكشوف يتم من خلاله رصد ومتابعة سلوكيات الحدث، خصوصًا أن مجتمع المدرسة يعد أكبر وأكثر تعقيدًا من مجتمع الأسرة.. وبهذا فإن المدرسة تكون أول حقل تجريبي للحدث، يمارس فيه سلوكه بعيدًا عن رقابة أسرته وأقربائه) (46).
وتتحمل المدرسة دورًا كبيرًا في هذا الأمر، بل هناك من يرى أن ذلك من أهداف التعليم الأساسية، فمثلاً نجد أن (برتراند راسل) يعد (أن من أهداف التعليم خلق وتنمية الاتجاهات التي يمكن لها أن تتيح للفرد استخدام وقت فراغه بذكاء)(47)، في حين يرى (وليم فونس) (أن وظيفة المدارس يجب ألا تقتصر على تنمية المعرفة، بل يجب أن تهتم إلى جانب ذلك بتنمية القدرات والمهارات للاستفادة منها في استثمار وقت الفراغ)(48).
ويتأتى كل ذلك بتوعية الطلاب بأهمية وقت الفراغ، وتعريفهم بميولهم بعد استكشافها وتنميتها، مع توفير الإمكانات المناسبة لاستغلال وقت فراغهم بما يفيدهم وينفعهم، لذا لا غرابة أن نجد أن ميثاق الفراغ الدولي قد أفرد مادة خاصة لهذا الأمر، وأكد على ضرورة تحمل المدرسة لمسؤوليتها في تعليم الأطفال والشباب المهارات الترويحية حتى يتمكنوا من الاستفادة من وقت فراغهم، لينعكس أثره على مستقبل الطفل.
ومن كل ما ذكر عن دور وأهمية المدرسة في حياة الطفل، يحتم علينا القول بضرورة المراجعة المستمرة لمناهج التعليم، لتواكب الحاجات النفسية والاجتماعية للطفل وبما يتمشى مع العصر الذي يعيشه، مع التأكيد على دور المعلم كفرد في تكوين شخصية الطفل وتطويرها ورعايتها حق الرعاية، بما يكفل للطفل التكيف الاجتماعي والنفسي السليم، وبما يضمن له التوافق مع معايير المجتمع الذي يعيش فيه، ليصب في النهاية في قناة وقايته من الانحراف أو الجنوح.
* الحي السكني:
ونقصد بالحي السكني هنا: المنطقة الجغرافية التي تقطنها الأسرة بجوار العديد من الأسر، وتتشابك فيها العلاقات الاجتماعية بين تلك الأسر وأفرادها تأثرًا وتأثيرًا.
لذا (فإن الحي يسهم في تزويد الفرد ببعض القيم، والمواقف، والاتجاهات، والعادات، والمعايير السلوكية، التي يتضمنها الإطار الحضاري العام الذي يميز المنطقة الاجتماعية)(49).
ونستطيع أن نقول: إن للحي دورًا قد يكون مكملاً لدور الأسرة في توجيه الطفل، ويؤثر كل واحد في الآخر، فقد يكون داعمًا لما تقدمه الأسرة من سلوكيات معينة، بغض النظر عن ماهية هذا السلوك، وقد يكون هادمًا له، وذلك يتأتى من طبيعة الحي ومستواه الاقتصادي والاجتماعي.
فقد ربطت العديد من الدراسات بين طبيعة الحي وتأثيره على سلوك سكانه، ومن أبرز تلك الدراسات الدراسة التي قام بها الأمريكي (كليفورد شو) على خمسة من الأشقاء عرفوا بتاريخهم الإجرامي الطويل، وكيف كان للحي أثر بيّن في تكوين الجناح لديهم، فلقد كان حيهم -كما وصفه- يتميز بعدم التنظيم الاجتماعي، وأنه كان بيئة فاسدة شجعت هؤلاء الإخوة على الجناح، ذلك أن هذا الحي كان يحترم المجرم، ويرسم له شيئًا من صور البطولة والرجولة (50).
والحي الذي يساعد على الانحراف نجده يعطي شيئًا من الشرعية على أعمال المجرمين، ويصورها بالصورة البطولية، مما يكوّن لدى الحدث في ذلك الحي مثالاً وقدوة سيئة يحتذي بها، وتتشكل شخصيته على هذا الأساس. ومن هنا فالحدث يرى أن لا يمكن أنه يكون له منزلة في ذلك الحي إلا بتبني إحدى صور البطولة والرجولة التي ارتسمت في ذهنه، كصورة المجرم في حيه. حيث يبدأ في تتبع خطوات بطله المنحرف حتى يسقط في أخطائه، ويرتكب أعمالاً ضد القيم والمصلحة العامة لحيه، فالطفل انحرف باتباعه بطل السوء، وهذا ربما لعدم وجود بطل الخير والصلاح الذي يرشده ويقتدي به في الحي نفسه.
وبالإضافة إلى ذلك لا نستطيع أن نغفل في هذا المجال الوسائل الترويحية المتاحة للأطفال في الحي. فبعض العلماء يرى أن الجنوح ما هو إلا سوء استثمار الطفل لوقت فراغه، في ظل غياب الوسائل الترويحية الصحية المناسبة في الأحياء، مما يجعلهم يتجهون إلى بعض النوادي لتكون مركز تجمع والتقاء بالمجرمين، فتتكون لدى الحدث بلقائهم القدوة السيئة، ويحاول تقليدهم وتقمص شخصياتهم.(3/51)
ومن هنا نجد شخصية الحدث تتشكل في الغالب بحسب سكان الحي، وبحسب مكانة الحي بين الأحياء على مستوى المدينة، وبحسب وسائل الترويح المتاحة فيه، (فالحي الذي تتوافق قيمه مع قيم المجتمع الكبير، يكون حيًا سويًا يهيئ للطفل جوًا يكسبه الشعور باحترام النظام والقانون)(51).
ولقد حاول بعض العلماء تصنيف تلك الأحياء المصدرة للجناح، والتي تعد مكان تفريخ للمجرمين، وعد منها سبعة أنواع هي:
1- الحي المزدحم بسكانه الفقراء، وتنتشر فيه الرذيلة.
2- الحي الفقير جدًا، بحيث تصبح السرقات البسيطة وكأنها أمر طبيعي.
3- الحي الذي ينفصل عن المجتمع بفواصل طبيعية أو اجتماعية.
4- الحي الذي يعيش فيه غير المتزوجين، ومن سماته الخليط السكاني غير المتجانس.
5- الحي الذي يغلب على سكانه الأقليات المتميزة عن المجتمع، بحيث يمتاز بعزلة اجتماعية.
6- الحي الذي يعرف عنه أنه مكان للرذيلة (البغاء، والقمار).
7- الحي النائي، وهذه عادة ما تكون أقرب للريف وتكون ملجأ لاختفاء المجرمين(52).
وأخيرًا نستطيع أن نقول: إن الحي مرآة لساكنيه، فمن خلال الحي نستطيع أن نحدد معالم ساكنيه إلى حد كبير، مع التسليم أن ذلك الأمر ليس مطلقًا، فليس كل ساكن في الحي السيئ هو إنسان منحرف، بل يتوقف ذلك على مدى تأثره بالمواقف الاجتماعية التي يعايشها في الحي، ودور الأسرة والمدرسة في غربلة تلك المواقف التي يتعلمها في الحي سواء كانت سلبية أو إيجابية.
وبالجملة فالحي السيئ نستطيع أن نعتبره عاملاً من العوامل التي تؤثر على انحراف الأحداث.
ونستطيع أن نتبين ذلك إلى حد ما من خلال الاطلاع على إحصاءات انحراف الأحداث في المملكة العربية السعودية، فلقد بلغ عدد الأحداث المودعين دار الملاحظة بالرياض، في عام 1411هـ، ممن يقطنون في الأحياء الشعبية قبل إيداعهم (566 حدثًا) بنسبة 40%، في حين بلغ عدد الأحداث الذي يقطنون أحياء راقية قبل إيداعهم (214 حدثًا) بنسبة 15% فقط(53)، ويتوزع البقية بين أحياء حضرية متوسطة، وأحياء ريفية، وسكان بادية.
وفي الدراسة التي أجراها (الربايعة)(54)على ثلاثة مجتمعات (الأردن، المغرب، السودان) وجد أن 30% من جيران من ارتكبوا جرائم سبق أن دخلوا السجن.. ويتضح الترابط بين الحي وساكنيه وأثره في إكساب الفرد السلوك المنحرف، إذا عرف أنه في الدراسة السابقة نفسها وجد أن 40% من العينة كانوا يزورون جيرانهم يوميًا، و34% منهم كانوا يزورونهم أسبوعيًا.
* جماعة الرفاق (الأصدقاء):
تتكون عناصر شخصية الطفل وسلوكياته بواسطة العديد من المؤثرات، وإن كانت الأسرة والمدرسة والحي من أبرز تلك المؤثرات، فجماعة رفاق الطفل وأصدقاؤه لا تقل في الأهمية عما ذكر، بل قد تفوق تأثيرات الأصدقاء تأثير العوامل السابقة، ذلك أن جماعة الرفاق تتيح (للحدث فرصة تحدي الوالدين من خلال قوة الجماعة الجديدة التي صار جزءًا منها، التي تسانده في إظهار هذا التحدي)(55)، إضافة إلى شعوره (أنهم يمدونه بزاد نفسي لا يقدمه له الكبار أو الأطفال... وبهذا تعد طبقة الأقران أحد المصادر المهمة والمفضلة عند المراهقين للإقتداء واستقاء الآراء والأفكار) (56).
ولقد أشار الإسلام لأهمية الرفقة والصداقة وأثرها في حياة الفرد في اكتساب القيم والسلوكيات والأفكار. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم إلى من يخالل) (57)، والخليل هو الصديق أو الرفيق، فإذا كان أثر الصديق يمتد إلى الدين فلا شك أن أثره في سلوكه واتجاهاته سيكون واضحًا وبينًا، هذا إذا كان واحدًا، فكيف إذا كانت جماعة ? فلا شك أن أثرها على الطفل أو الحدث سيكون أكبر.
ولا غرابة أن يكون لجماعة الرفاق كل ذلك الأثر، (فالانتماء هو أساس العيش في جماعة اللعب، وهو يتمثل بالقبول المطلق والولاء المطلق... فالطفل يتعلم في جماعة اللعب كيف يعيش في جو جماعي من نوع جديد، وفي إطار قواعد اجتماعية جديدة لا سبيل لمخالفتها) (58)وإلا نبذته الجماعة.
وإن كان بعض الباحثين يرى أن الحدث لا يصاحب إلا من يتفق معه في الميول الانحرافية، أو بينهما اتفاق سابق في الميول الانحرافية، وتشابه في العادات التي تؤدي إلى السلوك المنحرف. بل إنه من العسير أن يندمج الحدث السوي في جماعة منحرفة إلا إذا كان الاستعداد للسلوك المنحرف موجودًا لديه.
ولعل هذا الرأي ينطبق على الأحداث الذين يختارون أصدقاءهم بمحض إرادتهم، ولكن كيف بمن يجد نفسه في بيئة يفرض عليه فيها جماعة الرفاق ? كأن يكون رفقاؤه من أقاربه أو جيرانه.
وأصدقاء الحدث، نستطيع أن نصنفهم إلى ثلاثة أصناف رئيسة، يختلف تأثير كل صنف عن الآخر، وهؤلاء الأصناف هم:
1- أصدقاء الحدث المماثلون له في السن.
2- أصدقاء الحدث الأكبر منه سنًا.
3- أصدقاء من الأقارب والجيران.
ويختلف أثر كل صنف على الحدث في اكتساب السلوك المنحرف، فنجد أن أشدها خطورة وأكثرها تأثيرًا على الحدث الصنف الثاني الذين يفوقون الحدث سنًا، إذ يعتبرهم الحدث المثل الأعلى، ويرى أن انحرافهم بطولة، يسعى إلى تقليدهم والإقتداء بهم، وقد يتطور الأمر إلى استغلال الصديق البالغ للحدث في أمور عدة، من سرقة، أو ترويج مخدرات، أو شذوذ جنسي، أو غيره من الانحرافات.
ولقد أوضحت بعض الدراسات والأبحاث أن الفرد قليلاً ما يرتكب الجناح منفردًا، ومن هذه الدراسات الدراسة التي قام بها (جلوك) على 500 طفل جانح، فوجد أن 492 حدثًا منهم، أي ما نسبته 98. 4%، لم يرتكبوا الجناح بمفردهم، وإنما مشاركة مع آخرين(59).
وكذلك الدراسة التي أجراها شو ومكاي (Shaw and Mekay) على 5480 حدثًا منحرفًا، فوجد أن 81. 8% منهم ارتكبوا أفعالهم الانحرافية مع آخرين(60).
وفي الدراسة التي أجرها (حيدر) على المجتمع السوري، ظهر أن 73% من الأحداث ارتكبوا أفعالهم الانحرافية بمشاركة آخرين(61).
وفي المجتمع السعودي، نجد أنه في الدراسة التي أجراها (المطلق) على دار الملاحظة في القصيم، ظهر أن 73% من الأحداث قد ارتكبوا أفعالهم الانحرافية بمشاركة آخرين(62).
وفي الدراسة التي أجراها (الربايعة) على ثلاثة مجتمعات (الأردن، المغرب، السودان)، ظهر أن 40% من أفراد العينة ارتكبوا جرائمهم بالاشتراك مع آخرين، وتبين أن الأصدقاء يشكلون حوالي 78% من أعضاء هذه الجماعة(63).
وبكل حال فتأثير جماعة الرفاق ما هو إلا عامل من العوامل الاجتماعية المؤثرة في انحراف الأحداث، لا يعمل إلا (بوجود عوامل أخرى مختلفة، تدفع الحدث إلى أن يجد في مثل هذه الرفقة تخفيفًا لمتاعبه وصراعاته، ومن أمثلة هذه العوامل فقدان الرعاية الأسرية، أو الفقر الشديد، والإهمال الشديد، أو القسوة الزائدة)(64).
الخاتمة:
انتهى هذا البحث إلى مشروعية الترويح في الإسلام، بل قد يكون مطلوبًا ومهمًا في حياة الفرد.. كما يستطيع الفرد أن يحقق منه أقصى النتائج الإيجابية إذا تعامل معه وفق النظرة الشرعية للترويح، ووفق الضوابط المتعددة التي حرص الإسلام على تلازمها مع أي ممارسة ترويحية، فهناك ضوابط أساسية للترويح، حيث ينبغي ألا يكون محرمًا في ذاته أو يصاحبه محرم، مثل: الترويح الذي يطال الآخرين منه إيذاء، أو استهزاء، أو سخرية، أو كذب، أو يصاحبه موسيقى أو معازف أو غناء، أو تحريش بين البهائم. كما يوجد ضوابط أخر تتعلق بالمشاركين في الترويح، وضوابط في وقت الترويح، ومكانه وزيه.(3/52)
ومما خرج به البحث التأكيد على ضرورة انبثاق الترويح من عقيدة المجتمع، فلقد فشلت كثير من البرامج الترويحية في البلاد المسلمة بسبب استيراد الكثير من المناشط الترويحية من البلاد الخارجية دونما مراعاة لخصوصية المجتمع المسلم.
وثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يمارس الترويح بنفسه، ويحث عليه كما تبين ذلك في العديد من الأحاديث الصحيحة، كما كان صحابته رضوان الله عليهم يمارسون العملية الترويحية في حياتهم اليومية، ولم تكن ممارسته - صلى الله عليه وسلم - وصحابته لمجرد الترويح فحسب، بل كان له أهداف محددة وسامية، من أبرزها:
- تعويد المجتمع على الحياة الجادة.
- تحقيق التآلف الأسري والمجتمعي.
- التودد إلى أفراد المجتمع المسلم.
- إظهار الفسحة في الدين الإسلامي.
- إزالة ما قد يعتري المسلم من هموم الحياة.
وقد تعددت الممارسات الترويحية في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهناك: المسابقة على الأقدام، والمسابقة على الخيل والإبل، والمصارعة، والسباحة، والرمي، وحمل الأثقال، والصيد بالسهام والكلاب. وهذه المناشط زاولها بعض الصحابة رضوان الله عليهم في حياتهم اليومية.
كما وجد في عصره - صلى الله عليه وسلم - ألعاب أخر خاصة بالأطفال، مثل: العرايس، والمراجيح، والمسابقة بالأقدام. وكل هذه الممارسات أصول للترويح يمكن أن تنبثق منها العشرات من الممارسات الترويحية الأُخر، طالما كانت منضبطة بالضوابط الشرعية.
كما انتهى البحث إلى أن هناك علاقة تلازمية بين الكيفية التي يتم بها قضاء وقت الفراغ والانحراف، وأن أوقات الفراغ إذا لم يخطط لها بشكل صحيح فسوف تنتهي إلى مسالك الانحراف التي يدمر الإنسان فيها نفسه ومجتمعه.
هذا ما انتهيت إليه، فإن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله الموفق.
http://www.islamweb.net المصدر :
==============
اذبح الفراغ بسكين العمل
أمل محمد السعدي
عزيزي الشاب:
اذبح الفراغ بسكين العمل يضمن لك أطباء العالم 50% من السعادة وعندما تجد في حياتك فراغاً فتهيأ للهم والغم والتخبط في الحياة.
اللون الشفاف، البريق، اللمعان كلها صفات لكل من الثلج والماس، فإما أن تذوب وتتلاشى بلا أثر كقطعة الثلج، وإما أن تصمد أمام كل ما يعترضك من صعاب واختبارات كقطعة الماس، فاختر ماذا تكون؟؟.
قد يتوقف الإنسان في أحد منعطفات الحياة، ولكن من لديه غاية لا يتوقف أبداً، وهذا هو الذي دفع الصحابة للعمل من أجل الفردوس الأعلى.
ديننا دين وقاية حتى إذا وقع المحظور تحول إلى دين علاج.
إمساك المسلم عن الشر أقل الصدقة، ولو التزمنا به لطابت حياتنا .
تعود على إنهاء ما تبدأ به، ولا تقفز من عمل إلى عمل آخر تاركاً خلفك مجموعة من الأعمال الجزئية.
لا بد أن تكون أهدافك واضحة لمن حولك، حتى لا تثير شكوكهم، فتضيع مجهوداتك هباءً من غير تأثير
لا تكل الاتهامات دون بينة تقطع بها شكك وأرح عقلك من تقليب الأفكار الظنونية، واعلم أن أجمل العلاقات هي التي تبنى على الثقة المتبادلة.
أحمق الناس من لا يتعلم حتى يقع هو في الخطأ نفسه الذي وقع فيه آخرون قبله .
القصة الواحدة عندما تدور على عدة ألسنة، عليك أن تدرك أن 50 % من وقائعها التي سردت مختلقة.
تنمية الموهبة لا يكون عن طريق ممارستها فقط، بل عن طريق اكتشاف كل ما هو جديد فيها، ومحاولة تجربة هذا الجديد عندها تتحول الموهبة إلى إبداع .
http://www.alnoor-world.com المصدر:
=============
الفراغ ومنهج الإسلام في استثماره
عبد الرحمن واصل
الفراغ.. هو ذلك الغول المخيف الذي يفترس الإنسان العاطل، وهو من أقوى أسلحة الشيطان ضد الشباب، والمجتمعات التي لا تستثمر شبابها إنما هي مجتمعات تنتحر انتحاراً بطيئاً.
وأننا لنعجب كل العجب من تلك الدول المسلمة التي تعيش عالة على ما تنتجه العقول الشرقية والغربية في شتي مجالات الحياة ـ نعجب إذ تترك شبابها نهباً للفراغ والضياع.
لماذا لا نقيم معسكرات عمل للشباب على جميع الجبهات، وعلى كل المستويات، وكأنه استنفار عام، وتعبئة شاملة؟
لماذا لا نقيم للشباب معسكرات للتدريب العسكري في فترات إجازاتهم لتنمى فيهم روح البطولة، ولتكون بمثابة متنفس نظيف لطاقاتهم المذخورة في كيانهم؟
لماذا لا تقوم الأجهزة المسئولة عن الشباب في كل بلد مسلم بإقامة المعسكرات الإسلامية، وإقامة النوادي (النظيفة) التي تستمد لوائحها ونظامها من خلق الإسلام وسلوكه؟
والإجابة.. لا أدرى إلا أن ذلك ضرب من ضروب الكسل والإهمال وسوء التخطيط الذي أصبح سمة لعامة المجتمعات الإسلامية في هذا العصر.
ونحن نعلم كيف كان موقع الشباب في صدر الإسلام، وكيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يترك شبابه وقوداً هشاً لنار الفراغ المحرقة، فلا عجب إذا رأينا رجلاً كمونتجمرى وات يقول في كتابه ((محمد في مكة)): " إن الإسلام كان في الأساس حركة شباب".
نعم.. كان حركة شباب، وبسواعدهم ارتفع البناء شامخاً يناطح الجوزاء.
وعلى هذا النهج السامي في تربية الشباب سار خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنجد عمر - رضي الله عنه - يخاف على الشباب غوائل الفراغ فينبه ولاته إلى ذلك قائلاً لأحدهم: " يا هذا إن الله قد خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في طاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك المعصية ".
ويوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النظر إلى أن الوقت من النعم التي لا يشعر بها الإنسان فيقول: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ".
ويصور الحق ـ تبارك وتعالى - مشاهد الحسرة التي تقطع نياط قلوب الغافلين عند الموت فيقول: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون:100] (رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ*وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 10ـ 11]
ولأن هذه الأعمار كانت خراباً وصفراً من كل عمل نافع من الأعمال الصالحة؛ فإن أصحابها يتوهمون أن عشرات السنين التي مكثوا فيها على الأرض ما هي إلا ساعة أو عشية وضحاها، أو يوماً أو بعض يوم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) [الروم:55] (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) [النازعات:46] (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ) [المؤمنون:112ـ113 ].
فوقت الإنسان هو عمره، وهو أغلى من الذهب، لأن الذهب يذهب ويعود والعمر إذا ذهب فإنه لا يعود:
حياتك أنفاس تعد فكلما *** مضى نفس منك انتقصت به جزءاً
فتصبح في نقص وتمسى بمثله *** وما لك معمول تحس به رزءاً
وليته إذا مضى لا يخلف آثاراً ولا تبعات، ولكن يسأل عنه كل إنسان في ساحات القيامة قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، و عن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه، و عن علمه ماذا عمل فيه".(3/53)
إن مرحلة الشباب ـ يا شباب ـ هي مرحلة الطاقة المتوقدة والحيوية المتدفقة، والعطاء بغير حدود، والفترة التي تستطيع فيها أن تصنع العجائب، وآمالك ومستقبلك إذا لم يتحقق في هذه المرحلة فعليك العفاء.
إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً *** فمطلبها كهلاً عليه عسير
يقول عالم النفس وليم جيمس:
" إذا قسنا أنفسنا إلى ما يجب أن نكون عليه لاتضح لنا أننا أنصاف أحياء، فإننا لا نستخدم إلا جانباً يسيراً في حدود ضيقة يصنعها داخل حدوده الحقيقية، إنه يمتلك قوى كثيرة مختلفة، ولكنه عادة لا يفطن لها، أو يخفق في استخدامها".
** أتعرف يا صديقي الشاب أن الفراغ الذي تعاني منه قد حدا بعمالقة البشر إلى أن يستثمروه في الحصول على بطولات رياضية، أو انتصارات علمية تنعم البشرية في ظلها اليوم، ففرضوا أنفسهم على الناس أحياء وأمواتاً، ولم يذهبوا كغثاء السيل، ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا نسخاً مكررة من ملايين النسخ التي تشاهدها في النماذج البشرية كل يوم، وإنما رحلوا عن الدنيا وقد تركوا بصماتهم عليها.
والفتاة المسلمة أيضاً ينبغي علينا أن تقيم لها النوادي المغلقة الخاصة بها لتمارس فيها نشاطها الاجتماعي والرياضي، وعليها أن تشغل أوقات فراغها بالتفصيل والتطريز والقراءة (وتمريض النساء)، وأن تعد نفسها لتكون زوجة مثالية، وأماً مثقفة ينعكس ظل ثقافتها على تربية أولادها بل وعلى مجتمعها المسلم أيضاً.
تقول ((دروثى كارنيجى)): وكثيرون هم الناجحون الذين بلغوا ذروة النجاح معتمدين على ما جنوه من علم ومعرفة خلال أوقات فراغهم: كان ((تشارلس فروست)) إسكافياً ولكنه استطاع أن يصبح من المبرزين في الرياضيات بتخصيص ساعة واحدة من يومه للدراسة، وكان ((جون هتنر)) نجاراً، ثم شرع يدرس ((التشريح المقارن)) في أوقات فراغه، مخصصاً لنومه أربع ساعات وحسب من الليل، حتى أصبح حجة في هذا الميدان، واستطاع ((سير جون لايوك)) أن يقتطع من يومه المزدحم بالعمل بوصفه مديراً لأحد المصارف ـ ساعات يقضيها في دراسة التاريخ حتى أصبح علماً بين المؤرخين، وتعلم ((جورج ستيفنسون)) الحساب في أوقات نوباته الليلية بصفته مهندساً، ووسعه مستعيناً بهذا العلم أن يخترع القاطرة، ودرس "جيمس واط" الكيمياء والرياضة في أثناء اشتغاله بالتجارة فأمكنه أن يخترع المحرك البخاري، والله كم كان يخسر المجتمع الإنساني لو أن هؤلاء الرجال قنعوا بأعمالهم المتواضعة، ولم يجدوا في أنفسهم دافعاً للاستزادة من العلم والمعرفة، ولا يلومن أحد إلا نفسه إذا لبث مغموراً مجهولاً لأنه تخلى عن متابعة العلم منذ اللحظة التي أدرج فيها اسمه في كشف المرتبات".
** صديقي الشاب، إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل، وقد يهجس لك الشيطان فيغريك ويمد لك في حبال الأماني الكاذبة فيقول لك: إنك ما زلت ترفل في حميا الشباب، ومازال العمر ممتداً لتحقيق الآمال، ولكنها وساوس خبيثة تجعل الشاب بعد أن أصبح في عداد الشيوخ ينظر إلى عمره الذي ولى، وكأنه حلم نائم.
يقول " ستيفن ليكوك": " ما أعجب الحياة، يقول الطفل: عندما أشب فأصبح غلاماً، ويقول الغلام: عندما أترعرع فأصبح شاباً، ويقول الشاب: عندما أتزوج، فإذا تزوج قال: عندما أصبح شيخاً متفرغاً، فإذا واتته الشيخوخة، تطلع إلى المرحلة التي قطعها من عمره، فإذا هي تلوح كأن ريحاً اكتسحتها اكتساحاً إننا لا نتعلم إلا بعد فوات الأوان أن قيمة الحياة في أن نحياها، وفي أن نحيا كل يوم منها وكل ساعة ".
إننا في حاجة إلى الطبيب المسلم، والصيدلي المسلم، والمهندس المسلم، والمعلم المسلم، والمحاسب المسلم، والمحامي المسلم، والموظف المسلم، والمحترف المسلم في كل ميدان نحتاج إلى علماء مسلمين، حتى يقدموا العطاء الكبير لهذا الدين، ولن يتمكنوا من العلم لهذه الغاية النبيلة من خلال هذه المجالات إلا إذا كانوا علماء فيها، ولن يكونوا علماء فيها إلا إذا سخروا أوقات فراغهم لبلوغ هذا الهدف العظيم.
وأخيراً تأمل معي قول الشاعر:
اثنان لو بكت الدماء عليهما *** عيناي حتى يؤذنا بذهاب
لم يبلغا المعشار من حقيهما *** فقد الشباب وفرقة الأحباب
http://www.islamweb.net المصدر:
===============
الفراغ
إسماعيل بن صالح
أحسب أن المجتمع يستطيع الخلاص من مفاسد كثيرة لو أنه تحكم في أوقات فراغه، لا بالإفادة منها بعد أن توجد، بل بخلق الجهد الذي يستنفد كل طاقة، ويوجه هذا وذاك إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده، فلا يبقى مجال يشعر امرؤ بعده أنه لا عمل له.
إن الفراغ في الشرق يدمر ألوف الكفاءات والمواهب، ويخفيها وراء ركام هائل من الاستهانة والاستكانة، كما تختفي معادن الذهب والحديد في المناجم المجهولة!
يروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: إني لأرى الرجل فيعجبني، فإذا سألت عنه فقيل لا حرفة له سقط من عيني.
وقال أيضاً: إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً (أي فارغاً) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة.
وقال حكيم: من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه!
والفراغ داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية، إذ النفس لابد لها من حركة وعمل، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلد الفكر وثخن العقل، وضعفت حركة النفس، واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب، وربما حدث له إرادات سيئة شريرة ينفس بها عن هذا الكبت الذي أصابه من الفراغ.
وقد نبه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى غفلة الألوف من الناس عما وهبوا من نعمة العافية والوقت فقال: (نعمتان من نعم الله مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ)، ويقصد بالفراغ: الخلو من المشاغل والمعوقات الدنيوية المانعة للمرء من حيث الاشتغال بالأمور الأخروية.
وفى الحديث الآخر: (اغتنم خمساً قبل خمس) - وعد منها - (وفراغك قبل شغلك).
يقول بعض الصالحين: فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، وكان السلف الصالحون يكرهون من الرجل أن يكون فارغاً لا هو في أمر دينه ولا هو في أمر دنياه. ويشتد خطر الفراغ إذا كان موجوداً لدى الشباب الذين يتميزون بقوة الغريزة والجدة، وفى هذا يقول أبو العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة!
ويقول آخر:
لقد هاج الفراغ عليه شغلاً وأسباب البلاء من الفراغ
ولقد قطع الله - تعالى - المعذرة لأهل الفراغ بقوله:((وجَعَلْنَا اللَّيْلَ والنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ وكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً))[الإسراء:13] فأتاح لهم التكسب من نعم الله وفضله، والنظر في مخلوقاته، والتفكر فيها، واسترجاع طاقات العقل بما ينفع من أمور الدنيا والآخرة.
وبتعدد أنواع الفراغ يمكننا تقييم الحالات التي يصاب بها الشخص من إهدار الأعمال على هامش المفسدة، فجعل الله صفة "الفراغ العقلي" للدواب، وذلك لأنها غير مهيئة لاستخدام عقلها، فشابهها الإنسان عندما يعطل دور عقله في تحصيل العلوم النافعة، وهذا هو سر تمييز عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للرجال حين قال: أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، ومروءته خُلُقه.(3/54)
فلابد من إدراك أهمية ملء الذهن بما ينفع، فإذا عاش الإنسان في فراغ عقلي فإنما كتب على حياته الدمار، وأما من ملأ عقله بما ينفعه في دنياه وأخرته فالفوز حليفه في الدنيا والآخرة، وذلك لأنه كان يغذي عقله لما خلق له في تدبر أمر الله جل علاه، والحقوق اللازمة له، والتفكر في مخلوقات الله كما أمر تبارك و تعالى بذلك حين قال:((وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ والشَّمْسَ والْقَمَرَ والنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [النحل:12].
وأما الفراغ القلبي فأوضح الله تبارك وتعالى أن ملء الفراغ القلبي يكون بالإيمان، وهذا ما أكده ابن مسعود - رحمه الله - حين طلب منا أن نتفقد قلوبنا في المواطن الإيمانية بقول:"اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القران، وفى مجالس الذكر، وفي أوقات الخلوة، فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك".
وما عليك في هذه المرحلة إلا أن تقض على هذا الفراغ بتقوية صلتك بالله، حتى تضع في قلبك إيماناً قوياً بدل فراغ قاتل يسمم حياتك.
والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وذلك هو الفراغ النفسي، فمن أطلق لنفسه العنان تهوي به ذات اليمين وذات الشمال، فإن هذه صورة تمثل النفوس الفارغة التي صورها لنا سيد قطب - رحمه الله - بقوله: "إنها صورة (النفوس الفارغة) التي لا تعرف الجد، فتلهو في أخطر المواقف وتهزل في مواطن الجد، وتستهتر في مواطن القداسة.
والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال بالقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال، فلا تصلح للنهوض بعبء ولا الاضطلاع بواجب، ولا القيام بتكليف وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة.
فهذه هي حالة النفوس الفارغة، فلا قول ولا عمل ولا إيمان ولا دين، همها اللعب واللهو في الدنيا ويتبعه حسرة وندامة يوم القيامة.
إن إدراك الإنسان قيمة الزمن، وإيجاد الحل للفراغ ليس إلا إدراكاً لوجوده وإنسانيته ووظيفته في ركام هذه الحياة، فأين الذين قاموا بما تقتضيه هذه الخصال فإن الحساب عسير، يقول الحسن البصري - رحمه الله -: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم!، ويقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي.
وإذا كان هذا هو حرص سلفنا على الوقت وتقدير قيمته وخطره، فإن مما يدمى القلب، ويمزق الكبد أسى وأسفاً: ما نراه - البوم - عند كثير المسلمين من إضاعة للأوقات فاقت حد التبذير إلى التبديد، حتى يجلسون الساعات الطوال من ليل أو نهار أمام القنوات الفضائية، ويشاهدون ما يعرض فيها من أنواع المحرمات، أو بتصفح المواقع السيئة الموجودة على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، أو السفر إلى أماكن اللهو المحرم والرذيلة، وأحسنهم حالاً من انشغل في المباحات حتى ألهته عن كثير من الطاعات والقربات، تجد أكثرهم لاهين عن ذكر الله وعن الصلاة، فإذا سألتهم عن عملهم هذا قالوا بعبارة تفقدك الأمل فيهم: (نقتل الوقت)، وما يدرون أنهم يقتلون أنفسهم في الحقيقة، وسوف يندمون حين يقال لهم:((أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)) [ فاطر:37 ].
إذن فالفراغ داء قتال إذا لم يمضه صاحبه بما ينفع، وإذا أراد الله - سبحانه - بالعبد خيراً أعانه بالوقت، وجعل وقته مساعداً له، وإذا أراد شراً جعل وقته عليه، وناكده وقته حتى يفقد وظيفته في هذه الحياة.
وأفضل ما تصان به حياة إنسان أن يرسم لها منهاجاً يستغرق أوقاتها، ولا تترك فرصة للشيطان أن يتطرق إليها بوسوسة، أو إضلال، فإن ذلك هو بداية حمل النفس على المتاعب العقلية والبدنية من غير عمل ناجح.
إن المسلم يغالي بالوقت مغالاة شديدة لأن الوقت عمره، فإذا سمح بضياعه، وترك العوادي تنهبه فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش، والإسلام دين يعرف قيمة الوقت وخطر الفراغ، ويقدر خطورة الزمن يؤكد الحكمة الغالية "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، وما فشت المنكرات وازدادت حدة العصيان وانتشار الجرائم إلا بازدياد نسبة الفراغ، ذلك لأنه يفتح على هؤلاء أبواباً عديدة، على رأس كل باب شيطان يدعو إلى الرذيلة، فعند ذلك هل يتحكم الشخص بعقله أمام هذه الأبواب فيربي فراغه على التحصيل والاستفادة أم ينفذ من أحد هذه الأبواب؟! فالزمن نعمة عظمى، ومنة كبرى لا يدريها ويستفيد منها كل الفائدة إلا الموفقون الأفذاذ، قال عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ".
نعم أنت خلقت للعبادة والعبادة عمل تستلزم منك عدم إهدار أوقاتها بين الغفلة والكسل.. ويقول الحسن البصري: يا ابن آدم. إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك"، فالإنسان مأمور باغتنام أوقات فراغه. حتى ولو لم تكن مناسبة للاغتنام، لأن الأماني والأحلام لا تصنع حاضراً ولا تبنى مستقبلاً، وهذا ما عناه أحمد بن فارس الرازي بقوله:
إذا كان يؤذيك حر المصيف *** ويبس الخريف وبرد الشتا
ويُلهيك حسن زمان الربيع *** فأخذك للعلم قل لي: متى؟
والأيام تنطوي على ما عمل فيها بلا استرجاع إلى يوم القيامة فأهل الفراغ تطوى صحائفهم اليومية معظمها على عتبة الفراغ والبطالة. إن هؤلاء هم أولى بالحجر عليهم من الحجر على أهل إضاعة المال، فهذا يمكن استرجاعه والتصرف فيه والاستفادة منه أما الوقت فلا!
يقول الإمام الحسن البصري: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة" ولو قلبنا صفحات تاريخنا الإسلامي لوجدناه مليئاً برجال سابقوا الزمان، وملؤوه بالعلم والمعرفة، فتخلد ذكرهم وهم بين طبقات الثرى، كانوا دائماً بين أروقة العلم والعبادة لأن قيمة الزمن عندهم ترتبط بالغاية من الخلق وهي العبادة.
ومع ذلك فإننا نحن الآن لا نبني بفراغنا شيئاً ثمرته خير للأمة والفرد، لأننا لا نبالي بمرور الوقت الذي استغله وتحكم فيه أعداؤنا، فمثلاً لقد أهدرنا في كثير من الأحيان وقت قراءة القرآن وتدبره والعمل بما فيه الذي هو الروح لتحريك الأمة وهو مصنع الرجال الأفذاذ.
ولي دعوة في آخر هذا المطاف للشباب لأنهم هم عماد المستقبل، وهم القوة الدافعة لحضارات الأمم وتقدمها، وهم أصحاب طاقات جبارة تتفجر في وسط العالم لأنها هي مرحلة الإنتاج، أدعوهم إلى استغلال هذا الوقت المزهر في طلب العلم، والتزود من العبادات المختلفة، وتربية النفس وصقلها بين أجنحة المواهب، وصرف الهمم إلى الإنتاج البشري المثمر، ذلك لأني أرى الكثيرين من شباب اليوم فارغي النفوس والقلوب والرؤوس..فلا علم ولا عمل، ولا دين ولا إيمان... ولا نرى لهم أثراً على الساحة العالمية سوى الانتصارات الرياضية، والانخراط في سلك التائهين.. والناظر إلى الغرب وواقع الشباب فيه يدرك مدى الانحطاط الخلقي الذي يغوص في وحله الألوف من أصحاب الصرعات الانحرافية التي بدأ فيروسها ينتقل إلى طاقات الشباب الإسلامي حتى يعيشوا في خواء روحي وفراغ عقلي. نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.
http://www.alnadwa.net المصدر:
==============
أطرد الفراغ بالعمل
الفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات لأن أذهانهم موزعة (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف).(3/55)
إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق تجنح ذات اليمين وذات الشمال.
يوم تجد في حياتك فراغاُ فتهيأ حينها للهم والغم والفزع؛ لأن هذا الفراغ يسحب لك كل ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريج ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدلاً من هذا الاسترخاء القاتل؛ لأنه وأد خفي وانتحار بكبسول مسكن.
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع السجين تحت أنبوب يقطر كل دقيقة قطرة، وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون.
الراحة غفلة، والفراغ لص محترف، وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية.
إذاً قم الآن صل أو اقرأ أو سبح أو طالع أو اكتب أو رتب مكتبتك أو أصلح بيتك أو انفع غيرك حتى تقضي
على الفراغ وإني لك من الناصحين.
اذبح الفراغ بسكين العمل ويضمن لك أطباء العالم 50% من السعادة مقابل هذا الإجراء الطارئ فحسب.
انظر إلى الفلاحين والخبازين والبناءين يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة وأنت على فراشك
تمسح دموعك وتضطرب لأنك ملدوغ.
http://www.d3wa.orgالمصدر:
==============
الشباب يملأون الفراغ
لا شك أن الكثير من الشباب, في العالم يعيش أزمات خانقة, تؤثر في تكوينه الشخصي, والنفسي تأثيراً سلبياً, كبيراً، والمشكلة أن هذه التأثيرات, يتعرض لها الشاب في مرحلة التكوين، أي في سن المراهقة, أو ما بعدها، مما يدفعه إلى سلك طرق قد تؤدي به إلى النهاية.
والظاهرة التي بدأت تشهدها عدة دول في العالم, منها: دول عربية هي «شباب الأرصفة» حيث يجتمع مجموعات من الشباب العاطلين عن العمل, أو ممن لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات، يتجمعون على الأرصفة بشكل ملفت،ويقوم بعضهم بإيذاء الغير, أيضاً لإفراغ ما لديه من شحنة سببها الإحباط غالبا.
ومن هذه الظواهر غير اللائقة حينما تأخذ مجموعات من الشباب على التجمع في أماكن معينة, تحتوي مقاعد عامة مثلاً, أو بقرب الحدائق، ثم يتم تقاطر هؤلاء الشباب الواحد تلو الآخر, حتى تكتمل «الشلة» التي تواصل تجمهرها هذا؛ إلى ساعات متأخرة من الليل!!.
وعادةً لكل شلة طابعها الخاص، ومكان دائم لتجمعها اليومي، الذي غالباً ما يكون قريباً ,أو في وسط التجمعات السكانية, والتجارية، وتتباهى كل شلة بعدد أفرادها, وتعتبر نفسها الأقوى, والأبرز، وغالباً ما تقوم هذه الشلل بإيذاء الناس.
بعض هذه الشلل تمارس هواية أقل إيذاءً, وتتخذ طابعاً, رياضياً،كأن تكون الشلة من مشجعي إحدى الفرق المحلية، مع أن الأمر لا يخلو أحياناً من تحرش هذه الشلل, ببعضها البعض, على قاعدة الاختلاف على تشجيع أحد الأندية.
وقد تكون البطالة, إحدى مسببات هذه الظواهر، أو قد يكون الخواء العام الذي يعيشه الشاب بسبب سلسلة الإحباطات التي يمر بها, إن على الصعيد الشخصي, أو العام، وهي ما قد تدفعه أحياناً إلى سلوك غير سوي, يعبر فيه عن إحباطه, وملله.
لا شك أن جزءاً كبيراً من هذا الفراغ, يتحمله الشاب نفسه، لكن أيضاً أين دور المؤسسات في احتواء هذه الشحنة القوية؛ التي قد لا يستطيع الشاب تفريغها إلا على الأرصفة؟؟!
http://alshirazi.com المصدر :
===============
إنه الفراغ....طريق الانحطاط
( لا يا صديقي ... طريقك ليس طريقي ... ولن يكون ... فأنا لا ألعب الورق ولا أتسكع في الطرقات و الأسواق ... ولا أغازل الفتيات ... وأرفض جلسات الشلل بكل ما فيها سلوكيات ... أرفض الوقوع في المصيدة ... وأرفض رحلات السفر غير البرئية ... بكل اختصار أرفض كل طريق نهايته الدمار ... وأرفض صداقتك هذه ).
نعم إنه الفراغ .. البداية والنهاية معاً .. وليته فراغ في الوقت فحسب !!! ولكنه للأسف فراغ في العقل والقلب والروح .. لا يفلت منه أحد ، شاب .. فتاة .. رجل .. إمرأة .. حتى الأطفال .. ولا يرتبط بالأجازات فقط .. ولكنه يعمل على مدار الـ 24 ساعة .
فراغ الشاب يوقعه في شرك أصدقاء السوء ، فينجرف إلى الهاوية .... وفراغ الفتاة يعمي بصيرتها فتسئ أختيار صديقاتها .. فتقع ضحية لصديقات لا هم لهن سوى القيل و القال .. وإفشاء الأسرار .. وكثرة الكلام فيما لا يغني ولا يسمن من جوع .. وان سمحت لها الظروف انجرفت إلى الأسوأ .. وتتهاوى مع كل خطوة هنا وهناك وتصبح فريسة سهلة ولعبه بيد الآخرين .... وفراغ الرجل يغريه ببلاد الحرية والاستمتاع بلا قيود .. فيحزم حقائبه وأمتعته ويأخذ ما معه من مال ليرحل إلى تلك البلاد .. باحثا عن المتعة والتجديد .. تاركا أهله .. زوجته .. أولاده .. لينسى همومه ويعود ثانية ولكنه محملا بالأمراض والأفكار الغريبة عن مجتمعاتنا .. وقد انفق ما معه واستدان عليها أضعافها .... أما المرأة ، فالفراغ يصيبها بالاكتئاب والإحباط والحرمان ... مهما يقودها إلى سلك الطرق المشبوهة ، وارتكاب الأخطاء الفادحة .
الفراغ بداية عبث الأطفال وتشردهم وضياعهم .. أنه أول طريق الفوضى .. واللامبالاة ومنه جنوح الأحداث والسرقات .. وجرائم الاعتداء على الآخرين .
أما فراغ العقل فهو خواء يعيشه البعض .. جهل .. وتغيب عن الواقع والمسؤوليات .. ورفض للمنطق والإقناع .. حين يفرغ العقل فلا مكان إلا لنداءات الشيطان .. وسقوط القيم والمبادئ .. وانعدام الضمائر والأخلاق .
الكوارث الكبرى مصدرها فراغ القلب والروح .... الشاب يتلاعب بالفتاة باسم الحب .. فيبحث عن عاطفة هائمة على وجهها ليسلي به فراغه العاطفي .. ثم يشبع فيتركها .... الفتاة تركض وراء الحب .. فتفتن بالكلمات الحلوة وبقصائد الغزل .. فتسرح مع المشاعر الكاذبة .. لتنتهي ( الدراما ) بمأساة ..... والرجل يلهث وراء المرأة .. يفكر في هذه .. وتلك .. يرى كل النساء جميلات إلا زوجته .. يحاول أن يسد فراغه العاطفي .. بأي امرأة كانت .. زميلة عمل ... زوجة صديق .. أو ضحية تبحث هي أيضا عمن يحنو عليها ...... فالمرأة عندما تشعر بالفراغ العاطفي .. تحاول تعويض حرمانها بالقدر التي تسمح به الظروف .. وآآآآآهٍ من المرأة إذا سقطت في بئر الحرمان .. وكانت الظروف مهيأة لها .
نعم .. أنه الفراغ فمنه البداية والنهاية !!!!!!!
ما رأيكم ؟؟؟؟؟
http://www.alsaha.com المصدر :
==============
آفات الفراغ
فضيلة الشيخ: محمد الغزالي - رحمه الله -
في أحضان البطالة تولد آلاف الرذائل، وتختمر جراثيم التلاشي والفناء.
إذا كان العمل رسالة الأحياء فإن العاطلين موتى.
وإذا كانت دنيانا هذه غراساً لحياة أكبر تعقبها، فإن الفارغين أحرى الناس أن يُحشروا مُفلسين لا حصاد لهم إلا البوار والخسران.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى غفلة الألوف عما وُهبوا من نعمة العافية والوقت فقال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة، والفراغ".
أجل .. فكم من سليم الجسم ممدود الوقت يضطرب في هذه الحياة بلا أمل يحدوه، ولا عمل يشغله، ولا رسالة يخلص لها ويصرف عمره لإنجاحها.
ألهذا خلق الناس؟ .. كلا، فالله عز وجل يقول: (أفحسبتم أنا خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق) [ الآيتان: 115-116 من سورة المؤمنون].
إن الحياة خلقت بالحق، الأرض والسماء وما بينهما.
والإنسان في هذا العالم يجب أن يتعرف هذا الحق وأن يعيش به.
أما أن يدخل في قوقعة من شهواته الضيقة، ويحتجب في حدودها مذهولاً عن كل شيء فبئس المهاد ما اختاره لحاضره ومستقبله !!.(3/56)
وما أصدق ما رواه الشافعي في أسس التربية هذه الكلمة الرائعة: "وإذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل".
وهذا صحيح؛ فإن النفس لا تهدأ.
إذا لم تَدُرْ في حركة سريعة من مشروعات الخير والجهاد والإنتاج المنظم لم تلبث أن تنهبها الأفكار الطائشة، وأن تلفها في دوامة من الترهات والمهازل.
وأفضل ما تصون به حياة إنسان أن ترسم له منهاجاً يستغرق أوقاته، ولا تترك فرصة للشيطان أن يتطرق إليه بوسوسة أو إضلال.
وتوزيع التكاليف الشرعية في الإسلام منظور فيه إلى هذه الحقيقة، ألا يُترك للنفس فراغ يمتلئ بالباطل، لأنه لم يمتلئ من قبل بالحق.
ويشرح "ديل كارنيجي" هذا فيقول: (إننا لا نحس أثراً للقلق عندما نعكف على أعمالنا، ولكن ساعات الفراغ، التي تلي العمل هي أخطر الساعات طراً.
فعندما يتاح لنا وقت فراغ لا تلبث شياطين القلق أن تهاجمنا، وهنا نتساءل: أترانا نَحْصُل من الحياة على ما نشتهي؟. أترى كان الرئيس يعني شيئاً بملاحظته التي أبداها اليوم؟. أترانا مرضى؟.
ذلك أن أذهاننا تشبه أن تكون خاوية عندما تفرغ من العمل، والطلاب في دروس الطبيعة يعلمون أن الطبيعة تمقت الفراغ، تريد تجربة على ذلك؟
أحدث ثقباً في مصباح كهربائي مفرغ من الهواء، وسترى أن الطبيعة تدفع بالهواء إلى داخل المصباح ليملأ ما فيه من خلاء، كذلك تسرع الطبيعة إلى ملء النفس الفارغة، بماذا؟ بالعواطف والإحساسات غالباً. لماذا؟
لأن مشاعر القلق والخوف والحقد والغيرة والحسد تندفع بقوة بدائية عنيفة متوارثة من عهد الغابة، وتلك المشاعر من القوة بحيث يمكنها أن تبدد السلام من نفوسنا والاستقرار من عقولنا).
من حق المربين إذن أن يحذروا آفات الفراغ، وأن يحصنوا النفوس من شرورها.
وأمثل الوسائل في هذه الحالات وضع سياسات محكمة للإنشاء الدائم، والبناء المستمر.
فإن شحن الأوقات بالواجبات، والانتقال من عمل إلى عمل آخر -ولو من عمل مرهق إلى عمل مرفه- هو وحده الذي يحمينا من علل التبطل ولوثات الفراغ.
وأحسب أن المجتمع يستطيع الخلاص من مفاسد كثيرة لو أنه تحكم في أوقات الفراغ، لا بالإفادة منها بعد أن توجد، بل بخلق الجهد الذي يستنفذ كل طاقة، ويوجه هذا وذاك إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده.
فلا يبقى مجال يشعر امرؤ بعده أنه لا عمل له.
من قديم عرف المصلحون أن بطالة الغني ذريعة إلى الفسوق.
إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة
ونضم إلى هذا أن بطالة الفقراء تضييع لقدرة بشرية هائلة، وبعثرة مخزية لما أودعه الله في العضلات والأعصاب والأفئدة من طاقات لو فُجرت لغيرت وجه العالم.
وأحق الأنظمة بالقبول والتشجيع ما رعى هذه الحقيقة ورتب عليها تعاليمه.
والإسلام يملك على الإنسان أقطار نفسه من هذه الناحية، فإن أغلب شرائعه يدور على جهاد النفس وجهاد الناس.
وجهاد النفس فطامها عما تشتهي من آثام، أو تجنح إليه من مناكر.
وجهاد الناس منع مظالمهم من إفساد الحياة وخلخلة الإيمان، والإصلاح في جنباتها.
وكلا الجهادين يستغرق العمر كله لحظة لحظة، ولا يستبقي فرصاً للعبث والذهول والغفلات.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل الله الاستمساك بدينه مع نبض قلبه بالحياة، فيدعو: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" [أخرجه أبو داود].
وكان يقول: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت" [الترمذي].
وهذا الاستمداد اليقظ الدائب هو أساس الاكتمال النفسي.
أما شغل الوقت كله بالجهاد العام بعد ذلك فأمر معروف في سيرته، فما استراح من مناهضة الكفر في فج من فجاج الجزيرة إلا ليتحول إلى فج آخر يعمره بالإيمان والتقوى.
وقد جاء صاحباه من بعده أبو بكر وعمر فلم يدعا للمسلمين مجالاً لقعود، فرموا بجيوشهم على معاقل الطغيان في الأرض، فما هي إلا سنوات معدودات حتى امتلأت بقاع العالم بأضواء الإيمان.
فماذا حدث بعد أن ترك المسلمون هذه الواجبات المهيمنة على أوقاتهم كلها؟. فرغ بعضهم لبعض، وعاثت بينهم الفتن!!.
ثم خلفت خلوف جعلت من تفسير المتشابه في كتاب الله مضيعة للوقت الواسع الرخيص!!.
فأساءت بذلك إلى آيات الكتاب كلها محكمها ومتشابهها.
إن الحق إذا استنفد ما لدى الإنسان من طاقة مختزنة لم يجد الباطل بقية يستمد منها.
وإذا استولى على قلبه ولبه فلا مجال لوساوس اللهو وهواجس الريبة.
ويتساءل "ديل كارنيجي": (ما السبب في أن أمراً هيناً كالاستغراق في العمل يطرد القلق؟. السبب في ذلك هو أحد القوانين الأساسية التي اكتشفها علم النفس وهو: من المحال لأي ذهن بشري مهما كان خارقاً أن ينشغل بأكثر من أمر واحد في وقت واحد".
وهذا صحيح، وهو قريب من قول الله عز وجل: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) [الآية 4 من سورة الأحزاب].
إنك كما تعجز عن تخيل شيئين في وقت واحد، فكذلك تعجز عن الجمع بين إحساسين متناقضين.
ليس في استطاعتنا أن نتحمس لعمل مثير ونحس القلق في الوقت نفسه، فإن واحداً من هذين الإحساسين يطرد الآخر.
وهذا القانون البسيط هو الذي مكن الأطباء النفسيين الملحقين بالجيش أن يأتوا بالعجائب في خلال الحرب، عندما كان يأتي الجنود الذين ضعضعت الحرب أعصابهم، كانوا يقولون: أشغلوهم بعمل ما.
إن الفراغ في الشرق يدمر ألوف الكفايات والمواهب، ويخفيها وراء ركام هائل من الاستهانة والاستكانة، كما تختفي معادن الذهب والحديد في المناجم المجهولة!!.
ويستتبع هذا الإهدار الشنيع لقيمة العمل والوقت مصائب لا حصر لها في الأحوال النفسية والاجتماعية والسياسية.
يُروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: "إني لأرى الرجل فيعجبني، فإذا سألت عنه فقيل: لا حرفة له، سقط من عيني.
وفي الحديث: "إن الله يحب المؤمن المحترف".
فلا جرم أن شعوباً بأسرها تسقط من عين الله، وتسقط من أعين أهل الجد والإنتاج لأنها لا عمل لها، استهلكها الفراغ وأسلمها للفناء..
وعندي أن العلة الأولى لتخلف الأمة العربية والشعوب الإسلامية ما غلب على أحوالها النفسية والاجتماعية من قعود واستكانة وتقاعس.
ويستحيل أن تحرز هذه الأجيال الغفيرة من البشر سهماً من نجاح في الدنيا أو فلاح في الأخرى إلا إذا تغير أسلوبها في الحياة، وامحت من ربوعها آثام البطالة والفراغ.
المصدر http://www.bab.com
نقلا من كتاب جدد حياتك
================
الفراغ والغفلة
محمد أحمد الراشد
سيظل اسمنا مكتوباً في سجل الغافلين الفارغين ما دمنا لا نعطي للدعوة إلا فضول أوقاتنا ، وما دمنا لا نشغفها حبًا ولا نتخذها حرفة .
إن الداعية المسلم لا يملك نفسه حتى يسوغ له أن يمنح نفسه إجازة ، وإنما هو - كما شبهه بعض الأفاضل : ( وقف لله تعالى )
. تماماً كنسخة من كتاب نافع حين تُوقَف لله تعالى وتوضع في مسجد من مساجد الله ، فكل داعية موقوف لله ، في جزء من أجزاء دعوة الله .
وإن فضول الأوقات ليست قليلة ومحدودة فحسب ، وإنما هي أردأ ساعات اليوم ، حيث يكون فيها الذهن والجسم متعبين أشد التعب .
وما تجاوز الشيخ المودودي " رحمه الله " أعراف أجيال الدعاة حين صارحنا في تذكرته القيِّمة وقال :( إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نارٌ متقدة ٌ تكون في ضرامها - على الأقل - مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابناً له مريضاً ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب ، أو عندما لا يجد في بيته شيئاً يسد به رمق حياة أولاده ، ولا تزال تقلقه وتضطره إلى بذل الجهد والسعي ) .(3/57)
ولم يتجاوز حين كرر وقال ثانية : ( اسمحوا لي أن أقول لكم إنكم إذا خطوتم على طريق هذه الدعوة بعاطفة أبرد من تلك العاطفة القلبية التي تجدونها في قلوبكم نحو أزواجكم وأبنائكم وآبائكم وأمهاتكم فإنكم لا بد أن تبوءوا بالفشل الذريع ، بفشل لا تتجرأ بعده أجيالنا القادمة على أن تتفكر في القيام بحركة مثل هذه إلى مدة غير وجيزة من الزمان ، عليكم أن تستعرضوا قوتكم القلبية والأخلاقية قبل أن تهموا بالخطوات الكبيرة ) .
إن من يطالب الآن بإلغاء الراحة فإنه إنما يستند إلى مادة واضحة في قانون الدعوة والدعاة سَنَّها عمرُ الفاروق رضي الله عنه تنطق بصراحة أنَّ :
(الراحة للرجال .. غفلة )
وجددها إمام المحدثين شُعبة بن الحجَّاج البصري فقال : ( لا تقعدوا فراغاً فإنَّ الموت يطلبكم ) .
ذلك أن من أراد الراحة والسكون فإن الموت والقبر يزودانه منهما حتى يشبع .
وكأننا والله قد أسرفنا في الغفلة ، ولا بد من عزيمة نفطم بها نفوسنا عن اللهو .
إننا حين نثبت جواز التمتع بالمباحات فلكي يعلم مَن نخاطبه أننا لا ندعوا إلى مثل الطريقة المبتدعة التي كان عليها بعض الزهاد من الجوع والعري والرهبانية ، وإلا فلا يزال جواب ابن الجوزي يصلح جواباً لنا حين سأله سائل : أيجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي ؟ فقال:"عند نفسك من الغفلة ما يكفيها "
فإن اعترض معترض أتيناه بمثل كلام ابن القيم حيث يقول:" لا بد من سِنة الغفلة ، ورقاد الغفلة . . ولكن كن خفيف النوم "
فنحن لا ننكر ما في المعنى الحرفي لإطلاقات مَنْ عاب الراحة من إرهاق ، وإنما نريد - كما أرادوا - تقليلها إلى أدنى ما يكفي الجسم ، كل حسب صحته وظروفه ، خاصة وأن المؤمن في هذا الزمان أشد حاجة للانتباه ومعالجة قلبه وتفتيشه مما كان عليه المسلمون في العصور الماضية ، كما يجب عليه شيء من المجاهدة والمراقبة لوقته أكثر مما كان يجب على السلف .
فكن خفيف النوم أيها الداعية المسلم لتحصل لك هذه الهمة العظيمة .
وانتبه من رقدة الغفلة فالعمر قليل
واطرح سوف وحتى فهما داء دخيل
وعَبَّر الصالحون عن هذه المعاني أحياناً بلفظ آخر سموه : حفظ الوقت ، أو مراعاة الوقت.
وترك الفراغ .. والاستيقاظ من رقدة الغفلة : معناهما التعب ، ثم التعب ، واستفراغ الوُسع في العمل لله : نطق بذلك الإمام الشافعي ، ونفى أن تصح مروءة داعية يطلب الراحة .. فقال : " طلب الراحة في الدنيا لا يصح لأهل المروءات ، فإن أحدهم لم يزل تَعبان في كل زمان " .
ولما سُئل أحد الزهاد عن سبيل المسلم ليكون من صفوة الله .. فقال :"إذا خلع الراحة .. وأعطى المجهود في الطاعة " .
فالداعية الصادق يخلع الراحة ، ويعود لا يعرفها وإنما يبذل المجهود من نفسه ، ويستفرغ كل طاقته في خدمة الدعوة ...
الدعوة إلى الله تعالى..
موقع طريق الإسلام
http://www.islamway.com/ara/articles.php?article_id=149
===========
الفراغ
إسماعيل بن صالح آل عبد الرحيم
أحسب أن المجتمع يستطيع الخلاص من مفاسد كثيرة لو أنه تحكم في أوقات فراغه ، لا بالإفادة منها بعد أن توجد ، بل بخلق الجهد الذي يستنفد كل طاقة ، ويوجه هذا وذاك إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده ، فلا يبقى مجال يشعر امرؤ بعده أنه لا عمل له.
إن الفراغ في الشرق يدمر ألوف الكفايات والمواهب ، ويخفيها وراء ركام هائل من الاستهانة والاستكانة ، كما تختفي معادن الذهب والحديد في المناجم المجهولة!
يروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: إني لأرى الرجل فيعجبني ، فإذا سألت عنه فقيل لا حرفة له ، سقط من عيني.
وقال أيضاً: إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً (أي فارغاً) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة..
وقال حكيم: من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه ، وظلم نفسه!
والفراغ داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية ، إذ النفس لابد لها من حركة وعمل ، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلد الفكر وثخن العقل وضعفت حركة النفس واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب ، وربما حدث له إرادات سيئة شريرة ينفس بها عن هذا الكبت الذي أصابه من الفراغ .
وقد نبه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى غفلة الألوف من الناس عما وهبوا من نعمة العافية والوقت فقال: (نعمتان من نعم الله مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ) .
ويقصد بالفراغ: الخلو من المشاغل والمعوقات الدنيوية المانعة للمرء من حيث الاشتغال بالأمور الأخروية.
وفى الحديث الآخر: (اغتنم خمساً قبل خمس) -وعد منها -(وفراغك قبل شغلك) .
يقول بعض الصالحين: فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة ، وكان السلف الصالحون يكرهون من الرجل أن يكون فارغاً لا هو في أمر دينه ولا هو في أمر دنياه.. ويشتد خطر الفراغ إذا كان موجوداً لدى الشباب الذين يتميزون بقوة الغريزة والجدة ، وفى هذا يقول أبو العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة!
ويقول آخر:
لقد هاج الفراغ عليه شغلاً وأسباب البلاء من الفراغ
ولقد قطع الله تعالى المعذرة لأهل الفراغ بقوله:((وجَعَلْنَا اللَّيْلَ والنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ وكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً))[الإسراء:13] فأتاح لهم التكسب من نعم الله وفضله والنظر في مخلوقاته والتفكر فيها واسترجاع طاقات العقل بما ينفع من أمور الدنيا والآخرة.
وبتعدد أنواع الفراغ يمكننا تقييم الحالات التي يصاب بها الشخص من إهدار الأعمال على هامش المفسدة ، فجعل الله صفة "الفراغ العقلي" للدواب وذلك لأنها غير مهيئة لاستخدام عقلها ، فشابهها الإنسان عندما يعطل دور عقله في تحصيل العلوم النافعة ، وهذا هو سر تمييز عمر بن الخطاب رضي الله عنه للرجال حين قال : أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، ومروءته خُلُقه .
فلابد من إدراك أهمية ملء الذهن بما ينفع ، فإذا عاش الإنسان في فراغ عقلي فإنما كتب على حياته الدمار ، وأما من ملأ عقله بما ينفعه في دنياه وأخرته فالفوز حليفه في الدنيا والآخرة ، وذلك لأنه كان يغذي عقله لما خلق له في تدبر أمر الله جل علاه والحقوق اللازمة له والتفكر في مخلوقات الله كما أمر تبارك وتعالى بذلك حين قال:((وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ والشَّمْسَ والْقَمَرَ والنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [النحل:12].
وأما الفراغ القلبي.. فأوضح الله تبارك وتعالى أن ملء الفراغ القلبي يكون بالإيمان ، وهذا ما أكده ابن مسعود رحمه الله حين طلب منا أن نتفقد قلوبنا في المواطن الإيمانية بقول:"اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القران ، وفى مجالس الذكر ، وفي أوقات الخلوة ، فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك" .
وما عليك في هذه المرحلة إلا أن تقض على هذا الفراغ بتقوية صلتك بالله ، حتى تضع في قلبك إيماناً قوياً ، بدل فراغ قاتل يسمم حياتك.(3/58)
والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، وذلك هو الفراغ النفسي.. فمن أطلق لنفسه العنان تهوي به ذات اليمين وذات الشمال ، فإن هذه صورة تمثل النفوس الفارغة التي صورها لنا سيد قطب رحمه الله بقوله: "إنها صورة (النفوس الفارغة) التي لا تعرف الجد ، فتلهو في أخطر المواقف وتهزل في مواطن الجد ، وتستهتر في مواطن القداسة..
والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال بالقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال ، فلا تصلح للنهوض بعبء ولا الاضطلاع بواجب ، ولا القيام بتكليف وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة .
فهذه هي حالة النفوس الفارغة. فلا قول ولا عمل ولا إيمان ولا دين ، همها اللعب واللهو في الدنيا ويتبعه حسرة وندامة يوم القيامة.
إن إدراك الإنسان قيمة الزمن ، وإيجاد الحل للفراغ ليس إلا إدراكاً لوجوده وإنسانيته ووظيفته في ركام هذه الحياة.
فأين الذين قاموا بما تقتضيه هذه الخصال فإن الحساب عسير. يقول الحسن البصري رحمه الله: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم!.
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي.
وإذا كان هذا هو حرص سلفنا على الوقت وتقدير قيمته وخطره ، فإن مما يدمى القلب ، ويمزق الكبد أسى وأسفاً: ما نراه -البوم - عند كثير المسلمين من إضاعة للأوقات فاقت حد التبذير إلى التبديد. حتى يجلسون الساعات الطوال من ليل أو نهار أمام القنوات الفضائية ويشاهدون ما يعرض فيها من أنواع المحرمات ، أو بتصفح المواقع السيئة الموجودة على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ، أو السفر إلى أماكن اللهو المحرم والرذيلة ، وأحسنهم حالاً من انشغل في المباحات حتى ألهته عن كثير من الطاعات والقربات . تجد أكثرهم لاهين عن ذكر الله وعن الصلاة ، فإذا سألتهم عن عملهم هذا قالوا بعبارة تفقدك الأمل فيهم (نقتل الوقت) ، وما يدرون أنهم يقتلون أنفسهم في الحقيقة ، وسوف يندمون حين يقال لهم:((أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)) [ فاطر:37 ].
إذاً فالفراغ داء قتال إذا لم يمضه صاحبه بما ينفع وإذا أراد الله سبحانه بالعبد خيراً أعانه بالوقت وجعل وقته مساعداً له ، وإذا أراد شراً جعل وقته عليه ، وناكده وقته حتى يفقد وظيفته في هذه الحياة.
وأفضل ما تصان به حياة إنسان أن يرسم لها منهاجاً يستغرق أوقاتها ، ولا تترك فرصة للشيطان أن يتطرق إليها بوسوسة ، أو إضلال ، فإن ذلك هو بداية حمل النفس على المتاعب العقلية والبدنية من غير عمل ناجح.
إن المسلم يغالي بالوقت مغالاة شديدة لأن الوقت عمره ، فإذا سمح بضياعه ، وترك العوادي تنهبه فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش ، والإسلام دين يعرف قيمة الوقت وخطر الفراغ ، ويقدر خطورة الزمن يؤكد الحكمة الغالية "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" ، وما فشت المنكرات وازدادت حدة العصيان وانتشار الجرائم إلا بازدياد نسبة الفراغ ، ذلك لأنه يفتح على هؤلاء أبواباً عديدة.. على رأس كل باب شيطان يدعو إلى الرذيلة ، فعند ذلك هل يتحكم الشخص بعقله أمام هذه الأبواب فيربي فراغه على التحصيل والاستفادة أم ينفذ من أحد هذه الأبواب؟! فالزمن نعمة عظمى ، ومنة كبرى لا يدريها ويستفيد منها كل الفائدة إلا الموفقون الأفذاذ ، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما "نعم أنت خلقت للعبادة والعبادة عمل تستلزم منك عدم إهدار أوقاتها بين الغفلة والكسل.. ويقول الحسن البصري: يا ابن آدم. إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك" ، فالإنسان مأمور باغتنام أوقات فراغه. حتى ولو لم تكن مناسبة للاغتنام ، لأن الأماني والأحلام لا تصنع حاضراً ولا تبنى مستقبلاً ، وهذا ما عناه أحمد بن فارس الرازي بقوله:
إذا كان يؤذيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا
ويُلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي: متى؟
والأيام تنطوي على ما عمل فيها بلا استرجاع إلى يوم القيامة فأهل الفراغ تطوى صحائفهم اليومية معظمها على عتبة الفراغ والبطالة. إن هؤلاء هم أولى بالحجر عليهم من الحجر على أهل إضاعة المال ، فهذا يمكن استرجاعه والتصرف فيه والاستفادة منه أما الوقت فلا!
يقول الإمام الحسن البصري: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني ، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة" ولو قلبنا صفحات تاريخنا الإسلامي لوجدناه مليئاً برجال سابقوا الزمان ، وملؤوه بالعلم والمعرفة ، فتخلد ذكرهم وهم بين طبقات الثرى ، كانوا دائماً بين أروقة العلم والعبادة لأن قيمة الزمن عندهم ترتبط بالغاية من الخلق وهي العبادة.
ومع ذلك فإننا نحن الآن لا نبني بفراغنا شيئاً ثمرته خير للأمة والفرد ، لأننا لا نبالي بمرور الوقت الذي استغله وتحكم فيه أعداؤنا ، فمثلاً لقد أهدرنا في كثير من الأحيان وقت قراءة القرآن وتدبره والعمل بما فيه الذي هو الروح لتحريك الأمة وهو مصنع الرجال الأفذاذ.
ولي دعوة في آخر هذا المطاف للشباب لأنهم هم عماد المستقبل ، وهم القوة الدافعة لحضارات الأمم وتقدمها ، وهم أصحاب طاقات جبارة تتفجر في وسط العالم لأنها هي مرحلة الإنتاج ، أدعوهم إلى استغلال هذا الوقت المزهر في طلب العلم ، والتزود من العبادات المختلفة ، وتربية النفس وصقلها بين أجنحة المواهب ، وصرف الهمم إلى الإنتاج البشري المثمر ، ذلك لأني أرى الكثيرين من شباب اليوم فارغي النفوس والقلوب والرؤوس..فلا علم ولا عمل ، ولا دين ولا إيمان... ولا نرى لهم أثراً على الساحة العالمية سوى الانتصارات الرياضية ، والانخراط في سلك التائهين.. والناظر إلى الغرب وواقع الشباب فيه يدرك مدى الانحطاط الخلقي الذي يغوص في وحله الألوف من أصحاب الصرعات الانحرافية التي بدأ فيروسها ينتقل إلى طاقات الشباب الإسلامي حتى يعيشوا في خواء روحي وفراغ عقلي. نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.
Cd مجلة البيان
===============
وقت الفراغ في حياة المرأة المسلمة
الدكتور عصام بن هاشم الجفري(3/59)
الحمدلله الذي خلقنا من عدم وكبرنا من صغر وقوانا من ضعف وبصرنا من عمى وأسمعنا من صمم وأغنانا من فقر وعلمنا من جهل وهدانا من ضلالة ،اللهم لك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة كبت عدونا وأظهرت أمننا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا ، فلك الحمد ربي حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على حمدنا إياك . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد : فاحرصوا عباد الله على تقوى الله تفوزوا وتسعدوا يقول ربكم جل وعلا :{.. وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ}.أمة الإسلام مشكلة بدأت تظهر في حياة الناس ويعاني أغلب الناس منها،وقد يعرف البعض حقيقة تلك المشكلة بينما ينشغل قوم بظواهر المشكلة ويحاولوا علاجها دون الالتفات إلى الجوهر،هذه القضية هي قضية الفراغ في حياة المرأة المسلمة المعاصرة ؛وقد يقول قائل الفراغ نعمة فما بال إمامنا يجعل منه مشكلة،فأقول نعم إن الفراغ نعمة لمن عرف قدره وعرف كيف يستغله ولكن المصطفى r أخبرنا بقوله :(( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغ))([1])وممن غبن في نعمة الفراغ طائفة من النساء وأسباب حدوث هذا الفراغ كثيرة منها توفر الخدم،ومنها توفر الأجهزة الحديثة التي وفرت الكثير من الوقت والجَهْد،ومنها عدم معرفة المرأة المسلمة المعاصرة بدورها المطلوب منها تجاه بيتها وزوجها وأولادها فنجد تلك الفتاة التي تزوجت حديثاً واشترطت على زوجها في العقد احضار خادمة! فالخادمة تكنس والخادمة تغسل والخادمة تطهو الطعام،والخادمة تعتني بالأولاد تطعمهم إذا جاعوا وتسقيهم إذا عطشوا وتميط عنهم الأذى،وتسليهم إذا ملوا،وتسهر عليهم إذا مرضوا،وينام الأطفال في حجرها إذا أمسوا ويصبحون على صوتها إذا استيقظوا،وما أعظم ما أصاب الأطفال من ذلك حيث يتعلق الأطفال بالخادمة لأنهم وجدوا عندها الحنان الذي افتقدوه من قلب أمهم القاسي،ونسمع عن طفل سافرت خادمة البيت فتأثر وامتنع عن الطعام والشراب حتى مات !! ونرى أطفالاً تعلقوا بالخادمة بعد أن أمضت معهم عامين كاملين ثم انتهت مدتها وسافرت،فأصيبوا بصدمة نفسية عنيفة؛كتلك التي يصاب بها الطفل الذي يفقد أمه،ثم حضرت أخرى فتعلقوا بها وفي نهاية مدتها سافرت فتعرضوا لصدمة أخرى وهكذا حتى تصاب نفسياتهم بشروخ عميقة،ولعلنا نعاني من بعض صور في المجتمع من جيل تربية الخدم،وليس المقام مقام عرض آثار تربية الخدم لكن وددت أن أعرض نموذجاً لتفريط المرأة في دورها ثم تشتكي الفراغ،بل وحتى الخادمة تحضر للزوج كأس الماء إن طلبه وتلك الزوجة العزيزة دورها تناول الطعام والشراب فقط!!لكنها تعاني من مشكلة ضاغطة اسمها الفراغ فمع نومها الساعات الطويلةلازال عندها وقت طويل من الفراغ، وكم من البيوت هدمت يوم أن وجد الرجل من الخادمة عناية لم يجدها من زوجته،وتجد الفتاة التي انتهت من دراستها الجامعية وهي في انتظار الوظيفة مثل الرجل فالخادمة والوالدة تقومان بكل ما يلزم المنزل وتلك الفتاة تعاني من الفراغ،بل حتى الطالبة على مقاعد الدراسة تأتي من المدرسة وتنتهي من واجباتها الدراسية ولأن ليس لها دور آخر فهي تعاني من ساعات طويلة من الفراغ !! وترتب على ذلك أن تعالت أصوات تطالب بأن تكون هناك أماكن تقضي فيها المرأة وقت الفراغ !! وأصبحت المرأة تطالب زوجها بإلحاح أن يُحضر لها لاقطات فضائية (دش) تقضي أمامه ساعات الفراغ !! أصبحت تطالب بالخروج للأسواق لتمضية وقت الفراغ،أصبحت تكثر الخروج لزيارة صديقاتها لقتل الفراغ،أضحت تطيل المكالمات الهاتفية تمضية لوقت الفراغ،أصبحت تطلب الخروج للدراسة للعمل لأي شيئ بسبب شعورها بالفراغ القاتل،وهذا الشعور بالفراغ قد يكون الخطوة الأولى نحو انحراف المرأة ! كما أن كثرة خروج المرأة من بيتها يوقعها في الفتن والانحراف يقول r :((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ))([2])فما بالكم وهي تكثر الخروج مع رجل أجنبي مثل السائق،وإذا نظر المرء فيما حوله كيف تقضي المرأة المسلمة المعاصرة وقت فراغها لوجدها إمام قنوات أو مجلات تثير كوامن الغرائز أو في محادثة هاتفية فارغة أو جولات في الأسواق معرضة للفتنة أو ماشابه ذلك من عوامل هدم الإيمان في نفوسهن إلا ما رحم ربي،أيها الأحبة في الله إن الفراغ خطر على الذكور فضل عن الإناث،وهو خطر وحده فكيف إذا افتقد التوجيه السليم لا بل وخالطه ما يفسد الأخلاق ويهيج الغرائز.المرأة الفارغة من الإيمان التي تعاني من فراغ الأوقات كالعلبة الفارغة يلعب بها الهوى يمنة ويسرة.وأقول أحبتي أن هناك من انشغل بالعرض عن المرض فتنازل عن أساسيات في الحفاظ على العرض والأهل فترك نساؤه يجبن الأسواق عرضة لكل ذئب جائع أو تركهن فريسة لخطر القنوات أو المعاكسات الهاتفية ونحوها وما علم أن أصل الداء هو في الفراغ الذي تعاني منه المرأة في حياتنا المعاصرة؛وما نتج هذا الفراغ في الحقيقة إلا يوم أن غفل المجتمع عن دور المرأة الحقيقي في بناء الأمة فلا يتصور امرأة مسلمة تؤدي الدور المطلوب منها أن تجد وقتاً من الفراغ لكن لما جُهلت الأساسيات،وتبدلت الأولويات،وفُرِّط في المسئوليات حدث ما حدث.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6)}
الخطبة الثانية(3/60)
الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه.أما بعد:فلا يفهم أحبتي في الله أن القصد مما قدمت من الكلام حبس النساء أو عدم احضار من الخدم من يعينهم على أمورهم،لكن أقول أن الأمور تقدر بقدرها بلا إفراط ولا تفريط،والهدف هو عدم وجود أنثى أو ذكر في المنزل في حالة فراغ طويل قدر الإمكان،وأتساءل لماذا لا يتم توزيع مهام العمل في المنزل بين الأم وبنياتها وأولادها إن لزم الأمر ففي ذلك جانب تربوي عظيم للأولاد وتكبر البنت التي تعودت العمل في المنزل على غير ما تكبر عليه تلك التي تعودت النوم والكسل وتكون أنجح بإذن الله في حياتها ويكون الذكر أكثر قدرة على تحمل المسئولية من ذلك الذي نشأ منعماً مرفهاً وهذا واقع مشاهد،وقد يتحرج البعض من ذلك رحمة بالأولاد لكنه في الواقع يضرهم أكثر مما ينفعهم.ومن وسائل الحد من أوقات الفراغ لدى النساء المسارعة بتزويج البنيات حتى ينشغلن بأمور منازلهن وأولادهن بدلاً من الفراغ في بيوت الأباء والتعرض للفتن وهذا بالطبع إذا حضر لها الزوج الذي يرضى دينه وأمانته وقد حث على ذلك نبينا بقوله :((إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ(أي من قلة المال) قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))([3])ومن طرق التقليل من أخطار الفراغ منع وسائل الفساد من دخول المنزل كالمجلات الماجنة أو القنوات أو أشرطة الغناء ونحوها،ومن ذلك أيضاً التوجيه السديد في استثمار الفراغ فيما يعود على المرأة بالخير في دنياها وأخراها كتعلم مهنة الخياطة والتطريز ونحوها،وضع برنامج مع النساء في المنزل لحفظ القرآن أو شيء من الحديث ونحوها على أن تكون له جوائز محفزة تجعل منهن يسارعن لاستغلال أوقات فراغهن في تحقيق ذلك البرنامج،دمجهن في المحافل العامة أو الخاصة ذات الطابع الإيماني من مدارس لتحفيظ القرآن مسائية أو محاضرات نسائية دورية وما شابه ذلك،بيان فضل استغلال الوقت وأن الدنيا إنما هي معبر للأخرة ، المتابعة الدقيقة للبرنامج اليومي للمرأة.والقائمة تطول وإنما هي إيماءات أحببت أن ألفت فيها النظر لهذه القضية والله الموفق والمعين وفي الختام أوصي بسماع شريط للشيخ سعيد بن مسفر بعنوان الفراغ في حياة المرأة المسلمة .
------------------
([1]) البخاري كتاب الرقاق
([2]) أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع وقال عنه هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
([3]) أخرجه الترمذي في باب النكاح وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
==============
جهاد النفس بملأ الفراغ بمنهج الله
(121)
الجهاد في سبيل الله (جهاد النفس-المحافظة على الفرائض)
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
فريضة الصلاة:
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج ، وصوم رمضان) [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: (1/3)]
وفي حديث عمر بن الخطاب-المشهور بحديث جبريل-قال: "يا محمد أخبرني عن الإسلام؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) قال: "صدقت..." [[مسلم: (1/37)]
وقد وردت نصوص القرآن التي توجب الصلاة بأساليب متنوعة:
منها الأمر بإقامتها، مثل قوله تعالى: ((وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون)) [الأنعام: 72]
ومنها الأمر بالمحافظة عليها، مثل قوله تعالى: ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)) [البقرة: 238]
ومنها ذم ووعيد من أضاعها وفرط في أدائها، كما قال تعالى: ((فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)) [مريم: 59]
ومنها جعلها قرينة لبعض أصول الإيمان التي لا فلاح لمن لم يتصف بها، كما قال تعالى: ((الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)) البقرة: 1-5] وغير ذلك من الآيات التي لا يقصد هنا استقصاؤها.
أما أثر الصلاة في تزكية المسلم وتربيته، فهو من الأمور التي يمكن معرفته من النصوص الكثيرة، من الكتاب والسنة، ولكن العلم الحق بذلك الأثر، لا يؤتاه إلا من ذاقه حقا في نفسه، بإقامتها، كما كان يقيمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحافظ عليها كما كان يحافظ عليها، مع الإقبال على إليه وخشيته والإنابة إليه، وتدبر آياته وذكره فيها، فهي ركن من أركان فلاح المسلم، ولا فلاح له بدو نهاكما مضى في الآيات الأولى من سورة البقرة قريبا.
وكذلك قوله تعال: ((قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى.)) [سورة الأعلى: 14-15] فقد علق سبحانه الفلاح بتزكية النفس، وذكر ما يتزكى به المؤمن، وهما ذكر الله والصلاة.
كما ذكر الله تعالى الصلاة، على رأس صفات المؤمنين المفلحين، في الدنيا والآخرة، بذكر بعض صفاتها، وهو الخشوع فيها، وختم بها كذلك تلك الصفات، بذكر بعض صفاتها الأخرى، وهو المحافظة عليها، مبينا سبحانه آثارها في المقيم لها، ومنها الفلاح ووراثة الفردوس والخلود فيه.
كما قال تعالى: ((قد أفلح المؤمنون(1)الذين هم في صلاتهم خاشعون(2)والذين هم عن اللغو معرضون(3)والذين هم للزكاة فاعلون(4)والذين هم لفروجهم حافظون(5)إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين(6)فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون(7)والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون(8) والذين هم على صلواتهم يحافظون(9)أولئك هم الوارثون(10)الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون(11)) [المؤمنون: 1-11]
ويظهر من اكتناف ذكر الخشوع في الصلاة، وذكر المحافظة عليها، أن الصفات الحميدة التي ذكرت بينهما لا تصدر إلا من مقيم الصلاة، ومما يدل على ذلك ـ وهو من آثار إقامة الصلاة والمحافظة على كونها تنهي عن الفحشاء والمنكر _ قوله تعالى: (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر . والله يعلم ما تصنعون) [العنكبوت: 45] وهذه من أعظم علامات إقامة الصلاة كما أمر الله ومن أهم ثمارها وأثرها في تزكية نفس المسلم وتربيتها.
ومن آثارها أنها قرينة الصبر في استعانة المؤمن بها على طاعة الله واجتناب معصيته، كما قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) [البقرة: 45] وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) [البقرة: 153].
ومن آثار إقامة الصلاة أنها من أسباب الإحسان إلى الناس ولذلك تجد الإنفاق وإيتاء الزكاة مقترنين بها في أغلب أي القرآن، كقوله: (ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) [البقرة: 3].
وقوله: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) [الأنبياء: 73].(3/61)
ولقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر الصلاة في تزكية النفس البشرية وتطهيرها من أدناس الشهوات والمعاصي فشبهها، في تكفير السيئات ومحو الخطايا، بنهر جارٍ بباب المسلم ـ وفي قرب النهر منه إغراء على كثرة الاغتسال والتطهر ـ وهو يغتسل فيه كل يوم خمس مرات فلا يبقى على جسمه شيء من الأوساخ.
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ما تقول ذلك؛ يبقى من درنه قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا". [البخاري: رقم528، فتح الباري: 2/11 ، ومسلم: 1/462].
ولا يزال المؤمن يزكي نفسه بالصلاة حتى تصبح ملجأ له، يستريح بها من الهموم والأتعاب كما في الحديث: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها) [أبو داود: 5/263، قال في عون المعبود: والحديث سكت عنه المنذري ـ 13/231 ، وذكر الحديث صاحب كشف الخفاء ـ 1/108 ـ ولم يزل عنه الإلباس].
وتتوق نفس المؤمن إلى الطيبات التي أحلها الله له فيحبها، ولكن عينه لا تقر إلا عندما يقف أمام ربه مستقبلاً القبلة مكبراً خاشعاً في صلاته، كما قال صلى الله عليه وسلم: "حبب إليَّ من ديناكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة" [الجامع الصغير ورمز لمن أخرجه بـ(ح م ، ن ، ك ، هـ ق) ولدرجته ب ، ح أي حسن ، وذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، وقال: صحيح3/87].
والنفس البشرية التي يجاهدها صاحبها حتى تصل إلى هذه الدرجة، فلا ترتاح إلا بطاعة الله تعالى ولا تقر عينه، إلا في مناجاة ربه والتقرب إليه، جديرة أن تكون نفس من يجاهد في سبيل الله جعلنا الله ممن يصل إلى تلك الدرجة أو يقرب منها.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفذ أمر الله سبحانه بالاستعانة بالصلاة فكان إذا نزل به ما يهمه لجأ إليها مستعيناً بها كما في حديث حذيفة الذي رواه أبو داود: (كان إذا حزبه أمر صلى) [أبو داود (2/78) صحيح الجامع الصغير للألباني (4/215) وقال: (حسن)]. وهذا أمر زائد على الصلاة المفروضة لكنه يظهر تعلق المؤمن بها تعلقاً يجعله جديراً بأن يكون من المجاهدين في سبيل الله.
(122)
أثر الزكاة في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
سبق ذكر بعض النصوص الدالة على أن الزكاة ركن الإسلام الثالث، ويكفي ذلك في إثبات وجوب أدائها.
أما أثر أدائها في تزكية المسلم وتطهيره من الذنوب والمعاصي لتسمو نفسه حتى يصبح أهلاً للانخراط في سلك المجاهدين في سبيل الله فمنها ما يأتي:
قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم) [التوبة: 103].
وتظهر آثار الزكاة في النفس البشرية من هذه الآية، حيث جعل الله تعالى الزكاة سبباً في التزكية والتطهير لتلك النفس التي كان من أهداف بعث الله تعالى رسوله إلى الناس تزكيته إياهم وتطهيرهم من كل دنس في حياتهم كلها، كما قال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) [الجمعة: 2].
قال سيد قطب في قوله : "(ويزكيهم): وإنها لتزكية، وإنه لتطهير، ذلك الذي كان يأخذهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ تطهير للضمير والشعور، وتطهير للعمل والسلوك، وتطهير للحياة الزوجية، وتطهير للحياة الاجتماعية، تطهير ترتفع به النفس من عقائد الشرك إلى عقيدة التوحيد، ومن التصورات الباطلة إلى الاعتقاد الصحيح، ومن الأساطير الغامضة إلى اليقين الواضح، ويرتفع به من رجس الفوضى الأخلاقية إلى نظافة الخلق الإيماني، ومن دنس الربا والسحت إلى طهارة الكسب الحلال..
إنها تزكية شاملة للفرد والجماعة، ولحياة السريرة وحياة الواقع، تزكية ترتفع بالإنسان وتصوراته عن الحياة كلها، وعن نفسه ونشأته إلى آفاق النور التي يتصل فيها بربه ويتعامل مع الملأ الأعلى، ويحسب في شعوره وعمله حساب ذلك الملأ العلوي الكريم) [في ظلال القرآن: (28/3565)].
وإنما كانت الزكاة سبباً في التزكية والتطهير؛ لأنها دليل على صدق إيمان العبد الذي تغلب على شح نفسه، فأخرج من ماله الذي تعب في جمعه ما أمره الله تعالى به، ولأنها دليل على أن المؤمن الذي أداها قد فاز في المعركة مع عدوه الذي يخوفه من الفقر ويأمره بالفحشاء، لنجاحه في طاعة ربه الذي أمره بالإنفاق ووعده بالفضل الجزيل من عنده، كما قال تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) [البقرة:268].
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أي الصدقة أعظم أجراً؟) قال: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم) قلت: (لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان) [البخاري: رقم1419 فتح الباري (3/284) ومسلم (2/716)].
ويظهر من هذا الحديث أن بذل المال وإخراجه طاعة لله تعال،ى أمر شاق على النفس يحتاج إلى جهادها حتى تسمح به.
قال النووي رحمه الله: (فمعنى الحديث أن الشح غالب في حال الصحة، فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره، بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة ورأى مصير المال لغيره) [شرح النووي على صحيح مسلم (7/123)].
وقال الحافظ ابن حجر: (ولما كانت مجاهدة النفس على إخراج المال مع قيام مانع الشح دالاً على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة، كان ذلك أفضل من غيره) [فتح الباري: (3/285)].
وفي صحيح مسلم [ (1/203)]: (والصدقة برهان) وفي رواية للنسائي[(5/5)] (والزكاة برهان)
وفي شرح النووي على مسلم لهذا الحديث: (معناه: الصدقة حجة على إيمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها، فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه. والله أعلم) [شرح النووي على مسلم (3/101)].
وقال ابن رجب: (فكذلك الصدقة برهان على صحة الإيمان، وطيب النفس بها علامة على حلاوة الإيمان وطعمه) [جامع العلوم والحكم (ص19)].
وإذا عرف هذا علم أن من لم يجاهد نفسه حتى تسمح بإخراج جزء من ماله لله تعالى، فإنه لا يقدر على بذل نفسه في سبيل الله لأن بذل النفس أشق من بذل المال، فكيف ترضى نفس أن تتقدم لأسنة رماح الأعداء انتصاراً لدين الله ورفعاً لكلمته، وهي لا ترضى ببذل جزء من المال؟.
(123)
أثر الصوم في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
ولسنا في حاجة إلى ذكر أدلة فرضية الصيام، لأن ذلك معلوم من الدين بالضرورة، ويكفي أن يعلم المسلم أنه أحد الأركان الذي بني عليها الإسلام.
والمقصود هنا بيان أثر الصيام في تزكية النفس وتطهيرها، وكونها أهلا لطاعة الله والبذل في سبيله، لقد بين الله سبحانه وتعالى أن القرآن العظيم، لا ينتفع به ويهتدي بهداه إلا المتقون.
فهو-وإن نزل للدعوة الناس كلهم إلى طاعة الله وتقواه-لا يهتدي به في الواقع إلا أهل التقوى، كما قال تعالى: ((الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)) [البقرة: -2]
ومن أهم العبادات التي تكسب المؤمن تقوى الله الصيام، وبخاصة صيام شهر رمضان، كما قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) [البقرة: 183](3/62)
وإنما يثمر الصيام التقوى، لما فيه من إلزام الإنسان نفسه بطاعة ربه في اجتناب المباحات التي أصبحت محرمة عليه، بعد شروعه في الصيام. وحقيقة التقوى، امتثال أمر الله بفعله، وامتثال نهية باجتنابه
.......
والإنسان عندما يدع ما تشتهيه نفسه من المباحات والطيبات، طاعة لربه سبحانه، يكون أكثر بعدا عما هو محرم عليه في الأصل، وأشد حرصا على فعل ما أمره الله به.
أقوال العلماء في حكمة فرضية الصوم وأثره في حياة المسلم:
قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى مخاطبا للمؤمنين، من هذه الأمة، وآمرا لهم بالصيام، وه الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع، بنية خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة- إلى أن قال-في قوله تعالى ((لعلكم تتقون)): لأن الصوم فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان، ولهذا ثبت في الصحيحين: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)" [تفسير القرآن العظيم01/213)]
..........
وقال في تفسير المنار على قوله تعالى: ((لعلكم تتقون)): "هذا تعليل لكتابة الصيام، ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا، وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى، بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة، امتثالا لأمره، واحتسابا للأجر عنده، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها، فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتقوى على النهوض بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها، فيكون الثبات عليها أهون عليه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الصيام نصف الصبر) رواه ابن ماجه، وصححه في الجامع الصغير) [تفسير المنار: (2/145)]
وقال سيد قطب، رحمه الله في قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)): "
وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم... إنها التقوى، فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب، وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله وإيثارا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب، من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس بالبال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله ووزنها في ميزانه، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداة من أداتها وطريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم، هدفا وضيئا يتجهون إليه عن كريق الصيام" [في ظلال القرآن: (2/168)]
وهنا نلفت النظر إلى الارتباط بين قوله تعالى في أول سورة البقرة: ((هدى للمتقين)) [الآية: 2] وبين قوله تعالى في أول آيات الصيام: ((لعلكم تتقون)) وقوله في آخر هذه الآيات: ((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)) [البقرة: 185]
فقوله تعالى: (( هدى للمتقين)) بين فيها أن هداية هذا القرآن، لا ينالها حقيقة إلا أهل التقوى.
وقوله: (( لعلكم تتقون)) بين فيها أن الصيام طريق من الطرق الموصلة إلى التقوى.
وقوله تعالى: ((ولتكبروا الله على ما هداكم...)) بين فيها أن الهداية قد حصلت للصائمين الذين منحهم الله بصومهم التقوى، والمتقي المهتدي جدير بأن يشكر الله على منحه التقوى والهداية: ((ولعلكم تشكرون))
قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: ((لعلكم تشكرون)) : "أي إذا قمتم بما أمركم الله، من طاعته بأداء فرائضه وترك محارمه، وحفظ حدوده، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك" [تفسير القرآن العظيم: (1/218)]
وقال سيد قطب رحمه الله في ظلال هذه الآية ((ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)): "فهذه غاية من غايات الفريضة، أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم، وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام، اكثر من كل فترة، وهم مكفوفو القلوب عن التفكير في المعصية، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها.
وهم شاعرون بالهدى ملموسا محسوسا، ليكبروا الله على هذه الهداية، وليشكروه على هذه النعمة، ولتفيء قلوبه إليه بهذه الطاعة، كما قال لهم في مطلع الحديث: ((لعلكم تتقون))
وهكذا تبدو منة الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقا على الأبدان والنفوس، وتتجلى الغاية التربوية منه، والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة لتؤديه، أداء تحرسه التقوى ورقابة الله وحساسية الضمير" [في ظلال القرآن: (2/172)]
ولما كانت النفس البشرية تتوق إلى تناول ما تشتهيه، وتنفر عن ترك ذلك، فإن من أعظم ما يزكيها ويطوعها لطاعة ربه، أن تُدَرَّب على الصبر عن تناول الطيبات التي أباحها الله تعالى لها، إذا أمرها بتركها.
ومن أعظم شهوات النفس الطعام والشراب والجماع، وقد حرم الله على المؤمن هذه الأمور المهمة في حياته كلها، في نهار شهر رمضان بأكمله، فإذا تركها مخلصا لله في تلك المدة من الزمن، فإنه بذلك يكون جديرا بأن يكون من المجاهدين لأعدائه الملازمين، وهم نفسه الأمارة بالسوء، والهوى المردي، والشيطان الرجيم.
والذي ينجح في هذا الجهاد، يسهل عليه الجهاد الخاص، وهو قتال عدوه الخارجي من اليهود والنصارى والوثنيين، ومن لم ينجح في جهاد عدوه الملازم، يصعب عليه هذا الجهاد، لأن الذي لم يروض نفسه على طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، فيما هو أخف عليه، كالصيام مثلا، فمن الصعب عليه أن يقف في الصف لمقارعة الأعداء يستقبل بصدره ونحره قذائف المدافع ورصاص البنادق، وأطراف الرماح وحد السيف.
وإن صبر في من لم يجاهد نفسه بطاعة الله على قتال عدوه، فالغالب أنه لا يصبر مجاهدا الجهاد الشرعي، وهو الجهاد في سبيل الله، وإنما يقاتل رياء وسمعة، ليقال عنه: إنه شجاع، أو للحصول على مغنم.
وتأمل الأسلوب الذي فرض الله به القتال على المسلمين، تجده نفس الأسلوب الذي فرض الله به الصيام، إلا أنه بين في الصيام أنه أداة لتقواه، وبين في فريضة القتال، انه فرضه عليهم وهو كره لهم، ومعلوم أن التقوى هي التي تعين المسلم على الصبر على ما تكرهه نفسه، وهو الجهاد في سبل الله، قال تعالى: ((كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شبئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) [البقرة: 216]
(124)
أثر الحج في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين). [آل عمران: 97]. وسبقت الأحاديث الدالة على كونه خامس أركان الإسلام.
أما أثر الحج في تزكية النفس وتطهيرها، فإنه يؤدي بها إلى تقوى الله كالصيام، مع شيء من التفصيل في امتثال الأوامر المقربة إلى الله، واجتناب النواهي المبعدة عنه سبحانه، فالحاج مأمور بذكر الله سبحانه، إذ يدخل في الإحرام بقوله: (لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك) [البخاري رقم1549 ـ فتح الباري (3/408) ومسلم (2/841)].
وهو مأمور بالمداومة على هذا الذكر وغيره أثناء إحرامه [راجع البخاري رقم1670، فتح الباري (3/519) ومسلم (2/931)].
وله في كل نسك يؤديه، ذكر عام أو خاص، كما أنه يدرب النفس على طاعة الله تعالى بعدم تعاطي بعض الطيبات والمباحات في الأصل، كالجماع وما يؤدي إليه والألبسة المعتادة غير ثوبي الإحرام ـ بالنسبة للرجال ـ والطيب، وتغطيته الرأس، وقص الشعر ونتف الإبط وتقليم الأظافر، ونحو ذلك من المحظورات التي وردت بها النصوص.
كذلك قتل صيد البر وأكله ـ مطلقاً أو إذا صيد من أجله ولو صاده غيره.(3/63)
فالحاج مأمور بترك الرفث وهو الجماع وما يتصل به ـ فتكون زوجه معه في سفره يجمعهما مكان واحد وقت النوم ووقت اليقظة فلا يمد يده إليها إلا لحاجة كما يمد يده لعامة الناس، ولا يتكلم معها بكلام تشم منه رائحة التعريض، بما كان يباح له التصريح به.
كما أنه مأمور بترك الفسوق من قول أو فعل ـ وهو مأمور بذلك كل وقت ولكنه في الحج أعظم وآكد ـ وهو مأمور بترك الجدال، إلا إذا دعت الحاجة لمصلحة.
وبذلك يكون الحاج قد تزود من زاد التقوى، كما قال تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) [البقرة: 197].
والحاج أهل لهداية الله بعد أن تزود من تقواه: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين) [البقرة: 198].
وزاد التقوى الذي يمنحه الله للحاج من حجه، يزيده تقرباً إلى الله ودواماً على طاعته، حتى تصبح طاعته لربه أحب إليه من أي محبوب آخر، ولذلك لا يفتأ ذاكراً له: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذركم آباءكم أو أشد ذكراً) [البقرة:200].
والحاج يؤدي ما أمر به من الأنساك في الحج ـ عبادة لربه ـ وهو يعلم أن كل ذلك لا ينفعه عند الله، إلا إذا اتجه بقلبه وقالبه إلى الله، وامتلأ قلبه بتقوى الله وخشيته: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم، كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين) [الحج:37].
ويذهب الحاج إلى بيت الله الحرام لتأدية مناسك الحج، وقد أثقلته الذنوب والمعاصي ورانت على قلبه محبة الشهوات، فيزكيه حجه ويطهره، ويدرب نفسه على طاعة ربه في فترة زمنية معينة، فيترك ما نهاه الله عنه من الرفث والفسوق، فيعود وقد غفر الله له حتى غدا مثل من ولد لتوه لا ذنب له ولا إثم، بل طاعة وأجر وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه).
وكما في حديثه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاءاً إلى الجنة) [البخاري رقم 1773 ـ فتح الباري (3/597) ورقم 1820 فتح الباري (4/20) ومسلم (2/983)].
ولما كان الحج فيه مشاق النفقة والسفر والتعرض للمخاطر المتعددة، كالخوف والجوع والعطش والحر والبرد والزحام وغير ذلك، جعله صلى الله عليه وسلم للنساء بمنزلة الجهاد للرجال، كما في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: (لا، ولَكُنَّ أفضلُ الجهاد حجٌ مبرور) [البخاري رقم الحديث 1520 ، فتح الباري (3/381)].
قال الحافظ: (وسماه جهاداً لما فيه من مجاهد النفس) [فتح الباري (3/382)].
والذي وفقه الله تعالى لأداء مناسك الحج يعلم سبب تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم الحج جهادا،ً فإن سفر الحج فيه شبه كبير بسفر الجهاد، لما يلتزم به الحاج من التقشف، ولما يقتضيه أداءه من الإلتزام بالنظام، والسير مع عامة الناس في وقت واحد، وفي مكان واحد، لا سيما يوم التروية وما بعده، إذ ترى الناس يصعدون إلى منىً في وقت واحد، وينزلون بها لأخذ أماكنهم ويصلون بها الصلوات الخمس: الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم الفجر مستعدين لمغادرتها صبيحة اليوم التاسع كلهم إلى عرفات.
وهناك يقفون كلهم بعد أن يصلوا الظهر والعصر قصراً وجمع تقديم في وقت واحد، ثم إذا غربت الشمس تحركوا جميعاً نحو مزدلفة ينزلون بها جميعاً، ويصلون بها المغرب والعشاء جمع تأخير قبل أن ينزلوا متاعهم، ثم ينامون مبكرين استعداداً لأعمال يوم النحر.
فإذا أصبحوا صلوا الفجر ودعوا الله وذكروه حتى يسفروا ثم يتجهون جميعاً إلى منىً فيبدءون برمي جمرة العقبة ضحى يوم النحر، ثم يذهب من عليه نحر لينحر ثم يحلقون ثم يطوفون طواف الإفاضة ثم يعودون إلى منىً للبقاء فيها ذاكرين الله تعالى رامين الجمرات في اليومين التاليين ليوم النحر أو الثلاثة.
ثم يتجهون إلى بيت الله لطواف الوداع، وفي التزامهم كلهم بذلك النظام ما فيه من المشقة والزحام وغير ذلك، والحاج الذي يقوم بذلك كله مع التزامه بطاعة الله في نيته وفي سلوكه، لا يعود إلا وقد هذبت نفسه وألفت الطاعة والجندية الإسلامية.
ولعل ذلك يبين شيئاً من حكمة ذكر الجهاد في سبيل الله بعد ذكر الآيات المتعلقة بالحج كما قال تعالى: ((إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز)) [الحج: 38 ـ40].
الحج والأقصى الأسير!
إن حجاج بيت الله الحرام ليبذلون المال، ويعدون العدة للسفر،ويحرمون، ويلبون-والتلبية عهد على طاعة الله ورسوله-ويطوفون ويسعون، ويقومون بكل مناسك الحج _ومنها ركنه الأعظم الوقوف بعرفات.
ثم يؤدون ركن الحج العظيم-طواف الإفاضة- ويزورون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض الأماكن التي تذكرهم برجال الجهاد، كالبقيع، وأحد، والخندق....
فهل يتذكرون صنو المسجدين العظيمين وثالثهما: ذلك المسجد الأسير " الأقصى" الذي يدنسه أبناء القردة والخنازير.
فهل تذكرتم يا حجاج بيت الله الحرام، أبناء الصحابة والتابعين في الأرض المباركة، الذين يقذفهم اليهود بالقنابل والرشاشات والمدافع، والطائرات والدبابات، ويهدمون منازلهم ويخرجونهم منها في العراء، ويحاصرونهم في قِطَع من الأرض، حتى لا يقدر القريب أن يزور قريبه، ويمنعون عنهم وصول الغذاء والدواء والملبس والمشرب؟
هل تذكرتم قبلتكم الأولى، ومسرى نبيكم صلى الله عليه وسلم ومعراجه؟
هل تذكرتم أن من أهم ثمرات حج بيت الله الحرام أن الله قد أذن للذين يقاتلهم أعداء الله بقتال الأعداء؟ وأن من ثمرات الحج دفع العدوان عن المساجد والمعابد.
اقرؤوا بتدبر وتفكروا في هذه الآيات الواردة في الحج، وكيف ختمت بقتال المسلمين من يقاتلهم ظلما وعدوانا، وبدفع المسلمين الاعتداء على المساجد والمعابد من أن تهدم أو تمس بسوء.
اقرؤوا هذه الآيات، واصبروا على قراءتها تقبل الله حجكم، ورزقكم الجهاد في سبيل الله لرد العدوان عن أنفسكم وإخوانكم، ودفع العدو عن تدنيس المساجد وتهديمها، وبخاصة المسجد الأقصى الأسير الذي دنسه أرذل خلق الله في الأرض "اليهود" فدفع العدوان عن إخوانكم، ودفعه عن مساجدكم ينبغي أن يكون من ثمرات حجكم:
بدأت الآيات المتعلقة بالحج من الآية السادسة والعشرين من سورة الحج، وهي قوله:
((وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود)) (26)
وانتهت بالآية السابعة والثلاثين، وهي قوله تعالى:
((لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين)) (37)
وأتبعها تعالى بقوله :(3/64)
((إن الله يدافع عن الذين ءامنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور(38) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير(39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)) (40)
وإنه ليبدو لي من ذكر هذه الآيات الأخيرة بعد آيات الحج، أن من أهم آثار الحج في حياة المسلمين، أن يقاتلوا من يقاتلهم من الأعداء، وأن يحموا بيوت الله من عدوان من أراد إفسادها ماديا أو معنويا، لأن في مناسك الحج تدريبا على التعب والصبر والنظام والانضباط، وبذل المال، وشد الرحال، وأهم من ذلك كله التزكية الإيمانية والطاعة لله والإخلاص له، وفي ذلك كله شبه بمشاق الجهاد ونظامه ....
هل تذكرتم أن الجبن عن دخول الأرض المقدسة لإخراج العدو منها، هو من صفات اليهود، وليس من صفات المسلمين؟!
فقد حكى الله موقف اليهود عندما أمرهم موسى عليه السلام بدخول الأرض المقدسة في هذه الآيات، وهي واضحة في الدلالة على جبنهم:
((وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وءاتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين(20) ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين(21) قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون)) [المائدة:22]
هاهو الأقصى الحزين يذكرنا، إن لم نكن قد تذكرنا. فهل من سامع للتذكير، وهل من مجيب لمستغيث؟؟؟!!!
اللهم امنح حجاج بيتك الحرام والمسلمين في الأرض قائدا يؤمهم في المسجد الحرام، ومسجد نبيك الكريم، ثم يقودهم تحت رايتك لتحرير بيتك الثالث: "المسجد الأقصى" من أعدائك اليهود، الذين احتلوه وأحرقوه ودنسوه، وداسوا كرامة أهله، ليؤمهم فيه، كما أمهم في صنويه: البيت الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. يارب العالمين، يا أرحم الراحمين.
لقد فتح القدس في صدر الإسلام عمر، وحررها من الصليبيين صلاح الدين، فهل سيجد من قادة المسلمين السياسيين والعسكريين شبيها لهما أو لأحدهما؟
لعل الله يأتي باليوم الذي ينطلق فيه حجاج بيت الله الحرام من أول المساجد الثلاثة بعد أداء مناسكهم، لتحرير بيته الثالث "المسجد الأقصى" ليتحقيق هذا الترتيب الرباني في كتابه في واقع المسلمين اللهم آمين.
وبهذا يظهر أثر الحج في تزكية النفس وتطهيرها وتضحيتها وأهليتها لتكون مجاهدة في سبيل الله.
(125)
أثر صلة الرحم في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
المقصود بالرحم ـ هنا ـ القرابة، والمقصود بالصلة البر والإحسان، أي البر بذوي القربى والإحسان إليهم، وهذه الصلة تتفاوت درجات وجوبها بحسب درجة ذي القربى قرباً وبعداً، والصلة قد تكون صلة بتعليم ذوي القربى أمور دينهم التي يجهلونها ـ لا سيما الواجبات العينية ـ وقد تكون بالإحسان المادي إليهم أو ما شابه ذلك.
والإنسان الذي يقطع رحمه ولا يصلها، عاصٍ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، مرتكب لما حرم الله سبحانه وتعالى عليه، قاطع ما أمر الله به أن يوصل، وقد ذمه الله تعالى ذماً شديداً، وأوجب عليه لعنته، وجعله معرضاً لطمس بصيرته، كما قال تعالى: ((فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)) [محمد: 22 ـ23].
وقد أخذت الرحم وعداً من الله تعالى ـ والله لا يخلف وعده ـ بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، فقال لها: مه قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعكِ؟ قالت: بلى يا رب. قال: فذاك) [البخاري رقم4830 فتح الباري (8/579) ومسلم (4/1980)].
وفي حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا لا يدخل الجنة قاطع) [البخاري رقم 5984 فتح الباري (10/415) ومسلم (4/1981)].
والنصوص في الواردة في صلة الرحم والنهي عن قطعها كثيرة منها العام، كما مضى ومنها الخاص بنوع من القرابة، (كالوالدين) وغيرهما.
والمقصود أن الذي لا يجاهد نفسه على صلة أرحامه، ليس أهلاً للجهاد في سبيل الله، لأنه عاصٍ لله ولرسوله قاطع لرحمه، وقد يكون سبباً في منع الله نصر المؤمنين على أعدائهم، وقد يكون غير قادر على الصبر والمصابرة أمام الأعداء.
لهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من استأذنه في الجهاد معه دون أن يستأذن والديه، أن يرجع إليهما ويجاهد في طاعتهما والقيام بحقوقهما، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: جاء رجل النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: (أحي والداك) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد) [البخاري رقم 3004 فتح الباري (6/140) ومسلم (4/1975)].
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: (هذا كله دليل لعظم فضيلة برهما وأنه آكد من الجهاد، وفيه حجة لما قاله العلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين، أو بإذن المسلم منهما.. هذا كله إذا لم يحضر الصف ويتعين القتال، وإلا فحيئذٍ يجوز بغير إذن، وأجمع العلماء على الأمر ببر الوالدين وأن عقوقهما حرام من الكبائر. [شرح النووي على صحيح مسلم (16/104)].
وقد يعرض عاق والديه نفسه لغضبهما عليه ودعائهما، ودعوة المظلوم مستجابة ولو كان كافراً، والعدل واجب ولو لكافر، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً، فإنه ليس دونها حجاب) [أحمد في المسند (3/153) والأحاديث الصحيحة للألباني (2/407)].
وقال تعالى في وجوب العدل ـ ولو لمن يبغضهم المؤمن في الله وهم الكفار ـ: ((يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله، شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)) [المائدة: 8].
ولقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنه بقصة جريج الراهب ـ وهو رجل من بني إسرائيل _محذراً إياهم من عقوق الوالدين، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج، كان يصلي جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات.
وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته فأنزلوه وسبوه.
فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام، قال: الراعي، قالوا نبني صومعتك من ذهب، قال: لا إلا من طين) [البخاري رقم 3436 فتح الباري (6/476) ومسلم (4/1976)].
(126)
أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله](3/65)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة من أهم قواعد الإسلام التي لا قوام لأمته إلا بها، وهو عنوان فلاح المسلمين وفوزهم ومنطلق أهليتهم لقيادة البشرية، فإذا حققوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أنفسهم كانوا أهلاً لتحقيقه في سواهم من أمم الكفر والضلال، وإلا كانوا أهلاً لغضب الله وسخطه ولعنته، ومن كان معرضاً لسخط الله وعظيم عقابه، كيف يكون جديراً بالكون في صف المجاهدين في سبيل الله.
فالمؤمنون لا ينجيهم من الخسران أن يقوم كل واحد منهم بما كلفه الله إياه، دون أن يتواصى مع غيره من إخوانه المؤمنين بالحق والصبر، قال تعالى: ((والعصر إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين أمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) [العصر].
وكيف يقف الصف المخلخل الذي يبتعد أفراده عن الله بترك طاعته والولوغ في مستنقع معاصيه، ولا يوجد فيه من يغضب لله فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟
كيف يقف هؤلاء في هذا الصف في وجه عدوهم مجاهدين في سبيل ربهم، ولم تتوافر فيهم صفات عباد الله المؤمنين الذين قال تعالى عنهم: : ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)) [التوبة: 71].
وهم الذين قصر الله الفلاح عليهم، كما قال: (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون)) [آل عمران: 104].
وأوضح سبحانه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان به هي موجبات قيادة هذه الأمة لغيرها من الأمم قال تعالى: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس؛ تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله..)) [آل عمران: 110].
يظهر من هذا أن النصر على الأعداء لا يكون إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الخيرية المذكورة لا تتم بدون موجباتها المذكورة بعدها.
وقد لعن الله بني إسرائيل الذين لم يتناهوا فيما بينهم عن المنكر، وإذا عملت هذه الأمة مثل عمل بني إسرائيل فحكمها حكم بني إسرائيل، قال تعالى: ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)) [المائدة: 78 ـ79]
ومما يدل على ذلك ما أورده ابن كثير في تفسير الآية، قال: (وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا شريح ـ وساق سنده إلى أن قال ـ : عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما وقعت بنوا إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم") قال يزيد وأحسبه قال: (في أسواقهم وآكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم). ((ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس، فقال: (لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً) [تفسير القرآن العظيم ( 2/82 ـ 83 ) ].
والأمة التي يستشري فيها الشر والفساد مثل السفينة التي ألقي بها في بحر لجي لتمخر عبابه، وهي مخرقة تقذف أمواج البحر بمياهه بداخلها من تلك الخروق، فهل يقدر ربانها على قيادتها إلى شاطئ الأمان، وهل يستحق أهلها الذي ألقوها في ذلك البحر اللجي وهم يعلمون ما بها من خروق أن ينالوا النجاة، كيف الأمر لو كانت سليمة قادرة على مصارعة الأمواج فأرادت فئة من ركابها أن تخرقها وهي تمخر عباب البحر وسكت عنهم بقية الركاب؟
والجواب في الحديث الصحيح الذي رواه النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) [صحيح البخاري رقم الحديث 2493، فتح الباري (5/132)]. قال الحافظ بن حجر: (وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) [الفتح (5/296)]، فأثر القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفوز والقيادة للبشرية وأثر تركه الهلاك والخسران والذل.
(127)
أثر المحافظة على نوافل الطاعات: في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
ما سبق من الكلام يتعلق بالمحافظة على الفرائض وأثر ذلك في تربيته النفس وتزكيتها وتطهيرها، وقد ضربت لذلك ستة أمثلة هي: الصلوات الخمس، وصيام رمضان والزكاة، والحج وصلة الرحم، (وهذه الخمسة من فروض العين) ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من فروض الكفاية.
وآن الأوان لذكر المحافظة على نوافل الطاعات وأثرها في تزكية النفس وتطهيرها، وتأهيل صاحبها للبذل والتضحية بالنفس والمال والولد والجاه والمنصب، في سبيل الله تعالى.
والكلام في النوافل من وجهين:
الوجه الأول: النوافل العامة ، وكونها مطلوبة المحافظة عليها، وأثرها كذلك في التزكية والتطهير.
الوجه الثاني: ذكر بعض النوافل بعينها وبيان أثرها.
الوجه الأول: الحث على المحافظة على النوافل عموماً وبيان أثرها في تزكية النفس وتطهيرها.
حث الله سبحانه وتعالى في كتابه عباده المؤمنين على فعل الخير، والعمل الصالح والتنافس في ذلك، ورغب في ذلك كله بوعده مَن عمله بالثواب الجزيل.
قال تعالى: ((و أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، إن الله بما تعملون بصير)) [البقرة: 110].
فقوله تعالى: ((وما تقدموا لأنفسكم من خير)) الآية شامل لكل عمل صالح يقدمه العبد طاعة لله، واجباً كان أم تطوعاً.
قال ابن جرير رحمه الله: (فإنه يعني جل ثناؤه بذلك ومهما تعملوا من عمل صالح في أيام حياتكم فتقدموه قبل وفاتكم ذخراً لأنفسكم في معادكم، تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة فيجازيكم به. والخير هو العمل الصالح الذي يرضاه الله) [جامع البيان عن تأويل القرآن (1/491)].
وقال تعالى: ((ولكل وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات..)) [البقرة: 148].
وهو كذلك أمر بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة والتنافس فيها، كما قال ابن جرير: (فبادروا بالأعمال الصالحة شكراً لربكم، وتزودوا في دنياكم لأخراكم) [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (2/29)].
وقال تعالى: ((ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون في الخيرات، وأولئك من الصالحين، وما يفعلوا من خير فلن يكفروه، والله عليم بالمتقين) [آل عمران: 113ـ 115].
والشاهد من هذه الآيات ـ هنا ـ قوله: ((ويسارعون في الخيرات)) وقوله: ((وما يفعلوا من خير)) فإن الخيرات والخير المذكورين فيها شاملان لكل عمل صالح يتسابق فيه عباد الله الصالحون.
قال ابن جرير: ((ويسارعون في الخيرات)) يقول: ويبتدرون فعل الخيرات خشية أن يفوتهم ذلك قبل معالجتهم مناياهم-إلى أن قال في قوله تعالى-: ((وما يفعلوا من خير فلن يكفروه)) : وما تفعل هذه الأمة من خير وتعمل من عمل لله فيه رضا، فلن يكفرهم الله ذلك، يعني بذلك فلن يبطل الله ثواب عملهم ذلك، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم عليه ولكنه يجزل لهم الثواب عليه ويسني لهم الكرامة والجزاء) [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (4/56ـ57)].(3/66)
وقال تعالى: ((من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)) [النحل: 97].
وفي هذه الآية وعد من الله تعالى لعبده المؤمن الذي يعمل الصالحات ـ وهي شاملة لكل عمل يرضي الله تعالى ـ بأن يحييه حياة طيبة، وهي حياة العز والاطمئنان والطاعة والرضا والخير والنصر على الأعداء وغير ذلك من الحياة الموصوفة بأنها طيبة.
قال سيد قطب رحمه الله: (وأن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض، لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال، فقد تكون به وقد لا يكون معها، وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية فيها الاتصال بالله والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه، وفيها الصحة والهدوء والرضا والبركة وسكن البيوت ومودات القلوب، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة، وليس المال إلا عنصراً واحداً يكفي منه القليل حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله وأن الحياة الطيبة في الدنيا لا تنقص من الأجر الحسن في الآخرة) [في ظلال القرآن (14/2193)].
يظهر من هذه الآية الكريمة أن ثمار العمل الصالح. ومنه التطوع ـ تعود إلى صاحبها في الدنيا والآخرة، ومن أعظم ما تكون به الحياة طيبة بالنسبة للمؤمن أن ترتفع راية الإسلام ويعز أهله، وتهوي راية الكفر ويذل أهله، ولا يكون ذلك إلا لعباد الله الصالحين المحافظين على الأعمال الصالحة، كما أن من أفضل الأجر عند الله أجر الشهيد في سبيل الله الذي يتمنى أن يعود إلى الدنيا ليقتل مرات لما رآه من الثواب الذي اختصه الله به، وقد مضى.
ولقد جعل الله تعالى التقرب إليه بالنوافل سبباً في حبه لعبده المتقرب إليه، الحب الذي يصل معه العبد إلى درجة التوفيق والتسديد لقلبه وجوارحه، ولا يفكر إلا في طاعة الله ولا يتحرك إلا فيما يرضيه عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) [البخاري 6502 فتح الباري (11/340)].
وإن الذي يحافظ على نوافل الطاعات، لا بد أن يكون قد حافظ على الفرائض من باب أولى، لما يعلم من العقاب على تركها، بخلاف النوافل فإنها يثاب عليها ولا يعاقب عليها. وقد مضى في نفس الحديث الآنف الذكر قوله تعالى: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه).
لذلك كانت نوافل الطاعات بمنزلة الحائط الذي يبنى خارج الدار لسترها وصد اللصوص المقتحمين، والفرائض بمنزلة الدار، والذي بنى الحائط من أجل الدار لا يفرط في الدار وصيانتها وإحكام بنائها.
و الذي يحافظ على النوافل يصد عن نفسه الشيطان من أن يوسوس له بترك الفرائض أو النقص منها، لأنه إذا كان ملازماً للنافلة –التي لا عقاب عليه - لأجل ثوابها لا بد أن يلازم الفرائض ملازمة أشد، لما يخافه من العقاب على تركها أو نقصها.
ولكنه مع ذلك الحرص وتلك الملازمة بشر، قد تحصل له غفلة فيفوته إتمام بعض الفرائض، فإذا فاته شيء من ذلك فإن ربه سبحانه يتفضل فيجبر له ذلك النقص بما قدمه في حياته من تطوع.
قال ابن حجر رحمه الله: "وأيضاً فإن من جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض كما صح في الحديث الذي أخرجه مسلم: "انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته" الحديث بمعناه، فتبين أن المراد من التقرب بالنوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها) [فتح الباري (11/343)].
ونص الحديث الذي أشار إليه الحافظ رحمه الله ـ وهو من حديث أبي هريرة : (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وإن انتقص من فريضة قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقصت من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك) [أبو داود (1/540) والترمذي رقم الحديث 411، تحفة الأحوذي (2/462) صحيح الجامع الصغير للألباني (2/184)
هذا ولم يهتد الكاتب إلى الحديث في صحيح مسلم الذي عزاه إليه الحافظ رحمه الله].
والإكثار من الأعمال الصالحة ـ النافلة ـ مطلوب، ولكنه يجمل بمن أراد دوام القرب من ربه أن يداوم على طاعته، ولا ينبغي أن يأتي بعمل صالح يرضي به الله تعالى ثم ينقطع عنه، لا سيما إذا كان من النوافل المؤكدة والمرغب فيها.
لذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته أن يعملوا ما هو في وسعهم حتى يداوموا عليه، ولا يملوا فينقطعوا عن ذلك، وهذا الانقطاع يحرم المؤمن من الاتصال الدائم بالله.
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير وكان يحجره من الليل (أي يتخذه حجرة) فيصلي فيه فجعل الناس يصلون بصلاته، ويبسطه بالنهار فثابوا ذات ليلة فقال: (يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل) (وكان آل محمد إذا عملوا عملاً أثبتوه) [صحيح مسلم (1/540)].
قال النووي رحمه الله: (وفيه الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع، وإنما كان القليل الدائم خيراً من الكثير المنقطع، لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة) [شرح النووي على مسلم (6/71)].
هذه هي ثمار المحافظة على نوافل الطاعات: دوام الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق وزيادة الأجور ومضاعفتها، والذي يجاهد نفسه على ذلك جديرٌ أن يجاهد في سبيل الله.
الوجه الثاني: ذكر بعض النوافل بأعيانها وبيان أثرها في تزكية النفس وتطهيرها:
طرق الخير التي يثاب المسلم على فعلها لا تحصى كثيرة. وقد عني بها علماء المسلمين في كتبهم مستدلين عليها من الكتاب والسنة. وقد سبق الكلام على حث الكتاب والسنة على فعل الخير عموماً، وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في أول باب: "بيان كثرة طرق الخير" في كتابه رياض الصالحين هذه الآيات: ((وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)) [البقرة: 215]، ((وما تفعلوا من خير يعلمه الله)) [البقرة: 197]. ((من عمل صالحاً فلنفسه)) [الجاثية: 15]. ثم ذكر أحاديث شاملة لكثير من أفراد الطاعات [رياض الصالحين ص68].
وهي تعتبر أمثلة، وإلا فإن النصوص في ذلك لا تحصى كما سبق، وبمراجعة أبواب رياض الصالحين ـ وحده يظهر للقارئ تلك الكثرة فكيف وهو ـ أي رياض الصالحين قد اختصرت فيه نصوص قليلة من القرآن الكريم وكذلك أحاديث من كتب قليلة من كتب الحديث.
لذلك لا يتحمل هذا البحث التنصيص على كثير من طرق الخير التي تزكي المسلم وتصله بربه، فيكون بذلك أهلاً للانخراط في سلك المجاهدين في سبيله، ولكن لا بد من التنصيص على بعض تلك الطاعات وحكم غير ما لم يذكر حكم ما ذكر، وإن تفاوتت الطاعات في الثواب بحسب الوقت والحاجة وما أشبه ذلك.
(128)
أثر قراءة القرآن بتدبر وسماعه في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله](3/67)
تلاوة القرآن الكريم مأمور بها عبادة الله، إذ هو أفضل كلام يتعبد به في الصلاة وغيرها، لأنه كلام الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ((إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين)) [النمل: 91ـ92].
وتلاوته شاملة لقراءته مطلقاً، وإن كان السياق هنا يدل على قراءته على الناس لتبليغهم وإنذارهم [انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/378)].
وإذا كانت تلاوة القرآن وسيلة الدعوة إلى الله فإن كونها وسيلة لتزكية نفس القارئ من باب أولى [انظر في ظلال القرآن (20/2670)].
ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة قارئ القرآن الحاذق في حفظه وقراءته، كما بين الثواب الذي يجزله الله لقارئه الذي يشق عليه، كما في حديث قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه (أي في تلاوته لضعف حفظه أو قراءته) وهو عليه شاق له أجران" [البخاري: رقم 4937 فتح الباري (8/691) ومسلم (1/459)]. وفي رواية "والذي يقرأ وهو يشتد عليه أجران").
ويكفي قارئ القرآن فضلاً استماع الله لصوته الحسن بكلامه تعالى، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن) (يريد يجهر به) [البخاري رقم 5023 ، فتح الباري (9/68)].
وتأمل الفرق البعيد بين قارئ القرآن (لا سيما العامل به) وغيره في هذا المثال النبوي الذي تضمنه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر) [البخاري رقم 5427 ، فتح الباري (9/555) ومسلم (1/549)].
وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: (تعلموا هذا القرآن فإنكم تؤجرون بتلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: بألم، ولكن بألف، ولام، وميم، بكل حرف عشر حسنات…) [الدارمي (2/308) قال المحشي: الحديث هنا موقوف على عبد الله بن مسعود وقد روى نحوه الترمذي مرفوعاً، وقال: حسن صحيح غريب، وهو قطعة من حديث طويل، رواه الحاكم عن إبراهيم البري عن أبي الأحوص عنه مرفوعاً، وقال: تفرد به صالح بن عمر عنه، وهو صحيح].
ولقد أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الفضل العظيم لقراءة كتاب الله، فبالغ بعضهم في قراءته ليستكثر من الحسنات، وكان يقرأه كله في ليلة واحدة ـ فأنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، لما فيه من تفويت بعض حقوق نفسه وحقوق أهله، وما ينبني عليه من أثر العجز عنه والاستمرار عليه، وسبق أن أحب العمل أدومه وإن قلَّ ـ فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأه في شهر فقال: إنه يطيق أكثر من ذلك، فأمره أن يقرأه في سبع ونهاه عن أن يزيد عليها.
عن عبد الله بن عمرو عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اقرأ القرآن في شهر) قلت: إني أجد قوة… حتى قال: (اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك) [البخاري رقم 5054، فتح الباري (9/95) ومسلم (3/814)].
وفي رواية (قال: وكيف تختم؟ قلت: كل ليلة) الحديث [البخاري (9/94)].
ولا بد للقارئ أن يتدبر كلام الله ويتفهم مراميه، ليحقق الحكمة من إنزاله، كما قال تعالى: ((كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته، وليتذكر أولوا الألباب)) [سورة ص: 29].
و بتدبر المؤمن كتاب الله ينجو من مشابهة أولئك المنافقين الذين أنكر الله عليهم عدم تدبرهم الذي كان من أثره تغييرهم أوامر الله ورسوله، التي تعلمونها منه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)) [النساء: 82].
وقال تعالى: ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها)) [محمد: 24].
وقال تعالى: ((وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)) [الأعراف: 204].
وبمداومة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن وتدبره والإنصات له وتطبيقه، وصلوا إلى تلك القمة العالية في التربية والتزكية.
قال محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ: فتربيته الصحابة التي غيرت كل ما كان بأنفسهم من مفاسد الجاهلية، وزكتها تلك التزكية التي أشرنا إليها آنفاً وأحدثت أعظم ثورة روحية اجتماعية في التاريخ، إنما كانت بكثرة تلاوة القرآن في الصلاة وتدبره في غير الصلاة (وفي الصلاة أيضاً من باب أولى) وربما كان أحدهم يقوم الليل بآية واحدة يكررها متدبراً لها، وكانوا يقرؤونه في كل حال حتى مستلقين ومضطجعين كما وصفهم الله بقوله: ((الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم)) [آل عمران:191]. وأعظم ذكر الله تلاوة كتابه المشتمل على ذكر أسمائه الحسنى وصفاته المقدسة وأحكامه وحكمه وسننه في خلقه وأفعاله في تدبير ملكه كما تقدم) [الوحي المحمدي ص163].
عرض الإنسان نفسه على القرآن
ليعلم ما يرضى الله منه فيعمله، وما يغضبه فيتجنبه:
وعندما يقرأ المؤمن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى لهداية البشرية في هذه الحياة إلى صراطه المستقيم، كما قال تعالى: ((إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)) [الإسراء: 19]، عندما يقرأ المؤمن هذا القرآن، وهو يذكر صفات المؤمنين ويمدحها ويثني عليها ويدعو للاتصاف بها، وكذلك يذكر صفات أعداء الله من الكافرين والمنافقين ويذمها ويحذر منها، فإنه بذلك يعلم أهو من عباد الله المؤمنين؟ أهو سائر في طريقهم، أم يزوغ عنه هنا وهناك؟ وبذلك يستطيع أن يقوم نفسه في إيمانه وسلوكه ومعاملاته، وفي كل شأن من شؤون حياته.
قال شيخنا العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (وهذه الآية -يعني آية الإسراء التي سبق ذكرها قريباً- الكريمة أجمل الله جلّ وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة). [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/409)].
ألا ترى ماذا قالت عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قالت للسائل: ألست تقرأ القرآن؟ قال: قلت: بلى، قالت: (فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن) [صحيح مسلم (1/513) وأورد ذلك بن كثير في تفسير قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) في أحاديث متعددة].
وقال ابن كثير رحمه الله: ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجية له وخلقاً تطبعه وترك طبعه الجبلي، فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل) [تفسير القرآن العظيم (4/402)].(3/68)
وفي القرآن الكريم ما يقوي الإيمان، ويدعو إلى البذل، ويبين صفات المجاهدين التي يجب أن يتحلى بها من يريد أن يقوم بالجهاد في سبيل الله… وكلما أكثر الإنسان من قراءة القرآن ازداد علماً وعملاً، وحصلت له التزكية التي نزل القرآن الكريم من أجلها، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم للقيام بها، كما قال تعالى: ((هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليه آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)) [الجمعة: 2].
وهذا ما دعا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقول: (إذا سمعت الله يقول: ((يا أيها الذين آمنوا..)) فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به أو شر تصرف عنه) [زاد المعاد لابن القيم (1/113)].
(129)
أثر صلاة التطوع في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
الصلوات المفروضة فرض عين هي الصلوات الخمس التي فرضها الله على هذه الأمة خمساً، وجعل ثوابها خمسين ـ الحسنة بعشر أمثالها ـ وقد سبق أنها ركن من أركان الإسلام، وهي الركن الوحيد الذي ربط الله به المسلم خمس مرات في يومه وليلته.
ولعظم شأن الصلاة وما تشتمل عليه من معانٍ تزكي المؤمن وتطهره، شرع الله سبحانه للمؤمن غيرها من الصلوات التي ترافقها قبل الفرض وبعده أو قبله فقط، وهي التي تسمى بالسنن الراتبة، لتكون القبلية مهيئية صاحبها للإقبال إلى الله تعالى في الفريضة، ولتكون البعدية مذكرة له بدوام ارتباطه به سبحانه، ولتكون كلها ـ القبلية والبعدية ـ مكملة لما قد يحصل عليه من نقص في فريضته كما مضى.
قال ابن قدامة رحمه الله ـ مبيناً السنن الراتبة ـ (وهي عشر ركعات: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر) [زاد المعاد (2/102) المغني (2/93)]…
ورأى بعض العلماء أن الراتبة قبل الظهر أربع، ورأى بعضهم أن للعصر راتبة وهي أربع، ورجح ابن قدامة أن لا راتبة للعصر، وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم حث عليها. [المغني (2/93)]
وعلى كلٍ فهي عشر على القول الأول، و أربع عشرة أو ست عشرة ركعة، على ما ذكر بعده، ومن السنن الراتبة ركعتان أو أربع ركعات بعد صلاة الجمعة.
كما شرع للمؤمن صلوات أخرى غير الراتبة، مثل قيام الليل، وصلاة التراويح في رمضان، والوتر، وسنة الضحى، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة ـ وهي فرض كفاية ـ ولكنها تصبح في حق من لم تجب عليه تطوعاً، وركعتين قبل صلاة المغرب بعد الأذان، وركعتي تحية المسجد لمن أراد الجلوس فيه، وركعتي صلاة الاستخارة. [المغني (2/93ـ100)].
ولا حاجة لذكر النصوص الواردة في هذه النوافل ومن أراد أن يطلع عليها فليرجع إلى كتب الحديث وكتب الفقه التي فصلت ذلك تمام التفصيل. [انظر مثلاً زاد المعاد (2/102 ـ 121) وكذا (2/150ـ156)].
و المقصود ذكر تلك النوافل التي شرعها الله تعالى لعبده المؤمن، منها ما هو متكرر مع الفرض وبعضها آكد من بعض، ومنها ما يتكرر كل يوم ليلاً أو نهاراً، ومنها ما يشرع لسبب من الأسباب ويشمل الجميع وصف التعيين فهي معينة كما ترى.
ولم يقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، بل حثَّ أمته صلى الله عليه وسلم على الإكثار من الصلاة ـ غير المفروضة وغير النافلة المعينة ـ وبين صلى الله عليه وسلم أن الصلاة ترفع الدرجات، وتمحو الخطايا، وتؤهل المكثر منها لمرافقته صلى الله عليه وسلم في الجنة.
كما ثبت في صحيح مسلم عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: (لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحطّ عنك بها خطيئة"، قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء، فسألته فقال لي مثل ما قال لي ثوبان.
وفي حديث ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه، وحاجته فقال لي: "سل" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أو غير ذلك" قلت: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود". [الحديثان في صحيح مسلم (1/353)].
ومع ملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم التقرب إلى ربه بصلاة النافلة، إذ كان يقوم حتى ترم قدماه، كما في الصحيحين من حديث المغيرة قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له: فيقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً" [البخاري رقم 1130 فتح الباري (3/14)، ومسلم (4/2171)].
مع ذلك كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على أن ينال أصحابه هذا الفضل العظيم، لتزكية نفوسهم وفوزهم بالقرب من الله تعالى وبحبه وتوفيقه، فكان يحذرهم من أن يثبطهم الشيطان عن التنفل بالصلاة ـ ولا سيما صلاة الليل ـ فقد ذكر عنده صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح (أي لم يقم الليل) فقال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه". [البخاري رقم 3270 فتح الباري (6/335) ومسلم (1/537)].
وأوضح صلى الله عليه وسلم حرص الشيطان على حرمان المسلم من هذا الفضل العظيم فقال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدةٍ: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان". [البخاري رقم 1142 فتح الباري (3/24) ومسلم (1/538)].
وكان صلى الله عليه وسلم لشدة حرصه على أن لا يحول الشيطان بين أصحابه وبين فضل الله العظيم يتفقد أقرب المقربين إليه، ويحثهم على قيام الليل، كما في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلة،ً فقال: "ألا تصليان" فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلنا ذلك، ولم يرجع إليّ شيئاً، ثم سمعته وهو مولٍ يضرب فخذه وهو يقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً) [البخاري رقم 1127، فتح الباري (3/10) ومسلم (1/537) والآية من سورة الكهف رقم: 54].
ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسارعون إلى الإكثار من صلاة التطوع حتى تتعب أجسامهم، فيكاد يسقط أحدهم من الإعياء، ولكنه يشعر بالراحة والاطمئنان، فلا يبالي تعب جسمه، فيمد الحبل ليتعلق به عند الإعياء، فيشفق عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بفعل ما يطيقون.
ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين ساريتين، فقال: "ما هذا الحبل"؟ قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا، حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد". [البخاري رقم 1150، فتح الباري (3/36) ومسلم (1/541)].
والأحاديث والآثار الواردة في حرص الرسول صلى الله عليه وسلم وحرص أصحابه على صلاة النافلة أكثر من أن تحصى فليعد إليها من أراد. [انظر مثلاً أول الجزء السادس من كتاب جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم للعلامة الأثير الجزري مطبعة الملاح1392هـ.(3/69)
ويتضح مما مضى أن من آثار المحافظة على صلاة التطوع محبة الله تعالى لعبده وتوفيقه إياه لعمل ما يرضيه عنه، وأنها تحقق للعبد شكر لله سبحانه، وترفع درجاته عنده، وتمحو خطاياه، وتؤهله للنعيم الدائم: الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأنها من أهم أسباب مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك وغيره تزكية للنفس وتطهيراً لها وإعدادها للجهاد في سبيل الله ورفع رايته.
هذا وإن من أراد أن ينصب نفسه للجهاد في سبيل الله والدعوة إليه، فلا بد أن يعلم أنه معرض للابتلاء وكره الناس ووقوفهم ضده ومحاولتهم إغراءه بشتى أنواع المغريات، ليسكت ويعرض عنهم ويتركهم وما يشتهون، فإن لم يفد معه الإغراء والترغيب فإنهم لا بد منتقلون إلى الوعيد والتهديد، ووضع كل العراقيل في سبيله، بل سيعتدون على ماله وعرضه ونفسه، فلا يدعونه وشأنه، كما كان أمر جميع الأمم مع الأنبياء، وكما وقع من كفار قريش والجزيرة العربية مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والصبر على ذلك ليس سهلاً بل هو أمر شاق، بل إن البشر لا يطيق ـ بدون سند رباني ـ مواصلة الدعوة والجهاد مع تكالب الأعداء عليه، والأعداء دائماً كُثُر، وأعدى أعداء الإنسان وأقربهم إليه نفسه وهواه وشيطانه.
لذلك لا بد من زاد للصبر وعدة للسير ووقود للاستمرار، وما ذلك الزاد وتلك العدة وهذا الوقود إلا اللجوء إلى الله والاعتماد عليه، وطلب العون منه بالتقرب إليه، ولا سيما ـ في جوف الليل ـ عندما يأوي إلى فراشه بعد الأتعاب والهموم والأحزان والعراك المتنوع، في هذا الوقت الذي يأخذ الإنسان يحدث نفسه عما لاقاه وتحاول تثبيطه وتوهينه لتحول بينه وبين مواصلة الجهاد والكفاح الدائمين حتى يلقى ربه.
هنا لا بد له أن يفزع إلى ربه ويقف بين يديه طالباً منه المدد والعون، مستمداً منه القوة والعزم على الجهاد في سبيله، ذاكراً له بالتكبير الذي يملأ جوانح نفسه بربه، فلا يهاب إلا إياه راكعاً وساجداً له، فلا يخضع لسواه، مناجياً له بكتابه متدبراً معانيه فاقهاً لأوامره ونواهيه، عالماً أسراره وحكمه، فيذهب عنه التعب، لارتياح نفسه بطاعة مولاه وتنزاح الوحشة عنه لأنسه بمن يناجيه في جوف الليل الذي سكن فيه الناس إلى مضاجعهم نائمين غافلين عن الله، أو صاخبين فيه على منكراتهم غير مبالين.
عند ذلك تتجدد الهمة وتقوى العزيمة وتخلص النية، فيتمثل أمامه أنبياء الله ولسان حالهم جميعاً يقول للأعداء: ((إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم)) [هود: 54ـ56].
قال سيد قطب رحمه الله ـ عند قوله تعالى: ((إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)) [المزمل: 5]: (وإن قيام الليل والناس نيام والانقطاع عن غبش الحياة اليومية وسفاسفها، والاتصال بالله، وتلقي فيضه ونوره والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه، وترتيل القرآن والكون ساكن، وكأنما هو يتنزل من الملأ الأعلى، وتتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري ولا عبارة، واستقبال إيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي.
إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل والعبء الباهظ والجهد المرير الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل، وينير القلب في الطريق الشاق الطويل، ويعصمه من وسوسة الشيطان، ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير). [في ظلال القرآن (29/3745)].
(130)
أثر صوم التطوع في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
سبق أن ذكرنا أن صيام رمضان أحد أركان الإسلام، وأنه ذو أثر عظيم في تزكية النفس وتطهيرها، وأنه يؤدي بالصائمين إلى تقوى الله.
وإن نفل الصوم كذلك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من صيام التطوع، ففي حديث أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى يظن أنه لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أنه لا يفطر منه شيئاً، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلا رأيته، ولا نائماً إلا رأيته). [البخاري رقم 1972 فتح الباري (4/115) ومسلم (2/812)].
وصام صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وحث على صيامه، كما في حديث ابن عباس عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا"؟ قالوا: قالوا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: "فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه". [البخاري رقم 2004 فتح الباري (4/244) ومسلم (2/795].
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام في شهر شعبان، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان). [البخاري رقم 1969 فتح الباري (4/213) ومسلم (2/810)].
وحث صلى الله عليه وسلم على صيام ست من شهر شوال، وبين أن من صامها بعد رمضان فكأنما صام الدهر، ففي حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه : أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر" [مسلم (2/822)].
كما كان صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم الإثنين ويوم الخميس، كما في حديث عائشة. [جامع الأصول (ت م س) (6/322)]. وكان يأمر أصحابه صلى الله عليه وسلم بصيام أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر. [جامع الأصول (6/325) ومسلم (2/817)]، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله" [البخاري رقم 1979 فتح الباري (4/224)].
وللصيام أثر كبير في تزكية النفس وتطهيرها، لما فيه من التزام المؤمن وصبره عما هو حلال له في الأصل من أجل الله سبحانه، ولذلك أبهم الله أجر الصوم وكان فضل الصوم عند الله عظيماً.
كما أن الصائم القادر على منع نفسه من الطعام والشراب والجماع التي هي من أكثر الأمور التي تتوق إليها نفس المسلم ـ لا سيما عند حاجته إليها ـ قادر كذلك على الصبر على أذى الناس وعدم الرد بالمثل، والصوم يقي صاحبه من الأوضار في الدنيا ومن النار في الآخرة.
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام جنة، فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها" [البخاري رقم 1894 فتح الباري (4/103) ومسلم (2/806ـ807)].
وخص الله الصائمين في الدنيا، بباب في الجنة، إكراماً لهم لا يدخله سواهم، جزاء لهم وميزه باسم: "الريان"، كما في حديث سهل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد". [البخاري رقم 1896 وفتح الباري (4/111) ومسلم (2/808)].(3/70)
ولما في الصوم من تزكية وتطهير وأجر عظيم، اشرأبت نفوس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، أراد بعضهم أن يصوم الدهر كله، فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك رفقاً بأصحابه من أن لا يطيقوا ذلك كغيره من العبادات، وبين لهم صلى الله عليه وسلم أن صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله (أي لأن الحسنة بعشر أمثالها)
فلما لم تطب النفس بذلك، ألزمهم بعدم الزيادة على صوم داود: صيام يوم وإفطار يوم، وأخبرهم أن ذلك هو أحب الصيام إلى الله، ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : "إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل"؟ فقلت: نعم، قال: إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونفهت له النفس (أي تعبت) لا صام من صام الدهر، "صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله". قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى" [البخاري رقم 1979 فتح الباري (4/224) ومسلم (2/814)]. وفي رواية: "وأحب الصيام إلى الله صيام داود"
تأمل كيف ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين جهاد النفس بالعبادة وجهاد الأعداء في سبيل الله. فقال: "ولا يفر إذا لاقى"، فإن في ذلك تنبيهاً على أن التقرب إلى الله إذا أداه صاحبه على الوجه المطلوب الذي يرضي ربه، فإنه يثمر القيام بحق الله في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله مع الثبات وعدم الفرار.
وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يبيتون ركعاً سجداً، مبتلة لحاهم بدموعهم خشية من الله، فإذا أصبح الصباح فلاقوا العدو استبطأ أحدهم أكل تمرات في يده تشوقاً إلى لقاء الله، فيرمي تمراته ويدخل في الصف ويقاتل حتى يقتل، والذين كانوا يتزاحمون على الصف الأول في الصلاة، كانوا يتزاحمون على الصف الأول عند اللقاء أيضاً.
وفي الصيام ـ كالحج ـ شبه بالجهاد في سبيل الله، لما فيه من الجوع والعطش والبعد عن الأهل وغير ذلك مما يحتاج إلى صبر وجهد كثير.
(131)
أثر تطوع الحج والعمرة في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
فُرِض الحج على المسلم بشروطه المبينة في كتب الفقه مرة واحدة في العمر، أما العمرة فاختلف في وجوبها، وليس البحث الآن بصدد بيان حكمها، ولكن على القول بوجوبها فإنها كذلك واجبة مرة واحدة في العمر، ويبقى باب التطوع مفتوحاً بالحج كل عام، وبالعمرة في أي وقت من الأوقات ـ وإن كره بعضهم تكرارها في العام وكره بعضهم فعلها في بعض الأوقات، كأيام التشريق مثلاً.
والحديث الصحيح يدل على أن الإكثار من العمرة مُزَكٍّ ومطهر وسُلَّمٌ إلى ثواب الله.
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) [البخاري رقم 1773 فتح الباري (3/597) ومسلم (2/983)].
وفي حديثه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). [البخاري رقم 1819 فتح الباري (4/20) ومسلم (2/983)].
هذا مع ما يشتمل عليه الحج والعمرة من مشاق السفر ومفارقة الأهل والوطن، وما يتضمنه كل منهما من أذكار وطاعات كثيرة.
والحديثان شاملان لحج الفرض وحج التطوع لعموم لفظهما، وإذا كانت العمرة إلى العمرة تكفران ما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، والحاج الذي يؤدي حجه كما يرضي ربه يرجع كيوم ولدته أمه، فإن ذلك يظهر ما للحج والعمرة من التزكية والتطهير للنفس البشرية.
(132)
أثر ذكر الله تعالى في جهاد النفس
[تابع لملأ الفراغ بمنهج الله]
وذكر الله تعالى من أعظم الطاعات التي تجعل العبد متصلاً بربه في كل أوقاته، وليس المقصود به تحريك اللسان بالأذكار الواردة شرعاً فقط، بل ذلك مع تأمل الأذكار بالقلب وتفهم معانيها والاستفادة منها بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وامتلاء القلب من خوف الله ومحبته سبحانه.
وقد لا يتحرك اللسان بالذكر، ولكن القلب لا يغفل عن الله، وعلامة ذلك أن يتقيد المسلم في كل أعماله بما شرع الله، فإذا حدثته نفسه بترك واجب ذكر ال،له فأدى ذلك الواجب، وإذا حدثته نفسه بارتكاب محرم ذكر الله، فأقلع عن ذلك المحرم، وهكذا تجده ذاكراً لله في كل أحيانه ولعل هذا من معاني قوله تعالى: ((واذكر ربك إذا نسيت..)) [الكهف: 24].
ولهذا أمر الله تعالى المؤمنين بالإكثار من الذكر، كما قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً. هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور، وكان بالمؤمنين رحيماً)) [الأحزاب: 41ـ43].
وتأمل كيف ينقلب مَن يذكر ربه من حالةِ مرتكبٍ للفاحشة، إلى حالةِ مطيعٍ عامل مستغفر مغفور له، مثابٍ عند ربه، قال تعالى: ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين)) [آل عمران: 133-136].
وكلما ذكر المؤمن ربَّه ذكره ربُّه، وأين ذكر العبد المخلوق الفقير إلى الله ربه من ذكر الله الخالق الغني عبده؟ قال تعالى: ((كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم، ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون، فاذكروني أذكركم ، واشكروا لي ولا تكفرون)) [البقرة: 152].
وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم. وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة). [البخاري رقم 7405 ، فتح الباري (13/384) ومسلم (4/2061)].
وذكر الله تعالى يلين قلوب المؤمنين ويجعلها ساكنة مطمئنة إلى ربها، كما أنه يذكرها عظمته فتخافه، ويترتب على ذلك المسارعة بطاعته والبعد عن معصيته. قال تعالى: ((الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ، ومن يضلل فما له من هادٍ)) [الزمر: 23].
وقال تعالى: ((فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين ، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)) [الحج: 34 ـ 35].
وقال تعالى: ((إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون)) [الأنفال: 2].
وقال تعالى: ((الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) [الرعد: 28]
وكما حث الله تعالى على ذكره عموماً في الآيات السابقة وأمثالها مثل قوله: ((إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض: ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك..)) [آل عمران: 190 ـ191].(3/71)
فإنه سبحانه قد حث على ذكره في عبادات كثيرة مثل الحج كما قال تعالى: ((وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍ عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)) [الحج/ 27 ـ 28].
وقال تعالى: ((فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين)) [البقرة: 198]، وقال: ((فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذركم آبائكم أو أشد ذكراً)) [البقرة: 200]
ومثل الجهاد في سبيل الله كما قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون)) [الأنفال: 45].
وذكر الله تعالى من أهم أسباب طلب مرضاة الله ومغفرته، ومن أعظم ما يدفع العبد إلى الإكثار من طاعة الله والبعد عن معصيته، ولذلك كان من أعظم العبادات تزكيةً للنفس وتطهيراً لها وعوناً عليها وعلى أعوانها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإن وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني، قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول: ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم) [البخاري رقم 6408 فتح الباري (11/208) ومسلم (4/2069)]
والذكر رافع للدرجات محَّاءٌ للخطايا، والذي ترفع درجاته وتمحى خطاياه باستمرار مفلح مزكٍ نفسه ومطهرها، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) [البخاري رقم 6405 فتح الباري (11/206) ومسلم (4/2071)].
وفي حديثه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في كل يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك) [البخاري 3293 فتح الباري (6/338) ومسلم (4/2071)].
وهنالك أذكار كثيرة شرع للمؤمن المحافظة عليها، منها المطلق ومنها المقيد بعدد أو وقت أو بهما، كالذكر عند النوم والاستيقاظ منه، وأذكار الصلاة كالتكبير والتسبيح والتحميد، والذكر بعد الصلاة، أو عند دخول المسجد أو الخروج منه.
أو عند دخول المرحاض و عند الخروج منه، وعند السفر وعند الرجوع منه، وعند النزول بمكان في السفر، وعند تناول الطعام والشراب أو الفراغ منهما. وعند مباشرة الزوجة وعند دخول المنزل وركوب الدابة أو نحوها.
وفي مناسك الحج من وقت الإحرام إلى الانتهاء منه وهكذا... لو أراد الإنسان أن يجمع تلك الأذكار ويحفظها ويعمل بها لما وجد وقتاً يخلو من ذكر الله، مع أن ذلك ميسر وسهل لا يقتضي منه ترك عمله. وإذا ملّ من الذكر باللسان فإنه يستطيع أن يذكر الله في كل حين بقلبه وسلوكه.
[يرجع في هذه الأذكار إلى الأمهات الست وغيرها من كتب الحديث، حيث تفرد لها أبواب خاصة، وهناك كتب عني مؤلفوها بجمع الأذكار خاصة مثل الأذكار للنووي والكلم الطيب لابن تيمية والوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم وغيرها].
والذاكر الصادق النية هو رجل الجهاد في سبيل الله.
قال ابن القيم رحمه الله: (وفي الترمذي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه يقول: "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاقٍ قرنه") [الوابل الطيب صفحة 50].
وقد عني ابن القيم رحمه الله ببيان فوائد الذكر في كتابه المذكور، ويكفي أن تذكر منه هذه الجملة قال: (الخامسة والثلاثون أن الذكر ييسر للعبد وهو في فراشه وفي سوقه وفي حال صحته وسقمه وفي حال نعيمه ولذته، وليس شيء يعم الأوقات والأحوال مثله، حتى أنه ييسر للعبد وهو نائم على فراشه، فيسبق القائم مع الغفلة فيصبح هذا وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه، ويصبح ذلك القائم الغافل في ساقة الركب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) [الوابل الطيب صفحة64].
وقال رحمه الله: (ومن منازل ((إياك نعبد وإياك نستعين)) منزلة الذكر، وهي منزلة القوم الكبرى التي منها يتزودون، وفيها يتجرون، وإليها دائماً يترددون.
والذكر منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بوراً ، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطرق، وماءهم الذي يطفئون به التهاب الطريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.
وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواءها إذا غشيها اعتلالها، به يزول الوقر عن الأسماع والبكم عن الألسن، وتقشع الظلمة عن الأبصار، وبالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان.
قال بعض السلف: إذا تمكن الذكر من القلب، فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان، فيجتمع عليه الشياطين يقولون ما لهذا؟ فيقال: قد مسته الإنس وهو روح الأعمال الصالحة، فإذا خلا العمل عن الذكر كان كالجسد الذي لا روح فيه) [مدارج السالكين (2/423)].
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
==============
وقفات مع الإجازة الصيفية
خالد بن عبدالله المصلح
الخطبة الأولى
أما بعد..
أيها المسلمون إن مرجع كثير من المشكلات الدينية أو الاجتماعية أو الأخلاقية والسلوكية في فترات الإجازات الصيفية ذلك الفراغ الهائل الذي يخيم على أكثر الناس في هذه الفترة فما الاجازة عند أكثر الناس إلا كمٌ كبيرٌ من الوقت الفارغ الذي لا يحسن استعماله ولا تصريفه فهي أوقات سائبة وطاقات معطلة من خير الدنيا أو الآخرة ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))(1).(3/72)
أيها المؤمنون إنما كان الفراغ نعمة لأن استغلاله في الطاعة والبر يرفع درجة العبد عند ربه ويحصل له بذلك سعادة الدنيا ونعيم الآخرة فإن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر كسبها وربحها يوم يقوم الناس لرب العالمين، ولذلك وجّه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والأمة بعده إلى استثمار الفراغ بالاجتهاد في الطاعة والنصب والتعب فيما يقرب إلى الله تعالى فقال جل وعلا: ? فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ?(الشرح: 7-8). وسر هذا التوجيه أيها المؤمنون أن العبد إنما خلق لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له في كل وقت وحين فقال جل وعلا: ?وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ?(آل عمران: من الآية41) وقال سبحانه: ?فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ?(الروم: 18) وقال تعالى: ? وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ?(الحجر: 99) فإذا فرغ الإنسان مما لا بد له منه من أشغال الدنيا فليعد إلى غاية وجوده وهي عبادة الله تعالى.
أيها المؤمنون إن الفراغ نعمة مهدرة مضيعة عند كثير من الناس بل هو سبب كثير من المفاسد والشرور الدينية والدنيوية فمن ذلك:
أن الفراغ المهدر سبب لتسلط الشيطان بالوساوس الفاسدة التي ينشأ عنها كثير من الانحرافات والمعاصي فنفسك إن لم تشغلها بالحق والخير شغلتك بالباطل والشر.
أيها المؤمنون إن الفراغ السائب سبب لكثير من الأمراض الجسمية والنفسية الحسية والمعنوية فحق على كل مؤمن أن يأخذ بما أمر الله تعالى به وبما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم : ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك، صحتك، فراغك، غناك، حياتك))(2).
أيها المؤمنون إن كيفية قضاء الإجازة الصيفية أمر يحتاج إلى أن نقف معه عدداً من الوقفات. .
الوقفة الأولى مع الشباب ذكوراً وإناثاً: أيها الشباب أنتم عماد الأمة ورصيدها وذخرها وسر نهضتها وبناة مجدها ومستقبلها فبصلاحكم واستقامتكم تصلح الأمة وتستقيم ومن أهم عوامل تحقيق صلاحكم واستقامتكم وعيكم بواجبكم وملؤكم أوقاتكم بالنافع المفيد وها أنتم أيها الشباب تستقبلون إجازتكم السنوية فإياكم وإياكم إياكم والفراغ والبطالة فإنهما أصل كثير من الانحراف ومصدر أكثر الضلال كما قال الأول:
إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسده
فملأوا أوقاتكم في هذه الاجازة بالنافع والمفيد في دين أو دنيا ولا تتركوها نهباً لشياطين الإنس والجن وقد يسر الله تعالى لكم في هذه الأزمان قنوات عديدة تستغلون من خلالها أوقاتكم وتنمون قدراتكم وعلومكم ومعارفكم بل وإيمانكم فمنها حلق القرآن الكريم المنتشرة في المساجد فإنها من رياض الجنة وفيها خير عظيم.
ومن هذه القنوات التي تحفظون بها أوقاتكم تلك الدروس العلمية والدورات التي تقام هنا وهناك وفيها يتعلم الشاب ما يجب عليه معرفته من علوم الشريعة والدين ومن هذه القنوات أيضاً المراكز الصيفية التي يشرف عليها أساتذة فضلاء ومربون نجباء يعملون على إشغال أوقات الشباب بما يفيدهم وينفعهم ففيها الأنشطة الترويحية والمهنية وفيها الدورات العلمية والثقافية فاحرصوا أيها الشباب على الانضمام إليها والاستفادة منها فإن فيها خيراً كثيراً وغالب المشتركين فيها هم أهل الخير والصلاح من الشباب:
شباباً كما الإسلام يرضى خلائقاً وديناً ووعياً في اسوداد المفارق
أقاموا لواء الدين من بعد صدعه وأعلوا لواء الحق فوق الخلائق
فإن أبيت هذا فاحرص على شغل وقتك بتجارة أو زراعة أو صناعة تملأ وقتك وتحفظك من شرور الفراغ وأهله فإن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ولابد. وإياك يا أخي الحبيب ورفقة السوء وقرناء الشر الذين يزينون لك المنكر ويدعونك إليه ففر منهم فرارك من الأسد.
الوقفة الثانية: مع أولياء الأمور من الآباء والأمهات فأقول لهم: أيها الأفاضل إن الله تعالى منّ عليكم بالولد ذكوراً وإناثاً وتلك من مننه الكبار. .
منن الإله على العباد كثيرة وأجلّهنّ نجابة الأولاد
وحملكم الله تعالى مسؤولية تربيتهم وحفظهم وتنشئتهم على العبادة والطاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))(3) فما تقومون به اليوم من حسن التربية والرعاية والحفظ والصيانة لفلذات أكبادكم تجنونه ثواباً وأجراً عند الله في الآخرة وبراً وإحساناً في الدنيا وقد كلفكم الله وأمركم بحفظهم ووقايتهم قال الله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ?(التحريم: 6) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها))(4) رواه الشيخان. فمحافظتك على أولادك ورعايتك لهم والاجتهاد في إصلاحهم وإبعادهم عن الفساد وأهله مقدمة ضرورية لاستقامتهم وصلاحهم. .
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ماكان عوده أبوه
فالأب الذي أدار ظهره لأولاده وبيته فلم يجلس فيه إلا ساعات قصاراً في نوم أو أكل وقد أخذت مشاغله بتلابيب قلبه وشغلت لبه وقلبه فلم يلتفت لأولاده ولا لتربيتهم وإصلاحهم هل قام بما أوجب الله عليه؟
والأب الذي ترك الحبل على الغارب لأولاده ذكوراً وإناثاً يخرجون متى يشاؤون ومع من يريدون، يسهرون إلى الفجر وينامون أكثر النهار ويصاحبون أهل السوء ويهاتفون أهل الشر هل قام بحفظهم ورعايتهم؟
والأب الذي أدخل إلى بيته وسائل الإفساد والدمار وامتطت صحون الشر وأطباق البلاء صهوة بيته وانتشرت مجلات الشر وأشرطة الخراب في حجر أولاده هل قام بتنشئة أولاده على البر والتقوى؟!!
إن الجواب على هذه الأسئلة ماترونه من أحوال أبناء هؤلاء لا ماتسمعون. . فيا أولياء الأمور اتقوا الله فيمن استرعاكم الله إياهم مروا أولادكم بالمعروف ورغبوهم فيه وانهوهم عن المنكر ونفروهم منه احفظوهم عن قرناء السوء وأصحاب الشر أبعدوهم عن وسائل الإعلام الفاسد أشغلوا أوقاتهم في هذه الإجازة بما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم وبادروا بذلك كله في أوائل أعمارهم فإن الأمر كما قيل:
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا قومتها الخشب
الخطبة الثانية
أما بعد..
فيا أيها المؤمنون إن الوقفة الثالثة مع أولئك الذي قد شدوا حقائبهم وأعدوا أمتعتهم وحجزوا مراكبهم للسفر إلى بلاد الكفر والبلاء ومواطن الفتنة العمياء في الغرب أو الشرق وما شابهها من البلدان العربية أو الإسلامية. . . إلى هؤلاء أقول: اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم فإن السفر إلى تلك البلاد محرم لا يجوز لما فيه من تعريض النفس والأهل والولد للفتنة التي أعلاها الكفر بالله تعالى وأدناها موافقة المعاصي والذنوب أو على أقل الأحوال استساغة المنكر والفجور فإن تلك البلاد والمصايف قد تعرت قلوب أهلها عن الإيمان وانسلخت أجسادهم عن زي أهل الحشمة والحياء والإسلام وانتشرت بين أهلها الخمور وظهر الزنى والخنا فعدّ المنكر معروفاً والمعروف منكراً فإنا لله وإنا إليه راجعون.(3/73)
ولا شك أن من ذهب إلى تلك الأمصار فقد عرض نفسه للفتن والأخطار وأنت يا عبد الله مأمور بالنأي عن الفتن صغيرها وكبيرها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في فتنة الدجال وأخبر أن خير مال المسلم في آخر الزمان غنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن(5) وأعاذنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن وليعلم هؤلاء المفتونون بالسفر إلى تلك البلاد أن عليهم وزر كل ذنب يقارفه أولادهم و أهلوهم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً))(6).
الوقفة الأخيرة هي مع ورثة الأنبياء من الدعاة وطلبة العلم فأقول لهؤلاء: أنتم يا من عقد الأمة عليكم آمالها ورنت اليكم بأبصارها وهوت إليكم بأفئدتها إن المسؤولية التي أنيطت بكم وألقيت على كاهلكم في توجيه الناس وتربيتهم ودعوتهم وتبصيرهم أعظم من غيركم لا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الباطل والفساد ونفقت فيه سلع أهل الكفر والإلحاد ونشط دعاة التغريب والإفساد وقويت فيه أسباب الزيغ والانحراف فالأمة مهددة بجحافل هؤلاء المفسدين المتربصين الذين يجرون الناس إلى الفساد جراً ويأطرونهم على الكفر والفسوق والعصيان أطراً.
فواجبكم إزاء هذا الواقع المفزع المرير كبير خطير لا يسوغ لكم التخلي عنه ولا الرجوع عنه، فسابقوا بارك الله فيكم أعداءكم واعملوا بمضاء وجد فاجتهدوا في الدعوة إلى الله تعالى اسلكوا كل سبيل واطرقوا كل باب لنشر الخير بين الناس سافروا إلى القرى والأمصار وعلموا الجاهل وأرشدوا التائه ودلوا الحائر مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حذروا الناس من الفساد والعصيان، عروا لهم الباطل واهتكوا ستره واكشفوا زيفه واجهوا الغارة الشعواء التي يشنها خصوم الإسلام وأعداؤه بالعلم والبيان والدعوة والصبر والإيمان قاوموا وسائل التدمير والإفساد بوسائل البناء والإرشاد انشروا الكلمة الطيبة والمحاضرة النافعة والكتاب المفيد أقيموا الدروس والكلمات في مساجدكم وأحيائكم ومجالسكم وإجتماتكم وليبذل كل منكم في مجاله: فالمدرس في حلقته والمربي في مركزه والإغاثي في مواطن الاحتياج إليه أخلصوا في ذلك كله لله تعالى فإن ما كان لله يبقى وما كان لغيره يذهب أدراج الرياح لاتحقروا من أعمال البر والدعوة شيئاً ولو أن تلقى أخاك المسلم بوجه طلق.
واعلموا أنكم إذا أخذتم بذلك من أحسن الناس قولاً قال الله تعالى: ?وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ?(فصلت: 33).
------------------------------
[1] أخرجه البخاري في الرقاق من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنه برقم 6412.
[2] رواه الحاكم بسند جيد.
[3] أخرجه البخاري في الجنائز من حديث ابي هريرة رضي الله عنه برقم 1385. .
[4] أخرجه البخاري في الجمعة من حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنه برقم 893 وأخرجه مسلم في الإمارة برقم 1829.
[5] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه برقم 19.
[6] أخرجه مسلم في العلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم 2674.
المصدر : www.almosleh.com
===============
بعض المقترحات لشغل الفراغ بالعلم والعمل النافع
إنشاء مكتبة منزل : ( أهم كتب ( العقيدة - التفسير - السيرة والتراجم - الحديث - الفقه - فتاوى شرعية ) ( ركن هدايا للزيارات )
إنشاء مكتبة سمعية : ( تلا وة - محاضرات - خطب - دروس علمية. . )
لوحة ورقية حائطية :- ( :تدوين استفسارات ، مواعيد هامة ، ملاحظات....)
مجلة منزلية : زوايا من المواضيع المتنوعة
جدولة للحفظ والقراءة والاستماع والزيارة...
جدول لبعض الأعمال الصالحة
أعمال على مدى اليوم ... ملاحظات
التبكير للصلوات الخمس والمثابرة على السنن الرواتب ... و الرواتب 12ركعة ( قبلية وبعدية )وأداؤها في المنزل أفضل
قراءة جزء من القرآن الكريم ( بعد الفجر حتى الإشراق) ليحصل على أجر حجة وعمرة تامة وبنهاية الشهر يختم القرآن قراءة إن شاء الله . ويفضل القراءة من مصحف ( تفسير آيات القرآن ) للشيخ حسنين محمد مخلوف . لاحتوائه على معاني ... الكلمات وتفسيرها في جوانب الصفحة بالإضافة إلى أسباب النزول في الأسفل ، ليضم مع القراءة شيئاً من معرفة الكلمات وتفسيرها . وهذا المصحف كالمصحف المعروف لوناً وحجماً و على نفس ترقيم الصفحات .
الأذكار أ- الصباحية ب- المسائية ... أ- بعد الفجر ب- فترة المساء
بعض السنن اليومية ** مثل سنة الوضوء - الترديد مع الآذان - ... سنة الإشراق - الضحى- قيام الليل
أذكار الأحوال والمناسبات عند (الدخول والخروج من المنزل ... والمسجد - اللباس - النوم - عيادة المريض .........
راجع كتيب حصن المسلم
استماع لشريط علمي شرح كتاب مع كتابة الفوائد ... فترة مابعد العصر من خمسة - إلى ثلاثة أيام
تخصيص زمن لحفظ آيات من القرآن الكريم ومراجعتها ... ساعة كل يوم
أعمال على مدى الأسبوع ... ملاحظات
قراءة من كتاب على الأهل ( يومان في الأسبوع ) ... الكتب المشروحة ( رياض الصالحين- دروس العام - فتاوى..)
الاستماع إلى شريط ( موعظة ) مهم جداً ... لما في ذلك من ترقيق القلوب إضافة إلى أجر الاستماع
حضور المحاضرات والدروس مع تسجيل نقاط الشرح ... مع ملاحظة تنزيل الجدول العام على مواعيد الدروس والمحاضرات
صيام الاثنين و الخميس ... مع حث الأهل على ذلك
تخصيص مبلغ ** عشرة ريالات أو نحوها توضع في ... الصناديق التي غالباً ما توجد في مسجد الجمعة كل أسبوع
قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة ... من فجر الجمعة إلى قبيل الغروب
أعمال على مدى الشهر ... ملاحظات
زيارة ( صلة رحم - أخوية - جار - دعوية ) مع تقديم هدية ... شريط - كتيب - مطوية..
صيام ثلاثة أيام من كل شهر ( يفضل الأيام البيض 13-14-15) ... صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر
كما جاء في الحديث الصحيح
حضور المحاضرات والدروس مع تسجيل نقاط الشرح ... مع ملاحظة تنزيل الجدول العام على مواعيد الدروس والمحاضرات
تخصيص مبلغ شهري ينفق في سبل الخير .. الحي - المسجد - كفالة يتيم - دعم مكتب الجاليات - مشاريع مؤسسة الحرمين الخيرية - الإغاثة الإسلامية ... ويكون في صورة استقطاع إن أمكن
خروج في نزهة مع الأهل ...
أخوكم
تباع الأثر
=============
الفراغ يكاد يقتلني
الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف(3/74)
السلام عليكم أنا طالبة في الجامعة مستقيمة و الحمد لله لم يشغلني يوم غير دراستي تخرجت من الثانوية بنسبة عالية ولله الحمد أهلتني لدخول الجامعة ولكن رغم أن نسبتي كانت 94% قبلت الترم الثاني وليس الأول بقيت الترم الأول في المنزل وبدأ الفراغ يقتلني وكانت اقرب صديقاتي قد قبلت الترم الأول في الجامعة وكانت أخت اقرب صديقاتي تحبني وكانت اكبر مني سناًوكنت أجاملها من اجل صديقتي أو ربما أتسلى واشغل نفسي بعد فترة طويلة حصلت بها أحداث كثيرة تركتها وتركتني ثم بعد فترة أخبرتني صديقتي أنها هي تحبني فاجئني كلامها فا أنا أحبها أيضا ولكن لأنها صديقتي واقرب صديقاتي لم استطع سوى أن اقبل صداقتها ومع الوقت أصبحت متعلقة بها ورغم ذلك تغيرت مشاعرها وأصبحت لا تهتم وكانت صديقتي على صداقة ببنت أخرى ولكن علاقتهم انتهت وكانت تحلف لي أنها لا تفكر العودة لها يوماً ذات يوم فكرت أن اختبر صدقها وبدأت أرسل لها رسائل من رقمي الجديد الذي لا تعرفه وأسلوب الرسائل التي أرسلها جعلها تشك أنها من صديقتها القديمة وجعلتها تتأكد من ذلك و تفاجأت بأنها تريد إصلاح العلاقة بينهم بعدها كشفت نفسي لها وصدمت برده فعلها سبتني وشتمتني سب فظيع لم أتوقع أن اسمعه من احد في حياتي هي وأختها التي كانت تدعي أنها تحبني ابتعدت عنها وعن كل الأماكن التي تتواجد بها في الجامعة ولكن الذي يتعبني هو الذكرى ليس ذكرى الحب ولكن ذكرى الصداقة التي كانت بيننا كانت اقرب صديقاتي تشعر بألمي وضيقي كانت دائماً بجانبي تعاونا وتكاتفنا معا حتى تخرجنا من الثانوية وكنا نشجع بعضنا ونساعد بعضنا حتى في الجامعة رغم أننا في أقسام مختلفة . وأنا اكتفيت بها صديقة وأخت وقريبة كنت اهرب لها وقت ضيقي هذه الفترة تمر علي مشاكل كثيرة أتمنى أن اتصل بها واحكي لها كما كنت افعل دائما وأنا من النوع الذي لا يكون صداقات حميمة بسرعة مجرد زمالة فقط حتى بدأت اشعر أني وحيده احتاج إلى من احكي له إلى من يفهمني أنا اعلم أن هذه علاقات غير صحيحة ولكن لم نفعل أي شيء محرم سوى أني أحببتها وأحبتني هل هذا يدخل في العلاقة المحرمة ؟ وكيف أتغلب على هذه الذكرى وأنساها؟ احتاج إلى مساعدتكم فورا لأني بدأت أفكر في أن أقيم علاقة مع غيرها حتى أنساها وأنا لا أريد أن أعالج الخطأ بخطأ حتى فكرت أن أتركك الدراسة حتى لا أتذكرها لأني في كل مكان بالجامعة أتذكرها وكل مكان يذكرني فيها كيف استطيع تكوين علاقات صداقة تجعلني قريبة من زميلاتي الأتي تعرفت عليهم؟ مع العلم أن صديقتي هذه عشرتي معها دامت لمده خمس سنوات ولم تخبرني بحبها لي سوى في الشهرين الأخيرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على محمد الهادي الأمين وبعد
أختي الكريمة لقد قرأت مشكلتك بشكل حسن فظهر لي - والله أعلم - أن أس مشكلتك تتمحور في الفراغ الكبير الذي تتربعين عليه .
عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الفراغ و الصحة نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس .
و أمام هذا الفراغ المتوفر عندك كان لابد لك أن تملئيه بالخير و الأعمال الصالحة و هي كثيرة ولله الحمد و الثناء .
و لعل خير ما يملئ هذا الفراغ العبادة بمختلف أنواعها من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة ودعوة .
قال تعالى : ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45) .
ذلك أن عبادة الله تعالى تنهى عن الفحشاء والمنكر ومن نهي عن الفحشاء والمنكر أحبه الله ومن أحبه الله أحبه معظم الناس .
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه قال فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض فذلك قول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل إني أبغضت فلانا فينادي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض .
وحاولي أيتها الأخت أن تشغلي نفسك بالعلم الشرعي ثم بالدعوة إلى الله .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله و ما ولاه و عالم أو متعلم .
كما ننصحك أيتها الأخت على المداومة على ذكر الله .
قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سره أن يحب الله و رسوله فليقرأ في المصحف ) .
أخيراً أختم مقالتي هذه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه الكلم الطيب و الريح الطيب لمن يفقهه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أصبح آمناً في سربه معافى في جسده ، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) .
=============
حينما يضيع الهدف
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله الرحيم الرحمان، خالق الإنس والجان، مقلب الدهور والأزمان ، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره وضح لنا الهدف من خلقنا وحياتنا وبينه أوضح بيان،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله المصطفى بالرسالة للثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة سرمدية على مر الزمان.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تلكم وصية ربكم لكم ولعباده الأولين والآخرين حيث قال:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}([1]).أمره رئيسه في العمل بأن يذهب إلى المدينة المنورة ليقوم بعمل هناك وزوده برسالة فيها المطلوب منه فأعد عدته وجهز نفسه وانطلق ، وفي الطريق نسي هدفه الذي خرج من أجله ، ونسي أن معه رسالة توضح له المطلوب ، ووجد أن هناك جماعات من الناس متجهة إلى رابغ فاتجه معهم ووجد أنه هدف قريب قد حققه ، فاستكان واستراح ونسي عمله والمطلوب منه ، فهل يا ترى حقق هذا الموظف الهدف الذي خرج من أجله ؟ هذا الموظف وأمثاله لا يتنبهون إلا إذا جاء يوم قبض الثمن يوم المرتب ووجد رصيده صفر فيصيح بأعلى صوته لقد سافرت وجهدت لتحقيق المراد ، فيقال له إن الهدف الذي كان مطلوباً منك لم تحققه فيقول نسيت ، ووجدت أفواجاً كبيرة من الناس متجهة فاتجهت معها ، فيقال له أين الرسالة التي زودت بها لما لم تنظر فيها ؟ لما لم تعود وتسأل الخبراء في المؤسسة ؟ فلا يقبل عذره ، لأنه ليس له سند مقبول .(3/75)
ومع بداية الإجازة نلمح في المجتمع ما يقارب ذلك حيث نسي قوم الهدف الذي خلقوا من أجله والذي وضعه الله لنا في كتابه الخالد يوم أن قال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(2).ولم يعودوا لينظروا في كتاب ربهم ووجدوا أن الناس يسيرون في اتجاه فساروا معهم؛حيث ظنوا أن الهدف من الحياة هو الدراسة والمدرسة والشهادة والوظيفة ؛ فتجد القوم بمجرد ما تبدأ الإجازة كأنهم خرجوا من سجون أو انطلقوا من قيود فيتبدل نظام الحياة فيصبح الليل نهاراً والنهار ليلاً،والممنوع مباحاً، ضياع في الأوقات وتهاون وتفريط في الصلوات، وتقصير في جانب رب البريات، نشأ كل ذلك بسبب نسيان الهدف الرئيس حيث ظن قوم أن هدفهم في الحياة هو الدراسة ثم الامتحان ثم الشهادة ثم الوظيفة، وبناء على ذلك أصبح هدف كل عام في ذهن الطالب هو أن يجتاز السنة الدراسية التي هو فيها فإذا انتهى العام الدراسي تصور أنه حقق هدفه في الحياة في هذا العام فانطلق يعبث كما يشاء ! ويمزق وقته ويبدده على توافه الأمور ، وقد يخطئ أباء وأمهات حينما يرون ابنهم وفلذة كبدهم يحرق وقته وزهرة شبابه دون أن يوجهوه أو يناقشوه بحجة أنه في إجازة! أيها الأحبة في الله إن من أخطر الأدواء على المجتمع أن يشعر الرجل أو أن تشعر المرأة أو أن يشعر الشاب أو الفتاة أنه في فراغ أو أن يعيش فارغاً؛لأنه بمجرد أن يعيش الفراغ يتسلم دفة توجيهه عدوه أبليس فيجرجره في متاهات الظلمات،البطالة.الفراغ أحبتي في الله تربة خصبة لأخطر أمراض المجتمع فالمخدرات تنبت وتنمو وتتكاثر في بيئة الفراغ فهل وجدتم شخصاً عمر أوقاته بالنافع المفيد كان من بين مدمني المخدرات ؟ الجرائم بأنواعها مصدرها الرئيس من الفراغ فشاب أو فتاة يفور صحة وشباباً ويملك ذهناً متوقداً وقد يملك مالاً أو لا يملك وعنده وقت فراغ لا يعرف كيف يملؤه وعنده حصيلة ضخمة وفيرة ومتنوعة من السلوك الإجرامي مُلِأ بها من أفلام القنوات أو مواقع الشبكة العنكبوتية أو من خلال الألعاب الإلكترونية، وحوله طوفان من المهيجات الغريزية وإبليس يناديه ويغريه هلم إليَّ هلم إليَّ فماذا يتوقع منه؟ كم من امرأة متزوجة راحة ضحية هذا الداء الخطر الفراغ فالخادمة في المنزل تقوم بشؤونه والزوج مشغول بطلب العيش أو غيره وهي تملك وقتاً كبيراً من الفراغ فأرادت التسلية عن نفسها فرفعت سماعة للهاتف لتجيب على مكالمة أو دخلت على موقع في الشبكة العنكبوتية فإذا بذئب بشري ينتظرها وتنساق خلفه وتخطو خطوات في طريق الرذيلة القدر وقد يفترسها ذئب أو مجموعة من الذئاب فتخون زوجها وتهدم بيتها وتغضب ربها وكان هدفها التسلية وشغل الفراغ فقط! الفراغ في حياة الموظفين في مكان عملهم سبب لانتشار البغضاء والحزازات بينهم وإثارة النعرات وكافة المشكلات! والسؤال أحبتي لو كانت المرتبات ليست مرتبطة بساعات الحضور والانصراف فقط وإنما مرتبطة بكمية الإنتاج وترك وقت العمل مفتوحاً لوجدت أن الكل يسعى لزيادة إنتاجه وهو يعمل الصباح والمساء بلا كلل حتى يحصل على عائد أكبر والذي يضيع ساعات عمله فارغاً بلا إنتاج كيف يكون حاله إذا جاء يوم قبض الأجور وإذا بكشفه أبيضاً ليس فيه شئ أيكون مسروراً بذلك أم أنه يعض أصابع الندم ؟ وأنتم معاشر المؤمنين رجالاً ونساء في دار عمل وموعدكم غداَ يوم القيامة يوم تنصب الموازين وتتطاير الصحف ويكون الحساب وقد أخبركم ربكم بذلك اليوم وأنه دار جزاء يقول العليم الخبير سبحانه : {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}(3). أيسرك في ذلك اليوم أن تكون قد فرطت في ساعات عمرك ؟ استمع لمن فرط وقضى عمره فارغاً يخبرك بحاله قيوم السموات والأرض بقوله :{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى()يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي()فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ()وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}(4). هذا في حق من فرط فكيف بمن أساء وملأ وقته بالمنكرات ،بالقنوات،بالمخدرات،بالمعاكسات،بترك الصلوات،بالأغنيات،بالمسلسلات يا ترى ما هو فاعل؟ كيف يكون حاله استمعوا لربكم يخبركم عن حاله وعيشوا الصورة كأنكم تناظروها أمام أعينكم عيشوها بقلوبكم بأحسيسكم بجميع مشاعركم : {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه()وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه()يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ()مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه()هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه()خُذُوهُ فَغُلُّوهُ()ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ()ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ()إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ()وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ()فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ()وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ()لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}(5).فالبدار البدار أحبتي استجيبوا لأمر ربكم الذي أمر به نبيكم وحبيبكم صلوات ربي وسلامه عليه وأمر الأمة به من بعده ألا وهو قوله تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ()وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}(6).
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى ولا ند له يبتغى وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء .أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وسارعوا جميعاً رجالاً ونساء شباناً وشيباً إلى اغتنام أوقاتكم تنبهوا للوصية الغالية التي أوصاكم بها نبيكم وحبيبكم محمد r يوم أن قال : ((اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْس , شَبَابك قَبْل هَرَمك , وَصِحَّتك قَبْل سَقَمك , وَغِنَاك قَبْل فَقْرك , وَفَرَاغك قَبْل شُغْلك , وَحَيَاتك قَبْل مَوْتك "))(7). أيها الأحبة في الله هي لنضع لأنفسنا برامج عملية للاستفادة من الإجازة الصيفية كل حسب درجة فراغه وحسب ميوله الشخصية؛ فهناك من يضع لنفسه برنامجاً لحفظ أكبر قدر من القرآن الكريم فهو يحفظ في كل يوم صفحتين أو ثلاث أو أقل أو أكثر ومنهم من يضع لنفسه برنامجاً لحفظ الحديث الشريف كأن يضع لنفسه أن يحفظ مثلاً الأربعين النووية في كل يوم حديث ، ومنهم من يلتحق بحلق العلم والدورات العلمية الصيفية، ومنهم من يسعى لاكتساب مهارات جديدة فيلتحق بدورات في الحاسب الآلي أوفي اللغات الأجنبية أو في اكتساب خبرة في هندسة السيارات أو الكهرباء أو السباكة وغيرها ومنهم من يعمل في محل تجاري ليكتسب خبرة في التجارة ، ومنهم من يلتحق بالمراكز الصيفية للحصول على زاد منوع وتحقيق الترفيه،وهكذا ..كل ذلك فيه الخير والبركة ولا يتعارض مع أن يكون هناك برنامجاً لنزهة بريئة في مصائف بلادنا الحبيبة للترويح عن النفس ، أما الممقوت ديناً وخلقاً وعرفاً أن يقضي المرء الإجازة في فراغ لا هو في أمر دين ولا دنيا، ولكن أكل و شرب ونوم أو تسكع في الشوارع والطرقات.
----------------------
([1]) النساء:131.(2)الذاريات:56.(3) الأنبياء:47.(4)الفجر:23-26.(5)الحاقة:25:27.(6)الشرح:7،8.(7)فتح الباري، شرح حديث كن في الدنيا.
================
أبشركم تم قتله ،،، الحمد لله(3/76)
الحمدلله لقد تم قتله بسلاحين حادين وكان بكل صراحة أقولها يستاهل ولكن
وأحب أخبركم فقط ، وأنا أشاهد قتله قد رأيت بإن أحد السلاحين كان سااااااااماً جداً ، أما الأخر فكان مرصعاً بالذهب الخالص .
ولكن دعوني أقولها صراحة
وأنا أشاهد مقتله بالسلاحين سعدتُ وفي نفس الوقت حزنت !!!!!!
لا يثيركم العجب ، فقد تكون نفسي من النوع الحساسة الرحوووووومة
فقد سعدتُ لمقتله وذلك عائد لأنهُ لو بقيَ لخشيتُ أن يحدِثُ خراباً
وحزنتُ لمقتله وذلك بعد أن رأيته يُقتل بسلاح حاد سام
فهو وبكل حقيقة أقولها لا يستاهل أن يصل لدرجة يُقتل على ضوءُها بذلك السلاح السام
فلو لم يُقتل به لكانَ أولى
لكن ماذا أقول سوى صمتاً صمتاً
وفي حالة مثيرة للعجب جداً ، هل تصدقون عندما رأيتُه يُقتل لم أرى منه خروج دم !!!!!!!!!
قد يكون ذلك عائِد لعِظَم شأنه ،، والله أعلم .
كان الكثير والكثير ينادون بقتله فهو شبح مخيف جداً إن بقيَ هكذا
وصنف من المجتمع كان ينادي بقتله لكن بطريقة خاطئة ، قد تكون سبباً أن يعود القتل على المريد للقتل وهذا يدل على عدم فهمهم لطريقة القتل الصحيحة . ومسك السلاح بطريقة سليمة ،،
ولا أنسى أن أخبركم إيضاً أن كلا الصنفين ( العقلاء والسفهاء ) يريدون قتله فهو وجه كالح في أوساط المجتمع
واليوم أعود لأخبركم بل أبشركم بأنه تم قتله شر قتله ليستريح منه العقلاء ولله الحمد والمنه
ولو قتل بالسلاح الآخر السام فقط لما جئتُ والله لأخبركم بذلك ، لأنه حزَّ في نفسي والله رؤيته وهو يقتل بذلك السلاح
وقبل أن أخبركم عن المقتول ، أحب أن أخبركم من الذي قتله
فالذي قتله رجلان وأمرأتان يمثلون البقية
اجتمعا على قتله
أحد الرجلين وإحدى الفتاتين استعملا السلاح الأول المرصع بالذهب
وأما الرجل والفتاة الآخريْن فقد استعملا السلاح السام
قتلوه جميعاً فخرَّ صريعاً
مكثتُ أنظر إليه
بل أنظر لقاتِلَيه
انظر لذلك الرجل والفتاة الذيْن قتلاه بالسلاح المذهَّب فتنشرح سريرتي
وأنظر لذلك الرجل والفتاة الذيْن قتلاه بالسلاح السام فيضيق صدري
لماذا يقتلانه بهذا السلاح المسموم أهوَ يستحق كل هذا لا والله وألف لا
ولكنه الفهم الخاطئ والطريقة السيئة للإمساك الصحيح لذلك السلاح
أما المقتول فقد ذُكرَ اسمه
في وسائل الإعلام المختلفة وعلى المنابر في الجُمَع وانتشر خبره في جميع الأرجاء
وأُعلِنَ اسمه صريحاً وهو يُدعى :
=
=
=
=
( فراغ )
نعم إنه الفراغ ذلك المقتول الذي أختلف الناس في قتله منهم من قتله بذلك السلاح المرصع بالذهب الخالص ومنهم من قتله بذلك السلاح السام
فلقد رأيته يُقتل بالسلاح المطلي بالذهب في
المراكز الصيفية ، بل في حِلَق تحفيظ القرآن الكريم ، في الرحلات الدعوة ، في أماكن طلب العلوم النافعة ، في اماكن الأنشطة الدعوية ، في كل مكان يستفيد منه المرء في حياته وآخرته ،،
ورأيته يُقتل بالسلاح المشبَّع سمَّاً في
أوساط الضياع وبؤر الفساد ، بل في المسارح الغنائية والمراقص النسائية ، والنومات المضيّعة للصلوات ، والسفريات المشبوهه ، وأماكن الغفلة عن الطاعات بشتى أشكالها
الفراغ الذي قال عنه الحبيب صلوات الله وسلامه عليه :
( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ )
معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكفياً صحيح البدن ، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يُغبن، بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، و من شكره امتثال أوامره، و اجتناب نواهيه ، و من فرط في ذلك فهو المغبون، و الموفق لذلك قليل من الناس( فتح الباري 11/230) لأن الناس يؤثرون عيش الدنيا على عيش الآخرة. فالفراغ لا يكون نعمة إلا إذا صاحبه الإيمان؛ لذلك كثير من الناس يذهب ربحهم بسبب استرسالهم مع أنفسهم الأمارة بالسوء الخالدة إلى الراحة، فتترك المحافظة على الحدود و المواظبة على الطاعة فمن ترك ذلك مع كونه فارغاً فقد غبن .
إن وقت الفراغ في حياة الإنسان يعد فرصة مناسبة لتجديد الحيوية وبناء الشخصية وتنمية المواهب على أسس ومبادئ صحيحة ما بين الترويح والاستجمام والتوجيه والإرشاد، والإسلام حين يحرم هدر الوقت فإنه بذلك يضع الخطوط الرئيسة لاستثمار وقت الفراغ بما فيه الفائدة والمصلحة، فهو يدعو الإنسان إلى اغتنام فرص الحياة في طاعة الله وتلقي العلم النافع الصحيح واكتساب المهارات الفنية النافعة، ويحذره من كل لهو فارغ أو لعب باطل يهدر وقته ويفتك بدينه وخلقه. وإن وقت الفراغ نعمة عظيمة تستحق التقدير والاستثمار .
فمن هنا أنادي للجميع وأهيب عليهم بإن يقتلوه بالسلاح المطلي بالذهب ، حتى يسعدوا دنيا وآخرة
وأن يحذروا قتله بالسلاح السام ، فهو السبيل لخسارتهم في كلا الدارين
اللهم إني بلغت اللهم فأشهد
المصدر / جليس الساحة ( الساحة العربية )
=============
عبر وخواطر حول الإجازة والترفيه والترويح
الشيخ / محمد بن إبراهيم السبر*
أيها المسلمون : إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فبعد تعب وجهد وعناء تميل النفوس إلى التجديد والتنويع، وترنو إلى الترويح واللهو المباح دفعاً للكآبة ورفعاً للسآمة ليعود الطالب بعدها إلى مقاعد الدراسة بهمة وقادة ، ويرجع الموظف إلى عمله بعزيمة وثابة ذلك أن القلوب إذا سئمت عميت ..
والإجازة - يرعاكم الله - تجديد للنشاط وإذكاء للحركة وصفاء للأذهان وترويض للأجسام وتعليل لها حتى لا تصاب بالخمول والركود فيصبح جسماً هامداً وعقلاً غائباً.
عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ آخَى النَّبِيُّ r بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً : فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ ؟
قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا ،
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ : كُلْ قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ، قَالَ فَأَكَلَ
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، قَالَ سَلْمَانُ قُمِ الْآنَ ، فَصَلَّيَا
فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : " إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ "
فَأَتَى النَّبِيَّ r فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ r صَدَقَ سَلْمَانُ ) رواه البخاري .
هنا يبين الإسلام عن مراعاةٍ لحاجات الإنسان النفسية ومتطلباته الروحية .
الإسلام دين السماحة واليسر يساير فطرة الإنسان وحاجاته ، فحين شاهد النبي صلى الله عليه وسلم الحبشة يلعبون قال « لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني أرسلت بحنفية سمحة » رواه أحمد.
فبعض الناس لا يرى في الحياة إلا الجد المرهق ، والعمل المتواصل ، وآخرون يرونها فرصة للمتعة المطلقة والشهوة المتحررة ، وتأتي النصوص الشرعية فيصلاً لا يشق له غبار ، فيشعر بعدها هؤلاء وهؤلاء أن هذا الدين وسط وأن التوازن في حياة المسلم مطلب قال تعالى: ( واتبع فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا.. الآية).
نعم - ياعباد الله - إنها الموازنة المطلوبة بين سائر الحقوق والواجبات ، فها هو الإسلام يراعي الإنسان عقلاً له تفكيره وجسماً له مطالبه ونفساً لها أشواقها..(3/77)
قال ابن مسعود t: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السامة علينا ) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: ( كان يتخولنا أن نتحول من حالة إلى حالة ) لأن السآمة والملل يفضيان الى النفور والضجر ، يقول علي بن أبي طالب t: ( إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم)، ويقول أيضاً: ( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا أكره عمي)، ويقول أبو الدرداء t: (إني لا ستجم قلبي باللهو المباح ليكون أقوى لي على الحق )، وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ( تحدثوا بكتاب الله وتجالسوا عليه وإذا مللتم فحديث من أحاديث الرجال ) ..
وهذا إمامهم وقدوتهم محمد r يقول: ( ياحنظلة ساعة وساعة ) رواه مسلم ، وهذا ربهم وربنا سبحانه وتعالى يقول : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.. الآية)،
وبعد قراءة أحوالهم واستقراء سيرهم يحدد لنا سلف الأمة ضوابط اللهو المباح والترويح هاهم يروحون عن أنفسهم فلا يتجاوز أحدهم حدود الشرع المطهر ، بعيداً عن المحرمات أو المكروهات ، لم يكن ترويحهم هدفاً لذاته بل كان وسيلةً لتجديد الهمة مع تصحيح النية لعمل أفضل وإنتاج أكمل لذا لم يكن ترويحهم لمجرد تزجيه الأوقات وتضييعها وإمضاء الساعات دون مردود يقوي الجسم وينمي العقل .
كان الصحابة يروحون عن أنفسهم بالمرح والمِزاح والتسلية ولا يقصرون في شيءٍ من حق الله تعالى وإذا جَدَّ الجِدُ كانوا هم الرجال كما ثبت من فعلهم أنهم كانوا يتبارحون - أي يترامون - بالبطيخ فإذا جد الجد كانوا هم الرجال وكما قال الأوزاعي عن بلال بن سعد- يرحمهما الله-: " أدركت أقواماً يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل كانوا رهباناً ، وهكذا كانوا- رضي الله عنهم - كما قال ابن تيمية - رحمه الله -: " فرساناً بالنهار رهباناً بالليل" وقال عمر بن الخطاب t :" كان القوم يضحكون والإيمان في قلوبهم أرسى من الجبال"
ترويحهم وضحكهم وسمرهم وسفرهم وترفيههم لا يضعف إيمانهم ولا يفسد أخلاقهم ، لا يتعدى وقتُ الترويح على أوقات الصلاة وذكر الله وصلة الرحم وقراءة القرآن أولئك هم الرجال (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)
كانوا يروحون عن أنفسهم بعيداً عن سهر في ليل طويل ، وسمر فارغ هزيل ، يخل بحقوق كثيرة ومنها حق الجسم وحق الأهل وفوق ذلك حق الله تعالى وتبارك.
إذا قرأنا سيرهم وتاريخهم نرى عدم الإفراط في استهلاك المباح لعلمهم بأن المهمة الكبرى للإنسان هي عبادة الله ولأن الوقت ثمين ومن منهج الإسلام عدم الإفراط في كل شيء حتى ولو كان في الصوم والصلاة والجهاد فكيف باللهو والترويح، كل ذلك حتى لا تُضَّيع الحقوق الأخرى وفي هذا يقول r لأحد الصحابة رضي: (صم وأفطر ، وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقاً ، وإن لعينك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً ، وإن لزورك عليك حقاً ) رواه البخاري .
الصيد - كما تعلمون - مباح في الأصل ، وقد يُفرِط فيه البعض فيهدر أوقاته ، ويهلك أيامه يتتبعه من مكان إلى مكان مطارداً باحثاً ولاهثاً غافلاً ، هنا نهى الإسلام عن هذا الإفراط حفاظاً على وقت المسلم الغالي ليكون في طاعة مديدة ومتوازناً لأداء حقوق كثيرة فقال r: ( من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ) رواه أحمد هذا فيمن يفرط في اللهو المباح فكيف بمن يفرط ويصرف أوقاته الثمينة وساعات عمره في أنماط ترويحية محرمة ينتهك محارم الله ويتجاوز مناهيه ؟ كيف بمن يقدم حضور حفل أو وليمة أو فرح أو مبارة على فريضة من فرائض الله كيف بمن يلهو ويمزح ويضحك ويمرح بالسخرية من أحكام الله أو الاستهزاء بعباد الله يتهكم بأعراضهم ويسخر من أحوالهم.. سهرٌ وعبثٌ ونومٌ عن صلاة الفجر أو الظهر والعصر هكذا يقضي بعضهم الإجازة ..
أليس هذا نكراناً لنعم الله وجريمة تنذر بالشؤم وتوجب سخط الإله؟!
كان رسول الله يداعب أصحابه حتى تعجب الصحابة من مداعبته لهم وقالوا : يا رسول الله إنك تداعبنا ؟ قال: (إني لا أقول إلا حقاً ) رواه الترمذي .
عباد الله: الإجازة نعمة وقد تكون نقمة إذا لم تستثمر في ترويح مباح ولهو بريء وعمل مفيد يستغرق الصباح والمساء فإن هذا الفراغ الرهيب يعد مشكلة تقلق كل أب لبيب ، وهل فساد الأبناء إلا من الفراغ .
لقد هاج الفراغ عليه شغلاً وأسباب البلاء من الفراغ
فهو كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : (إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل ) فكم سهرة عابرة أسقطت فتى في أتون المسكرات والمخدرات وجلسةٍ عاصفة وقع البريء فيها في المهلكات .
الفراغ جرثومة فساد تنتشر وتستفحل في مجتمعات الشباب فتحطم الجسد وتقتل الروح، الفراغ لص خابث وقاطع عابث وسارق خارب أفسد أناساً ودمر قلوباً وسبب ضياعاً وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى غفلة الكثير عما وهبوا من نعمة الوقت والعافية فقال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفرغ) رواه البخاري من حديث ابن عباس قال ابن بطال: (كثير من الناس ) أي أن الذي يوفق لذلك قليل أهـ.
الخطبة الثانية :
أخي المسلم : إن الإجازة جزء من عمرك وحياتك ترصد فيها الأعمال وتسجل الأقوال ، وأعلم أنك موقوف للحساب بين يدي ذي العزة والجلال ، فإن الدنيا دار اختبار وبلاء، قال r: " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ما له من أين اكتسبه وفيما أنفقه "..
واستشعار ذلك – عباد الله - يجعل للحياة قيمة أعلى ومعان أسمى من أن يحصر المرء همه في دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها أو منصب يطلبه أو رفاهية ينشدها أو مال يجمعه حتى إذا انتهى راح يطلب المغريات الكاذبة، كلا ليس الأمر كذلك فالله عز وجل يقول : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " ، ويقول سبحانه: " أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون" ..
عباد الله : إن من الأمور التي تساهم وتساعد على استثمار الإجازة: العناية بالقران الكريم والاشتغال به حفظاً وتلاوةً وتعلماً وتعليماً قال r: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ".
فيأخي المسلم إذا أخذت قسطك من النوم والراحة ، وتنعمت بأنواع الطعام ، وحققت شيئاً من السعادة ، فلا تنس غذاء قلبك بقراءة القرآن طلباً للحسنى وزيادة ، لا تبخل على كتاب الله بساعة من أربع وعشرين ساعة.
- والسفر إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال r: ( صلاة في مسجدي افضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مائة ألف صلاة فيما سواه ) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني.
- وكذلك السفر في بر الوالدين وصلة الأرحام وزيارة العلماء والصالحين في الله تعالى وعيادة المرضى وإجابة دعوات الأفراح والمناسبات التي ليس فيها منكرات قال r: " من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم ".
- وكذلك السفر لأجل الدعوة إلى الله على علمٍ وهدىً وبصيرة قال تعالى : " ومن أحسن قولاً ممن دعا على الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " وقال r : " فوالله لن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم "(3/78)
- ومن الأمور المعينة على استغلال الإجازة وشغل الفراغ وهذا نوصي به الناس بعامة والشباب بخاصة طلب العلم وتحصيله والسفر لأجله قال r : " ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم . ولقد كان السلف يرحلون في طلب العلم والمعرفة فهذا ابن مسعود t يقول : لو أعلم مكان أحد أعلم مني بكتاب الله تناله المطايا لأتيته " ، وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : " رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد " أهـ. وقال الشعبي رحمه الله : لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في سبيل كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً " أهـ .
- ويحمد لهذه البلاد المباركة المعطاءة ما وفرته من محاضن تربوية وبرامج نافعة للشباب المسلم من حلق ومدارس لتحفيظ القران الكريم وهاهي المراكز والنوادي الصيفية تأتي لتحفظ فلذات الأكباد من الضياع ولتملأ الفراغ وتحرك الطاقات وتستثمر القدرات ...ألخ فهي فرصة لإلحاق البناء والشباب بها.
- ومن البدائل المتاحة والمتيسرة بحمد لله السياحة النقية والنزهة البريئة إلى ربوع البلاد الإسلامية المحافظة التي تنعي أبناءها الذين هجروها، ويمكن للسلم أن يجمع بين الراحة والعبادة فيزور مكة ويذهب للطائف ومن ثم إلى جدة.
ختاماً نريدها إجازة في طاعة الله ليس فيها أمرأة تتبرج ، أو شهوة تتهيج أو نزعة إلى الشر تتأجج.. إجازة على مايرضي الله لا على ما يسخطه.. إجازة تبني الجسم وتغذي العقل وتروح عن النفس.. والله من وراء القصد.
اللهم اصلح الراعي والرعية والأمة الإسلامية ، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور واعصمنا من الفتن والشرور وانصر عبادك المجاهدين في الثغور يا عزيز يا غفور، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المجاهدين الموحدين ..
* إمام وخطيب جامع الأميرة موضي السديري بالرياض
alsaber111@hotmail.com
==============
خير جليس
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، وبعد: هذا العنوان جزء من شطر بيت من أبيات الشعر.. وخير جليس في الزمان كتاب، وذلك أننا نرى المسلمين -ونحن بالأخص منهم - قد أعلنا مقاطعة تامة مع القراءة، ومع حرصنا على الاستفادة من أوقاتنا -وإن كان حرصاً محدوداً - ومع استفادتنا أيضاً من جزء كبير من أوقاتنا، إلا أن نصيب القراءة عند كثير منا لا يزال ضئيلاً، ولو طُرح عليك سؤال عن آخر كتاب قرأته، ومتى انتهيت منه؟ ومتى بدأته؟ فستجد الإجابة خير دليل على هذه الدعوى. فما أحوجنا إلى أن نعيد النظر مرة أخرى في هذه المقاطعة الظالمة الجائرة مع القراءة.
لماذا نقرأ؟
سؤال نطرحه بين يدي هذا الموضوع، ما الدوافع التي تدعونا للقراءة وإلى دفع ثمن باهظ لتحصيلها؟ وهو ثمن مالي من خلال توفير الكتاب واشترائه، وإلى أن ندفع ما هو أثمن منه وهو الوقت فنصرف جزءاً من أوقاتنا في القراءة فلماذا نقرأ؟
ولعل الإجابة معروفة لدينا سلفاً لكنها وقفات عاجلة حول فوائد أو دواعي القراءة:
أولها: وهو أهمها وأساسها: أن القراءة وسيلة لتحصيل العلم الشرعي، من خلال تلاوة كتاب الله عز وجل، والقراءة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والقراءة فيما دونه أهل العلم تفسيراً لكلام الله سبحانه و تعالى، وسياقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم وشرحاً وتعليقاً على جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم. أو حديثاً في مسائل الفقه، أوفي أبواب الاعتقاد، أو في علوم الوسائل من مصطلح وأصول وقواعد عربية وغيرها، أو من كتب الزهد والورع والرقائق وغيرها. إن القراءة تعد وسيلة مهمة لتحصيل العلم الشرعي وإدراكه؛ ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، ومن خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع. إن هذه النصوص وغيرها والتي تدعو إلى طلب العلم وتحث عليه، وتُفضِّلُ أهل العلم على غيرهم، وتُفضِّلُ الانشغال بالعلم على ما سواه، تدل هي أيضاً على فضل القراءة وأهميتها والحث عليها؛ حين يكون الدافع والمقصد لها تحصيل العلم الشرعي.
ثانياً: القراءة وسيلة لتوسيع المدارك والقدرات؛ لأن المرء حين يقرأ، يقرأ في اللغة وفي الأدب والتفسير والفقه والعقيدة، ويقرأ في علوم المقاصد وعلوم الوسائل، ويقرأ في ما ألف قديماً وألف حديثاً؛ وذلك مدعاة لتوسيع مداركه وإثراء عقليته، ولعل هذا يفسر لنا التخلف الذريع الذي نعاني منه بين صفوف كثيرٍ من شبابنا، والمسافة غير المتوازنة بين قدراتهم العقلية ابتداءً، وبين ما هم عليه من تفكير وقدرات، ويبدو ذلك حين تطرح مشكلة على بساط البحث أو النقاش، أو حين يتساءل أحدهم أو حين يقف متحدثاً؛ فتلمس من خلال ذلك ضحالة التفكير، وضعف المعالجة وسطحيتها، في حين أن ذكاءه يؤهله لمنزلة أعلى من تلك التي هو عليها.
ثالثاً: القراءة وسيلة لاستثمار الوقت، والمرء محاسب على وقته ومسؤول عنه، وسيسأل يوم القيامة عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، ولا يزال الكثير من الشباب يتساءل كثيراً فيم يقضي وقته، ولا يزال الفراغ يمثل هاجساً أمام الشباب يبحثون فيه عما يقضون به أوقاتهم، فالشباب الذين لا هم لهم إلا السير يمنة ويسرة والتجول في الأسواق والطرقات ولقاء فلان وفلان الدافع لذلك كله هو الفراغ وقضاء الوقت. ولا نبرئ أنفسنا معشر الشباب الصالحين، فإننا أيضاً نلمس من أنفسنا المعاناة من الفراغ ولا نجيد استثماره واغتنامه، وحين يجد بعض الشباب وقتاً من الفراغ يتناول سماعة الهاتف فيتصل على فلان والآخر والثالث ليصحبهم إلى هدف غير معلوم ومحدود، اللهم إلا قضاء الوقت أو يجلس وإياه ليلة يتبادلان الحديث، وتراه يعيش مهموماً حين يفتقد صاحبه ذاك الذي اعتاد أن يقف بسيارته أمام منزله بعد صلاة العصر ويودعه في المنزل مصحوباً بحفظ الله بعد صلاة العشاء، حين يفتقد صاحبه يوماً من الأيام كأنه يعيش مأساة، وأمامه ساعات لا يدري بم يقضيها، لكن لو كان هذا الشاب قد اعتاد على القراءة وصارت دأباً وديدناً له لم يعد يشكو من هذا الفراغ، بل كان يبحث عن الفراغ ويفرح به ليستثمره ويغتنمه.(3/79)
رابعاً: القراءة وسيلة للتعويد على البحث، إننا حينما تواجهنا مشكلة أو يطرق بالنا سؤال حول تفسير آية من كلام الله أو حول حديث أيصح أم لا؟ أو البحث عن كلمة غامضة، أو رأي فقهي أو غير ذلك من المسائل، لا يسوغ أن يكون دائماً طريقنا الأول هو السؤال لا غير، فلابد أن يكون لنا وسيلة للبحث والقراءة. إنك لو أبقيت شاباً من الشباب في مكتبة عامرة بالكتب، وطلبت منه أن يعطيك تفسيراً لآية من كلام الله عز وجل، أو يدلك على حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيأتي به بلفظه مصاحباً لذلك بعزوه إلى من رواه، ومعقباً عليه ببيان كلام أهل العلم فيه صحة وضعفاً، أو سألناه عن معنى كلمة غريبة، أو قائلِ بيت من الشعر، أو عَلَمٍ من الأعلام، فسيبقى فيها دهراً طويلاً دون أن أن يعثر على ما يبحث عنه، ولو كان معتاداً على القراءة وعلى قضاء قدر من الوقت في المكتبة، لاستطاع الوصول إلى ذلك بسهولة. والذي لايقرأ لو أراد أن يعد خطبة أو حديثاً يلقيه، فيحتاج أن يجمع طائفة من الأحاديث وأقوال السلف وبعض أقوال من كتب حول هذا قديماً وحديثاً، فإنه قد لا يجد وسيلة لجمع ذلك كله، اللهم إلا أن يجد كتيباً يحمل عنوان كلمته؛ فيسطو عليه ملخصاً وناقلاً.
خامساً: القراءة وسيلة للإفادة من تجارب الآخرين، إنك حين تقرأ وتعتاد القراءة تعطي لفكرك امتداداً واسعاً على مدى الزمن لا ينتهي إلا حيث بدأ التدوين والكتابة؛ فأنت تقرأ لأولئك الذين تراهم وتعرفهم، وتقرأ لجمع ممن عاصرتهم ولم تتح لك فرصة اللقاء بهم والسماع منهم، وتقرأ لأولئك الذين سبقوك فماتوا قبلك، وتقرأ في سير أهل القرون الأولى من سلف الأمة ورعيلها الأول؛ فالقراءة تعطيك رصيداً هائلاً عمره بالقرون، وتمدك بتجارب أولئك الذين مضوا من أزمنة كثيرة وأمكنة شتى وثقافات مختلفة ومناهج متباينة، بل يستطيع القارئ الناقد أن يستفيد حتى من تجارب الأعداء ومما كتبوه والحق ضالة المؤمن.
سادساً: القراءة وسيلة تربوية؛ فأنت حين تعاني ضعفاً في الهمة في طلب العلم فما عليك إلا أن تقرأ كتاباً جمع سير وأخبار القوم كيف علت همتهم في التحصيل والطلب، وحين ترى من نفسك جرأة وإقداماً على المعصية فما عليك إلا أن تعود إلى من كتب في ذلك فتقرأ فيه؛ فتجد فيه ما يزجرك ويهزك هزًّا عنيفاً، وحين تشكو من هذه المشكلة أو تلك، تفزع إلى كتابك وتقرأ فيه ما يكون بإذن الله مجيباً على تساؤلك، وما يكون معيناً لك في أن تعالج بعض ما تعني منه.
وقفات مع القراء
وهي وقفات عاجلة نشير فيها إلى بعض ما نُقل عن سلف الأمة، وعن بعض المعاصرين منهم في عنايتهم بالقراءة وجمع الكتب والعناية بها.
أولاً: في جمع الكتب والاعتناء بها: فقد كان أحدهم وهو ابن عقدة تعدل كتبه حمل ستمائة جمل، وابن القيم رحمه الله كان مغرماً بجمع الكتب، يقول عنه الحافظ ابن حجر: وكان مغرماً بجمع الكتب فحصل منها مالا يحصى حتى كان أولاده يبيعون منها دهراً طويلاً سوى ما اصطفوه لأنفسهم، ويحيى بن معين خلف مائة قمطر وأربعة عشر قمطراً، والقاضي عبدالرحيم بن علي بلغنا أن كتبه التي ملكها بلغت مائة ألف مجلد وكان يحصلها من سائر البلاد، ومحمد بن عبدالله السلمي قرأ وجمع من الكتب النفيسة ومهما فتح عليه صرفه في ثمن الكتب.(3/80)
ثانياً : في كثرة القراءة: وممن نقل عنه ذلك الإمام بن شهاب الزهري رحمه الله، فقد كان يجلس في مكتبته ويقرأ وقتاً طويلاً حتى إن زوجته قالت والله لهذه أشد علي من ثلاث ضرائر، وعبدالله بن عبدالله بن عبدالعزيز، قال: لقد غبرت علي أربعون عاماً ما قمت ولا نمت إلا والكتاب على صدري، والحافظ ابن حجر قرأ في حال إقامته في دمشق -وكانت شهرين وثلث تقريباً- قرأ قريباً من مائة مجلد مع ما يعلقه ويقضيه من أشغال. وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول عن نفسه: لقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الصغار والكبار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد إلى ساعتي هذه عند أحد من الصحابة أنه أوّل شيئاً من آيات الصفات. فقد حكى عن نفسه أنه قرأ أكثر من مائة تفسير فما بالكم بما قرأه من كتب الحديث والفقه والعربية وعلوم الحديث والعقيدة وغيرها من أبواب العلم. أما ابن الجوزي يقول محدثاً عن نفسه: وإني أخبر عن حالي ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتاباً لم أره فكأني وقعت على كنز، ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية فإذا به يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد، وفي ثبت كتب أبي حنيفة وكتب الحميدي وكتب شيخنا عبدالوهاب بن ناصر وكتب أبي محمد بن الخشاب وكانت أحمالاً، وغير ذلك من كل كتاب أقدر عليه، ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد في الطلب. ثالثاً مع المعاصرين: ممن كان كثير القراءة الأديب المشهور الأستاذ/ علي الطنطاوي، فيقول عن نفسه: لو أحصيت معدل الساعات التي كنت أطالع فيها لزادت على عشر في اليوم. والمحدث العلامة الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمه الله كان يعمل في اليوم ثلاث ساعات في إصلاح الساعات ويصرف ما بقي في القراءة، وكان يدخل المكتبة الظاهرية ويبقى فيها أحياناً اثنتي عشرة ساعة، وقد خصَّصَت له فيها غرفة خاصة؛ فكان يأتي قبل الموظفين في الصباح وكان من عادة الموظفين الانصراف ظهراً، فكان لا ينصرف ويتناول غداءه في المكتبة. رابعاً: من غرائب أحوالهم في القراءة: للخطيب البغدادي رحمه الله كتاب نفيس أسماه تقييد العلم، ذكر في آخره فصولاً عن الكتب منها الفصل الرابع ذكر من وظف على نفسه السبل في مطالعة الكتاب ودرسه، وروى فيه عن أبي العباس المبرد قال: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسحاق القاضي، فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع في يده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أي كتاب كان، وأما الفتح بن خاقان فكان يحمل الكتاب في كمه فإذا قام من بين يدي ليبول أو ليصلي أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريد ثم يصنع ذلك في رجوعه إلى أن يبلغ مجلسه، وأما إسماعيل بن إسحاق فإني ما دخلت عليه قط إلا وفي يده كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب بطلب كتاب ينظر فيه. الإمام أبو داود السجستاني صاحب السنن كان حين يفصل ثيابه يجعل كماً واسعاً وكماً ضيقاً فقيل له في ذلك، فقال: الكم الواسع للكتب، والضيق لا حاجة له. لقد كانت قضية القراءة واصطحاب الكتاب قضية تشغل باله فلا ينسى ذلك وهو يفصل ثيابه رحمه الله، وأبو العباس الشيباني قيل في سبب موته أنه خرج من الجامع وفي يده كتاب ينظر فيه وكان قد أصابه صمم شديد، فصدمته فرس فأُلقي في هوةٍ فاضطربت دماغه فمات في اليوم الثاني رحمه الله. وأبو بكر الخياط النحوي كان يدرس جميع أوقاته حتى في الطريق، وكان ربما سقط في جرف أو خبطته دابة، والجاحظ وقد مر شيء من خبره قبل قليل كان يكتري الدكاكين من الوراقين ويبيت فيها للنظر في الكتب فيبيت فيها في الليل حيث لا يكون أصحابها فيها، وقال سليم بن أيوب الرازي -حاكياً عن أبي الفرج الاسفراييني-: أنه نزل يوماً إلى داره فقال: قد قرأت جزءاً في طريقي -وهم يسمون الكتاب الصغير جزءاً-. ويحكي عبدالرحمن بن أبي زرعة عن والده الإمام أبو زرعة فيقول: ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء في الطريق وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه. وكان الألباني يستعير الكتب من صاحب مكتبة تجارية في دمشق، حتى يأتي من يبحث عن الكتاب ليشتريه؛ فيبعث له صاحب المكتبة ويرده عليه. هذه بعض الأخبار في عناية من سلف في القراءة والتحصيل، وحين نسوق خبر ذاك الذي يقرأ في الطريق أو الذي يُقرأ عليه وهو يأكل الطعام، أو من سقط في جرف أو خبطته دابة وهو يقرأ، فإنها ليست دعوة إلى أن نسلك هذا السلوك؛ فذاك مسلك من استثمروا أوقاتهم وعمروها بالقراءة والعلم والتحصيل حتى لم يجدوا إلا هذه الأوقات، أما نحن فنملك رصيداً هائلاً من الأوقات التي نستطيع أن نقرأ فيها ونحن ساكنين مطمئنين دون أن نصاب بجرح أو نخبط في طريق أو دابة.
لمن نقرأ ؟
يدعو البعض إلى القراءة لكل شخص ويقول: اقرأ كل ما وقع في يدك، وقد يكون هذا المنطق مناسباً لفئة معينة من القراء، أما نحن في هذه المرحلة فأرى أن نختار ما نقرأ وأن نعتني به، وألا نقرأ لأي كاتب أو أي عنوان لأمور عدة:
أولها: أن المرء حين يقرأ بعض ما كتبه أولئك الذين قد دونوا بعض زلاتهم وشطحاتهم قد يقع فيها من حيث لا يشعر، ويوصي بذلك العلامة ابن القيم رحمه الله حين تحدث عن الخوارج في قصيدته الكافية الشافية وضلالهم ،قال:
يامن يظن بأننا حفنا عليهم*** كتبهم تنبيك عن ذا الشان
فانظر ترى لكن نرى لك تركها*** حذراً عليك مصائب الشيطان
فشباكها والله لم يعلق بها*** من ذي جناح قاصر الطيران
إلا رأيت الطير في قفص الردى*** يبكي له نوحٌ على الأغصان
ويظل يخبط طالباً لخلاصه*** فتضيق عنه فرجة العيدان
والذنب ذنب الطير خلا أطيب الثـ*** مرات في عا من الأفنان
وأتى إلى تلك المزابل يبتغي الـ*** فضلات كالحشرات والديدان
ياقوم والله العظيم نصيحة*** من مشفق وأخ لك معوان
جربت هذا كله ووقعت في *** تلك الشباك وكنت ذا طيران
حتى أتاح لي الإله بفضله ***من ليس تجزيه يدي ولساني
فالله يجزيه الذي هو أهله ***من جنة المأوى مع الرضوان
أخذت يداه يدي وسار فلم يرم*** حتى أراني مطلع الإيمان
ورأيت أعلام المدينة حولها ***نزل الهدى وعساكر القرآن
إنه يشبِّه حال هذا الذي يقرأ هذه الكتب بذاك الطير الذي يترك الثمرات العالية، ويأتي إلى أسفل الشجر؛ فقد يدخل في شباك فيحاول أن يخرج فيخفق، والطائر حين يدخل في الشباك ويخفق تزيد الشبكة التواءً عليه حتى لا يستطيع الطيران. فهذا حال من يقع في الشبه، فهو يقع في شبهة من الشبه ثم يبحث لها عن حل، ثم يقع في شُبهة أخرى ويبحث لها عن حل، حتى يصبح غارقاً في الشبه، فلا يكاد يقرأ إلا وعرضت له شبهة، ولا يكاد يسأل إلا مورداً لشبهة.
ثانياً: إننا حين نقرأ تراجم أهل العلم نرى أن هناك من أهل العلم من بلغ منزلة عالية في العلم والتحصيل، ومع ذلك وقع في بعض البدع ووافق أهل البدع في بعض ما دعوا إليه، وحين يقع أولئك في بعض هذه البدع فهذا يدل على أننا - نحن الذين أقل منهم حظاً وتحصيلاً - عرضة أيضاً لأن نقع فيما وقعوا فيه، بل أكثر منهم.
ثالثاً: كتب أهل السنة وأهل المعتقد السليم فيها الغنية والكفاية والبركة، وبخاصة حالنا مع القراءة، فلو أننا قرأنا الكثير مما كتبه أهل السنة، وبعد ذلك لم نجد ما نقرأه، حينها قد يسوغ لنا أن ننتقل إلى المرحلة الأخرى، ولا أظن أبداً أننا قد قرأنا أكثر ما نحتاج إليه فلم يتبق لنا إلا هذا النوع من القراءة.(3/81)
رابعاً: لقد كان السلف ينهون عن ذلك، وكانوا يوصون بحرق كتب أهل البدع والضلال، ولعل فيما أوردناه من كلام الحافظ ابن القيم رحمه الله خير شاهد ودليل على ذلك.
معوقات القراءة
هناك معوقات قد تعيقنا عن القراءة يمكن أن نذكر منها:
أولاً: عدم إدراك أهميتها؛ فعدم إدراكنا لأهمية القراءة وحاجتنا إليها، بل وضرورتها لنا، ولو أنا أدركنا أن القراءة لنا كالماء للسمك، والهواء للطير لاجتزنا كثيراً من العقبات.
ثانياً: الكسل ودنو الهمة؛ فالقراءة تحتاج من المرء أن يفرغ جزءاً وقته، وأن يمسك كتابا ً ولا يفارقه، ويجمع فكره حوله وهذا أمر قد لا تعيننا أنفسنا الضعيفة عليه.
ثالثاً: والشريط الإسلامي يعتبر معوقاً من معوقات القراءة، كيف ذلك؟ الإنسان يشعر بالحاجة إلى نوع من التحصيل، ويشعر بأن هناك قضايا يحتاج إلى أن يتفاعل معها، فحين يسمع الشريط يلبي هذا الشريط فراغاً في نفسه، ويشعر أنه يسمع الجديد ويرى شيئاً جديداً، ويحصل كل يوم ما يستفيد منه، ولهذا يقل عنده الدافع والداعي للقراءة، وهو وسيلة سهلة؛ فالإنسان يستطيع أن يستمع إلى الشريط وهو مضطجع أو قاعد أو قائم أو على جنبه، وهو يعمل، وهو في سيارته وفي أي حال من الأحوال، وهو لا يكلف المرء عبئاً؛ ولذلك تجد الكثيرين يسمعون الشريط لكن الذين يقرأون قلة.
رابعاً: الكتيبات الصغيرة، فمع نشاط حركة التعليم، وكثرة المطابع والتي تبحث عما تروج به سوقها، كثرت الإصدارات صغيرة الحجم التي يستطيع القارئ أن يأتي عليها في دقائق، فهي بحجم صغير، وورقات قليلة، وهوامش واسعة؛ فتستطيع بدقائق عاجلة أن تقرأ مثل هذه الكتب، فقراءتها لاتكلف عبئاً ولا جهداً. ولو سألت طائفة من الشباب عن آخر كتاب قرأه، فستجد أن الكثير من الإجابات تدور حول تلك الكتيبات الصغيرة التي يمكن أن يحملها المرء في جيبه. وأظن أن الكتيب - على ما فيه من فوائد وجوانب مهمة - ليس لطلاب العلم ، وحين لا تكون قراءتنا إلا هذه الكتيبات العاجلة، أو ما يمكن أن يسمى بالوجبات السريعة - التي إن ساغت في الطعام والأكل فإنها لا تسوغ في التحصيل العلمي- حين يكون هذا زادنا فهذا خير دليل على فقر زادنا وتحصيلنا.
خامساً: الصحف، هناك صحف إسلامية لا بأس بها قد صدرت في هذا العصر، ومنها مجلات تحوي مقالات فكرية ومقالات علمية مطولة، وتلقى هذه المجلات رواجاً وقراءة، ويسهل على القارئ قراءة مقال في صحيفة لا يتجاوز أسطراً وربما صفحات معدودة ويسيرة، لكن أن يقرأ كتاباً فهذا الأمر صعب. بل حتى في دائرة قراء المجلات لا تجد المجلات الفكرية، والمجلات العلمية رواجاً ونصيباً من القراءة، كما تجده المجلة الإخبارية المزينة بالصور والرسومات والأشكال وغيرها. ومما ينبغي التنبيه عليه أننا حين نعد هذه الوسائل الثلاث (الشريط، والمجلة، والكتيب) مما يعوق عن القراءة، فليس ذلك دعوة إلى إهمالها، بل ينبغي الاستفادة منها، لكن اعتراضنا على أن تكون بديلاً عن القراءة المركزة العميقة.
سادساً: عدم العناية بالوقت، ولهذا لا نجد وقتاً نقرأ فيه، وليس السبب في الحقيقة هو ضيق الوقت، بل عدم اعتنائنا به، ولعل خير وسيلة تعيننا على ذلك هي أن نخصص وقتاً كل يوم نقرأ فيه -أيًّا كان هذا الوقت ومتى كان - ونعتبره واجباً يوميًّا علينا ينبغي ألا تغيب شمس اليوم إلا وقد أدينا هذا الواجب وقضيناه.
كيف نقرأ؟
ولعلي أشير إليها إشارات عاجلة هي وصايا سريعة حول بعض الطرق الصحيحة في القراءة منها:
• الاختيار في القراءة، من خلال اختيار المؤلف والكتاب المناسبين.
• التدرج في القراءة: فالمبتدئ في القراءة لا ينبغي أن ينشغل بالمجلدات والكتب الكبار، فينبغي أن تتدرج من الأسهل إلى الأصعب، وإذا أدركت أنك تفهم ما في الكتاب وتستوعبه فاقرأه، ثم انتقل إلى ما هو أعلى منه، وحين تسلك هذا المسلك وتتدرج في القراءة فإنك قد لا تجد تلك الصعوبة التي يجدها البعض حين يقرأ ما لا يناسبه؛ فيصاب بصدمات عنيفة قد تكون عائقاً له عن القراءة. •التنويع في القراءة فلا يسوغ أن تقتصر قراءتنا على فن معين أو كاتب معين أو موضوع محدد؛ فتقرأ في التفسير والحديث والفقه والعقيدة وعلوم الحديث واللغة والأدب والتراجم والقصص وغيرها من الكتابات.
• الجلسة الصحيحة تعين على القراءة؛ لأن الجلسة أحياناً قد تكون سبباً للنوم وقد تكون سببًا لتشتيت الذهن.
• التركيز والبعد عن الشواغل والصوارف.
• التسجيل والتلخيص؛ فقد تأتيك فوائد قد تستوعبها وتحفظها لكن حين لا تسجلها قد تنساها. •اختيار الوقت المناسب للقراءة حيث يكون الإنسان حاضر الذهن، مرتاح البال.
• القراءة النقدية والاعتدال فيها، وألا تكون مجرد حاطب ليل، فالذي يحطب في الليل لا يرى فقد يجمع حشيشاً وحطباً، وقد يحمل حيةً فتلدغه، فالذي يقرأ ويتلقى كل ما يقرأ بالتسليم والقبول حاله كحال حاطب الليل، فحين نقرأ ونسمع يجب أن نفكر كثيراً فيما نقرأ، ولا يجوز أن نعطل عقولنا، إذ تعطيل العقول من التشبه بالأنعام وقد نهانا الشارع الحكيم عن التشبه ببهيمة الأنعام؛ فينبغي أن نتحرى في تفكيرنا وعقولنا وأن نقرأ قراءة ناقدة، وفي المقابل يجب أن تكون القراءة الناقدة باعتدال ولايكون هم القارئ أن يقف عند كل كلمة وسطر ويبحث فيه عن خطأ حتى يقرر أنه استطاع أن يكتشف هذا الخطأ على فلان أو فلان من الناس.
القراءة السريعة
إن مما يؤسف له أن يكون فن القراءة السريعة مما ابتكره الأعداء وألفوا فيه، بل لهم معاهد متخصصة. وأحدهم وهو روبرت زورن له معهد في التدريب على فن القراءة السريعة، وممن التحق بهذا المعهد جون كيندي وزاد معدل قراءته من مائتين وأربع وثمانين كلمة قبل أن يدرس في هذا المعهد إلى ألف ومائتين كلمة، وهذا يعطيك دلالة على أنك يمكن من خلال التدريب والممارسة أن تجيد فن القراءة السريعة، وقد ألف زورن كتاباً عنوانه القراءة السريعة ذكر فيه بعض القواعد، يمكن أن نشير إليها باختصار حتى تغنيكم عن الرجوع إلى هذا الكتاب وحتى توفروا الوقت الذي قد تصرفونه لقراءة هذا الكتاب في قراءة كتاب أنتم أحوج إليه من القواعد:
القاعدة الأولى:
إلغاء الارتداد، فأنت عندما تقرأ تعود مرة ثانية بنظرك فتقرأ الكلمة التي قرأت قبل قليل، وهذا يأخذ عليك وقتاً طويلاً قد لا تتصوره؛ فالقارئ الذي يقرأ مدة ساعتين ويرتد ارتداداً واحداً في الدقيقة سيخسر نصف ساعة تماماً؛ بحيث تكون قراءته لا تساوي إلا ساعة ونصف، وإذا لم تفهم كلمة فلا تعد لقراءتها من جديد وستفهمها من خلال السياق.
القاعدة الثانية:
القراءة المقطعية وهي تعني توسيع مجال العين، فأنت الآن تنظر إلى أربع كلمات –على سبيل المثال- فحاول أن توسع مجال العين بحيث تنظر إلى ست كلمات أو ثمان، وهكذا.
القاعدة الثالثة:
حركة العودة السريعة للعين، أنت الآن حين تنتهي من السطر الأول تنتقل إلى السطر الثاني نقلة بطيئة، وقد تظن أن هذا يستغرق وقتا يسيراً، لكن حين تقرأ كتاباً يحوي مائة وخمسين صفحة ، والصفحة فيها عشرون سطراً، فحين توفر عليك الحركة السريعة للانتقال ثانية واحدة، فهذا يعني أنك ستوفر (50) دقيقة في قراءة هذا الكتاب.
القاعدة الرابعة:(3/82)
التدريب اليومي، خصص لك وقتاً تتدرب فيه على القراءة السريعة، ويكون هدفك هو العناية بالسرعة أكثر من الفهم، وستجد بعد فترة أنك تتطور كثيراً،حتى تصل إلى الجمع بين السرعة والفهم، وخير مثال على ذلك الكتابة على الآلة الكاتبة أو الحاسب الآلي، فأمهر الناس فيها كان في البداية ربما يكتب حرفاً واحداً خلال دقيقة ثم حرفين في الدقيقة وثلاثة أحرف حتى يصل إلى أربعين كلمة في الدقيقة، ويصل إلى ما هو أسرع من ذلك، حتى أن بعض المكفوفين يجيد الكتابة على الآلة الكاتبة بطريقة بديعة وأخطاء نادرة جدًّا.
هذه بعض القواعد في القراءة السريعة تستطيع مع الممارسة أن تتقنها، لكن هذا النوع من القراءة ليس هو النوع الذي تحتاجه في قراءتك العلمية؛ لأن القراءة العلمية ينبغي أن تكون مركزة وهادئة، فإذا أردت التعود على القراءة السريعة فاجعل لك في اليوم وقتاً تقرأ فيه قراءة سريعة، من خلال قصة من كتب الأدب أو التاريخ التي لا تحتاج إلى تركيز، ويكون هدفك التعود على سرعة القراءة.
أدبيات في القراءة والكتب
بعث أحمد بن محمد بن سجار غلامه إلى أبي عبدالله الأعرابي صاحب الغريب يسأله المجيء إليه، فقال :عنده قوم من الأعراب فإذا قضى أربهم معهم أتى، ولم ير الغلام عنده أحداً إلا أن بين يديه كتباً ينظر فيها ثم جاء، فقال له أبو أيوب: سبحان الله العظيم تخلفت عنا وحرمتنا الأنس بك وقد قال لي الغلام: إنه ما رأى عندك أحداً، وقلت أنت: معك قوم من الأعراب فإذا قضيت أربي معهم أتيت فقال له الأعرابي:
لنا جلساء ما نمل حديثهم *** ألباء مأمومون غيباً ومشهداً
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى *** وعقلاً وتأديباً ورأياً مسدداً
فلا فتنة تخشى ولاسوء عشرة *** ولا نتقي منهم لساناً ولا يداً
فإن قلت أموات فما أنت كاذب *** وإن قلت أحياء فلست مفنداً
وقال الآخر : لمحبرة تجالسني نهاري *** أحب إلي من أنس الصديق
ورزمة كاغد في البيت عندي *** أحب إلي من عطر الدقيق
ولطمة عالم في الخد مني *** ألذ لدي من شرب الرحيق
وقال آخر: نعم المؤانس والجليس كتاب *** تخلو به إن خانك الأصحاب
لا مفشياً سراً ولا متكدراً *** وتفاد منه حكمة وصواب
ويقول أحدهم في وصف أسده على كتب العلم:
أجلّ مصائب الرجل العليم *** مصائبه بأسفار العلوم
إذا فقُد الكتاب فذاك خطب *** عظيم قد يجل عن العميم
وكم قد مات من أسف عليها *** أناس في الحديث وفي القديم
وقال عمرو بن العلاء: ما دخلت قط على رجل ولا مررت بداره، فرأيته في بابه فرأيته ينظر في دفتر وجليسه فارغ إلا حكمت عليه أنه أفضل منه عقلاً، وقيل لرجل ما يؤنسك؟ فضرب على كتبه وقال: هذه، قيل فمن الناس، قال: الذين فيها.
وقيل لبعضهم أما تستوحش؟ قال: يستوحش من معه الأنس كله؟ قيل وما الأنس؟ قال: الكتب. وقيل لأبي الوليد إنك ربما حملت الكتاب وأنت رجل تجد في نفسك، قال: إن حمل الدفاتر من المروءة.
وقال ابن المبارك: من أحب أن يستفيد فلينظر في كتبه. ولهم وصايا في العناية بالكتاب والحفاظ عليه منها: أن أحدهم رأى شخصاً قد جلس على كتابه، فقال: أثيابك أغلى عليك من كتابك؟ لأنه جلس على كتابه حتى يقيه الغبار.
وكانوا يقولون لا تجعل كتابك بوقاً ولا صندوقاً، ذلك أن بعض الناس يلف الكتاب حتى يصبح قريباً من شكل البوق، والصندوق أنه يضع فيه بعض الناس الأوراق والأقلام ونحوها فيتمزق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==============
دور المرأة في التربية
الشيخ محمد الدويش
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فإن الحديث عن أهمية التربية ودورها في إعداد المجتمع وحمايته ليس هذا مكانه ولا وقته، فالجميع يدرك أن التربية ضرورة ومطلب ملح أيًّا كان منطلقه وفلسفته التربوية، والمجتمعات كلها بأسرها تنادي اليوم بالتربية وتعنى بالتربية والحديث عنها، ولعلنا حين نتطلع إلى المكتبة نقرأ فيها من الكتب الغربية أكثر مما نقرأ فيها مما صدر عن مجتمعات المسلمين، مما يدل على أن التربية همًّا ومطلباً للجميع بغض النظر عن فلسفتهم التربوية وأولياتهم.
أهمية الأم في تربية الطفل
تحتل الأم مكانة مهمة وأساسية في التربية، ويبدو ذلك من خلال الأمور الآتية:
الأمر الأول: أثر الأسرة في التربية
فالأسرة أولاً هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية، وهي التي تغرس لدى الطفل المعايير التي يحكم من خلالها على ما يتلقاه فيما بعد من سائر المؤسسات في المجتمع، فهو حينما يغدو إلى المدرسة ينظر إلى أستاذه نظرةً من خلال ما تلقاه في البيت من تربية، وهو يختار زملاءه في المدرسة من خلال ما نشأته عليه أسرته، ويقيِّم ما يسمع وما يرى من مواقف تقابله في الحياة، من خلال ما غرسته لديه الأسرة، وهنا يكمن دور الأسرة وأهميتها وخطرها في الميدان التربوي.
الأمر الثاني: الطفل يتأثر بحالة أمه وهي حامل
تنفرد الأم بمرحلة لا يشركها فيها غيرها وهي مرحلة مهمة ولها دور في التربية قد نغفل عنه ألا وهي مرحلة الحمل؛ فإن الجنين وهو في بطن أمه يتأثر بمؤثرات كثيرة تعود إلى الأم، ومنها:
التغذية فالجنين على سبيل المثال يتأثر بالتغذية ونوع الغذاء الذي تتلقاه الأم، وهو يتأثر بالأمراض التي قد تصيب أمه أثناء الحمل، ويتأثر أيضاً حين تكون أمه تتعاطى المخدرات، وربما أصبح مدمناً عند خروجه من بطن أمه حين تكون أمه مدمنة للمخدرات، ومن ذلك التدخين، فحين تكون المرأة مدخنة فإن ذلك يترك أثراً على جنينها، ولهذا فهم في تلك المجتمعات يوصون المرأة المدخنة أن تمتنع عن التدخين أثناء فترة الحمل أو أن تقلل منه؛ نظراً لتأثيره على جنينها، ومن العوامل المؤثرة أيضاً: العقاقير الطبية التي تناولها المرأة الحامل، ولهذا يسأل الطبيب المرأة كثيراً حين يصف لها بعض الأدوية عن كونها حامل أو ليست كذلك .
وصورةً أخرى من الأمور المؤثرة وقد لا تتصوره الأمهات والآباء هذه القضية، وهي حالة الأم الانفعالية أثناء الحمل، فقد يخرج الطفل وهو كثير الصراخ في أوائل طفولته، وقد يخرج الطفل وهو يتخوف كثيراً، وذلك كله بسبب مؤثرات تلقاها من حالة أمه الانفعالية التي كانت تعيشها وهي في حال الحمل، وحين تزيد الانفعالات الحادة عند المرأة وتكرر فإن هذا يؤثر في الهرمونات التي تفرزها الأم وتنتقل إلى الجنين، وإذا طالت هذه الحالة فإنها لا بد أن تؤثر على نفسيته وانفعالاته وعلى صحته، ولهذا ينبغي أن يحرص الزوج على أن يهيئ لها جواً ومناخاً مناسباً، وأن تحرص هي على أن تتجنب الحالات التي تؤدي بها حدة الانفعال .(3/83)
أمر آخر أيضاً له دور وتأثير على الجنين وهو اتجاه الأم نحو حملها أو نظرتها نحو حملها فهي حين تكون مسرورة مستبشرة بهذا الحمل لا بد أن يتأثر الحمل بذلك، وحين تكون غير راضية عن هذا الحمل فإن هذا سيؤثر على هذا الجنين، ومن هنا وجه الشرع الناس إلى تصحيح النظر حول الولد الذكر والأنثى، قال سبحانه وتعالى :]ولله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير[. فهو سبحانه وتعالى له ما يشاء وله الحكم سبحانه وتعالى؛ فيقرر للناس أنه عز وجل صاحب الحكم والأمر، وما يختار الله سبحانه وتعالى أمراً إلا لحكمة، لذا فالزوجة والزوج جميعاً ينبغي أن يرضوا بما قسم الله، ويعلموا أن ما قسم الله عز وجل خير لهم، سواءً كان ذكراً أو أنثى، وحين تفقد المرأة هذا الشعور، فيكشف لها التقرير الطبي أن الجنين الذي في بطنها أنثى، فتبدأ تغير نظرتها ومشاعرها نحو هذا الحمل أو العكس فإن هذا لا بد أن يؤثر على الحمل، ونحن هنا لسنا في عيادة طبية حتى نوجه المرأة الحامل أو نتحدث عن هذه الآثار التي يمكن أن تخلقها حالة الأم على الحمل، إنما المقصود من هذا كله أن دور المرأة يبدأ من حين حملها وأنها تعيش مرحلة تؤثر على مستقبل هذا المولود لا يشاركها غيرها.
الأمر الثالث: دور الأم مع الطفل في الطفولة المبكرة
الطفولة المبكرة مرحلة مهمة لتنشئة الطفل، ودور الأم فيها أكبر من غيرها، فهي في مرحلة الرضاعة أكثر من يتعامل مع الطفل، ولحكمة عظيمة يريدها الله سبحانه وتعالى يكون طعام الرضيع في هذه المرحلة من ثدي أمه وليس الأمر فقط تأثيراً طبيًّا أو صحيًّا، وإنما لها آثار نفسية أهمها إشعار الطفل بالحنان والقرب الذي يحتاج إليه، ولهذا يوصي الأطباء الأم أن تحرص على إرضاع الطفل، وأن تحرص على أن تعتني به وتقترب منه لو لم ترضعه.
وهنا ندرك فداحة الخطر الذي ترتكبه كثير من النساء حين تترك طفلها في هذه المرحلة للمربية والخادمة؛ فهي التي تقوم بتنظيفه وتهيئة اللباس له وإعداد طعامه، وحين يستعمل الرضاعة الصناعية فهي التي تهيئها له، وهذا يفقد الطفل قدراً من الرعاية النفسية هو بأمس الحاجة إليه.
وإذا ابتليت الأم بالخادمة -والأصل الاستغناء عنها- فينبغي أن تحرص في المراحل الأولية على أن تباشر هي رعاية الطفل، وتترك للخادمة إعداد الطعام في المنزل أو تنظيفه أو غير ذلك من الأعمال، فلن يجد الطفل الحنان والرعاية من الخادمة كما يجدها من الأم، وهذا له دور كبير في نفسية الطفل واتجاهاته في المستقبل، وبخاصة أن كثيراً من الخادمات والمربيات في العالم الإسلامي لسن من المسلمات، وحتى المسلمات غالبهن من غير المتدينات، وهذا لايخفى أثره، والحديث عن هذا الجانب يطول، ولعلي أن أكتفي بهذه الإشارة.
فالمقصود أن الأم كما قلنا تتعامل مع هذه المرحلة مع الطفل أكثر مما يتعامل معه الأب، وفي هذه المرحلة سوف يكتسب العديد من العادات والمعايير، ويكتسب الخلق والسلوك الذي يصعب تغييره في المستقبل، وهنا تكمن خطورة دور الأم فهي البوابة على هذه المرحلة الخطرة من حياة الطفل فيما بعد، حتى أن بعض الناس يكون مستقيماً صالحاً متديناً لكنه لم ينشأ من الصغر على المعايير المنضبطة في السلوك والأخلاق، فتجد منه نوعاً من سوء الخلق وعدم الانضباط السلوكي، والسبب أنه لم يترب على ذلك من صغره.
الأمر الرابع : دور الأم مع البنات
لئن كانت الأم أكثر التصاقاً بالأولاد عموماً في الطفولة المبكرة، فهذا القرب يزداد ويبقى مع البنات.
ولعل من أسباب ما نعانيه اليوم من مشكلات لدى الفتيات يعود إلى تخلف دور الأم التربوي، فالفتاة تعيش مرحلة المراهقة والفتن والشهوات والمجتمع من حولها يدعوها إلى الفساد وتشعر بفراغ عاطفي لديها، وقد لا يشبع هذا الفراغ إلا في الأجواء المنحرفة، أما أمها فهي مشغولة عنها بشؤونها الخاصة، وبالجلوس مع جاراتها وزميلاتها، فالفتاة في عالم والأم في عالم آخر.
إنه من المهم أن تعيش الأم مع بناتها وتكون قريبة منهن؛ ذلك أن الفتاة تجرؤ أن تصارح الأم أكثر من أن تصارح الأب، وأن تقترب منها وتملأ الفراغ العاطفي لديها.
ويزداد هذا الفراغ الذي تعاني منه الفتاة في البيت الذي فيه خادمة، فهي تحمل عنها أعباء المنزل، والأسرة ترى تفريغ هذه البنت للدراسة لأنها مشغولة في الدراسة، وحين تنهي أعباءها الدراسية يتبقى عندها وقت فراغ، فبم تقضي هذا الفراغ: في القراءة؟ فنحن لم نغرس حب القراءة لدى أولادنا.
وبين الأم وبين الفتاة هوه سحيقة، تشعر الفتاة أن أمها لا توافقها في ثقافتها وتوجهاتها، ولا في تفكيرها، وتشعر بفجوة ثقافية وفجوة حضارية بينها وبين الأم؛ فتجد البنت ضالتها في مجلة تتحدث عن الأزياء وعن تنظيم المنزل، وتتحدث عن الحب والغرام، وكيف تكسبين الآخرين فتثير عندها هذه العاطفة، وقد تجد ضالتها في أفلام الفيديو، أو قد تجد ضالتها من خلال الاتصال مع الشباب في الهاتف، أو إن عدمت هذا وذاك ففي المدرسة تتعلم من بعض زميلاتها مثل هذه السلوك.
الأمر الخامس: الأم تتطلع على التفاصيل الخاصة لأولادها
تتعامل الأم مع ملابس الأولاد ومع الأثاث وترتيبه، ومع أحوال الطفل الخاصة فتكتشف مشكلات عند الطفل أكثر مما يكتشفه الأب، وبخاصة في وقتنا الذي انشغل الأب فيه عن أبنائه، فتدرك الأم من قضايا الأولاد أكثر مما يدركه الأب.
