• استمرارية التعليم والتربية: تجتهد أن يكون هناك حالة تربوية مستمرّة تتناسب مع تطور الحسّ الإيماني, والجنديّة, وتربط أفرادها بجلسات علم وأسر تربوية في سير للمعالي.
• توفير الأموال للمجموعة: كوسيلة تسهيل الحصول على الحاجات الخاصة بالأعمال والأجور المستحقة والوسائل الحديثة المتطورة.
• توفير الأمن: في أخذ للاحتياط وحفظ لسرّ, وغربلة للنفوس, وتعامل مع القوى الخارجية بحكمة.
ولا تخلو أي مجموعة من المشاكل أو النزاعات, ومن طرق التعامل معها ما يلي:
- تحديد المشكلة.
- تصنيفها حسب درجة خطورتها.
- وضع الحلول البديلة.
- تنفيذ الحل المختار.(16)
ولتجنب النزاعات الداخلية تقوم القيادة بوضع خطوط عريضة ومحددات بالإضافة إلى تعزيز قضية الانتماء:
- فتسنّ القوانين و تضع أوصول العقاب والثواب.
- تسمع من الأطراف المتنازعة ُوتأتي بالشواهد.
- تحكم بالعدل وتعاقب المسيء.
** قضية الإنتماء: فهي مهمة جداً ولها دور كبير في حفظ النظام, ومن الملاحظ أن غير المنتمي يتصف بما يلي:
- هو إنسان يهتم فقط بإنجاز العمل مقابل أجر يتلقاه مع نهاية كل شهر.
- ولا يهتم بالحفظ على سمعة المجموعة والصالح العام.
- يطوّع العمل لظروفه الخاصة وليس العكس.
- يشارك ويخوض مع الخائضين ويثير للإشاعات.
- لا يحترم المرؤوسين, متلوّن بين الحديث أمامهم والحديث خلفهم.
تعزيز الانتماء مهم جداً ولا خابت مجموعة أفرادها لديهم انتماء شديد لها.
توجيهات عامة تخدم المجموعة:
- إن فشلت أن تخطط فقد خططت للفشل (17).
- قدم أو اتبع, أو تنحّ عن الطريق (18).
- إنّما التنظيم لأهل الشمول (19).
- إنّما يقود الناس البصير (20).
- التشدد في الانتقاء أصل (21).
- الهيكلة هرم ثلاثي: قيادة مركزية, حلقات اتصال, وجنود.
- خطط .. ثمّ نظّم .. ثمّ عدّل (22).
- وأخيراً الابتسام يسهّل الاتصال (23).
الخلاصة: أختم بكلمتان لك أيها العامل, ثم لك أيها المدير:
لا تؤدّ عملاً لا تحبّه, ولكن في نفس الوقت كن واقعياً أن كل عمل فيه جوانب لا نحبها, ثم إذا كانت كل الأعمال ممتعة فكيف يمكن أن تدرك قيمة التحدّي وتحقيق الذات؟؟ وإذا كان عملك كله غير محبب لك فالأفضل لك أن تبحث عن عمل آخر لا يخلو من عناصر لا تحبها!.
بعض النّاس يسألون أحياناً ما أهمية أن أكون مديراً لشركة لا تصنع سوى المسامير؟ ومثل هذا التفكير خاطئ, فيجب أن يكون التساؤل: ما هو تأثيري في الناس الذين أقودهم؟ و ما هو تأثيري في الناس خارج العمل. و إذا لم تكن مديراً لشركة هامة أو شركة قليلة الأهمية, ففي الحالتين سوف تكون مديراً فاشلاً(24).
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
المصدر: خصائص الإدارة الخمس-الكاتب: أ.دارين صياد
قائمة المصادر حسب الهوامش المرقّمة في البحث :
(1) مقدمة عامة في الإدارة , دليل المتدرب , برنامج تطوير المشاريع الصغيرة , بيرزيت , فلسطين , 2002.
(2) نفس المصدر , ص 12
(3) نفس المصدر, ص 14
(4) مقدمة في إدارة المؤسسات, برنامج تدريب القيادات الشابة, مركز بانوراما, القدس, 2000 , المحاضرة الثالثة.
(5) مقدمة عامة في الإدارة , دليل المتدرب , مصدر سابق , ص21.
(6) مقدمة في إدارة المؤسسات , مصدر سابق , ص5.
(7) القرآن الكريم , سورة الزخرف , آية 32.
(8) مقدمة عامة في الإدارة , مصدر سابق , ص 21.
(9) مبادئ الإدارة, معهد السيدة خديجة ,www.ikhwan.net/vb
(10)المسار, محمد أحمد الراشد, دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية , ص 159.
(11)دليل التدريب القيادي, هاشم الطالب, الطبعة الثالثة, دار المستقبل, فلسطين, 1998.
(12) دليل التدريب القيادي, مصدر سابق, ص56.
(13) نفس المصدر, ص 57.
(14) القرآن الكريم, سورة الشورى, آية 38.
(15) المسار, مصدر سابق ص94.
(16) دليل التدريب القيادي, مصدر سابق ص77.
(17) نفس المصدر, ص106.
(18) نفس المصدر, ص 73.
(19) المسار, مصدر سابق, ص 159.
(20) نفس المصدر, ص 53.
(21) نفس المصدر ص 86.
(22) دليل التدريب القيادي, مصدر سابق, ص 124.
(23) نفس المصدر, ص 191.
(24) مقدمة عامة في الإدارة, دليل المتدرب, مصدر سابق, ص 15.
=============
تجنبي التوتر بتنظيم الوقت وترتيب الأولويات
التاريخ:26/10/2000
حاضر.. حالاً.. غدًا.. الآن.. حااااااضر..
هكذا تظل المرأة العاملة تعطي الردود على المطالب والمسئوليات التي تقع على عاتقها، ووسط زحمة الجري بين مدارس الأولاد والعمل وضغوطه ومتابعة شئون أسرتها مساءً ومراقبة استذكار الأولاد قد تفقد أعصابها أو تفقد .. عقلها!
توتر .. قلق.. عصبية.. هكذا ينتهي بها الحال.. وتسعى في النهاية جاهدة لإرضاء الجميع، أولادها، وأهلها، وزوجها وأهله.. والحفاظ على أعصابها ومظهرها... وتدفع الثمن من الهدوء وراحة البال.
اختيار العمل خارج المنزل اختيار قد تضطر إليه ظروف مادية، أو تقرره المرأة لأسباب معنوية أو وفاءً لفروض عين تقع على المرأة بحكم أهليتها أو قدراتها أو مهاراتها أو علمها.. وقد يكون عملاً في خدمة المجتمع تراه من الأمانة التي حملها الله لها.
سيدتي .. أختي، تعالي نقرأ معًا هذه النصائح والأفكار عساها تساعدك.. كلها أو بعضها.. في تجنب التوتر والقلق والعصبية والضغوط.
1- استيقظي مبكرًا 15 دقيقة، فالقدرة على تناول الإفطار مع الأولاد بهدوء، وارتداؤهم ملابس المدرسة على مهل.. يقلل من توتر الصباح المعتاد، والصراخ وراء الأطفال للتجهز بسرعة بسبب ضيق الوقت.
2- تجهزي للصباح من الليلة السابقة، أعدي زي الأطفال المدرسي وانتهي من كيه، جهزي ملابسك، وأوراقك، وضعي في الثلاجة ما ستحتاجينه عند الإعداد المبكر للتجهيزات.. طعام الغداء.
3- لا تعتمدي على ذاكرتك، اكتبي على ورقة صغيرة مهامك اليومية، وألصقيها على الثلاجة وراجعيها؛ لأن النسيان يوقعك في الحرج والتوتر.
4- احتفظي بمفاتيح إضافية للمنزل والغرف تكون في كل حقيبة، فنسيان نقل المفاتيح من حقيبة لأخرى قد يوقفك مع أطفالك ساعتين أمام باب المنزل في انتظار زوجك في يوم ممطر!
5- قومي بالصيانة الدورية لأجهزتك في موعد منتظم حتى لا يصاب أحدها بالعطب في الوقت غير المناسب.
6- احملي معك ما تقرئينه أثناء الانتظار في الطوابير، فطابور المحلات التجارية أو طابور السيارات أمام الساحة سيكون أقل إثارة للتوتر إذا كان معك كتاب صغير أو رسالة أو أوراق تطالعينها فلا تشعري بضياع وقتك.
7- لا تؤجلي عمل اليوم .. فالغد به ما يكفي من الأعمال، والتأجيل قد يثمر كارثة في جدولك.
8- قومي بتغيير ما يوشك على التلف من أدوات.. منبه قديم خذلك مرة، ساعة توقفت قبل اجتماع هام، حقيبة تلفت مفاتيحها.. فهذه الأشياء الصغيرة قد تثير التوتر، وقد تؤدي لمشاكل كبيرة وتكاليف أعلى.. إذا لم يتم التعامل معها بشراء ساعة جديدة وحقيبة جديدة.. 9- قللي من شرب القهوة والشاي.. أضرارها أكبر من نفعها.. ولا تتحولي إلى مدمنة نسكافيه! الماء البارد والوضوء كاف لإيقاظك، ولتنشيطك أثناء اليوم.
10- ضعي خططا بديلة.. رتبي مع صديقة إمكانية أخذ أطفالك من المدرسة في حالات الطوارئ، رتبي مع والدتك إمكانية إعداد طعام سريع في يوم يحتمل أن تطول فيه ساعات العمل لظروف طارئة، الخطط البديلة تجنبك الأزمات.(1/349)
11- خذي الأمور بهدوء.. وتنازلي أحيانًا عن الجودة القصوى.. لن ينهار العالم إذا لم تقدمي لضيوفك على العشاء الصنف الذي يأخذ 3 ساعات في إعداده لتثبتي لهم أنك طاهية ماهرة رغم أنك امرأة عاملة.. أنت لا تحتاجين لإثبات أي شيء لأي أحد.
ولن يتوقف الزمن إذا لم يرتب الأطفال غرفتهم صباح يوم إجازتهم وتكاسلوا تدللاً. البساطة وعدم التكلف وأداء ما في الوسع دون تحميل لنفسك أو من حولك فوق ما يطيقون يحل الكثير من مشاكل التوتر.
12- إذا كنتِ بمفردك في المنزل أغلقي الهاتف أو اتركي ماكينة الإجابة الهاتفية تعمل واستمتعي ببعض الهدوء في صلاة خاشعة أو قراءة هادئة للقرآن أو جلسة تسبيح وتأمل في الشرفة.
13- قللي من صلتك بالصديقات اللاتي يثرن توترك، واللاتي يسببن لك بكلامهن أو تصرفاتهن القلق والضيق، لا تقطعي صلتك بمن حولك لكن من الحكمة تجنب الصديقات اللاتي قد تفسد مكالمة الواحدة منهن أمسياتك بتعليق غير لطيف أو كلمات جارحة.. واحرصي على الصديقة الناضجة العاقلة التي تريح كلماتها وتصرفاتها أعصابك وتحترم ظروفك ومشاعرك.
14- انظري دائمًا للجوانب الإيجابية من الأمور، فهذا سيجعلك تتعاملين مع المشكلات بهدوء أكثر.. استشعري نعمة الأولاد وصحتهم وعافيتهم ليكون رد فعلك تجاه ضجيجهم وفوضى غرفهم أهدأ.
15- قد يفيد أحيانًا تشغيل المنبه لتذكيرك بالذهاب للنوم وليس للاستيقاظ فقط؛ قلة ساعات النوم من أكبر أسباب التوتر؛ فاعملي على أن تأخذي قسطًا "معقولاً" من راحة البدن حتى يمكنك المواصلة.
16- في قمة التوتر والغضب لأي سبب اذهبي وتوضئي وصلي ركعتين واستعدي للفريضة القادمة.. الماء يطفئ الغضب وذكر الله والصلاة سكن للقلب.
17- اكتبي خواطرك.. فإعادة قراءة خواطر حب لزوجك ستفيدك في التعامل مع غضبك منه في الأزمات وستذكرك كم تحبينه وكم يحبك؛ لأننا عادة في الغضب ننسى اللحظات الجميلة، فاكتبي عنها حتى تتذكريها في أوقات العواصف.
18- لا تكتمي مشاعر المرارة أو الغضب، تحدثي مع صديقة أو أخت أو أم تحفظ السر وتصونه. فالاحتفاظ بالمرارات قد يبقيها في القلب، وتقرر الخروج للسطح في أوقات غير مناسبة وبقوة غير مخططة.. فلا تكتمي الكثير في قلبك كي لا يزيد الهم توترك اليومي.
19- لا تحملي هموم الغد.. يكفيك هموم اليوم الواحد.
20- احرصي على ألا يمر يومك دون أن تقومي بعمل تحبينه وتستمتعين به، ولو لخمس دقائق.. تطريز.. كتاب .. خطابات.. تجميل غرفتك… إلخ.
21- في زحام العمل والبيت لا تنسي فعل المعروف والإحسان، صنائع المعروف تقي الفتن وتدفع السوء.
22- جددي في مظهرك بين الحين والآخر.. صففي شعرك بشكل مختلف أو ارتدي ملابس جديدة في بيتك أو ملابس نوم جديدة في غرفتك.. المظهر المتجدد يشعرك بالثقة بالنفس ويقلل توترك.
23- خططي ليوم الإجازة بشكل عادل. جزء لك.. وجزء لأسرتك.. وجزء لبر والديك.. وجزء لعبادة أفضل وأهدأ.
24- لا تؤجلي المهام المزعجة أو الثقيلة على نفسك أنجزيها وانتهي منها؛ حتى لا تظل تزعجك وتوترك طول اليوم.
25- في مواقف الانفعال الأفضل العد إلى مائة وليس إلى عشرة فقط قبل أن تقولي ما تندمي عليه.
26- لا تفرطي في توقع التعاون والتعاطف من المحيطين بك.. احتسبي عند الله... هناك آخرة!
27- ابتسمي للحياة ولزوجك وأولادك بقدر ما تبتسمين للناس في مكان العمل.
28- إياك وإخراج التوتر على مَن هُم أضعف منك كالخادمة أو الحارس.. اتقي الله.
29- الله معنا!
=============
استثمار "الوقت" فريضة غائبة
أميرة إبراهيم
استثمار الوقت = بناء الحضارة
استثمار الوقت = بناء الحضارة
لا يوجد دين يقدر قيمة الوقت مثل الإسلام، حيث أعطى القرآن الكريم أهمية بالغة للزمن، وارتبطت معظم العبادات في التشريع الإسلامي بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصلاة والصيام والحج، وحث المسلمين على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض بمجتمعهم الإسلامي.
ولكن الغالبية العظمى من المسلمين -الآن- أصبحوا لا يحترمون قيمة الوقت، ولا يدركون أهميته في إصلاح شئون حياتهم ومجتمعهم؛ في الوقت الذي أدرك الغرب قيمة الزمن، واستثمروه في نهضة مجتمعاتهم، وبذلك تقدموا وتخلفنا نحن بسبب إهدار الوقت، وإضاعته فيما لا يفيد.
أهم أسباب التأخر
ويشير الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إلى دور إدارة الوقت في صناعة الحضارة؛ قائلا: "تبدأ صناعة الحضارة من حرص أفرادها على احترام الوقت كقيمة حضارية، وجاء الإسلام مدركًا لهذه الحقيقة، لذلك اهتم اهتمامًا كبيراً بالوقت، وحث أتباعه على المحافظة عليه واستثماره؛ فيما ينفع دينهم ودنياهم.
وسيحاسب المرء إن لم يحسب للوقت حسابه. ففي الحديث الصحيح: [لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه] (رواه الترمذي). فسوف يُسأل الإنسان عن وقت عمره فيما أضاعه، وفيما انفق الساعات والدقائق".
د. حامد أبو طالب
ويعتقد أبو طالب أن من أهم أسباب تأخر المسلمين الآن هو عدم استثمارهم للوقت الذي حدده الله تعالى للعمل، مشيرا إلى أننا: "لم نعد نعي قيمة الوقت، وضيعناه هباءً دون أن يعود بأي شيء على الإسلام والمسلمين.
فمن المفروض أن يبدأ يوم المسلمين في الرابعة صباحًا، وينتهي في الثامنة مساءً. بمعنى أن في يومنا 16 ساعة عمل، فلو أنفقنا في العبادة والطعام وما يلزم الحياة الإنسانية 5 ساعات يوميًّا؛ سيصبح الباقي حوالي عشر ساعات للعمل الجاد. وهذا وقت كافٍ للإنتاج، ورفع مستوى المعيشة.
ولكن للأسف نعيش -كمسلمين- من الناحية العملية حياة كسل في الغالب، فلا نعمل في يومنا أكثر من 5 ساعات، وهكذا يضيع من وقت كل مسلم ما يزيد عن 5 ساعات يوميا. وهذا خطأ فادح سوف نُسأل عنه في الآخرة، ونعاني من آثاره السلبية في الحياة الدنيا.
رفعة المجتمع الإسلامي
د. منيع عبد الحليم
ويؤكد الدكتور منيع عبد الحليم، أستاذ تفسير القرآن الكريم، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر: "أن رفعة المجتمع الإسلامي أمانة وضعها الله في عنق المسلم، وجعلها أساسا أصيلا في معاملته مع المولى عز وجل؛ إذ إن خدمة هذا المجتمع، ورعاية أفراده؛ جهاد في سبيل الله، ونهضة شاملة مستنيرة للمجتمع.
لكن الملاحظ الآن أن العالم الإسلامي يهدر كما هائلا من الوقت؛ فتسير الأغلبية وراء برامج التسلية؛ سواء كانت تلك التسلية بمشاهدة الفضائيات أو الغرق في بحور المواقع الضارة الموجودة علي شبكة الإنترنت".
ويشير د. منيع إلى أن العبرة في أهمية الوقت؛ تتلخص في أن الإنسان سيحاسب عما قدم لمجتمعه خلال عمره. فإن أصلح داخل أسرته؛ فقد أقام مجتمعاً صغيراً داخل المجتمع الأكبر، وقدم أفراداً يخدمون المجتمع الإسلامي، فما بالنا إذا أصلح أسرته؛ بالإضافة إلى عمله وإنتاجه في كل ما يتعلق بنهضة المسلمين.
ويذكرنا بحياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكيف كان قدوة لنا في استثمار العمر، في طاعة الله ونفع الآخرين، مؤكداً أنه يجب على كل مسلم أن يتفاعل مع المجتمع، ولنتذكر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت محاولة لوضع المجتمع الإسلامي موضع القوة والتكوين السليم المستنير.(1/350)
ونحن مطالبون دينيا وأخلاقيا ووطنيا بعدم إهدار الوقت في التسلية التي أصبحت مستمرة على مدار 24 ساعة. ولو نظرنا إلى الدول غير الإسلامية كجنوب شرق آسيا وأوربا والأمريكتين لوجدنا تقديراً كبيراً في نفوسهم لقيمة الوقت.
فما بالنا وديننا يطالبنا بذلك كي نكون كما أرادنا المولى عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110).
العبادات والزمن
د. ليلى قطب
وتوضح الدكتورة ليلى قطب، رئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، المغزى من الإشارات القرآنية للزمن والوقت فتقول: "أعطى القرآن الكريم أهمية بالغة للزمن، فقد ارتبطت معظم العبادات في التشريع الإسلامي بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصلاة والصيام والحج؛ بحيث إن أداءها لا يتحقق إلاّ عن طريق الالتزام بأوقاتها حسب اليوم والشهر والسنة.
ولقد وردت في القرآن الكريم عدة آيات يقسم فيها الله تعالى بالزمن ومكوناته؛ الأمر الذي يشير إلى الأهمية الكبيرة التي أولاها الله سبحانه وتعالى للزمن، وأنه من القضايا المقدسة في الحياة، والتي يجب النظر إليها نظرة واعية متفهمة؛ باعتبار أن الله تعالى اتخذها عنواناً يقسم به على أهمية الحقائق التي يريدها. فقال تعالى في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، وفي سورة الضحى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إذا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}، وفي سورة الليل: {وَاللَّيْلِ إذا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إذا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، وفي سورة الشمس: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إذا تَلَاهَا* وَالنَّهَارِ إذا جَلَّاهَا* وَاللَّيْلِ إذا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}".
وتستنكر د. ليلى تَعَوُّدَ عدد غير قليل من المسلمين على إهدار الوقت في التسلية، ويعللون ذلك بقتل وقت الفراغ لديهم، فتقول: "ألا يعلم هؤلاء أن الوقت هو الذي يقتلهم، فاللحظة التي تنقضي تذهب بلا رجعه، والصحة لن تظل أبد الدهر، والعاقل هو الذي يغتنم كل لحظة من عمره في طاعة الله والتقرب له.
وإذا نظم المسلم وقته استطاع أن يحقق أهدافه، ويصل لغايته دون إجحاف بحق من الحقوق الواجبة عليه. وكثير من الصحابة والمسلمين الأوائل الذين سجلوا نجاحات باهرة في ميادين الحياة المختلفة؛ استطاعوا أن ينظموا أوقاتهم".
الغرب وتقدير الوقت
د. زكي محمد عثمان
ويبين الدكتور زكي محمد عثمان، رئيس قسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر: "أن قضية الوقت في حياة المسلم محسومة دينيا، فيجب أن يستثمر وقته كله، ويقسمه بين العمل والعبادات والأسرة وخدمة المسلمين والذكر والقراءة والترويح عن النفس.
فيفيد استثمار الوقت الإسلام والمسلمين؛ ويحتاج المسلم إلى إرادة قوية لتنظيم هذا الوقت، والتعود على التنظيم، وتثبيت العمل به كنمط يومي للحياة".
وعن كيفية تنظيم الوقت، وإدارته بشكل مخطط وعلمي؛ يرسم لنا د. حمدي عبد العظيم- أستاذ الاقتصاد، الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية- طريقة عملية لتنظيم الوقت: "على كل فرد أن يهتم بإدارة وقته، وإدارة الوقت تعني الاعتماد علي الوسائل المعينة على الاستفادة القصوى من الوقت في تحقيق الأهداف، وخلق التوازن في حياة الإنسان؛ ما بين الواجبات والرغبات والأهداف.
ويحدد مقدار الاستفادة من الوقت الفارق ما بين المسلم الحق الجاد القادر على التأثير في مجتمعه وحركة تطوره، وبين المستهتر الذي لا يقدر الأمور حق قدرها ويمثل عبئا على مجتمعه".
الوقت هو الحياة
ويشير د. حمدي إلى أن: "الوقت من الأمور المهدرة التي لا يهتم أحد باستثمارها، وأن النظرية الغربية ترى أن الوقت هو المال: (Time is Money). بينما ترى النظرية الإسلامية أن هذا بخس في حق الوقت، فالوقت هو الحياة: (Time is Life)، بمعنى أنه أغلى من المال.
لكننا لا نهتم بالوقت، حيث تعودنا على الحركة البطيئة، ورد الفعل المتأخر، وعدم الاحتياط والتخطيط للمستقبل، بل والتصدي للتغيير إن كان للأفضل، والتصميم على السير على النظم المعمول بها في الماضي، ونحن نتحدث كثيرا عن أهمية الوقت، وأن الوقت كالسيف؛ لكن التطبيق العملي مفقود؛ إذ يوجد لدينا انفصام بين ما يقال، وبين ما هو موجود فعلا".
ويجب أن ينظم المسلم وقته، وتتم عملية التخطيط بتحديد الأهداف بحسب أهميتها، ثم يقسم الوقت على تلك الأهداف في حدود الأعمال المطلوب إنجازها لتحقيق كل هدف.
ويجب أن نضع وقتاً للطوارئ -أي عمل يستجد- حتى لا يضيع الوقت بسبب الانشغال بأمور غير مخططة تأتي بشكل عشوائي، فتستقطع جزءًا من الوقت المخصص لتحقيق الأهداف (مثل المحادثات التليفونية)".
ويختتم د. حمدي قائلا: "يجب أن نكتب خطوات تحقيق الأهداف؛ لأن الفرد يكون أكثر التزاما حين يقوم بذلك. كما أن الكتابة تذكره بما يجب فعله، وتكون بمثابة واجبا يجب أداؤه.
كذلك لا بد من عمل تقييم ذاتي بعد انتهاء الوقت المحدد لتحقيق الهدف، فعملية التقييم تساعد الفرد على التعرف على أسباب التقصير -إن وجدت- لتلافيها في المستقبل، وينبغي ألا يطغى الوقت المخصص لعمل على الوقت المخصص لآخر".
صحفية في جريدة اللواء الإسلامي
=============
استثمار "الوقت" فريضة غائبة
أميرة إبراهيم**
11/05/2006
استثمار الوقت = بناء الحضارة
لا يوجد دين يقدر قيمة الوقت مثل الإسلام، حيث أعطى القرآن الكريم أهمية بالغة للزمن، وارتبطت معظم العبادات في التشريع الإسلامي بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصلاة والصيام والحج، وحث المسلمين على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض بمجتمعهم الإسلامي.
ولكن الغالبية العظمى من المسلمين -الآن- أصبحوا لا يحترمون قيمة الوقت، ولا يدركون أهميته في إصلاح شئون حياتهم ومجتمعهم؛ في الوقت الذي أدرك الغرب قيمة الزمن، واستثمروه في نهضة مجتمعاتهم، وبذلك تقدموا وتخلفنا نحن بسبب إهدار الوقت، وإضاعته فيما لا يفيد.
أهم أسباب التأخر
ويشير الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إلى دور إدارة الوقت في صناعة الحضارة؛ قائلا: "تبدأ صناعة الحضارة من حرص أفرادها على احترام الوقت كقيمة حضارية، وجاء الإسلام مدركًا لهذه الحقيقة، لذلك اهتم اهتمامًا كبيراً بالوقت، وحث أتباعه على المحافظة عليه واستثماره؛ فيما ينفع دينهم ودنياهم.
وسيحاسب المرء إن لم يحسب للوقت حسابه. ففي الحديث الصحيح: [لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه] (رواه الترمذي). فسوف يُسأل الإنسان عن وقت عمره فيما أضاعه، وفيما انفق الساعات والدقائق".
د. حامد أبو طالب
ويعتقد أبو طالب أن من أهم أسباب تأخر المسلمين الآن هو عدم استثمارهم للوقت الذي حدده الله تعالى للعمل، مشيرا إلى أننا: "لم نعد نعي قيمة الوقت، وضيعناه هباءً دون أن يعود بأي شيء على الإسلام والمسلمين.(1/351)
فمن المفروض أن يبدأ يوم المسلمين في الرابعة صباحًا، وينتهي في الثامنة مساءً. بمعنى أن في يومنا 16 ساعة عمل، فلو أنفقنا في العبادة والطعام وما يلزم الحياة الإنسانية 5 ساعات يوميًّا؛ سيصبح الباقي حوالي عشر ساعات للعمل الجاد. وهذا وقت كافٍ للإنتاج، ورفع مستوى المعيشة.
ولكن للأسف نعيش -كمسلمين- من الناحية العملية حياة كسل في الغالب، فلا نعمل في يومنا أكثر من 5 ساعات، وهكذا يضيع من وقت كل مسلم ما يزيد عن 5 ساعات يوميا. وهذا خطأ فادح سوف نُسأل عنه في الآخرة، ونعاني من آثاره السلبية في الحياة الدنيا.
رفعة المجتمع الإسلامي
د. منيع عبد الحليم
ويؤكد الدكتور منيع عبد الحليم، أستاذ تفسير القرآن الكريم، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر: "أن رفعة المجتمع الإسلامي أمانة وضعها الله في عنق المسلم، وجعلها أساسا أصيلا في معاملته مع المولى عز وجل؛ إذ إن خدمة هذا المجتمع، ورعاية أفراده؛ جهاد في سبيل الله، ونهضة شاملة مستنيرة للمجتمع.
لكن الملاحظ الآن أن العالم الإسلامي يهدر كما هائلا من الوقت؛ فتسير الأغلبية وراء برامج التسلية؛ سواء كانت تلك التسلية بمشاهدة الفضائيات أو الغرق في بحور المواقع الضارة الموجودة علي شبكة الإنترنت".
ويشير د. منيع إلى أن العبرة في أهمية الوقت؛ تتلخص في أن الإنسان سيحاسب عما قدم لمجتمعه خلال عمره. فإن أصلح داخل أسرته؛ فقد أقام مجتمعاً صغيراً داخل المجتمع الأكبر، وقدم أفراداً يخدمون المجتمع الإسلامي، فما بالنا إذا أصلح أسرته؛ بالإضافة إلى عمله وإنتاجه في كل ما يتعلق بنهضة المسلمين.
ويذكرنا بحياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكيف كان قدوة لنا في استثمار العمر، في طاعة الله ونفع الآخرين، مؤكداً أنه يجب على كل مسلم أن يتفاعل مع المجتمع، ولنتذكر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت محاولة لوضع المجتمع الإسلامي موضع القوة والتكوين السليم المستنير.
ونحن مطالبون دينيا وأخلاقيا ووطنيا بعدم إهدار الوقت في التسلية التي أصبحت مستمرة على مدار 24 ساعة. ولو نظرنا إلى الدول غير الإسلامية كجنوب شرق آسيا وأوربا والأمريكتين لوجدنا تقديراً كبيراً في نفوسهم لقيمة الوقت.
فما بالنا وديننا يطالبنا بذلك كي نكون كما أرادنا المولى عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110).
العبادات والزمن
د. ليلى قطب
وتوضح الدكتورة ليلى قطب، رئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، المغزى من الإشارات القرآنية للزمن والوقت فتقول: "أعطى القرآن الكريم أهمية بالغة للزمن، فقد ارتبطت معظم العبادات في التشريع الإسلامي بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصلاة والصيام والحج؛ بحيث إن أداءها لا يتحقق إلاّ عن طريق الالتزام بأوقاتها حسب اليوم والشهر والسنة.
ولقد وردت في القرآن الكريم عدة آيات يقسم فيها الله تعالى بالزمن ومكوناته؛ الأمر الذي يشير إلى الأهمية الكبيرة التي أولاها الله سبحانه وتعالى للزمن، وأنه من القضايا المقدسة في الحياة، والتي يجب النظر إليها نظرة واعية متفهمة؛ باعتبار أن الله تعالى اتخذها عنواناً يقسم به على أهمية الحقائق التي يريدها. فقال تعالى في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، وفي سورة الضحى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إذا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}، وفي سورة الليل: {وَاللَّيْلِ إذا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إذا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، وفي سورة الشمس: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إذا تَلَاهَا* وَالنَّهَارِ إذا جَلَّاهَا* وَاللَّيْلِ إذا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}".
وتستنكر د. ليلى تَعَوُّدَ عدد غير قليل من المسلمين على إهدار الوقت في التسلية، ويعللون ذلك بقتل وقت الفراغ لديهم، فتقول: "ألا يعلم هؤلاء أن الوقت هو الذي يقتلهم، فاللحظة التي تنقضي تذهب بلا رجعه، والصحة لن تظل أبد الدهر، والعاقل هو الذي يغتنم كل لحظة من عمره في طاعة الله والتقرب له.
وإذا نظم المسلم وقته استطاع أن يحقق أهدافه، ويصل لغايته دون إجحاف بحق من الحقوق الواجبة عليه. وكثير من الصحابة والمسلمين الأوائل الذين سجلوا نجاحات باهرة في ميادين الحياة المختلفة؛ استطاعوا أن ينظموا أوقاتهم".
الغرب وتقدير الوقت
د. زكي محمد عثمان
ويبين الدكتور زكي محمد عثمان، رئيس قسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر: "أن قضية الوقت في حياة المسلم محسومة دينيا، فيجب أن يستثمر وقته كله، ويقسمه بين العمل والعبادات والأسرة وخدمة المسلمين والذكر والقراءة والترويح عن النفس.
فيفيد استثمار الوقت الإسلام والمسلمين؛ ويحتاج المسلم إلى إرادة قوية لتنظيم هذا الوقت، والتعود على التنظيم، وتثبيت العمل به كنمط يومي للحياة".
وعن كيفية تنظيم الوقت، وإدارته بشكل مخطط وعلمي؛ يرسم لنا د. حمدي عبد العظيم- أستاذ الاقتصاد، الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية- طريقة عملية لتنظيم الوقت: "على كل فرد أن يهتم بإدارة وقته، وإدارة الوقت تعني الاعتماد علي الوسائل المعينة على الاستفادة القصوى من الوقت في تحقيق الأهداف، وخلق التوازن في حياة الإنسان؛ ما بين الواجبات والرغبات والأهداف.
ويحدد مقدار الاستفادة من الوقت الفارق ما بين المسلم الحق الجاد القادر على التأثير في مجتمعه وحركة تطوره، وبين المستهتر الذي لا يقدر الأمور حق قدرها ويمثل عبئا على مجتمعه".
الوقت هو الحياة
ويشير د. حمدي إلى أن: "الوقت من الأمور المهدرة التي لا يهتم أحد باستثمارها، وأن النظرية الغربية ترى أن الوقت هو المال: (Time is Money). بينما ترى النظرية الإسلامية أن هذا بخس في حق الوقت، فالوقت هو الحياة: (Time is Life)، بمعنى أنه أغلى من المال.
لكننا لا نهتم بالوقت، حيث تعودنا على الحركة البطيئة، ورد الفعل المتأخر، وعدم الاحتياط والتخطيط للمستقبل، بل والتصدي للتغيير إن كان للأفضل، والتصميم على السير على النظم المعمول بها في الماضي، ونحن نتحدث كثيرا عن أهمية الوقت، وأن الوقت كالسيف؛ لكن التطبيق العملي مفقود؛ إذ يوجد لدينا انفصام بين ما يقال، وبين ما هو موجود فعلا".
ويجب أن ينظم المسلم وقته، وتتم عملية التخطيط بتحديد الأهداف بحسب أهميتها، ثم يقسم الوقت على تلك الأهداف في حدود الأعمال المطلوب إنجازها لتحقيق كل هدف.
ويجب أن نضع وقتاً للطوارئ -أي عمل يستجد- حتى لا يضيع الوقت بسبب الانشغال بأمور غير مخططة تأتي بشكل عشوائي، فتستقطع جزءًا من الوقت المخصص لتحقيق الأهداف (مثل المحادثات التليفونية)".
ويختتم د. حمدي قائلا: "يجب أن نكتب خطوات تحقيق الأهداف؛ لأن الفرد يكون أكثر التزاما حين يقوم بذلك. كما أن الكتابة تذكره بما يجب فعله، وتكون بمثابة واجبا يجب أداؤه.(1/352)
كذلك لا بد من عمل تقييم ذاتي بعد انتهاء الوقت المحدد لتحقيق الهدف، فعملية التقييم تساعد الفرد على التعرف على أسباب التقصير -إن وجدت- لتلافيها في المستقبل، وينبغي ألا يطغى الوقت المخصص لعمل على الوقت المخصص لآخر".
===============
كيف تضيِّع وقتك سَبَهْللا؟!
أحمد محمد علي
أخصائي تنمية وتطوير
يقول أحدهم: "المطلوب إنجازه كثير جدًا.. وليس هناك الوقت الكافي .. أشعر أنني مضغوط ومتوتر طيلة اليوم.. كل يوم.. سبعة أيام في الأسبوع.. لقد حضرت برامج عديدة في إدارة الوقت.. وجرَّبت العديد من أساليب إدارة الوقت.. لقد ساعدني ذلك إلى حد ما.. ولكنني لا زلت أشعر أنني لا أعيش الحياة السعيدة التي كنت أتوق إليها".
ويقول الآخر: "إنني أخطط لنفسي جيدًا.. كل دقيقة تمرُّ.. كل ساعة.. لها عندي قيمة، عيناي لا تفارق معصمي، من شدة النظر إلى ساعة يدي، يقولون عني: إنني دقيق منضبط، لكني أتساءل في كل لحظة.. هل حقًّا أحقق ما أصبو إليه؟، بمعنى آخر: هل كل نشاطاتي القوية حققت آمالي؟".
وماذا تقول أنت؟!
إذا كنت ترى نفسك في هؤلاء فينبغي عليك أن تعيد النظر في طريقتك في إدارة وقتك، بمعنى آخر.. أن تغيِّر أداتك التي تستخدمها في إدارة وقتك.
لقد كان للدور الرائع الذي لعبه "مركز كوفي للقيادة" الأثر البالغ في تحويل أداة إدارة الوقت من الساعة فقط إلى الساعة والبوصلة.
- كلنا يستخدم الساعة في إدارة وقته؟ ولكن هل جرَّبت أن تستخدم البوصلة؟!
إن الساعة تعين في أوقات الطوارئ، وتُستخدم لقياس وقت النشاط؛ أما البوصلة فبها نحدد الاتجاه.. وعندما تحدد اتجاهك في الحياة سوف يعني ذلك أنك وضعت سلَّم نجاحك على الجدار الصحيح منذ البداية.
- هل تستخدم البوصلة أكثر أم الساعة؟
لا تتعجل في الإجابة قبل أن تشاركنا في هذا الاستبيان البسيط.
1- لديَّ رؤية واضحة لمستقبلي واتجاهي في الحياة:
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
2- أبدأ مشروعاتي وأنا أدرك تمامًا النتائج المبتغاة منها:
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
3- أجهِّز لكل أعمالي مبكرًا وأستعدّ للاجتماعات تمامًا.
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
4- أعمل لتحقيق أهداف بعيدة المدى، ولا أكتفي بالحلول السريعة ومعالجة المشكلات الطارئة.
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
5- أتأكّد أن كل من حولي يفهمون الغاية والقيمة الكامنة وراء كل أعمالنا:
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
6- أستشعر وأحسّ بالمسئوليات وأستعد لها قبل وقوعها:
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
7- لا أباشر أعمالاً يمكن أن يتولاها الآخرون أو يمكن تفويضها إليهم:
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
8- أحدّد أولوياتي بحيث أقضي معظم وقتي مُركِّزًا على الأعمال والمشروعات الأكثر أهمية:
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
9- ألزم نفسي بتنفيذ الخطط الموضوعة، وأتجنب التسويف والتأجيل والمقاطعات العشوائية:
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
10- عندما أكلف الآخرين بمهمة أقوم بذلك قبل استحقاقها بوقت كافٍ، وأمنحهم وقتًا كافيًا لإنجازها:
q دائمًا q أحيانًا q نادرًا q أبدًا
•••أعطِ نفسك مائة درجة لكل إجابة دائمًا
•••ستًا وستين درجة لكل إجابة أحيانًا
•••ثلاثًا وثلاثين درجة لكل إجابة نادرًا
••• صفرًا لكل إجابة أبدًا
اجمع درجاتك ثم اقسمها على عشر، سوف تظهر لك نتيجتك منسوبة إلى مائة، وترى من خلالها كم أنت قريب إلى البوصلة
ولكن كيف نستخدم البوصلة؟!
============
أمل يحتاج إلى عمل
أمراض القلوب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
ماذا يجب عليّ أن أفعل لأكون مسلماً صالحاً ومؤمناً كما كنت في السابق. فمنذ حوالي السنة كان إيماني جيداً نسبياً، ولكنني الآن لست على ما يرام. أعرف أن الله سبحانه وتعالى يرانا، وأنه سبحانه سوف يحاسبنا على ما نفعل في حياتنا كلها. لم أعد أستطيع أن أنام في الليل، بينما أنام في النهار وقتاً طويلاً، مما يسبب لي بعض المشاكل وأهمها أنني لا أتمكن من أداء الصلوات في وقتها. أنا أعلم الكثير عن الدين، ولكني أعمل القليل. أشعر بالتعب الشديد، والفقر الشديد لعلوم الدين.
وأود أن تنصحوني، وما هو الحل لمشاكلي الإيمانية ؟، فأنا أشعر بعيد عن التوبة النصوح، وأود أن أهاجر في سبيل الله، وأعود لبلدي الأصلي، على الرغم من ولادتي هنا، ولكني لا أملك المال الذي يكفيني. فما هي الطرق التي أستطيع من خلالها أن يكون إيماني قوياً، و وأكون قادراً على مواجهة المشاكل الحياتية. وهل من الصعوبة بمكان أن يكون المرء مؤمناً صالحاً؟
و جزاكم الله خيرا... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
يقول الشيخ عصام الشعار :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه إلى يوم الدين.. وبعد،
أخي الحبيب:
بداية أسوق إليك هذه البشرى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن". رواه الترمذي، وصححه الألباني. فمن أبصر عيوب نفسه، وجاهد نفسه في كبح هواها، فليحمد الله على نعمة الإيمان، ولير الله من نفسه خيرا، حتى يكون أهلا لمعيته "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
وسأنطلق معك أخي الكريم من نقطتين، وأسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.. آمين
أولا- الإيمان يزيد وينقص:
ثبت بالكتاب والسنة، وتواطأت أقوال الصحابة والتابعين على أن الإيمان يزيد وينقص، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال الإمام البخاري في باب قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ }، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ { فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا } وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} إلى آخر ما استشهد به من الآيات، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا فَمَنْ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الْإِيمَانَ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية )الإيمان مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق). اهـ.
ثانيا- احذر أن يوردك الفتور موارد الهلكة:
نفسك التي بين جنبيك لها إقبال وإدبار فتارة تكون في سمو وإشراق وعندها يجد العبد لذة الطاعة، وتغمره السكينة والطمأنينة، وتارة يخفت هذا النور ويقل هذا الإشراق، فتضعف همته ويقل نشاطه، وهذا أمر فطري لا دخل للمرء فيه، فليس عجبا أن ترى من نفسك التقصير في إقبالك على الطاعة، ولكن لزاما عليك أن تضع نصب عينيك قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- (إن لكل عمل شرّة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك) رواه البيهقي في شعب الإيمان وهو صحيح.(1/353)
والحديث يدل على المرء تارة تعلو همته فينشط للطاعة، وتارة يصيبه الفتور والضعف فيكسل عن الطاعة، وهذا الضعف إما أن يكون إلى سنة وخير وهذا يكون بالمحافظة على الفرائض وترك المنكرات، فلا ينقطع عن العبادة بالكلية، فمن كان هذا حاله فهو على خير، وتارة يصل الفتور بالعبد إلى درجة تورده موارد الهلاك فيكون التقصير في الفرائض والاجتراء على المنكرات، ومن كان هذا حاله فهو على خطر عظيم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "فقد هلك".
فاحذر أن يفتقدك الله تعالى حيث أمرك، أو يجدك حيث نهاك، بل كن وقافا عند حدوده، سبحانه، مؤديا فرائضه، ومن أشد الناس بعدا عن كل ما يجلب عليك مقته وعذابه.
وأنصحك أخي الحبيب، بما أنصح به نفسي، فأقول لك :
استعن بالله ولا تعجز:
السبيل إلى الاستقامة والثبات على هذا الدين أن تستعين بالله سبحانه وتعالى "إياك نعبد وإياك نستعين"، أي نخصك وحدك بالعبادة والاستقامة، فلا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك، وذكره للاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوصيك يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"[1]، والعبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة و الباطنة.
والاستعانة هي: الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك، والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية[2]. فاجعل شعارك "إياك نعبد وإياك نستعين" وترجمها إلى واقع عملي تسلم وتغنم.
فتش عن الصحبة الصالحة:
الصحبة التي تعينك إذا تذكرت وتذكرك إذا نسيت، فالزم الأخيار الأتقياء، الذين وطنوا نفسهم على الطاعة والتزموا منهج الله عز وجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم" : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"[3]، وقال صلى الله عليه وسلم" مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير". [4]
اجعل لنفسك وردا يوميا للمحاسبة:
"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر { بومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } .
اعرف واجب الوقت:
فاحرص على أن تحدد واجباتك اليومية وحدد أولوياتك ، ولا تفرط في شيء على حساب غيره " فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا".
لا تكن عاصيا بنومك:
قال تعالى "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا" فالليل والنهار نعمتان للبشر مختلفتان في الأسباب والآثار؛ فنعمة الليل راجعة إلى الراحة والهدوء ، ونعمة النهار راجعة إلى العمل والسعي ، ولا تغمض عينيك وتخلد إلى النوم إلا وأنت عازم على أداء ما فرضه الله عليك ، وخذ من الأسباب ما يعينك على ذلك، أما أن تنام ولا تعزم على الاستيقاظ لفريضة الصلاة ولا تتخذ الأسباب التي تعينك على ذلك ففي هذه الحالة تأثم بنيتك وتكون عاصيا بنومك. واعلم أن بقاءك في المكان الذي أنت فيه مرهون باستقامتك على دينك وإلا كانت الهجرة واجبة.
طالع فتوى : شروط الإقامة في بلاد الغرب.
أكثر من ذكر الموت والدار الآخرة :
فإن من شغل بعمل الدنيا انصرف عن هم الآخرة، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على تذكر الآخرة وزيارة القبور، ففي سنن الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء. قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله. قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا. فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
وختاماً؛
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الاستقامة على طاعته والثبات على دينه. وتابعنا بأخبارك أخي الحبيب.
طالع أيضاً :
في الغربة.. ضاع مني إيماني!
أعينوني على ترميم إيماني!
أفتقد "لذَّة الإيمان".. اهزم الشيطان
[1] - رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين.
[2] - تفسير العلامة عبد الرحمن السعدي المسمى: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
[3] - رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
[4] - رواه مسلم.
================
بسبب العمل.. تاهت إيمانيا
أمراض القلوب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكراً لكم على الموقع المتميِّز. كيف نقوِّي صلتنا بربِّنا في ظلِّ التغيُّرات التي نواجهها في عصرنا والاغراءات الكثيرة؟ أنا فتاةٌ قبل أن أعمل كنت "إنسانة" ملتزمةً في النواحي الدينيَّة، ولكن بعد أن عملت، كلُّ شيءٍ تغيَّر نحوي، فانجرفت في دوَّامة، ولا أعرف كيف أخرج منها. كلُّ أخلاقي تغيَّرت عن ذي قبل. فهل ترشدونني إلى طريق الصواب؟ التائهة ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
... أختي الكريمة "التائهة"،
أكرمك الله تعالى حين استشعرتِ تراجعك الإيمانيّ، وهذا -كما نقول دائما- هو بداية طريق العلاج والإصلاح.. وها قد وضعت رجلك على الطريق.
والحقيقة أنَّ مسألة دخول الإنسان في دوَّامة العمل، هي مشكلة معظم "الملتزمين"، فهم ينتقلون من بيئةٍ طيِّبةٍ فيها من الوقت وراحة البال الكثير، وهي البيئة الدراسيَّة بأقسامها المختلفة، إلى بيئةٍ تكثر فيها الالتزامات والانشغالات والأعباء و"الهموم"، وهي بيئة العمل.
وهذا الانتقال -بالتأكيد- له آثاره السلبيَّة وظلاله التي تحطُّ على الإنسان، وقد تستهلكه وتقضي عيه، لولا رحمة الله تعالى به حين ينبِّهه ويذكِّره.. فيغدو عليه أن يقتنص إيمانه قبل فوات الأوان.
فحالك يا أختي الكريمة ليس حالك وحدك، بل هو حال معظمنا.
أمَّا العلاج، فيكمن في أربعة أمور:
1- تنظيم الوقت وترتيبه.
2- إيمان المعاملة.
3- الصحبة الصالحة.
4- العيش مع الأمَّة.
1- تنظيم الوقت وترتيبه:
الوقت هو الحياة، وهو إن لم ندركه أدركنا، وما المرء إلا دقائق وثوانِ، فإذا ذهب وقته ذهب بعضه.
لهذا كانت مسألة ترتيب الوقت، وتحديد المتطلَّبات والالتزامات أمرٌ أساسيٌّ وضروريّ.
لذلك فلنعمل وفق أربعة قواعد:
- تحديد ما علينا من مسؤوليَّات.
- عمل قائمةٍ تسمَّى: "أعمالٌ يجب إنجازها اليوم".
- ترتيب هذه الأعمال وتحديد أوقاتها.
- زحزحة جدار التعب.
وسأضرب مثالاً توضيحيّا:
لديك اليوم الأعمال التالية: العمل- الزاد اليوميُّ من قرآنٍ وذكرٍ وما إلى ذلك- بعض الالتزامات الأسريَّة: كزيارة أحدٍ مثلا، أو ترتيب شراء بعض الاحتياجات، أو ترتيب بعض الأمور في البيت.. وما إلى ذلك- بعض الالتزامات الدعويَّة: كحضور درسٍ، أو قراءة قرآن، أو قيام ليلٍ أو ما إلى ذلك.. صمِّمي جدولاً أو قائمةً بأوقات اليوم بالساعات، "وهي القاعدة الثانية"، ثمَّ ضعي هذه الالتزامات أمامك، حدِّدي منها ما لها مواعيد لا يمكن تأجيلها أو تغييرها كالعمل مثلا، ضعي هذه المواعيد الثابتة في الجدول، ثمَّ انظري في الباقي، وحاولي ترتيبه في الجدول حسب طبيعته وأفضل أوقاته، وهكذا حتى تنتهي منها كلِّها.(1/354)
افعلي ما سبق.. اختاري منها ما يجب إنجازه في هذا اليوم.. فإن كانت أكثر من الوقت المتاح، رتِّبيها حسب أولويَّاتها وضروراتها "وهي القاعدة الثالثة"، وقومي بتنفيذ الأَوْلَى فالأَوْلَى، ثمَّ "القاعدة الرابعة"، وهي: "زحزحة جدار التعب":
يخبرنا علماء النفس أنَّ الإنسان لا يستهلك كلَّ طاقته، وبالتالي يبقى في قدرة الإنسان جزءٌ يمكن الاستفادة منه، حاولي أن تمدِّدي وقت تعبك قليلا، فإذا كنت متعوِّدةً أن تنهي كلَّ أعمالك والتزاماتك الخارجيَّة والداخليَّة الساعة العاشرة مساءً مثلا، اجعليها العاشرة والنصف، وهذه النصف ساعة ليست بالوقت الكبير، ولا تحتاج إلى مجهودٍ فائق، فقط ثلاثون دقيقة، خذي فيها زاداً إيمانيّا؛ قيام، قراءة قرآن، قراءة كتابٍ في الرقائق...، وثقي بأنَّ هذه الفترة الزمنيَّة البسيطة ستزوُّدك بالكثير ما التزمت بها.. ولن أذيع لك سرًّا حين أقول: ستجدين -بعد فترةٍ ليست بالطويلة- أنَّ هذه الثلاثون دقيقةً قد تمدَّدت وتطاولت أضعافاً مضاعفة.
بهذا الترتيب والتنظيم -أختي الكريمة- تستطيعين فعل الكثير إن شاء الله تعالى.
2- إيمان المعاملة:
ذكرت هذه القضيَّة من قبل في استشاراتٍ عديدة، وأعيد التأكيد عليها، لماذا تسلَّل إلى نفوسنا من غير أن نشعر مفهوم النصارى للدين، أو منطق العلمانيَّة في التعامل معه، فغدا ديننا -بحسب مفهوم النصارى- مجموعة صلواتٍ وعباداتٍ وطاعات، ولم يتعدَّ ذلك إلى سلوكٍ ومعاملةٍ وفعل، وأصبحنا -بحسب المنطق العلمانيّ- نقسِّم حياتنا إلى قسمين: قسمٍ لربِّنا سبحانه متمثِّلاً في هذه العبادات والطاعات، وقسمٍ لدنيانا نعيش فيه كيف نشاء؟!
الناظر لإسلامنا المدقِّق فيه، يجد كلَّ ذلك مخالفاً لأسسه وقواعده التي بُني عليها، عندما يصف ربُّنا سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم: "وإنَّك لعلى خلق عظيم"، "فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك"، وعندما يحثُّنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بفعله على حسن الخلق، كما وصفه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحِّشا، وإنَّه كان يقول: إنَّ خياركم أحاسنكم أخلاقا"رواه البخاري، وعندما يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الرائع حقّا: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ غريب، ورواه ابن حبَّانٍ في صحيحه، وعندما يحكي صلى الله عليه وسلم: "بينما رجلٌ يمشي بطريق، وجد غصن شوك فأخذه، فشكر الله له، فغفر له"رواه البخاريُّ ومسلم، وعندما يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالسماحة: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"رواه البخاري، ويصف المنافق بـ: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"رواه البخاريُّ ومسلم.
كلُّ هذا الكمِّ من الأوامر والفضائل "المعاملاتيَّة" هل هي لمجرَّد العلم، أم هي للممارسة أيضا؟ وهل لها -إذا ما طبَّقناها- علاقةٌ بزيادة الإيمان في قلوبنا أم لا؟ لو كانت ليست لها علاقة بالإيمان، فمعذرة، فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثَّ ديننا عليها وأمر بها؟
أختي الكريمة،
هذه مشكلةٌ كبرى نحيا فيها.. الدين المعاملة، الدين المعاملة، الدين المعاملة، خذي زادك الإيمانيَّ من هذه المعاملات.. ابتسمي في وجوه الناس تزدادي إيمانا، أميطي الأذى عن الطريق، وتذكَّري من فعل ذلك وشكر الله فغفر الله له، فاشكري الله، واستشعري مغفرة الله لك، عاملي الناس بخلقٍ حسنٍ تكوني في مجلس نبيِّك صلى الله عليه وسلم، تقرَّبي إلى الله تعالى بالمعاملة كما تقرَّبت إليه بالطاعة.. وعندئذ لن تحسِّي بأيِّ انفصالٍ إيمانيّ، ولن تشعري بقسوة القلب وجفاف الإيمان.
3- الصحبة الصالحة:
الصحبة الصالحة، والرفقة الآمنة، مفتاحان رائعان للحفاظ على الإنسان، ولعلَّ أبرز ما يميِّز الجامعة أنَّها مبنيَّةٌ على التلاقي والتواصل، وهو ما قد يُفقَد عند العمل.
فحاولي قدر جهدك ترتيب أعمالٍ إيمانيَّةٍ مع أخواتك، قمن بزيارة ملاجئ الأيتام والمستشفيات، اتَّفقن على صيام وإفطار يومٍ سويّا، أو التزام عدد ركعاتٍ قيام ليلٍ أسبوعيّا، أو مبلغٍ شهريٍّ تتصدَّقن به، أو خدمةٍ تؤدِّينها لمحتاجٍ أو معوِز، أو عملٍ لأهل حيِّك، منطقتك، ومجتمعك، شاركي في الجمعيَّات الأهليَّة والخيريَّة وما أكثرها في الأردن، المهمُّ أن تجدي الرفقة الصالحة، وتلتزمي بها، وتعرفي أنَّ الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية.
4- العيش مع الأمَّة:
من وجهة نظري أنَّ من اكثر ما يرفع إيماننا أن نعيش مع أمَّتنا، نعرف أخبارها، نطمئنَّ عليها، نحزن لحزنها، ونفرح لفرحها.
هذا كلُّه حريٌّ أن يرفع إيماننا حين نستشعر ارتباطنا بأمَّتنا.. رغم أنَّ الأحداث والأخبار في معظمها لا تسرّ، غير أنَّ الحزن والهمَّ والبكاء رغم قسوته ما هو إلا زادٌ إيمانيٌّ يدعونا إلى الالتزام أكثر، والتشبُّث بالدين أكثر، والعضِّ على جذع الإيمان والإسلام.
أختي الكريمة "التائهة"،
بهذه الأمور الأربعة نبدأ الطريق إلى إزالة كلِّ تيهٍ وحيرة، ونسعى إلى إيمانٍ أفضل، وقربٍ من الله تعالى أعلى.
أختي "غير" التائهة،
أما زلت تائهة؟؟
أنتظر الإجابة من فضلك.
=============
خطباء يحذرون من "إهدار الوقت" بالإجازة
همام عبد المعبود - إسلام أون لاين.نت/ 10-6-2005
الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
حذر خطباء الجمعة في عدد من البلدان العربية والإسلامية من خطر"إهدار الوقت" فيما لا يعود بالخير على الإنسان وعلى أمته، خاصة مع قرب انتهاء العام الدراسي، ودخول الإجازة الصيفية.
وأوضحوا أن الكثيرين لا ينتبهون إلى خطورة إهدار الوقت قدر إدراكهم خطورة إهدار المال، مبينين أحكام السفر وضوابطه وآدابه في الإسلام، خاصة مع قدوم الإجازة، وتخطيط الكثيرين للسفر خلالها.
ففي قطر، أوضح الداعية الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي أهمية السفر في الإسلام، مشيرا إلى أن الإسلام لم يحرم السفر ولم يأخذ منه موقفا سلبيا، بل شرعه لأسباب كثيرة؛ فشرعه لأداء بعض الواجبات كالحج والعمرة، والجهاد في سبيل الله، وطلب الرزق الحلال، والهجرة من الظلم والاضطهاد بحثا عن الحرية والأمن كما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة المكرمة.
وقال الشيخ القرضاوي في خطبة الجمعة التي ألقاها بمسجد عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية الدوحة: "هناك سفر الطاعة، وهو سفر مستحب لطلب العلم كما شرع الله السفر للبحث عن الرزق الحلال".
وأضاف الشيخ القرضاوي "لا توجد أمة ضربت الرقم القياسي في السياحة والسفر في طلب العلم كالأمة الإسلامية"، موضحا أن هناك أسفارا مباحة، كما أن هناك سفر المعصية، وهو الذي يسافر فيه الإنسان عازما على المعصية مصمما عليها، مشيرا إلى أنه "بإمكان المسلم أن يحول المباحات إلى عبادات، إذا ما جدد النية منها، فبالنية تصبح العادات عبادات، والمباحات قربات".
الصحة والفراغ(1/355)
وفي السعودية، شدد الدكتور أسامة عبد الله الخياط، على أهمية الوقت في حياة المسلم، مذكرا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"، موضحا أن "الفراغ نعمة أنعم الله بها على عباده، وأن عليهم إنفاقه فيما يعود بالخير عليهم وعلى مجتمعهم وعلى أمتهم، وأن واجب الآباء والأمهات والعلماء والدعاة تعليم أبنائنا كيفية الإفادة من الأوقات، وتوجيههم إلى ما يبلغون به أسمى المنازل والدرجات".
وقال الشيخ الخياط في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام بمكة المكرمة إن "الإجازة ليست فرصة لتضييع الأوقات، بل فرصة عظيمة للاستزادة من العلم والخلق ولاستباق الخيرات".
الفراغ والجرائم
وفي البحرين، طالب الشيخ "عدنان القطان" الشباب باستثمار أوقات فراغهم، خاصة مع دخول الإجازة الصيفية، محذرا من تضييع الأوقات.
وقال "من المؤسف أن الناس ينتبهون إلى إهدار المال، لكنهم لا يدركون خطورة إهدار الوقت، وإن الفراغ لا يبقى فراغا أبدا، فمن لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل، فطوبى لمن ملأ فراغه بالنافع المفيد".