هذه الأمور السابقة تؤكد لنا دور الأم في التربية وأهميته، ويكفي أن نعرف أن الأم تمثل نصف المنزل تماماً ولا يمكن أبداً أن يقوم بالدور التربوي الأب وحده، أو أن تقوم به المدرسة وحدها، فيجب أن تتضافر جهود الجميع في خط واحد.
لكن الواقع أن الطفل يتربى على قيم في المدرسة يهدهما المنزل، ويتربى على قيم في المنزل مناقضة لما يلقاه في الشارع؛ فيعيش ازدواجية وتناقضا ، المقصود هو يجب أن يكون البيت وحده متكاملة.
لا يمكن أن أتحدث معشر الأخوة والأخوات خلال هذه الأمسية وخلال هذا الوقت، لا يمكن أن أتحدث عن الدور الذي ننتظره من الأم في التربية، إنما هي فقط مقترحات أردت أن أسجلها.
مقترحات تربوية للأم
مهما قلنا فإننا لا نستطيع أن نتحدث بالتفصيل عن دور الأم في التربية، ولا نستطيع من خلال ساعة واحدة أن نُخرِّج أماً مربية، ولهذا رأيت أن يكون الشق الثاني -بعد أن تحدثنا في عن أهمية دور الأم- عبارة عن مقترحات وتحسين الدور التربوي للأم وسجلت هنا، ومن هذه المقترحات:
أولاً: الشعور بأهمية التربية
إن نقطة البداية أن تشعر الأم بأهمية التربية وخطورتها، وخطورة الدور الذي تتبوؤه، وأنها مسؤولة عن جزء كبير من مستقبل أبنائها وبناتها، وحين نقول التربية فإنا نعني التربية بمعناها الواسع الذي لايقف عند حد العقوبة أو الأمر والنهي، كما يتبادر لذهن طائفة من الناس، بل هي معنى أوسع من ذلك.
فهي تعني إعداد الولد بكافة جوانب شخصيته: الإيمانية، والجسمية، والنفسية، والعقلية الجوانب الشخصية المتكاملة أمر له أهمية وينبغي أن تشعر الأم والأب أنها لها دور في رعاية هذا الجانب وإعداده.(3/84)
وفي جانب التنشئة الدينية والتربية الدينية يحصرها كثير من الناس في توجيهات وأوامر أو عقوبات، والأمر أوسع من ذلك، ففرق بين شخص يعاقب ابنه حيث لا يصلي وبين شخص آخر يغرس عند ابنه حب الصلاة، وفرق بين شخص يعاقب ابنه حين يتفوه بكلمة نابية، وبين شخص يغرس عند ابنه رفض هذه الكلمة وحسن المنطق، وهذا هو الذي نريده حين نتكلم عن حسن التربية، فينبغي أن يفهم الجميع –والأمهات بخاصة- التربية بهذا المعنى الواسع.
ثانياً: الاعتناء بالنظام في المنزل
من الأمور المهمة في التربية -ويشترك فيها الأم والأب لكن نؤكد على الأم- الاعتناء بنظام المنزل؛ فذلك له أثر في تعويد الابن على السلوكيات التي نريد.
إننا أمة فوضوية: في المواعيد، في الحياة المنزلية، في تعاملنا مع الآخرين، حتى ترك هذا السلوك أثره في تفكيرنا فأصبحنا فوضويين في التفكير.
إننا بحاجة إلى تعويد أولادنا على النظام، في غرفهم وأدواتهم، في مواعيد الطعام، في التعامل مع الضيوف وكيفية استقبالهم، ومتى يشاركهم الجلوس ومتى لايشاركهم؟
ثالثاً: السعي لزيادة الخبرة التربوية
إن من نتائج إدراك الأم لأهمية التربية أن تسعى لزيادة خبرتها التربوية والارتقاء بها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال مجالات عدة، منها:
أ : القراءة؛ فمن الضروري أن تعتني الأم بالقراءة في الكتب التربوية، وتفرغ جزءاً من وقتها لاقتنائها والقراءة فيها، وليس من اللائق أن يكون اعتناء الأم بكتب الطبخ أكثر من اعتنائها بكتب التربية.
وحين نلقي سؤالاً صريحاً على أنفسنا: ماحجم قراءاتنا التربوية؟ وما نسبتها لما نقرأ إن كنا نقرأ؟ فإن الإجابة عن هذه السؤال تبرز مدى أهمية التربية لدينا، ومدى ثقافتنا التربوية.
ب : استثمار اللقاءات العائلية؛ من خلال النقاش فيها عن أمور التربية، والاستفادة من آراء الأمهات الأخريات وتجاربهن في التربية، أما الحديث الذي يدور كثيراً في مجالسنا في انتقاد الأطفال، وأنهم كثيرو العبث ويجلبون العناء لأهلهم، وتبادل الهموم في ذلك فإنه حديث غير مفيد، بل هو مخادعة لأنفسنا وإشعار لها بأن المشكلة ليست لدينا وإنما هي لدى أولادنا.
لم لانكون صرحاء مع أنفسنا ونتحدث عن أخطائنا نحن؟ وإذا كان هذا واقع أولادنا فهو نتاج تربيتنا نحن، ولم يتول تربيتهم غيرنا، وفشلنا في تقويمهم فشل لنا وليس فشلاً لهم.
ج: الاستفادة من التجارب، إن من أهم مايزيد الخبرة التربوية الاستفادة من التجارب والأخطاء التي تمر بالشخص، فالأخطاء التي وقعتِ فهيا مع الطفل الأول تتجنبينها مع الطفل الثاني، والأخطاء التي وقعتِ فيها مع الطفل الثاني تتجنبينها مع الطفل الثالث، وهكذا تشعرين أنك ما دمت تتعاملين مع الأطفال فأنت في رقي وتطور.
رابعاً: الاعتناء بتلبية حاجات الطفل
للطفل حاجات واسعة يمكن نشير إلى بعضها في هذا المقام، ومنها:
1- الحاجة إلى الاهتمام المباشر:
يحتاج الطفل إلى أن يكون محل اهتمام الآخرين وخاصة والديه، وهي حاجة تنشأ معه من الصغر، فهو يبتسم ويضحك ليلفت انتباههم، وينتظر منهم التجاوب معه في ذلك.
ومن صور الاهتمام المباشر بحاجات الطفل الاهتمام بطعامه وشرابه، وتلافي إظهار الانزعاج والقلق –فضلاً عن السب والاتهام بسوء الأدب والإزعاج- حين يوقظ أمه لتعطيه طعامه وشرابه، ومما يعين الأم على ذلك تعويده على نظام معين، وتهيئة طعام للابن –وبخاصة الإفطار- قبل نومها.
ومن أسوأ صور تجاهل حاجة الطفل إلى الطعام والشراب ماتفعله بعض النساء حال صيامها من النوم والإغلاق على نفسها، ونهر أطفالها حين يطلبون منها الطعام أو الشراب.
ومن صور الاهتمام به من أيضاً حسن الاستماع له، فهو يحكي قصة، أو يطرح أسئلة فيحتاج لأن ينصت له والداه، ويمكن أن توجه له أسئلة تدل على تفاعل والديه معه واستماعهم له، ومن الوسائل المفيدة في ذلك أن تسعى الأم إلى أن تعبر عن الفكرة التي صاغها هو بلغته الضعيفة بلغة أقوى، فهذا مع إشعاره له بالاهتمام يجعله يكتسب عادات لغوية ويُقوِّى لغته.
ومن صور الاهتمام التخلص من أثر المشاعر الشخصية، فالأب أو الأم الذي يعود من عمله مرهقاً، أو قد أزعجته مشكلة من مشكلات العمل، ينتظر منهم أولادهم تفاعلاً وحيوية، وينتظرونهم بفارغ الصبر، فينبغي للوالدين الحرص على عدم تأثير المشاعر والمشكلات الخاصة على اهتمامهم بأولادهم.
2- الحاجة إلى الثقة:
يحتاج الطفل إلى الشعور بثقته بنفسه وأن الآخرين يثقون فيه، ويبدو ذلك من خلال تأكيده أنه أكبر من فلان أو أقوى من فلان.
إننا بحاجة لأن نغرس لدى أطفالنا ثقتهم بأنفسهم،وأنهم قادرون على تحقيق أمور كثيرة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تكليفهم بأعمال يسيرة يستطيعون إنجازها، وتعويدهم على ذلك.
ويحتاجون إلى أن يشعرون بأننا نثق بهم، ومما يعين على ذلك تجنب السخرية وتجنب النقد اللاذع لهم حين يقعون في الخطأ، ومن خلال حسن التعامل مع مواقف الفشل التي تمر بهم ومحاولة استثمارها لغرس الثقة بالنجاح لديهم بدلاً من أسلوب التثبيط أو مايسيمه العامة (التحطيم).
3 – الحاجة إلى الاستطلاع:
يحب الطفل الاستطلاع والتعرف على الأشياء، ولهذا فهو يعمد إلى كسر اللعبة ليعرف مابداخلها، ويكثر السؤال عن المواقف التي تمر به، بصورة قد تؤدي بوالديه إلى التضايق من ذلك.
ومن المهم أن تتفهم الأم خلفية هذه التصرفات من طفلها فتكف عن انتهاره أو زجره، فضلاً عن عقوبته.
كما أنه من المهم أن تستثمر هذه الحاجة في تنمية التفكير لدى الطفل، فحين يسأل الطفل عن لوحة السيارة، فبدلاً من الإجابة المباشرة التي قد لا يفهمها يمكن أن يسأله والده، لو أن صاحب سيارة صدم إنساناً وهرب فكيف تتعرف الشرطة على سيارته؟ الولد: من رقم السيارة، الأب: إذا هذا يعني أنه لابد من أن يكون لكل سيارة رقم يختلف عن بقية السيارات، والآن حاول أن تجد سيارتين يحملان رقماً واحداً، وبعد أن يقوم الولد بملاحظة عدة سيارات سيقول لوالده إن ما تقوله صحيح.
4- الحاجة إلى اللعب:
الحاجة إلى اللعب حاجة مهمة لدى الطفل لا يمكن أن يستغني عنها، بل الغالب أن الطفل قليل اللعب يعاني من مشكلات أو سوء توافق.
وعلى الأم في تعامله مع هذه الحاجة أن تراعي الآتي:
إعطاء الابن الوقت الكافي للعب وعدم إظهار الانزعاج والتضايق من لعبه.
استثمار هذه الحاجة في تعليمه الانضباط والأدب، من خلال التعامل مع لعب الآخرين وأدواتهم، وتجنب إزعاج الناس وبخاصة الضيوف، وتجنب اللعب في بعض الأماكن كالمسجد أو مكان استقبال الضيوف.
استثمار اللعب في التعليم، من خلال الحرص على اقتناء الألعاب التي تنمي تفكيره وتعلمه أشياء جديدة.
الحذر من التركيز على ما يكون دور الطفل فيها سلبيًّا ، أو يقلل من حركته، كمشاهدة الفيديو أو ألعاب الحاسب الآلي، فلا بد من أن يصرف جزءاً من وقته في ألعاب حركية، كلعب الكرة أو اللعب بالدراجة أو الجري ونحو ذلك.
5 – الحاجة إلى العدل:(3/85)
يحتاج الناس جميعاً إلى العدل، وتبدو هذه الحاجة لدى الأطفال بشكل أكبر من غيرهم، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأولاد، وشدد في ذلك، عن حصين عن عامر قال : سمعت النعمان ابن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال :"أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟" قال:لا، قال :"فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال فرجع فرد عطيته. متفق عليه.
ومهما كانت المبررات لدى الأم في تفضيل أحد أولادها على الآخر، فإن ذلك لا يقنع الطفل، ولابد من الاعتناء بضبط المشاعر الخاصة تجاه أحد الأطفال حتى لا تطغى، فتترك أثرها عليه وعلى سائر إخوانه وأخواته.
ومن المشكلات التي تنشأ عن ذلك مشكلة الطفل الجديد، فكثير من الأمهات تعاني منها (ولعله أن يكون لها حديث مستقل لأهميتها).
أكتفي بهذا الحديث عن هذه الحاجات وإلا فهي حاجات كثيرة، والواجب على الوالدين تجاه هذه الحاجات أمران:
الأول: الحرص على إشباع هذه الحاجات والاعتناء بها، الثاني: استثمار هذه الحاجات في تعليم الابن السلوكيات والآداب التي يحتاج إليها.
خامسا: الحرص على التوافق بين الوالدين
التربية لا يمكن أن تتم من طرف واحد، والأب والأم كل منهما يكمل مهمة الآخر ودوره، ومما ينبغي مراعاته في هذا الإطار:
الحرص على حسن العلاقة بين الزوجين، فالحالة النفسية والاستقرار لها أثرها على الأطفال كما سبق، فالزوجة التي لاتشعر بالارتياح مع زوجها لابد أن يظهر أثر ذلك على رعايتها لأطفالها واهتمامها بهم.
التفاهم بين الوالدين على الأساليب التربوية والاتفاق عليها قدر الإمكان.
أن يسعى كل من الوالدين إلى غرس ثقة الأطفال بالآخر، فيتجنب الأب انتقاد الأم أو عتابها أمام أولادها فضلاً عن السخرية بها أو تأنيبها، كما أن الأم ينبغي أن تحرص على غرس ثقة أطفالها بوالدهم، وإشعارهم بأنه يسعى لمصلحتهم –ولو اختلفت معه- وأنه إن انشغل عنهم فهو مشغول بأمور مهمة تنفع المسلمين أجمع، أو تنفع هؤلاء الأولاد.
ومما ينبغي مراعاته هنا الحرص على تجنب أثر اختلاف الموقف أو وجهة النظر بين الوالدين، وأن نسعى إلى ألا يظهر ذلك على أولادنا فهم أعز مانملك، وبإمكاننا أن نختلف ونتناقش في أمورنا لوحدنا.
سادساً: التعامل مع أخطاء الأطفال
كثير من أخطائنا التربوية مع أطفالنا هي في التعامل مع الأخطاء التي تصدر منهم، ومن الأمور المهمة في التعامل مع أخطاء الأطفال:
1. عدم المثالية:
كثيراً مانكون مثاليين مع أطفالنا، وكثيراً ما نطالبهم بما لا يطيقون، ومن ثم نلومهم على ما نعده أخطاء وليست كذلك.
الطفل في بداية عمره لايملك التوازن الحركي لذا فقد يحمل الكوب فيسقط منه وينكسر، فبدلاً من عتابه وتأنيبه لو قالت أمه: الحمد الله أنه لم يصيبك أذى، أنا أعرف أنك لم تتعمد لكنه سقط منك عن غير قصد، والخطأ حين تتعمد إتلافه، والآن قم بإزالة أثر الزجاج حتى لا يصيب أحداً.
إن هذا الأسلوب يحدد له الخطأ من الصواب، ويعوده على تحمل مسؤولية عمله، ويشعره بالاهتمام والتقدير، والعجيب أن نكسر قلوب أطفالنا ونحطمهم لأجل تحطيمهم لإناء لا تتجاوز قيمته ريالين، فأيهما أثمن لدينا الأطفال أم الأواني؟
2. التوازن في العقوبة:
قد تضطر الأم لعقوبة طفلها، والعقوبة حين تكون في موضعها مطلب تربوي، لكن بعض الأمهات حين تعاقب طفلها فإنها تعاقبه وهي في حالة غضب شديد، فتتحول العقوبة من تأديب وتربية إلى انتقام، والواقع أن كثيراً من حالات ضربنا لأطفالنا تشعرهم بذلك.
لا تسأل عن تلك المشاعر التي سيحملها هذا الطفل تجاه الآخرين حتى حين يكون شيخاً فستبقى هذه المشاعر عنده ويصعب أن نقتلعها فيما بعد والسبب هو عدم التوازن في العقوبة.
3. تجنب البذاءة:
حين تغضب بعض الأمهات أو بعض الآباء فيعاتبون أطفالهم فإنهم يوجهون إليهم ألفاظاً بذيئة، أو يذمونهم بعبارات وقحة، وهذا له أثره في تعويدهم على المنطق السيء.
والعاقل لا يخرجه غضبه عن أدبه في منطقه وتعامله مع الناس، فضلاً عن أولاده.
4. تجنب الإهانة:
من الأمور المهمة في علاج أخطاء الأطفال أن نتجنب إهانتهم أو وصفهم بالفشل والطفولة والفوضوية والغباء …إلخ. فهذا له أثره البالغ على فقدانهم للثقة بأنفسهم، وعلى تعويدهم سوء الأدب والمنطق.
5. تجنب إحراجه أمام الآخرين :
إذا كنا لانرضى أن ينتقدنا أحد أمام الناس فأطفالنا كذلك، فحين يقع الطفل في خطأ أمام الضيوف فليس من المناسب أن تقوم أمه أو يقوم والده بتأنيبه أو إحراجه أمامهم أو أمام الأطفال الآخرين.
سابعاً: وسائل مقترحة لبناء السلوك وتقويمه
يعتقد كثير من الآباء والأمهات أن غرس السلوك إنما يتم من خلال الأمر والنهي، ومن خلال العقوبة والتأديب، وهذه لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من وسائل تعليم السلوك، وفي هذه العجالة أشير إلى بعض الوسائل التي يمكن أن تفيد الأم في غرس السلوك الحسن، أو تعديل السلوك السيئ، وهي على سبيل المثال لا الحصر: يعتقد كثير من الآباء والأمهات أن غرس السلوك إنما يتم من خلال الأمر والنهي، ومن خلال العقوبة والتأديب، وهذه لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من وسائل تعليم السلوك، وفي هذه العجالة أشير إلى بعض الوسائل التي يمكن أن تفيد الأم في غرس السلوك الحسن، أو تعديل السلوك السيئ، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1 – التجاهل:
يعمد الطفل أحياناً إلى أساليب غير مرغوبة لتحقيق مطالبه، كالصراخ والبكاء وإحراج الأم أمام الضيوف وغير ذلك، والأسلوب الأمثل في ذلك ليس هو الغضب والقسوة على الطفل، إنما تجاهل هذا السلوك وعدم الاستجابة للطفل، وتعويده على أن يستخدم الأساليب المناسبة والهادئة في التعبير عن مطالبه، وأسلوب التجاهل يمكن أن يخفي كثيراً من السلوكيات الضارة عند الطفل أو على الأقل يخفف من حدتها.
2 – القدوة:
لست بحاجة للحديث عن أهمية القدوة وأثرها في التربية، فالجميع يدرك ذلك، إنني حين أطالب الطفل بترتيب غرفته ويجد غرفتي غير مرتبة، وحين أطالبه أن لا يتفوه بكلمات بذيئة ويجدني عندما أغضب أتفوه بكلمات بذيئة، وحين تأمره الأم ألا يكذب، ثم تأمره بالكذب على والده حينئذ سنمحو بأفعالنا مانبنيه بأقوالنا.
3 – المكافأة:
المكافأة لها أثر في تعزيز السلوك الإيجابي لدى الطفل، وهي ليست بالضرورة قاصرة على المكافأة المادية فقد تكون بالثناء والتشجيع وإظهار الإعجاب، ومن وسائل المكافأة أن تعده بأن تطلب من والده اصطحابه معه في السيارة، أو غير ذلك مما يحبه الطفل ويميل إليه.
ومما ينبغي مراعاته أن يكون استخدام المكافأة باعتدال حتى لا تصبح ثمناً للسلوك.
4 – الإقناع والحوار:
من الأمور المهمة في بناء شخصية الأطفال أن نعودهم على الإقناع والحوار، فنستمع لهم وننصت، ونعرض آراءنا وأوامرنا بطريقة مقنعة ومبررة، فهذا له أثره في تقبلهم واقتناعهم، وله أثره في نمو شخصيتهم وقدراتهم.
وهذا أيضاً يحتاج لاعتدال، فلابد أن يعتاد الأطفال على الطاعة، وألا يكون الاقتناع شرطاً في امتثال الأمر.
5 - وضع الأنظمة الواضحة:(3/86)
من المهم أن تضع الأم أنظمة للأطفال يعرفونها ويقومون بها، فتعودهم على ترتيب الغرفة بعد استيقاظهم، وعلى تجنب إزعاج الآخرين…إلخ، وحتى يؤتي هذا الأسلوب ثمرته لابد أن يتناسب مع مستوى الأطفال، فيعطون أنظمة واضحة يستوعبونها ويستطيعون تطبيقها والالتزام بها.
6 - التعويد على حل الخلافات بالطرق الودية:
مما يزعج الوالدين كثرة الخلافات والمشاكسات بين الأطفال، ويزيد المشكلة كثرة تدخل الوالدين، ويجب أن تعلم الأم أنه لا يمكن أن تصل إلا قدر تزول معه هذه المشكلة تماماً، إنما تسعى إلى تخفيف آثارها قدر الإمكان، ومن ذلك:
تعويدهم على حل الخلافات بينهم بالطرق الودية، ووضع الأنظمة والحوافز التي تعينهم على ذلك، وعدم تدخل الأم في الخلافات اليسيرة، فذلك يعود الطفل على ضعف الشخصية وكثرة الشكوى واللجوء للآخرين.
7 - تغيير البيئة:
ولذلك وسائل عدة منها:
أولا: إغناء البيئة: وذلك بأن يهيأ للطفل مايكون بديلاً عن انشغاله بما لايرغب فيه، فبدلاً من أن يكتب على الكتب يمكن أن يعطى مجلة أو دفتراً يكتب فيه مايشاء، وبدلاً من العبث بالأواني يمكن أن يعطى لعباً على شكل الأواني ليعبث بها.
ثانياً: حصر البيئة: وذلك بأن تكون له أشياء خاصة، كأكواب خاصة للأطفال يشربون بها، وغرفة خاصة لألعابهم، ومكان خاص لا يأتيه إلا هم؛ حينئذ يشعر أنه غير محتاج إلى أن يعتدي على ممتلكات الآخرين.
ومن الخطأ الاعتماد على قفل باب مجالس الضيوف وغيرها، فهذا يعوده على الشغف بها والعبث بها، لأن الممنوع مرغوب.
لكن أحياناً تغفل الأمهات مثلاً المجلس أو المكتبة ،ترفع كل شيء عنه صحيح هذا يمنعه وحين يكون هناك فرصة للدخول يبادر بالعبث لأن الشيء الممنوع مرغوب.
ثالثاً: تهيئة الطفل للتغيرات اللاحقة: الطفل تأتيه تغييرات في حياته لابد أن يهيأ لها، ومن ذلك أنه يستقل بعد فترة فينام بعيداً عن والديه في غرفة مستقلة، أو مع من يكبره من إخوته، فمن الصعوبة أن يفاجأ بذلك، فالأولى بالأم أن تقول له: إنك كبرت الآن وتحتاج إلا أن تنام في غرفتك أو مع إخوانك الكبار.
وهكذا البنت حين يراد منها أن تشارك في أعمال المنزل.
8 - التعويد :
الأخلاق والسلوكيات تكتسب بالتعويد أكثر مما تكتسب بالأمر والنهي، فلا بد من الاعتناء بتعويد الطفل عليها، ومراعاة الصبر وطول النفس والتدرج في ذلك.
هذه بعض الخواطر العاجلة وبعض المقترحات لتحسين الدور الذي يمكن أن تقوم به الأم، وينبغي لها ألا تغفل عن دعاء الله تعالى وسؤاله الصلاح لأولادها، فقد وصف الله تبارك وتعالى عباده الصالحين بقوله : [والذين يقولون ربنا هبنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما]
و الله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
===============
كيفية قضاء الإجازة
الشيخ محمد الشنقيطي (1)
فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم :
بدأت الإجازة والنفوس تشتاق إلى استغلالها بما يُرضي الله-عز وجل- فما هي وصيتكم في ذلك ..؟؟ بارك الله فيكم ،،،
الجواب :
خير ما يوصى به المسلم تقوى الله -عز وجل- ، ومن اتقى الله فإن الله يعصمه ويوفقه ويسدده وإذا أحب الله العبد بارك الله في وقته وبارك الله في عمره والمسلم يخاف من امتداد الأجل ، وطول العمر قد يكون لأمر لا يسر ولا تحمد عقباه ، ومن هنا كان من السنة أن يستعيذ العبد من فتنة المحيا وفتنة الممات فكم من إنسان أمل الحياة والبقاء إلى زمان لا خير فيه بكت فيه عيناه وتقَّرح فيه قلبه ورأى فيه من شدائد الفتن والمحن ما الله به عليم .
أقبلت العطلة والله أعلم بما غيَّبت من الأقدار والأخبار الله أعلم !!كم فيها من رحمة تنتظر السعداء !!وكم فيها من بلية ومصيبة تنتظر المبتلين والأشقياء !!-نسأل الله العظيم رب العرش العظيم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين أن يجعل ما وهب لنا من زيادة العمر زيادة لنا في كل خير وأن يعصمنا فيها من كل بلاء وشر-.
خير ما تنفد فيه الأعمار ويمضي عليه الليل والنهار طاعة الله -سبحانه وتعالى- ومحبته والسعي فيما يرضيه ،وهذا هو المقصود من وجود الخلق :{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ** مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِي} خير ما تنفق فيه الأعمار وأحب ما يمضي فيه الليل والنهار طلب العلم ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال : (( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة )) فأنت طالب علم ما جلست في مجالس العلماء وذاكرت طلاب العلم والفضلاء ، وأنت طالب علم ما فتحت كتاباً تستفيد منه حكمةً أو تقرأ فيه أية أو يُشرح لك فيه حديث من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنت طالب علم ما أمضيت ليلك ونهارك في تقليب الصفحات ، ومعرفة ما دلت عليه الآيات البينات وكنت تخوض في هذه الرحمات ، فخير ما أنُفق فيه الليل والنهار وانقضت فيه الأعمار طلب العلم ، وطلب العلم رحمة من الله -سبحانه وتعالى- ومنَّه وفضيلة إذا اصطفى الله-عز وجل - لها العبد فقد اختاره لخير الدنيا والآخرة قال -صلى الله عليه وسلم- : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) ، وقال-صلى الله عليه وسلم- : (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) فإذا رأيت العبد يحب العلماء ويحب مجالس العلماء ويحب أن يغشى حلق الذكر ويحب أن يستمع آية تدله على خير أو تنهاه عن شر ويحب أن يعرف ما الذي أمر الله به فيفعله وما الذي نهى الله عنه فيجتنبه فاعلم أن الله يحبه وأن الله يريد له الخير ، وليس للإنسان قدر عند الله-عز وجل - إلا بهذا الدين وأعلى الناس قدراً في هذا الدين بعد الأنبياء هم العلماء العاملون الأئمة المهديون -جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه هو أرحم الراحمين- .
وكذلك أيضاً خير ما ينفق فيه عمر الإنسان طاعة الله-عز وجل- التي من أجَّلها وأحبها كثرة الصلوات ، فالإنسان خلال الدراسة وأوقات الشغل قد لا يتيسر له أن يعبد الله وأن يستكثر من الطاعة والنوافل فحبذا لو تكون العطلة وسيلة للتعود على قيام الليل وصيام النهار وكثرة تلاوة القرآن فإن المسلم ينبغي له أن يغتنم فراغه قبل شغله ، وإذا لم يتمكن في مثل هذه الأوقات الفارغة من استغلالها في طاعة الله فمتى يستنفذ عمره في طاعة الله ويستنفذ أجله في مرضاة الله-سبحانه وتعالى-فيحرص طالب العلم الموفق وكذلك الإنسان السعيد على أن يهيئ من هذه العطلة مدرسة لطاعة الله-جل علا- أعرف من طلاب العلم من كان إذا جاءته العطلة لا يمكن أن تمر عليه ثلاث ليال إلا وهو خاتم لكتاب الله-عز وجل- ، ومنهم من يأخذ على نفسه ألا تمر عليه هذه العطلة وقد فاته صيام الاثنين والخميس أو فاته صيام الأيام البيض ؛ لأنه قد يكون مشغولاً أيام الدراسة عن فعل ذلك بسبب ما يكون من الإرهاق والتعب فينبغي على الإنسان في مثل هذه المواسم أن يعودَّ نفسه على الطاعة والبر حتى إذا جاءت مواسم الشغل وعدم الفراغ ألف الخير وأحبه ، والله-عز وجل- إذا شرح العبد للخيرات والباقيات الصالحات أحبه وأدناه ويسر له الطاعة حتى في أوقات الشغل فمن بذل لله أوقات الفراغ في طاعته ومحبته ومرضاته ربما ثبَّت الله قلبه على الخير فجاءت مواسم الشغل وأيام الشغل وهو ثابت على الطاعة لا يمكن أن يتركها ويدعها .(3/87)
كذلك أيضاً من أحب ما أنفقت فيها الأيام والليالي بر الوالدين فإن المسلم يحرص في هذه العطلة على السفر للوالدين وزيارة الوالدين وإدخال السرور على الوالدين قال : " يا رسول الله أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد" قال : (( أحية أمك ؟!قال : نعم .قال : أتريد الجنة قال : نعم.قال : الزم رجلها فإنَّ الجنة ثَمَ)) يسافر الإنسان إلى والديه ويدخل السرور إليهما ويقضي حوائجهما ويستغل هذه الفترة من الفراغ في القرب من الوالدين وإذا كان الوالدان في مدينة الإنسان نفسها فإنه يحرص أثناء العطلة على أنه لا يعلم حاجة لوالديه إلا فقضاها ، ولا يعلم شيئاً يدخل السرور على والديه إلا فعله وتقدم بر الوالدين بعد أوامر الله وما أمرك الله من الواجبات والفرائض لا تقدم على بر الوالدين شيئاً وتحرص على القرب منهما ولو فاتك الأصحاب والأحباب ولو فاتتك الزيارات والسفرات تحرص على إرضاء الآباء والأمهات فذلك خير لك في الدين والدنيا ، وفي الممات فما بر عبد والديه إلا أسعده الله ببره .
كذلك أيضاً خير ما تنفق فيه هذه العطلة زيارة القرابات من الأعمام والعمات والأخوال والخالات تخرج إلى قرابتك يُنسأ لك في أثرك ويبسط لك في رزقك ويزاد لك في عمرك ، وتنال مرضاة الله هي الرحم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ويا لها من سفرة طيبة كريمة حينما تخرج من بيتك وأنت تريد أن تصل ذا الرحم تصله لله وفي الله معك أبناؤك وبناتك إلى عمة أو خالة تُدخل السرور عليها وتعلم أن عندها حاجة فتقضيها أو تصلها بمال أو دنيا حتى يبارك الله لك في عمرك ويبارك الله لك فيما يكون من رزقك وما يحصل لك من عيشك .
كذلك أيضاً خير ما تنفق فيه هذه العطل الجلوس مع الصالحين وزيارة الأخيار المتقين خرج رجل من قرية إلي أخ له في الله يزوره فأرسل الله له ملكاً على مدرجته وطريقه فسأله إلى أين ذاهب فقال إلى هذه القرية قال : (( ومالك فيها؟؟ قال: إن لي فيها أخاً في الله قال : هل لك عليه من نعمة تردها عليه قال لا إلا أنه أخي في الله فقال : إني رسول الله إليك أن الله قد غفر لك بممشاك إليه )) فمن خير ماتنفق فيه هذه العطلة زيارة الصالحين وزيارة العلماء ومجالستهم مع رعاية حرمتهم ومناسبة الأوقات لزيارتهم ونحو ذلك مما يشتمل فيه خير الدين من سؤالهم عن الأمور التي يحتاجها الإنسان في صلاح دينه ودنياه وأخراه فإن الله يجل من عبده أن يخرج من بيته لزيارة عالم يستفيد من علمه أو ورع يستفيد من ورعه وتقواه فذلك خير ينال الإنسان بركته وفضله في دينه ودنياه وآخرته .
كذلك السفر في الطاعات كالسفر للعمرة خاصة مع اصطحاب الأبناء والبنات ونحوهم من القرابات كالإخوان والأخوات ومما يوصى به المسلم في هذه العطلة التوسعة على الأهل والتوسعة على الأبناء والبنات وإدخال السرور عليهم في حدود المباح فالإسلام دين فيه خير للعباد في دينهم ودنياهم وآخرتهم فالناس في مثل هذه العطل يحتاجون إلى شيء من إدخال السرور عليهم فإذا كان الإنسان في بيت مع أهله وولده يحرص على إدخال السرور عليهم وزيارة الأماكن التي لا يقع فيها في فتنة أو يأخذهم إلى عمره أو يأخذهم إلى شيء يعود عليهم بخير الدين والدنيا والآخرة -اللهم إنا نسألك من العيش ما يرضيك عنا نسألك اللهم أن تجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم منَّ بالعافية غدونا وآصالنا واختم بالصالحات اجالنا واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا
-----------------
1) كلمة لفضيلة الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله المدرس بالمسجد النبوي .
من درس سنن الترمذي في سؤال من درس رقم 50 من أبواب الطهارة
عن كيفية قضاء الإجازة في الأشياء النافعة
-==============
وصيتكم في كيفية استغلال الإجازة والنفوس بما يُرضي الله
ما هي وصيتكم في كيفية استغلال الإجازة والنفوس بما يُرضي الله ؟
بدأت الإجازة والنفوس تشتاق إلى استغلالها بما يُرضي الله -عزوجل- فما هي وصيتكم في ذلك ..؟؟
الجواب :
خير مايوصى به المسلم تقوى الله-عزوجل- ، ومن اتقى الله فإن الله يعصمه ويوفقه ويسدده وإذا أحب الله العبد بارك الله في وقته وبارك الله في عمره والمسلم يخاف من امتداد الأجل ، وطول العمر قد يكون لأمر لا يسر ولا تحمد عقباه ، ومن هنا كان من السنة أن يستعيذ العبد من فتنة المحيا وفتنة الممات فكم من إنسان أمل الحياة والبقاء إلى زمان لا خير فيه بكت فيه عيناه وتقَّرح فيه قلبه ورأى فيه من شدائد الفتن والمحن ما الله به عليم .
أقبلت العطلة والله أعلم بما غيَّبت من الأقدار والأخبار الله أعلم !!كم فيها من رحمة تنتظر السعداء !!وكم فيها من بلية ومصيبة تنتظر المبتلين والأشقياء !!-نسأل الله العظيم رب العرش العظيم بمنه وكرمه وهوأرحم الراحمين أن يجعل ماوهب لنا من زيادة العمر زيادة لنا في كل خير وأن يعصمنا فيها من كل بلاء وشر-.
خير ما تنفد فيه الأعمار ويمضي عليه الليل والنهار طاعة الله -I- ومحبته والسعي فيما يرضيه ،وهذا هو المقصود من وجود الخلق:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ @ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِي}(1) خير ما تنفق فيه الأعمار وأحب ما يمضي فيه الليل والنهار طلب العلم ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام-قال:(( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة)) فأنت طالب علم ما جلست في مجالس العلماء وذاكرت طلاب العلم والفضلاء ، وأنت طالب علم ما فتحت كتاباً تستفيد منه حكمةً أو تقرأ فيه أية أو يُشرح لك فيه حديث من سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنت طالب علم ما أمضيت ليلك ونهارك في تقليب الصفحات ، ومعرفة ما دلت عليه الآيات البينات وكنت تخوض في هذه الرحمات ، فخير ما أنُفق فيه الليل والنهار وانقضت فيه الأعمار طلب العلم ، وطلب العلم رحمة من الله -I- ومنَّه وفضيلة إذا اصطفى الله-عزوجل- لها العبد فقد اختاره لخير الدنيا والآخرة قال -عليه الصلاة والسلام-:(( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) ، وقال-عليه الصلاة والسلام-:((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) فإذا رأيت العبد يحب العلماء ويحب مجالس العلماء ويحب أن يغشى حلق الذكر ويحب أن يستمع آية تدله على خير أو تنهاه عن شر ويحب أن يعرف ما الذي أمر الله به فيفعله وما الذي نهى الله عنه فيجتنبه فاعلم أن الله يحبه وأن الله يريد له الخير ، وليس للإنسان قدر عند الله-عزوجل- إلا بهذا الدين وأعلى الناس قدراً في هذا الدين بعد الأنبياء هم العلماء العاملون الأئمة المهديون-جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه هو أرحم الراحمين- .(3/88)
وكذلك أيضاً خير ما ينفق فيه عمر الإنسان طاعة الله-عزوجل- التي من أجَّلها وأحبها كثرة الصلوات ، فالإنسان خلال الدراسة وأوقات الشغل قد لا يتيسرله أن يعبد الله وأن يستكثر من الطاعة والنوافل فحبذا لو تكون العطلة وسيلة للتعود على قيام الليل وصيام النهار وكثرة تلاوة القرآن فإن المسلم ينبغبي له أن يغتنم فراغه قبل شغله ، وإذا لم يتمكن في مثل هذه الأوقات الفارغة من استغلالها في طاعة الله فمتى يستنفذ عمره في طاعة الله ويستنفذ أجله في مرضاة الله-I-فيحرص طالب العلم الموفق وكذلك الإنسان السعيد على أن يهيئ من هذه العطلة مدرسة لطاعة الله-جل علا- أعرف من طلاب العلم من كان إذا جاءته العطلة لا يمكن أن تمر عليه ثلاث ليال إلا وهو خاتم لكتاب الله-عزوجل- ، ومنهم من يأخذ على نفسه ألا تمر عليه هذه العطلة وقد فاته صيام الإثنين والخميس أو فاته صيام الأيام البيض ؛ لأنه قد يكون مشغولاً أيام الدراسة عن فعل ذلك بسبب ما يكون من الارهاق والتعب فينبغي على الإنسان في مثل هذه المواسم أن يعودَّ نفسه على الطاعة والبر حتى إذا جاءت مواسم الشغل وعدم الفراغ ألف الخير وأحبه ، والله-عزوجل- إذا شرح العبد للخيرات والباقيات الصالحات أحبه وأدناه ويسر له الطاعة حتى في أوقات الشغل فمن بذل لله أوقات الفراغ في طاعته ومحبته ومرضاته ربما ثبَّت الله قلبه على الخير فجاءت مواسم الشغل وأيام الشغل وهو ثابت على الطاعة لا يمكن أن يتركها ويدعها .
كذلك أيضاً من أحب ما أنفقت فيها الأيام والليالي بر الوالدين فإن المسلم يحرص في هذه العطلة على السفر للوالدين وزيارة الوالدين وإدخال السرور على الوالدين قال :" يارسول الله أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد" قال:(( أحية أمك ؟!قال : نعم .قال : أتريد الجنة قال : نعم.قال : الزم رجلها فإنَّ الجنة ثَمَ)) يسافر الإنسان إلى والديه ويدخل السرور إليهما ويقضي حوائجهما ويستغل هذه الفترة من الفراغ في القرب من الوالدين وإذا كان الوالدان في مدينة الإنسان نفسها فإنه يحرص أثناء العطلة على أنه لا يعلم حاجة لوالديه إلا فقضاها ، ولايعلم شيئاً يدخل السرور على والديه إلا فعله وتقدم بر الوالدين بعد أوامر الله وما أمرك الله من الواجبات والفرائض لا تقدم على بر الوالدين شيئاً وتحرص على القرب منهما ولو فاتك الأصحاب والأحباب ولو فاتتك الزيارات والسفرات تحرص على إرضاء الآباء والأمهات فذلك خير لك في الدين والدنيا ، وفي الممات فما بر عبد والديه إلا أسعده الله ببره .
كذلك أيضاً خير ما تنفق فيه هذه العطلة زيارة القرابات من الأعمام والعمات والأخوال والخالات تخرج إلى قرابتك يُنسأ لك في أثرك ويبسط لك في رزقك ويزاد لك في عمرك ، وتنال مرضاة الله هي الرحم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ويا لها من سفرة طيبة كريمة حينما تخرج من بيتك وأنت تريد أن تصل ذا الرحم تصله لله وفي الله معك أبناؤك وبناتك إلى عمة أو خالة تُدخل السرور عليها وتعلم أن عندها حاجة فتقضيها أو تصلها بمال أو دنيا حتى يبارك الله لك في عمرك ويبارك الله لك فيما يكون من رزقك وما يحصل لك من عيشك .
كذلك أيضا خير ما تنفق فيه هذه العطل الجلوس مع الصالحين وزيارة الأخيار المتقين خرج رجل من قرية إلي أخ له في الله يزوره فأرسل الله له ملكاً على مدرجته وطريقه فسأله إلى أين ذاهب فقال إلى هذه القرية قال :(( ومالك فيها؟؟ قال: إن لي فيها أخاً في الله قال : هل لك عليه من نعمة تردها عليه قال لا إلا أنه أخي في الله فقال : إني رسول الله إليك أن الله قد غفر لك بممشاك إليه)) فمن خير ماتنفق فيه هذه العطلة زيارة الصالحين وزيارة العلماء ومجالستهم مع رعاية حرمتهم ومناسبة الأوقات لزيارتهم ونحو ذلك مما يشتمل فيه خير الدين من سؤالهم عن الأمور التي يحتاجها الإنسان في صلاح دينه ودنياه وأخراه فإن الله يجل من عبده أن يخرج من بيته لزيارة عالم يستفيد من علمه أو ورع يستفيد من ورعه وتقواه فذلك خير ينال الإنسان بركته وفضله في دينه ودنياه وآخرته .
كذلك السفر في الطاعات كالسفر للعمرة خاصة مع اصطحاب الأبناء والبنات ونحوهم من القرابات كالإخوان والأخوات ومما يوصى به المسلم في هذه العطلة التوسعة على الأهل والتوسعة على الأبناء والبنات وإدخال السرور عليهم في حدود المباح فالإسلام دين فيه خير للعباد في دينهم ودنياهم وآخرتهم فالناس في مثل هذه العطل يحتاجون إلى شيء من إدخال السرور عليهم فإذا كان الإنسان في بيت مع اهله وولده يحرص على إدخال السرور عليهم وزيارة الأماكن التي لا يقع فيها في فتنة أو يأخذهم إلى عمره أو يأخذهم إلى شيء يعود عليهم بخير الدين والدنيا والآخرة -اللهم إنا نسألك من العيش ما يرضيك عنا نسألك اللهم أن تجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم منَّ بالعافية غدونا وآصالنا واختم بالصالحات اجالنا واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا- .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.
نقلته الداعية للآهمية من موقع الشيخ محمد بن محمد الشنقيطي حفظه الله
===============
كيف نتعامل مع المشكلات الأخلاقية
محمد الدويش
لقد أدى انتشار وسائل الإثارة والإغراء وغياب التوجيه وقلة ما ينمي الإيمان ويقويه، أدى ذلك كله إلى انتشار الفساد الخلقي في مجتمعات المسلمين.
وبما أن مرحلة الشباب تمثل بداية البلوغ الجنسي، ويصاحبها ضعف القدرة على ضبط النفس والتحكم بغرائزها صار الشباب من أكثر فئات المجتمع وقوعاً في الانحرافات الأخلاقية.
والدعاة إلى الله والمصلحون من المربين يتعاملون مع فئات غير معزولة عن المجتمع تتأثر بما فيه، ويصيبها ما يصيبه، ومن هنا بدأت المحاضر التربوية تعاني من المشكلات الأخلاقية وتنوعت صورها ونماذجها.
وهذا يدعو إلى الاعتناء بهذه المشكلة الخطيرة آثار عدة:-
1- مخاطر الفساد الخلقي في الأوساط التربوية.
تتمثل أبرز المخاطر التي يمكن أن تنتج عن الفساد الخلقي في صفوف شباب المحاضن التربوية والدعوية فيما يأتي:-
1-1: إنها تقود إلى الوقوع في الفواحش والكبائر فالصغائر تقود إلى الاستهانة بالمعصية، ثم الكبيرة وكلها وقوع في معصية تهاون بما هو دونها.
2- 1: إنها من أكثر أسباب الانحراف بعد الهدى والحور بعد الكور؛ فغير قليل هم أولائك الذين تركوا طريق الصلاح والتقوى استجابة لهذه الغريزة والشهوة.
3- 1 : إنها مدعاة لقسوة القلب والبعد عن الله تعالى، وهذا بدوره يؤدي إلى آثار أخرى في سلوك الشاب وطاعته ودعوته.
4- 1: إنها تجعل الشاب يعيش دوامة من المشكلات، فكثير من الشباب الذين لديهم إيمان وتقوى أشغلهم وقوعهم في هذه الشهوات فصاروا يفكرون في الخلاص منها، فانصرفوا عن سائر مصالحهم الدينية والدنيوية.
5- 1: إنها سبب لغياب التوفيق والنجاح في المسيرة الدعوية، فالمعصية تحرم العبد توفيق الله وعونه، وتحول بينه وبين نصره سبحانه وتعالى.
6- 1: إنها تعطي قدوة سيئة وصورة سلبية لهذه المحاضن التربوية، ولا عجب أن نرى من الشباب من يبتعد عنها وينفر منها نتيجة بعض ما يراه من مخالفات.
كما أن هناك من يجعل من وقوعها وسيلة للطعن في هذه الأعمال والقائمين عليها.(3/89)
ومهما رأينا من مشكلات فهي تبقى محدودة وخطورتها في عظم شأنها أكثر من انتشارها، ولا يسوغ أن يدفعنا شعورنا بخطر المشكلة إلى المبالغة في الحديث عن حجمها، كما أن مطالبتنا بإعطائها حجمها الطبيعي لا ينبغي أن يدفعنا إلى التهوين من خطورتها.
وكثير من صور الخلل والانحراف التي تحدث هي نتاج عوامل خارجية، فالشباب جزء من المجتمع لا يستطيعون الإنفكاك عنه ولا التخلص من تأثيره.
2- كيف نتخلص من المشكلات الأخلاقية:
يتمثل العمل في مواجهة هذه المشكلات في مسارين:-
1-2 المسار الأول. الوقاية:
وذلك بحماية الأشخاص والبيئة التربوية من الوقوع فيها، وتتمثل أبرز وسائل الوقاية فيما يلي:-
1-1-2 تربية الإيمان والتقوى:
الإيمان هو الذي يحول بين الشخص وبين الوقوع فيما حرم الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم:( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)
والإيمان والتقوى له أثره في كف النفس عن الوقوع في الحرام ابتداءاً {و أزلفت الجنة للمتقين غير بعيد. هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ. من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب } وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله(( رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله عز وجل) كما أن له أثره في الإفاقة بعد الكبوة والتوبة بعد المعصية ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) والإيمان والتقوى المقصود هو ما يستقر في القلب ويترك أثره على صاحبه، وليس المقصود به هو طول السجود والركوع وكثرة التنفل، أو البكاء والنحيب عند سماع آيات الوعيد .
2-1-2 التربية على الورع والبعد عن مواطن الفتنة:
تتسم هذه الشهوة بقوة تأثيرها على الشاب، وعظم ضغطها عليه، ومن ثم فهو بحاجة إلى حاجز يحميه، إلى حاجز بين الحلال والحرام يقيه الوقوع في الحرام .
والذين يتورعون عن الشبهات ويبتعدون عن الحمى هم أكثر الناس تورعاً عن الحرام المحض وبعداً عنه.
3-2-1 سد الذرائع وإغلاق باب الفتنة:
من يتأمل في أحكام الشريعة يجد أنه ما من حكم بعد الشرك اعتنت الشريعة بسد ذرائعه مثل الفاحشة، ون يقرأ سورة النور يجد مصداق ذلك واضحاً.
ومن ثم لابد من الاعتناء بهذا الجانب بتربية الشباب عليه، والبعد بالمحاضن التربوية عن الوقوع في الذرائع التي يمكن أن تقود إلى الفواحش ومقدماتها.
ومن ذلك ما يتعلق بصحبة المردان بالبعد عن الخلوة بهم أو طول معاشرتهم أو سفر الشخص لوحده معهم.
ومن ذلك ضبط ما يجري من المزاح بين الشباب وخاصة ما يكون بالأبدان كالمصارعة والسباحة.
ومن ذلك الاعتناء بالتوجيه النبوي القائل ( وفرقوا بينهم في المضاجع) أثناء النوم.
4-1-2 الاعتدال بين الثقة وسد الذرائع :
أمرت الشريعة بسد الذرائع والبعد عن أبواب المعصية، لكنها في ذلك أمرت بحسن الظن ونهت عن الغيرة في غير ريبة، قال صلى الله عليه وسلم ( غيرتان يحبهما الله ورسوله...)
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم :(رواه مسلم 15ي )
فلا ينبغي أن يؤدي حرص المربي على سد الذرائع إلى غياب الثقة وإلى الشك والاتهام.
كما لا يسوغ التهاون بسد الذرائع بحجة الثقة والبعد عن اتهام الناس .
5-1-2 الاعتناء بتقوية الإرادة:
كثير من الذين يقعون في المعصية يدركون قبحها وشناعتها،لكنهم يقعون فيها نتيجة ضعف إيمان، أو نتيجة فشلهم في منع أنفسهم عنها.
ومن ثم فالشاب بحاجة إلى أن تغرس لديه قوة الإرادة والعزيمة حتى يستطيع السيطرة على نفسه وضبط تصرفاته.
6-1-2 غرس الاهتمامات الجادة:
إن غرس الاهتمامات الجادة لدى الشاب أثره في إشغال تفكيره بها، وفي إشغال وقته ونشاطه، فهو حين يجد وقت فراغ سيصرفه هذه الأنشطة وهي تستهوي نفسه وتفرغ طاقته، كما أنها تعلي همته وتسمو بها.
وهي أيضاً تجعله يميل مجالسة من يشاركونه هذه الاهتمامات. والعكس حين تسيطر عليه الاهتمامات التافهة وينشغل بها.
7-1-2 إشغال الفراغ:
الفراغ يدعو الشاب إلى التفكير في الشهوة، ويدعوه إلى التطلع والفضول في مواقع الإنترنت أو القنوات أو المجلات أو الذهاب إلى السواق والأماكن العامة ا لتي تنتشر فيها المنكرات لذا كان إشغال الوقت فراغه يسهم في حمايته من الوقوع في الشهوة المحرمة وحمايته منها.
ومن أهم ما يعين على ذلك تعويده على الأنشطة التي يقضي فيها الفراغ ومن أبرزها القراءة والإطلاع، وكذا تكوين الاهتمامات الجادة لديه.
2-2 المسار الثاني العلاج بعد الوقوع في المشكلة:
حين يقع أحد الشباب في مشكلة خلقية لابد من الاعتناء بعلاجها ومواجهة آثارها، ومما ينبغي مراعاته في العلاج ما يأتي:-
1-2-2 المبادرة.
تزداد هذه المشكلات تعقيداً مع مرور الوقت، ومن ثم فالمبادرة في علاجه ضرورية حتى لا تطول وتستفحل، فطولها يؤدي إلى تأصيلها لدى الشخص، وضعف استقباحه لها وشعوره بالإحباط في الخلاص منها، كما أن ذك يؤدي إلى اتساع دائرة انتشارها بين أفراد المجموعة.
2-2-2 التأني والتروي.
ومع المبادرة لابد من التأني والتروي في التعامل معها، والتأني المطلوب ليس هو الذي يضيع الوقت ويؤخره، إنما يحسب الحساب لكل خطوة ولا يستعجل النتائج .
إن اكتشاف المربي للمشكلة كثيرا ما يولد لديه صدمة، وقد تؤدي هذه الصدمة إلى فقدان التوازن في التعامل مع الموضوع، فتأخذ العاطفة أكثر من حجمها الطبيعي.
وقد يتخذ قرارات متسرعة استجابة للضغط النفسي الذي تولد لديه.
إن حالة الاضطراب والقلق تؤثر على تفكير الإنسان وتعوقه عن الوصول إلى ما يمكن أن يصل إليه في حال الاستقرار والاطمئنان.
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يقضي القاضي وهو غضبان..) وقد نهى أهل العلم أن الحكمة في ذلك هي........
3-2-2 التفريق بين أنواع المشكلات.
لا يسوغ أن تدرج المشكلات الأخلاقية في إطار واحد،بل ينبغي أن يتعامل مع كل حالة بما يتناسب معها، ومن الأمور التي تختلف المشكلات على أساسها:-
1-3-2-2 تأصل المشكلة لدى الشاب وتأريخها، فالمشكلة المتأصلة التي لها جذور طويلة ليست كالمشكلة الطارئة، فالأولى تحتاج جهداً أكبر ووقتاً أطول في علاجها.
2-3-2-2 نوع الخطأ الذي يحصل،فالاحتكاك على سبيل المثال في مناسبة معينة ليس مثل الجرأة على المراودة، والشرع لم يجعل المعاصي باباً واحداً فمنها ما هو صغائر ومها ماهو كبائر، والكبائر درجات متفاوتة.
3-3-2-2 الحياء والجرأة لها اعتبار وأثر، ففرق بين من يتجرأ على الحديث وإبداء الرغبة مع الآخرين، وبين من تبدو منه هفوات يستنبطها الآخرين منه استنباطاً.
4-3-2-2 القصد والمصادقة؛ ففرق بين من يثيره موقف فيقع في الزلة،وبين من يخطط ويرتب الأمور.
5-3-2-2 الانتشار والمحدودية؛ فما ينتشر في المجموعة ويتداول بينها يحتاج إلى حزم أكثر مما يصير بين اثنين من أفرادها.
4-2-2 التدرج في المعالجة.
يحتاج المربي في التعامل مع هذه المشكلات إلى التدرج في الخطوات.
1-4-2-2 الخطوة الأولى العلاج غير المباشر، وهو الذي يعنى بالتركيز على تقوية الإيمان والتقوى في نفس الشاب، دون التصريح أو التلميح بالمشكلة، ولاشك أن الإيمان سيدعوه إلى مفارقة المشكلة والتوبة والإقلاع، ومتى ما أمكن هذا الأسلوب فلا يعدل عنه إلى ما بعده فهو أنجع في العلاج، وأقل في العواقب.
2-4-2-2 الخطوة الثانية؛ الحديث والتوجيه العام للمجموعة من خلال الحديث عن شؤم المعاصي وأثرها، أو عن الفواحش ومخاطرها، ولابد من التركيز على استثارة الإيمان والتأثر القلبي ههنا.(3/90)
3-4-2-2 الخطوة الثالثة؛ التصريح و المناصحة المباشرة للمعني، وهذا ينبغي أن لا يلجا إليه إلا حين لا يجدي غيره فقد يترتب عليه اضطرار الشخص لترك الصالحين، وهذا يقوده إلى ما هو أكبر، أو يترتب عليه العيش بنفسية متوترة بينه وبين المربي فسوف يفسر كل ما يسمعه فيما بعد من مربيه على انه يقصده، والمربي سيتعامل معه بحساسية خشية تفسير قصده.
والغالبة أن الشاب لا ينسى ذلك ولو طال الوقت وكثيراً ما يفترض أنه إلى الآن محل تهمة.
لكن حين لا ينفع سواه فهو أولى من ترك الشاب يستمرئ طريق الفساد والمعصية.
وحين يناصح فلابد من التوازن بين المبالغة في تعظيم الذنب التي تؤدي إلى اليأس، أو المبالغة في الرجاء الذي يؤدي إلى الاستهانة بالذنب واحتقاره.
4-4-2-2 الخطوة الرابعة؛ حين لا تنفع هذه الحلول مع الشاب ويظل مستمرا ًعلى ما هو عليه فينبغي إبعاده خاصة إذا كان ضرره متعدياً.
5-2-2 مراعاة الضوابط الشرعية؛
نظراً لخطورة الفاحشة وما يتعلق بها فقد أحاطها الشرع بسياج منيع،يحول دون انتشارها في المجتمع ورواجها فيه، لذا كان الحد فيها لا يثبت إلا بأربعة شهود بخلاف سائر الحدود.
ومن ثم فعلى المربين مراعاة الضوابط في التعامل مع مثل هذه الظواهر ومن ذلك:-
1-5-2 ترك التوسع في متابعة تفاصيل الموضوعات والتعامل مع ما يظهر ويبدو منهان غلا ما يترتب عليه مصلحة راجحة.
ومن الممارسات الشائعة سعي الربي لاستنطاق الشاب بصورة أو أخرى ليحدثه عما يقع فيه من معاصٍ، ومن لك العادة السرية على سبيل المثال، وهذا خلاف المنهج الشرعي والتربية النبوية( يراجع مقال افتقار العمل التربوي للضوابط الشرعية)
2-5-2-2 الستر على الشاب الذي يقع في المعصية،فقد جاءت الشريعة بالستر على المسلم،ومن الملاحظ تساهل بعض المربين بالحديث عن تفاصيل ما يحدث من الشباب فيما بينهم، والأولى البعد عن ذل، وقصر الحديث على موضوع الحاجة، ومن تاب من الشباب وأقلع فلا يجوز أن يفضح وتكشف سريرته.
المصدر موقع المربي
=============
جهاد النفس الأمارة بالسوء وأعوانها
(114)
إن مجاهدة النفس وإخضاعها للسير في سراط الله المستقيم، وكبح جماحها من أن تشذ عن طاعته سبحانه إلى معصيته وطاعة عدوه الشيطان الرجيم، إن تلك المجاهدة أمر شاق ولازم ومستمر: شاق لما جبلت عليه النفس من محبة الانطلاق غير المحدود لتنهب كل ما أتت عليه من شهوات وملذات، وشاق لكثرة تلك الشهوات والملذات التي لا تدع النفس تطمئن لحظة من اللحظات دون أن تهيج إلى هذه الشهوة أو تلك، وشاق لأن أكثر الناس يعين على ارتكاب المعاصي وترك الطاعات، ولأن الشيطان لعنه الله لا يفتر عن الحض على التمرد على الله بشتى الأساليب والوسائل - كما يأتي.
وهو أمر لازم أيضاً، لأنه لا مندوحة للإنسان -إذا أراد النجاة في الدنيا والآخرة من مساخط الله وما يترتب عليها- من أن يحارب هذه النفس الأمارة بالسوء ويقف ضد هواها المردي، وإلا لزلّ عن الصراط المستقيم وتنكب الجادة الهادية إلى طريق الضلال والردى.
وهو أمر مستمر كذلك ما دام الإنسان حياً، لأن النفس ملازمة له، وهي تأمره بما تهواه وتصده عما يأمره الله به في كل لحظة، فإذا انقطع عن مجاهدتها لحظة، أوقعته ولابد فيما فيه حتفه وهلاكه في تلك اللحظة.
ومجالات مجاهدة النفس لا تحصى كثرة: ولكنها يمكن أن تجمل في مطلبين.
المطلب الأول: تقوية صلة هذه النفس بخالقها وإلهها.
المطلب الثاني: محاسبتها ومخالفتها، وفي كل مطلب أمور.
المطلب الأول: تقوية صلتها بالله تعال، وفيه أمور:
الأمر الأول: طرد جهلها الذي هو من طبيعتها بالعلم النافع:
وقد سبق أن الجهل من أعوان النفس الأمارة بالسوء، فالعلم النافع من أعظم الأسلحة التي تعين على جهاد هذه النفس.
ومصدر هذا العلم إنما هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى الذي خلق هذه النفس هو أعلم بها منها، وقد أنزل هذا القرآن من أجلها وبعث رسوله صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن وحيه الذي يشمل القرآن والسنة معاً، وليكون صلى الله عليه وسلم قدوة عملية لمن أراد الاستجابة لداعي الله سبحانه.
قال تعالى: ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) [الملك: 14] وقال تعالى: ((قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض، إنه كان غفوراً رحيماً)) [الفرقان: 6] وقال تعالى: ((واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، واعلموا أن الله غفور رحيم)) [البقرة: 235].
فخالق النفس أعلم بها، والذي يعلم سرها ونجواها، هو الذي يعلم ما يصلحها وما يفسدها، ولذلك كان كتابه هو كتاب هذه النفس الذي فيه هدايتها وبه سعادتها، قال تعالى: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)) [الأحزاب: 21] وقال تعالى: ((وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله إن الله شديد العقاب)) [الحشر: 7].
والعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هو السبيل الوحيد لمعرفة الخلال التي ترضي الله تعالى مما يجب أن يتحلى بها المؤمن، إما بالأمر بها والدعوة إليها، وإما بمدح أهلها والثناء عليهم بها، كما أن العلم بهما هو السبيل الوحيد -كذلك- لمعرفة الصفات الذميمة التي تسخط الله تعالى، مما يتصف بها أعداء الله من الكافرين والمنافقين والفاسقين: إما بالنهي عنها أو بوصف أهلها بها على سبيل الذم.
ولهذا كان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما الهاديين لعباد الله المتقين إلى صراطه المستقيم.
وقد بين سبحانه وتعالى ذلك في أول سورة البقرة فقال: ((ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)) [البقرة: 1-2] ثم شرع تعالى في بيان صفات المؤمنين مرتباً عليها فلاحهم وهداهم، كما بين بعدها صفات أعدائه الكافرين والمنافقين [البقرة: 6-20] مشيراً سبحانه بذلك إلى هذا المعنى العظيم، وهو أن هذا الكتاب إنما أنزل لهداية النفس البشرية بما يدعو إليه من العقيدة والشريعة والخلق، وأن من لم يستجب له فإنه في شقاء وخسارة كما قال تعالى: ((إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)) [الإسراء: 9] وقال: ((ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)) [طه: 124].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة)) [البخاري رقم (4981) فتح الباري (9/3) ومسلم (1/134)]
وقال عليه الصلاة والسلام -مبينا ما بعثه الله به من الهدى، ونصيب من وفقه الله للتفقه في دينه، على ضوء ذلك الهدى، وخسران من حرم الفقه في دين الله والعمل به-: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم،كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في الدين ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) [البخاري رقم (79) فتح الباري (1/175) ومسلم (4/1787)].
ففي هذا الحديث العظيم قسم الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في قبول الهدى أو عدمه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: العلماء العاملون.
القسم الثاني: العلماء الذين ينتفع الناس بعلمهم أكثر من انتفاعهم هم به.
القسم الثالث: من لم ينتفع بعلم ولا عمل.(3/91)
قال الإمام النووي رحمه الله: "أما معاني الحديث ومقصوده، فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث، ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس:
فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتاً، وينبت الكلأ، فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها، وكذلك النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره، فينتفع وينفع.
والنوع الثاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة، وهي إمساك الماء لغيرها فينتفع بها الناس والدواب، وكذلك النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظون حتى يأتي طالب محتاج فيعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع، فيأخذه منهم فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.
والنوع الثالث من الأرض: السباخ التي لا تنبت ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع بها غيرها، وكذلك النوع الثالث من الناس، ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ولا يحفظونه لنفع غيرهم، والله أعلم.
وفي هذا الحديث أنواع من العلم منها: ضرب الأمثال، ومنها فضل العلم والتعليم وشدة الحث عليهما، وذم الإعراض عن العلم واله أعلم" [شرح النووي على مسلم (15/47-48)].
وقد أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم الخير لمن وفقه الله ففقهه في الدين، ومعنى ذلك أن من لم يفقهه في دينه فقد حرم الخير، وكيف ينال الخير من حرم الفقه في دين الله؟
ففي حديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى اله عليه وسلم يقول: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) [البخاري رقم (71) فتح الباري (1/164) ومسلم (2/718)]
قال الحافظ رحمه الله: "ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين - أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع- فقد حرم الخير" [فتح الباري (1/165)].
والسبب في ربط الخير بالفقه في الدين أنه بالفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى اله عليه وسلم، يتعرف المؤمن بذلك على أسماء اله وصفاته، وما يجب له تعالى وما يجب للنفس وللناس من قريب أو بعيد، فينطلق الفقيه في الدين في عمله عن علم ومعرفة، ويفرق بين الحق والباطل، بخلاف الجاهل في ذلك كله.
وهذا يقتضي من العبد أن يجتهد في تحصيل العلم من الكتاب والسنة، وكل علم يعين على فهمهما والفقه فيهما، وأن يكون القصد من ذلك تطبيق ما علمه بعمله حتى يكون علماً نافعا،ً وإلا كان الجاهل بدين الله خيراً منه.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان أهل الخشية هم العلماء الممدوحون في الكتاب والسنة لم يكونوا مستحقين للذم، وذلك لا يكون إلا مع فعل الواجبات، ويدل عليه قوله تعالى: ((فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم، ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)) [إبراهيم: 13-14]
وقوله: ((ولمن خاف مقام ربه جنتان)) [الرحمن: 46] فوعد بنصر الدنيا وثواب الآخرة لأهل الخوف، وذلك إنما يكون لأنهم أدوا الواجب، فدل على أن الخوف يستلزم فعل الواجب، ولهذا يقال للفاجر لا يخاف الله، ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: ((إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب)) [النساء: 17]
قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد عن هذه الآية فقالوا لي: كل من عصى الله فهو جاهل .. قال مجاهد: كل عاص فهو جاهل حين معصيته، وقال الحسن وقتادة وعطاء والسدي وغيرهم: إنما سموا جهالاً لمعاصيهم، لا لأنهم غير مميزين، وقال الزجاج: ليس معنى الآية أنهم يجهلون أنه سوء، لأن المسلم لو أتى ما يجهله كان كمن لم يواقع سوءً، وإنما يحتمل أمرين:
أحدهما: أنهم عملوه وهم يجهلون المكروه فيه.
والثاني: أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة، وآثروا العاجل على الآجل، فسموا جهالاً لإيثارهم القليل على الراحة الكثيرة والعافية الدائمة.
فقد جعل الزجاج الجهل إما عدم العلم بعاقبة الفعل، وإما فساد الإرادة، وقد يقال هما متلازمان.
والمقصود هنا أن كل عاص لله فهو جاهل، وكل خائف منه فهو عالم مطيع لله، وإنما يكون جاهلاً لنقص خوفه من الله ... إلى أن قال: وفي الكلام المعروف عن الحسن البصري ويروى مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((العلم علمان، فعلم في القلب وعلم على اللسان فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان حجة الله على عباده))" [الفتاوى (7-21-23)].
(115)
ومن أعظم ما يعين العبد على نفسه، علمه بأدوائها، وبأعوانها على الشر، وعلمه بما يعالج به تلك الأدواء ويدفع به تلك الأعوان من الكتاب والسنة، لأنه بذلك يكون مثل الجندي الذي درب على معرفة عدوه ومعرفة قوة هذا العدو وأسلحته ومواطن ضعفه وميدان انطلاقه، وكذلك زود بالعدة والأسلحة المضادة التي تبطل مفعول أسلحة عدوه وتعطل حركته وتلجئه إلى التقهقر، ثم الفشل والهرب من الميدان في آخر الأمر، فهو في حاجة إلى الصبر والمصابرة والمرابطة في ميدان معركة عدوه الكافر، فالنفس هي التي تشح بفعل الخير، وهي التي تجود بالشر ولذلك علق الله فلاح الإنسان على وقايته تعالى شحها.
كما قال تعالى: ((فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)) [التغابن: 16].
كما بين تعالى أنه لا فلاح للإنسان إلا بتزكية نفسه، وأن الخسران في تدنيسها: ((قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها)) [الشمس: 9-10] ونص تعالى على كثير من الطاعات التي تزكي هذه النفس، وتكون سبباً في فلاح صاحبها، مثل قوله تعالى: ((قد أفلح المؤمنون، الذين هو في صلاتهم خاشعون)) إلى قوله: ((أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس فهم فيها خالدون)) [المؤمنون: 1-11].
فاجتهاد المسلم في التفقه في دين الله من كتاب الله وسنة رسوله، هو محور فلاحه، وبعده عن ذلك من أعظم أسباب خسرانه.
(116)
الأمر الثاني من المطلب الأول: إرغام النفس على العمل الصالح الذي تضمنه المنهج الإسلامي.
لقد خلق الله تعالى الإنسان وفطره على الحركة والعمل في هذه الحياة، ليقوم بعمارة الأرض ويحقق استخلاف ربه إياه فيها، كما أنه تعالى زود هذا الإنسان بمنهج لحياته ينير له الطريق ويقوده إلى ما فيه سعادته، ودعاه سبحانه إلى الصراط المستقيم - فهو دائماً في سعي وحركة، لا يسكن إلا ليتحرك: ((يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)) [الانشقاق: 6] قال ابن جرير رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: إنك عامل إلى ربك عملاً فملاقيه به خيراً كان عملك ذلك أو شراً" [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (30/115)].
وقال ابن كثير رحمه الله: "أي أنك ساعٍ إلى ربك سعيا وعامل عملا، ((فملاقيه)) ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر." [تفسير القرآن العظيم: (4/488)
وقال سيد قطب رحمه الله: "يا أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحا، تحمل عبئك، وتجهد جهدك، وتشق طريقك في النهاية إلى ربك، فإليه المرجع، وإليه المآب، بعد الكدح والكدح والجهاد" [في ظلال القرآن: 30/3866]
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها،أو موبقها) [صحيح مسلم: (1/203) من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه](3/92)
قال النووي رحمه الله: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (كل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها) فمعناه كل إنسان يسعى بنفسه، فمنهم من يبيعها لله بطاعته، فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى، باتباعها، فيوبقها، أي يهلكها. والله أعلم." [شرح النووي على مسلم: (3/102]
وقال ابن رجب رحمه الله: "ودل الحديث على أن كل إنسان، إما ساع في هلاك نفسه، أو في فكاكها، فمن سعى في طاعة الله، فقد باع نفسه لله، وأعتقها من عذابه، ومن سعى في معصية الله، فقد باع نفسه بالهوان، وأوبقها في الآثام الموجبة لغضب الله وعقابه" [جامع العلوم والحكم، ص: 193]
فظهر مما تقدم أن الإنسان لا بد أن يشغل وقته بعمل وسعي، فإن ملأه بالعمل بمنهاج الله، فقد حافظ على عمره الذي منحه الله، فلا يشذ به عن طاعته التي يخلص بها نفسه من غضبه وأليم عقابه، أو يملأ ذلك الوقت بطاعة الشيطان، فيكون في ذلك هلاك نفسه باستحقاها سخط الله وعقابه.
ولعل ذلك من أسباب تعظيم الله للزمن ، حيث أقسم تعالى به في مواضع من كتابه، على فلاح الإنسان وفوزه بالعمل الصالح، أو خسرانه بعمل المعاصي، لأن عمر الإنسان محدود بزمن معين، له بداية ونهاية، فهو يتقلب فيه مفلحا فائزا، أو مفلسا خاسرا.
كما قال تعالى: ((والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) [العصر]
وقال تعالى: (( والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى، إن سعيكم لشتى. فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى)) [الليل: 1-10]
وقال تعالى: ((والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها. والنهار ‘ذا جلاها. والليل إذا يغشاها. والسماء وما بناها. والأرض وما طحاها. ونفس وما سواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها.)) [الشمس: 1-10]
وصرح سبحانه وتعالى، بأن المقصود من خلق الليل والنهار-يخلف كل منهما الآخر-منح عباده المتقين، التذكر والشكر-أي الدوام على عبادته- كما فال تعالى: ((وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أرد أن يذكر أو أراد شكورا)) [الفرقان: 62]
قال ابن كثير رحمه الله: "أي يخلف كل واحد منهما صاحبه، يتعاقبان لا يفتران، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك ... وقوله تعالى: ((لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا)) أي جعلهما يتعاقبان، توقيتا لعبادة عباده له عز وجل، فمن فاته عمل في الليل، استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار، استدركه في الليل. وقد جاء في الحديث الصحيح، أن الله عز وجل يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل" [تفسير القرآن العظيم: (3/324)]
ولهذا يحاسب الله تعالى أهل النار يوم القيامة، على ما أعطاهم من الفسحة في أعمارهم التي منحهم إياها ليتذكروا حقه عليهم، ويتبعوا هداه الذي أرسل إليهم به رسله عليهم السلام، كما قال تعالى: ((والذين كفروا لهم نار جهنم، لا يقضى عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها، كذلك نجزي كل كفور. وهم يصطرخون فيها، ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل، أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير. فذوقوا فما للظالمين من نصير.)) [فاطر: 36،37]
قال ابن كثير رحمه الله: "أي أوما عشتم في الدنيا أعمارا، لو كنتم ممن ينتفع بالحق، لا انتفعتم به في مدة عمركم." تفسير القرآن العظيم: (3/558)]
وفي صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله، حتى بلغ ستين سنة) [رقم الحديث:(6419) وهو في الفتح: (11/238)]
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: "قال ابن بطال: إنما كان الستون حدا لهذا، لأنها قريبة من المعترك، وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية، فهذا إعذار بعد إعذار، لطفا من الله بعباده، حتى نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم، ثم أعذر إليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة، وإن كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الأمل، لكنهم أمروا بمجاهدة النفس في ذلك، ليمتثلوا ما أمروا به من الطاعة، وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية." [فتح الباري: (11/240 )]
وفي سنن الترمذي، من حديث ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة، من عند ربه، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم) [الترمذي رقم: 2531. وهو في تحفة الأحوذي: (7/99-100) والحديث فيه ضعف، ولكن النصوص السابقة واضح في أن الإنسان مسؤول عن عما عمله في عمره، فهي دالة على معناه،]
فالزمن الذي يعيش فيه المكلف، هو مسؤول عنه أمام الله تعالى يوم القيامة، وذلك يقتضي أن يجاهد المرء نفسه باستمرار، بملء هذا الزمن بطاعة الله، لا بمعاصيه.
(117)
تابع للأمر الثاني: وهو إرغام النفس على العمل الصالح الذي تضمنه المنهج الإسلامي.
لما كان عمر الإنسان كله-في حال تكليفه-لا بد من تحركه وسعيه وكسبه فيه، فإن نجاحه وفلاحه، لا يتحققان إلا بملء وقته بطاعة الله، وإلا أصيب بمفسدة الفراغ الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبر أن الفراغ نعمة يندم على تفويتها صاحبها، إذا لم يستغلها في طاعة ربه، لأن الذي لا يشغل وقته بطاعة الله، سيشغلها بمعصيته.
ففي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ) [صحيح البخاري: رقم (6412) وهو في الفتح: (11/229)]
قال الحافظ: "قال ابن بطال: معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا، حتى يكون مكفيا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك، فليحرص على ألاّ يغبن، بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك، فهو المغبون" [فتح الباري: (11/230)]
ولقد وعى السلف الصالح-وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-خطر التفريط في الفراغ، وعدم شغله بطاعة الله تعالى، ومن ذلك وصية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما التي كان يعظ بها الناس، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أوعابر سبيل) وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" [صحيح البخاري، رقم: (6416) وهو في الفتح: (11/233)]
قال ابن رجب رحمه الله: "قوله: وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك، يعني اغتنم الأعمال الصالحة، قبل أن يحول بينك وبينها السقم، ومن الحياة قبل أن يحول بينك وبينها الموت. وقد روي معنى هذه الوصية عن النبي صلى الله عليه وسلم-وذكر حديث ابن عباس لسابق-.
وفي صحيح الحاكم عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [جامع العلوم والحكم: ص 336](3/93)
ولقد أخبر الله في كتابه، أن الذي لا يشغل فراغه بطاعة ربه في الدنيا، يندم على ذلك يوم القيامة، ويتمنى أن يعود إلى الدنيا ليحصل له فراغ يشغله بطاعة الله، ولكن ذلك الندم لا ينفعه، لأنه فوت على نفسه وقتا كافيا منحه الله إياه، شغله بغير طاعة الله، كما قال تعال: ((وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له، من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون. أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين. بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين.)) [الزمر: 54-59] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
قال الأستاذ محمد قطب-مبينا خطر الفراغ على الإنسان-:"إن الفراغ مفسد للنفس، إفساد الطاقة المختزنة بلا ضرورة، وأول مفاسد الفراغ، هو تبديد الطاقة الحيوية لملء الفراغ، ثم التعود على العادات الضارة التي يقوم بها الإنسان لملء هذا الفراغ، والإسلام حريص على شغل الإنسان شغلا كاملا، منذ يقظته إلى منامه، بحيث لا يجد الفراغ الذي يشكو منه، ويحتاج إلى ملئه إلى تبديد الطاقة أو الانحراف بها عن نهجها الأصيل." [منهج التربية الإسلامية (1/253)]
(118)
(تابع للأمر الثاني: وهو إرغام النفس على العمل الصالح الذي تضمنه المنهج الإسلامي.)
عندما حذر الله تعالى عبده خطر الفراغ والتفريط فيه، وأمره بملئه بطاعته، لم يترك سبحانه هذا العبد يتخبط في وضع منهج عملي يملأ به ذلك الفراغ، من عند نفسه، بل تفضل الله سبحانه على عبده بمنهج عملي شامل لحياته كلها، من وقت ولادته إلى أن يلقى ربه.
فليس عند المسلم مطلقا وقت فراغ يملؤه بغير طاعة الله، وهذا المنهج الرباني يشمل نشاط قلبه وعقله وجسمه وروحه في كل جزء من أجزاء حياته، ويطلق على هذا المنهج: "العبادة" أو "العمل الصالح" وما أشبه ذلك من الألفاظ الدالة عليه، كـ"الخير" و"البر" و"الطاعة" و "المعروف"
غاية المنهاج العملي.
وقد جعل الله تعالى لمنهاجه العملي-الذي لا يجد الإنسان معه فراغا يشكو منه، أو يشغله بالشر والفساد-غاية تجمع نشاط الإنسان ، بحيث لا يتحرك ولا يسكن إلا لتحقيق تلك الغاية.
وهذه الغاية هي "رضا الخالق " الذي وصف تعالى عباده المؤمنين باتباعه، ومعلوم أن اتباع رضوان الله تعالى، وهو الواقي من اتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء والشيطان، كما قال تعالى: ((الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم، فاخشوهم، فزادهم إيمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ولم يمسسهم سوء، واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم)) [آل عمران: 173-174]
وهو تعالى إنما يرضى الإسلام، فمن أسلم لله فقد اتبع رضوانه، كما قال تعالى: ((اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا)) [المائدة: 3]
وهو سبحانه لا يرضى الكفر والفسوق والعصيان، فمن كفر، أو فسق، أو عصى ربه، فقد اتبع ما يسخط الله، لا ما يرضيه، كما قال تعالى: ((إن تكفروا فإن الله غني عنكم، ولا يرضى لعباده الكفر، وإن تشكروا يرضه لكم)) [الزمر: 7] وقال تعالى: ((يحلفون لكم لترضوا عنهم، فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين)) [التوبة: 96]
وكما أنه تعالى لا يرضى الكفر والفسوق والعصيان، فإنه كره ذلك إلى عباده المؤمنين، وحذرهم منه، كما قال تعالى: ((ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون)) [الحجرات: 7]
والمؤمنون الذين اتبعوا رضوان الله، خصهم تعالى برضاه عنهم ورضاهم عنه، كما قال تعالى: ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك هم خير البرية. جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدا، رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه.)) [البينة: 7-8]
ولما كان الهدف والغاية من كسب المؤمن في الدنيا، هو رضا الله تعالى، فإنه تعالى يذكر عباده المؤمنين، بعد دخولهم الجنة –التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر-وظنهم أنه لم يبق أي نعيم لم ينعم به الباري عليهم، يذكرهم الله بنعمة رضوانه عليهم، وحصولها لهم، وإحلالها عليهم، إحلالا لا انقطاع له.
كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا) [صحيح مسلم (4/2176)]
هل ترى الإنسان الذي حدد الله له غايته، فرضي تلك الغاية، وهي رضاه تعالى عنه، هل تراه يتسبب في إفساد فراغه بتبديد طاقته أو شغل وقته بما هو شر؟
(119)
(تابع لمنهاج ملء الفراغ وغايته)
لقد بين تعالى في كتابه الكريم، أنه لم يخلق المكلفين من عباده في هذه الأرش-جنهم وإنسهم-إلا لعبادته، وليس لشيء آخر، كما قال تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.)) [الذاريات: 56-58]
كما بين تعالى في آيات أخرى، أن نشاط هذا الإنسان كله لله، فحركاته وسكناته، وحياته وموته كلها لله، كما قال تعالى: ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)) [الأنعام: 162-163]
وقد يشكل على بعض الناس، ممن لم تدرك أفهامهم مقاصد القرآن والسنة ومصطلحات الإسلام، هذا الشمول في الآيتين، فيسألون: أما خلق الإنسان إلا لعبادة الله؟ ألا يزاول غير عبادة الله، من أكل وشرب وملبس، وصحوة ونوم، ومسكن ومركب، وقيام وقعود، في غير صلاة وصيام وحج وقراءة قرآن وذكر....؟
نعم قد يشكل على هؤلاء هذا الشمول الذي يجعل عمر الإنسان كله عبادة، لأنهم لم يفهموا معنى العبادة التي لم يخلقهم الله تعالى لغيرها، ولو فهموها كما فهمها السلف الصالح، لما حصل لهم هذا الإشكال.
لقد وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه-وهو إيضاح للأمة كلها-أن العبادة عامة شاملة، لكل ما يتقرب به الإنسان إلى ربه-ولو كان مباحا-
فكما أن أركان الإيمان-وهي من أعمال القلب-وأركان الإسلام-وهي من أعمال الجوارح-وما تفرع عن تلك الأركان، هي أصول العبادة، فكذلك سعي الإنسان لاكتساب رزقه ورزق عياله، إذا قصد به وجه الله، والتَّقَوِّي على طاعته، هو عبادة. وتقيد الإنسان في بيعه وشرائه وكل معاملاته، بما أحل الله تعالى واجتناب ما حرم، هو عبادة.(3/94)
لا بل إن المسلم لينام على سريره يرجو أن يثيبه الله على منامه، ولهذا كان ذاكرا لربه في كل حال من أحواله، فيذكر الله إذا أوى إلى فراشه، ويذكره إذا استيقظ من منامه، ويذكره إذا أغلق باب داره، ويذكره إذا أراد دخول المرحاض لقضاء حاجته، ويذكره إذا خرج منه، ويذكره إذا دخل المسجد أو خرج منه، ويذكره عند تناول طعامه أو شرابه، وإذا فرغ منهما، ويذكره إذا لبس ثوبه، ويذكره إذا خرج من داره أو دخلها، ويذكره إذا ركب دابته أو سيارته أو طائرته أو سفينته... ويذكره إذا غادر بلدته مسافرا، أو قفل إليها راجعا، بل لا يزال لسانه رطبا بذكر الله محققا أمر الله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا.)) [الأحزاب: 41-42]
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) [البخاري، رقم: 2989، وهو في الفتح: (6/132)]
قال ابن رجب رحمه الله في شرح الحديث: "وهذه الأنواع التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة، منها ما نفعه متعد، كالإصلاح وإعانة الرجل على دابته.. والكلمة الطيبة، ويدخل فيها السلام، وتشميت العاطس، وإزالة الأذى عن الطريق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفن النخاعة في المسجد، وإعانة ذي الحاجة الملهوف، وإسماع الأصم، وتبصير المنقوص بصره، وهداية الأعمى أو غيره الطريق...
ومنه ما هو قاصر النفع، كالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، والمشي إلى الصلاة، وركعتي الضحى..." [جامع العلوم والحكم، ص: 216]
ويحس المسلم بالضر الذي يصيبه، من جوع وعطش ونحوهما، فيدفعه عن نفسه إذا قدر عليه، يحس بأن غيره من الحيوانات العجماء-فضلا عن الإنسان-إذا أصابه ذلك الضرر، قد لا يقدر على دفعه عن نفسه، فيسرع المسلم لنجدته، ابتغاء وجه ربه، فينال بذلك ثواب الله ورضاه، لأنه تقرب إليه بذلك.
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (بينما رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفمه، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له) قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: (في كل كبد رطبة أجر) [البخاري، رقم الحديث: 2363، وهو في الفتح: (5/40) ومسلم: (4/1761)]
ويسعى المسلم، ليكسب الرزق لعياله، وهو يبتغي بذلك وجه الله، يكون في عبادة يثيبه الله عليها، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه-وفيه-: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في أمرأتك) [البخاري، رقم: 2742 ، وهو في الفتح: (5/363) وصحيح مسلم: (3/1250)]
وهذا المعنى –وهو أن الله تعالى خلق الإنسان ليكون نشاطه كله عبادة لربه-هو الذي فهمه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من معنى العبادة أو العمل الصالح الذي يحقق الغاية، وهي رضا الله تعالى، ولهذا قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "والله إني لأحتسب نومتي، كما أحتسب قومتي" [البخاري، رقم: 4342، وهو في الفتح: (8/60) وصحيح مسلم: (3/1456)] ومعنى كلامه: أنه يرجو أن يثيبه الله على نومه، كما يرجوه أن يثيبه على قيام الليل.
وفهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسيلم، ومن تبعهم ممن فقههم الله في الدين، هو الذي جمع طاقتهم ووحدها لتحقيق تلك الغاية، فرفعوا بذلك كلمة الله في الأرض، في فترة قصيرة من الزمن، كما أكثروا من طاعة الله والتقرب إليه، إذ غدت أعمالهم كلها طاعة لله وعبادة وعملا صالحا، ولو كانت في الأصل مباحات.
يدل على ذلك أن الأحكام التكليفية لا تخرج عن خمسة أقسام، وهي: الواجب، والمندوب، والمباح، والحرام، والمكروه، والعبد إذا فعل الواجب والمندوب والمباح قاصدا وجه الله، فقد عبد الله بذلك، ونال ثوبه، وإذا ترك المحرم والمكروه، قاصدا وجه الله، فقد عبد الله بذلك، ونال ثوابه، بل إذا ترك المباح –ورعا-خشية أن يقع فيما به بأس أثابه الله على ذلك، وأعمال الإنسان لا يمكن أن تخرج عن هذه الأحكام التكليفية، كما هو معلوم.
وهذا ما دعا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن يعرف العبادة تعريفا شاملا لا يخرج منه أي جزء من أعمال القلوب والجوارح المراد به وجه الله، فقال: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك في الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك، من العبادة" [مجموع الفتاوى: (10/149)]
وعلى هذا فالعمل الصالح، هو ما يراد به وجه الله، مطابقا لشرعه، سواء كان واجبا، أو مندوبا، أو مباحا، يتقرب بعملها العبد إلى ربه، أو محرما أو مكروها، يتركهما العبد لوجه ربه، وهي الأحكام الخمسة المعروفة في علم أصول الفقه بـ"الأحكام التكلبفية".
(120)
(تابع لمنهاج ملء الفراغ وغايته)
إن أداء الفرائض والمحافظة عليها، هو الحد الأدنى الذي كلفه الله المسلم، حيث لا يجوز له التفريط فيه، بل يجب عليه أداؤه على الوجه المطلوب شرعا فيه.
وأول هذه الفرائض، الإخلاص لله في عبادته، وهو تنقية العمل وتصفيته من شوائب الشرك، سواء شركا أكبر، و هو الذي لا يغفره الله تعالى، كما قال عز وجل: ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) [النساء: 48،116]
أو شركا أصغر-ومنه إرادة الإنسان بعمله مراءاة الناس-كما قال تعالى: ((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)) [الكهف: 110]
وفي الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه) [صحيح مسلم: (4/2289)]
وقد أمر الله تعالى بالإخلاص في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)) [البينة: 5]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك) [البخاري، رقم الحدي(50) وهو في الفتح: (1/114) ومسلم: (1/36)]
وقال: (اتق الله حيثما كنت) [الترمذي: (4/355) وقال: "حديث حسن صحيح. وراجع جامع العلوم والحكم، لابن رجب "ص 136)]
والإخلاص لله تعالى في العمل، يربي النفس على الاتجاه إلى بارئها، وانصرافها عمن سواه، وهذان الأمران هما العاصمان –بإذن الله-من الهوى والانزلاق في مهاوي الشهوات والمعاصي. وهو أساس الخوف من الله تعالى وخشيته التي تحجز المسلم من تلك الشهوات والمعاصي، كما قال تعالى: ((وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي المأوى)) [النازعات: 40،41]
ولما كان الإخلاص هو أساس الأعمال الصالحة، استحق الذكر في مقدمتها.
وقد حث الله تعالى العبد على تزكية نفسه، بما افترضه الله عليه في نصوص القرآن والسنة، ويصعب استقصاء تلك الفرائض ونصوصها، وأثرها في تزكية النفس هنا. ويكفي ذكر بعضها على سبيل الأمثلة.(3/95)
والنصوص الدالة على وجوب أداء الفرائض، منها ما ورد عاما يشمل جميع الفرائض، ومنها ما وردفي فرائض بعينها.
فمن نصوص النوع الأول، قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا)) [النساء: 5]
وطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، شاملة لكل ما أمر الله به، أو أمر به رسوله، بأن يأتي به المسلم حسب طاقته، كما أنها شاملة لترك كل ما نهى الله تعلى عنه، أو نهى عنه رسوله.
وقد رتب الله تعالى على طاعته وطاعة رسوله، فوز المطيع ونجاحه، وذلك شامل لفوزه في الدنيا-ومنه الانتصار على الأعداء- وفوزه في الآخرة، كما قال تعالى: ((ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)) [الأحزاب: 71]
وفي حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها) [قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث من رواية مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، وله علتان: إحداهما أن مكحولا لم يصح له السماع من أبي ثعلبة...
والثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة. ورواه بعضهم عن مكحول عن قوله، لكن قال الدارقطني: الأشبه بالصواب المرفوع، قال: وهو أشهر. وقد حسن الشيخ-يعني النووي-رحمه الله هذا الحديث، وكذلك حسنه قبله الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه.
والتقرب إلى الله بفرائضه، أحب إليه تعالى من غيرها، كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) [صحيح البخاري، رقم (6502) وهو في الفتح: (11/340)]
قال الحافظ: "ويستفاد منه-أي من هذا الحديث-أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله. قال الطوفي: الأمر بالفرائض جازم، ويقع بتركها المعاقبة، بخلاف النفل في الأمرين، وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب، فكانت الفرائض أكمل.
فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقربا، وأيضا فالفرض كالأصل والس، والنفل كالفرع والبناء، وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به، امتثال الأمر، واحترام الأمر وتعظيمه، بالانقياد إليه، وإظهار عظمة الربوبية، وذل العبودية، فكان التقرب بذلك أعظم العمل" [فتح الباري (11/343)]
أما النوع الثاني-وهو النصوص الواردة في كل فريضة على حدة، دالة على وجوب أدائها، ومبينة لآثار امتثالها، في تربية النفوس وتزكيتها، أو الأضرار المترتبة على التهاون بها، في قسوة القلوب وتدسية النفوس، فإن في حصرها وشرحها صعوبة ومشقة، وبسط وتطويل، لأن منها ما هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ومنها ما هو فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين قياما كافيا، سقط عمن عداهم، ومنها ما يوجبه المكلف على نفسه، كالنذر...
قال الحافظ في شرح الحديث الآنف الذكر: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه): "يدخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية، وظاهره الاختصاص بما ابتدأ الله فريضته، وفي دخول ما أوجبه المكلف على نفسه نظر، للتقييد بقوله: (افترضته عليه)إلا إن أخذ من جهة المعنى الأعم." [فتح الباري (11/343)]
ولكثرة تلك الفرائض ونصوصها، يكفي ذكر بعضها، لمعرفة مدى أثرها في التربية والتزكية، وقوة مجاهدة النفس وأعوانها على طاعة الله تعالى، وترك معاصيه.
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
============
صناعة الترفيه
سلمان بن يحي المالكي
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الخلق ورب الأمم ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم ، صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه خير القرون والأمم ، وعلى التابعين أهل المكارم والقيم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد فعباد الله .. لقد أوضح الله تعالى لنا في كتابه الدنيا وحقيقةَ أعمالها وأبان لنا الآخرةَ وحقيقةَ حياتها فقال " وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدارَ الآخرةَ لهي الحيوانُ لو كانوا يعلمون " إنما الدنيا لهو ولعب في جميع مراحلها ، تُلهي الناس وتشغَلُهم عن المنفعة الدائمةِ واللذة الحقيقةِ التي خلقوا من أجلها وهي الآخرةْ ولذتِها التي هي دارُ الحيوان ، وهذه الدنيا أكثرُ أهلها في لعبٍ ولهو وباطلٍ وغرورٍ وإضاعةِ أوقاتٍ ، يقضون حياتهم فيها من أجل المتعة والاستمتاع ، حكايتهم فيها كالأولين الذين قالوا " إنْ هي إلا حياتنا الدنيا " ومع ذلك فهي كالأحلام تمر بهم سريعا ..
ألا إنما الدنيا كأحلامِ نائم وما خيرُ عيشٍ لا يكونُ لدائمٍ
تأمل إذا ما نلت بالأمس لذةً فأفنيتها هل أنت إلا كحالمِ
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكرُ الله وما والاه وعالم أو متعلم " فكل ما فيها مذموم إلا ما كان فيه ذكر لله تعالى أو ما يؤدي ويعين على ذكر الله ، ولذلك فإن الأذكياء من الصالحين عرفوا حقيقتها وقيمتها ، فثمِّنونها واستثمروها فيما يعود عليهم فيها بالفائدة ، فقد كانوا يحذرونها ، وما كانوا يذمونها ، ذم رجل الدنيا عند أمير المؤمنين عليُ بنُ أبي طالب رضي الله عنه فقال له : يا هذا ..! الدنيا دارُ فسْقٍ لمن صَدَقَها ، ودارُ نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنىً لمن تزود منها ..
لا تُتْبِعِ الدنيا وأيامَها ذما وإن دارت بك الدائرة
مِن شرف الدنيا ومِن فضلها أن بها تُستدرك الآخرة(3/96)
فالدنيا إذاً بحسب ما يملؤها ويعيش فيها صاحبها من خير أو شر ، وهي مع ذلك مليئة باللهو واللعب والزينة ، وقد حذرنا خالقها من أن نعيش فيها مبتغين منها هذه الأشياء فقال جل وعلا " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخرٌ بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " فهي في حقيقتها لعبٌ باطل وفَرَحٌ زائل ، لعبٌ كلعب الصبيان ، ولهوٌ كلهو الشباب ، وزينة كزينة النساء ، وتفاخر كتفاخر الإخوان ، وتكاثر كتكاثُر السلطان ، سريعةُ الانقضاء كثيرةُ التقلب ، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا ، وإن أغنت في الحال أفقرت في المآل وهكذا ، ولقد اتخذ سلفُنا صالحَ الأعمال فيها سُفُنا لما رأوها مليئة بالشهوات والملهيات ، فأبحروا فيها إلى شاطئ السلامة شاطئ الآخرة ، وحققوا فيها قول الله تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " مرّ شُريحٌ القاضي رحمه الله على قوم يلعبون ، قال ما لي أراكم تلعبون ..؟ قالوا : فرغنا ، قال : ما بهذا أُمر الفارغ ، وقال عمر رضي الله عنه : إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة .. أيها المسلمون : إن الدنيا التي نعيش في ظلالها اليوم صار فيها أنواع من اللهو والترفيه والتسلية لم تخطر ببابل أحد ممن سبقنا ، وقد تقدم العلمُ الدنيويُ والصناعةُ ووفرت للإنسان مزيدا من الوقت والجهد بهذه الآلات التي صارت تقوم بالنيابة عن الإنسان في جميع شؤون أعماله الحياتية ، حتى أصبح الإنسان اليوم يختلف كثيرا عن الإنسان الأمس في مطعمه ومشربه وملبسه ومركبه ولهوه وفي حياته كلها ، إن هذه الصناعةَ الحديثةَ التي تعيشها الدنيا اليوم قامت بتغيير نمط الحياة لدى الإنسان في زراعته وصناعته وحياته ووفرت وقته بشكل كبير ما كان يحلم به إنسان الأمس ، لكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح ليُعقل ، أين ذهبت هذه الأوقات الموفَّرة التي وفرتها هذه الحضارة المزدهرة في عالم الإنسان اليوم ..؟ لقد نشأ بعد الحرب العالمية الثانية علمٌ لدى الغرب اسموه علمُ اجتماع الفراغ ، وكان هذا العلم نتيجةَ كثرةِ الفراغ الذي حصل عند الناس بسبب هذه الكفاءة والتنمية وزيادة الطاقة الإنتاجية والتقدم التقني ، فكيف ملئوا هذا الفراغ الذي كان يهدد إنسانيتهم في عالمهم .؟ لقد ملئوه بأنواعٍ من الترفيه والتسلية الحديثة ، وصار لأجل ذلك صناعاتٌ وشركات ورأس مال هائل ، يُنفَق على التسلية والترفيه .. فهل التسلية والترفيه في عالمنا اليوم كتسليتهم ..؟ هل هذا الترفيه الذي نعيشه ويعيشه أبناؤنا اليوم هو ترفيه مذموم ..؟ إن سنة الله في عالم الإنسان أن فعله متوسط بين عالم الملائكة وعالم الشياطين ، فمُكّن الملائكة بالخير ، يفعلون ما يُؤمرون ، يسبحون الليلَ والنهار لا يفتُرون ، ومُكّن الشياطينَ بالشر والإغواء فلا يغفلون ، وجُعل عالمُ الإنسان متلونا ، وإليه أشار صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم بقوله " ولكن يا حنظلة ساعة وساعة " ففي ساعة الحقوق تؤدون حقوقَ ربكم ، وفي ساعةِ الفتور تقضون حظوظ أنفسكم " إذا .. هي ساعتان ، ساعة تكونُ للعبادة والذكر وأنواعِ الطاعات ، وساعة لقضاء حقوق النفس بالمباحات من الأكل والشرب واللباس والنكاح والنوم ونحوِ ذلك من رياضات النفس وملاعبة الزوجة والأبناء ، فتُعطى النفس حقوقَها ضمن المباح الذي أذن به الشرع ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يلاعب الحسن والحسين ويداعبهما ويلاعبهما ، وكان يداري زوجاته ، ويداعب أصحابه ويقولون : إنك تداعبنا ، قال : إني لأمزح ولا أقول إلا حقا ، وإذن لعائشة رضي الله عنها في النظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد بحِرابهم ، قالت : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستُرُني بردائه أنظر إلى لِعْبِهم ، بل لقد أُخذت عائشة رضي الله عنها من الأرجوحة وكانت تلعب مع صواحب لها لتحضيرها للعرس ، وقالت : كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لي صواحب يلعبن معي ، قال بنُ مُفلح رحمه الله تعالى " والعاقل إذا خلا بزوجاته وإيمائه ترك العقل في زاوية ، وداعب ومزاح وهازل ليعطي النفس والزوجة حقهما ، وإن خرج لأطفاله خرج في صورة طفل " فانظر إلى هذا اللهو واللعب للأطفال والصغار حتى للمرأة حديثةِ السن ، وقد استثنى العلماء من الصور : اللُعَبَ للبنات ، والعلة في هذه الرخصة : قال العلماء " وخُصَّ ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور ، وأجاز العلماءُ بيعَ اللُعبِ للبنات لتدريبهن من صِغرِهن على أمر بُيُوتِهن وأولادهن " وكان الصحابة يُعطون الصغار اللُعب لتعوديهم على العبادة كما جاء في حديث الرُّبيِّع بنت معوذ ، قالت : كنا نصوم [ أي عاشوراء ] ونصوِّمُ صبياننا ، ونجعل لهم اللعبة من العِهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكونَ عند الإفطار" [ رواه البخاري ] ومن الأحاديث في هذا الباب : قولُ النبي صلى الله عليه وسلم " كلُ ما يلهوا به الرجلُ المسلمُ باطلٌ إلا رميَه بقوسه ، وتأديبَه فرسه ، وملاعبتَه أهله ، فإنهن من الحق " [ رواه الترمذي ] فكل ما يشتغل به الرجلُ المسلمُ باطل لا ثواب له وإن كان من المباحات إلا رميَه بقوس أو تأديبَ فرسه لما فيه من الإعانة على الجهاد ، وملاعبةِ الأهل ، لأن المرأة بغير ممازحة ومداعبة وملاعبة لا تصلح معك ، وليس المقصود أنه باطل أي محرم .. لا .. لكنه اللهو الذي يؤجر فيه بخلاف اللهو المباح الآخر فإنه لا يُؤجر عليه إلا ما كان يعين على ذكر الله تعالى أو محتسبا اللهو فيه لأجل النشاط للعبادة كما قال معاذ بن جبل لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه " أما أنا فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي " وقال علي رضي الله عنه " روَّحوا عن القلوب ساعة ، فإنها إذا أكرهت عميت " وقال بكر بن عبد الله المُزني : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال " عباد الله .. لقد قفز الإنفاق على التسلية والترفيه قفزة عظيمة في هذا الزمن ، فينما كانت الأسرة في أوروبا في عام ألف وتسعمِائة وواحدٍ وخمسين تنفق سبيعنَ دولارا على الأنشطة الترويحية ، قفز هذا المبلغ بعده بعشرين سنة إلى مائتينِ وستين دولارا ، ثم أصبحت صناعة الترفيه في العالم في ازدياد وتضخم ، وتنفق المنطقة العربية في الموسم الواحد قرابة العشرةَ مليارات دولارا ، وينفق السياح العرب أكثر من خمسٍ وعشرينَ مليارَ دولارٍ سنويا في مراكز الترفيه ، وهكذا تستقبل بعض مدن العالم الملايين من الزوار للترفيه حتى بُني منتزه واحد بخمسةٍ وخمسين مليارا من الدولارات ، وتم تطويرُ حديقة عائلية واحدة بسبعة وعشرين ونصفَ مليون دولار ، وافتُتحت منتجعات ومنتزهات ومطاعم ومدن ترفيهية بمئات المليارات ، ومرتبات بعض اللاعبين تصل إلى أكثر من خمسين مليون دولار في السنة الواحدة ، بينما أشهر الأطباء والمهندسين والمفكرين والباحثين والمخترعين والعلماء والقضاة في العالم لا يصل مرتبه السنوي إلى واحد بالمائة من هذا الرقم ، ، كل هذا يا عباد الله في الوقت الذي يموت فيه ملايينٌ من البشر في العالم فقرا وجوعا ، وتزداد البطالة في العالم يوما بعد يوم إضافة إلى الأمية التي تنتشر بين شعوب العالم في عالم مليء بالحضارة والمعرفة ، إن هذه الأجهزة الكثيرة التي خرجت للناس في هذا الزمن من الستلايت والدجتل والشاشات والفضائيات والألعاب الإلكترونية ومدن الترفيه العالمية لها أثرها العميق في نفوس الناس وعقولهم ، واستهلكت بعض الدول خمسين في(3/97)
المائة من مصنوعاتها في المنطقة العربية في بلد واحد ، وبيع من البليستيشن أول ما عُرض في اليابان في الخمسة الأشهر الأولى أكثر من مليون جهاز ، ويوجد في العالم اليوم من هذه اللعبة أكثر من مائئتين وخمسين مليون جهاز ، في المنطقة العربية وحدها أكثر من مليوني جهاز ، لقد طالت صناعة الترفيه اليوم العالمَ كله ، وصار الناس يرفهون عن أنفسهم بأشياء مختلطة ، بين المباح والمحرم كاقتناء الأثَرِيَّاتِ وجمع الطوابعِ والترفيه بالسيارات ما بين تفحيط وتطعيس ، وجمعِ الطيور وتربيةِ الحمام ، والرياضاتِ المائية والدراجاتِ النارية والزوارقِ البحرية ولُعْبِ الكرة بفنونها المختلفة ، والترفيهِ بتسلق الجبال في مختلف الأماكن والصناعات اليدوية من التزيين والتطريز والترفيه بالألعاب النارية وأنواعِ سباق الحيوانات وكذا تصميمُ الحدائق والزراعةِ والترفيه بالطرائفِ والطائراتِ الورقية ونحو ذلك من الفنون المختلفة ، وفي المقابل يوجد ترفيه عجيب كالترفيه بالأغاني والصوتيات والفيديو كليب والمخدرات وأماكنِ الشيشة والمقاهي وأبراجِ الحظ والكهانةِ وقلبِ الفنجان ، والترفيه بالتعري الجماعي وحفلات ملكات الجمال والرقص وليالي الغنائي الحمراء ورؤية القنوات المختلفة والسياحة ونحو ذلك من هذه الأمور ، وهذا العددُ الضخم من أفراد هذه الصناعة التي جعلت هذا الانتشار في العالم ، وانشغل الناس ودخلوا في هذه الجوانب الترفيهية المختلفة ، وعمت أنواع من المحرمات والفساد العريض في الأرض ، وضاعت أوقات كثيرة كان الأولى بها أن تقضى فيما فيه فائدة ، ونسي الناس ضوابط الترفيه في حياتهم والله المستعان ..
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم نسألك علما نافعا وعملا صالحا وحلالا طيبا ورزقا مباركا يارب العالمين .. بارك الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية
الحمد الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله والله أكبر ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، المبعوث للثقلين رحمة للعالمين اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد فيا عباد الله : إن المتفحص للترفيه والتسلية في عالم اليوم يجد أنها تفتقد ضوابطها الشرعية مما حدا بكثير من خلق الله أن يوجهوا الترفيه والتسلية إلى الوجهة التي يريدون لا إلى ما يريد الشرع ، إن الضوابط الشرعية في التسلية والترفيه ينبغي أن تتضمن أمورا منها : أن لا تتضمن شيئا من الشرك والسحر ونحو ذلك من أنواع الدجل والشعوذة كالتسلي بحظ الأبراج وقراءة الفنجان وإتيان الكهان والعرافين ، ومما يؤسف له أنه أقيمت قنوات فضائية تعنى بهذا الجانب لنشر الشرك والسحر بين الناس ، كما أنه ينبغي أن لا تشغل عن ذكر الله وطاعته وامتثال أمره ، فإن الله حرم الخمر والميسر لأنهما يصدان عن ذكر الله وعن الصلاة ، فكل لعبة مباحة وكل تسلية بريئة تصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهي محرمة وتزداد تحريما إن كانت محرمة ، كما ينبغي أن يكون الترفيه على قدر الحاجة حتى لا يتعلق القلب به ، وفي دائرة إطار المباح ومما شرعه الله ، فإذا احتوت على أمور محرمة كالمعازف والموسيقى وصور النساء وما أكثرها اليوم في وسائل الترفيه من الشاشات والألعاب وغيرها فإنها حينئذ خرجت عن المباح ، كما ينبغي أن لا تشتمل الألعاب على صورٍ من ذوات الأرواح ومن المجسمات وغيرها ، فإن النبي صلى الله عليه سلم لعن من صنعها وأمر بإتلافها ، ويجب أن يكون الترفيه خاليا من القمار والمراهنات ومن ذلك اللعب على المال ، فأي لعبة قامة على مال فهي مراهنة وقمار وميسر ، ويشترط في اللعبة أن لا تشتمل على شيء ممن شعارات الكفار الدالة على أديانهم وصلبانهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحك الصليب ويطمسه ، والحذر الحذر من الألعاب التي تربي في نفوس الأبناء الاعتزاز بالكفار وجيوشهم وأعلامهم وتحبيب شخصياتهم وتقديس صلبانهم كجعل الصليب في اللعبة كونِه يعطي اللاعب صحة أو قوة أو إنعاشا للروح ونحو ذلك ، وأن لا تقوم على ابتزاز المسلمين وإهانتهم وإهانة مقدساتهم مع خلوها من الترف والإسراف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى لنا إضاعة المال ، عباد الله : إن فهم الضوابط الشرعية في الألعاب والترفيه والتسلية مهم لأجل سلامتنا وسلامة أبنائنا ولأجل أن يكون اللعبُ مباحا والتسليةُ بريئة وأن تكون الأوقات التي تُمضى فيها لا تقطع عن الله والدار الآخرة .. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ، اللهم إنا نسألك حبك ...
==============
المعاكسات الآم وحسرات
الأسباب والعلاج
أبو الحسن بن محمد الفقيه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه... وبعد:
أختي المسلمة: لو تأملت في جمال الإسلام ومحاسنه، وأهدافه ومقاصده، لوقفت على حقيقة ما أراده الله لعباده بإتباعهم دينه من الخير والفضل والسعادة في الدنيا والآخرة.
فمن أجل مقاصد الإسلام: حفظ الأعراض! وحول هذا المقصد العظيم تدور جملة من الأحكام الشرعية تهدف كلها إلى الحفاظ على تماسك الأسر، وحفظ النسل، والنسب، وتطهير المجتمع من الرذيلة، والأمراض، والأدران، وصيانة العرض من التهتك والتشويه.
ولأجل حفظ الأعراض كانت تلك الأحكام على قسمين:
القسم الأول: هو منع وقوع الفاحشة بمختلف صورها وقطع الطريق على كل مواردها، فلقد حرم الله جل وعلا الزنى وحرم ما يقرب إليه من إطلاق النظر، وخفض الصوت والتهتك والتبرج وغير ذلك مما يوقع في هذه الفاحشة العظيمة.
القسم الثاني: فهو سن النكاح والترغيب في التعفف والحياء وتسهيل الطريق على من أراد التحصن.
ولو تأملت في حقيقة "المعاكسات الهاتفية" لوجدتها سبيل هتك العرض والشرف.. ذاك العرض الذي حفظه من أجل مقاصد الشريعة والدين، ولو لم يكن حفظه من أكاد الواجبات لما سخرت أحكام شتى في الكتاب والسنة كلها تخدم حفظ العرض وتقدر حرمته. فتأملي.
فالمعاكسات الهاتفية خطوة من الخطوات الشيطانية تقود إلي الفاحشة والهلاك، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ )) النور 21
أسباب المعاكسات
1- الجهل بحكم المعاكسات: لا يخفى على كل مسلمة عاقلة حكم المعاكسات الهاتفية في الشرع، فهي من أعظم وسائل جلب الفساد وانتشار الفاحشة، لأنها تمكن الفساق من الانفراد ببنات المسلمين في أي وقت، وتتجاوز الرقابة البشرية، كالأبوين والجيران وعموم الناس.
- قال الشيخ بكر أبو زيد: كنت أظن المعاكسة مرضاً تخطاه الزمن، و إذا بالشكوى تتوالي من فعلات السفهاء في تتبع محارم المسلمين في عقر دورهن، فيستجرونهن بالمكالمة والمعاكسة، ومن السفلة من يتصل على البيوت مستغلاً غيبة الراعي ليتخذها فرصة عله يجد من يستدرجه إلى سفالته، وهذا نوع من الخلوة أو سبيل إليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: "إياكم والدخول على النساء" أي الأجنبيات عنكم. فهذا وأيم الله حرام حرام، وإثم وجناح، وفاعله حري بالعقوبة، فيخشى عليه أن تنزل به عقوبة تلوث وجه كرامته، ومما ينسب للإمام الشافعي- رحمه الله تعالى:
إن الزنا دين فإن أقرضته *** كان الوفا من أهل بيت فاعلم
نعوذ بالله من العار ومن خزي أهل النار .(3/98)
وكيف لا تكون "المعاكسات " من أشنع المحرمات، وهي معول هدم للبيوت الرفيعة، وزلزال يخسف بالحصون المنيعة، فيدمر فيها الأسر والأنساب، ويهتك فيها الأعراض والأحساب، ويلبس أهلها لباس الذل والصغار.. بعدما كانت في عز ووقار!! ومن تتبع ما وقع من جراء المعاكسات، من حوادث أليمة.. وفواحش عظيمة.. تحسر أيما تحسر على أحوال بنات المسلمين.. وأدرك أن معاكستهن وسيلة تغرير.. وشباك صيد.. يستهدف عرضهن.. ويسود وجههن.. ويتركهن ضحايا في الزوايا.. إلا أن يحسن دفع هذا الشر الخطير.. والبلاء المستطير.. الذي يتسلل إلى حرمات البيوت.. من خط الهاتف!!
أختي المسلمة: فإن كنت تشكين في تحريم المعاكسات الهاتفية" فتأملي قول الله جل وعلا ة
((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )).(الإسراء32))
فقد نهى الله جل وعلا عن مجرد القرب من الزنى حيطة من الوقوع فيه، ولا شك أن المعاكسات هي بريد الزنى، ووسيلته، لأنها تمكن المتعاكسين المتهاتفين من الكلام في مقدماته "كالحب واللقاءات الغرامية... ".
وقد صدق الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء
وقال تعالى: ((وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ )) النور: 31، فإذا كان الله جل وعلا قد نهى المؤمنات عن الضرب بالرجل على الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال الذي يلبسنه في أرجلهن، فلا يفتتن الرجال بذلك؟ فكيف بمن تعاكس الرجال في الهاتف! بمعسول الكلام، وعذب عبارات الغزل والتهتك، وهو يعلم بيتها وأسرتها.. أليس ذلك أشد تحريما من ضرب الخلخال في الأرض؟!
بيد العفاف أصون عز حجابي *** وبعصمتي أعلو على أترابي
وبفكرة وقادة وقريحة *** نقادة قد كملت آدابي
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي *** إلا بكوني زهرة الألبابي
ما عاقني خجلي عن العليا ولا *** سدل الخمار بلمتي ونقابي
وتذكري أخية.. أن "المعاكسات الهاتفية" لا يأتي من ورائها خير قط، فمن المسلمات من تظن أنها! تظفر من المعاكسات - بزوج تسكن إليه- وهي في الواقع تنهج طريق الدمار في حياتها:
أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا يا سعد تورد الإبل
فالزواج وسيلة للعفاف وحفظ الأعراض، والمعاكسات وسيلة لهتكها فكيف تغامر العاقلة بشرفها وكرامتها مع من هو مضنة الفسق والفجور، بذريعة الزواج، فهذا تناقض وتهور واضح. تقول إحدى المعاكسات: كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية.. تطورت إلى قصة حب وهمية.. أوهمني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتي.. طلب رؤيتي.. رفضت هددني بالهجر! بقطع العلاقة!! ضعفت.. أرسلت له صورتي مع رسالة معطرة!! توالت الرسائل.. طلب مني أن أخرج معه.. رفضت بشدة..هددني بالصور، بالرسائل المعطرة بصوتي في الهاتف- وقد كان يسجل- خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن.. لقد عدت ولكن عدت وأنا أحمل العار.. قلت له: الزواج.. الفضيحة.. قال لي بكل احتقار وسخرية: إني لا أتزوج فاجرة.. ألا فاعتبري يا أخيه!! وإياك والاغترار بما يردده الغافلات من أن الزواج السعيد لابد أن تسبقه العلاقات الغرامية.. فهذه كلها إيحاءات شيطانية،. تستدرج أصحاب النفوس الضعيفة لتوقعها في الفحشاء والمنكر!
فالحب والمودة بين الزوجين يحصل لإذن الله جل وعلا بعد الزواج ولو لم يتعارف الزوجان على بعضهما بالكلام واللقاء. ثم إن المودة والحب في أي ثقافة من الثقافات القديمة أو الحديثة هما من الظواهر الإنسانية المتجددة، وتجددها يقوم على أساس أخلاقي محض. فمتى كانت المرأة المسلمة على خلق ودين كانت أجدر بحب زوجها بل وحب أهلها جميعهم. وأما ما يروج له دعاة الرذيلة من الإباحية والانحلال فيتناقض !مع هذه الثقافة التي يؤمنون بها ويقررونها في دراساتهم الاجتماعية والنفسية. فتأملي.
وإذا تتبعنا أسباب المعاكسات الهاتفية فسنجد مجملها ينحصر في الآتي:
2- التساهل في تناول الهاتف: وهذا السبب قد يشمل حتى الملتزمات الخاشعات، لأن مجرد الرد على الهاتف والجرأة على الكلام مع الأجانب قد يسقط الأخت المسلمة في شباك الفساق، ولو كانت نيتها حسنة، ذلك لأن الأخت المسلمة قد يستغفلها المعاكس بعذب كلامه لا سيما إذا كان ممن يحسن فن إثارة العواطف، وتعسيل الكلام مع إظهار البراءة والخلق. لذا أختي المسلمة، احذري أن تعرضي نفسك لهذه الفتنة لغير ضرورة. لأنها وإن لم يلحقك الضرر من معاكسة ومعاكستين، فستجدين صعوبة بالغة في مجاهدة فتان ثالث، وقد يخطر ببالك سلوك هذا الطريق والثقة بمن يظهر حسن النية، كالرغبة في الزواج أو الخطبة.
فكم من فتاة بريئة ردت على الهاتف- لا لقصد المعاكسة- فإذا بها تسمع من كذب الكلام وسحره ما جعلها تتردد في زجر المتكلم وإغلاق الهاتف! في وجهه. وبقيت على حالها حتى سقطت في شباك المعاكسة.. بل واللقاء.. والفضيحة.
تقول إحدى الفتيات: كانت والدتي خارج البيت.. ولم يكن في البيت إلا أختي وكانت نائمة.. أما أنا فكنت أطالع دروسي ووجباتي في سكون وهدوء.. وفجأة رن جرس الهاتف.. ولم يكن أمامي إلا أن أرد عليه.. لا لأجل المعاكسة.. ولكن لمعرفة المتكلم.. فقد يكون أخي وقد تكون والدتي.. وإذا بصوت ذئب بشري ينبعث من سماعة الهاتف.. لقد سرق مني عواطفي.. وسحرني بعذوبة كلامه.. ورقة عباراتها.. وإظهاره لحسن النية.. ومعالي الأخلاق.. لقد كان محور كلامه على الشرف والعفاف.. والحب الطاهر البعيد عن أحوال المراهقين.. لقد كان يريدني للزواج.. وإنما تجرأ على مكالمتي ليعبر عن مودته اتجاهي.. فكل كلامه سحر عقلي فلم أجد إلا أن ترددت في الجواب.. وتلعثمت في الرد.. ثم أغلقت الهاتف..
ثم اتصل بي ثانية فوجدتني مهيأة للكلام.. وبدأت أنساب معه فيما يقول حتى أصبحت علاقاتنا لا حدود لها عبر الهاتف. ولم يكن لهذا الأمر أن يحصل لولا أني رفعت السماعة أول وهلة.. وتماديت في سماع الكلام حتى تسلل إلى قلبي ليفتنني. ومن رحمة الله بي.. أن سمع أخي- في مرة من المرات - نص مكالمتي مع ذاك الفاجر فلطمني وزجرني ونصحني.. حتى أفقت من غفلتي وتبت إلى الله! .
أختاه لا تعاكسي *** بهاتف فتنكسي
وتندمي وتلبسي *** ثوب الصغار الأوضع
فغبة المعاكسات *** جميعها تحسرات
فاعتبري قبل الفوات *** والتزمي واستمعي
3- ضعف الإيمان: وغالبا ما تكون "المعاكسات الهاتفية لما ناشئة عن الهوى وضعفه. الإيمان، لا سيما إذا كانت الفتاة هي التي تبادر إلى معاكسة الآخرين فترقم الأوراق برقم هاتفها وترميها في الأسواق أو تلتقطها من الطرقات بعد أن تدرك من المعاكس قصده، بإشارة يدوية أو "بلغة العيون " المعروفة عند الشباب الطائش..
ولا يتصور صدور مثل هذه الحماقة ممن كمل إيمانها واستقامت جوارحها على طاعة الله ورسوله، فقد وصف الله جل وعلا المؤمنين بحفظ الفرج والبعد عن نواقض ذلك. قال سبحانه: (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) )) المؤمنون:1-5
وقال تعالى في وصف المؤمنات (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ )) الأحزاب: 35، ولا شك أن المعاكسات سبيل هتك الأعراض، فلا يصدر إلا من ضعف إيمانه، وهان يقينه وغلبت عليه نار الشهوة وفتنة المعصية!
ألأجل لهو أم لأجل فساد *** عاكست هاتفة بغير رشاد
ترمين من عذب الكلام وسحر *** للسامعين بشهوة وودادي(3/99)
أوما علمت بأن عرضك وقتها *** يشرى لنذل سافل رواد !
وكأن أذنك لم تسمع ما جرى *** لمعاكسات في الضياع تنادي
وستعلمين إذا رماك ذليلة. *** ماذا جنيت "بهتفة" وعناد!!
4- رفقة السوء: وهذا السبب من أكثر الأسباب شيوعاً وتشجيعاً على (المعاكسات) لأن رفيقة السوء، المتمرسة في العلاقات المشبوهة لا يهدأ لها بال إلا إذا أوقعت صديقتها في مغبة ما هي واقعة فيه، فتجدها تزين لأختها معاكسة الشباب، بل وتقترح عليها من تعاكس أو تعطيها رقما هاتفية لشاب طائش.. حتى تقع تلك المسكينة في هذا الفخ المظلم!!
أختي المسلمة: ولا يخفى عليك أن الرفقة السيئة لابد أن تؤثر سلباً على مسارك وأخلاقك، وأن تكسبك من العيوب والرذائل بقدر ما في تلك الصحبة من مساوئ الأخلاق. قال صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة " متفق عليه.
وحدة الإنسان خير *** من جلوس السوء عنده
وجليس الصدق خير *** من جلوس المرء وحده
5- سوء التربية والتوجيه: ففي غياب التوجيه والتربية للفتاه المسلمة.. تنمو الظواهر السيئة والأخلاق المشينة لاسيما في مرحلة الشباب أو ما يصطلح على تسميتها "بالمراهقة . فالتربية الواعية تعرف الأخت المسلمة بمسؤولياتها في الحياة، وتوقفها على أشكال الشر وأساليبه وطرقه، وتعلمها الحذر من الوقوع فيه، وتبين لها طريق الهداية والرشاد وما ينصلح به حالها في الدنيا والآخرة.. وهذا الدور منوط بالوالدين فهما مسؤولان يوم القيامة عن توجيه الأبناء وتحذيرهم من الذنوب والمعاصي، ومنها المعاكسات. فيجب على الأسرة أن تعرف أبناءها لاسيما البنات بخطر هذا الداء، وأن تسرد من قصصه ما يجعل أبناءها يستقذرونه وينأون عن طريقه.
أبي هذا عفافي لا تلمني *** فمن كفيك دنسه الحرام
زرعت بدارنا أطباق فسق *** جناها يا أبي سم وسائم
نرى قصص الغرام فيحتوينا *** مثار النفس ما هذا الغرام؟!
فلو للصخر يا أبتاه قلب *** لثار فكيف يا أبتي الأنام
تخاصمني على أنقاض طهري *** وفيك اليوم لو تدري الخصام
أختي المسلمة: فاحذري- رعاك الله- من هذه الأسباب، واقطعي عنك سبل المعاكسات فإنها حسرات وعذاب، وجاهدي نفسك وأشغليها بما ينفعها من ذكر وتبتل وصلاة وطلب علم وصلة رحم واجتماع على الخير.. فإنك في دار امتحان وابتلاء.. وعمل وجهاد.. وغداً تسألين وتحاسبين.. أمام رب العباد!!
5- إطلاق النظر: فلقد قرن الله جل وعلا الأمر بغض النظر بحفظ الفرج، قال سبحانه: ((وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ))النور:31،. فحفظ الفرج منوط بالبعد عن مواطن الريبة والفتنة، وإطلاق البصر بالنظر إلى الرجال الأجانب من أعظم دواعي الفتنة والشهوة، فتأثيره على القلوب وتحويلها وتحريكها إلى الاندفاع نحو الشهوة والفتنة لا يجهله أحد.. وكلما كانت المرأة مفتونة بالنظر إلى الحرام، في الطرقات والأسواق، كانت نفسها تواقة إلى البحث عن أسباب الشهوة والعلاقات المحرمة، ومن ذلك المعاكسات.
فالنظر المسموم يهيئ في نفسها جموحا إلى تقبل دعوات الفساق سواء عبر الهاتف أو غيره، فلا تجد في نفسها القوة على دفع من يعاكسها في الهاتف! هذا إذا لم تكن هي من تعبث بالمكالمات بحثاً عن علاقة محرمة.
كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها *** كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحباُ بسرور عاد بالضرر
ولذلك فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن النظر المحرم صيانة لعرضها وشرفها فقال: "لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى" رواه أبو داود وهو حسن، وقال صلى الله عليه وسلم: "غضوا من أبصاركم واحفظوا فروجكم " أرواه أحمد وهو حديث حسن،.
والسر في أن النظرة إلى الأجانب تكون سببا في الوقوع في "المعاكسات " هي أن إطلاق البصر يولد في النفس! الخطوات السيئة والرغبات المنحرفة، ثم تتولد بعد ذلك الفكرة، والفكرة تولد الشهوة، ثم تتولد الإرادة فلا يقوى صاحبها على دفعها إلا لإذن الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً *** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** احبس رسولك لا يأتيك بالعطب
أختي المسلمة: واعلمي أن البعد عن النظر المحرم لا يعني فقط غض النظر عن الرجال في الأسواق والطرقات، وإنما البعد أيضا عن أسباب الفتن الأخرى، كالقنوات الفضائية والمجلات الماجنة وغيرها مما يسبب الفتنة عند النظر.
تقول إحدى الطالبات: لي صديقة دعتني يوماً إلى منزلها وفي غرفتها الخاصة، وبعد أن تحادثنا كثيراً عن المدرسة وعن الثياب ثم عن أسماء بعض الروايات الماجنة، رأيت رفيقتي قفزت فجأة وأخرجت من بين ثنايا الثياب شريط فيديو، ثم أحكمت باب غرفتها، وسألتني هل شاهدت فيلماً جنسياً من قبل؟
ذهلت لسؤالها المفاجئ.. ثم لم تنتظر مني الإجابة،
بل وضعت الشريط وأدارت الجهاز فاستدرت أنا وأعطيتها ظهري، وطلبت منها فتح الباب لأنصرف، وقلت لها: هذا ليس من أخلاقي وأخلاقك، ما الذي حدث لك!! فلم تجبني، فقامت ووضعت يدها على كتفي وأدارت وجهي وهي تقول: افتحي عينيك لقطة واحدة فقط!! هيا افتحي عينيك أرجوك!!
وفتحت عيني وليتني لم أفعل.. شاهدت أمراً مهولا رهيباً، وشعرت كأن مسماراً ملتهباً دخل من رأسي إلى عيني وشعرت بقبضة في صدري.. فصرت لا أنام الليل.. وأخذني الهم والسهر والحزن .
فتأملي أختي المسلمة فيما أصاب هذه الطالبة من تحول! رهيب في نفسها حتى أسهرت ليلها وهي تفكر فيما رأته من المشاهد الخليعة... ولا شك أن مثل هذه الآثار تولد في النفس رغبة قاتلة... وتضعفها أمام أدنى محاولة من معاكس سافل فتأملي!!
7- التبرج والخروج لغير حاجة: ولأن التبرج دليل على انحلال من تتصف به، وبعدها عن الحياء والحشمة فإن السفلة من المعاكسين يطمعون في الكلام مع المتبرجات، أشد من طمعهم في غيرهن، فلو لم ير المعاكس عنوان الفسق في لباس المرأة لما تجرأ على معاكستها ومحاولة الإيقاع بها في أحضان الرذيلة.
لذا- أختي المسلمة- عليك أن تصوني عرضك بالحجاب، وأن تلتزمي بالحشمة والوقار فإن ذلك يدفع عنك المعاكسات، ويجنبك الوقوع في الفتن والمحرمات.
إن الرجال الناظرين إلى النسا *** مثل السباع تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها *** أكلت بلا عوض ولا أثمان
وأما الخروج لغير حاجة فإنه مضنة الوقوع في الفتن، لاسيما إذا تخلله البعد عن الحياء، ولذلك فقد قرر الإسلام أن لزوم المرأة في بيتها هو المخرج من الفتنة والكفيل بإبعاد الفتنة عنها وعن المجتمع، وكلما لزمت الأخت المسلمة بيتها كانت آمنة من حيل المعاكسين، الذين يتربصون في الأسواق والطرقات، ويتفننون في التعريف بأرقام الهواتف أو استخراجها من الأطفال والجيران. قال تعالى:(( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب:33(3/100)
8- الفراغ: وليس الفراغ في حد ذاته سبباً في الوقوع في المعاكسات، وإنما الفراغ المقترن بالغفلة، فإذا غفلت المرأة المسلمة عن ذكر الله جل وعلا، وأفرغت نفسها لخواطر النفس ووساوس الشيطان أصابها الضعف والهوان، وأصبحت رهينة شهواتها وملذاتها.. ولذلك فقد قرن الله جل وعلا بين الغفلة واتباع الهوى فقال: (( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً )) الكهف: 28،.
أختاه: اعلمي أن الفراغ نعمة من النعم العظيمة.. لو عرفت كيف توظفينها في الخير لكانت لك فوزاً في الدنيا وذخراً يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " رواه البخاري.
بادر شبابك أن تهرما *** وصحة جسمك أن تسقما
وأيام عيشك قبل الممات *** فما قصر من عاش أن يسلما
ووقت فراغك بادر ربه *** ليالي شغلك في بعض ما
فقدم فكل امرئ قادم *** على علم ما كان قد قدما
9- تأخير الزواج: وكثيراً ما يكون الآباء سبباً في دفع بناتهن إلى اقتفاء طريق المعاكسة والمغامرة بأعراضهن من أجل الزواج. ذلك أن الأب إذا كان ممن يرفض تزويج بنته لأسباب تافهة فإنه بتصرفه ذاك يحرمها من السكينة والتحصن، وقد يدفع بها إلى مهاوي الفساد والهلاك
تقول أخت أن كانت ضحية والدها:
إنني أعاني أشد المعاناة، وأعيش أقسى أيام حياتي، ذبحني والدي بغير سكين، ذبحني يوم حرمني من الأمان والاستقرار والزواج والبيت الهادئ بسبب دريهمات يتقاضاها من مرتبي آخر الشهر، يقتطعها من جهدي وتعبي وكدي!!
وهذه الأخت: أخذ الشيطان بيدها إلى الرذيلة، وساقها إلى الشر، فأخذت تعاكس وتتكلم مع الشباب والرجال في الهاتف، حتى أصبحت سمعتها في الحضيض بسب رفض أبيها لزواجها (1).
ألا فليتق الله الآباء في بناتهن، وليبعدوهن عن أسباب الفتنة والضياع، لا سيما في هذه الأزمان، حيث كثرت الفتن وأصبحت نساء المؤمنين أضعف عن مواجهة زلازل الشهوة وبراكين الفتنة، فكل أب مسؤول-عن ابنته ولا يجور له أن يقذف بها إلى مسار المعصية بحرمانها من الزواج والعفاف، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض "..
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: " ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فلإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهله، وهو مسؤول عن رعيته ".
وقال صلى الله عليه وسلم "لا يسترعي الله تبارك وتعالى عبداً رعية قلت أو كثرت إلا سأله الله تبارك وتعالى عنها يوم القيامة، أقام فيم أمر الله تبارك وتعالى أم أضاعه، حتى يسأله عن أهل بيته خاصة" !رواه أحمد،.
أبى هذا العتاب وذاك قلبي *** يؤرقه بآلامي السقام
أبي حطمتني وأتيت تبكي *** على الأنقاض ما هذا الحطام
أبى لا تغض رأسك في ذهول *** كما تغطيه في الحفر النعام
لجاني الكرم كاس الكرم حلو *** وجنى الحنظل المرء الزوام
أثارها ومخاطرها
آثار المعاكسات عظيمة، ومخاطرها في المجتمع وخيمة وأهمها:
1- شيوع الفاحشة: فمهما كانت مسوغات المعاكسة أو المعاكس، فإن نهاية هذا البلاء لا يمكن أن يكون إلا الفاحشة والرذيلة، لأن المعاكسة شرعة في حكم الخلوة، ومما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو: الموت " !رواه البخاري،.
والحمو هو قريب الزوج فإذا كان دخوله على زوجة أخيه والخلوة بها محرماً وإيذاناً بهلاك الأسرة والحياة الزوجية فكيف بالأجنبي البعيد.
لا يأمنن على النساء أخ أخا *** ما في الرجال على النساء أمين
إن الأمين وإن تعفف جهده *** لابد أن بنظرة سيخون
ولو تتبعنا قصص التائبات من المعاكسة والتائبين لوجدن أغلب الحالات قد انتهت بالفسق والفجور ودمار الأعراض.
2- دمار الأسر: فكثيرة هي حالات الطلاق بسبب بلاء المعاكسات، فهناك من يستغل غياب الزوج ورقابته ليعاكس أهله وقد تكون الزوجة ممن تتساهل في الردود أو ممن تهوى العبث واللعب بالمعاكسات فتبادل ذاك المعاكس الكلام- لا لقصد الفاحشة- ثم تتطور الأمور حتى يبلغ الخبر إلى زوجها فيحدث الطلاق!! بل قد تكون المعاكسات سبباً في الطلاق حتى بعد التوبة من ذلك.
يقول أحد المعاكسين: أنا وسيم جداً، كنت أطارد النساء أينما" حللن وكانت لي مغامرات لا يعلم بها إلا الله.. وهذه المغامرات التي فتحت لي اليوم أبواب المشاكل وعصفت بنفسيتي وجعلتني أستعيد كل لحظة عشتها مع إحداهن فحياتي الزوجية مهددة بسبب تلك العلاقات.. وعندما قلت سابقا أنني أستعيد كل لحظة مع إحداهن.. فإنني أقولها حقيقة بمرارة كبيرة، لأنني أتصور زوجتي الآن تمارس نفس الدور وأن حركة يدها في السوق مثلا: تعني شيئاً لواحد ينتظرها.. أو أن لفتتها.. حتى لو كانت عفوية في السيارة تعني شيئاً.. بل أكثر ما يطحن في نفسي هو أنها إذا أمسكت بسماعة الهاتف وتحدثت لإحدى أخواتها أو صديقاتها... إلخ. أظل ساكناً متابعا لكل كلمة تنطقها.. وكثيراً ما جلست أحلل كلماتها ومعانيها.. إذا إنها ربما تعمل مثل صاحباتي السابقات اللاتي كن خط ثن معي على أنني إحدى زميلاتهن أو صديقاتهن ودوماً يكون حديثهن مؤنثا. مثلا: "ما تدرين يا فلانة " كل هذا وغيره كثير مما أواجهه مع نفسي.. ولا أدري ماذا أصنع حيال هذا الموقف العجيب.. الذي أعيشه. إن بي رغبة في أن أريح نفسي من هذا العناء إلى درجة أنني فكرت في تطليق زوجتي وهو الحل الأسلم الذي أراه أمامي.. وفكرت بعد طلاقها أن لا أتزوج بعدها، .
وهذا الأخ لم يرجع من رحلة المعاكسات بغير الوساوس المدمرة لعرى الأسرة!! وقد كان ينتابه الوسواس الذي يذكره الشاعر بقوله:
يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً *** طرق الفساد فأنت غير مكرم
من يزن في قوم بألفي درهم *** في أهله يزني بربع الدرهم
إن الزنا دين إذا استقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
ناهيك عما في المعاكسات من تضييع للأعمال والأوقات، والوساوس والحسرات، وإهدار الأموال والطاقات، والعبث بالعرض والشرف والسمعة، وعرضه للتهتك والضياع.
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عريان وإن عاش كاسيا
وخير خصال المرء طاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيا
العلاج
أختي المسلمة: لقد تبين لك ما لظاهرة المعاكسات من نتائج سلبية على الأعراض والأسرة والمجتمعات وعرفت ما تسببه من المهالك والجنايات.. والأضرار والعقوبات، وهذا كله يدفع المرأة العاقلة أن تنهج سبل الوقاية من هذا الداء وأن تبحث لذلك الدواء.
واليك بعض النصائح والتوجيهات التي تعينك على ذلك:
1- تقوى الله ومراقبته: إن تقوى الله جل وعلا مفتاح كل خير ووقاية من كل شر، قال! تعالى: ((وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ))البقرة: 282، فمن اتقى الله باجتناب المحارم وأسبابها وأداء الفرائض في أوقاتها وقاه الله كل شر وعلمه طرقه وأسبابه وجنبه عقوباته وعذابه، فإن التقوى تولد في النفس الحياء من الله ومراقبته، فإذا لبست المسلمة ثوب الحياء، فهي على خير عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الحياء خير كله " رواه مسلم، والحياء هو أساس الحشمة والعفة.
إذا لم تخش عاقبة الليالي *** ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء(3/101)
2- الاستعفاف: فإنه خير معين على كبح الشهوة وجموحها، وخير مفتاح لباب الفرج، فإن الجزاء عند الله من جنس عمل صاحبه، وكلما كنت أختي المسلمة- حيية عفيفة سهل الله لك طريق الزواج والسكينة وما ذلك على الله بعزيز، فقد وعد بذلك في كتابه الكريم فقال: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } [النور: 33].
فإذا أتاك- أختي المسلمة- من ترضين دينه وخلقه فتزوجيه, يكن لك عونا على الدين والدنيا ولو كان فقيرا ، قال صلى الله عليه وسلم " حق على الله عون من نكح التماس العفاف عما حرم الله . وقال صلى الله عليه وسلم " ثلاثة حق على الله تعالى عونهم : المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء ، والنكاح الذي يريد العفاف ".
3- - مرافقة الخيرات الطيبات: لأن الرفقة السيئة من أعظم أسباب الوقوع في المعاصي عموما والمعاكسات خصوصا - كما سبقت الأشارة إليه
أما مرافقة الطيبات فإنها تعين على كل خير، وتدل على ما فيه صلاح الدين والدنيا، وتبذل النصح والمعروف، وتنكر القبيح والمكروه.
أنت في الناس تقاس *** بمن اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلو *** وتنل ذكراً جميلا
4- البعد عن أسباب الإثارة: كإطلاق النظر على الرجال المحارم، وسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات الماجنة، والمجلات الساقطة، فكل هذه الأمور تهيج الشهوة وتثير الغريزة وتشجع على الفساد والانحلال ، فهي من أعظم ما يوقع في شراك المعاكسات .
لذا - أختي المسلمة - فإن البعد عنها يقطع الطريق على المعاكسين ، ويولد في النفس قوة إيمانية تستطيع مواجهة فتنتهم وحيلهم . وبالله التوفيق .
5- الاشتغال بما يعود على النفس بالنفع، فإن الغفلة هي سبب كل بلاء , وكما كانت الفتاة المسلمة لاهية عن ذكر الله أوقعتها غفلتها في مواطن الفتن والريبة لأن الشيطان يتقوى في الغفلات فإذا ذكر الله خنس وانتكس
وأم ما ينبغي لك - أختي المسلمة ـ الانشغال به ذكر الله جل وعلا، وتلاوة القرآن، ومطالعة الكتب النافعة، والدروس المفيدة، فإنها من مقويات الإيمان، ومجددات العزيمة، قال تعالى: ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) [الرعد: 28]
ولأن الله جل وعلا قد وعد من حفظه بطاعته والمسارعة إلى فضله بالحفظ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك "
فاحفظي أخية نفسك بطاعة الله يحفظك من كل سوء وبلية.- وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=-==============
فكار متنوعة
• إن مثلك أيتها المعلمة تعرف ثمن وقتها جيداً ومدى خطورة تضييعه . يمكنك في أوقات الفراغ في المدرسة أخذ كتاب نافع وقراءته على زميلاتك في الغرفة أو عل الطالبات في حصص الاحتياط وأوقات الفراغ .
• حاولي توسعة صدرك . واسألي الله عز وجل العون على ذلك واستمعي لمشاكل زميلاتك وصديقاتك. فذلك باب واسع جداً للدعوة إلى الله تعالى . وكوني لمحدثتك منصته مصغية . وقدمي لها توجيهاتك ونصائحك المستمدة من الكتاب والسنة بطريقة علمية جيدة لتظهر آثارها . وحاولي أن تسأليها بين وقت وآخر كيف وصلت في حل مشاكلها وأي طريقة سلكت وصبريها وذكريها بوعد الله عز وجل وأنه قريب ممن دعاه ولجأ إليه .
• قصص مؤثرة زخرفت واقعنا . ونقشت فيه أسمى معاني الإيمان الصادق واللجوء إلى الله عز وجل . وسطرت مواقف من أروع ما يكتبه البنان ويسير به المداد. رددي على مسامع طالباتك وزميلاتك مثل هذه القصص . واسرديها بشكل مؤثر جذاب . ثم سليهم بعد ذلك . ماذا استفدت من هذه القصة. وهل لمست فجوة في حياتنا . وعلى أي شيء عزمنا بعدها .
• خمس وأربعون دقيقة تجلس فيها عدد من الطالبات قد يتجاوز العشرين طالبة . ليس لديهن درس يسمعنه . ولا عمل يقمن به إنها حصص الاحتياط . التي تذهب غالباً هدراً وهي ربي من أعظم فرص الدعوة للطالبات . فيا ترى ماذا تفكر معلمة مثلك تعرف واجبها وتحمل هم دينها أن تصنع فيها.
• تحدثي مع الطالبات واستمعي إلى قراءتهن للقرآن الكريم وحسن أصواتهن والتنبيه على الأخطاء .
• كتيب تطلبين من إحداهن قراءته بصوت عالي واضح مع بعض التعليقات من الطالبات أو منك .
• وزعي على الطالبات بعض المطويات النافعة والكتيبات والأشرطة التي يجب أن لا تخلو منها حقيبتك كداعية إلى الله .
• اختبري الطالبات بمواقف طريفة من حياتهن . وانظري كيف يتصرفن فيها . شجعي التصرفات السليمة .. وصححي الخاطئة . مثلاً .
عدت اليوم من المدرسة . وفتحت الباب المنزل . فاستقبلك صوت المذياع بالأغاني والموسيقى الصاخبة . إنها أختك الصغرى تسمع الغناء وترقص عليه . ماذا تصنعين ؟!!
• لا تنسي أن الصحابيات هن أسوة وقدوة . وسلفنا الذي نفتخر به .. فليكن حديثك عنهن وعن مواقفهن الخالدة ديدنك في كل شيء وفي كل موضوع تتحدثين عنه أو تقومين به .
• اطلبي منهن بعض الطرائف والنوادر . لا شك أنك ستجدين النكت المعروفة بالكذب . وجهي الطالبات إلى إن هذه النكت من المحرمات لما فيها من الكذب والسخرية . وقولي لهن موقفاً طريفاً حصل لك أو لأحد من معارفك دون ذكر أسماء واطلبي منهن مواقف طريفة لهن. حتماً ستجدين كماً هائلاً يروح عن الجميع . ويبهج القلوب ودون كذب .
• اسألي الطالبات عن بيت شعر يحببنه . واسأليها لماذا أحبته : وما معناه . وماذا يمثل لها .وبعد ذلك وجيهيهن للأفضل والأحسن والأنفع .
• ليكن من ضمن حديثك سؤال . ماذا تتمنين في المستقبل إن أحياك الله عز وجل وأطال عمرك . مع الوقوف على سبب هذه الأمنية وما هدفها منها . وعرجي على واجب الفتاة ومسئوليتها وسر وجودها على ظهر هذه الأرض واستفسري هل منكن من ترغب أن تكون داعية . قد تقول قائلة وما معنى داعية ؟!! هنا . تختلج الكلمات في قلبك وتتمازج الصور المشرقة والمواقف المشرقة والعزيمة الصادقة لترسم صورة هي أجمل صور الإنسان . وجه مضيء و إشراقة متلألئة . أخلاق تمشي على الأرض . جسد يحمل هم الإسلام إنها الداعية تحب الناس جميعاً وتنشر الخير في كل مكان وتذهب إليه . وهكذا ترغبينهن فيمثل هذه الأمنية . وتحثيهن على حب أمثال هؤلاء .
• ذكر الله عز وجل غنيمة باردة به تطمئن القلوب وتنال الدرجات عند الله عز وجل ..فلماذا لا تذكريهن بفضل هذه الطاعة العظيمة . وتذكري لهن بعض الأذكار وفضلها مثل (( سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم )) و(( سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله )) أجري بينهن مسابقة من تستطيع أن تحدد كم مرة يمكننا أن نقولها في الدقيقة الواحدة .. واتركي لهن فرصة التجربة ثم بعد ذلك .. قولي لهن أرأيتن أننا يمكننا تحصيل خير كثير وأجر عظيم في دقيقة واحدة فقط كيف بحصيلة عمر كامل .
• فجري المواهب لدى الطالبات فهناك الكثير منهن يملك فنون ومواهب عظيمة تستغل استغلالاً عظيماً في الدعوة إلى الله كالرسم والخط والكتابة والخطابة والإلقاء والإرشاد والنقش والفن التشكيلي و الألوان والشعر والقصص والخواطر . لماذا لا تحاولي تنمية هذه المواهب وتوجيهها إلى ما فيه الخير والصلاح لهن ولمجتمعهن .. وتشجيعهن على ذلك .. وتستمعي إلى بعض إنتاجهن .(3/102)
• أختي المعلمة .. اطرقي كل أبواب الخير .. ولا تحقري من المعروف شيئاً . هل فكرت يوماً أن تذهبي في أوقات الفراغ لديك في المدرسة إلى العاملات وتحدثيهن وتسألي عن أخبارهن وصدقيني ستجدين في عقول أولاء بعض العقائد الفاسدة والمصطلحات المحرمة حاولي تغييرها بأسلوب جيد مقبول ومن ثم لا تبخلي عليهن سورة من قصار سور وكذا الفاتحة . علميهن الصلاة وطريقتها الصحيحة بأسلوب سهل مرح حتماً ستجدين نتيجة ذلك ولا شك .. ثم استرسلي معهن بتعليم بعض الأذكار الشرعية .
لا إله إلا الله أيتها المعلمة .. والله الذي لا إله إلا هو إن هذا المجال واسع جداً . وزاخر جداً غفل عنه الكثيرات ممن في أنفسهن الخير والسعي إليه بل والدعوة إليه بشتى الطرق .
• إن داعية مثلك غيورة على محارم الله أن تنتهك لابد لها من حصيلةٍ من علم تعينها بعد توفيق الله على الدعوة والإصلاح فلا تهملي نفسك في خضم مشاغلك واهتمامك من تزويدها بالعلم النافع والقراءة المفيدة في كتب أهل العلم من تفسير للقرآن الكريم أو جولة في رحاب أحاديث المصطفي صلى الله عليه وسلم . ولا تنسي أختي المعلمة الداعية أن الكلام المحلى بآيات عذبة من كتاب الله عز وجل وأحاديث من أقوال المصطفي صلى الله عليه وسلم وأقوال بعض السلف الصالح يقع تأثيره في القلب أكثر من غيره ويجد قبولاً أكثر من الكلام الخالي من ذلك .
• ألحي على الله عز وجل بالدعاء لك بالتوفيق والسداد والهدى والرشاد وأن يرزقك الحكمة فهي من أهم سمات الداعية إلى الله تعالى وادعي لمن حولك بالهداية والصلاح ولا تيأسي لأن القلوب بين يدي الله يقلبها كيف شاء سبحانه وتعالى .
المصدر كتاب أفكار دعوية للمعلمات
==============
ما لا يعرفه السعوديون ...عن أبناءهم ؟!
فوزية الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
تشير بيانات التركيب العمري للسكان السعوديين إلى أن نسبة الأطفال في السعودية ممن يبلغ عمرهم 14 عاماً أو أقل تصل إلى 49.23 في المائة من إجمالي عدد السكان السعوديين حسب آخر تعداد, فهؤلاء إذن يتأهبون لعبور العشر سنوات الأولى من القرن الواحد وعشرين ,و هنا تكمن الخطورة ويبرز دور حماية الطفولة في السعودية لأنهم نتاج المجتمع, وصورته المشرقة ..فنرى ( العمالة منتشرة بين الأطفال - التسيب المدرسي -العنف الأسري والمدرسي- العنف الجنسي- الوضع الصحي السيئ-انتشار الفقر ,....)
الوضع الصحي للأطفال:
لا يوجد في السعودية مشافي تكفي مخصصة للأطفال , والمشافي الموجودة تعاني من ضغط كبير ,وأمراض مستعصية باتت حقائق علمية منها :
* فقر الدم المنجلى والثلاسيميا : مشكلة صحية في المملكة العربية السعودية، والإحصائيات تبين أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال، تعاني من هذه الأمراض التي تشكل عبئاً صحياً واجتماعياً واقتصادياً على أي مجتمع وتصل النسبة لحاملي الأمراض الوراثية في السعودية إلى %25.(مجلة المجلة 6-4-2005)
* السرطان فيصاب سنوياً 1000 طفل بالسرطان في السعودية ( مجلة أطفالنا عدد5)
* التوحد : فإنه ما لا يقل عن 000، 30 حالة توحد ولا تزيد في معظم الأحوال عن 42500 حالة في المملكة ( جريدة الجزيرة 14سبتمبر 2002)
* السمنة والقلب : أكثر من 3 ملايين طفل في السعودية يعانون من أمراض السمنة بنسبة تصل الى طفل لكل خمسة أطفال. هؤلاء الأطفال عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة والمزمنة خاصة أمراض القلب التي تبلغ نسبة الإصابة بها 61 في المائة (.الشرق الأوسط 14-5-1426)
* متلازمة داون: أكدت إحصائية صادرة من الجمعية الخيرية للتربية والتأهيل ارتفاع النسبة بهذا المرض في المملكة الى طفل واحد بين كل 550 طفلاً (جريدة الرياض عدد 13037)
مياه الشرب المأمونة لاتتوفر في كثير من المدارس ,تلاميذ المدارس يعانون من فقر د م ناتجة عن سوء التغذية , علاوة على التلوث البيئي للهواء , ووجود المدن الصناعية التي تطلق انبعاثات خطرة وسامة على المدى الطويل مثل الجبيل وينبع, المنشأ ت ومنها أبراج محطات الجوال توجد ضمن التجمعات السكنية ومخالفة للمخطط التنظيمي وأن تأثير هذه الأنبعاثات على الأطفال أشد من الكبار وأخطر0!!!!!
الوضع التعليمي : لاتزال نسبة الانتظام في المدارس ففي تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة ( اليونسيف) أن نسبة الانتظام الصافي في المدارس الابتدائية للذكور والإناث في السعودية 56% خلال الفترة من 1992م-2002(نقلاً عن أمان)
العنف ضد الأطفال: ففي دراسة لوزارة الداخلية أن 21% طفلاً يتعرضون للعنف بشكل يومي, 24% من حين لآخر (جريدة الوطن عدد1175)
أوضحت دراسة استطلاعية حديثة بمدينة الرياض أعدتها الدكتورة منيرة بنت عبد الرحمن آل سعود بعنوان "إيذاء الأطفال.. أسبابه وخصائص المتعرضين له" وتبين نتائج الدراسة أن أكثر أنواع إيذاء الأطفال التي تعامل معها الممارسون هي حالات الإيذاء البدني بنسبة تصل إلى 91.5% ويليها حالات الأطفال المتعرضين للإهمال بنسبة 87.3% ثم حالات الإيذاء النفسي، ويليها الإيذاء الجنسي، ثم من يتعرضون لأكثر من نوع من الأذى من هذه الحالات التي تعامل معها الممارسون في المستشفيات .
وفى دراسة قام بها الدكتور على الزهرانى قال: اننا لو أضفنا الذين تعرضوا لإصابة داخلية (غير الوجه والكفين) أو الذين يتعرضون للضرب الغير مبرح ولو كانوا كذلك لزادت النسبة عن ال50% ولكننا حرصنا في البداية أن تكون النسبة معقولة ومقبولة من قبل أفراد المجتمع ، ومع ذلك كانت النسبة عالية مقارنة بالدراسات الأجنبية ؟؟؟ قام بها (د .على الزهرانى مستشفى الأمل فى الرياض)
الهروب من المنزل: أما في السعودية فتشير إحصائيات وزارة الداخلية إلى أن إجمالي حالات الهروب والتغيب المبلغ عنها(3285) من الجنسين, عدد الإناث(850) (جريدة الوطن عدد1537).
العنف المدرسي:
* ضعف العلاقة بين المدرس والطالب: وفي دراسة للنغيمشي 1415هـ على عينة من ( 1560 ) طالبًا وطالبة في المدارس الثانوية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية اتضح أن المراهقين في عمر ( 16 ـ 17 ـ 18 ) سنة يعزفون عن استشارة أساتذتهم والاسترشاد بهم . . وهذا يشير إلى الاستقلالية التي يطمح إليها المراهقون من وجه، وإلى الغربة والجفوة التي يعيشها المراهقون وسط المجتمع بسبب منهم ومن ذويهم ومدرسيهم من وجه آخر
* الصحبة السيئة فى المدرسة: بينت دراسة القحطاني 1414هـ أن أبرز مصادر الثقافة الانحرافية لدى الأحداث المنحرفين هم الأصدقاء , وفي الدراسة التي أجراها المطلق 1409هـ على دار الملاحظة بالقصيم ظهر أن نسبة ( 73% ) من الأحداث قد ارتكبوا أفعالهم الانحرافية بمشاركة آخرين .
* نقص التمويل فى المدارس: رغم تعاظم حجمه بشكل لم يسبق له مثيل فالميزانيات المخصصة للتعليم لا تفي باحتياجات التطوير المنشود. فما ينفق على التعليم للفرد لا زال أقل من المعدلات الدولية في الدول المتقدمة. حيث تنفق على الطالب في مرحلة التعليم الأساسي . اليابان, 6959.8, والولايات المتحدة الأمريكية 4763,4 .والسعودية 1337.6 دولار.(3/103)
ظاهرة التسول : فيضطر كثير من الأطفال بسبب انقطاع فرص العمل عنهم الى التسول لتأمين لقمة العيش, وجاء في تقرير( لجريدة الرياض عدد شباط 6 - 2005): إنها قامت بجولة في موسم الحج على الأطفال المتسولين, فوجدت أن دخلهم يتراوح بين(1000-2000) يومياُ؟!! هذا في مكة,أما في جدة كما نقلت (الشرق الأوسط عدد19أيلول 2005) فإن مركز إيواء الأطفال المتسولين التابع لجمعية البر رحّل (1933) طفل متسول وأعاد(1188) إلى أسرهم منذ إنشائه!!
الأطفال اللقطاء : ففي المملكة عدد الأطفال اللقطاء المكتشفين عام2002 هو (278) طفل (الشرق الأوسط عدد 17 كانون الثاني 2004)
الوفيات في الأسر الفقيرة: وقد وجد ارتفاعاً في معدل وفيات الأبناء وسط مجموعة أسر الفقيرات حيث بلغ متوسط الأبناء الذي توفوا من بين الأبناء المولودين أحياء 2.63 طفلاً الإجمالي أفراد العينة ، ووجدان من بين كل أربع من الأسرة المبحوثة شخصاً مريضاً ( المشكلات الاجتماعية للمرأة الفقيرة في المجتمع السعودي, الجازي الشبيكي)
فقدان المعيل: وصل عدد النساء السعوديات اللواتي هجرهن أزواجهن هذا العام 2006 إلى نحو خمسة آلاف امرأة، وذلك وفقا لما كشفته مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية وفقاً للإحصاءات المبدئية لوكالة الضمان الاجتماعي المعتمدة على أعداد الحالات المستفيدة اقتصادياً من الضمان ) 13-9-2006العربية.نت)
جرائم الإنترنت في المجتمع السعودي.:
* الأطفال (12 سنة فأقل ): يقوى احتمال ميلهم لارتياد مواقع غسيل الأموال (7.54)، ارتياد مواقع المخدرات (7.12)، التزوير (5.80)، ارتياد مواقع الجريمة المنظمة (5.51)، لعب القمار (4.03)، الاستيلاء على البطاقات الائتمانية (3.68)، إنشاء المواقع السياسية المعادية (3.25)، انتحال الشخصية (2.84)، تدمير المواقع (2.37)، إنشاء المواقع الجنسيّة (2.20)،
* المراهقة ( 13-17سنة): يقوى احتمال ميلهم لارتياد مواقع الجريمة المنظمة (1.88)، إنشاء المواقع السياسية المعادية (1.87)، لعب القمار (1.50)، الاستيلاء على البطاقات الائتمانية (1.47)، الاعتداء على البريد الالكتروني (1.44)، التزوير (1.39)، اختراق الأجهزة الشخصية (1.31)، إنشاء المواقع الجنسيّة (1.23)، انتحال الشخصية (1.19)، إنشاء المواقع المقرصنة (1.18)، تدمير المواقع (1.14)، ارتياد مواقع غسيل الأموال (1.09)، ارتياد المواقع الجنسيّة (1.08)، وأخيراً إنشاء مواقع للتشهير بالآخرين (1.06).( المنشاوى للدراسات والبحوث)
حوادث السير :على امتداد الثلاثين سنة الماضية سجلت الإحصاءات الرسمية بالمملكة العربية السعودية نتيجة الحوادث المرورية الأرقام التالية:
عدد الحوادث (1551326) مليون وخمسمائة وواحد وخمسون ألفا وثلاث مئة وستة وعشرون. وأن عدد المصابين بلغ (588084) خمسمائة وثمانية وثمانين ألفا وأربعة وثمانين، بينما بلغ عدد المتوفين (78467) ثمانية وسبعين ألفا وأربعمائة وستة وسبعين. كما سجلت الإحصاءات الرسمية ما يقرب من 4000 وفاة سنويا، وتتركز الخسائر البشرية في فئة الشباب، إذ يصل الفاقد إلى نحو40 % من هذه الفئة وهو ما يعني أن خسارة فادحة تقع في شريحة الفئة المنتجة في المجتمع. وبأن ثلث أسرة المستشفيات مشغولة بمصابي الحوادث. وأكثر من نصف الحوادث المرورية في المملكة بسبب السرعة وقطع الإشارة.(جريدة الجزيرة 16رمضان 1424) هذا ويقبل أبناء المملكة على التفحيط والذي بدوره ساهم في خسائر لهذه الشريحة؟؟!!
تهريب الأطفال: (يشكل تهريب الأطفال إلى السعودية قلقاًَ بالغاًَ للحكومة اليمنية التي نفّذت دراسة ميدانية حول هذا الموضوع كشفت فيها أن الفقر يقف عاملاً رئيساَ وراءها, وصدر تقرير عن منظمة اليونيسيف : يؤكد أن خمسين ألف طفل وطفلة يمنيين تتراوح أعمارهم ما بين(7-18) سنة هُرِّبوا خلال العام الماضي). صحيفة بترا عدد 8 أيار 2005.
الجانحون : تظهر جميع الدراسات التي أجريت على الأحداث المنحرفين في المملكة العربية السعودية تُظهر أن السرقة تعد الجنحة الأولى في قائمة الجنح التي ارتكبها الشباب بالسعودية وذلك بنسبة ( 35% ) تقريبًا . يلي ذلك في قائمة الانحرافات المضاربات والاعتداء على الآخرين بنسبة لا تقل عن ( 20% ) ثم يلي ذلك الانحرافات الأخلاقية بنسبة تصل إلى ( 15% ) ثم تتسلسل بقية الجنح مثل المخالفات المرورية والهروب من المنزل وقضايا المخدرات ( العربية نت كانون ثاني 10-2006)
الإيداع في دور الملاحظة: وقد كشفت إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية أخيرا عن إيداع 126 طفلا في دور الملاحظة الاجتماعية لارتكابهم جرائم قتل؟!!. ) صحيفة دنيا الوطن الأربعاء 9 نوفمبر 2005) وتشير إحصائية حديثة لوزارة الشؤون الاجتماعية السعودية عدد الأحداث الذين استضافتهم الدور والمؤسسات الاجتماعية بالبلاد والبالغ عددها 22 دورا ومؤسسة خلال العام الماضي، إلى أكثر من 14 ألف حدث، منهم 11804 أحداث يقيمون بدار الملاحظة الاجتماعية1109 فتي (العربية نت كانون ثاني 10-2006 )
وسائل الإعلام : فقد أثبتت دراسة السد حان 1415هـ عن ما يشاهده الأحداث المنحرفون في وسائل الإعلام أن نسبة ( 6 . 7% ) فقط يشاهدون برامج توجيهية ( دينية، ثقافية، علمية ) في حين نسبة ( 51% ) يشاهدون البرامج الرياضية، بينما ( 2 ,64% ) يشاهدون برامج مثيرة ( أفلام ـ مسلسلات ـ مسرحيات ) . أما ما يتعلق بنتائج الفئة السوية فنجد أن نسبة ( 83 . 3% ) يشاهدون برامج توجيهية ( دينية ـ ثقافية ـ علمية ) في حين يشاهد ( 49 % ) منهم برامج رياضية، بينما يشاهد ( 35 . 8% ) منهم برامج مثيرة ( أفلام ـ مسلسلات ـ مسرحيات ) .
شغل المراهقين بالعمل وملء أوقات الفراغ : تشير الدراسات أن فئة الشباب في المملكة العربية السعودية تمتلك قدرًا لا يستهان به من وقت الفراغ سواء في أيام الدراسة أو أيام العطل الأسبوعية ( الخميس والجمعة ) ففي الدراسة التي أجراها عددٌ من الباحثين اتضح من خلالها أن نسبة ( 60% ) من أفراد العينة يمتلكون وقت فراغ يزيد على ساعات يوميًا، أما أيام عطلة نهاية الأسبوع ( الخميس والجمعة ) فترتفع ساعات الفراغ لدى الشباب لتصل إلى 6 ساعات يوميًا . (خالد الجريسي الرياض في 23/3/1420هـ)
أبناء المدمنين : أفاد تقرير إحصائي حديث لمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض بأن عدد مراجعي الإدمان على المخدرات الذين راجعوا المجمع خلال العام 1426 وصل الى ( 11537) مراجعاً،(جريدة الوطن 1679)وهذا التقرير ليشير عن أعداد الذين رغبوا فى العلاج وسجل المجمع حضورهم ,ولكن لايشمل هذا العدد الكبير أيضاً الذين يقبعون فى بيوتهم دونما أدنى رغبة فى العلاج؟؟ وللأسف أنه هناك شريحة فى عمق المأساة , وهم أبناء المدمن نفسه!! والذين يدورون فى فلكه!! فيتلقون الصدمات من جراء تعاملهم مع المدمن الذى بحسب أبوته يبقى صاحب السلطة العليا فيهم!!ومن جهة أخرى يواجهون نظرة المجتمع القاسية لهم؟؟؟علاوة على عدم حصولهم على غطاء أمنى لحمايتهم من إيذاء المدمن؟؟؟.
هذا هو واقع أبناءنا بالأرقام فماذا نحن فاعلون؟
هذه هي قضايانا الواقعية وهمومنا الفعلية,ومسؤولياتنا المهمشة!!
فأين جمعياتنا النسوية اللواتي استرقونا بالعنف ضد المرأة ,بأرقام لاتصل بحال لما عليه واقع الطفولة من مرض, وفقر, وانحراف,...؟؟
أين مفكرينا الذين أنهكونا بالحديث عن الديمقراطية والأجندات العالمية؟؟؟
أين مربونا الذين أنسونا بالحديث عن العولمة وأسفا فات الجندرة؟؟؟(3/104)
أين رياضيونا الذين أشغلونا بأهداف المونديال.. فأضعنا أهدافنا ؟؟؟
وأخيراً...الى كل ضمير مواطن في قلب السعودية ..والسعودية في قلبه؟؟
==============
خذي جلد الثعبان .. واتركي باقيه!
هذه رسالة مؤثرة من القارئة المخلصة صدى الأسلمي جزاها الله خيراً توجهها لكن جميعاً:
( لا أخفيكم سراً أنني أتعجب من بعض كتابات الفتيات في هذه الزاوية.. أرى إحداهن تقول أنها سئمت الحياة!.. والأخرى تصرخ: الفراغ يقتلني! وثالثة تفكر في الانتحار لأسباب سهلة.. وهذه حساسة ورقيقة كالريشة والأخرى سريعة الاشتعال!
وفلانة تفقد الحب من الأهل وعلانة تقول: مللت الحياة! وهذه لم تجد صديقة وتلك لم تجد زوجاً ومشاكل كثيرة في نظر بعض أخواتنا (الفاضيات) .. ولم يعلمن أنهن يعانين من الفراغ الذي لم يشغلنه بما ينفعهن..
أعرف فتاة وفرت لها كل وسائل النعيم والرفاهية من غرفة مؤثثة أجمل الأثاث وتلفاز وإنترنت وخدم وسائق وما لذ وطاب من الأطعمة وملابس آخر صيحة.. وأب وأم يدللانها.. لكنها تشعر بفراغ هائل وتكالبت عليها الهموم والأحزان وتشعر بضيق في نفسها.. ولم تجد السعادة والطمأنينة إلا في الرجوع لله.. وجدت اللذة في مناجاة ربها في آخر الليل..
وهذا حال فتياتنا يعشن الملل و(الزهق) مع أنهن في صحة وعافية ولم يعلمن أن علاجهن سهل وبسيط وهو الصلاة.. الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والتي تزيل الهموم وتريح القلب وتكسبه همة ونشاطاً.
فإذا عظم عليك أمر فاذهبي وتوضئي وصلي نافلة واجعليها صلاة مودع للدنيا.. هنا يزول همك ويرتاح ضميرك بإذن الله..
وانتبهي من سماع آلات اللهو واستبدليها بكتاب ربك .. وصدق الله حين قال: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
وإياك ومراقبة الناس والاهتمام بهم في كل شاردة وواردة فمن راقب الناس مات هماً، ولا تظني بهم سوءاً واحفظي لسانك، فإذا حفظتيه فاعلمي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ضمن لك الجنة..
واجعلي همك الآخرة.. إذا صرخ في وجهك أحدهم فابتسمي له ابتسامة رضى وحاولي أن تكتمي غضبك كما يقول الشيخ عائض القرني في كتاب لا تحزن: (اجعل من الليمون شراباً حلواً ..)، (وإذا أهدى أحدهم إليك ثعباناً فخذ جلده الثمين واترك باقيه..).
لا تفكري بما حصل في الأمس فما فات مات ولا تهتمي لما سيحصل في الغد فهذا في علم الغيب.. اجعلي همك يومك الذي أنت فيه..
ويا من تفتقدين العطف والمحبة.. لا عليك أن تحبك فلانة أو غيرها واعلمي أنه حتى لو عاداك جميع من في الأرض فأنت لست بحاجة لهم.. أنت بحاجة ماسة جداً لمحبة رب الأرض ورب من في الأرض.. فاعتصمي به وتمسكي بدينك وسارعي إلى الاستغفار.. واعلمي أن حياة المسلم ليس فيها فراغ بل لسانه رطب دائماً بذكر الله.. وما كتبت ذلك إلا تذكيراً لي ولكن وفقنا الله)
فعلاً كلام صادق وجميل.. أتمنى أن تستفيد كل فتاة منه.
المستشارة
المصدر: مجلة حياة العدد (51) رجب 1425هـ
هل كل الفتيات (( فاضيات؟؟ ))
هنا رد جميل ومنطقي من الأخت عاشقة حياة أ.ع على ما ذكرته الأخت صدى الأسلمي في عدد سابق، أضعه بين أيديكم ولكم حرية الرأي:
أختي صدى..
لا ننكر أن كلامك واقعي، لكنه لا ينطبق على جميع الفتيات فقد اتهمت جميع الفتيات بأنهن " فاضيات" ، ولم تقصري ذلك على فئة معينة. فليس من المعقول أن تنشر فتاة مشكلتها وهي تعلم أن الكل سيقرأها لمجرد أنها " فاضية"!!
فوالله أن هناك فتيات يعانين كثيراً ولا يتكلمن لأن البعض - مثلك هداك الله - يرى أن مشكلات الفتيات تافهة وليس لها أهمية!
كما أن هناك فتيات يعانين الأمرّين ولا يجدن من يسمعهن أو يفهمهن.. ألا يكفي أنهن يتحملن ويتجرعن الأسى ثم في النهاية يتهمن بأنهن " فاضيات" ؟!!!
ليس من المعقول يا أختي أن سبب مشاكلنا هو ضعف علاقتنا بخالقنا فالكثير من الفتيات محافظات على الصلاة مداومات على قراءة القرآن ومع ذلك لديهن مشاكل لا يعلمها إلا الله.
فرجائي الحار للأخت صدى بارك الله فيها أن تعيد التفكير في الأمر وتحدد من هي الفاضية.
وأتمنى من مجلتنا الغالية على قلوبنا ألا تنشر ما يؤلمنا ويجرح مشاعرنا.
المرجع: مجلة حياة العدد (55) ذو القعدة 1425هـ
تحرير: حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
==============
الإعجاب والشهوة المحرمة
سارة فهد
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإنّ مما يحزن القلب، ويدمي الفؤاد ويسيل منه قلب الغيور مرارة ما استشرى لدى بعض بناتنا بما يسمى " الإعجاب" هذا الداء العضال الذي سرى ويكاد ينتشر ليفتك بأغلى ثروة تمثل نصف المجتمع، وهي أيضاً تربي النصف الآخر فهي المجتمع كله، انتشر هذا الداء باسم الحب، ثم تطور حتى أصبح عشقاً، وغراماً، ورذيلة، وشركاً بالله، إنما هو " الإعجاب"
وأصل هذه الرسالة محاضرة ألقيتها على جمع من الفتيات، وقد أشار علي بعض الأخوات أن أنشرها إتماماً للفائدة.
هذا وأسأل الله العظيم أن يعم بها النفع وأن تكون خالصة لوجهه الكريم، وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
سارة الفهد
الإعجاب والشهرة المحرمة
أسباب الإعجاب :
1- ضعف الوازع الديني :
ضعف الوازع الديني والفراغ الروحي وخلو النفس من التعلق بالله وكذلك من ذكر الله ومحبته. فمن ملأت قلبها بالله وتقواه وذكره ما وجد في قلبها مكان لمحبة غيره بل قلبها وكيانها كله لله تعالى ولسانها لا يذكر إلا الله وتفكيرها مشغول بالتأمل في عظيم صنع الله سبحانه.
يقول ابن القيم - رحمه الله -: (القلب إذا أخلص عمله لله لم يتمكن منه العشق فإنه يتمكن من القلب الفارغ).
فلا بد من شغل هذا الفراغ فيما يعود على الإنسان بالخير والمنفعة في الدنيا والآخرة.
2- الفراغ العاطفي الذي تدعيه الفتاة …
وتكون الفتاة لم تعرف العطف والرحمة وذلك لفقد الإنسان مثلاً كلا والديه فمن اتقت الله هيأ الله لها من يعطف عليها فالله سبحانه تكفّل برعاية الإنسان منذ ولادته حتى مماته ولكن المشكلة تكمن في حالة النهم العاطفي الذي قد يطالب به البعض منا بحيث تفكر في نفسها ولا تفكر في غيرها من الأخوة والأخوات لها والذين هم بحاجة إلى العطف والحنان مثلها فالأب مشغول عنهم بعمله ومتاعبه والأم أيضاً مسؤولة عن توفير الحب والحنان لأخيها وأختها وأبيها ومشغولة بأعمال المنزل وهموم الحياة وتريد أيضاً من يهتم ويعتني بها فلا تكوني أنانية واكتفي بالقليل فيكفيك حرصهما على راحتك وصحتك ومسكنك ومشربك وملبسك. وعندما لا تجد هذه الاستجابة تبحث عنها في مكان آخر غير المنزل فقد تخالل فتاة مثلها أو ذئب من ذئاب البشر فتهلك نفسها بنفسها نسأل الله السلامة والعافية.
3- النظر وإطلاق العنان له :
إن إطلاق العنان والفكر والتأمل فيحدث ما يخشى الوقوع فيه ولو أن الإنسان تأمل قوله تعالى : {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ } لانحسرت مادة الشر. وهل النظر إلا مدخل من مداخل الشيطان لقلب الإنسان ليعبث به … قال ابن سعدي - رحمه الله - في تفسيره :(أي أرشد المؤمنين وقل لهم الذين معهم إيمان يمنعهم من الوقوع فيما يخل بالإيمان أن يغضوا من أبصارهم عن النظر للعورات وإلى النساء الأجنبيات { وقل للمؤمنات } ينتهين عن النظر إلى العورات والرجال بشهوة وغير ذلك من النظر الممنوع ويدخل في ذلك نظر المرأة إلى المرأة وشدة التأمل فيها فإن في ذلك وسيلة إلى الافتتان وتعلق القلب بها.(3/105)
وكذلك النظر إلى الحرام من أفلام ساقطة ومسلسلات ماجنة أو النظر إلى المجلات التي تحمل هذا الطابع وكذلك سماع الحرام وقراءة الحرام من روايات وقصص .
4- الرفقة السيئة …
وما لها من اثر بارز للوقوع في المنكر بعد تحسينه والتمادي فيه ويكفي التحذير من الرفقة السيئة قول الحق تبارك وتعالى : { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً [27] يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً [28] لقد أضلّني عن الذكر } (1).
5- ضعف شخصية الفتاة وضعف الهمة لديها :
وهذا ناتج عن خلل ما لدى الفتاة وبالتالي يجعلها فريسة سهلة لكل ناعق وناعقة وبالتالي تذوب شخصيتها في شخصية الأخرى دون وعي وإدراك منها وبالتالي تكون تبعاً لها دون تمييز منها أو تفكير.ودانية الهمّة لا قيمة لها ولا قدر لأنها ميّالة للدعة قاعدة عن المكارم مكلفة بالصغائر مولعة بمحقرات الأمور همّها خاصة نفسها وفكرها محصور في قوت يومها.
6- ضعف القدوة :
بعض فتياتنا اليوم تعيش مرحلة عصبية فهي تهتم بالموضة والأزياء والموديلات فترى أن أفضل قدوة لديها هي الفتاة التي تملك كل مقومات الأناقة في آخر صيحاتها فهي محط الأنظار وموضع الاحترام ومن ثم تسعى لتقليدها للوصول لمكانتها ولابد من القرب منها فتجعل التعبير لها عن الإعجاب بها ستار يوصلها إليها ومن هنا نرى القدوة الحسنة اضمحلت.
7- عدم فهم الطالبة لمعاملة بعض المعلمات :
نجد بعضاً من المعلمات قد تزيد من اهتمامها ببعض الطالبات كأن تطلب منها تنفيذ عمل ما أو تخصّها بنوع من الرعاية أو نحو ذلك فينتج عن ذلك خطأ تعلق الطالبة بها.
إنّ المعلّمة هي أم ثانية في المدرسة انظري إلى معاملة الأم مع أبنائها تختلف على حسب بر وطاعة الابن فإن كان مطيع وجد العناية والمحبة أكثر من غيره.
أساليب التعبير عن مرض الإعجاب
1- الرسائل الغرامية :
وانظري إلى مدى التدني الذي وصل ببناتنا في هذا الزمن نجد من الرسائل مزخرفة مزركشة معطرة ملأى بالعبارات البذيئة من غزل وهيمان.
2- أسلوب الوسطاء والملاحقة :
وقد تعمي الفتنة بصرها فلا تستطيع محادثة من تحب فتظل تلاحقها في الممرات والغرف والساحات أو ترسل إليها من ينقل إليها مشاعرها.
3- المكالمات الهاتفية :
التي قد تمتد بالساعات الطوال وقد يصل الأمر لحد المكالمات المتأخرة.
4- الملامسات الجسدية والصور التذكارية وكتابة الاسم على الأشياء :
وأرجو أن لا يصل الأمر إلى هذا الحد فتلك طاقة تجر وراءها من الويلات والخزي كذلك كتابة اسم من أعجبت بها على الجدران والكتب والدفاتر أو اللباس التي نهايتها الشذوذ والعياذ بالله فالسحاق نتيجة حتمية من نتائج هذه الفتنة نسأل الله السلامة.
أضرار الإعجاب من وجه كونه معصية :
1- حرمان العلم.
2- حرمان الرزق لقوله صلى الله عليه وسلّم : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
3- وحشة وظلمة يجدها العاصب في قلبه بينه وبين الله تعالى ووحشة يجدها بينه وبين عباد الله.
4- حرمان الطاعة وتعسير الأمور.
5- تقصر العمر بسبب محق البركة.
6- أنها توهن القلب والبدن.
أضرار الإعجاب من حيث هو :
1- عدم كمال الإخلاص والوقوع في أعظم ذنب عصي الله به على وجه الأرض وهو الشرك وهو من أكبر الكبائر وأشد أنواع الظلم.
2- إضاعة الوقت : فيما لا طائل منه ولا فائدة فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل فنجد أن كثيراً من الفتيات تقضي الساعات الطوال ملازمة لسماعة الهاتف فتتحدث عن كلام لا طائل منه واقل أحواله أن يكون من كلام المباحات وكما قال ابن حجر- رحمه الله- : (إن الإكثار من المباحات طريق إلى المكروهات والإكثار من المكروهات طريق إلى المحرمات) والوقت مهم جداً فهو سريع الانقضاء ما مضى منه لا يعود ولا يعوض وطريق إضاعة الوقت في داء الإعجاب وكثرة المكالمات تؤدي إلى كثرة التفكير في المعجب بها وكثرة العكوف على كتابة الرسائل وكثرة الاهتمام بالنفس والتزين.
3- خلو القلب من خشية الله عز وجل ومحبته وتحوله إلى محبة وخشية من أعجبت بها حيث تحاول دائماً إرضاء من أعجبت بها حتى ولو بالكذب والنفاق وهي أمور محرمة شرعاً لكن نتيجة لوقوعها في هذا الداء أرضت الناس بسخط الله تعالى وبالتالي خلا قلبها من خشية الله والخوف منه وتقديم رضاه.
4- انسياق من وقعت في الإعجاب وراء من أعجبت بها وقد تكون من أهل الفسق والمعاصي فتتأثر بها وتكون في أقل أحوالها قد ألفت المعاصي ورضيت بفعلها.
من أضرار جليسة السوء :
• أنها تشكك في معتقدات صديقتها.
• أنها تؤثر في سلوك صديقتها.
• أنها تحرم بسببها مجالسة الصالحات.
• أنها سوف تقلدها يوماً ما.
العلاج :
1- تحقيق التوحيد بأنواعه - التعلق - الكامل بالله وحده لا شريك له وهذا هو المخرج من هموم الدنيا وحسرة الآخرة وهو الهدف الذي خلق الله الخلق لأجله وبذلك أرسل رسله وأنزل كتبه وعبادته تتضمن كمال الذل والحب له وذلك يتضمن كمال طاعته والانقياد له.
ولا يرضى الله من عباده إلا هذا قال تعالى : { وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون } (2)، ومن عبادة القلوب المحبة الكاملة لله تعالى فمن صرفت ذلك لغير الله كفرت، قال تعالى : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين } (3)، والجنة عليه حرام، قال تعالى : { إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة }(4)، ولقوله صلى الله عليه وسلّم : "من تعلق شيئاً وكل إليه" (5)، يا من بليت بهذا الداء وتأصل في نفسك لك قدوة في نبي كريم بلي بأعظم مما بليت به ابتلاه بحرمانه من الذرية ولهذا لما سأل ربه الولد فأعطيه وتعلق حبه بقلبه فأخذ منه شعبه غار الحبيب على خليله أن يكون في قلبه موضع الغيرة فأمره بذبحه وكان الأمر في المنام ليكون تنفيذ المأمور به أعظم ابتلاء وامتحان ولم يكن المقصود ذبح الولد ولكن المقصود ذبح محبته من قلبه ليخلص القلب للرب فلما بادر الخليل إلى الامتثال وقدم محبة ربه على محبة ولده حصل على المقصود فرفع الذبح وفدى الولد بذبح عظيم قال تعالى: { قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك }.
وإليك يا من بليت بملاحقة المعجبات المفتونات. لك قدوة في نبي كريم تأملي في قصة فضل التوحيد والإخلاص.
فهذا نبي الله يوسف عليه السلام تعرض لفتنة من أعظم الفتن الجمال والمال والمنصب حيث دعته امرأة العزيز إلى الفاحشة بعد أن هيأت كل السبل ووفرت الحماية والرعاية. انظري إلى فضل الإخلاص قال تعالى : { ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } (6).
همّ هنا هو ما ألقاه الشيطان في نفسه من الوساوس فانظري إلى الإخلاص كيف يمثل طوق نجاه حيث اجتباه الله وطهره واصطفاه واختاره عليه السلام وتأملي انبساط يد يوسف الصديق عليه السلام ولسانه وقدمه بعد خروجه من السجن لما قبض نفسه عن الحرام.
وهكذا من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فأمسك نفسك عما حرم، يرزقك الله خيراً من ذلك زوجاً صالحاً وذرية صالحة تسعدين بها دنيا وآخره.
ومن أحبت مع الله تعالى فقد جعلت من أحبته شريكاً لله عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :" يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وله أذنان تسمعان ولسان ينطق يقول إني وكلت بثلاثة بمن جعل مع الله إلهاً آخر وبكل جبار عنيد وبالمصورين " (7).(3/106)
2- مراقبة الله سبحانه وتعالى وأنه سبحانه يمهل ولا يهمل والحذر من غيرة الرب سبحانه وتعالى ففي الحديث عن المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " لا أغير من الله تعالى " (8).الحديث صححه الألباني، وفي الحديث الآخر : " إن الله ليغار وإن غيرته أن تؤتى محارمه" (9) أو كما قال.
وقال عليه الصلاة والسلام : " أتعجبون من غيرة سعد !! والله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن …" الحديث.
وانظري إلى عقوبة الله تعالى الأليمة لمن عصاه وأتى ما حرم الله عليه، قال تعالى: { ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر [37] ولقد صبّحهم بكرة عذاب مستقر } (10)، لذلك تقدم الملائكة إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله آخر الليل ولا يلتفت منهم أحد عند سماع صوت العذاب إذا حلّ بقومه. قال تعالى : { فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود [82] مسوّمة عند ربّك وما هي من الظّالمين ببعيد } (11).
ذكر ابن كثير-رحمه الله- أن جبريل اقتلعهن بطرف جناحه وكنّ سبع مدن بما فيها من الأمم والحيوانات ولاحظي شؤم المعصية وما يتبع ذلك المدن من الأراضي والإماكن فرفع الجميع حتى بلغ بها عنان السماء حتى سمعت الملائكة صياح ديكتهم ونباح كلابهم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها قال مجاهد فكان أول ما سقط منها شرفاتها ثم بعد ذلك أمطر الله عليهم حجارة من سجيل متتابع مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه وجعل الله مكان تلك البلاد بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لردائتها ودناءتها فلا ينمو فيها نبات ولا يعيش فيها حيوان ولا تسير فيها سفينة فصارت عبرة وعظة وآية على قدرة الله وشدة انتقامه ممن عصاه.
كذلك من عقوبات الله لمن عصاه وفعل ما حرم عليه من الفواحش انتشار الأوبئة والأمراض التي لم تكن مضت من قبل ففي الحديث عن ابن عمر-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "خمس خصال إن ابتليتم بهم ونزلت بكم وأعوذ بالله أن تدركوهنّ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم … " الحديث وذكر ابن كثير-رحمه الله- في تفسيره عن أبي بن كعب قال: " قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة … منها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحة … " انتهى.
3- الانشغال بالأعمال الصالحة : ومن السبل لعلاج هذا المرض الاشتغال بالهدف الذي خلقنا الله لأجله بفعل الطاعات وترك المنهيات.
قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } (12).
وقال تعالى : { واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين } (13).
وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : " إذا تقرب إليّ عبدي شبراً تقربت إليه ذراعاً وإذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة " (14).
وعن أنس-رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال " يتبع الميت ثلاثة أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله " (15).
وأفضل شيء بعد التوحيد الصلاة قال تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } (16)، { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (17).
وعن ابن مسعود-رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي الأعمال أفضل ؟ قال : "الصلاة على وقتها" (18).
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلّم أنه قال : " عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك خطيئة " (19) وليكن لك حظاً من قيام الليل فالله سبحانه وتعالى يقول : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً } (20)، وقال تعالى : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } (21).
وعن عبد الله بن سلام-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال "ياأيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" حديث حسن صحيح، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" (22).
فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله" (23).
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيء فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة " (24).
وعنه صلى الله عليه وسلّم قال : "من آذى لي ولياً فقد استحل محاربتي وما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء فرائضي وإن عبدي ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أجبته كنت عينه التي يبصر بها ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وفؤاده الذي عقل به ولسانه الذي يتكلم به وإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن موته وذلك أنه يكره الموت وأنا أكره مساءته " فتأملي بارك الله فيك فضل التقرب إلى الله بالواجبات ثم النوافل فهذه القربات جنة من دخلها في الدنيا دخل برحمة الله جنة الخلد.
وتلاوة القرآن والذكر. قال تعالى : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } وقال تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً }، وعن أبي أمامة-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه".
وعن النواس بن سمعان-رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبها" (25).
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلّم أنه أخبر عن أعظم سورة من القرآن فقال :" الحمد لله رب العالمين الفاتحة وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" (26).
وعن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهنّ قط ؟ { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } " (27).
وعن أبي مسعود البدري – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " من قرأ آيتين من آخر سورة البقرة كفتاه " (28) قيل كفتاه المكروه تلك الليلة وقيل كفتاه من قيام الليل.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة وأخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة " (29).
وكذلك ينبغي عليك إشغال وقتك بذكر الله تعالى الذي هو السبب الرئيسي في طرد الشيطان فهذا المرض الذي تعانين منه ليس إلا بسبب تسلط الشيطان عليك نتيجة غفلة عن ذكر الله تعالى فلا يطرد الشيطان إلا ذكر الله والقرآن قال تعالى : { ولذكر الله أكبر } وقال تعالى { فاذكروني أذكركم }.(3/107)
وعن أبي هريرة –رضي الله- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه " (30).
4- حفظ الحواس عما حرم الله تعالى : قال تعالى : { حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون [20] وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } (31)، وقال تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً } (32)،وقال تعالى : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ }(33).
ولا شك أن السبب الرئيسي في هذه العلة التي تعانين منها هو السمع والبصر الذي ينتج عنه مرض القلب ثم الفتنة والعياذ بالله فالاستماع إلى الحرام من أغاني وأشعار ماجنة وكلام بذيء تمرض القلب وتجعله فريسة لأي تعلق محرم.
يقول ابن القيم-رحمة الله- : (ومن مكائد عدو الله ومصائده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلآت المحرمة ليصد القلوب عن القرآن ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان فهو قرآن الشيطان والحجاب الكثيف من القرآن وهو رقية اللواط والزنا … " [إغاثة اللهفان]
وارجعي إلى كتاب : الأدلة من الكتاب والسنة التي تدل على تحريم الأغاني والملاهي للشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله-مما لا يتسع المقام لذكره وتوضيحه كذلك يجب حفظ البصر من النظر إلى الحرام أياً كانت الصورة ففي الحديث عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " كتب على ابن أدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام " (34).
5- مقاطعة الصديقات السيئات : الناس في هذه الحياة متفاوتوا الأخلاق متباينوا المشارب فمنهم من ساءت أخلاقهم فنزعت نفوسهم إلى الشهوات ومالوا إلى اللذات فما عرفوا إشباع شهواتهم فهؤلاء لا خير يرجى فيهم ولا منفعة تعود على المجتمع من ورائهم فالابتعاد عنهم راحة وعدم الارتباط بهم وقاية.
قال تعالى في معرض التحذير من قرناء السوء مبيناً ندامة من لم يحتفظ لنفسه في اختبار من يصادق : { يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً [28] لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً } (35).
قال تعالى : { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النّار وما لكم من دون الله من أولياء ثمّ لا تنصرون } (36).
وقال صلى الله عليه وسلّم : الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"(37).
وقال صلى الله عليه وسلّم : " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق يثابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة" (38).
وتأملي نتيجة الرفقة الضالة كيف تكون سبباً في انحراف العقيدة وليس فقط فعل المعصية بل تعدى الأمر إلى أن تكون سبباً في الخلود في النار فهذا عقبة بن أبي معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلّم ولا يؤذيه كما كان يفعل كفار قريش لدرجة أن يظن كفار قريش أنه أسلم وكان له صاحب بالشام فلما عاد صاحبه تغير حاله وأصبح يناصب الرسول العداء ويمعن في ذلك فكان العاقبة أن قتل يوم بدر كافراً نسأل الله السلامة وكذلك حين جاءت أبي طالب الوفاة وكان الرسول يحاول تلقينه التوحيد وصاحباه أبو أمية وأبو جهل عند رأسه يلقنانه الكفر فمات على الكفر.
6- المبادرة إلى الزواج : ينبغي للمسلمة أن ترغب في الزواج لما يترتب على ذلك من مصالح الدين والدنيا ولما في ذلك من عفة النفس وسلامة الجسم وحصول الذرية وقد نوه سبحانه بذكر المؤمنين القائلين { والذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعين واجعلنا للمتّقين إماماً } (39).
قال صلى الله عليه وسلّم : "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض البصر وأحصن للفرج ".
وقال صلى الله عليه وسلم :" إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" (40).
أما المعرضات عن الزواج بسبب الدراسة، وغيرها فهم في الواقع أشد الناس حسرة وبؤساً في الحياة الدنيا وأكثر عرضة للفتن وقد تبلغ سن لا يرغب بعده في نكاحها فتبقى في حياتها أسيرة الوحشة والوحدة وبعد فوتها تكون نسياً منسياً وتحرم مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ذكر منها ولد صالح يدعو له"0
التبصر في هذه العلة والتعرف على حقيقتها : وأن ما تشعرين به يعتلج في نفسك ليس إلا فتنة قال تعالى : { والفتنة أكبر من القتل }، { والفتنة أشد من القتل } وقد فسرها الإمام أحمد – رحمه الله- بأنها الشرك وإلا فأغلى إنسانه في هذه الحياة هي الأم وهي الأحق بهذه المشاعر لما لها من حق عليك فهل من المستساغ عقلاً وعرفاً ملاحقة الأم في الممرات والترصد بها عند الأبواب واتباعها النظرات تلو النظرات وإزعاجها بالرسائل والمهاتفات ولو رأينا إنسانة تفعل ذلك لاحتقرناها بل لا يقف الأمر عند حد الاحتقار وإنما يتعدى إلى أن نشك في قواها العقلية.
مع أن الأم تستحق منّا كل حب وتقدير بل أمرنا الله بحبها وتقديرها وتعبدنا بذلك.
إذاً ما تفسير هذه المشاعر تجاه من أعجبت بها، حب طغى على كل حب وأعمى البصيرة لدرجة أن تفضل تلك الإنسانة التي أحبتها على كل الناس حتى على الأم ذات الحق العظيم بعد الله تعالى 0
أختي اعلمي بارك الله فيك أن الشيطان لم يكن ليأتي الإنسان فجأة ويقول له اكفر بالله وإنما يكون ذلك بالتدرج ومن صور التدرج المحبة التي تبدأ عادية مع شيء من الكلفة ثم تدرجت مع هذا التكلف حتى أصبحت تعلقاً ثم حباً مع الله قال تعالى : { ومن الناس من يتّخذ من دون الله أنداداً يحبّونهم كحب الله } (41).
ولا أريد أن ألوث سمعك ببعض العبارات التي كتبتها بعض المعجبات والتي تفيض شركاً بالله والعياذ بالله { ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } (42).
7- الخوف من سوء الخاتمة : عن جابر-رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "يبعث كل عبد على ما مات عليه"، يقول ابن القيم-رحمه الله- : (فهذا بعيد) أي من كان هذا حاله أن يوفق عند الممات لخاتمة يدخل بها الجنة عقوبة له على عمله فإن الله سبحانه يعاقب على السيئة بسيئة أخرى وتتضاعف عقوبة السيئات بعضها ببعض كما يثيب على الحسنة بحسنة أخرى. وإذا نظرت إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم وبين حسن الخاتمة عقوبة لهم على أعمالهم السيئة) ا.هـ.
وذكر-رحمه الله تعالى-نماذج من سوء الخاتمة منها :
يرى أنه كان بمصر رجل يلزم مسجد للأذان والإقامة والصلاة وعليه بهاء الطاعة وأنوار العبادة فرقي يوماً على عادته للأذان وكان تحت المنارة دار النصراني فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار فافتتن بها فترك الأذان ونزل إليها ودخل الدار عليها فقالت له ما شأنك وما تريد فأخبرها برغبته في الزواج منها فقالت أنت مسلم وهي نصرانية وأبوها يرفض ذلك فأخبرها برغبته في التنصّر ثم فعل وأقام معهم في الدار فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح الدار فسقط فمات !!!(3/108)
8- التوبة والدعاء : قال تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابّة } (43).
وقال أبو هريرة-رضي الله عنه : (والذي نفسي بيده إن الحبارى تموت هزالاً في وكرها بظلم الظالم).
وقال علي- رضي الله عنه :(ما نزل بلاء إلا بذنب وما دفع إلا بتوبة).
فالتوبة التوبة بارك الله فيك.
واعلمي أن أعظم ذنب وأعظم ظلم هو الشرك وأشد أنواع البلايا والرزايا أن تصاب المسلمة في عقيدتها فيا من أصيبت بهذا المصاب بادري إلى التوبة عسى الله أن يقبل منك ومنّا التوبة ولا تسوفي ولا تقولي غداً فكم من مؤملة لغد أمّلت ولم يمهلها الأجل نسأل الله حسن الخاتمة واصدقي النية مع الله تعالى وحققي شروط التوبة عسى الله أن يكشف ما بك من بلاء نسأل الله لنا ولك العافية.
واستعيني على ذلك بالله وألحيّ في الدعاء، قال تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } (44)، وقال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } (45).
عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "لايرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر" (46).
وحققي آداب الدعاء وشروط الإجابة وتحري أوقات الاستجابة والتي منها دبر الصلوات المكتوبة وعند النداء وبين الآذان والإقامة وجوف الليل الآخر وآخر ساعة من يوم الجمعة وأيقني بالإجابة ففي الحديث ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه، وابشري خيراً إن شاء الله.
9- تذكر ساعة الاحتضار والاستعداد لها : قال تعالى : { قل إنّ الموت الذي تفرّون منه فإنه ملاقيكم ثمّ تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون } (47).
وقال تعالى : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم … } (48).
يقول الشيخ عبد العزيز السلمان- حفظه الله تعالى : (إن إبليس لعنه الله قد يعرض للمريض والمحتضر فيؤذيه في دينه ودنياه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه كان يدعوا " اللهم إني أعوذ بك من الغرق والحرق والهدم وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت".
وفي حديث آخر أن إبليس لا يكون في حال أشد منه على ابن آدم إلا عند الموت يقول لأعوانه دونكموه فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه وقد يستولى على الإنسان حينئذ فيضله في اعتقاده وربما حال بينه وبين التوبة وربما منعه من الخروج من مظلمة أو أيّسه من رحمة الله.
ويقول له قد أقبلت إليك السكرات التي لا تطيقها ونزع الموت شديد وربما أقلقه وخوّفه وأوقعه في الوساوس والاعتراض على قدر الله والعياذ بالله.
فينبغي للمؤمنة أن تعلم أن هذه الساعة ساعة خروج الروح حين يحمى الوطيس فيتجلد ويصبر ويستعين بالله الحي القيوم على هذا العدو والمترصد ليرجع خائباً فعن أبي هريرة رضي الله عنه - قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "إن المؤمن لينضى شياطينه كما ينضى أحدكم بعيره في السفر" (49)، وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال : " أخر شدة يلقاه المؤمن الموت" (50).
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
* سئل الشيخ ابن عثيمين : انتشر عندنا عادة قبيحة بين الفتيات، وهي فتنة الطالبات بعضهن ببعض، بحيث تعجب الفتاة بفتاة أخرى، لا لدينها بل لجمالها، فلا تجالس إلا هذه الفتاة، ولا تتكلم إلا معها، وتقوم بتقليدها في جميع شئونها، بل يصل الأمر إلى أن تنام عندها أحياناً، وتقبلها في وجهها وصدرها، فهل من نصيحة لمن ابتليت بهذا الداء ؟
* فأجاب : هذا الداء يسمى بداء العشق، ولا يكون إلا من قلب فارغ من محبة الله عز وجل، إما فراغاً كلياً وإما فراغاً كبيراً .
* والواجب : على من ابتليت بهذا الشيء أن تبتعد عمن فتنت بها، فلا تجالسها، ولا تكلمها، ولا تتودد إليها، حتى يذهب ما في قلبها، فإن لم تستطع فالواجب على ولي المرأة الأخرى أن يفرق بينها وبين تلك المرأة، وأن يمنعها من الاتصال بها. ومتى كان الإنسان مقبلاً على الله عز وجل، معلقاً قلبه به، فإنه لا يدخل في قلبه مثل هذا الشيء الذي يبتلى به كثير من الناس وربما أهلكه، نسأل الله العافية.
موضوع ذات صلة ( ظاهرة الإعجاب بين الفتيات .. لعبد الرحمن بن رشيد الوهيبي ) احصل على نسخة
================
( [1] ) سورة الفرقان : الآيات 27-29. ( [2] ) سورة الذاريات : الآية 56.
( [3] ) سورة الزمر : الآية 65 . ( [4] ) سورة المائدة : الآية 72.
( [5] ) حديث صحيح. ( [6] ) سورة يوسف : الآية 24. ( [7] ) حديث صحيح رواه الترمذي.
( [8] ) أخرجه البخاري ومسلم من طرق أخرى عن أبي عوانه.
( [9] ) أصله من الصحيحين. ( [10] ) سورة القمر : الآيتان 37، 38.
( [11] ) سورة هود : الآيتان 82، 83. ( [12] ) سورة العنكبوت : الآية 69.
( [13] ) سورة الحجر : الآية 99. ( [14] ) البخاري. ( [15] ) متفق عليه.
( [16] ) سورة البقرة : الآية 238. ( [17] ) سورة العنكبوت : الآية 45.
( [18] ) متفق عليه. ( [19] ) رواه مسلم. ( [20] ) سورة السجدة : الآية 16.
( [21] ) سورة الذاريات : الآية 17. ( [22] ) رواه مسلم. ( [23] ) البخاري والنسائي.
( [24] ) مسند الإمام أحمد، ومسلم. ( [25] ) رواه مسلم. ( [26] ) رواه البخاري.
( [27] ) رواه مسلم. ( [28] ) متفق عليه. ( [29] ) رواه مسلم. ( [30] ) متفق عليه.
( [31] ) سورة فصلت: الآيتان 20، 21. ( [32] ) سورة الإسراء : الآية 36.
( [33] ) سورة النور : الآية 31. ( [34] ) متفق عليه. ( [35] ) سورة الفرقان : الآيتان 28، 29.
( [36] ) سورة هود : الآية 113. ( [37] ) أبو داود، والترمذي. ( [38] ) متفق عليه.
( [39] ) سورة الفرقان : الآية 74. ( [40] ) رواه الترمذي ، والحاكم وابن ماجة.
( [41] ) سورة البقرة : الآية 165. ( [42] ) سورة آل عمران : الآية 8.
( [43] ) سورة النحل : الآية 61. ( [44] ) سورة البقرة : الآية 186.
( [45] ) سورة غافر : الآية 60. ( [46] ) الترمذي. ( [47] ) سورة الجمعة : الآية 8.
( [48] ) سورة الأنعام : الآية 93. ( [49] ) مسند الإمام أحمد. ( [50] ) مسند الإمام أحمد.
===============
هذه عثراتها !!
مشعل العتيبي
إنني أخاطب المرأة تلك الطاهرة العفيفة.
التى تؤمن بالله واليوم الآخر حق الإيمان، وتعرف الجنة والنار، وتؤمن بالحلال والحرام، ولكن الصراع مع الشهوة قد هيمن عليها وغلبها . فأصبحت فى صراع مع الفراغ بين مفترق الطرق
الصوارف والملهيات تناديها ..
وقلبها وفطرتها تحركها .....
فتتجاذبها الوسائل من انحراف وشهوات ...
فمنهن من تغرق وتستجيب لتلك النداءت والمغريات
فلذلك كان هذا الحديث وكانت هذه الوقفات
لنخاطبك أختي الفاضلة..أخاطبك_
محذرا ًومذكراً
محذرا من التسويف وضياع الأوقات في اللهو والمحرمات
محذرا من الغفلة والانغماس في الشهوات
محذرا في بحثك عن السعادة في مستنقعات الرذيلة والمعاصي والموبقات
ومذكراً بأنك أنت الطاهرة العفيفة
أنقذوها إنها إن تبتذل ضاع في الدنيا حياءُ المسلمين
فمن أين يبدأ الانحراف؟
تأملي في بعض العثرات لكثير من الغافلات ..ولا زلنا وللأسف نتجرع مرارة غفلتهن ..
أتدرين كيف يبدأ الانحراف ؟
إنه الفراغ أيتها الأخوات..
فراغ القلب والروح ..(3/109)
فإن القلب إذا خلا عصفت فيه رياح الشهوة وتلاعبت فيه الشياطين وأدخل عليه الشيطان من وسوسته ما أراد فهذا القلب كالإناء إن ملأتيه بحب الله ودوام الصلة بالله والتعلق فيما عند الله..وإلا سيمتلئ بالباطل والفساد والرذيلة..
فالصوارف كثيرة والملهيات عديدة هوى متبع ونفس أمارة وشياطين الإنس وشياطين الجن ..
فمع انتشار هذه الفضائيات..حتى عكف عليها كثير من النساء
فكم من عقول دمرت وكم من أخلاق أذهبت..
إن بداية هذا الانحراف :
أن تكون الفتاة مولعة بالغناء ، مولعة بالرياضة ... مولعة بالأفلام والمسلسلات...هذه المسلسلات التي سلبلت العقول والأفكار ..فاستجابت تلك الغافلة تبعا لذلك التأثير لسيل جارف من الملهيات و السىء من الاهتمامات حتى ظهر أثر ذلك التأثير على جوارحها ولباسها .
فالقلوب إذا ضعف إيمانها ،وأقدمت على المنكرات عدة مرات آنسته واطمأنت إليه ،وأصبح لديها أمراً مألوفاً ،لا تشعر منه بحرج و لا إثم ..حتى أصبحت هذه المسكينة ..هذه الضعيفة ممن يهتم بلبس العباءة على الموضة أو من أجود الخامات بل ممن انغمست باللباس الضيق و البنطال و الشيفونات حتى تولعت بالأسواق..ولا ترضى إلا بالمجمعات !!
وتعلق قلبها بحضور الحفلات والأعراس المليئة بالمعازف والمنكرات..فتأملي أختي ..
لباسك في المناسبات وفى الخروج وفى الولائم والأفراح هل يرضي الله أم يسخط الله..هل سترك أم أنه ألحقك بقائمة الكاسيات العاريات ..
عجباً وربي من امرأة جاءت إلى حفلة عرس وقد علقت ثوبها على كتفيها بخيطين رفيعين لا يكاد يراهما الناظر ثم شقته من أسفل الظهر ليبدو منه باطن الركبتين وأسفل الفخذين
عجباً وربي ...هل نحن في معرض للحوم البشرية أم هو شعور بالنقص في الجمال أرادت تعويضه بغرابة اللباس لتلفت أليها الأنظار ..
مسكينة والله التى لم تعرف كيف تحفظ جسدها وقد أستأمنها الله عليه وأسكن فيه روحها التي هي بيده جلا وعلا يقبضها إليه كل مساء حين تأوي إلى فراشها لتنام .
فوالله إننا نتساءل أيتها الأخوات؟
من فرض عليكن أقمشةً خاصة للحفلات .بل من فرض عليكن أنماطاً معينة من الموديلات ،
من قال أن ثوب الحفلة لا يمكن تكراره لعدة حفلات ومن قال أن أطباقا من المكياج يجب أن تعتلي وجوه الحاضرات ..بل حتى الصغيرات...فقد تزين وجهها بالأصباغ ، وشعرها بالألوان وجلدها بالأدهان ..
ما فكرت يوم من الأيام أن تزين هيئتها الحسنة بالأخلاق الطيبة أو تزين عملها الواجب بالسنن المستحبة أو تزين آخرتها بالأعمال الصالحة كما زينت دنياها بكل زينة ..
فتشتري الثوبَ بأغلى سعر وأعلى قيمة ..لعل سعر المتر الواحد فيه
يكفي أسرة كاملة لمدة طويلة .. تلبسه ثُمَّ تلقيه ..
تقف لساعات طويلة كالمسمار أمام المرآة ، تُصفف شعرها وتصبغ وجهها تجرِّب ذلك اللباس، وتطرح الآخر، حتى تملَّها مرآتها وأدواتها ..
بل ممن أصبحت تجيد التمايل والرقص في مناسبة وغير مناسبة
وقد تجد أما أو زوجا وللأسف يشجعها على هذا الوضع ولا يبالي بنوعية مناسباتها وضرورة خروجها .
تقول إحدى الغافلات
(لم أجد بابا إلا طرقته ،و لا معصية وخطيئةً إلا جربتها ، والنهايةُ أسوأُ من البداية ، ألم وضياع ، وحرقة واكتئاب ) .
قلب في الشهوات منغمس،وعقل في اللذات منتكس ،همته مع السفليات،ودينُه مستهلك بالمعاصي والمخالفات،كيف حاله ؟
كيف سيكون ؟ و ما هو مآله ؟
ألا ترين ما بالعيادات النفسية وفى أماكن الرقى الشرعية من حالات الضيق الاكتئاب ،والهموم والغموم
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )
فهل بعد هذا كله تقطعين الصلة بالله وتتهاونين فى مصدر الخير والسعادة
( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ،وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )
إننا نحزن والله من تلك العثرات من كثير من النساء
عباءتها على كتفها .. تغلق باب السيارة مع السائق وتجول يمنة ويسره معه ولا تبالي ..
بل بعضهن تخرج معه لأمورٍ ليست بأهمية فمنهن من متى شاءت خرجت..ولو لوحدها ولا تبالي بحديث نبيها عليه الصلاة والسلام:(لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم )
فأصبحت المرأة.. تعيش في تيه وفراغ وغفلة وضياع
فترتكب المحرمات ولا تحزن..تحرم من الحسنات ولا تأسف
حياتها من غير هدف حتى أصبحت الدنيا أكبر همها ..
مشغولة بغير مهمة ...متحركة في غير نفع
لم تبكي يوما من ذنوبها وتفريطها...
ولم تحزن على الفرائض وتضييعها
تجلس الساعات الطوال أمام الشاشات تقلب القنوات وتتابع الأفلام والمسلسلات..وتراقب المنوعات والممنوعات , بل تجدها فى المشغل تنحني بين يدي المزينة و الكوافيره جل النهار وطرفا من الليل وربما فاتت لذلك الصلوات ...وضاعت الذريات .. ولا تبالي لو ارتكبت بالتزين كثيرا من المحرمات ككشف العورات والتشبه بالرجال والكافرات ألا تعلم
( أن من تشبه بقوم فهو منهم ) كما قال عليه الصلاة والسلام
ألم تقرأي ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )
ألم تسمعى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا. )
فما بالك أخيتي ؟
ما بالك تخدعين بمعسول الكلام ؟
وتلهثين خلف وسائل الإعلام بدون عقل ولا تفكير ؟
وماذا تقولين في تلك التي تدخل محل الملابس وتساوم البائع بلين
وعدم حياء ألا تعرفني أنا أشتري منك دائما... وتحاول معه وتلين الحديث وتستجدي البائع .. وأخيراً تلقى بآخر أوراقها أمامه وهي تقول :ولأجلي بكم تبيعه ؟فلا حول ولا قوة إلا بالله يسقط الحياء وتباع العفة ...ولأجلها يوافق ..ولا حول و لاقوة إلا بالله
أين أنت..أين أنت عن قول الله:
( وإن سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب )لماذا ؟
(ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) درء للفتنه ودرء للرذيلة
بل تجد الكثيرات ما يزيد على ثلاث ساعات لرحلة السوق للمرة الواحدة ،وهذه الساعات الطوال ليس فيها ذكرالله .. بل جريٌ ولهث من محل إلى محل ومن مكان إلى مكان آخر .
أهذا هم المرأة المسلمة ؟
ألهذا خلقت؟!وهل مستوى تفكيرها لا يتعدى فستانا رأته ..
ولا يتجاوز حذاء لبسته ؟؟
أختاه ... يا أختاه : إني ناصح
يخشى عليك الذئب والجزارا ....إنّ العدو وإن تأنق سمته
يهدي الرذيلة والأذى والنارا.....يبغونك عوجاً وأنت وسيلةٌ
فاستغفري من ذنبك استغفارا.....أختاه هل للقبر من منجى إذا
عقدت لسانك حيرةً وصغارا ؟1..أختاه : عودي للإله وأبشري
سيري على نهج النبوة حرّةً ....في درب من بلغوا المنى أحرارا
تأملى فى تلك المرأة التى تربت على طاعة الله تربت على دوام الصلة بالله لم تنغمس فى الشهوات ولم تضيع الأوقات وعندما تزوجت .. تأملى وفي ليلة زواجها.. نعم ليلة دخلتها وفي آخر الليل ..تستيقظ وهي تردد "رحم الله امرأة قامت من الليل فصلّت فأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء " تتذكر حديث نبيها عليه الصلاة والسلام
لتقوم بأمر زوجها بصلاة الليل ولو كانت أول ليلة معه..لاإله إلا الله أين النساء ...أين اللاتي همهمن في تلك الليلة زينتهن ..بل منهن من لا تبالي بصلاة الفجر
فاسمعن يا نساء الغفلة ... اسمعن يا نساء الشهوات
اسمعن يا نساء الأسواق ويا نساء القنوات يا من ضيعن الطاعات وكثيرا من الأوقات..
سؤال يوجهه كل منكن أيتها الأخوات لنفسها ..
كم عمرك وماذا قدمت لنفسك في هذا العمر الذي مضى(3/110)
كم سنة تؤملين العيش والبقاء؟ ستون سنة؟ سبعون؟ ثمانون؟
ثم ماذا؟{وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}
فيا أمة الله :أتقى النار ..يوم تعودين إلى الله ..وتقبلين عليه .. وتقفين بين يديه وحيدة فريدة ...طريدة شريدة ...يوم تعرضين عليه .....أتقى النار وتذكرى ما قاله نبينا عليه الصلاة والسلام لابنته وحبيبتيه(يا فاطمة..أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك من الله شيئا )
هذه فاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام فماذا عنك أنت؟
انقذى نفسك من النار !!
وأنت تسمعين حديث نبيك عليه الصلاة والسلام وسلم :"قمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء
فاحذري -أختي أن تكوني منهن فلا تسلكي سبيلهن ...
فاسلكي طريق النجاة واستيقظي من الغفلة ولا تعرضي عن الله .
"ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشه ضنكا "
قولي لنفسك حدثيها ، وحاسبيها واصدقيها ..
يا نفس ويحك قد أتاك هداك** أجيبي داعي الحق إذ ناداك .
كَمْ قَدْ دُعِيْتِ إِلَى الرَّشَادِ ، فَتُعْرِضِيْ ** وَأَجِبْتِ دَاعِي الْغِيِّ حِيْنَ دَعَاكِ
قُوْلِيْ لها : يا نفسُ إلى متى ؟أما آن لك أن ترعوي ؟!
أما آن لك أن تستحى أما تخافين من الموت.. أما تخشين من المرض ،
أختاه أخبريني :لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك ،
أكان يسُرُّكِ حالُك وما أنت عليه ؟!
أنسيت أننا صائرون إلى قبور موحشة وحفر مظلمة
أنسيت الآخرة ؟ أنسيت الجنة وما فيها من نعيم ،
فيا من ركعت لله ...سجدت لله ...أنت المؤمنة الطاهرة العفيفة..
هل يليق بمن كرمها الله بهذا الدين أن تضييع أوقاتها
هل يليق بمن هذه صفاتها أن تكون وسيلة من وسائل الشيطان
لا وألف لا ...فاستيقظي أخيه .. وابدئي ولا تسوفي ولا تفرطي
فانطرحي بين يدي الله ...واستجيبي للحياة الطيبة والسعادة الأبدية
نسأل الله أن تكوني مفتاحا للخير مغلاقا للشر مباركة أين ما كنت وأن يبارك لنا جميعا في أوقاتنا وأن يصلح أحوالنا ..
ونصلى ونسلم على أشرف خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المصدر : قافلة الداعيات
=============
آهات زعموها حبا...!!!
يسري صابر فنجر
تعلق بها ولا يستطيع تركها
تعلقت به ولا تستطيع تركه
آهات وأنات يشتكي منها كثير من الشباب والفتيات أصبحت كل حياتهم وجل اهتمامتهم فهي جنتهم ونارهم وسول لهم الشيطان أعمالهم.....
هذا التصور وهذا التعلق بين الشباب والفتيات نتج عن التأخر في الزواج وتأجيج الغرائز والشهوات مع الفراغ الديني والأنانية المطلقة فهذا التعلق ليس له حدود ولا كيان هكذا نشروه عبر قنواتهم من خلا ل الأفلام والمسلسلات وغيرهما... وأثر في شرائح عديدة من مجتمعاتنا المسلمة ودنس أفكارهم وفطرتهم وانتشر بينهم زعموه حبا وهو شقاء ومعظم الزيجات التي تتم بذلك مآلها الفشل والحسرة إن تم زواج أصلا وإلا فعلاقات محرمة والحسرة في ذلك ليست على الأفراد فقط بل على الأسر والمجتمعات لأن مبناها على شهوة فإن نالها الشاب أو الفتاة رجع له أو لها فراغه أو فراغها الديني والعاطفي وبحث عن غيرها وبحثت هي عن غيره ....ويستمر الشقاء تحت دعوى التعلق والحب لأن شهوتهم ليس لها حدود وأنانيتهما مطلقة فلم يحب أحد منهما الآخر ولا تعلق به بل أحب كل منهما نفسه التي سولت لهما هذا التعلق فإن من أحب إنسان وتعلق به أحب له الخير وأحب له السعادة حتى ولو كانت مع غيره فضلا عن أن يكون سبب أذيته وتعاسته وشقائه
والعلاج باختصار هو ملئ هذا الفراغ الديني الذي عند الشباب وتنشأتهم على الشريعة الغراء الواضحة البيضاء وهذا هو واجب أولياء الأمور أن يحيطوا هؤلاء الشباب والفتيات من ورائهم فإن كان هذا التعلق الذي حدث ويحدث من الشاب أو الفتاه خارج عن الشريعة الإسلامية داخل فيما حرمه ربنا وكان ثالث هذه العلاقة الشيطان فيكون لسان حال هذا الشاب أو الفتاة: أما الحرام فالممات دونه، ويكون قدوته في ذلك يوسف عليه السلام : معاذا الله إنه ربي أحسن مثواي ... فلا أفسد هذا الخلق الذي رباني ربي عليه والفتاة في ذلك كالشاب مأمورة ألا تفسد هذا الخلق الذي رباها خالقها عليه ولينته كل منهما عن التفكير في ذلك وينتصرا على تزيين الشيطان لهما وعلى نفسهما الأمارة بالسوء وليلتزم كل منهما بالدعاء (اللهم اغفر ذنبي وطهر قلبي وحصن فرجي )وهذا هو الذي دعا به رسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أراد أن يرخص له في الزنا فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال:أن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه فقال: ادنه فدنا منه قريبا قال: فجلس قال: أتحبه لأمك قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال: أفتحبه لابنتك قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم قال: أفتحبه لأختك قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال: أفتحبه لعمتك قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم قال: أفتحبه لخالتك قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
أما إن كان هذا التعلق في إطار الشريعة الغراء فيلتزم الشاب أو الفتاة بالزواج بقواعده وضوابطه التي تؤسس بها الأسر المسلمة فقد أثر عن بعض السلف قوله: لم أر للمتحابين إلا الزواج ، فإن كان كل منهما يرى أنه كفئ للآخر من حيث الدين أولا فاظفر بذات الدين تربت يداك .... إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ثم الحسب أو النسب ثم المال ثم الجمال وإن كان أحدهما مضيع لدينه فلينصرف الآخر عنه ولينته عن هذا التعلق وسيعوضه الله خيرا منه إن بنى حياته على هذه الأسس التي قررتها الشريعة.
وأوصي كل من أصيب بهذا الداء ومن لم يصب به للوقاية منه بقراءة كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي وتارة يسمى بالداء والدواء لابن القيم رحمه الله
وختاما حب الدين والتعلق بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فوق كل تعلق وأعلى من كل شئ وأغلى من كل كيان فيكون الله ورسول أحب إليك مما سواهما قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين" رواه البخاري ومسلم
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله ويكره ما يكرهه الله ورسوله ويرضي ما يرضي الله ورسوله ويسخط ما يسخط الله ورسوله وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض فإن عمل بجوارحه شيئا يخالف ذلك ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة.
اللهم نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك
============
وقفات مع حفظ الوقت
(1)
الوقت في النصوص الشرعية
لقد دلت النصوص الشرعية على أهمية حفظ الوقت, ومن ذلك ما يلي:
1. قال تعالى: )وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ( [العصر: 1-3].
قال ابن عباس: العصر هو الزمن.(3/111)
فقد أقسم الله عز وجل في هذه السورة الكريمة بالعصر -الذي هو الدهر-، وإذا أقسم الله عز وجل بشيء من مخلوقاته فذلك دليل على عظم شأن ذلك الأمر.
قال بعض المفسرين: «أقسم الله تعالى بالعصر لما فيه من الأعاجيب؛ لأنه يحصل فيه السراء والضراء, والصحة والسقم, والغنى والفقر, ولأن العمر لا يقوم بشيء نفاسة وغلاء, فلو ضيعت ألف سنة فيما لا يعني ثم تبت وثبتت لك السعادة في اللحمة الأخيرة من العمر بقيت في الجنة أبد الآباد, فعلمت أن أشراف الأشياء حياتك في تلك الملحمة, فكان الزمان من جملة أصول النعم, فلذلك أقسم الله به, ونبه سبحانه على أن الليل والنهار فرصة يضيعها الإنسان، وأن الزمان أشرف من المكان فأقسم به؛ لكون الزمان نعمة خالصة لا عيب فيها, إنما الخاسر المعيب هو الإنسان»(1) ا.هـ
2. وروى البخاري في صحيحه(2) من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس, الصحة والفراغ».
فدل هذا الحديث الشريف على أن الفراغ نعمة عظيمة من الله عز وجل, وأن كثيرا من الناس مغبون في هذه النعمة, وسبب ذلك الغبن يرجع إلى أحد ثلاثة أمور:
1- أنه لم يستغل هذا الفراغ على أكمل وجه, وذلك بأن يكون قد شغل فراغه بأمر مفضول مع أنه كان بإمكانه أن يشغله بأمر أفضل.
2- أنه لم يشغل هذا الوقت بشيء من الأعمال الفاضلة التي تعود عليه بالنفع في دينه ودنياه, وإنما شغله بأمور مباحة لا أجر فيها ولا ثواب.
3- أنه شغله بأمر محرم -والعياذ بالله-, وهذا أشد الثلاثة غبنا, فهو ضيع على نفسه فرصة استغلال الوقت بما يعود عليه بالنفع, ولم يكتف بذلك بل شغل وقته بما يكون سببا لتعرضه لعقوبة الله عز وجل في الدنيا والآخرة!
(2)
أهمية الوقت عند العقلاء
أهمية الوقت ووجوب حفظه مما اتفق عليه العقلاء، والأوجه التي تبين أهمية الوقت من جهة العقل كثيرة, نذكر منها ما يلي:
1- أن الوقت هو رأس مال الإنسان: قال الحسن: يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك. وقال عمر بن عبد العزيز: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
وقال شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له
... ... إن الحياة دقائق وثوان
2- أن الوقت سريع الانقضاء: قال رجل لعامر بن عبد قيس -أحد التابعين-: كلمني. فقال له: امسك الشمس! وقال الإمام أحمد: ما شبهت الشباب بشيء إلا بشيء كان في كمي فسقط.
وقال أبو الوليد الباجي:
إذا كنت أعلم علما يقينا
... ... بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنينا بها
... ... و أجعلها في صلاح وطاعة
3- الوقت إذا فات لا يعود: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل، ولله حق بالليل لا يقبله بالنهار. وقالوا لعمر بن عبد العزيز: لو ركبت وتروحت؟ فقال لهم: فمن يجزىء عني عمل ذلك اليوم؟ فقالوا: تؤجله إلى الغد. فقال لهم: فدحني عمل يوم واحد فكيف إذا اجتمع عليّ عمل يومين؟!
ولهذا كان الوقت عند السلف أغلى من الدراهم والدنانير، قال الحسن: لقد أدركت أقواما كانوا أشد حرصا على أوقاتهم من حرصكم على دراهمكم ودنانيركم!
و كان محمد بن سلام جالسا في مجلس الإملاء والشيخ يحدث، فانكسر قلم محمد بن سلام، فقال: قلم بدينار، فتطايرت إليه الأقلام. وكان الدينار يشتري قرابة مائة وخمسون قلم، ولكن محمد بن سلام اشترى به تلك اللحظات التي إذا فاتت فإنها لا تعود.
وقال ابن هبيرة:
و الوقت أنفس ما عنيت بحفظه
... ... وأراه أسهل ما عليك يضيع
4- أن الإنسان لا يعلم متى ينقضي الوقت الذي فسح له فيه: ولهذا أمر الله عز وجل في آيات كثيرة من كتابه بالمسارعة والمسابقة والتنافس، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمبادرة بالأعمال الصالحة.
وقد حذر العلماء من التسويف، قال الحسن: إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غد لك فكس فيه كما كست في اليوم، وإلا يكن الغد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم.
وقال ابن القيم: التسويف رؤوس أموال المفاليس.
(3)
الناس والوقت
إن الناظر في أحوال الناس يجد أنهم تجاه الوقت على طبقات:
الأولى: من أعمالهم النافعة أكثر من أوقاتهم، ويذكر أن الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله مَرّ بمقهى، فرأى رواد المقهى وهم منهمكين في لعب الورق والطاولة وشرب المشروبات ويمضون في ذلك الوقت الطويل, فقال رحمه الله: لو كان الوقت يشترى لاشتريت من هؤلاء أوقاتهم!
الثانية: من يشغلون جميع أوقاتهم في الركض وراء ما لا فائدة فيه، إما في علم لا ينفع أو أمور الدنيا الأخرى.
وذكر ابن القيم قصة رجل كان يفني عمره في جمع الأموال وتكديسها، فلما احتضر قيل له: قل لا إله إلا الله. فلم يقلها، وجعل يقول: ثوب بخمسة، وثوب بعشرة، هذا ثوب جيد. وما زال هكذا حتى خرجت روحه.
و من ينفق الأيام في جمع ماله
... ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر
الثالث: من لايدرون ماذا يفعلون بالوقت؟!
قال ابن الجوزي: «وقد رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعا عجيبا، إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة، أو في الأسواق، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر،.... ولقد شاهدت خلقا كثيرا لا يعرفون معنى الحياة، فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظر في الناس، وكم تمر به من آفة ومنكر، ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج، ومنهم من يقطع الزمان بحكاية الحوادث عن السلاطين والغلاء والرخص إلى غير ذلك، فعلمت أن الله لم يطلع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلا من وفقه وألهمه اغتنام ذلك )وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ( [فصلت: 35]».
والسبب في تفوات أحوال الناس مع الوقت يرجع إلى ثلاثة أسباب رئيسة:
السبب الأولى: عدم تحديد هدف من الحياة، والواجب على المسلم أن يعلم أن الهدف الذي خلقه الله عز وجل من أجله هو عبادته, كما قال تعالى: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( [الذاريات: 56]، وليعلم أن هذه الدار دار عمل وليست دار راحة وعبث كما قال تعالى: )أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ( [المؤمنون: 115], فالدنيا مزرعة للآخرة إن زرعت فيها خيرا جنيت النعيم المقيم في جنات النعيم, وإن زرعت فيها شرا جنيت العذاب الأليم في ذلك اليوم العظيم.
ولا يتنافى هذا مع التمتع بما أذن الله عز وجل فيه من هذه الدنيا, فقد قال تعالى: )وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا( [القصص: 77]، وقال صلى الله عليه وسلم: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني»(3).
السبب الثاني: الجهل بقيمة الوقت وأهميته, وهذا ما سنحاول التذكير به في هذه المقالة.
السبب الثالث: ضعف الإرادة والعزيمة, فكثير من الناس مدركون لأهمية الوقت وقيمته, ويعرفون ما ينبغي أن يملأ به الوقت من الأمور النافعة, ولكن بسبب ضعف عزيمتهم وإرادتهم لا يقومون بشيء من ذلك, فعلى المسلم أن يعالج هذا بالمسابقة والمبادرة إلى الأعمال الصالحة، والاستعانة على ذلك بالله عز وجل أولا ثم بالرفقة الصالحة.
وإذا كانت النفوس كبارا
... ... تعبت في مرادها الأجسام
(4)
الشباب(3/112)
أعز مراحل العمر مرحلة الشباب: قال تعالى: )اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً( [الروم: 54] الآية.
وقالت حفصة بنت سيرين: يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب.
وقال الشاعر:
أترجو أن تكون وأنت شيخ
... ... كما كنت أيام الشباب
لقد خدعتك نفسك ليس ثوب
... ... دريس كالجديد من الثياب
فعليك أخي الشاب أن تبادر باستغلال مرحلة الشباب قبل أن تفوتك فلا ينفعك الندم، وقد سبق قول الإمام أحمد: ما شبهت الشباب بشيء إلا بشيء كان في كمي فسقط!
(5)
تقديم الأهم على المهم
إن من فطنة المرء وذكائه أن يحرص على شغل وقته بما هو أهم, فلا يكفي أن تشغل وقتك بأمر نافع حتى ولو كان مهما إذا كان بإمكانك شغله بما هو أنفع وأهم, وهذا يشمل جميع الأفعال والأقوال.
ولنضرب لذلك بعض الأمثلة التي توضح المقصود:
1. إذا ازدحم عندك عملان في وقت واحد, أحدهما نفعه قاصر عليك كصلاة نافلة مثلا, والآخر نفعه متعدي كتعليم العلم, فإنك تقدم ما نفعه متعدي.
2. إذا ازدحم عندك عملان أحدهما يفوت بفوات وقته كالدعاء في ساعة إجابة, والآخر يمكن تأجيله, فإنك تقدم ما يفوت بفوات وقته.
3. إذا أردت أن تتكلم بكلمة فوجدت كلمة أنفع منها, فدع الكلمة الأولى وتكلم بالثانية.
وفي هذا يقول ابن القيم: «وأما اللفظات فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة, بأن لا يتكلم إلا فيما يرجو الربح والفائدة في دينه, فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها, وإن كان فيها ربح نظر: هل تفوته بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه» ا.هـ
الله أكبر! ما أعظم هذا الفقه! وكيف يكون حالنا لو طبقنا هذا على ما نتكلم به من كلام؟!
(6)
لا تدع في وقتك فراغا
المؤمن ليس عنده وقت فراغ, قال تعالى: )فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ( [الشرح: 7] قال بعض المفسرين: «المعنى إذا أتممت عملا من مهام الأعمال فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة»(4) ا.هـ
ومما ابتلينا به في هذه الأزمان تباعد المسافات بين الأماكن, فتجد بين الشخص ومكان عمله مسافة تستغرق فترة طويلة من الزمن حتى يصل إليه, وليس له بد من ذلك, فلماذا لا يستغل هذا الشخص زمن ذهابه إلى عمله وعودته منه في الاستماع إلى الأشرطة العلمية النافعة أو إذاعة القرآن الكريم؟! فإن لم يكن فلا أقل من أن يشغل الإنسان لسانه بذكر الله عز وجل.
قال عبد الله بن عبد الملك: كنا مع أبينا في موكبه, فقال لنا: سبحوا حتى تأتوا تلك الشجرة, فنسبح حتى نأتيها, فإذا رفعت لنا شجرة أخرى قال: كبروا حتى تأتوا تلك الشجرة, قال عبد الله: فكان يصنع ذلك بنا.
وأيضا لماذا لا نشغل أوقات الانتظار في المستشفيات ومكاتب الخدمات الأخرى ونحوها في قراءة أحد الكتب النافعة؟!
وأيضا لماذا لا نستغل أوقات الفراغ التي تكون في أثناء الدوام بما يعود علينا بالنفع في آخرتنا؟! بشرط أن لا يكون ذلك على حساب العمل الرسمي الذي يتقاضى الموظف أجره عليه.
وأيضا إذا كنا في فترة استجمام لماذا لا ننوي بذلك التقوى على الطاعة والعبادة, فنؤجر على ذلك؟!
قال معاذ بن جبل لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: كيف تقرأ القرآن؟ فقال: أتفوقه تفوقا(5). قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم فاقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي(6).
(7)
نماذج واقعية لحفظ الوقت
إن النفس البشرية تتأثر بالنماذج الحية أبلغ من تأثرها بالخطب والمواعظ! ولذا فسوف أسوق نماذج لسلفنا الصالح ولبعض المعاصرين تبرز عنايتهم بحفظ أوقاتهم في جميع الأحوال والأوضاع, حتى نتخذ منهم قدوة لنا في حياتنا العملية, فإلى تلك النماذج العجيبة:
1. حماد بن سلمة: قال ابن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة إنك تموت غدا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا(7). وقال موسى بن إسماعيل التبوذكي: لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا لصدقت، كان مشغولا إما يحدث أو يقرأ أو يسبح أو يصلي، وقد قسم النهار على ذلك. قال يونس المؤدب: مات حماد بن سلمة وهو في الصلاة.
2. أبو حاتم الرازي وابنه عبد الرحمن: قال أبو حاتم: سألنا القعنبي أن يقرأ علينا «الموطأ»، فقال: تعالوا بالغداة، فقلنا له: مجلس عند الحجاج، قال: فإذا فرغتم من الحجاج، قلنا: نأتي مسلم بن إبراهيم، قال: فإذا فرغتم، قلنا: يكون وقت الظهر ونأتي أبا حذيفة، قال: فبعد العصر، قلنا: نأتي عارم. قال:فبعد المغرب. فنأتيه(8) بالليل فيخرج علينا فيخرج علينا كثر ]كذا[ ما تحته شيء في الصيف في الحر الشديد، فكان يقرأ وعليه كساؤه، ولو أراد لأعطي الكثير(9).
ويذكرني هذا بقول ابن فارس:
إذا كان يؤذيك حر المصيف
... ... ويبس الخريف وبرد الشتاء
ويلهيك حسن زمان الربيع
... ... فأخذك للعلم قل لي: متى؟!
وقال أحمد بن علي لعبد الرحمن بن أبي حاتم: ما سبب كثرة سماعك الحديث من أبيك؟ وكثرة سؤالاتك له؟ فقال: ربما كان يأكل طعامه وأنا أقرأ عليه الحديث ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه(10).
3. ثعلب النحوي أحمد بن يحيى البغدادي: جاء في أخبار كثير من العلماء أنهم كانوا يطالعون ويقرؤون وهم يمشون في الطريق، ولكن من أعجب ذلك ما جاء في ترجمة ثعلب، قال العسكري: «وكان سبب وفاته أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر، وكان قد لحقه صمم لا يسمع إلا بعد تعب، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق، فصدمته فرس فألقته في هوة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فحمل إلى منزله على تلك الحال وهو يتأوه من رأسه، فمات ثاني يوم، رحمه الله».
أما نحن في هذا الزمان فقد منّ الله علينا بنعمة تغنينا عن القراءة حالة السير، وهي نعمة مسجل السيارة، فيلها من نعمة لمن أحسن الانتفاع بها!
4. أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي: قال ابن رجب في ترجمته: «ولابن عقيل تصانيف كثيرة في أنواع العلم، وأكبر تصانيفه: كتاب «الفنون» وهو كتاب كبير جدا،... وقال الحافظ الذهبي في تاريخه: لم يصنف في الدنيا كتاب أكبر من هذا الكتاب، حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة»(11) وذكر ابن رجب عن بعض العلماء أنه في ثماني مائة مجلدة.
وكان ابن عقيل يقول: لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين.
5. ابن الجوزي: قال ابن عبد الهادي: لا أعلم أحدا صنف أكثر من ابن الجوزي إلا شيخنا الإمام الرباني أبا العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني رضي الله عنه. وقال ابن رجب: لم يترك فنا من الفنون إلا وله فيه مصنف.(3/113)
وله عجائب في حفظه لوقته, ومن ذلك أنه شكى من زيارة البطالين له وإضاعتهم لوقته, ثم قال: «فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهابه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغا، فجعلت من الاستعداد للقائهم قطع الكاغد وبري الأقلام وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم، لئلا يضيع شيء من وقتي»(12).
6. الحافظ عبد الغني المقدسي: قال الضياء المقدسي في ترجمته: كان لا يضيع شيئا من زمانه بلا فائدة، فإنه كان يصلي الفجر ويلقن القرآن وربما أقرأ شيئا من الحديث تلقينا، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاث مئة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبل الظهر، وينام نومة ثم يصلي الظهر، ويشتغل إما بالتسميع أو بالنسخ إلى المغرب،فإن كان صائما أفطر وإلا صلى من المغرب إلى العشاء، ويصلي العشاء وينام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنسان يوقظه فيصلي لحظة ثم يتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، ربما توضأ سبع مرات أو ثمانيا في الليل، وقال ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبه ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر وهذا دأبه.
7. النووي: كان عمره عندما توفي (45) سنة، استطاع فيها أن يحصل هذه العلوم الجمة، وأن يؤلف تلك الكتب العظيمة التي انتشرت وملأت الأرض شرقا وغربا, فهل أتى هذا من فراغ؟!
قال ابن العطار في ترجمته: «وذكر لي الشيخ أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا: درسين في الوسيط، ودرسا في المهذب، ودرسا في الجمع بين الصحيحين، ودرسا في صحيح مسلم، ودرسا في اللمع لابن جنى، ودرسا في اصطلاح المنطق لابن السكيت، ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه تارة في اللمع لأبي إسحاق وتارة في المنتخب لفخر الدين، ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدين، وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح عبارة وضبط لغة، وبارك الله لي في وقتي».
8. ابن تيمية: يعد الإمام ابن تيمية من أكثر العلماء تأليفا للكتب, وتمتاز كتبه بأنها في الغالب من إنشائه وليست قائمة على النقل فقط كما هو حال كثير من المكثرين.
قال الذهبي: «وما يبعد أن تصنيفه إلى الآن تبلغ خمس مائة مجلد»، وقال ابن عبد الهادي: «ولا أعلم أحدا من المتقدمين ولا من المتأخرين جمع مثل ما جمع، ولا صنف نحو ما صنف، ولا قريبا من ذلك، مع أن تصانيفه كان يكتبها من حفظه، وكتب كثيرا منها في الحبس وليس عنده ما يحتاج إليه، ويراجعه من الكتب».
ويلفت العلامة ابن القيم نظرنا إلى سبب كان له أهمية بالغة في المباركة في وقت شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال ابن القيم في الوابل الصيب: «الحادية والستون من فوائد الذكر: أنه يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابته أمرا عجيبا، فكان يكتب في يوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر».
و قال في موضع آخر: «وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي. أو كلاما قريبا من هذا، وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجماع نفسي وإراحتها، لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر. أو كلاما هذا معناه».
9. عبد الله بن فائز أبا الخيل _ المتوفى سنة (1251) أحد علماء نجد _ قال ابن حميد في ترجمته: ( وله مدارسة في القرآن العظيم مع جماعة في جميع ليالي السنة، ويقرءون إلى نحو نصف الليل عشرة أجزاء وأكثر، وأعرف مرة أنهم شرعوا من سورة الفرقان بعد العشاء وختموا! وكنت أحظر وأنا ابن عشر مع بعض أقاربي فيبلغني النوم، فإذا فرغوا حملني إلى بيتنا وأنا لا أشعر، وكان مع القراءة يراجع «تفسير البغوي» والبيضاوي كل ليلة رحمه الله تعالى»(13).
10. سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز: عناية الشيخ ابن باز رحمه الله بالوقت وحفظه له لا يتسع لها هذا الموضع, ولكن أذكر موقفا عجيبا حصل للشيخ في أول حياته عندما كان قاضيا في الخرج, قال صاحب كتاب «ابن باز في الدلم»: «ومن الصفات الخاصة لسماحته حبه للتنزه في البر والبساتين القريبة من البلد،... فذات يوم خرج مع طلابه إلى مكان غربي الدلم، وليس معهم سوى حمار واحد، فبعد جلوسهم وبداية القراءة اسودت السماء بالسحب ثم بدأت الرياح وهطلت الأمطار غزيرة عليهم وهم جلوس، فأخذوا الفراش الذي تحتهم ووضعوه على رؤوسهم، ولكن الشيخ قال لهم: هل نبقى هنا حتى الموت؟! هيا نذهب إلى أقرب مكان، فساروا باتجاه البلد، ولكن الليل مظلم! عندئذ رأوا نارا من بعيد فاتجهوا نحوها، فإذا هم عائلة آل فلان، في مزرعتهم ينتظرون الشيخ ومن معه لعلمهم أنه ذهب إلى البر.... فلما وصل الشيخ ومن معه دخلوا «المتبنة» فلما اطمأن الشيخ والطلاب من المطر والبرد، طلب من تلميذه عبد الرحمن بن جلال أن يقرأ عليهم حزبه من القرآن... ولم يكن لتلك الظروف أن تمنع من ذلك،... ثم ناموا حتى الصباح!».
11. الشيخ العلامة عبد الله ابن جبرين: من ينظر في حياة الشيخ العلامة ابن جبرين - حفظه الله - يرى العجب في شغله لوقته بالعلم ونفع الناس, والأخبار في ذلك كثيرة, لكن سوف أذكر ما ذكره الشيخ في أحد المقابلات معه حول جدولهم اليومي عندما كانوا يطلبون العلم عند المشايخ, قال حفظه الله: «نبدأ بعد الفجر مباشرة في قراءة بعض كتب النحو والفرائض، ثم في الضحى نواصل القراءة لمدة ساعة أو أكثر في بعض الشروح، ثم بقية الضحى نتذاكر ما استفدناه في ذلك اليوم، ثم بعد العصر نستمر في القراءة في كتب أخرى، وهكذا بعد المغرب، أما الحفظ فنخصص له ما بين الظهرين وبعد العشاء، فنتذاكر فيهما الحفظ السابق»(14) ا.هـ
12. قال صاحب كتاب «كيف تحفظ القرآن الكريم»: «ومن أطرف ما سمعت أن مجموعة من السجناء لم يكن معهم مصحف، فكان كل واحد منهم يلقن الجميع ما يحفظه من القرآن، فحفظوا كامل القرآن ماعدا آخر صفحة من سورة الأنفال فلم يجدوا بينهم من يحفظها، فأهمهم الأمر كثيرا، حتى جاء دور واحد منهم للتحقيق، فلما خرج إلى ساحة المحكمة للانتظار كان أهم عمل عنده أن يبحث عمن يحفظ آخر الأنفال، فعثر عليه بين الحاظرين فتلقاها منه همسا، ثم رجع إلى إخوانه بأعظم هدية، فتهافتوا عليه، فلقنهم إياها، فحفظوها لأول مرة مثل الفاتحة!» ا.هـ
وأخيرا:
فهذه وقفات مع حفظ الوقت أردت بها تذكير نفسي وإخواني بأهمية الوقت ووجوب العناية بحفظه واستغلاله على أكمل وجه, وإن كان هذا الموضوع بحاجة إلى بسط أكثر, وأسأل الله عز وجل أن يثبتنا على الحق, وأن يحسن لنا الختام, وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا, والله تعالى أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
سامي بن محمد بن جاد الله
===============
توجيهات إلى طالب العلم
طلال بن مشعل الشمري
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ...وبعد :(3/114)
فهذه رسالة قيمة مفيدة كتبها أحد إخواننا الطلاب تشتمل على جملة من آداب طلب العلم ، وفضله ، وكيفيته ، فأحث إخواني الطلاب الاستفادة من هذه الرسالة بقراءتها وتطبيقها .
أسأل الله عز وجل أن يجزي كاتبها خير الجزاء ، وأن يعظم له الأجر والمثوبة وأن ينفع بها من كتبها وقرأها إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ..
د.خالد بن علي المشيقح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
أما بعد :
أخي المبارك : طالب العلم
اعلم يقيناً أن من نعم الله عز وجل عليك التي لا تعد ولا تحصى كما قال عز وجل:
) وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ( ، أن وفقك ويسر أمرك من بين خلق كثير إلى طلب العلم ، وهداك لأن تكون من ورثة الأنبياء والمرسلين .
وإن علامة توفيق الله عز وجل لك قوله صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " ، فأحمد الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة والمنقبة الجليلة ، فكم من أناس يعيشون ويتقلبون في عالم مظلم يحيطه الجهل والشرك بالله وتلفه الذنوب والمعاصي ، ولا تنفك عنهم إلا إذا أراد الله بهم خيراً ورحمهم فإنه أرحم الراحمين .
أخي طالب العلم .. يارعاك الله :
إن أمة الإسلام أمة نبينا محمد r خير البشر أجمعين لتنتظر منك عطاء غير مجذوذ لا يتوقف بل تتدفق منك ينابيع الخير والعطاء وتشرق من وجهك المبارك أنوار العلم والتقى والعبادة ، فتعلم الناس وترشدهم وتفقههم في أمر دينهم ، وما يصلح به حالهم ، فإن طالب العلم ينبغي ألا يكون سلبياً بل إيجابي يحمل هم الأمة كما قيل ( كبير الهمة من يحمل هم الأمة) ، ويتحمل هم تعليم الناس ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، بفضل ربهم ، وينبغي أن يؤدي طالب العلم زكاة العلم فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " بلغوا عني ولو آية " .
فهلم أخي المبارك نزاحم العلماء في حلق الذكر ننهل من علمهم ونتحلى ونتزين بسمتهم وكريم سجاياهم وأخلاقهم فهم أهل التقى والصلاح ولهم الفضل بعد الله تبارك وتعالى .
والله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنا بهم في روضة من رياض الجنة إخواناً على سرر متقابلين .. اللهم آمين ...
ولقد تكرم شيخنا الشيخ : خالد بن علي المشيقح حفظه الله - آمين- بالإجابة على بعض الأسئلة التي تهم طالب العلم في مسيرته العلمية التي أسأل الله أن يوفق إخواني الطلاب وأن يكونون نجوماً يهتدي بها الناس في عالم قل فيه الوازع الديني في نفوس الناس وكثرة الشركيات والذنوب والبدع .
وأسأل الله عز وجل أن يجزي شيخنا خير الجزاء فلقد عكف الشيخ حفظه الله على تدريسنا في جمع الفنون وتبسيطها لنا كالفقه وأصوله والحديث وعلومه والتفسير والعقيدة وغيرها فجزاه الله خيراً وأجزل له المثوبة والأجر .
ولقد أردفت في آخر الرسالة كلام للشيخ محمد العثيمين رحمه الله في الأمور التي ينبغي لطالب العلم أن يحذر منها وبعض المواضيع الأخرى من كتابه المبارك كتاب العلم ، وكذلك أهمية السنة والتمسك بها للشيخ أبو بكر الجزائري من كتابه منهاج المسلم .
وختاماً أسأل الله عز وجل أن ينفع إخواني طلاب العلم بهذه الرسالة وأن يجعلها خالصة لوجه الكريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ..
وكتبه
طلال بن مشعل الشمري
مساء يوم الأحد
25/1/1426هـ
بيان فضل العلم وأهميته
العلم من أفضل العبادات وأجل القربات وهو طريق من طرق الجنة وقد تكاثرت النصوص الشرعية بفضله وعظم أجره من كتاب الله وسنة رسوله r ، وأقوال صحابته ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
فمن القرآن قوله عز وجل ) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( .
فنفى الله عز وجل المساواة بين العالم في كتابه وسنته وبين الجاهل في ذلك ، وقال سبحانه وتعالى ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ و ( ، فأهل العلم مرفوعون على غيرهم بدرجات ، وقال سبحانه وتعالى ) وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ( فما أمر الله عز وجل بالاستزادة من شيء إلا من العلم ، وأما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فكثيرة فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " ، ومن ذلك قوله : " من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " ، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : " وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع " .
وقال بعض السلف : لا أعلم رتبة بعد النبوة أرفع من رتبة العلم.
وابن القيم ذكر مفاضلة بين طالب العلم وطالب المال ، ففضل طالب العلم على طالب المال بأكثر من سبعين وجهاً ، من ذلك أن العلم يحفظ صاحبه ، وأم المال فصاحبه بحاجة إلى أن يحفظه .
ومن ذلك العلم ميراث الأنبياء ، أما المال ميراث الملوك ، ومن ذلك أن العلم يكون مع صاحبه حتى بعد مماته أما المال فإنه إذا مات صاحبه فإنه يرجع ويقتسمه الورثة إلى آخر ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى ، ففي هذه النصوص التي أوردنا ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، بفضل العلم وعظم منزلته عند الله وحث على التمسك به وطريقه والاستزادة منه ، والله أعلم ..