وقال الشيخ القطان في خطبة الجمعة التي ألقاها بمسجد أحمد الفاتح بالمنامة: "إن وقت الفراغ باتساعه الطويل، غدا خطرا وعبئا كبيرا، وأن الأمر يتجاوز فراغ الوقت إلى فراغ النفس والقلب بل وفراغ القيم والمبادئ وفراغ الأهداف الجادة".
وأشار الشيخ القطان إلى أن "مشكلة الفراغ ليست مشكلة أصيلة نابعة من فطرة الإنسان، بل إنها مشكلة طارئة نابعة من زيف الحضارة المعاصرة، محذرا من أن "الفراغ يجعل الإنسان يشعر بأنه عضو لا قيمة له، وأنه يحيا بلا هدف في هذه الحياة، وأن الفراغ وسيلة من وسائل إبليس، حيث يوقع صاحبه في أسر الوساوس والهواجس".
وتابع: "يصبح الفراغ مشكلة حقيقية مع دخول الإجازة الصيفية، حيث يرى بعض الباحثين أن وقت الفراغ عامل رئيس في الانحرافات الكبيرة، وقد توصل علماء الاجتماع إلى أن نسبة الجرائم تتناسب طردا مع نسبة الفراغ"، مبينا أن هناك من "يمارسون هدر الوقت بالجلوس على المقاهي والتسكع في الطرقات، وأن على الآباء والمربين أن يحذروا أوقات الفراغ، وأن يبحثوا سبل استثمارها بدلا من إضاعتها" .
وظيفة الإنسان
الشيخ الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر
وفي مصر، أوضح الدكتور "محمد سيد طنطاوي"، شيخ الأزهر أن الله عز وجل قد أوجدنا في هذه الحياة كي نعمرها بالقول الطيب والعمل الصالح وكل ما من شأنه أن يجعل الإنسان يعيش في هذه الحياة ويؤدي واجبه تجاه دنياه وأخراه.
وقال الشيخ طنطاوي في خطبة الجمعة التي ألقاها بمسجد الرحمن بمطار القاهرة الدولي إن "كل إنسان يتكون من مادة وروح، وهو يحتاج إلى ما يقوي جسده كما يحتاج إلى ما يقوي روحه، وقوة الروح هذه لا يحصل عليها إلا بأداء التكاليف الشرعية".
============
سوق رمضان.. كيف تتاجر بوقتك؟
حازم يونس**
عدم القدرة على المواءمة بين العمل والعبادة مشكلة تؤرق الجميع، خاصة خلال شهر رمضان الذي يسعى خلاله الجميع إلى الإكثار من العبادات للخروج من السوق الرمضاني بأعلى الأرباح.. ولذلك فتحنا حوارًا حيًّا مع الخبير الإداري عصام بدر حول كيفية الوصول إلى الشكل الأمثل للمواءمة بينهما.
لا تدر ظهرك للوقت واعمل له ألف حساب
أكد في بداية الحوار على أن الوقت هو أغلى سلعة في هذه السوق، ونجاحنا في إدارته بشكل أمثل سيقودنا بلا شك لتحقيق الأرباح، وهذا ليس صعبًا؛ فالوقت متاح للجميع ويستطيع كل إنسان أن يحقق الأهداف التي وضعها لنفسه قبل بداية الشهر، فقط نحتاج إلى الجهاد مع النفس، وهذا لن يتحقق إلا بنية صادقة في استثمار الوقت، يتبع ذلك المصارحة مع الذات بعدم العودة إلى ما مضى من سلوكيات تضيع الوقت، وأخيرًا ملاحظة سلوكياتنا واكتشاف ما يضيع الوقت منها دون أن ندري لكي نتجنبها كالمحادثات التليفونية مثلاً، والأحاديث الجانبية في أثناء العمل، وعدم ترتيب أوراق المكتب وما يتبع ذلك من مضيعة للوقت في البحث عن الأشياء.
تحديد البرنامج.. خطوة تالية
وبعد النية والمصارحة والملاحظة، لا بد من تحديد برنامج عمل نسير عليه وفق الخطوات التالية:
1 - تحديد الأهداف وتدوينها بتلقائية وبدون تنقيح.
2 - تجزئة هذه الأهداف إلى:
أ - مهم وعاجل. ب - ضروري. ج - أرغب في القيام به.
3 - بعد هذه التجزئة حدد الوقت الذي يمكن أن تستغرقه الأهداف كل على حدة، وخاصة البند "أ".
4 - ابدأ في تنفيذ الأهداف، ولكن قبلها حاول أن تتخيل نفسك وأنت تقوم بتنفيذها ومدى السعادة التي ستنتابك وقتها؛ فالتخيل يلعب دورًا مهمًّا نحو التحفيز لأداء الأهداف.
5 - إذا ما صادفتك صعاب في أثناء تحقيق الأهداف، فاسمح للآخرين أن يشاركوك الفعل أو النصيحة.
6 - كن مقتنعًا أن الأهداف الصغيرة هي الوسيلة نحو تحقيق ما تصبو إليه.
7 - دع كل ما يؤثر ويحبط من إيحاءات سلبية، سواء كانت نابعة منك أو من الآخرين.
النوم يجلب نومًا
وردًّا على أسئلة حول مشكلة النوم خلال الشهر وتأثير ذلك على الالتزام بتنفيذ هذا البرنامج، أكد الخبير الإداري عصام بدر على حقيقة مهمة جدًّا وهي أن حواراتنا الشخصية مع أنفسنا تؤثر على تصرفاتنا، وهذا سبب المشكلة؛ فنحن نقنع أنفسنا بأنه لا وقت أمامنا للتنفيذ بحجة النوم، مع أننا لو أقنعنا أنفسنا بإمكانية تحقيق كل ما نصبو إليه، وفي نفس الوقت نحصل على قدر كاف من النوم فسنستطيع، ولكننا استسهلنا تقديم المبررات.
ولتحقيق ذلك، فالمطلوب منا أن نعيش دائمًا في حالة استنفار، فنتذكر -مثلاً- مواقف سعيدة مرت على حياتنا؛ لأن مجرد تذكرها يدفع إلى اليقظة والعمل، وتنشيط الذهن بالقراءة بصوت عال، ومحاسبة النفس قبل الذهاب للنوم حول مقدار ما أنجزته من أعمال، وتذكر أنك أمام هدف يستحق التضحية، فلو أنت تنام على سريرك وسط حالة من التعب والإرهاق الشديدين، ثم سمعت صوت استغاثة في الشارع، من المؤكد أن معظمنا إن لم يكن كلنا سيجري لإنقاذ هذا الآخر الذي لا يعرفه، فما بالكم إذا كان المطلوب إنقاذه هو أنت، ألا يستحق ذلك منك أن ترفع عن نفسك عباءة الكسل والخمول لتنقذ ذاتك؟.
ويجب أن نعرف في النهاية أن النوم كثيرًا لن يجلب لنا إلا مزيدًا من الرغبة في النوم، وكثرة النوم تسبب التعب الجسدي.
لماذا لا نجعله شهر الإنتاج؟
وحول انخفاض الإنتاج خلال الشهر، نفى أن يكون ذلك بسبب الصوم؛ فشهر رمضان كان دائمًا شهرًا للانتصارات عند المسلمين، ولكنه ارتبط في أذهاننا بأنه شهر للراحة والاسترخاء، فصرنا نتعامل معه من هذا المنطلق.
ولذلك إذا أردنا التغيير، فلا بد -أولاً- أن نغير ما لدينا من معتقدات، وندرك جيدًا أننا عندما نجتهد في أعمالنا، فلن نحصد مقابلها مالاً فقط، بل -أيضًا- ثوابًا ورضا من الله سبحانه وتعالى.
ويتزامن مع ذلك التغيير من بعض السلوكيات التي تؤدي إلى الكسل، ومنها الإكثار من تناول الطعام وتحويله من وسيلة إلى غاية في حد ذاته.
الرغبة بداية النجاح(1/356)
وعن كيفية تنفيذ المشروع الرمضاني الذي يحرص الكثيرون على التخطيط له قبل بداية الشهر، وهو حفظ أجزاء من القرآن الكريم، يقول عصام بدر: إن توافر الرغبة الصادقة يُعَدّ جزءًا من تنفيذ المشروع، ولكن هذه الرغبة تحتاج إلى التحفيز المستمر الذي يتطلب توافر الوقت المتاح له، ويحتاج ذلك إلى أمرين، الأول ملاحظة سلوكياتنا اليومية لتوفير الوقت الذي يضيع في سلوكيات غير منتجة، والثاني التضحية ببعض من وقت النوم، وليكن ساعة قبل موعد الاستيقاظ لتخصيصها لخدمة هذا الهدف.
كما ينبغي ألا نحمل أنفسنا أكثر من طاقتنا، فيمكن في البداية أن نبدأ بحصر أجزاء القرآن التي كنا نحفظها سابقًا لاسترجاعها؛ فهذا الأمر سيكون سهلاً ويشجعنا أكثر على الاستمرار، وبعد ذلك ننطلق بحفظ صفحة كل يوم في الساعة التي خصصناها لتحقيق الهدف، على أن يتم مراجعتها في أثناء أداء الصلوات أو في المساء قبل النوم.
لا تهجروا المذاكرة
وحول كيفية إدارة الوقت في رمضان بحيث لا تؤثر على المذاكرة، تلقى عصام بدر في نهاية الحوار العديد من الأسئلة من الطلاب، فأكد على أن إدارة الوقت تتطلب أولاً التخطيط لما لدينا من أهداف والتحقق من قدرتنا على تنفيذها، بمعنى ألا نكون مبالغين فيها، ثم التنظيم الجيد لإطار حياتنا، بمعنى ترتيب البيئة المحيطة بنا؛ لأننا لن ننجح في ظل أوراق متراكمة أو مكاتب معبأة بالأوراق، وبعد ذلك يأتي دور التوجيه الذي نستطيع من خلاله تحديد أفضل الوسائل لتحقيق الأهداف، وأخيرًا محاسبة الذات ومراجعتها بصفة مستمرة لمعرفة مقدار ما أنجز من أهداف.
فإذا أردنا تطبيق ذلك على موضوع المذاكرة، فسنجد أن شهر رمضان يكون عندنا جميعًا الرغبة في استثمار وقت طويل خلاله في العبادة؛ ولذلك لا مانع من تقليل عدد ساعات المذاكرة إلى ساعتين ونصف بدلاً من أربع، وتنظيم بيئة المذاكرة كالمكتب والغرفة التي نذاكر بها حتى لا نضيع وقتًا في البحث عن بعض الأشياء، واختيار وسيلة مثلى للمذاكرة وكذلك الوقت الأمثل بما يجعلنا نستفيد من كل الوقت المحدد، وفي نهاية اليوم نحاسب أنفسنا عن مقدار ما تحقق من الهدف.
إذن، ومن خلال إجابات الخبير الإداري عصام بدر يتضح أن النية الصادقة هي أساس أي عمل ناجح كبر أم صغر، ويعتبر تنظيم الوقت هو الأساس لتنفيذ ما نوى الإنسان تحقيقه.
==============
كيف تدير وقتك؟
عبد الله المهيري- 26/01/2003
صورة الكتاب
الكتاب ضمن إصدارات سلسلة: تعلم خلال أسبوع
تأليف: كلير أوستن
اسم الكتاب: مهارات تفعيل وتنظيم الوقت
الناشر: الدار العربية للعلوم
عدد الصفحات: 104
ترجمة وتحقيق: مركز التعريب والبرمجة
الناشر الأصلي:Hodder & Stoughton بالاشتراك مع: الجمعية البريطانية لإدارة الأعمال
قبل أن ننظر في الكتاب
رأيت من واقع الحياة أن أكثرنا لا يحسن استغلال الوقت بفعالية، وللأسف هناك من الناس من يظن أن تنظيم الوقت معناه الجد التام، ولا وقت للراحة أو التسلية، والبعض يظن أن تنظيم الوقت شيء تافه لا وزن له؛ ذلك لأنهم لا يقيمون لأهمية الوقت وزنًا.
إن هذه المفاهيم تجعل عملنا منخفض الإنتاجية، فمهما عملنا واجتهدنا لعدة ساعات، فإننا لن ننتج ولن نكون منتجين، ما لم ننظم أوقاتنا، ونتخلص من كل ما يبدد هذه الأوقات.
هذا الكتاب يدلك على الطرق التي تجعلك أكثر إنتاجية في حياتك، وأتمنى أخي الزائر أن تطبق هذه الطرق السهلة، وستجد النتائج الفورية في عملك، وإن طبقتها في حياتك فستجد الفرق الكبير والنتائج الإيجابية، أقولها لك بكل إخلاص: لن تخسر إن طبقت هذه الطرق لمدة أسبوع، ثم احكم، هل هي فعالة أم لا؟
المقدمة
اليوم = 86400 ثانية، لماذا يكفي هذا الوقت بعض الناس لإدارة المؤسسات الضخمة، والبعض يعجِز عن إنجاز بعض الأعمال البسيطة؟! الفرق يكمن في فعالية استغلال الوقت.
إن فوائد تنظيم الوقت السليم فورية وكبيرة، منها:
- تحقيق نتائج أفضل في العمل
- تحسين نوعية العمل
- زيادة سرعة إنجاز العمل
- التخفيف من ضغط العمل
- تقليل عدد الأخطاء الممكن ارتكابها
- تحسين نوعية الحياة غير العملية
لذلك عليك أن تبادر بتنظيم وقتك واستغلاله بأفضل السبل، وإلا ستصبح مثل ذاك المدير الذي عرضنا كيف يصف يومه.
إن النقاش الجماعي يسمح بإظهار المشاكل المحتمل حدوثها ووضع أفضل الحلول لمعالجتها.
ويمكنك إقامة ساعات تدريبية مرنة لإتاحة الفرصة لحضور الجميع، ويجب أن يشارك جميع الموظفين في حل التمارين ووضع الحلول والخطوات العملية التي سيتبعونها فور عودتهم إلى المكتب، وهذا يخلق الحماس الجماعي في المؤسسة فيلتزم الجميع بهذه الخطوات.
ملاحظة: هذا الكتاب يفترض أنك ستقرأ جزءًا في كل يوم على أن تنتهي منه بعد أسبوع، وهذا مما يسهل قراءة الكتاب، ويتيح لنا تطبيق الخطوات العملية قبل إكمال قراءة الكتاب.
اليوم الأول- تقييم الذات
اليوم سنقوم بتحليل قدراتنا على تنظيم الوقت، وسنضع سجلاً للوقت ولائحة بالعوامل التي تستنفذ الوقت، وبعد ذلك الخطوات العملية لتغيير عاداتنا.
تحليل استخدامنا للوقت:
تظهر الأبحاث أن الموظفين يضطرون دائمًا إلى تغيير موضوع اهتمامهم، فتراهم يمضون ما معدله عشر دقائق في المسألة الواحدة، فيضيع الوقت في المقاطعات والضغوطات اليومية دون أن يشعروا بضياع الوقت.
لذلك نحن بحاجة إلى أن نعي عاداتنا في قضاء أوقاتنا، وتصميم سجل خاص بالوقت سيزيد من وعينا بحجم الوقت المهدر وسيحدد العوامل المضيعة للوقت. وإليك نموذج لهذا السجل:
سجل الوقت
الساعة
...
العمل
...
المردود
...
المدة
...
مخطط مسبقًا؟
العوامل المضيعة للوقت:
1- إضاعة الأشياء
2- الاجتماعات غير المخططة جيدًا
3- الأزمات
4- الهاتف
5- تكليف الذات بأعمال الغير
6- المقاطعات الجانبية
7- الكمالية
8- التأجيل
تغيير عاداتنا:
علينا أن نبذل الجهد لتغيير عاداتنا، ويجب أن نستمر في تطبيق هذه الخطوات مراراً حتى تصبح عادات حسنة، ويمكن أن نطلب من الآخرين المساعدة، وإليك خطة من سبع خطوات لتغيير عادات إهدار الوقت:
1- اكتب الأسباب التي تؤدي إلى ضياع وقتك
2- عَدِّد المشكلات التي تسببها عادة هدر الوقت
3- تصور عادة تنظيم الوقت ونتائجها الإيجابية
4- حَسِّن من عادة تنظيم الوقت
5- توقف عن استخدام الأعذار الواهية
6- خطط ليومك بهدوء كل صباح
7- حول المشاريع الضخمة إلى خطوات ومهمات صغيرة مرتبة
اليوم الثاني- الحد من تراكم الأوراق
هل يبدو مكتبك مليئا بالأوراق والمذكرات والكتيبات والمواد التي تود قراءتها وأوراق الملاحظات؟ إذا كان كذلك، فأنا متأكد بأنك تضيع الكثير من الوقت في البحث عن ورقة مهمة أو عنوان شخص، أو تجلس لساعات في الأسبوع الواحد لترتيب الأوراق وفرزها من دون فائدة تُذكَر، وأصبح مكتبك خزانة للأوراق غير المهمة بدل أن يكون مكانا للعمل.
في هذا اليوم سنساعدك على التخفيف من وطأة هذه الأوراق وسيصبح مكتبك خاليًا من كل شيء إلا جدول تنظيم وقتك، والقليل من الأوراق المهمة، ومساحة كبيرة فارغة للعمل.
حملة تقليل الأوراق:
لا يمكن التركيز على الأشياء المهمة إلا إذا تخلصنا من كل ما هو قليل الأهمية، وعندما نطلع على جميع الأوراق والكتيبات، نرى أن معظمه غير ضروري، إلا أن طريقتنا في العمل هي التي تجعل هذه الأوراق غير المهمة تتكدس على مكاتبنا. ولذلك عليك بالآتي:
- ألزم جميع من يرسل لك بورقة أو تقرير أو مذكرة بالاختصار قدر الإمكا.(1/357)
- تحدث إلى الأشخاص مباشرة بدلاً من إرسال مذكرة، وهذا يعزز الاتصال بينك وبين غيرك
- اطلب من الجميع عدم إرسال أي تقارير أو مذكرات إلا في الحالات الاستثنائية
- أعِد كل الأوراق غير الضرورية إلى مرسليها
- اختصر قدر الإمكان في كتاباتك إلى الآخرين
هناك من الناس من يبرر الفوضى الموجودة على مكتبه بقوله: إني أعلم مكان كل شيء. إلا أن الأبحاث تثبت بأن المكتب غير المنظم يؤدي إلى:
1- إنتاج أقل
2- معنويات منخفضة
3- ضياع الفرص وانقضاء المُهَل
4- أزمات غير متوقعة
5- بحث شاق عن المعلومات
6- ساعات عمل طويلة
لذلك عليك الآن بترتيب مكتبك، ولا تؤجل ذلك أبدًا، ضع لافتة تخبر الآخرين بأنك مشغول لمدة ساعة ونصف، وتخلص من كل شيء قليل الأهمية، ورتِّب أوراقك المهمة في ملفات منظمة، وتجنب ترتيب مكتبك على حساب تراكم الأوراق في أماكن أخرى من الغرفة، وتذكر بأن ترتيبك لمكتبك يعني أنك لن ترى غير الأوراق اللازمة لمشروعك، وذلك سيساعدك على التركيز لمدة تكفي لإنهاء المشروع وعدم التشتت وتضييع الوقت.
عندما تأتيك أي ورقة، فعليك تطبيق إحدى هذه الخطوات:
1- تحولها لغيرك
2- تعمل عليها
3- تلقيها في سلة المهملات
4-تضعها في ملف
التوثيق الفعال:
يشكل نظام التوثيق سواء أكان إلكترونيًّا أو على الأوراق أبرز أداة تنظيم على الإطلاق، والمبادئ التنظيمية متشابهة في كلا النظامين، وسنركز على النظام الورقي.
تظهر الدراسات بأن 85% من المعلومات التي نحتفظ بها لا نعود لها أبدًا، وأن نسبة كبيرة من الوثائق التي نبقيها في ملفاتنا هي أصلاً محفوظة في مكان آخر. لذلك تخلص من كل الوثائق التي لم تعد بحاجة إليها، وإذا كنت غير متردد، فإن حجم ملفاتك سينخفض بنسبة 50 بالمائة.
وللأسف هناك الكثير من المؤسسات ترسخ بعض القواعد العقيمة، مثل: "احفظ نسخة من كل شيء قبل أن ترميه؛ لأنك قد تحتاج إليه يومًا ما"، والحقيقة أن هذه القاعدة لا تنطبق أبدًا إلا على الأوراق التي لها قيمة قانونية، أما غيرها من الأوراق فإنها ستفقد قيمتها بمرور الوقت.
وكلما كانت الملفات منظمة ومرتبة ازداد احتمال إفادتنا من المعلومات الموجودة فيها، وهذا هو عمل الملفات. اخترعنا الملفات لكي تحفظ لنا المعلومات المهمة حتى نرجع لها بسرعة متى ما أردنا ذلك.
اليوم الثالث- التخطيط
التخطيط هو أساس عملية التنظيم، وكان على مؤلف الكتاب أن يضع هذا الفصل في بداية الكتاب.
التخطيط يمر بثلاث مراحل: تحديد الأهداف، ورسم خطوات الخطة التفصيلية، ثم التنظيم اليومي.
تحديد الأهداف:
إذا لم تحدد أي أهداف لحياتك العائلية والمهنية فلا فائدة من أن تنظم نفسك؛ لذلك عليك أن تسأل نفسك دومًا، ماذا أريد أن أحقق في حياتي؟ كيف سأكون بعد خمس أو عشر سنين؟ وعليك أن تكتشف ما تريده فعلاً، لا ما يريده الناس منك، وهذه الأهداف يجب أن تكون سامية في توجهها.
إذا حددت هذه الأهداف، فعليك أن تدونها في مفكرتك أو تعلقها في مكان ما بحيث تراها كل يوم، فتكون نصب عينيك، فلا تنسها أو تحد عنها.
الخطوات التفصيلية:
إذا وضعت أهدافًا كبيرة، فقد يدور في نفسك أنها مستحيلة، وستبدأ عندها بالتراجع وتعديل هذه الأهداف، لذلك عليك أن تضع الخطوات الصغيرة التي ستمشي عليها حتى تحقق هذه الأهداف الكبيرة، هذه الخطوات الصغيرة ستعطيك الحماس والقدرة على مواصلة السير نحو أهدافك، ولن تشعر بفائدة هذه الخطوات إلا إذا استخدمتها، وفوائد هذه الخطوات هي:
1- تحول الأهداف المثبَطة إلى خطوات يمكن تحقيقها
2- تحثنا على تحقيق أهدافنا
3- تسهل تطبيق الأفكار
4- تمكننا من التركيز على المهم وليس الطارئ
5- تشكل علامة نستطيع من خلالها تقويم تقدمنا
6- تساعدنا على تفادي المشكلات
التخطيط اليومي:
1- يمكننا من تنظيم عملنا بواقعية
2- يعمل كمفكرة
3- ينظم العقل ويجمع شتاته
4- يساعدنا على إنهاء الأعمال في وقتها
5- يحثنا على العمل
6- يساعدنا على التركيز على تحقيق أهدافنا التي لها الأولوية
عليك أن تختار وسيلتك التي ستنظم وقتك بها، قد تناسبك المفكرات أو البطاقات أو قائمة لكل يوم، المهم أن تكون الوسيلة مُعِينَة لك على تحقيق أهدافك، وهذه الخطوات ستعينك على تنظيم وقتك:
1- خطط لليوم التالي قبل نومك
2- أكمل غدًا ما لم تنجزه اليوم
3- حدد أولوية كل عمل أو مهمة
4- فوِّض الآخرين في بعض المهام
5- قدر المدة اللازمة لكل مهمة
اليوم الرابع- تنظيم الاجتماعات
يقضي المديرون من 30% - 50% من وقتهم في اجتماعات، أو زيارات مفاجئة، أو مقابلات؛ لذلك سنناقش كيف يمكنك تقليص الوقت اللازم للاجتماعات والاستفادة من كل اجتماع بفعالية قصوى.
* إذا أردت عقد اجتماع فابحث عن بديل إذا توفر، فقد تكفي مكالمة هاتفية أو محادثة وجهًا لوجه.
* إذا قررت عقد اجتماع فحَدِّد هدف الاجتماع بوضوح، وأخبر جميع من سيشارك في الاجتماع بهذا الهدف قبل الاجتماع بمدة كافية.
* ضع جدولاً لأعمال الاجتماع، وضع أهم البنود أولاً.
هذا قبل الاجتماع، أما أثناءه فهناك عوامل تحول دون الاستفادة من الاجتماع، فعليك تجنبها، مثل:
* التأخر في الحضور.
* عدم وضوح الهدف من الاجتماع.
* النقاشات المشتتة؛ لذلك يجب أن يدير الحوار رئيس الاجتماع أو شخص متمكن من ذلك.
* قلة المشاركة وتفضيل الصمت، وقد يكون هذا بسبب الانتقادات، لذلك أجِّل كل الانتقادات إلى آخر الاجتماع.
* المقاطعات، كالمكالمات الهاتفية والزيارات المفاجئة.
* التردد في اتخاذ القرارات.
ملاحظة: قد تبدو هذه التعليمات سهلة، لكن تطبيقها صعب؛ لذلك نفذ هذه الخطوات باستمرار، حتى يتعود الجميع عليها. وهناك كتب متخصصة لإدارة الاجتماعات ستجد فيها تفاصيل مفيدة.
اليوم الخامس- تنظيم المشاريع
المشروع: هو مجموعة من المهمات المترابطة والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى هدف محدد.
تسعة أسباب لفشل المشاريع:
1- تحمل الكثير من المهمات
2- التخطيط غير المناسب
3- زيادة التكلفة وقلة الأرباح
4- تكليف الأشخاص غير المناسبين بمهمات المشروع
5- التأجيل
6- الفشل في تحديد المشكلات المحتملة
7- ضعف النظرة الشاملة
8- عدم وجود هدف واضح
9- قلة التواصل بين أفراد الفريق العامل في المشروع
التخطيط:
كلما أعطينا التخطيط وقتًا أكبر سهلت عملية التنفيذ، وتقلص الوقت اللازم لإنهاء المشروع، وخفضنا التكلفة الكلية للمشروع، ويتضمن التخطيط خمس خطوات أساسية:
* تحديد الهدف: وكلما كان الهدف واضحًا وموجزاً اتضحت للعاملين الخطوات التي سيسلكونها.
* تحليل الكلفة والأرباح: فلا فائدة من المشروع إذا لم يعد علينا بأرباح جيدة.
* تقسيم المشروع إلى مجموعات عمل صغيرة.
* تحديد المدة اللازمة لإنهاء كل مهمة.
* توزيع المهمات على أفراد المشروع.
المراقبة:
هدف المراقبة التأكد من أن المشروع يسير في الاتجاه الصحيح، والإسراع بمعالجة الأخطاء في حال حدوثها. ويستحسن وضع جميع الملفات والمستندات المتعلقة بالمشروع في مكان واحد.
التقويم والمراجعة:
علينا تقويم المشروع لنعرف السلبيات لنتجنبها في المشاريع التالية، وندون تجربة المشروع حتى يستفيد الآخرون من هذه التجربة.
اليوم السادس: ترويض الاتصالات الهاتفية
الهاتف أداة اتصال مهمة، سريعة ورخيصة، وللأسف يساء استخدامه، فيصبح أداة لإهدار الوقت؛ لأننا أولاً لا نستطيع أن نتوقع أهمية المكالمات التي تصل إلينا، وثانيًا لا نختصر في حديثنا، فيضيع وقت العمل في المكالمات الهاتفية.(1/358)
لذلك عليك اختصار المكالمات غير المهمة، وخصص أوراقًا لتدون ملاحظاتك التي تتلقاها في الهاتف، ولا تبعثر ملاحظاتك في عدة قصاصات وأوراق.
ومن النصائح المهمة أن تخصص ساعة لا تتلقى فيها أي مكالمة، وتركز فيها على الأعمال المهمة ذات الأولوية.
أما عن الاتصالات التي نجريها، فيجب أن نفكر قليلاً قبل إجراء أي مكالمة؛ لذلك اكتب ملاحظة بخصوص هذه المكالمة، وأنهِ العمل الذي تباشره وركز عليه، ثم قم بالمكالمة بعد الانتهاء من عملك.
ويمكنك تخصيص ساعة معينة لإجراء جميع اتصالاتك، فتوفر بذلك الكثير من الوقت، وعند محادثتك لأي شخص آخر حاول أن تفهم ما يعنيه، حتى لا يكون هناك أي سوء تفاهم يؤدي بدوره لإهدار الجهد والوقت.
اليوم السابع - مراجعة عامة وإرشادات إضافية
في هذا الجزء يورد الكتاب بعض النصائح المهمة التي تُحسِّن من قدراتنا على تنظيم الوقت.
إذا كنت كثير السفر فعليك القيام بالتحضيرات الدقيقة قبل السفر، وكتابة لائحة بأهداف الرحلة، وتحضير الأوراق الضرورية لها، والمستندات اللازمة للاجتماعات التي ستحضرها، ووضعها في ملف خاص بالسفر، ويمكنك قضاء وقت السفر بمطالعة المواد التي لم يكن لديك وقت لقراءتها.
نصيحة أخرى يوردها الكتاب لإنهاء أو قراءة أكوام الأوراق والتقارير، وذلك بتعلم مهارة القراءة السريعة، ويمكنك أخذ دورة في هذه المهارة، أو الحصول على كتاب يعلمك هذه المهارة، وإليك بعض الخطوات التي ستعينك على القراءة بسرعة:
* لا تقرأ الجمل كلمة كلمة، بل عدة كلمات مع بعضها (3 كلمات أو أكثر)
* تجنب القراءة بصوت عالٍ، أو تحريك لسانك بالكلمات
* تصفح قبل القراءة
وينصح الكاتب ويحذر من مسألة الكمالية، أي محاولة إكمال العمل بنسبة 100%؛ لأن أي عمل لا بد من أن يكون فيه نقص، وهذا من طبيعة البشر، ولا يعني ذلك أن ندعو إلى الإهمال.
وهذه بعض النصائح الأخرى:
* الاختصار والبساطة في كل شيء
* عدم التردد في اتخاذ القرارات
* التأقلم مع الظروف ومتابعة التغيرات
* التفويض، وهذا فن يمكنك تعلمه من الكتب أو الدورات
* التفاؤل والإيجابية
الخلاصة:
ركَّز هذا الكتاب على إزالة كل ما يعيق تنظيم واستغلال الوقت، وإذا ما طبقت هذه المهارات وطبقها كل من يعمل معك، فإن النتائج ستكون فورية، لذلك هذه الحلول لن تنجح إذا لم يتبَنَّها الكل.
لذلك لا بأس أن تجربها في مكتبك ومنزلك، وإن رأيت النتائج الإيجابية فانقل هذه التجربة لغيرك حتى يستفيد بدوره ويفيد غيره.
حاول أن تطبق هذه الخطوات التنظيمية، واكتبها على بطاقة صغيرة أو على لوحة تعلقها أمامك، وعوِّد نفسك على تطبيق هذه الخطوات حتى تصبح عادة.
**نقلا عن موقع عالم النور
==============
القيمة المالية للزمن في التحليل الاقتصادي الاسلامي
* عدنان علي سعيد باصليب
إن الناظر في أدبيات المعاملات في الفقه الإسلامي يجد أن هناك موقفين متناقضين تجاه الزمن وذلك للوهلة الأولى، حيث نجده قد أباح الزيادة في البيع بالأجل مقابل التأجيل، وفي المقابل نجده قد حرم الزيادة في الدين الثابت في الذمة عند حلول الأجل، وإن كان سبب الدين عملية بيع، فهل أقر الإسلام بأن للزمن قيمة مالية أو اقتصادية أم لا؟ وكيف تتحدد قيمة الزمن؟ وإن كان للزمن قيمة مالية في التشريع الإسلامي، فهل هي مقابل الزمن المجرد؟ وما هو تفسير الاختلاف بين الموقفين السالفي الذكر؟
الزمن في التحليل الاقتصادي الوضعي:
يقوم التحليل الاقتصادي على نوعين من التحليل وذلك باعتبار الزمن، وهما التحليل الساكن «الاستاتيكي» والتحليل الحركي «الديناميكي»، فالتحليل الساكن يهتم بدراسة الظواهر الاقتصادية في نقطة محددة من الزمن، أما التحليل الحركي فهو يهتم بدراسة الظاهرة الاقتصادية خلال فترة زمنية. ولقد فرق الاقتصاديون بين الأجل القصير وهو الفترة التي لا يمكن أن تتغير فيها العوامل المؤثرة في الظاهرة الاقتصادية بحيث تبقى ثابتة، والأجل الطويل وهو الفترة التي يمكن أن يحدث خلالها تغييرات في العوامل المؤثرة على الظاهرة الاقتصادية.
لقد اهتم التحليل الاقتصادي بالزمن من حيث إن أي تغير في المتغيرات الاقتصادية إنما يحدث عبر الزمن، عليه فإن دراسة ظاهرة اقتصادية بمعزل عن تأثير الزمن قد تكون ناقصة أو قاصرة، وهذا التأثير هو ما عناه الاقتصاديون بالتغير التكنولوجي أو التقدم التقني في دالة الإنتاج، حيث يعامل الزمن كما لو كان عنصرًا إنتاجيًا، وبذلك يظهر أن أهمية الزمن بالنسبة للتحليل الاقتصادي نابعة ليس فقط من تأثر الظواهر الاقتصادية بالفترات الزمنية فحسب، بل من كون منهجية التحليل قد تؤدي إلى نتائج خاطئة إذا تم تجاوز تأثير الزمن فيه.
إلا أن الاقتصاد الوضعي نظريًا لا يقر للزمن المجرد بقيمة، فالزمن لا ينتج ولا يغل بمجرده، وإن كان التطبيق التربوي يوحي بذلك، حيث نجد أنه أقر أن لصاحب رأس المال «المقرض» وفي كل الأحوال الحق في اتخاذ زيادة عن قيمة قرضه، ولكن هذه الزيادة ليست في مقابلة الزمن بل هي في مقابلة التضحية عن السيولة أو الاستهلاك الحالي، أو التضحية بالاستخدام الحالي للسيولة «الفرصة البديلة» إلى الاستعمال المستقبلي.
الزمن والمعاملات المالية في التشريع الإسلامي:
للإجابة عن الأسئلة الواردة في مقدمة هذه المقالة حول هل أقر الإسلام بقيمة اقتصادية أو مالية للزمن أم لا؟ لابد من تناول الموضوع من جوانب عدة تحتاج إلى بحث وتأمل ونظر، فالزمن واعتباره يدخلان في كثير من الأحكام الفقهية، إلا أننا سنركز على جانب المعاملات المالية، وذلك فيما يخص البيوع والقروض وما يتعلق فيها من معاملات يمكن من خلالها تحليل موقف الإسلام من الزمن.
الزمن والبيع: يقول الله تعالى{وأحل الله البيع وحرم الربا }[البقرة: 275 ]، وقال تعالى {إلاَّ أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء : 29 ]، وفي هاتين الآيتين دليل على مشروعية البيع المطلق مع اشتراط الرضا في انعقاده، والزمن يدخل في عقود البيع من خلال تأجيل أحد العوضين أو كلاهما، فالبيع هو مبادلة مال بمال، فالمبادلة هنا هي مبادلة ثمن بثمن، فإن كان الثمن والمثمن ناجزين فهو البيع حال العوضين، وإن كان الثمن مؤجلاً والمثمن حالاً فهو البيع بالأجل، وإن كان الثمن حالاً والمثمن موصوفًا في الذمة فهو السلم، أما إن كان الثمن والمثمن مؤجلين فهو بيع الكالئ بالكالئ أو بيع الدين بالدين وهو من البيوع الممنوعة.
البيع بالأجل: يبرز عامل الزمن في هذا النوع من البيع في تأجيل الثمن لفترة من الوقت، وفي هذه الحالة يجوز أن يكون الثمن مساويًا للقيمة البيعية يوم العقد أو أقل أو أكثر، وبغض النظر عن الخلاف الفقهي حول جواز الزيادة في ثمن البيع عن سعر يومه للأجل، وإن قلنا بالجواز فهل هذه الزيادة لمجرد الأجل فعلاً؟ وهل يفهم من جواز أخذ الزيادة أن الإسلام يقر بالقيمة المالية والاقتصادية للزمن المجرد؟
إن المتأمل في قول الله تعالى(1/359)
{إلاَّ أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء : 29 ]، يفهم أن الرضا ركن من أركان عقد البيع، والرضا يشمل رضا البائع والمشتري بالثمن، فإن كان البائع قد زاد في سعر المبيع عن سعر يوم العقد معتبرًا الأجل في حسابه فهذا لا يفهم منه أن الإسلام يقر أن للزمن قيمة مالية، بل غاية ما هناك أن هذه معاملة جائزة توافر فيها أركان عقد البيع وشروطه فجازت، كما أن الزيادة هنا ليست مقابل محض التأجيل بل هي مقابل زمن مقترن بسلعة فلو لم تكن السلعة موجودة لم يجز التأجيل، ثم إننا وفيما أعلم لا نجد نصًا من كتاب أو سنة يدل بأي وجه من الأوجه على أن الإسلام قد أقر بوجود قيمة مالية أو اقتصادية للزمن، بل الذي نجده هو أن الإسلام قد جرد الزمن من أي قيمة مالية يمكن أن تحتسب فيما ثبت في الذمة من الديون سواء كان سببها البيع لأجل أو القرض.
الربا: يبرز عامل الزمن في مسألة الربا في ربا النسيئة أي ربا التأجيل، وأخذ تحريمه من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم من قوله «يدًا بيد» أي دون تأجيل البدلين أو أحدهما مما كان الأموال الربوية، ولقد فهم بعضهم من ذلك أن تأخير البدلين يعني أن الذي أخر تسليم ثمنه قد أربى وظلم، وكانت فائدته أكبر وعليه حرم الإسلام تأخير البدلين، وعليه يفهم من ذلك أن الإسلام قد أقر بقيمة مالية للزمن، ويجاب عن ذلك بالقول إذا كان الذي أخر تسليم ثمنه قد كسب الزمن فيكون بذلك جار وظلم، فالحل الأمثل للاستفادة من المعاملة هو أن يقال بجواز أخذ الطرف الآخر للزيادة مقابل تأخر الطرف الأول لثمنه عليه تتحقق العدالة والتساوي، فالأول أخذ الثمن مع الزمن والثاني أخذ المقابل مع الزيادة مقابل الزمن لا أن يقال بتحريم المعاملة بالكلية، لكن الذي نعرفه من الحكم الشرعي هنا هو تحريم التأجيل والزيادة مع اشتراط التقابض والتماثل.
القرض: يتجلى في القرض عامل الزمن في كون المقرض يدفع ماله للمقترض ليقبض بدله «وبنفس قيمته» في المستقبل القريب أو البعيد، ودون زيادة وبأي صورة كانت تلك الزيادة، بالرغم من أن هناك مالاً مدفوعًا مؤجل الوفاء، وبالرغم من ذلك نجد أن الإسلام لم يجز الزيادة هنا مقابل الأجل لأن التأجيل هنا محض أي مجرد زمن عليه فهذا أصرح وأصرخ دليل على أن الإسلام لم يقر بأن للزمن قيمة مالية، بل الذي يفهم منه أن الإسلام لم يعترف أن للزمن المجرد قيمة مالية.
الخلاصة: مما سبق يتضح جليًا أن الإسلام لم يقر بأن للزمن المجرد عوضًا ماليًا، بل الذي يفهم عدم جواز أخذ العوض المالي مقابل مجرد الزمن، ولا يفهم من ذلك أن نقول ليس للزمن قيمة اقتصادية، فلا يستوي في الأجرة استلامها في أول الشهر أو في آخره كما لا يستوي في ثمن البيع المؤجل والحال، ولكن ليس ذلك للزمن بمجرده بل بما يقتضيه التأجيل من تضحية بالفرصة البديلة التي يمكن أن يحصل عليها الدائن حال التعجيل.
==============
التفسير الأدبي للقرآن عند الشيخ >أمين الخولي<
اهتم الشيخ >أمين الخولي< اهتماماً بالغاً بعلم التفسير، ومن المهم أن نوضح علاقة العقل بالنقل في هذا العلم، ونوضح كيف أن >الخولي< قد أعطى الأولية للعقل على النقل في معالجته لعلم التفسير، وذلك لأنه كان يرى >أن تقدير القرآن لإنسانية الإنسان يتصل أقوى اتصال بإخضاعه الأشياء لفهم العقل، وتدبيره، حينما تراه لا يسوق آياته إلا للعاقلين، أو للعالمين، أو للمتفكرين، أو لمن يفقهون، كما تراه يكثر من الأمر بالنظر، والتدبر، والاعتبار، والتعقل، ويعد طاقة البشر معيار الأخذ والمنع، وأساس المسؤولية والتبعة (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) البقرة:286، وبهذا الهدي المتعقل تأثر الباحثون منذ القدم فاحتكموا إلى العقل، وقرروا إخضاع نص القرآن نفسه للعقل<(1)•
تحرير العلم الزمني من سيطرة النص
ومن منطلق إيمان >أمين الخولي< بأهمية إدراك حركة الواقع والحياة المتغيِّرة كان موقفه الناقد للتفسير العلمي للقرآن يقول: >كيف تؤخذ جوامع الفلك، والطب، والهندسة، والكيمياء من القرآن، وهي جوامع لا يضبطها اليوم أحد إلا تغير ضبطه لها بعد يسير من الزمن، أو كثير، وما ضبطه منها القدماء قد تغيَّر عليهم فيما مضى ثم تغير تغيراً عظيماً فيما تلا<!!(2)، ومن هذا المنطلق نرى رغبة >أمين الخولي< في تحرير العلم الزمني من سيطرة النص على كل مناحي الحياة، وبالتالي التأكيد على تطور مجرى الحياة الدنيا في الزمن، وينبغي أن نترك العلم متحرراً من قيود النصوص• كما علينا ألا نحمل النصوص القرآنية أكثر مما تحتمل، وينبه الشيخ >أمين الخولي< دعاة التفسير العلمي للقرآن أنهم يكفيهم أن يتجهوا للقرآن ليدفعوا أي مناقضة بين العلم والدين، حتى لا يكون في كتاب الدين نص صريح يصادم حقيقة علمية يكشف البحث أنها من نواميس الكون، ونظم وجوده، وحسب كتاب الدين بهذا القدر صلاحية للحياة، ومسايرة للعلم، وخلاصه من النقد(3)•
وإذا كان >أمين الخولي< ينتقد التفسير العلمي للقرآن، فإنه قد اهتم بإرساء دعائم التفسير الأدبي للقرآن ـ بل هو مؤسس هذا التفسير ـ الذي يخضع القرآن للمنهجيات السائدة في دراسة النصوص الأدبية، وذلك >لأن العربي القح، أو من ربطته العربية بتلك الروابط، يقرأ هذا الكتاب الجليل، ويدرسه درساً أدبياً، كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة، وتلك الدراسة الأدبية لها أثر عظيم وهذا ما يجب أن يقوم به الدارسون أولاً وفاء بحق هذا الكتاب، ولو لم يقصدوا الاهتداء به، أو الانتفاع بما حوى وشمل، فالقرآن كتاب الفن العربي الأقدس سواء نظر إليه الناظر على أنه كذلك للدين أم لا<(4) فالتفسير الأدبي للقرآن عند >الخولي< هو الأولى بالعناية، ويجب أن يسبق كل غرض آخر في التعامل مع القرآن، فيجب أن نقوم بالتفسير الأدبي للقرآن، ثم بعد ذلك نبحث فيه عن الإصلاح، والتشريع، والأخلاق، ولا يتحقق هذا البحث على الوجه الأكمل إلا بعد الدراسة الأدبية للقرآن•
وينحى التفسير الأدبي للقرآن إلى النظر إلى وحدة الموضوعات في المصحف، وذلك لأن ترتيب القرآن في المصحف قد ترك وحدة الموضوع لم يلزمها مطلقاً، وقد ترك الترتيب الزمني لظهور الآيات لم يحتفظ بها أبداً، وقد فرق الحديث عن الشيء الواحد، والموضوع الواحد في سياقات متعددة، ومقامات مختلفة ظهرت في ظروف مختلفة، وذلك كله يقضي في وضوح بأن يفسر القرآن موضوعاً موضوعاً، وأن تجمع الآيات الخاصة بموضوع واحد جمعاً إحصائياً مستفيضاً، ويعرف ترتيبها الزمني، ومناسباتها، وملابساتها الحافة بها، ثم ينظر فيما بعد ذلك لتفسير وتفهم، فيكون ذلك التفسير أهدى إلى المعنى، وأوثق في تحديده(5) ومن هنا يمكن القول: إن التفسير الأدبي عند أصحابه يشكل أول دعوى واضحة محددة في تاريخ التفسير تنحو إلى تفسير القرآن على أساس من موضوعاته، ومن الحق أيضاً القول: إنه يستدرك نقصاً جوهرياً في أداء التفسير للوظيفة التي خلقته الجماعة الإسلامية للقيام بها•(6)
وسائل ضرورية لفهم القرآن(1/360)
والتفسير الأدبي عند >أمين الخولي< إما أن يكون دراسة حول القرآن، أو دراسة القرآن نفسه، فالدراسة التي حول القرآن تركز على دراسة البيئة المادية والمعنوية التي ظهر فيها القرآن وعاش، وفيها جُمع، وكُتب، وقُرئ وحفظ، فروح القرآن عربية، ومزاجه عربي، وأسلوبه عربي، وقرآناً عربياً غير ذي عوج، ولهذا فإن النفاذ إلى مقاصده إنما يكون على التمثل الكامل، والاستشفاف التام لهذه الروح العربية، وهذا المزاج العربي، والذوق العربي، ولهذا يصبح كل ما يتصل بالبيئة المادية والمعنوية العربية وسائل ضرورية لفهم القرآن• من ماض سحيق، وتاريخ معروف، ونظام الأسرة والقبيلة، فكل ما تقوم به الحياة الإنسانية لهذه العروبة وسائل ضرورية لفهم القرآن العربي المبين(7) ومن هنا نلاحظ في أن الدراسة حول القرآن تتجه إلى دراسة أثر البيئة، والزمن، وتشكيل المجتمع في فهم القرآن ودلالاته، أعني فهم الواقع المحيط حتى نفهم القرآن، ففهمهم الزمني هنا ضروري من أجل تقديم فهم لمفردات القرآن المطلقة•
وأما الشق الثاني من التفسير الأدبي وهي دراسة القرآن نفسه فهي تبدأ بالنظر في المفردات، والمتأدب يجب أن يقدر عند ذلك تدرج الألفاظ، وتأثيرها في هذا التدرج يتفاوت بين الأجيال، وبفعل الظواهر النفسية والاجتماعية، وعوامل حضارة الأمة، وما إلى ذلك مما تعرضت معه ألفاظ العربية في تلك الحركات الجياشة المتوثبة التي نمت بها الدولة الإسلامية، والنهضة الدينية، والسياسية، والثقافية، التي خلقت هذا الميراث الكبير من الحضارة، وقد تداولت هذه اللغة العربية مع تلك النهضات أفواه أمم مختلفة الألوان، والدماء، والماضي، والحاضر، فتهيأت من كل ذلك خطوات تدريجية فسيحة متباعدة في حياة ألفاظ العربية، حتى أصبح من الخطأ البيِّن أن يعمد متأدب إلى فهم ألفاظ النص القرآني الجليل فهماً لا يقوم على تقدير تام لهذا التدرج والتغير الذي مسَّ حياة الألفاظ ودلالتها(8)، وهنا يتضح مدى اعتبار >الخولي< لدور سنَّة النشوء والارتقاء في الكشف عن دلالات اللغة التي نريد أن نفهم بها القرآن، ولهذا فمن الضروري اعتبار أهمية الزمن في حياة اللغة التي نفهم بها القرآن، ويصبح فهمنا للقرآن نفسه يخضع لحدود الزمن، لأن هذا الفهم مرتبط بإدراك أهمية الواقع الزمني من ناحية، ولغة البشر الزمنية أيضاً من ناحية أخرى، ولهذا فالفهم البشري للقرآن هو فهم نسبي لأنه خاضع لحدود الزمن، ودورات الحياة والواقع، و>الخولي< في تفسيره الأدبي يخضع المطلق للزمني، وما هو ديني لما هو دنيوي، وما هو نقلي لما هو عقلي•
البعد النفسي
والخطوة التالية في التفسير الأدبي بيان الأثر النفسي للآيات القرآنية وذلك >لأن القرآن من حيث هو فني أدبي معجز، ثم من حيث هو هدي، وبيان ديني، لن يُدار الأمر فيه إلا على سياسة النفوس البشرية، ورياضتها، لأن الفن هو نجوى الوجدان، والدين هو حديث الاعتقاد، وخطاب القلوب، فصلته بالنفس، ومناجاته للروح أوضح من أن يستدل لها، أو تخص بالشرح<(9)، فالتفسير الأدبي يقصد إلى التدبير النفسي والاجتماعي للحياة الإنسانية، ولهذا >فعن طريق البعد النفسي يبلور >أمين الخولي< نقطة التلاقي بين الدين والأدب ليخرج بدعواه للتفسير الأدبي للقرآن موضوعاً موضوعاً<(10) ويستند التفسير النفسي للقرآن على أساس وطيد من صلة الفن القولي بالنفس الإنسانية، وأن الفنون على اختلافها ـ ومن بينها الأدب ـ ليست إلا ترجمة لما تجده النفس، ولهذا يكشف >الخولي< عن أهمية الإعجاز النفسي في القرآن فيقول: إن ما استقر من تقرير صلة البلاغة بعلم النفس قد مهَّد السبيل إلى القول بالإعجاز النفسي للقرآن، كما كشف عن وجه الحاجة إلى تفسير نفساني للقرآن يقوم على الإحاطة المستطاعة بما عرف العلم من أسرار حركات النفس البشرية في الميادين التي تناولتها دعوة القرآن الدينية، وجدله الاعتقادي، ورياضته للوجدانات والقلوب، فالتفسير الحقيقي للقرآن لا يقوم إلا على إدراك ما استخدمه من ظواهر نفسية، ونواميس روحية أدار عليها بيانه مستدلاً، وهادياً، ومقنعاً، ومجادلاً، ومثيراً، ومهدداً، فأصبح ما يبنى عليه هذا التفسير هو القواعد النفسية، فلا يصح أن يُحتجَّ للفظ من آياته، أو يُستشهد بأسلوب من أساليبه إلا بموقعه كله من النفس، وبما يكشف العلم عن هذا الموقع، وما سبر من أغواره، فبالأمور النفسية لا غير يعلل إيجازه، وإطنابه، وتوكيده، وإشارته، وإجماله، وتفصيله(11) وإذا كان >أمين الخولي< قد ربط التفسير الأدبي بعلم النفس، فإنه من ناحية أخرى يؤكد أهمية ربط التفسير الأدبي بعلم الاجتماع، مؤكداً أهمية المبدأ الذي وضعه الإمام >محمد عبده< من ربط التفسير بعلم الاجتماع فيقول: >ذكر الشيخ >محمد عبده< أن علم أحوال البشر لا يتم التفسير إلا به، وأنه لابد للناظر في الكتاب من النظر في أحوال البشر في أطوارهم، وأدوارهم، ومناشي اختلاف أحوالهم من قوة وضعف، وعزة وذل، وعلم وجهل، وإيمان وكفر<(12)•
ومما سبق نلاحظ بأنه رغم نقد >أمين الخولي< للتفسير العلمي للقرآن، لأنه قد يؤدي إلى التشكيك في القرآن نتيجة لتغير النظريات العلمية، فإننا نجده يوظف منتجات العلوم الإنسانية الحديثة من علم النفس، أو الاجتماع من أجل إرساء دعائم التفسير الأدبي للقرآن، >وهكذا ينتهي المفسر الأدبي إلى دعوته الصريحة لإنشاء تفسير نفسي جديد يعطي الدلالة النفسية قيمتها، ويقدم التعليل الصحيح للإعجاز القرآني، أو يسهم ـ على الأقل ـ في تقديم تصور صحيح لهذا الإعجاز، ليكشف عن القيم النفسية الإنسانية في النص القرآني من جهة، ويدني قضية الإعجاز من الفكر الحديث والعقل الحديث<(13) فمحاولة >أمين الخولي< في التفسير الأدبي للقرآن هي نهج اعتزالي جديد يعطي الأولية في التفسير للعقل على النقل، بل إننا نقول: إن هذا الأثر الاعتزالي يتضح حين نعرف أن جهود >أمين الخولي< في تحقيق التراث تقتصر على تحقيق أجزاء من كتاب (المغني) للقاضي عبدالجبار، وهي الجزء الخاص بالإعجاز القرآني، والجزء الخاص بالشريعة في الكتاب، ولا شك أن جهوده التحقيقية هذه تكشف لنا عن مدى تقدير >الخولي< لفكر المعتزلة•
الفن من أجل الفن مبدأ مرفوض
وإذا كان بعضهم يذهب إلى القول: إن المنهج الأدبي في التفسير ينتهي عبر مراحله الشاقة التي يرسمها لنفسه إلى غاية محددة واضحة هي تذوق القرآن تذوقاً أدبياً، وفنياً قبل كل شيء وبعده(14)، فإن >الخولي< يرفض القول: إنه يأخذ بمبدأ الفن من أجل الفن فيقول: >إنا لا نأخذ بهذا الاتجاه، ولا نحسب القرآن قد أخذ به، لأنه يجعل فنه للقول وسيلة لإصلاح الحياة البشرية ذلك الإصلاح الخلقي الاجتماعي العام الذي نزل من أجل هدى الناس، فالتفسير المستهدف هو ذهاب المفسر إلى فهم مراد القائل من القول، وحكمة التشريع في العقائد، والأخلاق، والأحكام على الوجه الذي يجذب الأرواح، وسوقها إلى العمل، ليتحقق منها معنى قوله (هدى ورحمة) ونحوهما من الأوصاف، فالمقصد الحقيقي وراء تلك الشروط، والفنون هو الاهتداء بالقرآن<(15)، فالخولي يتخذ من التفسير الأدبي الخطوة الأولى الضرورية للكشف عن التدبير النفسي والاجتماعي للدين، ولعل هذا ما أوضحناه في موقف >أمين الخولي< من مسألة المال، والصوم، والعمل إلخ•••
النص وسيط لغوي(1/361)
ومن ناحية أخرى، فقد قام >الخولي< في التفسير الأدبي للقرآن بتوظيف منتجات الثقافة الغربية وبخاصة تراث التأويل ـ أو >الهرومنيوطيقا< ـ وذلك من أجل إخضاع النص للعقل، فيرى أن >الشخص الذي يفسر نصاً يلون هذا النص ـ ولا سيما النص الأدبي ـ بتفسيره له، وفهمه إيَّاه، إذ إن المتفهم للعبارة هو الذي يحدد بشخصيته المستوى الفكري لها، وهو الذي يعين الأفق العقلي الذي يمتد إليها معناها، ومرماها، يفعل ذلك كله وفق مستواه الفكري، وعلى سعة أفقه العقلي، ولا تمكنه مجاوزته أبداً، فلن يفهم من النص إلا ما يرقى إليه فكره، ويمتد إليه عقله، وبمقدار هذا يتحكم في النص، ويحدد بيانه<(16)، وهذا التفسير يرتكز عند >الخولي< على اعتبار الأهمية للجانب اللغوي، والجانب النفسي لمبدع النص الأصلي، وفي هذا يبدو >الخولي< متأثراً بـ>شيللرماخر< فيلسوف ألماني (1768 ـ 1834م) الذي تقوم رؤيته التأويلية على أساس أن النص عبارة عن وسيط لغوي ينقل فكر المؤلف إلى القارئ، وبالتالي فهو يشير ـ في جانبه اللغوي ـ ـ إلى اللغة بكاملها، ويشير ـ في جانبه النفسي ـ إلى الفكر الذاتي لمبدعه، والعلاقة بين الجانبين ـ عند >شيللرماخر< ـ علاقة جدلية، وكلما تقدم النص في الزمن صار غامضاً بالنسبة لنا، وصرنا أقرب إلى سوء الفهم لا الفهم، وعلى ذلك لابد من قيام >علم< أو >فن< يعصمنا من سوء الفهم ويجعلنا أقرب إلى الفهم، وينطلق >شيللرماخر< لوضع قواعد الفهم من تصوره لجانبي النص اللغوي والنفسي، ويحتاج المفسر للنفاذ إلى معنى النص إلى موهبتين، الموهبة اللغوية، والقدرة على النفاذ إلى الطبيعة البشرية، فالموهبة اللغوية، وحدها لا تكفي لأن الإنسان لا يمكن أن يعرف الإطار اللامحدود للغة، كما أن الموهبة في النفاذ إلى الطبيعة البشرية لا تكفي لأنها مستحيلة الكمال، لذلك لابد من الاعتماد على الجانبين(17) ومن هنا يتضح مدى الأثر البارز لفن التأويل على المنهج الأدبي في التفسير عند >أمين الخولي<، وذلك على الرغم من عدم ورود أي ذكر عن هذا التراث التأويلي الغربي في مؤلفات >أمين الخولي<، إلا أن هذا الأثر يبدو مبرراً حين نعرف أن >أمين الخولي< قد أقام في أوروبا في الفترة من (1923 ـ 1927)، وعاش في إيطاليا وألمانيا، كما أنه كان يجيد اللغتين الألمانية والإيطالية، ومن الطبيعي أن يطلع على جهود الفيلسوف الألماني >شيللرماخر<، الذي أرسى دعائم التفسير الأدبي للنصوص المقدسة والأدبية معاً•
والواقع أن التفسير الأدبي للقرآن عند >الخولي< وتلاميذه لم يقدم لنا تفسيراً كاملاً للقرآن الكريم، بل كانت محاولات جزئية ـ له ولتلاميذه ـ حيث يتم اختيار موضوعات مثل المال، والصيام، والسلام، والفن القصصي، والقادة والرسل إلخ••• مع التركيز على عدم الخوض في الموضوعات المبهمة في القرآن ـ باستثناء الفن القصصي في القرآن لـ>محمد أحمد خلف الله< ـ وبالمقابل التركيز على الأبعاد الاجتماعية والنفسية في القرآن، ولكن على الرغم من المحاولات الجزئية في التفسير الأدبي للقرآن >إلا أن التفسير القرآني حديثاً لم يشهد ما خرج به عن حده وطبيعته، إلا من أشهر محاولات الاتجاه الأدبي تمسكاً والتزاماً، وعصمة بالموضوعية، ولم يشهد تاريخ التفسير على طوله ما يزلزل يقين الاطمئنان إلى معطيات النص القرآني مثلما شهد من هذه المحاولة<(18)، وقد يكون السبب في ذلك أن التفسير الأدبي في القرآن يعطي الأولية للنقل على العقل، وقد تجاهلت جهود المدارس الفكرية الإسلامية ـ مثل المعتزلة ـ التي تعطي الأولية للعقل على النقل، ولعل هذا ما يكشف لنا بوضوح عن ضيق مساحة العقل في العقيدة الأشعرية السائدة في جعلها العقل مجرد أداة تدور في رحى النقل•
الهوامش
1 ـ >أمين الخولي< في رمضان ص 21•
2 ـ >أمين الخولي< مناهج تجديد ص 122، وأيضاً دراسات إسلامية، دار الكتب المصرية 1996، ص 31•
3 ـ >أمين الخولي<، مناهج تجديد، ص 322، وأيضاً دراسات إسلامية ص 33•
4 ـ >أمين الخولي< منهاج تجديد ص 322، وأيضاً دراسات الإسلامية ص 33•
5 ـ محمد إبراهيم شريف اتجاهات التجديد في تفسير القرآن في مصر ـ دار التراث ـ القاهرة ط1، 1982م، ص499•
7 ـ >أمين الخولي<، مناهج تجديد، ص 632، وأيضاً دراسات إسلامية ص42•
8 ـ المرجع نفسه ص 37ـ، وأيضاً المرجع نفسه ص 43•
9 ـ >أمين الخولي<، مناهج تجديد، ص154•
10 ـ يمنى طريف الخولي، >أمين الخولي< والأبعاد الفلسفية للتجديد، دار المعارف ـ مصر 2000، ص 73•
11 ـ >أمين الخولي< مناهج تجديد ص 154•
12 ـ المرجع نفسه ص 240، وأيضاً دراسات إسلامية ص46•
13 ـ محمد إبراهيم شريف، المرجع السابق ص 558•
14 ـ محمد إبراهيم شريف، المرجع السابق، ص 509•
15 ـ >أمين الخولي< مناهج تجديد ص 226، وأيضاً دراسات إسلامية 36•
16 ـ المرجع نفسه ص 223 ـ 224 وأيضاً المرجع نفسه 34•
17 ـ نصر حامد أبوزيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل الهيئة العامة لقصور الثقافة 1991 ص 20•
18 ـ محمد إبراهيم شريف، المرجع السابق ص 517•
=============
قراءة في كتاب: أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي
محمود محمد الناكوع
اذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه فان عنوان كتاب الدكتور محمد بن موسي باباعمي (أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي) يعبر تعبيرا واضحا عن مضمون الكتاب، وهو اطروحة الدكتوراه التي تميزت بالجديد المفيد، فالموضوع من اهم المباحث ذات الصلة بحياة الانسان، وهي حياة متغيرة، بل سريعة التغير،تارة بصورة ايجابية، وتارة أخري بصورة سلبية. والزمن عنصر اساسي في تنظيم تلك الحياة ومتغيراتها، فمن تمكن من توظيف وقته توظيفا صحيحا وبرمجته برمجة سليمة سيحقق نتائج صحيحة، ومن تجاهل او جهل او تغافل عن قيمة الوقت وبرمجته فقد خسر الكثير، اذن نحن امام بحث في غاية الأهمية . وقد ظلت شعوب العالم الإسلامي بل وجامعاته ومراكز بحوثه لا تهتم كثيرا بمسألة البرمجة وما تنطوي عليه من ابعاد ايجابية. وقرأنا الكثير عن فشل مشروعات اقتصادية، وتعليمية، وسياسية وغيرها، بسبب غياب البرمجة الصحيحة واهم عناصرها الزمن، فجاء هذا الباحث الجزائري ليضيف مادة اكاديمية مهمة لأن المجتمعات الإسلامية في حاجة الي من يدفعها نحو سبل النهوض والتقدم في جميع الميادين، ولا شك ان البرمجة بطرقها الحديثة التي وضعها الغرب وطورها، تعتبر احد أسباب النجاح والتقدم. وأثناء قراءتي للكتاب ظل يذكرني بعبقرية وكتابات المرحوم الأستاذ مالك بن نبي المفكر الجزائري الذي أعطي للوقت في كتبه ومحاضراته مذاقا ثقافيا فريدا وخاصة في كتابه (شروط النهضة) وفيه يقول: (إن العملة الذهبية يمكن ان تضيع وان يجدها المرء بعد ضياعها، لكن لا تستطيع اي قوة في العالم ان تحطم دقيقة ولا ان تستعيدها اذا مضت..... نحن في العالم الإسلامي نعرف شيئا يسمي الوقت، ولكنه الوقت الذي ينتهي الي عدم، لأننا لا ندرك معناه، ولا تجزئته الفنية، لأننا لا ندرك قيمة أجزائه من ساعة ودقيقة وثانية، مع ان فلكيا عربيا مسلما هو ابو الحسن المراكشي يعتبر أول من أدرك هذه الفكرة الوثيقة الصلة بنهضة العلم المادي في عصرنا (ص 140).(1/362)
الدكتور محمد بن موسي وهو من ابناء الجزائر ايضا يقول وبعد اشتغال يربو علي عقد كامل بالدراسات الزمنية، وإنجاز رسالة الماجستير حول مفهوم الزمن في القرآن الكريم نصوغ اطروحة محاولين اثباتها في هذا ا لبحث وهي أن للبرمجة الزمنية أصولا وجذورا دينية، وثقافية، وحضارية، وليست مجرد عادات شكلية، او تصرفات ظاهرية، وعملنا في هذا البحث يتمثل في التنقيب عن تلك الأصول وإبرازها . وحتي يجعل من بحثه أكثر جاذبية وفائدة وضعه في اطار الدراسات المقارنة بين ما قدمه الفكر الغربي في مجال البرمجة، وبين ما ينطوي عليه الفكر الإسلامي نظريا من قواعد عامة لأصول البرمجة الزمنية . ومن الطريف ان كلمة برنامج قديمة الاستعمال عند الفقهاء، وحسب مادة البحث ان الامام مالك قد استخدم في المدونة الكبري كلمة البرنامج وعنون لبحث في ذلك الكتاب بجملة باب في بيع البرنامج والبرنامج هو النسخة التي يكتب فيها المحدث أسماء رواته وأسانيد كتبه. (ص 18) كما استخدم فقهاء آخرون الكلمة ذاتها في اطار بحوثهم وحاجاتهم .