السؤال الأول :
كيف يوازن طالب العلم بين طلب العلم والدعوة إلى الله ؟
العلم الشرعي والدعوة إلى الله عز وجل متلازمان ، فإن الدعوة إلى الله عز وجل ثمرة من ثمار العلم الشرعي ، ونتيجة من نتائجه ، والعلم الشرعي لازم من لوازم الدعوة إلى الله عز وجل ، والدعوة إلى الله من تعلم العلم الشرعي ، وطالب العلم بإمكانه أن يوازن بين العلم الشرعي والدعوة إلى الله عز وجل ، بحيث إذا كان مبتدءاً فإنه يجعل جل وقته لتعلم العلم ، بالحفظ والمذاكرة والمراجعة ويجعل شيء من وقته في نهاية الأسبوع وفي الإجازات الصيفية للمشاركة في الدعوة إلى الله لأننا كما ذكرنا أن الدعوة من تعلم العلم الشرعي ، وفي هذا تربية للنفس وتدريب لها على إلقاء الدروس وحفظ النصوص واستحضارها وكيفية إلقاء الخطب والمواعظ ..الخ
وأما إن كان الطالب أخذ جملة من العلم الشرعي فإنه يوازن بينهما بأن يكون له وقت يقرأ فيه ، ويراجع ، ووقت آخر يدعوا فيه إلى الله عز وجل.
وننبه أن الدعوة إلى الله عز وجل لا يشترط فيها أن يكون الداعية حافظاً محدثاً أو فقيهاً مدققاً أو أصولياً نحريراً ، وإنما إذا تعلم شيء من سنن النبي صلى الله عليه وسلم وما أمر به أو نهى عنه فإنه يدعوا إخوانه ، وهذا هو ثمرة العلم ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الواحد بالآية إلى قومه فيأتي بهم مسلمين..
السؤال الثاني :
ألا ينبغي يا صاحب الفضيلة أن يكون طالب العلم من الأوائل والسابقين إلى الأعمال الصالحة هل من كلمة بهذا الخصوص ؟
نقول نعم ، فالعمل الصالح ثمرة من ثمرات العلم ، وأصل ذلك قول الله عز وجل ) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ( ، فالعلماء العالمون بكتاب الله وسنة رسوله r هم الذين يطبقون ويمتثلون ، ولهذا كان إمام المعلمين محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام كان أسرع الناس إلى التطبيق والعمل .(3/115)
وكذلك أيضاً الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وأضرب لذلك مثلاً في حديث عائشة والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه " ، وذلك من طول قيامه r ، وحديث ابن مسعود في صحيح البخاري أنه قال : " قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى هممت بأمر سوء قيل وما هممت به قال هممت أن أجلس وأن أدعه" من طول قيامه r ، وفي حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة ما يقرب من خمسة أجزاء .
وأيضاً حديث معاذ بن جبل في سنن الترمذي أنه قال للنبي r يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار (يريد أن يعمل).
وعبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يقوم الليل ويصوم النهار ويقرأ كل ليلة ، سأله النبي صلى الله عليه وسلم قال كيف تقوم قال أقوم كل ليلة ، قال كيف تصوم قال أصوم كل يوم ، قال كيف تقرأ قال أقرا كل ليلة .
وكان مسروق رضي الله عنه يقوم الليل حتى انتفخت ساقاه وكانت زوجته تقوم من ورائه وتبكي رحمه له .
فعلى طالب العلم أن يكون من السابقين إلى الأعمال الصالحة ، لأنك تأسف اليوم تجد أن بعض طلاب العلم يتأخرون ، فليس له حزب من كتاب الله يقرأه في الليل ، وليس له ورد من قيام الليل ، وأيضاً ليس له اهتمام بصيام السنة الراتبة صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ولا المحافظة على السنن الرواتب ، ولا على الوتر ، وأيضاً تجده في أطراف الصفوف يقضي الصلاة وهذا كله من الخلل والخطأ ..
السؤال الثالث :
ما هو موقف طالب العلم من الفتن ؟
موقف طالب العلم من الفتن ، أولاً : الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله r ، وإذا حصل شيء من الفتن عليه أن يرجع إلى القرآن والسنة ، وأن يقرأ فيهما وأن يتدبرهما ففيهما النجاة والعصمة من الفتن كما قال r : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ..كتاب الله وسنتي " .
وثانياً : عليه أن يرجع إلى العلماء الربانيين العالمين بكتاب الله وسنة رسوله r ، وأن يأخذ عنهم ويستشيرهم ، وقد ذكر ابن القيم أنه كانت تحصل لهم القضايا والمشكلات فيرجعون إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيجدون عنده ما يفرج هموهم ويزيل كروبهم .
وثالثاً : عليه بكثرة الدعاء والتروي وعدم التسرع والحكم على الأشياء بمجرد سماعها .
ورابعاً : عليه بكثرة الدعاء وأن ينيب إلى الله عز وجل وأن يكثر من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " وإذا أردت بعبادك فتنة فتوفني إليك غير مفتون " .
خامساً : عليه أن يكثر من العبادة واللجوء إلى الله عز وجل بكثرة الصلاة والصيام والصدقة وغير ذلك.
سادساً : عليه أن يكثر القراءة في سير الصحابة والتابعين وكيف كان موقفهم من الفتن .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
السؤال الرابع :
طالب العلم ينبغي أن يكون ورعاً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة ، هل من كلمة في هذا الشأن ؟
نقول نعم ينبغي لطالب العلم أن يكون ورعاً وزاهداً ، وكما ذكرنا في ما تقدم أن الله عز وجل قال ) إنما يخشى الله من عباده العلماء( ومقتضى ذلك الورع والزهد.
والورع هو ترك ما يضر في الآخرة ، والزهد هو ترك مالا ينفع في الآخرة ، هكذا فرق شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله بينهما .
والأصل في الورع قوله عز وجل ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ( قال بعض العلماء هذه الآية أصل في الورع .
وفي الحديث الذي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة ملقاة فقال : " أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها " ، فترك النبي صلى الله عليه وسلم أكلها ورعاً.
وأبو بكر رضي الله تعالى عنه لما شرب شربة ، من غلامه ، ثم أخبره غلامه أن هذه الشربة بسبب كهانة تكهنها في الجاهلية ولا يحسن الكهانة فأعطاه من تكهن له هذه الشربة ، أدخل أبو بكر يده فقاء كل ما في بطنه ، وقال إن لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها ، وقال اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق والأمعاء ، فهذا هو مقام الورع ، وأيضاً العلماء رحمهم الله ألفوا مؤلفات في الزهد وفي الورع ، وليس المقصود أن الإنسان يتورع عن الحرام ، فهذا شيء يجب تركه أو عن الحلال ، فهذا ورع مذموم ، لكن يتورع عن المشتبهات ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت قسماً ثالثاً ، وهو قسم المشتبهات ، فقال عليه الصلاة والسلام : " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.." ، واضرب لذلك أمثلة ، مثلاً : ما يوجد الآن على الساحة من هذه الأسهم التي توجد في البنوك مع ما يعتريها من الشبهات ، فالورع أن يترك ذلك المسلم ، وأيضاً اللحوم التي تأتي من الخارج هذه فيها شبهة ، أن لم تتوفر فيها شروط التذكية الشرعية ، فالورع لطالب العلم أن يترك ذلك .
وأما الزهد فقد تكلم على ذلك ابن القيم في كتابه الفوائد ، وذكر أن الزهد أربعة أقسام ، وسبق أن تكلمنا على هذه الأقسام وبيَّنها للأخوة في شرح صحيح مسلم .
السؤال الخامس :
هل الأفضل أن يتأصل طالب العلم على شيخ واحد أم على مجموعة من المشايخ ؟
نقول هذا يرجع للمصلحة ، فإذا رأى طالب العلم أن الأصلح له أن يتأصل على شيخ واحد إذا كان هذا الشيخ ملماً بمجموعة من الفنون فيأخذ هذه الفنون منه ، ثم بعد ذلك ينتقل إلى شيخ آخر في فنون أخرى أو في هذه الفنون لكي يزداد من العلم فهذا حسن وطيب ، وإن كان الإنسان من مصلحته أن يقرأ على هذا الشيخ ، وهذا الشيخ ..الخ ، ورأى أن الفائدة والمصلحة كامنة في هذا فهذا أيضاً حسن وطيب.
وهكذا كان السلف رحمهم الله منهم من كان يلازم عالم من العلماء فترة طويلة ثم ينتقل إلى غيره ، ومنهم من يلازم عدة من العلماء ويأخذ عنهم.
السؤال السادس :
ما هي الكتب التي تنصحون طالب العلم بقراءتها والاهتمام بها ؟
الكتب التي ينصح طالب العلم بقراءتها لا تخلوا من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون مبتدءاً .
الأمر الثاني : أن يكون غير مبتدأ .
فإن كان مبتدءاً فعليه بالمتون ، ومن حفظ المتون حاز الفنون ، ويقول الرحبي (فاحفظ فكل حافظ إمام) ، فعلى طالب العلم المبتدئ أن يهتم بالمتون ، وهناك الحمد لله متون كثيرة في العقيدة والحديث والفقه والمصطلح وعلوم التفسير وأصول الفقه ، والقواعد الفقهية ، وعلى طالب أن يعنى بها :
فمثلاً في الفقه : هناك زاد المستقنع أو دليل الطالب أو عمدة الطالب أو العمدة في الفقه وغير ذلك فيحفظ واحداً من هذه المتون ، ويتعرف على عباراته ودليله وما هو القول الراجح في هذه المسألة وما هو دليله ..الخ
السنة أيضاً فيها كثيراً من المتون : مثل عمدة الأحكام والمحرر ومثل بلوغ المرام ، وأيضاً بعض الكتابات التي كتبها بعض المتأخرين ، وهناك مختصرات الصحيحين والسنن ، فيحفظ طالب العلم شيئاً من هذه المتون الحديثية ، والعقيدة أيضاً فيها كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية والأصول الثلاثة وكذلك أيضاً لمعة الاعتقاد وكذلك أيضاً العقيدة السفارينية ، وكذلك أيضاً العقيدة الطحاوية وغير ذلك من المتون ، فيحفظ طالب العلم جملة من هذه المتون ، وأما أصول الفقه ، فهناك الورقات للجويني ونظم الورقات للعمريطي ، وكذلك أيضاً الأصول من علم الأصول ، وكذلك مراقي أبي السعود ومختصر التحرير فيحفظ طالب العلم جملة منها .
ومصطلح الحديث هناك البيقونية وأيضاً نخبة الفكر وأيضاً ألفية السيوطي وموقظة الذهبي فيحفظ طالب العلم جملة منها ويتعرف عليها وأما التفسير فهناك تفسير ابن كثير أو أحد مختصراته مع تفسير الشيخ عبدالرحمن السعدي .(3/116)
وعلم التفسير هناك علوم ألفت في هذا الجانب مثل مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ، ومثل مقدمة التفسير للشيخ عبدالرحمن بن قاسم ، ومثل الوجيز في علم أصول التفسير ، فهذه يعنى بها طالب العلم .
أما النحو فهناك الآجرومية ، وكذلك قطر الندى ، وكذلك أيضاً ألفية ابن مالك .
وأما إن كان الطالب غير مبتدئ ، فهنا كتب ينبغي أن يعنى بها : فمثلاً في الحديث وشروح السنة كفتح الباري وسبل السلام ، ونيل الأوطار وشرح عمدة الأحكام لابن الملقن ، وكذلك يعنى بالكتب التي عنيت بدراسة الأسانيد ويستمع في ذلك للأشرطة ويحضر الدروس لكي لا يكون مقلداً في الحكم على الحديث ، وكذلك في الفقه عنده الشرح الكبير ، والمغني ، والإنصاف ، وكشاف القناع ، والروض المربع ، وكتب شيخ الإسلام وابن القيم ، وفي العقيدة تعنى بشروح كتاب التوحيد كالقول المفيد وفتح المجيد وكتب شيخ الإسلام وابن القيم وشروح الواسطية وهي شروح كثيرة جداً ، وأيضاً شروح العقيدة السفارينية والطحاوية ...الخ
وأما في أصول الفقه فيعنى بكتاب الروضة للطوفي وشرح مراقي أبي السعود ومذكرة في أصول الفقه للشنقيطي ، وأصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ، فهذا من الكتابات عند بعض المتأخرين وهذا جيد.
أما في التفسير فيعني في تفسير بن كثير ، وكذلك تفسير البغوي ، وكذلك في أصول التفسير تعنى بمناهل العرفان يقرأ فيه للزرقاني وكذلك البرهان في علوم القرآن للسيوطي وغير ذلك .
وفي النحو يعنى بشروح ألفية بن مالك شرح ابن عقيل رحمه الله وغيره من الشروح ، وأما مصطلح الحديث فيعنى بشروح نخبة الفكر وشروح ألفية العراقي وكذلك فتح المغيث ..الخ.
السؤال السابع :
بعض طلبة العلم يتردد بخصوص الزواج يخشى أن يعيقه عن طلب العلم ، فما رأيكم ؟
نقول بأن الزواج بإذن الله لا يعيق عن طلب العلم إذا كان الإنسان جاداً حريصاً مهتماً ، فإن ذلك لا يعيقه بل يستطيع أن يسخر هذا الزواج في طلبه للعلم ، بأن يتعاون مع أهله في مذاكرة الدروس ومراجعتها ومراجعة الحفظ ..الخ ، فما أمر الله عز وجل به وما أمر به رسوله r هذا لا يمكن أن يكون عائقاً عن الصالحات ، بل إذا كان الإنسان كما ذكرنا جاداً مهتماً منظماً لوقته يستطيع أن يسخر هذا الأمر إلى أداة فاعلة تعينه على طلب العلم وتهيئ له الجو المناسب لكي يطلب العلم .
والصحابة رضي الله عنهم كانوا يتزوجون والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالزواج وحث عليه ، ومع ذلك كانوا يأخذون عن النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا السلف الصالح أيضاً كانوا يتزوجون ويأخذون العلم عن علمائهم ولم يعقهم ذلك عن طلب العلم .
السؤال الثامن :
هل من نصيحة لطالب العلم في اغتنام مرحلة الشباب ووقت الفراغ؟
نقول نعم الشباب هي المرحلة الذهبية للإنسان فينبغي أن يؤصل نفسه بينهما وأن يربي نفسه على العلم وخصوصاً ما يتعلق بالحفظ ، وقد سمعنا بعض مشايخنا يقول : " من تعلم في الصغر استراح في الكبر ".
والشباب هي مرحلة القوة والنشاط والهمة العالية ، فإذا لم يستدركها طالب العلم في التأصيل وفي الحفظ والمذاكرة وأضاعها فإنه فقد شيئا كثيراً ، فإنه قد يصعب عليه استدراكه .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نعمتين مغبون فيهما كثير من الناس وهما : الصحة والفراغ .
فعلى طالب العلم أن يغتنم مرحلة الشباب ، ووقت الفراغ وأن يسابق الزمن في التحصيل والقراءة والسؤال والمراجعة لكي يصل إلى مطلوبه ولا ينبغي له أن يضيع مرحلة الشباب ووقت الفراغ في كثرة الخلطة والنوم والذهاب والإياب وكثرة الحديث والأكل والشرب ونحو ذلك ، بل عليه أن يكون يقظاً مهتماً لأهمية هاتين المرحلتين.
السؤال التاسع :
هل من توجيه للاعتناء بأعمال القلوب ؟
نعم ، أعمال القلوب هي الأصل ، والقلب عليه مدار أعمال الجوارح ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " ، وقد اهتم العلماء رحمهم الله بأعمال القلوب وقد كتبوا فيها مؤلفات فينبغي لطالب العلم أن يهتم بقلبه وأن ينظر إليه ، لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن في القلب مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " .
فعلى طالب العلم دائماً وأبداً أن ينتبه لقلبه وأن يعلق دائماً وأبداً قلبه بالله عز وجل توكلاً وخوفاً ورجاءً ورغبةً ورهبةً واستعانة ، وغير ذلك ، وأن يملئ قلبه من خشية الله عز وجل ، وأن يكون علمه دافعاً له لخشية الله عز وجل وتقاه والرغبة في الخير والبعد عن الشر ، والمسارعة في عمل الخيرات ، وأن يحذر كل الحذر من الكبر والعجب ، والحسد ، والبغضاء ، والرياء ، والسمعة ، وغير ذلك من أعمال القلوب التي مفاسدها ومضارها كبيرة جداً على طالب العلم في مسيرته العلمية.
السؤال العاشر :
هل من كلمة في أهمية تحلي طالب العلم بالأخلاق الفاضلة ، فكما تعلمون فضيلتكم أن طالب العلم يدعوا بأخلاقه وسمته كما يدعوا بأقواله وأفعاله ؟
لاشك أن طالب العلم هو أولى الناس وأحراهم بالتخلق بالأخلاق الفاضلة ، قال ابن مسعود : " ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون وبنهاره إذا الناس يفطرون وبإمساكه إذا الناس يخلطون " ، والله عز وجل يقول : ) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ( ، وانظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام المتعلمين ، وكيف كان خلقه ما قالت عائشة : " كان خلقه القرآن " ، يعني أنه يأتمر بأوامره ويتجنب نواهيه .
فينبغي لطالب العلم أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة من الصدق والحلم والعفو وبر الوالدين وصلة الرحم والكرم وبذل العلم والابتسامة في وجوه الآخرين وكذلك حسن الأخلاق مع الآخرين وعدم الطيش وعدم العجلة فإن هذا هو علامة الخير ، وكذلك لكي يكون قدوة يأخذ منه الناس ، ولا يأخذ منه الناس إلا إذا أحبوه وتعلقوا به ، ولا يمكن أن يملكهم بمجرد علمه إذا كان فظاً غليظاً وإنما إذا كان سهلاً ليناً حسن الخلق فإن الناس يحبونه ويقبلونه وينتفعون بعلمه ، ولهذا قال الله عز وجل لنبيه r : ) َلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ( .
السؤال الحادي عشر
ما هو موقف طالب العلم من اختلاف العلماء ؟
هذه المسألة حررها الأصوليون فقد ذكر علماء الأصول بأن العلماء إذا اختلفوا على قولين فموقف غيرهم يتمثل بوجوب أن يتبع أوثق العالمين علماً وورعاً ، فإن اتفق العالمان في العلم والورع فإنه للأصوليين قولين :
القول الأول : أنه يتخير من أقوال العلماء المجتهدين لأن الشريعة الإسلامية جاءت بالحنفية السمحة وبنيت على التيسير .
القول الثاني : أنه يأخذ بالأشق لأنه الأحوط هذا ما لم يتبين الدليل بقول أحد العالمين ، فإن تبين الدليل فالواجب على الإنسان المسلم أن يأخذ بالدليل لأن هذا هو الذي أمر الله به فقال: ) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ( ، وقال سبحانه ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ( ، وكذا أمر به رسوله r فقال : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " .
السؤال الثاني عشر
هل تنصحون طالب العلم باستخدام الإنترنت علماً بأنه سلاح ذو حدين ؟
أولاً : استخدام الإنترنت بالنسبة للطالب المبتدئ أنا لا أنصحه بذلك ، بل عليه أن يعنى بحفظ المتون بنفسه وأن يحضر حلق العلم عند العلماء وأن يستمع للأشرطة وأن يقرأ في الشروح المطبوعة .
ثم بعد ذلك إذا تمكن وأخذ جملة من العلم وتشبع منه فبإمكانه أن يستفيد من المواقع العلمية التي قد توجد في الإنترنت .(3/117)
وأيضاً عليه أن يحذر كل الحذر من أن يشغله ذلك أو أن يأخذ عليه جل وقته ، وأن يكثر بين التنقل بين المواقع التي قد لا يستفيد منها بل قد تضره في مسيرته العلمية وأن يحرص كل الحرص في أن يسأل عن المواقع العلمية التي تفيده فيستفيد منها ، ويستقي من نبعها ثم بعد ذلك يغادر ولا يحاول أن يتنقل بين المواقع وأن يكون كالماشي في الأرض التي تكثر فيها الشوك .
أمور ينبغي الحذر منها
أخي طالب العلم يا رعاك الله :
إن هناك أمور ينبغي على طالب العلم الحذر منها واجتنابها وهي كالتالي :
أولاً : الحسد :
وهو كراهة ما أنعم الله به على غيره ، وليس هو تمني زوال نعمة الله على الغير ، بل هو مجرد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره ، فهذا هو الحسد سواء تمنى زواله أو أن يبقى ، ولكنه كاره له .
كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال : " الحسد كراهة الإنسان ما أنعم الله به على غيره " .
والحسد قد لا تخلو منه النفوس ، يعني قد يكون اضطرارياً للنفس ، ولكن جاء في الحديث : " إذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق " يعني أن الإنسان يجب عليه إذا رأى من قلبه حسداً للغير ألا يبغى عليه بقول أو فعل ، فإن ذلك من خصال اليهود الذين قال الله عنهم : ) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ( .
ثانياً : الإفتاء بغير علم :
الإفتاء منصب عظيم ، به يتصدى صاحبه لبيان ما يشكل على العامة من أمور دينهم ويرشدهم إلى الصراط المستقيم ، لذلك كان هذا المنصب العظيم لا يتصدر له إلا من كان أهلاً له ، لذلك يجب على العباد أن يتقوا الله تعالى وأن لا يتكلموا إلا عن علم وبصيرة ، ولقد أنكر الله على من يحللون ويحرمون بأهوائهم فقال تعالى ) وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ، إن هذه جناية وسوء أدب مع الله عز وجل .
وإن من العقل والإيمان ومن تقوى الله وتعظيمه أن يقول الرجل عما لا يعلم لا أعلم ، لا أدري أسأل غيري ، فإن ذلك من تمام العقل ، لأن الناس إذا رأوا تثبته وثقوا به ، ولأنه يعرف قدر نفسه حينئذ وينزلها منزلتها ، وإن ذلك من تمام الإيمان بالله وتقوى الله حيث لا يتقدم بين يدي ربه ولا يقول عليه في دينه ما لا يعلم .
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بدين الله كان يسئل عما لم ينزل عليه فيه الوحي فينتظر حتى ينزل عليه الوحي فيجيب الله سبحانه عما سئل عنه نبيه ، قال تعالى ) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ( .
وها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول : " أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله بغير علم " .
وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه تنزل به الحادثة فيجمع لها الصحابة ويستشيرهم فيها .
ثالثاً : الكبر :
وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأجمع التفسير وأبينه وأوضحه فقال : " الكبر بطر الحق وغمط الناس " .
وبطر الحق هو رد الحق ، وغمط الناس يعني احتقارهم ، ومن الكبرياء ، ردك على معلمك ، والتطاول عليه وسوء الأدب معه ، وأيضاً استنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء ، وهذا يقع لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم استنكف ولم يقبل ، وتقصيرك عن العمل بالعلم عنوان حرمان نسأل الله العافية .
رابعاً : التعصب للمذاهب والآراء :
يجب على طالب العلم أن يتخلى عن الطائفية والحزبية ، بحيث يعقد الولاء والبراء على طائفة معينة أو على حزب معين ، فهذا لاشك خلاف منهج السلف ، فالسلف الصالح ليسوا أحزاباً بل هم حزب واحد ، ينطوون تحت قول الله عز وجل ) هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ( ، فلا حزبية ولا تعدد ، ولا موالاة ، ولا معاداة إلا على حسب ماجاء في الكتاب والسنة .
خامساً : التصدر قبل التأهل :
مما يجب الحذر منه أن يتصدر طالب العلم قبل أن يكون أهلاً للتصدر ، لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلاً على أمور :
الأمر الأول : إعجابه بنفسه حيث تصدر فهو يرى نفسه عَلَمَ الأعلام .
الأمر الثاني : أن ذلك يدل على عدم فقهه ومعرفته للأمور لأنه إذا تصدر ربما يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه ، إذ أن الناس إذا رأوه متصدراً أوردوه عليه من المسائل ما يبين عواره .
الأمر الثالث : أنه إذا تصدر قبل أن يتأهل لزمه أن يقول على الله ما لايعلم .
الأمر الرابع : أن الإنسان إذا تصدر فإنه في الغالب لا يقبل الحق لأنه يظن بسفهه أنه إذا خضع لغيره ولو كان معه الحق كان هذا دليلاً على أنه ليس بعالم .
سادساً : سوء الظن :
يجب على طالب العلم الحذر من أن يظن بغيره ظناً سيئاً مثل أن يقول : لم يتصدق هذا إلا رياء ، لم يلق الطالب هذا السؤال إلا رياء ليعرف أنه طالب فاهم ، فإياك وسوء الظن بمن ظاهره العدالة ، ولا فرق بين أن تظن ظناً سيئاً بمعلمك أو بزميلك ، فإن الواجب إحسان الظن بمن ظاهره العدالة .
فينبغي أخي المبارك الحذر من هذه الأخطاء لأن طالب العلم شرفه الله بالعلم وجعله أسوة وقدوة ، حتى أن الله رد أمور الناس عند الإشكال إلى العلماء فقال : ) َاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ( ، فالحاصل يا طالب العلم أنك محترم ، فلا تنزل بنفسك إلى ساحة الذل والضعة ، بل كن كما ينبغي أن تكون (1).
طالب العلم يتمسك بالسنة
اعلم أخي طالب العلم وفقك الله عز وجل لمرضاته أنه لا خير في قوم تركوا سنة نبيهم محمد r .
فأي فلاح وأي نجاح يرتجيه من ترك وتخلى عن سنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ( .
فينبغي لطالب العلم أن يتمسك بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند منامه وعند استيقاظه وعند دخوله الخلاء وخروجه منه وعند وضوئه وعند خروجه من البيت وعند مأكله ومشربه وملبسه وعند إتيانه أهله ، وكيفية صلاته وحجه ، إلى غيرها من الأعمال التي يجب أن يحرص طالب العلم أن يتحرى فيها سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يدعوا الناس إلى التمسك بالسنة وأن يعضوا عليها بالنواجذ وذلك بالحكمة واللين .
وينبغي لطالب العلم أن يكون متأدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم وذلك كما يلي :
1 – بطاعته واقتفاء أثره وترسم خطاه في جميع مسالك الدنيا والدين.
2 – أن لا يقدم على حبه وتوقيره وتعظيمه حب مخلوق أو توقيره أو تعظيمه كائناً من كان .
3 – موالاة من كان يوالي ومعاداة من كان يعادي ، والرضا بما كان يرضى به والغضب لما كان يغضب له .
4 – إجلاء اسمه وتوقيره عند ذكره ، والصلاة والسلام عليه واستعظامه وتقدير شمائله وفضائله .
5 – تصديقه في كل ما أخبر به من أمر الدنيا والدين وشأن الغيب في الحياة الدنيا وفي الآخرة
6 – إحياء سنته وإظهار شريعته وإبلاغ دعوته وإنفاذ وصاياه.
إلى غير ذلك من الآداب (2).
طالب العلم يحسن الأدب مع شيخه (3)
طالب العلم يحسن الأدب مع شيخه ومن حسن الأدب حسن السؤال ، قال العلامة الشيخ : محمد بن صالح العثيمين :(3/118)
إذا دعت الحاجة للسؤال فليحسن طالب العلم السؤال ، أما إذا لم تدع الحاجة فلا يسأل لأنه ينبغي للإنسان أن يسأل إذا احتاج هو أو ظن أن غيره يحتاج إلى السؤال ، فقد يكون مثلاً في درس ، وهو فاهم الدرس ، ولكن فيه مسائل صعبة ، تحتاج إلى بيانها لبقية الطلبة ، فيسأل من أجل حاجة غيره ، والسائل لحاجة غيره كالمعلم ، لأن النبي لما جاءه جبريل وسأله عن الإيمان والإحسان والإسلام والساعة وأشراطها قال : " هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " ، فإذا كان الباعث على السؤال حاجة السائل فسؤاله وجيه ، أو حاجة غيره ، وسأل ليعلم غيره ، فهذا أيضاً وجيه ، وطيب ، أما إذا سأل ليقول الناس : ما شاء الله فلان عنده حرص على العلم ، كثير السؤال ، فهذا غلط ، وعلى العكس من يقول لا أسأل حياءً ، فالثاني مُفَرّط والأول مُفْرِط ، وخير الأمور الوسط .
كذلك ينبغي أن يكون عند طالب العلم حسن الاستماع لجواب العالم ، وصحة الفهم للجواب ، فبعض الطلبة إذا سأل وأجيب تجده يستحي أن يقول ما فهمت .
والذي ينبغي لطالب العلم إذا لم يفهم أن يقول ما فهمت ، لكن بأدب وتوقير للعالم .
طالب العلم وقيام الليل
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته :
الحقيقة أن الترغيب في قيام الليل محله كتب الترغيب والترهيب ، وقيام الليل لو لم يكن فيه إلا قوله تعالى ) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( .
لو لم يكن فيه إلا هذه الآية لكان كافياً في ترغيب المسلم في قيام الليل .
وقيام الليل يختلف باختلاف أحوال الناس ، فمن الناس من يكون القيام في حقه أفضل ، ومنهم من يكون عدم القيام في حقه أفضل .
فإذا كان الإنسان في أول الليل يشتغل بالعلم الشرعي حفظاً وتفهماً وتعليماً ، ولكنه ينام في آخر الليل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر بعض أصحابه على ذلك كأبي هريرة رضي الله عنه ، حين أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يوتر قبل أن ينام .
أما إذا كان الإنسان على خلاف ذلك فإنه ينام مبكراً ويقوم الليل ، ثم إن كان الأخشع له أن يطيل القراءة بتأمل وتدبر ويقف عند آية الرحمة فيسأل وعند آية الوعيد فيتعوذ ، فإنه يطيل القراءة ، وإن كان الأخشع له أن يطيل الركوع والسجود ، ويقصر القراءة فليفعل ، وإن لم يكن عنده ترجيح فالأولى أن يكون الركوع والسجود متقاربان متناسباً مع القيام لتكون صلاته متناسبة ، فإذا أطال القراءة أطال الركوع والسجود ، وإذا قصرها قصر الركوع والسجود ، وليكن آخر صلاته بالليل وتراً (4).
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
==============
الدورات العلمية جامعات مفتوحة وعلم مشاع
خباب بن مروان الحمد
ما أن تُسدل المدارس والجامعات ستارها في آخر يوم من أيَّام الاختبارات، حتى يحدو حادي العلم من جديد، وترتفع في الآفاق دعوات مخلصة... أن هلموا يا طلاب الشريعة ورواد المعرفة؛ لتنهلوا من معينها الصافي وتنالوا الأجر الكبير فـ «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة».
تلك هي هتافات الدورات العلمية المكثفة، التي تقام ـ عادةً ـ في الإجازات الصيفية، في بلاد الحرمين، ويتقاطر عليها طلبة العلم من شتّى البلدان.
وفي محاولة جادة لدراسة هذه الظاهرة الصحية في العمل الدعوي، وتقديمها مثالاً من مثالات اليقظة الإسلامية، واستشعاراً منّا لأهمية هذه الدورات، كان هذا التحقيق، بغية تسليط الضوء على أنشطة هذه الدورات.
وليس من شك بأن الدورات العلمية حالة نهضوية فعالة آتت أكلها، وأينعت ثمارها طيبة زكية... ولكن تبقى في الذاكرة تساؤلات عديدة تطرح نفسها: لماذا هذه الدورات وهل هناك حاجة ماسة إليها؟
ثم أليست هي من قبيل ثقافة السرعة التي تُنسى معلومتها بسرعة؟
وهل كان في هذه الدورات استخدام للتقنية الحديثة لمواكبة العصر؟
وهل أخذت (شقائق الرجال) نصيبهن من هذه الدورات؟
وهل لهذه الدورات أثر ملموس في صقل شخصية طلاب العلم وبنائهم بناءً تربوياً؟
عبر هذه الأسئلة وفي الجعبة الكثير توجهنا لأصحاب الفضيلة العلماء وبقية المشاركين في التحقيق للإجابة عن تلك التساؤلات، وإعطاء الآراء المفيدة حيالها، وأحسب أني قدمت للقراء الكرام وجبةً علميةً مفيدةً، فلنرحل معاً في آفاق هذا الموضوع. واللهَ نسأل للجميع العلم النافع والعمل الصالح.
المشرفون على الدورات العلمية والمنظمون لدروسها:
ـ الشيخ خالد السبت.
ـ الشيخ خالد الزريقي.
ـ الشيخ فهد الغراب.
لماذا... وفي الصيف بخاصة؟
في سؤال طرحته على المنظمين: لماذا الدورات العلمية تقام وقت الإجازة الصيفية، مع انشغال الناس في مصالحهم الشخصية ورحلاتهم السياحية، وزيارة أقاربهم في مدنهم وقراهم؟
فأجاب الشيخ السبت قائلاً: لا شك أن الإجازة الصيفية فرصة مواتية للدورات لدى المشايخ والطلاب، مع أننا نقيم دورات خلال الفصلين الدراسيين أيضاً، وفي مشاركة للشيخ فهد الغراب، يقول: لو لم تكن في الإجازة فستكون في وقت انشغال الناس بدراستهم وأعمالهم، والإجازة من اسمها مظنة الفراغ من الأعمال.
أهداف الدورات... في وقت الإجازة:
يتحدث الشيخ خالد السبت حِيَالَ هذه القضية، حاشداً لها ست نقاط مهمة، منها:
1 ـ أن يتعلم الطالب المنتظم بالدورة ما يجب على كل مسلم أن يعلمه مما تقوم به العبادة ويصح به العمل والاعتقاد.
2 ـ تصحيح المسار في طريقة تلقي العلم، وطلبه على منهج علمي مدروس بعيداً عن الاجتهادات والفوضى العلمية التي بُلِيَ بها كثير من المتعلمين.
3 ـ ربط المبتدئين من طلاب العلم بالأكابر والربانيين من العلماء أهل العمل والاقتداء والتوسط والاعتدال، والاستفادة من علومهم وآدابهم وتجاربهم؛ فالعلم عند السلف: علم، وتربية.
4 ـ تخريج كفاءات من طلاب العلم أخذوا العلم عن أهله وعكفوا على مدارسته ليقوموا بواجب الدعوة والتعليم في المناطق النائية؛ إذ هي أحوج ما تكون لذلك الغيث.
5 ـ حفظ الفرد المسلم والمجتمع من الانحرافات الفكرية في زمن كثرت فيه الفتن والشبهات.
6 ـ هذه الدورات تختصر على الطالب كثيراً من الجهد والوقت الذي يبذل، وتعنى بالتأصيل دون التوسع والتفصيل.
نعد للدورات من وقت مبكر:
كان هذا جواب الشيخ خالد السبت حين سألته: متى يبدأ الإعداد لهذا الدورات المكثفة، وكيف يكون ذلك؟ فقال: (نحن نعد للدورات من وقت مبكر؛ فلدينا خطة كاملة على مدى سنوات ثلاث للمبتدئين، وسنوات أربع للمتقدمين، ومن الدروس ما أتممنا الاتفاق فيه مع بعض المشايخ على تقديمه منذ السنة الأولى بصورة منتظمة، ومنها ما يبتدئ الإعداد له قبل ستة أشهر).
ويضيف الشيخ فهد الغراب قائلاً: يبدأ الإعداد للدورة القادمة مع نهاية الدورة الحالية؛ وذلك بحصر الاستبانات، واستخلاص نتائجها، ومن ثم ترشح المتون للدورة القادمة من قِبَل اللجنة العلمية بالجامع، ثم تعرض على المشايخ كل حسب تخصصه، للاستئناس بآرائهم.
ما دخل الذهن بسرعة ذهب منه بسرعة:
سألت المعدين لهذه الدورات حول هذا الموضوع، وقلت لهم: ألا ترون أن الدورات المكثفة تهتم بتركيز المعلومات في وقت قصير، وهل تتعارض مع قاعدة (ما دخل في الذهن بسرعة ذهب منه بسرعة)؟(3/119)
أشار الشيخ فهد الغراب، إلى أن كل منشط من المناشط العلمية والدعوية له مزايا وعيوب، ولكنه حسم ذلك بقوله: وإذا كانت الدورات تعطي المعلومة بسرعة فقد يعتبرها بعضهم ميزة في الواقع الذي نعيشه ونلمسه من فتور الهمم، وكثرة المشاغل، والله المستعان.
ويركز الشيخ خالد الزريقي على قضية هامة بقوله: (إنَّ العجلة في الانتهاء من متن علمي لا يصلح إلاَّ إذا تعاهد الإنسان الرجوع إلى المتن العلمي مرات ومرات بحيث ترسخ المعلومات عند الإنسان وهذا خلاف ما عليه واقع كثير من الناس اليوم بعدم المراجعة والحفظ).
النساء والدورات العلمية:
قلت للشيخ فهد الغراب: ماذا أعددتم للنساء من الفائدة في هذه الدورات، وهل أخذت شقائق الرجال نصيبهن؟
فأجاب: النساء شقائق الرجال، وقد أُعِدَّ لهن مكان خاص، وتوزع عليهن كتب الدورة، ويحضرن ويحصلن الفوائد من المشايخ ويسألن عمَّا يُشكل عليهن.
ولكن لماذا لا تنسق دورات خاصة بالنساء تشرح لهنّ المسائل العلمية التي تخصهن مع التأصيل العلمي؟ فأجاب الشيخ خالد الزريقي حيال هذا الموضوع: أقترح أن يتبنى أحد المساجد خلال الصيف دورة خاصة بالنساء يتم الترتيب لها مع طالبات العلم المتمكنات في العلم الشرعي، ونأمل أن يتيسر ذلك إن شاء الله.
الفروق الفردية بين طلاب العلم:
تباينت وجهات النظر حول هذه القضية من قِبَل المشرفين على رأيين:
الشيخ فهد الغراب يقول: الدورات لا تراعي ذلك، لكنها تبث جدولاً معلناً، وكل يحضر ما يناسبه من الدروس، وليس من الضروري بأن يحضر الطالب جميع الدروس.
إلا أن الشيخ خالد الزريقي يرى خلاف ذلك قائلاً: نعم الدورة تراعي الفروق الفردية لدى طلبة العلم؛ فهناك درس يناسب الطالب المبتدئ، وهناك درس يناسب الطالب المتوسط؛ فتختلف طبيعة كل دورة عن الدورة الأخرى.
المتون المشروحة والمختارة للدورات:
يذكر المشرفون عدة متون علمية مشروحة في الدورات التي أقيمت في مساجدهم، فيقول الشيخ خالد السبت: شُرحت خلال الدورة في مسجدنا بالدمام عدة متون كان منها: أبواب من صحيح البخاري، الأصول الثلاثة، القواعد الأربع، كشف الشبهات، الرسالة المفيدة، كتاب التوحيد، الواسطية، الحموية، الوصية الكبرى لابن تيمية، الطحاوية، الاعتصام للشاطبي، مقاصد الشريعة من كتاب الموافقات للشاطبي، متن الورقات في أصول الفقه، تفسير جزئي عم وتبارك، البيقونية في المصطلح، نخبة الفكر، قطر الندى، تحفة الأخيار في الأذكار، طرق التخريج، الآجرومية في النحو، وغير ذلك...
وتحدث الشيخ خالد الزريقي عن المتون التي شرحت في مسجد (الإمام علي بن المديني) بالرياض بقوله: من المتون التي سبق تدريسها لطلبة العلم: نواقض الإسلام، العقيدة الطحاوية، المحرر في الحديث لابن عبد الهادي، الإيمان الأوسط لابن تيمية، وغيرها من المتون والمقررات العلمية.
ويشير الشيخ فهد الغراب إلى أن المتون التي شرحت في جامع (شيخ الإسلام ابن تيمية) بالرياض الذي تقام فيه هذه الدورات تقارب خمسين متناً في العقيدة والتفسير والحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة والتاريخ والسيرة والآداب والسلوك والرقائق، وأضاف الشيخ فهد: وبقي من الدورة السابقة متنان هما: التسهيل في الفقه للبعلي، وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني، وذلك لطولهما، وقد قُسِّمَتْ هذه المتون على أكثر من دورة. ويضيف مبشراً للطلبة بأن هذين المتنين سيُنتهى منهما في العام القادم إن شاء الله.
الدورات العلمية.. والتقنية الحديثة:
يتحدث الشيخ فهد الغراب بأنه تمت الاستفادة من التقنية الحديثة، وذلك بنقل الشروح على الهواء مباشرة عبر موقع الجامع على الشبكة العالمية، وأضاف قائلاً: ونتلقى خلاله الأسئلة الفورية، كما يتلقى الطالب الإجابة الفورية من الشيخ عبر موقعنا كذلك (WWW. taimiah.org). ويقول مواصلاً حديثه: وقد نقلت هذه الدورة إلى سجن الملز وسجن الحاير وسجن النساء بالتعاون مع الإدارة العامة للسجون.
مناشط علمية مواكبة لهذه الدورات:
ذكر الشيخ خالد السبت أن هناك برامج مصاحبة من مسابقات، ومحاضرات، ونحو ذلك يقدمها مشايخ الدورة، ويؤكد على ذلك الشيخ فهد الغراب قائلاً: كما توزع جميع المتون التي ستشرح على الطلاب مجاناً بعد إعدادها من قِبَل اللجنة العلمية بالجامع، وطباعتها بطريقة تمكن الطالب من التعليق على الكتاب نفسه، ويواصل قوله: حيث يطبع المتن في الأسطر الخمسة الأولى من كل صفحة وتترك المساحة الباقية مسطرة لتعليق الطالب عليها، كما يجري اختبار اختياري للطلاب بعد نهاية كل متن، تمنح من خلاله شهادة مصدقة من فرع وزارة الشؤون الإسلامية، ومن الشيخ الشارح للمتن.
ويتفق الشيخ خالد الزريقي مع الكلام المذكور آنفاً، ويضيف أنَّ من الأنشطة المصاحبة لهذه الدورات: إقامة بعض المسابقات في حفظ المتون العلمية الخاصة بالدورة، وتلخيص بعض دروس المشايخ وإنزالها عبر شبكة المعلومات (الإنترنت) يومياً.
مظاهر إيجابية بأعين المشرفين:
يعرض الشيخ خالد الزريقي شيئاً من الإيجابيات التي لمسها في هذه الدورات ويرتبها على نقاط ثلاث وهي:
1 ـ اعتكاف كثير من الشباب في المسجد للاستفادة من الدورة إحياءً لهذه السنة.
2 ـ الرحلة في طلب العلم من قِبَل الطلاب الذين يأتون للدورة سواء من دول الخليج أو من لبنان ومصر والسودان وغيرها.
3 ـ بعض الطلاب لم يتخلفوا عن حضور ومتابعة الدورات من الدورة الأولى حتى الدورة التاسعة.
ويضيف الشيخ فهد الغراب على ذلك:
1 ـ الحرص على التلقي من العلماء وأهل الفضل.
2 ـ السمت الحسن الظاهر على الكثير منهم.
3 ـ الحرص على أداء السنن، والعناية بالدليل.
4 ـ التعاون على البر والتقوى.
5 ـ التعارف والألفة والمحبة.
هل ثمة تنسيق في الدورات بين المشرفين عليها؟
سألت الشيخ فهد الغراب عن ذلك، فكان الرد: التنسيق بين مشرفي الدورات مفقود، وهذا يسبب تفويت الكثير على طالب العلم، خصوصاً إذا توافقت دورتان في وقت واحد، وقد طالبنا بالتنسيق في ذلك كثيراً، لكن بعض الإخوة يتعذر بكبر مساحة الرياض واستيعابها للعديد من الدورات.
وننتقل للشيخ خالد الزريقي حيث يعرض وجهة نظره بقوله: التنسيق لا بد منه بين مشرفي الدورات.. لكن لا يخفى على كلِّ إنسان أن المدن تختلف عن القرى من حيث المسافة، وأضاف: فمثلاً مدينة الرياض، لو أقيمت فيها أربع دورات متزامنة في وقت واحد ولكنها متباعدة في المسافة لكان في ذلك خير كبير.
وفي الموضوع ذاته يتحدث الشيخ خالد الزريقي عن أهمية التنظيم في تلك الدورات، فيقول: هناك ظاهرة تقارب الدورات في وقت واحد، بل تجدها في منطقة واحدة لا تبعد عن الأخرى إلا مسافة يسيرة، وهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر وترتيب من قِبَل القائمين عليها. ويواصل حديثه بقوله: والذي يدفع الإخوة لإقامتها في مثل هذه الصورة الرغبة في الخير ـ نسأل الله للجميع التوفيق ـ لكن لو حصل تنظيم وترتيب لخرج هذا الخير في ثوب مناسب يلبسه جميع الناس.
بشارات من قلب الدورات:
تحدث الشيخ الزريقي عن أمور مفرحة، وبشائر مُرْضِيَة، حصلت في الدورة التي يشرف عليها في مسجد علي بن المديني بمدينة الرياض، فقال: من ضمن النتائج المباركة في الدورة المقامة في مسجد (علي بن المديني) على سبيل المثال:(3/120)
1 ـ خلال الدورة العلمية الخامسة وأثناء درس سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ وكان الدرس بعد صلاة المغرب ـ تأثر اثنان من الجنسية الفلبينية وكانا نصرانيين ـ وكانت خدمتهما في الإعاشة اليومية للدورة، وقد تفاجؤوا بالعدد الكبير من الحضور لدى طلبة العلم واهتمامهم بتحصيله، وكأنهما يفتشان عن شيء مفقود، فطلبا من أحد الإخوة أن يخبرهما عن الإسلام فأخبرهما بأسلوب مناسب فطلبا أن يسلما، ويواصل الشيخ الزريقي حديثه بقوله: فأبلغنا الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ بوضعهما فلما انتهينا من صلاة العشاء أدخلناهم إلى المسجد فأسلما على يد الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فسمى أحدهما عبد الله، والآخر عبد الرحمن، وذلك بفضل الله وتوفيقه، ويضيف الشيخ الزريقي:
2 ـ ومن ضمن نتائج الدورة العلمية السادسة توبة أحد المطربين وذلك باستماعه للدروس العلمية عبر شبكة (الإنترنت)، وقد أرسل إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي ـ حفظه الله ـ رسالة طويلة يطلب فيها من الشيخ الدعاء له بالثبات على طريق الخير والصلاح، وقد حضر بنفسه الدورة ليستمع إلى تأمين الحاضرين له ـ وذلك بدعاء الشيخ ـ جزاه الله خيراً.
العلماء والمشايخ المشاركون في التحقيق.
1 ـ فضيلة الشيخ: عبد العزيز الراجحي.
2 ـ فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم الخضير.
3 ـ فضيلة الشيخ: عبد المحسن الزامل.
4 ـ فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المشيقح.
5 ـ فضيلة الشيخ الدكتور: يوسف الغفيص.
6 ـ فضيلة الشيخ: خالد المصلح.
7 ـ فضيلة الشيخ الدكتور: محمد العريفي.
8 ـ فضيلة الشيخ خالد السبت.
السبب الداعي لمشاركة أهل العلم في هذه الدورات، و (أساس النهضة):
في البداية ذكر الشيخ د. عبد الكريم الخضير أنَّ السبب الداعي لهذا: نشر العلم الشرعي الذي جاءت النصوص بمدحه ومدح من اتصف به وسلك السبيل لتحصيله.
ويضيف الشيخ د. خالد المشيقح ذاكراً سببين يدعوانه للمشاركة في الدورات العلمية بقوله:
أولاً: تعبداً لله ـ تعالى ـ لأن العلم من أفضل القربات وأجل العبادات، وقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن العلم أفضل العبادات.
ثانياً: امتثالاً لقوله ـ تعالى ـ: {وَإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] ولقوله -صلى الله عليه وسلم - : «بلغوا عني ولو آية» ونبَّه الشيخ خالد السبت أن من الأسباب الداعية لذلك: الرغبة في انتشار العلم في الأمة؛ لأنّ ذلك أساس في نهوضها. ومن جهته يقول الشيخ د. محمد العريفي: طلب العلم له أساليب متعددة قد كان يسلكها طلبة العلم منذ القدم، وكان طلاب الحديث يلازمون الشيخ عدة سنوات أو أشهراً، ونستطيع القول بلسان عصرنا بأنه ذهب ليحضر دورة علمية مكثفة.
وأضاف الشيخ محمد العريفي: وحينما تطورت الأمور وأصبحت الأشغال تتجاذب الناس من كل ناحية، وبدا الانشغال يظهر على طلبة العلم وبعض المشايخ؛ صارت الحاجة ماسة لهذه الدورات العلمية حتى يركز الشيخ فيها دروسه، ويفرغ نفسه تفريغاً تاماً لها، وليتفرغ لها طالب العلم خلال المدة التي ستقام فيها الدورة.
وقد ألمح الشيخ خالد السبت إلى أن هذه الدورات سبب مبارك لإيصال العلوم النافعة لمناطق وجهات كثيرة ليس فيها حِلَقٌ علمية ومجالس ذكر.
وأكد الشيخ المصلح على أنها فرصة للالتقاء بأهل العلم الأفاضل في جهاتهم، وأضاف: وكذلك القرب من طلبة العلم والمحبين له في بلدانهم، وتلمس حاجاتهم، والجواب على إشكالاتهم.
حاجة ماسة ... وضرورة ملحة:
ولكن هل هناك بالفعل حاجة ماسَّة لإقامة هذه الدورات، وتفعيلها؟
عَبْرَ هذا السؤال توجهت للشيخ عبد العزيز الراجحي، فأكَّدَ قائلاً: نعم نرى الحاجة ماسة لهذه الدورات التي تؤدي أدواراً ملموسة في ذلك، ووافقه الشيخ الخضير ونبَّه إلى الضرورة الملحة في إقامة هذه الدورات بقوله: ليتمكن الطالب وهو في بلده من تحصيل العلم وتأصيله لا سيما في البلدان التي يقلُّ فيها أهل العلم المتفرغون له.
ويتطرق الشيخ عبد المحسن الزامل إلى توضيح مسألة مهمة في ذلك فيقول: هذه الدورات تحقق بعض الشيء ولكنها لا تحقق المقصود التام لطالب العلم، ويُعلِّلُ ذلك فضيلته بأن طالب العلم الذي يقتصر على هذه الدورات ولا يعتمد إلا عليها؛ في الغالب تقصر فائدته، إلا أنَّه بَيَّنَ أنَّ الحاجة لهذه الدورات: من باب تلمَّس الطريق، ولأجل أن توضع قدم طالب العلم على طريق العلم؛ فالعلم متواصل معه في جميع أيام السنة؛ فيستغل طالب العلم فرصة الفراغ في الإجازة بالحضور لهذه الدورات، وتكون معينة في التواصل مع العلماء المشاركين في هذه الدورات.
أما الشيخ يوسف الغفيص فيتحدث قائلاً: هناك ثقة في كون هذه الدورات العلمية تؤدي دوراً هاماً في نشر علوم الشريعة، بل صارت الدورات العلمية صورة معبرة بوضوح عن إمكانية تفعيل الحركة العلمية في المجتمع، وبخاصة بين أبنائه الذين يرغبون في تلقي العلم كمنهج شرعي عبادي. بينما يشرح الشيخ خالد المصلح وجهة نظره حيال هذه القضية في عدة نقاط؛ حيث يقول:
هذه الدورات تسهل العلم وتقربه؛ حيث إنها تركز على المتون العلمية القصيرة المختصرة غالباً، كما أنها تعرض أمهات المسائل في هذه المتون، وتركز على أصول العلوم دون حواشيه وفروعه. ويتابع حديثه: إن قصر وقت هذه الدورات يختصر للطالب ما يعانيه من تباعد أوقات الدروس وطول زمنها بحيث يستعرض متوناً عديدة في علوم شتى، وأضاف:
وهذه الدورات ينشط لها عدد كبير من الشباب والمحبين للعلم من الذكور والإناث؛ ففيها توسيع لدائرة المنتفعين بالعلوم الشرعية والمشتعلين بتحصيلها، وفي هذا خير كبير ونفع عظيم، وأشار الشيخ المصلح إلى نقطة جديرة بالانتباه؛ حيث يقول: هذه الدورات تفيد كثيراً في توظيف العديد من الطاقات العلمية المعطلة؛ وذلك من خلال مشاركة كثير من أهل العلم والفضل والتخصص، والذين تقل مشاركتهم في الدروس العلمية الدائمة، وفي ذلك خير كثير لهم ولطلاب العلم في الإفادة منهم.
ويضيف الشيخ السبت نقطة توضح الحاجة لهذه الدورات فيقول: قد لا يتوفر لبعض من يرغب في العلم السفر إلى العلماء وأخذ العلم منهم وهذه الدروات هيَّأت له ذلك.
ومن جهته يؤكد الشيخ خالد المشيقح على نقطتين هامتين يرى أنهما من قبيل الحاجة الماسة لهذه الدروات، فيتحدث قائلاً: القضاء على الفراغ بالنافع المفيد، وتكون بديلاً لكثير ممن يحب حضور مجالس العلم والذين لا يجدون وقت فراغ لحضور مجالس العلم كالموظفين والمدرسين لتكون هذه الدورات في الإجازة الصيفية فرصة لهم لتحصيل العلم الشرعي من العلماء والمتخصصين.
الدورات العلمية... وثقافة السرعة:
قد توارث العلماء وطلاَّب العلم قاعدة منهجية تقول: (ما أُخذ من العلم جملة ذهب عن متلقيه جملة) وعليه؛ فهل تتقاطع الدروات العلمية المكثفة مع هذه القاعدة؟
وإجابة على ذلك قال الشيخ الخضير: ما أُخذ بسرعة من العلم يذهب بسرعة، وأضاف: ولكن لا مانع من أن يؤخذ العلم بهذه الطريقة على أن تتمَّ مراجعة ما دُرس في الدورات مرة بعد أخرى ليرسخ في الذهن ويثبت، داعياً إلى ألاَّ يقتصر الطالب على هذه الدورات بل لابد له من ملازمة العلماء الأجلاء طيلة العام.
بيد أن الشيخ عبد العزيز الراجحي يرى أنَّ هذا ليس بصحيح؛ بل هذه الدورات فيها خير كثير يستقر في الذهن، ويسجل في الأشرطة، وتفرَّغ في الكتب.(3/121)
وحول هذا الأمر سألت الشيخ خالد المشيقح عن بعض العلماء مِمَّنْ شرح في عشرة أيام منظومة العمريطي في الفرائض والتي تقدر بمئتي بيت، فهل يستطاع بهذه السرعة أن يشرح الشيخ هذه المنظومة في عشرة أيام، لما يقارب (20) بيتاً في كلَّ يوم، ويكون أغلب الطلاَّب قد استوعبوا المتن المشروح؟
فأجاب فضيلته قائلاً: (هذا يرجع لاستيعاب الشيخ للمتن، وإلمامه به، فقد يستطيع إتمامه واغتنام الوقت بشرحه للطلاَّب، ولكن مع اقتصار الشيخ على تحليل العبارة، وإيراد الدليل الموافق للقول الراجح، ثم يبيّن الشيخ بعض المراجع التي تفيد طلبة العلم إن أرادوا التوسع).
وأختتم الحديث عن هذه القضية بتركيز المشايخ المشاركين على أهمية استيعاب الشيخ للمتن، ومن ثم عرض مقاصد هذه المتون، وإبراز مسائلها الهامة، مع الاقتصار على القول الراجح والدليل الأظهر في المسألة؛ إذ ليس هدف الدورات استيفاء الأقوال، واستيفاء ذكر الأدلة، وقد أكَّد على ذلك الشيخ المصلح، والشيخ الزامل، ووافقهم عليه الشيخ العريفي.
الرحلات العلمية للعلماء المتقدمين... والدورات المكثفة:
لعل من بديع الحديث، محاولة الربط بين هذه الدورات المكثفة، مع رحلات العلماء السابقة في طلب العلم، وهل كان هناك مع هذه الدورات وجه تشابه وتناسق مع دروس العلماء المتقدمين؟
حول هذا الإطار ذكر المشايخ المشاركون أن العلماء كانت لديهم رحلات في طلب العلم، بل أَلَّف الخطيب البغدادي كتاباً حول ذلك وسماه (الرحلة في طلب الحديث). ويلفت الشيخ الخضير إلى اهتمام بعض الطلاب في السابق بالشيوخ الغرباء والواردين على بلدانهم، بل كانت الرحلة في طلب العلم سنَّة معروفة عند أهل الحديث؛ فإذا ورد على البلد عالم من العلماء اجتمع عليه الطلاب من أهل البلد، وحرصوا على تحمل ما عنده من حديث قد لا يوجد عند شيوخهم في بلدهم.
ويُعرِّجُ الشيخ خالد السبت ذاكراً نماذج من ذلك؛ حيث قال: (كانت للسابقين قراءات على الشيوخ سريعة: تارة للضبط، وتارة مع التعليق والشرح، وأضاف ممثلاً على ذلك بقوله: فمن الأول أن صحيح مسلم قرئ على ابن لبَّاج بجامع قرطبة في أسبوع في مجلسين من كل يوم، وصحيح البخاري قرأه الخطيب البغدادي على إسماعيل الضرير في ثلاثة مجالس، مجلسين بعد صلاة المغرب إلى صلاة الفجر، والثالث من الضحى إلى المغرب، ثم ذكر الشيخ السبت مقولة للإمام الذهبي وهي: هذا شيء لا أعلم أحداً في زماننا يستطيعه!
ويتابع الشيخ السبت حديثه قائلاً: ومن النماذج في ذلك أن العراقي قرأ مسند الإمام أحمد على ابن الخَبَّاز في ثلاثين مجلساً.
ثم بين فضيلته أن العلماء كانت لهم قراءة مع الشرح والتعليق، ودلَّل على ذلك بقوله: فقد قرأ محمد بن عبد الحي الكتَّاني صحيح البخاري تدريساً وقراءة مع تحقيق وتدقيق في نحو (50 مجلساً).
وأضاف الشيخ المصلح في هذا الباب قوله: وهذا يبين أن إنجاز المتون في مدة قصيرة كان معروفاً في طرائق أهل العلم المتقدمين، وبين فضيلته رأيه حول هذه الدورات العلمية الصيفية وهل لها شبيه بالدروس السابقة بالطريقة نفسها فقال: (أما الدورات العلمية الصيفية فأول من أعلم أنه رتبها وجلس فيها للطلاب شيخنا محمد الصالح العثيمين ـ رحمه الله ـ فقد بدأ بها منذ أوائل الثمانينيات الهجرية وكانت دروساً ضحوية في أيام الصيف من إغلاق المدارس النظامية إلى قريب فتحها، ويتابع حديثه حول دروس ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فيقول الشيخ المصلح: (واستمر الشيخ ابن عثيمين على هذا النسق حتى وفاته ـ رحمه الله ـ إلاّ أنه قلل المدة في آخر سنواته مراعاة لأحوال الطلاب).
أثر الدورات في بناء طلبة العلم تربوياً:
لا يشك أي متابع لهذه الدورات في ما لها من كبير الأثر في تأصيل توجهات الطلاب علمياً، غير أن هناك ما يعتبر أمراً هاماً جداً، وهو أثر هذه الدورات تربوياً على الناس عموماً وطلبة العلم خصوصاً.. وحول هذا الموضوع يحدثنا الشيخ الزامل فيقول: لا شك أن هذه الدورات لها تأثيرها التربوي على الحاضرين؛ فهي تشعر طالب العلم بالإخبات والهدوء، والخشوع؛ حيث يستشعر أنه حين يحضر هذه الدورات تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، ويذكره الله فيمن عنده، وأضاف فضيلته: وكذلك يتعلم الطالب الأدب مع مشايخه، وأخذ سمتهم الحسن، وذكَّرَنَا الشيخ الزامل بقصة الطلبة الذين كانوا يحضرون في مجالس الإمام أحمد بن حنبل ويقدَّرون بخمسة آلاف فرد وكأن على رؤوسهم الطير في أدبهم مع الإمام أحمد، وكان خمسمائة طالب يحضر لكتابة العلم والحديث، وبقية الطلبة يستفيدون من أدب الإمام أحمد وسمته.
وما دام الحديث يدور حول ذلك؛ فقد قال الشيخ المشيقح: إذا تعلم الإنسان فإن علمه سيؤثر في سلوكياته وأخلاقه وعباداته؛ لأن العلم والتربية متلازمان، وينتج عن ذلك خشية الطالب لربِّه، وهذه سمة العلماء وطلبة العلم فالله ـ تعالى ـ يقول: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
ومن جانبه فقد أكَّد الشيخ الخضير بأنَّ لهذه الدورات الأثر الكبير في البناء التربوي لطالب العلم بقوله: تعدد الشيوخ في الدورات يحصل به تعدد القدوات، ولا يخفى تأثير الشيوخ في نفوس التلاميذ من ناحية الهدي والسمت.
ويوصي الشيخ يوسف الغفيص أهل العلم بقوله: أفضل كثيراً أن يعنى الشيوخ في صناعة اللغة العلمية المعتدلة للطلبة، بما تحمله من انضباط علمي، واعتدال تربوي، وأضاف: فعلوم الشريعة أخص العلوم في انضباط الخطاب واعتداله وواقعيته.
وتبقى نقطة هامة ركز عليها الشيخ العريفي: حيث اقترح أن يؤتى بداعية، ويكون من الدعاة المؤثرين، وممن يتعامل مع عامة الناس، ومِمَّن اشتهر بالدعوة إلى الله، وفنون التعامل مع الناس، والتأثير عليهم من جميع النواحي الأخلاقية والاجتماعية، ويقول مواصلاً حديثه: فلو ألقى على طلبة العلم شيئاً ممَّا في جعبته من فنون الدعوة، وأبرز ما لديه من الخبرة والتجارب المفيدة، فإن هذا أمر مفيد لطلبة العلم.
هل هذه الحلقات مظهر تجديد؟
من المعلوم أنَّ هذه الدورات لها أثر كبير في صقل شخصية الطالب؛ كما أن لها أثرها في إحياء العلم وتزكيته للنفوس، ولكن هل بمقدورنا أن نقول إنَّ هذه الدورات من قبيل تجديد الدين؟!
يتحدث الشيخ الراجحي حول ذلك قائلاً: هذه الدورات العلمية من العلم والفقه في الدين، وهي من علامات إرادة الخير للمتلقي كما في الصحيحين: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين».
ويتوافق الشيخان المشيقح والسبت في جوابهما عن ذلك حيث يقول المشيقح: لا شكَّ أنَّ هذا من قبيل تجديد الدين على وجه العموم، ويُعَقِّب الشيخ السبت فيقول: هذه الدورات مفيدة بلا شك في الجملة مع تفاوتها، ولا تخلو من نوع تجديد.(3/122)
ويقول الشيخ الخضير: الدورات ليست من تجديد الدين، بل هي من قبيل تجديد التعليم وَطُرُقِه. وينهي الشيخ الزامل هذا بقوله: الأظهر ـ والله أعلم ـ أن تجديد الدين مثل ما جاء في الحديث: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها» فظاهر الحديث أن يكون التجديد على رأس قرن، وقال فضيلته مستدركاً حديثه: لكن هي من تجديد الدين بأنَّها حماية له وإحياء لما اندرس منه، فلا شكَّ أنَّه من قبيل تجديد الدين، ولهذا أمر عمر بن عبد العزيز أبا بكر عبد الرحمن بن الحارث بكتابة الحديث، وكتب في ذلك لأبي بكر وقال: لتنشروا العلم وليظهر العلم وليُعَلَّمّ من لا يتعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً. ويتابع الشيخ الزامل حديثه فيقول: ولا شك أن ظهور العلم ونشره في هذه الحلق وما يظهر من الإعلان عنها والسماع بها من خلال ما ينشر ويسمع من أعظم ما يكون بانتشار الخير.
هذه الدورات بين الإيجابيات والسلبيات:
في حديث للمشايخ وأهل العلم حول إيجابيات هذه الدورات يؤكد الشيخ الخضير أنَّ انتفاع الطلاب الواضح في البلدان التي يقل فيها من يتفرغ للتعليم من أعظم الإيجابيات لهذه الدورات، ويضيف الشيخ المشيقح على هذا فيقول: الرحلة في طلب العلم من إيجابيات هذه الدورات، حيث إن فيها إحياءً للسنة السلفية السابقة في الرحلة لطلب العلم ومَثَّل فضيلته بقوله: كثير من الصحابة رحلوا في طلب أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - . وكثير من التابعين، ومنهم أبو حاتم الذي مشى على رجليه ما بين مكة والمدينة أربع مرات كل ذلك في طلب حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ، ويشاركه الشيخ السبت في حديث له حول هذا فيقول: من الإيجابيات: تتابع دروس أهل العلم، وإنهاء الكتب والمختصرات في مدة وجيزة، وأضاف فضيلته قائلاً: ومن ذلك: إتاحة الفرصة للأخذ عن أهل العلم مباشرة، وإحياء الجانب العلمي في الأمة.
ويضيف الشيخ العريفي بعض الإيجابيات الكامنة في هذه الدورات حيث يقول: الإيجابيات كثيرة ومنها تحريك الشيخ لذهنه فيما يتعلق ببعض المسائل التي يستفيد منها في بحثها والتحضير لها، ويضرب فضيلته على أهمية ذلك مثلاً: بأنَّ سفيان الثوري حين دخل بغداد وجلس فيها أربعة أيام ثم خرج منها وقال: هذه بلد يموت فيها العالم؛ لبثت أربعة أيام ما سألني رجل عن حديث!!
وأضاف فضيلته: إن من إيجابيات هذه الدورات النافعة للطلاب: أنها تجعلهم يُذْكون روح التنافس فيما بينهم، وأشار العريفي إلى أن من إيجابيات هذه الدورات لدى الطلاب: أنها تجعل الطلاب يجلس بعضهم لبعض ويتحدث بعضهم لبعض، ويشكو بعضهم لبعض، وأضاف: ومن خلال ذلك صار لبعض الطلاب جهود علمية في دعوتهم في بعض المناطق التي يسكنونها مع أن بعضهم لا يزال طالب علم مبتدئاً.
ومن ناحية تقويمية فقد ذكر بعض المشايخ شيئاً من السلبيات في هذه الدورات، فيقول الشيخ الزامل حول هذه القضية: من السلبيات: تعارض هذه الدورات في وقت إقامتها. ويؤكد على ذلك الشيخ السبت بقوله: حيث تقام أكثر من دورة في المدينة الواحدة، وفي وقت واحد، ويضيف الشيخ الزامل على ذلك بذكره للسلبيات فيقول: بعض المتون والمقررات يكثر تكرارها وإعادتها.
ويضيف الشيخ المشيقح قائلاً: من السلبيات: الطول في بعض الدورات فبعضها ستة أسابيع، ولو كانت مثلاً ثلاثة أسابيع إلى أربعة بالكثير لكان هذا أوْلى، كما أن بعض الدروس تكون مكثفة من أول اليوم إلى نهايته وفي جميع الأوقات، وهذا مرهق لطالب العلم وربما أدى إلى الملل.
ويضيف الشيخ السبت في هذا المجال فيقول:
1 - ما قد يقع من التوسع في الشرح والاستطراد فيكون ذلك حائلاً دون نيل المطلوب.
2 - ما يحصل من الارتجالية أحياناً في إقامة بعض هذه الدورات، دون تخطيط مسبق وتصور مدروس.
مقترحات لتطوير أداء الدورات:
حول هذه القضية يبدأ الشيخ الخضير بقوله: من المقترحات الهامة في هذه الدورات: تنظيم الطلاب وتقسيمهم إلى مستويات ليعطى كل مستوى ما يناسبه من المتون. ويشاركه في هذا الرأي الشيخ السبت فيقول: لو وضع تصور واضح لدى من يدرس في هذه الدورات بحيث يقدم مادة للفئة المستهدفة بما يناسبها، فإذا كان ذلك الدرس في مستوى المبتدئين فلا يذكر الخلاف، ولا يتوسع فيه ...إلخ.
ويؤكد فضيلته على أمور مهمة منها:
- الاهتمام بالمتون المعروفة لدى العلماء وترك الإغراب في الاختيار للكتب غير المألوفة عند أهل البلد.
- عدم الاهتمام بكتب العلماء المعاصرين؛ لأنها كتبت بلهجة العصر التي يفهمها الطلاب على كافة مستوياتهم من غير معلم. ومن المقترحات الهامة التي يراها الشيخ الغفيص: ضرورة صياغة خطاب علمي للطلبة يوضح مناط الفهم والاستدلال بشكل تطبيقي فهذه المعالجة في صورتها التطبيقية تساعد كثيراً من الطلبة في بناء ذهنية علمية ذات تأصيل شرعي تؤدي إلى سرعة الفهم.
مع أهمية: «العناية بالحفظ لنصوص الكتاب والسنة» فالشريعة تقوم على الحفظ والفهم معاً. وهذان هما مكنونا الاجتهاد، وأضاف: وفي تقديري أن فرض صِدامٍ بين الحفظ والفهم فرض غير منطقي.
ويتحدث الشيخ المشيقح في هذا الباب قائلاً: لو أنَّ هذه الدورات تعنى بمفاتيح العلم وأصوله وكيفية الاستفادة من مراجعه، لكان حسناً، وعقب فضيلته بذلك قائلاً: وإن عرض ببعض الدورات شيء من ذلك، ولكن نلحظ على كثير من الدورات القصور في ذلك.
وفي حديث للشيخ السبت حول هذه القضية يطرح فضيلته عدة أمور منها:
أولها: وضع خطة كاملة للدورات على سنوات محددة وتوزع فيها الدروس.
ثانياً: التنسيق منذ وقت مبكر مع الشيوخ الذين يقدمون هذه الدورات بحيث تقدم مادة مناسبة.
ثالثاً: أن يختار لكل علم من يحسن تدريسه، وأضاف قائلاً: ونحن بحاجة إلى توفر ناحيتين فيمن يُعَلِّم:
أ - الرسوخ العلمي.
ب - الأسلوب الجيد الذي يوصل به العلم إلى المتلقين.
رابعاً: الإعلان في وقت مبكر عن هذه الدورة.
خامساً: دراسة مستوى هذه الدورات وتقييمها وتوزيع الاستبانات على المشاركين من الشيوخ والطلاب لدراستها والاستفادة منها.
سادساً: توزيع الدروس بطريقة مختصرة ملائمة قدر الإمكان؛ بحيث يكون الدرس الذي يحضره طلاب العلم وغيرهم مثل الفقه والحديث في وقت مناسب للجميع (كالمغرب مثلاً) بخلاف النحو والأصول والمصطلح؛ فإنها يمكن أن تكون بعد الفجر. وقد أكد الشيخ الزامل في اقتراح له حول هذه الموضوع إذ يقول: العناية بالمتون التي يمكن إكمالها حتى لا يتقطع المتن؛ لأن تقطيع المتن ربما يُفَوِّتُ الفائدة خاصة أنها من سَنَةِ لِسَنَةْ.
ويشارك الشيخ العريفي بحديث ماتع له حول مقترحات لتطوير الأداء في هذه الدورات؛ إذ يقول: يا أخي! سأبث إليك نفثة مصدور؛ فمع الأسف لا يواكب كثير من أحبابنا وإخواننا من المشايخ التقنيات الموجودة في هذا العصر، وأضاف قائلاً: فكم رجل بالرياض يقدم دروساً علمية، وكم واحد منهم يستعمل التقنية الحديثة في التدريس؟ ومَثَّلَ على ذلك فضيلته ببرنامج (البوربوينت) الذي يعرض عبر الحاسب الآلي داعياً إلى ضرورة الاستفادة منه.
ويتابع حديثه قائلاً: هذه التقنية تجذب الكثير من الطلاب؛ ففي تدريس السيرة النبوية، ومعركة بدر، لو كان الحاسب الآلي موجوداً ويكون فيه خارطة لمعركة بدر، ويشرح للطلاب من خلالها، فيكون ذلك مقرباً لفهم الطلاب وأدعى لفهم الطلاب أكثر من الشرح النظري، فليت القائمين على هذه الدورات يعتنون بتفعيلها بين المشايخ والطلاب مما يؤدي إلى خير كثير.(3/123)
ويختتم فضيلته مقترحاته قائلاً: إنَّ هذه الدورات يحضرها الآلاف من طلبة العلم، فبعضهم خطباء جمع، وبعضهم طلبة علم يلقون دروساً على تلامذتهم، وبعضهم دعاة إلى الله؛ فهؤلاء المنتفعون ألا يستحقون بجانب العلم الذي يأخذونه أن يتعلموا بعض الفنون في التعامل مع الناس؟ فلِمَ لا تكون هناك دورة في فن الإلقاء، والاتصال بالآخرين، ولماذا لا يُعْطَى طلبة العلم الشرعي هذه العلوم والمعارف، ولا يُنَبَّهُون إلى الطرق المناسبة في طرح هذا العلم إلى الناس، كما هو دأب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم - في تنوع أساليب تعليمه من التعليم بالقصة والحوار والمثل وغيرها.
كيف يستفاد من هذه الدورات؟
يحدثنا الشيخ الخضير قائلاً: الطريقة المثلى للاستفادة من هذه الدورات العلمية بأن يعنى الشيخ بالتحضير الجاد المناسب لمستوى الطلاب، ويهتم الطلاب بالحفظ والتحضير لها مبكراً. واهتمام الطالب بمناقشة الشيوخ أثناء الدرس ومذاكرة الزملاء بعد الانصراف ومراجعة المصادر فيما لم يتضح للطالب بعد ذلك كله.
ونبه فضيلته لمسألة هامة بقوله: ومن المؤسف أن نرى بعض الطلاب لا يهتم بالكتاب إلا أثناء الدرس، بل إن بعضهم يترك الكتاب في المسجد، ومثل هذا وإن استفاد ففائدته قليلة، وهي أيضاً عرضة للنسيان.
وحول هذه القضية يوصي الشيخ الزامل طلبة العلم بقوله: أن لا يتذبذبوا بين الدورات؛ لأنها تكثر في الإجازة الصيفية، بل عليهم أن يرتبوا أوقاتهم بين الدورات، حتى لا يكونوا كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وأضاف فضيلته: وأوصي الطلاب بالمداومة والاستمرار على هذه الدورات والدروس العلمية لتكمل لهم الفوائد النافعة.
أشد ما أعجب المشايخ من الطلاب عموماً، والوافدين خصوصاً:
يؤكد الشيخ الخضير أن أشد ما أعجبه في ذلك الإقبال الشديد من طلاب العلم، والحرص على التأصيل والتحصيل العلمي بالحفظ والمراجعة، ومذاكرة الأقران ومناقشة الشيوخ، وهذا أمر يبشر بخير.
وحول ظاهرة الطلاب الوافدين فَيُعَلِّق على ذلك الشيخ الراجحي قائلاً: أعزو هذا إلى الصحوة الدينية الشاملة بكل مكان. ويتحدث الشيخ المشيقح بقوله: القادمون من خارج المملكة لهم تفاعل كبير في الحضور، وأوضح ذلك بمثال: حيث ذكر أنه في العام الماضي (1425هـ) شارك في دورة علمية مكثفة أقيمت في جدة (60) شخصاً من الأردن، وكذلك المشاركات خارج المملكة في (الإنترنت) كثيرة، وذكر الشيخ المشيقح أن المنظمين يقولون إن الذين يدخلون الموقع الذي تبث فيه الدورة يقربون من (500) مستمع، ولله الحمد.
ويعود بنا الشيخ المشيقح إلى الطلبة الوافدين، حيث يقول: عند نهاية الدورات يتعلق بعض الطلاب منهم ويبكون لفراقهم للمشايخ ودروسهم، وأضاف فضيلته: وهذا يدفع العلماء للتأكيد على أهمية المشاركة بهذه الدورات المباركة.
المشايخ يعارضون الانغلاق المذهبي في دروسهم:
في سؤال توجهت به إلى الشيخ عبد المحسن الزامل، فقلت له: هذه الدورات عرف عنها العناية بالدليل الشرعي بغض النظر عن المذهب؛ فهل هذا دأبكم في دروسكم ولا سيما أن الانغلاق المذهبي ربما يفرق أكثر مما يجمع؟!
فأجاب الشيخ عبد المحسن الزامل قائلاً: المقصود من هذه الدورات بيان القول الراجح مع دليله، ولكن ينبغي لطالب العلم أو من يبيّن ويشرح أن يذكر الخلاف المعتبر والراجح فيه مستشهداً بقول الإمام ابن كثير: عدم معرفة الخلاف نقص في العلم، ولكن قد لا يتأتى مثلاً لمن يشرح استيفاء الخلاف، وإذا أمكن أن يتعرض لشيء من الخلاف، وذكر الأدلة وبيان الراجح فهذا جيد.
وقد ألمح الشيخ المشيقح إلى نقطة مهمة من خلال إجابته عن هذا الموضوع فقال: التعصب المذهبي ذهب تقريباً، ولو وجد فالناس لا يقبلونه، وأضاف مستدركاً: غير أنه يوجد ما هو أشد منه مثل: التعصب الحزبي والتعصب للأشخاص. وقال الشيخ موجهاً نصيحته لعموم طلاب العلم قائلاً: وأنصحهم أن تكون ضَالَّتُهُم ما قاله ـ تعالى ـ وقاله رسوله -صلى الله عليه وسلم - لقوله ـ تعالى ـ: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65].
مقارنة بين الدورات العلمية والتعليم النظامي في المدارس والكليَّات الشرعية:
في البدء قال الشيخ الراجحي: «في كلٍّ خير، وينبغي الاستفادة من الجميع» وقد ذكر الشيخ الخضير عدة فروق فقال: الدورات يتيسر فيها التحصيل للطلاب في أسرع مدة، وتنهى المتون بمدة قصيرة مقارنة بالدروس الثابتة، والدروس الثابتة تبسط فيها المسائل، وقال متابعاً حديثه: والدراسة النظامية يلزم بها الطالب لما يترتب عليها من شهادات؛ فالدورات والدروس العلمية أقرب إلى الإخلاص، وقال معقباً: (وفي كل خير).
من جهته أضاف الشيخ المشيقح على ذلك بقوله: «الدروس الثابتة في المساجد أكثر تأصيلاً لطالب العلم؛ فطالب العلم يرتبط بالشيخ عدة سنوات» وقال مواصلاً كلامه: «ودروس المساجد الثابتة ليست كالدراسة النظامية؛ فالدراسة النظامية تجمع بعض الطلاب ممَّن له ميول علمية، ومن ليست له ميول علمية، بل مقاصد أخرى.
ونعرج إلى رأي الشيخ الزامل لنستطلع وجهة نظره حول ذلك فيقول: «الدورات المكثفة والدروس العلمية بينها وبين الدراسة النظامية فرق واضح؛ لأن العلم الذي يتلقى عبر المساجد ليس كالعلم الذي يتلقى عبر الجامعات، وإن كانت الفائدة موجودة بالجامعات. وأضاف: لكن الفائدة عبر المساجد أعظم بركة وأكثر فائدة وتحصيلاً، وأكثر خيراً، ورسوخاً في العلم، وقال مستأنفاً حديثه: ثم إن الدورات العلمية يأتيها طالب العلم مختاراً طائعاً، وأما الدراسة النظامية فربما يحصل فيها ضعف وتكاسل.
من بديع الفوائد الزكية في الدورات العلمية:
تناثرت آراء العلماء المشاركين في هذا التحقيق في إبراز الفوائد المَجْنيَّة من الدورات المكثفة العلمية؛ فالشيخ الزامل عرض عديداً من فوائدها بقوله: الفوائد كثيرة جداً ومنها:
- حفظ الأوقات لكثير من طلاب العلم، وإعانتهم على طلب العلم، وبخاصة أن هذه الدورات تتتابع حتى نهاية الصيف.
- في الغالب يمر الطالب على غالب التخصصات في فنون العلم (الحديث ـ الفقه ـ التفسير)، وإن كان مروراً فيه شيء من الاستعجال، إلا أنَّ فيه خيراً كثيراً، وقد تداخل الشيخ الخضير مع الشيخ الزامل في ذلك مؤكداً هذه الفائدة إذ يقول: من أبرز الفوائد إنهاء المتون في أسرع وقت. ومَثَّلَ فضيلته على ذلك بقوله: فالكتاب الذي ينجز في عشر سنوات في الدروس الثابتة بمقدار درس واحد أسبوعي، ينجز في الدورات بمعدل أربع دورات في السنة، كل دورة عبر أسبوع متواصل.
وعودة على استكمال الفوائد التي طرحها الشيخ الزامل يقول:
- تعليم طالب العلم أن العمدة في الدورات على الدليل من الكتاب والسنة، وعدم التعصب لقول فلان وعلان؛ فالمقصود من هذه الدورات نصرة الدليل والتزام السنة.
- اجتماع طلاب العلم والإخوان في المساجد، ولقاؤهم وإزالة الشحناء والخلافات؛ حيث يجتمعون اجتماعاً واحداً مؤتلفاً، فصار من فوائد هذه الدورات تأليف النفوس وجمع القلوب؛ وهذا مكسب كبير.
وفي حديث للشيخ المشيقح حول إبراز الفوائد من هذه الدورات يقول فضيلته: من الفوائد كذلك:
- امتثال أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم - في طلب العلم والتعبد لله بهذه العبادة الجليلة.
- الالتقاء بجملة من المشايخ الذين أَلَمُّوا بكثير من المتون العلمية، وقد لا يتحصل للطالب أن يلم بذلك في مكان واحد.(3/124)
- التقاء أهل العلم بعضهم ببعض، وما يحصل في هذا اللقاء من تلاقح الأفكار والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
- تنافس مكاتب الدعوة في هذه الدورات؛ حيث يتصلون بالمشايخ ليكسبوهم في حضورهم في هذه الدورات للتدريس فيها، وأثر ذلك ملموس على الجميع ولله الحمد.
- تنافس التجار والمحسنين في تعليم العلم ومن ذلك: توفير السكن للطلاب، والمراجع، ووسائل النقل، والجوائز، والإعاشة للطلاب؛ لأنَّ كثيراً من الطلاب يأتون من خارج البلد المقامة فيها الدورة، وقد يكون قليل ذات اليد، فيتكفل به هؤلاء الأخيار إلى حين رجوعه ابتغاء الأجر والمثوبة. جزاهم الله خير الجزاء.
ويشاركنا الشيخ السبت في إبراز بعض الفوائد في هذه الدورات فيقول: منها:
- إحياء العلم في مناطق كثيرة لم يكن لها عهد بالدروس العلمية.
- شجعت هذه الدورات الكثيرين من طلبة العلم على مواصلة الطلب، لما فيه من تقريب العلم للأذهان، ونشر العلم الشرعي وإفادة المتلقين.
- التخلص من التخبط في طلب العلم ببناء منهجية تأصيلية لطالب العلم.
تقييم نهائي للدورات.. لتصل إلى النجاح الشامل:
أبدى جميع أصحاب الفضيلة المشاركين بالتحقيق إعجابهم الشديد بهذه الدورات، وأن لها تأثيراً واسعاً على عموم طلبة العلم في العالم الإسلامي، مع مناداة بعض المشاركين بزيادة العناية بالمرأة، ولو أُفْرِدَتْ لَهُنَّ دورات علمية تَشْرَحُ لهن ما يخصهن من أمور دينهن لكان جيداً، وفي هذا دعا الشيخ الزامل بقوله: إن أمكن إقامة دورات للنساء فهذا أمر طيب؛ لأن هذا أدعى للفائدة، وخاصة إذاعرفت النساء أن الدورة خاصة بهن؛ فإنهن يحرصن على الحضور، ويذاكرن ما يلزمهن تحضيره من الدروس.
ويجدر التنبيه إلى أنَّ فضيلة الشيخ صالح الأسمري ـ وفقه الله ـ له جهودٌ طيبة في إفراد النساء بدورات علمية خاصة بهن، وقد فرغت هذه الدورات في بعض الأشرطة.
ويؤكد الشيخ السبت من جهته أن هذه الدورات ـ كما يقول ـ يمكن أن تؤصل طالب العلم إذا كانت مدروسة؛ وذلك في جوانب عديدة منها:
أ - تحديد الهدف من الدورة.
ب - تحديد الفئة المستهدفة.
ج - اختيار الكتب والفنون المناسبة التي تحقق الهدف.
د - الانضباط في الشرح بذكر ما يحقق الهدف دون توسع أو استطراد، أو شرح ما لا حاجة إليه كشرح المقدمة والبسملة والحمدلة، وما إلى ذلك مما هو خارج عن موضوع الدرس.
ويرى الشيخ المصلح أن من مقومات النجاح لهذه الدورات، مراعاة حسن اختيار زمانها ومكانها ومدتها، ويضيف: ومما يعين على تحقيق الاستفادة من هذه الدورات تهيئة الأجواء المناسبة للطلاب وتسهيل إقامة المغتربين منهم، وإقامة البرامج النافعة والأنشطة المساندة، وشَدَّد الشيخ المصلح على أنَّه إذا اهتمَّ المنظمون لهذه الدورات بتلك المقومات فإنها تنجح أيما نجاح.
ويحسن أن نختم مشاركة المشايخ في التقويم لهذه الدورات، ما قاله الشيخ الخضير: إذا كانت هذه الدورات مرتبة، وعُدَّتها المتون العلمية المعروفة لدى أهل العلم، وأديت على الجادة في ترتيب المتون حسب طبقات المتعلمين في جميع الفنون، فلا شك أنها تربي طلاب العلم على الجد والاجتهاد، والمتابعة، وعلل ذلك بقوله: لأنَّ طالب العلم إذا أنهى كتب الطبقة الأولى سمت همته إلى كتب الطبقة الثانية، وهكذا، وأضاف الشيخ: وعلى هذا فتكون الدورات نافعة جداًَ أما إذا كانت الدورات تسير من غير ترتيب ولا تنظيم، أو كان اعتمادها على كتب غير معتمدة عند أهل العلم، فإن هذه الدورات قليلة الجدوى.
فوائد على وجه السرعة من الدورات العلمية:
فقد سألت بعض الطلاب المتميزين في هذه الدورات عما استفادوه فكانت إجابتهم على النحو التالي:
الأخ محمد حجازي أجابني بقوله: استفدت من الناحية الإيمانية حيث يزداد الإيمان في المشاركة في هذه الدورات، ومن الناحية العلمية حيث يجتمع العلماء في يوم واحد ومسجد واحد وننهل من شتى العلوم، وكذلك: المباحثة والمذاكرة مع بعض طلبة العلم قبل الدرس وبعده، ويضيف الأخ خالد السليمان على ذلك بقوله: استفدت اختصار الوقت في التحصيل العلمي، وفي مشاركة للأخ عبد الجليل القحطاني. يقول: مناقشة المشايخ وكثرة الأسئلة وأجوبتها تفيدنا فوائد علمية، أضف إلى ذلك حفظ بعض المتون المقررة.
وفي مداخلة للأخ محمد المتعب يعرض فيها ما اكتسبه من فوائد فيقول: معرفة التعامل مع كتب السلف، ومعرفة المنهجية في طلب العلم، وكذلك الاستفادة من أخلاق وسمت العلماء المشاركين وتوجيهاتهم. ويؤكد الأخ عبد المجيد الثنيان على أن هذه الدورات أفادته باعتبارها مفاتيح مُعِينة له على طلب العلم، واستفاد معرفة المصطلحات العلمية عند الأئمة الكبار، ويختتم حديثه حول هذا بأنه استفاد نيل بركة مجالس العلم واستغفار الملائكة لطلاب العلم كما جاء في الحديث الصحيح.
عوائق لا تفارق:
يؤكد الأخ إبراهيم خطاب أن من العوائق التي واجهته خلال هذه الدورات صعوبة التفرغ التام لحضورها بسبب ظروف الحياة ومشاغلها. ويوافقه على ذلك خالد السليمان، بينما لم يذكر عبد الجليل القحطاني أو الثنيان عوائق واجهتهما خلال حضور هذه الدورات. ولكن محمد المتعب يصر على أن هناك عوائق تواجه بعض طلبة العلم ومنها: كفالة طالب العلم وكفاية مؤنته من المسكن والمأكل والمشرب، وأضاف: فكم من طالب علم يسكن بقرية نائية أو محافظة صغيرة ويرغب في الذهاب للمدن التي تقام فيها الدورات فتقف في وجهه تكاليف وأعباء الوصول والإٍقامة!.
كانت دليلاً للتأصيل:
في سؤال وجَّهته لطلبة العلم المشاركين: هل للدورات العلمية دور في التأصيل العلمي؟ فبالإيجاب يجيب الكل، ويشرح محمد حجازي وجهته في ذلك قائلاً: هذه الدورات تراعي التأصيل ومن ذلك:
1 ـ أنَّ الكتب المختارة تراعي التدرج العلمي.
2 ـ أن المشايخ المشاركين فيها يركزون على حل ألفاظ المتن والتقريرات العلمية دون التوسع في ما يشتت ذهن الطالب وبخاصة المبتدئ.
3 ـ أن الطالب يتلقى دروساً يومية، ومتتالية تساعده على ربط المتن بعضه ببعض فيخرج من هذه الدورة وقد أتقن المتن كاملاً بخلاف الدروس الأسبوعية المنتشرة في المساجد طوال السنة.
ومن جهته يقول الأخ خالد السليمان: أما قضية التأصيل العلمي في الدورات؛ فالذي أراه أن ذلك يختلف بحسب المستفيدين منها. وأضاف: فإذا كان الطالب حريصاً على حضور حِلَق العلم غير مضيع لها فهذه الدورات طريق لاستمرار تفوقه.
مميزات للدورات:
يتحدث المتعب عن أن هذه الدورات تميزت بعدة أمور، وذكر منها:
1 - الوصول السريع إلى المعلومة الشرعية.
2 - أخذ العلم من كبار العلماء، والذين يعز اجتماعهم وأخذ العلم عنهم في أماكنهم.
3 - أن الدورات تعطي طالب العلم خلاصة ما يتوصل إليه الشيخ في فَنِّه الذي يجيده.
4 - إحياء سنة الرحلة في طلب العلم.
ويزيد الأخ محمد حجازي على هذه الميزات، فيقول:
5 - تفريغ الذهن من المشاغل خلال أيام الدورة المعدودة.
6 - التأصيل العلمي.
7 - تلقي العلم بالتدريج.
ويشاركه الثنيان في إبداء بعض المميزات فيتحدث بقوله:
8 - ابتداء الدروس من بعد صلاة الفجر.
9 - نقل الدروس عبر (الإنترنت).
10 - تخصيص أماكن يتسنَّى فيها حضور النساء للمشاركة في مجالس العلم، واعطائهنَّ فرصاً للأسئلة وبيان الإشكالات، التي تعرض لهن.
أشد ما أعجب الطلاب في الدورات:(3/125)
حول ذلك يتحدث إبراهيم خطاب فيقول: لا يوجد ما يشرح الصدر مثل مظهر الشاب في أوج شبابه وفتوته يترك ملذاته الدنيوية، ودفء سريره ليواظب على هذه الدروس والدورات العلمية؛ فأُمَّةٌ فيها شباب أمثال هؤلاء إنها أمة خير ويرتجى منها الخير بإذن الله.
ويشير السليمان إلى مظهر أعجبه في هذه الدورات فيقول: تركيز الاستفادة من هذه الدورات؛ حيث يوجد في بعضها مسابقات لحفظ المتون، أو اختبارات في نهاية الدورة.
أما محمد المتعب فقد أعجبته ميزة رائعة وهي: كسر الحواجز الجغرافية والقومية بين طلاب العلم، وأضاف قائلاً: فالقريب يجلس جانب البعيد، والغني بجانب الفقير، وكفى بهذه الميزة من ميزة علَّمناها ديننا الحنيف.
ويختتم محمد حجازي ميزة رآها في هذه الدورات فيقول: تهيئة المسجد الذي تقام فيه الدورة لاستقبال هذه الأعداد الغفيرة.
مقترحات يتمنى الطلاب وجودها:
سألت الإخوة الطلاب حول هذا الأمر، فأجاب الأخ محمد حجازي على ذلك بعدة نقاط منها:
1 - أن تحدد المستويات في كل دورة، وفي كل كتاب، كأن يعلن أن هذه الدورات للمبتدئين أو المتوسطين أو المتقدمين.
2 - أن تصدر شهادات علمية للمواظبين على الحضور مختومة وموقعة من إدارة الدورات مع المشايخ المشاركين؛ ولكن بعد اختبار الطلاب في آخر الدورات بحيث تكون هذه الشهادة بمثابة الإجازة المعروفة عند سلفنا.
3 - أن يستعان بالعلماء والمشايخ من خارج السعودية للمشاركة في هذه الدورات، وبخاصة في علم القراءات والتفسير والبلاغة والفقه.
وأضاف محمد المتعب على ذلك بقوله:
4 - أهمية انتقاء مجموعة من المتميزين في هذه الدورات وإقامة دروس خاصة لهم بعد الدورة، والاهتمام بهم اهتماماً خاصاً. وفي حديث لخالد السليمان حول هذه القضية يقول مقترحاً:
5 - لا بأس بإعادة شرح المتون الأساسية المهمة التي سبق أن شرحت في الدورات العلمية، وأضاف مقترحاً:
6 - الحرص على الشيخ الذي يؤصل طلابه في تعليمه لهم، لا الذي اشتهر بالعلم فقط.
وأكد على ذلك بقوله: لأن تعليم العلم في نظري متكون من شقين:
أ - أهلية المعلم في العلم.
ب - أهليته في طريقة التعليم.
ويقترح عبد المجيد الثنيان اقتراحاً يتمنى فيه إيجاد وسيلة نقل بين الطلاب الذين لا يستطيعون أن يمتلكوا سيارة خاصة بهم، وتهيئة السكن للطلاب الذين يأتون من خارج المنطقة لمشقة استئجار المسكن على بعضهم.
حضور الطلاب للدورات.. هل يلزم؟!
يقول إبراهيم خطاب مؤكداً على ذلك: يلزم حضور هذه الدورات لأنه يتم فيه مشافهة الشيخ العالم ببعض الأسئلة المشكلة، ويرى أن من لم يستطع المشاركة فلا يحرم نفسه الخير والعلم بتحصيله عبر (الإنترنت) من البالتوك، أو مواقع الدورات، أو الأشرطة.
ويشير عبد الجليل القحطاني إلى أن في حضور مجالس العلم نيل بركة العلم، ومعرفة المشايخ، والاستفادة من أخلاقهم وهو مكسب لا شك فيه.
مظاهر غير جادَّة من بعض الطلاب:
حين سألت إبراهيم خطاب عن ذلك ابتدأ بقوله: إنَّ ما يُكَدِّر صفو هذه الأجواء الجميلة، ظهور السآمة والملل من بعض الطلاب، فيجرهم ذلك إلى الحديث الجانبي بعضهم مع بعض، أثناء إلقاء الدرس، وهذا وإن كان قليلاً إلا أنه أمر ينبغي تلافيه. ويضيف عبد المجيد الثنيان قائلاً: عدم اصطحاب الكتاب من بعض الطلاب أو الدفتر والقلم لتدوين الفائدة، ويتداخل خالد السليمان في هذا الموضوع فيقول: النوم أثناء الدرس من بعض الطلاب مظهر غير جاد، وكذلك عدم التنظيم والتخطيط في الحضور لبعض الدروس من الطلاب، ويواصل حديثه قائلاً: والأوْلى أن يستشير الطالب ويستفيد من غيره في الشيء الذي يناسبه حضوره من هذه الدورات.
من جانبه أبرز محمد حجازي مظهرين غير جادين من قِبَل بعض الطلاب حيث ذكر: الحماس الشديد من بعضهم في أوائل الدورة ثم التراجع شيئاً فشيئاً، حتى يبقى نصف العدد، الذي ابتدأ من أوَّله، وأضاف: وكذلك من المظاهر التأخر في حضور الدروس من بعض الطلاب المحصِّلين للعلم.
وينهي الحديث حول هذه القضية عبد الجليل القحطاني حيث يقول: عدم الجدية في مراجعة الدروس المشروحة، وعدم حفظ المتون مظهر غير جاد لبعض الطلبة.
مدى مناسبة الاختبارات التأهيلية قبل المشاركة في الدورات:
اختلفت رؤى الطلاب حول ذلك؛ فإبراهيم خطاب يعارض ذلك بشدة، قائلاً (لا ... وألف لا) ويعلل ذلك بقوله: لأننا بحاجة إلى زيادة في العدد، والاختبارات للالتحاق ستنقصه ولاريب في ذلك، وأضاف مستدركاً على ذلك بقوله: فإن أردنا اختبارات، فلتكن اختبارات جادة في نهاية الدورة، وتكون هذه الاختبارات قوية لتهيئ شباباً مؤصلاً علمياً.
ومن جهته فإن محمد حجازي يرى أهمية تلك الاختبارات قائلاً: أؤيِّد الاختبارات لتحديد المستوى الحقيقي لطالب العلم، ومن ثمَّ توجيهه الوجهة الصحيحة والمناسبة لمستواه في العلم وهذا فيما أحسب من باب (الدين النصيحة)، ويوافقه على ذلك خالد السليمان وعبد الجليل القحطاني، ومحمد المتعب؛ حيث يقول الأخير: أؤيد وجود اختبارات مرحلية لطلبة العلم؛ لأنها تبين الجاد من الهازل.
وهكذا جلسنا وإياكم في رياض هذه الدورات العلمية؛ فهل تغريكم بالالتحاق بها والاستفادة منها...؟ عسى ولعل.
والله من وراء القصد.
نشر هذا التحقيق في مجلة البيان الإسلامية الشهري ، في العدد(213)
=================
شباب ... بنات
د. نهى قاطرجي
كم هو ضائع ذاك الشاب ، وكم هي تائهة تلك البنت ، وكم هو مسكين هذا الجيل الباحث عن ذاته في زوايا حضارة زائفة كاذبة .
إن الناظر إلى نماذج جيل ما بعد الحرب اللبنانية يجد تراجعاً كبيراً في أخلاقه وتصرفاته مقارنة بجيل ما قبل الحرب المحافظ على بعض القيم والعادات الموروثة من أجداده الذين عرفوا أمجاد الدين الإسلامي وعملوا بأحكام حلاله وحرامه .
إن السبب في هذا التراجع لا يعود إلى عامل الحرب فقط ، كما يحاول البعض الإيحاء ، بل إن هناك عواملَ أخرى أشد خطورة وأكثر تأثيراً أدت إلى هذا الوضع المشهود ، ليس على المستوى المحلي فقط وإنما على المستويات العربية والعالمية كافة ، ومن هذه العوامل الثورة التكنولوجية المتنوعة ، من وسائل اتصال وأقمار الاصطناعية وما إلى ذلك من اكتشافات حديثة عملت على تقريب المسافات بين الدول ووحدت المدن والقرى وجعلتها قرية واحدة تحكمها دولة واحدة تسيطر بالترغيب أو بالترهيب على العالم كله ، تُرغِّب البعض بالملذات الدنيوية ، وتُرهِّب الآخرين بالمجاعة والحروب النووية .
لقد بات التمتع بالملذات الدنيوية هو السبيل الذي يجد فيه الناس عامة والشباب والبنات خاصة طريقهم للوصول إلى السعادة المتمثلة في ذهنهم بإشباع الرغبات وتحصيل المكتسبات ، وبات لذلك كل شاب أو بنت ، إلا من رحم الله ، يتميز بصفات عامة يختص بها .
ومن هذه الصفات التي يمكن ملاحظتها على هؤلاء الشباب الشكل الخارجي الموحَّد المتمثل في بنطلون الجينز الذي يكاد يصل إلى كعب الرِّجل ، وفي الشعر الطويل المعقود أو لعله بالعكس القصير أو المحلوق أو المصبوغ ، لا فرق ، أشكال منفرة يستسيغها هؤلاء الشباب ويتمسكون بها ويسنهزئون ويرفضون كل شاب لا يحاكيهم فيها ولا يسسلك منهجهم ، معبرين بذلك عن انتمائهم إلى عالم غريب لعلهم هم أنفسهم لا يدرون من اخترعه وأين مقره الأصلي.(3/126)
هذا عند الذكور ، أما عند الإناث فالزي الذي ذكرناه سابقاً يمكن أن نجده عند المتشبهات بالرجال منهن اللواتي يلبسن زيّهم ويمشين مشيتهم بل وحتى يجلسن جلستهم ، أما البعض الآخر ممن يفخرن بأنوثتهن ويحرصن على إظهارها فهن الكاسيات العاريات المائلات المميلات ، كما وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللواتي لا نكاد نعرف ليس فقط الواحدة منهن من الأخرى بل نكاد لا نميز بين الفتاة الشريفة وفتاة الهوى منهن ، فالشكل الذي كان مخصصاً لبنات الهوى بات اليوم شكلاً موحداً لبنات اليوم حسب توجيهات مصممي الأزياء الحريصين دائماً على إبداء مفاتن الجسد .
أما أخصائيو التجميل فإنهم يطبقون نظرية أحد زملائهم الذي دخل يوماً مع رفيق له إلى حديقة للحيوانات في إحدى الدول الغربية ، فلفت نظره قرد أعجبه فأخذ يتأمله ويراقب الخطوط الحمراء والزرقاء التي تبدو حول عينيه وفمه ، ثم خطرت على باله فكرة شيطانية نقلها إلى رفيقه بقوله : " هل تراهن أني في خلال سنوات سأجعل المرأة تبدو كهذا ؟".
وكسب الرهان وباتت المساحيق التي تغطي الوجه تخضع لمقاييس عالمية تقرها وكالات عالمية وتباع على أساسها تشكيلات الربيع والخريف والصيف والشتاء ... كل ذلك لتبدو المرأة في كل أنحاء العالم نسخة واحدة وصورة مكررة ، فإذا كنت في هوليوود أو في مصر أو في بيروت ، أو في أي مكان من العالم ، لا فرق ، دائماً المرأة هناك هي نفسها هنا ، الشعر نفسه ، العيون نفسها ، القامة نفسها ... بل حتى الابتسامة نفسها .
لقد أدت الثورة العلمية في مجال الجراحة التجميلية بأحد أطباء التجميل إلى التصريح بعدم وجود فتاة قبيحة اليوم ، فلم يعد هناك شيء اسمه عيب خَلقي ، لا أنف معكوف ، لا أذن طويلة ، لا أسنان منفرة ، لا شيء من هذه الأمور التي كانت تسبب للفتاة فيما مضى العقد النفسية التي تُشعرها بالعجز عن لفت انتباه الرجل إليها... لا ، لا شيء من هذا يمكن أن يحدث اليوم ، بل إن الواحدة من هؤلاء قد تكون كاملة الخِلقة ولكنها تخضع لعملية تجميلية كي تجعل أنفها يشبه أنف تلك الممثلة السينمائية التي أعجبتها في آخر فيلم رأته لها ، لهذا ما عسانا نفعل إلا أن نواسِيَ ذاك الرجل الذي يبحث عن الفتاة الجميلة ، ذلك أنه لم يعد بإمكانه معرفة شكلَ فتاته التي سيتزوجها ، ولم يعد يستطيع أن يتصور شكل أبنائه في المستقبل ... لأنه لا يعرف شكل أمهم كيف كان !!
للأسف هذا هو واقعنا المأساوي اليومي الذي يمكن أن نجده في كل حي وشارع ، فالفتاة الملتزمة تمشي اليوم جنباً إلى جنب مع الفتاة السافرة التي قد تكون أمها أو أختها أو رفيقتها ، ولا تملك في كثير من الأحيان لها إلا الدعاء تستخدمه سلاحاً تدعو به للآخرين ومن جهة وتحمي به نفسها من أن يصيبها ما أصاب غيرها من السفهاء من جهة أخرى.
إن هذه الصورة المرئية للشكل الخارجي لشباب وبنات اليوم الذي بيّنا بعض ملامحه سابقاً لم تنشأ في نفوس هؤلاء من فراغ ، بل هي تعبير خارجي عن خلجات الروح والقلب والنفس التي وَجدت في هذه التصرفات وسيلة تعبيرية عن الكيان والوجود ، والمثل يقول : " الإناء ينضح بما فيه " ، وما يحتويه الإناء لم يعد مخفياً على أحد بل إنه قد طاف وفاض ونشر رذاذه على من حوله ، ومن هذه الأمور التي فاضت والتي يمكن ملاحظتها ما يلي :
أولا : الفراغ الروحي المتمثل بالبعد عن الله عز وجل أو إنكار وجوده، أواستبدال الحاسوب بأوامره سبحانه ، ذلك الذي أصبح كثير من الناس يحرصون على أوقاتهم معه أكثر من حرصهم على الصلاة التي أمرنا الله عز وجل بأدائها في وقتها ، والتي صارت علاقتهم بها كعلاقتهم بساعة المنبه التي تدقّ عند ساعات الفجر الأولى لتنبه إلى وجوب النوم الذي يمكن أن يستمر حتى ساعات العصر من اليوم التالي إن كان الغد يوم عطلة .
لا يقصد مما سبق نفي الإيمان عن هؤلاء نفياً مطلقاً ، لا بل على العكس من ذلك فإن بعض هؤلاء يدخلون بحكم استخدامهم للإنترنت وتعرفهم على الآخرين في حوارات كثيرة مع بعض المسلمين الذين يلعبون دور المربّين فيعرِّفون الناس على دينهم ويدخلون معهم في حوارات فكرية هامة .
كما أننا لا نستطيع أن ننكر تأثير بعض الزملاء الملتزمين الذين يذكِّر زيَّهم الإسلامي وتصرفاتهم وعقيدتهم هؤلاء الشباب والبنات بوجود الله عز وجل وبوجوب مخافته ، وإن كانوا في الغالب يتحاشون الدخول معهم في حوارات عقائدية خوفاً من أن يعقِّدوهم أو يجروهم إلى الدين ، لذا فإنك لا تستغرب إن وجدت أحدهم لا يعلم بوجود الجنة والنار بل لعله قد يدهش عندما يخبره أحدهم بما في الجنة من لذائذ ، كما حصل مع تلك الفتاة التي استغربت عندما علمت أن في الجنة خمرة ، وسألتني مستغربة : هل صحيح أن في الجنة أنهاراً من واين " wine" ؟
ثانياً : الفراغ الفكري المتأثر بالفكر المادي المنكر لوجود لله عز وجل المدَّعي اقتصار الوجود والحياة على الحياة الدنيا ، لذا نجد كثيراً من الشباب الموقن بهذه العقائد يطبق هذه النظريات ويسعى راكضاً لاهثاً وراء الأسباب المادية التي تحسِّن وجود في هذه الحياة الدنيا والتي هي مبتداه ومنتهاه في نظره .
من هنا ليس من المستغرب على من مَلَك تلك العقيدة المادية أن يحصر نظرته إلى السعادة في امتلاك الهاتف الخَلَوي أو الدراجة النارية أو السيارة الفاخرة المميزة بصوت محركها المزعج لكل نائم بعد منتصف الليل .
وليس من المستغرب استبدال هؤلاء الشباب والبنات بالمفاهيم والمعاني النبيلة الموجودة في الشرف والعفة والكرامة والشجاعة مفاهيم أخرى وجدوها في الأنانية والغرور والتفرد بالرأي وتحقير الآخرين والاستهزاء بهم وعدم احترام الكبير وغير ذلك من الصفات التي تدور في فلك " أنا ومن بعدي الطوفان " الذي حكم تعاملهم مع الآخرين من منطلق قاعدة " الغلبة للأقوى " التي يبنون عليها علاقاتهم الاجتماعية والأسرية .
لقد ترك هذا المفهوم الخاطئ عن حب الذات أثره السيء على علاقات هؤلاء الشباب والبنات بالآخرين ، فغابت عن قاموسهم كلمات مثل : العطاء ، المساعدة ، التضحية ، حب الخير وغير ذلك من المفردات والمعاني التي رأوا فيها سلاحاً للضعيف يستخدمه لإثبات ذاته وكسب رضى الآخرين ومحبتهم ، أما هم فإنهم بقوة شخصيتهم وقدرتهم على إثبات ذواتهم لا يحتاجون إلى هذه الوسائل الرخيصة من أجل استجلاب الأنظار إليهم ... بل هم يحصلون على ما يريدون بالقوة والحيلة والخداع وغير ذلك من التصرفات التي تجعل الإنسان في هذه الدنيا يبدو وكأنه يعيش في غابة لا بقاء فيها إلا للأقوى والتي يمثلها قول : " فإن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب " .(3/127)
ثالثاً : الضياع النفسي الذي يلمسه بسهولة عند الاحتكاك بهؤلاء الشباب والبنات الضائعين ، ولعل أهم الآثار النفسية التي يمكن أن نشهدها الاضطراب والقلق والتشاؤم والنظرة السوداوية التي تغلف نظرتهم إلى الحياة ، والتي تجعلها في نظرهم تدور بلا هدف ولا غاية ، فلا فرق بين الأمس واليوم والغد، إلا أن يأتي الغد حاملاً الموت الذي يمكن أن يحرمهم من التمتع بهذه الحياة التي لن يكتب لهم العودة إليها مرة أخرى ، لذا لا وجود للأوامر والنواهي في برنامجهم اليومي،بل إن هذا البرنامج يتضمن الاستفادة من كل لحظة في اليوم قبل أن يأت ذاك اليوم الذي لا غد له ، لذا لا ينفع مع مثل هؤلاء الأشخاص أن نقول لهم الخمرة حرام ، أو إنك ترتكب كبيرة وأنك ستحاسب عليها ، كل هذا لا ينفع ، ففي مفهومهم الخاص الجنة تكون في اتباع اللذة والنار تكون في الحرمان منها، لذا هم يركضون وراء كل شيء يظنون أنه يوصلهم إلى نعيم الجنة الدنيوي ، حتى إذا لم يجدوه في الخمرة والزنا بحثوا عنه في المخدرات والعلاقات المحرمة وغير ذلك من المعاصي التي كلما انتهوا من معصية بحثوا عن أخرى ، وهكذا إلى ما لا نهاية .
إن كل هذه التصرفات التي ذكرناها لا يمكن تحميل مسئوليتها لهؤلاء الشباب والبنات الضائعين فقط ، إذ إن للأهل والمربين والمسؤولين وكل من له قدرة وسلطة دور مهم في إيصال الشاب والبنات إلى ما هم عليه ، ويكفي أن يؤمن بعض هؤلاء المربّين بالمبادئ التربوية الخاطئة حتى يفقد شباب اليوم هدفه بفقدانه قدوته ، لذا ليس من العجب أن يقوم هؤلاء بما يقومون به تحت أعين ومباركة الأهل الذين اعتبروا أن من حق أبنائهم عليهم أن يمنحوهم حرية التصرف ، مع أنهم لو أدركوا معناها ، حسب مفهوم فلاسفة الغرب على الأقل ، لوجدوا أن الحرية ليست في الانسياق وراء النزوات العاطفية وإشباع الرغبات ، بل هي طاعة القوانين ... وإن كان الفرق كبيراً بين شريعتنا السماوية وقوانينهم الوضعية .
===============
الشباب والإجازة
(أُخذت من خطبة للشيخ صالح بن حميد)
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمدلله الذي أعاد وأبدى ،وأجزل علينا النعم وأسدى ..لا هادي لمن أضل،ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أكرم به نبياً وأنعم به عبداً صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه كانوا أمثل طريقة وأقوم وأهدى والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : ف{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102)}
أمة الإسلام تحدثت في الخطبة الماضية عن طرفاً من مخاطر السياحة الخارجية كمشكلة من مشاكل الإجازة واليوم أود الحديث عن قضية أخرى من قضايا الإجازة ألا وهي الشباب في الإجازة،وكم تسمع من شكاوى عديدة تشتكي من تصرفات الشباب في الإجازة فمن تجمعات مزعجة في الأحياء، وسهر لليل ونوم للنهار،واهتمامات وضيعة وألفاظ نابية ..شكاوى يطول المجال عن سردها،لكن أقول أيها الأحبة لنكن صرحاء مع أنفسنا هل المجتمع الذي ظلم الشباب؟ أم الشباب هم الظالمون؟
ماذا نتوقع أيها الأحباب من شباب فُتحت عليهم أبواب الملهيات والمغريات وما يثير الشهوات من كل حدب وصوب؟ماذا نتوقع من شباب فتحت عليهم الفتن التي تذهب بلب الرجل اللبيب وتهز الجبال الرواسي؟ماذا نتوقع من شباب قُدمت لهم القيم منكوسة والمعايير معكوسة فسفاسف الأمور وترهاتها قُدمت على أنها من معالي الأمور ومما ينفق فيها الوقت ويُبذل فيها الجَهْد،ومعالي الأمور خفت الحديث عنها ولفت الأنظار إليها،حتى عادت عند بعض الشباب من قشور الحياة وكمالياتها،فما بالكم إذا أُضيف لذلك وقت الفراغ .(3/128)
لكن أقول للشباب لا تعتقدون أن هذا عذرٌ لكم يكفيكم التَبِعَة،صحيح قد تكون الأم أهملت في التربية بخروجها للعمل مزاحمة للرجل وتركتكم في الصغر لتربية الخادمة، وصحيح أن الأب وفر لكم كل سبل الفساد ولم يوجهكم التوجيه السليم،لكن هم سيسألون عن تقصيرهم وما فعلوا،وأنتم اليوم قد بلغتم سن التكليف وقد منحكم الله العقل لتفكروا به فأنتم مسئولون عما تفعلون قرر ذلك ربكم بقوله :{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38)}فدعوني إخوتي الشباب أن أوجه لكم نصيحة من قلب مخلص لكم فأقول أنتم قلب هذه الأمة النابض وإن أعداء دينكم وأمتكم وبلادكم يحرصون على فسادكم وشغلكم عن معالي الأمور بسفاسفها فإذا شغلتم بذلك ضاع مستقبل الأمة والذي يدفع الثمن أنتم، نعم أنتم وحدكم وأبنائكم من بعدكم،وإن صلحتم فزتم بالثمرة أنتم وأبنائكم،ولا تظهر تلك الثمرات إلا يوم أن يتسلم شباب اليوم غداً زمام قيادة الأمة. معاشر الشباب إن أهم ما يجب أن تعرفوه في حياتكم حقيقة الإيمان بأركانه الستة وأن تطبقوها في حياتكم العملية،وأن تعرفوا أو تسألوا عن حكم الدين في كل خطوة من خطوات حياتكم حتى لا تزل قدمكم وتسيروا على صراط مستقيم،ثم مما يجب عليكم معرفته هو عزائم الأمور ومعالي الهمم فقوي العزيمة من الشباب من تكون إرادته تحت سلطان دينه،وعقله ليس عبداً لشهوته، واسمعوا معي إلى هذه القصة لشاب مسلم عرف معنى علو الهمة أنها لصقر قريش عبد الرحمن الداخل فحينما عبر هذا الصقر البحر في أول قدومه للأندلس ..أٌهديت إليه جارية بارعة الجمال..فنظر إليها وقال:إن هذه من القلب والعين بمكان،وإن شُغلتُ عنها بما أَهُمُّ به،ظلمتها،وإن أنا اشتغلت بها عما أَهُمُّ به ظلمتُ همتي ..ألا فلا حاجة لي بها ..ثم ردها إلى صاحبها ، أحبتي الشباب ألا أدلكم على مكامن الخطر على علو الهمة إنها الشهوات والعواطف،وحب الراحة وإيثار اللذات إحذروها فإنها تسقط الهمم وتفتر العزائم ، وإذا أردت أخي الشاب مثالاً عملياً على ثمرات علو الهمة انظر فيمن حولك فيمن تعرفهم من الشباب فكم من فتيان يتساوون في نباهة الذهن،وقوة البصيرة،ولكن قوي الإرادة منهم،وعالي الهمة فيهم،ونفَّاد العزيمة فيهم هو الكاسب المتفوق ..يجد مالا يجدون ويبلغ من المحامد والمراتب مالا يبلغون ، بل إن بعض الشباب قد يكون أقل إمكانيات،وأضعف وسائل لكنه يفوق غيره بقوة الإرادة،وعلو الهمة،والإصرار والإقدام.فخذ الأمر أخي الشاب كما وصى الله به يحي بقوله:{ يَايَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(12)}ثم بعد العزم توكل على الله فقد وصى بذلك الله نبيه المصطفى ? حيث قال:{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159)} وإن من مظاهر ضعف الهمم في التعليم والتوجيه،ومن بخس حق العلم والمعرفة أن يطلب الفتى العلم لينال به رزقاً،أو ينافس به زميلاً،حتى إذا أدرك الوظيفة أوفاز على الزميل أوكانت الإجازة أخلد إلى الراحة ونسي العلم وأضاع المعرفة وتنحى عن طلب العلم،والأمة إنما يرتفع رأسها ويظهر عزها بهمم أولئك الذين يقبلون على العلم بجد وصبر وثبات ولا ينقطعون عن التحصيل والاستزادة إلا حين ينقطعون عن الحياة.معاشر الشباب ألا أدلكم على ما يٌثبت علمكم؟إنه العمل بما علمت وتطبيقه في حياتك وإلا كان مصيره النسيان،يقول بعض الحكماء : (إذا أردت الاستفادة من النصائح المكتوبة والمسموعة فجربها واعمل بها فإنك إن لم تفعل كان نصيبك نسيانها) وإن أول وأحق من يُطلب منه ذلك هو من حمل العلم الشرعي فعليه الاشتغال بالدعوة بالقول والعمل وتبصير الناس بدينهم والحرص على اجتماع كلمتهم وعدم تفرقها،لكن أيها الأحباب ليس من المطلوب أن نكون جميعاً علماء في الشريعة فنحن مطالبون بإعداد القوة بكل صنوفها وأنواعها والشباب تختلف ميولهم وطبائعهم وقدراتهم والشاب الذكي هو الذي يعرف أين ميوله وقدرته فيستثمرها الاستثمار الأمثل،لكن لايعني أن يكون المتخصص في غير العلوم الشرعية جاهل بدينه .
معاشر الشباب إحذروا أن تكونوا فريسة سهلة لأعدائكم بالانشغال بتوافه الأمور والشهوات،واحذروا الوقوف عند حدود الأماني،والاقتصار على الكلام والمقترحات المجردة ..فإن ذلك يفتح أبواب مخوفة من الجدل الطويل،والثرثرة القاتلة للوقت والجهد والمواهب،وما الأماني إلا رؤوس أموال المفاليس ،أعوذبالله من الشيطان الرجيم:{ وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(105)}.
الخطبة الثانية
الحمدلله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الحمد في الآخرة والأولى،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالرحمة والهدى صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن بنهجهم اهتدى . أما بعد : فاتقوا الله أيها المؤمنون في الشباب واتقوا الله أيها الشباب في أمتكم ومجتمعكم ،واعلموا أن للعمر أجلاً،والآمال عريضة في بحر لا ساحل له ..فسارعوا إلى العمل الصالح ،واحفظوا لحظات عمركم واشغلوا الوقت بما ينفع في العاجل والآجل.واعلموا أن الشباب إذا لم يُشغلوا بمشروعات الخير والجهاد والمجاهدة والإنتاج المثمر نهبته الأفكار الطائشة والتصرفات الماجنة وعاش في دوامة من الترهات والمهازل. إن شغل الأوقات وشحنها بالأعمال والواجبات والانتقال من عمل إلى عمل ومن مهمة إلى مهمة ولو كانت خفيفة يحمي المرء من علل البطالة ولوثات الفراغ . والنفس كما قال الإمام الشافعي رحمه الله إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.وإن الأمة لتتخلص من مفاسد كثيرة وشرور عريضة،لو أنها تحكمت في أوقات فراغ أبنائها،وليس بالإفادة منها بعد أن توجد، ولكن بإيجاد ترتيب لا يكون معه فراغ قاتل.إن مشاعر الخوف والقلق ،والحقد والغيرة والحسد ،لاتندفع إلى النفس الإنسانية إلا حينما تكون فارغة غير مشغولة ،وإن توزيع التكاليف الشرعية في الإسلام منظور فيه إلى هذه الحقيقة ؛ فشرائعه تدور على الجهاد والمجاهدة، مجاهدة النفس ومجاهدة الناس.فالصلوات الخمس في ترتيبها وتوزيعها،والعبادات الأخرى في واجباتها ونوافلها بدنية ومالية،والأذكار بكرة وعشياً،قياماً وقعوداً وعلى المضاجع،والحرف والمهن،والقيام بحقوق القريب والبعيد كل أولئك جهادات ومجاهدات تستغرق العمر كله لحظة لحظة،لا تبقي فرصة للغفلات والذهولات. وإن من الطرق العملية المتاحة التي تعين على حسن استغلال الوقت المراكز الصيفية وأغلب من يقومون عليها هم ممن ظاهرهم الصلاح وكذلك الدورات العلمية التي تعقد في المساجد،إضافة إلى حلقات تحفيظ القرآن كما يُحبذ أن يسعى الشاب لاكتساب مهارة إلى جانب معلوماته كلغة أجنبية أو دورات في الحاسب الآلي أو دروات مهنية أو تدريبات عملية تجارية أو نحوها.
============
فتح آفاق للعمل الجاد
أكثر من 100 فكرة دعوية
فهد بن يحيى العماري
نداءات
...
الأعمال الدعوية
...
رابعا : أمور عامة .
فتح آفاق
...
أولاً : المسجد والحي
...
خامساً : المسابقات
الأعمال الإيمانية
...
ثانيا : المحاضن التربوية
...
آخر الأفاق ( الرسائل الدعوية )
الأعمال العلمية
...
ثالثا : المنزل والعائلة
...
يا فتى الإسلام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد :(3/129)
أخي المسلم المتمسك بدينه فإنه من منطلق الإيمان بضرورة العمل الجاد وإعداد الإنسان نفسه ومن تحته من بنين وبنات وطلاب وطالبات وأسر وجمعيات إعداداً علمياً وتربوياً وإيمانياً والإيمان بضرورة اغتنام الأوقات والدقائق والساعات في كل زمان ومكان ليس في الإجازات والامتحانات فحسب كما يفعل ويفهم البعض ، ومن منطلق الأخوة الحقة والمحبة الصادقة وخدمة دين الله والتعاون على البر والتقوى وكل واحد منا يعين أخاه ونحن مسافرون إلى الله والأمة كالجسد الواحد .
فإني أضع بين يدي أخواني الأئمة والمؤذنين والدعاة والآباء والأمهات والمربين والمربيات والصغار والكبار والذكور والإناث المؤمنين بكل ذلك هذه المجالات على عجالة تذكيراً وانتهازاً للفرصة واغتناماً للأوقات ومسارعة للخيرات قبل الفوات وانتشالاً للخليقة من الرذيلة إلى الفضيلة .
دعوة لكل من يحمل هم هذا الدين وعبء رسالة سيد المرسلين ، إهداء للعاملين في محاضن التربية ودُور التوجيه صُنَّاع الرجال إلى الذين يحرقون أنفسهم ليضيؤا الطريق للآخرين ، إلى القضاة والأطباء والمهندسين وكل مسلم غيور على هذا الدين ، نداء إلى الذين يشتكون من الفراغ والفوضى في الأوقات والعلم والدعوة والإيمان ، إلى الذين آثروا حب القعود والدعة والسكون ، إلى الذين يحبون أن يعيشوا تحت الظل والبعد عن حر الشمس وبين الأهل والإخوان ، إلى الذين يأخذون ولا يعطون ويسمعون ولا يبلغون ، يستهلكون ولا ينتجون ، إلى الذين يتقنون فن التهرب من المشاركة في تبليغ هذا الدين بأعذار واهية وحيل نفسية زائفة ، دعوة لقتل السلبية والعطالة والبطالة بسكين العمل وبدء الحياة من جديد ،
إلى الذين يقتلون أنفسهم والآخرين بأيديهم فيعطلون العقول والمواهب والقدرات ، إلى عشاق السَّمر على ضوء القمر وهواة صيد البر والبحر والشوي على جمر السَّمُر بلا هدف عال وغاية نبيلة بل قتل للأوقات في القيل والقال والتعصب والتحزب والتفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب وبث الإشاعات والتجريح والتصنيف وكثرة الجدال والتفتيش عما عند فلان وفلان وتتبع السقطات وكثرة السؤال عما لا يعني ولا يفيد لا في أمر دنياً ولا دين متفرجين وناقدين ومحوقلين ولا عجب فهكذا يصنع الفراغ ، إلى أصحاب جلسات الاستراحات المليئة بالركام من الآفات ، إلى اليائسين والفاترين والفوضويين والالتزام الأجوف ، هتاف يستحث الجميع للتجديد ولتربية النفوس والسير بها لما يرضي الملك القدوس ، وهي فتح آفاق للعمل الجاد المثمر المتعدي نفعه .
فتح آفاق لمن حُجبت عنه بعض الآفاق .
فتح آفاق لمن عجز حساً أو معنى عن بعض الآفاق .
فتح آفاق لمن ظن أن الدعوة في محاضرة أو شريط أو كتاب .
ما هي إلا تقليبات نظر وتلاقح أفكار وإرصادات فكر وجمع من بطون الكتب ، أضعها بين أيديكم وفيكم العالم والكبير والفاضل والمربي المحنك ، أردت بها الذكرى والذكرى تنفع المؤمنين فعذراً للجميع ولكن كما قال النووي رحمه الله : ( لا بأس أن يذكر الصغير الكبير والمفضول الفاضل ) ولست في مأمن من العثار ، ولا بمنجى من الخطأ فحسبي أني اجتهدت لا آلو . جعلها الله خالصة لوجهه ونفع بها من تناولها وجعلها كلمة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذنه تحرك القلوب وتوقظ النفوس وتثير العزائم وتعلي الهمم
وقد قسمتها إلى عدة أعمال :
إيمانية وعلمية ودعوية وتربوية وأمور عامة ومسابقات وإشارات وتوجيهات وكلها يستفيد منها الإمام في مسجده وحيه والمدرس في مدرسته وحلقته والداعية في نفسه وأسرته وعمله ومع الناس عموماً والعاملون في مراكز الدعوة والمؤسسات الخيرية والقضاة والأطباء والعسكريون ،كل واحد منهم يأخذ منها ما يناسبه في مجاله ، فوضعت تقسيماً تقريبياً يسهل على كل واحد الوصول إلى مراده من خلال محيطه وعمله .
نريد من القضاة أن يكونوا دعاة قبل أن يكونوا قضاة .
نريد من الأطباء أن يعالجوا القلوب قبل أن يعالجوا الأبدان .
نريد من الجنود أن يكونوا حماة للدين قبل أن يكونوا حماة للأوطان.
فإليكها عبد الله واستعن بالله واقرأها بعين الرضا رضي الله عنا وعنك .
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ، وجعل لي ولك غنمها وعفا عن غرمها :
الأعمال الإيمانية : (1)
1- المحافظة على السنن اليومية كالرواتب والجلوس إلى الإشراق وركعتيه وسنة الضحى وقيام الليل والوتر وترديد الأذان والإقامة وقراءة القرآن وأذكار الصباح والمساء ( وليكن لسانك رطباً بذكر الله ) (2) وانتظار الصلاة إلى الصلاة ولو من المغرب إلى العشاء في بعض الأيام (فبه تمحى الخطايا والآثام وترفع الدرجات ) (3) وتهذب النفوس وتعلَّق ببيوت الله .
2- القيام ببعض العبادات ولو جماعية كقيام الليل وصيام الاثنين والخميس والذهاب للحج والعمرة وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والذهاب للجمعة وصلاة الاستسقاء والكسوف مع الأهل أو اختيار الرفيق المعين والمناسب وحديثي العهد بالتمسك والتعاون على الخير قال شيخ الإسلام ( لو أن قوماً اجتمعوا في بعض الليالي على صلاة التطوع من غير أن يتخذوا ذلك عادة راتبة لم يكره ) الفتاوى <ج23-33>.
3- زيارة المقابر وحضور الجنائز بين كل فينة وأخرى ، لتهذيب النفوس وتحصيل الأجور وترقيق القلوب ودعوة الناس والإخوان لذلك وتذكير الإمام الناس بذلك .
4- التبكير يوم الجمعة وقراءة سورة الكهف مع مراجعة بعض المتون أجر وغنيمة والاجتهاد في الدعاء في آخر ساعة منه قال عليه الصلاة والسلام ( فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر ) رواه أبو داود وصححه الحاكم
الأعمال العلمية :
5- حفظ كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض المتون التأصيلية مع مراعاة التدرج في جدية واختيار المعين الجاد لحفظ ذلك ومراجعته والانتظام في حلقات تحفيظ كتاب الله متعلماً أو معلماً ( وخيركم من تعلم القرآن وعلمه ) رواه البخاري .
6- بحث بعض المسائل العلمية وتدارسها وإحالة المشكل منها إلى العلماء ليزيلوا عنها الإشكال .
7- إعداد المناظرات العلمية الجادة .
8- استماع شريط تارة فردياً وتارة جماعياً مع مناقشته واستخراج الفوائد منه .
9- دراسة فن التخريج باختصار وتكليف البعض بتخريج بعض الأحاديث تدريباً وفائدة عن طريق الكتب أو برامج الحاسب والقيام بتخريج أحاديث بعض الكتب والرسائل ولو عزواً إلى مصادرها وتكليف البعض بذلك .
10- إعداد الدروس والبحوث العلمية والمواضيع النافعة مع الجدية في الطرح والاختيار الأمثل .
11- القراءة في بعض الفتاوى قراءة فردية أو جماعية كفتاوى سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين رحمهما الله واللجنة الدائمة ومجلة البحوث الإسلامية مع الاهتمام بفتاوى المسائل المعاصرة .
12- القراءة في كتاب علمي أو تربوي أو في كتب السيرة قراءة فردية أو جماعية على أحد المشايخ وطلاب العلم مع مدارسته ومناقشته .
13- الاستماع للأشرطة التربوية لشرح متن من المتون أثناء قيادة السيارة فالإنسان يقضي في سيارته يومياً ما لا يقل عن ساعة وكذا في السفر فتجد البعض ينهي متناً بشرحه في رحلة فردية أو جماعية مع التعليق على الكتاب إن تيسر .
14- الاستعداد لمواسم العبادة كرمضان والحج علمياً كالقراءة في فتاوى اللجنة الدائمة للمبتدئين وأما الدعاة وطلبة العلم الذين يتعرضون للفتوى فالقراءة في الكتب المطولة وكذا الفتاوى لترسيخ العلم ومراجعته .(3/130)
15- ارتياد المكتبات العلمية والأندية الأدبية ومكتبة الحرمين بمكة والمدينة وتعويد الأبناء والطلاب على ارتيادها والاستفادة منها .
16- إعداد الدورات العلمية للرجال والنساء في الإجازات الصيفية وقبل الحج ورمضان لتعليم الناس أمور دينهم وكذا إعداد الدورات البسيطة في القرى والهجر وبعث طلبة العلم إليها من المدن المجاورة لها لكي يسهل التنقل إليها وتخف المئونة ولمعرفتهم بأماكن قراهم وعاداتهم وتقاليدهم .
17- فهرست بعض الكتب موضوعياً وتكليف البعض بذلك (4) .
18- جمع بعض الفتاوى المتعلقة بنزول نازلة أو وقوع حدث أو بدعة أو محرم في بيع أو شراء أو ملبس أو زينة أو أي أمر من الأمور وسؤال أهل العلم عنها وإخراجها في كتاب أو مطوية تفيد الأمة .
19- متابعة الدروس العلمية والمحاضرات العامة ودعوة الناس إليها وتذكير الإمام الناس بذلك أعقاب الصلوات وحضور مناقشة الرسائل العلمية في الجامعات .
20- تلخيص الكتب المفيدة وتفريغ الأشرطة وتقييد الفوائد في دفتر مستقل أو داخل الكتاب مع استشارة طلاب العلم ومراعاة الاختيار الأمثل وتكليف البعض بذلك .
21- الاستماع إلى إذاعة القرآن وبرنامج نور على الدرب والجلوس مع الأهل للاستماع له وإيصائهم به والاطلاع على هيكل برامج إذاعة القرآن الكريم وتوزيعه ويطلب من مجلة الأسرة .
22- الاهتمام بدفتر الفوائد اليومية بحيث تسجل الفائدة ومصدرها وتصنف الفوائد في آخر كل عام تحت موضوعات معيَّنة .
23- إعداد دروس مختصرة للتعريف ببعض الكتب بذكر المؤلف ومنهجه وأهم المواضيع مع طرح واحد منها وعدد أجزاء الكتاب وأحسن طبعاته .
24- تكليف بعض الأفراد بتفسير بعض الآيات ومعاني بعض
الكلمات وإعرابها وكذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
25- إعداد مكتبة صغيرة متنقلة تحوي أهم الكتب للاستفادة منها في الرحلات والأسفار .
الأعمال الدعوية والتربوية :
وقد قسمتها إلى عدة محاور كل محور تحته أهم الأعمال التي يتميز بها عن غيره مع الاشتراك والتداخل في غالبها .
أولاً : المسجد والحي .
ينطلق من خلالها الإمام والمؤذن لتحريك القلوب والرحيل بها إلى علام الغيوب ، لينفثوا فيها حلاوة الإيمان وروح القرآن ، فهيا بدون عجز وانتظار وتكاسل وتوان فالناس في عطش ولهف ولسان الحال ( أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) وأرجو أن يكون من ماء الهداية العذب الزلال ما يلي :
26- مبادرة المؤهلين إلى إمامة المساجد والقيام على الأذان عن طريق الأوقاف لتفويت الفرصة على غير المؤهلين وإفادة الناس (5) .
27- دعوة الناس للخير وغرس الإيمان في قلوبهم وتفقد أحوالهم وزيارتهم والعناية ببيوت الله ورعايتها والتواصي مع أئمة المساجد ومؤذنيها في ذلك .
28- تشجيع الأطفال الصغار المحافظين على الصلاة وخاصة الفجر بإعطائهم جوائز تحفيزية .
29- مناصحة المتخلفين عن الصلاة وأصحاب المنكرات بأسلوب دمث مؤثر وإهداء الهدايا بين يدي النصيحة لتأليف قلوب البعض (تهادوا تحابوا ) (6).
30- دعوة العلماء وطلاب العلم لإلقاء الدروس والمواعظ في المساجد .
31- إقامة إمام المسجد لقاءً دورياً مع جماعة المسجد مع العوام وآخر مع الفاعلين المتفاعلين غير الكسالى والمثبطين يُطرح في كل منهما ما هو مناسب ومفيد وجديد وحل قضايا الحي ومشكلاته واستضافة طلاب العلم فيه وكل من يمكن الاستفادة منهم في مجالات الحياة .
32- إرسال هدية لجيران المسجد والعمالة والخدم في المنازل وأماكن عملهم تحتوي على ما فيه نفع وفائدة بين كل فينة وأخرى كرمضان والعيد والإجازات وغيرها ودعوة العمالة والخدم لزيارة مكاتب توعية الجاليات والاستفادة من برامجها أو يجعل الإمام لقاء للسائقين في الحي وغيره أسبوعياً أو شهرياً يطرح فيه المفيد بالتعاون مع الجاليات .
33- التعاون بين الإمام والمؤذن في إلقاء الكلمات في المسجد والقراءة من الكتب الميسرة (7) .
34- إيجاد صندوق في المسجد وغيره لوضع المقترحات والأسئلة وغيرها وصندوق آخر يوضع فيه كل مفيد من فتاوى ومطويات ورسائل وتوجيهات .
35- إعداد لوحة في المسجد من خلالها توضع كثير من هذه المجالات من غير إكثار حتى تسهل قراءتها مع الجدية والتنويع في الاختيار وتكليف البعض بذلك وهي عمل جليل ورسالة هادفة للمصلين إذا وجدت كثير اهتمام مع إشراف الإمام عليها .
36- إقامة حلقات تحفيظ القرآن للصغار والكبار والذكور والإناث والتعاون معهم والشد من أزرهم .
37- دعوة الإمام الناس أعقاب الصلوات لحضور الدروس والمحاضرات .
38- تحريك القلوب بآيات الوعد والوعيد ، فكم من آيات تُليت كانت سبباً في هداية كثير من الناس ( فحركوا به القلوب ولاتنثروه نثر الدقل ولاتهذوه هذ الشعر ) فأسمعوا الآذان ما يوقظ الجنان .
39- تعاهد المعتكفين وقضاء حوائجهم وتيسير أمورهم .
40- زيارة أهل الحي والتجار وتوثيق الصلات معهم ودعوتهم لزيارة الدعاة والأئمة وكسبهم من أجل الدعوة وإزالة الحواجز ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم حضوراً وخدمة .
41- التركيز على بعض الأسر والشباب دعوياً والتفاف الأخيار حولهم .
42- إعداد حفل مصغر للطلاب الناجحين في الصفوف الأولى مع حضور أولياء الأمور وتقديم النافع من خلاله وتعليقهم ببيوت الله خاصة طلاب التحفيظ الذين آثروا بالتحفيظ عن كل متعة .
43- تسهيل المشاركة لأهل الحي في الاشتراك في المجلات الإسلامية بحيث تسجل أسماء الراغبين في ذلك عن طريق الإمام واختيار العناوين البريدية المناسبة للجميع .
44- إقامة موائد الإفطار الرمضانية للعمالة وتقديم النافع من غذاء الأرواح .
45- إقامة حفل معايدة يتخلله بعض الفوائد والهدايا ومأدبة بسيطة يُدعى لها الجاليات المسلمة العربية وغير العربية .
46- المشاركة الجماعية لمن أراد الحج والعمرة من أهل الحي أفراداً أو عائلات مع إحدى الحملات أو غيرها مع إمام المسجد .
47- إعداد كلمة شهرية أو فصلية مختصرة ومتقنة تناسب الزمان والمكان والتنقل بها في مساجد الحي وغيره أو المحاضن التربوية والاجتماعات بأنواعها تربوية أو عائلية أو في زواج وعقيقة وغيرها (8).
48- الاستفادة من الصناديق التي توضع عند أبواب المنازل بدعوة أصحابها .
49- تلمس أحوال الفقراء والمساكين ونقل أحوالهم للأغنياء ليساعدوهم .
50- تنظيم لقاءات شهرية في القرى مع الدعاة وطلبة العلم للإجابة على أسئلة الناس مع الإعداد المسبق لها وإخبار الناس بذلك وجمعها عن طريق أئمة المساجد وكذا استخدام الهاتف للإجابة أثناء بقائه في القرية على الأسئلة إن وجد .
ثانياً : المحاضن التربوية .
أيها المربون والمربيات أرسل إليكم الآباء والأمهات فلذات الأكبدات أرسلت إليكم الأمة أعز وأغلى ما تملك ، أرسلت إليكم أجساداً لكي تنفخوا فيها روح الإيمان وأوعية لتملؤها بوحي الله ولبنات لتجعلوها حصناً لهذا الدين وثماراً تؤتي أكلها كل حين ونوراً يهدي به الله من يشاء ، فليست القضية أن تُملأ العقول بالنصوص ومن ثم تُلفظ على الأوراق وتُنال الشهادات أو يحفظ القرآن في الصدور وتجرى عليه المسابقات .
إن الأمة تنتظر أن تُخرجوا لها أُسْداً بالنهار ورهباناً بالليل عالمين عاملين .(3/131)
أفلا حياء من الله أن يعيش المربي عشرات السنين في محاضن التربية ولم يقف يوماً بكلمة تؤثر في النفوس فتدمع العيون وتُترجم واقعاُ عملياً في حياة النشء والقدوة القدوة يا أيها المربون (لنكن دعاة صامتين قبل أن نكون متكلمين) ومما يساعد على تلك التربية أمور منها : 51- غرس الإيمان وحب العلم وخدمة دين الله في قلوب الناشئة وتربيتهم تربية جادة نحو التمسك الصحيح والاهتمام بهم وتوجيههم لكل خير كل بحسب قدرته ومايناسبه وغرس الثقة فيهم وأنهم يعيشون لله ومن أجل دين الله لا لأنفسهم { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ..} والترقي بهم نحو أهداف منشودة وغايات نبيلة في معارج الخير والفضيلة وليلمسوا منا الشفقة عليهم والحب لهم أثناء التوجيه .
52- ربط الشباب حديثي العهد بالتمسك بالصالحين وإيصائهم بهم كإمام المسجد ومدرس التوعية في المدرسة ومدرس الحلقة وطلاب العلم وتوثيق الصلات بينهم بالطرق المناسبة .
53- متابعة حديثي العهد بالتمسك عن طريق زيارتهم والسؤال عن أحوالهم وتوجيههم لكل خير ودعوتهم واصطحابهم لحضور المحاضرات واللقاءات المفيدة والدال على الخير كفاعله وإهداء المفيد وكسب قلوبهم والسفر معهم لأداء العمرة وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والارتباط بهم ببرامج مفيدة ومنوعة دون تضييع للأوقات وكثرة اللقاءات والعشوات والسهر إلى ساعات متأخرة ربما كانت سبباً في ضعف الأخوة والانقطاع وعدم الاحترام والتقدير المتبادل والقيل والقال والتكاسل عن قيام الليل والوتر وصلاة الفجر وطلب العلم وحقوق الأهل والدراسة النظامية وغيرها من الواجبات ( وأعط كل ذي حق حقه ) رواه البخاري (9) .
54- إعداد جلسة فوائد منوعة أو تحت موضوع معين توزع على الجميع عناصره بحيث يأتي كل واحد بفائدة مع ذكر مصدرها والإعداد المسبق لها أو إعداد جلسة مكتبية تلحقها جلسة الفوائد في الوقت المناسب وتعطى جائزة لصاحب أحسن فائدة (راجع رقم 15) .
55- الالتحاق بالمراكز الصيفية الهادفة والبناءة ومن ثم الصلة بعد ذلك بمن يلمس منهم الحرص والاستفادة والخير وتكليف البعض بذلك .
56- تكليف أفراد المحضن التربوي أو أفراد العائلة بالتنسيق والتنظيم للمواعيد والزيارات وغير ذلك .
57- المشاركة الفعالة طلاباً ومدرسين في الأنشطة المدرسية وغرس الخير في قلوب الناشئة من خلالها وتحبيبهم بالبرامج المفيدة والشيقة وحث الآباء على التعاون في ذلك واستغلال المدرسين هذه الآفاق في حصص الانتظار أو العشر دقائق الأولى من حصص المراجعة وفي بداية العام قبل بدء المناهج وفي نهاية العام عند الانتهاء وفي حصص النشاط ودعوة الدعاة لإلقاء المحاضرات في مدارس البنين والبنات.
58- الاهتمام بالوافدين من الدارسين والعاملين وتوجيههم حتى يعودوا إلى أوطانهم وهم أصحاب رسالة .
59- زيارة العلماء والدعاة والقضاة وطلبة العلم ومراكز الهيئة للاستفادة منهم ونقل ما قد يخفى عليهم من أخبار المجتمع المسلم .
ثالثاً : المنزل والعائلة (10) .
وابدأ بأهلك إن دعوت فإنهم *** أولى الورى بالنصح منك أقمن
والله يأمر بالعشيرة أولا ً *** والأمر من بعد العشيرة هين
والله يقول ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ومن طرق البلاغ والإنذار مايلي :
60- الجلوس مع الأهل وتعليمهم الخير بأي وسيلة وأي طريق والسعي في خدمتهم ومساعدتهم داخل البيت وخارجه وتحين الفرص المناسبة كسماع بعض الأشرطة أثناء ركوبهم السيارة والقراءة عليهم من كتاب أو مقال أو طرح بعض المسائل والمسابقات ودعوة الأمهات والبنين والبنات للالتحاق بحلق القرآن وإدخال السرور عليهم أثناء الجلوس لتناول الشاي والطعام أثناء الرحلات مع مشاركة الجميع في ذلك وأهلك أولى الناس بالدعوة لكل خير بالرفق واللين والبرامج الدعوية وهذه المجالات والدعاء لهم بالهداية وحسن الاستقامة {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } والقدوة القدوة ففعل رجل في ألف رجل أعظم من قول ألف رجل في رجل .
61- استغلال اللقاءات العائلية والأسرية بتقديم النافع ودعوة أحد الدعاة للاستفادة منه (11) .
62- الاهتمام بالحاسب الآلي وجعله عنصراً مهماً في خدمة دين الله ودعوة الناس للخير من خلال قنواته المتعددة والمتنوعة في جدية وتفكير وتجديد وتعليم الأهل ذلك ذكوراً وإناثاً ، صغاراً وكباراً والاستفادة من برامجه ومشاهدتها على مستوى الفرد والأسرة والجماعة وجعله بديلاً عن كل ناقص ورذيل .
63- إنشاء مكتبة صوتية ومرئية داخل المنزل وترتيبها ومعاهدتها بين الفينة والأخرى وفهرستها مع إنشاء مكتبة صغيرة الحجم في مجلس الرجال ومجلس النساء وتكليف الأهل بكل ذلك .
64- المشاركة في اقتناء إحدى المجلات الإسلامية كالبيان والأسرة والشقائق وسنان وشباب وتكليف الأهل أو أفراد المحضن التربوي بفهرستها موضوعياً وجمع بعض المقالات المفيدة ونشرها لكي تعم الفائدة وحين الاستغناء عن المجلات تعطى للآخرين للاستفادة منها وكذا وضعها في محلات الحلاقة والمكاتب العقارية وكبائن الاتصالات وأماكن انتظار المراجعين في المحاكم والمستشفيات وغيرها .
65- إرسال ما بقي من ولائم وما كان قديماً من ملبس وأثاث وحذاء وأوان منزلية وغيرها إلى جمعيات البر ، وتذكير الأهل والإخوان والناس وتكليف بعضهم بذلك بين كل فينة وأخرى وعند الأعياد وتغيير المساكن وغيرها .
66- توزيع المهام بين أفراد العائلة وغرس الثقة فيهم وتعويدهم على تحمل المسؤولية مما يساعد على ملء أوقاتهم وبعدهم عن الفراغ وأصحاب السوء مثل مسؤول عن الفواتير وتسديدها وآخر عن المشتروات وإصلاحات السيارة والبيت وآخر عن متطلبات النساء والصغار وصندوق البريد وغيرها مع تغير المهام بينهم كل فترة وأخرى .
67- زيارة الأرحام والأقارب وتقديم النافع لهم واصطحاب الأبناء والتنسيق بين شباب العائلة الأخيار في ذلك لغرس الخير من خلال ذلك .
68- دعوة ذوي الفضل والصلاح لزيارة الأهل والإخوان وزيارة أهلك لهم للتعرف عليهم وإيصائهم بأهلك خيراً عند وجودك وأثناء غيابك .
69- تعليق نصيحة مختصرة أو إعلان محاضرة بجانب باب المنزل بحيث يقرؤها الزوار وأهل المنزل .
رابعاً : أمور عامة (12) .
70 ـ زيارة الإخوان من غير إفراط ولاتفريط حتى لاتذهب لذتها وتفقد حلاوتها ولقاء الإخوان يجلي الأحزان ويقوي الإيمان .
71- احتواء سيارتك ومكتبك ومتجرك ومنزلك على كتب وأشرطة ونصائح دعوية وإهدائها إلى من هم بحاجة إليها ومن تجد في الأماكن التي ترتادها كالمستشفى والمحلات التجارية وحراس الأمن الذين معظمهم من الشباب .
72 - الكتابة إلى المسؤولين والاتصال بهم لإبداء الاقتراحات مع الشكر على كل خير يقدمونه لدينهم ومجتمعهم ( ومن لايشكر الناس لايشكر الله ) (13) .
73- طرح القضايا الدعوية والتربوية والاجتماعية للنقاش والخروج بفائدة مكتوبة ولو أدى ذلك إلى إجراء استبانات ميدانية ومن ثم إخراجها في كتاب يفيد الأمة .
74- متابعة بعض الصحف والإذاعة لمعرفة أخبار المسلمين في كل مكان وجمع المقالات المفيدة والرد على الشبه والفرى وتكليف الأهل أو أفراد المحضن التربوي بذلك ( وليس منا من لم يهتم بأمر المسلمين ) (14).
75- حمل البطاقات الدعوية ذات المنظر الجميل التي تطرق جملة من المخالفات الشرعية وتوزيعها على أصحاب المنكرات وبهذا ستنكر عشرات المنكرات في وقت قصير .(3/132)
76- متابعة البعض للجرائد والمجلات وأخذ عناوين هواة المراسلة لدعوتهم عن طريق الرسائل في الداخل والخارج .
77- ضع صندوقاً لأفكارك ومشكلاتك من أمر دنياً أو دين ثم اعرضها على ذوي العلم الراسخ والرأي السديد وأصحاب التخصص ، ولا تنس اصطحاب المفكرة والأوراق الصغيرة لكتابة تلك الأمور والأشياء السريعة والمواعيد ولاتنس أن تلقي نظرة سريعة كل يوم في دفتر المواعيد تلافياً لنسيانها والازدواجية فيها .
72- الشفاعة الحسنة للمسلمين من ذوي الوجاهة ( اشفعوا تؤجروا ) (15) .
73- مشاورة من جرب الأمور وأخذ مشورته بعين الاعتبار وتسجيلها كفائدة ربما تحتاجها بعد حين .
74ـ الاتصال المستمر بالخطباء والمحاضرين وطرح بعض الأفكار والموضوعات والنصوص والفوائد عليهم ليفيدوا الناس من خلالها .
75- التعاون مع مراكز الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بإلقاء الدروس والمحاضرات والكلمات وتوزيع الإعلانات والمشاركة معهم في الأعمال الدعوية مع تقديم الاقتراحات والأفكار البناءة .
76- إعداد الدروس والمحاضرات والخطب وحملها في الرحلات لإفادة الناس إذا وجدت الفرصة مناسبة في مسجد واجتماع أو زواج ( والمؤمن كالغيث أين ما وقع نفع ومبارك أين ما كان )جعلنا الله كذلك .
77- نداء لذوي المكانة والجاه والكلمة المسموعة وكبار السن للسعي في الإصلاح بين الناس وجمع القلوب وتحين الفرص المناسبة كرمضان والعيد وغيرها .
78- تهيئة النفوس لمواسم الخير كرمضان والحج وغيرها والاستعداد لها عبادة ودعوة .
79- الاهتمام بتعلم السباحة وركوب الخيل ورياضات الدفاع عن النفس .
80- المساهمة الجادة في كتابة المقالات وإرسالها إلى الصحف والمجلات وبرامج الإذاعة وكل قناة ووسيلة يمكن نشرها من خلالها لكي يعم النفع ولا تحقرن من المعروف شيئاً فرب كلمة صادقة يكتب الله لها القبول فيهدي الله بها الفئام من الناس (ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )رواه البخاري .
81- الاتصال الهاتفي نعمة من الله فلتسخر في نيل العلم والدعوة إلى الله والتناصح والتواصي بين المسلمين وصلة الأهل والأرحام والإخوان والجيران والمرضى وكثير مما تقدم بلا تفريط وإهدار للأوقات مع مراعاة آدابه (16) .
82- الاشتراك في الدورات الكشفية كالحاسب الآلي والخط والدورات المهنية كالنجارة والكهرباء وغيرها مما يخدم الدعوة ودين الله والناس .
83- إقامة مخيمات دعوية في مواسم الإجازات والأعياد على مستوى المدينة والحي _إن تيسر _تحت إشراف مراكز الدعوة خاصة في المدن السياحية وفي مكة والمدينة والإعلان عنها في المطارات والمداخل البرية وتوضيحها حتى يسهل الوصول إليها وتقديم هدية للمصطاف من خلالها تحوي المفيد ولهو الأطفال المباح.
84- إقامة جلسات أدبية وأمسيات شعرية .
85- إنشاء مكتبات في أماكن الانتظار والمصليات في الدوائر الحكومية وغيرها .
86- الاستفادة من ذوي اللغات الأجنبية في توجيه الجاليات وكتابة الإرشادات وترجمة بعض المقالات والكلمات المحرمة للتحذير منها ونشرها لكي تعم الفائدة .
87- إعداد بعض البرامج للرحلات والمخيمات والإجازات وحفلات الزواج والأعياد وغيرها مع مراعاة التنوع والإفادة في جدية وتناسب .
88- إعداد اللوحات التوجيهية والنصائح التذكيرية على جنبات الطرق السريعة ومساجدها وداخل المنزل وتكليف أفراد المحضن التربوي والأهل بذلك .
89- اصطحاب الكتب والأشرطة والمطويات أثناء السفر وإعطائها المسافرين جواً أو براً أو بحراً ووضعها في مساجد الطرق ومحطات الوقود وأماكن استئجار السيارات لتوزيعها على أصحاب الأجرة ليكونوا دعاة للركاب والمسافرين (17) .
90- زيارة المرضى في المستشفيات ودور الرعاية والملاحظة وإدخال السرور عليهم وتقديم الهدايا لهم واصطحاب الإخوان في ذلك .
91- زيارة إخواننا في القرى والهجر مع تقديم النافع والمفيد وإعانة الفقراء منهم .
92- زيارة الحجاج والمعتمرين في أماكنهم ومعرفة أحوالهم وتوجيههم لما يصلح عقيدتهم ونسكهم والاستفادة منهم ومعاملتهم بالحسنى حتىيرجعوا إلى أوطانهم وهم أصحاب رسالة
قال عليه الصلاة والسلام : ( إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) رواه أبو يعلى وصححه الحاكم مع مشاركة التوعية في الحج لتحقيق الأهداف البناءة .
93- زيارة الشباب المقصرين والذين يلمس منهم الخير والحياء وكذا أصحاب كبائن الاتصالات الذين غالبهم من الشباب وتعاهدهم بالهدايا المفيدة والتقرب إليهم وإزالة الحواجز والتودد إليهم .
94- إبداء الاقتراحات والملاحظات والأفكار وتطويرها تجاه ما يطرحه المحاضرون والخطباء والمؤلفون ومراكز الدعوة وغيرها .
95- الشراء من المحلات التي لاتبيع المحرمات وتشجيعهم وهجر من عداهم وإن بعدت المسافة فاحتساب الأجر عند الله والتواصي على ذلك وتذكر عناء أهل الباطل في باطلهم .
96- استغلال حملات الحج والعمرة في كل مافيه نفع وفائدة من دروس ومحاضرات ومشاركة الدعاة وطلبة العلم معهم لغرس الخير من خلال الجو الإيماني الذي يعيشونه والتعارف من خلال تلك الرحلات وأخذ العناوين والهواتف والاتصال بعد ذلك مع من يلمس منهم التأثر.
97- النصيحة عن طريق الهاتف والرسالة في حسن عبارة وقوة دليل مطلب ضروري يحتاج إلى إعداد .
98- زيارة الدعاة وطلبة العلم السجون للإصلاح عن طريق مكاتب الدعوة والشؤون الدينية في الأمن العام وتقديم النافع لهم من خلال هذه الآفاق وهي موطن قد غُفل عنه وتخصيص البعض لهذه المهمة (18)
فالتركيز من أسباب النجاح وكذا زيارة القطاعات العسكرية وإنشاء مندوبيات دعوية داخل السجون .
يا رجال الأمن : نريد من بين الصفوف من يحمل هم الدين ، نريد منكم دعاة للمجرمين داخل السجون لكي يخرجوا منها تائبين ، صالحين ومصلحين .
99- إنشاء لجان مستقلة في كل مدينة أو في المكاتب الدعوية لحل المشكلات الأسرية والمشكلات التربوية عند الشباب والفتيات يقوم عليها بعض الدعاة والمربين وأصحاب التخصص في علم الاجتماع والنفس وتحدد الأيام على حسب المشكلات ويكون ذلك عن طريق الهاتف وغيره ومن ثم تخرج بحوث في علاج تلك المشكلات،لأن الأمة بدأت تعيش حياة التعقيد والانفتاح على العالم كله (19) .
100- التبادل بين الخطباء في المساجد في بعض الجمع للتجديد والنفع .
101- متابعة الجديد من الكتب والأشرطة النافعة وتكليف البعض بذلك ومن ثم إخراجها في ورقة تتضمن اسم الكتاب والشريط ونبذة عنهما والمكتبة وتعليقها في لوحة المسجد ودور التعليم وأماكن الانتظار وغيرها وحث الناس على شرائها لكي تعم الفائدة وخدمة لدين الله وللعلم وطلابه وذلك عن طريق :
أ- زيارة المكتبات المرئية والصوتية .
ب- زيارة معارض الكتب مع اهتمام بالغ بكتب التراث .
102- التواصي على ألا غيبة بيننا فلا نغتاب أحداً ولا نجالس مغتاباً ولا ننصت له وإنها لكبيرة .
103- الدعاء بصدق للأهل والإخوان والمستضعفين وأصحاب الحاجات والموتى وما أعظمها من خلة تدل على صدق الأخوة وفوق ذلك ولك مثله .
104- طرق القلوب وكسبها ومعرفة دخائل النفوس والسير بها إلى الملك القدوس ضرورة في حياة الداعية وملاك ذلك حب الله وتقواه والقدوة الحسنة وقضاء حوائج الناس والاهتمام بهم والسؤال عنهم ولو هاتفياً وغرس الثقة فيهم وإفشاء السلام (والكلمة الطيبة صدقة) (20) (وخالق الناس بخلق حسن) (21) ( والقلوب جبلت على حب من أحسن إليها ) (22) .(3/133)
105- إرشاد الرجل في أرض الضلالة وإعانة المسلم على حمل متاعه وإدخال السرور عليه وكشف كربته وقضاء دينه وطرد جوعه والمشي في قضاء حاجته قال صلى الله عليه وسلم ( وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في مسجدي شهراً ومن مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام ) (23) ( وإذا أراد الله بعبد خيراً صيَّر حوائج الناس إليه) (24) ( وصنائع المعروف تقي مصارع السوء ) (25) ولو طرقت الأبواب الآن لحاجة لأغلقت ولو سمعت الآذان نائبة لصمت إلا ما شاء الله ولكن الجود والخير بحار مغلقة قلَّ واردها وندر من أبحر فيها قال ابن خارجة رحمه الله ( ما سألني أحد حاجة إلا رأيت له الفضل عليّ ) .
106- ادخار جزء من الراتب شهرياً لأعمال الخير وحث التجار على ذلك .
107- أخص بها أهل مكة فهنيئاً لكم الطواف وهنيئاً لكم رؤية الكعبة فما ألذها من نظرة ، هنيئاً لكم حرم الله والصلاة فيه ، فلا تكونوا من أزهد الناس فيه ، وهي كذلك لأهل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل طيبة .
خامساً : المسابقات .
إعداد المسابقات الثقافية الأسبوعية والشهرية والموسمية المنوعة والمفيدة والشيقة على مستوى الأسرة والحي والمدينة وإعداد الجوائز للتحفيز وإثارة الهمم وهي أسلوب ناجح ،جمع بين الدعوة والترفيه وشغل الأوقات وتكليف البعض بذلك وإعطائها الآخرين للاستفادة منها ومن ذلك :
أ- وضع أسئلة على شريط وكتاب مع الاختيار المناسب والتنويع في ذلك إيمانياً وعلمياً وتربوياً ودعوياً ثم إخراجها في كتاب مسابقات يستفاد منه .
ب- وضع أسئلة على شخصية من السلف مع القراءة المسبقة في كتاب معين يتحدث عن سيرته .
ج- وضع أسئلة علمية لا تقتصر على فن معين .
د- مسابقة الحروف الهجائية بحيث تبدأ الإجابة بحرف السؤال المرقم به لا نفس السؤال مرتبة على الحروف الهجائية .
هـ- مسابقة في تفسير بعض سور القرآن وآيات الأحكام .
و- مسابقة في إعداد البحوث العلمية والتربوية أو عن مشكلة وظاهرة في المجتمع .
ز- مسابقة في باب من أبواب الفقه كالصيام والحج قبل قدومهما في كتاب ميسر ومختصر أو شريط مناسب في ذلك .
ح- مسابقة في حفظ المتون العلمية المختصرة .
ط- مساجلة شعرية .
ي- مسابقات في الخط والخطابة والشعر والرسالة والقصة والمقال وتشجيع أصحاب تلك المواهب وتوجيهم لخدمة دين الله .
آخر الآفاق
للرسالة أثر بالغ في هداية الخلق وتبليغ دين الله بعد توفيق الله ، فكم أمة دخلت في دين الله وهدى الله من البشر بسبب الرسالة .
كم لذة هجرت ومعصية تركت ودمعة سكبت وتوبة أعلنت ومشكلة فرجت وقلوب تآلفت ورحم وصلت وحوائج قضيت بسبب الرسالة .
كم معروف سدد وأعين وشر خفف أو أزيل وأهين بسبب الرسالة كم مشروع نجح وفكرة تطورت .
الرسالة والمراسلة جهد يسير لكنه عمل جليل وأسلوب دعوي مؤثر وناجح ، ركيزة دعوية مهمة ومفيدة ، ليس لأحد عذر في عدم القيام بها، عمل أساسي في دعوة الأنبياء والمرسلين والسلف الصالح والدعاة في كل زمان ومكان .
أختصره لك أيها القارئ في إشارات :
1- لماذا استخدام الرسالة كأسلوب دعوي ؟
* عظيم فائدتها .
* حب الناس للمراسلة .
* سهولة القيام بها
* فالجميع يستطيعها بخلاف الخطابة والتأليف .
2- خصائص المراسلة :
أ- أنها قريبة إلى نفس المرسل إليه ، لأنها حديث خاص به ، حيث يأخذ كل كلمة بجد وعناية وتأمل .
وحديث الروح للأرواح يسري *** وتدركه القلوب بلا عناء
ب- كثير من الكلام لا يمكن أن يقال مشافهة لكن يمكن كتابته .
ج- كثير من الناس لا يمكن مقابلتهم لكن يمكن الكتابة إليهم .
د- المراسلة لا يضبطها زمان ولا مكان بخلاف المقابلة والهاتف وغيرها .
هـ- انتقاء العبارة المؤثرة والأسلوب الرائع والحجة القوية والحوار المقنع .
و- يغلب على الرسائل الأسلوب العاطفي ( والعواطف تفعل في النفوس ما لا تفعل السيوف ) .
ز- لا تحتاج إلى جهد كبير ومال كثير .
3- تنوع الرسائل:
فلا يشترط أن تكون الرسالة خطية بل يمكن أن تكون كتاباً وشريطاً ومطوية .
4- من يُراسَل ؟
العلماء والدعاة والخطباء والمسؤولون ، زملاء الدراسة والأقارب والجيران ، أصحاب المنكرات والمراكز الدعوية وكل فئات المجتمع .
5- قبل كتابة الرسالة يراعى ما يلي :
أ- الإخلاص والدعاء بالتوفيق والقبول .
ب- تحديد الهدف من الرسالة ( شكر وثناء ، نصيحة واقتراح ، ملاحظة وتنبيه ، مواصلة ووفاء ) .
ج- معرفة المرسل إليه (عمره ، ثقافته ، شخصيته ، عمله ) .
6- أثناء كتابة الرسالة يراعي ما يلي :
• إظهار كلمات الصدق والمحبة والشفقة .
• معرفة المرسل إليه سبب الرسالة
• كتابة اقتراحات لا أوامر .
• التلميح يغني عن التصريح .
• تنزيل الناس منازلها في الخطاب والأسلوب.
• ختم الرسالة بالدعاء مع وعده برسائل أخرى وطلب الإرسال منه.
7- طرق الحصول على العناوين :
البريد الإلكتروني ، الصحف والمجلات المطبوعات والرسائل ، غرف المحادثة في الإنترنت .
أخيراً : رسائل الجوال قناة للتناصح وإنكار المنكرات والتواصل والتذكير بالمحاضرات والمواعيد وجديد الكتب والأشرطة بدلاً مما لا فائدة فيه (26) .
فتى الإسلام : إن أمامك طريق طويل يحتاج إلى مزيد من الهمة العالية والعزيمة الماضية والنفس الصادقة والنية الخالصة واغتنام الأوقات وبالحزم مع النفس والآخرين تتجاوز كل عادة وتقليد ومجاملة وكما قيل العصا من أول ركزة مع مراعاة الأولويات والأهم فالأهم وكل الصيد في جوف الفرى وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وقطع ألف ميل بدايته خطوة والتنظيم وتحديد الأهداف والاستشارة والدقة في الوقت مع التفنن في إدارته والانضباط في المواعيد مطلب وضرورة في حياة الداعية وطالب العلم وهي طريق للوصول والنجاح بإذن الله وتلاف للازدواجية في الأعمال وتزاحمها ولا تنس التخصص فإذا سلكت طريق اليمن فلا تلتفت إلى الشام وقبل ذلك وبعده طلب العون من الله مع اتهام النفس دائماً وأبدا ًوكل ذلك بلا توقف وتوان في صبر ومجاهدة ودوام إلى آخر لحظة في الحياة {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين }{استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين } .
واصل مسيرك لا تقف مترددا *** فالعمر يمضي والسنون ثوان
إذا كنت في الدنيا عن الخير عاجزاً *** فما أنت في يوم القيامة صانع
شعارك :
ماض وأعرف ما دربي وما هدفي *** والموت يرقب لي في كل منعطف
وما أبالي به حتى أحاذره *** فخشيت الموت عندي أبرد الطرف
ماض فلو كنت وحدي والدنا صرخت *** بي قف لسرت فلم أبطء ولم أقف
أنا الحسام بريق الشمس في طرف *** منِّي وشفرة سيف الهند في طرف
فلا أبالي بأشواك ولا محن *** على طريقي ولي عزمي ولي شغفي
ولسان حالك ومقالك :
أغار على أمتي أن تتيه *** بهوج العواصف في العيلم
وتقعد صماء مغرورة *** وتطربها لغة الأبكم
وتشغلها سفسفات الأمور *** عن الفرض والواجب الأقدم
وتدفن آمالها بالضحى *** وتمسي وتصبح في مأتم
تناشد أبنائها عروة *** من الدين والحق لم تفصم
وترجو لعلائها مرهماً *** وليس سوى الدين من مرهم
أخي لاتلن فالأولى قدوة *** لمثلي ومثلك في المأزم
تقدم فأنت الأبي الشجاع *** ولا تتهيب ولا تحجم
فلا تتنازل ولا تنحرف *** ولا تتشاءم ولا تسأم
ولاتكن من معشر تافهي *** يقيس السعادة بالدرهم(3/134)
يعيش وليس له غاية *** سوى مشرب وسوى مطعم (27)
وليكن دعاؤك:
اللهم إني أسألك الهمة العالية والعزيمة الماضية والنفس الصادقة والنية الخالصة واغتنام الأوقات والثبات حتى الممات ودخول الجنات .
وكلما دَبَّ إليك الضعف أو كلت النفس أو أحسست بنقص :
فتذكر الجنة والنار ، وحال الرسول المختار وصحبه الأبرار ، والسلف الأخيار كيف كانوا يكدون ويجدُّون ليلاً ونهاراً لا يفترون وزر أصحاب الهمم من العلماء والصالحين ، وانظر إلى أهل الدنيا في دنياهم وأهل الباطل في باطلهم وأهل الفسق والفن في فسقهم وفنهم ودعاة البدع والخرافات والمجون والإباحية كيف يكدحون ويخططون وينظمون لا يسأمون ولا يعتذرون ، وتذكر ما فات من الأوقات والساعات والفضائل والخيرات وما اقترفت من السيئات والخطيئات وتأمل سرعة تصرم الأزمان وعداوة الشيطان وحرصه على إغواء بني الإنسان ، تذكر ما وهبك الله جل وعلا من النعم التي تحتاج منك إلى مزيد من الشكر بالقلب والقول والعمل ، وتذكر مواكب الأنبياء والمرسلين والعلماء والصالحين وهم يسيرون إلى جنات النعيم في ذلك اليوم وما حالك حين ذاك إن فرطت أو قصرت ؟ فأدنى وقفة لهذه الأمور مع التنقل بين تلك المجالات كافية بإذن الله لأن تعود النفس فتنشط وتقوى وتعاود التحليق والجد من جديد فتسمو ووجه الله المبتغى والجنة المقصد وهكذا حتى تلقى الله وسددوا وقاربوا واعلموا أنكم لن تحصوا ( والقصد القصد تبلغوا ) (28)
(ولن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة ) (29) ومن كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة .
فاضرب بسهم في سهام أئمة *** سبقوك في هذا السبيل القيم
وافتح مغاليق القلوب لتهتدي *** وعلى إلهك فاعتمد واستعصم
وإذا ألح عليك خطب لا تهن *** واضرب على الإلحاح بالإلحاح
"واعلم أن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً فأما الكبير الذي يحمل هم العلم والعمل والدعوة وهم رضا الله والجنة فماله وللنوم ؟ وماله وللراحة ؟ وماله وللفراش الدافئ والعيش الهادئ والمتاع المريح ؟ (30) { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين }
عبد الله : استغل اندفاع الأنفس للخيرات فالنفس لها إقبال وإدبار .
إذا هبَّت رياحك فاغتنمها *** فعقبى كل خافقة سكون
وإذا أعجبتك نفسك فأردت أن تحقر عملك فيكفيك رادعاً وزاجراً
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لن يُدخل أحد منكم عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة ) رواه مسلم .
وكلما عملت عملاً قلت في نفسك لعل هذا لا يبلغني رضى الله والجنة فإلى آخر وإلى آخر حتى تلقى الله -رزقنا الله وإياك رضاه- .
يا أخوتي : "إن الفراغ باب الأماني ومفتاح الوساوس والأفكار المضطربة ، إنه بيت الجنون وخربة الشيطان ومزرعة العصيان ، سبب للانحراف والفتور، إنه لص محترف وأنت الفريسة ، إنه فرصة لروغان الذهن عن الجادة ،إنه طريق للوقوع في شباك الرذيلة وطرق الفساد والمخدرات .
في الفراغ تعطل الواجبات وتصادر المهمات وتعظم السخافات وتذبح الحياة ويقل الحياء ويكثر المزاح، في الفراغ تشتعل نار الإشاعة وتعظم شجرة الغيبة والوشاية .
في الفراغ تجرح المشاعر ويكثر الغلط واللغط ويقل الاحترام والتقدير.
الفراغ سبب لكثير من المشكلات على مستوى الشباب والكبار والفرد والأسرة والجماعة وبين الزوجين .
الفراغ مجمع النقاد والكسالى والبطالين والعابثين .
الفراغ مرض قديم ، طبه العمل وعلاجه الجد والمثابرة وإلا فتك وقتل .
إن الفارغ واقف ينتظر وجامد لا يتحرك وقائم لا يمشي ، إنه إنسان عادي قليل البذل في الخير ، سراب بقيعة ، إنه يقتل نفسه لأنه فقد معنى الحياة و قيمة الوقت والزمن وجلالة العمر (31) .
إن على المربين والآباء ملء أوقات الأطفال والشباب والفتيات ووضع البرامج المفيدة والشيقة وكل ما فيه نفع في الدنيا والآخرة وتعويدهم على حب القراءة مع اختيار الكتاب المناسب وتكليفهم بعد فترة من الزمن بوضع برامج لأنفسهم ومساعدتهم في ذلك حتى يصبحوا قادرين على حفظ أوقاتهم (32)
أخيراً : الطرق كثيرة والوسائل متنوعة والإخلاص والتفكير (33) الإبداعي والقوة والتجديد والابتكار وإيجاد البديل لكل رذيل مطلب وضرورة وفق الضوابط الشرعية ، لأن زمن الرتابة انتهى ومضى في جميع مجالات الحياة لأننا في زمن التجددوالسرعة والانفتاح والتقدم.
إننا بحاجة إلى دعاة وشباب مفكرين منظرين وعلماء أقوياء ربانيين يتقنون فن الحوار والمناظرة ، يفندون كل شبهة ويتصدون لكل نازلة لأننا نعيش عصر الصراع والتحديات والفتن والمضلات وكل يريد أن يكثر سواد قومه وكل حزب بما لديهم فرحون .
يا حملة الإسلام : نريد من الجميع حمل هم الإسلام ومضاعفة الجهد وتكثيف العطاء والتفكير الجاد ومناقشة الأفكار حتى تنمو وتتلاقح ويتحقق النجاح بإذن الله ، نريد جمع القلوب وسلامة الصدور والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، ولا يتحول الخلاف الفكري إلى خلاف شخصي ولا إنكار في مسائل الاجتهاد كما قال شيخ الإسلام رحمه الله (34) .
فلينطق كل فرد حسب طاقته *** يدعو إلى الله إخفاء وإعلانا
ولنترك اللوم لا نجعله عدتنا *** ولنجعل الفعل بعد اليوم ميزانا
أخي الداعية وطالب العلم :
شمر عن ساعد الجد وامض راشداً في مجالات الخير فالمؤمل فيك أكبر والمرجو منك أكثر وليس الأمر بالعسير ولا الجد الخطير ، وطِّن نفسك وإخوانك على مخالطة الناس ، والصبر على أذاهم والعمل لوجه الله لا سواه ، ولا تستعجل الثمر ولا تستبطئ النصر والنجاح فما عليك إلا العمل وما أنت إلا عبد لله تعمل كما أراد الله واعلم أن الدين لله ، وإذا اعترضك عائق فلا تنظر يمنة ولا يسرة ولكن مباشرة انظر بعين بصيرتك إلى دار باقية ومنازل زاكية في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
أخا الإسلام :
وفي النفس حاجات وفيك فطانة *** سكوتي بيان عندها وخطاب
أخوة الإيمان :
فلنعلن ساعة النفير للإقبال على الله ولتتأهب النفوس فغداً الرحيل وملاقاة الجليل فالبدار البدار ما دمنا في زمن الإمهال فالتجارة قائمة والفرصة باقية والعمر محدود .فالصلاة خير من النوم والتجلد خير من التبلد ومن عزّ بزّ.
فثب وثبة فيها المنايا أو المنى *** فكل محب للحياة ذليل
فما العمر إلا صفحة سوف تنطوي *** وما المرء إلا زهرة سوف تذبل
فلنخض ميدان التنافس بجد وثبات ولا نستوحش من قلة الرفاق ولا نكن ممن طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وذوت أغصانهم وتساقطت أوراقهم وانقطعت ثمارهم فهم في حر السموم ينقلبون فقالوا أين الركب الذين كانوا معنا ؟ فرأوهم من بعيد في قصور عالية وغرف فارهة يتمتعون بأنواع النعيم فتضاعف عليهم الحسرات وحيل بينهم وبين ما يشتهون (35) .
اللهم إنا نسألك الهمة العالية والعزيمة الماضية والنفس الصادقة والنية
الخالصة واغتنام الأوقات والثبات حتى الممات ودخول الجنات نحن والوالدان والإخوان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
فهد بن يحيى العماري
مكة المكرمة
ammare1395@maktoob.com
احصل على نسخة من كتاب : فتح آفاق للعمل الجاد ..للشيخ فهد العماري
للقراءة : فتح آفاق للعمل الجاد
للقراءة : دعوة للمصارحة : أسباب ضعف العمل الدعوي
للقراءة : من فنون التعامل : التعامل مع ظاهرة التعلق بالأشخاص
للقراءة : أيها الجيل
الهوامش(3/135)
(1) الأعمال الإيمانية والعلمية ينتقي كل من الإنسان نفسه والإمام والمربى والداعية في بيته ومحيطه منها ما يناسبه ولم أقسمها لتداخلها وقلتها .
(2) رواه أحمد والبيهقي . (3) رواه مسلم .
مسألة : هل ركعتا الإشراق هي ركعتا الضحى ؟ رجح جمع من العلماء أنها واحدة منهم الشوكاني في كتاب فتح القدير 4/427.
مسألة : رجح الشيخ ابن باز رخمه الله أن الإقامة تردد كالأذان .
(4) كفهرست كتب السير وغيرها موضوعياً فمثلاً ( ص1 - ج1 - فيه قصص عن الإخلاص وغيره ) فيخرج كتاب مفهرس موضوعياً يستفاد منه ،كأن يتولى فهرست كتاب صفة الصفوة مركزاً صيفياً أو محضناً تربوياً .
(5) أيها الأئمة والمؤذنون اتقوا الله في هذه الأمانة فهي رسالة ومسؤولية عظيمة والبعد البعد عن كل ما يثير التنازع والشحناء وفرض الآراء وتتبع الأخطاء فما أجمل الشورى والتناصح والتعاون ونقاء القلوب والتماس الأعذار فأنتم القدوة وكل يحاول سد ثغرة الآخر والذب عنه أمام الذين لاهمَّ لهم إلا الإمام والمؤذن نقداً وتجريحاً وتتبعاً للزلات وتناسوا أن كل بني آدم خطاء وأن اختلاف وجهات الأنظار أمر لابد منه ، فكم كانوا سبباً في التحريش والإفساد وارتفاع الأصوات في المسجد فأصبحوا أحزاباً وجماعات متهاجرين ومتقاطعين ، فالله الله أيها المسلمون أن تكون المساجد مرتعاً لتلك الأمور وعلى الأئمة والمؤذنين أن تتسع صدورهم لما يسمعون .
(6) رواه الطبراني ومالك وحسنه الألباني في الجامع رقم 3004 .
(7) وصايا في ذلك :
- تحديد أيام الكلمات و الدرو س وأوقاتها المناسبة حتى تعلم لدى جماعة المسجد .
- يقترح لو يكون هناك قراءة بعد العصر وبين أذان العشاء والإقامة أو بعد الصلاة .
- التنوع في القراءة مابين فتاوى وأحاديث وتفسير قصار السور وأحكام ومشكلات
- تربوية واجتماعية وآداب والسيرة .
- عدم الإطالة في ذلك .
(8) أنصح أخواني الدعاة وأئمة المساجد وطلاب العلم بهذه الفكرة والمشاركين في الحج مع التوعية أو بدونها ، فقوة الطرح والإعداد المسبق والتنظيم من أسباب النفع والتأثير وللأسف نجد أن البعض يُغفل هذه كلها أو بعضها ويرجو النفع بقوله والاستماع لحديثه ( ومن يحترم عقول الآخرين يُحترَم حديثه ) .
(9) ومن مفاسد تأخر بعض الشباب ليلاً غضب آبائهم ومنعهم من الذهاب مع المحاضن التربوية ونقل صورة خاطئة في أذهان الأسر عن هذه المحاضن والنتيجة انتكاسة أولئك الشباب وحرمانهم من الخير فحري بالمربين التنبه لهذا الأمر .
(10) مضمون الرسالة القادمة عن كيفية علاج المنكرات داخل البيوت وأسباب ضعف الدعوة داخل البيوت وعوائقها والأساليب الدعوية ، فأرجو من القراء المشاركة في هذا الموضوع على العنوان البريدي في آخر الكتاب من خلال العناصر السابقة .
(11) أنصح أحبتي بقراءة كتاب الدعوة العائلية للعريني .
(12) يستفيد منها الفرد والإمام والمربي والداعية في محيطه .
(13) رواه الترمذي وأحمد والطبراني وصححه الألباني في الجامع رقم (7720) .
(14) رواه الطبراني . (15) رواه الشيخان .
(16) نصائح عند استخدام الهاتف :
- حدد أوقات الاتصال مالم تكن الحاجة تقتضي سرعة الاتصال في الحال .
- حدد مهام الاتصال قبل الاتصال . - اجعل اتصالاتك في أوقات الراحة .
- استخدم جهاز إظهار رقم المتصل . - استخدم جهاز تسجيل المكالمات .
- إذا ابتليت بثقيل فاعتذر منه بكل أدب وحكمة .
(17) ومن ذلك لو أخذت معك مجموعة أشرطة تعطيها من بجوارك في الطائرة أو النقل الجماعي أو أصحاب الأجرة أثناء التنقل من المطار وإليه وداخل المدينة فمن يحمل هم الدين ..!؟
(18) والمتأمل لحال السجناء وأسئلتهم يجد أنهم في جملتهم مقبلين على التوبة ولكن هناك عوائق تبقى في طريقهم ولذا علينا أن نتعاون مع السجين إذا خرج ونلتف حوله فإن لم يتيسر ذلك فلنقدم له الأشرطة والكتب والمعاملة الحسنة ولو من بعد وأقترح إعداد مظروف يحتوي على أشرطة وكتب وأرقام بعض الدعاة والمربين ومكاتب الدعوة يعطى للسجين عند خروجه ويمكن الاستفادة في هذا الجانب من مندوبية الدعوة في سجون مكة حيث إنها أول مندوبية في المملكة في السجون ولو ينشأ شبكة تلفزيونية وإذاعية داخل السجون ويطرح المفيد من خلالها فصلاح السجناء يشكل نسبة كبيرة من صلاح المجتمع والفساد .
(19) وبدأت جمعية البر بالرس في هذا المشروع وكانت بداية ناجحة وموفقة وأنصح القائمين عليها بأن ينشروا الفكرة وأنصح الدعاة بالاستفادة منهم وإقامة مثل هذه الأمور ولو ينشأ موقع على الإنترنت سيجد قبولاً ونتائج كبيرة .
(20) رواه البخاري . (21) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في الجامع رقم 97 .
(22) ذكره ابن الجوزي في العلل . (23) رواه الطبراني وحسنه الألباني في الجامع رقم 176 .
(24) رواه الديلمي 938 . (25) رواه الترمذي والطبراني .
(26) مجلة مساء بتصرف . (27) من ديوان الأعظمي .
(28) رواه البخاري . (29) رواه الترمذي والحاكم .
(30) في ضلال القرآن بتصرف . (31) حدائق ذات بهجة .
(32) أنصح الأباء والمربين بقراءة كتاب [ مسؤولية الأب المسلم / عدنان باحارث]
(33) أنصح إخواني بسماع شريط [ التفكير للشيخ / ناصر العمر ] .
(34) أنصح إخواني بقراءة كتابي [ لا إنكار في مسائل الخلاف لفضل إلهي والإنكار في مسائل الاجتهاد للطريقي ] .
(35) أنصح إخواني بقراءة كتاب (كلمات في الالتزام )لعادل عبد العال قراءة فردية وجماعية ووضع المسابقات عليه .
================
ضوابط عمل المرأة في الإسلام
أبو زيد
الفصل الأول : أين تعمل المرأة ؟
المبحث الأول : الأصل في مكان عمل المرأة :
لقد خلق الله هذه المخلوقات الكثيرة ، وجعل لكل مخلوق وظيفته المناطة به ، والتي لا يمكن لغيره أن يقوم بها مثله ، وهذا أمر معروف ومتقرر لدى علماء الأحياء بما يسمى بالتوازن البيئي ، ومن هذه المخلوقات : الإنسان ، والذي خلقه لأسمى الوظائف وأعلاها حيث أمره بعبادته كما قال تعالى :"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "[1].
ومن المعلوم أن الله خلق الكائنات الحية ، وقسم كل مخلوقاته إلى جنسين : ذكر وأنثى ، وجعل لكل جنس وظائفه المناسبة لقدراته وإمكاناته وطبيعة خلقته .
والتوزيع الطبيعي في الوجود يقتضي أن يكون عمل الرجل الطبيعي خارج البيت ، وعمل المرأة الطبيعي في الداخل ، وكل من قال غير هذا فقد خالف الفطرة وطبيعة الوجود الإنساني ؛ لأن البيت هو المكان الطبيعي الذي تتحقق فيه وظائف الأنوثة ، وثمارها ، وأن بقاءها فيه بمثابة الحصانة التي تحفظ خصائص تلك الوظائف وقوانينها ، وتجنبها أسباب البلبلة والفتنة ، وتوفر لها تناسقها وجمالها ، وتحيطها بكثير من أسباب الدفء والاستقرار النفسي والذهني وسائر ما يهيئ لها الظروف الضرورية لعملها [2].
ليس هذا فحسب ، بل إن هناك أموراً أخرى تجعلنا نتيقن أن المكان الرئيس لعمل المرأة هو بيتها ، ومن تلك الأمور :
• ما دلت عليه الدراسات من الفوارق الكبيرة في طبيعة التكوين الجسماني بين الرجل والمرأة ، حيث أثبت أن كل خلية في الرجل يختلف عملها عن نظيرتها في المرأة إضافة إلى أن المرأة تتعرض لأمور تعيقها كالحيض والنفاس والحمل ونحوها .(3/136)
• أن العمل الناجح هو الذي يقوم على التخصص ، فيكون لكل فرد عمله الخاص ، والحياة الأسرية ميدان عمل كبير ، لكل من الرجل والمرأة عمله الخاص الذي لا يشاركه فيه الآخر ، فعلى الرجل النفقة والكد والعمل لتحصيلها ، وعلى المرأة رعاية الأسرة وتربية الأولاد والقيام بواجب بيتها .
• للمرأة في بيتها من الأعمال ما يستغرق جهدها وطاقتها إذا أحسنت القيام بذلك خير قيام ، فالمرأة مطالبة بالقيام بحق الأطفال ، والقيام بشؤون المنزل والتي تستهلك وقتها كله ، فالمرأة التي تعمل خارج المنزل لا تستطيع القيام بأعباء المنزل على الوجه الأكمل ، بل لابد أن تقصر في جانب من الجوانب ، والذي -بالطبع- سيكون له الأثر السلبي على الحياة الأسرية الناجحة [3].
فيتبين مما سبق أن المكان الرئيسي ، والبيئة الناجحة لعمل المرأة هو منزلها ، فهي إن أحسنت العمل فيه والقيام بواجباته فستكون سبباً واضحاً في إنشاء أسرة تعيش عيشة هانئة ، والتي ستكون نواة في إخراج جيل ناجح إلى المجتمع .
المبحث الثاني : عمل المرأة خارج المنزل .
إن ما ذُكِرَ آنفاً لا يعني تحريم عمل المرأة خارج المنزل ،لكن نقول :إن أعمال المرأة خارج المنزل قسمان:
1. أعمال تمس فيها الحاجة إلى المرأة : كالتوليد والتطبيب للنساء ، وكتعليم النساء في مدارس خاصة لهن ، فمثل هذه المرافق ينبغي للأمة أن تهيئ لها طائفة من النساء تسد حاجة المجتمع وتقوم بمتطلباته ، فكما أن الأمة يجب أن توفر من يقوم بفروض الكفايات - كالجهاد والدفاع عن الحمى - ، فإن هذه الأمور النسائية من أهم فروض الكفايات التي يجب أن توفر من يقوم بها ممن لهن القدرة على ذلك من النساء .
2. أعمال يقوم بها الرجال ، ولا تتوقف الحاجة فيها إلى النساء : كالزراعة والصناعة والتجارة ، فهذه الأعمال يجوز أن تزاول المرأة فيها أعمالاً حسب ضرورتها ومقدرتها وإمكانيتها [4]، ولكن بشروط سيأتي ذكرها لاحقاً [5] .
ومن المجالات التي يمكن للمرأة العمل فيها - على سبيل التمثيل لا الحصر - :
• الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• التدريس .
• الطب والتمريض للنساء خاصة .
• الخدمة الاجتماعية ، والعمل الخيري في المجتمعات النسائية .
• العمل الإداري في محيط النساء .
• شؤون المكتبات الخاصة بالنساء .
وغير ذلك مما يناسبهن في ضوء الشريعة الإسلامية .
الفصل الثاني :آثار عمل المرأة خارج المنزل .
المبحث الأول : الآثار الإيجابية :
لا يزال عدد من المسلمين المتأثرين بالحضارات الغربية ينظرون بعين الإعجاب والانبهار لما وصل إليه التطور في تلك البلاد ، حتى ظنوا أن التطور قد شمل جميع نواحي الحياة عندهم ، فتجد أنهم يرون أن كل أمر يخالف فيه المسلمون أولائك يكون الحق مع أولائك ، ويكون المسلمون هم المتخلفون المتأخرون الرجعيون .
ومن تلك الجوانب التي نظروا إليها : جانب المرأة ومشاركتها الرجل في عمله ، فذكروا بعض المسوغات التي يرونها في خروج المرأة ومشاركتها الرجل في عمله ، ومن تلك المسوغات :
1- أن المرأة نصف المجتمع ، وفيهن طاقات عظيمة وإمكانات هائلة لم تستهلك بعد ، وأصبحوا ينادون بأن المجتمع يمشي على عكاز ، وأنه يتنفس من رئة واحدة ، وأن في إهمال المرأة تعطيل لنصف المجتمع .
2- أن لعمل المرأة قيمة اقتصادية ، فهي تزيد من نسبة السعودة مما يوفر شيئاً من دخل الدولة ، كما أن فيه زيادة لدخل الأسرة بسبب عمل المرأة وما يعود منه كمرتب شهري.
3- أن في عمل المرأة يوسع آفاقها ، ويبرز وينمي مقومات شخصيتها ، كما أن فيه شغلاً لوقت الفراغ لديها، وهو وقت كبير - كما يزعمون - .
4- أن العمل يشعر المرأة بقيمتها في المجتمع ، فهي تقدم عملاً عظيماً واضحاً للأمة .
لكن هذه الدعاوى ليست صحيحة تماماً ، بل هي مناقشة من وجوه عدة . منها :
أ- أن من أولائك النسوة : المرأة العجوز التي لا تستطيع العمل ، والطفلة الصغيرة التي لم تصل إلى سن العمل ، والطالبة التي لم تتأهل للعمل بعد ، فليست كل النساء قادرات على العمل في الوظائف الحكومية .
ب- أنه حتى المرأة المؤهلة للعمل لا تستطيع العمل بشكل تام كل الأيام ، بل إنه يعتريها ما يعتريها من العوارض كالحيض والنفاس والحمل والولادة والإرضاع وغيرها من الأمور التي تعطل مسيرة العمل ، فبالتالي لا يمكن لها العمل بشكل تام كالرجل ، وبالتالي من الظلم أن تعمل المرأة في عمل لا تقوم به على الوجه الصحيح مع أن هنالك رجالاً عاطلين يمكنهم القيام به على وجه أفضل .
ج- أننا نعيش في صفوف الشباب بطالة واضحة متزايدة ، فلماذا نطالب بعمل المرأة المشغولة ببيتها مع أن هنالك من هو أولى بهذا العمل منها .
د- إذا كان -كما يزعمون- في عمل المرأة زيادة لدخل الأسرة ، فلم لا تقوم الدولة بزيادة مرتبات الأزواج حتى لا تحتاج الأسرة إلى خروج المرأة من عقر دارها لمزاولة العمل ، فتزيد الدولة مرتبات كل عائل أسرة بقدر من يعولهم كما فعل ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - .
هـ- أن المرأة التي تخرج للعمل لا توفر راتبها ولا تقلل من قيمة العمالة -كما يزعمون- بل إنها تدفع جزءاً ليس بالهين من راتبها لاستجلاب العمالة والمربيات ليقمن بالعمل مكانهن في المنزل وفي تربية الأطفال، وكلنا نعلم ما لهذا الأمر من الخطر العظيم على النشء ، حيث رأينا عدداً من الجيل الجديد وقد انسلخ من قيم مجتمعه وعاداته ، وأصبح متميعاً متغنجاً مستغرباً .
و- أن أولائك الذين وصفوا المرأة التي لا تخرج للعمل بالمعطلة أناس قد حادوا عن الصواب.. ذلك أن المرأة في بيتها تقوم بعمل عظيم وشاق لا يستطيع القيام به على الوجه الأتم غيرها ، فليس من الحكمة أن تعمل المرأة في مكان لا يناسبها وتنشغل عن المكان الذي لا يقوم به غيرها ، بل إن هذا هو التعطيل لنصف المجتمع لا ما ذكروا .
ز- ليس صحيحاً أن المرأة لديها وقت فراغ كبير ، بل هي مشغولة بأمور منزلها -كما ذكرت- ، ثم إن قلنا -كما يزعمون- بأن لديها وقت فراغ كبير ، فليس الحل الوحيد لشغل ذلك الفراغ هو العمل المجهد اليومي الذي يستغرق أكثر من ست ساعات يومياً ،بل إن هذا هو الظلم بعينه، بل علينا أن نوجد أعمالاً ذات ثمار عظيمة ، وجهد أقل ، وأكثر مناسبة للمرأة ، ومن ذلك : العمل التطوعي الخيري النسائي كالدور النسائية لتحفيظ القرآن الكريم ، فهي من الأمور التي تشغل وقت المرأة وتؤدي ثماراً عظيمة إضافة إلى انتفاء الضرر الديني والأخلاقي .
ح- أن ما ذكره بعضهم من أن المرأة العاملة تشعر بأهميتها في المجتمع هو أمر صحيح ، لكن المرأة في المجتمع المسلم تقوم بواجبات أعظم مما لو خرجت إلى العمل في المجتمع ، فهي مربية أجيال ، وصانعة أبطال ، وهذه وظيفة عظيمة أعظم من كل وظيفة يمكن أن تقوم بها المرأة ، فهي الوظيفة التي خلقها الله لها ، وهي الوظيفة التي لا يمكن لغيرها القيام بها مثلها[6] .
كل هذا يبين لنا أن ما يدعيه أولائك وإن كان فيه وجه من الصحة إلا أنه مناقش من عدة وجوه ، ولا يعني هذا تحريم خروج المرأة إلى العمل ، بل سبق أن ذكرت أقسام الأعمال التي تقوم بها المرأة خارج بيتها ، وحكم كل قسم ، لكن هذه الردود هي لأولائك الذين أرادوا اختلاط المرأة بالرجل ومزاحمته له في ميدان عمله ، والذي ليس له تلك الآثار الإيجابية المأمولة ، بل على العكس فإن ذلك يسبب عدداً كبيراً من الآثار السلبية ، والتي سنتطرق لها في المبحث القادم.(3/137)
المبحث الثاني : الآثار السلبية لخروج المرأة إلى العمل :
بعد تبيين القصر الواضح في الآثار الإيجابية - التي يزعمها المستغربون - لخروج المرأة من المنزل ، فإن هناك آثاراً سلبية عظيمة لخروج المرأة من منزلها إلى العمل خارج منزلها ، ويمكن أن نقسم تلك الآثار كما يلي :
أ- الآثار السلبية على الطفل : وأبرز تلك الآثار فقدان الطفل للرعاية والحنان ، وعدم وجود من يشكي له الطفل همومه ، ومن يوجه الطفل إلى الطريق الصحيح ، ويبين له الصواب من الخطأ ، كما أن فيه تعليماً للطفل على الاتكالية نظراً لوجود الخادمات ، وإلى ضعف بنية الطفل –إذا كان رضيعاً- ، إضافة إلى المشاكل التي تحدث عند رجوع المرأة متعبة من عملها كالضرب للأطفال ، وتوبيخهم ، والصراخ عليهم ، مما يسبب الأثر النفسي على الطفل ، وخاصة إذا كان صغير السن ، إضافة إلى الأضرار الأخلاقية والعادات السيئة التي يكتسبها من وجود الخادمات وعدم وجود الرقيب الحازم عنده ، وبالتالي حرمان الأمة من المواطن الصالح النافع للأمة تمام النفع .
ب- الآثار السلبية لعمل المرأة على نفسها : أن في عمل المرأة نهاراً في وظيفتها ، وعملها ليلاً مع أولادها وزوجها إجهاد عظيم للمرأة لا تستطيع تحمله ، وقد يؤدي إلى آثار سيئة وأمراض مزمنة مع مرور الزمن ، كما أنها تفقد أنوثتها وطبائعها مع كثرة مخالطتها للرجال .
ج- الآثار السلبية لعمل المرأة على زوجها : فعملها له آثار نفسية سيئة على زوجها ، خاصة إذا كان يجلس في البيت لوحده ، كما أنه يفتح باباً للظنون السيئة بين الزوجين ، وأن كل واحد منهما قد يخون الآخر ، كما أن عملها قد يسبب التقصير في جانب الزوج وتحقيق السكن إليه ، وإشباع رغباته ، الأمر الذي يشكل خطراً على استمرار العلاقة الزوجية بينهما ، ولعل هذا يفسر ارتفاع نسبة الطلاق بين الزوجين العاملين .
د- الآثار السلبية لعمل المرأة في المجتمع : ففيه زيادة لنسبة البطالة ؛ لأنها تزاحم الرجال في أعمالهم ، وتؤدي إلى عدم توظيف عدد من الرجال الأكفاء ، فترتفع معدلات البطالة بين الرجال ، وكلنا يعلم ما للبطالة من آثار سيئة ، كما أن في اختلاط المرأة في عملها بالرجال سبب لميوعة الأخلاق ، وانتشار العلاقات المشبوهة في المجتمع ، إضافة إلى رغبة المرأة المتزوجة عن زوجها ، وتركها وكرهها له ؛ لأنها ترى في ميدان عملها من يسلب لبها وعقلها ، مما يؤدي إلى تفكك المجتمع وانحطاطه ، كما أن فيه الإقلال من كفاءة العمل نتيجة لما يصيبها من أعذار كالحيض والنفاس والحمل والولادة ، إضافة إلى عزوف كثير من العاملات عن الزواج ، ذلك أن جل شباب المجتمع يرفضون الزواج من نساء يعملن في عمل مختلط ، مما يؤدي إلى انتشار مشكلة العنوسة في المجتمع ، كما أثبتت الإحصائيات أن أكثر العاملات من النساء هم من قليلات الخبرة ، وذلك يؤدي إلى تراجع كفاءة العمل وضعف الإنتاج ، كما أن في خروج المرأة يومياً من المنزل تعويد لها على الخروج من المنزل لأتفه الأسباب ، وكلنا يعلم ما لذلك من الخطر العظيم الذي لا يخفى على أحد [7] .
الفصل الثالث : الإسلام وعمل المرأة .
المبحث الأول : موقف الإسلام من عمل المرأة :
لقد عني الإسلام منذ بزوغ فجره بقضايا المرأة ، فعمل على توظيف المرأة الوظيفة الصحيحة المناسبة لها في حياتها ، فأمرها بالقرار في البيت والبقاء فيه ، ونهاهن عن التبرج والسفور . قال تعالى : " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "[8] ، وفي الآية فائدة بلاغية ، وهي : أن الله – سبحانه وتعالى - أضاف البيوت إلى النساء ، وليست الإضافة إضافة ملك بل هي إضافة إسكان ، فالمرأة سكنها ومقرها الدائم في بيتها . في عمدة التفسير : " (وقرن في بيوتكن) أي : الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة ، ومن الحوائج الشرعية: الصلاة في المسجد بشرطه ... (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) قال مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال ، فذلك تبرج الجاهلية ، وقال قتادة : (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)إذا خرجتن من بيوتكن –وكانت لهن مشية تكسر وتغنج- فنهى عن ذلك ، وقال مقاتل بن حيان :(ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) : والتبرج : أن تلقي خمارها على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ،ويبدو ذل كله منها ،وذلك التبرج،ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج "[9].
كما أسقط الإسلام عن المرأة – لأجل الخروج - واجبات أوجبها على الرجل ، ومن تلك الواجبات صلاة الجماعة وصلاة الجمعة ، فأسقط عنها الخروج ، وبين أن صلاة المرأة تكون في بيتها ، فهو خير لها . عن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن "[10] ، ولكن الإسلام مع ذلك لم يحرم خروجها إلى الصلاة بل أجاز لها ذلك ، ونهى الرجل أن يمنع نساءه الخروج إلى المسجد إذا استأذنّه بشرط أن يخرجن بالحجاب الشرعي غير متطيبات ولا متعطرات حتى لا يَفتن ولا يُفتن ، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها"[11] ، يقول الشيخ عبد الله ابن بسام - رحمه الله - - معلقاً على هذا الحديث - : "كيف لو شاهد السلف ما عليه زماننا من تهتك وتخلع ، حيث يعمدون إلى أحسن لباس وأطيب ريح ، ثم يخرجن كاسيات عاريات ، قد لبسن من الثياب ما يصف أجسامهن ، ويبين مقاطعهن ، وغشّين وجههن بغطاء رقيق يَشِفّ عن جمالهن ومساحيقهن ، ثم يأخذن بمزاحمة الرجال والتعرض لفتنتهم .. لو رأوا شيئاً من هذا ؛ لعلموا أن خروجهن محض مفسدة ، وأنه قد آن حجبهن في البيوت ،ومن المؤسف أن تذهب الغيرة الإسلامية والعربية من أولياء أمورهن فلا يرفعون في ذلك طرفاً ، ولا يحركون لساناً ، فإنا لله وإنا راجعون "[12] ، ولذلك لما رأت عائشة ما أحدث النساء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل "[13] ، قال ابن حجر - معلقاً على هذه الحديث وغيره من أحاديث الباب - : " ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل : تحقق الأمن فيه من الفتنة ،ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث الناس من التبرج والزينة ، ومن ثم قالت عائشة ما قالت " [14].
كذلك فإن من أعظم الواجبات التي أمر الله بها الرجال : الجهاد في سبيل الله ، فهو ذروة سنام الإسلام وطريق عزته ، ومع ذلك فقد أسقط الله الجهاد عن النساء ، ففي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " قلت : يا رسول الله على النساء جهاد قال : نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة " رواه ابن ماجه [15] .
كذلك فلقد جعل الإسلام المرأة مكفولة طوال حياتها ، فأوجب النفقة على وليها - سواء كان أباها أو زوجها أو غيرهما - ، وأمرها بأن تؤدي حقوق غيرها عليها ، وأن تلزم بيتها وتحافظ عليه .
كل هذا يبين أن الإسلام حرص على بقاء المرأة في بيتها ؛ لما في ذلك من الآثار العظيمة ، ولكنه مع ذلك لم يمنعهن من الخروج مطلقاً ، بل أجاز لهن ذلك إذا كان ثمة حاجة إلى خروجها ، بشرط أن تكون متسترة غير متطيبة ولا متزينة [16] .
المبحث الثاني : ضوابط عمل المرأة في الإسلام .
سبق أن ذكرت أن الإسلام لم يحرم عمل المرأة بشكل عام ، بل جعل لذلك ضوابط عدة ، فمن تلك الضوابط:(3/138)
1- أن يكون العمل موافقاً لطبيعة المرأة وأنوثتها ، ويقارب فطرتها اللطيفة الرقيقة ، ويمنعها من الاختلاط بالرجال ، كالعمل في تدريس النساء ورعاية الأطفال وتطبيب المريضات ونحو ذلك .
2- أن لا يعارض عملُها الوظيفةَ الأساسية في بيتها نحو زوجها وأطفالها ، وذلك بأن لا بأخذ عليها العمل كل وقتها بل يكون وقت العمل محدودا ً فلا يؤثر على بقية وظائفها [17].
3- أن يكون خروجها للعمل بعد إذن وليها كوالديها ، أو زوجها إن كانت متزوجة .
4- خلو العمل من المحرمات ، كالتبرج والسفور وغيرهما [18] .
5- أن تتحلى بتقوى الله سبحانه وتعالى ، فهذا يكسبها سلوكاً منضبطاً وخلقاً قويماً يريحها أولاً ، ويريح الآخرين من الفتن ثانياً .
6- أن تلتزم بالحجاب الشرعي ، فلا تبد شيئاً منها لأجنبي إلا ما لابد منه من الثياب الظاهرة[19] . قال تعالى : "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ... " الآية [20].
هذه بعض الضوابط الشرعية التي يجب على المرأة أن تلتزم بها عند خروجها للعمل حتى تنال رضا الله وسعادة الدارين ، وحتى تقوم بعملها المناط بها على أتم وجه .
-------------------------------------------
[1] سورة الذاريات.آية 56 .
[2]ينظر: علي الأنصاري.المرأة تعليمها وعملها في الشريعة الإسلامية .صفحة 65 .
[3] ينظر : عبد الله بن وكيل الشيخ . عمل المرأة في الميزان . صفحة 11 .
[4] ينظر :1- مكية مرزا.مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة . صفحة 300 .
2- عبد الله بن وكيل الشيخ . عمل المرأة في الميزان . صفحة 20
3- علي الأنصاري.المرأة تعليمها وعملها في الشريعة الأسلامية.صفحة 85.
[5] سيأتي ذكر الشروط في مبحث : ضوابط عمل المرأة في الإسلام صفحة 6 .
[6] ينظر: عبد الله بن وكيل الشيخ . عمل المرأة في الميزان . صفحة 29.
وللاستزادة:1- البهي الخولي.الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة،صفحة221.
2-علي الأنصاري.المرأة تعليمها و عملها في الشريعة الإسلامية ،صفحة70 .
3- مشكلات المرأة المسلمة . مكية مرزا ،صفحة 260 ،290 .
[7] انظر: 1- وهبي سليمان الألباني . المرأة المسلمة ، صفحة 228 .
2- علي الأنصاري.المرأة تعليمها و عملها في الشريعة الإسلامية ،صفحة 89 .
3-عبد الله بن وكيل الشيخ . عمل المرأة في الميزان . صفحة 21 .
وللاستزادة : مشكلات المرأة المسلمة . مكية مرزا ،صفحة 262 .
[8] سورة الأحزاب . آية 33 .
[9] أحمد شاكر.عمدة التفسير ، ج3 ، صفحة 47 ( بتصرف ) .
[10] رواه أبو داود في كتاب الصلاة - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد - عن ابن عمر رضي الله عنهما . حديث رقم (567) سنن أبي داود . ج1 صفحة 155 ، والحديث رواه أبو داود وسكت عنه ،وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه باب اختيار صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد حديث رقم (74). ج3 صفحة 92 ، ورواه الحاكم في المستدرك وصححه وجعله على شرط الشيخين . حديث رقم ( 755 ). ج1 صفحة 327 .
[11] رواه البخاري في كتاب أبواب الأذان - باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد - عن ابن عمر رضي الله عنهما . حديث رقم (835) صحيح البخاري . ج1 صفحة 297. رواه مسلم في كتاب الصلاة - باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة - عن ابن عمر رضي الله عنهما . حديث رقم (442) صحيح مسلم . ج1 صفحة 326.
[12] عبد الله بن بسام . تيسير العلام ، ج1 ، صفحة 142 .
[13] رواه البخاري في كتاب أبواب الأذان - باب صلاة النساء خلف الرجال - عن عائشة رضي الله عنها . حديث رقم (831) صحيح البخاري . ج1 صفحة 269.
[14] ابن حجر العسقلاني . فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج2 ، ص 407 .
[15] رواه ابن ماجه في كتاب الحج - باب الحج جهاد النساء -عن عائشة رضي الله عنها . حديث رقم (2901) سنن ابن ماجه . ج2 صفحة 968 .
[16] ينظر : علي الأنصاري.المرأة تعليمها و عملها في الشريعة الإسلامية ،صفحة 65 .
[17] ينظر : مشكلات المرأة المسلمة . مكية مرزا ،صفحة 300 .
[18] ينظر : 1- علي الأنصاري.المرأة تعليمها و عملها في الشريعة الإسلامية ،صفحة 85
2- توفيق علي وهبة .دور المرأة في المجتمع الإسلامي ، صفحة 186 .
[19] ينظر : عبد الله بن وكيل الشيخ . عمل المرأة في الميزان . صفحة 40 .
[20] سورة النور. آية
=============
الحذر من إطلاق البصر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه وعبده أما بعد:
فقد وصلت فتنة الشهوات ذروتها حتى وصلت إلى القاع بشكل لم يسبق له مثيل ، و أصبحت صور النساء تشاهد في كل وقت من ليل أو نهار ، في كل مكان إلا من عصم الله عز وجل ، واصبح ذلك في متناول الجميع ، فعظمت بذلك الفتنة ، واتسع الخرق على الراقع ، فلا إله إلا الله كم أثنت هذه الفتنة من عزم ، و أوهنت من همه ، وكم ردت من ساع على طريق الخير حتى عاد أدراجه ، وتنكب الصراط واستمرأ الضلالة ، أو حبسته عن الترقي في درجات الفلاح حتى إنه يخاف فتنة بنات بني الأصفر ونظرا لعظم هذه الفتنة واستفحال أمرها كان لزاما على الدعاة والمصلحين عامة أن يتذاكروا هذا الأمر ويبينوا خطره ويسعون جاهدين في دفعه بكل ما يملكون من قوة وهذه الكلمات أضمها إلى من سبق في التحذير من إطلاق البصر عسى أن يجعلنا ربنا من المتعاونين على البر والتقوى فأقول مستعينا بالله :
إن الذي أجمعت عليه الأمة واتفق على تحريمه علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة هو نظر الأجانب من الرجال والنساء بعضهم إلى بعض والأصل في هذا الباب هو قوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} وقد صرف النبي صلى الله عليه وسلم نظر الفضل بن عباس رضي الله عنه عندما مرت به ظعن تجرين فطفق الفضل ينظر إليهن[رواه مسلم] وكذلك صرف بصره حين نظر إلى الخثعمية[البخاري 1513 ، ومسلم1334] ، "وهذا منع إنكار بالفعل ولو كان جائزا لأقره عليه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى مدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر))[ البخاري6243 ، ومسلم6257 ] ثم ذكر اللسان والرجل واليد و القلب فبدأ بزنى العين لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج ، فهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر وأن ذلك زناها ففيه رد على من أباح النظر مطلقا "(1)
والأمور التي يغض المسلم عنها بصره يمكن حصرها في الأمور التالية: (2)
1- غض البصر عن عورات الناس ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة)) [رواه مسلم338] فكل إنسان له عورة لا يجوز له كشفها ، ولا يجوز النظر إلى من كشف عورته ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول((احفظ عورتك إلا من زوجتك و أمتك )) [أخرجه الترمذي وحسنه ] ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك انكشاف العورات في المباريات التي يشاهدها الملايين من الرجال والنساء ولا حول ولا قوة إلا بالله .(3/139)
2- غض البصر عن بيوت الناس ، ومن اجل ذلك شرع الله عز وجل الاستئذان قبل دخول البيوت كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال((إنما جعل الاستئذان من النظر )) [البخاري6241 ، ومسلم 2156]"إنها ليست عورات البدن وحدها إنما تضاف إليها عورات الطعام وعورات اللباس وعورات الأثاث التي لا يحب أهلها أن يفاجئهم عليها الناس دون تهيؤ أو تجمل أو إعداد وهي عورات المشاعر والحالات النفسية فكم منا يحب أن يراه الناس وهو في حالة ضعف يبكي لانفعال مؤثر أو يغضب لشأن مثير أو يتوجع لألم يخفيه من الغرباء ؟ وكل هذه الدقائق يرعاها المنهج القرآني بهذا الأدب الرفيع أدب الاستئذان ويراعي معها تقليل فرص النظرات السانحة والالتقاءات العابرة التي طالما أيقظت في النفوس كامن الشهوات والرغبات "(3) .
3- غض البصر عما لدى الناس من الأموال والنساء و الأولاد ونحوها مما جعلها الله من زينة الحياة الدنيا كما قال تعالى {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه} قال ابن سعدي في تفسيره "لا تمدن عينيك معجبا ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها ...."(4).
4- غض البصر عن النساء الأجنبيات والمردان الذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة وسوف يكون مدار الحديث على هذا القسم إن شاء الله تعالى.
والنظر إلى النساء على أقسام : تارة تدعوا إليه ضرورة أو حاجة فلا يباح بدونها وتارة يباح مطلقا وعلى كل حال فإنما يباح بأسباب :
1- العقد: ويدخل تحته عقد النكاح وعقد الملك ببيع أو نحوه ، وعقد النكاح الصحيح يفيد الاستمتاع بالمرأة ، والنظر جزء من هذا الاستمتاع ، بل إن الله عز وجل سمى العقد نكاحا كما في قوله تعالى(الأحزاب:49){يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات...}والمقصود بالنكاح في هذه الآية العقد.
2- ومن الأسباب المبيحة للنظر الصغر :فيجوز النظر للصغيرة لأنها ليست موضع شهوة ولتسامح الناس في ذلك قديما وحديثا ، مع ملاحظة زرع المعاني السامية في نفسها وعدم تعريتها بحجة أنها صغيرة
3- القواعد من النساء كما قال تعالى {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن..} قال ابن سعدي رحمه الله"والقواعد من النساء اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة فلا يطمعن في النكاح ولا يطمع فيهن وذلك لكونها عجوزا لا تشتهي ولا تُشتهى فلا حرج عليهن ولا إثم {أن يضعن ثيابهن}أي:الثياب الظاهرة كالخمار ونحوه ، فهؤلاء يجوز لهن أن يكشفن عن وجوههن لأمن المحذور منها وعليها"(5)
4- المشاكلة : فيباح لكل من الأنثى والأنثى أن تنظر ما ينظره المحرم من المحرم لقوله تعالى {أو نسائهن} والمراد هنا جنس النساء -والله أعلم-على القول الراجح فتشمل المسلمة والكافرة ، إلا إذا ترتب على النظر مفسدة من وصف للرجال أو غير ذلك فإنه حينئذ يمنع سواء أكانت مسلمة أو كافرة
5- ومن الأسباب المبيحة للنظر المحرمية سواء أكانت بنسب أو رضاع و هن المذكورات في قولة تعالى (النساء:23){حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم و أخواتكم و عماتكم وخالاتكم....}
6- ومن الأسباب المبيحة للنظر أيضا:الضرورة والحاجة ويدخل تحتها مسائل منها الحاجة إلى نكاحها أو خطبتها أو الشهادة عليها أو معالجتها أو نحو ذلك ويكون هذا بشروط وضوابط ليس هذا موضع تفصيلها .
خطر إطلاق النظر وبعض آثاره
1- أن النظر إلى ما لا يحل هو زنا العين كما في الحديث السابق((العين تزني وزناها النظر))
2- أن إطلاق النظر سبب رئيسي في إعاقة سير العبد إلى ربه جل وعلا ، واشتغاله عما خلق له من عبادة الله ، بل قد يتعدى ذلك إلى الخروج من دين الله عز وجل والردة عن الإسلام والعياذ بالله كما حصل لبعض الذين أطلقوا أبصارهم في الصور الجميلة من النساء والمردان ، مثل ذلك الرجل الذي تعلق بفتى نصراني وهام بحبه ، وزاد به الوسواس حتى لزم الفراش وكان مما قاله(6)
إن كان ذنبي عنده الإسلام *** فقد سعت في نقضه الآثام
واختلت الصلاة والصيام *** وجاز في الدين له الحرام
فانظر واعتبر من حال هذا المسكين فبعد مجالس العلم وحلقات الدين ، انحطاط إلى أسفل سافلين ، وحال يندى لها الجبينوهذا عاقبة إطلاق البصر ، وتأمل المحاسن ، تورد صاحبها الردى وتبعده عن الهدى ، والأمثلة على ذلك كثير ، منها ما حكاه ابن القيم رحمه الله عن ذلك الرجل الذي قال لمحبوبة عند تغرغر الروح ، رضاك عندي أشهى من رحمة الخالق الجليل! "فأصحاب العشق الشيطاني لهم من تولي الشيطان والإشراك به بقدر ذلك ، لما فيهم من الإشراك بالله ولما فاتهم من الإخلاص له ، ففيهم نصيب من اتخاذ الأنداد ولهذا ترى كثيرا منهم عبدا لذلك المعشوق متيما فيه ، يصرخ في حضوره ومغيبه أنه عبده ، فهو اعظم ذكرا له من ربه ، وحبه في قلبه اعظم من حب الله فيه ، وكفى به شاهدا بذلك على نفسه {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرهْ}فلو خير بين رضاه ورضى ربه لاختار رضى معشوقه على رضا ربه ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه عليه ، 'يسخط ربه بمرضاة معشوقه ، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه ، فإن كان فضل من وقته فضله وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه ، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه و مصالحه صرف زمانه كله فيها و أهمل أمر الله تعالى ، يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس ، ويجعل لربه -إن جعل لله- كل رذيلة وخسيس ، فلمعشوقه لبه وقلبه ، وهمه ووقته و خالص ماله ، ولربه الفضلة قد اتخذه وراءه ظهيرا ، وصار لذكره نسيا ، إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه ووجهه وبدنه إلى القبلة ووجهة قلبه إلى المعشوق ، ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه ، وتكلفه لفعلها ، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه فرحا بها ناصحا له فيها ، خفيفة على قلبه لا يستثقلها و لا يستطيبها ، و لا ريب أن هؤلاء من الذين {اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}(7)"
ألم تر أن الحب يستعبد الفتى *** ويدعوه في بعض الأمور إلى الكفر
هذا أحدهم قيل له جاهد في سبيل الله فقال:
يقولون جاهد يا جميل بغزوة **** وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث بينهن بشاشة *** وكل قتيل بينهن شهيد
فانظر كيف حصر الجهاد فيهن ، ولا يحلو الحديث إلا بينهن ، وكل من قتلنه فإنه شهيد! أو ذلك الذي يعلن:
ولو أنني استغفر الله كلما *** ذكرتك لم تكتب علي ذنوب
فهذا حال اللسان ، أما حال القلب فهو أسوأ:
محا حبها حب الأولى كن قبلها *** و حل مكانا لم يكن حُل من قبل
أقول: وأين محبة الله؟.
ومثل هذا كثير جره عليهم إطلاق أبصارهم ، وهذا من أعظم الأمور أن يعيق إطلاق البصر العبد في سيره إلى الله ، ولو سلم له دينه فإنه يضعفه ويجعله في مؤخرة الركب ، ولا ريب أن في ذلك مخالفة لأمر الله عز وجل بالإسراع بالخيرات والمسابقة إليها ، وقد أطلت في هذه النقطة لخطورة الأمر وأهميته .
3- أن الله جعل ميل المرأة للرجل ، وميل الرجل للمرأة ، وهذا أمر فطري مركوز في النفوس ، ولذلك ضبط الإسلام هذا الميل ووجهه الوجهة الصحيحة ، وفصل بين الرجال والنساء ، و أمر النساء بالحجاب لأن الفساد كل الفساد عند اختلاطهم ببعض ، كما في الصحيحين ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ))[البخاري5096 ، مسلم2741](3/140)
"ولهذا فطن أعداؤنا لهذه القضية واستخدموا المرأة كسلاح لتقويض كل القيم الأخلاقية في بلاد المسلمين وكانت المرأة رأس الحربة في هذه الهجمة الإباحية الخبيثة ، قال أحدهم:كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية اكثر مما يفعله ألف مدفع فأغروها في حب المادة والشهوات (8)"
لذلك فإن الدعوة لتحرير المرأة قد لاقى استحسانا عند من في قلوبهم مرض ، ليتأملوا وجوه الحسان ، وليلغوا في مستنقع الرذيلة ، منهم من صرح بذلك وأيده بلسانه أو ببنانه ومنهم من حبسها في قلبه يستشرف المستقبل ، وينتظر اليوم الموعود ، ولأن هذا الأمر عظيم جدا ، حذر الله منه بقولة {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}
ولذلك فإن الإنسان إذا أطلق بصره وخاصة في هذا الزمان فإنه سوف يستحسن ذلك ولا بد وتركنُ إليه نفسه ، وخاصة إذا رأى الجمال الصارخ والأجساد العارية ، فاحذر أيها المسلم واحفظ بصرك ، فإن الخطوة تقود إلى خطوات ، والنظرة إلى حسرات ، وقد جاء بعد الآية السابقة قوله تعالى {يا آيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان.....}
وهذه الفتنة تكون مكبوتة مغلوبة حتى يطلق بصره في النساء والصور الجميلة ويتأمل فيها ، فحينئذ يتشعب القلب وتطرقه البلابل ، وينفذ الشيطان إلى قلبه مع أقرب وأخطر طريق.
4- أن إطلاق البصر يؤدي إلى" تعدد الصور المخزونة في الذاكرة ، والمحفورة في الذهن من الإكثار من النظر إلى الصور الفاتنة ، سواء أكانت حية في عام الواقع أو مطبوعة في مجلة أو متحركة في فيلم لامرأة أو أمرد وتكرار النظر يؤدي إلى سهولة استدعائها ، وسهولة استدعائها يؤدي إلى تخيلها بوضع معين تثور معه الشهوة ويصاب مريض القلب بالقلق الشديد (9)"
ولو أن هؤلاء أطاعوا الله ورسوله واقتصروا على ما أحل الله لأراحوا قلوبهم وأفكارهم من أمور طالما عذبت وأرهقت الكثير من أبناء الجيل واكتوى بلظاها فئام من الناس .
5- من خطورة النظر بل من أعظمها أنه لا يقتصر على شيء معين ولا يقف عند حد ، فمثلا:إذا نظر إلى امرأة فإنه يسترسل بصره إلى مطالعة الصور ، الواحدة بعد الأخرى ، والصورة بعد الصورة ، دون أن يشفي غليله أو يطفئ لهيبه بل هو في ازدياد وانحدار مخيف ، والأمر كما قاله ابن القيم رحمه الله"أن الملوك ما استوفوا من هذا الباب (10)
قال مجنون ليلى :
علقت الهوى منها وليدا ولم يزل *** إلى اليوم ينمي حبها ويزيد
ويسهل الاحتراز عن ذلك من بدايات الأمور فإن آخرها يفتقر إلى علاج شديد وقد لا ينجح ، ومثاله من يصرف عنان الدابة عن توجهها إلى باب تريد دخوله ، فما أهون منعها بصرف عنانها ، و مثال من يعالجه بعد استحكامه مثال من يتركها حتى تدخل الباب وتجاوزه ثم يأخذ بذنبها يجرها إلى وراء وما أعظم التفاوت بين الأمرين "(11)"
وقال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله "لو أتيت مال قارون وجسد هرقل وواصلتك عشر آلاف من أجمل النساء من كل لون وكل شكل وكل نوع من أنواع الجمال هل تظن أنك تكتفي ؟ لا ، أقولها بالصوت العالي :لا ، أكتبها بالقلم العريض ، ولكن واحدة بالحلال تكفيك لا تطلبوا مني الدليل فحيثما تلفتم حولكم وجدتم في الحياة الدليل قائما ظاهرا مرئيا (12)".
أسباب إطلاق البصر
1- تكرار النظر واستدامته:
وهذان السببان من أهم أسباب إطلاق البصر وهو نتيجة لعدم امتثال أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وقد حذر ابن عمه من أسباب الفتنة فقال ((يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية)) [رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني في حجاب المرأة ص 77]
وقال العقلاء: من سرح ناظرة أتعب خاطرة ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت عليه أوقاته وفاضت عليه عبراته .
من أطلق الطرف اجتنى شهوة *** وحارس الشهوة غض البصر
والطرف للقلب لسانا فإن *** أراد نطقا فليكر النظر
ولايكون العشق إلا بالنظر ولا يرسخ وتتأصل جذوره إلا بتكرار النظر وإدمانه ، وأما ما يشاع اليوم مما يسمى "بالحب من نظرة واحدة"فهؤلاء إما أن يكونوا دجالين يصطادون بذلك من يرونه أهلا ، وهذا هو الغالب على جيل اليوم ، وإن أحسنت الظن فإنهم على ما قاله ابن حزم رحمه الله"فمن أحب من نظرة واحدة ، وأسرع العلاقة من لمحة خاطرة فهو دليل على قلة الصبر ومخبر بسرعة السلو وشاهد الظرافة والملل وهكذا في جميع الأشياء أسرعها نموا أسرعها فناء ، وأبطؤها حدوثا أبطؤها نفاذا(13)
وعلى العموم من حفظ بصره فقد صد عن نفسه شرا كثيرا ، ودرأ عنه خطرا جسيما ، قال ابن الجوزي رحمه الله "وقد يتعرض الإنسان لأسباب العشق فيعشق ، فإنه قد يرى الشخص فلا توجب رؤيته محبته فيديم النظر والمخالطة فيقع ما لم يكن في حسابه ، ومن الناس من توجب له الرؤية نوع محبة ، فيعرض عن المحبوب فيزول ذلك ، فإن داوم النظر نمت ، كالجنة إذا زرعت ، فإنها إن أهملت يبست وإن سقيت نمت (14)
سأبعد عن دواعي الحب إني *** رأيت الحزم من صفة الرشيد
رأيت الحب أوله التصدي *** بعينك في أزاهير الخدود
3- الفراغ : والإنسان إذا لم يشغل نفسه وقلبه فيما خلق له من الفكر في اجتلاب المصالح في الدين والدنيا ، واجتناب المفاسد ، تعطل واستترت جوهريته وإذا أضيف إلى هذا ما يزيده ظلمة من النظر المحرم صار كالحديد يغشاه الصدأ فيفسد ، قال ابن عقيل "وما عشق قط إلا فارغ فهو من علل البطالين ، وأمراض الفارغين من النظر في دلائل العبر "(15)
و قال الأنطاكي "والعشق يختلف باختلاف أصحابه فإن الغرام أشد ما يكون مع الفراغ وتكرار التردد على المعشوق ، والعجز عن الوصول إليه ، وعلى هذا يكون أخف الناس عشقا الملوك ثم من دونهم لاشتغالهم بأمور الملك وقدرتهم على مرادهم وما دونهم أفرغ لقلة الاشتغال حتى يكون المتفرغ له بالذات كأهل البادية لعدم اشتغالهم بعوائق ومن ثم هم أكثر الناس موتا به(16)
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى *** فصادف قلبا خاليا فتمكنا
ولذلك فإن الفراغ من أشد ما يكون فتكا بصاحبه ، فإذا أضيف إلى هذا فتن تموج كموج البحركان تأثيره أنكى وعاقبته اشد وأبلى ، وقد ذكر ابن حزم رحمه الله انه قرأ في سير ملوك السودان أن الملك يوكل ثقة بنسائه يلقي عليهن ضريبة من غزل الصوف يشتغلن بها أبد الدهر لأنهم يقولون :إن المرأة إذا بقيت بغير شغل إنما تشوق إلى الرجال وتحن إلى النكاح(17)
فإذا تأملت هذا أيقنت بأن الآباء الذين يحضرون لأبنائهم أسباب الفساد من القنوات والمجلات وغيرها إنما يسوقون أبنائهم وأهليهم إلى الهاوية ويشغلون أوقاتهم بما فيه ضياع أعمارهم وفساد قلوبهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
4- الانشغال بأمور النساء والصور : وما يتعلق بذلك حتى يكون ذلك هو مدار الحديث في كثير من المجالس فمن وصف إلى حادثة إلى قصة إلى علاقة بين فلانة وفلان فتنقضي المجالس ومثل هذا لب الحديث ومداره ، وهذا أمر خطير يدل على مرض في القلب ، فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره ، وكلما كان الإنسان مشتغلا بهذا الأمر ، كلما كان لهجا بذكره متعلقا بفكره فمقل ومستكثر ، ولعل من أكثر الأمثلة على هذا الشعراء كما قال خالد بن يزيد بن معاوية"وكنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس هم الشعراء والأعراب فالشعراء ألزموا قلوبهم الفكر في النساء ووصفهن والتغزل بهن فمال طبعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن حمل الهوى فاستسلموا له منقادين (18)(3/141)
فالانشغال بأمور النساء سبب في إطلاق النظر فيهن ومما يؤسف له أن هذا الأمر قد تسرب لمجالس كثير من أهل الخير حتى أصبحت بعض مجالسهم تكاد لا تخرج عنه وهذا مؤشر خطير ينبغي أن يحذر منه أهل الخير ويرتقوا بمجالسهم إلى ما هو أعلى من ذلك وخير منه كما قال بعض العلماء "جنبوا مجالسنا الدنيا والنساء "ولا يشتغلوا بتوافه الأمور ولا بدنيء الهمم ، وأما أولئك المتسمرون أمام الشاشات والمتأملون فيها الساعات تلو الساعات ، فقد فتك بقلوبهم حب الغانيات وعصف بمشاعرهم مشاهد العاهرات ، حتى قادتهم إلى سبل الشيطان وأردتهم في مهاوي الهلاك ، علموا بذلك أم لم يعلموا ، وقد سكروا بكؤوس النظر التي يتجرعونها ، وأنسوا بالمستنقعات وهي ماء زلالا يظنونها ، فشرقوا بغصصها وغرقوا في لججها ، فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
5- التقليد وحب الاستطلاع : وأكثر ضحايا هذا القسم هم من فئة الشباب حين يسمعون أو يقرؤون أو ينظرون إلى من حولهم من الأصحاب والإخوان ، يتحدثون عن المغامرات العاطفية وخاصة أن بعض الشباب وللأسف ينشئون في بيئة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا ، فيرى الشاشات وما يعرض فيها من صور للحب الساقط والتصنع المبتذل ، ويسمع من حوله يتحدثون عن حب فلانة وفلان فإنه حينئذ يتحفز لاستجلاء هذا الأمر وسبر غوره ، ولكي يكون عنده رصيد يتحدث ويفتخر به ، فتبدأ مرحلة الشقاء بإطلاق النظر في كل مليحة ومليح ، فإن كان ذلك و إلا صنعه في الخيال وحاك حوله القصص والأساطير ، فيكون هو أول المصدقين بذلك ، فيخوض في غمار اللجج ويطلب النجاة و لكن هيهات
الحب أوله شيء يهيم به قلب *** المحب فيلقى الحب كاللعب
يكون مبدؤه من نظرة عرضت *** أو مزحة أشعلت في القلب كاللهب
كالنار مبدؤها من قدحة فإذا *** تضرمت أحرقت مستجمع الحب
ومن أسباب إطلاق البصر محادثة النساء الأجنبيات:
قال ابن القيم "والشعراء قاطبة لا يرون بالمحادثة والمخاطبة والنظر للأجنبيات بأسا وهو مخالف للشرع والعقل وفيه تعريض للطبع لما هو مجبول عليه من ميل كل واحد للآخر ، وكم من مفتون بذلك في دينه ودنياه لأن ذلك مدعاة لتركيز النظر والتنقيب عن المحاسن حتى تنقش في القلب وكلما تواصلت النظرات وتتابعت كلما زاد تعلق القلب وهيجانه ، مثل المياه تسقى بها الشجرة فإذا أكثر من المياه فإنها تفسد الشجرة ، وكذلك النظر إذا كرر وأعيد فإنه يفسد القلب لا محالة فإذا تعرض القلب لهذا البلاء فإنه يعرض عما أمر به ويخرج بصاحبه إلى المحن (19).
وقال ابن الجوزي "ومن التفريط القبيح الذي جر أصعب الجنايات على النفس محادثة النساء الأجانب والخلوة بهن وقد كانت عادة الجماعة من العرب ، ويرون أن ذلك ليس بعار ويثقون من أنفسهم بالامتناع عن الزنا ويقتنعون بالنظر والمحادثة وتلك الأشياء تعمل في الباطن و هم في غفلة من ذلك إلى أن هلكوا ، و هذا الذي جنى على مجنون ليلى وغيرهم فأخرجهم إلى الجنون والهلاك (20).
وبعض الناس يستصعبون محادثة النساء البعيدات عنهم ولكنهم يخالطون من حولهم من النساء كزوجات إخوانهم ونحو ذلك وينظرون إليهن ويدخلون عليهن ولذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك خاصة فقيل له أرأيت الحمو؟فقال ((هو الموت )) [رواه البخاري5232 ، ومسلم2172]
فليحذر المسلم من مخالفة أمر الله و رسوله صلى الله عليه وسلم ولتكن علاقاته مبنية على أصول الشرع لا يتعدى ولا يفرط ، ولا يجعل هذه الأمور لهوى نفسه ونزعات شيطانه .
6- الإعلام الفاسد بكافة وسائله من المقروء والمسموع والمرئي ، على كافة المستويات حيث يحمل العبء الأكبر من العبث بأفكار وعقول الجيل بل إنه مسخ عقولاً بما يعرضه ويفرضه من صور فاضحة ومشاهد يستحيا من ذكرها فضلا عن رؤيتها ، وخاصة في غياب شبه كامل من أهل الصلاح والخير ، في الوقت الذي نرى فيه أهل الباطل والفساد من أرباب الشهوات والشبهات يفتتحون قنوات تخص باطلهم وتنشر رذائلهم وهم يعملون بدأب عجيب ، فنشكو إلى الله جلد الفاجر وعجز المؤمن.
7-الاختلاط والتبرج والسفور : وهذا أدى إلى انتشار الفواحش وإطلاق الأبصار المسعورة في الصور المعروضة وهو رأس دواعي الفتنة ولذا لم يأل أعداء الإسلام وخاصة دعاة التغريب وسعا في الحث عليه والدعوة إليه والتهافت في ذلك وبذل الوسع والطاقة في جلبه وتحصيله ، ولما اشتدت وطأة التبرج في الكثير من الأقطار الإسلامية كثر المتساقطون في حبالها ، وأصبح الذي يغض بصره في بعض المجتمعات كالقابض على الجمر لكثرة المنكر وانتفاخه ، ولكن ليبشر هؤلاء الصابرون {فإن مع العسر يسرا }
8- المصافحة:
وقد يعجب البعض من هذا السبب ولكن لما العجب وقد وردت النصوص في تعظيم هذا الأمر والوعيد الشديد في حق فاعله ، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)) [الصحيحة226]
وقد بين ابن القيم رحمه الله سرا في ذلك فقال "والسبب الطبيعي أن شهوة القلب ممتزجة بلذة العين فإذا رأت العين اشتهى القلب فإذا باشر الجسم الجسم اجتمع شهوة القلب ولذة العين ولذة المباشرة(21)
فسبحان الله ! كم من مفتون بذلك ، يستسهل هذا الأمر ويستصعب تركه أو بسبب ضغوط من حوله حتى يتلذذ بهذا الأمر ويشتهيه قلبه فما يزال الشيطان به حتى يكبه في أودية الهوى صريعاً والله المستعان .
9- ومن أسباب إطلاق الأبصار : تزيين الشيطان وتسويله : وذلك بإيجاد مسوغ شرعي للنظر كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو مخالطة الغلمان وتعليمهم ونحو ذلك ، ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يحتاج إلى النظر إلى بعض المنكرات ولكن هذا أبيح للضرورة والحاجة فيقدر بقدر ذلك ، وأما أن يسترسل الإنسان في ذلك ويديم النظر أكثر من الحاجة فهذا قد تجاوز الحد المباح فلينتبه الدعاة وفقهم الله لذلك ويحذروا من خطوات الشيطان ، وكذلك مسألة مخالطة الغلمان من قبل المدرسين أو غيرهم ، ولا شك أن تربية النشء وتعليمهم من أعظم الأعمال ، ولكن أذكر ما قاله ابن الجوزي رحمه الله من لفتة تربوية رائعة حيث قال "والعالم والعابد قد أغلقا على أنفسهما باب النظر إلى النساء الأجانب لبعد مخالطتهن ، والصبي مخالط لهم فليحذر من فتنته فكم زل فيها من قدم وكم قد حلت من عزم ، وقل من قارب هذه الفتنة إلا وقع فيها(22)
ولست هنا أدعوا إلى ترك الشباب لدعاة الفساد والشهوات ، بل أؤكد على الدعاة وفقهم الله أن يتحملوا هذه المسؤولية فهم أحق بها أهلها ، ولكن أدعوا إلى الحذر من الانزلاق إلى طريق لا تحمد عقباه ، ولا يكون ذلك إلا بالصدق مع الله فإنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير .
العلاج(3/142)
أولاً: استخدام العلاج الذي أمر الله تعالى به في قوله{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }ويعلم أن غض البصر طاعة يتقرب به إلى مولاه عز وجل ، ومعلوم أن الله لا يأمر عباده إلا بما يقدرون عليه ، وهو سبحانه أعلم بهم وبما يصلحهم ، وهو القائل {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }ولم يستثن أحد من هذه الآية ، بل الخطاب عام لأهل الإيمان ، فلا يأتي متحذلق بعد ذلك ويقول بأنه لا يستطيع أو أن الهوى قد غلب عليه ، أو نحو ذلك ، وهذا إنما جنى على نفسه بإطلاق بصره أولا ، ولو أنه امتثل للأمر لبلغه الله ما يريد ولعصمه من هذه الفتنة ، ولكن هذا من عاقبة التفريط ، ومعلوم أن غض البصر يحتاج إلى صبر ومصابرة ومرابطة على الثغر وكل بحسب قوة إيمانه وإرادته فمقل ومستكثر .
ليس الشجاع الذي يحمي مطيته *** يوم النزال ونار الحرب تشتعل
لكن فتى غض طرفا أو ثنى بصرا *** عن الحرام فذاك الفارس البطل
قال ابن الجوزي "ليكن لك في هذا الغض عن المشتهى نية تحتسب بها الأجر وتكتسب بها الفضل وتدخل بها من جملة من نهى النفس عن الهوى "(23)
ثانياً: استخدام العلاج النبوي : وذلك حين سئل عليه الصلاة والسلام عن نظر الفجأة فأرشد إلى العلاج النافع الذي من استعمله سد عليه هذا الباب بالكلية ولا يحتاج معه لعلاج غيره فقال((اصرف بصرك )) و أوصى ابن عمه بهذا العلاج فقال عليه الصلاة والسلام ((يا علي لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى وليست لك الثانية)).
فهذان العلاجان هما من أنفع الأدوية ولا يحتاج معها المؤمن إلى علاج آخر إذا عمل بها ، ولاحظ انه علاج وقائي ، والعلاج الوقائي يعتبر من أفضل ما ينتفع به الإنسان ، لأنه يعالج الأمور ويدفعها قبل حصولها أصلا ، فإذا غض المؤمن بصره عن الحرام ثم إذا وقع بصره على شيء صرفه مباشرة ولم يعاود النظر فإنه أمن بذلك من هذه الفتنة العظيمة بسبب امتثاله لأمر الله ورسوله{وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم }.
ثالثاً: الصبر على غض البصر :لأن في إطلاق البصر قد يجد ما تتلذذ به العين ويشتهيه القلب فكان الغض عند ذلك شديدا على النفس يحتاج إلى صبر طويل ، وكلما استرسل بصره ثم أراد أن يغضه بعد ذلك ، كلما ازداد صعوبة في ثنيه ورده ، قال الحسن رحمه الله"إن هذا الحق قد اجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته "(24) وقال ابن الجوزي رحمه الله ""فالطاعة مفتقرة إلى الصبر عليها والمعصية مفتقرة إلى الصبر عنها فلما كانت النفس مجبولة على حب الهوى فكانت بالطبع تسعى في طلبه افتقرت إلى حبها عما تؤذي عاقبته ، ولا يقدر على استعمال الصبر إلا من عرف عيب الهوى وتلمح عقبى الصبر فحينئذ يهون عليه ما صبر عنه وعليه ، وبيان ذلك يتمثل بمثل وهو : أن امرأة مستحسنه مرت على رجلين فاشتهيا النظر إليها فجاهد أحدهما وغض بصره فما كان إلا لحظة ونسي ما كان ، و أوغل الآخر في النظر فعلقت بقلبه فكان ذلك سبب فتنته وذهاب دينه"(25).
رابعا: التفكر في حقيقة المنظور : فإذا نازعتك النفس إلى النظر الحرام فتأمل حقيقة ما تنظر إليه ، و ما تنطوي عليه من الأمور التي إذا تأملها عاقل و أمعن فيها وتفكر اقتنعت نفسه ولم تحدثه ولم تنازعه ، فهذه عملية لإقناع النفس بعدم جدوى النظر ، فمثلا عندما يقول القائل "إذا أعجبتك امرأة فتأمل مناتنها "وأعظم المناتن الكفر بالله ، وأدنى من ذلك الفسق والفجور والضلال ، وجميع ما يعرض في القنوات والمجلات و غيرها من الصور الفاتنة لا تكاد تخرج عن هاتين الصفتين وان كان الأول أعظم لكن الثاني تأباه الفطر والعقول التي لم تعبث بها الشياطين ، ثم تذكر بعد ذلك المناتن من المخاط والبول والغائط والعرق ورائحة الفم وغير ذلك ، ثم تذكر القبائح المعنوية مثل الغش والدجل والكذب والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل إلى غير ذلك مما يعلن وينشر من الفضائح اليومية والدورية ، فأين من يتأمل ذلك ويعمل الفكر فيه ؟و إلا فالكثير مطلق بصره بشهوة يتأمل في حسن الصورة ، منبهر من حسن الشكل ، معرض عن الصورة الحقيقية الباطنة التي غابت عنه ، وقد ذم الله تعالى أولئك الذين يعجب الناس مظهرهم من الهيئة وحسن الشكل والكلام ، لكنهم خواء من الإيمان ، قاعدون عن كل فضيلة ، واثبون إلى كل رذيلة فقال سبحانه {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة....}
فمتى يدرك المسلمون هذه الحقيقة القرآنية ؟ ، مع أنها أصل من أصول ديننا وهو الولاء و البراء.
خامساً: تأمل العواقب وملاحظتها فإذا تأملت عاقبة النظر وما سيؤول إليه فإنك تدرك أثره وتأثيره على قلبك وجوارحك وإيمانك وجميع ما يصدر عنك ، فتعلم حينئذ خطره فتؤثر الغض وتراقبه أيما مراقبه "وإطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظة العواقب ، ومرسل النظر لو علم ما يجني نظره عليه لما أطلق بصره ، قال الشاعر:
وأعقل الناس من لم يرتكب سببا *** حتى يفكر ما تجني عواقبه
وانظر إلى هذا العاقل حين تعرضت له تلك المرأة وعرضت نفسها عليه فصاح بها وأعرض عنها حيث أنه تذكر العاقبة والعقاب فقال:
فكم ذي معاصي نال منهن لذة *** فمات وخلاها وذاق الدواهيا
تصرم لذات المعاصي وتنقضي *** وتبقى تباعات المعاصي كما هيا
فيا سوءتا والله راء وسامع *** لعبد بعين الله يغشى المعاصيا
سادساً: تذكر ما أعده الله عز وجل لعباده الصالحين في جنات النعيم وما فيها من المشتهيات واللذات على أكمل الأوجه وأوسعها وأوعاها كما قال تعالى عن تلك الدار (الزخرف:71){وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وانتم فيها خالدون }وقال تعالى(الإنسان:20){وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا } وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :قال الله تعالى ((أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))
فسم بعينيك إلى نسوة *** مهورهن العمل الصالح
وحدث النفس بعشق الأولى *** في عشقهن المتجر الرابح
واعمل على الوصل فقد أمكنت *** أسبابه ووقتها رائح
وهذا الأمر ينبغي الاشتغال به والشوق إليه والسعي في بلوغه وحصوله
دع المصوغات من ماء وطين *** واشغل هواك بحور عين
سابعا: اليأس: وذلك بأن يجزم جزماً ويعقد عزماً على غض البصر ، بحيث تقنط النفس مع هذا الجزم ، وتيأس بأن لا تتطلع إلى المحذور مع هذا العزم ، فإنها حينئذ تذعن للغض ، ولو على مضض ، وهذا يحتاج إلى نفس حره عزيمة أبيه وكم من إنسان يعرف بأنه مخطئ ولكنه يسترسل لضعفه أمام شهوات نفسه ولا يزول ذلك إلا باليأس من العودة إلى المحذور
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى *** فإن أطمعت تاقت وإلا تخلت
قال ابن سهل : وجدت الراحة في اليأس (26).(3/143)
ثامناً: البعد عن مواطن الفتن والأماكن التي تكثر فيها ، وأماكنها معرفة معلومة وإن كانت بعض البلاد صارت بؤرة للفتن ، قد ملأت السهل والجبل والشواطئ والشوارع والله المستعان ، ولكن الواجب أن يبتعد عن هذه الأماكن قدر المستطاع ويبذل في ذلك جهده لأنه قد تجذبه بصورها وفتنها ، قال ابن الجوزي رحمه الله "و أحذر رحمك الله أن تتعرض لسبب لبلاء فبعيد أن يسلم مقارب الفتنة منها وكما أن الحذر مقرون بالنجاة فالتعرض للفتنة مقرون بالعطب وندر من يسلم من الفتنة مع مقاربتها على انه لا يسلم من تفكر وتصور وهم " (27) و إن كان هذا كلامه وقد عاش في القرن السادس فما نقول نحن في هذا الزمان ؟ ففر من المجذوم فرارك من الأسد ، فاجتنب الأسواق و الأماكن المختلطة كالمستشفيات و الأسواق إلا لحاجة وأما التلفاز والقنوات الفضائية وصفحات الإنترنت الفاسد منها والمجلات الهابطة التي تهبط بقرائها ولا ترفعهم ، فإنها من مراكز الفتن وبؤرها فإياك إياك يا من تريد السلامة لدينك ، والله الموعد .