واصبحت البرمجة حديثا تعني ترتيبا محددا سلفا للأعمال او الأحداث المزمع اجراؤها للوصول الي نتيجة معينة. وقد ادرك الغربيون منذ اكثر من قرن اهمية و قيمة البرمجة في بحوث عدة بينما بدأ الاهتمام في الجامعات العربية والاسلامية بهذا النوع من البحوث مع اواخر القرن العشرين (ص 80). ومن اهم فصول الكتاب ومادته ربط البرمجة بالأهداف، وحسب رأي احد الباحثين الغربيين (ان ادارة الوقت من أجل اهداف مجدية يشكل الفرق ما بين النجاح والفشل، والربح والخسارة، والرضا وعدم الرضا) ص 179. ويكشف الباحث من خلال عينات من الأهداف في الفكر الغربي انها في العموم ترمي الي تحقيق : المتعة والهروب من الألم، وتركز علي امتلاك السلع الأساسية، الغذاء، النظافة، الراحة، الصحة، المعرفة، التمتع بأوقات الفراغ .. ص 182 . اي ان الهدف الأكبر في هذه الحياة طبقا للفلسفة الغربية في العموم هو تحقيق أكبر قدر من المتعة. يقول مارسيل بروست (ان عليك ان تعيش في هذه الساعات الأربع والعشرين لوقتك اليومي، من بينها عليك ان تغزل الصحة والسرور والمال) .... ص 183. هذا لا يعني ان الفكر الغربي يتجاهل القيم الانسانية او يتجاهل عالم الموت وعالم الغيب، او يتجاهل الدين وقيم الأسرة، فعند بعضهم ان غاية الحياة ان يعيش الإنسان ويحب ويتعلم ويترك وراءه الأثر الطيب.
يقول برنارد شو (ان السعادة ان تقضي حياتك من أجل هدف تعتقد أنه مقدس .. انا شخصيا أري ان حياتي ملك لكل المجتمع، ولذلك علي ان اقدم لهذا المجتمع كل ما أستطيعه ما حييت، إنني اريد ان اقدم ما يمكنني حتي آخر نفس عندما يحين وقت وفاتي، فكلما شقيت في العمل، عشت أكثر )ص 191 /192) . وبينت دراسات غربية ان المعتقدات التي تعطي للحياة معني وغاية كانت غائبة في كثير من الحالات ... ففي استبيان اجراه احد الباحثين اتضح ان نحو ستة وثلاثين في المئة لا يفكرون في الموت . وفي استبيان آخر حول الإيمان بالله اجري عام 1968 تبين ان معدلات الإيمان بالله في تناقص مستمر في البلدان الأوروبية ..وتنتهي الدراسات ذات العلاقة بالأهداف والغايات ان الغربي حينما يجلس لكتابة برنامجه الزمني لا يفكر كثيرا في الغيب، وهم لا يعرفون بوضوح الفرق بين قيم الوسيلة وقيم الغاية .. وذهبت الحداثة والديمقراطية في حالات كثيرة الي صراع حاد مع الدين ومع الله، واتسعت دائرة الثقافة المشككة في وجود اله خالق للكون (ص 197 /198) ولقد تفطن المفكر روجيه غارودي الي العلاقة المتينة بين الاعتقاد الصحيح في الإله وبين وجهة الحياة فألف كتابا بعنوان : هل نحن في حاجة الي إله ؟: ليقرر أخيرا، ان القول بوجود اله يعني القول بأن الحياة لها وجهة ومعني.
وترجمتها في هذا الفصل هي: القول بوجود اله يعني القول بوجود غاية للحياة ... والإيمان بهذه الغاية يعني اعتبارها في بناء أي برنامج أو مخطط زمني للمستقبل القريب او البعيد . فأمام غياب دور الإله في تحديد الغاية تنامي القلق لدي الإنسان الغربي، كنتيجة وكسبب، فنمت شبيبة بلا ثوابت ليؤسسوا حياتهم وينظموها علي محور الجنس او الرياضة التي تحولت الي افيون مخدر للشعوب والي ديانة جديدة آلهتها أبرز لاعبي كرة القدم في العالم ص 199 . ... هذه الآراء التي دونها الباحث في اطروحته صدرت عن كتاب من الغرب، لهم كتب تعالج هذه الموضوعات وتنتقد خطر العداء المستحكم بين الفكر الغربي في عمومه وبين الله.
الفرق بين الهدف والغاية(1/363)
اما في الفكر الإسلامي فان الباحث يواجه بعض الصعوبات في تحديد الفرق بين الهدف والغاية، ولم تنجز اية دراسة معمقة تحدد العلاقة بين البرمجة الزمنية والأهداف والغايات، ففي حالات كثيرة كلما ذكر الهدف انصرف المعني الي الغاية . ولكن في كل الحالات يؤكد الفكر الاسلامي علي ان لحياة الإنسان غاية يجب ان يبرمج وقته علي اساسها، فهناك ضروريات وحاجات حياتية تتطلب الكدح والعمل من اجل تحقيقها، وفي الوقت ذاته هناك واجبات دينية تعبدية روحية يجب مراعاتها اثناء البرمجة الزمنية، فالمسلم مطالب بالصلاة في اوقاتها، ومطالب بالاهتمام بالأسرة، ومطالب بالتكافل الاجتماعي لا بالعزلة والحياة الفردية الأنانية . . يمتاز الفكر الإسلامي علي خلاف الفكر الغربي بقوة في موضوع الغايات، فالذي وضع الغايات للإنسان هو الله خالق الانسان، وليس الإنسان نفسه . وبذلك تصبح الغاية هي المقصد النهائي للمسلم في حياته، فكل اهدافه واغراضه وآماله واعماله ومشاعره تتجه نحو تحقيق الغاية وهي مرضاة الله سبحانه وتعالي ونيل الثواب في الدار الآخرة. (ص 231 ... 232). ولاحظ الباحث عند رصد النتائج ان الفكر الغربي استطاع ان يبرز أهمية تحديد الأهداف في البرمجة الزمنية، وكثرت الدراسات التي تعني بها، وتحولت تلك الدراسات المتعلقة بالبرمجة الي فن يدرس والي طرق للتدريب، وانزلت تلك الأهداف الي الحياة اليومية للإنسان الغربي، اما في الفكر الإسلامي فلم يعتن بالأهداف كمنحي فكري في البرمجة الزمنية، وكثيرا ما خلط الدارسون بينها وبين الغايات، كذلك ابتعدت الأهداف في الفكر الإسلامي عن التوجه العملي التدريبي التربوي، فبقيت مجرد كتابات عامة، وتخمينات في بعض الأحيان .. والخلاصة ان قوة الفكر الغربي في البرمجة الزمنية تكمن في الأهداف، وضعفه يبرز في الغايات، اما الفكر الإسلامي فقوته في الغايات،اما ضعفه فيتمثل في الأهداف . (ص 239 ... 240). ونظرا لكثرة المهام والأعمال في حياة الإنسان الغربي، فقد اكتشف طريقة عملية للتعامل مع تلك المشكلة، فصوب فكره نحو فن ترتيب الأولويات ومارسه من خلال البرمجة الزمنية، واصبح علم الإدارة يعطي اهمية خاصة لمعرفة الأولويات ومنها ترتيب الأمور حسب أهميتها وعندها يتعين وضع قائمة بالأعمال المطلوب انجازها حسب مدة زمنية محددة يومية او اسبوعية او شهرية او سنوية وهكذا. واكدت الدراسات والممارسة العملية ان معرفة الأولويات أكثر أهمية من الأهداف المجردة، فمن السهل تحديد الأهداف العامة او الاتفاق عليها، ولكن من الصعب صياغة هذه الأهداف حسب أولوياتها، والعمل وفق هذه الأولويات . وتزداد الصعوبة في تحديد تلك الأولويات كلما تعقدت الحياة، وعاش الإنسان علي غير نظام بل الإنسان كثيرا ما تشده الملذات والمتع وتصبح هي من اولوياته وان كانت علي حساب اهداف او غايات اهم من اللذات . وفي الغرب هناك من يجد متعته في العمل حتي يصبح مدمنا ولا يحس بخطورة ذلك حتي يسقط بنوبة قلبية أثناء العمل .
فقه الاولويات
وفي اطار الفكر الإسلامي بدأ اخيرا الاهتمام بما سمي (فقه الأولويات)، ومن بين من كتب في الموضوع د يوسف القرضاوي ــ حسب ما اورد صاحب البحث، وللقرضاوي كتاب عن (الوقت في حياة المسلم) وفيه دعوة الي الانسان المسلم بان (ينظم وقته بين الواجبات والأعمال المختلفة، دينية كانت ام دنيوية، حتي لا يطغي بعضها علي بعض، ولا يطغي غير المهم علي المهم، ولا المهم علي الأهم، ولا الموقوت علي غير الموقوت . فما كان مطلوبا بصفة عاجلة يجب ان يبادر به، ويؤخر ما ليس له صفة العجلة، وما كان له وقت محدد يجب ان يعمل في وقته).
وللقرضاوي ايضا كتاب بعنوان (في فقه الأولويات دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة).
وفي اشارات الي التأصيل الفكري الإسلامي في الأولويات نقرأ اسطرا في ص 297 ترتب الأولويات علي النحو التالي :
1 ــ البدء بالأهم فالمهم.
2 ــ البدء بالأصول الأساسية في حقول وميادين العلم الشرعي .
3 ــ تقديم الواجبات علي السنن والنوافل .
4 ــ الانطلاق من الأصلين الأساسيين القرآن والسنة .
فعن الوقت، وكيف يستعمله الإنسان المسلم يقول الحديث النبوي : لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتي يسأل عن عمره فيما افناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه) من هذا المنطلق العقدي والفكري والمنهجي، تأتي ضرورة البحث عما يشغل الأيام من أعمال، وماذا يبرمج في كل آن من آنائها .وعبر قراءة متأملة للقرآن والسنة النبوية يجد الدارس إشارات ودلالات واضحة علي أهمية الزمن، وما يجب علي المسلم ان يفعله لكي يدير وقته بطرق وأساليب مفيدة.
وفي الوقت الذي صاغ فيه الفكر الغربي جملة من الطرق للتعامل اليومي مع الأولويات، فان الفكر الإسلامي المعاصر عجز عن التدريب والتبسيط للبرمجة الزمنية عموما (ص 313). فالصلاة اليومية تعتبر في حد ذاتها برمجة عملية لبعض اوقات المسلم الملتزم بالصلاة، الا ان ذلك لا يكفي لاستثمار الزمن استثمارا متكاملا يتم الجمع فيه بين العبادات والأعمال الحياتية الأخري .
يورد الباحث حشدا من الآيات والأحاديت التي تتحدث عن اهم الأعمال في حياة المسلم، وتتحدث عن ترتيب الأهم والمهم، وجميعها ظلت في العموميات، وظلت في اطار الاجتهاد الشخصي، ولم تتحول في الفكر الإسلامي الحديث الي ممارسة عملية مبرمجة في حياة ويوميات الفرد المسلم او المؤسسا ت القائمة في المجتمعات الإسلامية، كما هو الحال في الغرب .
ينتهي الباحث د محمد بن موسي الي ان دراسته لأصول البرمجة في الفكر الإسلامي لا تزال في بداياتها، لأن المجال بكر، وهو في حاجة الي جهود أكثر، والي تخصصات أكبر، بل الي مراكز وفرق متخصصة (ص 549). والباحث في تواضع وبعد عمل شاق قال: ان النتائج التي توصل اليها في عمومها نتائج في المنهج والمصطلح أكثر من كونها في الموضوع . .. ويسجل ملاحظات علي الأولويات في الدراسات الزمنية الإسلامية جملة من الإيجابيات والسلبيات، وأوضح انه لم تؤلف اي محاولات تأصيلية بحق، ولم يطلع علي اي جهد متكامل لتطبيق فقه الأولويات في البرمجة الزمنية (ص 551).
في قراءتي للبحث، وهو بحث طويل يقع في أكثر من سبعمئة صفحة بما في ذلك الملاحق والفهارس، لاحظت الإكثار من الأقوال التاريخية، والإكثار من النصوص كشواهد تاريخية وخاصة في الفصلين الخامس والسادس دون ضرورة يقتضيها البحث واغلبها تدور حول الجوانب النفسية الروحية، اما جانب العمل والتعمير والإنجاز المادي فلا برمجة له، كذلك لاحظت ان الباحث لم يقم بتقديم اي استبيان عن شريحة او شرائح من المسلمين تبين كيف يوظفون الآن اوقاتهم في اطار أنموذج من الأسئلة المبرمجة علي اسس إسلامية، ولو وضع عينة من الاستبيانات العملية لنقل الدارس من الجوانب النظرية الي الجوانب العملية الميدانية ولأضاف ببحثه مادة مهمة . ورغم هذه الملاحظات يظل البحث من الدراسات المتطورة التي تضيف الي المكتبة الإسلامية والفكر الإسلامي عملا قيما، وتفتح آفاقا جديدة أمام الراغبين في انشاء بحوث أخري في هذا المجال الذي يحتاج الي المزيد من التطوير والإثراء.
ہ الكتاب من منشورات جمعية التراث بالجزائر، وله طبعة اخري صدرت عن : دار الأوائل للنشر والتوزيع سورية. دمشق/ سورية
ہ كاتب وباحث ليبي يقيم في لندن
==============
ثروات تهدر لعدم تقدير أبنائنا لعامل الوقت
* مدران إبراهيم(1/364)
لعل أظهر عيوبنا, والتي تتمحور حولها معظم سلبيات الأداء, أننا لا نقدّر قيمة الوقت, مقارنة مع من سبقونا على مضمار التطور العصري, وهذا أمر شديد الخطورة يستحق أقصى الاهتمام في العملية التربوية, ومنذ الصغر.
أن تحيا يعني أن تشعر بنبضات الزمن, تلك النبضات التي يظهر وقعها في كل التغيرات التي تجري في عالمنا الداخلي (النفسي) وعالمنا الخارجي (عالم الأشياء والوقائع) على السواء.
والزمن نسبي كما هو معلوم, فكل عالم له زمن محلي خاص به, بل إننا في عالمنا هذا نجد أزمنة عدة: زمن طبيعي تجري في رحابه الظواهر الطبيعية وزمن بيولوجي يتعلق بذات الإنسان ككائن عضوي يتكون من خلايا حية, وزمن نفسي داخلي يتعلق بحياتنا النفسية ومشاعرنا الداخلية, وزمن تاريخي يتعلق بكل ما يصنعه الإنسان في شتى الحالات الاجتماعية, عبر مسيرته التاريخية سواء كان فردا أو جماعة, وهذا الصنف الأخير هو الذي يمس الإنسان مسا أعمق من غيره, ذلك لأن له علاقة مباشرة بحياته أي بمنجزاته وبطموحاته وبقيمه التي يختارها ويؤسس عليها سلوكه, وهو غالبا ما يبدأ الوعي به فور أن يشعر الكائن بالتغيرات التي تطرأ على محيطه الذي يعيش فيه خاصة حين يبدأ في التمييز بين ذاته كوجود مستقل وبين موضوعات العالم الخارجي التي تؤثر فيها هذه الذات وتتعامل معها. ويتفق علماء النفس على أن هذا الوعي نبدأ في اكتسابه منذ مراحل الطفولة المبكرة وينمو حسب تعامل ذواتنا مع المحيط ثم ينتهي بموت الفرد. فما دور هذا الوعي بالزمن, وما مدى تأثيره في تفاعلنا مع العالم الذي نعيشه?
مرحلتان
إننا إذا أخذنا معيارا نفعيا لقياس هذا الوعي تجلت - في نظرنا - مرحلتان أساسيتان يمر من خلالهما الإنسان:
- المرحلة الأولى, وهي التي تبدأ منذ الولادة وتنتهي عند البلوغ, يكون الوعي فيها شبه منعدم ونعني بذلك عدم شعور الطفل بقيمة الزمن وأهميته, وهذا - بالطبع - راجع لعدم نضج جهازه العضوي من جهة, ولعدم اكتسابه خبرات اجتماعية من جهة أخرى, ولذلك فإدراك الزمن في أبعاده الثلاثة (حاضر, ماض, مستقبل) والعلاقات التي تربط بينها يكون غير مكتمل, بل يكون فقط عبارة عن إحساس لا يؤدي بعد إلى ما يمكن أن نسميه بالقلق أو التوتر النفسي الذي يدفع الكائن الإنساني إلى القيام بأفعال وردود أفعال تجاه مثيرات تمس شخصيته ومقامه.
ـ المرحلة الثانية, وهي التي تبدأ مع سن النضج وتستمر حتى الشيخوخة مع ملاحظة أن تفاعلاتها تقل حدتها شيئا فشيئا مع الزمن.
ففي هذه المرحلة يبدأ الكائن في الوعي بالزمن, وهذا - بالطبع - يرجع لأسباب عدة, منها النمو الاجتماعي والنمو الفكري وخاصة التغيرات العضوية والفيزيولوجية التي تلحق بنية الإنسان: فاستيقاظ الغريزة الجنسية مثلا يعتبر عاملا مهما في إدراك الزمن والوعي به, ولذلك اعتبرت هذه المرحلة من أدق وأحرج المراحل التي يمر بها الإنسان في عمره, لأن ردود الفعل فيها غالباً ما تكون غير ناضجة وتتسم بالاندفاعية وعدم الروية, ذلك لأن الفرد يرغب في الاستفادة من الزمن بأقصر الطرق وأيسرها, بل وبأسرعها, كما سبق القول, الشيء الذي يؤدي به غالبا إلى السقوط في متاهات بل في متاعب ومشاكل (عقد نفسية, إحباطات, أمراض نفسية, فشل مدرسي, انحراف, جرائم... إلخ). خصوصاً إذا لم يكن المراهق مهيأ تربويا لهذه المرحلة, وذلك حتى يتمكن من إدراك عنصر الزمن وإقامة حساب له وتصريفه أحسن تصريف. وهنا - بالطبع - يكمن دور التربية التي يتلقاها الطفل في المدرسة والبيت والتي تحاول أن تنظم أوقاته, وذلك بتعويده منذ بداية تربيته على إدراك قيمة الزمن وبضرورة إعطاء الأسبقية لما هو أهم وأفيد بالنسبة له ولمجتمعه, هذا دون إنكار دور التربية العامة التي من المفروض أن تلقن للطفل منذ نعومة أظفاره: تربية اجتماعية وأخلاقية ودينية ووجدانية... إلخ, والتي تحاول أن توجه هذه الاندفاعية نحو ما ينفع الفرد ومجتمعه في الوقت نفسه.
إذن أفلا يمكن أن نتحدث, والحال هذه, عن نمط آخر من التربية يمكن أن نصطلح عليه بـ(التربية الزمنية) أو التربية الوقتية?
إنه من الخطأ الجسيم أن نعتقد أن هذه المهمة الصعبة تقوم بها المدرسة بكاملها, وأن الفرد يكتسب خطة لعمله ولوقته انطلاقاً مما يتلقنه من مناهج في الفصل.
حرب الوقت
إن مسألة إكساب الطفل هذا الوعي بالزمن لا يمكن أن تؤتي أكلها إلا إذا شاركت الأسرة المدرسة وسهرت على بناء هذا الجانب العام الذي يعتبر أساساً مهماً في بناء المجتمع, خصوصاً في مجتمعاتنا النامية التي ما أحوجها إلى (تربية وقتية) تجعل الفرد يدرك أن الوقت رأسمال وجب استغلاله وترشيده ترشيداً حسناً.
وإذا كان عصرنا يشهد الآن ثورة في ميدان الزمن, إن صح هذا التعبير, وإذا كان الوقت قد أصبح بهذه القيمة, فما العمل بالنسبة لنا, نحن شعوب العالم الثالث? هل يلزمنا الخضوع لهذه الوتيرة السريعة التي تلف العالم الآن. أم يتوجب علينا السير وفقاً لخطط وقتية تقليدية وحاجياتنا وإمكاناتنا تنبع من ظروفنا, أم نبحث بدلا من هذا وذاك عن خطة ثالثة توفيقية?
لن أجيب عن هذا التساؤل لأني بدوري أطرحه على المهتمين والباحثين في شئون المجتمعات وتطوراتها وحركياتها, ولكن كيفما كان الحال, فإنه لابد لنا أولا وقبل كل شيء من أن نهتم بعنصر الوقت وأن ننشئ أبناءنا على الوعي به وبقيمته.
هنا إذن يبرز دور التربية الوقتية التي نقصد بها تلك العملية التي تقوم على إكساب الفرد وعيا بالزمن وبأهميته, وذلك بتلقينه الوسائل النظرية والعملية الكافية لتنظيم أوقاته وتصريفها تصريفا إيجابيا وفق أهداف وغايات تحددها فلسفة المجتمع وتخطيطه التنموي, وذلك حتى يكون مهيأ لاستقبال ظروف مجتمعه والمساهمة في حل مشاكله أو على الأقل المساهمة في بحثها ودراستها. وحتى يقدر هذا الفرد وقته علينا أن نضبط أوقاته منذ نعومة أظفاره ونسهر على هذه العملية بكامل المسئولية: احترام أوقات الأكل والنوم والوقت الحر (لعب, مطالعة, فسح) وقت الدراسة... المواعيد... إلخ. بالإضافة إلى هذا محاولة الاستفادة من الوسائل التي تستجد في عالم التكنولوجيا والتي تعينه على التعلم الذاتي والبحث عن المعلومات من خلال الاستعانة - مثلا - بالوسائط المتعددة الاتصال: كمبيوتر... إنترنت... إلخ, وذلك حتى يتمكن من مسايرة تضخم المعلومات وتراكم المعارف بسرعة أكثر.
وإذا كنا نعيش بالفعل في عصر تسيطر فيه التكنولوجيا وآلياتها التي تجتاح بيوتنا لتتعايش مع عاداتنا وتقاليدنا جنباً إلى جنب, إن لم نقل إنها أصبحت تقضي على بعضها لتحل محلها, فما أحوجنا في هذا الظرف إلى خطة ومنهج يتعلقان بترشيد هذه العملة التي هي الوقت. ويتناسبان مع هذه التحديات التي تواجهنا. في الحقيقة قد يقول قائل متسائلاً: ولم هذه التربية الوقتية إذن إذا كنا قادرين على الحصول على وسائل التكنولوجيا (في ميدان الإعلام والمواصلات والإنتاج الصناعي) أليست هذه كافية تماما لبسط سيطرتها والتغلب في آن على المشاكل ومن بينها مشكلة الوقت في حد ذاتها?
بالطبع, لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في حياتنا اليوم, خصوصا كعامل من عوامل النمو والتطور, ولكن من جهة أخرى, يجب ألا يغيب عن أذهاننا أنه لا يمكن لهذه الوسائل أن تؤدي دورها إلا بوساطة عقلية - ذهنية تحسب للزمن حسابا وتقدّره تقديراً, إذ دون هذه العقلية لا يمكن أن ننتظر النتائج المرجوّة ولو كنا نملك ما نملك من القدرات العلمية والتكنولوجية المتطورة.(1/365)
فمَن منا يستطيع أن ينكر أن هناك ثروات مهمة وطاقات لا يُستهان بها تهدر وتذهب سدى في مجتمعاتنا لا لسبب إلا لعدم تقدير أبنائها لعامل الوقت, وحتى نتلافى هذا يتوجب أن ننشئ أجيالنا المستقبلية على إدراك قيمة الزمن والوعي بخطورته, ذلك لأن الحرب الطويلة التي ننتظرها غدا هي حرب ضد الوقت
============
تنظيم الوقت
كان زيد يشتكي من ضيق وقته ، ويعجب لاُولئك الأصدقاء الذين يدرسون ويمارسون هواياتهم ويلتقون بأصدقائهم ، والوقت هو الوقت .
ذات يوم طرح هذا السؤال على بعضهم ، فقال له : الأمر بسيط .. نظّم وقتك يتّسع !
لهذا السبب قسّمت بعض الأحاديث الوقت إلى ساعات ، والساعة هنا هي الوحدة الزمنية وليست الستّين دقيقة ، أي أن يكون هناك وقت لكل عمل . ومنها ما ورد عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : «للمؤمن ثلاث ساعات : فساعةٌ يناجي فيها ربّه ، وساعة يرمُّ فيها معاشه ، وساعة يخلّي بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلّ ويجمل» . وأضافت بعض الأحاديث ساعة اُخرى للقاء الاخوان الثقاة الذين يعرفوننا عيوبنا ، وعلّقت على ساعة الملذّات بالقول : وفي هذه الساعة تقدرون على تلك الساعات .
ومع أنّ هذا التقسيم يعطي لحاجات الانسان الأساسية أوقاتاً معيّنة لا يصحّ أن تُغفل أو تهمل ، إلاّ أ نّه ليس وصفة جامدة ، فقد تتعدّد احتياجات الانسان وتزيد على ذلك ، لكنّ الغاية من تقسيم الوقت تنظيمه فلا يطغى عمل على عمل ، أو يستهلك عمل الوقت كلّه فيما تبقى الأعمال الاُخرى من غير إنجاز أو نصف منجرة .
فالعمل لكسب لقمة العيش مطلوب كحاجة مادّية ، والتقرّب إلى الله بالعبادة والذكر مطلوب كحاجة روحية ، واللقاء بالاخوان مطلوب كحاجة اجتماعية ، وساعة الملذّات مطلوبة أيضاً كحاجة نفسية ، ويمكن أن تكون إلى جانب هذه الساعات ساعة مهمّة اُخرى لطلب العلم كتلبية لحاجة عقلية وفكرية .
المهم أن يكون هناك توازن بين هذه الأوقات بحيث لا تستغرقنا أعمال الدّنيا فتنسينا أعمال الآخرة ، والحكيم فينا من يجعل أعماله كلّها طاعة لله سبحانه وتعالى حتّى الدنيويّ منها ، أمّا الذي يجلس إلى الحاسوب من دون أن يقرّر سلفاً الوقت الذي يجب أن يصرفه في جلسته تلك سيجد نفسه وقد مرّت الساعات وهو مسمّر مشدود إلى هذه الشاشة الصغيرة الساحرة المغرية .
والذي يفتح أبواب اللقاء مع الأصدقاء على مصراعيها سيرى أنّ الحديث يجرّ بعضه بعضاً ، وأنّ اللقاء الذي كان بالإمكان أن يتمّ في نصف ساعة استمر لساعتين أو لساعات .
إنّ تنظيم الوقت كما تعلّمناه من مواقيت الصلاة ومواعيد الصيام والإفطار وأيّام الحجّ المعدودات يقدّم لنا الفوائد التالية :
1 ـ سعة في الوقت وبركة غير معهودة سابقاً ، أي قبل التنظيم .
2 ـ يطرد عنّا التشويش والفوضى التي نعيشها في تداخل الأوقات والتقصير في بعضها .
3 ـ يمنحنا شخصية محترمة من قبل زملائنا وأصدقائنا والمحيطين بنا .
4 ـ يجعلنا نعيش حالة من الرضا النفسي والسعادة الذاتية بما أنجزنا .
5 ـ يجعلنا نتحكّم بالوقت ولا نترك الوقت ليتحكّم بنا .
برنامج عمل :
بإمكان كلّ واحد منّا أن يضع له ورقة عمل يدرج فيها برنامج عمله اليوميّ ، مع ضرورة استشعار الجديّة في الالتزام ببنود البرناج وإلاّ يصبح حبراً على ورق . إنّ هذه الطريقة تعلّمنا ما يلي :
1 ـ نظم الوقت فلا يتبعثر في الاستطرادات والنهايات السائبة والاستغراق في عمل واحد بحيث يؤثّر في النتيجة على باقي الأعمال .
2 ـ الورقة المذكورة تعمل عمل المفكرة التي تذكّرك بأنّ ثمة أعمالاً تنتظرك ، وعليك إنجازها ، وعدم تأجيلها ، لأنّ الغد سيحمل لك قائمة أعمال اُخرى جديدة ، وأي ثوان في برنامج اليوم سيزحف بتأثيره على برنامج الغد .
3 ـ يمكن إعطاء وقت ولو أوّلي لكل عمل ، وقد يبدو هذا متعذّراً لأنّ بعض الأعمال لا يمكن تقدير وقتها بالضبط والدقّة ، لكنّ ذلك مع الأيّام سيصبح عادة جميلة نعتادها ونتذوّقها .
4 ـ لا بأس من ترك وقت نصطلح عليه بـ ( الحرّ ) تحسباً للطوارئ من الاُمور غير المتوقعة .
ولمّا كانت مسؤوليتنا ـ كمسلمين ـ غير منحصرة في أعمالنا الدنيوية ، فإنّ برنامجنا الاسلاميّ الذي لا يعدّ ـ كما ألمحنا ـ برنامجاً منفصلاً عن برنامجنا المعتاد إلاّ في بعض الفرائض ، يمكن أن ينظّم على النحو التالي الذي ذكرهُ أحد الأدعية :
«... ووفّقنا في يومنا هذا ، وليلتنا هذه ، وفي جميع أيّامنا لاستعمال الخير وهجران الشرّ ، وشكر النعم ، واتباع السنن ، ومجانبة البِدع ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحياطة الإسلام ، وانتقاص الباطل وإذلاله ، ونصرة الحقّ وإعزازه ، وإرشاد الضالّ ، ومعاونة الضعيف ، وإدراك اللهيف» .
ورغم أنّ هذا البرنامج حافل بالأعمال الصالحات ونبذ السيِّئات ، لكنّه ليس بالضرورة أن يكون برنامج عمل ليوم واحد، إنّه يوم اسلاميّ مثالي أو نموذجيّ يحتاج إلى همّة وعمل منّا وتوفيق وتسديد من الله تبارك وتعالى .
ويمكن تقسيم هذا البرنامج إلى جانبين : إيجابي وسلبي .
أوّلاً : الإيجابي (ويتضمّن النقاط والمفردات التالية) :
1 ـ (استعمال الخير) : بأن لا يكون مجرّد نزعة عاطفية ميّالة للعمل ، وإنّما يتحوّل إلى عمل يدرّ بنفعه على الآخرين .
2 ـ (شكر النعم) : بمقابلة الإحسان بالإحسان ، والجميل بالجميل ، والمعروف بالمعروف ، فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق ، وأفضل الشكر العملي : (اعملوا آل داود شكرا ) ( سبأ / 13 ) .
3 ـ (اتباع السنن) : لأنّ هذا هو الصراط المستقيم الذي جاء به النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) : (قُل إن كُنتُم تحبّون اللهَ فاتّبعوني يُحببكم الله )( آل عمران / 31 ) .
4 ـ (الأمر بالمعروف) : لأ نّه السبيل إلى زيادة رقعة المعروف وانتشار الصلاح والخير في المجتمع ممّا ينعكس إيجاباً على سعادته وقوّته وصلاحه .
5 ـ (حياطة الإسلام) : بأن نذبّ عنه وندافع ونحامي عمّا جاء به ، لأ نّه رمز عزّتنا ، وصلاح أمرنا ، وديننا الذي يمثِّل وجودنا وهويّتنا .
6 ـ (نصرة الحقّ وإعزازه) : إعزازه إن كان سائداً بحيث نشيعه في الأرجاء أكثر فأكثر ، ونصرته إذا تهدّده باطل .
7 ـ (إرشاد الضّالّ) : بهدايته بمختلف أساليب الهداية إن كان ضلّ عن الطريق السويّ المستقيم ، وإبلاغه مأمنه إن كان ضلّ طريقه إلى مقصده .
8 ـ (معاونة الضّعيف) : بما وهبنا الله تعالى من قوّة في مال أو جاه أو علم ، ذلك أنّ من مقتضيات التصديق بالدين هو تقديم المعونة لمن يحتاجها : (فَويلٌ للمصلِّين * الّذينَ هُم عن صلاتِهِم ساهون * الّذينَ هُم يُراءون * ويَمنعونَ الماعون ) ( الماعون / 4 ـ 7 ) .
9 ـ (إدراك اللّهيف) : وهو صاحب الحاجة الذي يشبه الأعمى لا يرى إلاّ قضاءها ، فتردّ لهفته بقضاء حاجته .
ثانياً : السلبي (ويتضمّن المفردات التالية) :
1 ـ (هجران الشرّ) : فترك الشرّ إفساح في المجال للخير أن ينتشر ويعمّ ويشيع ، ونضيِّق على الشرّ لكى يتقلّص وينحسر .
2 ـ (مجانبة البدع) : لأنّ البدع بما هي إدخال ما ليس في الدين بالدين مسخٌ للتعاليم الإلهيّة والسنّة النبويّة وتحريف لها، وحشر ما لم يقله الله ورسوله في الدين والدين منها براء .
3 ـ (النهي عن المنكر) : بأيّة وسيلة سواء كانت يدأ أو لساناً أو قلباً حتّى لا يشعر أهله بالقوّة فيبسطوا منكراتهم على الناس ، ومثله انتقاص الباطل وإذلاله ليحشر في الزاوية الضيِّقة .(1/366)
إنّ الملاحظ على هذا البرنامج بشقّيه ، الإيجابي والسلبي ، أ نّه يوجد حالة من التوازن في حركة الشبّان المسلمين ، هادمة للمساوئ وبانية للخيرات ، ولذا جاء في وصف المؤمن «الخير منه مأمول والشرّ منه مأمون»
===============
مهارات تفعيل وتنظيم الوقت
* كلير أوستن
رأيت من واقع الحياة أن أكثرنا لا يحسن استغلال الوقت بفعالية، وللأسف هناك من الناس من يظن أن تنظيم الوقت معناه الجد التام ولا وقت للراحة أو التسلية، والبعض يظن بأن تنظيم الوقت شيىء تافه لا وزن له ذلك لأنهم لا يقيمون لأهمية الوقت وزناً، وهذه المفاهيم تنتشر في وطننا العربي بشكل عام.
هذه المفاهيم تجعل عملنا منخفض الإنتاجية، فمهما عملنا واجتهدنا لعدة ساعات فإننا لن ننتج ولن نكون منتجين ما لم ننظم أوقاتنا ونتخلص من كل ما يضيع علينا أوقاتنا.
هذا الكتاب يدلك على الطرق التي تجعلك أكثر إنتاجية في مؤسستك ومكتبك، وأتمنى أخي الزائر أن تطبق هذه الطرق السهلة وستجد النتائج الفورية في عملك، وإن طبقتها في حياتك فستجد الفرق الكبير والنتائج الإيجابية، أقولها لك بكل إخلاص: لن تخسر إن طبقت هذه الطرق لمدة أسبوع ثم احكم، هل هي فعالة أم لا؟
المقدمة
لقد كان نهاري جنونياً، تلقيت أكثر من اثني عشر اتصالاً هاتفياً وحضرت ثلاثة اجتماعات وعالجت عدداً لا يحصى من الأوراق وأجبت عن خمسة تساؤلات لخمسة زملاء وصلوا فجأة إلى مكتبي وكان علي أن أحل أزمتين أساسيتين. لقد كنت منهمكاً طيلة الوقت في العمل إلا أنني لا أشعر الآن بأنني حققت شيئاً على الإطلاق.
اليوم = 86400 ثانية، لماذا يكفي هذا الوقت بعض الناس لإدارة المؤسسات الضخمة، والبعض يعجز عن إنجاز بعض الأعمال البسيطة، الفرق يكمن في فعالية استغلال الوقت.
إن فوائد تنظيم الوقت السليم فورية وكبيرة، منها:
* تحقيق نتائج أفضل في العمل.
* تحسين نوعية العمل.
* زيادة سرعة إنجاز العمل.
* التخفيف من ضغط العمل.
* تقليل عدد الأخطاء الممكن ارتكابها.
* زيادة المرتب.
* تعزيز الراحة في العمل.
* تحسين نوعية الحياة غير العملية.
لذلك عليك أن تبادر بتنظيم وقتك واستغلاله بأفضل السبل وإلا ستصبح مثل ذاك المدير الذي عرضنا كيف يصف يومه.
يخصص عادة الأسبوع الأول من أيلول / سبتمبر لما يسمى "أسبوع الإنتاجية في المكتب" ويمكن أن تحدد موعد آخر يتناسب مع ظروف عملك، ويتم مناقشة بند واحد من بنود التنظيم كل يوم من هذا الأسبوع، ويتم في كل قسم أو مجموعة تخصيص ساعة يومياً لمناقشة في الموضوع المطروح ووضع الحلول المناسبة لتجنب كل ما يعيق استغلال الوقت، والنقاش الجماعي يسمح بإظهار المشاكل المحتمل حدوثها ووضع أفضل الحلول لمعالجتها.
ويمكنك إقامة ساعات تدريبية مرنة لإتاحة الفرصة لحضور الجميع، ويجب أن يشارك جميع الموظفين في حل التمارين ووضع الحلول والخطوات العملية التي سيتبعونها فور عودتهم إلى المكتب، وهذا يخلق الحماس الجماعي في المؤسسة فيلتزم الجميع بهذه الخطوات .
ملاحظة: هذا الكتاب يفترض أنك ستقرأ جزء في كل يوم على أن تنتهي منه بعد أسبوع، وهذا مما يسهل قراءة الكتاب، ويتيح لنا تطبيق الخطوات العملية قبل إكمال قراءة الكتاب.
اليوم الأول: تقييم الذات
اليوم سنقوم بتحليل قدراتنا على تنظيم الوقت، وسنضع سجلاً للوقت ولائحة بالعوامل التي تستنفذ الوقت، وبعد ذلك الخطوات العملية لتغيير عاداتنا.
تحليل استخدامنا للوقت
تظهر الأبحاث أن الموظفين يضطرون دائماً إلى تغيير موضوع اهتمامهم، فتراهم يمضون ما معدله عشر دقائق غلى المسألة الواحدة، فيضيع الوقت في المقاطعات والضغوطات اليومية دون أن يشعر بضياع الوقت.
لذلك نحن بحاجة إلى أن نعي عاداتنا في قضاء أوقاتنا، وتصميم سجل خاص بالوقت سيزيد من وعينا بحجم الوقت المهدر وسيحدد العوامل المضيعة للوقت.
تغيير عاداتنا
قراءة ملخص هذا الكتاب لا يكفي لتغيير عاداتنا بل علينا أن نبذل الجهد لتغيير عاداتنا، ويجب أن نستمر في تطبيق هذه الخطوات مراراً حتى تصبح عادات حسنة، ويمكن أن نطلب من الآخرين المساعدة، وإليك خطة من سبع خطوات لتغيير عادات إهدار الوقت:
1. اكتب الأسباب التي تؤدي إلى ضياع وقتك.
2. عدد المشاكل التي تسببها عادة هدر الوقت.
3. تصور عادة تنظيم الوقت ونتائجها الإيجابية.
4. حسن من عادة تنظيم الوقت.
5. توقف عن استخدام الأعذار الواهية.
6. خطط ليومك بهدوء كل صباح.
7. حول المشاريع الضخمة إلى خطوات ومهمات صغيرة مرتبة.
اليوم الثاني: الحد من تراكم الأوراق
هل يبدو مكتبك مليء بالأوراق والمذكرات والكيبات والمواد التي تود قراءتها وأوراق الملاحظات؟ إذا كان كذلك فأنا متأكد بأنك تضيع الكثير من الوقت في البحث عن ورقة مهمة أو عنوان شخص أو زبون، أو تجلس لساعات في الأسبوع الواحد لترتيب الأوراق وفرزها من دون فائدة تذكر أصبح مكتبك خزانة للأوراق الغير مهمة بدل أن يكون مكان للعمل!!.
في هذا اليوم سنساعدك على التخفيف من وطأة هذه الأوراق وسيصبح مكتبك خالي من كل شيء إلا جدول تنظيم وقتك والقليل من الأوراق المهمة ومساحة كبيرة فارغة للعمل!
حملة تقليل الأوراق
لا يمكن التركيز على الأشياء المهمة إلا إذا تخلصنا من كل ما هو قليل الأهمية، وعندما نطلع على جميع الأوراق والكتيبات والبريد نرى أن معظمه غير ضروري،إلا أن طريقتنا في العمل هي التي تجعل هذه الأوراق الغير مهمة تتكدس على مكاتبنا، لذلك حاول أن لا ترسل أي ورقة إلى أي شخص إلا إذا كان هذا الحل الأخير، استعض عن الأوراق والمذكرات بالاتصال الشفهي، ولا تطلب نسخة من جميع الوثائق والأوراق، بذلك تنقص كمية كبيرة من هدر الورق والوقت والجهد.
* ألزم جميع من يرسل لك بورقة أو تقرير أو مذكرة بالاختصار قدر الإمكان.
* تحدث إلى الأشخاص مباشرة بدلاً من إرسال مذكرة وهذا يعزز الاتصال بين الموظفين.
* أطلب من الجميع عدم إرسال أي تقارير أو مذكرات إلا في الحالات الاستثنائية.
* أعد كل الأوراق غير الضرورية إلى مرسليها.
* اختصر في كتاباتك إلى الآخرين.
التعامل الفعال مع الورق
حاول أن تتعامل مع كل ورقة مرة واحدة فقط، أم الورق الذي سترجع إليه أكثر من مرة في اليوم فهو الورق المهم الذي سيكون في ملفات منظمة ومرتبة، وإليك طريقة تخبرك عن عدد المرات التي تناولت فيه الورقة الواحدة، إذا ما أمسكت بورقة فضع نقطة حمراء صغيرة في إحدى الزوايا، وكلما تكرر تناول الورقة أضف نقطة صغيرة، فإذا وجدت أن أوراقك أصبحت مصابة بالحصبة يجب عليك مراجعة أسلوبك في التنظيم!
وهناك من الناس من يبرر الفوضى الموجودة على مكتبه بقوله: أعلم مكان كل شيء، أو هذه الفوضى المنظمة!،
لذلك عليك الآن بترتيب مكتبك ولا تؤجل ذلك أبداً، ضع لافتة تخبر الآخرين بأنك مشغول لمدة ساعة ونصف،وتخلص من كل شيء قليل الأهمية، ورتب أوراقك المهمة في ملفات منظمة وتجنب ترتيب مكتبك على حساب تراكم الأوراق في أماكن أخرى من الغرفة، وتذكر بأن ترتيبك لمكتبك يعني أنك لن ترى غير الأوراق اللازمة لمشروعك، وذلك سيساعدك على التركيز لمدة تكفي لإنهاء المشروع وعدم التشتت وتضييع الوقت.
عندما تأتيك أي ورقة فعليك تطبيق إحدى هذه الخطوات، إما أن تحولها أو تعمل عليها أو تلقيها في سلة المهملات أو تضعها في ملف.
التوثيق الفعال
يشكل نظام التوثيق سواء أكان إلكترونياً أو على الأوراق أبرز أداة تنظيم على الإطلاق، والمبادئ التنظيمية متشابه في كلى النظامين وسنركز على النظام الورقي.(1/367)
تظهر الدراسات بأن 85% من المعلومات التي نحتفظ بها لا نعود لها أبداً، وأن نسبة كبيرة من الوثائق التي نبقيها في ملفاتنا هي أصلاً محفوظة في مكان آخر. لذلك تخلص من كل الوثائق التي لم تعد بحاجة إليها، وإذا كنت غير متردد فإن حجم ملفاتك ستنخفض بنسبة خمسين بالمائة.
وللأسف هناك الكثير من المؤسسات ترسخ بعض القواعد العقيمة مثل: "احفظ نسخة عن كل شيء قبل أن ترميه لأنك قد تحتاج إليه يوماً ما" والحقيقة أن هذه القاعدة لا تنطبق أبداً إلا على الأوراق التي لها قيمة قانونية، أم غيرها من الأوراق فإنها ستفقد قيمتها بمرور الوقت.
وكلما كانت الملفات منظمة ومرتبة ازداد احتمال إفادتنا من المعلومات الموجودة فيها، وهذا هو عمل الملفات، اخترعنا الملفات لكي تحفظ لنا المعلومات المهمة حتى نرجع لها بسرعة متى ما أردنا ذلك.
اليوم الثالث: التخطيط
التخطيط هو أساس عملية التنظيم، وكان على مؤلف الكتاب أن يضع هذا الفصل في بداية الكتاب.
التخطيط يمر بثلاث مراحل: تحديد الأهداف، رسم خطوات الخطة التفصيلية ثم التنظيم اليومي.
تحديد الأهداف
إذا لم تحدد أي أهداف لحياتك العائلية والمهنية فلا فائدة من أن تنظم نفسك، لذلك عليك أن تسأل نفسك دوماً، ماذا أريد أن أحقق في حياتي؟ كيف سأكون بعد خمس أو عشر سنين؟ وعليك أن تكتشف ما تريد فعلاً لا ما يريده الناس منك، وهذه الأهداف يجب أن تكون سامية في توجهها، فليس من الأهداف أن تحصل على الملايين من الأموال، أو أن تحصل على لقب معين.
إذا حددت هذه الأهداف، عليك أن تدونها في مفكرتك أو تعلقها في مكان ما بحيث تراها كل يوم فتكون نصب عينيك فلا تنسها أو تحيد عنها.
الخطوات التفصيلية
إذا وضعت أهداف كبيرة قد يدور في نفسك بأنها مستحيلة وستبدأ عندها بالتراجع وتعديل هذه الأهداف، لذلك عليك أن تضع الخطوات الصغيرة التي ستمشي عليها حتى تحقق هذه الأهداف الكبيرة، هذه الخطوات الصغيرة ستعطيك الحماس والقدرة على مواصلة المسير نحو أهدافك، ولن تشعر بفائدة هذه الخطوات إلا إذا استخدمتها، وفوائد هذه الخطوات هي:
* تحول الأهداف المثبطة إلى خطوات يمكن تحقيقها.
* تحثنا على تحقيق أهدافنا.
* تسهل تطبيق الأفكار.
* تمكننا من التركيز على المهم وليس الطارئ.
* تشكل علامة نستطيع من خلالها تقويم تقدمنا.
* تساعدنا على تفادي المشاكل.
التخطيط اليومي
* يمكننا من تنظيم عملنا بواقعية.
* يعمل كمفكرة.
* ينظم العقل ويجمع شتاته.
* يساعدنا على إنهاء الأعمال في وقتها.
* يحثنا على العمل.
* يساعدنا على التركيز على تحقيق أهدافنا التي لها الأولوية
عليك أن تختار وسيلتك التي ستنظم وقتك بها، قد تناسبك المفكرات أو البطاقات أو قائمة لكل يوم، المهم أن تكون الوسيلة معينة لك على تحقيق أهدافك، وهذه الخطوات ستعينك على تنظيم وقتك:
* خطط لليوم التالي، قبل نومك عليك قضاء بعض الوقت لوضع قائمة بالذي تود أن تقوم به والواجبات المكلف به.
* أكمل ما لم تنجزه اليوم، إذا لم تستطع إنجاز بعض المهمات فلا تلغيها أو تؤخرها، اكتبها على قائمة اليوم التالي.
* ضع الأعمال أو الخطوات التي ستحقق أهدافك المستقبلية ضمن قائمة الأعمال.
* حدد أولوية كل عمل أو مهمة، ويمكنك استخدام الأرقام أو الحروف أو حتى الأشكال، أو حتى الألوان المهم أن تكون رموز ذات معنى، ويجب أن تكون هناك مهمات لها الأولوية ومهمات عاجلة ومهمات لا بأس غن أجلتها.
* فوض الآخرين، يمكنك أن تفوض بعض الأعمال للآخرين ولا يعني التفويض استغلال الآخرين بل هو تطوير لمهاراتهم خصوصاً إذا كانوا من المرؤوسين، يمكنك أن تتخلى لهم ببعض مسؤولياتك.
* قدر المدة اللازمة لكل مهمة، وأضف عليها بعض الوقت لأنك بالتأكيد لن تنتهي من أي مهمة بالوقت الذي قدرته.
اليوم الخامس: تنظيم الاجتماعات
يقضي المدراء 30% - 50% من وقتهم في اجتماعات، أو زيارات مفاجئة أو مقابلات، لذلك سنناقش كيف يمكنك تقليص الوقت اللازم للاجتماعات والاستفادة من كل اجتماع بفعالية قصوى.
* إذا أردت عقد اجتماع فبحث عن بديل إذا توفر، فقد تكفي مكالمة هاتفية أو محادثة وجهاُ لوجه.
* إذا قررت عقد اجتماع حدد هدف الاجتماع بوضوح، وأخبر جميع من سيشارك في الاجتماع بهذا الهدف قبل الاجتماع بمدة كافية.
* ضع جدول لأعمال الاجتماع، وضع أهم البنود أولاً.
هذا قبل الاجتماع أما أثناء الاجتماع فهناك عوامل تحول دون الاستفادة من الاجتماع، فعليك تجنبها:
* التأخر في الحضور.
* عدم وضوح الهدف من الاجتماع.
* النقاشات المشتتة، لذلك يجب أن يدير الحوار رئيس الاجتماع أو شخص متمكن من ذلك.
* قلة المشاركة وتفضيل الصمت، وقد يكون هذا بسبب الانتقادات، لذلك أجل كل الانتقادات إلى آخر الاجتماع.
* المقاطعات، تجنب المكالمات الهاتفية أو الزيارات المفاجئة.
* التردد في اتخاذ القرارات.
ملاحظة: قد تكون هذه التعليمات سهلة، لكن تطبيقها صعب لذلك نفذ هذه الخطوات تكراراً حتى يتعود الجميع عليها. وهناك كتب متخصصة لإدارة الاجتماعات ستجد فيها تفاصيل مفيدة.
اليوم الخامس: تنظيم المشاريع
المشروع: هو مجموعة من المهمات المترابطة والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى هدف محدد.
تسعة أسباب لفشل المشاريع:
1. تحمل الكثير من المهمات.
2. التخطيط الغير مناسب.
3. زيادة التكلفة وقلة الأرباح.
4. تكليف الأشخاص غير المناسبين بمهمات المشروع.
5. التأجيل.
6. الفشل في تحديد المشاكل المحتملة.
7. ضعف النظرة الشاملة.
8. عدم وجود هدف واضح.
9. قلة التواصل بين أفراد الفريق العامل في المشروع.
التخطيط
كلما أعطينا التخطيط وقتاً أكبر سهلت عملية التنفيذ، وتقلص الوقت اللزم لإنهاء المشروع وخفضنا التكلفة الكلية للمشروع، ويتضمن التخطيط خمس خطوات أساسية:
* تحديد الهدف، وكلما كن الهدف واضحاً وموجزاً اتضحت للعاملين الخطوات التي سيسلكونها.
* تحليل الكلفة والأرباح، فلا فائدة من المشروع إذا لم يعد علينا بأرباح جيدة.
* تقسيم المشروع إلى مجموعة مهمات صغيرة.
* تحديد المدة اللازمة لإنهاء كل مهمة.
* توزيع المهمات على أفراد المشروع.
المراقبة
هدف المراقبة التأكد من أن المشروع يسير في الاتجاه الصحيح والإسراع بمعالجة الأخطاء في حال حدوثها. ويستحسن وضع جميع الملفات والمستندات المتعلقة بالمشروع في مكان واحد.
التقويم والمراجعة
علينا تقويم المشروع، لنعرف السلبيات لنتجنبها في المشاريع التالية، وندون تجربة المشروع حتى يستفيد الآخرين من هذه التجربة.
اليوم السادس: ترويض الاتصالات الهاتفية
الهاتف أداة اتصال مهمة، سريعة ورخيصة، وللأسف يساء استخدامه، فيصبح أداة لإهدار الوقت، لأننا أولاً لا نستطيع أن نتوقع أهمية المكالمات التي تصل إلينا، وثانياً لا نختصر في حديثنا، فيضيع وقت العمل في المكالمات الهاتفية.
لذلك عليك اختصار المكالمات الغير مهمة، وخصص أوراق للتدوين ملاحظاتك التي تتلقها في الهاتف، ولا تبعثر ملاحظاتك في عدة قصاصات وأوراق.
ومن النصائح المهمة أن تخصص ساعة لا تتلقى فيها أي مكالمة وتركز فيها على الأعمال المهمة ذات الأولوية.
أما عن الاتصالات التي نجريها، فيجب أن نفكر قليلاً قبل إجراء أي مكالمة، قد تكون أنت من قاطع نفسه لإجراء هذه المكالمة، لذلك اكتب ملاحظة بخصوص هذه المكالمة وأنهي العمل الذي تباشره وركز عليه ثم قم بالمكالمة بعد الانتهاء من عملك.(1/368)
ويمكنك تخصيص ساعة معينة لإجراء جميع اتصالاتك فتوفر بذلك الكثير من الوقت، وعند محادثتك لأي شخص آخر، حاول أن تفهم ما يعنيه حتى لا يكون هناك أي سوء تفاهم يؤدي بدوره لإهدار الجهد والوقت.
اليوم السابع: مراجعة عامة وإرشادات إضافية
في هذا الجزء يورد الكتاب بعض النصائح المهمة تحسن من قدراتنا على تنظيم الوقت
إذا كنت كثير السفر فعليك القيام بالتحضيرات الدقيقة قبل السفر وكتابة لائحة بأهداف الرحلة وتحضير الأوراق الضرورية لها والمستندات اللازمة للاجتماعات التي سيحضرونها ووضعها في ملف خاص بالسفر، ويمكنك قضاء وقت السفر بمطالعة المواد التي لم يكن لديك وقت لقراءتها.