تاسعاً: نعمة النظر :فالنظر نعمة من الله فلا تعصه بنعمه ، واشكره عليها بغض البصر عن الحرام تربح واحذر أن تكون العقوبة سلب النعمة ، وكل زمن الجهاد في الغض لحضه"وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي ((من أخذت حبيبتيه فصبر واحتسب فله الجنة )) [البخاري 5653] تعرف مقدار النعمة التي ذكرت من بين سائر النعم الأخرى بهذا الأجر العظيم تدرك عظيم قدرها ، فهل يليق أن تصرف في المعاصي و الذنوب ؟ .
العاشر: صرف البصر في الأمور الشرعية التي أمر الله بصرفها فيه أو ندب إليه مثل النظر إلى الزوجة والنظر إلى آيات الله عز وجل في السماوات والأرض ونحو ذلك فهذا هو المصرف الشرعي للنظر فإذا اشتغل المسلم بمثل هذا كان له شغلا عن الحرام ومصرفا عن النظر في الآثام ((وإذا قرأت القرآن وجدت الحث والترغيب في النظر إلى المخلوقات العلوية والسفلية على وجه التدبر والتفكر يؤكد هذا الترغيب وروده بكل مترادفات الإبصار وهي الرؤية والتدبر والنظر في مواضع متعددة بصيغة فعل الأمر المجرد وبصيغة الفعل المضارع المقرون بلام الأمر وبالخطاب الفردي وبصيغة الجمع وبواسطة الاستفهام الإنكاري حينا والاستفهام التقريري حينا إلى غير ذلك من صور هذا الترغيب ))(28)
الحادي عشر: العمل بأحكام الإسلام فإن هذا يضمن الضمان المؤكد بإذن الله عز وجل بحبس النظر عن الحرام ومن التدابير في ذلك أمور منها :
أ- الاستئذان قبل دخول البيوت وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إنما جعل الاستئذان من البصر ))
ب- نهي المرأة عن الخضوع بالقول ونهيها عن التعطر إذا كان مرورها على الرجال حتى لا تثار الغرائز ج-النهي عن نعت المرأة المرأة عند زوجها حتى كأنه ينظر إليها فكيف إذا كان النظر مباشرة ؟
د- أمر النساء بالقرار في البيوت وربط خروجهن بشروط معلومة تهدف بجملتها إلى حفظ النساء والرجال .
هـ- النهي عن الحديث في أعراض المؤمنين وإقامة الحد الشرعي على أولئك الوالغين فيها وذلك حتى لا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فيجد الشيطان حينئذ مدخلا إلى القلوب ليفسدها وتفسد معها الألسنة بنشر الفواحش واستمرائها ، فتطلق الأبصار وتهتك الأستار ويعصى الله العزيز الغفار.
"وعلى العموم فالإسلام وضع القواعد لنظافة المجتمع من المفاتن والشهوات وسلامته من كل ما يهيج الغرائز ويثيرها من النظر إلى النساء وقراءة المجلات الماجنة والقصص الغرامية وسماع الأغاني واقتناء الصور والأفلام الجنسية والنهي عن كل ما يخدر الغيرة ويلوث الشرف ويميع الخلق ويثير الغريزة ويقتل الكرامة "(29)
ولا شك أن المسلم إذا اتبع واستعمل هذه الأحكام وسار على المنهج فإنه سوف ينتصر على الوسواس الشيطانية والحيل النفسية والتبريرات المنطقية وهذا كله يدخل في قول الله تعالى (البقرة:208){يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}
فوائد غض البصر(30)
1-الامتثال لأمر الله تعالى وفي ذلك غاية السعادة والفوز والفلاح في الدارين
2- إن في غض البصر تخليص للقلب من ألم الحسرة ؛ فإن من أطلق بصره دامت حسرته ؛ فأضر
شئ على القلب إرسال البصر والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية فإن لم تقتله جرحته ؛ وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه
3- إن إطراق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده عن الله ويورث الوحشة بين العبد وبين ربه جل وعلا ؛فإذا غض المسلم طرفه أورثه ذلك أنسا بالله عز وجل ؛ وتلذذا بطاعته ؛ كما قال عثمان رضى الله عنه ((لو طهرت قلوبنا لما شبعت من القرآن ))
4- إنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين والوجه والجوارح كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهة وجوارحه ولهذا والله أعلم ذكر الله سبحانه وتعالى آية النور في قوله تعالى {الله نور السموات والأرض }عقيب قوله { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }وقد جاء الحديث مطابقا لهذا كأنه مشتق منه و هو قوله صلى الله عليه وسلم ((النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن محاسن امرأة أورث الله قلبه نورا)) [قال ابن كثير3\293 وروي هذا مرفوعا عن ابن عمر وحذيفة وعائشة ولكن في أسانيدها ضعف إلا أنها في الترغيب ومثله يتسامح فيه] وإذا اشرق القلب واستنار أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية كما أنه إذا اظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان فما شئت من بدع وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة فإن ذلك إنما يكشفه النور الذي في القلب فإذا فقد النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .
5- إنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته وفي الأثر (( إن الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله )) ، ولهذا يوجد عند المتبع لهواه من ذل القلب وضعفه ومهانة النفس وحقارتها ما لا يعلمه إلا الله قال الحسن (( إنهم وإن هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين ، فإن ذل المعصية لفي رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه )).وفي دعاء القنوت (إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت )
6- إنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر ، وذلك لقهره عدوه بمخالفة نفسه وهواه وأيضا فإنه لما كف لذته وحبس شهوته لله ، وفيها مسرة نفسه الأمارة بالسوء ، أعاضه الله مسرة ولذة أكمل منها كما قال بعضهم ((والله للذة العفة أعظم من لذة الذنب ))
7- إنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير أسير هواه وشهوته وإطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق كما قال تعالى عن عشاق الصور ((لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون )) .
8- إنه يسد عنه بابا من أبواب جهنم فإن النظر باب الشهوة الحاملة على موافقة الفعل فإذا سد هذا الباب وغض بصره فإنه بذلك سد عن نفسه بابا من أخطر الأبواب عليه .
9- إنه يفتح له طرق العلم وأبوابه و يسهل عليه أسبابه وذلك بسبب نور القلب فإذا استنار القلب ظهرت فيه حقائق المعلومات وتكشفت بسرعة ونفذ من بعضها إلى بعض و من أرسل بصره تكدر عليه قلبه واظلم وانسد عليه باب العلم وطرقه .(3/144)
10- إنه يورث القلب صحة الفراسة فإنه من النور وثمراته ، وإذا استنار القلب صحة الفراسة لأنه يصير بمنزلة المرآة المجلوه تظهر فيها المعلومات كما هي والنظر بمنزلة التنفس فيها فإذا أطلق العبد نظرة تنفست نفسه الصعداء في مرآة قلبه فطمست نورها ، قال شجاع الكرماني "من عمر ظاهرة باتباع السنة و باطنة بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات واكل من الحلال لم تخطئ له فراسة " وكان شجاع لم تخطئ له فراسة .
11- إنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب فانه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنيه و ما يعده الشيطان إلا غرورا فإذا غض بصره سد عنه هذا الباب العظيم وسلم من كيد الشيطان و تسلطه عليه وتزيينه
12- إن غض البصر دليل على قوة الإيمان وسلامته وإيثاره ما عند الله عز و جل فيكون بذلك دافعا قويا للمؤمن يدفعه إلى الترقي والزيادة و الرفعة من الدرجات فإن هذا لا يكون و خاصة في هذا الزمان إلا من قلب استقر الإيمان بين جوانحه ففتش عنه و ابحث فإن وجدته و إلا فراجع نفسك وإيمانك والله عز و جل يقول {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين آمنوا منكم ويعلم الصابرين }.
صور مشرقة للسلف في غض البصر
* نبينا صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الغاية في هذا الأمر حتى مدحه ربه جل و علا بقوله(النجم:17){ ما زاغ البصر وما طغى } قال ابن القيم رحمه الله" و عند هذه الآية أسرار عجيبة وهي من غوامض الآداب اللائقة به صلى الله عليه وسلم تواطأ هناك بصره وبصيرته وتوافقا وتصادقا فيما شاهدة "إلى أن قال رحمه الله "فلموطأة قلبه لقالبه وظاهره لباطنه وبصره لبصيرته لم يكذب الفؤاد البصر ولم يتجاوز البصر حده فيطغى ولم يمل عن المرئي فيزيغ بل اعتدل القلب في الإقبال على الله والإعراض عما سواه فإنه أقبل على الله بكليته وللقلب زيغ وطغيان كما أن للبصر زيغاً وطغياناً وكلاهما منتف عن قلبه وبصره "إلى آخر كلامه البديع فانظره في منزلة الأدب .
* خرج حسان ابن عطية رحمه الله إلى العيد فقيل له :ما رأينا عيدا أكثر نساء منه ، فقال :ما تلقتني امرأة منذ خرجت .
وقالت له امرأته يوم العيد كم من امرأة مستحسنة نظرت اليوم ؟ فلما أكثرت عليه قال :ويحك! ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك(31)
* وكان الربيع بن خثيم رحمه الله يغض بصره فمر نسوة فأطرق بصره حتى ظن النسوة أنه أعمى فتعوذن بالله من العمى (32)
* وقال عمرو بن مرة رحمه الله ما أود أني بصير - وكان قد عمي - إني أذكر أني نظرت نظرة وأنا شاب
* وقال محمد بن سيرين رحمه الله "و الله ما نظرت إلى غير أم عبد الله - أي زوجته- في يقظة ولا منام ، وإني لأرى المرأة في المنام فأذكر أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها (33)
* وجاء في ترجمة الأسود بن كلثوم رحمه الله أنه إذا مشى لا يجاوز بصره قدميه فكان يمر بالنسوة ، و في الجدر يومئذ قصر ، ولعل إحداهن أن تكون واضعة ثوبها أو خمارها فإذا رأينه راعهن ثم يقلن كلا إنه عمرو بن كلثوم (34).
* وهذا إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله كان يتعجب من غضه لبصره . قال المروزي قال لي سراج بن خزيمة : كنا مع أبى عبد الله في الكتاب ، فكان النساء يبعثن إلى المعلم : ابعث إلينا بابن حنبل ليكتب جواب كتبهم فكان إذا دخل إليهن لا يرفع رأسه ينظر إليهن قال أبو سراج فقال أبي وذكره ، فجعل يعجب من أدبه وحسن طريقته فقال لنا ذات يوم أنا أنفق على ولدي و أجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا فما أراهم يفلحون و هذا أحمد بن حنبل غلام يتيم انظر كيف خرج ؟و جعل يعجب (35).
وأختم الحديث بهاتين الوقفتين:
الوقفة الأولى: عند قوله تعالى {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} قال ابن عباس رضي الله عنهما"الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها ، فإذا رأى منهم غفلة نظر إليها فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد اطلع الله من قلبه أنه يود أن ينظر إلى عورتها"(36)
إذا جئتها وسط النساء منحتها *** صدودا كأن النفس ليس تريدها
ولي نظرة بعد الصدود من الجوى *** كنظرة ثكلى قد أصيب وحيدها
الوقفة الثانية : عن خالد بن معدان رحمه الله قال :"ما من عبد إلا وله أربع أعين ، عينان في وجهه يبصر بهما أمور الدنيا وعينان في قلبه يبصر بهما أمور الآخرة فإن أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه فيبصر بهما ما وعد بالغيب ، فآمن الغيب بالغيب ، وإذا أراد الله بعبد غير ذلك تركه على ما هو عليه ثم قرأ{أم على قلوب أقفالها}"(37)
اللهم أعنا على غض أبصارنا وحفظ فروجنا وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
إعداد :فرحان العطار
atar@gawab.com
-------------------------------------
1- روضة المحبين ص110
2- أحكام النظر لعلي بن عطية الهيتمي ص108 ، وانظر غض البصر للسماري ص7
3-الظلال ص 2509 4- تفسير ابن سعدي ص516
5- المصدر السابق ص574 . 6- تزيين الأسواق للأنطاكي ص343
7-إغاثة االلهفان ص572 8- الفتنة لعبد الحميد السحيباني ص 231
9- العادة السيئة للدويش. 10- روضة المحبين 120.
11- مختصر منهاج القاصدين ص 213
12- فتاوى علي الطنطاوي ص 146 ، نقلا من مقال عبودية الشهوات للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف ، مجلة البيان العدد134 ص 8
13- طوق الحمامة ص 91 . 14- ذم الهوى ص 237 .
15- المصدر السابق ص 244 16- تزيين الأسواق ص 20 .
17- طوق الحمامة ص 140 . 18- روضة المحبين ص 18
19- المصدر السابق ص 104 20- ذم الهوى ص 347 . 21
21- روضة المحبين ص 59 22- ذم الهوى ص 92 .
23- المصدر السابق ص 440 . 24- المصدر السابق ص 41 .
25- ذم الهوى ص 52 . 26- ذم الهوى ص 441.
27- المصر السابق ص 126 28- غض البصر للسماري ص 11 .
29 - انظر الإسلام والجنس لعبد الله ناصح علوان ص 11
30- الجواب الكافي 229 ، وروضة المحبين113 ، وقد جمعت بين الذي ذكره ابن القيم في هذين الكتابين حيث ذكر في كل كتاب عشرة فوائد هي متشابهة ومتشابكة في الغالب فاختصرت ذلك قدر الإمكان.
31- ذم الهوى ص 77 . 32- المصدر السابق ص 80 .
33- من شريط سمعي بعنوان مصارع العشاق للشيخ سلمان العودة .
34- تهذيب الحلية للشيخ صالح الشامي ، ص 383
35- صلاح الأمة بعلو الهمة للشيخ سيد العفاني ص 7\75 نقلا عن مناقب الإمام احمد لابن الجوزي
36- انظر تفسير ابن كثير رحمه الله 4\75 37- تهذيب الحلية 2\188
=============
شبابنا بعد المباريات تشجيع أم ترويع ؟
تحقيق الرائد / سامي بن خالد الحمود
Sami99100@hotmail.com
نحن بعواطفنا نحب كثيراً من الأشياء الجميلة 0
لكن ما إن تتأمل عقولنا الآثار السيئة التي تفرزها هذه الأشياء ، أوما ينتج عنها من هدر الطاقات ، أوالانشغال عن آمال أسرنا وطموحات أوطاننا ، إلا ونكون مضطرين إلى إعادة حساباتنا من جديد ، لنتعامل معها باتزان واعتدال 0
الرياضة تتصدر اليوم قائمة الاهتمامات عند طائفة كبيرة من الشباب في شتى أرجاء العالم 0
وليس هذا غريباً ، فحيوية الشباب وعنفوانه من أهم عوامل اهتمام الشباب بالرياضة ممارسةً وتنافساً وتشجيعاً 0
ومع حمى التنافس الرياضي ، وحرارة التشجيع الكروي شهدت المجتمعات ألواناً من الانحراف السلوكي متمثلة في الشغب الرياضي وما يتبعه من آثار سلبية 0(3/145)
الحقيبة التاريخية الرياضية مليئة بكوارث الشغب الرياضي ولعل من آخرها ما نشرته وسائل الإعلام خلال شهر صفر المنصرم من مقتل ما يزيد على( 130 ) شخصاً في غانا ، بعد مباراة بين الفريقين التقليدين للكرة الغانية ، وكان سبب الكارثة ثورة جماهير الفريق المهزوم مما دعا الشرطة إلى التدخل وتفريقهم بالغاز المسيل للدموع 0
وبحمد الله ، فإن مجتمعنا لم يصل إلى الحالة التي وصلت إليها تلك المجتمعات ، إلا أنه ظهرت في الآونة الأخيرة بعض السلوكيات الخاطئة بعد المباريات من بعض شبابنا ، مما دعا المسؤولين بالجهات المعنية إلى الاهتمام بهذه الظاهرة ، والتصدي لها للحيلولة دون ما تحدثه من أضرار0
في هذا التحقيق .. اقتحمنا أوساط الشباب، واستطلعنا آراءهم حول ملامح هذه الظاهرة وأسبابها وأنسب الحلول للتصدي لها ، وذلك عبر استبيان اشترك فيه 232 شاباً من مختلف الطبقات 0
كما كان لنا الالتقاء ببعض المسؤولين والأساتذة المختصين للإدلاء بآرائهم حول هذه الظاهرة وهم : سعادة اللواء / محمد أحمد البار مساعد مدير الأمن العام لشؤون الأمن الجنائي ، وسعادة الدكتور / مساعد إبراهيم الحديثي أستاذ علم الاجتماع الجنائي ومدير مركز البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ، وفضيلة الشيخ الدكتور / سعيد بن مسفر القحطاني الداعية المعروف 0
* الرياضة في الإسلام :
في بداية التحقيق توجهنا إلى فضيلة الشيخ الدكتور / سعيد بن مسفر القحطاني بسؤال حول الرياضة في منظور الشريعة الإسلامية 0
فأجاب فضيلته : (( الإسلام وهو دين الله الخالد الذي يتسم بالشمولية والكمال لم يهمل أمر الرياضة بل أحاطها بالعناية وشملها بالرعاية ، وتضمنت بعض نصوصه ما يفيد مشروعيتها ، ومارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أنواعها ، فقد سابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها مرتين سبقته في الأولى وسبقها في الثانية 0
وجاء في الحديث " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " والقوة المقصودة هنا عامة يدخل فيها قوة الجسم والبدن ، ولأن هناك تكاليف وفرائض شرعية لا يمكن أداؤها إلا بواسطة الجسم كالجهاد والحج وغيره 0
وبهذا يعلم أن ممارسة الرياضة جائزة ولكن بشرط عدم الوقوع في المحذور الشرعي مثل : كشف العورات أو إضاعة الصلوات أو التعصب المقيت والتشجيع الفوضوي )) 0
* ما الذي يحدث في شوارعنا ؟
من خلال الرصد والمتابعة الميدانية لسلوكيات الشباب ، تبين لنا وجود عدد من المظاهر السلبية التي تحدث في الشوارع بعد انتهاء المباريات الرياضية لا سيما المباريات الهامة 0
ومن هذه المظاهر :
1ـ إغلاق بعض الشوارع أو الأنفاق بواسطة سيارات بعض المشجعين ، ومن ثم ازدحام الطرق وعرقلة سير السيارات لا سيما سيارات الإسعاف والأمن والدفاع المدني وغيرها من المصالح الضرورية0
2ـ التفحيط داخل الأحياء أو الشوارع الرئيسية 0
3ـ تجاوز الأنظمة المرورية كقطع الإشارات ، والسرعة والتهور في القيادة مما يسبب حوادث الدهس وتصادم السيارات 0
4ـ قيام بعض الشباب بالتعدي على السيارات المارة لا سيما سيارات المقيمين كسيارة شركات الليموزين وغيرها ، ورمي السيارات بالعلب أو الحجارة أو البيض !!
5ـ مضايقة النساء ومعاكستهن ، وقد يصل أحياناً إلى التعدي عليهن داخل السيارة 0
6ـ التعدي على بعض المرافق العامة أو الخاصة كواجهات ولوحات بعض المحلات التجارية 0
7ـ تجمهر الشباب في الأحياء والشوارع 0
8ـ المشادات الكلامية والألفاظ السوقية والسباب والشتم الذي يقع بين مشجعي الفرق ، والتي تنتهي أحياناً بمضاربات سيئة العواقب 0
9ـ إزعاج السكان في الشوارع والأحياء بأصوات المنبهات ، أو برفع أصوات المسجلات بالموسيقى الصاخبة 0
10ـ الرقص الجنوني أو ( هز الوسط ) الذي لا يليق بالشاب المسلم 0
11ـ التجوال في الشوارع إلى ساعة متأخرة من الليل وإضاعة صلاة الفجر 0
12ـ عدم التزام بعض المشجعين بقواعد السلامة بإهمال ربط الحزام ، بل قد يخرج بعضهم من نافذة السيارة أو فتحة السقف معرضاً حياته للخطر 0
* مشاهد حية :
من خلال الاستطلاع الميداني التقينا بعدد من الشباب والكبار الذين شاهدوا أو تعرضوا لمثل هذه المواقف التي تحدث بعد المباريات 0
ـ ( أبو علي 19 سنة طالب ) : شاهدت بعض الشباب بعد إحدى المباريات المنتخب قاموا باستيقاف سيارة ( آيسكريم ) ثم أخذوا بعض طفايات الحريق وفتحوها داخل السيارة 0
ـ ( أبو صلاح 15 سنة طالب ) : شاهدت أحد الشباب يفحط بعد إحدى المباريات ثم انحرفت به السيارة فارتطمت بأحد الأعمدة في الشارع 0
ـ ( أبو خالد البيشي 17 سنة طالب ) : خرجت بعد إحدى المباريات وكنت أرفع أعلام فريقي المفضل فقام مشجعوا النادي الآخر بكسر أنوار السيارة 0
ـ ( نايف محمد صالح 18 سنة طالب ) : شاهدت ثلاثة من الشباب يضعون الأعلام على أكتافهم فاعترضهم بعض مشجعي النادي المنافس وحدثت بينهم مشادة كلامية ثم مضاربة نتج عنها طعن أحد الشباب بالسكين 0
ـ ( أ 0 موظف ) : قام الشباب بإغلاق مسارات أحد الشوارع في الرياض عدا مسار واحد ، وكلما مرت سيارة مع هذا المسار قاموا بهزها هزاً شديداً تهتز معه قلوب راكبي السيارة 0
ـ ( إبراهيم المجحدي 40 سنة معلم ) : بعد إحدى المباريات شاهدت بعض الشباب تجمهروا حول سيارة جمس بها مجموعة من النساء وقاموا بفتح الأبواب وضرب السائق ثم أخرجوا النساء وسحبوا عباءاتهن مع كل أسف 0
ـ ( ع 37 سنة موظف ) و ( أبو مازن 27 سنة موظف ) : شاهدا موقفين مشابهين للموقف السابق في مضايقة العوائل 0
ـ ( أ ب 19 سنة طالب ) : كنت أسير في شارع به حفريات ، فقام بعض الشباب برمي سيارتي بالحجارة 0
ـ ( خالد عبدالرحمن السهلي 25 طالب ) : بعد إحدى المباريات كنت أمشي بسيارتي فقام بعض الشباب بجانبي بإغلاق الشارع ، ثم حضرت دوريات الأمن وقبضوا على الشباب ، وكادوا يقبضون علي لأني كنت بجوارهم لكن الله ستر 0
ـ ( فتحي حكمي 19 سنة طالب ) : خرجت إلى الشارع وإذا بأحد الشباب يفحط بعد إحدى المباريات لكنه لم يسيطر على السيارة جيداً فارتطمت بالإشارة وتوفي الشاب في الحال 0
ـ ( ج 30 سنة ) : شاهدت موقفاً في الملز أصيب فيه أحد المقيمين بشجة في رأسه بسبب فوضى الشباب بعد المباراة 0
ـ ( بدر محمد الجميل 19 سنة طالب ) : كنت أمشي في أحد شوارع الرياض فقام بعض المتعصبين برمي البيض على سيارتي 0
ـ ( محمد فيصل المشارقة 18 سنة ) : في إحدى المرات قام أحد الشباب بالتفحيط وصدم شخصاً كان بجانبي ، ونجوت بحمد الله 0
* أسباب الظاهرة :
هذه الظاهرة لا شك أنها - كغيرها من الظواهر الاجتماعية - في الحقيقة إفراز لعدة أسباب متداخلة 0
من خلال استبيان شارك فيه 232 شاباً قمنا باستطلاع آراء الشباب حول أسباب هذه الظاهرة ، وقد أسفرت حصيلة الاستبيان عن عدة أسباب 0 أبرزها ما يلي :
1. جاء في مقدمة الأسباب ضعف الوازع الديني وعدم مراقبة الله تعالى :
عدد الأصوات 128 بنسبة ( 55.1 % )
2. التجمعات والمسيرات بعد الفوز :
عدد الأصوات 127 بنسبة ( 54.7 % )
3. المجاراة وتقليد شاب من حوله :
عدد الأصوات 108 بنسبة ( 46.5 % )
4. إعطاء التشجيع والرياضة اهتماماً زائداً عن حد الاعتدال :
عدد الأصوات 100 بنسبة ( 43.1 % )
5. الشحن الإعلامي وتصريحات الرياضيين :
عدد الأصوات 97 بنسبة (41.8 %)
6. ضعف دور رجال الأمن :
عدد الأصوات 97 بنسبة (41.8 %)
7. ضعف الرقابة والتوجيه من الأسرة :(3/146)
عدد الأصوات 94 بنسبة ( 40.5 % )
8. عدم التحلي بالروح الرياضية :
عدد الأصوات 85 بنسبة ( 36.6 % )
9. أسباب أخرى :
عدد الأصوات 28 بنسبة ( 12 % )
ضعف التجمعات المجاراة إعطاء التشجيع الشحن الإعلامي ضعف عدم التحلي أسباب
الوازع والمسيرات والتقليد والرياضة وتصريحات رقابة بالروح أخرى
الديني بعد الفوز اهتماما زائدا الرياضيين الأسرة الرياضية
+ وعن أسباب هذه الظاهرة قال سعادة اللواء / محمد البار : (( أسباب هذه المشكلة تكمن في عدة جوانب 0 منها : ضعف التوعية الإعلامية ، إضافة إلى ضعف الوازع الديني ، ووجود الفراغ الذهني لدى بعض الشباب وما يصاحبه من قلة الوعي والإدراك للمسؤولية ، وزيادة الحماس في هذه المناسبات مع توفر الإمكانيات لدى الشاب كالسيارات وغيرها مع عدم مراعاة الضوابط الأمنية ، كما أن غياب الدور الأسري في تربية الأبناء له دور في هذه الظاهرة 0 ومن جانب آخر قد يكون هناك تأثير من بعض وسائل الإعلام في إثارة الحماس بين الأندية والجماهير )) 0
+ وقال الدكتور / مساعد الحديثي عن أسباب هذه الظاهرة :
(( هذه الظاهرة ليست سوى إفراز وقتي لمشاكل اجتماعية وثقافية بدأ يعاني منها المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة ، وهي بمجملها تنحصر في سلبيات ما يمكن تسميته بفترة ما بعد الطفرة ، والتي تمثلت في ضعف المؤسسات الاجتماعية الأولية ( الأسرة ، المسجد ، المدرسة ) عن القيام بدورها في تنشئة الأجيال على أسس سليمة ، وكذلك الترف الاجتماعي ، والفراغ والبطالة ، وتوفر وسائل الاتصال ، مما أدى إلى نشوء جيل مترف ، يعاني من مؤثرات سلبية كثيرة ، وتصله رسائل متناقضة من وسائل الإعلام المتعددة وخاصة القنوات الفضائية 0
وهناك أمر مهم آخر يتعلق بتحول التشجيع الرياضي للأندية إلى انتماء يغلب عليه التعصب ، وتحول المناسبات الرياضية إلى معارك فيها هازم ومهزوم مما يؤدي إلى تلك السلوكيات التي فيها تعبير غير منضبط ، إما بالفرح عند الفوز أو بالحزن عند الهزيمة 0
وتلك المشاعر طبيعية لدى كبار السن ، ولكنها لدى المراهقين تتحول إلى عوامل تدمير ما لم يقم المجتمع بدوره في الضبط والمراقبة ، وتطبيق العقوبة عند الحاجة إليها )) 0
+ ومن جانبه قال الدكتور / سعيد بن مسفر القحطاني :
(( هذه الظواهر غريبة على مجتمعنا وسببها في نظري هو الفراغ النفسي وحب التقليد والمحاكاة ، وأيضاً عدم الردع من قبل السلطات الأمنية وعدم الأخذ على أيدي هؤلاء السفهاء ، وهذه الظاهرة إن لم يتم التصدي لها وإلا فإن هؤلاء سيتمادون وربما تقع منهم بعض التصرفات التي لا تحمد عقباها )) 0
* ما هو الحل ؟ :
+ يرى سعادة اللواء محمد البار أنه من الحلول المناسبة لهذه الظاهرة (( تكثيف التوعية الإعلامية من قبل وسائل الإعلام وتقديم برامج توعية موجهة للشباب ، ويمكن في هذا العدد التنسيق مع المختصين في مجالات التربية والتعليم لنشر الوعي بين الطلاب وتفعيل الدور الأسري للحد من هذه الظاهرة ، والتعاون مع الهيئات الدينية لإرشاد الشباب في المساجد والمناسبات الدينية ، إضافة إلى البحث عن سبل لامتصاص حماس الشباب بإنشاء الأماكن الترفيهية الشبابية)) 0
+ وقال الدكتور/ مساعد الحديثي : (( يكمن تلخيص الحلول في ثلاث كلمات : الفهم ، التوعية ، والحزم 0 فينبغي أولاً فهم الظاهرة بكل جوانبها وأبعادها من خلال الدراسات الميدانية الشاملة التي تستقصي أسبابها ، وخصائص الممارسين لها ، ووجهة نظرهم حيالها0
ويأتي ثانياً دور التوعية من خلال المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام لمناقشة القضية مع المختصين وتقديم رسائل غير مباشرة تخاطب الشباب وتحثهم على السلوكيات الحسنة وتبين لهم أخطار التجاوزات على أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم 0
وأما الجانب الثالث فهو الحزم في التعامل مع المتجاوزين لأن الردع له تأثير ملموس في حالة فشل التربية والتوعية 0 ويبدو أن هناك تقصير في هذا الجانب ينبغي تلافيه ، والتعامل بالمفاهيم الدخيلة على مجتمعنا لن يؤدي إلا إلى المزيد من السلبيات 0
والمسؤولية هنا تقع على كواهل الجميع ابتداءً بالأبوين ومروراً بالمعلم وإمام المسجد ورجل الإعلام ورجل الأمن وغيرهم 0 كما ينبغي أن يكون للأندية ومسؤوليها ومشاهير اللاعبين دور في تخفيف حدة التعصب والتعامل بالأخلاق الرياضية ، فلا بد من إشعارهم بمسؤولياتهم ، ولا بد من الاستعانة بهم في مهمة التصدي لهذه الظاهرة ))
+ وعن الحلول المناسبة لمواجهة هذه الظاهرة قال الدكتور/ سعيد بن مسفر القحطاني :
(( أنسب الحلول في نظري لمواجهة هذه الظاهرة هو التعاون المشترك بين جميع الجهات ، فالأسرة مطالبة بعدم إعطاء السيارة للشباب في مثل هذه الظروف ، والجهات التعليمية يجب أن تقوم بدورها في التربية والتوجيه والتحذير من هذه السلوكيات 0
والوسائل الإعلامية ينبغي أن تكثف التوعية بأضرار ونتائج هذه التصرفات والتحذير منها 0
وفي النهاية يأتي دور الجهات الأمنية وذلك بالقبض على هؤلاء وإيداعهم السجن وتقدير العقوبات الرادعة كالجلد مثلاً ليكونوا عبرة لغيرهم لأن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن ، وفي اعتقادي أن وقفة حازمة وعقوبات رادعة ستقضي على هذه الظاهرة ، وستقتلعها من جذورها بإذن الله ))0
* دور الإيمان والوعي الديني
لاشك أن الإيمان صمام أمان يضبط تصرفات الشاب ، ومتى اختل هذا الصمام تسربت السلوكيات السيئة إلى المجتمع الذي حوله 0
الشاب المؤمن ينأى بنفسه عن هذه الأفعال ولو لم يكن فوقه رقيب يحاسبه أو نظام يعاقبه ، لأن في قلبه رقابة ذاتية ملازمة له وإن خلا عن أعين الناس وهي مراقبة الله تعالى 0
إننا بتكثيف التوعية الدينية يمكن أن نصل إلى قلوب الكثير من الشباب ، فالإيمان يحمل الشاب على الاعتدال في اهتماماته فلا يكون التشجيع الرياضي مقدماً على مصالح الشاب نفسه أو أسرته فضلاً عما ينتظره منه دينه ووطنه 0
الإيمان ينهى الشاب عن إيذاء الآخرين أو التعدي على حقوقهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " متفق عليه
وفي الحديث الآخر: " من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم " رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع 0 وهذا وعيد شديد على الشاب أن يضعه نصب عينيه 0
* دور الأمن العام :
تبذل الجهات المختصة في الأمن العام جهوداً كبيرة في وضع الخطط والاستعداد المبكر للتصدي لهذه الظاهرة 0
+ وقد ذكر سعادة اللواء / محمد البار أن هذه الجهود تتضمن نشر الدوريات الأمنية قرب الملاعب الرياضية والميادين العامة المرتادة للمحافظة على الأمن ، وضبط وإيقاف من يقوم بمثل هذه التصرفات ومن ثم تطبيق العقوبة النظامية عليه ، وهناك جهود أخرى تتعلق بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات العلاقة لإقامة برامج التوعية الأمنية للطلاب وحثهم على تجنب مثل هذه التصرفات 0
هذا وقد صدرت مؤخراً موافقة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية على اللائحة الخاصة بتطبيق نقاط المخالفات المرورية والتي جاء من ضمنها :
المخالفة : عرقلة حركة السير أثناء المناسبات الرياضية وغيرها 0
العقوبة : حجز المركبة لمدة أسبوعين والغرامة بحدها الأوسط ، وفي المرة الثانية حجز المركبة لمدة شهر والتوقيف لمدة أسبوع والغرامة بحدها الأعلى 0
* دور الإعلام :
+ مع زيادة وسائل الإعلام وانتشارها وقوة تأثيرها في الفكر الرياضي للشباب تبرز أهمية الدور الملقى على هذه الوسائل 0(3/147)
لكن بعض هذه الوسائل قد تلجأ إلى أسلوب الإثارة الإعلامية غير المنضبطة ، واستخدام عبارات التحدي والاستفزاز في عرض الأخبار الرياضية عن اللاعبين أو الفرق 0
وقد تظهر بعض هذه العبارات في تصريحات بعض منسوبي الأندية الرياضية حتى يخيل للقارئ أن القضية معركة تنتظر طبول الحرب ، لا مباراة تنتظر صافرة الحكم 0
فمن الأساليب المثيرة - على سبيل المثال - : تعليق بعض الإعلاميين بعد فوز أحد الفرق بعبارات : ( القهر ) و ( الموت ) و ( كسر الخشوم ) وغيرها من عبارات الاستفزاز والتحقير التي تلهب عواطف الجماهير وتشحن قلوبهم بالتعصب المقيت 0
وقد تعرض بعض الوسائل صوراً حية لبعض سلوكيات الشباب السيئة في الشوارع ، وهذا وإن كان قد يقع بحسن نية ، إلا أن في مضمونه الإشادة بمثل هذه السلوكيات 0
إن المأمول من كافة رجال الإعلام إدراك المسؤولية الكلمة الملقاة على عواتقهم في توجيه الشباب ، ورفع درجة وعيهم ، وتحليهم بالروح الرياضية ، وترفعهم عن التعصب المذموم 0
ومن أمثلة المعالجة الواعية في هذا الجانب ما نشرته بعض صحفنا اليومية في 21/2/1422هـ من إشادة صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة بانضباط الجماهير وتقيدهم بالأنظمة بعد المباراة النهائية على كأس خادم الحرمين الشريفين 0 وأضاف سموه أن هذا الأمر ساهم في منع الحوادث الأمنية و المرورية 0
* دور الأسرة والمدرسة :
+ وفيما يتعلق بدور الأسرة والمدرسة باعتبارهما أولى المحاضن التربوية التي يتربى فيها الناشئة قال الدكتور / مساعد الحديثي :
(( يقع على الأسرة المسؤولية الكبرى في تنشئة الأطفال على احترام القيم الاجتماعية ومعرفة الحدود التي يجب عدم تجاوزها ، ويأتي دور المدرسة مسانداً ومكملاً لدور الأسرة 0
ولكن للأسف الشديد ، نظراً لانشغال الأبوين أو ضعفهما تخلت الكثير من الأسر عن دورها الاجتماعي المهم ، وبالتالي لم تستطع المدرسة معالجة الخلل الناشئ عن ذلك ، فأصبحت عملية التنشئة يشوبها القصور وبدت آثارها السلبية على سلوكيات الفرد في سن المراهقة 0 ولا بد من إيجاد آليات واضحة ودقيقة لتحمل الأسرة والمدرسة مسؤولياتهما نحو تنشئة الأجيال وبناء أسس للتعاون والتكامل بينهما ، وإعادة الهيبة لشخصية الأب والمعلم من خلال المناهج الدراسية ، ومن خلال الممارسة الفعلية ، ومن خلال القدوة الحسنة )) 0
* من حلول ومقترحات الشباب :
ـ طالب جمع غفير من المشاركين في الاستبيان بتكثيف تواجد رجال الأمن ومنع التجمهر والمسيرات لأنها المناخ الخصب لهذه السلوكيات 0
- كما رأى جمع منهم تطبيق العقوبات الرادعة بحق المخالفين ، وأردفها بعضهم بعبارة ( الضرب بيد من حديد !! )
ويقترح ( ح ع ع 23 طالب ) أن تكون عقوبة المتعدي على الآخرين فورية بالجلد في موقع المخالفة 0
ويرى ( س ل ط 30 سنة موظف ) التشهير بالمعتدي وجلده بعد صلاة الجمعة 0
- اقترح عدد من المشاركين اشتراك هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في توجيه الشباب ومنع حدوث المخالفات اللاأخلاقية في الشوارع 0
- ( ب ص س 18سنة طالب ) : على كافة الرياضيين تجنب التصريحات الساخنة التي تؤدي إلى التعصب والعداء بين الأندية 0
- ( أ ن الحمدان 30 سنة موظف ) : على رب الأسرة توجيه أبنائه وتحذيرهم من هذه السلوكيات وتذكيرهم مراقبة الله تعالى والمحافظة على سمعة أسرتهم 0
- ( س ع ح 20 سنة موظف ) : على الآباء أن لا يسمحوا لبناتهم بالخروج مع السائق والتجول بعد المباريات لكي لا يتعرضن للمضايقات 0
- ( عبدالله الزهراني موظف ) : أقترح وضع نشرات توعوية لبيان خطورة هذه الظاهرة والعقوبات المترتبة عليها 0
- ( ك م م 19 سنة طالب ) : أقترح استخدام لوحات إرشادية في أماكن مرور تجمع الشباب 0
- ( ف أ 19 سنة طالب ) : على الرياضي أن يرضى بالقضاء والقدر عند الهزيمة 0
- ( عبدالله جبران خبراني 20 سنة طالب ) من يقوم بهذه الأعمال ليس رياضياً ولا يصلح أن يكون حتى ربع رياضي 0
- ( أحمد حسن سفياني 21 سنة طالب ) : الفوز بالجنة ورضا الوالدين بعد رضا الله هو الفوز 0
* إجابات ومواقف طريفة :
- لم تسلم أوراق الاستبيان المعدّ لهذا التحقيق من التعصب الرياضي ، حيث شن بعض المشاركين هجوما ً كلامياً وحملة شعواء ضد مشجعي الفريق الآخر وألقى باللائمة عليهم بقوله : اسألوا جمهور نادي 0000 لأنهم 000 وهم الذين يحدثون هذه التصرفات ، أما جمهور نادينا فهو جمهور واع ومثقف !!! ( يا عيني عليك )
ـ طفحت حواشي الأوراق بشعارات الأندية وألقابها وإنجازاتها ، بل وبأرقام فانيلات اللاعبين وألقابهم 0
بعضهم سمى نفسه : ( مجنون نادي 000) ، ووصف آخر فريقه بقوله ( سفير الكرة الأرضية إلى الكواكب الأخرى !!! ) ، وختم آخر إجابته بقوله ( ونصيحتي لكل من يقرأ هذا الاستبيان أن يشجع نادي 00000) 0
ـ على الرغم من تفاعل أغلب المشاركين في التحقيق ، إلا أنه ظهرت اعتراضات شاذة من قبل بعض الشباب الذين اتهموا هذا التحقيق بالتخلف 0 وقال بعضهم : ( أنتم متخلفين !! خلّوا الشباب على راحتهم ) ، بينما طالب آخرون بتخصيص أماكن لهم لممارسة التفحيط !!
- في إجابة صريحة جداً لأحد المفحطين ( أ 0س 20 سنة طالب ) عن سؤال حول مشاهدته أو تعرضه لموقف أو إيذاء ، أجاب بقوله : لم أتعرض لشيء لأني أنا أصلاً أقوم بهذه التصرفات وهم الذين يشاهدونني وليس أنا 0
- أحد المشجعين تعرض شخصياً لعدة مواقف مؤذية فاعتزل التشجيع المحلي نهائياً وقرر الاحتراف خارجياً وبدأ يبحث عن بعض الفرق العربية والأجنبية لأنها على حد قوله : ( لا يحدث بسبب فوزها أي مشاكل هنا ) !!! 0
ـ ( ر ت 24 سنة طالب ) ردّ على سؤال كيف تعبر عن فرحتك بفوز فريقك ؟
فقال : ابتسم مثل ابتسامة لبن 00000
+ ختاماً لا نزعم أننا في هذا التحقيق استوعبنا كافة الجوانب المتعلقة بهذه الظاهرة أسباباً وعلاجاً ، فإنها لا تزال بحاجة إلى تظافر الجهود من كافة المعنيين وذلك بدراستها وتحليلها وإيجاد إجراءات وبرامج منظمة لتحجيم أسبابها والحد من آثارها السلبية 0 على أن هذه الجهود لا بد أن تتبناها كافة الجهات ابتداءً بالبيت والمدرسة والمسجد ومنبر الجمعة والأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام والأندية الرياضية وانتهاءً بالمجتمع بأكمله ، والله ولي التوفيق
===============
خطوات لثبات التائبات من عثرات الشبكة العنكبوتية !!
جمع و إعداد : موقع قافلة الداعيات
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تردد نداء التوبة في قلب فتاة كانت لها في مسيرة الشبكة العنكبوتية عثرات , حتى نادى منادي الحق في داخلها أن قفي قبل أن تكوني حكاية ترويها صفحات الإنترنت !!
واستجابت بحمد الله للنداء ,
فما أجمل صحوة الضمير , و ما أجمل دمعات الندم و التوبة إلى الله , إنها لحظات السعادة لا تشعر بها إلا من أذنبت و خالفت رضا الله عز وجل ,,
و هذه السعادة ستستمر بإذن الله بعد الثبات على الطاعة
و التمسك بوسائل الثبات عليها ,,
و من هنا و إلى كل غالية نجدد النداء و العهد
عبر خطوات ستساعدك بإذن الله للرجوع لدرب النور و الخير ..
غاليتنا في الله :(3/148)
* توبي إلى الله توبة خالصة و علقي قلبك بالله، وأحسني الظن به، واستحضري لطفه ورحمته، وقومي إليه في ساعات السحر، واطلبي منه الصفح عن الزلل، و لتعلمي أن في القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بذكر الله، وفي النفس نزعة للبطالة والكسل لا يقوِّمها إلا الأعمال الجادة المثمرة.
* ابدئي بمراجعة أمور دينك من الأساس، وأهمها الصلاة، قال تعالى: {إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر...}.
* أعمري قلبك بالإيمان، واصرفي طاقاتك في عمل الخير والسعي فيه، فإذا استقام القلب فإنَّ الجوارح ستستقيم بإذن الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا إنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله".
* أقطعي العلاقات المحرمة كلياً ، وفي هذا برهان صادق على توبتك ؛لأنَّ من شروط التوبة الإقلاع عن الذنب، وكذلك فيه تفويت للفرصة على شياطين الإنس ولصوص الأعراض من متابعتك والنيل منك.
* أن حياة المسلم حياة ثمينة، فهي والله أغلى من أن تضيع بهذه المحرمات !
ولو تأمل المسلم والمسلمة أنه يوم القيامة مسؤول عن هذا العمر لجد واجتهد وعمر حياته كلها بطاعة خالقه سبحانه.
ما أضر على المسلم من نعمة الفراغ إذا لم يحسن الاستفادة منها ؛ لأنها في الأصل نعمة، ولكنها ربما تتحول إلى نقمة قاتلة.
واستغلي وقتك بحفظ القرآن والسنة، وقراءة الكتب النافعة وسماع الأشرطة الوعظية ،
و أستغلي وقت الفراغ بتنمية الذات وإتقان المهارات والانضمام للجماعات الطيبة والمواقع الدعوية المتميزة النسائية التي تحثك على فعل الخير.
* أبتعدي عن الإنترنت حتى تثبتي على الحق
*غيري بريدك الإلكتروني و لا تدخلينه أبدا و احذفي برامج المحادثة من جهازك و إياك و الدخول على المواقع السابقة فالشيطان يزين المعصية ,,
* أجعلي جهاز الحاسب في غرفة مفتوحة حتى لا يزين لك الشيطان المعصية مرة أخرى .
* أجعلي خلفية سطح المكتب أو علقي بطاقة كتب عليها عبارات تذكرك برقابة الله .
كمثل ( تذكر أن الله يراك أو لا تجعل الله أهون الناظرين إليك )
وقول الله ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} (108) سورة النساء
وقوله {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (19) سورة غافر
و قوله {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (24) سورة النور
و قوله {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق ,,
* أبحثي و اقترني برفقة صالحة تعينك على الثبات فأول السبل لبعدك عن طريق الهلاك هي الرفقة الطيبة و تأملي قول الله {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف .
* استمعي باستمرار لكتاب الله و المحاضرات و الأناشيد الإسلامية ..
ختاماً
تذكري دائما أن نعمة التوبة نعمة عظيمة و أدركِ رحمة الله بكِ أن أمدك بالعمر لتسلكِ طريق التائبين قبل أن يدرككِ الموت ,,
و أجعلي شعارك في الحياة و كلك يقين بالله { ِإنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (114) سورة هود
و نحن هنا في موقعك قافلة الداعيات أخوات لك و هدفنا تصحيح مسار كل غالية عبر هذه الشبكة العنكبوتية فكوني بالقرب منا مشاركة معنا و حياك الله ..
============
الفضائيات وتأثيرها على مجتمعنا
بحث كامل وتقارير
كم قاد نار العداوة والبغضاء وأصلّ لكره مفتعل يين الرجل والمرأة
وبين الزوج وزوجته
وبين الأب وأبنائه !
فقيل للابن أنت حر
وقيل للبنت تمردي على القيود أنت ملكة نفسك !
فالحجاب قيدُ أغلال والزواج ظلم وتعد وتسلط وتجبر
وإنجاب الأبناء عمل غير مجد !
أما طاعة الوالدين فعبث
والمحبة للزوج ذلة وضعف ، وخدمته جبروت وقسوة !
هذه هي فتنة الإعلام المنحرف الذي استخدم أدوات متعددة لتغيير عقائد ومفاهيم كثير من الناس
لا حول ولا قوة إلا بالله ..
قلبت الحقائق لدرجة يصعب على الشخص تصديق سرعة التحول لدى الناس ..
اخوتي .. أخواتي الكرام :
الموضوع في هذا يطول وربما لا نوفي حقه في ذلك فهو في بالغ الأهمية وخطير جدا
وحتى لا نطيل عليكم دعونا نقلب الصفحات مع هذا البحث الذي يشمل عدة أقوال وإحصائيات
وأمثلة يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان وغير ذلك الكثير ..
وربما ذلك يفوق عن ألف كلمة نتفوه فيها ونطلقها أمام الناس أجمع
وأتمنى أن ينال إعجابكم ويتحقق الفائدة منه
ذلك البحث الذي يكشف عن نوايا وخفايا الفضائيات وما وراء ها
وأتمنى أن ينال إعجاب الجميع ويتحقق الفائدة منه :
( نحن نخوض حرباً في الأفكار بالقدر نفسه الذي نخوض فيه الحرب على الإرهاب ، لذلك وجهة نظري ترى أن تخفيف الملابس عبر الإعلام هو أفضل وسيلة للاختراق )
هذا ما تفوّه به أعداء الاسلام الذين لا يزالون يكيدون المؤامرة تلو الأخرى .. حتى يقوموا بإفساد المسلمين وضعفهم وكسر معنوياتهم
وإنهم فشلوا في حرب السلاح وقد صرح بهذا الكثير من رؤسائهم من أعداء الاسلام واستنتجوا أن زرع الفتن ومحاربة العقول أهون بكثير من حرب السلاح والدبابات بل و أسرع نتائجا ..
فالفضائيات أصبحت مشاهد يندى لها الجبين وأحداث قد نفرت منها الأخلاق : تشرذم عائلي هنا ، وخيانة ، فجريمة هناك ، حب مخز ، وتبرج فاحش مثير .. يفسد المرأة والرجل كلاهما ..
استهدفها أعداء الاسلام حيث فشل الأعداء في حرب المواجهة عبر تاريخ الإسلام الطويل ، فكان لابد من إشاعة الفتنة في المجتمع
ولما كانت المرأة هي أخطر وسائل الدمار على الرجال وعلى الأمة جمعاء ، فقد جندها العدو لتكون سلاحاً فتاكاً حتى قال قائلهم
( إنه لا أحد أقدر على جر المجتمع إلى الدمار من المرأة فجندوها لهذه المهمة )
فهي العنصر الضعيف العاطفي ، ذو الفعالية الكبيرة ، والتأثير المباشر في هذا المجال
يقول كبير من كبراء الماسونية الفجرة
( يجب علينا أن نكسب المرأة ، فأي يوم مدت إلينا يدها فزنا بالحرام ، وتبدد جيش المنتصرين للدين )
ويقول أحد أقطاب المستعمرين
( كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع ، فأغرقوها في حب المادة والشهوات )
1 ـ عكاظ تواصل حث الفتيات على التمرد
واصلت جريدة عكاظ الصادرة من جدة حملتها التي تشنها على الأسرة باستثارة الفتيات للتمرد على والديهم ففي عددها 13458 نشرت عكاظ وللمرة الثالثة تحقيقا صحفيا عنونت له بـ :
( الحوار مفقود .. والسلطة بيد الأب )
بنات " مغلوبات " على أمرهن
فما سر هذا الطرح ولماذا عكاظ تشن هذه الحملة على الأسرة وتريد تمزيقها ، وتستثير المراهقات ليتمردن على أسرهن ...
وإننا ومن هذا المنبر لنحذر الجميع من مغبة السكوت عن مثل هذه الأطروحات التي يراد منها تمزيق المجتمع وتفكيك كياناته الأسرية ، وندعو جميع الفضلاء للاحتساب على الجريدة بكل وسيلة ليرتدعوا عن نشر مثل هذه التحقيقات التي تحرض على التمرد على الوالدين في ظل غزو فكري وقنوات إباحية تيسر سبل الفساد وتهيئ له ،
وهذه هي روابط التحقيقات السابقة التي أجرتها الصحيفة في نفس الموضوع :(3/149)
بنات يكرهن الأمهات !! ما سر هذا الطرح ؟؟ -------
تسلط الآباء يفقدهن الشخصية..؟؟ ---------
2 ـ تونس.. الفضائيات البديل الأمثل للدعاة
إسلام أون لاين.نت/ يؤكد المتابعون والمهتمون بالشأن الاجتماعي والثقافي في تونس وجود صحوة دينية كبيرة لدى شرائح اجتماعية واسعة داخل المجتمع التونسي ، تتجلى بصورة خاصة في إقبال التونسيات على ارتداء الحجاب ، كما يلحظون أن وجود القنوات الفضائية الإسلامية قد مثل بديلا جيدا للمعرفة الدينية بالنسبة للمتدينين في هذا البلد الذي يتعرض فيه التيار المتدين لقمع شديد ويكاد يغيب فيه دور الدعاة.
وقالت الباحثة الجامعية التونسية سنية المنصوري في تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت" اليوم الخميس 31-7-2003 : إن وجود قنوات فضائية إسلامية أمثال اقرأ والمجد وغيرهما من الفضائيات، قد مثل مصدرا بديلا للمعرفة الإسلامية وللفتوى الدينية، خصوصا لدى الفتيات والنساء، في ظل غياب الدعاة والوعاظ الدينيين عن المساجد والبرامج الإذاعية والتلفزيونية المحلية ( بسبب التضييق الأمني من جانب السلطات التونسية )، كما أن الدعاة الدينيين من أمثال عمرو خالد وحبيب علي الجفري قد تحولوا إلى شخصيات مؤثرة في أوساط اجتماعية كبيرة بتونس.
وعن الأثر الكبير الذي تتركه الفضائيات على المتدينات التونسيات تضيف الباحثة التونسية :
إن المتأمل في شكل حجاب التونسيات اليوم، يشهد بلا شك اختلاف مظهره وطريقة وضعه، قياسا بالحجاب في الثمانينيات، كما سيلاحظ التأثر الكبير للمحجبات التونسيات اليوم بمقدمات البرامج الدينية والثقافية فيما يسمى بالقنوات الفضائية الإسلامية، على مستوى شكل اللباس وطريقة ارتدائه والزينة المصاحبة له. الإقبال على الحجاب ويرى الباحثون أن هناك إقبالا متزايدا من قبل فئات الشباب على المساجد، ومن النساء والفتيات -خصوصا في المدن الكبرى- على ارتداء الحجاب، على الرغم من وجود نص قانوني صريح مانع له. إلا أنهم أشاروا إلى أن الصحوة الدينية الحالية التي يشهدها المجتمع التونسي تختلف في طبيعتها اختلافا جوهريا عن تلك التي عرفتها تونس خلال عقد الثمانينيات .
فبالقدر الذي ارتبطت فيه الأخيرة ببروز الحركة الإسلامية على الساحة السياسية، ترتبط الصحوة الحالية بتوجه اجتماعي وأخلاقي محض، يقوم على وعي المتدينين بأهمية النأي بالتزامهم الديني عن أي صراع سياسي أو حزبي.
وتقول الباحثة سنية المنصوري: إن رغبة شرائح اجتماعية واسعة داخل المجتمع التونسي في العودة بقوة إلى القيم الدينية الإسلامية، والالتزام بأداء فرائض العبادات، يرجع بالأساس إلى عدة عوامل، من أهمها المتغيرات الهامة ا لتي جاءت بها الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية التي شهدتها البلاد خلال سنوات التسعينيات، والتي كان من نتائجها توسيع الهوة بين طبقات المجتمع التونسي من جهة، وإلحاق أضرار سلبية جسيمة بالمنظومة الأخلاقية والقيم السائدة في المجتمع من جهة ثانية .
وتضيف سنية المنصوري أن هذه المتغيرات قد أشعرت التونسيين، خصوصا من أبناء الطبقات الوسطى والفقيرة بالضعف، كما أحدثت اهتزازات وشروخا عميقة في الروابط الأسرية والعائلية التي تلعب دورا فعالا وحيويا على مستوى العلاقات القائمة داخل المجتمع التونسي، باعتباره في نهاية الأمر مجتمعا عربيا مسلما سيظل متشبثا بمرجعيته الثقافية والحضارية مهما اتجهت المشاريع السياسية والاقتصادية في اتجاه التحديث والتغريب. محاولة تفسير الظاهرة وحول المقومات الرئيسية التي تقوم عليها ظاهرة العودة الكبيرة إلى التدين في المجتمع التونسي خلال السنوات الثلاثة الأخيرة،
ترى الباحثة الجامعية التونسية أن ذلك يقوم بالأساس على رغبة التونسيين العاديين في التوفيق بين معطيين أساسيين : أولهما إيمان عميق بأهمية القيم الدينية الإسلامية في الحفاظ على تماسك المجتمع ومواجهة الظواهر السلبية المستجدة عليه. وثانيهما تجنب أ ي فعل قد يقحم هذا التدين في دائرة الجدل أو الصراع السياسي، خصوصا مع وجود إدراك بأن هناك بعض الفئات في الوسطين السياسي والثقافي لا تزال تؤكد على عدم إمكانية الفصل بين التدين من جهة والصراع السياسي من جهة أخرى.
فالمتدينون يعتبرون في نظر هذه الفئات أنصارا محتملين للتيارات والحركات الإسلامية.
وتضيف المنصوري أن الصراع الذي شهدته تونس خلال عقد التسعينيات، بين النظام والحركة الإسلامية، قد أضر في حينها بوضع الالتزام الديني لدى التونسيين عامة، على الرغم من أن عددا كبيرا من أبناء المجتمع التونسي كانوا ملتزمين من الناحية الدينية، لكنهم لم يكونوا أعضاء في حركة أو جماعة إسلامية .
وكان تقرير الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان السنوي عن عام 2002 قد تحدث عن الحملات الأمنية والإدارية ضد المحجبات التونسيات، وجاء فيه أن العديد من المحجبات تعرضن إلى المضايقات في الشوارع أو أماكن العمل، وتم تجريد العديد منهن من الحجاب عنوة في بعض مراكز الأمن بالعاصمة، وإجبارهن على التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى ارتداء الحجاب .
كما أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كانت قد ذكرت في 28-5-2003 أن عددًا من طالبات التعليم الثان وي مُنعن من اجتياز امتحانات نهاية العام بسبب ارتدائهن للحجاب. يذكر أنه في عام 1981 أصدرت السلطات التونسية قانونا يعتبر الحجاب زيا طائفيا. ومنذ ذلك الحين والحكومة تلتزم بهذا القانون ، إلا أنه تم التشديد على منع المحجبات من دخول الجامعات والإدارات الحكومية منذ مطلع العقد الماضي، وهو ما أثار انتقادات واسعة في الداخل والخارج، خصوصا من جانب المنظمات الحقوقية التي ترى في منع الحجاب والتضييق على المحجبات تدخلا في الحرية الشخصية للمواطنين
موقع المختصر
3 ـ منع ظهور الداعية عمرو خالد على اقرأ وLBC بأمر أمريكي
الوطن س / علمت "الوطن" من مصادر مسؤولة داخل راديو وشبكة تلفزيون العرب أن الداعية الإسلامي عمرو خالد تم منعه من الظهور على الفضائيات العربية بضغوط مورست على مسؤولي قناة " اقرأ " الشقيقة لقنوات art, إلى جانب ضغوط أخرى مورست على المؤسسة اللبنانية للإرسال "إل بي سي" لمنع بث حلقاته .
وأوضحت المصادر أن هناك عناصر أجنبية وراء القرار بعدما أذاعت "اقرأ" حلقات عمرو خالد أثناء الحرب الأمريكية على العراق والتي أكد فيها الدور المطلوب تجاه الأمريكيين وفضح ممارساتهم. يذكر أن الداعية عمرو خالد أثار جدلا واسعا في الأوساط الاجتماعية والدينية نظرا لما يعتبره المراقبون بأنه يمثل مدرسة دعوية جديدة مؤثرة في شريحة الشباب العربي .
وقبل المنع كان عمرو خالد يقدم برنامج "حتى يغيروا ما بأنفسهم" الذي يتحدث عن أمهات المؤمنين وصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام, إلى جانب برنامج "ونلقى الأحبة".
لنشرة الإخبارية من موقع المختصر
29 ربيع الأول 1424 هـ
4 ـ فأغلب البالغين يشاهدون التلفاز بغرض الترفيه والتسلية . أما الأطفال أنهم يجدون التلفاز مسليا فإنهم يشاهدونه لأنهم يسعون إلى فهم العالم ..
5 ـ سلاح دمار شامل جديد !
( نحن نخوض حرباً في الأفكار بالقدر نفسه الذي نخوض فيه الحرب على الإرهاب ، لذلك وجهة نظري ترى أن تخفيف الملابس عبر الإعلام هو أفضل وسيلة للاختراق )
توكر أسكيو / مدير مكتب البيت الأبيض للاتصالات
تعليقاً على مشروع قناة تلفازية لجذب الشباب العرب إلى أمريكا
6 ـ الثقافة الهابطة من الفضاء(3/150)
يقول الكاتب عائض البدراني من المدينة المنورة في احدى المجلات الاسلامية ( مجلة الأسرة ) :
قصيدة كتبتها عندما رأيت من شرفة منزلي أحد هذه الأطباق اللاقطة فوق احدى البنايات ، فسرحت بخاطري أتفكر في حال أصحابها ، وثارت خواطري ، فقلت :
شبابُنا ضاع بين الدشُّ والقدمِ *** وهام شوقاً فمالَ القلبُ للنغمِ
يقضي لياليه في لهوٍ وفي سهرِ *** فلا يفيق ولا يصحو ولم ينمِ
يقلّب الطرفَ حتى كل من نظرٍ *** إلى قناة تبثُّ السم في الدسمِ
فقلّد الغرب حتى فاقهم سفهاً *** وضاق بالدين والأخلاق والقيمِ
أرى سموماً أتت من ( سات ) يرسلها *** إلى شبابٍ هوى في حالك الظلمِ
أرى شباكاً من الأشرار قد نصبت *** فما تصيد سوى الغربان والرخمِ
***
كفى صدوداً عن الإسلام ويحكمُ *** فالعمرُ فانٍ وحانت ساعة الندم
أعمالكم يا عباد الله قد كُتبت **** ملائك الله خطّت ذاك بالقلمِ
عودوا إلى الله شدُّوا العزم واتحدو *** اوحطموا الكفر بالأقدام والهممِ
دعوا الحداثة والتغريب واتبعوا *** نهجاً قويماً يُضيء الدرب للأممِ
هذا كتابٌ من الرحمن أنزله *** على البرية من عرب ومن عجم
قد ضلَّ من يبتغي في غيره شرفاً *** وبات يغرق في مستنقع وخمِ
وهذه سنة المختار بينكمُ *** من مال عنها ورب البيت ينهزمِ
7 ـ مليونان وثمانمئة ألف مرة تضاعف عدد مرضى الإيدز خلال عشرين عاما !
فقد بدأ مرض نقص المناعة المكتسبة بخمسة عشر مريضا ثم انفجر الرقم ليصل إلى ما يزيد على 42 مليون مصاب يتوزعون في شتى بقاع الأرض ، ومنذ ظهوره حتى اليوم قتل المرض المرعب عشرين مليون إنسان ، منهم حوالي ثلاثة ملايين هذا العام ، وما زال مستمرا .
إنه باختصار مرض ( يتكلم ) بالملايين ! فيما البشرية تواجهه باستهتار وتناقض ، فوسائل الإعلام التي تحذر من المرض وتتبنى الحملات الداعية إلى وقفه ، هي نفسها – إلا من رحم ربي – التي تقوم بتجهيز ( المواد الأولية ) اللازمة لا نتشاره عبر آلاف المواد المحرضة على الرذائل ، وهي التي تقوم بتغليف هذه المواد بأغلفة فاقعة الألوان كالسياحة والفنون ومسابقات الجمال وإطلاق الحريات المبيحة للشذوذ وتعاطي المخدرات ، وقبل ذلك وبعده يبرز التجاهل التام لتقاليد الحشمة والعفاف واعتبارها من مخلفات العصور الماضية .
** الأرقام مفاجئة .. الشرق الأوسط تتفوق على الولايات المتحدة
الأرقام مفاجئة لكنها لن تبدو كذلك !! إذا أخذنا في الاعتبار ظروف (( الانفتاح )) بكافة أشكاله .. الخ
المسلمون عامة والعرب خاصة ليسوا بمنأى عن ( طاعون العصر ) وأسبابه ونتائجه المدمرة ، وإذا صدقنا ما ورد في تقرير الأمم المتحدة عن الإيدز فإن منطقة ما يسمى : الشرق الأوسط – والتي تضم العرب- تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية في عدد الإصابات التي اكتشفت خلال العالم الحال !
فقد ظهرت في الشرق الأوسط 83 ألف حالة جديدة مقابل 45 ألف حالة في أمريكا و30 ألف حالة في أوربا الغربية .
وبعد : فتشوا عن نقص المناعة الإعلامي ، فلربما نتجنب الكثير من نقص المناعة المكتسبة إذا أفلحنا في مكافحة ما يعتري إعلام اليوم من ( فيروسات ) .
مجلة بث العدد السابع
محرم 1424 هـ
8 ـ مقابلة مع الخبير الإعلامي في هيئة الإذاعة والتلفزيون
الوالد الجديد للأبناء :
قال د. أحمد أن حجم التأثير الإعلامي كبير جداً وقد تم قياسه في دراسات عدة لعل أهمها الدراسة التي وضعتها جامعة أوهايو حول الانتخابات الأمريكية أو تلك التي بدت خلال حملة الرئيس كلينتون اجتماعياً ، وجدت دراسات عديدة أن التلفزيون أصبح الوالد الجديد للأبناء
ولعل السؤال الذي أجابت عليه إحدى الأطفال الروسيات وهو : مم تتكون أسرتك ؟
قالت من بابا وماما وجدتي والتلفزيون .. خير دليل على تأثير التلفزيون .
مقابلة مع الخبير الإعلامي في هيئة الإذاعة والتلفزيون والمدرس المنتدب بقسم الإعلام في جامعة قطر
الشقائق في عددها الـ35 توجهت بسؤال إلى الدكتور أحمد عبد الملك – الخبير الإعلامي في هيئة الإذاعة والتلفزيون والمدرس المنتدب بقسم الإعلام في جامعة قطر – عن أسباب ضعف دور الأسرة التربوي في عصر الاتصال والانفتاح الثقافي ؟
يقول الدكتور أحمد عبد الملك : لقد تبدل مفهوم الإشراف الأسري على الأبناء وتحديد هذا المفهوم بثقافة التنشئة وتكبير الأبناء دون النظر إلى مدلول التربية أو اتجاهات التنشئة وانعكاسات ذلك على كثير من المعايير القيمية التي يقوم عليها بناء المجتمع الإسلامي العربي .
ويشدد قائلاً : لم تعد الأسرة الحاضن الوحيد والمناسب للنشء فلقد وفرت لنا مخرجات الثورة التكنولوجية أنماطاً من وسائل الترفيه واللهو مما جعل دور الأسرة هامشياً .. ولا أدل على ذلك أن ما يقضيه الشاب أو الشابة مع التلفزيون أو الإنترنت أكثر مما يقضيه من وقت مع والديه أو حتى في المدرسة .
ولقد دلت دراسات على أن الطالب في المرحلة الابتدائية يكون قد قضى من 700 – 800 ساعة في المدرسة في العام
بينما يقضي أكثر من 1000 ساعة مع التلفزيون سنوياً !!
****
أما من ناحية التحول إلى الأسرة الصغيرة – فلدي مفهوم آخر هو التحول إلى ( الفرد الرقمي ) وهذا يفترض تحول الإنسان من الصياغات العاطفية والإنسانية إلى شخص آلي مولع بـ ( الأزرار ) والأرقام ناهيك عن الانفصال العاطفي .... فلقد دلت دراسات أمريكية منذ أواخر السبعينات ( أن التلفزيون يجمع العائلة فيزيائيا ويفرقها عاطفياً ) لذلك قد لا نستغرب أن نشاهد فتاة في العشرين لا تأكل مع أهلها وتذهب الخادمة بالطعام إلى غرفتها وقد يمر يومان أو ثلاثة دون أن تجلس مع والديها .. إن التفكك الأسري الذي نعيشه هو ضريبة الحياة الاستهلاكية التي تم استيرادها من الغرب .. دون محاولة إيجاد توازن بين مخرجات التكنولوجيا وحاجيات المجتمع العربي ..
وهذا التفكك نتج عنه مفاهيم جديدة كغياب احترام الوالدين .. وغياب الشباب في رحلات خارجية ( غير بريئة أحياناً ) ...... الخ
9 ـ لعبة
( مقولة اختطاف المتطرفين للإسلام تعبر عن فكرة فاسدة ومصطنعة ، وهي لعبة مارسها الإعلام لكي يعطي انطباعاً مزيفاً بأن المتطرفين هم أصحاب الصوت المعلى في الساحة الإسلامية . في حين أنهم كذلك فقط في منابر الإعلام الباحث عن الإثارة أو المنحاز والمتصيد .
وما يبرزه الإعلام ليس هو الحقيقة ، إنما هو تشويه للحقيقة وابتكارها ، يسلط الضوء على شجرة بذاتها ويعرض عن رؤية الغابة المسكونة بالتسامح والاعتدال ) فهمي هويدي
معركتنا القادمة
( في البداية وفي النهاية معركتنا مع الغرب والعالم معركة إعلام .. إعلام .. إعلام خارجي
هذه العبارة يجب تأكيدها ثلاث مرات : إعلام .. إعلام .. إعلام خارجي .
لا الدبابات ولا الطائرات لولا أي أنواع الأسلحة تفيد ، بل إننا لن نستعمل هذه الأسلحة مطلقاً . ما يفيد هو الإعلام الموجه للعالم الخارجي .
وكنت دائماً أقول إنه بثمن طائرة واحدة تستطيع أن تغير وجهة نظر العالم فيك . وتحديداً .... نريد إعلاماً موجهاً للشعب الأمريكي ، كلمة " موجه " ضرورية ، لأن السؤال هو لمن توجه كلمتك وماذا تريد أن تقول فيها ؟! )
المخرج السينمائي مصطفى العقاد
- جمال المرأة في وسائل الإعلام
....... لا أزال أتذكر – وأتعجب – حالة من الاستغلال البشع بل والإجرامي عند يعض تجار المستحضرات ، فقد قامت شركة أمريكية بعرض برنامج دعائي طويل بثته في قنوات تلفزيونية عديدة ، استضافت فيه من ادعت أنها خبيرة في تجميل الشعر من أصل أفريقي .(3/151)
وكان المراد من ذلك هو إقناع النساء السمراوات بأنه يمكنهن اتباع تجربة هذه الخبيرة التي تنحدر من العرق نفسه بأنه يمكنهن فرد شعورهن ليحصلن على الجمال الذي يردنه بمجرد استخدام ذلك المستحضر الذي كانت الخبيرة تنصحهن باستعماله .
كما استضاف البرنامج عدداً من السمراوات ذوات الشعر المجعد اللواتي يزعمن أنهن جربن ذلك المستحضر وحصلن على نتائج ممتازة .
وبعد أن باعت الشركة كميات كبيرة من ذلك المستحضر ، تبين أنه يتسبب في سقوط الشعر .
حاول بعض من فقدن شعورهن الاتصال بالشركة لمعرفة السبب لعلاج هذه المشكلة ، فلم يتلقين أي مساعدة .
بعد ذلك ، قامت الشركة بقطع خطوطها الهاتفية بعد أن خشيت من كثرة المتصلات المشتكيات .
....... الخ د. محمد الشريم
مجلة الأسرة العدد 104
ذو القعدة 1422 هـ
10 ـ المضللون
يحتاج التعامل مع وسائل الإعلام إلى فطنة وحذر كبيرين ، ولا نستثني .. من ذلك صحفاً ومجلات وإذاعات وقنوات تلفزيونية تتحدث بالعربية وتتغنى ليل نهار بأمجاد الأمة وتقسم أنها تمثل ضمير هذه الأمة النابض وعقلها المفكر ، لكنها تعمل – من حيث وعت أم لم تعِ – على تخدير الأمة وطمس هويتها .
دع عنك جانباً حملات التسفيه والتسطيح وتلميع النجوم الزائفة وتقديمها قدوات للأجيال ، فذلك أمر يسهل كشفه ، فالأخطر من ذلك تعمية الحقائق وتسميتها بغير – أو بعكس – اسمها ، ومع التكرار والاستمرار تغيب الحقيقة وتفسح مكانها لعكسها
القائمة طويلة ويصعب حصرها لكن هذه عينة منها :
المنطقة العربية الإسلامية تسمى ( الشرق الأوسط ) وهو مصطلح مضلل موغل في العنصرية ، فهو يتخذ من أوروبا والغرب مقياساً نصبح نحن شرقاً أوسط لهم واليابان شرقاً أقصى ، ولا معنى للمصطلح إلا إنساء الناس أن المنطقة إسلامية وتبرير إدخال إسرائيل إليها طالما أصبحنا مجرد رقعة جغرافية بلا هوية تميزها ، وقس على ذلك كثيراً ،
فتركستان ( الشرقية والغربية ) تسمى وسط آسيا ولا يشار إلى إسلاميتها ، حتى أسماء المدن الإسلامية تدفن وتستبدل بها أسماء أجنبية يرددها الإعلام العربي كالببغاء ،
فأباظيا تصبح أبخازياً
والدار البيضاء تصبح كازابلانكا
و" خوجة علي " تصبح كوجالي وهكذا .
الأدهى من ذلك تلك المصطلحات التي تستهدف تدجين الأمة ومحو ذاكرتها ،
ففلسطين المحتلة أصبحت بالكاد ( الضفة وغزة )
والعدو الإسرائيلي أصبح ( إسرائيل )
والأراضي المحتلة غدت ( أراضي متنازعاً عليها )
والمتمسكون بالإسلام غدو ( أصوليين ) أو ( إرهابيين ) حسب الموقف منهم .
قد يستساغ أن ينحو الإعلام الغربي هذا المنحى فذلك ديدنهم وتلك طبيعتهم لكن أن يحذو حذوهم نفر من بني جلدتنا فذلك من قواصم الظهر .
خذ مثلاً ما يحدث حالياً لمسلمي كوسوفا الذين يصفهم الإعلام الغربي وتابعوه من العرب بالانفصاليين الألبان ، فهم انفصاليون يستحقون ما يفعله الغرب بهم ، وهم ألبان لا دخل لنا بهم وفوق هذا وذاك فهُم " أقلية " لا يحق لهم الاستقلال رغم أنهم يشكلون 90 % من سكان الإقليم ، هكذا قال الإعلام الغربي وما علينا إلا أن نسلم .
أرأيتم تحريفاً للكلم عن مواضعه أكثر من هذا ؟!
مجلة الأسرة العدد 63
جمادى الآخرة 1419 هـ
11 ـ 98 % من الأبناء يتابعون الفيديو كليب بشغف !!
أبناؤنا مولعون به .. وفضائياتنا تتنافس في عرضه
بقدم الفن الجديد المسمى " الفيديو كليب " لأبنائنا وخاصة الشباب منهم كل يوم جديداً وعصرياً ، ولكنه في معظمه يقدم لهم على أطباق مذهبة ومزخرفة بنقوش من الزيف والتزوير ، يقدم لهم الأفكار التافهة والمعاني الرخيصة ، وما نقوشه ولا زخارفه إلا تعرٍ وكشف للمفاتن ، ومحاصرة جريئة لأخلاق الأسر وعاداتها ودينها ...
أكد استبيان أجرته " مجلة ولدي " أن 98 % من الأبناء يتابعون " الفيديو كليب " بشغف !
أكد استبيان أجرته ولدي على 57 من آباء والأمهات و65 من الأبناء في كل من ( الكويت والسعودية والإمارات ) أن :
1 ـ الأبناء من سن 3 أعوام إلى 18 عام يشاهدون " الفيديو كليب "
2 ـ 92.3 % من الأبناء يتابعون باستمرار " الفيديو كليب "
3 ـ 7.7 % فقط من العينة هي من لا تحرص على متابعتها من الأبناء
4 ـ 39 % من الأبناء تعجبهم كلمات الأغنية و 31 % يشاهدونها لجمال المغني / المغنية والراقص والراقصة
و 26 % منهم يجذبهم إخراج الأغنية وعلاقة المرأة بالرجل فيها و25 % يتابعها لما تحتويه من إثارة وتشويق .
***
تقول " أم ضاري " ابنتي الصغرى عمرها 7 سنوات وتحب هذه الأغاني جداً ، حتى إنني وجدتها يوماً ترتدي ملابسها القديمة ، فارتدت بنطلولاً قصيراً وبلوزة قصيرة ، وعندما ضحكت عليها قالت : " ألا ترين فتيات " الفيديو كليب " ماذا يلبسن ؟
وطلبت منها أن تستبدلهم ، ولكنها رفضت حتى جاء والدها فذهبت مسرعة خائفة منه !
ويؤكد الدكتور عماد الدين عثمان المستشار الإعلامي بوزارة الأوقاف أن الهدف من الابتذال هو سلخ الهوية الإسلامية
ويضيف د. عماد الدين ( إن إدمان بعض الأبناء على مشاهدة الأغاني والتفاعل معها هو تعبير عن حاجات داخلية لم يتم إشباعها ، وهذا تقصير يقع على العديد من المؤسسات التي تساهم في صياغة وتشكيل فكر الأبناء ، بدءاً من المنزل وانتهاء بالمدرسة ومروراً بمحطات تربية وتنشئة كثيرة تقع بين هاتين المؤسستين ، يتقدمها جميعاً الإعلام بمختلف وسائله ورسائله ) .
الفتيات في كتالوجات
يقوم المخرجين باختيار ممثليهم من الذكور والإناث في كتالوجات والتي تشرف عليها شركات متخصصة تدعي ( موديلز ) ليختار المخرج ما يناسبه كما يختار أي شخص سلعة ما .
مجلة ولدي العدد الرابع والعشرون
شعبان 1421 هـ
12 ـ اللهم سلَّم
من أعظم الفتن في هذا الزمن فتنة الإعلام المنحرف الذي استخدم أدوات متعددة لتغيير عقائد ومفاهيم كثير من الناس .
فالشاشة لها نصيب الأسد
والمجلات والصحف لها تأثير بالغ
والقصص والروايات نخرت في الأمة بحسن السبك وقوة العاطفة
أما الإذاعة والسينما والمسرح وغيرها فلها رواد كُثر
قلبت الحقائق لدرجة يصعب على الشخص تصديق سرعة التحول لدى الناس .. إلى سنوات قريبة بدأ الغزو المكثف لإزالة حاجز التقاء الرجل مع المرأة لقاءً محرماً .. فزين الأمر بأنها علاقة شريفة وصداقة حميمة وحب صادق ! وإذا وقع المحظور فهو نتيجة طبيعية للمشاعر الفياضة بين الطرفين .
ولم تسمع بكلمة الزنا والزاني والزانية في وسائل الإعلام البتة ! بل زين الأمر حتى للمرأة البغي التي تعرض نفسها على الرجال الأجانب فسميت بائعة الهوى وصاحبة الحب المتدفق !
وغرست أمور في قلوب الناشئة أصبحت اليوم من المُسلمات ! وهي في قلوب الكبار بين موافقة ورفض وكل نفس بما كسبت رهينة !
صرف الشاب عن الطاعة والدعوة والجهاد إلى ملاعب الكرة ومشاهدة الأفلام والمسلسلات والتشبه بالكفار !
وصرفت الفتاة إلى الأزياء والحلي والعري والخلاعة ..
والمجال خصب والمرتع وخيم فهناك شهوات تؤجج ونيران تتقد بحثاً عن الحرام ! ومع هذا الانصراف نجد الموافقة في الغالب من المربين آباء وأمهات ! ولهذا انتشرت العلاقات المحرمة وهدرت الطاقات وضيعت الأوقات !
لم يكتف الإعلام بهذا بل سارع إلى إيقاد نار العداوة والبغضاء وأصلّ لكره مفتعل يين الرجل والمرأة ، وبين الزوج وزوجته ، وبين الأب وأبنائه !
فقيل للابن أنت حر ، وقيل للبنت تمردي على القيود أنت ملكة نفسك !
ورغبة في الإلهاء وإرضاء الغرور والتغرير بدأت العبارات الرنانة تتكرر كل يوم : أنتِ جميلة وفاتنة وراقية وصاحبة ذوق !(3/152)
وأصبح الحديث كله عن الحب المزعوم في حلة ملطخة بالعهر ولذنوب .
واستمر التحريض ليصل العداوة على الوالدين والزوج والأخ حتى وصل إلى ذروة الأمر فحرضت المرأة على الشريعة !
فالحجاب قيدُ أغلال والزواج ظلم وتعد وتسلط وتجبر
وإنجاب الأبناء عمل غير مجد !
أما طاعة الوالدين فعبث
والمحبة للزوج ذلة وضعف ، وخدمته جبروت وقسوة !
في سنوات قليلة صدق بعض النساء الأمر فتمردن على الزوج وحددن النسل بطفل أو اثنين !
وتفلتت المرأة في طريق مظلم ليس فيه إلا عواء الذئاب والهاوية تقترب !
وتكبرت الزوجة على أم الزوج حتى جعلتها شبحاً مخيفاً وبعبعاً قادماً !
أما المطلقة فهي في نظرهم صاحبة جريمة لا تغتفر إذ هي مطلقة !
وإن كان هذا هو واقع الإعلام بشكل عام فما حالنا معه ! من الطوام ما نراه من القبول ومن الهوام أن يتأصل الأمر ويُسلم به ! ولو تفقد القارئ ذلك في نفسه وبيته ومجتمعه لوجد الأمر أكبر مما ذكرت وإن سمع أو رأى أحدكم أن عملاً إعلامياً أظهر الحقيقة في ذلك فليفتخر به !
أرأيتم لو أن مقدماً رأى رجلاً وامرأة في مسلسل أو في عمل أدبي وختمه بكلام مؤصل وحقيقة ناصعة وقال : هذا طريق الزنا والعياذ بالله ! كيف يكون الحال .
لكنها إشارات لسيل علا زبده وظهر أثره في سنوات قلائل فاللهم سلم .
عبد الملك القاسم
مجلة الأسرة العدد 102
13 ـ 69 % من الجمهور العربي
يشاهدون الفضائيات لمدة أربع ساعات يومياً
ذكرت مجلة بيان العدد 189 :
( ازدحم الفضاء العربي في وقت قصير نسبياً بنحو 140 قناة فضائية
وتزايدت نسب مشاهدة الجمهور لهذه الفضائيات
وتفيد إحدى الدراسات العلمية الحديثة أن نسبة 69 % من الجمهور العربي يشاهدون الفضائيات لمدة أربع ساعات يومياً
وأن 31 % منهم يشاهدونها لمدة ثلاث ساعات يومياً
و 34.5 % لمدة ساعتين
و15 % لمدة ساعة واحدة يومياً
على حين بلغت نسبة نمو مقتني أطباق البث 12 % سنوياً
و 40 % من هذه الفضائيات تتبع الحكومات العربية
والبقية تعتبر مستقلة ظاهرياً فقط ، وعلاوة على ذلك فهي تعبر بصورة أو أخرى عن ثوابت النظام الذي ينتمي إليه أصحابها
وتمثل البرامج الإخبارية في هذه الفضائيات حوالي 5 % فقط .
14 ـ الفضائيات أزهدت الأزواج في زوجاتهم !!
التقت الأسرة بالدكتور إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الله الغصن رئيس لجنة " إصلاح ذات البين " في بريدة
وجاء من ضمن هذا اللقاء .. وجه إليه هذا السؤال :
• ما هي أسباب المشاكل الأجتماعية والأسرية في نظركم ؟
فأجاب : إن الثورة الإعلامية المعاصرة من أهم أسباب المشاكل الاجتماعية التي انعكست سلبياتها على جميع جوانب الحياة الاجتماعية ومنها العلاقة الزوجية ، وخاصة بعض القنوات الفضائية التي سرقت كثيراً من الأزواج من زوجاتهم بل ومن بيوتهم ، وغيّرت أمزجتهم وتطلعاتهم ، فبعد أن كان الزوج مقتنعا بزوجته حيث لا يرى إلا هي أصبح في كل يوم يرى ملكات جمال العالم مما يزهده بزوجته .
بل إن هناك قنوات فضائية تعرض بعض الحركات الجنسية التي لا تستطيع المرأة أن توفر مثلها لزوجها ، حتى أن كثيراً من الزوجات ولو كانت على جانب كبير من الجمال تشعر بأن هذه القنوات الفضائية هي أساس المشاكل الزوجية ، وسبب عزوف الأزواج عن البقاء في بيوتهم .
مجلة الأسرة العدد 112
رجب 1423 هـ
15 ـ هل المحطات الفضائية تزيد
أو تقلل من الخلاف الزوجي ؟
تزداد حدة الخلاف وربما يؤدي بعض الأحيان إلى حالات من الطلاق !!
وهذا ما يؤكده الأستاذ المستشار الإعلامي عبد المحسن البناي في مجلة الفرحة العدد 74 ومما قال مشكورا :
( تزداد حدة الخلاف عندما تعرض المحطات الفضائية من البرامج ما يؤكد انطباع أحد الزوجين عن الآخر ...
ومما قال أيضا : أعتقد أن الخطورة تكمن حين تكثر مشاهدة الأعمال التلفزيونية فتترسب المواقف التي شوهدت في العقل الباطن دون أن يشعر أحد الزوجين بذلك ، فتكون هي المرجع في تقويم المواقف واتخاذ القرارات وأحياناً تبذر بذرة الشك في نفس الزوج أو الزوجة في حال تشابه المواقف
فالخلافات الزوجية يتم مناقشتها عادة بين الزوجين من خلال الموروث المخزون لديهما
فإذا كان هذا الموروث مستقى مما يرى ويسمع ويقرأ في وسائل الإعلام ، فإن القرار الذي سيتخذه سيكون متأثراً بطبيعة الحال بوسائل الإعلام
وأغلب الظن أن أكثر حوادث الطلاق تمت بأسباب ووسائل مشابهة تماماً لما يحدث في الأعمال التلفزيونية ولكن الزوجين لا يعترفان بأن قرارهما قد اتخذه التلفزيون
وقد شعر المسؤولون في المؤسسات الاجتماعية في الولايات المتحدة بخطورة المشكلة .. )
مجلة الفرحة العدد 74
16 ـ آمال فضائية مرتقبة
وجود قناة إسلامية بديلة موجهة للمرأة المسلمة خاصة يعد ضرورة من الضروريات وهذا ما أكدته الكاتبة رقية الهويريني في مجلة الأسرة العدد 113 :
( .... ووجود قناة اسلامية محافظة وجريئة في الطرح والحوار في الحدود التي صانها الإسلام وباركها المجتمع ، يعد من الضروريات بسبب الأوضاع المتجددة حيث نرى تكالب الرذيلة على الفضيلة
ولا بد حينئذ من جود عوامل جذب لتثقيف المرأة المسلمة لا سيما وأنها تعيش في قلق وتوتر جراء خروجها للعمل ومواجهتها لتيارات مختلفة تهددها وتعصف بأفكارها وتكاد تقتلعها من جذورها في تخطيط مدروس لاجتثاثها من أسرتها وتغريبها من هويتها الإسلامية وتعريتها من حشمتها
وهذا المخطط لا بد أن يُحبط خصوصاً أنه يستهدف هدم الأسرة ويركز على المرأة والطفل الذي أصبح يعيش في أحضان مربية مستأجرة تقف به – بدورها – إلى شاشة التلفاز ويجد نفسه – وهو تلك الإسفنجة اللينة التي تمتص كل ما حولها – يتشرب كل ما ُيعرض على هذه الشاشة الفضية وخاصة الأفلام الكرتونية التي يلاحقها من قناة لأخرى وهي تدعو للمكر والخديعة والاستيلاء على حقوق الآخرين بالدهاء والذكاء المذموم .
كما أنها تتبنى ثقافة العنف والانتقام حتى بات الطفل لا يجد غضاضة من أخذ حقوقه بهذا الأسلوب .... الخ .
مجلة الأسرة العدد
17ـ مسؤولية الإعلام
جريمة الشرف والعديد من الانحرافات الأخلاقية الأخرى التي انتشرت في الآونة الأخيرة ... ترتبط بالأداء الإعلامي والكتابات الأدبية والأعمال الدرامية التي تروج للسفور والعري ..
وقد أشار الدكتور أحمد المجذوب – الخبير الاجتماعي – في إحدى دراساته الميدانية حول الممارسات غير الأخلاقية التي اجتاحت بعض المجتمعات العربية كهروب الفتيات والزواج السري وغيرها
( إلى أن الدراما العربية ووسائل الإعلام ساهمت في تلك الانحرافات وأن نموذج الراقصة أو الفنانة التي تهرب من ييت الأسرة تحت دعاوى الضغوط الأسرية وإظهارها بعد ذلك بمظهر القدوة والبطولة قد أثر في وجدان العديد من الفتيات وصرن يمارسنه في الواقع
كما أن الترويج لمفهوم معين للحب يقوم على التلاقي بين الفتى والفتاة بعيداً عن الأسرة والأطر الشرعية عبر الإلحاح الإعلامي بكل وسائله أثر بشكل كبير على المجتمع وعلى طبيعة العلاقات التي تحكم الرجل بالمرأة
فالعديد من الأفلام تصور الراقصة بطلة ولديها أخلاقيات ومثل عليا .. وفي بعض الأفلام تعيش المرأة المتزوجة مع حبيبها وتقدم هذه المرأة على أنها تستحق التعاطف معها !! )
وترى د. ليلى عبد المجيد – أستاذة الصحافة بجامعة القاهرة –(3/153)
( أن وسائل الإعلام تصور القاعدة العامة للنساء العربيات على أنهن يمارسن التجسس والدعارة وتجارة المخدرات والقتل .. كما تستغل المرأة أيضاً كرمز للجنس المكشوف أو الموارب في كثير من الأعمال الأدبية والفنية العربية التي لا تخرج عن علاقة الخيانة بين رجل وامرأتين أو بين رجلين وامرأة ..... )
مجلة الأسرة العدد 122
18 ـ صرخة احدى الزوجات : زوجي والفضاء !!
فمعروفا أن الصحون الفضائية فيها من الشر العظيم وربما تؤدي مشاهدتها إلى أشياء أخرى ويتطور الأمر ويحصل ما لا يحمد عقباه .. فالمعاصي تجر بعضها وقانا الله من ذلك ..
وبنبرة تملؤها الحسرة والأسى تتحدث هدى.غ ( ربة منزل ) بأنها متزوجة منذ خمسة عشر عاماً ولها سبعة أطفال ، ولم يكن زوجها من محبي السهر خارج البيت لكن ( الصحون الفضائية ) التي أطلت عبر أسقف المنازل في حارتنا جعلت زوجي في البداية يذهب لاستراحة مع مجموعة مع رفقائه راغباً في الاستطلاع والمشاهدة ثم تحول الأمر إلى عادة يومية لا يشغله عنها شاغل !
ومن حينها وزوجي يغلق باب المنزل منذ الساعة التاسعة مساءً ولا يفتحه إلا عند عودته في ساعة متأخرة بعد منتصف الليل .. !
وللحق فإن زوجي ليس لديه مانع من إيصالي قبل خروجه إلى أي مكان شئت وغالباً ما أختار بيت أهلي لأنهم وحدهم يحتملون ضجيج أطفالي السبعة .. !!
19 ـ إن لم تكن قدوة لابنك .. فالفضائيات قدوته !!
ـ الأبناء يتساءلون .. من يربينا ؟!
يقول د. محمد الثويني الخبير الاجتماعي ومحرر مجلة ولدي :
لقد تحدث إليَّ أحد الأبناء بصراحة وصدق قائلاً : لا أريد أن ألقي اللوم على أحد ولكني للأسف لم أتلق تربية سليمة منذ صغري ، فتربيتي وثقافتي تلقيتها من التلفاز وقنواته الفضائية واليوم يلومني أهلي على تصرفاتي المؤذية لمشاعرهم ومشاعر الآخرين ولم يسألوا أنفسهم أولاً عن أسباب تصرفاتي السيئة ؟!
مجلة ولدي العدد 22
20 ـ رئيس محكمة الضمان والأنكحة في الرياض :
الفضائيات تزيد معدل الطلاق !!
الفضائيات تتسبب في ارتفاع حالات الطلاق ، هذا ما قاله الشيخ سعود المعجب رئيس محكمة الضمان والأنكحة في الرياض ،
وأضاف مسوغاً هذا الحكم : الفضائيات تدعو إلى تمرد المرأة على زوجها ، فهي تظهر لها أن الزوج متسلط وظالم سلب منها حقوقها وحياتها .
كما أن من أسباب الطلاق مقارنة الزوج لزوجته بنساء الفضائيات اللائي جملّتهن كاميرات التصوير حتى القبيحات منهن أصبحن جميلات بفعل أنواع الماكياج .
مجلة الأسرة العدد 105
ذو الحجة 1422 هـ
21 ـ كبار وأعيان قبيلة همام التي تقطن في حي المشعلية منطقة نجران : لا للتلفزيون ..
اتفق كبار وأعيان قبيلة همام التي تقطن في حي المشعلية منطقة نجران على عدم إدخال أجهزة الاستقبال الفضائي إلى منازلهم لما لها من آثار سلبية على الأسرة والمجتمع .
ويقول كاتب عدل نجران وأحد أفراد القبيلة الشيخ أحمد بن صالح الهمامي أن القبيلة لم تجد صعوبة في إقناع أفرادها بمخاطر الأطباق اللاقطة على الشباب والفتيات من الأجيال الناشئة .
ويؤكد الهمامي أن رفضهم وصل إلى البث الأرضي حيث تم إزالة 50 % تقريباً من أجهزة التلفزيون الموضوعة في منازلهم ،
ويقول الهمامي أنه لا يجرؤ أحد من أفراد القبيلة أن يخرج عن المعاهدة المتفق عليها لأسباب دينية ولاحتمالية النبذ الاجتماعي في حالة تركيبة لطبق لاقط فوق منزله .
مجلة الأسرة العدد 35
وفي إحدى المواقع الإخبارية ذكرت :
أن سكان ولاية "غوجارتيون " الهندية ، التي إثر تضررها بفعل الزلزال ، قام المئات من سكانها بتحطيم وحرق أجهزة التلفزيون ، بغية طرد الأرواح الشريرة ، وتجنُّب وقوع زلزال جديد ، بعد أن أفتى لهم المتدينون بأن التلفزيون أثار الغضب الإلهي، بها يبثه من رسائل تخدش الحياء، فراح الناس يرمون بأجهزتهم المحطمة، بالعشرات، في جوار المعابد ..
ووصل أُسترالياً إلى اختيار تلفزيونه زوجة مثالية، وعقد قرانه عليه بمباركة كاهن وبحضور أصدقاء العريس، البالغ من العمر 42 سنة، الذي تعهد بالوفاء للتلفزيون ، واضعاً خاتمي الزواج في غرفة الجلوس قرب هوائي الاستقبال ، مصرحاً بأنه اختار التلفزيون شريكاً لحياتة، وبأن زواجه به يبعده عن المشاجرات، التي كانت ستحدث لو تزوج بامرأة وما كان ناقصنا إلاّ التلفزيون .
22 ـ وفي كتاب أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة للشيخ بشر بن فهد البشر :
لنزيل الكتاب اضغط هنا
( .. أما التلفزيون وتأثيره فقد جاء في تقرير لليونسكو : إن إدخال وسائل إعلام جديدة وبخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين وممارسات حضارية كرسها الزمن – واليونسكو مؤسسة دولية تابعة للغرب وتدعو إلى التغريب - .
وتبين من خلال الدراسات التي أجريت على خمسمائة فيلم طويل أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل 72 % منها
يعني نقريبا ثلاثة أرباع الأفلام كلها للحب والجريمة والجنس
وتبين من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مئة فيلم وجود 68 ؟% مشهد جريمة أو محاولة قتل
وجد في 13 فيلم فقط 73 مشهدا للجريمة
ولذلك قد تجد عصابات جريمة من الأحداث والصغار لأنهم تأثروا من الأفلام التي يرونها ) .
أما الأفلام فيقول الدكتور هوب أمرلور وهو أمريكي يقول :
( إن الأفلام التجارية التي تنشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في موضوعاتها ، كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن الآداب الجنسية الضارة – فإذا كانت ضارة بميزان هذا الأمريكي فكيف بميزان الشرع –
ثم يتابع الأمريكي فيقول : وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب والمغازلة والإثارة الحنسية والتدخين يتعلمها الشباب من خلال السينما والتلفزيون ) .
23 ـ تابع الدكتور رويل هوسمن وليوناردايرون من جامعة أمريكية في كاليفورنيا
على مدى 20 سنة مسيرة 40 طفلا وجدوا خلالها أن الفئة التي شاهدت برامج التلفزيون بكثافة وهي في سن الحداثة كانت أقرب إلى ممارسة أنواع مختلفة من العنف لدى الجنسين .
ـ في تقرير مفصل بعنوان مراقبة أمريكا : وجد أن السهرة التلفزيونية الواحدة تحتوي حوالي 12 جريمة قتل
و15 عملية سطو
و20 عملية اغتصاب
وتشليح إضافة إلى عدد كبير من الجرائم المتنوعة
والواقع أن نسبة الجرائم حسب المعلومات الأمنية 5 % بينما تصل على الشاشة إلى 65 % هكذا يفعل الإعلام .
جريدة الحياة 15 / 10 / 1413 هـ
24 ـ مقتدين ومقلدين ..
يقول صاحب كتاب " ولدك والتلفزيون " ويدعى عدنان الطَرشة :
فكل ما يعرضه التلفزيون ويبرزه يجد له أنصاراً وأتباعاً ومقتدين ومقلدين ، حتى وإن كان من أسوأ الأمور ، لأن عرضه – في أي إطار كان المدح أو الذم – يساعد على تعريف الناس به وإشاعته
وكم سمعنا عن أمور ، أو أفعال جديدة ارتبكها بعض المنحرفين والمنحرفات لأول مرة فأذاع التلفزيون خبرها فقلدها عدد من الناس ، وإلا لما خطر في ذهن أحد تقليدها وتكرار ارتكابها .
مثال على ذلك :(3/154)
( عرضت إحدى محطات الأخبار العالمية خبر امرأة تدعى " لورينا بوبيت " ارتبكت فعلاً شنيعاً مع زوجها في أمريكا ، وقامت المحطة بتغطية تلفزيون لقصتها ومجريات محاكمتها ، ثم ما لبثنا أن سمعنا وقرأنا في الوسائل الإعلامية أن الفعل نفسه ارتكبته تقليداً لها زوجات أخريات مع أزواجهن في مدن أخرى في أمريكا ، ثم انتشر الفعل إلى دول أخرى مثل جنوب أفريقيا ، الصين ، الهند ، تايوان ، ألمانيا ، ودول أخرى عديدة حتى أطلق على هذا الفعل ( مسلسل ..... ) أي اسم الفعل المرتكب ، ثم دار نقاش واسع بين علماء اللغة حول إمكانية إدخال كلمة (( بوبيت )) في القاموس ، كفعل يعني قيام المرأة بعمل وحشي تجاه زوجها ، مثلما فعلت (( لورينا بوبيت )) بزوجها !
ـ نماذج مختلفة من عدة بلدان لأطفال قاموا بتقليد ما شاهدوه في التلفزيون
نماذج مختلفة من عدة بلدان لأطفال قاموا بتقليد ما شاهدوه في التلفزيون فنتج عن ذلك أضرار خطيرة ونهايات مؤلمة ومحزنة :
1 ـ في أمريكا : عرضت شبكة التلفزيون الأمريكي ( إن.بي.سي. N.B.C ) تمثيلية يداهم فيها الإرهابيون من المجرمين ركاب إحدى قطارات الأنفاق ويقتلون أحد هؤلاء الركاب ، فإذا يأحد الصبية يقتل مخبر شرطة في أحد قطارات الأنفاق بالطريقة نفسها التي شاهدها على شاشة التلفزيون .
2 ـ في ألمانيا : قام شابان شقيقان بخطف فتاة قاصراً وطالبا ذويها بفدية قدرها مليونا مارك وذلك إثر مشاهدتهما حادث اختطاف في فيلم تلفزيوني ، وقد أخفيا الفتاة حسب الفكرة التي اكتسباها من الفيلم .
3 ـ في فرنسا : قامت إحدى الطالبات ويبلغ عمرها 19 عاماً مع صديقها الذي يبلغ من لعمر 22 عاماً بقتل خمسة أشخاص خلال 25 دقيقة تشبهاً ييطل فيلم ( قاتل بطبيعته ) .
4 ـ في الهند ( احترقت الفتاتان ولم يظهر البطل ) . نتيجة للتقليد التلفزيوني الأعمى
أقدمت فتاتان في الهند على صب الكيروسين على أجساد هما أملاً في قدوم البطل الخارق لإنقاذهما من الحريق .
فقد ذكرت وكالة الأنباء " يونايتد نيوز " أن شقيقتين يإحدى القرى الهندية حاولتا تقليد مسلسل الرجل الخارق الذي يعرضه التلفزيون الهندي ويقوم البطل خلاله بإنقاذ من هم في ورطة .. فقامتا بصب مادة الكيروسين فوق أجسادهما وأخذتا في الصراخ من الألم الفظيع دون أن يظهر البطل .
5 ـ في مصر : ( " هرقل " التلفزيوني يشنق الطفل لمصري ) ..
فقد دفع طفل في مدينة كوم أمبو في أسوان حياته ثمناً لتقليد بطل المسلسل التلفزيوني الأجنبي " هرقل " الذي انتهى التلفزيون المصري من بثه قبل أيام .
وتبين أن الطفل ( 10 سنوات ) اتفق وصديقه على تعليق نفسه في سقف الحجرة من رقبته ، على أن يحضر زميله بسيفه فيقطع الحبل لإنقاذه . وضع المجني عليه رقبته في المشنقة ، ولم يحضر " هرقل " لينقذه فمات الطفل خنقاً وأمرت النيابة بدفن الجثة .
6 ـ في الكويت : قام شاب يعاونه ثلاثة مراهقين باختطاف طفلة في الحادية عشرة واغتصابها ، وكان ذلك نتيجة ما كان يشاهده في الأفلام .
7 ـ وفي الإمارات العربية المتحدة : ظهرت أولى نتائج انتشار استخدام الأطباق المستقبلة للبث التلفزيوني للأقمار الصناعية بعد أقل من سنتين وهي عبارة عن ظهور عصابة مؤلفة من عشرة من الأحداث يصل عمر بعضهم إلى خمسة عشرة عاماً وأكبرهم في العشرين قاموا بقتل حارس باكستاني .
وتقول الشرطة أن الحادث هو جريمة القتل الأولى في البلاد لعصابة منظمة من أحداث .
8 ـ في لبنان : قام شاب بإطلاق النار على شقيقته فأرداها قتيلة ، وعزا أحد أعضاء مجلس النواب اللبناني السبب إلى التلفزيون .
فهذه مجرد أمثلة عن تأثير البرامج التي تبثها شاشة التلفزيون فتؤثر تأثيراً مباشراً على نفسية الأطفال والمراهقين والشباب وتدفعهم إلى التقليد .
وقد كشف الاستفتاء أن 50 % من الأطفال الذكور والإناث قد أجابوا بـ ( نعم ) على سؤال : هل تقلد أحياناً أشياء رأيتها في التلفزيون ؟
25 ـ لم يعد هناك حاجة لإرسال الجيوش لاحتلال الدول الأخرى
( انتبهوا جيداً وتأملوا )
التلفزيون وسيلة عظيمة جداً تستخدم في إحداث كثير من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية حتى أنه يصح أن يقال فيه بأنه لم يعد هناك حاجة لإرسال الجيوش لاحتلال الدول الأخرى بل إلى إرسال برامج تلفزيونية إلى محطات تلك الدول لتعرضها على مواطنيها أو تًبث إليها البرامج عبر الأقمار الصناعية فيحصل التغيير لذي تريده الدول المستعمرة .
ودليل ذلك أستنبطه من الخبر الذي لفت نظري وكان بعنوان : ( دراسة أمريكية تشير لاحتمالات تفكك الصين إلى 10 دول ) فالمؤسسة الأمريكية (( بيرسيبشن إنترناشونال )) التي أسسها أندريه الكويتز ضابط الاستخبارات البريطاني السابق ، توقعت عام 1986 م . سقوط الاتحاد السوفياتي ، وقد صدقت توقعاتها .
ولكن كيف تحقق لها ذلك ؟ ( انتبه جيداً وتأمل )
يقول الكويتز أن فريقه ركز جهوده على دراسة وتحليل الأحداث ذات الطايع المالي و ( التكنولوجي ) بدلاً من متابعة الأحداث السياسية .
وأن آخر قطع اللغز السوفياتي كان قرار البرلمان الذي سمح بتطوير نظام التلفزيون الفائق الدقة .
إذ أن مثل هذا النظام يستدعي البث عبر الأقمار الصناعية .
وكان معنى ذلك أن المواطن في الاتحاد السوفياتي كان سيتسلم معلومات من خارج حدود دولته . والحكومة بموافقتها على دخول المعلومات دون رقابة إلى البلاد أعطت في الواقع الضوء الأخضر لتغيير بنية الاتحاد السوفياتي ..
( جريدة الشرق الأوسط ، العدد 5533 ، 10 / 8 / 1414 هـ )
26 ـ التلفزيون والتربية
أصبح التلفزيون منافساً رئيسياً للوالدين في تشكيل سلوك الأبناء وتلقينهم المعارف والقيم ـ الصالح منها والطالح ـ وارتفعت أصوات بعض المصلحين والمربين تحذِّر منه وتدعو إلى التخلص منه، وفريق آخر يدعو إلى ترويضه واستخدامه في أهداف التعليم والتربية، لكن الفريقين يتفقان على الآثار السلبية التي يتركها التلفزيون على سلوك الشباب، وإن اختلفت رؤيتهم في سبل وقف هذه الآثار، هل بالتخلص من التلفزيون أم بترشيد "وفلترة " مشاهدته ؟.
أصبح تأثير مشاهدة التلفزيون على الشباب موضوعاً لدراسات عدة اجتمعت كلها على الأثر السلبي لهذه المشاهدة.
إن آثار التلفزيون الأكثر ضرراً على الشباب هي تلك المتعلقة بما يبثه من عنف ، و إحدى الدراسات أوضحت أن الطفل الذي يشاهد التلفزيون 27 ساعة في الأسبوع سيشاهد 100 ألف عمل من أعمال العنف من سن الثالثة حتى العاشرة .
وقد جاءتنا الكثير من الأخبار عن أطفال لم تتجاوز أعمارهم عشر سنوات قاموا بجرائم قتل دون وعي لخطورة ما يقومون به بل دفعتهم رغبة في تقليد ما يشاهدونه لذا يجب أن تكون هناك رقابة شديدة على ما يشاهده الأطفال في التلفزيون .
جريدة الوطن لأحد 20 محرم 1424هـ
27 ـ كثير من الدراسات السابقة بحثت في تأثير البث المباشر في مجتمعنا السعودي منها ، ما قام به الباحث ابراهيم الدعيلج عام 1995م ، عن البث المباشر بعنوان " الآثار والمواجهة تربوياً وإعلاميا ً
توصل إلى الإيجابيات التالية :
- التعرف على الثقافات العالمية - التعرف على ما يدور في العالم من إحداث ووقائع والتزود بالعلم والمعرفة - متابعة التطورات العالمية - تحفيز القنوات المحلية على تطوير موادها - المساعدة على اختيار المادة التي يريدها المشاهد - تنمية التفكير واتساع مدارك المشاهدين نظراً لإطلاعهم على ثقافات أخرى.(3/155)
ومن السلبيات التي توصل إليها الدعيلج ما يلي :نشر المشاهد الفاضحة وإثارة الغرائز
الدعوة إلى تعاطي المخدرات والمسكرات
إضعاف اللغة العربية وإعلاء شأن اللغات الأجنبية
إضعاف التماسك الأسري
انشغال المرأة بعالم الموضة والأزياء
الدعاية والترغيب في شراء المنتجات الأجنبية والانصراف عن المنتجات المحلية
إضعاف روح الولاء للمجتمع والأمة الإسلامية
ضعف البصر والإجهاد العام
الانصراف عن متابعة وسائل الإعلام المحلية
تشويه وتحريف التغطية الإعلامية للبلدان العربية والإسلامية
إثارة الفتن والخلافات المذهبية في صفوف المسلمين.
جريدة الرياض الأحد 01 شعبان 1424العدد 12882
28 ـ مسؤولية الفضائيات في تربية الأبناء !
خبر بسيط يقول إن طالبة عربية في الثالثة عشرة من العمر سجلت شريطا إباحيا على الهاتف مع طالب في الخامسة عشرة من العمر، ثم وزعته في اليوم الثاني على زميلاتها في الصف الأول المتوسط متباهية بأن هناك من يحبها وتحبه، وأنهما اتفقا على الزواج لذلك تعتبر ما تفعله أمرا عاديا.
أهم ما في الخبر الخطير أن الأم عندما أبلغت بما حدث قالت إن ابنتها تحب تقليد الفنانين الذين تراهم في الأفلام والمسلسلات التي تزدحم بها شاشات الفضائيات العربية وغير العربية، لذلك لا تستغرب منها أن تفعل ما فعلته، وتطالب المدرسة بعدم معاقبة ابنتها لأن المسؤولية تقع على الفضائيات وشركات إنتاج الأفلام والمسلسلات.
وأسوأ ما في تفكيرنا أن ننسى أن مسؤولية الأسرة في تربية الأبناء كبيرة وتسبق أي مسؤولية أخرى، خاصة في زمن الآفاق المفتوحة والفضائيات التي تقدم كل شيء تحت شعار "إرضاء المشاهد أينما كان، وكيفما شاء"، ونرمي بنتائج خيبتنا على الآخرين.
جريدة الوطن الأثنين 28 شوال 1424هـ
العدد (1179)
29 ـ العجل الفضائي
إن أمتنا إلا من عصم الله تعيش اليوم مع التلفاز وتوابعه في محنة لم تكره عليها بل رغبت فيها واستشرفت لها، وفتحت ذراعيها وتشبثت بأذيالها، لأن بعض المسلمين في حالة رغبة فيما يفسد دينهم ويخرب دنياهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
فما أشبه حال المنجذبين إلى التلفاز اليوم بحال الفراش الذي يتساقط في النار لجهله واعتقاده النفع في النار المحرقة، ولكن هل الناس في غفلة عما يعرض في التلفاز، كلا إنهم على علم لكنهم مبهورون، أسكرتهم، وأعمتهم الشهوة، فلم يحركوا ساكناً ........
دوره في التغريب :
إن أهداف البث المباشر الذي يجوس خلال الديار نلخصها في النقاط التالية :
1. تسميم الآبار الفكرية التي يستقي منها الشباب، وإضعاف مناعتهم عن طريق تسويق القيم والسلوكيات الغربية لتذويب انتمائهم الإسلامي .
2. تجميل الوجه القبيح للحضارة الغربية.يقول حمدي قنديل : (( المعروف أن القردة هي التي تقلد الإنسان، ولكن إنسان العالم الثالث اختار أن يقلد قرة أوربا )).
3. القضاء على الأخلاق الإسلامية.
آثار التلفاز الاجتماعية والنفسية على الأطفال :
إليك أقدم الآثار المرعبة على أطفالنا من جراء هذه الأجهزة الشيطانية :
1. يحرم الطفل من التجربة الحياتية الفعلية التي تتطور من خلالها قدراته إذا شغل بمتابعة التلفاز.
2. يحرم الطفل من ممارسة اللعب الذي يعتبر ضرورياً للنمو الجسمي والنفسي فضلاً عن حرمانه من المطالعة والحوار مع والديه.
3. التلفاز يعطل خيال الطفل لأنه يستسلم للمناظر والأفكار التي تقدم له دون أن يشارك فيها فيغيب حسه النقدي وقدراته على التفكير.
4. يستفرغ طاقات الأطفال الهائلة وقدراتهم على الحفظ في حفظ أغاني الإعلانات وترديد شعاراتها.
5. يشبع التلفاز في النشء حب المغامرة كما ينمي المشاغبة والعدوانية ويزرع في نفوسهم التمرد على الكبار والتحرر من القيود الأخلاقية.
6. يقم بإثارة الغرائز البهيمية مبكراً عند الأطفال وإيقاد الدوافع الجنسية قبل النضوج الطبيعي مما ينتج أضراراً عقلية ونفسية وجسدية.
7. يدعو النشء إلى الخمر والتدخين والإدمان ويلقنهم فنون الغزل والعشق.
8. له دور خطير في إفساد اللغة العربية لغة القرآن وتدعيم العجمة وإشاعة اللحن.
9. تغيير أنماط الحياة _ الإفراط في السهر، فأفسد الدنيا والدين كما يرسخ في الأذهان أن الراقصات والفنانات ونجوم الكرة أهم من العلماء والشيوخ والدعاة والمبتكرين.
ماذا يقول العقلاء والمنصفون :
ذهب الكاتب الأمريكي جيري ماندر في كتبه أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون )) الذي أودعه خلاصة تجربته في حقل الإعلام إلى القول :
(( ربما لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد الهندسة الوراثية والقنابل النيترونية ، ولكننا نستطيع أن نقول [ لا ] لتلفزيون ونستطيع أن نلقي بأجهزتنا في مقلب الزبالة، حيث يجب أن تكون، ولا يستطيع خبراء التلفزيون تغيير ما يمكن أن يخلفه الجهاز من تأثيرات على مشاهديه، هذه التأثيرات الواقعة على الجسد والعقل لا تنفصل عن تجربة المشاهدة )).
وأضاف : (( إنني لا أتخيل إلا عالماً مليئاً بالفائدة عندما أتخيل عالماً بدون تلفزيون، إن ما نفقده سيعوض عنه أكثر بواسطة احتكاك بشري أكبر، وبعث جديد للبحث والنشاط الذاتي )) .
وحكى الأستاذ مروان كجك أن صديقاً له زار أستاذه الجامعي في بيته وكان هذا الأستاذ نصرانياً، فلاحظ الأخ أنه ليس لدى أستاذه تلفزيون فسأله عن سبب ذلك فأجاب : (( أأنا مجنون حتى أتي إلى بيتي بمن يشاركني في تربية أبنائي ؟ )).
http://www.alshamsi.net/friends/b7o...a/fadaeat1.html
30 ـ وهذه مجموعة من صور بعض الاسفتاءات التي يطرحها موقع ( Arab polls الإستفتاءات العربية )
وهذه نتائج استفتاء آخر ذكر في كتاب ( ولدك والتلفزيون ) للمؤلف عدنان الطَرشة :
وزع هذا الاستفتاء على عينات من الأطفال من طبقات وجنسيات مختلفة ، وفيما يلي معلومات العينة :
أعمار العينة بين 8 و 17 عاما
متوسط عمر الذكور 11 سنة و 8 أشهر
متوسط عمر الإناث 12 سنة و 6 أشهر
نسبة الذكور من العينة 50 %
نسبة الإناث من العينة 50 %
31 ـ عشرات الساعات يقضيها الأطفال سنوياً أمام التلفاز
البرامج الكرتونية تؤدي إلى سلوك إجرامي
وموجات التلفاز الكهرومغناطيسية تتسبب في القلق
أبها: عبده الأسمري، نادية الفواز
أثبتت الدراسات الحديثة على الأطفال مكوثهم أمام شاشات التلفاز إلى مدة تصل إلى عشرات الساعات بحيث يقضي الأطفال في العالم العربي ودول الخليج ما يزيد عن 33 ساعة أسبوعياً في فصل الصيف و24 ساعة في فصل الشتاء وأن هنالك آثار نفسية واجتماعية وسلبية من ذلك.
أوضح ذلك اختصاصيون في الصحة النفسية والأعصاب والإعلام وعدد من الأكاديميين... بداية أشار استشاري المخ والأعصاب والصحة النفسية في المستشفى السعودي الألماني الدكتور إيهاب رمضان إلى أن الأطفال يقضون حوالي 7 ساعات يومياً أمام البرامج الكرتونية التي تخاطبهم بشكل سنوي وأكد رمضان أن تعرض الطفل للتلفاز يؤدي إلى آثار نفسية سيئة وأضاف أن التعرض لموجاته الكهرومغناطيسية تسبب للأطفال القلق والاكتئاب والشيخوخة المبكرة
وأوضح أن الحل لا يمكن أن يكون في البعد عن التلفاز نهائيا ولكن لا بد أن يكون وفق نظام محدد ولا بد من تشجيع التواصل العاطفي والنفسي بين الأسرة الواحدة والتركيز على إعطاء الطفل القيم الاجتماعية وتعريفه الصواب والخطأ وأشار الدكتور إيهاب إلى أن هنالك بحوثا أجريت على الأطفال أكدت أن 74% من إجمالي المشاهد التي يراها الأطفال في البرامج الكرتونية تؤدي إلى سلوك إجرامي حيث إن 43% من هذه القصص مستقاة من الخيال.(3/156)
من جانبها أشارت الإعلامية مريم الغامدي إلى أن التلفاز في عديد من برامجه يحاور الطفل من جانب واحد وأن المحطات العربية بحاجة إلى صناعة برامج خاصة بالأطفال تقدم لهم الحوار والمساهمة نظراً لأن عديدا من برامج الأطفال تعتمد على الرسوم المتحركة والتي تبعد عن الواقع من حيث صعوبة تقليدها وتغرس في نفوس الأطفال نوعاً من الانهزام فلا بد أن يكون الطفل طرف إيجابي ومؤثر ومن المهم مشاركته.
وحول مكوث الأطفال أمام شاشات التلفاز وآثاره وسلبياته تحدثت لـ "الوطن"
عميدة مركز الدراسات الجامعية في جامعة الملك سعود الدكتورة حصة عبدالعزيز المبارك قائلة :
إن هنالك أضرارا نفسية لمتابعة الطفل للتلفاز لفترات طويلة وأضافت أن المختصين قد وجهوا للوالدين بعدم تعريض الأطفال للتلفاز لأكثر من ساعة في اليوم وأضافت أن انشغال الآباء عن أبنائهم يولد الرغبة لدى الأطفال للمكوث أمام شاشات التلفاز لمدة طويلة ومن هنا تنشأ الغربة بين الأطفال والوالدين .
وفي إطار ذلك أشار رئيس قسم التربية وعلم النفس في كلية المعلمين في أبها الدكتور صالح أبو عراد الشهري قائلاً :
تعد مسألة مكوث الأطفال أمام الشاشات لوقت طويل واحدة من أكبر المشكلات التي يشتكي منها الآباء، والتي لا يكاد يخلو منها بيت في مجتمعنا المعاصر؛ ولعل ذلك راجع إلى عدة أمور منها :
1) وقت الفراغ الطويل الذي يعيشه الأطفال في الوقت الحاضر، الأمر الذي لا يجدون معه بديلاً للبقاء أمام الشاشة التي يرون أنها جديرة بأن تملأ وقت فراغهم وتشغله.
2) عدم توافر البرامج والمناشط الأخرى التي لا شك أن وجودها سيسهم بدرجة كبيرة في صرف اهتمام الأطفال عن كثير من برامج التلفزيون.
3) عدم عناية الوالدين بوقت الفراغ عند الأطفال، وعدم إدراكهم لخطورة بقائهم أمام الشاشة (أياً كان نوعها) لوقت طويل. ويزداد الأمر خطورة عندما نعلم أن البعض ربما يفرح ويستبشر بذلك لما يترتب عليه من حصول شيء من الهدوء في المنزل.
4) وفرة القنوات التي تتبارى في كثرة ما تقدمه من البرامج الجاذبة، المصحوبة بالدعاية الإعلامية القوية التي تسهم في إغراء المشاهد (ولا سيما في هذه السن) بالمكوث فترة أطول أمام الشاشة.
أما علاج هذه المشكلة فعلى الرغم من أنه ليس سهلاً؛ إلا أنه في الوقت نفسه ليس مستحيلاً، إذ يمكن أن يتحقق متى تم إدراك مدى خطورتها، ومتى تعاونت مختلف المؤسسات الاجتماعية مثل: المنزل، والمدرسة، ووسائل الإعلام وغيرها؛ في ضبط أوقاتها وإيجاد البديل المناسب لبيئتنا المسلمة وواقعنا المعاصر، ومتى حرصت الأسرة على تنظيم الأوقات بصورة إيجابية؛ وبخاصة في أيام العطلات والإجازات. إضافة إلى أهمية التركيز على نشر الوعي اللازم الذي يبين مخاطر ومضار ومساوئ المكوث الطويل أمام الشاشات صحياً وفكرياً واجتماعياً.
جريدة الوطن العدد (669) السنة الثانية ـ الثلاثاء 20 جمادى الأولى 1423هـ
32 ـ الجمعيات الطبية العالمية تؤكد وجود مرض "الدش"
دراسة : مشاهدات التلفزيون تحدث لديهن زعزعة أخلاقية
القاهرة : الوطن
توصلت دراسة طبية أجريت على عينة قوامها 500 طالبة ممن يشاهدن الدش بشكل منتظم إلى نتائج تشير إلى إصابة هؤلاء الفتيات بأمراض في الجهاز التناسلي والمجرى البولي وحدوث تغيرات كبيرة طرأت على سلوكهن، حيث انحصر تفكيرهن غالبية الوقت في الجنس.
ويقول الدكتور بكلية الطب جامعة القاهرة سعيد ثابت في دراسته أن المرض أصبح معترفاً به من قبل الجمعيات الطبية العالمية وتم تسجيله بكتب الطب الحديثة باسم "دش سيندرم" ويؤدي أيضا إلى تغيير عادات وسلوك المصابين به ، كما أنه يعمل على زعزعة الأخلاقيات.
واعتمد سعيد في دراسته على تسجيل الاضطرابات الحاصلة وثائقيا من خلال الأرقام التي رصدها طوال عام كامل وهي مدة الدراسة.
ومن النتائج حدوث زعزعة أخلاقية لـ 53% من الفتيات بعد أن تعرضن للتشويش الفكري من جراء ما شاهدنه في التلفزيون .
ومن النتائج أيضا ضعف الالتزام الدراسي لدى الفتيات من خلال 32% من العينة تم تغيبهن عن حضور المحاضرات .
ومن أهم نتائج مرض "الدش" زيادة نسبة المعاناة من الأمراض النسائية بشكل عام بنسبة وصلت إلى 8% عن النسبة العادية.
كما أدى المرض إلى حدوث تحولات وتغيرات جذرية في الفكر العاطفي لدى الفتيات ، فتحولت من الرومانسية إلى الواقعية، حيث تنازلن عن فكرة أن الحب والتكافؤ هما أساس الارتباط والزواج الناجح ، وظهر ذلك التغير الفكري بين 30%من الفتيات ، وقبلت 42% منهن أيضا فكرة الزواج المبكر، وانخفضت حدة الشروط المطلوبة في زوج المستقبل .
ولأن زيادة الشعور بالرغبة الجنسية تتطلب وجود الطرف الآخر والحديث معه أطول وقت ممكن ، فقد وافقت 33% من الفتيات على فكرة الاختلاط والتجارب العاطفية المبكرة .