نصيحة أخرى يوردها الكتاب لإنهاء أو قراءة أكوام الأوراق والتقارير، وذلك بتعلم مهارة القراءة السريعة، ويمكنك أخذ دورة في هذه المهارة أو الحصول على كتاب يعلمك هذه المهارة وإليك بعض الخطوات التي ستعينك على القراءة بسرعة:
* لا تقرأ الجمل كلمة كلمة، بل عدة كلمات مع بعض (3 كلمات أو أكثر).
* تجنب القراءة بصوت عالي أو تحريك لسانك بالكلمات.
* اقرأ السطر الواحد بثلاث أو أربعة نظرات فقط.
* تصفح قبل القراءة.
وينصح الكاتب ويحذر من مسألة الكمالية، أي محاولة إكمال العمل بنسبة 100%، لأن أي عمل لا بد من أن يكون فيه نقص، وهذا من طبيعة البشر، ولا يعني ذلك أن ندعوا إلى الإهمال.
وهذه بعض النصائح الأخرى:
* الاختصار والبساطة في كل شيء.
* عدم التردد في اتخاذ القرارات.
* التأقلم مع الظروف ومتابعة التغيرات.
* التفويض وهذا فن يمكنك تعلمه من الكتب أو الدورات.
* التفاؤل والإيجابية.
الخلاصة
ركز هذا الكتاب على إزالة كل ما يعيق تنظيم واستغلال الوقت، وإذا ما طبقت هذه المهارات وطبقها كل من يعمل معك فإن النتائج ستكون فورية، لذلك هذه الحلول لن تنجح إذا لم يتبنها الكل.
لذلك لا بأس أن تجربها في مكتبك ومنزلك، وإن رأيت النتائج الإيجابية انقل هذه التجربة لغيرك حتى يستفيد بدوره ويفيد غيره.
حاول أن تطبق هذه الخطوات التنظيمية، واكتبها على بطاقة صغيرة أو على لوحة تعلقها أمامك وعّود نفسك على تطبيق هذه الخطوات حتى تصبح عادة.
=============
قم بتوظيف الوقت توظيفاً منتجاً
عبد الله احمد اليوسف
يمثل الوقت قيمة من القيم الثابتة والخالدة,فالحياة إنما تقوم بالزمن,وحياة الإنسان إنما تقاس بتوظيف الزمن توظيفاً منتجاً,ولذلك لايمكن حساب عمر أي إنسان بمقدار ماعاش,وإنما بمقدار ما أنتج واستثمر من الزمن..فهذا هو العمر الحقيقي للإنسان.
وقد أعطى الإسلام للوقت أهمية قصوى,وأكد على وجوب استثماره وتوظيفه في العمل الصالح,ومما يدل على ذلك هو أن الله سبحانه وتعالى قد أقسم في كتابه الحكيم بمفردات الوقت وبعض أجزائه كاليل والنهار والفجر والصبح والضحى والعصر.. يقول تعالى : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى),ويقول تعالى : ( والفجر وليال عشر),ويقول تعالى : (والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس),ويقول تعالى :( والضحى والليل إذا سجى),ويقول تعالى : (والعصر إن الإنسان لفي خسر),ومن المعروف عند المفسرين أن الله سبحانه وتعالى إذا اقسم بشيء فهذا يدل على أهميته وعظمته وقيمته العالية.
وقد حث النبي (ص) على ضرورة استثمار الوقت,ونهى عن تبديده فيما لافائدة منه,فقد روي عنه (ص) قوله :"بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك,وصحتك قبل سقمك,وغناك قبل فقرك,وحياتك قبل موتك",فالنبي (ص) يحثنا على الاستفادة من الوقت قبل الهرم,والإصابة بالسقم والمرض,أو الانشغال بالفقر,أو الموت!
ويقول النبي (ص) أيضاً وهو يحثنا على اغتنام العمر في العمل الصالح :"كن على عمرك اشح منك على درهمك ودينارك",ويقول (ص) أيضاً :"إن العمر محدود لن يتجاوز أحد ماقدر له,فبادروا قبل نفاد الأجل".
والوقت يمضي بسرعة,وكل ساعة تنتهي لن تعود أبداً,إذ أن عقارب الساعة لاتعود الى الوراء إطلاقاًويقول الامام علي (عليه السلام) :"مانقصت ساعة من دهرك إلا بقطعة من عمرك",وعمر الإنسان محدد بأجل معين,وكل يوم يمضي لن يعود,بل ينقص من العمر بقدره,يقول الإمام علي (عليه السلام) :"إنما أنت عدد أيام,فكل يوم يمضي عليك يمضي ببعضك فخفض في الطلب وأجمل في المكتسب".
والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك كما تقول الحكمة الشهيرة,ولايدرك هذه الحقيقة إلا من تعامل مع الوقت كسلعة ثمينة,أما من يتعامل معه كسلعة زهيدة,فلن يفهم اهمية الوقت وضرورة استثماره إلا بعد فوات الأوان!
إن الزمن لاينتظر احداً,فهو يتحرك بسرعة مبرمجة,بغض النظر عما إذا كنا ندرك ذلك أم لا,فالليل والنهار يتحركان طبقاً للنظام الكوني الدقيق,والزمن يتحرك بدون توقف,ولذلك قال الإمام علي (عليه السلام) :"إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما,ويأخذان منك فخذ منهما",ويقول أيضاً :"ماأسرع الساعات في اليوم,وأسرع الأيام في الشهر,وأسرع الشهور في السنة,وأسرع السنين في العمر",فلنعمل بكل جد واجتهاد,ولنستثمر كل لحظة من لحظات أعمارنا,ولتكن دنيانا مزرعة لآخرتنا.
=============
فوضى الوقت في حياة الشاب!
الوقت المهدور.. فرص مهدورة.. سواء كانت فرصاً (ماليّة) أو (ثقافية)..
البعض منّا يفرِّط بأوقاته ويبذِّر ويُسرف أكثر ممّا يبذِّر ويُسرف بأمواله.. في حين أنّ الوقت مال، كما يقول أصحاب المال..
ونحنُ نقول إنّ الوقت (فُرَص): فرصة للتقرّب إلى الله.. فرصة لبناء الشخصية.. فرصة للتعلّم.. فرصة للمعرفة.. فرصة للكسب الثقافي أو المادّي.. فرصة للتعارف.. الخ.
فما هذه الفوضى الوقتيّة في حياتنا إذاً؟!
ـ أوقات طويلة للثرثرة..
ـ أوقات غير محدّدة للتسكّع والتطلّع في واجهات المحلاّت..
ـ أوقات ممدودة وممطوطة للجلوس إلى (الانترنيت)..
ـ أوقات مفتوحة للهو واللعب والسهر والعبث..
ـ أوقات مُبدَّدَة على مصاطب المقاهي ومنعطفات الشوارع..
ـ أوقات شاسعة للنظرات البلهاء الفارغة..
لماذا ذلك؟!
لأنّنا نعتبر الوقت ملكاً يمكنُ أن نتصرّف به كما نشاء حتى ولو أتلفناه وأرقناهُ على الأرض، وبذّرناه تبذيرا!
ليسَ المبذِّرون بأموالهم فقط (إخوان الشياطين).. المبذِّرون بأوقاتهم كذلك..
لأنّ الوقت غير المعمور أو المملوء أو المشغول بالعمل الصالح والنافع، والذي بلا مردود إيجابيّ.. هدر.. وأيّ هدر!!
أحد الذين يعرفون قيمة الوقت، وقد وظّفه توظيفاً جيِّداً، يقول: «الوقتُ أرخصُ شيء في الوجود، وهو الشيء الوحيد الذي لا يمكن شراؤه»!
إنّه مخترع الكهرباء (أديسون).
أجرِ إحصاءً للأوقات المهدورة سُدىً.. ستحصل على نتائج مذهلة، فإذا كانت قطرة الماء التي تنزفُ من حنفية عاطلة.. قد تملأ خزّاناً كبيراً بعد ساعات من نزفها.. فكم من الساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنوات تذهب مع الرِّيح.. أو في (المجاري) مع الفضلات.. أو في الترّهات عبثاً ؟!
تأمّل في أنّ ساعة تفكّر يمكن أن تُنتج (مشروعاً).. (كتاباً).. (حلاًّ لمشكلة).. (اكتشافاً لنظرية).. (هداية إلى الطريق الصحيح).. (إنقاذاً لمستقبل مهدّد).. الخ.
العالِم الذي قضى أوقاتاً مهمّة في التعرّف على (الجراثيم).. (باستور) يقول: «إذا أضعتُ دقيقةً واحدة من حياتي، أُحسّ بأنّني اقترفتُ جريمة ضدّ الإنسانية»!!
لأنّها يمكن أن تكون دقيقة (إنقاذ) للانسانية فيما يُبدعهُ عقله!
إليك بعضاً ممّن عرفوا قيمةَ الوقت عسى أن تعرفه مثلهم..
«إنّ قيمة الوقت كقيمة المال، كلاهما قيمته في جودة إنفاقه، وحسن استعماله»! (أحمد أمين)(1/369)
إنّه يحدِّثنا عن «الزمن النوعيّ» لا الكميّ المعدود بالثواني والساعات، فكم من ساحة الزمن مشغولة بما يبقى بعد أن يفنى أو يذهب الزمن؟!
وقال مجرّب:
«الزمان هو المادة الخام في يد الانسان، كالخشب في يد النجّار، والحديد في يد الحدّاد، فهو يستطيع أن يصوغ منه حياة طيِّبة سعيدة، أو سيِّئة يائسة».
وقال (بوسيسه) أحد الفلاسفة:
«إنّ ساعات الانتباه التي نقضيها في المدرسة، توفِّر علينا كثيراً من أيام التعاسة في الحياة».
ويقول (بنيامين فرانكلين):
«إذا كنتَ تحبّ الحياة فلا تضيع الوقت سُدىً، لأنّ الوقت هو مادّة الحياة»!
لكي نحلّ مشكلة (فوضى الوقت).. لنتذكّر المثال التالي:
لديّ مبلغٌ من المال وعندي عدّة احتياجات: طعام، شراب، لباس، كتب، القيام برحلة، شراء لعبة مسلّية.. الخ.
هل يصحّ أن أُريق مالي كلّه على مائدة الطعام، أو على مشترياتي من الألبسة، أو الكتب، أو الرحلة، أو الألعاب؟
الحكمةُ.. عقلي.. يقول لي: إعطِ لكلّ حاجة استحقاقها من المال..
الوقت.. كالمال، تنتظرهُ احتياجات، فهل يصحّ أن نُنفقه في حاجة واحدة فقط؟!
البلاغ
=============
الصلاة عبادة وتربية
1 ـ الوقت
قد لا يسأل الكثير منّا نفسه وهو يمارس الصلاة في كل يوم خمس مرات، لماذا هذا الترابط والاقتران بين الوقت والصلاة؟ ولماذا يبدأ وقت الوجوب بداية تغيّر كل فصل من فصول اليوم؟ ولماذا تجب الصلاة مقترنة بالتحولات الكونية، والتبدّلات الطبيعية العامة؟
{ أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمْسِ الى غَسَقِِ اللَّيلِ وقرآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مشْهوداً}.(الإسراء/78)
{ فَاصْبرْ على ما يقولونَ وَسَبّحْ بحَمدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وقبلَ غُروبِها وَمِنْ آناءِ الليلِ فَسَبّحْ وأطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى }.(طه/130)
إن هذا الربط، وتلك العلاقة ليست مصادفة عفوية، ولا اتفاقاً صنعته ظروف الانسان المتعبد، ولكنها اليد الالهية الحكيمة التي تأخذ بيد الانسان الى مدارج الكمال، فتهيئ له الجو التعبدي المتمم لأغراض الصلاة، المستهدفة تعظيم الله، والاعتراف بنعمه، وإعلان الشكر له.
لذا فقد ربط الخالق العظيم إحساس الانسان التعبدي بأوقات تشعره بعظمة خالقه، وقدرة صانعه، فتحسِّسه بخضوع الوجود، وارتباطه بارادة الخالق العظيم، فيشعر أنّه يتعبّد بعد كل فترة تمضي من عمر الكون، ليستقبل فترة أُخرى يؤدي فيها الشكر والعبادة. ويسبّح مع مسيرة الكون وتسبيحه، فلهذه التبدّلات الكونية، والتحوّلات الطبيعية التي يعايشها الانسان إيحاء ومعنى يزرع الخشوع والاحساس بالعظمة والاجلال في كل نفس واعية متفتحة، تستبطن ضمير هذا العالم، وتستشف حركة روحه، وغاية تحرّكه.
والى هذا المعنى يشير القرآن الكريم في مواطن كثيرة، وكلّما أراد أن يلفت نظر الانسان ويوجّهه الى خالق الوجود، كقوله تعالى:
{ وَهُوَ الّذي جَعَلَ اللَّيلَ والنَّهارَ خِلْفَةً لِمن أرادَ أن يذَّكَّرَ أو أرادَ شكُوراً }.(الفرقان/62)
=============
كيف توفر للقراءة الوقت والمال
* محمد عدنان سالم
ـ لا نجد الوقت الكافي للقراءة:
هذه تعلة معظم الناس العازفين عن القراءة، والذين لا يعيرونها أي اهتمام، والذين لا يخطر في بالهم، مهما طال وقت فراغهم، أن يتناولوا كتاباً يملأون به وقت فراغهم.
مهلاً، يا أخي، لو أردت لوجدت الوقت الكافي، إنك تضيع أوقاتاً كثيرة فيما هو دون القراءة.
كم من الأوقات تقضي في الانتظار؟ انتظارٍ في عيادة طبيب .. انتظار لمكالمة هاتفية .. انتظار في مرآب أو مطار لسيارة أو طيارة تأخرت عن موعد انطلاقها .. انتظار في السيارة أو في الطيارة في الطريق إلى بلد المقصد .. انتظار لموعد في مكتب مدير .. انتظار لتعيين في وظيفة.
أفلا تتغلب بالقراءة على ملل الانتظار؟!
كم من الساعات تقضي في تناول الطعام، طعام الجسد؟! أفنبخل على عقولنا بشيء من الوقت نقضيه في ميادين القراءة: غذاء الفكر؟!
إننا نقضي مع أصحابنا أوقاتاً كثيرة للسمر، أفلا تكون لقاءاتنا أكثر جدوى ومتعة، لو أديرت على نحو مفيد؟! لنأخذ كتاباً أو موضوعاً ليكون محوراً لنقاشنا وسمرنا بدلاً من الثرثرة الفارغة ول أمور الطقس، وأحوال الجو، وشؤون الساعة، وأنواع الطعام، وآخر النكات الهابطة. أفلا نشعر بالسمو والسعادة، حين نخرج من سمرنا بأفكار نمت بالحوار، وصُقِلت بالمناقشة؟!
إنك تقضي ساعات طويلة في زيارة الأهل والجيران، وفي المحال التجارية تنتقل من محل إلى محل من أجل شراء سلعة عادية، أو لمجرد تزجية الوقت، كم يكن من المفيد، مهمة تربية الجيل الصاعد، لو أنك أحسنت تنظيم وقتك، ووفرت وقتاً للقراءة، ولو وظفت لقاءاتك وزياراتك لطرح ما حصلته من قراءاتك من أفكار؟!
يقرأ القارئ العادي 300 كلمة في الدقيقة، أي ما يعادل خمس عشرة صفحة في عشر دقائق، فلو عودت نفسك أن تقرأ عشر دقائق كل يوم لأمكن أن تقرأ كتاباً صغيراً كل أسبوع، أو كتاباً كبيراً في كل شهر، أي أنك ستقرأ حوالي عشرين كتاباً في كل عام، من أحجام مختلفة. فهل يتعذر على أحد أن يوفر هذه الدقائق العشر من وقته كل يوم للقراءة؟!
لقد وضع طبيب لنفسه قانوناً صارماً أن يقرأ كل ليلة ربع ساعة، مهما تأخر في عمله، وقبل أن يأوي إلى فراشه، فإذا هو يجد نفسه بين المشتغلين في الأدب بجانب تخصصه المهني، وإذا به يشعر بسعادة غامرة، ساعدته على التفوق والنجاح في تخصصه نفسه.
وأعرف ناشراً عربياً ألزم نفسه بساعة قبل نومه يقضيها في القراءة في كتب الطبقات، وفهارس كتب التراث، وباقي فروع المعرفة، فإذا به موسوعة ناطقة، إذا جلستَ غليه شعرت أنك في مجلس عالمٍ مطَّلع.
ـ كيف نوفر المال لاقتناء الكتب؟
لقد ارتفعت أثمان الكتب، ولم يعد اقتناؤها ضمن طاقة أصحاب الدخل المحدود، فهل من طريقة لتوفير المال اللازم لشرائها؟
إن شعورنا بالعجز عن شراء الكتاب يعكس نظرتنا الدونية له. ذلك أننا ندفع أحياناً في أمور كمالية وفي سلع غير ضرورية ما يمكننا من شراء عشرات الكتب.
إن بإمكاننا أن نوفر من التدخين وحده ما يكفل لنا مكتبة قيمة على مر الأعوام.
أما ما نوفره من استغنائنا عن بعض السلع الاستهلاكية، ومن تأجيل شرائنا الخضر والفواكه إلى مواسمها حتى لا ندفع فيها أثماناً أعلى، فشيء كثير.
ويجب أن نُعلِّم أطفالنا أن يوفروا من مصروفاتهم لشراء كتاب، ولسوف يشعرون بسعادة غامرة إذا ضحوا بشيء من رفاهيتهم، ومن أجور مواصلاتهم، ومن ثمن ألعابهم لصالح كتاب. وترتفع قيمة الكتاب في نظرهم فوق الكماليات، وفوق بعض الحاجات.
واقتناء الكتب المستعملة، لم يعد شيئاً غريباً، وربما يحل لنا مشكلة ضعف قوتنا الشرائية، ففي معظم البلدان أماكن لعرضها بأرخص الأثمان، فعلى أسوار نهر السين في باريس، وعلى سور حديقة الأزبكية في القاهرة، وعلى الأرصفة في معظم المدن تعرض آلاف الكتب بأرخص الأثمان.
فإذا استحكم عجزنا عن الشراء، فما على الحكومات إلا أن توفر لنا فرصة المطالعة وإشباع رغبتنا في القراءة بواسطة المكتبات العامة، التي ينبغي أن تكون قريبة منا في أماكن السكن، وفي مراكز العمل.
==============
كيف تعلمين طفلك قيمة الوقت ؟
لعلك تتحسرين وأنت ترين أولادك يهدرون أوقاتهم في الجلوس طويلاً
أمام شاشات { التلفزيون } أو { الكمبيوتر } أو { الإنترنت } !
ويزداد تحسرك حين يكون هدرهم لأوقاتهم على حساب دراستهم وصلاتهم
وأدائهم لواجباتهم .
ماذا تفعلين من أجل أن يدرك أولادك قيمة الوقت , ومن أجل أن توقفي(1/370)
هدرهم لأوقاتهم ؟
أنصحك بأن تقومي بإحراق ورقة نقدية أمام أولادك .
أتوقع أن تكون ردة فعلهم تجاه عملك هذا عبر واحدة أو أكثر
من العبارات التالية:
أمي هذا حرام , لماذا تحرقينها ؟ كنت أقدر أن أشتري بها حلوى كثيرة
أو لعبة جميلة,
لو علم أبي لغضب , سأخبر أبي بما فعلت .
أيا كانت ردة فعل أولادك , وأيا كانت عبارتهم تجاه ما قمت به
من إحراق الورقة النقدية.... فإنها فرصة لتشرحي لهم وتوضحي
قيمة الوقت الذي يهدرونه . قولي مثلاً :
هل تحسرتم على خسارة عشرة دنانير ؟
أنتم تحرقون أكثر من الدنانير!
هل تعلمون كيف ومتى ؟
حين تضيعون ساعات طويلة في جلوسكم أ مام التلفاز ,
وحين تمضون أوقاتاً كثيرة في الإنترنت ..
ألا تعلمون أن هذه الساعات من أعماركم ,
وأنكم يمكن أن تقرؤوا فيها القران فتكسبوا آلاف الحسنات ,
أو أن تساعدوني في أعمال البيت فأرضى عنكم فيكتب الله لكم أجراً عظيماً ,
أو تراجعوا دروسكم وتكتبوا واجباتكم المدرسية فعندئذ تنجحون في صفوفكم
ولا تخسرون مئات الدنانير إذا تخرجكم في الجامعة سنة !
وماذا تفعلين من أجل أن يوقف أولادك هدرهم لأوقاتهم ؟
بعد أن أوضحت لهم أن أوقاتهم تساوي صدقات وأجوراً و أموالاً
أعينهم على الاستفادة من أوقاتهم بما يلي :
قولي لابنك : قم يا ولدي فاكتب واجباتك المدرسية قبل أن تبدأ الرسوم المتحركة؟
حتى تشاهدها و أنت مرتاح .
أو انظر يا ولدي أنت الآن تحرق دنانير بعدم دراستك وكتابة واجباتك المدرسية.
أو أتذكر عندما هددتني بإخبار أبيك عن إحراقي العشر ة دنانير ..
أنا أخوفك بالله تعالى الذي سيسأل كل عبد يوم القيامة عن عمره فيما أفناه ,
والعمر هو الوقت يا ولدي .
وهكذا يمكنك جعل أولادك يدركون أن قيمة الوقت ثمينة , أنهم بهدرهم
الساعات دون الاستفادة منها في ذكر الله تعالى , أو في قراءة نافعة ,
أو في مراجعة دروسهم , أو في فعل خير من الخيرات ,
يقومون بحرق ما هو أثمن من تلك الأوراق النقدية .
يبقى أن أقترح عليك ألا تحرقي ورقة نقدية حقيقية أمام أطفالك ,
بل ورقة نقدية مطبوعة عبر الطابعة و الناسخة , وأخبري أولادك
بعد ذلك بما فعلت , وأنك لا يمكن أن تحرقي نقوداً حقيقية لها قيمتها,
و إنما فعلت ذلك لتجعليهم يدركون قيمة الوقت .
============
طرق مبتكرة لحواء.. لتوفير الوقت والمال
توافر المال في حقيبتك بشكل دائم يعد انتصارا كاملا على الإفلاس.
والحصول على ساعات إضافية في يوم لا يحتوي إلا على 24 ساعة فقط هدف جميل، ولكن كيف تحصلين على هذين الإنجازين؟ بكل بساطة سنضع بين يديك أفكاراً تساعدك على بلوغهما وربما تفتح لك آفاقاً جديدة لنجاحات أكبر من إبداعك الخاص.
•استخدام كرة التمارين البدنية كمقعد أثناء مشاهدة التلفاز أو القراءة سيقوي عضلات بطنك وساقيك وأردافك وذلك عن طريق بذل مجهود بسيط في حفظ توازنك على هذه الكرة الكبيرة، فإن ذلك سيعمل على تنحيف جسمك ونحت عضلاتك بالشكل اللائق الذي ترغبينه، وبذلك يمكنك الاستفادة من وقت التلفاز والقراءة في الحصول على مكاسب مضاعفة.
•تخطيط برنامجك المالي باستخدام الورقة والقلم يساعدك في قراءة متطلباتك أكثر من مرة، وبذلك تستطيعين حذف الأشياء التي قد تجدين أنها أقل أهمية لديك وتدبرين شؤونك المتبقية في حدود معاشك اليومي أو الأسبوعي دونما الحاجة إلى طلب إعانة عاجلة من والديك.
•في النادي الصحي الرياضي يمتد وقت حصة التدريبات لمدة ساعة كاملة في معظم الأوقات، لذلك فإن مجرد مراعاة الاجتهاد في القيام بالتمارين قد يجعلك تقلصين عدد مرات الذهاب من ثلاث مرات أسبوعياً إلى مرتين وهذه الطريقة سوف توفر لك المال إذا كنت تدفعين المال مقابل الساعات التي تتمرنينها، وتوفر لك الوقت بما يشمله من مدة الذهاب والعودة وتحضير نفسك للخروج من المنزل وأيضاً توفر الطاقة المستخدمة في بنزين السيارة.
•إذا كنت تملكين بطاقة ائتمانية فهناك فكرة رائعة تجعلك تتحكمين في النزوات الشرائية التي قد تهدر مدخراتك في أقل من ثانية وهي وضع هذه البطاقة في الثلج بعد وضعها في كيس بلاستيكي محكم ثم حفظها في الفريزر، فهذه الطريقة تمنحك الفرصة الكافية للتفكير في جدية حاجتك لسلعة معينة في الوقت الذي يذوب فيه الجليد من حول البطاقة.
•لا تخبري صديقاتك بشروعك في تنفيذ الأفكار الاقتصادية حتى لا يضعنك تحت المراقبة غير المقصودة مما يجعلك تخجلين من سلوكياتك في التوفير أو ربما تنعتك إحداهن بـ " البخيلة" فيثنيك ذلك من عزمك على تكوين خبرات اقتصادية مفيدة لن تعرفي مدى قيمتها إلا في الأزمات والمسؤوليات التي لا تخلو حياة أي شخص منها.
•أنهي أعمالك اليومية في مواعيدها ولا تؤجلي مهمات اليوم للغد فهذا سيوفر لك الكثير من الوقت والراحة النفسية وأيضاً سيوفر لك المال لأنك لن تحتاجي إلى ملفات إضافية لحفظ أعمالك غير التامة ولن تتكدس أدراجك بهذه الملفات وأيضاً سوف يوفر لك ذلك أعلى العلامات الدراسية لأنك ذاكرت دروسك وهي ما زالت طازجة مما يعني أن المعلومات الدراسية ستكون أكثر سرعة في الالتصاق بذاكرتك.
•استغلي الفرصة لممارسة المشي " مثلا للذهاب إلى المدرسة أو الجامعة أو الجمعية إن أمكن" فهذه الطريقة ستجعلك توفرين الوقود وتفقدين السعرات الحرارية الزائدة التي تؤدي إلى السمنة التي تجعلك في حاجة لزيارة الطبيب لوضع برنامج غذائي مناسب لفقدانها، واستغلي فرصة المشي في التسبيح والاستغفار، ووضع أفكار مثمرة ليومك فغالباً ما ستصبح ممارسة المشي هوايتك المفضلة بمجرد حصولك على بشائر الفائدة منها.
•رتبي غرفتك يومياً فإن الترتيب بشكل دائم يوفر لك الوقت في الحصول على الأشياء التي يصعب الوصول إليها في جو من الفوضى وأيضاً الحجرة المرتبة توفر الكثير من المال لصاحبتها وذلك لأنها تكون على علم دائم بأماكن الأشياء التي قد تشتري غيرها لأنها لا تعلم أين وضعتها حين اشترتها الشهر الماضي.
•إذا كنت تقودين سيارتك إلى الجامعة، احسبي عدد الساعات التي تنفقينها في القيادة أسبوعياً وحاولي استثمار هذه الساعات في تشغيل شرائط كاسيت لمحاضراتك في الجامعة حتى تسمعي المحاضرة مرة أخرى، فهذا يعني أنك تقريبا وعيتها جيداً أو اسمعي شرائط كاسيت لأحد البرامج التعليمية للغة الأجنبية التي تحرصين على تعلمها.
•احفظي تنورتك بطريقة swiss roll عند وضعها في حقائب السفر وذلك بلفها في كيس بلاستيكي على هيئة roll فهذا سيحافظ على بقائها مكوية طيلة الرحلة وتوفرين بذلك وقت الكي.
•إذا تهرأت إحدى قطع ملابسك وأصبحت لا تصلح حتى للتصدق بها فخذي منها ما ينفعك من الكلف والإكسسوارات والأزرار فإن ذلك سيوفر لك بعض المال.
•فكري في استغلال الأواني البلاستيكية الفارغة في عمل أوان للزهور أو مقلمات واستفيدي من باب فتاتك الذي يطرح عليك بعض الأفكار المبتكرة لتنفيذ هذه الأشياء.
•استفيدي من الأوراق الفارغة البيضاء المتبقية في دفاترك الدراسية الخاصة بالعام الماضي وقصيها ورتبيها واجمعيها وضعيها بالقرب من يدك على مكتبك فكم مرة احتجت لورقة تكتبين عليها ملاحظة ولم تجديها بسهولة.(1/371)
•احتفظي بملفاتك المهمة في مكان واحد يسهل الوصول إليه وإذا كنت تملكين ماسحة ضوئية (scaner) فقومي بعمل نسخة من كل الملفات على الحاسوب بطريقة منظمة تمكنك من الحصول على ما تحتاجين إليه منها في أي وقت دون أن تمسي الأصل ( مثل شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية وجواز السفر وسيرتك الذاتية). وإذا أحببت تقديم خدمة جليلة لأسرتك فقومي بعمل ذلك لهم، فإن ذلك سيسعدهم كثيراً.
=============
اختيار الوقت المناسب مهارة تكتسب أم هبه طبيعية؟
* المؤلف: رضا علوي
سئل أحد المشاهير قبيل وفاته:
ماذا يحتاج المرء لكي يشق طريقه في الحياة؟ أيحتاج إلى العقل، أم الطاقة، أم التربية والعلم؟.
فهز رأسه، وقال: كل هذه الأمور تساعد. ولكن ثمة شيء اعتبره أهم مناه جميعاً، وهو معرفة الوقت المناسب!.
وما هو الوقت المناسب؟.
الوقت المناسب للقيام بعمل ما، أو لعدم القيام به. الوقت المناسب للكلام، أو للصمت. فعلى المسرح، التوقيت هو العامل الأكثر أهمية، كما يعرف كل ممثل. وأنا أعتقد أن ذلك هو مفتاح الحياة أيضاً. فإذا كنت تتقنين فن معرفة الوقت المناسب في زواجك، وفي عملك، وفي علاقاتك مع الآخرين، فإنك لن تحتاجي إلى السعي وراء السعادة والنجاح، ذلك أنهما سيجتازان بابك من تلقائهما..
فإذا استطعت أن تغتنمي اللحظة المناسبة حينما تسنح، وأن تتصرف يقبل انقضائها، تتيسر أمامك قضايا الحياة. وأولئك الذين يحالفهم الفشل باستمرار، يحز في نفوسهم ـ غالباً ـ ما يبدو لهم من أن العالم يقف منهم موقف المعادي. إلا أن ما يفوتهم هو أنهم لا يعلمون أنهم يبذلون الجهد المناسب دائماً، ولكن ليس في الوقت المناسب!.
يقول أحد قضاة محاكم الزواج في أميركا: حبذا لو يعلم المتزوجون أن هناك فترات تكون فيها حساسيتهم على أشدها، فلا يتساهلون بأي هفوة أو نقد أو حتى بأي نصيحة! ولو أن الزوجين يدرس أحدهما الآخر دراسة دقيقة، بحيث يعلم متى ينبغي الشكوى، ومتى يحمل إظهار المحبة والرقة، لانخفض معدل حوادث الطلاق إلى النصف بلا أدنى ريب..
إن التصرف اللائق والسلوك الرائق ليسا ـ غالباً ـ سوى توقيت مناسب، هل ثمة أشد إزعاجاً من زيارة شخص لك في وقت غير مناسب، أو مقاطعتك وأنت تتحدثين؟! ومن منا من لم يعان من ثقيل مطيل لم يتزحزح من مكانه، فإذا بزيارته تبدو كأنها مؤبدة؟!
إن التوقيت قد لا يكون هبة طبيعية تولد مع المرء إلا أنه مهارة يمكن أن يكتسبها كل من يهتم ببذل جهد في هذا السبيل.
ومن أجل التحكم في أوقاتك وتنظيم أعمالك، وتقويم سلوكك، عليك بأن تقومي بالمتطلبات الخمسة التالية:
أولاً: اذكري دائماً أن التوقيت الصحيح أمر حاسم في الشؤون البشرية. وما أن تعي الأهمية الكاملة لـ (معرفة الوقت المناسب) حتى تكوني قد خطوت أول خطوة نحو اكتساب القدرة على الإفادة منه.
ثانياً: اعقدي تعاهداً مع نفسك يقضي بألا تتكلمي أو تقومي بأي عمل وأنت فريسة ثورات الغضب، أو الخوف، أو الأذى، أو الحسد، أو الحقد... فن هذه المشاعر كفيلة بأن تدمر أداة التوقيت مهما تكن متقنة الصنع. ((كل امرئ يمكنه أن يغضب، إن ذلك أمر في غاية السهولة. ولكن أن يكون غاضباً على الشخص المناسب، وإلى الدرجة المناسبة، وفي الوقت المناسب، وللغاية المناسبة، وبالطريقة المناسبة، فذلك ليس في إمكانية كل واحد، وليس سهلاً)).
ثالثاً: اشحذي قوى التحسب واستباق الأمور التي تتمتعين بها، فالمستقبل ليس كتاباً مغلقاً، فالكثير مما سيحدث يحدده ما يحدث الآن. ومع ذلك فإن قليلين ـ نسبياً ـ يبذلون جهداً واعياً للامتداد إلى ما يتجاوزهم، فيزنون الاحتمالات الممكنة، ويتصرفون على هذا الأساس.
إن فن التوقيت الصحيح ينطوي على معرفة الوقت الذي يزيل عمل ما ـ الآن ـ متاعب ستحدث في المستقبل، أو يوفر فوائد عتيدة.
رابعاً: تعلمي الصبر. ليس هناك ثمة مبدأ سهل لإكتساب الصبر. إنه مزيج ممتاز من الحكمة وضبط النفس، إلا أن على المرء أن يعرف أن عملاً واحداً يؤتى قبل أوانه يمكن أن يفسد كل شيء..
خامساً: معرفة كيف تخرجي من نفسك وتتجاوزيها، وهذا آخر المتطلبات وأصعبها وأخطرها. إن كل لحظة يتشاطرها كل مخلوق حي، سوى أن كل شخص يراها من وجهة نظر مختلفة. ومعرفة الوقت المناسب تعني معرفة كيف يبدو ذلك للآخرين.
والآن فلكي تحسني تنظيم أوقاتك وأعمالك واستثمارها، خليق بك العمل بالقواعد الأربع المذكورة، وهي:
1 ـ برمجة الأعمال وجدولتها..
2 ـ اجتناب تأجيل عمل اليوم إلى الغد..
3 ـ اعتبار الأولوية في الأعمال (الأهم فالمهم)..
4 ـ اختيار الوقت المناسب.
---------------------------
المصدر: كيف تستثمر أوقاتك
=============
هل الحب بين الزوجين بحاجة الى الوقت؟
د.مأمون مبيض
تظهر كثير من الأبحاث ان أهم سبب لضعف العلاقات الزوجية وتدهورها هو قلة الوقت الذي يقدمه كل من الزوجين لنمو هذه العلاقة,فتعقيدات الحياة وكثرة مشاغلها الفوضوية احياناً تحرم كثيراً من الأزواج فرص المعايشة وقضاء الوقت المشترك.ويقوم كثير من الأزواج أن العلاقة بينهما أهم من ترتيب المنزل أو غيره من الأعمال,إلا اننا نجد هؤلاء يجدون وقتاً لترتيب المنزل وغيره,ولايجدون وقتاً لقضائه بهدوء مع شريك الحياة!
ولذلك فإنني انصح الأزواج أن يحاولوا عدم الافتراق الطويل بينهما في سفر أو غيره,وأن تكون الأولوية عندهم للعيش المشترك,وقضاء الوقت معاً.
والخطأ الذي يمكن أن يقع فيه بعض الأزواج,أنه إذا لاحظنا أن علاقتهما حسنة نوعاً ما,فإنهما يتوقفان عن استثمار الوقت المناسب في تقوية هذه العلاقة وتنميتها,ويتجاهلان أحياناً بعض المشكلات والتوترات الصغيرة.
إن نمو الحب بين الزوجين الذي نتحدث عنه,لن يحصل مالم يستثمر كل من الزوجين الوقت والجهد المطلوب في رعاية الطرف الآخر.
إن "عصر السرعة" الذي يعيش فيه يضغط على الجميع لينجزوا الأعمال بسرعة,إلا أن العلاقات الإنسانية تتغذى بالوقت الذي يستثمره الناس في هذه العلاقات,ولابد من التأني والتروي في تنمية الحياة الزوجية.
إن الانسان عندما يصاب بمرض يهدد حياته,أو بحادث خطير,فإن أمنيته في هذه الحالات قد لاتكون أن يتاح له وقت ليعمل في مهنته بشكل افضل,وإنما يتمنى مزيداً من الوقت ليقضيه مع من يحب.
الخلاصة:
لقد حاولنا وضع الأمور الأساسية التي من شأنها ان تنمي المحبة بين الزوجين,فرأينا كيف نحل المشكلات وسوء التفاهم من خلال الآتي:
- محاولة إيقاف الجدال والنقاش عندما يحتد الخلاف.
- تحديد وقت من أجل العودة للحديث والاستماع من دون مقاطعة.
- استعمال طريقة الاستماع والتأكد من صحة الفهم من خلال إعادة ذكر الكلام الذي سمعناه.
- الاتفاق على عدم مغادرة الجلسة قبل انتهاء الوقت أو الاتفاق على أخذ استراحة.
- القيام بطرح ما أمكن من الحلول والاقتراحات,ومن ثم الاتفاق على قرار.
ورأينا ثانية أن علينا أن نستثمر ما أمكن من الوقت في بناء وتقوية العلاقة الزوجية من خلال:
- تخصيص وقت للحديث وحتى في الخلافات الصغيرة كي لا تستفحل,ويفضل هذا أسبوعياً.
- تخصيص وقت أسبوعي بلا جدال أو نقاش,وإنما للملامسة والكلام الإيجابي واللعب والمسامحة.
وأن من أهم الأمور في وجود علاقة زوجية حية هي الأمورالثلاثة التالية:
1- الحوار والتخاطب بين الزوجين.
2- حل الخلافات وسوء التفاهم.
3- التعهد بالرعاية والحفظ,ليس بمجرد الامتناع عن السلبيات,وإنما القيام بالواجبات والرعاية والتقدير,وكل ما من شأنه أن ينم عن أن الواحد منهما يضع الآخر في أولوياته.(1/372)
ولاشك أنه ستكون هناك أوقات يكون الواحد منهما في غاية التعب وقلة الاحتمال,أو الشعور العميق بالأسى كأن يكون عقب وفاة قريب,أو بعد مصاب ما,فلا يفضل ابداً في هذه الأوقات فتح باب الجدال وحل المشكلات,أو إظهار عيوب الآخر وتقصيره!
وقد أكدنا على اختلاف كل زوج عن زوجه,وأنه لابد من أن يعبر كل منهما عما يريده أو يشعر به,وأنه لابد لهما من الوصول الى قرار يرضي حاجات الطرفين.
Balagh.com
==============
استثمار الوقت :
عُرفت (آمنة الصدر) باستغلالها التام للوقت ، فلم تكن تضيِّع دقيقة واحدة ، حتّى إذا كان هناك وقت فراغ استثمرته في تلقي الدروس على يد أخيها المفكِّر الإسلامي السيِّد (محمّد باقر الصدر) .
وكان وقتها موزّعاً على (القراءة) و(الكتابة) سواء للمجلّة الإسلامية التي كانت تصدر في وقتها واسمها (الأضواء) حيث كانت تخاطب من خلال مقالاتها الفتاة المسلمة ، أو كتابة القصص الإسلامية التربوية الهادفة ، و (الإشراف على المدارس الدينية) التي كانت تُعرَف باسم ( مدارس الزّهراء ) حيث تديرها وتعيِّن مناهجها وتحلّ مشكلاتها ، و (المحاضرات) التي تلقيها على معلِّمات تلك المدارس ، والمحاضرات التي تلقيها على طالبات الجامعات وتجيب على أسئلتهنّ وتحلّ إشكالاتهنّ ومشكلاتهنّ ، أو (الجلسات) الدورية التي كانت تعقدها في بيتها وبيوتات الأخوات المؤمنات .
كانت مدرِّسة متنقِّلة ، وطبيبة دوّارة بطبِّها .
=============
الوقت المهدور والوقت المشحون في حياة الشاب
لو نظر كلّ واحد منّا إلى ما يهدره من وقت ، وحاول أن يجري عملية حسابية بسيطة على الساعات الطويلة التي تذهب هدراً ، إمّا في الثرثرة الفارغة ، أو التسكّع على أرصفة الشوارع بلا هدف ، أو التجوّل أمام المحلاّت التجارية ، أو جلسات السمر التي لها بداية ولا نهاية محدّدة لها ، حيث تترك سائبة كحبل نشنق به الوقت دون أن نعلم أ نّنا نرتكب بحقّ أنفسنا جريمة العبث بأثمن ما وهبنا الله .
تأمّلوا في هذه الصور التي نعيشها وربّما بشكل يوميّ :
ـ شاب يركب سيارته أو سيارة والده وربّما يصطحب معه عدداً من الشبّان ليدوروا في الشوارع والساحات والطرق من غير وجهة محدّدة .
ـ شابّة أو شابّات يتجوّلن لساعات طويلة ـ وربّما لغير التسوّق ـ قبال واجهات المحالّ التجارية .
ـ شبّان يلعبون كرة القدم لوقت غير محدود ، وقد تنتهي اللعبَ في وقت معيّن لكنّهم يعيدون الكرة مرّة ومرّتين وربّما مرّات .
ـ شبّان يجلسون في مقهى يدخِّنون ويثرثرون ويطلقون الضحكات العالية على مَن يتناولونه بالغيبة .
ـ وهناك مَن يقف في الطابور الطويل في انتظار شراء حاجة ، أو سيارة نقل عامّة وهو يرسل نظراته البلهاء هنا وهناك ..
ـ وهناك مَن يسهرون اللّيل ، يلعبون الورق أو الشطرنج ، أو يجلسون لأمد غير محدّد أمام الحاسوب ويستخدمون الانترنت إلى درجة الإدمان ودون التفات إلى الوقت الذي يستهلكونه في هذا المجال .
www.balagh.com
==============
لمن لايملك الوقت الكافي للعناية بزوجته
كلوديا إنكلمان
تهتم المرأة عموماً بكل شيء,وهي تتمنى أن يهتم زوجها بها أكثر.نساء كثيرات يشعرن انهن يفعلن كل شيء لأجل أزواجهن,وأن أزواجهن لايمنحونهن شيئاً بالمقابل.وغالباً ما يصدر عن الزوجة هنا قولها :"أنت لاتهتم بشيء,ولاتهتم بي على الإطلاق!".تحب المرأة كثيراً أن تشعر بأن زوجها يهتم بها وبسعادتها بمنتهى الحب والحنان.وأنه يعتني بها بالفعل.هذا الشعور هام جداً لزوجة المستقبل النشيطة.
الأسئلة التالية أطرحها دوماً على المستمعين والمستمعات في ندواتي الخاصة.فيما يلي ملخص بالأجوبة.
ما الذي يمكنك فعله كي تظهر لها أن سعادتها تهمك جداً؟
*كيف حالك؟
*ماذا حصل معك اليوم؟
*هل يمكن لي أن أساعدك بشيء؟
*هل ترغبين بشرب شيء ما؟
*هل آلام البطن مازالت موجودة؟
*لقد فرحت بك جداً.
*سأهتم أنا اليوم بالأولاد.
*لنذهب الى مطعمك الإيطالي المفضل.
*ما الذي يمكنك فعله للاعتناء بها؟
*تكريس بعض الوقت لها.
*معرفة وذكر الأعمال الصغيرة التي تنجزها.
*تقديم معونات صغيرة لها دون سابق طلب منها.
*الذهاب معاً للتسوق بمنتهى الراحة والاسترخاء.
*المساعدة بأعمال المنزل في المساء.وبشكل تلقائي.
*دعوتها لقضاء امسية جميلة معها خارج المنزل.
*جلب المأكولات اللذيذة.
*إلقاء حمل الأعمال الصعبة عنها.
*مداعبتها وملاطفتها.
*الاتصال بها هاتفياً.
*القيام ببعض الأعمال المنزلية بدلاً عنها.
*وضع ملصقات صغيرة على الجدار,مكتوب عليها عبارات حب لطيفة.
*إعداد الفطور الصباحي أو جلب القهوة الى السرير.
*مفاجأتها بهدية جميلة.
*تسلم زمام أمور الأولاد من حين لآخر.
التخفيف عنها ومساعدتها حينما يكون لديها الكثير من العمل.
*مداعبتها وتقبيلها من حين الى آخر.
*تحقيق أمنياتها.
*معاملتها بمنتهى الحب والحنان حينما تسوء أحوالها.
*الضحك معاً.
بالطبع,ليست هذه سوى إشارات وأمثلة.الأفضل أن تسعى بنفسك لاكتشاف الكيفية التي ترغب بها زوجتك أن يعتنى بها.تذكر دوماً أن نواياك الحسنة هي الأساس بالنسبة لها.وان أهتماماتك الصغيرة اللطيفة بها.شأنها بالنسبة له شأن الكبيرة تماماً.
تمرين: "إظهار العناية"
ما الذي يمكنك قوله أو فعله؟
الاهتمام بها وتفهمها
معظم النساء يشعرن بأنهن لايجدن من يفهمهن.وهذا يؤدي لديهن مع مرور الزمن الى شعورهن بالوحدة.
تتوق المرأة لأن يبدي زوجها اهتمامه بحياتها,وبأفكارها,وأخيراً وليس آخراً بمشاعرها.هي تتوق لشعوره معها,حينما تتحدث عن مشاكلها ومخاوفها.
ثمة مقولة مفادها :"طالما أن مزاجي جيد فإن الأمور تسير على مايرام" ولكن حذار من وقوعها في الاكتئاب من جديد,أو من تحدثها مجدداً عن بعض المشاكل,فهنا يمكن أن يتحول اي حلم سعيد الى كابوس مؤلم.ويكمن سبب ذلك في كونه لايستطيع أن يتعامل مع انهياراتها العاطفية.
الأسئلة التالية أطرحها دوماً على المستميعين والمستمعات في ندواتي الخاصة,وفيما يلي ملخص بالأجوبة:
ما الذي يمكنك فعله؟
*تخطيط الوقت يومياً,حتى فيما يتعلق بالأحاديث المتبادلة.
*إدراك مزاجها جيداً
*عدم تجاهل "مشاعرها السلبية".
*مناقشة المشاكل (عدم الانتظار حتى تنمو وتصبح كبيرة).
*دفعها للتحدث عن مشاعرها وعن مشاكلها.
*إبداء الاهتمام الصادق بأفكارها ومشاعرها وأهدافها.
*الاستماع بفعالية.
*محاولة فهمها,وعدم تقديم اقتراحات حلول على الإطلاق.
*عدم الحط أو التقليل من قدر مشاعرها.
*عدم التقليل باستمرار من شأن مشاكلها.
*عدم التشاجر معها,حينما تطيل الحديث على الهاتف.
*منحها الحب والحنان حينما تغرق في فراغ عاطفي /عدم الغضب منها /عدم تركها لوحدها.
إطفاء التلفاز,ووضع الجريدة جانبا.
*عدم تقديم الحجج المتنوعة.
*طرح الأسئلة الكثيرة.
*عدم الشعور بأنها تهاجمك من خلال تعبيرها عن مشاعرها وخوالج نفسها.
*إبداء الصبر.
*الاستماع لها كأفضل صديق.
*مساعدتها في تبويب أفكارها وترتيبها.
*مواساتها,وعدم أتهامها.
*إبداء تفهمك ل"وسوسة الجمال" لديها.
ما الذي يمكنك قوله؟
*حدثيني عن يومك.
*كيف تشعرين اليوم؟
*لدي انطباع,بأنك..
*هل تريدين أن أستمع لك فقط,أم ترغبين في أن أطرح لك حلاً للمشكلة؟
*خففي عنك.
*لم تشعرين بذلك في رأيك؟
بالطبع,فإن لنمط اكتراث الزوج بزوجته أهمية كبرة,حينما تتظاهر باهتمامك بها,فستلاحظ ذلك على الفور,وتنسحب مجروحة الخاطر.
تمرين: إظهار الاهتمام
ما الذي يمكنك قوله أو فعله؟
نصيحة للنجاح:(1/373)
ادفع زوجتك باستمرار لأن تتحدث عن خوالج نفسها.وحينما تكون غاضبا فأظهر لها على الأقل مشاعرك الإيجابية تجاهها,وامنحها بعض المواساة,حتى ولو لم يكن بإمكانك فهم مشاعرها تماماً.
كلما منحت زوجتك المزيد من الحب والدعم حينما تكون أحوالها سيئة,كان حصادك لذلك المزيد من الحب من جانبها فيما بعد.يضطرك الأمر أحياناً لانتظار المكافأة لبعض الوقت,ولكن كن على يقين,أن المكافأة قادمة.
Balagh.com
==============
أسئلة لبرمجة الوقت
إن كانت لديك الرغبة في النظر عن قرب إلى بعض سمات حياتك وبدأت في إدراك الطريقة التي ستغير بها نفسك أو تعيد ترتيب بعض العادات القديمة كي تستطيع أن تجعل وقتك أكثر اتساعاً، إذن قم بتوجيه هذه الأسئلة إلى نفسك:
*ما الوقت الذي أحتاج إلى إدارته؟
*ما الذي أرغب في الإقلاع عنه كي أوفر عدداً أكبر من الساعات خلال اليوم؟
*هل أنا في أحسن حالاتي ليلاً أم نهاراً؟ متى تكون أكثر ساعاتي إنتاجاً؟
*ما الذي أريد اكتسابه من تعلمي لإدارة الوقت؟
*هل سأخسر أي شيء بأداء كثير من الأعمال في وقت أقل؟
*ما حجم الفشل الذي تعرضت له في حياتي لأنني ببساطة لا أستطيع "بلوغ الهدف"؟
*ما الذي أريد عمله حقاً في حياتي؟
*ما هي الطريقة المثلى التي أعيش بها حياتي؟
*إلى أين تسير بي ساعات وأيام عمري؟
*ما هو تعريف النجاح لدي؟
*هل أنا غير قادر على تغيير الأشياء؟
*هل أحاول أن أكون كيفما يريد الآخرون؟
*هل أضيع وقتاً غالياً محاولاً أن أبقى في حالة جيدة؟
*هل أجد نفسي بشكل منتظم باحثاً عن عناصر مفقودة؟
*هل أؤجل أداء المهام الموكلة إلى حتى اللحظة الأخيرة؟
*هل أتذرع بعدم كفاية الوقت كمبرر للتهرب من أشياء لا أريد أداءها؟
هذه ليست أسئلة تسهل الإجابة عليها، وربما تستلزم منك بحثاً في ذاتك. وربما تكون فكرة طيبة أن تدون بعض الأجوبة ثم تقوم بمراجعتها مرة أخرى بعد ذلك. فكلما فكرت في استخدامات وقتك، تبين أن لديك وقتاً أكثر مما كنت تعتقد.
==============
اساليب لتوفير الوقت بواسطة التخطيط
1ـ إلتزم بأهداف سنوية للتطوير الشخصي والانجازات المهمة في حياتك: وقم بترجمة هذه الاهداف الى قوائم عمل تتم مراجعتها بشكل اسبوعي أو يومي.
2 ـ اقض عشرين دقيقة في بداية كل اسبوع وعشر دقائق في بداية كل يوم وأنت تخطط قوائم الأعمال التي ستقوم بها:
إسأل نفسك "ماذا سأنجز هذا الاسبوع/ اليوم؟ صنف هذه الاهداف في ثلاث مجموعات: أ و ب و ج بناءاً على أهميتها بالنسبة لك.
2 ـ قم بشراء مفكرة ودوّن فيها برامجك ونشاطاتك.
4 ـ لا تقم بأكثر من عمل واحد في نفس الوقت.
ان بدء أي عمل والتوقف عنه ثم معاودة اتمامه يستهلك وقتاً. لا تترك عملاً تقوم به إلاّ بعد اتمامه. كما ان الجودة تتأثر سلبياً إذا كنا نقوم بأكثر من عمل واحد في نفس الوقت، وكما يقول المثل "لا تستطيع ان تحمل بطيختين في يدي واحدة".
5 ـ لا تفتح الرسائل غير المهمة:
يمكنك ان ترمي 25% من بريدك أو ايميلك دون ان تفتحه ودون ان يؤثر ذلك عليك.
6 ـ لا تضع أي عمل جانباً دون أن تكون قد قررت اتخاذ اجراء بشأنه.
7 ـ تذكر قاعدة أنك تحصل على 80% من انتاجك من 20% من جسدك لذلك عليك ان تركّز ان كل وقتك على هذه الـ 20%.
8 ـ احتفظ لديك ببطاقات 5×3 انج.
دون عليها كل ما يحدث لك خلال ذلك اليوم مما ترغب في تذكره. وسجّل كل التزام تقوم به.
9 ـ إحمل معك عملك الخفيف وقراءاتك الى كل مكان تذهب اليه:
وبهذا تكون منتجاً عندما تضطر الى الانتظار في مكان ما أو عند إشارات المرور.
10 ـ في نهاية كل يوم قم بتسجيل كافة الاعمال المهمة التي عليك إنجازها في الغد.
==============
يغافلنا الوقت
\ محمد دلة
يغافلنا الوقت في عتمة النفي
يصطاد نبع العصافير من دمنا
ولا يخرج الحب كي يتمشى على كسل الشجر
وتاتي خراف النشيد وتندف صوف النجوم على حزننا
وتغسل بالفيض اسماءنا
فيعود الينا صبي القمر
ارى في السفوح خطاه
اراه يزلزل كهف السكون
ويسرج فينا ثغاء البراءة
يكشط عنا غبار الترهل والزيف
يزرع في رملنا شرفات الصلاة وعرس الزهر
عيون ترى كل شيء
تجردنا من خصوصية الموت
من شظف النزف
تسقط من وعينا عورة الحب
تسكب فوق صهيل النساء دمانا
وتجمعنا في قميص الوداع
وكنا فرادى
ولا كسرة في حلمنا تتمادى
ومشمشمة الأرض ضاقت خياما
وقامت بلادا
فيا كوة الدمع
يا فرحا في جمره يتهادى
"سليمان"
أيا سدرة البوح
يا ثلج ، يا مرج ،يا نزق البرق ،يا حبق القافلة
يا" قاف" يا" حق" حقا أنزُّ
وأدعوك بالنهر والخمر والشمس في رئتي قاحلة
فلا تخرجزا الان من ملحنا
فكم من نساء تسلمنا للمرافئ
كم من سماء تحرِّق ماس النبوءة بالرمل والشفة الراحلة
سنابلنا غالها الوهم قبل رجوع الحصود لصهوته الناحلة
لن تظل الغزالة من قام منا
ستغلق كل النساء شبابيكهن وقمصانهن
سيخسر وشم الحياة جنوح للايائل للحب
تصحو المدينة شاهرة عارها كالعناكب
يرحل فينا ويرحل عنا المطر
فأتمم نشيددك فينا
واتمم علينا جنون السفر
محمد دلة
كاتب وشاعر فلسطيني
عمان 1/5/2006
=============
تعلم الاستفادة من الوقت قبل الامتحانات
يستعد طلاب المدارس والجامعات إلي امتحانات آخر العام ، وهذه الفترة من أكثر الفترات قلقاً لدي جميع أفراد الأسرة ، أما الطالب فيجد نفسه مطالبا بأن يسترجع جميع العلوم التي قام باستذكارها خلال الفترة السابقة وتجميعها وحفظها من اجل الإجابة عن الاسئلة التي تقدم له، وبالتالي يشعر بالتوتر.
ويعود توتر قبل الامتحان إلي الشعور بأن هناك الكثير من المهام التي لم تنجز خلال فترة الدراسة على الوجه الاكمل، بسبب اهمال او تقصير.
وإليك عزيزي الطالب بعض الخطوات العملية التي تساعدك على اجتياز هذه الفترة بنجاح :
1 - لا تظن انك تحمل العالم كله على كتفيك، فهو امتحان مثله مثل عشرات الامتحانات التي اجتزتها بسلام، فهذه المعلومات او المهارات المقدمة لك لا تزيد على كونها مجموعة من المعلومات المعدة بعناية فائقة لتناسب نضوجك الفكري والدراسي، ولا يمكن ان تكون صعبة بأي حال من الاحوال اذا كونت عنها صورة ذهنية صحيحة، واذكر ان السهولة او الصعوبة تعتمد بشكل رئيسي على تفكيرك تجاه هذه المعلومات، فإذا فكرت انها صعبة فسوف تجعلها صعبة، واذا فكرت انها سهلة فستصبح سهلة.
2 - استغل الوقت المتاح بافضل صورة ممكنة، اقض اغلب الوقت الباقي في الاستذكار والمراجعة والتذكر والتلخيص، ولا تنس ان تضع في جدولك فترات قصيرة للراحة والترفيه بين المواد المختلفة فهي تجدد النشاط والحيوية.
3 - اذا كانت هناك اجزاء لم تسمح لك الظروف بمذاكرتها خلال فترة الدراسة السابقة فلا تخف، فمازالت الفرصة قائمة خلال الأيام المتبقية.
فيمكنك قراءة هذه الاجزاء بعناية كقصة محببة الى قلبك،واحفظ النقاط المهمة، ولا مانع من الاستعانة بالملخصات الوافية، افعل ما بوسعك ولا تخف، ولا تنس بان تعطي وعدا بانك لن تقصر في اداء واجباتك في الفترات القادمة.
4 - كن امينا في مذاكرتك، وابتعد عن كل ما يضر بالصحة، كن نشيطا، اجتهد وتأكد ان الله سوف يعطيك اكثر مما تستحق.
5 - انس اي صعاب ماضية او اي فشل سابق، ولا تجعلها تفقدك راحتك وسلامك، بل عليك ان تترك الماضي وتهتم بالنجاح في الامتحان القادم والتغلب على الصعاب ايا كانت.(1/374)
7 - لا تحاول الحصول على اسئلة مسربة عن اي طريق ولا تحاول المشاركة في تقديم اي رشاوى او مبالغ مالية لأي احد من اجل مساعدتك في الامتحان، فربما تكون هذه الاسئلة غير صحيحة فتلهيك عن مذاكرة باقي الاجزاء وان كانت صحيحة فان فشلا في الامتحان مع امانة في الحياة افضل كثيرا من نجاح يعتمد على الغش او الرشوة.
ولا يجب أن ننسي دور الأسرة في هذه الأيام العصيبة بالنسبة للطالب ، فالاسرة لها دور نفسي كبير ليتخلص الابناء من قلق ورهبة الامتحانات، أولها ان يكون هناك حافز لبذل المجهود وليس بالضرورة ان يكون الحافز ماديا، فقد يكون على شكل نزهة أو حب زائد عند التفوق، ومحاولة تغيير السلوكيات بطريقة غير مباشرة كالتحدث مثلا أمام الابناء عن أمثلة لبعض اعلام المتفوقين، وكيف كانت نهايتهم في تولي المناصب والمكانة الاجتماعية.
والامر الثاني ان تقوم الاسرة بمساعدة ابنائها على الطريقة المثلى للمذاكرة وتهيئة الجو النفسي الهادئ لسرعة الاستيعاب والتحصيل، اما بشأن ما يعتري الطلاب من نسيان خلال فترة ما قبل الامتحان فيجب على الاهل ارشادهم دائما بالتعود على الاجابة عبر نماذج الامتحانات لجميع الموادِ وهذا الاسلوب هو الحل الامثل للتخلص من رهبة وقلق الامتحان، وبالتأكيد سوف يكون له مردود ايجابي.
===========
صداقات لتمضية الوقت
مؤسسة البلاغ
وما دمنا في محيط الصداقة والأصدقاء ، فإن ثمة مفهوماً خاطئاً آخر يواجهنا في هذه الرابطة الانسانية التي يريد لها الاسلام أن تكون صحبة صالحة ، وعلاقة وطيدة تعين على الدنيا والآخرة .
فالصداقات اليوم ـ في العديد من نماذجها ـ هامشية سطحية تهدف إلى اللهو والثرثرة والسمر وتمضية الوقت ، إنّها أشبه شيء بالقميص الذي يملّ الشاب أو الفتاة من لبسه فيميلان إلى استبداله بآخر .
هذا اللون من الصداقات لا يقوم على أساس متين ، ولذلك فإن أركانه تنهار بسرعة سريعة ، فما أن يختلف الصديقان ، أو المتعارفان على أمر أو موقف أو حاجة معيّنة ، حتى يتحوّلا إلى عدوّين متصارعين لا يراعي أحدهما حقاً أو حرمة للآخر .
إنّها صداقات وزمالات تجتمع بسرعة وتنفرط بسرعة .. قد يجمعها العمر .. أو المدرسة ، أو المحلّة ، أو النادي ، ويفرّقها : خلاف بسيط في الرأي ، أو مهاترة كلامية ، أو نزاع على فتاة ، أو سخرية لاذعة ، أو خديعة ، أو الخضوع لإيقاع طرف ثالث .. وهكذا .
إنّ حجر الأساس القويّ الذي تحتاجه الصداقات الحقيقية ، هو الإيمان بالله ، والأخلاق الكريمة ، والتقارب الثقافي ، والانسجام العاطفي ، والمواهب المشتركة ، ومعرفة حقوق الصديق ورعايتها .
وإلاّ فصداقة لاهية ، أو عابرة ، أو مجرد تمضية وقت ، ستنقلب على أطرافها وبالاً (يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني )() ، (الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌّ إلاّ المتّقين )() .
إنّ اختيار الرفيق قبل الطريق قد يكون مهماً في السفر من مكان إلى آخر ، لكنّه أكثر أهمية في السفر الدنيويّ إلى الآخرة . فنحن بحاجة إلى الصديق الذي يقوّي إيماننا ، ويزيد في علمنا ، ويناصرنا على قول وفعل الخير والحقّ ، وينهانا عن قول وفعل الباطل والمنكر ، ويدافع عنّا في الحضور والغياب ، وليساعدنا وقت الضيق والشدّة ، ولذا قيل : «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم مَنْ يخالل» .
الصداقة إذن عقد وميثاق أخوّة وتناصر وتباذل تزداد مع الأيام والتجارب وثاقة ، وليس لعبة نقبل عليها للتسلية ثمّ إذا مللناها تركناها .
balagh.com
=============
حركات رياضية لمن لا يملك الوقت الكافي
الوقت الذي تستغرقه عملية سلق بيضة يمكن استغلاله لمزاولة الرياضة وتعزيز اللياقة البدنية، وبناء قوة العضلات وزيادة مرونة الجسم. وبينما الفكرة الشائعة لدى معظم الناس هي ان الذهاب الى الصالة الرياضية او الجري لمدة ساعة هو افضل خيار للحفاظ على لياقة الجسم ومنع زيادة الوزن فإن ممارسة الرياضة لمدة عشر دقائق يومياً ثلاث مرات على الاقل في اليوم دون ارتداء الملابس الضاغطة او حتى استخدام المعدات الرياضية يمكن ان يحقق منافع صحية مماثلة.
وقد لا تبدو العشر دقائق كمدة كافية لعمل اي شيء ينتهي بتحسين لياقة الجسم على الرغم من ان الأدلة تشير الى عكس ذلك.
فالحاجز الاكبر الذي يمتلكه الناس حيثما يتعلق الامر بالرياضة هو التوهم بعدم امتلاك الوقت الكافي على حد قول جلين جيسر استاذ فسيولوجيا الرياضة بجامعة فيرجينيا في الولايات المتحدة.
وما يعزز هذه الفكرة هو اعتقاد البعض بضرورة تغيير ثيابهم وارتداء الملابس الرياضية للذهاب الى الصالة الرياضية، وممارسة التمرينات لمدة نصف ساعة وافراز الكثير من العرق ثم اخذ دوش. وكل من هذه الحواجز تتراكم وتسبب نفوراً لدى الناس من الرياضة.
ويظهر عدد من الدراسات بما فيها الدراسة التي اجراها جيسر في العام 2001 ان الرياضة التي تجرى على فترات قصيرة يمكن ان يكون لها منافع مشابهة لجلسة الرياضة المطولة. وفي دراسة جيسر طلب من اربعين امرأة لا تزاول اي نشاط رياضي ادخال جلسات متقطعة تستغرق كل واحدة منها عشر دقائق من المشي وبناء العضلات وتمرينات المرونة ضمن جداول اعمالها على مدى اسبوع.
وبنهاية الدراسة التي استغرقت ثلاثة اسابيع تحسنت اللياقة البدنية لدى المتطوعات بنسبة 10% وهو ما لا يراه جيسر تحسناً كبيراً لكنه يعتبره تحسناً معقولاً ، حيث ازدادت قوة العضلات بنسبة 20 الى 60% وبلغ الوزن المفقود ثلاثة ارطال في المتوسط، ولم يتم اخضاع النساء لحمية غذائية لكن طلب منهن ادخال اغذية اكثر غنى بالألياف في نظامهن الغذائي.
وقال جيسر ان برنامجه الرياضي ليس الافضل لكنه حاول خلق برنامج يزيل الحواجز الموجودة في اذهان الناس بشأن الرياضة.
وقال ان بعض المتطوعات في الدراسة اعجبتهن النتائج التي حققنها فلم يشأن التوقف عن الرياضة بعد انتهاء الدراسة.
وهناك دراسة اجراها باحثو جامعة الستر في شمال ايرلندا اختبروا فيها 21 رجلاً وامرأة نصفهم كان يمشي لثلاثين دقيقة متواصلة ونصفهم يقسمها على ثلاث جلسات مدة كل واحدة منها عشر دقائق.
وقد اظهرت كلتا المجموعتين تحسناً في مستوى اللياقة البدنية وانخفاضاً في معدل ضغط الدم وشعروا بتوتر وقلق اقل.
والمشي ليس الرياضة الوحيدة التي يمكن مزاولتها خلال عشر دقائق فركوب الدراجة الثابتة وصعود السلالم او مزاولة الرياضة مع شري فيديو او المشي في المكان او بالاحرى تحريك القدمين دون قطع مسافة كلها تعزز قدرة القلب على العمل وتحقق منافع بدنية.
وتمرينات القوة يمكن ممارستها بقليل من التكرار باستخدام اثقال او احمال خفيفة، او الاعتماد على مقاومة الجسم مثل تمرينات البطن.
ويمكن البدء بالتمرينات ببطء ثم المسارعة بها كبديل عن تمرينات الاحماء والتبريد ومعاودة البطء.
ومزاولة الرياضة في جلسات قصيرة هو امر ينصح به الاطباء وخبراء الرياضة كبداية لتشجيع الناس على التعود على الرياضة. كما ان الاشخاص الاكبر سناً يناسبهم هذا النمط من النشاط الرياضي اكثر.
وهناك من يرى ان مزاولة الرياضة لفترة طويلة مخالف الفطرة البشرية والميول الطبيعية ولذلك فإنهم يشجعون على مزاولتها عبر جلسات قصيرة. ويجادل شون هاجبرج اخصائي الانثروبولوجيا الطبية ان كل اشكال السلوك الحيواني يعتمد على الجري لفترة والتوقف لا الجري لفترة طويلة.(1/375)
ولا يجد جيسر ضرورة لاستخدام الاجهزة الرياضية المعقدة التي تعتمد على قياس النبض وحساب السعرات الحرارية وهو يقول ان تسارع التنفس دون انقطاع النفس هو مؤشر كاف.
ولتجنب الملل ينصح جيسر بتنويع الحركات الرياضية كالمشي في المكان للامام وللخلف وللجانبين وحمل دليل الهاتف وغيره مما قد تبتدعه مخيلة المرء.
=============
هل فكرتَ بمنحها قلبكَ وقليلاً من الوقت؟
هل فكرتَ بمنحها قلبكَ ؟
* خولة القزويني
حديثي هنا لا يأتي من فراغ أو بناء على تحليل شخصي، وإنما هو حصر لمجموعة كبيرة من المشكلات أتت إليّ دفعة واحدة في فترة زمنية متقاربة:
يشكو الرجل من الفتور العاطفي للمرأة وخشونة طباعها ومن ثم تمردها على دورها الأنثوي فيسمح لنفسه أن يغرق في غيابه وعجرفته دونما البحث عن سبب لهذه الأزمة النفسية أو علة لهذا التغير والنفور ففي قناعاته الشخصية يبحث عن مخلوقة متكاملةم ن حيث تلونها على جميع الأدوار كزوجة وأم وعشيقة وصديقة تلعب بمهارة وتتشكل بمنتهى الدقة لتفوز بقلبه ولتحظى عنده بمكانة كبيرة، ولكنه ذا المخلوق لم يفكر ان وراء هذه العملية دوافع ومحركاً فاعلياً نفسياً يستثير فيها تلك الرغبات ويفجر فيها حمم العاطفة، فالكلمة الطيبة بوجه الزوجة عبر ابتسامة راضية قانعة تثري في قلبها مشاعر الرضا وتغمرها بفيض من السعادة، ليجعلها ترضى بأقل القليل وقانعة بأدنى اليسير، والإمام علي بن أبي طالب يقول: (المرأة ريحانة وليست بقهرمانة)، فالرقة والنبل والاحترام لمواقفها اضافة لغفران أخطائها سيخلق من شخصيتها شيئاً جديداً ومتفتحاً للحياة.
تشكو الكثير من الزوجات من سلبية الزوج وعدم اكتراثه بمتطلبات الزوجة ورغائبها، فتراه يغيب عن البيت ساعات طويلة دون أن يتفقد أولاده وحاجاتهم وتحصيلهم العلمي. فمعظم الأمهات يقمن بدور كبير في تدريس الأولاد وإعداد لوازم البيت والقضايا المعيشية فتستهلك الزوجة عصبياً ونفسياً وتود في قرارة نفسها لو تجد يداً رحيمة تربت على كتفها ولساناً شاكراً يهدهد أمانيها الجميلة فتتصرف بلباقة وامتنان.
الرجل في مجتمعنا ينقاد لطبيعته الجافة، ضارباً عرض الحائط أحاسيس هذه المرأة التي تضطرب وتتشكل بفعل الظروف العامة القاسية التي تفرض عليها قسراً، وأمورها الخاصة التي تكتنفها في حالة الحمل والولادة والتربية القاسية مع المسؤوليات المتضاعفة عن كثرة الأولاد، وفي زحمة هذه الأمور يرغب الزوج امرأة عاشقة والهة قمة في الأناقة والإثارة تستطيع أن تفرمل وبمهارة هذه الضغوط لتتباعد عنها حسب رغبته لتبرز في صنعة جديدة تقذفها الحياة كالساحرة أو الأسطورة، ناهيك عن تحميلها مسؤولية فشل الأولاد في حياتهم الدراسية والتربوية.
كل امرأة تتمنى أن يجمعها وزوجها حوار دافئ وايجابي في أية أزمة أو مشكلة تنبثق فجأة ودون مقدمات، فسلبية الرجل وترفعه المفتعل يشعلان فتيل معركة كلامية حادة بينهما، وأمام أعين الأولاد تقذف المرأة بالشتائم والسباب واللعنات وتهان كرامتها أمام الآخرين فيسقط اعتبارها كانسانة محترمة لتحبط وتنتكس انتكاسة مرضية تنمو مع الأيام، هذا الرجل يبحث عن الراحة جاهزة معدة له إعداداً مرتباً ومنسقاً كما لو كان صبياً في بيت ذويه.
أي رجل يستطيع أن يقرب المسافات بينه وبين زوجته عبر حالة شعورية متدفقة من ذاته ليحيط امرأته بكل صنوف الحنان والرعاية لتقترب منه وتخطو خطوات ايجابية نحو كل المتاعب لتتفاعل معها بتوازن وتجتازها بنجاح.
المرأة في مجتمعنا أصبحت كالزهرة الذابلة لفرط الاجتهاد والجفاف والعناء، لم تشعرها حيوية الرجل العاطفية بأي شيء من الحب والدفء والارتياح.
فالتودد العاطفي للمرأة ضروري جداً حتى تتفتح مساماتها العطشى لحب الحياة ولإشعال حرارتها بكل مشاعر السعادة لتعطي، لتضحي لتتنازل عن قناعة، وعن طيب خاطر، ولسنا بغافلين عن أخلاق رسول الله (ص) كزوج حينما يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
ويصف في مقام آخر النساء ترفقاً بهنّ (رفقاً بالقوارير).
ان ما يطلب من الرجل ليس بالأمر العسير، وليس بالشيء الذي يفوق الوصف والاحتمال، ففي لحظة خاطفة من عمر الزمن يغوص في ذاته ويتعمق في كيانه ليدرس نفسه ويغير من أسلوب معاملته حتى يذيب الحواجز الجليدية التي صنعها الروتين والرتابة، ثم يقف وقفة تأمل صامتة ليحاسب نفسه على مهل، ويتفكر ملياً ليفهم ان مفاتيح السعادة مخبوءة في أعماقه يستطيع أن يفجر مكامنها عبر وسائل كثيرة ومتعددة، وطاغور كان يقول: (الأشياء الصغرى عند المرأة هي أشياؤها الكبرى).
القضايا التي يظنها تافهة ولا قيمة لها قد تكون غاية في الأهمية عند المرأة، فالكلمة الطيبة، التعبير عن الحب، الإمام الصادق (ع) يقول: (كلمة الرجل أحبك لزوجته لن تذهب من قلبها أبداً). الإقبال عليها بهدية بسيطة تسر قلبها وذلك عبر مناسبة يختلقها بحذاقة وكياسة لتشغل مشاعر الرضا كذلك تقدير متاعبها، ترتيب المسؤوليات بينهما وتنظيم الحياة لكي يخفف عنها الكثير من الأعباء، اطراء محاسنها، زرع ثقتها في نفسها، احترامها أمام الناس، كل هذه الأشياء قد تكون بلسماً شافياً لكثير من الجروح.
ورسول الله (ص) يقول: (عليكم بالزوج المؤمن فهو عن أحب المرأة أكرمها وإن لم يحبها فإنه لا يهينها).
فكثير من النساء بحاجة إلى هذا المخزون الروحي ليبدد ظلمة التعاسة والإحباط في نفوسهن الراكدة.
إنها تتعب .. تلك المخلوقة الساكنة إلى قلبك .. تدور في دائرة من المسؤوليات:
الوظيفة، البيت، الأولاد، تقوم بمهام مزدوجة في وقت واحد، هل فكر هذا الرجل في أن يمنحها قلبه، وقته، جهده، حبه، نوعاً من التقدير والاحترام؟
هل صارت الحياة مجرد دولاب قاس من الجفاء والروتين يجرفنا نحو مستقبل دون أن تتمهل في محطات خاطفة للاسترخاء والراحة؟
لم أصبحت المرأة الأخرى التي يبحث عنها في الظل منتهى الحلم ومنتهى الغاية تلفها المزايا والحسنات كما لو كانت قطعة من الجنة؟! ربما كما قيل في الأمثال مغنية الحي لا تطرب .. قد يعيش الرجل مع المرأة سنوات طويلة دون أن يفهم نفسيتها أو حتى طباعها أو يتأقلم مع شخصيتها كأنها مخلوقة غريبة جاءت إليه من كوكب آخر، ويرى في غيرها من النساء المثالية المنشودة، وهذا قد يكون ضرباً من ضروب الوهم، لأنه لم يقترب من امرأته اقتراباً نفسياً، وبالتالي لم يفهمها، لم يتحسس مشاعرها الدفينة رسم على عينيه منظاراً قاتماً فتاهت عيناه عن حسناتها وجمالها الداخلي الحقيقي.
الكبرياء المزيف الذي يفتعله وهو بصدد التعامل المعيشي مع الزوجة، الذي يعبر في مضمونه عن رغبة حقيقية ملحة في الترفع عن أنوثة المرأة، واعتبارها ضعفاً لا ينبغي النزول إليه لأنه انحطاط في الرجولة وضعف في الشخصية، وكلها مشاعر مزيفة ترسبت عبر عوامل تربوية خاطئة فتنمو الفجوة على مر السنين ويضطرم وار القسوة والجفاء لتحتدم مع نوازع المرأة الفاترة الهامدة .. فنقف أمام مشكلة اجتماعية ونهز رؤوسنا في حيرة: ما هو حل المشكلة؟!
الحل كامن في نفوسنا، يضطرب مع خلجاتنا، سهل يسير، لا عليك أيها الرجل إلا أن تحتوي المرأة لتحمي الحياة من الاضطراب.
==============
عشر نصائح تجعلك تغادر مكتبك مبكرا
نسيم الصمادي
التنظيم الخارجي يساعد إلى حد كبير على التنظيم الذهني
يستكشف هذا الكتاب المفاتيح الرئيسية العشرة التي تحسن نتائج الأعمال، وتقلل التوتر، وتوفر الوقت في عالم أعمال اليوم،(1/376)
كما يقدم استقصاءات ونصائح قد تقودك إلى نتائج ايجابية وتجعلك تغادر مكتبك مبكراً، بدلاً من صرف معظم حياتك فيه.
* يمكنك تفصيل المعلومات الواردة بهذا الكتاب حسب احتياجاتك الشخصية عن طريق التركيز على مناطق المشكلات، مثل مضيعات الوقت، ومشتتات الذهن، وتخمة البريد الالكتروني، وفقر التنظيم، واتباع الحلول الواضحة التي يقدمها هذا الكتاب. ومن خلال هذه النصائح ستجد أنك تعمل بشكل اكثر فعالية وتصبح أكثر انتاجية في كل مجال من مجالات حياتك، بحيث تعيش في النهاية حسب أولوياتك الحقيقية. ولن تعمل فقط بشكل أسرع، بل ستعمل بشكل أفضل وتقلل التوتر، والأهم من كل ذلك أنك ستغادر مكتبك مبكرا!!
يستعرض الكتاب العناصر العشرة الرئيسية التي أشرنا إليها في البداية كالتالي:
1 ـ حسن الاستعداد، أي التخطيط والجدولة، بمعنى وضع خطة معينة لأعمالك اليومية. ففكرة الكثيرين عن الأهداف تنحصر في الأهداف طويلة المدى ولا يعلمون أصلا أن هناك أهدافا يومية تساعد على تحديد ثم تحقيق أهداف المدى الطويل. فالمبدأ الأساسي هنا هو أن نعي تماما أن تنظيم حياتنا اليومية هو أول خطوة نحو تنظيم أهدافنا على المدى الطويل، خاصة في حياتنا العملية.
2 ـ تقليل تأثير المثبطات، أي مضيعات الوقت ومبطئات السرعة: والسبب الرئيسي وراء ذلك هو محدودية الوقت المتاح لنا، فتكون النتيجة الطبيعية هو محاولتنا الإسراع بكل ما نقوم به، أو إطالة يوم العمل عن طريق العمل لساعات أكثر، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة التوتر ضمن عديد من الآثار السلبية الأخرى. وللأسف فإن النتيجة الحتمية لذلك هو زيادة الاهتمام بالكم على حساب الكيف. فإذا تمكنت من تقليل مضيعات الوقت، التي قد تعتبرها أنت صغيرة، لكنها تلتهم اليوم تماما، فستتمكن من العمل لساعات أقل مع تحقيق إنجازات أكبر، وهو الهدف الأساسي لهذا الكتاب.
3 ـ التنظيم، أي الترتيب ووضع الأنظمة: ويرتبط ذلك الأمر بمدى سيطرتك على أوراق العمل ورسائل البريد الالكتروني وأية معلومات واردة إلى أو من مكتبك. وتعريف التنظيم في الحياة العملية هو «القدرة على فرز ومعالجة المعلومات بشكل فعال»، كما يتضمن ذلك التعريف أيضا القدرة على معرفة ما تريده، ومتى. لكنه يتضمن، بالإضافة إلى ما سبق ـ وهو ما يثير دهشة الكثيرين ـ أيضا التنظيم الخارجي والظاهري للمكتب، أي تنظيم الأوراق والملفات، سواء الورقية أو الالكترونية. فالتنظيم الخارجي يساعد إلى حد كبير على التنظيم الذهني.
4 ـ الالتزام، أي المثابرة في تتبع مهامك والإصرار على استكمالها، مع مقاومة كل ما من شأنه أن يشتت ذهنك. ومنه أيضا الالتزام بمستوى معين من العمل الجاد كما وكيفا بشكل يومي، مع عدم السماح للمزاج أو المشتتات بالإخلال بهذا الالتزام.
5 ـ القلق، بسبب التوتر وزيادة الأحمال، وكلها من سمات الحياة العصرية. ولن يمكنك التحكم في كل العوامل المحيطة بك، ولكن يمكنك التحكم في العوامل الداخلية التي تخصك وحدك. ومنها ردود فعلك إزاء تلك المؤثرات وزيادة الأحمال. ومنها ألا تترك نفسك نهبا للقلق، بأن تتعرف على العوامل التي تسبب لك هذا القلق وتضعها في حجمها الصحيح، وأن تعاهد نفسك وتلزمها بألا تكون ضحية لها.
6 ـ التركيز، أي الانتباه. يتنافس ـ بل يتآمر ـ على تركيزنا ـ أو بالأدق على الإخلال به ـ عدة عوامل، خاصة في حياتنا العصرية وهذا الكم الهائل من الضغوط التي نتعرض لها. هذا رغم ما للتركيز من درجة وأهمية قصوى بالنسبة لحياتنا العملية ونجاحنا العملي. ويندرج تحت بند العوامل المتآمرة تلك الزملاء الثرثارون، والسرحان، وعدم تنظيم الأفكار. أما أدوات التركيز التي يقترحها الكتاب فتتضمن تدوين الأفكار بالورقة والقلم، وتجنب الأماكن المزدحمة بالزملاء الثرثارين، والتعامل بحزم معهم، وعدم القيام بأكثر من مهمة أو عدد محدود من المهام في ذات الوقت.
7 ـ السيطرة على الوقت، أي إدارة الذات والأنشطة. لا يتعلق هذا الأمر فقط بعدد أو كم المهام التي تؤديها أو تنجزها خلال اليوم الواحد، بل يتعلق أيضا بأهمية هذه الموضوعات وأولويتها بالنسبة لك. وبالنسبة لحياتك العملية تعني السيطرة على الوقت الالتزام بمواعيد تسليم المشروعات أو التقارير، سواء مع الزملاء أو الرؤساء أو العملاء أو الموردين. وتمتاز السيطرة على الوقت بأنها أداة نفسية رائعة لإشعارك بالإنجاز في نهاية كل يوم. ومن مزاياه أيضا تقليل التوتر، وهو ما يضيف إلى يومك كما وكيفا.
8 ـ إدارة المعلومات، أي الأدوات والتكنولوجيا. فبعد أن كانت ثورة المعلومات تعمل لصالحنا تماما ولزيادة معلوماتنا، زاد الأمر عن حده ـ عملا بالمثل الدارج ـ فانقلب إلى ضده. فقد أصبحنا نعاني من تخمة المعلومات، مما أصبح يتطلب منا مجهودا مضاعفا لتنظيم تلك المعلومات وفرز المفيد من غير المفيد. وقد تكون تلك الخطوة أهم من تداول المعلومات ذاتها.
9 ـ الحيوية، أي الاهتمام بالذات. تفرض علينا الحياة العصرية للأسف نمطا غير صحي للعيش. لذلك يجب علينا أن نتعمد اتباع منهج صحي، وألا ننجرف مع التيار السائد الذي يفرض علينا. فصحة البدن لها دور كبير في نجاحك العملي. فهي تساعدك على المثابرة والتفكير السليم والتركيز ..الخ. والنتيجة إنتاجية أفضل كما وكيفا.
10 ـ التوازن، أي وضع الحدود والموازنة بين الزوايا المختلفة لحياتك، خاصة الجانبين الشخصي والعملي. وأهم مبدأ هنا هو التنظيم، وعلى رأسه تنظيم الوقت. أما المبدأ الثاني فهو الفصل التام بين الجوانب المختلفة. والمبدأ الثالث هو التقسيم العادل لكل جانب، وإعطاء كل ذي حق حقه.
*المصدر : الشرق الاوسط
=============
هل أنت مستعد لاستثمار الزمن؟
عبد الله أحمد اليوسف
من أجل تنظيم واستثمار الوقت بصورة علمية وعملية، عليك بتطبيق القواعد الذهبية الآتية:
1 ـ حدد قائمة بأهدافك:
لكل شخص منا أهداف يرغب في تحقيقها، ومن المهم تحديد قائمة بالأهداف التي تسعى للوصول إليها، سواء كانت على الصعيد الشخصي أو العائلي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو العلمي أو المهني.. فوضوح الأهداف وبلورتها تعتبر الخطوة الأولى لاستثمار الزمن بطريقة فعالة، في حين أن الضبابية، وعدم وضوح الرؤية، وعدم تحديد الأهداف بدقة يجعل الانسان يتخبط في حياته كلها، وقد لا يصل إلى أي شيء مما يطمح إليه.
إن بعض الشباب يضيعون حياتهم لأنهم لم يحددوا لأنفسهم الأهداف التي يرغبون في تحقيقها، وبالتالي يتعاملون مع الوقت كسلعة زهيدة!
فإذا كنت ممن يرغب في الاستفادة من الوقت وإدارته بطريقة صحيحة فعليك في البداية تحديد قائمة بأهدافك في الحياة بدقة ووضوح، ثم اعمل بجد واجتهاد من أجل الوصول إليها.
2 ـ رتب قائمة بأولوياتك:
بعد تحديد الأهداف بدقة، يجب ترتيب الأولويات، عملاً بالقاعدة القائلة: (ابدأ بالأهم ثم المهم) وهذا يعني أن تحدد قائمة بأولوياتك حسب الأولوية والأهمية.
خذ مثلاً على ذلك: أنت تريد أن تتزوج، وتشتري سيارة فاخرة، وتبني لك منزلاً فخماً، فمن أي هذه الأمور ترغب في تحقيقها أولاً؟ هل الزواج ثم السيارة ثم المنزل؟ أم السيارة ثم الزواج ثم المنزل؟ أم المنزل ثم السيارة ثم الزواج؟! وعلى ذلك قس بقية الأمثلة.
وهكذا، فإن تحديد قائمة بالأولويات له الدور الأكبر في سير الأمور كما يجب، وفي الوصول إلى الأهداف المرسومة، وإلا تحولت حياتك إلى خبط عشواء قد يصعب تنظيمها فيما بعد، وقد تخسر الكثير من الفرص، وقد تصبح في نهاية القافلة!
3 ـ ضع خطة يومية:(1/377)
من المهم جداً تحديد قائمة بالأعمال التي يجب إنجازها خلال اليوم الواحد، وعليك بتدوين تلك الأعمال في ورقة صغيرة أو دفتر مذكرات، كي لا تنسى ما يجب عليك عمله وذلك عملاً بالقاعدة المعروفة: (لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد) لأنه سيكون في الغد أعمال جديدة، وإلا تراكمت عليك الأعمال، وقد تتزاحم إلى درجة قد لا تستطيع معها إنجاز أي عمل حقيقي.
ومشكلة الكثير من الشباب هو التأجيل المستمر، والتسويف الدائم، والتأخير بلا مبرر، وهكذا يمضي الزمن، بدون أي إنتاج أو عمل، وقد لا يدركون هذه الحقيقة إلا عندما يصبحون غير قادرين على العمل والإنتاج بفاعلية!
إن على كل من يريد استثمار وقته بطريقة منظمة، أن ينجز أعماله في الوقت المحدد، وأن لا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، وإلا فسوف يؤجل إنجاز أعمال الغد إلى ما بعد الغد.. وهكذا يستمر التأجيل والتأخير والتسويف، ويتقلص العطاء والإنتاج والفاعلية، وتتراكم الأعمال بعضها فوق بعض، وهذا هو سر من أسرار من يكون في نهاية الطريق، وإن شئت أن تكون في البداية والطليعة والرواد فليكن شعارك: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد!
4 ـ استثمر الوقت الضائع:
الوقت الضائع يعني ذلك الجزء من الوقت الذي خصصته لإنجاز أعمال ذات أهداف معينة إلا أنه حال دون تحقيقها وجود معوقات غير متوقعة.
والأمثلة على ذلك كثيرة: فقد تكون ذاهباً للسفر بالطائرة، فيتأخر موعد الإقلاع لفترة قد تقصر أو تطول، وقد يتأخر الضيف الذي تنتظره على الغذاء أو العشاء عن الموعد المحدد، وقد يكون الصف طويلاً جداً حتى يصل إليك الدور سواء في البنك، أو لشراء تذكرة سفر، أو لإنجاز معاملة ما في دائرة ما، وعلى ذلك قس بقية الأمثلة.
في مثل هذه الحالات وما أشبه عليك استثمار وقتك فيما يفيد ويمتع، كأن تقرأ كتاباً أو صحيفة أو مجلة، أو تمارس رياضة التفكير، أو تتحاور مع من يكون بجانبك، أو تمارس الكتابة، أو تنجز أعمالاً صغيرة، وربما تستطيع إنجاز بعض الأعمال الكبيرة ولو من خلال الاستفادة من وسائل الاتصال السريعة كالهاتف والانترنت.
5 ـ تعامل مع الطوارئ بذكاء:
إذا طبقت القواعد الأربع التي ذكرناها ـ فيما سبق ـ فإنك تكون قد خططت ونظمت وقتك بطريقة فعالة ومنتجة، ولكن مع ذلك عليك أن تضع في حسبانك ما قد يحدث من طوارئ قد تضطرك إلى الإخلال بجدولة أوقاتك، والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها:
ـ زيارة غير متوقعة من أحد الأصدقاء أو الثقلاء من غير موعد مسبق!
ـ اتصال هاتفي يستغرق وقتاً طويلاً وبدون أن يكون له أي ارتباط بالعمل أو أية فائدة تذكر!
ـ مرض أحد أفراد العائلة، أو حدوث مشكلة غير متوقعة أصلاً!
ـ عطل في السيارة يلغي كل برنامجك أو بعضه في الوقت الحرج!
وفي مثل هذه الحالات الطارئة وغير المتوقعة عليك أن تتعامل معها بذكاء وهدوء، ولا تجعل التوتر يسيطر عليك بل عليك في بعض الأحيان أن تتسم بالمرونة، وفي أحيان أخرى بالحزم والشجاعة، فلكل حالة طريقة من المعالجة. والمهم أن تكون خطتك جاهزة للتعامل مع الطوارئ.. فهل أنت على استعداد ذلك؟!
والآن.. خذ قلماً ودفتر مذكرات، وقم بهندسة وقتك وتنظيمه حسب القواعد الذهبية في التعامل مع الوقت.. فهل أنت جاهز لذلك؟!
==============
الإحساس بالزمان ودوره في علاج الانسان
* د. حسن عباس زكي
ما هو الزمن؟
إن إدراك الوقت يختلف إلى إدراكات متعددة، تبعاً للأشخاص والظروف.. فوقت الفيزيقي ليس كوقت الشاعر، وزمن الصوفي، ليس كزمن الباحث.
ونحن هنا نبحث عن زمن التجربة، أي أنواع الزمن التي نشعر باه .. فقد تعود الكثيرون منا على أن الوقت يستعبدنا، فنحن لا نأكل إلا حينما نجوع، ولا ننام إلا حينما نشعر بالحاجة إلى النوم .. ولكن نأكل في موعد محدد مسبقاً، وننام في موعد معين، وهكذا .. ولذلك فان الزمن الذي يقاس هو الزمن الطولي، فهناك ساعة في يدنا، وفي الشارع، وفي المكتب، وفي السيارة، وفي كل مكان .. وهذا يفرض على أن أعيش في الزمن الطولي.
والواقع أننا إذا لم نهتم بالوقت، ونعطي اهتماماً له، فإننا لا يمكننا أن نكون كما نريد أبداً. وأكثر مَن اهتم بالوقت اهتماماً بالغاً هم الصوفية والمتدينون، لأنهم يعلمون علم اليقين: أن أول ما يُسأل عنه المرء بعد موته، هو عن عمره فيما أفناه وشبابه فيما ضيعه .. ولذلك فهم يعيشون في حاضر مستمر.
ويرى بعض الفلاسفة: أن الساعة رمز الموت، وأننا نحمل في أيدينا ما يذكرنا بالموت، ونحن نراقب الزمن ونركز عليه، بما يجعله يسيطر علينا .. فالمراقبة الدائمة للوقت ومتابعته، تجعلنا نحن الذين في خدمة الوقت، لا أن الوقت هو الذي يخدمنا .. ولا ننسى أننا نحن أنفسنا ساعات حية، تتأثر بمشاعر داخلية ودورات نفسية.
- الإحساسات الشعورية وترتيب الحوادث زمنياً:
في صميم نظرية النسبية، نجد الإشارة إلى أنه: ليست الحوادث الخارجية هي التي تمدنا بالشعور بالأفكار، عن كيفية ترتيب الحوادث زمنياً .. ولكن الذي يمدنا بذلك هو إحساساتنا الشعورية: فأنا حينما أرى شيئاً، أراه عن طريق انتقال الضوء من الشيء إلى عيني، ولذلك فمن المستحيل أن أرى الشيء على حقيقته، وقت حدوثه، في نفس الزمن .. فالشمس أراها الآن في هذه الثانية، حينما كانت منذ عشر دقائق مثلاً، فنحن لا نرى الأشياء كما هي، ولكن نرى آثارها على حواسنا.
والنظرة الحديثة للتعرف على الحقيقة: هي أنني لا أرى الحوادث الخارجية في وقت معين، على أنها هناك في ذات الوقت .. فالشمس التي أرها ما هي إلا انعكاسات داخل عيني، وتعطيني الشعور ببعدها، فالصورة الحقيقية الحديثة للحوادث هي أنها أشبه بسجادة تجمع إحساساتي ومشاعري والزمن والمكان والضوء وكل هذه تمثل الخيوط المكونة للسجادة، التي هي الحادثة.
- تباين إحساس الإنسان بالزمان:
إن إحساس الانسان بالوقت يختلف تبعاً لسنه: فالطفل في سنته الأولى ليس لديه أي إحساس بالزمن، ويعيش في حاضر مستمر .. وبعد سنتين يبدأ الإحساس باليوم، وبعد سنتين ونصف، يبدأ إحساسه بمعنى باكر، ثم أمس، ثم الصباح والمساء وبعد أربع أو خمس سنوات، يبدأ بمعرفة اليوم .. وفي سن ستة عشر عاماً، يكون قد استكمل الشعور الكامل بالزمان.
وبالنسبة لمن يتعاطى المخدرات: يتأثر شعوره بالزمن والمغالاة فيه .. فقد يثبت أن الذي يتعاطى الماريجوانا، يزداد شعوره في تقييم الوقت، ويزيد حجم المعلومات التي يشعر بها في وقت ما .. ولذلك فان ساعة زمنية عنده، يشعر كأنها ثلاث ساعات.
وبالنسبة لمن يمارس تمارين التأمل: فإن ساعة تأمل عميق عنده، تمر كأنها خمس دقائق .. وكذلك حينما نكون مستغرقين في بحث ما بعمق، فإننا نندهش حينما نجد أن الوقت قد مرّ بسرعة، ونشعر بأن إحساسنا بالوقت اتسع، أننا غرقنا في الزمن .. أما إذا كنا نعمل في شيء نكرهه، فإن إحساسنا بالوقت يضيق، والزمن يبطئ، ونجد أن خمس دقائق تمر كأنها ساعة .. وبالرغم من أن إحساسنا بالزمن يضيق، فان إحساسنا بسير الزمن يتسع.
* كيف يمكن تعديل الإحساس بالزمن؟
من المعلوم أن علم استرجاع المؤثرات الذي يعتمد كثيراً على التخيل، في الوصول إلى تغييرات فسيولوجية موجهة، له تأثير واضح على تعديل الإحساس بالزمن .. والتأمل والاسترخاء لهما تأثيرات مماثلة وكلها تعمل على اتخاذ اجراءات فنية، توسع إحساس الشعور بالزمن، للقضاء على الألم.(1/378)
إن الرسالة التي ترسلها الساعة إلى الإنسان هي: أن الزمن يمر، وأن الحياة تستهلك وتنتهي، فعليك العمل بسرعة .. ولذلك فان الشعور بالاستعجال، يعمل على إسراع بعض الوظائف الرتمية، مثل ضربات القلب، فتجعلها تدق بنغمة أسرع وكذلك التنفس، وقد يعقب ذلك زيادة ضغط الدم ـ أي ترافعه ـ وكذلك بعض الإفرازات الهرمونية .. كل هذا كتجاوب ونتيجة للقلق، أو لبعض مشاعر أخرى يحتويها القلق، كعدم الرضا أو الغضب، أو الحقد أو الغل أو الحسد، أو غيرها.
أي أن شعورنا بسرعة الوقت وإعدام الزمن ـ أي إنهاؤه ـ تؤدي بساعات جسمنا الحيوية إلى الإسراع، مما يؤدي إلى أمراض التسرع: كأمراض القلب، وضغط الدم، أو إضعاف قوة المناعة، مما يؤدي إلى فتح الباب، لاستقبال أمراض مختلفة كثيرة.
وقد أثبتت بعض التجارب بمعرفة (Cooper & Aygen) أن المرضى لو تعلموا: كيف يجلسون جلسات خاصة للتأمل، لتعديل الإحساس بالزمن، فإن ضغط الدم والكولسترول ينخفضان بنسبة 20%..
ونحن نرى: أنه كلما تعود الانسان على التأمل والصلاة والذكر، وهي كلها صور للتعرف على حقيقة الوجود والعبادة الحقة .. فإنه يمكن لذلك الانسان أن يفهم معنى الحاضر الذي لا يغيب، والحاضر الدائم، وبذلك يصبح الزمن بالنسبة للانسان شيئاً مفهوماً، وليس ظاهرة مقلقة، أو تحمل في ثناياها ما يدعو إلى القلق ويترتب على ذلك أن تظهر الحوادث (كالمرض مثلاً) أقل إزعاجاً، كما أن الحوادث التي تحمل الألم أو القلق أو الإزعاج أو الأخبار التراجيدية، والتي تعودنا أن ننزعج منها بما يؤثر على أفكارنا، تصبح تلك الحوادث أقل ألماً، ونكون نحن أكثر استعداداً لامتصاصها، وتمر علينا بتأثير أقل بكثير مما اعتدنا عليه .. كما أن الإحساس بالوقت، الذي ينطوي على الخوف من المستقبل أو الموت، يبدأ في الاختفاء.
ويجب أن نعلم، أنه من الناحية الطبية: فإن الخوف والقلق والإثارة، والخوف من الموت، كل هذه الحالات تؤدي إلى زيادة ضغط الدم، وزيادة ضربات القلب وزيادة إفراز الأدرينالين، الذي يؤدي عادة إلى زيادة ضغط الدم، وزيادة ضربات القلب بصورة أبر، مما يؤدي إلى عدم التوازن الكهربائي بين المخ والقلب .. ولمقابلة ذلك كله: يحتاج الأمر إلى زيادة عمل القلب، مما يستلزم إسعاف المرضى بالأوكسجين.
==============
العولمة ومستقبل العمل
أحمد أبوزيد
تسيطر على معظم الكتابات عن مستقبل العمل نظرة متشائمة متأثرة في الأغلب بعدم الشعور بالأمان نتيجة لاستفحال ظاهرة البطالة وازدياد الفقر واتساع الفجوات الاجتماعية بين شرائح المجتمع, حتى في الدول المتقدمة, واختفاء كثير من المهن لدرجة أن جون بيرجس الأستاذ بجامعة نيوكاسل ببريطانيا يتكلم عما يسميه The End of Career لصعوبة ملاحقة التغيرات في محكات ومعايير المهارات المطلوبة لممارسة الأعمال التي سوف تظهر في المستقبل. بل إن أحد علماء الاقتصاد الكبار وهو جيريمي ريفكن Jeremy Rifkin يذهب إلى أبعد من ذلك فيتكلم عن (نهاية العمل The End of Work) على اعتبار أن العالم قد وصل بالفعل إلى نهاية الطريق ولم يعد قادرا على توفير أو (اختراع) أعمال جديدة مبتكرة في ميادين الصناعة والنشاط الاقتصادي التقليدي, وإن كانت التكنولوجيا المتقدمة سوف تزيد من فرص العمل في مجال الخدمات, وبخاصة تلك التي تحتاج إلى مهارات ذهنية فائقة. والأدهى من ذلك في نظر هؤلاء الكتاب (المتشائمين) أن إمكانات العمل في هذه المجالات الجديدة ذاتها لن تجد من يكفي لشغلها لأنها تتطلب توافر مهارات وقدرات ذهنية يصعب على الكثيرين الوصول إليها مما سيؤدي إلى مزيد من تهميش القوى العاملة. ولذا فإن الأمر يحتاج إلى إجراء إصلاحات هائلة في هياكل المؤسسات الكبرى وبذل جهود مكثفة لتوفير فئات من المتخصصين فيما يطلق عليه اسم الاقتصاد غير المادي intangible, الذي يعتمد على القدرات الذهنية والتفكير النظري المجرد إلى حد كبير. وإن كانت هذه الإجراءات سوف تواجه بكثير من المقاومة والاعتراضات من القوى التقليدية, بل ومن المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ذاتها.
ومما يثير الأسى - كما يقول بعض هؤلاء الكتاب - أن فئات العاملين الفقراء أو من يطلقون عليهم اسم The Working Poor سيكونون هم ضحايا التقدم العلمي والتكنولوجي وسوف يعانون أكثر من غيرهم من جراء ذلك التقدم العلمي والتكنولوجي, الذي يؤدي إلى الاستغناء عن كثير من الأيدي العاملة غير الماهرة, وأن ذلك سيكون له آثاره الاجتماعية السيئة, التي تتمثل في زيادة الانخفاض في مستوى المعيشة وتدهور العلاقات الأسرية وارتفاع معدلات العنف والجريمة وغير ذلك من الشرور المرتبطة بالبطالة الكاملة أو الجزئية. وقد يمكن التغلب - من الناحية النظرية البحتة - على هذه الأوضاع السيئة عن طريق إعادة التأهيل, ولكن السؤال الذي لم يجد له حلا مقنعا حول هذا الموضوع هو: التأهيل لأي شيء بالضبط? فأوضاع المستقبل لم تتضح بعد بما فيه الكفاية, وهناك احتمالات قوية بظهور مفاجآت جديدة غير متوقعة في مجال البحث العلمي والاكتشافات والاختراعات التكنولوجية, بل وأيضا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, مما يضع قيودا شديدة على سياسات وخطط التدريب والتأهيل على المدى البعيد. وثمة بعض الأصوات التي تنادي بتطبيق مبدأ المشاركة في أداء العمل الواحد, بمعنى أن يوزع العمل الواحد الذي يقوم بأدائه في العادة شخص واحد بين شخصين أو أكثر للتغلب على ظاهرة البطالة, مع التنسيق بين هذه الجهود المتفرقة حتى لا يتأثر العمل أو يتعطل الإنتاج, ولكن المشكلة هنا أن ذلك الإجراء سوف يترتب عليه اقتسام الأجر عن العمل بين هؤلاء المشاركين وهو أمر مرفوض ولن يرضى به سوى الأشخاص الذين يفضلون العمل لبعض الوقت, فقط لأن ذلك يناسب ظروفهم الخاصة, وذلك فضلا عن أنه في كثير من الحالات لا يكفي العائد من عمل شخص واحد طيلة الوقت لسد احتياجات العائلة, مما يضطرها إلى البحث عن أعمال أخرى مساعدة .ومن الطبيعي أن تجد هذه النظرة المتشائمة من يعارضها من المفكرين والكتاب, الذين يرون فيها نوعا من السلبية الهدامة, خاصة أن التاريخ - كما يقول تشارلز جولدفينجر Charles Goldfinger وهو مستشار اقتصادي دولي كبير - يدلنا على أن الاختراعات والابتكارات التكنولوجية كانت تؤدي دائما إلى زيادة فرص العمل ولذا فالأغلب أن فكرة نهاية العمل لن تتحقق على أرض الواقع بل قد يكون العكس هو الأقرب إلى الصواب وأن الغد سوف يشهد زيادة ملحوظة في فرص العمل في مجالات جديدة بما يعوض التراجع والفقد في الأعمال التقليدية, بل وقد يزيد عليها. فالمستقبل في نظر المفكرين (المتفائلين) مليء بإمكانات العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات بالذات وطرق وأساليب تناول هذه المعلومات وتطويعها والإفادة منها عن طريق خدمات الكمبيوتر, وهذه مجالات خصبة للغاية, ولا تزال في حاجة إلى أعداد كبيرة من المتخصصين والعاملين من ذوي الخبرات الاستثنائية, الذين يستطيعون في الوقت ذاته توجيه هذه المعرفة وجهات تتفق مع احتياجات المستقبل, وبخاصة في مواجهة التغيرات الديموجرافية المتوقعة, ليس فقط بالنسبة للزيادة في عدد السكان أو حركات الهجرة المتزايدة, ولكن أيضا مواجهة المواقف التي سوف تنجم عن توقعات طول فترة الحياة, وازدياد حالات الشيخوخة واحتياجاتها من الرعاية الفيزيقية والاجتماعية والسيكولوجية وضرورة توفير أعمال تتعلق بتقديم هذه الخدمات.(1/379)
فالزيادة المتوقعة في فرص العمل سوف تكون في المحل الأول في المجالات التي لن تحتاج بالضرورة إلى قدرات وإمكانات فيزيقية كبيرة, وإنما في مجال الخدمات والأعمال الذهنية وهذه سوف تهيئ فرصا واسعة لعمل المرأة التي يتوقع لها أن تفوق نسبة اضطلاعها بهذه الأعمال ما هو متاح للرجل, بحيث يتساءل بعض الكتاب هل سيكون المستقبل أكثر (تحيزا) للمرأة في ميادين العمل? وهو تساؤل ينم عن كثير من القلق بالرغم من كل الشعارات المرفوعة عن عدم التفرقة بين الجنسين.
وثمة بعض مفارقات يعاني منها سوق العمل والعمالة في الوقت الحالي وقد تكون لها انعكاسات في المستقبل.
المفارقة الأولى هي أنه في الوقت الذي تلجأ فيه بعض الشركات والمؤسسات الكبرى في الخارج إلى الاستغناء عن نسبة من الأيدي العاملة بها من حين لآخر, لضمان استمرارها في العمل فإن المشروعات (أو الأعمال الصغيرة) تجذب إليها أيدي عاملة جديدة بشكل متزايد وإن كان ذلك لا يقضي تماما على ظاهرة استفحال البطالة, ولكن الموقف ينبئ بإمكان حدوث تغيرات مهمة في هياكل العمل والعمالة في المستقبل وقد تكون له آثار بعيدة على النظام الاقتصادي العالمي.
المفارقة الثانية هي أنه في الوقت الذي تشكو فيه المجتمعات الغربية من الزيادة المطردة في البطالة, تنجح بعض دول شرق آسيا في توفير أعمال منتجة لكل الأيدي القادرة على العمل من الجنسين بل وأحيانا من الأطفال أيضا. ويقال إن الصين وفرت مائة مليون وظيفة وفرصة عمل جديدة خلال العقد الماضي وحده, كما أن نسبة (التشغيل) في الهند تضاعفت بعد إجراء بعض التعديلات والإصلاحات الاقتصادية في التسعينيات, وهذا أيضا قد يحدث انقلابا في موازين القوى في الاقتصاد العالمي.
والمفارقة الثالثة تتمثل فيما يذهب إليه تقرير مكتب العمل الدولي لعام 1995 عن حالة البطالة في العالم, من أنه ليس هناك ما يدعو إلى الجزم بأن البطالة سوف تزداد في المستقبل وأن من الخطأ رد ارتفاع معدلاتها الحالية إلى العولمة والمنافسة الشديدة أو إلى التغيرات التكنولوجية وحدها لأن المسألة أكثر تعقيدا من هذا بكثير, وأنه في الوقت الذي تستغني فيه بعض المؤسسات عن أعداد كبيرة من العاملين فيها فإن هناك فرصة لاستمرار بعض العاملين في ممارسة أعمالهم لعدد من السنوات أكثر مما هو متاح لهم الآن تحت نظام سن التقاعد المعمول به في معظم الدول (ما بين الستين والخامسة والستين) وذلك بفضل التقدم في أساليب الرعاية الصحية والتحكم في أمراض ومتاعب الشيخوخة, بل المتوقع أن يختفي مفهوم التقاعد كلية نظرا لاحتمال ظهور مجالات جديدة للعمل لا تحتاج إلى القوة الفيزيقية أو حتى إلى القدرات الذهنية العالية بقدر ما تحتاج إلى توافر عامل الخبرة الطويلة المتراكمة عبر السنين, والتي يفتقر إليها العاملون الأصغر سنا, حتى وإن كانوا أكثر دراية ومعرفة بأسرار التكنولوجيات المتقدمة. بل إن المتوقع أيضا إعادة النظر في كثير من أنواع النشاط الفردي التي لا تدخل الآن في باب (العمل) بالمعنى الدقيق للكلمة, بحيث تصبح في المستقبل مصادر مهمة للدخل المادي وتجذب إليها أعدادا كبيرة من (العاملين) بعد التطورات والتجديدات التكنولوجية وتغير النظرة إلى الحياة ذاتها. وسوف يترتب على ذلك زيادة كبيرة في عدد (فئات) العمل أو المهن والحرف عما هو معروف الآن. فبينما كانت هناك ثمانون (فئة) عمل فقط في الأربعينيات من القرن الماضي أمكن التمييز بين أكثر من ثمانمائة (فئة) أو نوع عمل العام 2000 وسوف يزداد هذا العدد في المستقبل, وبخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات التي سوف تساعد على ظهور وتطور ألوان جديدة من العمل تعتمد على المعرفة الذهنية المجردة أو على قوة العقل Brain Power وليس على الجهد الفيزيقي بحيث يطلق عليها اسم (عمل المعرفة Knowledge Work) والذي يعتبر إنتاج البرمجيات الآن النموذج المثالي لهذا النوع من العمل في العصر الرقمي, الذي بدأنا الدخول فيه بقوة وثبات - على الأقل فيما يتعلق بدول الغرب المتقدمة.
وسوف يشاهد المستقبل أيضا إقبالا شديدا على (الأعمال غير النمطية) مثل العمل لبعض الوقت فقط أو العمل المؤقت أو العمل العارض والتعاقدات قصيرة المدى لإنجاز مهمة محددة فحسب مما قد يقلل من فداحة البطالة. وسوف تلقى فكرة ممارسة العمل في البيت أو بعيدا عن المقر الرسمي للعمل فيما يعرف باسم (العمل عن بعد) إقبالا متزايدا من العاملين وبخاصة في مجال الأعمال الذهنية والمتعلقة بالخدمات حيث يمكن أداؤها بكفاءة عن طريق الاتصالات الإلكترونية. والواقع أن هذه الظاهرة كانت قد بدأت تشيع في بعض الدول الغربية منذ الثمانينيات, ولكنها قد تصبح هي النمط السائد والمقبول, وبخاصة من النساء في المستقبل غير البعيد في كثير من أنحاء العالم. فبينما كانت حالات العمل عن بعد تقدر بحوالي مليون حالة فقط العام 1994 ارتفع ذلك العدد إلى ما يزيد على عشرة ملايين حالة العام 2000 والمنتظر أن يزداد الإقبال على هذا النوع من العمل زيادة هائلة في المستقبل, خاصة أن كثيرا من المؤسسات تشجع عليه نظرا لانخفاض التكلفة وتوفير الوقت وتحقيق درجة أكبر من الدقة, لأن العاملين في هذه المجالات يمارسون أعمالهم في ظروف أكثر راحة واسترخاء, كما أنهم هم الذين يحددون لأنفسهم أوقات العمل بما يتلاءم مع ترتيباتهم الخاصة, وليس تبعا لأوقات عمل رسمية تحددها المؤسسة أو صاحب العمل. وربما يترتب على ذلك أن يصبح العمل هو ما يختاره الفرد لنفسه بالمشاركة أحيانا مع غيره, بدلا من أن يكون العمل هو ما يحدده صاحب العمل ويسند إلى الآخرين مهمة تنفيذه حسب تعليمات محددة وجامدة. فهذه كلها تحولات تساعد على تهيئة مناخ أفضل يوفر الراحة النفسية والرضا ولو أن هذه الأعمال ستكون مقصورة بطبيعة الحال على فئات محدودة من العمل في مجال المعلومات والمعرفة, حيث لا يحتاج الأمر إلى استخدام آلات أو أجهزة كبيرة الحجم.
والمهم في هذا كله هو أن المستقبل - في نظر المفكرين والكتاب المتفائلين - لن يكون سيئا إلى الحد الذي يذهب إليه الفريق الأقل تفاؤلا أو الأكثر تشاؤما. ولكنها كلها أفكار وآراء وتوقعات تحتمل الصدق والكذب.
==============
وسيلتك لإدارة يومك، وقيادة حياتك نحو النجاح
*عبد الله المهيري
قبل أن نبدأ أنوه إلى أن مادة هذا الملف تم تجميعها وترتيبها من المراجع المكتوبة اسفل ، واجتهدت أن أختصر بقدر الإمكان في هذه المادة وكتابة الخلاصة المفيدة، حتى نعطي للقارئ فكرة مبدئية عن ماهية إدارة الذات وماذا نعني بإدارة الذات، وكيف يدير المرء ذاته، بحيث يؤدي ما عليه من واجبات، ويقوم بالأعمال التي يحب أن يؤديها ويوجد توازن في حياته بين نفسه وعائلته وعلاقاته والرغبة في الإنجاز.
ماذا نعني بإدارة الذات؟
هي الطرق والوسائل التي تعين المرء على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق أهدافه وخلق التوازن في حياته ما بين الواجبات والرغبات والاهداف.(1/380)
والاستفادة من الوقت هي التي تحدد الفارق ما بين الناجحين والفاشلين في هذه الحياة، إذ أن السمة المشتركة بين كل الناجحين هو قدرتهم على موازنة ما بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها والواجبات اللازمة عليهم تجاه عدة علاقات، وهذه الموازنة تأتي من خلال إدارتهم لذواتهم، وهذه الإدارة للذات تحتاج قبل كل شيء إلى أهداف ورسالة تسير على هداها، إذ لا حاجة إلى تنظيم الوقت او إدارة الذات بدون أهداف يضعها المرء لحياته، لأن حياته ستسير في كل الاتجاهات مما يجعل من حياة الإنسان حياة مشتتة لا تحقق شيء وإن حققت شيء فسيكون ذلك الإنجاز ضعيفاً وذلك نتيجة عدم التركيز على أهداف معينة.
إذاً المطلوب منك قبل أن تبدأ في تنفيذ هذا الملف، أن تضع أهدافاً لحياتك، ما الذي تريد تحقيقه في هذه الحياة؟ ما الذي تريد إنجازه لتبقى كعلامات بارزة لحياتك بعد أن ترحل عن هذه الحياة؟ ما هو التخصص الذي ستتخصص فيه؟ لا يعقل في هذا الزمان تشتت ذهنك في اكثر من اتجاه، لذلك عليك ان تفكر في هذه الأسئلة، وتوجد الإجابات لها، وتقوم بالتخطيط لحياتك وبعدها تأتي مسئلة تنظيم الوقت.
أمور تساعدك على تنظيم وقتك
هذه النقاط التي ستذكر أدناه، هي أمور أو أفعال، تساعدك على تنظيم وقتك، فحاول أن تطبقها قبل شروعك في تنظيم وقتك.
وجود خطة، فعندما تخطط لحياتك مسبقاً، وتضع لها الأهداف الواضحة يصبح تنظيم الوقت سهلاً وميسراً، والعكس صحيح، إذا لم تخطط لحياتك فتصبح مهمتك في تنظيم الوقت صعبة.
لا بد من تدوين أفكارك، وخططك وأهدافك على الورق، وغير ذلك يعتبر مجرد أفكار عابرة ستنساها بسرعة، إلا إذا كنت صاحب ذاكرة خارقة، وذلك سيساعدك على إدخال تعديلات وإضافات وحذف بعض الأمور من خطتك.
بعد الانتهاء من الخطة توقع أنك ستحتاج إلى إدخال تعديلات كثيرة عليها، لا تقلق ولا ترمي بالخطة فذلك شيء طبيعي.
الفشل أو الإخفاق شيء طبيعي في حياتنا، لا تيأس، وكما قيل: أتعلم من أخطائي أكثر مما أتعلم من نجاحي.
يجب أن تعود نفسك على المقارنة بين الأولويات، لأن الفرص والواجبات قد تأتيك في نفس الوقت، فأيهما ستختار؟ باختصار اختر ما تراه مفيد لك في مستقبلك وفي نفس الوقت غير مضر لغيرك.
اقرأ خطتك وأهدافك في كل فرصة من يومك.
استعن بالتقنيات الحديثة لاغتنام الفرص وتحقيق النجاح، وكذلك لتنظيم وقتك، كالإنترنت والحاسوب وغيره.
تنظيمك لمكتبك، غرفتك، سيارتك، وكل ما يتعلق بك سيساعدك أكثر على عدم إضاعة الوقت، ويظهرك بمظهر جميل، فاحرص على تنظيم كل شيء من حولك.
الخطط والجداول ليست هي التي تجعلنا منظمين أو ناجحين، فكن مرناً أثناء تنفيذ الخطط.
ركز، ولا تشتت ذهنك في أكثر من اتجاه، وهذه النصيحة أن طبقت ستجد الكثير من الوقت لعمل الأمور الأخرى الأكثر أهمية وإلحاحاً.
اعلم أن النجاح ليس بمقدار الأعمال التي تنجزها، بل هو بمدى تأثير هذه الأعمال بشكل إيجابي على المحيطين بك.
معوقات تنظيم الوقت.
المعوقات لتنظيم الوقت كثيرة، فلذلك عليك تنجنبها ما استطعت ومن أهم هذه المعوقات ما يلي:
عدم وجود أهداف أو خطط.