جريدة الوطن العدد (696) السنة الثانية ـ الأثنين 17 جمادى الآخرة 1423هـ
33 ـ تأثير القنوات الفضائية على أفراد المجتمع
في الكويت من عام 1998م قام قسم الدراسات والبحوث الإعلامية بطرح إستبانة لدراسة ورصد سلبيات وإيجابيات هذه القنوات الفضائية العربية
وتهدف هذه الاستبانة إلى :
أ- التعرف على مدى تأثير القنوات الفضائية على أخلاق وسلوكيات أفراد المجتمع0
ب- ارشاد أفراد المجتمع لكيفية استثمار هذه الفضائيات لكي تسهم في زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع0
معلومات :
للحصول على نتائج مرضية توضح شمولية الإستبيان وتحقيق الهدف المرجو منه قمنا بأخذ آراء عينات من الذكور والإناث من أفراد المجتمع الذين تتراوح أعمارهم من سن الثامنة عشر فما فوق المتواجدين في المعاهد والجامعات ووزارات الدولة0
وتم توزيع الاستبانه على النحو التالي:
- مجمع الوزارات ووزارة التربية 200 نسخة
- كلية التربية الأساسية (بنات ، بنين) معهد التكنولوجيا (بنين) المعهد التجارى (بنات ، بنين) 200 نسخة
- جامعة الكويت ، جميع الكليات 200 نسخة
- وتم بعد ذلك جمع النسخ بعد إستبعاد بعض النسخ الغير صالحة وتبقى لدينا 500 نسخة من أصل 600
- كما قام بعض الطلبة بالتطوع في عملية التوزيع والجمع مما ساعد في تسهيل المهمة واختصار الكثير من الوقت
*ملاحظة : وزعت الاستبانة في شهر فبراير 1998م
اهتمامات الاستبانة :
أ - التعرف على مدى تأثير القنوات الفضائية على قيم وسلوكيات أفراد المجتمع
ب- بيان عن مدى تفاعل القنوات الفضائية مع أحداث العالم الاسلامي
جـ - التعرف من خلال الاستبانة على أهم الطرق والأساليب التي يمكن من خلالها مخاطبة الشباب عن طريق القنوات الفضائية
د - التعرف على أهم البرامج التي تتابعها الشرائح التي تم استطلاع آرائها
هـ- لمعرفة الإقتراحات والتوصيات والحلول اللازمة لمواجهة الآثار المترتبة على مشاهدة القنوات الفضائية
نتائج الإستبانه :
السؤال الأول :
تبين من خلال الإجابات على السؤال الأول أن الغالبية العظمى من الجمهور من المتابعين للفضائيات بأغلبية 60 % مقابل 9% من غير المتابعين
أما المتبقين وهم 31% فهم من المتابعين غير المستمرين أي في بعض الأوقات
كما تبين أن نسبة الذكور المتابعين أكثر من الإناث المتابعات بفارق 22% حيث بلغت نسبة المتابعين من الذكور 70% مقابل 48% من الإناث0
السؤال الثاني :
أبدى غالبية الجمهور من كلا الجنسين تخوفه من تأثير الفضائيات على الأخلاق والسلوكيات0(3/157)
فقد بلغت نسبة المؤيدين للتأثيرات الفضائية السلبيه 55% مقابل 41% من القائلين بأن ليس للفضائيات أي تأثير سلبي على الأخلاق والسلوك أما الباقون ويشكلون نسبة 31% فقد اتخذوا الحياد ويلاحظ أن أكثر المؤيدين لتأثير الفضائيات من النساء حيث بلغن 53% مقابل 6% من المعارضات و41% من المحايدات0
السؤال الثالث :
بالنسبة لمراعاة القنوات الفضائية للعادات والقيم الإسلامية تعادلت النسبة تقريبا بين القائلين أن الفضائيات لا تراعي هذه القيم والعادات وبين المحايدين0
فقد بلغت نسبة القائلين بأن الفضائيات لا تراعي العادات والقيم 45% مقابل 44% للمحايدين0
أما القائلين بأن الفضائيات لا تؤثر على العادات والقيم الإسلامية فقد كانت نسبتهم ضئيلة حيث بلغت 11% في المتوسط بين الرجال والنساء0
وكانت في الرجال أكثر منها في النساء حيث بلغت 15% مقابل 6%0
السؤال الرابع :
تبين من تحليل إجابة هذا السؤال مدى بعد الفضائيات العربية عن أحدث العالم الاسلامي0
حيث أن الذين قالوا بأن الفضائيات تتفاعل مع أحداث العالم الاسلامي 26% مقابل 74% من المعارضين والممتنعين وهذا إن دل فإنما يدل على تهميش الفضائيات لأحداث العالم الإسلامي0
السؤال الخامس :
أبدى الجمهور وبأغلبية مطلقة الرغبة في انشاء قناة اسلامية حيث كانت نسبة المؤيدين لإنشائها 80% مقابل 9% من المعارضين وامتنع 11%
وهذه النسبة العالية من المؤيدين لا تجد لها برامج في الفضائيات العربية إذن لمن تبث الفضائيات العربية
السؤال السادس :
اجابة هذا السؤال مرتبطة مع اجابة السؤال السابق إذ تبين عدم الرضا عما يبث خلال الفضائيات العربية حيث كانت نسبة غير الراضين 35% والمحايدين 47% مقابل 18% من الراضين عن بث الفضائيات وهذه نسبة منخفضة مقابل تكاليف إنشاء هذه المحطات
السؤال السابع :
تبين من تحليل اجابة هذا السؤال أن الفضائيات العربية تفتقد الى المصداقية في نقل الخبر حيث أن المؤيدين لمصداقية الفضائيات العربية في نقل الخبر بلغت نسبتهم 16% فقط مقابل 84% من المعارضين والممتنعين وهذا حافز لجعل المشاهد العربي يلتقط الخبر من الفضائيات الأخرى
السؤال الثامن :
حازت مشاهدة البرامج السياسية على المتابعة الجماهيرية بالدرجة الأولى لدى الذكور
أما النساء فقد كانت البرامج المنوعة هي البرامج المفضلة لديهن بالدرجة الأولى
السؤال التاسع :
كان عدد ساعات مشاهدة الفضائيات كما يلي :
المشاهدين لساعة واحدة 28% وساعتين 27% وثلاث 23% وأربع 22%
34 ـ ملكة جمال لمدرسة سعودية
الحياة 10 / 1 / 2003
الخبر - سعود الريس :
لم تستوعب طالبات مدرسة الأمير فيصل بن فهد الابتدائية في الدمام إعلان تنظيم حفلة لاختيار ملكة جمال المدرسة ، وبدا تأثير الفضائيات واضحاً على الطالبات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 8 و11 سنة، خصوصاً في اليوم المقرر لإقامة الحفلة
وتقول إحدى الطالبات : "جئت إلى المدرسة وقد رسمت صورة في خيالي للحفلة التي سنشهدها".
وتضيف : " توقعت الحد الأدنى مما نشاهده في التلفزيون ، وطبعاً وفق ضوابط نتفهمها "، إلا أن الحفلة لم تكن بتلك الصورة.
فبينما اصطفت الطالبات في انتظار اختيار ملكة الجمال، خرجت منظِّمة الحفلة وبدأت تستعرض المقاييس المختلفة لملكة الجمال، وأعلنت أن المقاييس التي سيتم إتباعها تختلف تماماً .
وفي لحظة الاختيار تم وضع أناشيد إسلامية وخرجت إحدى الطالبات وهي ترتدي الزي الإسلامي الكامل لتتويج ملكة جمال مدرسة الأمير فيصل بن فهد، وبدأت منظِّمة الحفلة تشرح للطالبات حقيقة الجمال ومواصفاته وما يجب أن تتحلى به الطالبة من أخلاق وفضيلة.
وتهدف المدرسة التي تعتبر من المدارس النموذجية في شرق السعودية من خلال المسابقة إلى تغيير المفاهيم لدى النشء الذي يتأثر بمسابقات ملكات الجمال التي تفرد لها الفضائيات مساحة كبيرة، كما تسعى إلى إذكاء روح الإسلام من خلال أجواء احتفالية تطابق الأفكار التي تستهوي الطالبات ولكن بأهداف سامية .
35 ـ حقائق مزعجه
هذه بعض الإحصائيات الحديثة من إحدى المواقع التي أثارت دهشتي ليس لأنها تحكي أرقام مخيفه بل لأنها تحكي واقعاً نعيشه ..
الموضوع كان جديراً بالاهتمام ولهذا كان محل رعاية من قبل الباحثين المختصين في السعودية .
الإحصائية كانت تتمحور حول تأثير الفضائيات وعلاقتها بالتعليم
** ذكر أحد الباحثين في هذا المجال أن الأبحاث والدراسات أثبتت أن بعض التلاميذ في البلاد العربية عندما يتخرج من الثانوية العامة يكون قد أمضى أمام التلفاز ( 15000 ساعة ) فيما يقضي في فصول الدراسة ( 10800 ساعة ) فقط .
** أما في الجامعات السعودية يقضي الطالب ( 600 ساعة ) سنوياً بينما متوسط الساعات التي يقضيها الفرد أمام الفضائيات بمعدل ( 1000 ساعة ) سنويا.
** الجامعات تعطل يوم الخميس والجمعة وكذلك أيام الأعياد والمناسبات.. بينما البث المباشر يستمر على مدى 24 ساعة في جميع الأيام دون انقطاع.
** وفي الجامعة أو المدرسة يصاب الطالب بالملل إذا زادت عدد الساعات الدراسية بينما يبقى المشاهد أمام الإرسال المباشر ساعات طويلة دون أدنى إحساس بالملل.
** وذكر أيضاً أنه من خلال دراسة أجريت على 500 فلم طويل تبين أن موضوع الجنس والحب والرعب يشكل نسبة 72 % منها.
** أيضاً هناك 98 % من الأطفال يشاهدون الإعلانات بصورة منتظمة !
** وهناك نسبة كبيرة من الأطفال يتعرفون بسهولة على المنتجات المعلن عنها ( لكنهم من خلال البث المباشر سوف يتعرفون بلا شك على الخمر والكحول والإعلانات الفاضحة.. و.. و..!!)
** عدد القنوات في المستقبل سيصل عددها إلى 5550 قناة بزيادة ملحوظة
ـ أما أعداء الإسلام بالتأكيد لهم الدور الكبير والفعال اتجاه هذا الموضوع .. حيث أن (الفاتيكان - معقل النصرانية) يستعد لبناء محطة تلفزيونية كبيرة للبث في كافة أنحاء العالم بواسطة الأقمار الصناعية وتسمى بمشروع نيومين
ـ أما تكاليف المؤتمر العالمي للتنصير 21مليون دولار وحضره 8 آلاف مبشر درسوا فيه كيفية الاستفادة من البث المباشر لنشر النصرانية إلى العالم الإسلامي
ـ اليونسكو تعترف وتقول : التلفزيون في البلاد العربية هدم الدين والأخلاق وتقول في تقريرها إن التلفزيون أدى إلى زعزعة الدين والأخلاق في الدول العربية
من احدى المواقع ..
36 ـ انتشار التلفزيون
* أمينة خيري
ولا يبدو الشرق بعيداً عن الأثر النفسي للتلفزيون . وراهناً, يعيش عالم العرب وضعاً انفجارياً في البث التلفزيوني .
وامتلأت شاشات التلفزيون العائلي بالفضائيات من كل نوع
فماذا يمكن قوله عن الأثر النفسي للتلفزيون , وخصوصاً إثره على العائلة ؟
" حين يبلغ أطفال اليوم سن الـ70 , سيكونون قد أمضوا بين سبع وعشر سنوات من حياتهم أمام شاشة التلفزيون ".
هذه المعطيات من دراسة أميركية مبنية على أساس أن الطفل يشاهد التلفزيون بمعدل 23 ساعة في الأسبوع الواحد .
ووجدت دراسة مصرية أن أطفال مدينة القاهرة يشاهدون التلفزيون 28 ساعة في الأسبوع .
وتحول التلفزيون من وسيلة ترفيه تستخدم لبضع دقائق في اليوم إلى بديل لجليسة الأطفال , وجليسة المسنين, والأب, والأم أحياناً.
وبدلاً من الدقائق الـ35 التي ينصح علماء النفس والاجتماع والأطباء بألا يجتازها الأطفال في مشاهدة التلفزيون في اليوم الواحد, أضحى الأطفال في مصر يمضون بين ثلاث وأربع ساعات في اليوم الواحد, وتزيد المدة في العطلات الصيفية بشكل ملحوظ.(3/158)
يوسف كريم (8 سنوات) طفل في المرحلة الابتدائية أهداه والده جهاز تلفزيون 14 بوصة يضعه في غرفته, وذلك نجح في امتحان النقل من العام الثاني إلى الثالث الابتدائي في العام الماضي.
تلفزيون يوسف متصل بشبكة قنوات فضائية ما يعني أنه لا "يضطر" أن يبرح غرفته لمشاهدة التلفزيون في غرفة الجلوس. يقول : " أحب مشاهدة "كارتون نتوورك " و" سبيس تونز ", وأحياناً لا أغلق التلفزيون أثناء المذاكرة كي لا يفوتني شيء ".
وفي عمارة تحت الإنشاء, يعيش خفير وأسرته المكونة من سبعة أفراد. وفي غرفتهم المبنية بألواح الصاج المهترئة , يلتف الجميع حول جهاز تلفزيون متهالك في ساعات النهار والليل المختلفة.
وتشير إحصاءات " الاتحاد الدولي للاتصالات " إلى أن عدد أجهزة التلفزيون في العام 2000, وصل إلى 177 جهازاً لكل ألف أسرة مصرية.
وأغلب الظن أن العدد ارتفع خلال الأعوام الثلاثة الماضية .
ومع اضطرار المرأة للنزول الى العمل, صار التلفزيون ترفيهاً وجليساً للأطفال, بل وأضحى أحياناً بديلاً للأب والأم حتى أثناء وجودهما في المنزل !
تعمل أمل مظهر (38 عاماً) طبيبة. وهي أم لطفلين. وتستنفد مهنتها الجانب الأكبر من تفكيرها وأغلب وقتها وكل مجهودها . تقول : "يعود إبناي من المدرسة في الثالثة بعد الظهر. وأعود من عملي في نحو الساعة الرابعة والنصف. فأجدهما أمام التلفزيون. وأمضي الساعات القليلة بين عودتي وتوجهي إلى العيادة في المساء في التعارك معهما لينجزا ما عليهما من واجبات مدرسية ومنزلية".
وتضيف مظهر أنها على قدر ما تولد لديها شعور بالعداء تجاه التلفزيون, بقدر معرفتها بأنه يحل محلها أثناء غيابها عن المنزل, إذ تعلم أن أفلام الكارتون والبرامج الرياضية قادرة على تثبيت طفليها أمامها, وثنيهما عن القيام بأي عمل خطر أثناء غيابها.
ولا يختلف كثيراً وضع شقيقتها الأصغر منال (28 عاماً), وهي ربة بيت, عن الوصف السابق. إلا أن الوضع في بيتها لا يختلف كثيراً. وتقول: "اكتشفت أن الحل الوحيد الذي يمكنني من إنجاز أعمال البيت التي لا تنتهي هي تشغيل جهاز التلفزيون لأطفالي".
عائلة لنصف ساعة فقط!
وربما هذا تحديداً ما كان يقصده الدكتور أحمد عكاشة, رئيس "جمعية الصحة النفسية العالمية" بقوله :
"لم يعد هناك أب وأم يربيان الأبناء ويتحدثان إليهم, ويتواصلان معهم, يوجد الآن فقط تلفزيون.
في العام 2003 لا وجود للعائلة لقد حلت التلفزة محل الأبوة والأمومة".
ويحذر من انغماس الأطفال حتى آذانهم في مشاهدة التلفزيون والفيديو وألعاب الكمبيوتر, فيما يتقلص الوقت الذي يمضمونه في التواصل مع الأهل.
وأضاف : "أتحدى أن يمضي أي منا أكثر من نصف ساعة مع ابنه أو ابنته في الحديث بعيداً عن وسائل الاتصال والترفيه الحديثة, وأهمها التلفزيون".
وكان عكاشة يتحدث في إطار التحذير من زيادة الاضطرابات العاطفية والسلوكية للأطفال والمراهقين في المنطقة العربية برمتها. فالاكتئاب والقلق والاضطراب السلوكي, وأشكال الخوف المرضي هي أكثر التشخيصات شيوعاً في منطقتنا.
تضم نهى العبد, الباحثة في كلية الإعلام, صوتها إلى صوت عكاشة. وترى أن أسلوب مشاهدة التلفزيون من قبل الأطفال المصريين له آثار سلبية طويلة المدى. وتقول : "البعض يعتبره إنجازاً ورمزاً للتواصل الأسري, حينما يلتف أهل البيت حول شاشة التلفزيون لمشاهدة فيلم أو برنامج ما. لكن هذا ليس تواصلاً, إذ يكون كل من أفراد الأسرة منغمساً في عالم منفصل " .
وتدعو إلى تخصيص وقت يجتمع فيه الأهل مع الأبناء يتبادلون فيه الحديث من دون مؤثرات خارجية, وتقول العبد إن إقبال الطفل المصري على مشاهدة برامج التلفزيون في زيادة مستمرة .
وتشير دراسة أجرتها العبد إلى أن نحو نصف الأطفال يشاهدون التلفزيون بمفردهم, وأحياناً مع الأقارب والأصدقاء .
ولا يشاهده مع الأهل سوى 28 في المئة فقط من الأطفال .
أما نسبة الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون فجاءت أقرب إلى نتائج الانتخابات العربية, إذ بلغت 9,99 في المئة للأطفال بين سن الثامنة والـ15 عاماً !
وأخيرا, صدر تقرير مصري من منظمة الـ"يونيسيف" عنوانه "وضع الأطفال والنساء المصريين-2002" :
ووجد أن 97 في المئة من الناشئة تشاهد التلفزيون , ونسبة القراءة بينهم 15 في المئة .
ولا تتوجه إلى الأطفال سوى 7 في المئة من البرامج . وهذا يعني أنهم يشاهدون كماً كبيراً من مشاهد العنف.
وتشير دراسة أخرى أجريت في أواخر التسعينات إلى أن مشاهد العنف والاعتداءات احتلت المركز الأول بين محتوى برامج التلفزيون المصري .
وذكرت الدراسة أن نحو 97 في المئة من أفلام الرسوم المتحركة الواردة من الخارج تحوي كماً كبيراً من مشاهد وأفكار العنف.
تلفزيون أقل
ويؤكد علماء الاجتماع أن الأطفال يتصرفون بطريقة أفضل حين تقل مدة مشاهدتهم للتلفزيون.
وتشير السفيرة مشيرة خطاب, الأمينة العامة للمجلس القومي للطفولة والأمومة, إلى أن : " جزءاً كبيراً من الإعلام مملوك للدولة, ويمكن توجيهه". وتدعو إلى تقديم الدعم للأم المصرية, لمساعدتها على تربية الأبناء بالأسلوب الصحيح .
وتقول: "حين تخرج الأم إلى العمل, تفعل ذلك لهدف معين, وعلى الأب القيام بدوره في البيت أثناء غيابها, وهكذا".
وتضيف خطاب أن المرأة إذا تيسرت لها الظروف, ستتفرغ لأبنائها في مرحلة معينة من أعمارهم, وستشرف على نوعية المواد التي يشاهدونها على شاشة التلفزيون .
وتعترف للفضائيات بفضل تعريف الأطفال على العالم ومستجداته.
مجلة حواء / الشبكة
37 ـ يقول تقرير صدر عن اليونسكو:
] إن إدخال وسائل إعلام جديدة , وخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية ؛أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين ]
من كتاب أصوات متعددة
]تدل الإحصائيات الأخيرة التي أجريت في أسبانيا أن 39% من الأحداث المنحرفين قد اقتبسوا أفكار العنف من مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج العدوانية ]
من كتاب الإعلام والبيت المسلم
الجريمة والاحتيال ..
] وفي أحد الأبحاث عن سلبيات التلفزيون العربي : أن 41% ممن جرى عليهم الاستبيان يرون أن التلفزيون يؤدي إلى نشر الجريمة
و 47% يرون أنه يؤدي إلى النصب والاحتيال ]
من كتاب التلفزيون بين المنافع والمضار
هذا بالتلفزيون , فكيف بالدش ؟!
وكما جاء في احدى المواقع :
الشاشة والصحة ..
المشاكل الصحية التي يخلفها الجلوس الطويل أمام هذه الشاشات كثيرة , ومنها :
في دراسة لسلبيات التلفزيون , ذكر:
64% أن التلفزيون يؤدي الى ضعف البصر
و44% يرون أنه يقيد حركة الجسم , ويحرمه من الرياضة
هذا والمكوث أمام التلفزيون قليل بالمقارنة مع القنوات الفضائية التي لا تتوقف
إهدار الوقت ..
لو أن بلدا عدد سكانهم عشرة ملايين نسمة , وعدد الذين يشاهدون التلفزيون 25% منهم فقط ,
ومعدل الجلوس ساعتين يوميا
فكم يهدر من الساعات سنويا ؟
إنها ( 1750000000) ساعة
وتعادل ( 250000000) يوم عمل تصورا .. مئتان وخمسون مليون يوم عمل .
كيف لو صرفت هذه الساعات في طلب العلم , والدعوة إلى الله , ومساعدة المحتاجين , وإقامة المصانع والمعامل , وغير ذلك من أنواع العمل النافع
كيف لو كان الذين يرون الشاشة أكثر من 25% , كيف لو كانوا يجلسون أكثر من ساعتين . أترك الحساب لكم هذه المرة ..
38 ـ أوقفوا ثورة الجنس الفضائية !
عماد الدين حسين(3/159)
البيان / كل المراقبين للأوضاع الاجتماعية في العالم العربي يقولون إن هناك ثورة مقبلة خلال فترة وجيزة، وإنها حتمية ولا مناص منها إلا إذا حدثت معجزة.
عفواً، سوف يتصور كثيرون أن هذه الثورة المقصودة ستكون ضد أوضاعنا المتردية التي لا تخفى على أحد، لكنها ليست كذلك، إنها للأسف الشديد ثورة الجنس والخلاعة والانحلال المنطلقة من «ثكنات الفضائيات»... كل مقومات هذه الثورة جاهزة، أما المؤشرات والإرهاصات فقد بدأت منذ زمن، ولم يعد متبقياً سوى إذاعة البيان رقم واحد لتدشين هذا الانقلاب غير المسبوق في حياتنا الاجتماعية.
في الانقلابات العسكرية أو الثورات السياسية يكون الأمر منوطاً بفرقة أو سرية أو لواء عسكري أو حزب سياسي، لكن سلاح الثورة المرتقبة هو الفضائيات المنتشرة كالسرطانات حالياً، أما طليعة هذه الثورة «غير المباركة» فهي «الكليبات» ومعها سلاح مساعد يدعى «الشات» أو الدردشة عبر الفضائيات!
وحتى لا يسارع أحد إلى اتهامي بالتخلف والرجعية والانغلاق وربما التطرف، أسارع بالقول إنني أحد المؤمنين بحرية الإعلام بغير حدود، وكنت ومازلت أعتبر نفسي من المعارضين لمعظم السياسات العربية التي قادتنا للكارثة بنفس معارضتي لأطروحات غالبية فرق الإسلام السياسي. لكن الحرية شيء وما يحدث حالياً شيء آخر مختلف تماماً.
قبل فترة قصيرة كان مجرد سماح الرقيب العربي لمشهد قبلة ساخنة في فيلم سينمائي يعتبر حدثاً فريداً تقوم له الدنيا ولا تقعد، لدرجة أن بعض المشاهد في أفلام عربية أثارت طلبات احاطة واستجوابات عاجلة في بعض البرلمانات العربية.. الآن تغير كل ذلك ليصبح تاريخاً ينتمي لحقبة غابرة.
إرهاصات ثورة الخلاعة جاءت من حيث لم نحتسب، توقعناها من الأفلام فقدمت إلينا عبر الفيديو كليب و«الشات»، وتحولت بعض الأغنيات أو «الكليبات» لتنافس أشد القنوات الإباحية الغربية فجوراً.. شخصياً ولأن معظم وقتي أمام التلفزيون محصور ما بين قناتي «الجزيرة» و«العربية» يضاف إليهما أحياناً.
«أبوظبي» و«المنار» وبعض القنوات الرياضية، فلم أكن أشعر بالمشكلة، حتى فوجئت قبل أيام قليلة بابني الصغير الذي لم يتجاوز السنوات الثلاث يحدق بعمق في إحدى الأغنيات المصورة سيئة السمعة، وقتها ركبني مليون عفريت، ولم أجد مفراً سوى تغيير القناة بسرعة إلى الفضائية السودانية التي كانت لحسن الحظ تليها في الترتيب!
هذه الورطة فوجئت إن معظم أصدقائي ومعارفي عايشوها ويعايشونها يومياً، تنغص عليهم حياتهم، والأخطر أنهم لا يعرفون كيف يواجهونها، لأنهم غير مقيمين في المنزل طوال اليوم للتحكم في «الريموت كونترول»، وإجبار الأطفال على مشاهدة قناة «سبيس تون» و«عالم سمسم» وغيره من برامج الأطفال.
ثم إن معظم الأطفال أصبحوا على دراية واسعة لكسر «تحكم الوالدين» وفك شفرات كل القنوات المغلقة، ناهيك بالطبع عن بعض قنوات «الكيبل» المدفوعة الأجر وهي كارثة أخرى، لكن المشاهد يشترك فيها باختياره الحر دون ضغط.
معلوم لنا جميعاً إن ما يتعلمه ويسمعه ويراه الأطفال في سنواتهم الأولى هو ما يستقر في وجدانهم، وإذا كان هذا التعليم مصحوباً بصور، ثم موسيقى ماجنة، يمكننا أن نتصور أي نوع من الأطفال سيكون لدينا في المستقبل.
أحد الأصدقاء أحصى على القمر الصناعي «النايل سات» عشر قنوات غنائية وقناتين للدردشة، لا أحد ضد الغناء الراقي، ولا الدردشة البريئة لكن ما نراه الآن ضد أي منطق وعقل ودين ناهيك انه ضد الخلق السوي والفطرة السليمة.
الطبيعي والمفروض إن الغناء يختص بالصوت وموهبته، وبالتالي فهو موجه إلى إذن المستمع وليس الى عيونه ووجهه وغرائزه، إذا كان الأمر كذلك فهل يمكن لنا على سبيل الافتراض المطالبة بقصر إذاعة هذه الأغنيات مؤقتاً على الإذاعات وليس عبر الفضائيات، وقتها إذا طبقنا هذا الافتراض النظري سنتخلص أولاً من المشاهد الفاضحة، ثم ثانياً سنعرف الموهبة الحقيقية لهؤلاء «المجرمين».
وفي الغالب فإن أكثر من 90% منهم سيتم «كنسلتهم» ووقفهم عن بث السموم على الهواء مباشرة، في هذه الحالة يمكن للمطربين «المكنسلين» العمل كمنادين في «مواقف السيارات العامة» لتطفيش الزبائن، في حين يمكن توظيف المطربات في سجون النساء.
أما البقية المحترمة والتي يثبت أنها تغني بـ «صوتها فقط» فلا مانع من مشاهدتها في التلفاز شرط أن توقع على إقرار خطي قبل التعاقد على إذاعة الأغنية بعدم الاستعانة بـ «الكليب»، وإذا رفضت فعلى محطات التلفزيون اشتراط منع وجود «الحريم» في هذا الكليب، والاكتفاء فقط «بالماء والخضرة والوجه غير الحسن».
كثيرون آملوا أن يؤدي انتشار الفضائيات إلى اتساع مساحة الحرية الحقيقية بمعنى حرية كل الأفكار والتيارات، والتعددية بمعناها الفعلي، لكن النتائج جاءت معاكسة تماماً، وضد كل منطق، والغريب انه بينما أصبح لدينا مئات الفضائيات تقلصت مساحة حرية الرأي والتعبير فيما يتعلق بالقضايا الحقيقية، وفي المقابل أصبحنا نتمتع بحرية نحسد عليها في كل ما يتعلق بالخلاعة والميوعة والتفاهة.
هذا الأمر مع الفارق يذكرنا بمسارعة معظم البلدان العربية الى تبني حرية الأسواق الى درجاتها القصوى والمتوحشة، مقابل التقليص المستمر للحرية السياسية، رغم إن أي تقدم حقيقي لا يمكن أن يسير بدون الحريتين معاً الاقتصادية والسياسية.
ليست كل الفضائيات سيئة، هناك فضائيات جادة، لكنها للأسف قليلة، كما انه ليست كل الفضائيات الغنائية والمنوعة تافهة، لكن معظمها كذلك، والنتيجة أنه يصعب على أي شخص مشاهدة أغنية مصورة مع أسرته وأولاده دون أن يحمر وجهه خجلاً ويسارع بتغيير هذه المحطة. والسبب ببساطة أننا نشاهد في هذه الأغنيات كل ما لا يمت للغناء بصلة، وأصبحنا بصدد مشاهدة «فتيات ليل» يحشدن كل «أسلحة دمارهن الشامل» للإيقاع بالمراهقين مستخدمين آخر ما توصل إليه العلم من «سيليكون» وخلافه!
وفي ظل هذه الحرية لبعض الفضائيات لم يعد المرء آمناً على أولاده الملتصقين طوال الوقت بالتلفاز، وبجانب مصيبة «الكليبات» المنفلتة من كل عقال، أصبح علينا الآن مواجهة كارثة الدردشة أو «الشات» في شريط أسفل الشاشة.
وقراءة كلمات وعبارات ومعاني تقشعر لها الأبدان والآذان، هذه الظاهرة «الشاتية» بدأت بعبارات من قبيل «ابن القاهرة بيمسي على بنت تونس» و«ابن أسيوط بيدحرج االتماسي على بنت الاسكندرية» أو «سندباد السعودية بيموت في عيون بنت لبنان» لكنها وصلت الآن إلى مستوى لا يمكن كتابته في هذه الزاوية لأنه من اختصاص شرطة الآداب!
هل تلك هي الحرية التي نريدها، الحرية التي أفنى البعض عمره من أجل تحقيقها وقضى بسببها معظم سنوات حياته خلف القضبان؟!
البعض يقلد ويتعلق بكل ما هو غربي وأميركي خاصة إذا كان ممعناً في الخلاعة.. الغرب له عاداته وتقاليده وحرياته.
لديهم منظومة قيم تسمح بدخول نجمة تعرى الى البرلمان كما حدث في ايطاليا، أو أن ترشح ممثلة بورنو نفسها لمنصب حاكم كاليفورنيا ضد الممثل شوارزينغر، وتبيح هذه القيم أيضا الزواج المثلي أو تنصيب أسقف شاذ لإحدى الكنائس كما حدث في الولايات المتحدة وليس مستبعداً في القريب العاجل وصول رئيس شاذ على رأس بلدان نووية!!(3/160)
إذا كانت تلك هي الحرية كما يريدونها لنا فلتذهب الى الجحيم، فالتخلف والاستبداد سيكون أرحم ملايين المرات من هذا، ثم إن الغرب لديه مئات الأشياء المفيدة والنافعة، فلماذا لا نقلده فيها مثل التقدم العلمي وحكم دولة المؤسسات وثقافة الديمقراطية والتعددية والشفافية.. لماذا لا نقلدهم إلا في التفاهة والهيافة؟!
المشكلة الأخطر أن البعض من المسئولين العرب ربما يعتقد أن إشاعة ثقافة البورنو والانحلال والعنف سلاح مفيد للغاية، فهو قد يرضي الغرب شكلياً، ثم انه وهذا هو الأهم يلهي الناس في الجنس والهيافة ويغرقهم في الأوهام، ما يصرف نظرهم عن المطالبة بالحريات الحقيقية. لكن ذلك هو الآخر محض سراب وتأجيل للمشكلة ليس إلا لأن الإصلاح قادم قادم، لأنه حتى إذا رضيت أميركا بهذا النوع من «الإصلاح» فلن تكتفي به وستطالب بالمزيد!
قد يكون مفهوماً أن يتسابق أصحاب هذه المحطات الفضائية للربح وجذب أكبر نسبة من المشاهدين حتى لو كان الثمن هو تخريب أجيال بأكملها، لكن غير المفهوم بالمرة هو هذا الصمت الرسمي الرهيب وربما التشجيع الخفي لهذه المحطات من دوائر خارجية وداخلية لغرض في نفس يعقوب! الأمر الذي حول هذا النوع من الفضائيات إلى قنبلة مزروعة في كل منزل، لا نملك نزع فتيلها فمن يا ترى يستطيع؟!
مواجهة هذه المشكلة لا تكون بقرار إداري.. الحل الأمثل هو أن يتكتل كل شرفاء هذه الأمة لإشاعة مناخ من الوعي ونشر وتعزيز القيم المحترمة والشريفة.. مواجهة لا تقف ضد الفن كفن، لأن الفن الجاد نفسه سلاح فعال لمكافحة «الهيروين الغنائي» الذي نشاهده الآن تحت ستار «الفيديو كليب» والذي دفع أحد الساخرين إلى القول بأن «الفارق بين أغنية المطربة..... وأفلام البورنو الخليعة هو إن الموسيقى في النوع الأخير أفضل » !!!
مختصرالأخبار875 السبت9\12\1424 هـ
39 ـ لماذا نسرف في غنائنا أكثر من أحزاننا ؟
جريدة الجزيرة العدد 11486
محرم 1425 هـ
40 ـ الملكة نور : أكثر من نصف المصابين بالإيدز في الشرق الأوسط من النساء
جريدة الجزيرة العدد 11486
محرم 1425 هـ
41 ـ حرب طاحنة
أنا فتاة ملتزمة بشرع الله مستقيمة على طريق الهدى ولكنني وللأسف أقطن في بيت قد نسج الضلال أعشاشه بكل زاوية من زواياه ، أجهزة التلفاز في كل ركن من أركانه .
أشرطة الفيديو الساقطة تنتشر هنا وهناك ، هذا غير " الدش " الذي قرر أخي الأكبر إدخاله إلى منزلنا ليزيد النار حطباً .
كدت أجن من فرط هذه المصيبة ، لم ينقص منزلنا سوى هذا " الشبح " لم أصدق إلا عندما رأيته مصمماً على إدخاله وكان عذره أقبح من ذنبه عندما برر بقوله إني لا أريده إلا لأوسع ثقافتي وأطلع على أخبار العالم .
ولا أظن أن بمشاهدة " الدش " اتساعاً للثقلفة بل هدم للأخلاق ، وغسل لمخ الإنسان وو .. إلخ .
وغيرها من مضار هذا الشبح الذي لا يكاد يخلو بيت منه إلا من رحم ربي .
عزم أخي أمره وأتى به وأمضى الساعات الطوال ساهراً عنده ليل نهار ، لا يمل ولا يكل ، ولم يقف الشر عنده فقط ، بل امتد إلى إخوتي الباقين ، فهم لا يكادون يفارقونه أبداً .
مرت الأيام ونحن على هذا الحال ، فكرت في إزالة هذا المنكر بأي وسيلة وعزمت أمري فلم استشر أحداً حتى أمي التي أنكرته في قلبها ولكن لم تستطع إزالته خوفاً من غضب أخي فأنا وأمي وإخوتي نسكن معه في منزله بعد أن تركنا منزل والدي " رحمه الله " وزوجته وانتقلنا للعيش معه في فلته الكبيرة .
ولكن على الرغم من ضخامتها لا تساوي عندي شيئاً وتمنيت لو أنني ظللت في منزل والدي المترامي ولم أقم مع أخي وضلاله .
تجرأت وقمت يتحطيم " الدش " إلى أن جعلته إرباً إرباً كما فعل الخليل بأصنام قومه ، في البداية قامت أمي بتوبيخي على هذا الصنيع خوفاً عليّ من أخي ، لكنني ووالله لم ينتابني الخوف للحظة واحدة ، ولم أصدق أن أمي تقابل صنيعي بالتوبيخ ، إذن من لي غيرها بعد الله يقف معي ؟! أقام إخوتي الدنيا وأقعدوها عندما علموا بالأمر وكان أشدهم غضباً أخي هذا فقام بتمزيق كتبي ومذكراتي وأنا في الكلية ، ولكنني قابلت الأمر ببرود لأنني أعذره بفعله هذا وقام بضربي ، هذا غير السيل الهادر من الألفاظ والكلمات التي انهالت عليّ منهم جميعاً ، لكنني صمدت ولم يقف بجانبي سوى زوجة أخي هذا وأختي الكبرى فقط ، ألهذا الحد قد فعلت جريمة شنعاء ليفعلوا هذا بي ؟ ألا يعلمون أنني قد خلصتهم من شبح قضى على حسناتهم ، وجعلهم يتخبطون بمعاصيهم ليل نهار ، وإلى الآن والحرب ثائرة ، حتى إنهم اتهموني بمرض الوسواس والجنون هذا مع ألفاظ السخرية والاستهزاء التي يرمون بها عليّ ، حتى إن أخي قال لي يوماً : ( إنني أعذرك لأنك مريضة ) .
هل الذي يسلك طريق الاستقامة والالتزام مجنون ومريض ؟
هل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر متطفل ومصاب بالوسواس ؟
لكنني رغم كل هذا الاضطهاد صادمة صابرة ، وبعد هذا الانتصار أي يعد تحطيمي للدش ، وبعد أن انزاح هذا الهم ، ويعد مضي خمسة أشهر على تحطيمه فوجئت بأخي وهو يدخل بواحد غيره في المنزل ويقول لي " هل إذا كسرت هذا الدش سأعجز عن الإتيان بغيره "
قولوا لي بالله عليكم ماذا أفعل ، ماذا أفعل للانتصار في هذه الحرب الطاحنة بيني وبين إخوتي هداهم الله .
أختكم المضطهدة مريم / القصيم
------------------------------------
تعليق المحرر :
ابتداءً نحيي فيك القوة في الحق والغضب لانتهاك محارم الله في وقت تنازل الكثيرون عن ذلك حتى في بيوتهم
لكننا في الوقت نفسه نتحفظ على طريقة معالجتك المشكلة مع أخيك ، وعلى وصفك لبيته أنه قد نسج الضلال أعشاشه ، رغم أننا لا نعرف حقيقة ما يجري في البيت .
فطريق الاستقامة أختنا الفاضلة ينقل الناس من المنكر إلى المعروف ومن شؤم المعصية إلى لذة الطاعة ، بعد أن يفتح أنوار الإيمان على قلوبهم ، ولا يصنع أبداً جواً من العداوة أو (( الحرب الطاحنة )) خصوصاً مع الأرحام حتى ولو كان في غمار إنكار منكر .
مع إقرارنا بشرعية الإنكار باليد لمن يستطيع لكن بعد الإنكار باللسان وبالحسنى ، فهلاّ جربتِ ذلك ورأيت كيف تكون النتيجة ، ننصحك باستشارة من تثقين به وإعلامه بالتفاصيل ، ونحن بانتظار رسالة قادمة تخبرينا فيها بأن أخاك أخرج " الدش " بيده – بإذن الله - .
مجلة الأسرة العدد 58
42 - رقص وبكاء
نايف رشدان / جريدة الرياض :
عرضت إحدى القنوات الفضائية مشاهد لليهود في أرض فلسطين يعذبون أهلنا نساء ، ورجالاً بطريقة مؤلمة ، وبوحشية تنم عن حقد دفين ، ويقودون الشباب منهم إلى السجن ، ويسحبون بعضهم على الأرض
وفي الوقت نفسه عرضت قناة أخرى مشاهد يتراقص فيها الرجال بطريقة مخجلة
بين هذين المنظرين كانت القصيدة :
علام نشعّل الدنيا قصيدا *** ونحرق بين أضلعنا الوريدا
ويبكي يومُنا ألماً وقهراً *** ويضحك خصمنا طرباً وعيدا
ونشرب حرفنا غصصاً ودمعاً *** ويأبى حرفُنا أن يستزيدا
منانا في هوانٍ مستفيضٍ *** ترنمْ يا هوان فلن تبيدا
تحف بنا النوائب والمآسي *** ويطوينا الأذى بيداً وبيدا
وتسبقنا الدموع إلى الحنايا *** وتمطرنا الخطوب أسىً مديدا
ونشكو للجوامد كلَّ همًّ *** وما نلقى منىً إلا الصدودا
كأنا قد خُلقنا للرزايا *** كُسينا من مغازلها جلودا
كأنا قد لقينا العمر خصماً *** فكان الحزنُ صاحبنا الوحيدا
ونسأل عن أمانينا بشجوٍ *** كأنا أتعسُ الدنيا جدودا
فمن أفنى ثغور السعد فينا *** ومن غال البلابل والنشيدا
ومن أغرى بمجلسنا نحيباً *** ومن أبكى بسفرتنا الثريدا(3/161)
كأنا بالنحيب نعيد مجداً *** كأنا بالبكاء نقيم عودا
كأنا بالتشكي قد بلغنا *** وأوفينا المواثق والعهودا
كأنا بالتوجع قد هتفنا *** لنجلي من مُقَدَّسنا يهودا
***
تغنوا يا بني قومي غناء *** يداعب صوتُه العذبُ البليدا
فهاتِ الناي واضرب كل دفًّ *** وسيّلْ في مواجعنا الجليدا
وناغ من المشاعر كلَّ ركنٍ *** وحرَّك في دواخلنا الجمودا
لأن حياتنا في كل لهوٍ *** لأن الليل يألفنا عبيدا
لأن جمالنا في أن نغني *** وننسى أن في يدنا القيودا
وننسى أن مسجدنا جريحٌ *** وأن أخاً لنا طعناً أبيدا
وأن نساء أمتنا سبايا *** وأن شبابنا للسجن قيدا
فإنا لن نضيع إذا جهلنا *** لأن لنا عن الباغي حدودا
فتلك ضُلوعنا أوتارُ عودٍ *** نهزُّ له المناكب والقدودا
وأم القوم قيثارٌ تدلى *** تهدهدُ بين أضلعِنا الوليدا
سيهربُ كلُّ من يغزو حِمانا *** إذا كانت معازفنا شهودا
ستأتينا الفتوح إذا طربنا *** وألهبْنا الحناجر والخدودا
43 - معهد صهيوني أمريكي يتتبع الفضائيات العربية
مفكرة الإسلام 17 جمادى الأولي 1425هـ :
قالت مصادر صحفية:
إن معهد الشرق الأوسط لأبحاث الإعلام 'ميمري' افتتح خدمة جديدة تضاف إلى أنشطة المعهد الذي يترأسه عقيد سابق في الجيش الصهيوني ومقره واشنطن, والمتخصص في متابعة الإعلام العربي والإسلامي, وتزويد الإعلام والساسة الغربيين, ولاسيما الأمريكيين بما يقال ضدهم أو ضد الصهاينة في مختلف وسائل الأعلام العربية والإسلامية.
والخدمة الجديدة تتمثل في مراقبة محطات التلفزة العربية والإسلامية وتسجيلها وترجمتها وتوفير أشرطة وتسجيلات عالية الجودة لما تبثه تلك المحطات.
و قالت صحيفة الخليج الإماراتية : إنه سيتم بيع هذه الخدمات لوسائل الإعلام الغربية لكي تستخدمها للعرض على الرأي العام الأوروبي والأمريكي.
وخصصت 'ميمري' فريق عمل لمتابعة قائمة طويلة ضمت عددًا من محطات التلفزة العربية والإسلامية على مدى ست عشرة ساعة يوميًا تترجم محتوياتها على الهواء مباشرة للقفز على حاجز اللغة, كما تقول 'ميمري'.
وسيركز فريق العمل على البرامج السياسية والنشرات والبرامج الدينية.
ومن المحطات التي ستتم متابعتها فضائيات العربية, ودبي, والمجد, والقناة الأولى المصرية, ودريم 2 المصرية, والفضائية الفلسطينية, والمنار, وإم.بي.سي, والجزيرة, واقرأ, والقناة الأولى السعودية, والتليفزيون السوري.
وبدأت 'ميمري' نشاطها ببث وتوزيع مقتطفات من خطبة صلاة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة التي ألقاها الشيخ سعود الشريم.
ويعتبر مراقبون أن 'ميمري' المتخصصة فيما يعرف بالتضليل الإعلامي بهذه الخطوة تكون قد أضافت المزيد من الدعم لأنشطتها التي يعتقد كثيرون أنها تأتي بدعم مباشر من الموساد, وذلك بهدف توسيع الفجوة وإشاعة مشاعر الكراهية والخلاف بين العرب والمسلمين من جهة والعالم والرأي العام الغربي من الجهة الأخرى.
وطالب هؤلاء المراقبون محطات التلفزة العربية بمقاضاة 'ميمري' لاعتدائها على حقوق الملكية الفكرية لتلك القنوات بإقدامها على تسجيل برامج هذه القنوات وبيعها ما يعتبر اعتداءً صارخًا على قوانين الملكية الفكرية الدولية,,.
44 - صور رخيصة في الفضائيات
مجلة الجزيرة العدد : 82
ت.ب : الصور الرخيصة لجسد المرأة تحاصرنا في كل مكان باسم الفن وباسم الغناء.. أينما فتحت قناة فضائية أملاً في أن تشاهد ما يشرح صدرك هنا وهناك.. تطالعك صورة غير محتشمة لفتاة عربية تتمايل ذات اليمين وذات الشمال.. يقولون إنها فنانة.. وتحت مسمى الفيديو كليب ترتكب الفنانات العار الذي لا تستطيع أن تمارسه أمام أقرب الأقربين، فكيف ترضى الفنانة لنفسها أن تلبس ملابس أقل حشمة من ملابس النوم أمام ملايين المشاهدين وتدعي في ذات الوقت أنها فنانة.. وإذا تحدث أحد منتقداً هذا السلوك الجنوني قالوا إنها الحرية، وموضة الفن، فنحن في عصر السرعة.. وعصر الحداثة وعصر العولمة.. وكلها كلمات تنال من التراث والحضارة والثقافة وتهدمها هدماً عياناً بياناً.
ما نعرفه عن مفهوم الفن أنه إبداع يرتقي بالذوق الاجتماعي والفهم الاجتماعي ويناقش قضايا الأمة من خلال الكلمة والنص وربما اللحن الجميل.. ويقودك لترى من الواقع ما لا تستطيع أن تراه بمفردك.. لكن ما يحدث في الفضائيات من أغاني لفيديو كليب هو الانحطاط بعينه.، لأنه يهبط بالذوق العام ويتردى به إلى أسفل سافلين، ويغيب المعنى الحقيقي لكلمة فنان، ويجعل هذا السلوك مجرد حركات إثارة تظهر من خلالها المرأة جسدها عبر الكاميرات لينظر إليها الناس، وهي ترتدي من الثياب ما يشف أكثر مما يستر، وتدعي الفن، أو بالأحرى يدعي من يخدعها بذلك أنها تمارس فناً يعجب الجمهور.
هذه الظاهرة التي باتت تنتشر بسرعة، وتسمم شاشات الفضائيات، للأسف تجد التشجيع من الشركات الفنية التي تبحث عن الربح ولا وزن لديها للقيم، والفن الأصيل أو العادات أو التقاليد.. وهذا لا يمنع قيام نقاشات وحوارات تسعى في اتجاه ترسيخ الفن العربي الراقي الذي تتكامل أدواته من نصوص قوية، وألحان جيدة وأداء يمزج كل عناصر الأغنية العربية ليخاطب المشاهد العربي بلغة الإبداع والفن الحقيقي، وليس بلغة الصور المثيرة والجسد العاري والرقص الرخيص.. الخالي من كل دلالات الفن.
45 - الفضائيات أفسدت أطفال العرب
تحقيق: محمد عبد الحميد
أسهمت برامج الأطفال في القنوات الفضائية العربية في إفساد ذوقهم العام من خلال ما تقدمه تلك الفضائيات من إعلانات غير ملائمة وأفلام كارتون تحضّ على الجريمة كالسرقة والكذب والاستهتار بالقيم. هذه هي حقيقة أكدتها دراسة حديثة قام بها خبراء بالمجلس العربي للطفولة والتنمية على شريحة من الأطفال في المنطقة العربية.
نوّهت تلك الدراسة إلى أهمية الدور الذي يلعبه التلفزيون في تثقيف وتوسيع مدارك الطفل من خلال نقل المعارف والخبرات عبر البرامج الهادفة المختلفة، لكن هناك العديد من السلبيات التي تؤثر على الناحية التربوية للطفل، منها زيادة نوعية البرامج التي تحتوي على مشاهد العنف.
كما أشارت إلى أن القنوات الفضائية بسيطرتها وهيمنتها على قطاع كبير من المشاهدين أصبحت بمرور الوقت أشبه بالأسرى، مما أضعف التواصل والعلاقات الأسرية خاصة بين الأطفال وآبائهم.
واعتبرت الدراسة أن التنشئة التلفزيونية أثرت على الأطفال وحوّلتهم من نشطاء مندفعين راغبين في فهم الأشياء والشروع في العمل، إلى أطفال أكثر حذراً وسلبية لا يريدون التقدم واكتشاف ما حولهم.
واستشهد الخبراء في بحثهم بالعديد من الدراسات التربوية التي أجريت في العقد الأخير والتي كشفت عن وجود علاقة بين مشاهدة التلفزيون والتحصيل الدراسي، وأنه كلما زادت مشاهدة الأطفال للتلفزيون انخفض تحصيلهم الدراسي.
كما أشارت الدراسة إلى أن هناك دلائل تشير إلى أن مشاهدة التلفزيون لا تؤدي إلى تقليل وقت اللعب عند الأطفال فحسب، بل إنها أثرت في طبيعة لعب الأطفال، خاصة اللعب في المنزل أو المدرسة.
وأكدت أنه على الرغم من دور التلفزيون في النمو الاجتماعي والثقافي للطفل فإنه قد يؤدي إلى نتيجة عكسية، ويجعل الطفل شخصية ضعيفة منفصلة عن مجتمعها إذا ما ركّز على عرض قيم وثقافات أخرى، كأفلام الكارتون المدبلجة، تؤثر على ذاتية الطفل الاجتماعية والثقافية.
وأوضحت الدراسة أن القنوات الفضائية أصبحت تشكل مدرسة موازية في نقل المعارف والعلوم، وأن عامل التكرار فيما تقدمه من برامج ليست هادفة تؤدي إلى تهميش ثقافة الطفل.(3/162)
وأوصت الدراسة بأهمية بحث القائمين عن الإعلام العربي خاصة قنوات التلفزيون سواء الأرضية أم الفضائية عن برامج جذابة ومشوقة وهادفة قادرة على تحفيز الأطفال على المشاركة في أنشطة المجتمع وإتاحة الحرية لهم للتعبير عن أفكارهم وتنمية قدراتهم على النقد وتشجيعهم على المناقشة والتواصل مع آبائهم.
والتأكيد على أهمية أن تكمل تلك القنوات التلفزيونية الدور التربوي للآباء تجاه الأبناء من خلال حثّهم على احترام الحق في الاختلاف والتعدّد والتنوع والتسامح مع الآخرين، واحترام قيم المشاركة والحرية، وتحفيزهم على الاستفادة من تكنولوجيا العصر المتقدمة من حولهم.
من جانب آخر يؤكِّد خبير علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن مشاهدة التلفزيون تلعب دوراً مؤثراً في حياة الطفل، خاصة في فترة ما قبل المدرسة، وهو أشبه بسلاح ذو حدين، فالعديد من البرامج ليست ذات هدف، وأشار إلى خطورة أن يتجاهل الآباء دور التلفزيون في حياة أطفالهم، وأشار إلى ضرورة تدخل الآباء والقائمين على برامج القنوات الفضائية لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
46 - وسائل الإعلام هل تهدد نظامنا القيمي والإجتماعي
د. محمد الحضيف :
حدثتني إحدى الأخوات الأكاديميات، عن طالبة عرضت على لجنة التأديب، بسبب قضية أخلاقية
قالت الأخت الفاضلة ، إن الطالبة عزت انحرافها السلوكي لمشاهدتها برنامجاً معيناً في التلفزيون
تقول الأخت : لم أستوعب أن يكون التلفزيون مسؤولاً عن انحراف أخلاقي بهذا الحجم
وتضيف : أرغمت نفسي على الجلوس أمام التلفزيون لمشاهدة البرنامج (أفلام مكسيكية مدبلجة) مع بنات قريبات لي.. في سن تلك الطالبة وأصغر.
كانت تجربة مخيفة، والكلام للأخت الكريمة لقد أحسست وأنا المرأة الناضجة بالأثر التدميري الذي تحدثه هذه البرامج في أنساق سلوكية قطعية
الفكرة الرئيسية للبرنامج التي كانت تبرز لي وأنا منهمكة في المتابعة، هي: تطبيع (العلاقات المحرمة) بين الرجاء والنساء
الفكرة الثانية التي تأتي بعدها في ترتيب (مدروس) أن هذه العلاقات أمر (عادي) يمر به كل مراهق ومراهقة
وأنها مرتبطة بفترة معينة.. وأنها يمكن أن تنسى (...).
تمتلك وسائل الإعلام من خلال ما تبثه القدرة على تغيير نظرة الناس إلى الحياة وإلى العالم من حولهم، من خلال تغيير مواقفهم تجاه الأشخاص والقضايا، فيتغير بالتالي، حكمهم عليها، وموقفهم منها، فمثلاً: حينما تمطرنا وسائل الإعلام الغربية بعشرات المواضيع الإعلامية، المقروءة، والمسموعة عن (السودان الأصولي)، الذي (ينتهك) حقوق الإنسان، ويرعى الإرهاب.. تكون النتيجة أن القارئ الساذج والمستمع السطحي يغير موقفه من السودان، فيصبح السودان المسلم.. خطراً يهدد الأمن الإقليمي، وتصبح عصابات جون قرنق الصليبي المتمردة اسمها (الجيش الشعبي لتحرير السودان).
تغيير المواقف والاتجاهات، لا يقتصر على الموقف من الأفراد والقضايا، بل يشمل القيم وبعض أنماط السلوك، وهو ما بدا واضحاً في سلوك الطالبة التي وردت قصتها قبل قليل، فكثيرا ما قبل الناس، وتعاملوا بلا مبالاة، مع سلوك كانوا يأنفونه ويشمئزون منه، وكثيراً أيضاً ما تخلى الناس عن قيم كانت راسخة، واستبدلوا بها قيماً دخيلة، كانت موضع استهجان فيما سبق.
إن (المتغير) الذي دخل حياتنا، وأحدث خللاً في منظومة القيم التي تحكم علاقاتنا تجاه الآخرين (أقاربنا، جيراننا.. بقية أفراد المجتمع)، وتحكم كذلك رؤيتنا للأمور (حلال، حرام، عيب، شرف، عرض) ليس الساقط، وما أدى إليه من وفرة مادية، ولا اقتناءنا للسيارات والأجهزة الإلكترونية المعقدة، وغيرها من منتجات الحضارة الحديثة، إن تعرض منظومتنا القيمية والأخلاقية لسيل لا ينقطع من المفاهيم، والتصورات المضادة والقيم المتناقضة والثقافات (الأخرى) عبر (مصادر) معلومات متعددة، في مقدمتها وسائل الإعلام هو الذي أحدث الخلخلة التي نراها في النظام الأخلاقي والسلوك العام لمجتمعنا.
إن المسألة ليست (هشاشة) ثقافتنا، وقابليتها للاختراق، ولا ضعف (مناعة) نظامنا القيمي ضد الثقافات والأفكار الأخرى، إننا أمام واقع استهدفت فيه مجتمعاتنا في أَضعف حلقاتها.. أطفالها وشبابها وفتياتها، إن سياسة (تجفيف المنابع) في بعض البلاد العربية والإسلامية، وحملات الإثارة الغرائزية والشهوانية التي تقودها (الفضائيات) إضافة إلى انحسار الدور التربوي للبيت، ومؤسسات المجتمع التربوية الأخرى، وعجزها عن تحصين الأطفال والشباب أدى إلى هذا السقوط الأخلاقي الذي نشهده والخلخلة التي تهدد نظامنا القيمي والاجتماعي.
في عملية تغير الموقف والاتجاه سواء على مستوى الأشخاص والقضايا أو على مستوى القيم والسلوك، يبقى الإعلام عاملاً مؤثراً ورئيساً في عملية التحول تلك، فمن خلال الرسائل الإعلامية (المعلومات) الصحيحة، أو المشبوهة، أو حتى المكذوبة، التي تقدمها وسائل الإعلام يشكل الفرد من الجمهور موقفه،
إن الإنسان أياً كان لا بد أن يكون له حكمه الخاص على كل ما يصادفه في بيئته، من أفراد أو قضايا أو سلوك، هذا الحكم تشكل لديه على أساس من المعلومات المتوفرة لديه، ألسنا في طفولتنا نحكم على الأشياء (صواب أو خطأ) من خلال (المعلومات) التي يوفرها لنا والدانا وكذلك يفعل أطفالنا انطلاقا من القاعدة نفسها، إن وسائل الإعلام بما تبثه من كم هائل من الرسائل الإعلامية (معلومات)،
وسعت مساحة نفوذها في عقول أبنائنا وبناتنا على حساب (المعلومات) التي نوفرها نحن لهم، كما أن وسائل الإعلام نفسها استحوذت على الجزء الأعظم من مصادر المعلومات التي نستقي منها فهمنا وبالتالي حكمنا على الأشياء.
إن وسائل الإعلام أًصبحت تؤثر في مواقفنا لأننا أصبحنا نتعرض لها وحدها بطريقة تشبه الإدمان، والنتيجة الطبيعية لحالة التلقي من (مصدر واحد) هي فهم الأمور والحكم عليها بطريقة واحدة من خلال وجهة نظر واحدة، إن وجهة النظر ذات البعد الواحد غالباً بل دائماً ما تكون ناقصة ومنحازة لذا فالاتجاه الذي يشكل لدينا حيال أمر ما بتأثير وسائل الإعلام يحمل السمات نفسها.. أي أنه ليس دائماً صواباً.
التغيير المعرفي Cognitive Change الذي تحدثه وسائل الإعلام في الجمهور أعم وأشمل من تغيير الموقف أو الاتجاه Attitude Change.
المعرفة في أبسط تعريف لها هي (مجموع المعلومات) التي لدى الفرد وتشمل الاعتقادات والمواقف والآراء والسلوك، المعرفة بوضعها هذا، أعمق أثراً في حياة الإنسان، إن التغيير في المواقف طارئ وعارض سرعان ما يزول بزوال المؤثر فيعود كما كان سابقاً، أو ربما ينحى منحى إيجابياً عكس ما كان عليه.(3/163)
أما التغيرالمعرفي فهو بعيد الجذور يمر بعملية تحول بطيئة تستغرق زمناً طويلاً. تؤثر وسائل الإعلام في التكوين المعرفي للأفراد، من خلال عملية التعرض الطويلة المدى لوسائل الإعلام كمصادر للمعلومات فتقوم باجتثاث الأصول المعرفية القائمة لمسألة أو لمجموعة من المسائل لدى الأفراد، وإحلال أصول معرفية جديدة بدلاً منها، إن تأثير وسائل الإعلام في طريقة تفكيرنا وأسلوب تقييمنا للأشياء من خلال ما نتلقاه منها من معلومات يؤدي إلى تحول في قناعاتنا وفي معتقداتنا، لأن العقائد حصيلة المعرفة التي اكتسبناها، أي إن عقيدتنا في شيء هي نتاج ما علمناه عن ذلك الشيء، فمثلاً: نحن نعرف الحلال والحرام وهذه عقيدة، من خلال العلم والمعرفة التي تعلمناها عن ذلك الحلال والحرام، لو سقنا مثالاً لشرح هذا المفهوم فإن دور المرأة في المجتمع وما لها وما عليها هو حصيلة ما عرفناه عن ذلك الدور من تعاليم ديننا، بمعنى آخر وضع المرأة كما رسمه الإسلام هو (التكوين المعرفي) الذي لدينا عن واقع المرأة في المجتمع المسلم.
في مثال المرأة، يحدث التغيير المعرفي، من خلال وسائل الإعلام، حينما تقوم تلك الوسائل بتقديم المرأة ضمن (إطار معرفي) مخالف للتكوين المعرفي الذي لدى الجمهور عن دور المرأة كما تعلموه وآمنوا به، تلجأ وسائل الإعلام في سبيل ذلك إلى استخدام قوالب جذابة، (تعرض) من خلالها المرأة فهي ناجحة لأنها متحررة من ضوابط القيم وهي محط الأنظار لأنها استغلت النواحي الجمالية في جسدها، وهي مشهورة، لأنه عرف عنها مقاومة الأعراف والتقاليد.. وهكذا تتم عملية التغيير المعرفي عبر عملية طويلة، تتنوع فيها جزئيات التكون المعرفي الجديدة التي يراد إحلالها محل المعرفة القديمة.
فهذه مسلسلة تصور العلاقة بين الرجل والمرأة، من خلال رؤية (عصرية) تبدو فيها (العلاقات المحرمة) نوعاً من المتعة العابرة
و(حق) من حقوق الحرية الشخصية، المسلسلات المكسيكية مثال، و(أنا لن أعيش في جلباب أبي) مثال آخر
وهذا مقال يتحدث عن (قصة نجاح) فتاة تغلبت على ظروفها، فتمردت على التقاليد وسافرت وحدها إلى أمريكا، حيث رجعت بأعلى
الشهادات، وقابلت هناك شخصاً فأحبته وتزوجته (...) ثم هناك خبر عن (إنجاز) نسائي، حيث حصدت النساء الألمانيات الميداليات الذهبية في مسابقات العدو للمسافات القصيرة والسباحة الحرة، بينما (فشل) الرجل في تحقيق أي شيء.
لا يخلو (المشهد) الطويل لعملية التغيير المعرفي (المقصودة) الذي تقدمه وسائل الإعلام من امرأة ترأس مجلس إدارة إحدى الشركات، وفتاة حافظت على (عفتها) وهي تعمل في بيئة مختلطة، وقاومت (تحرشات) بعض الرجال قليلي الأدب الذين لا تخلو حتى المجتمعات المحافظة منهم (...)
كما تغرس وسائل الإعلام ذلك في عقولنا.. وتؤكد لنا في كل مناسبة، أن العفة والأخلاق والحجاب (في القلب)، ولا علاقة لها بـ (المظهر) والسلوك (...)، وهكذا تتجمع (جزئيات المعرفة) الجديدة لوضع المرأة بين حياة عصرية، وتمرد على التقاليد وإنجازات (تفوقت) فيها على الرجال لتشكل إطاراً (معرفياً) جديداً، يحل شيئاً فشيئاً محل القديم.
ما سبق ليس إلا مثالاً يوضح كيف يحدث التغيير المعرفي عبر وسائل الإعلام، وإلا فالعملية أعقد من ذلك بكثير، إذ تتداخل فيها عوامل كثيرة، مثل شخصية الإنسان وبنيته الاجتماعية، وتشكيله الثقافي، ونفوذ قوى الضغط الاجتماعي المضادة في المجتمع.
وسائل الإعلام تستطيع أن تحدث تغيراً معرفياً لدى الجمهور متى استطاعت أن توظف العوامل السابقة، وتوجهها في إيقاع واحد متناغم، يعجل بالتغيير المعرفي المنشود، حسب الاتجاه الذي تريده.. ضد ما هو قائم ومناقض له.. ومع ما هو قائم وداعم له.
47 - انتشار"مقاهي الفضائيات" بالسعودية
الرياض-(ا ف ب)-وكالات 6 ديسمبر 1999م
يعيش بعض السعوديين تناقضًا بين موجة غربية تتسلل إلى المجتمع السعودي وبين القوانين الإسلامية في المملكة؛ حيث يمضي البعض سهراتهم أمام قنوات تقدم لهم أجمل نساء العالم، لكن فقط على شاشات التلفزيون، في حين يكون الآخرون في المساجد ودروس العلم والزيارات العائلية.
ويفضل البعض تمضية سهراتهم أمام شاشات الفضائيات التي تبّث المسلسلات الأميركية مثل "باي واتش" الذي تدور أحداثه على الشواطئ الأميركية، وتظهر فيه الممثلات بالمايوه، أو الحفلات الموسيقية التي تحييها مغنيات، ومسابقات تظهر فيها ملكات الجمال.
وفي المقابل يجتمع الكثيرون لمشاهدة قناة الجزيرة الإخبارية السياسية ذات البرامج الجادة والمثيرة حيث يتناقشون حول قضايا المسلمين المشتعلة مثل الشيشان وغيرها.
وتلقى هذه المحطات الفضائية إقبالاً كبيرًا، حتى إنه يظهر نوع جديد من المقاهي وضع على كل طاولة فيها آلة تحكم بالتلفزيونات لإفساح المجال أمام الزبائن لاختيار برنامجهم المفضل بحرية.
وخشية من أن تؤثر هذه المقاهي على سكون الحياة الليلية في الرياض سمحت السلطات السعودية بإقامتها فقط في ضواحي العاصمة، وخصوصا في منطقة "الثمامة" على بعد نصف ساعة من الوسط التجاري.
وتشهد هذه المقاهي التي أطلق عليها اسم "مقاهي الشيشة" نسبة إلى "النرجيلة" إقبالاً كثيفًا لدى السعوديين، وكل منها يمتد على مساحة آلاف الأمتار المربعة، وهناك سبعة مقاهٍ على سبيل المثال في "الثمامة" وحدها، بعضها يستوعب 400 شخص وأمامهم 250 شاشة تلفزيون، وهو يشهد إقبالاً شديدًا مساء الخميس عند بدء عطلة نهاية الأسبوع في الخليج.
وبإمكان رواد المقهى أن يختاروا بين الجلوس على وسائد وفق الطريقة البدوية، أو على كراسي خشبية عالية مثل طريقة الحجاز، أو البرك الرخامية على الطريقة السورية، أو حتى على طاولات وسط الأرصفة وفق الأسلوب الغربي.
ويقول "عبد اللطيف" الموظف الحكومي الذي يخرج عادة مع أصدقائه إلى هذه المقاهي لمشاهدة الأغاني والأفلام: "ليس هناك من مكان آخر للخروج واللهو". وعلى الطاولة المجاورة يمكن مشاهدة سهرة تحييها الراقصة دينا على جهاز التلفزيون.
إلا أن أحد العاملين في المقهى قال: "الرقص ممنوع". في إشارة إلى الحدود المفروضة على ما يجري في هذه المقاهي. ومقهى "الأمم" أحد أهم هذه المقاهي هو حكر على الرجال، ولكن هناك مقهيان آخران في الثمامة مخصصان للعائلات؛ أي الرجال برفقة زوجاتهم وبناتهم أو أمهاتهم. وكل هذه المقاهي محاطة بسور من الجدران في إجراء يعكس حرص السلطات على مراعاة المشاعر الإسلامية. ويقول أحد رجال الأعمال السعوديين: إن السلطات سمحت بهذه المقاهي لأن "أي شيء غير شرعي" لا يحدث فيها، ولأن السلطات تعتبرها "صمام أمان لمجتمع محروم من سبل الترفيه الأبسط مثل السينما".
وفي المقابل فإن المحرَّمات تبقى ثابتة مثل منع الكحول. ويمكن تبادل الأنخاب فقط عبر تناول عصير التفاح ممزوجًا بالمياه الغازية.
ولولا المساجد والكتابات بالعربية والنساء المحجبات والرجال بالثوب والغترة لما أمكن التمييز بين شوارع الرياض وشوارع أي مدينة أميركية من حيث الأبنية الشاهقة والساحات ومطاعم الوجبات السريعة مع استثناء دور سينما أو مسارح أو ملاهٍ ليلية؛ حيث إنها محظورة، وهذا يعني أن الطابع الإسلامي ما زال هو المميز لشكل الحياة
48 – العوضي :الفضائيات تشيع الانفلات الأخلاقي
كتبت ليلى الشافعي:
قال الداعية د.محمد العوضي أن الشباب هم الثروة العظيمة لكل مجتمع, ولابد من استثمار هذه الطاقات في البناء والنماء وتطوير المجتمع.(3/164)
وقال في الندوة الإيمانية التي أقامها فندق كويت ريجينسي بالاس والتي حضرها أكثر من 1500 شخص من الشباب والشابات والكبار إن هذا الجيل اشتد تأثراً وتشكلاً ثقافياً وعرفياً ووجدانياً وسلوكياً.
مشدداً على أن هذه الثروة العظيمة من شبابنا يجب أن تستغل فيما يعود على المجتمع بالخير.
وبين طبيعة عنوان الندوة "للكبار فقط والنداء موجه للشباب" بقوله أن الإنسان في استطاعته مهما كان عمره أن يكون صغيراً أو كبيراً وذلك بالأهداف وبالآمال والتطلعات والسلوك الذي يصدر منك, فالكبر ليس بالعمر.
وأوضح أن العلمانية التي جاءت في البداية لفصل الدين عن الدولة وفصل الدين عن السياسة أصبحت الأن مفهوماً مركباً تتداخل فيه عدة رواسب فكرية وفلسفية يفصل الإنسان عن أي مرجعية أخلاقية سواء أكانت مرجعية عشائرية أو دينية, أو عائلية أو أي مرجعية وتفصله عن أي هدف سلوكي في المستقبل وتحصره في اللحظة وتضخم عنده اللذة والغريزة, وأصبح هذا القطاع يتضخم بطريقة كبيرة عبر شاشات الفضائيات والهدف منها ربحي أصيل .
وأشار د. العوضي إلى أن الهدف من هذه الفضائيات وما تبثه هو ربح مادي لكن النتائج هي انفلات أخلاقي وتفكك أسري وتحويل المرأة إلى حيوان استعراضي.
مبيناً أن هذا الجو الذي يعيشه الشباب من مشاهدة الفيلم إلى مسرحية إلى فيديو كليب, يجعله يعيش في مرحلة التوهان واللامبالاة, والتخبط والحيرة, ويصبح مفصولاً عن الأسرة.
وتطرق إلى الجنس الثالث وفرق بينه من الناحية الشرعية وبين الخنثى المشكل مؤكداً أن الخطورة ليست في وجود الظاهرة ولكن أن تصبح مشروعاً ربحياً أو تدعم من جهات أو تكون مرتبطة بجهات مشبوهة.
وطالب بضرورة أن نفتح عقولنا بتساؤلات هذا الجيل من الشباب, وكيف نتعامل معه ثم كيف نوجه سلوكه حتى يتحكم في نفسه, لافتاً إلى ضعف الشباب وانتمائهم لأصدقاء السوء, وضرب عدة أمثلة حية من شباب وشابات يعانون نفسياً ومتمردون فكرياً.
وأوضح المخرج العام في ظل طوفان الفساد الذي يدخل من كل باب وهو المدافعة والمصابرة .
البوابة الاسلامية وزارة الأوقاف والشئون الاسلامية- الكويت .
49 – هل أنا في حلم؟ تقبيل وحركاته تخدش الحياء في القناة الأولى!!
50 – الدش ليس حلاً
اطلعت على ما كتبته الأخت فاطمة بعنوان " الدش " و " الطفش " في العدد 83 من مجلة الأسرة
فأحببت أن أدلي بدلوي للتخفيف مما تعانيه الأخت من وقت الفراغ .
في البداية أود أن أوضح أن عبادة المسلم لله تعالى لا تنحصر فقط في الصلاة والصيام والزكاة والحج ، وإنما كل عمل أريد به وجه الله تعالى لا يخالف شرعه فهو عبادة حتى النوم الذي يتقرب به المسلم لممارسة يومه عبادة يؤجر عليها ، وكذلك الأكل والشرب إن قصد منهما التقوى لممارسة عبادة أخرى ، وأعمال المنزل من طبخ وكنس وغسيل وتربية .. الخ ، فهي عبادة يؤجر عليها المسلم ، فكل ذلك من شأنه أن يجلب الطمأنينة والسعادة في نفس المسلم ، لأن جهده لا يضيع سدىً ، والمسلم يُسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، كما ورد في الحديث . فحري بنا أن نغتنم ساعات أعمارنا ودقائق حياتنا .
ثم أسألك أختي الكريمة إن كان لديك كما تقولين شغل البيت الذي لا ينتهي ، فكيف يكون لديك وقت فراغ ترغبين أن تقضيه مع الدش ؟ ، بل الأحرى حينما تكونين صاحبة أعمال كثيرة في بيتك أن تكوني بخيلة على باقي الأوقات حتى تتزودي فيها بما ينفعك وينفع مجتمعك وأسرتك ، فتثقفين نفسك وتتقربين بأعمالك إلى ربك جل وعلا ، وتصلين رحمك وتقيمين حلقات تحفيظ القرآن للأطفال أو من هم أكبر سناً ، بأن تحددي السورة أو الجزء كهدف للحفظ ، فتكسبين بذلك أجر تعليمهم بإخلاصك النية .
هناك أخيتي وسائل تستطيعين أن تقضي بها وقتك وتروحي عن نفسك غير الدش ، ومعي هنا عدة أسئلة وددت أن تجيبي عنها بينك وبين نفسك .
- هل وضعت خطة لكيفية استغلالك لوقتك ، والأعمال أو المهمات التي لابد أن تلتزمي بها مثل : " زيارة مفيدة ، مكالمة هاتفية أسبوعية لإحدى أخواتك في الله ، خياطة ، كمبيوتر ، قراءة كتاب مفيد كالتفسير ، قراءة قصة مفيدة ، زيارة مريض .. الخ "
- كم جزءاً حفظت من القرآن ؟
- كم حزباً من القرآن تقرئين في اليوم ؟
- هل قرأت جميع الكتب والمجلات النافعة وسمعت الأشرطة النافعة الموجودة لديك ؟
- هل تداومين على شراء ما جدّ من المحاضرات للمشايخ الفضلاء ؟
- هل تقرئين الكتب المفيدة من الشعر ؟
- هل أنت مُجيدة لمهارة الخياطة أو عمل التصميمات والأشكال الإبداعية ، وهل تستغلين هذه المهارة لتزيين منزلك ؟
- هل فكرت في تنمية بعض مواهبك ككتابة الخواطر والقدرة على التعبير النافع ؟
وجميل أخيتي بعدها أن تصارحي نفسك بمدى حاجتك إلى الدش في منزلك .
أما النقطة التالية فهي قولك ( فنحن البنات لا نعرف كيف نقضي أوقات فراغنا ، على عكس الشباب الذين يذهبون إلى أماكن من غير رقيب ويسهرون الليل ، بينما نحن البنات في حسرة وألم ) ..
اسمحي لي هنا أن أعارضك في فكرتك ، فإذا كان الشباب يذهبون إلى أي مكان دون رقيب ويسهرون الليل كما تقولين ، فهل يعني ذلك أنهم يعرفون كيف يقضون وقت فراغهم ؟! لا يا أختي ، فهم هنا يدمرون وقتهم ودقائق حياتهم ، فماذا سيقولون عندما يسألهم الله تعالى عنها ؟
وكيف يا أخيتي تدّعين أننا معشر البنات في حسرة وألم ، ونحن والحمد لله نهنأ بحياة آمنة مطمئنة في ظل تعاليم ديننا العظيمة ، وفي ظل حياتنا .
هل تتحسرين وتتألمين أننا لسنا كأولئك الشباب الذين يسافرون ويسهرون دون استشعار لرقابة الله تعالى !
إنهم ليسوا في سعادة وهناء ، بل هي سعادة مؤقتة ثم ضيق وطفش ، إن رضا الإنسان بما قسمه الله تعالى له في الدنيا حتى بجنسه لحريّ أخيتي أن يجلب له السعادة والراحة ، فلنستغل نعم الله تعالى لرضاه ولننتفع بها .
أختي العزيزة .. إن الإنسان أياً كان بحاجة لرفقة صالحة تعينه على فعل الخير وتدعو له بظهر الغيب ، فابحثي عنها وتمسكي بها وتآخي معها ، تجدين طعماً للحياة عذباً في ظل الأخوة في الله تعالى مهما كانت الظروف .
وأنصح بالإطلاع على كتاب ( الوقت عمار أو دمار ) لمؤلفه : جاسم المطوع .
أم بشار / سلطنة عمان
مجلة الأسرة العدد 87
51 ـ في ظل الاستخدام الصارخ للمرأة كوسيلة ترويجية
الإعلانات الهابطة تسيء
للمرأة وتخدش حياءها
مجلة المتميزة : لكرامة المرأة أهمية كبرى لا يمكن بدون صونها تخيل مدى ما تحدثه في المجتمع من تغيرات لها أثرها السلبي ،
والمسألة هنا تتجاوز حالة الإرشاد لتلامس قيم الفرد والعائلة ، لذا فإن الإساءة للمرأة ، أو محاولة تتفيه وضعها وإبراز وطأة الإغراء فيها بصورة بهيمية أو استثمارية ، ضمن إعلانات تجارية سلبية ، تنال من رفعة أخلاقياتها ، وتخدش حياءها وتجعل المرأة لحيية تنظر إلى المجتمع وكأنه يتعمد إهانتها والإساءة إليها .
إلى الآن لم يتمكن أصحاب الإعلانات التجارية – الذين يحاولون اختراق حشمة المرأة كمخلوق نظير للرجل ، ويقدمونها عن عمد بشكل مغر ، وفي صورة تبرز فيها شيئاً من مفاتن جسدها – أن يبرزوا أسوأ اختيارهم كي تكون المرأة موضوعاً رئيساً في الإعلان .(3/165)
إن تقديم المرأة نصف العارية ( مثلاً ) ضمن إعلان تجاري يُرغّب الناس لاقتناء بضاعة ما ، يعد من قصور النظرة ، وربما الابتعاد عن الأعراف الأخلاقية مما يحدث حالة من الإرباك لدى العوائل السوية ، التي يتفاجأ أفرادها على حين غرّة بإعلان تلفزيوني سريع يبرز شيئاً في مفاتن جسد المرأة أمام أفراد العائلة ( ذكوراً وإناثاً ) مما يتنافى وعلاقة الاحترام والاحتشام فيما بينهم ، حيث الأب مع بناته ، أو الأخ مع أخواته ، وتدفع المرأة المشاهدة للإعلان مهما كانت درجة عفتها ، ضريبة الكيد لمعنوياتها من حيث لا ترغب ، جراء ذلك الإعلان .
وما دامت الإعلانات عن المرأة تظهرها وكأنها سلعة مكملة للسلعة التجارية ، التي يتحدث أو يعبر عنها الإعلان المعني ، بما يحويه ذلك الإعلان من الخلاعة ، التي تسيء لإنسانية المرأة ، فإن المسؤول الأول عنه هو المعلن (( الوسيلة الإعلانية )) ثم يليه المعلن له ،
فقد جعل التساهل من قبل الرقابات الإعلامية أرباب الاستهداف يتمادون في المحظور بنشر الإعلانات المنتقصة من احترام موقع المرأة في الحياة عبر صناعة إعلانية قاتمة ، يجني القائمون عليها مبالغ طائلة .
إن شعار ( لا للإعلانات الساقطة ) يخص أيضاً موضوع الإعلانات عبر الملصقات الكبيرة المعلقة ، أو الملصقة أحياناً على العديد من واجهات المحال ومنعطفات الطرق ، حتى ليكاد سكوت المجتمع عنها يعد بمثابة رضى أو غطاء ضمني .
إن إبداء بعض الملاحظات حول الإعلانات السلبية المثيرة للغرائز لدى المراهقين والمراهقات ، يغير الكثير من قناعاتهم في ضرورة حفظ قدر من الاحتشام ، كي تبقى الإناث في كل عائلة في وضع يكافئ الذكور من حيث المعنويات ، والحرص على أن يكون الموروث في العرف الأخلاقي على أمثل صورة بينهما ، وبعبارة أخرى فإن الجزئية الهابطة في نموذج الإعلان التجاري المقدم ورقياً أو المعروض تلفزيونياً ، فيها ما يسيء للمرأة .
لقد أثبتت الدراسات المتعلقة بالإعلانات الساقطة تجاهل كرامة النساء في وسائل الإعلام المختلفة ، سواء في التلفزيون أو في المجلات النسائية ، أو في الصحافة بشكل عام ، إذ غالباً ما تظهر الإعلانات تماذج الفتيات فيها ، وكأنهن متصالحات مع أجسادهن بتلك العروض المشاكسة لفطرة المرأة المحافظة لكرامتها من خلال جسدها .
أما بالنسبة للمرأة المسلمة فإن صور الإعلانات المنشورة والمذاعة عن المرأة عموماً ، تسبب لها شعوراً بالامتعاض باعتبارها المرأة التي تملك النموذج الأفضل في حجابها الوافر لشدة عفتها ، لذلك فإن فعاليات الإعلان المسيء لنموذج المرأة السوية ، مسألة مرفوضة قلباً وقالباً عندها .
وبخصوص الإعلانات الغربية الدعائية في مجال الإثارة والمسيئة للمرأة العربية أو المسلمة ، فتلك قضية خبث أولئك الغربيين وحقدهم ، الذين يتعاملون مع فن الإعلان من موقع الإساءة لنساء عربيات ومسلمات ، لم يطلعوا على ضوابط الحشمة لديهن ، متناسين أن حرية المرأة الغربية المزعومة ، قد أوصلتها إلى الحضيض في كثير من الأحيان والمناسبات .
فقبل سنين عرض التلفزيون البريطاني إعلاناً تجارياً فلمياً يقدم شخصا إنكليزياً أشقر يقدم إلى مواطن عربي أسمر شفرة حلاقة واحدة أثناء ما كانا مجتمعين في حفل ترقص قيه فتاة عربية سمراء على رمال صحراء في وقت الغروب ، فإذا بذاك العربي يتنازل عن زوجته لحساب ذاك الشخص الغربي الذي تأبط زوجته مقابل تلك الشفرة .
أي إسفاف هذا ! وأي مغالطة تلك ! وأي ذلة تلك التي جعلت هؤلاء يتندرون بأمتنا !
إنها التبعية المقيتة التي أعطينا لهم زمامها ، فما علينا إلا الرضوخ حيث وجّهُونا !
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
إن الزمن قد تغير كثيراً في توجهات علاقاته بين الشرق والغرب ، وعلى الجميع أن ينتبهوا إلى أن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب كرامة المرأة وسمعتها بأي حال من الأحوال في الإعلانات التجارية وغيرها ..
52 ـ اليهود والسيطرة على صناعة السينما والتلفزيون
والمسرح والثقافة والإعلان التجاري
ذكر الدكتور فؤاد بن سيد الرفاعي في كتابه القيم النفوذ اليهودي في
الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية تلك الحقائق المغيبة :
اليهود وصناعة السينما العالمية
يُسيطر اليهود سيطرة تامة على شركات الانتاج السينمائي .
فشركة فوكس يمتلكها اليهودي ويليام فوكس
وشركة غولدين يمتلكها اليهودي صاموئيل غولدين
وشركة مترو يمتلكها اليهودي لويس ماير
وشركة اخوان وارنر يمتلكها اليهودي هارني وارنر وإخوانه
وشركة برامونت يمتلكها اليهودي هودكنسون *
* جميع هذه الشركات اليهودية يُباع انتاجها في العالم الإسلامي ؟؟ ويتمثل في أفلام الجريمة وفنونها ، واللصوصية وأساليبها ،
والعنصرية اليهودبة واضحة فيها !! ومع ذلك تُعرَض منذ سنين طويلة في بلاد العرب ، وتغص بها صالات العرض السينمائي والتلفزيوني .. ! شكراً لمكاتب مقاطعة إسرائيل !!
وتشير بعض الاحصائيات إلى أن أكثر من 90% من مجموع العاملين في الحقل السينمائي الأمريكي ، إنتاجاً ، وإخراجاً ، وتمثيلاً ، وتصويراً ، ومونتاجاً ، هم من اليهود ...
ولعلّ أبلغ ما قيل في وصف السيطرة الصهيونية على صناعة السينما الأمريكية ، ما ورد في مقال نشرته صحيفة " الأخبار المسيحية الحرة " عام 1938 قالت فيه :
( إن صناعة السينما في أمريكا هي يهودية بأكملها ، ويتحكم اليهود فيها دون أن ينازعهم في ذلك أحد ، ويطردون منها كل من لا ينتمي إليهم أو لا يصانعهم ، وجميع العاملين فيها هم ، إما من اليهود ، أو من صنائعهم .
ولقد أصبحت هوليوود بسببهم (( سدوم* العصر الحديث ))
حيث تُنحر الفضيلة وتُنشر الرذيلة وتُسترخص الأعراض ، وتُنهب الأموال دون رادع ، أو وازع .. وهم يرغمون كل من يعمل لديهم على تعميم ونشر مخططهم الإجرامي تحت ستائر خادعة كاذبة .. وبهذه الأساليب القذرة أفسدوا الأخلاق في البلاد ، وقضوا على مشاعر الرجولة والاحساس وعلى المثل للأجيال الأمريكية ) .
* سدوم : مدينة من مدن قوم لوط عليه السلام ، وتقع في الأردن – بجوار البحر الميت الآن ، والذي لم يكن موجوداً قبل أن يمطر الله عز وجل قوم لوط بحجارة من سجّيل ويقلب ديارهم – ولقد كان في هذه المدينة قاضٍ مشهور بالجشع والجور ، ضربَ العرب به المثل فقالوا : ( أجور من قاضي سدوم ) وسبب جوره ، أنه كان يأخذ من كل مَنْ يفعل الفاحشة أربعة دراهم !!
راجع معجم البلدان ج3/200 ، وكتاب : مجمع الأمثال للميداني ، رحمه الله تعالى .
واختتمت الصحيفة كلامها بالقول :
( أوقفوا هذه الصناعة المجرمة لأنها أضحت أعظم سلاح يملكه اليهود لنشر دعاياتهم المضللة الفاسدة ) .
***********
..... وإذ يصعب سرد أسماء جميع اليهود العاملين في حقل السينما العالمية ، كذلك يصعب سرد أسماء جميع الممثلين من غير اليهود الذين ارتموا في أحضان الصهيونية ، ولذا نكتفي بسرد بعض أسماء هؤلاء على سبيل المثال . فمنهم :
روبرت دي نيرو ، وستيف ماكوين ، وروبرت ريد فورد ، وهايدي لامار ، وفيكتور مايثور ، وشين كونري " جيمس بوند " ، وروبيرت ميتشوم ، ورومي شنايدر ........ وعشرات غيرهم .
وفي بريطانيا يملك اللورد اليهودي " لفونت " 280 داراً للسينما ، ويقوم بنفسه بمشاهدة أي فيلم قبل عرضه ، وقد منع عرض فيلم عن ( هتلر ) من تمثيل ( إليك غينيس ) المؤيّد للصهيونية ، بحجة أن الفيلم لم يكن عنيفاً ضد الهتلرية بالشكل الذي يُرضيه .. !!(3/166)
ويعتبر فيلم ( الهدية ) من أقذر الأفلام إساءة للمسلمين العرب ، وهو من انتاج اليهودي البريطاني " روبرت غولد سميث " .
ويروي الفيلم قصة عدد من أمراء العرب الذين يصطحبون عشرات من " حريمهم " المحجبات إلى باريس ، حيث ينطلق الأمراء في بعثرة ملايينهم لاصطياد العاهرات* ... ومنهن بطلة الفيلم اليهودية ، وفي نفس الوقت يغلقون أبواب غرف الجناح الضخم في الفندق على نسائهم " الحريم " ، ولا يسمحون لهن بالخروج من غرفهن .
وحين يُخطئ خادم عجوز في قرع باب جناح " الحريم " ، يغلقن الباب ، ويهجمن على الخادم العجوز ، ويجبرنه على تعاطي الفاحشة معهن جميعاً .. !! ويجري كل ذلك وسط قهقهة المشاهدين الذين ينجح بينهم الخبث الصهيوني عبر هذا الفيلم وأمثاله ، في تبشيع صورة المسلم العربي في فكره وعاطفته ...
* معلوم لكل عاقل : أنَّ سلوك الشخص صورة عن فكره وعقيدته .. فإذا كان الرجل بعيداً عن دينه ، لاهثاً وراء شهواته ، فإنه يعطي صورة سيئة للمسلم !! والحقيقة إنه لا يمثل إلا نفسه .
لكن أعداء الإسلام يتخذون من مثل هذا الضائع وسيلة للإيقاع بكل العرب المسلمين ، بدافع الحقد الدفين وحسبنا الله ونعم الوكيل .
وفيلم " أمريكا .. أمريكا " الذي يُظهر العرب بمظهر المجرمين الذين يقتلون المصلين داخل الكنائس
ثم يذهبون لاحتساء الخمر في الحانات !!
***********
واليهود يعلمون أنَّ أغلب رواد السينما من صغار السن ، أو من طبقة العمال الفقراء ، لذا فإنهم يعمدون إلى إثارة غرائزهم ، وإفساد أخلاقهم بما يقدمون لهم من أفلام الجنس والجريمة والسرقات والقتل * .
كما أنهم وراء أفلام الدعارة التي توزّع في قصور الأغنياء لهدم الأسر الارستقراطية ، ونشر الانحلال بين جميع الناس في العالم !!
* تحدث أحد مفكري الغرب النصراني في احتفال عام أقيم في نيويورك بتاريخ 31 / 11 / 1937 قائلاً :
( بواسطة وكالات الأنباء العالمية ، يغسل اليهود أدمغتكم ، ويفرضون عليكم رؤية العالم وأحداثه كما يريدون هم لا كما هي الحقيقة ..
وبواسطة الأفلام السينمائية ، يغذي اليهود عقول شبابنا وأبنائنا ، ويملأونها بما يشاؤون ، فيشب هؤلاء ليكونوا أزلاماً لهم وعبيداً ..
خلال ساعتين من الزمن ، هي مدة عرض فيلم سينمائي ، يمحو اليهود من عقول شبابنا وأجيالنا الطالعة ، ما قضى المعلم والمدرسة والبيت والمربي عدة أشهر في تعليمهم وتثقيفهم وتربيتهم ... ) .
" أدريان أركاند – نيويورك " ، راجع اليهودية العالمية – عبد الله حلاق .
صفحة : 73
اليهود وشبكات التلفزيون العالمية
حين يًذكر التلفزيون ، تبرز شبكات التلفزيون الأمريكية كأقوى شبكات للتلفزيون في العالم ، والتي يسيطر عليها اليهود سيطرة شبه تامة ..
حيث تنتشر في الولايات المتحدة ما بين 700 – 1100 شبكة بث تلفزيوني .
وتعتبر الشبكات الثلاثة المسماة : [ A.B.C و C.B.S و N.B.S ] أشهر شبكات البث التلفزيوني في العالم ، وجميعها تحت نفوذ الصهيونية .
فشبكة " A.B.C " يسيطر عليها اليهود من خلال رئيسها اليهودي " ليونارد جونسون " .
وشبكة تلفزيون " C.B.S " يسيطر عليها اليهود من خلال رئيسها اليهودي ومالكها " ويليام بيلي " .
وشبكة تلفزيون " N.B.C " يسيطر عليها اليهود من خلال رئيسها اليهودي " الفرد سلفرمان " .
ولكي ندرك مدى خطورة السيطرة الصهيونية على هذه الشبكات الثلاث ، يكفي أن نشير أنها تعتبر الموجّه السياسي لأفكار ومواقف حوالي 250 مليوناً أمريكياً ، بالإضافة إلى مئات الملايين الآخرين في أوربا وكندا وأمريكا اللاتينية ، بل وفي جميع أنحاء العالم * .
* لقد صرف حكام المسلمين ملايين الدولارات لشراء القمر الصناعي " عربسات " ، لا ليستخدموه ، كما تستخدمه الدول المتقدمة – مادياً - ، من عرض للبضائع بين القارات وتقديم الخبرات التقنية والعلمية والعسكرية ، ولكنهم دفعوا هذه الأموال ليتمكنوا من الاتصال الدائم بهذه الشبكات لتزودهم بالسموم التي تُخدّر الشعوب الإسلامية ، وتشغلهم عن الواجبات التي خلقهم الله من أجلها ، وكأن مهمة " القمر الصناعي " عندنا مقتصرة على نقل : الفنون الشعبية ، والمباريات الرياضية ، والمهرجانات السينمائية ، والحفلات التافهة ، والفوازير الرمضانية ... وهذه مصيبة تضاف إلى مصائبنا الكثيرة .
وتبرز السيطرة اليهودية على برامج التلفزيون الأمريكية من خلال العديد من البرامج ، فقد قدمت شبكة (N.B.C ) طوال شهر شباط من عام 1964 م ، سلسلة من الحلقات الدينية عن شخصيات من العهد القديم " التوراة المحرّفة " ، قدمها راهب لوثري اسمه " ستاك " .
وكانت هذه الحلقات جزءاً من المخطط اليهودي لاقناع الرأي العام الأمريكي بأن اليهود يشتركون مع الأمريكيين في عقيدة واحدة ، وبأن اليهود أبرياء من دم المسيح عليه السلام !! *
نحن المسلمين نعتقد جازمين بأن عيسى عليه السلام لم يُقتل على يد اليهود – رغم محاولاتهم ذلك – وإنما رفعه الله عز وجل إلى السماء .. قال تعالى : ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم ) النساء .
واعتقادنا هذا لا ينفي عن اليهود صفات الغدر واللؤم والخسة والشر ، وهي صفات تأصلت في نفوسهم ، وأثبتها القرآن الكريم لهم .
وقدمت شبكة ( A.B.C ) برنامجاً عن جهاز المخابرات اليهودية " الموساد " على مدى أسابيع ، وبمعدل أربع أيام في الأسبوع ، وكانت حلقات المسلسل تطفح بالمديح لليهود ، وتظهرهم بمظاهر الشجاعة والذكاء والتضحية !!
وفي نفس الوقت الذي كانت شبكة ( A.B.C ) تبث فيه حلقات " الموساد " كانت تبث حلقات عن المظالم التي يزعم اليهود أن العهد النازي الهتلري كان يوقعها بهم ؟؟
وبتلك الأساليب الخبيثة نجحت الصهيونية في اكتساب عطف الرأي الأمريكي ، واعجابه في وقت واحد !!
كما حرصت شبكة ( A.B.C ) في بداية الغزو اليهودي للبنان على بث مقابلة مع " عزرا وايزمن ، وزير الدفاع اليهودي الأسبق ،
وكانت المقابلة حول كتابه : " المعركة من أجل السلام " ، لتوحي للرأي العام الأمريكي بأن كل ما يقوم به اليهود هو من أجل السلام !! ولو أدى الأمر إلى غزو واحتلال أراضي دولة مجاورة ؟؟ وما يصاحب ذلك من تقتيل وتشريد الآلاف من الناس ......... !
***********
وتمتد أذرع الأخطبوط الصهيوني إلى شبكات التلفزيون والإذاعة " الفرنسية " .
وقد ظهر النفوذ اليهودي واضحاً في قيام التلفزيون الفرنسي ببث العديد من البرامج والمسلسلات التي تروّج الدعاية للصهيونية .
فقد حرص التلفزيون الفرنسي عندما زار الرئيس " فرانسوا ميتران " الكيان الصهيوني . على استضافة الفرقة الموسيقية اليهودية المسماة بـ " أوركسترا أورشليم " ، كما قدّم فيلماً وثائقياً بعنوان " إسرائيل .. لماذا ؟ "
كما قدمت الإذاعة الفرنسية برنامجاً إذاعياً بعنوان " صوت إسرائيل " .
ومن الأفلام التلفزيونية التي عرضها التلفزيون الفرنسي فيلم " عملية عنتيبي " الذي يروي " بطولات " الجنود اليهود في عملية تحرير رهائن مطار " عنتيبي " في أوغندا ؟؟
كما عرض فيلم " القرصان " الذي يُظهر العرب بصورة مشينة ، في الوقت الذي يُظهر فيه اليهود بمظهر الأبطال !!
***********
وامتدت أذرع الأخطبوط الصهيوني إلى التلفزيون " الإيطالي " ،
فقد عرض في 26 / 9 / 1982 ، فيلماً وثائقياً بعنوان : (( قنبلة من أجل السلام ))(3/167)
وقد كان الهدف من عرض الفيلم هو بث الذعر من محاولة " باكستان " امتلاك قنبلة نووية ....... وقد تضمن الفيلم مقابلة مع " بيغن " أكَّد خلالها : ( أن اليهود لا يطيقون أن يمتلك عدوهم مثل هذا السلاح حتى ولو كان هذا العدو غير عربي !! )
***********
ومن الأفلام التلفزيونية التي تفوح منها رائحة الخبث الصهيوني / مسلسل ( تعلم اللغة الانجليزية ) الذي عرضه التلفزيون البريطاني ،
وتدور حلقاته حول خليط من الناس ينتمون إلى شعوب مختلفة ، ويجمعهم ، صف دراسي في إحدى مدارس تعليم اللغة الانجليزية للأجانب ، وقد حرص مخرج المسلسل اليهودي ، على أن يحشر في الفيلم طالباً باكستانياً مسلماً ، وآخر هندياً من طائفة السيخ ، ولا يترك هذا الهندي الخبيث مناسبة إلا ويوجّه إهاناته للباكستاني المسلم بصورة يقصد بها الإساءة للإسلام * .
* تم عرض هذا المسلسل في كثير من تلفزيونات العرب ؟؟
ففي إحدى حلقات المسلسل ، يطلب الأستاذ الانجليزي من الهندي اختيار كلمة مرادفة لكلمة " غبي "
فيسارع الهندي ليعطيه كلمة " مسلم " *
* ثبت بأن الوثنيين الهنود أتقنوا فن النفاق ، وسياساتهم مع العرب مبنية على ذلك ، فهم في الظاهر أصدقاء للدول العربية ، وفي الخفاء يقدمون كل عون مادي ومعنوي لإسرائيل ... منذ أيام طاغور ونهرو وغاندي إلى هذه الساعة !!
فللعرب – من الهند – الكلام المعسول ، ولإسرائيل الدعم الفعّال !! بالتنسيق الكامل – طبعاً – مع الاتحاد السوفياتي والولايات الأمريكية ... ومن أراد الاطلاع على المزيد من هذا الخبث الهندي ، فعليه مراجعة الكتاب القيم " الحلف الدنس " أو " التعاون لهندي الإسرائيلي ضد العالم الإسلامي " ، لمؤلفه : محمد حامد .
اليهود والمسرح العالمي
لم يكتف اليهود بالسيطرة على دور الإعلام والصحف ، بل امتدت أذرع الأخطبوط الصهيوني إلى المسارح أيضاً ، وتحكمت في توجيهها .
ففي انجلترا سيطر اليهود على أقدم المسارح هناك ، وهو المسرح الملكي الذي يمتلكه اليهودي اللورد ( لوغريد ) .
كما يمتلك شركة مسارح أخرى اسمها" شركة بيرمانز اند ناتان ليمتد "
كما يمتلك مسارح ومنها : دوري لين
لندن بوليديوم
فكتوريا بالاس
أبوللو
ذي ليريك
ذي غلوب
الملكة
ذي لندن كولوسيوم
ذي لندن هيبوورم
ولقد كانت السيطرة على صناعة المسارح البريطانية هدفاً يسعى إليه اليهود ، واشتد سعيهم حين كانت مسرحية شكسبير الشهيرة ( تاجر البندقية ) تستقطب اهتمام الجماهير البريطانية ، وتؤثر تأثيراً سلبياً ، وبعنف ، في نظرة البريطانيين إلى اليهود ..
ولقد نجح اليهود في تحقيق هدفهم ، حتى لم تعد مسرحية " تاجر البندقية " تجد مسرحاً واحداً في طول بريطانيا وعرضها ، يقبل أن تُعْرض المسرحية على خشبته !!
ولم يكتف اليهود باحتواء صناعة المسارح البريطانية ، ومنع أية مسرحية معادية للصهيونية من أن ترى النور . بل – أيضاً – سخَّروا المسرح البريطاني لبثّ الدعاية السافرة للصهيونية من جهة ، ولِبثّ الدعاية المضادة للعرب المسلمين من جهة أخرى .
ومن المسرحيات التي تفوح منها روائح الخبث الصهيوني
مسرحية ( القشعريرة ) ، التي بُدِئ بتقديمها في عام 1981 ، فوق خشبة أشهر مسارح " الوستاند " شارع المسارح الشهير في لندن .
وتدور أحداث المسرحية حول تاجر عربي ثري اسمه في المسرحية (( محمد العربي )) ، يُبذّر أمواله الطائلة في شراء أفخر الخمور ، وأغلى الهدايا لفتاة انجليزية ... بغية التمتع بجسدها ، وإشباع شهوته الحيوانية .. إلى أن أنفق كل أمواله دون أن يظفر من الانجليزية اللعوب بشيء !! ثم لا يلبث أن يجد نفسه على قارعة الطريق .. ولم يعد في جيبه فلس واحد ؟؟
وينبغي الإشارة إلى أن اطلاق اسم " محمد " ، على بطل المسرحية ، ليس مجرد اطلاق اسم فقط ! بل لقد اختير هذا الاسم بخبث شديد في محاولة للتعريض بنبي الإسلام الكريم صلوات الله وسلامه عليه .. كما أن اطلاق اسم " العربي " كإسم لعائلته ، يُقصد منه أيضاً التعريض بالعرب .
***********
وكان من الطبيعي أن ينتهز اليهود – وهم يسيطرون على صناعة المسرح – هذه االفرصة ليُسخّروا هذه الصناعة في تحقيق مخططاتهم التي نصّت عليها بروتوكولات " خبثائهم " ، ومنها نشر الفساد والميوعة في الأجيال الناشئة ، ليسهل عليهم قيادها .
فكان اليهود روّاد تجارة الجنس الداعرة ، لا في السينما فحسب ، وإنما على المسرح أيضاً .
ومسرحية ( هير ) تشهد بذلك ، وهي مسرحية منحلة إباحية ، عُرضت على خشبات مسارحهم في لندن ، يظهر فيها الممثلون والممثلات عراة ، ويمارسون الفاحشة فوق خشبة المسرح ، ولم يلبثوا أن انطلقوا بهذه المسرحية إلى عواصم البلاد الأخرى ؟؟ كباريس ونيويورك ، وهمبورغ ، واستكهولم .. ؟!
ألا ساء ما يفعلون !!
اليهود والحركة الثقافية العالمية
وتمتد أذرع الأخطبوط الصهيوني مرة أخرى لتسيطر على كبريات دور النشر والطباعة في العالم .
ففي الولايات المتحدة يُسيطر اليهود سيطرة تامة على أكثر من خمسين بالمائة من دور النشر والطباعة .
وتُعتبر شركة " راندوم هاوس " للنشر ، التي أسسها اليهودي " بنيث سيرف " ، من أشهر دور النشر في العالم .
ولقد بلغ من تفاقم السيطرة الصهيونية على دور النشر الفرنسية ، أن المفكر الشهير " رجاء جارودي " ، الذي كانت دور النشر الفرنسية والعالمية تتسابق لنشر كتبه ، لم يجد دار نشر فرنسية واحدة تتبنى كتابه : " بين الأسطورة الصهيونية والسياسية الإسرائلية " أو " ملف الصهيونية " ، وهو كتاب ألفّه بعد أن اعتنق الإسلام .
هذا ويبدي اليهود اهتماماً خاصاً بالكتب المدرسية والجامعية . فهي الغذاء الثقافي الذي يُكوّن فكر أجيال المستقبل .
والتي يحرص اليهود على غسل أدمغتها ، وترويضها ، لخدمة أهداف الصهيونية ومخططاتها .
وفي الولايات المتحدة يُجبر طلاب المدارس التي تسيطر عليها الصهيونية ، على دراسة كتاب اسمه " كيف نما الشعب اليهودي " ، الذي يؤكّد حق اليهود التاريخي والعقائدي في فلسطين ..
وفي فرنسا ، عندما احتدمت معركة الرئاسة في أوائل عام 1981 م ، عقدت الجمعية العمومية للجمعيات اليهودية برئاسة " روتشلد " ، اجتماعاً أعلنت فيه شروطها في المرشح الذي يطلب تأييدها ، ومن أول هذه الشروط ، ادخال مادة " تاريخ الشعب اليهودي " ، في برامج التعليم الفرنسية ، وبنوع خاص ، الفصل المتعلق باضطهاد ألمانيا النازية لليهود *1 !!
كما يدرس الطلاب الفرنسيون في أحد كتبهم المقررة من وزارة التربية الفرنسية أن :
(( هؤلاء الرجال الذين يحملون اسم " محمد " هم مجانين *2 ..... !!
وأن كل 15 أو 20 فرداً منهم يُقيمون في غرفة واحدة .
استأجرها " محمد " آخر أكثر خبثاً منهم *3 .. !! ))
*1 : من هنا نرى حرص اليهود على غسل دماغ العالم ، وترويضه لخدمة أهدافهم .
ونذكر في هذا الصدد : أن اليهود يُدرَّسون أبناءهم في مدارس الحكومة " الإسرائيلية " : التوراة والتلمود ، بصورة مركّزة ، حيث خصصوا لها حصصاً كثيرة في الأسبوع الواحد .. ومن الموضوعات الأساسية التي تُدرّس لهم ، موضوعات القتال التي وردت في " سفر يوشع " من التوراة المحرّفة ، والذي يُعتبر من المواد الأساسية في برنامج وزارة المعارف والثقافة اليهودية ، حيث أن لهذا السفر الشرير تأثيراً إجرامياً على نفسية الطلاب اليهود .
إن تدريس الدين اليهودي للطلاب اليهود ، بهدف إلى تخريج صنف يميل إلى البطش والانتقام ثم الاعتزاز بعقيدته الباطلة .(3/168)
بينما في مدارس المسلمين ، يقطعون لطلاب من جذورهم الإسلامية ، ويربطونهم بالزعماء ، والنمط الغربي أو الشرقي ، فينشؤوا على التقليد والفراغ الروحي ، ويكون اهتمامهم بالكرة والموسيقا وتوافه الأمور ، وهذا تبع لبرامج اليونسكو ( اليهودية ) ؟؟ يساندها – طبعاً – تلاميذها العرب والمحسوبون على الإسلام ؟؟ .
*2 : ذكرت إحدى الجرائد الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 2 / 4 / 1981 ، أن هذا الكتاب يُدرّس في بعض المدارس الأجنبية في الكويت وفيها بعض أبناء المسلمين .. ؟؟
شكراً لوزارة التربية !!
*3 : أقول : نترك الرد على هؤلاء ليرد عليهم المستشرق المنصف " وليم موير "
الذي امتاز بالدراسات التاريخية إذ يقول :
( لقد امتاز محمد – صلى الله عليه وسلم – بوضوح كلامه . ويسر دينه . وقد أتم من الأعمال ما يُدهش العقول . ولم يعهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس ، وأحيا الأخلاق ، ورفع شأن الفضيلة في زمن ، كما فعل محمد – صلى الله عليه وسلم – نبي الإسلام ) ا.هـ
ويقول الكاتب الانجليزي المعروف " برنارد شو " ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إني أعتقد أن رجلاً كمحمد – صلى الله عليه وسلم – لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم ، لتم النجاح له في حكمه ، ولقاد العالم إلى الخير ، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة ... ) ا.هـ
ومن هنا نرى الفرق كبيراً بين العلماء المنصفين والجهلة الحاقدين ..... ولو كانوا من جلدة واحدة !!
اليهود وصناعة الإعلان التجاري
تستغل الصهيونية الإعلانات التجارية استغلالاً بشعاً في الإساءة للعرب المسلمين .
ويتفنن اليهود المسيطرون على غالبية وكالات الإعلان العالمية في إظهار العربي في إعلاناتهم بصورة الهمجي ، أو الأبله ، أو الغارق في شهواته .
ففي إحدى الإعلانات التلفزيونية التي عُرضت في الولايات المتحدة الأمريكية ، إعلان عن أحد أنواع الصابون .. ويبدأ الإعلان بصوت المذيع يؤكّد أن صابون " كذا " ينظف أي شيء .. حتى العربي .. !
ثم يظهر على شاشة التلفزيون شخص يرتدي الزي العربي المميز ، والأوساخ والقاذروات تملأ وجهه وملابسه ، ثم تتقدم منه فتاة تكاد تكون شبه عارية ، لتدفع به في " بانيو " مليء بالماء ، وتبدأ في تدليكه بصابون " كذا " ، ثم تخرجه من البانيو لتقول بخبث يهودي واضح :
( عفواً سيداتي سادتي .. نحن نتحدى أي صابون آخر أن ينظف هذا العربي أكثر مما نظفه صابون " كذا " ، لقد بذلنا كل ما في وسعنا لنجعل صابوننا أقوى فاعلية .. ) .
وفي هذه اللحظات يدخل شاب بيده ورقة تفتحها الفتاة وتقرؤها بحماس :
( سيداتي سادتي .. جاءنا الآن من مختبرات " كذا " أن صابون " كذا " في قمة الفاعلية .
وأن العيب في عدم نظافة العربي ، ليس بسبب قلة فاعلية صابون " كذا " ، ولكن لأن العربي لا يمكن أن يصبح نظيفاً أبداً .. ) .
وبهذا ينتهي الإعلان الوقح الخبيث .
وإعلاناً تلفزيونياً آخر لترويج سائلٍ خاص تقذفه النساء في وجه من يريد التحرش بهن ، فيفقد وعيه .. وكان الفيلم الدعائي يصوّر فتاة تسير باطمئنان ، ثم يفاجئها رجل يرتدي الزي العربي المميز ، ويهجم عليها ، وبيده خنجر يريد اغتصابها ، فتقذف الفتاة السائل في وجهه ، فيفقد العربي وعيه ، وتبصق الفتاة عليه ، ثم تمضي في سبيلها !!
وفي أثينا العاصمة اليونانية ، عرضت إحدى السينمات إعلاناً عن دواء منشط للطاقة الجنسية ، يظهر فيه عربي بلباسه المميز ، وقد امتلأ رأسه شيباً ، وانحنى ظهره بسبب كبر سنه ، يتوقف أمام كشك لبيع المجلات الداعرة ، فيأخذ واحدة ويتصفحها فيسيل لعابه .. وفجأة تمتد إليه يد تحمل المنشط الذي يدور الإعلان حوله " فيكرع " العربي الزجاجة كلها بسرعة البرق ليتحول إلى حصان هائج مائج يُلاحق الفتيات في الشوارع بهمجية وحيوانية ، وبصورة مضحكة تستدر ضحكات المشاهدين وقهقهاتهم* !!
* على الرغم من كثافة الحملات المستمرة ضد الإسلام والمسلمين في أجهزة الإعلام الغربية .. وما ينشرونه من أكاذيب وافتراءات .. نرى فسقة المسلمين يتكالبون على أوربا ، وينفقون أموالهم في معصية الله عز وجل وتشويه صورة المسلمين هناك .. يا قوم : قليلاً من الحياء !!
اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً .
صور متفرقة من أساليب
الهجمة الصهيونية ضدّ المسلمين
لم يكتف اليهود في حرب الإسلام وأهله بوسائل الإعلام المختلفة ، وإنما استخدموا معامل الملابس ومطابع الورق أيضاً :
فقد تم في العاصمة البلجيكية " بروكسل " طبع أول سورة " مريم " ، وأول سورة " البقرة " ، على ورق التغليف ليستعملها يهودي في محلاته .
أما محلات اليهودي " ماركس سبنسر " في لندن ، فقد أنتجت ملابس داخلية طُبعت عليها عبارة " لا إله إلا الله " ، وتعمد مصممها أن يكون لفظ " الجلالة " ملاصقاً لموقع العورة !!
وفي " لندن " أيضاً نشرت مجلات الجنس الداعرة صوراً لفتيات عاريات من كل شيء في أوضاع مخزية تحيط بهن قطع تحمل آيات القرآن الكريم !!
ولقد أطلق اليهود في " جلاسكو " ببريطانيا ، وغيرها من المدن الأوربية ، على مواخير الخنا والدعارة اسم " مكة " ، بقصد السخرية من الإسلام وأهله .
وفي مدينة " بازل " السويسرية ، بُنيَ مأوى الخنازير في حديقة حيوانات المدينة على هيئة مسجد إسلامي !!
وفي قبرص : وضع يهودي اسم الجلالة " الله " على نعال الأحذية الرياضية .. ألا ساء ما يفعلون .
وفي أوربا انتشر كاسيت لموسيقا الديسكو ، سجّلت عليه سورة قرآنية كريمة .. قال تعالى :
( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) آل عمران : 118 .
وفي أمريكا طُبعت صور ترمز إلى علماء المسلمين على ورق التواليت * !!
* أقول : إن هذه الأساليب القذرة لن تُجدي نفعاً ، مهما خُيّل للمشركين الفجار ، والكافرين الأشرار ، أنها ناجحة في النيل من الإسلام وأهله .
قال تعالى " إن الذين ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون "
وقال عز وجل " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتمُّ نوره ولو كره الكافرون " .
53 - الإعلام وأثره في تدمير الأخلاق
د. طارق الطواري
يخطئ من يظن أن الإعلام اليوم بريء من تدمير الأخلاق وتضييع الدين وليس ثمة تفسير لتزايد المحطات الخلاعية الفضائية بشكل مطرد والتسويق للريسيفرات التي تفك الشفرات بل وعرض هذه المحطات كسلعة وسبيل لكل راغب وتغاضي الرقابة عن ذلك إلا مشاركة في الهدم والتدمير للأخلاق
وقد سبق أن كتبت مقالاً في الرأي العام بعنوان ( رسيفر يفك التشفير ) ووجهت اللوم فيه لوزارة التجارة ورقابة وزارة الإعلام على ما يفعل هذا الجهاز من تدمير الأخلاق ولكن دون جدوى
وما زال الحبل على الجرار فجاء رسيفر جديد يفك أكثر من 40 قناة مشفرة بما فيها 20 قناة إيباحية بالكامل وجاء البلوتوث والإنترنت المفتوح والأفلام المستنسخة التي تباع في الطرقات والمحلات دونما رقابة .
ولو سألت عن مدى تأثير هذا الإعلام على الأخلاق في المدى البعيد سواء كان إعلاما مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً يتصدر الكل فيه جميلات العالم والأجساد الرخيصة لكان الجواب بالآتي:
أولاً : تشجيع الناس على النظر إلى الحرام :(3/169)
وترك أمر الله تعالى بغض البصر ، حيث اعتاد الناس على مشاهدة العري في الأفلام والمسلسلات وحتى نشرات الأخبار حيث تخرج المذيعة بأبهى زينة وكأنها راقصة والرجال ينظرون إليها متجاهلين قول الله تبارك وتعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون )
تقول لأحدهم : غض يصرك يقول لك وهو قد أدمن النظر : اغسل عينيك بذاك الجمال ، عن جرير رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة قال : اصرف بصرك رواه مسلم .
وليس من لا يدع شاشة التلفاز وهو يدقق بالمذيعة ، والنظر إلى الحرام يؤدي للوقوع فيه ، إنتشار الايدز .
كل المصائب مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
فقد بدأ مرض نقص المناعة المكتسبة بخمسة عشر مريضاً ثم انفجر الرقم ليصل إلى ما يزيد على 42 مليون مصاب يتوزعون في شتى بقاع الأرض ، ومنذ ظهوره حتى اليوم قتل المرض المرعب عشرين مليون إنسان منهم حوالي ثلاثة ملايين هذا العام وما زال مستمراً .
إنه باختصار مرض يتكلم بالملايين فيما البشرية تواجهه باستهتار وتناقص ، فوسائل الإعلام التي تحذر من المرض وتتبنى الحملات الإعلانية هي نفسها إلا من رحم ربي التي تقوم بتجهيز المواد الأولية اللازمة لانتشاره عبر الآف المواد المحرضة على الرذائل ،
وهي التي تقوم بتغليف هذه المواد بأغلفة فاقعة الألوان كالسياحة والفنون ومسابقات الجمال وإطلاق الحريات المبيحة للشذوذ وتعاطي المخدرات وقبل ذلك وبعده يبرز التجاهل التام لتقاليد الحشمة والعفاف واعتبارها من مخلفات العصور الماضية .
ثانياً : تزيين الحرام وتجميله من خلال :
أ – الكفر والأفكار الإلحادية باتت فناً وإبداعاً
فعلى سبيل المثال يستبدلون اسم الخمر بالمشروبات الروحية
والربا بالعائد الإستثماري
والعري بالموضة والفن
حتى أصبح للعري أربع مواسم في السنة
وأصبحت قلة الأدب والإنحلال تسمى حرية شخصية
ونشوز المرأة عن طاعة زوجها أيضاً حرية شخصية
أما إذا تحللت المرأة وغنت أمام الأجانب فيدعونها سيدة الغناء العربي والفنانة المبدعة .
ب ـ تقبيح اسم الحلال : فمثلاً يتسبدلون اسم الأخوة الإسلامية بالفتنة الطائفية
والشهادة في سبيل الله بالخسائر في الأرواح
والفدائي الشهيد بالانتحاري
حجاب المرأة بالخيمة والكفن .
ثالثاً : تيسير الحرام وتيسير الوقوع فيه :
فتكرار رؤية الإنسان للأفعال المحرمة وكأنها أمراً عاديا مرافقاً لنوع من الكوميديا يدفعه إلى التفكير فيها ومن ثم فعلها ( الزنا ، السرقة ، التدخين ، علاقات العشق والغرام )
فعلى سبيل المثال : ترى في الأفلام مشهد الممثل وهو يفتح شباك غرفته فيرى جارته بالصدفة أمامه فينشأ بينهما قصة حب أو قصة معصية .
مثال آخر : ترى مشهد يتكرر كثيراً فيه المدرس الخصوصي مع تلميذته في خلوة أو دخول أخت الطالب وهي سافرة متبرجة وكأنه أمراً عادياً .
رابعاً : طرح وسائل جديدة لفعل الحرام
بعرض أساليب متعددة للسرقة وأخرى لإقامة العلاقات الغرامية وعقوق الوالدين
خامساً : غرس حب الفاحشة في النفوس :
حيث أن مثال هؤلاء من الفنانين والفنانات يعملون على غرس الحرام في النفوس وجعل الناس يحبون فعله وقد نسوا قول الله تبارك وتعالى في سورة النور ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
فعلى سبيل المثال : تجد المخرج يركز بعدسة الكاميرا على ساقي الممثلة في مشهد بوليسي .
سادساً : ألف المعصية والاعتياد على رؤية المحرم :
إن تكرار رؤية الأفعال المحرمة وسماع الكلام الفاحش يولد عند الإنسان تعود الرؤية والإستماع إلى ما هو محرم
ومن تكلم أو نصح ينهر ولا يجد أذانا صاغية ..
( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) .
نحن نجد مشاهدي التلفاز على سبيل المثال قد ألفوا رؤية الممثلة وهي شبه عارية تفتح الباب لرجل أجنبي أو أن يقبلها أجنبي .. لا بد هنا أن نذكر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( العينان تزني وزناهما النظر .. واليدان تزني وزناهما اللمس .. والأذنان تزني وزناهما السمع .. والفرج يصدق كل ذلك أو يكذبه ) رواه البخاري .
سابعاً : نشر القدوة السيئة بين الناس :
حيث أصبح ما يسمونهم بنجوم بين الناس .
نشاهد مقابلات تلفزيونية كثيرة يفرد لها الوقت الكبير والساعات الطوال مع فنان يجاهر بمعاصيه ، ليسأل عن أكله وشربه وليعلمنا كيف نقود حياتنا
فهل نسي المسلمون قدوتهم الأولى التي أخبرهم الله تعالى عنها في سورة الأحزاب ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً )
ومن بعده صحابته الكرام ، ويزور البلاد العالم فلا يسأل عنه أحد بينما يسألون عن أدق التفاصيل في حياة من يبرزهم الإعلام .
ثامناً : إلباس الحق بالباطل :
كالراقصة التي سئلت عن حكم الشرع في الرقص فان جوابها الرقص عمل والعمل عبادة إذا فالرقص عبادة والعياذ بالله .
ويتحدث أحد هؤلاء النجوم عن نفسه بأنه رجل ملتزم بأوامر الله أما ما قدمه من أفعال محرمة في مسلسله هذا وفيلمه ذلك فيكون بحجة الفن ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) .
تاسعاً : الحلول الجاهلية عند عرض المشكلات الحياتية ومع منع المفكرين والوعاظ المؤثرين في حياة الناس :
كاللجوء إلى الإنتحار والمخدرات وشرب الخمر .. الخ
وإبعاد العقل عن الحلول الإسلامية ، كاللجوء إلى محكمة العدل الدولية ، الأمم المتحدة ، مجلس الأمن وعدم التطرق للشريعة الإسلامية في حل مشكلات الناس .
عاشراً : تضييع المعاني الإسلامية :
ففلسطين المحتلة تصبح الضفة وغزة
والعدو الإسرائيلي يصبح إسرائيل
ودول حوض البحر الأبيض المتوسط أو الفرنكفونية
إضافة لما يفعله الإعلام الحديث من آثار مدمرة على الأطفال أهمها :
1 ـ يحرم الطفل من التجربة الحياتية الفعلية التي تتطور من خلالها قدراته إذا شغل بمتابعة التلفاز .
2 ـ يحرم الطفل من ممارسة اللعب الذي يعتبر ضرورياً للنمو الجسمي والنفسي فضلاً عن حرمانه من المطالعة والحوار مع والديه .
3 ـ التلفاز يعطل خيال الطفل لأنه يستسلم للمناظر والأفكار التي تقدم له دون أن يشارك فيها فيغيب حسه النقدي وقدراته على التفكير .
4 ـ يستفرغ طاقات الطفل وقدراته الهائلة على الحفظ في حفظ أغاني الإعلانات وترديد شعاراتها .
5 ـ يشبع التلفاز في النشء حب المغامرة كما ينمي المشاغبة والعدوانية ويزرع في النفوس التمرد على الكبار والتحرر من القيود الأخلاقية .
6 ـ يقوم بإثارة الغرائز البهيمية لدى الطفل مبكرا وإيقاد الدوافع الجنسية قبل النضوج الطبيعي مما ينتج إضرابات عقلية ونفسية وجسدية .
7 ـ يدعو النشء إلى الخمر والتدخين والإدمان ويلقنهم فنون الغزل والعشق .
8 ـ له دور خطير في إفساد اللغة العربية لغة القرآن وتدعيم العجمة وإشاعة اللحن .
9 ـ تغير أنماط الحياة إلى الإفراط بالسهر ، مع تقديس الفنانين بدلاً من العلماء .
مقتبس من مقال للدكتور وجدي غنيم بتصرف .
مجلة القمة العدد الخامس
ذو القعدة 1425 هـ
54 ـ 550 ألف عربي مصاب بالإيدز
ورد في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة ( اليونيسيف ) ، أن عدد المصابين بالإيدز في العالم العربي بلغ 550 ألف شخص .(3/170)