التكاسل والتأجيل، وهذا أشد معوقات تنظيم الوقت، فتجنبه.
النسيان، وهذا يحدث لأن الشخص لا يدون ما يريد إنجازه، فيضيع بذلك الكثير من الواجبات.
مقاطعات الآخرين، وأشغالهم، والتي قد لا تكون مهمة أو ملحة، اعتذر منهم بكل لاباقة، لذى عليك أن تتعلم قول لا لبعض الامور.
عدم إكمال الأعمال، أو عدم الاستمرار في التنظيم نتيجة الكسل أو التفكير السلبي تجاه التنظيم.
سوء الفهم للغير مما قد يؤدي إلى مشاكل تلتهم وقتك.
خطوات تنظيم الوقت.
هذه الخطوات بإمكانك أن تغيرها أو لا تطبقها بتاتاً، لأن لكل شخص طريقته الفذة في تنظيم الوقت المهم أن يتبع الأسس العامة لتنظيم الوقت. لكن تبقى هذه الخطوات هي الصورة العامة لأي طريقة لتنظيم الوقت.
فكر في أهدافك، وانظر في رسالتك في هذه الحياة.
أنظر إلى أدوارك في هذه الحياة، فأنت قد تكون أب أو أم، وقد تكون أخ، وقد تكون ابن، وقد تكون موظف أو عامل او مدير، فكل دور بحاجة إلى مجموعة من الأعمال تجاهه، فالأسرة بحاجة إلى رعاية وبحاجة إلى أن تجلس معهم جلسات عائلية، وإذا كنت مديراً لمؤسسة، فالمؤسسة بحاجة إلى تقدم وتخطيط واتخاذ قرارات وعمل منتج منك.
حدد أهدافاً لكل دور، وليس من الملزم أن تضع لكل دور هدفاً معيناً، فبعض الأدوار قد لا تمارسها لمدة، كدور المدير إذا كنت في إجازة.
نظم، وهنا التنظيم هو أن تضع جدولاً أسبوعياً وتضع الأهداف الضرورية أولاً فيه، كأهداف تطوير النفس من خلال دورات أو القراءة، أو أهداف عائلية، كالخروج في رحلة أو الجلوس في جلسة عائلية للنقاش والتحدث، أو أهداف العمل كاعمل خطط للتسويق مثلاً، أو أهدافاً لعلاقاتك مع الأصدقاء.
نفذ، وهنا حاول أن تلتزم بما وضعت من أهداف في أسبوعك، وكن مرناً أثناء التنفيذ، فقد تجد فرص لم تخطر ببالك أثناء التخطيط، فاستغلها ولا تخشى من أن جدولك لم ينفذ بشكل كامل.
في نهاية الأسبوع قيم نفسك، وانظر إلى جوانب التقصير فتداركها.
ملاحظة: التنظيم الأسبوعي أفضل من اليومي لأنه يتيح لك مواجهة الطوارئ والتعامل معها بدون أن تفقد الوقت لتنفيذ أهدافك وأعمالك.
كيف تستغل وقتك بفعالية؟
هنا ستجد الكثير من الملاحظات لزيادة فاعليتك في استغلال وقتك، فحاول تنفيذها:
حاول أن تستمتع بكل عمل تقوم به.
تفائل وكن إيجابياً.
لا تضيع وقتك ندماً على فشلك.
حاول إيجاد طرق جديدة لتوفير وقتك كل يوم.
أنظر لعاداتك القديمة وتخلى عن ما هو مضيع لوقتك.
ضع مفكرة صغيرة وقلما في جيبك دائماً لتدون الأفكار والملاحظات.
خطط ليومك من الليلة التي تسبقه أو من الصباح الباكر، وضع الأولويات حسب أهميتها وأبدأ بالأهم.
ركز على عملك وانتهي منه ولا تشتت ذهنك في أكثر من عمل.
توقف عن أي نشاط غير منتج.
أنصت جيداً لكل نقاش حتى تفهم ما يقال، ولا يحدث سوء تفاهم يؤدي إلى التهام وقتك.
رتب نفسك وكل شيء من حولك سواء الغرفة أو المنزل، أو السيارة أو مكتبك.
قلل من مقاطعات الآخرين لك عند أدائك لعملك.
أسأل نفسك دائماً ما الذي أستطيع فعله لاستغلال وقتي الآن.
أحمل معك كتيبات صغيرة في سيارتك أو عندما تخرج لمكان ما، وعند اوقات الانتظار يمكنك قراءة كتابك، مثل أوقات أنتظار مواعيد المستشفيات، أو الأنتهاء من معاملات.
أتصل لتتأكد من أي موعد قبل حلول وقت الموعد بوقت كافي.
تعامل مع الورق بحزم، فلا تجعله يتكدس في مكتبك أو منزلك، تخلص من كل ورقة قد لا تحتاج لها خلال أسبوع أو احفظها في مكان واضح ومنظم.
أقرأ أهدافك وخططك في كل فرصة يومياً.
لا تقلق إن لم تستطع تنفيذ خططك بشكل كامل.
لا تجعل من الجداول قيد يقيدك، بل اجعلها في خدمتك.
في بعض الأوقات عليك أن تتخلى عن التنظيم قليلاً لتأخذ قسطاً من الراحة، وهذا الشيء يفضل في الرحلات والإجازات.
ركز على الأفعال ذات المردود العالي مستقبلاً، مثل:
*أنت : -قراءة الكتب والمجلات المفيدة.
-الاستماع للأشرطة المفيدة.
-الجلوس مع النفس ومراجعة ما فعلته خلال يومك.
-ممارسة الرياضة المعتدلة للحفاظ على صحتك.
-أخذ قسط من الراحة، من خلال الإجازات أو فترة بسيطة خلال يومك.
* العائلة : - الجلوس مع العائلة في جلسات عائلية.
-الذهاب لرحلة ومن خلالها تستطيع توزيع المسؤوليات على أفراد الأسرة فيتعلموا المسؤولية وتزيد أواصر العلاقة بينكم.
*العمل : - التخطيط للمستقبل دائماً.(1/381)
-التخلص من كل عمل غير مفيد.
-محاولة استشراف الفرص واستغلالها بفعالية.
-التحاور مع الموظفين الزملاء والمسؤولين والعملاء أو المراجعين لزيادة كفائة المؤسسة.
وما ورد أعلاه ليس إلا أمثلة بسيطة، وعليك ان تبدع وتبتكر أكثر.
*المصادر : يوجين جريسمان-فن إدارة الوقت و جيفري ماير -النجاح رحلة
=============
التعرف على احتياجاتك ودوره في النجاح
تستطيع أن تتعرف على احتياجاتك بسهولة عن طريق ما تعرفه بالفعل عن عن أولوياتك وعن كيفية قضائك لوقتك.
لنفرض أن رئيسك قد أسند إليك مشروعاً جديداً سيشغل وقتك كله لمدة شهرين قادمين. أولاً أنت بحاجة إلى أن تعد مكتبك وتخليه، بعد ذلك أنت بحاجة إلى ايجاد الوقت للبدء في هذا المشروع. وفي النهاية أنت بحاجة إلى أن تشرح لكل أصدقائك وعائلتك أن وقتك لم يعد ملكك لفترة معينة ومن الآن عليهم أن يساعدوك إذا أرادوا رؤيتك.
انظر إلى جدولك. ما مقدار الوقت الذي تضيعه؟ إذا فوجئت مثلي بالوقت الذي لا تستطيع تفسير ضياعه، فأنت تمتلك إذاً الفرصة لاستغلال هذا الوقت وتحويله إلى وقت عمل. وإذا اكتشفت بعض الجوانب الخفية من الوقت، تستطيع أيضاً أن تستغلها في هذا المشروع.
ربما ترغب أن تقول لي إنك بحاجة إلى قضاء وقت مع عائلتك وأصدقائك فأنت لا يمكنك أن تجعلهم خارج هذه المعادلة، حسناً إذا نظرت إذاً إلى هذا الوقت الذي تقضيه أمام التليفزيون فستجد الوقت الكافي للعائلة والأصدقاء فأغلق ذلك الجهاز لفترة وحاول أن تستفيد من هذا الوقت (الذي أحصاه الخبراء بحوالي 15 ساعة أسبوعياً) وتستبدله بالوقت المخصص لتدعيم الروابط الاجتماعية مع من تحب.
تستطيع أيضاً أن تستخدم مصادر أخرى للوقت مثل الوجبات والمقاطعات لتحصل على عشر دقائق من هنا وعشرين من هناك لإضافتها للوقت المخصص لمشروعك.
الفكرة هنا هي أن تقسم ذلك المشروع الذي سيستولي على وقتك إلى أهداف صغرى وتحدد بعضاً منها لعمله كل يوم، وسوف تكون أكثر رضاً بالوصول إلى أهدافك بهذه الطريقة، وستكتشف أن لديك وقتاً أكثر للعمل أكثر مما كنت تتخيل، وسيكون لديك وقتاً أيضاً لقضائه مع العائلة، صحيح أنك ستظل مراقباً للساعات والدقائق، ولكنك ستوائم بين جدولك وبين كل ما تريد، وسيتم كل ذلك دون حاجة الى السهر أو الاستيقاظ مبكراً.
=============
الزمن النفسي في القرآن
أول ما يلاحظ في تسمية هذا النوع من الزمن هو إضافته إلى (النفس)، ونقصد بالنفس ذلك الجوهر اللطيف (الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية).
وبعيداً عن التعقيدات التعريفية، وتشعب التعاريف بين الفنون، نستعمل الاضافة إلى النفس في بحثنا هذا للدلالة على ذلك الإحساس الذاتي والشعور بمرور الزمن أو بعدم مروره، مع تقدير قدره انطلاقاً من هذا الإحساس.
فإذا عُدنا إلى عناصر الظاهرة الزمنية، فإننا نجد أن هذا الإحساس والتقدير ما هو إلا من خواصّ الانسان، فالزمن النفسي يكون إذن زمناً إنسانياً محضاً، خلافاً للزمن المبارك الذي هو زمن متعلق أساساً بتقييم الله تعالى له حسب مشيئته وفضله، فلا يضاف الزمن النفسي إلى غير الانسان، كما لا يضاف الزمن المبارك إلى غير الله.
وقد حاولنا أن نجمع نماذج للآيات التي تدخل فيها النفس الانسانية، تقديراً للزمن، وشعوراً وإحساساً به. فاخترنا من بينها الآيات الآتية:
1 ـ (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة * فاصبر صبراً جميلاً * إنهم يرونه بعيداً * ونراه قريباً) المعارج/ 4-7.
2 ـ (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً) الانسان/ 27.
3 ـ (ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة) الأعراف/ 187.
4 ـ ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم) يونس/ 45.
5 ـ (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً) الإسراء/ 52.
6 ـ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون) الروم/ 55-56.
7 ـ كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ) الأحقاف/ 35.
8 ـ (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) النازعات/ 46.
9 ـ (قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فسئل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون) المؤمنون/ 112-114.
إذا حاولنا أن نرجع إلى الخصائص المشتركة بين هذه الظواهر الزمنية، بالنظر إلى عناصر كل ظاهرة، فإننا نلاحظ ما يلي:
الجدول المقارَن للعناصر الزمنية:
العنصر وجوده في هذه الآيات
الشيء المتزمن الكفار في عموم الآيات
المقدار الزمني مقداران: زمن حقيقي (عمر الكافر)، ومن مقدّر
الوحدة اليوم، السنة، الساعة، العشي، الضحى
المجال أو (السلَّم) الزمن الأرضي
الحركة اللبث في الدنيا
فالأمر المختلف فيه هو المقدار الزمني، وسبب اختلافه هو تقدير الانسان لحجمه تقديراً نفسياً لا حقيقياً.
ومجمل الآيات تسعفنا في تحديد مفهوم الزمن النفسي، وتفصيلها كالآتي:
1 ـ يوماً ثقيلاً: موضوع الآيات الأولى هو يوم الحساب، فطول هذا اليوم مقارناً بالزمن الأرضي هو خمسون ألف سنة، فالمدة التي يقضيها المؤمن والكافر في هذا اليوم العصيب هي نفس المدة، ولكن الإحساس بها، وتقدير طولها وقصرها يختلف بينهما اختلافاً شديداً.
فالمؤمن يراه يوماً قريباً قصير المدة، أما الكافر فيثقل عليه ثقلاً شديداً، فهو يستطيل (ذلك اليوم لشدته) وهوله.
ويفسر هذا المعنى حديث رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري قال: قيل لرسول الله (ص): يوماً كان مقداره خمسين ألف سنة، ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله (ص): (والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا).
وإمعاناً في الدلالة على طول هذا اليوم على الكافر، وفي التعبير على شدته عليه استعمل القرآن الكريم لفظ (الثقل)، مع أن العادة أن يقال: زمن طويل أو قصير، لا ثقيل أو خفيف.
والحق أن القرآن في قوله تعالى: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً) الانسان/ 27، قد استعار الثقل لشدة اليوم وهوله، ولعظم وقعه على نفس الكافر، فهو ثقيل ثقلاً معنوياً على نفسه، لا ثقلاً حسياً على جسده.
وقد وصف الزمن ـ كذلك ـ بالثقل في قوله تعالى: (ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة) الأعراف/ 187، وهذا الثقل في (الساعة) إنما هو لفقد العلم بها: (فإن المجهول ثقيل على النفس، ولا سيما إذا كان عظيماً).
وقد أثبتت أحدث الدراسات الزمنية أن الوقت لا يمر عندما نكون قلقين، ويمر بسرعة هائلة في ساعات الفرح والسرور والنعيم، وهذا المعنى يعرفه الناس بالمراس والإحساس، ونقرأه في مصادر الأدب منذ القديم، ومن ذلك قول الشاعر:
أعوام وصلٍ كان يُنسى طولها
ذكرى النوى فكأنها أيام
ثم انبرت أيام هجرٍ أردفت
جوي أسى فكأنها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام
والذي أضافته هذه الدراسات هو أن الثقل يسببه معامل بيوكميائي (Facteur biochimique) يؤثر في الإحساس، إذ إن الإحباط يفرز مواد تحدث خللاً في التوازن الكيمائي للجسد، فيشعر بالتالي بثقل الوقت عليه.
وهذا ـ بالطبع ـ لا يعني إنكار الجانب النفسي في الانسان، وأنه يقدّر الأشياء، ويميل إليها أو ينكرها، تبعاً للشعور النفسي.(1/382)
وأضاف المتخصص المعاصر في الدراسات الزمنية إدوارد هول (Hall) في تفسير هذه الظاهرة: ان الساعة الخارجية والساعة الداخلية ـ البيولوجية ـ للانسان تسيران في إيقاع متزن، وفي حالة القلق يختل الإيقاع فيشعر الانسان أن الوقت لا يمرُّ، وأنه ثقيل ومملّ.
وفي هذا المعنى تذكر دراسة حول الزمن والبرمجة أنه: (كلما أسرعت كلما تقلص الزمن. وإذا كنت خائفاً أو حزيناً فإن الزمن يمتد؛ أما إذا كنت فرحاً مسروراً فإنني أنسى الزمن).
وأي وقت أكثر ضيقاً وقلقاً وحسرة على الانسان الكافر من يوم الحساب، وهكذا لن يكون في الزمن أثقل على الانسان من هذا اليوم العصيب: (المُلك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً) الفرقان/ 26.
إذن هذا هو النوع الأول من أنواع الزمن النفسي، وفيه يحس الكافر بثقل الزمن، ويكون خفيفاً على المؤمن؛ أما النوع الثاني فهو خلاف الأول:
2 ـ ساعة من نهار: في مجمل الآيات الماضية من 4 إلى 9 نرى أن الكافرين يسألون أو يُسألون عن مدة لبثهم في الدنيا، فلا يقدرون حقيقتها، أما الذين يعلمون حقيقة هذه المدة فهم الذين أوتوا العلم من المؤمنين: (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون) الروم/ 56.
فالكفار يظنون أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا (ساعة من نهار)، أو (قليلاً) من الوقت، أو (بعض يومٍ)، أو (عشية)، أو (ضحوة)، أو على أكثر التقديرات (يوماً) كاملاً من أيام الدنيا.
وهذا التقدير الخاطئ ما هو إلا ظن: (وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً)، فهو تقدير غير صائب، منشؤه الإحساس النفسي بالمرور السريع للأيام والليالي، والسنين والقرون والأعمار والآماد.
والذي جعل هذه الأزمنة تسرع كل هذا الإسراع هو كونهم كانوا في لهو ولعب: (ولئن سألتهم ليقولن إنما) بالحصر (كنا نخوض ونلعب) التوبة/ 65؛ (الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا) الأعراف/ 51، (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) آل عمران/ 185.
وقد أثبتت دراسات ميدانية أن الغرائز والمشاعر الجنسية (Emotions) عندما تثار، فإنها تكون سبباً لتسارع زمني مهول، وقد أعطيت لهذا التسارع تفسيرات نفسانية وفزيولوجية وعصبية، ومهما يكن فإن الذين يقضي حياته كلها في بحر من الغرائز يحدث خللاً فاحشاً في تقدير الزمن، وهذا ما يفسر هروب الشباب والأحداث من وطأة المشاكل باللجوء إلى شتى أنواع الغرائز، حتى أكثرها حيوانية، والله تعالى يقول عن هؤلاء: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل) الفرقان/ 44، (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهب أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) الأعراف/ 175-176.
ومن مظاهر اللهو والعب: الضحكُ، الذي اتخذ علاجاً للقلق، إذ يعطي للمرء إحساساً بالسعادة، وبالتالي يخفف من وطأة الوقت الثقيل عليه، حتى يتسارع ويخفّ ويمرّ دون أثر يذكر. فلذلك كان قليله مطلوباً، وكثيره حراماً.
وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): (لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب). وما موت القلب إلا جهل بمرور الوقت وبقيمته وقدره، وهروب من تبعات الحياة وآمالها وآلامها.
ولعل ما يقع في العالم اليوم من غزو وسائل الترفيه واللعب والمتعة المفرطة على حسب الجد والعلم والتحصيل، هو من قبيل هذا النوع من وسائل قتل الوقت، فهي تجعل من زمن الانسان هباء منثوراً، ثم تورثه يوم القيامة حسرة وثبورا.
وفي اللغة المستعملة ـ عند عامة الناس ـ دليل صريح على ذلك، فأنت عندما تسأل انساناً جالساً في ملهى أو مقهى: ماذا تفعل هنا؟ فإنه يجيبك: أنا أقتل وقتي.
إذن مجمل ما في هذا النوع من الزمن النفسي: أن الكافر لا يقدِّر عمره في الدنيا حق قدره، فالكفار وإن عاشوا مائة عام، أو حتى ألف عام فإنهم (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها).
3 ـ تقلص الزمن: المظهر الثالث من مظاهر الزمن النفسي في القرآن الكريم هو تقلص الزمن في حالة الخطر، وبالضبط في حالة توقع الموت، وهذا التقلص كان مثار انتباه الباحثين في الدراسات الزمنية، حتى إنهم أثبتوا أن الموت عندما يحيط بانسان يجعله يستعرض شريط زمنه كاملاً في ثوان معدودة.
فبين القدر الحقيقي للزمن الذي عاشه في هذه الحادثة: بضع ثوان، والزمن الذي استعرضه: أعوام عديدة، ليس هناك أي تناسب رياضي، ومن ثم لا يمكن أن يعتبر هذا النوع من الزمن زمناً نسبياً بالمفهوم الفزيائي، بل هو نسبي بالمفهوم النفسي وفي مستوى الإحساس والشعور لا غير.
وفي القرآن الكريم آية تدعم هذا الحكم، وهي تصف لنا إحساس المشرك بالزمن حين حضور الوفاة، فهو يرى عمره كاملاً كأنه ساعة: (ويوم تقوم الساعة) وقد تكون ساعة خاصة أو ساعة عامة (يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة).
وفي آية سورة النازعات إضافة تتمثل في الفعل: 0يرى)، الذي يفيد تحقق الموت والهلاك: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها).
إذن هذه هي مواصفات الزمن النفسي، هو كما يلاحظ غير الزمن المبارك، ويختلف عن الزمن النسبي كذلك بكونه زمناً ذاتياً، علاقته كاملة مع الإحساس والشعور والنفس والمجالات الذاتية، وليس مع المقاييس، والأحداث الكونية، والمجالات الموضوعية.
وفرق آخر بين الزمن النفسي والزمنين الآخرين هو أن الأول يوصف بالصدق والكذب، وبالخطأ والصواب، فيقال: صدق فلان في تقدير الفترة الفلانية، أو لم يصدق؛ ويقال: أخطأ أو أصاب. أما الزمن المبارك والزمن النسبي فلا يوصفان بالكذب، إذ هما زمنان حقيقيان ثابتان لا شك فيهما.
*المصدر : مفهوم الزمن في القران
==============
هل يمكن أن يترك إناء العمر فارغاً؟
مؤسسة البلاغ
نشك في ذلك,فحتى الأيام الخالية من العمل,المتصرمة في اللهو والعبث تملأ الكأس العمرية بآهات وحسرات وندامات في يوم أطلق عليه الله تعالى بـ "يوم الحسرة والندامة".وهو يوم يجمع فيه الناس بين يدي رب العالمين - منذ آدم وحتى آخر مخلوق - ليحاسبهم :كيف صرفوا وتصرفوا بالأمانة المودعة لديهم "أعمارهم"؟!
هل قضوها بالجد والاجتهاد والعمل الصالح وفعل الخيرات؟ أم بالأعمال الطالحة المسيئة والفاسدة التي تؤدي الى حسرات طويلة وندم أطول؟ أم خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيئاً.فكانوا من الأخسرين أعمالاً,كذلك التاجر الذي يكد العمر كله ثم يجد نفسه في النهاية مفلساً؟!
أهمية الوقت
لو بحثنا عن خير من يقيم لنا الوقت,هل نجد غير صانع الوقت نفسه وهو الله سبحانه وتعالى ؟!
فهذا التقسيم الدقيق للثواني والدقائق والساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنوات هو أشبه شيء بألواح محروثة في حقل.والفلاح هو أنا وأنت,وبقدر همة كل فلاح يأتي المحصول,وعند الحصاد يفرح الفلاح المجد النشيط,ويخسأ الفلاح الخامل البليد.ولذا جاء في الحديث :"الدنيا مزرعة الآخرة".فمن يزرع تفاحاً يحصد تفاحاً,ومن يزرع بصلاً يحصد بصلاً,ومن يزرع ورداً يجني ورداً,ومن يزرع شوكاً يحصد شوكاً,ومن يزرع الكسل يحصد الندامة.
إن الله العزيز وهو يقسم بالفجر وبالعصر وبالنهار وبالليل,إنما ليلفت أنظارنا الى أن الشيء المقسوم به هو على كل غاية كبرى من الأهمية.(1/383)
فهذه المفردات المتعددة في قياس الزمن إن هي إلا أوان صغيرة ضمن إناء العمر الكبير,وقد تودعك اللحظة التي أنت فيها فتدخل في قائمة حسابك عملاً مدخراً,وقد تفارقك لتقرض من ذلك الحساب,وما يدرينا فقد يأتي يوم على أحدنا يردنا فيه صاحب المصرف خاسئين خائبين أن لاشيء البتة في دفتر حسابنا!
يومها لايكون البدء من جديد ممكناً,لأن الفرصة تكون قد فاتت بل وماتت,فهل ترضى أن نعود مفلسين تقضمنا انياب الملامة وتنهش فينا مخالب الحسرة والندامة؟ أم ترانا نعمل على أن نضيف للرصيد رصيداً آخر عملاً بشعار "إدخر قرشك الأبيض ليومك الأسود" الذي يمكن ان يكون :إدخر عملك الصالح ليوم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إننا لانجد في القرآن تعبيراً عن أهمية الوقت أبلغ من قوله تعالى : (ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره.ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) (الزلزلة /7-8).
فلو تساءلنا :كم هو مثقال الذرة في ميزان الزمن؟ هل هو الثانية أو أدنى منها؟ أياً كان حسابها فهي وحدة قياسية غاية في الصغر,وهذا يعني أن في الصغير او القليل من الخير الذي قد لايكترث له أحدنا,منجاة حينما يلف الناس الطوفان,وأن في الصغير الضئيل من الشر,مهلكة حيث ينجو المحسنون.
إن الوقت هو نعمة الله الموهوبة للناس كلهم,وهو الصفحات البيضاء التي يكتبون فيها إن خيراً فخير وإن شراً فشر,وهم مسؤولون عن هذه النعمة يوم القيامة,فعن رسول الله (ص):"لاتزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس :عن عمره فيما أفناه,وعن شبابه فيما أبلاه,وعن ماله أين اكتسبه وفيما أنفقه,وماذا عمل فيماعلم".
والملاحظ هنا ان السؤال عن العمر يتكرر مرتين: عن العمر بصفة عامة,وعن الشباب بصفة خاصة لما لمرحلة الشباب من أهمية باعتبارها مرحلة البذل والعطاء.
وحين يعلم التلميذ علم اليقين أن سؤالاً ماسيأتي ضمن اسئلة الامتحان القادم,فإنه حتماً سيهيء نفسه للإجابة عنه,وإلا عد مهملاً مضيعاً لفرصة ثمينة لاتعوض.
السؤال - يوم القيامة - واضح وصريح وسيأتي في الامتحان لامحالة: عمرك فيما أفنيته؟ وشبابك فيما أبليته؟
سؤال متروك لكل واحد منا للإجابة عليه.
www.balagh.com
============
الناجحون لديهم خطة رئيسية للعمل, هل انت منهم ؟
النجاح يبدأ بحلم. (فإذا لم يكن لديك حلم، فلن يكون أمامك هدف أو دافع لكي تفعل شيئاً). وعندما يحدث وترى هذا الحلم. فإنه يتعين عليك أن تجد طريقة لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة. ولكي تقوم بذلك فإنك تحتاج إلى خطة ـ إنها خطة رئيسية للعمل.
لماذا خطة رئيسية؟ لأنه من الاستحالة أن يتحقق النجاح بدون هذه الخطة. إن خطتك الرئيسية هي دليلك الذي يقودك خطوة خطوة لتحديد كل ما تحتاجه لكي تتحول أحلامك إلى حقيقة.
ومع هذه الخطة الرئيسية، فإن إمكاناتك لتحقيق أهدافك ـ في وقت أقل وجهد أقل أيضاً ـ تتزايد بشكل كبير.
تذكر!
عندما تفشل في وضع هذه الخطة. فإنك بذلك تخطط لكي تفشل.
إن التخطيط الذكي هو أحد المكونات الأساسية للنجاح في أي عمل.
رسم خطة عمل رئيسية يوفر لك الوقت:
إن هذه الخطة الرئيسية تساعدك كثيراً في عدم تبديد وقتك وطاقتك وأموالك. نعم، أعلم أن عملية التخطيط ليست بالأمر الهين. فنحن لم نتعلم أن نفكر وأن نخطط. لقد تعلمنا أن نقوم بتنفيذ الأشياء. الكل مشغول. لكن الأمر لن يكون بالضرورة هكذا عند الرغبة في أن نكون أكثر قدرة على الإنتاج.
ونحن نعيش اليوم في مجتمع نقوم فيه بأشياء كثيرة بدون تفكير. فنحن موجهون فعلياً نحو التنفيذ وليس نحو التخطيط. وعلى أية حال، فإنه من السهل الحصول على الأشياء التي نريدها في هذه الحياة عندما يتوفر لدينا الوقت الكافي لتحديد ما يجب القيام به للحصول على هذه الأشياء.
دليل توفير الوقت:
عليك أن تقضي وقتاً أطول في التفكير والتخطيط قبل أن تتعهد أو تلتزم بشيء، وقبل أن تبدأ في إنفاق المال. عندئذ سوف تحصل على ما تريد بشكل أسرع، وبذلك لن تتكلف ما كنت ستتكلفه من وقت ومال قبل هذا التفكير العميق.
((أعرف أنك تفضل أن تبدأ في خطتك!)) ولكن دعني أوجه لك هذه الأسئلة:
ـ إذا كنت في طريقك للحصول على إجازة، أليس من الأفضل أن تكون لديك خريطة طريق؟ وأليس من المستحب أن يكون معك ما يكفي من أموال: شيكات سياحية، وبطاقات الائتمان لكي تستطيع شراء ما تحتاج غليه من وقود وطعام؟ ولكي تكون قاداً على النزول في الاستراحات المخصصة على طول الطريق؟ ودعونا أيضاً نتذكر بعض الملابس وأدوات الصيد والزيوت الواقية من أشعة الشمس.. إلخ إن القليل من التخطيط المسبق سوف يجعل بالتأكيد رحلتك أكثر متعة.
ـ إذا كنت في طريقك لبناء منزل، ألا تعتقد أنه من الأفضل أن يكون معك مهندس معماري ليضع لك أكثر من تصميم لهذا المنزل؟ حيث أن هذه التصميمات توضح وبالتفصيل ـ مسلحات ومواقع كل غرفة في هذا المنزل، وكذلك المواد المستخدمة في إنشائه. وبالإضافة إلى هذه التصميمات المعمارية، فقد يكون أيضاً أمراً جيداً أن تحصل من المقاول على تقديرات التكاليف المالية التي سوف يحصل عليها، كي يمكنك من معرفة كم سيكلفك هذا المنزل؟ وألا تريد أن تعرف وتختار الألوان التي سيتم طلاء كل غرفة بها؟ ونوع السجاجيد والفرش الذي سيتم وضعه على الأرضيات؟ مرة أخرى إن التفكير والتخطيط قبل إنفاق الأموال سوف يساعدانك على إنجاز ما تريد بأقل قدر من المشكلات التي يمكن أن تصادفها.
إن الهدف الذي أرمي إليه من وراء هذين المثالين البسيطين هو أنك عندما تقضي وقتاً في وضع استراتيجياتك والتخطيط لما ستقوم به قبل أن تبدأ بالفعل في التنفيذ، فإن فرص نجاحك ستزداد بشكل كبير جداً وتقل إمكانية الوقوع في خطأ قد يكلفك الكثير جداً من الوقت والمال.
ضع خطتك على الورق:
إن الخطط التي لا توضع على الورق بشكل مكتوب لا تكون خططاً من أساسها! إنها فقط مجرد أفكار تدور حول بعضها داخل عقلك. وعندما تحدد عدد هذه الأفكار بوضعها على الورق، فإنك بذلك تبدأ في صياغة أحلامك بشكل محدد. ويوماً بيوم فإنك تنظر إلى خطتك الرئيسية وتفكر في الأمور التي تريد تحقيقها ثم تحدد الأشياء التي يتعين عليك القيام بها في المرحلة التالية.
ومع مرور الوقت فسوف تضيف بنوداً جديدة إلى خطتك الرئيسية وتصبح أكثر إدراكاً لمحتوياتها وقادراً على إدخال العديد من التعديلات أو التغييرات عليها، إنك ومن خلال هذا التدريب تستطيع أن تكون أكثر تركيزاً وإلماماً. وبوجود هذه الخطة المكتوبة، فإن إمكانية النجاح تزداد بصورة كبيرة لأنك سوف تقضي وقتك الثمين وطاقتك وأموالك في القيام بتلك الأشياء التي تجعلك دوماً مستعداً وجديراً بالحصول على ما تريد.
وإليك بعض الأمور الأخرى التي يجب تذكرها:
ـ الإنجازات العظيمة نتاج خطط عظيمة.
ـ حدد الأهداف التي يمكنك تحقيقها ببذل المزيد من الجهد. وعندما تتحقق تلك الأهداف، حدد مجموعة أهداف أخرى.
ـ تستطيع أن تحلم بما تشاء، ولكن إذا لم تكن لديك خطة رئيسية وإذا لم تضع هذه الخطة الرئيسية موضع التنفيذ، فإنك بذلك تخدع نفسك وتضيع وقتك ولن يتحقق لك شيء.
=============
خطوات نحو النجاح الدراسي
د. مصطفى ابو سعد
النجاح مطلب الجميع وتحقيق النجاح الدراسي يعتبر من أولويات الأهداف لدى الطالب.. ولكل نجاح مفتاح وفلسفة وخطوات ينبغي الاهتمام بها... ولذلك أصبح النجاح علما وهندسة..
النجاح فكرا يبدأ وشعورا يدفع ويحفز وعملا وصبرا يترجم... وهو في الأخير رحلة... سافر فإن الفتى من بات مفتتحا قفل النجاح بمفتاح من السفر.(1/384)
المفاتيح العشرة للنجاح الدراسي:
1_ الطموح كنز لا يفنى:
لا يسعى للنجاح من لا يملك طموحا ولذلك كان الطموح هو الكنز الذي لا يفنى... فكن طموحا وانظر إلى المعالي... هذا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين يقول معبرا عن طموحه: "إن لي نفسا تواقة، تمنت الإمارة فنالتها، وتمنت الخلافة فنالتها، وأنا الآن أتوق إلى الجنة وأرجو أن أنالها".
2_ العطاء يساوي الأخذ:
النجاح عمل وجد وتضحية وصبر ومن منح طموحه صبرا وعملا وجدا حصد نجاحا وثمارا.. فاعمل واجتهد وابذل الجهد لتحقق النجاح والطموح والهدف... فمن جدّ وجد ومن زرع حصد...
3_ غير رأيك في نفسك:
الإنسان يملك طاقات كبيرة وقوى خفية يحتاج أن يزيل عنها غبار التقصير والكسل... فأنت أقدر مما تتصور وأقوى مما تتخيل وأذكى بكثير مما تعتقد... اشطب كل الكلمات السلبية عن نفسك من مثل "لا استطيع - لست شاطرا.." وردّد باستمرار" أنا أستحق الأفضل _أنا مبدع _ أنا ممتاز _ أنا قادر..".
4_ النجاح هو ما تصنعه (فكر بالنجاح _ أحب النجاح..)
النجاح شعور والناجح يبدأ رحلته بحب النجاح والتفكير بالنجاح.. فكر وأحب وابدأ رحلتك نحو هدفك.. تذكر: "يبدأ النجاح من الحالة النفسية للفرد، فعليك ان تؤمن بأنك ستنجح _بإذن الله _ من أجل ان يكتب لك فعلا النجاح. "الناجحون لا ينجحون وهم جالسون لاهون ينتظرون النجاح ولا يعتقدون أنه فرصة حظ وإنما يصنعونه بالعمل والجد والتفكير والحب واستغلال الفرص والاعتماد على ما ينجزونه بأيديهم.
5_ الفشل مجرد حدث.. وتجارب:
لا تخش الفشل بل استغله ليكون معبرا لك نحو النجاح لم ينجح أحد دون أن يتعلم من مدرسة النجاح، وأديسون مخترع الكهرباء قام بـ 1800 محاولة فاشلة قبل أن يحقق إنجازه الرائع.. ولم ييأس بعد المحاولات الفاشلة التي كان يعتبرها دروسا تعلم من خلالها قواعد علمية وتعلم منها محاولات لا تؤدي إلى اختراع الكهرباء.. تذكر: الوحيد الذي لا يفشل هو من لا يعمل.. وإذا لم تفشل فلن تجدّ.. الفشل فرص وتجارب.. لا تخف من الفشل ولا تترك محاولة فاشلة تصيبك بالإحباط.. وما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح.
6_ املأ نفسك بالإيمان والأمل:
الإيمان بالله اساس كل نجاح وهو النور الذي يضيء لصاحبه الطريق وهو المعيار الحقيقي لاختيار النجاح الحقيقي.. الإيمان يمنحك القوة وهو بداية ونقطة الانطلاق نحو النجاح وهو الوقود الذي يدفعك نحو النجاح.. والأمل هو الحلم الذي يصنع لنا النجاح.. فرحلة النجاح تبدأ أملا ثم مع الجهد يتحقق الأمل..
7_ اكتشف مواهبك واستفد منها:
لكل إنسان مواهب وقوى داخلية ينبغي العمل على اكتشافها وتنميتها ومن مواهبنا الإبداع والذكاء والتفكير والاستذكار والذاكرة القوية.. ويمكن العمل على رعاية هذه المواهب والاستفادة منها بدل أن تبقى معطلة في حياتنا..
8_ الدراسة متعة.. طريق للنجاح:
المرحلة الدراسية من أمتع لحظات الحياة ولا يعرف متعتها إلا من مرّ بها والتحق بغيرها.. متعة التعلم لا تضاهيها متعة في الحياة وخصوصا لو ارتبطت عند صاحبها بالعبادة.. فطالب العلم عابد لله وما أجمل متعة العلم مقروناً بمتعة العبادة.. الدراسة وطلب العلم متعة تنتهي بالنجاح.. وتتحول لمتعة دائمة حين تكلل بالنجاح.
9_ الناجحون يثقون دائماً في قدرتهم على النجاح:
الثقة في النجاح يعني دخولك معركة النجاح منتصرا بنفسية عالية والذي لا يملك الثقة بالنفس يبدأ معركته منهزما..
10_ النجاح والتفوق = 1% إلهام وخيال + 99% جهد واجتهاد
11_ خطوة للاستعداد للمذاكرة:
1_ اخلص النية لله واجعل طلب العلم عبادة.
2_ تذكر دائماً أن التوفيق من الله والأسباب من الإنسان.
3_ احذف كلمة "سوف" من حياتك ولا تؤجل.
4_ احذر الإيحاءات السلبية: أنا فاشل - المادة صعبة..
5_ ثق بتوفيق الله وابذل الأسباب.
6_ ثق في أهمية العلم وتعلمه.
7_ أحذر رفقاء السوء وقتلة الوقت..
8_ نظم كراستك ترتاح مذاكرتك..
9_ أد واجباتك وراجع يوما بيوم..
10_ تزود بأحسن الوقود.. (أفضل التغذية أكثر من الفواكه والخضراوات وامتنع عن الأكلات السريعة..)
11_ لا تذاكر أبدا وأنت مرهق..
نظم وقتك:
1_ تذكر أن أحسن طريقة لاستغلال الوقت أن تبدأ الآن!!
2_ حدد أولوياتك الدراسية وفق الوقت المتاح.
3_ ضع جدولا يوميا _ أسبوعيا لتنظيم الوقت والأولويات.
4_ تنظيم الوقت: رغبة + إرادة + ممارسة + جهد = متعة.
من طرق تقوية الذاكرة:
1_ الفهم أولا.. يساعد على الحفظ والتخزين..
2_ استذكر موضوعات متكاملة.
3_ الترابط بين ما تستذكر وما لديك من معلومات يقوي الذاكرة..
4_ الصحة بشكل عام عامل أساسي لتقوية الذاكرة.:
النوم المريح _ غذاء متكامل _ الرياضة البدنية _ الحالة النفسية التفاؤل _ الاسترخاء _ التعامل مع الناس...
5_ خلق الاهتمام _الفرح _ حب الاستطلاع _ التمعن _ التركيز الفكري_ كلها وسائل لتقوية ذاكرتك.
6_ تصنيف المواد حسب المواضيع وحسب البساطة والصعوبة يسهل عملية الاستذكار.
من أجل حفظ متقن:
1_ صمم على تسميع ما ستحفظ. (استمع لنفسك).
2_ افهم ثم احفظ.
3_ قسم النص إلى وحدات ثم احفظ.
4_ وزع الحفظ على فترات زمنية.
5_ كرر ثم كرر... كرر..
6_ اعتمد على أكثر من حاسة في الحفظ. 10% تقرأ _ 20% تسمع _ 30% ترى _ 50% ترى وتسمع _ 80% مما تقوله _ 90% تقول وتفعل) ارسم صورا تخطيطية _ لوّن بعض الرسوم أو الفقرات الرئيسية _
7_ لا تؤجل الحفظ _ اسرع إلى الحفظ.
8_ قاوم النسيان ودعم التذكر. (الحماس _ الراحة _ التخيل والربط _ التكرار _ التلخيص _ المذاكرة قبل النوم..).
9_ تجنب المعاصي. شكوت إلى وكيع سوء حفظي فارشدني إلى ترك المعاصي.
==============
هل هناك شيء إسمه وقت الفراغ ؟
بلاغ كوم
نستطيع أن نقول : لا ، لأنّ الانسان حينما يفرغ من عمل ما ، فإنّه سينشغل بعمل آخر ربّما أقلّ أهمّية ، وربّما أكثر أهمّية ، فحتّى اللعب هو لون من ألوان العمل غير المنتج ، وقد يكون منتجاً في مردوده النفسيّ على اللاّعب .
وعلى أيّة حال ، فإنّ الاسلام ـ كما مرّ ـ يعطي للانسان الساعة التي يروّح فيها عن نفسه وعن أهله ويمارس فيها ملذّاته ، بل يعطي لهذه الساعة قيمة وأهمّية كبيرة لأ نّها المعينة على ساعات العمل والعبادة .
لكنّ الفراغ الذي نتحدّث عنه هو ليس هذا ، إنّما هو الوقت الضائع المضيّع ، أي الوقت الذي يتهاون فيه الشاب أو الشابّة في مسؤولياتهما الحياتية والرسالية ، فيعشيان حالة من الوقت العابث السلبي العاطل غير النافع .
وغالباً ما يقع الفراغ حينما نبعثر أوقاتنا ونتركها رهن الفوضى ، وعندما نجهل قيمة الوقت في أ نّه يمكن أن يكون فرصة لطلب العلم ، أو فرصة لتعلّم مهارة جديدة ، أو فرصة لتصحيح مفاهيم خاطئة ، أو فرصة لنفع عباد الله، أو فرصة لقضاء حاجة مؤمن ، أو فرصة للاطِّلاع على قضايا عالمنا الاسلاميّ ، أو فرصة لتنمية ما اكتسبناه من معارف سابقة ، أو فرصة للتعرّف على أخ في الله جديد ، أو فرصة لتوطيد علاقة قديمة مع صديق ، وهكذا ، حتّى لقد اعتُبر الوقت غير المستثمر خارج نطاق العمر ، ذلك أنّ العمر الحقيقي هو عمر المزرعة الذي ورد في الحديث، فهل عاقل من لديه أرض واسعة وصالحة للزراعة ويتركها بوراً ؟!(1/385)
يقول أحد العلماء : إنّني أقرأ كثيراً فإذا ما تعبت من القراءة فإنّني أستريح بالقراءة ، وقد فسّر ذلك بقوله : إنّني أميل لقراءة الكتب العلمية الدسمة ، لكنّني حين أتعب من قراءتها ألتجأ إلى قراءة الكتب الأدبية أو التأريخية لأتخفّف من تعب القراءة العلمية .
أنظر إلى من حولك .. ألا تحترم ذاك الذي يقف في انتظار دوره أمام دكّان ، أو بانتظار الحافلة ، أو عند الطبيب وتراه حاملاً كتابه يقرأ فيه ؟!
ألا تحترم من يستذكر في أثناء طريقه قصيدة حفظها ، أو سورة من القرآن لا يريد أن ينساها ، أو يردّد بعض الأذكار التي تزيد من ارتباطه بالله سبحانه وتعالى ؟!
ألا تكنّ الاحترام والتقدير لمن يحمل في جيبه دفتراً صغيراً يدوّن فيه حكمة قرأها في صحيفة ، أو معلومة حصل عليها بالصدفة ، أو رقماً مهمّاً عثر عليه هنا أو هناك يعينه في الاستشهاد به والتدليل على ما يقوله، أو يسجِّل فكرة طرأت على ذهنه ويحاذر أن تفوته أو ينساها ؟
إنّ أجهزة الهاتف التي تُلحق بها مسجّلة لاستلام الرسائل الصوتية ، ومفكّرات الحائط التي توضع عند أبواب بعض المنازل يسجّل عليها الزائر ملاحظاته حينما لا يجد صاحب المنزل ، دليل على اهتمام صاحبها بما يجري في غيابه .
وإنّ الذي يطالع الصحف يومياً ويتابع نشرات الأخبار يومياً ، ويزور هذا الموقع على شبكة المعلومات (الانترنيت) أو ذاك ليتعرّف على ما يجري من حوله في عالم متغيّر ، هو إنسان حريص على أن لا يلقي وقته كورقة مهملة في سلّة المهملات ، إنّه يشعر بالانقطاع عن العالم إذا لم يواكب حركة العالم ، ولو حصل وانقطعت متابعته لشعر بالغربة أو بالوحشة أو بفقدان شيء ثمين .
لقد اكتشف أبناء إحدى القرى الاميركية إمرأة اُمّية تعلّمت القراءة والكتابة في وقت متأخر وبدون معلِّم.. وحينما سئلت قالت : لقد شعرت بوقت ثمين جدّاً ضاع منِّي فحاولت تعويضه ، ولذا كنت أسترق السمع والنظر إلى ابنتي الصغيرة وكنت ألتهم معها كلّ دروسها !
لذا ينبغي أن نسقط العبارات التالية من قاموس حياتنا :
ـ لقد فاتني القطار !
ـ لم يعد في العمر متسع .. لقد شخت وتعذّر القيام بذلك .
ـ ما فائدة العمل الآن .. لقد ضاعت فرص كثيرة .. إنّ الحظّ يعاكسني دائماً .
ـ لقد سبقني إلى ذلك كثيرون .. لم يعد لي مكان .
ـ جرّبت وفشلت لا داعي لتكرار التجربة .. إلخ .
علينا أن نستبدل تلك العبارات بالعبارة التالية : هناك دائماً وقت للعمل قبل الموت
أمّا مقولة «تعويض الوقت الضائع» فهي غير دقيقة، فالوقت الضائع لا يعوّض ، والأداء غير القضاء ، والتمنّي أن يعود الشباب بعدما ترحل أيّامه أمنية كاذبة يردّدها الشعراء ولا إمكانية لتحققها في الواقع ، وما فات مات ، ولكن يمكن للشاب أو الشابّة أن يتفاديا المزيد من التقصير، والمزيد من التضييع بأن يعضّا بأسنانهما على المتبقِّي من الأوقات فلا يدعانها نهبَ اللهو والعبث والاسترخاء العاطل .
لقد ثبت بالتجربة أنّ الكسل والبطالة والفراغ عوامل داعية للانحراف والفساد ، وفي ذلك يقول الشاعر :
إنّ الشباب والفراغ والجدة***مفسدة للمرء أيّ مفسدة
وينبغي بعد ذلك أن نفرِّق بين فراغ لا فائدة فيه ، وتفرّغ للمراجعة والنقد الذاتي والخلوة مع النفس ، أو أخذ إجازة لتجديد النشاط ، فهذا من العمل وليس من الفراغ ، وهو شيء محبّب ومطلوب لأ نّه من الأوقات التي تدرّ على الأوقات الاُخرى خيراً كثيراً .
www.balagh.com
=============
الشباب والحاجة الى حياة نظامية جديدة
* آمي وتوماس هاريس
1 ـ الأشياء: إننا نشتري ونتابع المشتريات حتى إن كنا لا نستطيع أن نتحرك في منزلنا دون أن نتعثر بصرر وحزم من آخر مشترياتنا إن عدداً لا بأس به منّا هم هواة تجميع، مدمنون، يشترون هدايا، أدوات، فهارس، الخ.. عشاق شراء. وعندما ينفد مالهم يلحسون واجهات المعروضات في المخازن. ماذا يلزمنا كي يكون لدينا ما ينبغي؟ فالأشياء لا تكلفنا ما ندفع من أجلها فقط، إنما الوقت الذي نصرفه من أجلها أيضاً. إن جميع ما لدينا يأخذ من وقتنا حتى إن كنا لا نستفيد منها: فالأشياء يجب أن يزال عنها الغبار وأن ترتب، تصنف، تعلق، تخزن، أو تبوب في جداول أو فهارس، وأن تحمى من الكسر أو العتّ، وأن تؤمّن. ويلزمنا وقت أيضاً حتى لإدانة أنفسنا، كعندما يقع نظرنا على ذلك الشيء الذي دفعنا ثمنه مبلغ (كذا) ولم نستخدمه قط. لكنه هو هنا. وفي كل مرة نراه ـ يا للصفعة! ـ تنتابنا لحظات شعور بالذنب مسروقة من يومنا.
كم من الوقت نصرفه في حثّ أولادنا على الترتيب؟ هل نشعر أننا آباء سيئون لأن أولادنا لا يستخدمون أيضاً جميع ما لديهمظ أوردت صحيفة في مسقط رأسي هذه الجملة لبيل فوغن: (إن طفلاً له ثلاث سنوات هو كائن تسرّه أرجوحة غالية الثمن سروراً مماثلاً تقريباً لما يحدثه له اكتشاف دودة ترابية صغيرة).
قد تجلب الأشياء الصغيرة سروراً أعظم من الكبيرة. إن أحد كتبي المفضلة (الأفكار) لبسكال. يضمّ مجموعة من الخواطر البعيدة المرمى. إن كل جملة فيه تكتفي بذاتها. قال ت.س.ايليوت عن باسكال: (كان ذهنه فاعلاً أكثر مما هو مجمّعاً). هل ذهنك فعال؟ هل الأغراض التي تشتريها تنشط حياتنا الذهنية أو أنها تكتفي بالتجمع كالغبار على رفّ؟ هناك مكان للجمالية، للجمال في ذاته، للوحة فنية على الحائط أو للزهر على طول الطريق. إننا لا نقلل من البهجة التي يحدثها الجمال، إلا أننا نتساءل إن كان ما نشعر به بهجة فعلاً. بنسبة ما ندفع من زماننا، هل المشتريات القادمة التي عزمنا على شرائها تساوي ذلك الزمن؟ أعطتنا الجواب اليزابيت الأولى في كلماتها الأخيرة: (جميع ما أملك لبضع ثوان).
2 ـ البلبلة: السؤال المهم الذي علينا أن نطرحه على أنفسنا ليس معرفة فيما إن كانت لدينا مشاكل، إنما إنك ان ما لدينا اليوم من مشاكل هي نفسها التي كانت لدينا في العام الماضي وفي الفترة نفسها. إن كانت الحال كذلك فكم من ساعات من السنة التي مضت أضعنا في تعذيب أنفسنا بشأنها؟ ألا نستطيع أن نتخذ على الأقل بعض المقررات، وأن ننتقل إلى شيء آخر؟
في وسعنا أن نقلل اختياراتنا. إحدى أكبر فوائد الأسفار هي أن في خزانة غرفة الفندق لا يوجد غير لباسين أو ثلاثة ممكنة. لا يقتضيك غير ثوان لتقرر الثياب التي سترتديها. فعندما نحزم حقائبنا فإن اختيارنا محدد بحجم حقائبنا. الخزائن في المنزل تثير لدينا مشاكل أكثر. كم في خزائنك من ثياب لم ترتدها منذ ما يزيد على عشر سنوات؟ هل عندك منها بمختلف المقاسات تبعاً لتقلب وزنك؟ ربما يجب عليك أن تتخذي قراراً في موضوع وزنك؟ هل تحتفظين بحذاء يوجع رجلك ولم تنتعليه أبداً لأنك لا تتحملين فكرة رمي عرض دفعت ثمنه غاليا؟ً هل تنتعلينه معذبة لتبرري وجوده الدائم في خزانتك؟ من قال أن عليك أن تجتازي العمر يلازمك ألم في رجلك؟ تخلصي من الحذاء الذي يؤلمك، اختاري ثياب الأربعاء في مساء الثلاثاء. من العبث أن تبدئي يوماً جديداً مترددة بين اللون الرمادي واللون البيج. قدّري. عندما تترددين في ارتداء ثوب، أعطيه. وهذا يُسعد شخصاً ما، وأنت تستريحين.(1/386)
قديماً كان على حائط مكتبي لوحة تقول: (مكتب مرتب جيداً = ذهن مشوش). لم يكن ذلك سوى عقلنة محضة. الركام معناه عمل لم يتم. كم مرة تمر قطعة الورق نفسها بين يديك؟ كم من قطع ورق مبعثرة على مكتبك؟ ربما إنك تحتاج إلى نظام. ربما إنك لا تعرف أن تفوض بمهماتك أو أن تطلب المساعدة، وتعيش عندئذ حسب الوصية الحادية عشرة التي تقول: (ستصنع كل شيء بنفسك). إن عدد الساعات في يومك بقدر ساعات يوم رئيس الجمهورية. لا يمكن حكم بلد دون تفويض السلطات. لماذا لا يمكنك أنت؟
3 ـ إنك لا تعرف قول لا: تضيع أيام وأسابيع في مهما كان علينا ألا نقبلها. عرفنا منذ البدء أن ليس أمامنا الوقت وأننا لا نريد تأديتها، وأن لدينا خمسين التزاماً آخر قد قبلناه وعلينا تنفيذه. إن إحدى أفضل الوسائل لإلغاء هذه العادة في قول نعم دائماً، في الهاتف على الأقل، هو أن تقرر عدم اتخاذ قرار في الحال. قد يقتضيك بعض الوقت للقول: (سأراجع جدول مشاغلي وسأفكر. سوف أتصل بك). لكنه لا يوازي وقت تأدية مهمة كان يجب ألا تقبلها أبداً.
4 ـ إنك لا تعرف أن تقاطع الناس: يمكن للتهذيب أن ينخر أيامك. هل سبق لك أن أصغيت إلى محادثة طويلة ذات اتجاه واحد تنصبّ بلا توقف كدفق الملهاب، وأنت تعرف منذ البدء أنك قد تأخرت عن موعد؟ نستطيع تعلّم مقاطعة محدثينا دون أن نكون أفظاظاً. وهذا على كل حال أفضل من أن نقول ذلك بنفاد صبر بجسمنا الصارخ بالغضب.
5 ـ تنفير الأحاسيس: هناك دائماً سبب ليفعل الناس ما يفعلون. إنهم يبحثون غالباً، تعبين ومهمومين، عن تسلية في الترضية المؤقتة، لاتي تحرمهم من الشيء الوحيد الذي يشعرهم بتحسن، ألا وهو المداعبات. إن تلك المؤسسة الأميركية الحقيقية التي هي الكوكتيلات تتوصل إلى إضعاف التبادلات أسرع من أي من طقوسنا الاجتماعية. فحين نكون شرهني للمداعبات، كما نحن عليه جميعاً تقريباً. من السخرية أن نقضي وقتاً سوية في تنفير أحاسيسنا في أسرع ما يمكن: (ماذا أقدم لك؟) هو السؤال الذي يستقبلك منذ الباب أكثر من: (كيف حالك؟). في إنكلترا يقدّم (الشيري)، مع شيء من التحفظ في كؤوس صغيرة. قد تدفئ جرعة شيري القلوب وتريح الأعصاب التعبة بعد يوم عمل. لكن كم جرعة يلزمنا؟
أمضت سيدة منزل أسبوعاً تهيئ وليمة حقيقية، والحليمات الذوقية لجميع ضيوفها مخدرة بالكحول. يا للتبذير! أذكر أياماً من طفولتي نستقبل فيها الضيوف كنا لا نقدم فيها الكحول. فالاجتماع يكفينا. تجري المحادثة مجراها الطبيعي. إن كوننا مجتمعين معاً، حتى الصمت، وكل شيء مستحسناً في ذلك التجمع الجالس في الدفء مصغياً لنفيق الضفادع العذب، وفي بعيد صفير القطار مخترقاً الجبال. لم يحتج أحد إلى (مزيل للانقباض). وعندم كان أحد ما يتكلم، مهما كانت سنّه، من العمّة الكبيرة الى طفل كان كل واحد يصغي.
عندما نقتل الأحاسيس نقتل الوقت. كم من سهرات ضائعة ومحادثات منسية ومداعبات غير ملحوظة عندما يرد الناس، رويداً رويداً، نسيانهم! يرى بيرن أن الناس يشربون لينقصوا مراجعة الأبوين وليسمحوا للطفل أن يخرج، ويلعب. إن الأبوين، حسب رأيه، أول مَن ينسحب. إنا نعتقد أن الشخصيات لاثلاث متضررة بالكحول في آن واحد. وأن عمل الراشد يضعف أيضاً، ويفضي إلى نتائج مدمرة غالباً. إذ أن المحاكمة تتشوه. والطفل، دون حماية، يجب أن يشعر بارتياح، لكنه يشعر بالضر في اليوم التالي من جراء ما قال أو فعل أو نسي. إن خير وسيلة للتحرر من إكراه الأبوين هي التقصي. والذين يتعاطون المخدرات هم أيضاً مخبولون، وغالباً ما يتصرفون كالبهائم. يمرحون وينتشون، ويشبه تواصلهم مصباً، لا شيء في أعلى. لا تسمع مساهمات الآخرين. ولا تسجل فيما بعد أي تبادل لأية مداعبة.
6 ـ التلفزيون: دلّت دراسة حديثة أن اجهزة التلفزيون تشعل، في الولايات المتحدة، سبع ساعات يومياً، وهكذا فساعات الاستراحة الثماني تذهب! حتى إن اعترف للتلفزيون بجوانب يمكن أن تكون حسنة، فهو يريح، يسلي، يربي، إلا أنه لا يوفر مداعبات أبداً. إننا ننظر فيه إلى أناس لا يهتمون بنا، إننا ننظر إلى علبة كبيرة جامدة. وما هو محزن هو رغم حبنا للممثلة الجميلة فإن الممثلة الجميلة لا تستطيع أن ترد علينا حبنا. لقد أمسَت المسلسلات، بالنسبة لبعض الناس، أكثر حقيقة من حياتهم الخاصة. قال لنا رجل إنه لا يتأثر بالتلفزيون، وعندما سئل عما يستعمل من معجون الأسنان سمّى صنفاً. ولما سئل عن سبب اختياره لهذا الصنف، أجاب: (لأني لا أستطيع أن نظف أسناني بعد كل طعام) وبذلك أجاب بكلمات الدعاية لذلك الصنف بالضبط.
إن إحدى أخطر مشاكل التلفزيون هو أنه يسرق منا فرصة أن نخلد إلى أهم وظائف الذهن البشري: الخيال. عندما نشاهد التلفزيون إنك في التجربة، وعمل الذهن التخيلي واقف. الصورة هي هنا من أجلك. إن عمل الخيال واحد من أهم الأفعال في تطور ذهن الأطفال. فلا يلزمه أكثر من ذراعي مكنسة وشجرة وغطاء ليبني بيتاً على العشب. يمكن أن يكون في تصوره قصراً أو مغامرة قاطع طريق أو بيت لعبة. إن من العسير أن نتصنع، أن نتظاهر بمظهر اللامبالاة الخادع، عندما يأسر حواسنا ما يصدر عن محطة التلفزيون. فعندماً تقرأ كتاباً أنت تضيف شيئاً إلى التجربة، تتخيل البطل أو الشرير، تلبسهما من ذخيرتك الخاصة الغنية من تجارب ماضية. ألم يسبق لك أن خيّبك فيلماً مأخوذاً عن كتاب كنت قد قراته؟ هل تماثل الصورة تلك التي رسمتها في رأسك؟
ليس المقصود شنّ حرب كلامية على التلفزيون، إنما التحذير من تلك الطريقة في المشاهدةدون التفكير فيما يجري على الشاشة. إن ثمة وقاية جيدة ضد سموميّته في أن تختار في الجريدة الرامج التي ترغب في مشاهدتها وأنت تفكر في الطريقة التي تستطيع أن تمضي وقتك بطريقة مرية إن كنت تودّ ذلك.
7 ـ استخدم أفضل فتراتك في مهمات تابعة: أية ساعات من نهارك هي الفضلى والأكثر إبداعية؟ إنها تقع للعديد من الناس في الصباح. هل تمضي إذن نصف صبيحتك في قراءة الجريدة، بينما تستطيع أن تخلق الحادث أنت نفسك؟ ضعها جانباً إلى فترة أخرى، عندما تحتاج إلى الاسترخاء وإلى وقفة. ستنتظرك الأنباء. أما إذا استبدت بك العادة فألقِ نصرة على الصفحة الاولى وأبقِ الصفحات الأخرى إلى فيما بعد. إن لك الخيار.
8 ـ تفويت المناسبة: عندما تطلب زيادة من رب عملك أو معروفاً من قرينك فنجاحك منوط باللحظة المختارة. لن يجديك شيء حين تزين التماسك بأبهى ما عندك إن لم تختر اللحظة المناسبة لقديمه. إن معنى الوقت المناسب يأتي مع الوعي بالآخرين. عندما يكون الآخر على عجلة من أمره، ومنهمك، ومنكد، فإن طلبك، مهما يكن معقولاً، يتعرض ليكون آخر قطعة ثلج التي تكسر غصن الشجرة.(1/387)
9 ـ بيت منزّه عن الشوائب: إن تنظيف البيت ـ كما قالت لنا إيرما بومبك ـ كضمّ اللآلئ في خيط ليس في نهايته عقدة. بوكمنستر فوليه، العاكف علىم داعبة صلب البقرات المقدسات على الدوام، يقدم لنا هذا الوصف لأميركا في بيوتها: (إني أتصور أن اليوم يتقطع إلى مهمات روتينية لأن النظافة تأتي مباشرة بعد القداسة في المصورات الشعبية. ساعة ونصف لغسل أواني الطعام، وساعةونصف مكرسة لغسل الثياب والمناشف وأغطية الأسرة، وساعة واحدة لتنظيف البيت وترتيبه، وساعة واحدة للتغسيل والتزيين الشخصي، وساعتان لإعداد الطعام يتخلل ذلك كله ساعة راحة لظهرك المتوجع. ونصل إلى الساعة الثامنة المكرسة لأوساخ البارحة لنتلافى أن تصير تلك الأوساخ قذارة اليوم وأمراض الغد. وفي تلك الساعات الثمان المكرسة لتنظيف أوساخ الأمس، لا وجود لفعل واحد بنّاء، ولربح واحد، ولا لأي تحسن في مستوى الحياة.
إني أتصور أنه يلزم يوم سابع ليكرّس للراحة ولكثير من الصلوات والمواعظ والمزامير للاحتفاظ بمرح وظرف الأم ـ سيدة ـ البيت التي تنقل مهارتها تدريجياً إلى الجيل التالي).
سواء أكنا متفقين أو غير متفقين مع تصريحات فوليه ـ ينبغي أن يغسل أحد ما البلاط ـ علينا أن نطرح على أنفسنا سؤالاً مهماً: هل لنا الخيار؟ أليس هناك من وسيلة أخرى لتنفذ تلك الأشياء؟ لقد دلّ استقصاء أن 84 في المئة من النساء اللواتي يشتغلن خارج بيوتهن يهتممن وحدهن تقريباً ببيتهن وأسرتهن. أضف إلى الاستخدام الكامل للوقت، الساعات المكرسة لتنظيف أوساخ السهرة، وتلقى امرأة متعبة جداً. ليس أمامها أية فسحة للترويح عن النفس. ومع ذلك ينبغي أن نتذكر أن الناس الذين لا يجدون وقتاً للاستراحة يجدون، إن عاجلاً أو آجلاً، الوقت ليقعوا مرضى.
10 ـ لا تشغل بالك بهموم تتعلق بسنك: يمكن للتجاعيد أن تقتلك، إن كنت تعاني عللاً في معدتك، كلما نظرت إلى المرآة. التجاعيد تروي حكايتنا. شأنها شأن الندبات التي تخبرك عن أمور كثيرة مفيدة. إنك جرحت والتأم جرحك. تظهر الصور الأخاذة لأكبر المصورين، بجلاء وبأضواء متباينة المنطقة المصابة بحادث في الوجه البشري. هل من الإنصاف أن يكون للرجال تجاعيد ولا يكون للنساء منها؟ أيّ ضرّ في أن نكون من نكون؟ لا أريد أن أقول إن مظهرنا لا أهمية له. إن مظهراً صحيحاً هو بيان سياسي وتعبير عن احترامنا لأنفسنا أو عدم احترامنا لأنفسنا. إن في هذا المثل السائر شيئاً من الحق: (لن تعطى أبداً حظاً ثانياً كي تقدم انطباعاً مواتياً).
11 ـ السهر متأخراً: يحتاج جسمك إلى حياة نظامية. نستطيع في سهرنا أن نربك جسمنا كما لو أننا اجتزنا عدة مناطق زمنية. وكما قال الدكتور تروبلود: (العيش على مخزوننا بعد أن ينفد).
إنك تعطي انطباعاً أولياً أفضل لو كنت يقظاً.
===============
طريقة قضائك للوقت تحدد نوع الحياة التي تحياها
إن الطريقة التي تقضي بها وقتك هي الطريقة التي تحيا بها، فإذا أردت حياة مختلفة، فعليك أن تقضي وقتك بطريقة مختلفة، وبالتالي القيام بالتغييرات التي يتطلبها ذلك.
احتفظ بسجل زمن شخصي للشهر، لتجد أين يذهب الوقت الذي لا تمضيه، أو تقضيه في العمل، وادس هذا السجل لتقرر أية تغييرات يجب القيام بها.
فكِّر في المكان الذي يمنحك الرضا، وكم هو الوقت الذي تقضيه في تلك الأشياء، وكيف يمكنك قضاء المزيد من الوقت فيه.
كثيرون منّا يقضون وقتاً أكثر على أمور من الدرجة الثالثة أكثر مما يمضونه في أمور من الدرجة الأولى، ولذا لا تجعل الأشياء التافهة تطغى على ما لديك من أشياء هامة، وبالتالي أسقط النشاطات غير الهامة.
المفتاح إلى حياة متوازنة هو قضاء وقت كافٍ في كافة شؤون حياتك الروحية، والعائلية، والاجتماعية، والبيئية، والمهنية، والعقلية، والصحية، والفراغية. احتفظ بسجل زمني خاص لتعرف كيف توزع ما لديك من وقت، وما هي نواحي حياتك التي تستغرق وقتاً أكثر مما تحتاجه؟ وما هي النواحي التي تتطلب المزيد من الوقت؟ وكيف يمكنك تحقيق التوازن بين هذا وذلك؟
عش ليومك، فكلّ وقت هو وقت حقيقي، فلا تؤجل اللحظات الراهنة بانتظار اليوم القادم.
اكتب بياناً بمهام رسالتك الشخصية مع تحديد الأولويات.
قلل من مشاهدة التلفاز في حياتك، وعليك الاحتفاظ بسجل عاداتك المتعلقة بمشاهدة التلفازة لعدة أيام، وقرر ما تراه مناسباً لك، وابحث عن شيء أكثر إثارة يمكن أن تفعله في حياتك خلاف مشاهدة التلفاز.
ضع قائمة بأسماء مائة شيء تستطيع تدوينها لتحسن حياتك، وابدأ بعمل ذلك.
اسأل نفسك: "لماذا أغرب في أن يكون لديّ المزيد من الوقت؟". ضع خطة عمل من أجل ذلك.
إن أفضل استخدام لوقتك ليس بالضرورة هو نفسه ما يحتاجه شخص آخر؛ إذ أنّ ما يعتبر إهداراً لوقتك، قد لا يكون كذلك بالنسبة إلى الآخرين.
=============
ساعات الإنسان البيولوجية .. «شمسية»
أهميتها تتجاوز الإيقاع الدوري اليومي وتنظيم النوم واليقظة ووتيرة الأكل والشرب
الرياض: د. حسن محمد صندقجي
عبر دراسة تقويمية واسعة، تمكن الباحثون من تأكيد أن أنظمة الساعات البيولوجية في الجسم وتغيراتها المتعاقبة أثناء اليوم تخضع وتنتظم، لدى الآلاف من الأشخاص في مناطق جغرافية شتى من العالم، وفق وقت اليوم الشمسي. أي أن ما يُحسب باعتبار الشروق والغروب الشمسي هو ما يسير الجسم عليه، لا ما على توافق الناس عليه من حساب نظام ساعات اليوم المعروفة بالتوقيت الزوالي للعالم أجمع. كما لاحظ الباحثون أن سكان المدن المكتظة تخضع أجسامهم لهذا النظام بدرجة أقل من تلك التي تتبعها أجسام من يقطنون المناطق الريفية أو غير المزدحمة بالسكان من حولهم نظراً للاختلال في مدى التعرض للضوء الشمسي. وتم نشر نتائج الدراسة في عدد 23 يناير من مجلة علم الأحياء الحالي للباحثين من ألمانيا والهند وهولندا.
وقام باحثون أميركيون بنشر نتائج دراستهم في عدد 12 يناير من مجلة الخلية حول النوم واضطرابات الساعة البيولوجية في الدماغ، إذْ تمكن العلماء من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو من تعليل إصابة أفراد من عائلات معينة بإحدى الحالات الغريبة التي تدفعهم الى النوم مبكراً والاستيقاظ كذلك، المعروفة باسم المتلازمة العائلية للتقدم في بدء مرحلة النوم. وتتقدم اليوم الأبحاث والدراسات العلمية حول الساعة البيولوجية لتنظيم عمل أجهزة الجسم، إذْ تتولى المجلة العلمية للساعة البيولوجية نشر كثير من الأبحاث تلك. ومن أهمها في عدد يناير الماضي دور مصابيح الفلورسنت المطورة الحديثة ذات الحرارة اللونية العالية على صحة العاملين في المكاتب أثناء ورديات (نوبات) العمل الليلي ومدى أدائهم لعملهم. وقام بها الباحثون من بريطانيا وهولندا ضمن سلسلة من الأبحاث الصادرة في الآونة الأخيرة حول دور الإضاءة في المكاتب على صحة العاملين أو الساكنين في المنازل. وما يجري الحديث عنه يتجاوز حدود المزاج والراحة في العمل ليصل الى معدلات هرمونات مُؤثرة على مناعة الجسم وغير ذلك من العمليات الحيوية فيه.(1/388)
كما تم في الخامس عشر من يناير الماضي الإعلان عن تأسيس مؤسسة الضوء والصحة الأميركية في ولاية أوهايو الأميركية، كمؤسسة داعمة للأبحاث والتثقيف الصحي حول مخاطر استخدام الإضاءة المنزلية أو المكتبية المعتادة على صحة الناس. والإخلال بإفراز الجسم لهرمون ميلاتونين له أضرار صحية استفاضت الدراسات العلمية في شرحها، كما أن استخدام أنواع من المصابيح للإضاءة ذات قدرات على الحد من التأثيرات السيئة للأشعة ذات اللون الأزرق، المثبطة لإفراز ميلاتونين، يُمكنه أن يُسهم في تخفيف تلك المخاطر. وتتعدى الجهود الصحية اليوم جوانب المصابيح وعدسات النظارات الحاجبة للأشعة الزرقاء، وصولاً الى تصفية وترشيح إصدار شاشات الكومبيوتر والتلفزيون لتلك الأشعة الزرقاء.
* الوقت والشمس يتم عادة، كما هو معلوم، ضبط الساعات اليومية وفق نظام المناطق حسب توقيت غرينتش تبعاً لاختلاف خطوط الطول في الكرة الأرضية، بخلاف ما كان في السابق من طريقة حساب بدء اليوم من شروق الشمس. ولذا فإن ثمة تباينا دائما بين تأثير ضوء النهار وظلمة الليل على أنظمة عمل أعضاء الجسم وبين تأثير مرور ساعات الوقت اليومي بالعرف الاجتماعي المتفق عليه. وهو تباين يستمر كل يوم طوال أيام السنة. وعلى سبيل المثال فإن ثمة مدناً مكتظة بالملايين من الناس الذين يُوافق منتصف الليل فعلياً عدة ساعات قبل أو بعد منتصف الليل بحساب الساعات المعمول بها.
ويرى كثير من الباحثين أن هذا التباين والاختلاف، الذي يقع جسم الإنسان وأنظمة أجهزته الحيوية فيه، له تأثيرات على التصرفات البشرية اليومية وسلوكياتهم بما يُخالف ما يجري داخل أجسامهم ومحاولات أجهزته تهيئة ما يُساعد الإنسان وجسمه في إتمام ما هو مطلوب من الإنسان فعله في النهار أو الليل. وهذا ما حاول الباحثون دراسته. وفي سبيل ذلك تم تقويم النشاط اليومي للإنسان وفق طريقة حساب الساعات المعروف، حيث طُلب من مجموعة المشمولين في الدراسة الإجابة عن عدة أسئلة تتعلق بأنشطتهم اليومية وعاداتهم خلال فترات العمل وفترات الراحة بعده. وقام الباحثون بمقارنة نتائج إجابات أكثر من 21 ألف شخص يقطنون مناطق مختلفة من ناحية المواقع الجغرافية، بالإضافة الى أن المقارنة أخذت بعين الاعتبار حجم المدن وتعداد سكانها، بدءا من التي عدد سكانها أقل من 300 ألف نسمة والتدرج فيما هو أعلى من ذلك للمدن الأكبر.
ولاحظ الباحثون أن من يقطنون مدناً أقل في عدد السكان هم أقرب الى أن توافق أنشطة حياتهم اليومية وسلوكياتها تغيرات الوقت في التوقيت الشمسي. في حين أنه كلما ارتفع عدد السكان كلما قل الالتصاق والترابط بين السلوكيات والأنشطة البشرية وبين نظام الشروق والغروب الشمسي.
* إيقاع لضبط الجسم والإيقاع الدوري طوال اليومcircadian rhythm هو دورة مدتها حوالي 24 ساعة يمر بها الجسم بكامل أعضائه وأنظمته البيولوجية الحيوية. وهو خاصية معنوية لكل الخلائق من ميكروبات ونباتات وحيوانات وإنسان. ويظهر الإيقاع داخلياً وفق انضباط لأنظمة أجسام الخلائق مع متغيرات خارجية ثابتة، وأهمها ضوء الشمس ودرجة حرارة الجو. ولذا فإن ملاحظتها تضبط وجود أنظمة من الساعات البيولوجية في أجسام الخلائق تلك.
ولعل من أوائل تلك الملاحظات هو ما رصده أحد العلماء الفرنسيين في القرن السابع عشر حول توجه أوراق الأشجار طوال اليوم نحو مصدر أشعة الشمس. ثم توالت تلك الاكتشافات حتى تعمق علم الطب في فهم أنظمة أعضاء شتى في الجسم تخضع لهذا الإيقاع الدوري من ناحية عملها أو خمولها. ومما يتبادر للذهن أن أهمية الساعات البيولوجية في الجسم وأنظمة الإيقاع الدوري اليومي هي في أنظمة النوم والاستيقاظ وفي وتيرة الأكل والشرب. لكن التعمق في البحث والدراسة دل على أن أهميتها تتجاوز ذلك بمراحل لتشمل أنشطة سريان الموجات الكهربائية في الدماغ، إضافة الى أنظمة إنتاج وإفراز الهرمونات الضابطة للكثير جداً من العمليات الكيميائية الحيوية في الجسم، وكذلك في انقسام خلايا الجسم وتجددها وإزالة التالف والهرم منها، وغير ذلك.
ودلت كثير من التجارب على أن البقاء إما في الظلام المُطلق أو الضوء المُطلق يؤدي الى حدوث خلل بالغ في توازن عمليات حيوية شتى في الجسم. والسبب في أن هذا الإيقاع ليس ثابتاً بمقدار 24 ساعة تامة، هو إعطاء الفرص للجسم كي يتكيف مع تغيرات مقدار طول اليوم أو قصره بتغير فصول السنة.
ويرى الباحثون أن أهمية هذا الجانب من نواحي صحة الإنسان تتجاوز اضطرابات النوم عند السفر أو تغير نوبات العمل أو غيرها من الاضطرابات خارج الدماغ، لتصل الى مسائل تخص صميم الصحة وظهور الأمراض عند عدم اتباع تلبية حاجات الجسم من ممارسة نظام للحياة اليومية يتوافق مع الآليات التي يفهمها الجسم، وتعمل بالتالي أعضاؤه وأنظمته الحيوية بموجبها. ويكثر الحديث عن دور ممارسة الاختلال اليومي في رفع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب ومسبباته من السكري وغيره، بالإضافة الى اختلاف مقدار ضغط الدم في الصباح والمساء، واختلاف ذلك الاختلاف في أيام الصيف عنها في أيام الشتاء، وهو ما فصلت الحديث عنه في إحدى الاستشارات الطبية قبل بضعة أشهر. وكذلك عن أهمية تناول أدوية معالجة أمراض القلب مثل مثبطات تحويل أنزيم أنجيوتنسن في أوقات معينة من اليوم للتخفيف من ارتفاع ضغط الدم وإعادة توازن بنية عضلة القلب في حجراته المختلفة. وما يُقال هو أن رفع فاعلية الدواء وتقليل احتمالات ظهور الآثار الجانبية له أو التفاعلات العكسية لتناوله مرتبطة بالوقت الذي يتناول المريض فيه دواءه ذلك.
* دماغ النهار والليل ويقع مركز الساعة الإيقاعية البيولوجية في جسم الإنسان، وكذلك في جسم الثدييات، في كتلة عصبية لا يتجاوز عدد خلاياها العشرين ألفا، تُسمى النواة الواقعة فوق تقاطع الأعصاب البصرية، في منطقة من الدماغ تُدعى بالمهاد hypothalamus. وتقع منطقة المهاد في قاع الدماغ، أي أن النواة تلك هي تحديداً فوق منطقة تقاطع الأعصاب البصرية، وتتلقى من طبقة خلايا الشبكية في العينين مباشرة معلوماتها عن الليل والنهار والظلمة والنور.
لكن ليس هذا هو نهاية القصة، إذ إن ثمة عوامل أخرى تهب المعرفة بالوقت للإنسان أو غيره من المخلوقات الكبيرة أو الدقيقة. ولذا فإن من حُرموا من نعمة البصر لم تُحرم أجسامهم وخلاياها من نعمة معرفة الزمن والساعة البيولوجية.(1/389)
ويرى كثير من مصادر علم الأعصاب أن تلف منطقة النواة تلك، لأي سبب كان، يُؤدي الى اضطرابات في النوم ونظام الدخول فيه والخروج منه، لأن نواة الخلايا العصبية للساعة البيولوجية المتقدمة الذكر ترسل معلوماتها عن الليل والنهار الى الغدة الصنوبريةpineal gland في الدماغ كي تفرز مادة هرمون ميلاتونينmelatonin . وهو هرمون يُنظم النوم، أو بعبارة أخرى هو مادة النوم الطبيعي. ويبدأ إفرازه من مغيب الشمس بشكل تدريجي، الى أن ترتفع نسبته في الدم وبالتالي يخلد الإنسان الى النوم. ثم عند بدء التعرض لضوء النهار يتوقف إفراز الهرمون هذا كي يسهل على المرء الاستيقاظ. ولذا فإن ملاحظة الكثيرين أن النوم في غرف عرضة لضوء النهار يُسهل الاستيقاظ المبكر ونشاط الجسم بخلاف الغرف المُظلمة والمحجوبة عن أشعة الشمس وضوئها بالستائر أو غيرها. والأصل المتفق عليه بين الباحثين أن وتيرة الإيقاع الدوري هذه تخضع لتأثيرات دورة الضوء والظلام المتعاقب بشكل رئيس. كما أن ما يهب الجسم تلك المؤشرات الدالة على الوقت يُسمى بواهب الوقت أو كما يُسمى في اللغة العلمية زيتغبير Zeitgebers، وهي كلمة ألمانية تعني ذلك.
* اختلال الساعة البيولوجية تشمل اضطرابات النوم الناجمة عن اختلال عمل الساعة البيولوجية في الدماغ مجموعة من الحالات التي يُعاني الكثيرون منها. وأهمها وأكثرها شيوعاً هو الـ «جت لاغ» المصاحب لحالات السفر الطويل بالطائرة، وقطع مسافات طويلة تشمل عدة مناطق زمنية من خطوط الطول. والمعاناة من اختلاف ورديات العمل لدى اضطرار البعض للعمل في فترات متعاقبة ليلية ونهارية، ما ينجم عنه صعوبات في النوم بالنهار وربما حتى في الليل. وهناك من هو مُصاب بمتلازمة تأخر النوم، التي تُؤدي الى صعوبة في النوم والاستيقاظ على السواء. هذا بالإضافة الى حالات التقدم في بدء مرحلة النوم، التي قد تكون بشكل وراثي عائلي، وتؤدي الى صعوبة السهر أو النوم في الصباح. وهناك حالة متلازمة عدم انتظام النوم والاستيقاظ طوال الأربع وعشرين ساعة، وهي غير حالة اضطراب وتيرة النوم والاستيقاظ، حيث في الحالة الأخيرة يحصل النوم في أوقات مختلفة من اليوم، وغالباً أكثر من مرة، بالإضافة الى الاستيقاظ في الليل أكثر من مرة أيضا. لكن الناس الطبيعيين، الذين لديهم ساعة بيولوجية سليمة في الدماغ، يختلفون في وتيرة نومهم واستيقاظهم اليومي، فثمة من يُفضل النوم والاستيقاظ المبكر، وثمة من يُفضل النوم متأخراً والاستيقاظ كذلك. وثمة مؤشرات على سلامة ذلك وكونه حالة طبيعية، منها أن المرء يستطيع النوم في الوقت الذي يشاءه لأخذ قسط كاف من النوم قبل الاستيقاظ، والاستيقاظ عندما تتطلب ظروفه ذلك. أو أنه يستطيع النوم والاستيقاظ في نفس الوقت متى ما أراد ذلك. أو أنه يستطيع خلال بضعة أيام إعادة ضبط وقت النوم والاستيقاظ بعد اضطراره الى تغيير ذلك لظروف اجتماعية أو عملية يجب عليه مراعاتها.
* الكبد.. ساعته البيولوجية مُؤثرة على الصحة > لعل أهم ما هو مطروح حتى اليوم من تلك العوامل المُؤثرة في الجسم، غير الضوء والظلام، هما الحرارة وتناول الطعام، وهو ما يُطبق في أنظمة مركبات الفضاء لضبط الساعات البيولوجية لدى الرواد، نظراً لفقد التعاقب بين الضوء والظلام. وبالإضافة الى هذا دلت الدراسات الحديثة على أن بعضاً من خلايا الجسم لها أنظمة خاصة من الساعات البيولوجية غير تلك الموجودة في الدماغ. وعلى سبيل المثال فإن خلايا الكبد تضبط عملها بأوقات تناول الإنسان للأكل لا بالضوء. وهو ما طرح تساؤلات علمية شتى حول أهمية اختلاف ساعة خلايا الكبد البيولوجية عن الدماغ وتأثيرات اختلاف ضبط ساعتها على الجسم، لأن خلايا الكبد، كما هو معروف، تقوم بالعديد من التفاعلات الكيميائية الحيوية في الجسم والمؤثرة بشكل كبير على جوانب لا حصر لها في ضبط الهضم وإنتاج العديد من المواد الحيوية والتعامل مع السكريات والدهون والبروتينات، والأهم في التعامل مع الأدوية. ولعل تعامل خلايا الكبد مع الدهون ومع السكريات هما أمران يُوضحان أهمية انضباط الساعة البيولوجية في الكبد الواقعة تحت تأثير أوقات الأكل، إذ من المعلوم أن الكبد يُنتج الكولسترول، ولذا يُمد الجسم بحوالي 80% مما في الجسم من كولسترول. وينشط الكبد في عملية إنتاج الكولسترول خلال الليل، لا النهار. ولذا يلحظ الكثيرون أن الأطباء يطلبون من مرضاهم تناول أدوية خفض الكولسترول في الليل لهذه الغاية، أي لمنع الكبد من إنتاج الكولسترول في الليل. كما من المعلوم أن تعامل الكبد مع السكريات وهرمون الأنسولين له دور مهم في ضبط نسبة سكر الدم وتصريف السكريات نحو الاستفادة منها أو تخزينها أو تحويلها الى مركبات كيميائية عدة. وحينما تختلف أوقات تناول الطعام، وتضطرب بالتالي الساعة البيولوجية لخلايا الكبد، فإن على المرء أن يتوقع الكثير من الاضطرابات في الجسم وظهور الأمراض فيه. ولذا فإن الحاجة تدعو الى مزيد من الدراسات في هذا الجانب لأن على سبيل المثال دلت الدراسات الطبية،
* دراسات جين النوم المبكر تساعد في فهم آليات عمل الساعة البيولوجية > ما يُشبهه البعض بسلوك الدجاج في النوم قد يكون حقيقة لا ذنب للإنسان فيها، إذْ تمكن الباحثون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو من تعليل إصابة أفراد من عائلات معينة بإحدى الحالات الغريبة التي تدفعهم الى النوم مبكراً والاستيقاظ كذلك، المعروفة باسم المتلازمة العائلية للتقدم في بدء مرحلة النوم familial advanced sleep phase syndrome (FASPS). ويُمثل اكتشاف وجود خلل جيني، نتيجة طفرة في جين الساعة البيولوجية الدماغية، ويُسبب بالتالي الإصابة بهذه الحالة المتميزة في وتيرة النوم، واحداً من الفرص النادرة لفهم الأسس الجينية للنوم لدى الإنسان بشكل عام. وقام الباحثون الأميركيون بنشر نتائجهم في عدد 12 يناير من مجلة الخلية.
وحالة متلازمة النوم والاستيقاظ المبكر هذه نادرة، وتصيب بشكل وراثي بعضاً من الناس، وبصفة سائدةdominant fashion في الانتقال من أحد الوالدين الى بعض من الأبناء أو البنات. وتظهر على هيئة تقديم لضبط الساعة البيولوجية في الدماغ بضع ساعات الى الأمام، وتحديداً ما بين ثلاث الى أربع ساعات مقارنة ببقية الناس العاديين. ويُصاحب هذا الإيقاع في النوم تغيرات في درجة حرارة الجسم وغيرها من الجوانب التي تُسيطر عليها الساعة البيولوجية في الدماغ.
وكان قد سبق للباحثين من جامعة كاليفورنيا اكتشاف أن في هذه الحالات ثمة اختلافاً في أحد الجينات يحصل بموجبه منع من إتمام إحدى التفاعلات الكيميائية اللازمة لتنظيم عمل الساعة البيولوجية في الدماغ. وبالتالي يتم البدء بالدورة الجديدة لليوم التالي في وقت أبكر من المعتاد. وما قاموا به مُؤخراً هو زراعة هذا الاختلال الجيني البشري في خلايا فئران سليمة. وأظهرت التجارب أن ذلك أدى الى إصابتها بكل تفاصيل الحالة البشرية.
ويأمل العلماء من ذلك الفهم المتقدم والتعمق فيه خلال أبحاث مستقبلية من فهم كيفية التعامل العلاجي مع حالات اضطرابات النوم، وكيفية التعامل مع المرضى الكبار في السن أثناء الليل وفق وتيرة حياتهم اليومية أثناء النهار.
المصدر :الشرق الاوسط
==============
حواء العاملة .. كيف يمكنكِ إدارة لحظات حياتك؟
* مارشال كوك
ـ قرري ولا تتشتتي:(1/390)
كم عدد القرارات التي تتخذها كل يوم دون حتى أن تلحظي؟ من المحتمل أنك تتخذين عدداً من القرارات أكبر بكثير مما تظنين.
وسوف نقوم الآن بسرد نصف دستة من القرارات الأساسية التي قد تقومين باتخاذها في صباح كل يوم عمل قبل أن تتركي المنزل، بالإضافة إلى بعض القرارات الفرعية التي تنطوي عليها تلك القرارات الستة.
ـ الساعة المنبّهة:
في الحقيقة فإن هذا القرار يبدأ في الليلة السابقة. فهل تقومين بتشغيل الساعة المنبهة أم أنك سوف تتركين نفسك تستيقظين بطريقة طبيعية؟ فإذا قررت الاستعانة بها، فما هو الميعاد الذي سوف تحدديه لاستيقاظك في اليوم التالي؟ وعندما ينطلق جرس الساعة، فهل ستقفزين من سريرك على الفور أم أنك سوف تتقلبين وتحصلين على عشر دقائق أخرى من النوم؟
ـ ممارسة التدريبات الرياضية:
نعم بالطبع، ولكن هل من الضروري أن أقوم بممارسة تلك التدريبات اليوم؟ هل سيكون هذا هو أول شيء أقوم به في الصباح؟ في هذا الطقس؟ وأنا أشعر بتلك الآلام في ركبتي؟
ـ الحصول على دش:
أم من الأفضل أن أقوم بالاستحمام؟ هل أقوم بغسل شعري أم أؤجله هذه المرة؟ هل أضع مزيلاً لرائحة العرق؟ من أي نوع؟
ولكننا حتى لم نتطرق إلى فرشاة الأسنان (هل تكون ذات أسنان خشنة أم ناعمة، وهل يجب أن تكون يدوية أم كهربائية؟) معجون الأسنان (هل أستخدم نوعاً يزيل طبقة البلاك؟ أم نوعاً يقوم بتبييض الأسنان؟ هل يكون على هيئة معجون؟ أم جيل؟ أم بودرة؟) حركة التنظيف (هل تكون من أعلى إلى أسفل أم من جنب إلى الجنب الآخر؟).
ـ دولاب الملابس:
وحتى أمور الموضة تعتبر من التحديات التي تواجهك (فأنا أنتمي لهذه الفئة). فأنت تقضين بعض الوقت في التفكير في الملابس، ليس في هل يجب أن ترتديها أم لا، ولكن في ماذا يجب أن ترتدي وما الذي يتماشى مع غيره. هل ترتدي معطفاً ثقيلاً أم نوع جاكيت قصير؟ هل تأخذ معك شمسية؟
ـ الإفطار:
إن وجبة الإفطار تعد من أهم وجبات اليوم، ولكن من الذي لديه الوقت لها؟
فإذا ما تناولت الإفطار، فما نوع الطعام الذي سأتناوله؟ لقد اعتادت أمي أن تقدم لنا اللحم والبيض والتوست والزبد واللبن كامل الدسم. ولكننا الآن من المفترض أن نقوم بقضم لحاء الأشجار. فما هو أفضل طعام يمكن تناوله؟
ـ وسائل المواصلات:
إن معظمنا يحتاج إلى الخروج من منزله والتوجه إلى مكان آخر لبدء يوم العمل. فهل تذهبين إلى العمل سيراً على الأقدام؟ (كم منا يسكن بالقرب من مكان عمله حتى يتمكن من الوصول إلى عمله سيراً على الأقدام؟) هل تستخدمين الدراجة؟ هل تستخدمين الأتوبيس؟ هل تنتقلين في عربة مشتركة؟ هل تقومين بقيادة سيارتك؟
ونحن هنا نتحدث عن الأيام العادية. فلم نتطرق إلى الحديث عن تلك الأيام التي يمرض فيها طفلك ويكون من الصعب اصطحابه إلى روضة الأطفال، أو عندما يقوم رئيسك في العمل بعقد اجتماع مفاجئ للعاملين في الساعة السابعة صباحاً، أو عندما تستيقظين لتجدي أنه يجب عليك أن تقومي بإزالة الثلج عن الطريق، أو عندما تكتشفي أن سائقي الأتوبيس قد قاموا بإضراب.
وإنه لمن الأمور العجيبة أن يتمكن أي منا من الذهاب إلى العمل من الأساس. (حاول أن تقول هذا لرئيسك في العمل في المرة التالية التي تتأخر فيها، أليس كذلك؟) ولكن كيف يمكننا القيام بهذا؟
إن هذا يرجع إلى أننا في حقيقة الأمر لا نقوم باتخاذ تلك القرارات على الإطلاق.
فما هو قدر التفكير الواعي الذي تعشرين به وأنت تؤدين الأعمال الروتينية الصباحية؟ فإذا كنت مثل الكثيرين منا، فإن طريقة استيقاظك، وارتدائك لملابسك، وقائمة إفطارك لا تتغير بدرجة كبيرة من يوم إلى يوم. وفي الحقيقة، فإن تلك الأمور الدنيوية وغيرها الكثير قد أصبحت مثل العادة أو الروتين اليومي. وقد تشعر بالغرابة من أداء تلك الأشياء بطريقة مغايرة. كما قد تجدين صعوبة كبيرة في القيام بتغيير هذا النمط (كما يحدث لنا عندما نبدأ في اتباع نظام حمية غذائية، أو عندما نحاول الاستيقاظ نصف ساعة مبكراً لممارسة التدريبات الرياضية، أو القيام بالامتناع عن الطعام في وقت الصوم).
إن هذا يعد أمراً جيداً. فإذا ما قضيت الكثير من الوقت كل صباح في التفكير في الطريقة التي تتبعها في غسيل أسنانك، فإنك سوف تتعرض حقاً لإحدى مشكلات إدارة الوقت. ولكن قيامك بتكليف الطيار الآلي بمثل تلك الأمور يجعلك تحرر خلايا عقلك لكي تتفرغ للاهتمام بالأمور الأكثر تعقيداً، مثل القيام بمناقشة موضوع ساعة الذروة في إشارات المرور.
فإذا كنت تمارسين أياً من تلك الطقوس، فإنه يجب عليك أن تقرر أياً منها، بالإضافة إلى بعض الجوانب الأخرى من حياتك اليومية، تريد أن تقوم بتفحصها بغرض تنظيمها أو حتى القيام بحذف بعض منها أو دمج البعض الآخر الذي يكون أكثر جدوى.
إن هذا كله يتطلب الكثير من الوقت بالطبع، والوقت هو بالتحديد الشيء الذي ليس لديك منه القدر الكافي. ولكن قيامك ببذل القليل من الوقت والمجهود الآن يمكن أن يوفر عليك عدداً لا نهائي من الساعات على المدى البعيد. وبالرغم من الأمور الملحة التي تطل عليك كل يوم، فإنك تعيشين من أجل المدى البعيد.
=============
كيف تنظم دراستك؟
دخلت صديقتي صبا السنة الثانية لتوها في المدرسة العليا، وهي ذكية ومع ذلك لم تتجاوز قط المعدل (ب). لأن حضورها متقطع وتقضي معظم وقت الدراسة في الاستماع للموسيقى، أو التسوق أو التسكع.
لكن الواقع بدأ بالتعقد، وبدأ جزء صغير من الدوافع يثير شهيتها للدراسة، لقد أدركت الرابطة بين النجاح في الدراسة والعمل، وشعرت أن عليها اكتساب الأشياء التي ستحتاجها وبأن الحصول على النقود يعتمد على التحصيل العلمي بشكل كبير. لكن هذا الإدراك لم يحوّل ماري إلى طالبة محبة للعلم، لكنه جعلها تدرس بجد لأن الدراسة هي الوسيلة لتأمين احتياجاتها.
ـ الدوافع الحقيقية والعرضية:
للدوافع نوعان إما حقيقية أو عرضية فما الفرق بينهما؟ إنك تميل لساعة الغناء في الصف وهذه الساعات لا تؤثر على تخرجك فأنت تحضرها لأنك تحب الغناء.
وأنت تميل كذلك لعلم الأحياء مع أنك تكره تشريح الضفادع، ولا يهمك إذا كان الانسان من الفقاريات أو اللا فقاريات إلا أن الدرس ضروري فالدافع في المثال الأول جوهري، أما في المثال الثاني فهو عرضي لأنه ضروري لتخرجك.
تساعد الدوافع العرضية في التغلب على الواجبات الثقيلة أو المملة، وهي جزء من عملية تحقيق الهدف. أن صورة حية ومثيرة لهدفك النهائي أقوى حافز للعمل. حاول تخيل اليوم الذي سترى فيه حصيلة الجهد، وهذا التخيل سيدفعك باتجاهه.
ـ هرم الهدف:
ـ إحدى الطرق لتخيل أهدافك وترابطها ببعضها، بناء ما يُدعى بهرم الهدف، وإليك كيفية تشكيله:
1 ـ دوّن في مركز أعلى الورقة ما تتمنى الحصول عليه في نهاية دراستك (هذا قمة الهرم) مثال: ((مهندس معماري)).
2 ـ ضع أسفل القمة أهدافك متوسطة المدى والتي تؤهلك للحصول على الهدف البعيد. مثال (الدخول إلى كلية ما واجتياز الامتحانات كلها، وإقامة صلة مع شركة مقاولات).
3 ـ ضع تحت الأهداف المتوسطة عدة أهداف قصيرة المدى، وهي خطوات صغيرة تتضافر خلال وقت قصير وتوصلك إلى الأهداف المتوسطة. مثال (الحصول على علامات ممتازة في الكتابة في الصفوف العليا).
تسنح لك عملية تصور هرم الدراسة أن ترى كيف تقود الخطوات اليومية، والأسبوعية إلى أهداف عظيمة وتحثك على العمل بها بجد وحماس.
ـ اجعل الهدف جزءاً من حياتك:(1/391)
تطوير مهارات الدراسة الجيدة هي الطريق الأمثل لتحقيق أهدافك مهما كانت. كيف تجعل صنع الهدف جزءاً من حياتك؟ إليك بعض الإرشادات:
1 ـ كن واقعياً عند وضع أهدافك، فلا تتطلع إلى أعلى من قدراتك أو أقل منها.
2 ـ كن واقعياً في توقعاتك، فمن المستحيل أن تتحسن بسرعة في مادة ما وأنت غير مستوعب لهذه المادة بشكل عام.
3 ـ احذر أحجية الأحلام الذهبية: بغض النظر عن النقطتين السابقتين، تستطيع أن تكون واقعياً أكثر مما ينبغي، ومستعداً للتنهد والتخلي عن الهدف لأن شيئاً ما قد لا يتفق مع قدراتك.
هناك خط رفيع بين التفاؤل المفرط والشعور بالأسى لعدم تحقيق الهدف، بين الطموح البسيط والعادي وعدم الوصول إليه أبداً ومعرفة الطريق الذي يناسبك.
4 ـ ركّز على المواد القابلة للتطور، يمكن أن تثير النجاحات غير المتوقعة، وقد تمكنك من الوصول إلى أكثر مما تظن في المجالات الأخرى.
5 ـ راقب إنجازاتك، وحافظ على موازنة أهدافك يومياً، أسبوعياً، شهرياً، سنوياً ـ اسال نفسك ما فعلت وأين تتجه الآن.
ـ استخدم المكافأة كحوافز مزيفة:
يعتمد أسلوب استخدام المكافأة على مدى المساعدة التي تحتاجها لتتحفز للدراسة. يمكن وضع حافز إن أنجزت معظم الأعمال المدرسية أن تعد نفسك بجائزة صغيرة. وإن كانت المهمة صعبة بشكل خاص اجعل الجائزة أكبر، وكقاعدة يجب أن يتناسب حجم الجائزة طرداً مع صعوبة المهمة.
مثلاً: مقابل قراءة ساعة كاملة، كافئ نفسك بنزهة على الأقدام مدة عشر دقائق.
ـ جزرة أم عصاة؟
هل تميل في محاولة لحضّ نفسك إلى استخدام الجزرة أم العصاة؟ كلا النوعين السلبي والإيجابي قادر على حثّ نفسك.
إليك بعض الأمثلة عن الأفكار السلبية التي اعتاد الطلاب وضعها على أنفسهم كحوافز:
1 ـ إذا لم أحصل على علامة جيدة في هذا الامتحان فسوف ينخفض معدلي الدراسي.
2 ـ إذا لم أنته من هذا الواجب سأخسر الحفلة.
3 ـ إذا رسبت في الامتحان التمهيدي للكلية فسيضيع مستقبلي.
4 ـ سأضطر لدخول مدرسة صيفية إذا لم أنجح في هذا الصف.
ـ والآن إليك بعض الأمثلة عن الحوافز الإيجابية:
1 ـ سأمنح نفسي فرسة الاستماع لأغنيتين من النوع الشائع مقابل كل ساعة من الدراسة الجدية.
2 ـ إذا قمت بهذا الواجب مبكراً، أستطيع الذهاب لحديقة الحيوانات ((يوم الجمعة)).
3 ـ إذا حصلت على علامة (آ) في هذا الصف، سأكافئ نفسي بقضاء نهاية الأسبوع على البحيرة.
4 ـ إذا أنهيت المنهاج بتفوق سأحصل على فرصة الانضمام إلى المدرسة العليا.
ـ ليس هناك قاعدة لاستخدام العصاة كحافز لك. لكن عليك أن تتعلم كيف تحول فشلك إلى نجاح.
ـ هيئ بيئتك بنفسك:
ـ الوقت هو التاسعة والنصف مساء، والكتب والملاحظات مبعثرة على المنضدة والأرض. وعليك تقديم امتحان التاريخ في التاسعة صباحاً في الغد. لقد وعدت والدتك بأنك سترمي القمامة وتقوم بتنزيه أخيك الصغير، ولم تسنح لك الفرصة لإلقاء نظرة على الكتاب المقرر مدة أسبوع. لقد استيقظت متأخراً بسبب تأخرك في السهر لمشاهدة برنامجك المفضل الليلة السابقة وما زلت متعباً.
ومع كل هذه الظروف المزعجة ـ الضجيج والمهمات الموكلة إليك وتعبك العام ـ فإنك غير مستعد للدراسة وفي ظل هذه الظروف سيكون الوقت ضائعاً. كيف يمكنك التركيز مع هذه الموسيقى الصاخبة؟ كيف ستركز على الحفظ والعمليات الذهنية وعيناك ترمشان؟ وهل سيطلب منك في اللحظة الحرجة الذهاب مع أخيك في نزهة؟
تخيل الآن المشهد التالي: لقد وجدت مكاناً هادئاً على طاولة القراءة في المكتبة المحلية بعد أن غادرت الصف للتو، وتحضر الآن لمراجعة محاضرة التاريخ وهي ما تال ماثلة في ذهنك، تنظر حولك فتجد كل القراء منكبين يركزون ويفكرون.
ـ هذا هو الجو المثالي للدراسة ـ وأنت مستعد الآن للدراسة الجدية، وخلال نصف الوقت الذي حددته تكون قد أنهيت دراستك وعلى استعداد للعودة إلى البيت.
هذه المقارنة البسيطة بين مناخ الدراسة الجيد والسيئ تعطيك مجالاً للتفكير. لتكون ناجحاً تحتاج المهارات الصحيحة والمناخ الدراسي السليم، لكن يحتمل أن يكون المناخ الدراسي الصحيح لك هو النقيض لغيرك. هل تعرف أين ومتى وكيف تدرس بشكل أفضل؟
في المكتبة أم في البيت، أم عند الأصدقاء؟ قبل الغداء أم بعده؟ في الهدوء أم في الضجة؟ مع الموسيقى أم أثناء مشاهدة التلفزيون؟ الواجبات الأسهل أولاً أم الأصعب؟ القراءة قبل الكتابة؟
ـ التقييم:
ستجد بعد قليل جدولاً لتحديد المناخ الملائم لدراستك. ويتضمن أين ومتى كيف تدرس بشكل أفضل.. وحين تحدد الجو المناسب فسوف تتجنب الأوضاع والأماكن التي تعرف الآن أنها لا تشجعك على الدراسة.
إذا لم تعرف الإجابة عن بعض الأسئلة اتخذ التجربة دليلك.
المناخ الأمثل لدراستي:
ـ كيف أتذكر المعلومات بشكل أفضل.
1 ـ شفهياً ـ بالأدوات.
ـ وفي الصف عليّ:
2 ـ التركيز على وضع الملاحظات ـ التركيز على الاستماع.
3 ـ الجلوس في المقدمة ـ الجلوس في المؤخرة ـ الجلوس قرب النافذة أو الباب.
ـ أين أدرس بشكل أفضل؟
4 ـ في البيت ـ في المكتبة ـ في مكان آخر.
ـ متى أدرس بشكل أفضل؟
5 ـ كل ليلة وقليلاً في العطل الأسبوعية.
ـ في العطل الأسبوعية بشكل رئيس.
ـ بشكل متفرق على أيام الأسبوع.
6 ـ في الصباح ـ المساء ـ الظهر.
7 ـ قبل الغداء ـ بعد الغداء.
ـ كيف أدرس بشكل أفضل؟
8 ـ وحدي ـ مع صديق ـ مع مجموعة.
9 ـ تحت ضغط الوقت ـ قبل أن أعرف
10 ـ مع الموسيقى ـ أمام التلفزيون ـ في غرفة هادئة.
11 ـ تنظيم دراسة الليلة قبل البدء.
ـ الانتهاء من مادة واحدة كل مرة.
ـ أحتاج لفترة استراحة؟
12 ـ كل 30 دقيقة أو نحوها.
ـ كل ساعة.
ـ كل ساعتين.
ـ كل... ساعة.
كلمة للتنبيه:
قبل أن نتفق على خلاصة فحواها أن المواهب التي وهبها الله هي فقط الجديرة بالتطوير، إليك نصيحة للتنبيه: إن متابعة مثل هذا الهدف يمكن أن تكون نعمة مزدوجة. يخبرنا المنطق على أن الأمور التي تحصل عليها بسهولة يمكن إتقانها بسهولة، لكن هذا لا يعني أن المجالات التي تحتاج لبعض الدراسة والجهد مستعصية على الإتقان.
نصيحتي لك أن تكون شاكراً للموهبة الطبيعية التي حباك الله بها مهماً كانت واستعملها كسيف بحدين، فقم بتحويل بعض الوقت المخصص لدراسة المواد التي تجدها سهلة إلى تلك المواد الأكثر صعوبة، وستجد أن التوازن الذي تحققه يستحق الجهد، وإذا لم تفكر قط بالمواد التي تحبها أولاً فاستخدم الجدول الذي سنورده بعد قليل لتحديدها.
==============
كيف تدير وقتك بفعالية
الوقت هو أحد الموارد المتاحة للمسئول لتحقيق أهداف العمل . وتقاس فعالية هذا الوقت بمدى كفاءة المسئول في الاستفادة منه لتحقيق هذه الأهداف مقارنة بالتكلفة التي تتكبدها المؤسسة لشراء هذا الوقت على شكل مرتبات وأجور ومزايا نقدية وعينية .
إليك بعض المقترحات العلمية التي يمكنها أن تساعدك على حسن إدارتك للوقت :
* ضع ، صباح ، كل يوم ، قائمة بالأعمال التي يجب القيام بها خلال اليوم ، وذلك من واقع خطة العمل الأسبوعية ، ومن المواعيد والاجتماعات المتفق عليها سابقاً .
* حدد أولويات إنجاز الأعمال مبتدءاً بالأهم فالمهم ثم الأقل أهمية ، واعمل على الالتزام ما أمكن .
* لا تعطي الأولويات لإنجاز الأمور الأكثر متعة وسهولة على حساب تأجيل إنجاز الأمور الهامة .
* حدد الأعمال التي يمكنك تفويض مسؤولية القيام بها للمرؤوسين ، وأحرص على تحديد مواعيد إنجازها ، وكذلك متابعة إنجازها في الوقت المناسب .(1/392)
* خصص وقتاً لإنجاز الأمور التي تتطلب التركيز الشديد ، واحرص على عدم مقاطعتك خلالها ، ويمكنك أن تحتجب خلالها هذا الوقت في مكتب آخر حرصاً على عدم المقاطعة ، مثل العمل في غرفة الاجتماعات .
* احصر الأمور الروتينية أو غير هامة التي يمكن إنجازها حسب توفر الوقت . مثلا اغتنم فرصة تأخر أحد الضيوف عن الحضور إلى مكتبك في الموعد المحدد ، أو فرصة تأخير أو إلغاء موعد انعقاد أحد الاجتماعات لإنجاز هذه المهام .
* لا تؤجل اتخاذ القرارات الروتينية التي لا تحتاج لوقت طويل لدراستها لأن العودة للتفكير فيها لاحقاً سيستغرق وقتاً أطول .
* ضع قائمة بالمكالمات الهاتفية التي تود إجراءها ، وخصص وقتاً محدداً كل يوم لإجراء المكالمات تباعاً .
* جامل الآخرين ولكن لا تسمح لهم بالاسترسال في الأحاديث الشخصية خلال المكالمات الهاتفية أو الاجتماعات الثنائية ، أوضح للشخص الآخر بلباقة أنك ترحب بمقابلته أثناء فترة الغداء أو فترة الراحة لمناقشة الموضوع .
* أطلع مساعدك أو سكرتيرك باستمرار على أولويات عملك خلال اليوم بحيث يساعدك على تنظيم وقتك وتحسين إدارته .
=============
العادات السبع لكبار الناجحين
* أحمد البراء الأميري
إن الناجحين قوم استطاعوا أن يجعلوا العادات الإيجابية المفيدة (عادات الفاعلية والتأثير) جزءاً من حياتهم اليومية. إنهم قومٌ يحركم شعور داخلي قوي نحو تحقيق أهدافهم وغاياتهم. لقد تحكموا في مشاعر إعراضهم عن القيام ببعض الأعمال، وعدم محبتهم لها، وبذلك اكتسبوا (العادات السبع) التي سنتحدث عنها، واستطاعوا أن ينظموا حياتهم على أساسها.
إن (العادات السبع) للناجحين عادات مترابطة بشكل عضوي، تعتمد إحداها على الأخرى، ويتلو بعضها بعضًا بصورة طبيعية. فالعادات الثلاث الأولى مرتبطة بالشخصية، وهي تساعد صاحبها على تحقيق (أهدافه اليومية)، وهو ما يحقق له (الاستقلالية)، والاعتماد على النفس. والعادات الثلاث التي تليها هي التعبير الخارجي الظاهر عن الشخصية، وهي توصل صاحبها إلى تحقيق (المنفعة المشتركة). أما العادة السابعة فهي تساعد على مواصلة عملية التقدم والنمو، والمحافظة عليها.
العادة الأولى: كن مبادرًا
بادر ولا تنتظر. إن هذه العادة تعني أن تتحمل مسؤولية مواقفك وأعمالك. إن الناجحين قوم مبادرون، ينمّون في أنفسهم القدرة على ( اختيار ردود أفعالهم) تجاه المواقف والأحداث، ويجعلونها ثمرة للقيم التي يحملونها، والقرارات التي يتخذونها، لا تابعة لأمزجتهم وأوضاعهم. إنهم يتمتعون
بـ (الحرية) في اختيار مواقفهم حيال أي وضع داخل أنفسهم أو خارجها.
إنك كلما مارست حريتك في اختيار مواقفك واستجاباتك وردود أفعالك أصبحت أكثر مبادرة وإيجابية. وسبيل ذلك:
أ- أن تكون هاديًا لا قاضيًا.
ب- أن تكون مثالاً يحتذى لا ناقداً.
ج- أن تكون مبرمجًا لا برنامجًا.
د- أن تغذي الفرص وتجيع المشكلات.
هـ- أن تحافظ عل الوعود لا أن تختلق الأعذار.
و- أن تركز على الدائرة الضيقة للتأثير الممكن، لا على الدائرة الواسعة للأمور التي تهمك ولا سيطرة لك عليها.
تطبيقات العادة الأولى:
1- حاول ـ لمدة ثلاثين يومًا ـ أن تعمل في دائرة التأثير، أي: في حدود إمكاناتك واستطاعتك. حافظ على مواعيدك. كن جزءًا من الحل لا جزءاً من المشكلة.
2- تذكر موقفًا حدث لك في الماضي تصرفت فيه بشكل انفعالي يعتمد على رد الفعل وقرر مسبقًا أنك ستتصرف في مواقف مماثلة بشكل حكيم يعتمد على المبادرة والإيجابية.
3- انتبه إلى أسلوبك في الكلام، هل تستعمل عبارات انفعالية تعتمد على ردود الفعل، مثل: لا أستطيع، يجب علي... لو أني فعلت كذا وكذا...إلخ، وبذلك تحمل مسؤولية مشاعرك وتصرفاتك شخصًا آخر، أو تلقيها على الظروف إن كانت هذه هي الحال فابدأ باستعمال أسلوب أكثر مبادرة وإيجابية، تعبر فيه عن مقدرتك على اختيار مواقفك وردود أفعالك وعلى إيجاد حلول أخرى.
4- حدد ما يقع في دائرة إمكانك، أي: ما تستطيع فعله، وركز اهتمامك وجهودك عليه لمدة أسبوع، ولاحظ نتيجة ذلك في عملك. أو قل وتذكر قوله تعالى: {لا يٍكّلٌَفٍ پلَّهٍ نّفًسْا إلاَّ $ٍسًعّهّا} [البقرة : 286].
وقول الشاعر :
إذا لم تستطع شيئًا فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
العادة الثانية: ابدأ والنهاية أمام عينيك، أي: ليكن هدفك واضحًا منذ البداية
هذه عادة القادة الناجحين. ابدأ يومك بأهداف واضحة تريد تحقيقها، وأعمال محددة تسعى لإنجازها. إن (الناجحين) يعلمون أن الأشياء توجد في (الذهن) قبل أن توجد في (الواقع)، لذلك فهم (يكتبون) أهدافهم ويجعلونها (مرجعًا) عند اتخاذ قراراتهم المستقبلية. إنهم يحددون بدقة وعناية (أولوياتهم) قبل الانطلاق لتحديد أهدافهم.
أما (المخفقون) فيسمحون لعاداتهم القديمة، ولأناس آخرين، وللظروف المحيطة بهم أن تملي عليهم أهدافهم، أو تؤثر في أولوياتهم، إنهم يتبنون القيم والأهداف السائدة في مجتمعهم، وتقاليدهم، وثقافتهم، دون فحصها للتأكد من صحتها، أو مناسبتها لهم، ويشرعون في تسلق (سلم النجاح) الذي يتخيلونه، فإذا وصلوا إلى آخر درجة فيه اكتشفوا أنه مستند على غير الجدار المطلوب!
إن (التصور الثاني)، أي: الوجود الفعلي المادي، يتبع (التصور الأول)، أي: الوجود الذهني، كما يتبع إنشاءُ مبنى على الأرض وجود (مخطط) البناء. فإذا كان المخطط صحيحًا، وممتازًا، وتم التنفيذ بالشكل المطلوب كان البناء ممتازًا.
تطبيقات العادة الثانية:
1- تأمل الفرق بين (القيادة) و(الإدارة)، واعزم على الاتجاه الذي تريد المضي فيه والغايات التي تريد الوصول إليها في حياتك.
2- تخيل أنك متّ بعد ثلاثة أعوام من الآن، وقام للحديث عنك أربعة أشخاص: واحد من أفراد أسرتك، وآخر صديق لك حميم، والثالث زميل في عملك، والرابع إمام المسجد الذي تصلي فيه (التصرف الأخير هذا من عندي، لأن المؤلف قال: راعي الكنيسة). اكتب ما تود أن يقوله عنك كل واحد من هؤلاء، واجعل ما كتبته من ضمن أهدافك.
3- حدد مشروعًا عليك القيام به في المستقبل القريب. طبق مبدأ (التصور، أو الوجود الذهني) واكتب النتائج التي تودالوصول إليها، والخطوات التي ينبغي سلوكها لتحقيق تلك النتائج.
العادة الثالثة: قدم الأهم على المهم: (رتب أولوياتك)
تتصل هذه العادة اتصالاً وثيقًا بـ (إدارة الوقت)، وبترتيب الأمور المشار إليها في العادة الثانية، التي ينبغي عليك القيام بها بحسب أهميتها.
لقد تبين من الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن (80) بالمئة من النتائج المرجوة هي حصيلة (20) في المئة من الجهود المركزة المبذولة في سبيل تحقيقها. لذلك علينا - إذا أردنا استثمار وقتنا بالشكل الأمثل - أن نقلل من اهتمامنا بالأمور المستعجلة القليلة الأهمية، وأن نخصص وقتًا أطول للأمور المهمة التي قد لا تكون بالضرورة مستعجلة.
إن الأمور المستعجلة الطارئة تتطلب منا اتخاذ إجراء مستعجل حيالها وهو ما يضيع علينا الوقت اللازم للقيام بالأمور الحيوية المهمة، التي هي - بطبيعتها - غير مستعجلة، ويمكن تأخيرها قليلاً دون حصول ضرر يذكر من هذا التأخير.(1/393)
لذا علينا أن نكون (مبادرين) في إنجاز الأمور المهمة غير المستعجلة وعندما نستطيع أن نقول: (لا) لغير المهم نستطيع أن نقول: (نعم) للمهم. وإذا لم نفعل هذا فإن الأمور الطارئة العاجلة ستملأ علينا وقتنا، وقد تفسِدُ في المآل حياتنا، وهذا ما يؤدي إليه التخطيط اليومي دون التخطيط الأسبوعي أو الشهري، لأن التخطيط اليومي يتعامل مع القضايا والمشكلات التي تتطلب حلولاً سريعة، دون أن يكون لها نفع في تحقيق الأهداف الكبرى على المدى البعيد. أقول: فكيف بمن لا يخطط حتى ليوم واحد، وما أكثرهم بيننا!!
ولمزيد من الإيضاح لا بأس أن نرسم ما يمكن أن يُسمّى المربعات الأربعة لإدارة الوقت وحسن الاستفادة منه، ونلاحظ أن الجهد الأكبر، والوقت الأوفر، والعناية الأكثر يجب أن تُعطى للمربع رقم (2):
تطبيقات العادة الثالثة:
1- اكتب عملاً واحدًا مهمًا تحسن القيام به في حياتك الشخصية (كممارسة الرياضة البدنية إذا لم تكن ممارسًا لها، وكالإقلاع عن التدخين إذا كنت مدخنًا) وآخر في عملك الوظيفي (كالوصول قبل بدء الدوام بربع ساعة مثلاً)، ثم ضع جدولاً للأسبوع القادم مبنيًا على أولوياتك.
2- ارسم (المربعات الأربعة) الخاصة بك، وقدّر كم من الوقت تنفقه في كل مربع، ثم سجل لمدة ثلاثة أيام (كل ساعة) ما قمت به في المربع الذي يناسبه، راجع ما سجلت، وعدّل سلوكك ومخططاتك لينال المربع الثاني من وقتك النصيب الأوفى.
3- ابدأ بالتخطيط لحياتك على أساس أسبوعي، واكتب أهدافك، وارسم الخطط لتحقيقها وليكن ذلك كتابة أيضًا.
* المعرفة
===========
هل تريد أن تصبح مدرساً جيداً؟
الأمر بسيط جداً، فقط اتبع المبادئ التالية والتي تعد كميثاق شرف ينظر للمدرس والتلميذ على أنهما بشر وأن لكل منهما حقوقاً وواجبات.. المهم ألا تكتفي بالقراءة!.
-1الحضور في الوقت المحدد: فاحترام المدرس للمواعيد، يساعده على كسب ثقة طلابه واحترامهم إذ سينظرون إليه بصورة جادة. كما أن لهذا المبدأ أهمية كبرى، إذ إن المدرس سيتجنب بذلك عدم وجود الوقت الكافي لإنهاء البرنامج الدراسي في الوقت المحدد.
-2 تحضير الحصة قبل إلقائها: من المهم أن يكون المدرس مستوعباً جداً للمادة التي يقوم بتدريسها، ولا يكفي فقط مجرد جمع معلومات وحفظها، بل يجب التفكير أيضاً في طريقة عرضها أو وضع المفاهيم الأساسية واختيار الأمثلة مع التدريبات التطبيقية.
-3 أن يجعل الطلاب يشاركون في الفصل: فالمدرس الجيد هو الذي يمنح لكل واحد من الطلاب فرصة تقويم نفسه وإشعاره بالتقدير وإعطائه الفرصة للتعبير عن ذاته، ويجعل الطلاب مشاركين في الحصة بفاعلية. ينبغي أن يوزع المدرس كلامه بالتساوي على الطلاب كلهم سواء الثرثار أو الخجول الذي يختنق عندما يتواجد في مجموعة (ولكن لديه بدون شك شيء يقوله).
-4 يجب أن يعطي معنى لما يفعل: أن يشرح الهدف من الحصص والفائدة منها وتوضيح ما الذي ينتظره من طلابه، كما يجب أن يعلم تلاميذه كيفية الاستفادة من المعرفة التي يقدمها لهم.
-5 الاهتمام بتصحيح الواجب ووضع درجات تقديرية: فالتقدير يساعد على إصلاح الأخطاء (عندما يدفع الطالب إلى تصحيحها بنفسه) ويشير إلى نقاط الضعف، كما أنه يساعد الطالب على أن يصبح أفضل في المرة القادمة.
-6 أن يسمع طلابه ويحترمهم: فلا يجب أن يهين المدرس تلميذاً، على الأقل أمام الآخرين. يحاول مع الطلاب الفاشلين ولا يجعل معهم حدوداً، خصوصاً إذا كانوا يكرهون المدرسة والتعليم. ويحاول دون إجبار أن يكسب ثقة الطلاب وذلك لأن التعليم لا يتم إلا في إطار علاقة طيبة.
-7 أن يحذّر تلميذه إذا وجده يغرق: تماماً مثلما يجب أن يصارح الطالب أستاذه بإحساسه بالعوائق في دراسته، فإن المدرس لا يجب أن ينتظر الشهادة لكي يقول للطالب احذر هناك خطر. يجب أن يفتح الحوار مع الطالب في الوقت المبكر حتى يستقر ويتجاوز الأزمة.
-8 روح الدعابة: يجب أن يكون المعلم صاحب فكاهة وطبع ذي دعابة، ويقود طلابه بألفة داخل حدود المدرسة وخارجها.
============
وقت الفراغ واستكشاف صورة المستقبل ..
د . محمد علي محمد
هل يستطيع علم الاجتماع ان يسهم في التنبؤ بالموقف فيما يتعلق بوقت الفراغ في المستقبل ؟ ان كل فروع علم الاجتماع تهتم باستكشاف الاتجاهات العامة للظواهر التي تدرسها , وتحاول قدر المستطاع ان تقدم تنبؤات بصدد هذه الظواهر , وربما كانت هناك بعض الصعوبات التي تواجه هذه الفروع , نظرا لانها تدرس عناصر في بناء المجتمع تتميز بالاستقرار نسبيا , وان كانت تخضع ايضا للتغير - ومعنى ذلك ان المهمة الاساسية بالنسبة لوقت الفراغ قد تكون ايسر الى حد ما , فنحن نعيش في عصر تزايد وقت الفراغ بل يطلق البعض على المجتمع الذي نعيشه مصطلح ( مجتمع الفراغ ) . وترتكز هذه الدعوة على عدة اعتبارات , لعل اهمها : ان الفراغ هو اساسا نتاج للمجتمع الصناعي , فهو الوجه الاخر للعمل في هذا المجتمع , ترتب على ارتفاع مستوى الانتاجية ومن ثم اصبح يمثل نظاما اجتماعيا له خصائصه المتميزة , ولقد اوضحنا طبيعة العلاقة بين الفراغ والثقافة والنظم الاجتماعية الاخرى , وكشفت هذه المعالجة عن نوع التداخل القائم بين الفراغ كنظام اجتماعي وبين هذه النظم , مما يمثل شواهد تدلل على وجود مجتمع الفراغ
ولقد اهتم تراث علم الاجتماع بمناقشة هذه القضية من زوايا مختلفة , ولعله قد اتضح على طول هذه الدراسة النظرية لقضايا الفراغ والترويح مبلغ تنوع التراث وتراكمه في هذا المجال , ففي عام 1975 تساءل كينث روبرتز فيما يتصل بنمو وقت الفراغ تساؤلا مؤداه , هل نحن على ابواب العصر الذهبي لوقت الفراغ , كما كتب ايضا في عام 1980 يقول : ( ان المعلومات التي لدينا ... تشير الى ان الانشطة التي يمارسها الناس خلال وقت الفراغ تؤثر تأثيرا واضحا في تطوير احساسهم بذاتهم , مما جعل وقت الفراغ يمثل نظاما - شأنه شأن النظم الاجتماعية الاخرى - يتبادل التأثير والتأثر مع هذه النظم ) . كذلك تناولت دراسات جوفردي مازدييه و الن تورين ذلك الاتجاه نحو تزايد وقت الفراغ , الذي لا يقاس فقط في ضوء كمية الوقت المتاح لأنشطة وقت الفراغ , وانما الظاهرة الملاحظة ان ( وقت الفراغ قد اكتيب هوية او ذاتية واضحة , فالفراغ لا يساعد بالضرورة على فقدان قيم العمل , وانما قد لا يشغل الفراغ اهتماما رئيسيا في حياة الناس , خاصة حينما تكون الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهم لا تسمح بنمو هذه الاهتمامات , ونستطيع ان نعتمد على اعمال الن تورين ذاته حين كتب يقول : ( لقد ادهشتني حقا تلك الحقيقة التي مؤداها ان انشطة الفراغ لا تنطوي على اهمية كبيرة في حياة العمال ) . واذن , فقد ينصرف الناس الى البحث عن المزيد من من مصادر الربح والكسب المادي لكي يستطيعوا الوفاء بمتطلبات حياتهم و ولا تمثل انشطة وقت الفراغ بالنسبة لهم ادنى اهتمام , ومع ذلك فأن ثمة فراغا في حياة هؤلاء , ويتداخل هذا الفراغ مع مختلف جوانب حياتهم , ويختلط باعمل في كل صورة و وهكذا فأن التنبؤ باتجاهات سلوك الفراغ في المستقبل , ورسم السياسات الملائمة لخذخ الانماط السلوكية امر مرتبط بتحليل علاقة الفراغ بكافة النظم الاجتماعية الاخرى .(1/394)
ومن بين القضايا الهامة التي ترتبط بمعالجة الفراغ تلك القضايا الثقافية , وتقع القيم في محور هذا الاطار الثقافي , وتظهلر اهمية القيم في تناول معنى الفراغ , ومضمون هذه الخبرة التي يعيشها الانسان في الوقت الحر , كذلكك تحتل القيم اهمية خاصة حين نتسائل عن دور الفراغ في حياة الافراد والمجتمع , واخيرا تظهر القيم مرة اخرى عند مناقشة المسائل المتعلقة بتخطيط انشطة وقت الفراغ وتنظيمها . ونستطيع في هذا الصدد ان نضيف موقفا اخر يتعلق بطبيعة علم اجتماع الفراغ في ضوء هذه المواقف الثلاثة . الى اي حد نستطيع ان نعالج سلوك الفراغ والانظمة المرتبطة به معالجة موضوعية ؟ ان فهم الموضوعية , فهما ضيقا على انها التزام بتعريف وقت الفراغ تعريفا كميا , خاليا من المعنى الكامن وراء الاختيارات التي ينطوي عليها سلوك الفراغ , انما يجعل بحو الفراغ مجرد رصد كمي لا معنى له , ذلك ان فهم الفراغ من منظور اوسع يقتضي الاهتمام بالقيم والمعاني والاتجاهات , التي تمكننا من تحقيق صيغة اجتماعية للواقع وهي صيغة تجعلنا نتجنب الجوانب السطحية التي ينطوي عليها البحث الاحصائي , وفي هذه الصيغة سنجد ان سلوك الفراغ ومنظماته ظاهرة مرتبطة بنائيا ووضيفيا بكافة انظمة المجتمع الاخرى وظواهره الثقافية على نحو ما اوضحنا ذلك خلال التحليل النظري .
اما فيما يتعلق بدور الفراغ في المجتمع المعاصر , فان فهم هذا الدور مرتيط بمفهومنا عن الفراغ , فهل الفراغ مجرد وقت ينبغي استغلاله من اجل مزيد من العمل , ام انه الوقت الحر الذي يتعين استثماره على نحو يضفي على الحياة ككل معنى خاصا . ان النظرة الشائعة للفرغ تميل اما الى تأكيد اهميته كوسيلة لتحقيق الضبط الاجتماعي , او بوصفه التعبير المتسامي عن الثقافة , وبين هذين القطبين المتعارضين هناك ظائفة من المواقف المتنوعة التي تنطوي على قيم مختلفة , وفي ضوء ذلك , ينبغي ان تناقش مسألة تخطيط انشطة وقت الفراغ من خلال الاطار السياسي الاشمل و وعلى اساس الفهم الفلسفي للقيم التي تحقق في انشطة الترويح وقضاء وقت الفراغ . وهنا سنجد في علم اجتماع الفراغ عونا مباشرا لنا من اجل وضع السياسات الملائمة لمواجهة حاجات الناس ورغباتهم , اذ سيمكننا علم الاجتماع في هذه الحالة من تناول تساؤلات محورية مثل , الى اي حد علينا ان نحقق قيم الفراغ في العمل ؟ وما هي الطرق التي يجب ان تستخدمها الاسرة في التاثير على اتجاهات ابنائها نحو الفراغ وسلوكهم ؟ وهل يجب ان نضع برامج الاعداد لقضاء وقت الفراغ وتعليم الناس كيفية قضاء هذا الوقت ؟ وهل يمكن ان يساعدنا هذا النظام الديني في اكتشاف طرق مشبعة لقضاء وقت الفراغ ؟ ان الاجابة على هذه التساؤلات تقتضي خيالا سوسيولوجيا يضع الفراغ في الاطار الاوسع للحياة والمجتمع , من خلال جمع الحقائق عن الماضي والحاضر , ومحاولة استكشاف صورة المستقبل .
-===========
كيف تقيس سرعة قراءتك؟
فهد الحمود
للتعرف على سرعة قراءتك الحالية اتبع الخطوات التالية:
احسب الكلمات في السطور الستة الأولى.............
اقسم العدد على ستة......................................
اضرب الرقم في عدد سطور الصفحة................
اضرب الناتج في عدد الصفحات التي قرأتها........
احسب الوقت الذي استغرقته في القراءة..............
اقسم عدد الكلمات على زمن القراءة...................
عدد الكلمات / زمن القراءة = سرعة القراءة
وهذه الطريقة لمن اراد الدقة في قياس سرعة القراءة,وإلا فيمكن له ان يستخدم طريقة تقريبية سريعة,وهي : أن يضبط الساعة,ثم يبدأ بالقراءة,ثم يتوقف عنها بعد تمام دقيقة واحدة,ثم يحسب السطر الذي توقف عنده,ويضرب عدد السطور في عشرة - وهي متوسط عدد الكلمات في السطر - وما نتج فهو سرعة قراءته.
طريقة القراءة السريعة :
هناك طرق كثيرة للقراءة السريعة,وعماها التدرب والتمرين شأن كل المهارات الأخرى,وسوف أكتفي بواحدة منها وهي طريقة ( الأصابع ),وتقوم على الأسس التالية:
قبل أن تطبق هذه الطريقة لابد لك من إجراء اختبار يحدد سرعة قراءتك الحالية,وذلك للتعرف على مستوى قراءتك,ومن المعروف أن القارىء العادي يقرأ بمعدل 250 كلمة في الدقيقة الواحدة.
إعداد الكتاب وتهيئته للقراءة من خلال النواحي التالية :
تأكد من أنك تستطيع أن ترى الصفحة بوضوح.
اختر جواً هادئاً ومريحاً.
انشر كتابك بشكل جيد,وتفقد صفحاته,حتى لاتكون متشابكة فيما بينها.
عليك أن تصبح ماهراً في تقليب الصفحات,فاجعل اليد اليمنى للقراءة واليسرى ممسكة بالجانب العلوي من الصفحة,بحيث تكون مستعدة لقلب الصفحة.
حرك اصبعك عبر الصفحة سطراً وراء سطر,ابدأ من اليمين الى اليسار,ثم ارجع بيدك الى اليمين لتتحول الى السطر الأدنى,حرك يدك بسرعة مريحة,وينبغي لعينيك أن تتعقبا أصبعك السائر بدقة,واستخدم العينين دون عمل الأصابع قد يؤدي الى اهدار كمية كبيرة من الوقت,نظراً لبطء العينين وتعلقهما بجمل أكثر من الوقت اللازم لها.
وهذا الأمر ينبغي أن يراعى فيه التدرج على النحو التالي:
قم باستخدام السبابة بتخطيط السطر كاملاً من أوله الى آخره.
ثم تدرج حتى تخطط ثلثي السطر.
ثم خطط ثلث السطر.
لاتنكص أثناء : أي لاتسمح لنفسك بالتوقف عند أي نقطة لتلقي نظرة على ماسبق أن قرأته ,بل أجبر نفسك على التقدم,وهذا التراجع من المعوقات لتسريع القراءة,وفي بعض الإحصاءات أن القارىء المتوسط يقضي ما معدله سدس الوقت الذي يقرأ فيه في إعادة القراءة,ويمكن القضاء على هذا الارتداء الى الخلف من خلال عمل الاصابع.
حاول امتصاص مجموعة من الكلمات أثناء القراءة عوضاً عن النظر الى كل كلمة بشكل منفرد.
إننا أول ما بدأنا بالقراءة تعلمنا القراءة بالنظر الى كل حرف على حدة.وبتهجي الكلمة حرفاً حرفاً حتى يتم لفظ الكلمة بأجمعها.ثم تدرج بنا الحال حتى لفظنا الكلمة كوحدة واحدة.
والقراءة السريعة تعتمد على لفظ الجملة بكاملها وامتصاص المعنى منها,وتوسيع مجال نظر العين بحيث تقع على أكبر عدد ممكن من الجمل والمقاطع,ويتم هذا عن طريق التدرج والتمرين:
البداية بكلمة,ثم بكلمتين وهكذا…
عدم الاهتمام بالحروف الموصلة للمعنى ك( على ) .و(إلى ) والقيام بتمييز المعنى من خلال الكلمات فقط.
قراءة المقاطع الكبيرة …
قراءة السطر والسطرين والثلاثة وهكذا …
ولاريب أن قوة القراءة السريعة تزداد نسبة ودرجة كلما ألف القارىء بهذا الإدراك السريع للكلمات والتراكيب,نظراً لأن القراءة بهذا الاعتبار قراءة بالعقل,لأنه هو الذي يحلل العبارات,وليست العينان ,ولذا تجد مثلاً من يكتب بسرعة فائقة من خلال لوحة مفاتيح الحاسب الآلي لا يفكر فيما يكتب ولا يلقي بالاً على الكلمات.
ومن هنا ينبغي للقارىء أن يقرأ بعقله وينصرف الى تحليل العبارات والوقوف على معانيها,دون الاهتمام بالكلمات.
انطق بصوت صامت وغير ملفوظ,ذلك أن القارىء كثيراً ما يشعر بصوت خفيض في داخله يعيقه عن تسريع القراءة,ومعلوم أن لفظ الكلمة ك ( صورة ) أسرع وصولاً الى المخ من لفظها ك( كلمة ).ومما يشهد له أننا نشاهد اليد مثلاً فتتحول الى عقولنا على شكل صورة ولا تكون على شكل لفظ..
بعد ان تطبق هذه الخطوات السالفة تطبيقاً عملياً قم بإجراء اختبار لتحديد مدى تقدمك في القراءة,وحاول أن تكتشف الخلل الذي يعيقك عن تسريع القراءة,فإذا وجدته فأضف اليه مزيد اهتمام وتطبيق.(1/395)
مما تقدم يمكن أن نجمل الأسباب التي تؤثر في القراءة وتعمل على بطئها في سبعة أسباب:
التلفظ بصوت عالي.
القراءة بصوت من الداخل,وهي الهمهمة التي تكون في النفس.
تكرار السطر.
التركيز على الكلمة وحدها.
التراجع المتكرر.
البطء في تقليب الصفحات
==============
منهج المسلم في حياته اليومية
إن من دلائل العقل وكمال الرشد أن يكون للانسان منهج يسير عليه في يومه، وخطة يترسّمها في حياته، ولقد وضّح الاسلام هذه الخطة ونظم هذا المنهج ليكون المسلم في حياته مترسماً الخطة المثلى ومتجهاً نحو المثل الأعلى.
وأول ما رسمه الاسلام ودعا إلى المحافظة عليه: هو الوقت؛ إذ أنه هو الحياة. وما ينبغي للانسان أن يفرط في شيء منه. فإن التفريط في جزء منه، إنما هو تفريط في الحياة نفسها.
والله سبحانه وتعالى يقول: (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا-أي أن الليل يأتي بعد النهار والنهار يأتي بعد الليل. ويخلف كل منهما الآخر.
وإنما جعلهما كذلك ليكونا مجالاً للشكر وللذكر. وهما الجناحان اللذان يطير بهما الانسان إلى الله عزوجل. وإن الذين يضيعون أوقاتهم في اللهو والعبث والتافه من الأمر إنما يضيّعون رأس املهم الذي لا عوض له، فيأتون يوم القيامة وهم نادمون.
يقول الله سبحانه: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن). فالآية تقرر أنه في يوم القيامة، يظهر تفريط المفرط في وقته والمضيع لعمره. وهذا هو معنى التغابن.
والمفرط والمقصر في حق وقته تحضره الحسرة والندامة وإن كان قد أحسن وانتهى أمره إلى الجنة. قال رسول الله (ص): "لن يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرّت عليهم في غير ذكر الله عزوجل" فهم وإن دخلوا الجنة يذكرون هذه الأوقات العابثة وهذه الحياة المضيعة فيتحسرون عليها، وهم يتقلبون في الجنة في أنعم الله، إذ لم يكونوا أنفقوها في ذكر الله.
وتبدو قيمة الوقت حينما تحضر الوفاة هؤلاء الذين ضيّعوا أوقاتهم فيسألون الله عزوجل أن يُمدّ في أعمارهم من أجل أن يزدادوا من العمل الصالح: (حتى إذا جاء أحدهم الموقت قال: رب ارجعونِ * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت. كلا. إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). فالله يقول: كلا: بمعنى الزجر والردع. فهذا ليس الوقت الذي يمكن أن يمدّ العمر فيه. وقد أعطى الفرصة للعاملين (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير) أي ألم نعطكم العمر الطويل الذي كان يمكن أن يتذكر فيه من يريد أن يتذكر؟ وجاءكم النذير.. فلا حجة لكم بعد.
والنبي (ص) يقول: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" فنعمة الصحة ونعمة الفراغ لا يعرف الانسان قدرهما إلا بعد فواتهما، فلا يعرف الانسان قيمة الوقت ولا قيمة الصحة إلا بعد فقدهما.
إن الله سائلنا عن أعمارنا فلنقدر هذه المسؤولية الكبرى. يقول الرسول (ص): "لا تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه فيما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه".
هذا أمر أول يحرص الاسلام عليه.
وثمة أمر آخر يطالبنا الاسلام به وهو المحافظة على فرائض الله، فإن الله سبحانه له حق علينا. ومن حقه أن نؤدي فرائضه.
وروح العبادة الإخلاص. فإذا تجردت منه كان نفاقاً ورياء. يقول الحق تبارك وتعالى: (وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).
وعبادة الله كما أنها حق له وواجب علينا فهي تكسبنا محبته والقرب منه. ففي الحديث القدسي: "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه".
ولابدّ في العبادة من فقه ودراسة، فكل عبادة ليس فيها فقه ولا علم فهي أقرب إلى المعصية منها إلى الطاعة، لأنه لا يتقرب إلى الله بجهل قط. فعلى الانسان أن يتعلم كيف يتطهر وكيف يصلي وكيف يؤدي حق الله عليه.
ووراء العبادة شيء آخر تجب المحافظة عليه. فهذه الأعضاء أمانة ائتمننا الله عليها. فالسمع أمانة، والبصر واللسان واليد وسائر الأعضاء أمانة، فهذه الأعضاء إنما وهبها الله لنا لنستعملها في الخير ونطهرها من الإثم والدنس. يقول الله تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً).
فلكل عضو من هذه الأعضاء أدب خاص، أمر الاسلام بالتزامه حتى لا يخرج عن المنهج القويم. فحيثما نمارس نشاطنا في أي مجال: في الشارع أو في البيت، في المأكل أو في المشرب، يجب أن نراعي الأدب في يقظة ووعي.
وإتقان العمل وإجادته مما ألزم به الاسلام؛ سواء أكان هذا من الأعمال الدنيوية أو الدينية. والإتقان، إنما يتحقق بأن نبذل كل جهد ونصدق غاية الصدق. يقول الرسول (ص): "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
وأي تفريط فيما يسند للانسان من عمل يعتبر خيانة. وإذا تفشى هذا الداء في أمة كان ذلك إيذاناً بزوالها.
والانسان بعد ذلك لا يخلو من إحدى حالات ثلاث: من نعمة تنزل به فتجب مقابلتها بالشكر. أو مصيبة تحل به فتقابل بالصبر. أو معصية فتقابل بالتضرع والاستغفار والتوبة.
هذا هو المنهج المرسوم للانسان. فإذا حافظ على وقته في حياته اليومية، وقام بالفرائض التي فرضت عليه، واتقى الله في جوارحه وأعضائه، وأدى واجبه نحو العمل المطلوب منه، وراعى كل حالة بما يناسبها: يكون قد حقق المنهج، وبلغ الغاية، ووصل إلى الكمال الانساني.
ولقد ضرب السلف الصالح- المثل الأعلى في التزام هذا المنهج فكانوا يقولون: "إذا أتى عليّ يوم لم أزدد فيه علماً ولم أزدد فيه هدى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم".
============
الفهرس العام
مقدمة هامة ... 2
الباب الأول ... 8
أهمية الوقت في حياة المسلم ... 8
إدارة الوقت ... 8
واجب الوقت (1/2) ... 16
جدولة الوقت ... 28
إضاءات في الوقت والعبادة ... 35
فن تنظيم وبرمجة الوقت ... 36
الوقت والإنتاج.. في العملية الإدارية ... 42
مهارات تفعيل وتنظيم الوقت ... 44
أسئلة الوقت الحاضر! ... 56
كيف تستثمر المرأة وقتها في الحج ؟ ... 59
الجود بالوقت ... 62
سبب زوال أثر الموعظة بعد انتهاء وقتها ؟ ... 64
أسئلة الوقت الحاضر! ... 65
خمسون طريقة فعالة لإدارة الوقت ... 68
إرشادات في إدارة الوقت ... 71
إدارة الوقت . . كيف تنجز أكثر في وقت أقل ... 72
الوقت وأهميته ... 81
همم الدعاة .. لا وقت للاسترخاء ... 87
الارتقاء بوقت العائلة ... 93
السلف والوقت ... 95
كيف تقضي المرأة وقتها في بيتها ... 104
كيف تقضي المرأة وقتها ( 1 ) ... 110
كيف تقضي المرأة وقتها ( 2 ) ... 112
كيف تقضي المرأة وقتها ( 3 ) ... 113
كيف تقضي المرأة وقتها ( 4 ) ... 115
كيف تقضي المرأة وقتها ( 5 ) ... 115
كيف تقضي المرأة وقتها ( 6 ) ... 117
كيف تقضي المرأة وقتها ( 7 ) ... 121
تسعيرة الوقت في بلادي ... 122
اعتراف في الوقت الضائع ... 123
استمتع بوقتك بين جدران بيتك ! ... 126
أمور ينبغي على المرأة فعلها واستغلال الوقت بها ... 127
المرأة والوقت ... 133
عمر الإنسان واستغلال الوقت ... 139
( س ج ) عن تنظيم الوقت ... 139
إدارة الوقت قيم مفقودة في حياة المسلمين ... 145
الوقت في حياة المسلمة ... 151
هكذا عرفوا قيمة الوقت !! ... 156
الوقت في حياة المسلم ... 157
الوقت في حياة المسلم ... 161(1/396)
الوقت وسبل استغلاله ـ الإجازة ... 166
ضبط الوقت وأثره في إنتاجية المجتمع ... 169
إدارة الوقت.. القيمة الحقيقية للحياة ! ... 175
ساعدوني ... وقتي ضائع ... 181
الوقت .. والاستفادة القصوى ... 183
الوقت أنفاس لا تعود ... 185
اختبر قدرتك على إدارة الوقت ... 188
نحو استثمار أفضل لفائض الوقت ... 189
كيف يستفيد المسن من وقته ؟ ... 192
كيف تقضي وقتك في الصيف ... 196
سيطر على وقتك ... 198
كيف يستثمر المسلم وقته؟ ... 201
تنظيم الوقت ... 205
المذاكرة وتنظيم الوقت ... 206
كيف تضيِّع وقتك سبهللا ؟! ... 208
مهارات تفعيل وتنظيم الوقت ... 210
نظرة الإسلام إلى وقت الفراغ ... 222
أهمية الوقت ... 225
في انتظار الوقت ... 228
كيف تحافظ الأخت المسلمة على وقتها ... 230
نتسلى ونضيع الوقت ... 232
خواطر في السياحة .. وفرض الوقت ... 233
ما عنده وقت ... 240
أهمية الوقت في حياة المسلم ... 242
استغلال الوقت ... 244
طرق لقضاء وقت أقل في الاجتماعات ... 253
وقت الرحيل ... 254
ثروات تهدر لعدم تقدير أبنائنا لعامل الوقت ... 255
التماس البركة في الوقت ... 259
في الوقت الضايع ... 260
كيف تستثمر وقت فراغك ؟ ... 262
حروف من خبر الوقت والحياة ... 266
ربات البيوت وثروة الوقت ... 275
الوقت... رؤية إيمانية ... 278
مفهوم أهمية الوقت ... 281
وقت الإدارة العلمية ... 286
( التحضير للمذاكرة ) الوقت يكشف الحقيقة ... 288
فن إدارة الوقت ... 289
فن إدارة الوقت ... 299
قيمة الوقت في حياة المسلم ... 302
مهارة تنظيم الوقت ... 306
مهارات إدارة الوقت ... 311
تنظيم الوقت ... 314
الوقت.. أغلى من الذهب ... 322
كيف يقضي المدير وقته ؟ ... 324
الوقت الضائع في حياة المسلمين ... 327
الوقت لا يمكن أن يتوقف ... 336
برنامج مقترح لقضاء الوقت في يوم الجمعة ... 338
فن تضييع الوقت ... 341
جدولة الوقت ... 347
الوقت هو الحياة ... 354
كيف تقلل إهدار الوقت؟ ... 356
الوقت كالسيف ... 357
هل لديك وقت لتربية أبنائك ... 357
الوقت الضائع ... 360
أهمية الوقت والإجازة ... 362
خطوات عملية للاستفادة من الوقت ... 371
القيادة وقت الأزمات ... 374
الاستعداد للامتحان 1 ) نظم وقتك ... 379
قيمة الوقت ... 380
وقت المرأة .. أين يصرف ؟ ... 380
بين إدارة الوقت وإدارة الذات ... 382
العبرة بحال الوارث وقت وفاة المورث ... 396
ميراث من ماتا فى وقت واحد ... 397
التعويض عن زيادة السعر وقت العقد ... 398
الإنسان وقت الاحتضار ... 402
الصلاة فى وقت العمل ... 403
الصلاة فى وقت الدرس ... 405
وقت رمى الجمرات ... 406
وقت جمع الصلاتين في السفر الفتوى رقم (2547) ... 408
الموظف الذي يقتضي عمله الاستمرار وقت صلاة الجمعة ... 408
وقت الدفن ... 410
الصيام أو العمل ... 412
وقت الإمساك، والأكل بعد طلوع الفجر ... 413
الاعتكاف ... 414
حكم البيع والشراء وقت النداء لصلاة الجمعة ... 414
التيمم لضيق الوقت ... 417
الوقت من ذهب ... 419
القول بأن الوقت ليس كله للدين ... 421
أسباب حصول البركة في الوقت للسلف ... 423
شغل الفكر باللذة الحرام إهدار لنعمة العقل والوقت ... 425
خطة مقترحة للحفاظ على الوقت بالنافع ... 426
الحذر من ضياع الوقت فيما لا ينفع ... 427
لا بأس بتقسيم الوقت بين تعلم عدة علوم ... 428
المقاهي أقل ما فيها إضاعة الوقت ... 429
مباركة الوقت في حق الأنبياء والأولياء أمر لا يُنكر ... 430
أهمية الوقت في حياة المسلم ... 432
عمارة الوقت والتوبة من الذنب ... 433
حكم سب الزمن أو الوقت ... 434
آيات تتحدث عن الوقت ... 435
ملء الوقت بالأعمال النافعة دواء الملل والسآمة ... 436
الوقت الشرعي لأذكار الصباح والمساء ... 437
شغل الوقت بالنافع يزيل الشعور بالوحشة ... 438
لا يشغل الوقت في تتبع الناس والحكم عليهم ... 438
ليكن بعض الوقت لزيارة الأهل وبعضه لحق الزوجة ... 440
اغتنام الوقت ... 441
أهمية الوقت ... 444
استغلال الوقت ... 448
الوقت في حياة المسلم ... 458
الوقت وسبل استغلاله ـ الإجازة ... 462
الوقت وسبل استغلاله ... 466
ضبط الوقت وأثره في إنتاجية المجتمع ... 469
قيمة الوقت في حياة المسلم ... 476
أهمية الوقت بالنسبة للمسلم ... 483
أهمية الوقت ... 487
أهمية الوقت ووجوب المحافظة عليه ... 494
إضاعة الوقت في رمضان ... 502
قيمة الوقت وإطلالة رمضان ... 504
[4] إدارة الوقت- فتاتي والدراسة ... 510
الوقت سيف ... 514
الوقت في حياة المسلمة ... 519
تنظيم الوقت من الإزاحة الى الإتاحة ... 525
حروف من خبر الوقت والحياة ... ... ... ... 533
أهمية الوقت والحرص على استغلاله فيما يفيد : ... 542
فن إدارة الوقت ... 547
تأصيلات دعوية ... 557
نحو استثمار أفضل لفائض الوقت ... 574
هل حان الوقت لرسم رؤية تربوية؟ ... 577
إدارة الوقت ... 579
إدارة الوقت ... 581
الوقت في السنّة النبويّة المطهرة ... ... 584
الوقت والحياة ... 589
السلف والوقت ... 598
واجب الوقت ... 607
واجب الوقت ... 612
* أهمية الوقت. ... 619
أهمية الوقت ... 623
احرص على استغلال الوقت الاستغلال الصحيح ... 626
مشروع استغلال الوقت ... 627
تأملات في محنة " الإنسان الفارغ " ... 631
كيف نستثمر أوقاتنا ... 635
وقتك هو عمرك.... فاغتنميه ... 642
خطبة ( بداية الإجازة الصيفية ) ... 647
الزيارة بين النساء على ضوء الكتاب والسنة ... 653
مقترحات مفيدة لإجازة سعيدة ... 670
هذا ما سيقدمه المجرمون في أوقات رمضان الميتة !! ... 675
إني لأكره أن أرى الرجل فارغا ... 683
يوم في حياة صائم ... 693
جدول لاغتنام رمضان بالأعمال الصالحة ... 699
الشباب والصيف ... 703
وصايا في القراءة ... 706
علماء السلف وأهل الوقت ... 718
مشكلة العمل الدعوي النسائي وحلوله ... 730
العطلة الصيفية فائدة واستجمام ... 734
كيف نستغل الإجازة في رحاب الله ؟ ... 744
برنامج عملي ودعوي خلال شهر رمضان ... 751
برنامج رمضاني مقترح ... 755
الوصايا الإلهية في الإجازة الصيفية ... 761
فن التعامل مع عقارب الساعة ... 766
مع قدوم أعظم الشهور: هل نعلم قيمة الوقت في حياتنا ؟ ... ... 790
التخطيط أول خطوات النجاح ... 794
الإدارة الإسلامية(1/2) * ... 803
النجاح والبرمجة السلبية ... 808
التخطيط الإداري ... 814
اللعب بالدومينو ... 821
الحركة الإسلامية .. ما بعد المراجعات ... 826
الطريق إلى السعادة ... 835
الأسرة والصخور! ... 838
جدول مقترح للمسلم في شهر رمضان ... 839
المنهجية في استغلال الإجازة الصيفية ... 844
بورك لأمتي في بكورها ... 853
رسالة إلى مصطاف ... 861
كيف تقضي وقتك في الصيف ... 867
أعدائي ... 868
وبالأسحار هم يستغفرون ... 870
أنيس المرأة في شهر الرحمة ... 873
بين الدراسة والدعوة ... 883
توبة مهمة قبل فتح أبواب الجنة ... 886
معاً لنرتقي بصيفنا ... 891
دعوة شباب المقاهي والأرصفة ... 897
البديل عن مشاهدة التلفاز ... 903
كيف تقضي الإجازة ... 909
كيف تقضي الإجازة الصيفية يا طالب " كلية العلوم الإسلامية " ... 914
أدب الماسنجر (1) ... 920
فمن أيّ المراتب أنت ؟ ... 924(1/397)
ومضات على الطريق ... 927
أبناؤنا في الإجازة ... 935
الاختبارات على الأبواب .. فهل أنت مستعدة ؟ ... 951
خطورة الألعاب الإلكترونية ... 952
أفكار رمضانية تساعدك بمطبخك ... 956
كيف تنجز أكثر في وقت أقل ... 959
صفحة من قاموس الأمراض الاجتماعية والأخلاقية ... 978
برنامج علمي وعملي خلال إجازة الصيف ... 982
جدول رمضاني يومي للمرأة بتنظيم دقيق ... 987
كيف تستوعب ما تقرأ ؟ ... 990
مناسك الحج إنجاز في العمل وضبط للمواعيد ... 999
عمرك في يومك ! ... 1005
عن اللامبالاة وأسبابها ... 1017
36 طريقة تجعل أطفالنا يقرؤون ... 1026
عالم اشترى كتابا بألف درهم وعكف على قراءته ، واقتصر على الفرائض حتى ختمه ... 1033
نعمتان ... 1037
الشباب والإجازة ... 1040
*** الملاهي *** ... 1061
خطبة (منغصات الإجازة ) ... 1068
المسارعون إلى الله تعالى ... 1074
الإجازة الصيفية ... 1079
وقفة محاسبة مع النفس ... 1081
مابالنا قد أضعناه ! مابالنا ما حفظناه ! وهو الذي إن مضى فلن يعود أبدا ! ... 1085
جدد حياتك في رمضان ... 1089
تذكرة مسافر ... 1091
عوائق الفهم ... 1103
مفسدات القلب ... 1104
عيدكم مبارك ... 1108
حكم إقامة المآتم وأجور القراء ... 1111
التخطيط للإجازة عنصر أساس في الترابط الاجتماعي ... 1139
وقفات في رحلة الإيمان (يوميات حاجة) ... 1144
آفاق عملية للداعية في الحج ... 1156
الإجازة الصيفية بين المتعة والفائدة.. ... 1161
وقفات في تعاقب السنين ... 1170
الرحلات . . . وسيلة دعوية . . فكيف نستفيد منها ! ... 1176
التخطيط ..... مهارة الجادين !! ... 1184
العلم فريضة شرعية وضرورة عصرية ... 1194
حوارُ الغافلين والجادين المُهْمَلين مع النصارى . ... 1211
السيف في حياتنا ... 1216
قيمة الزمن ... 1218
صفحات مشرقة في عبادات العلماء ... 1241
اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة ... 1269
قيمة الزمن ... 1273
عبر وخواطر حول الصيفية ... 1275
كي لا نسقط في الهاوية ... 1282
الوقت وكيفية تنظيمه للأم العاملة-1 ... 1298
المقومات الشخصية للداعية (1/2) ... 1301
نظرية صناعة الحياة...الجزء الأول ... 1319
كيف يقضي أبناؤنا إجازة سعيدة؟ ... 1329
كيف تصبح عبقريًا؟ [1] ... 1335
الذكاء اللغوي- الذكاء البصري-الذكاء المنطقي ... 1335
كيف تصبح عبقريًا؟ [2] ... 1347
الذكاء الإبداعي-الذكاء العاطفي ... 1347
-الهجرة.. احتفالية التغيير ... 1354
1-الوقت وتنظيِمه ... 1358
-العمل المؤسسي ... 1361
خصائص الإدارة الخمس بين النظرية والتطبيق ... 1368
تجنبي التوتر بتنظيم الوقت وترتيب الأولويات ... 1378
استثمار "الوقت" فريضة غائبة ... 1381
استثمار "الوقت" فريضة غائبة ... 1386
كيف تضيِّع وقتك سَبَهْللا؟! ... 1391
أمل يحتاج إلى عمل ... 1393
بسبب العمل.. تاهت إيمانيا ... 1397
خطباء يحذرون من "إهدار الوقت" بالإجازة ... 1402
سوق رمضان.. كيف تتاجر بوقتك؟ ... 1404
كيف تدير وقتك؟ ... 1408
القيمة المالية للزمن في التحليل الاقتصادي الاسلامي ... 1419
التفسير الأدبي للقرآن عند الشيخ >أمين الخولي< ... 1422
قراءة في كتاب: أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي ... 1430
ثروات تهدر لعدم تقدير أبنائنا لعامل الوقت ... 1436
تنظيم الوقت ... 1440
مهارات تفعيل وتنظيم الوقت ... 1444
قم بتوظيف الوقت توظيفاً منتجاً ... 1454
فوضى الوقت في حياة الشاب! ... 1456
الصلاة عبادة وتربية ... 1458
كيف توفر للقراءة الوقت والمال ... 1459
كيف تعلمين طفلك قيمة الوقت ؟ ... 1461
طرق مبتكرة لحواء.. لتوفير الوقت والمال ... 1463
اختيار الوقت المناسب مهارة تكتسب أم هبه طبيعية؟ ... 1466
هل الحب بين الزوجين بحاجة الى الوقت؟ ... 1468
استثمار الوقت : ... 1470
الوقت المهدور والوقت المشحون في حياة الشاب ... 1471
لمن لايملك الوقت الكافي للعناية بزوجته ... 1472
أسئلة لبرمجة الوقت ... 1475
اساليب لتوفير الوقت بواسطة التخطيط ... 1476
يغافلنا الوقت \ محمد دلة ... 1477
تعلم الاستفادة من الوقت قبل الامتحانات ... 1479
صداقات لتمضية الوقت ... 1481
حركات رياضية لمن لا يملك الوقت الكافي ... 1482
هل فكرتَ بمنحها قلبكَ وقليلاً من الوقت؟ ... 1484
عشر نصائح تجعلك تغادر مكتبك مبكرا ... 1488
هل أنت مستعد لاستثمار الزمن؟ ... 1491
الإحساس بالزمان ودوره في علاج الانسان ... 1494
العولمة ومستقبل العمل ... 1497
وسيلتك لإدارة يومك، وقيادة حياتك نحو النجاح ... 1502
التعرف على احتياجاتك ودوره في النجاح ... 1507
الزمن النفسي في القرآن ... 1508
هل يمكن أن يترك إناء العمر فارغاً؟ ... 1514
الناجحون لديهم خطة رئيسية للعمل, هل انت منهم ؟ ... 1516
خطوات نحو النجاح الدراسي ... 1519
هل هناك شيء إسمه وقت الفراغ ؟ ... 1522
الشباب والحاجة الى حياة نظامية جديدة ... 1525
طريقة قضائك للوقت تحدد نوع الحياة التي تحياها ... 1531
ساعات الإنسان البيولوجية .. «شمسية» ... 1532
حواء العاملة .. كيف يمكنكِ إدارة لحظات حياتك؟ ... 1540
كيف تنظم دراستك؟ ... 1542
كيف تدير وقتك بفعالية ... 1548
العادات السبع لكبار الناجحين ... 1549
هل تريد أن تصبح مدرساً جيداً؟ ... 1553
وقت الفراغ واستكشاف صورة المستقبل .. ... 1554
كيف تقيس سرعة قراءتك؟ ... 1557
منهج المسلم في حياته اليومية ... 1560(1/398)
الوقت وأهميته في حياة المسلم
(2)
الباب الثاني
أهمية الزمن في حياة المسلم
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الثاني
أهمية الزمن في حياة المسلم
دموعٌ لم يغيّبها الزمن
محسن علي السهيمي 13/9/1426
16/10/2005
ما بالُ دمعِك من عينيك لم يغبِ ... ...
يا واحةَ التينِ والزيتونِ والعنبِ؟
أكلّ دهرك أحزانٌ تفجّرُها ... ...
رصاصةُ الغدر من عكا إلى النقبِ؟
أهكذا العمرُ يمضي دونما أملٍ ... ...
تسلو به النفسُ أو يقضي على الوصبِ؟
وهكذا أنت دون الخلق ما غمضت ... ...
عيناك إلا على شوك من اللهبِ
وما أتاك بنوك من مفازتهم ... ...
إلا لقوك بقيد الذلّ والسغبِ
وما دنا المرءُ نحو القدس ممتثلاً ... ...
للهدى إلا ونادى العلجُ بالعطبِ
ماذا أقول بني قومي وفي كبدي ... ...
نارٌ مؤججةٌ من ظلم مغتصبِ؟
وفي فؤادي براكين بفورتها ... ...
تهوي النجومُ نهاراً من لظى الغضبِ
قد شاب في أمتي ما يُرتجى طمعاً ... ...
في النصر إلا حروف الشعر لم تشبِ
يا قبةَ الصخرة الشماء لا سلمت ... ...
يدُ الظلوم من الأرزاء واللّغبِ
ويا محطاً لمعراج به انبلجت ... ...
شمسُ العدالة في الأكوان من حقبِ
تطاول الليل في مغناك واحتشدت ... ...
على ثراك قوى الأحقاد في صخبِ
وزمجرت ثم بالخسران معلنة ... ...
حرباً يهودية تقضي على النخبِ
ونحن يا قدسنا "عذراً".. قد امتلأت ... ...
قلوبُنا رهبةً تنبي عن الودبِ
ماذا دهى أمة الإسلام إذ عُرفت ... ...
بالنصر بين العدا دوما وبالغلبِ؟
ولم تكن شمسُها يوماً مغيبة ... ...
عن الأنام ولم تجنح لمنتقبِ
واليوم أضحت كقنديل وقد عصفت ... ...
به الرياحُ فتاه النورُ في التربِ
صبراً فلسطينُ فالظلماءُ ما نزلت ... ...
إلا ويعقبُها فجرٌ لمرتقبِ
والوعدُ آت كتابُ الله يذكُره ... ...
على رباك ولكن ليس بالخطبِ
عفواً بني أمتي فالنصرُ مطلبه ... ...
لا يُرتجى بلذيذ النوم واللّعبِ
وليس يأتي بأحلامٍ مدغدغةٍ ... ...
لكن بملحمة تُسقى من الثغبِ
فالقوم لم يعتلوا هامَ الزمان سوى ... ...
بالعلم فالعلمُ يغدو منتهى الطلبِ
لكنما العلمُ والإيمانُ ما اجتمعا ... ...
إلا وقد تُوّجا بالنصر في اللّجبِ
فإن أضعنا علومَ الدين عن سفه ... ...
فلنفتحِ البابَ.. بابَ العلمِ ولنثبِ
==============
المرأة في عمق الزمن تحرير أم تغرير
يسري صابر 27/2/1425
17/04/2004
مرت المرأة في تاريخها الطويل بمرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة الظلم والظلام وبؤس المرأة العربية وسوء حالها، وذلك قبل الدعوة المحمدية وظهور الإسلام في الجزيرة العربية، المرأة في فترة الظلام قد سلبت جميع الحقوق دون استثناء، بل لم تعتبر المرأة امرأة كما هو معلوم عندنا الآن؛ فالمرأة كانت تعد حشرة من الحشرات، أو كانت تعد من عالم آخر كعالم الجن والشياطين، والذي كان يعتبرها امرأة من أهل الجاهلية كان يمنعها حقها ويفرض عليها أمورًا، ويعاملها معاملة غير إنسانية؛ فمثلاً: إذا حاضت المرأة كان الزوج لا يأكل ولا يشرب معها، بل ولا يسكن معها في البيت، وإنما يخرجها خارج البيت هذا ما كان عليه أهل الجاهلية. وأما حقوقها كأم أو أخت أو غير ذلك فلم يكن لها أي حق على الإطلاق.. قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ)[النحل:58] فكانت بشرى في منتهى التعاسة والنكد لو بشر أحد الجاهليين بأنه رزق بأنثى، يفكر ماذا يفعل بها (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:59]
(أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ) يبقها على مضض (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ) فكان أهل الجاهلية يدسون ويئدون بناتهم في التراب وهنّ أحياء، فكان يحفر الأب أو الأخ لابنته أو لأخته في التراب ثم يضعها فيه وهي حية يجري الدم في عروقها!
المرأة كانت عند أهل الجاهلية كمتاع يقتنى، وسلعة يستكثر منها ولا يهم بعد ذلك ما يصيب الأسرة من تفكك وانهيار، ولا ما يترتب على تعدد الزوجات من عداوة وبغضاء بين النساء وبين الأبناء حتى تعلن الأسر حرباً على نفسها و تصبح مصدر نزاع وعداوة بين أفرادها.
وكان الزوج لا يعنيه الأمر سواء عدل بين أزواجه أو جار، سوى بينهن في الحقوق أو مال؛ فكانت حقوق الزوجات مهضومة، ونفوسهن ثائرة، وقلوبهن متنافرة، وليت الأمر كان قاصراً على تعدد الزوجات في أبشع الصور وأوخم العواقب؛ بل كان الرجل منهم إذا قابل آخر معه ظعينته (امرأته في هودجها) هجم عليه فتقاتلا بسيوفهما، فإن غلبه أخذ منه ظعينته واستحلها لنفسه ظلماً وعدواناً.
وحرمت المرأة في الجاهلية من الميراث؛ فهي لا ترث الرجل بعد وفاته؛ بل هي من تركته التي تركها، فإذا جاء أحد أقارب الزوج المتوفى وألقى بثوبه على المرأة صارت له، فبئست التقاليد وبئست العادات، فلا رحمة ولا مودة ولا تعاطف؛ بل جفاء طاغ.
المرحلة الثانية:هي مرحلة النور .. مرحلة التحرير .. مرحلة العزة والكرامة؛ وهي المرحلة التي أعطى الإسلام للمرأة كامل حقوقها وفرض عليها الواجبات التي تتناسب مع خلقتها وينصلح بها حالها، وبصلاح المرأة ينصلح المجتمع كله.
لقد جاءت الدعوة المحمدية فحررت المرأة من فوضى الجاهلية وأخرجتها من الظلمات إلى النور، وأعادت إليها حريتها كاملة غير منقوصة ونظمت أو حددت تعدد الزوجات بأربع فقط.
وقد اعترف المستشرق الفرنسي (أندريه سرفيه) بفضل هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كتابه "الإسلام ونفسية المسلمين"؛ فقال: لا يتحدث هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة إلا في لطف وأدب، كان يجتهد دائماً في تحسين حالها ورفع مستوى حياتها، بعد أن كانت تعد مالاً أو رقيقًا، وعندما جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- قلب هذه الأوضاع؛ فحرر المرأة وأعطاها حق الإرث" ثم ختم كلمته قائلاً : "لقد حرر محمد المرأة العربية، ومن أراد التحقيق بعناية هذا النبي بها؛ فليقرأ خطبته في مكة التي أوصى فيها بالنساء خيرًا، وليقرأ أحاديثه المتباينة".(2/1)
ما أصدق هذا القول ووضوح تلك الرؤية التي بعد عنها كثير من أبناء المسلمين بعد أن صاروا ببغاوات وأبواق لأذنابهم من الغرب، وما أكثر دفاع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة وحقوقها، ألم يقل في خطبته في حجة الوداع: " أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ ، إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ ، أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" [رواه الترمذي(1163) وابن ماجة (1851) من حديث عمرو بن الأحوص -رضي الله عنه- وعند مسلم (1218) بلفظ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وعن عائشة -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" [رواه الترمذي(3895) وغيره]. وعن معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- أن رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ فقَالَ : " أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى ، وَلا يَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلَا يُقَبِّحْ ، وَلا يَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ" [رواه أبو داود (2142) وابن ماجة(1850)]. وأمر بالرفق العام بهن فقال صلى الله عليه وسلم: "ارفق بالقوارير" [رواه البخاري (6209) ومسلم (2323) من حديث أنس -رضي الله عنه-]
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-- قال : "إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي". ولها رأيها في تزويجها ، وليس لوليها أن يعدو إذنها، ويقصرها على من لا تريد إن كانت رشيدة؛ فعن خنساء بنت خذام الأنصارية -رضي الله عنها- أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه [رواه البخاري (5137) تحت باب: إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود].
ومن أعجب المصادفات أن يجتمع (ماكون) في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أي في سنة 586 م لبحث هل المرأة إنسان ، وبعد بحث ومناقشة وجدل قرر: أنها إنسان ولكن خلقت لخدمة الرجل وحده. ولم يكد يصدر هذا القرار الجائر في أوروبا، حتى نقضه محمد -صلى الله عليه وسلم- في بلاد العرب إذ رفع صوته قائلاً : " إنما النساء شقائق الرجال" [رواه الترمذي (113) وأبو داود (237) وابن ماجة (612) من حديث عائشة -رضي الله عنها-].
بل إن جاهمة السلمي - رضي الله عنه- جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يارسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "هل لك من أم؟ " قال: نعم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها". أليس هذا فضل وأي فضل، إن الجنة مبتغى كل رجل، وكل امرأة أم لكل رجل!، فالمرأة نصف المجتمع وتلد النصف الآخر فهي المجتمع بأسره، وبذلك علم العالم أجمع أن المرأة إنسان مهذب له من الحقوق ما يتناسب مع خلقتها وفطرتها في وقت كانت فيه أوروبا تنظر إلى المرأة نظرة سخرية واحتقار، وفي القرن السابع الميلادي عقد مؤتمر عام في روما ليبحث فيه المجتمعون شؤون المرأة فقرروا أنها كائن لا نفس له ، وعلى هذا فليس من حقها أن ترث الحياة الآخرة ، ووصفها المؤتمر بأنها رجس كبير. وحرم عليها ألا تأكل اللحم ، وألا تضحك ، وألا تتكلم ، ونادى بعضهم بوضع أقفال على فمها ، وفي هذا الوقت كانت المرأة العربية تأخذ طريقها نحو النور وتحتل مكانتها الرفيعة في المجتمع العربي وتقف بجانب الرجال في معترك القتال .
لقد قالت الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها-: "كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة" [رواه البخاري (2883)].
ألا يحق بعد هذا كله للسيد (ريفيل) أن يقول: إننا لو رجعنا إلى زمن هذا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لما وجدنا عملاً أفاد النساء أكثر مما فعله هذا الرسول؛ فالنساء مدينات للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأمور كثيرة رفعت مكانتهنّ بين الناس.
وقد كتبت جريدة "المونيتور الفرنسية" عن تصور احترام الإسلام ونبيه للمرأة فقالت: لقد أجرى الإسلام ونبيه تغيراً شاملاً في حياة المرأة في المجتمع الإسلامي فمنحها حقوقاً واسعة تفوق في جوهرها الحقوق التي منحناها للمرأة الفرنسية.
أما الكونت (هنري دى كاسترى) فقد تناول عقد الزواج عند المسلمين فقال: "إن عقد الزواج عند المسلمين يخول للمرأة حقوقاً أدبية وحقوق مادية من شأنها إعلاء منزلة المرأة في الهيئة الاجتماعية"، وهذا أيضًا هو ما دفع العالم الألماني (دريسمان) أن يسجل قوله : لقد كانت دعوة محمد إلى تحرير المرأة السبب في نهوض العرب وقيام مدينتهم، وعندما عاد أتباعه وسلبوا المرأة حقوقها وحريتها كان ذلك من عوامل ضعفهم واضمحلال قوتهم. إن الفضل قد يخرج من الأعداء في لحظة صدق وإنصاف والفضل ما شهد به الأعداء.
نعم عاد من أبناء جلدتنا من سلب المرأة حقوقها وأرادها خراجة ولاجة يساومونها على عفتها وكرامتها وشرفها عبر إعلانتهم التجارية وفضائياتهم العفنة، وآخرين يعتدون على أنوثتها ويدنسون رقتها قالوا لها: كوني رجلاً! وقابلي المجرمين لتقضي بينهم ! كوني مقاولة ..! تنقلي بين البلاد واغتربي لتكوني سفيرة ..!! زعموها حقوقا!! هل من حق المرأة أن تكون رجلاً ؟! أن تخرج عن خِلقتها؟!
أن تمارس أدوارًا خارج فطرتها؟! أن تمارس أعمالا لا طاقة لها بها؟! أن تتمرد على أنوثتها؟! أن تخالف رقتها؟! أن تبعثر جمالها؟! عجبا أن يطلب من القمر المضيء أن يكون شمسًا محرقة! أهذه حقوق؟! أم أنها مفاهيم عفنة وألفاظ تتصادم مع الفطرة وتعجل بانتقام الخالق سبحانه.
إن الإسلام هو المملكة التي أعطت الحقوق لكل من فيها ذكرًا كان أو أنثى، إنسانًا أو حيوانًا، صغيرًا أو كبيرًا، فقيرًا أو غنيًّا، وسيظل الإسلام ظاهرًا وباقيًا محفوظًا بحفظ الله وسنعيش في تلك المملكة طالما تمسكنا بتعاليمه وقواعده فهو مصدر عزتنا وكرامتنا قديما وحديثًا ومستقبلاً، والمرأة هي الكيان التي تقوم به تلك المملكة ولو خرجت عن هذا الكيان وعن دورها فيه لتحطمت تلك المملكة وانهارت.
وختامًا؛ فالإسلام هو نصير المرأة أمًّا وأختًا وابنة، ومنقذها ومحررها ومخرجها من الطغيان والذل، وجعلها تخرّج الأجيال والأبطال، فوراء كل عظيم امرأة، فلا خداع ولا مداهنة ولا فلسفات فاسدة، ولكنه تاريخ يمتد عبر العصور، وحضارة تثبت جدارتها وإنسانيتها، وقدرتها على الابتعاث من جديد، عرف من عرف، وجهل من جهل.(2/2)
والله غالب على أمره، ولو كره المرجفون.
==============
الولاء والبراء بين العلم والحال في نازلة الزمان
عبدالعزيزالجليّل 23/8/1423
08/11/2001
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً - أما بعد:
فالمقصود من عنوان هذه المقالة: التفريق بين من يعلم حقيقة التوحيد ، ومقوماته ، وأنواعه ونواقضه مجرد علم نظري مع ضعف في تطبيقه والتحرك به ، وبين من يجمع مع العلم العمل والتطبيق ، وظهور آثار التوحيد في حاله وأعماله ومواقفه .
ويدخل هذا تحت ما سماه الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - بالقوة العلمية والقوة العملية، حيث ذكر أن الناس مع هاتين القوتين أربعة أقسام : 01 فمن الناس من تكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ، ومنازلها، وأعلامها، وعوارضها ومعاثرها ، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه ، ويكون ضعيفاً في القوة العملية ، يبصر الحقائق ، ولا يعمل بموجبها ، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها ، فهو فقيه ما لم يحضر العمل ، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف ، وفارقهم في العلم ، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم ، والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله .
02 ومن الناس من تكون له القوة العملية الإرادية وتكون أغلب القوتين عليه ، وتقتضي هذه القوة السير ، والسلوك ، والزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة ، والجِد ، والتشمير في العمل ، ويكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد والانحرافات في الأعمال والأقوال والمقامات ، كما كان الأول ضعيف العقل عند ورود الشهوات ، فَداءُ هذا من جهله، وداء الأول من فساد إرادته وضعف عقله ، وهذا حال أكثر أرباب الفقر والتصوف السالكين على غير طريق العلم.
03 ومن كانت له هاتان القوتان استقام له سيره إلى الله ، ورُجي له النفوذ ، وقوي على رد القواطع والموانع - بحول الله وقوته - ، فإن القواطع كثيرة شأنها شديد لا يخلص من حبائلها إلا الواحد بعد الواحد ، ولولا القواطع والآفات لكانت الطريق معمورة بالسالكين ، ولو شاء الله لأزالها وذهب بها ، ولكن الله يفعل ما يريد ، والوقت -كما قيل - سيف فإن قطعته وإلا قطعك .
04 فإذا كان السير ضعيفاً ، والهمة ضعيفة ، والعلم بالطريق ضعيفاً، والقواطع الخارجة والداخلة كثيرة شديدة ، فإنه جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وشماتة الأعداء ، إلا أن يتداركه الله برحمة منه من حيث لا يحتسب ، فيأخذ بيده ويخلصه من أيدي القواطع ، والله ولي التوفيق طريق الهجرتين ( 335، 336) طبعة الشؤون الدينية القطرية.
وقد زاد - رحمه الله تعالى - هذا المعنى وضوحاً عندما تحدث عن التوكل ، وحقيقته ، والفرق بين مجرد العلم به وبين التحرك به عملاً وحالاً ، حيث قال : " فكثير من الناس يعرف التوكُّل وحقيقته وتفاصيله ، فيظن أنه متوكل ، وليس من أهل التوكل ، فحال التوكل : أمر آخر من وراء العلم به ، وهذا كمعرفة المحبة والعلم بها وأسبابها ودواعيها ، وحال المحب العاشق وراء ذلك ، وكمعرفة علم الخوف ، وحال الخائف وراء ذلك ، وهو شبيه بمعرفة المريضِ ماهيةَ الصحة وحقيقَتها وحاله بخلافها .
فهذا الباب يكثر اشتباه الدعاوى فيه بالحقائق ، والعوارض بالمطالب ، والآفات القاطعة بالأسباب الموصلة ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " مدارج السالكين 2/125ا.هـ .
وحري بهذا الكلام أن تعقد عليه الخناصر، وتعض به النواجذ ، وأن يهتم به المربُّون مع أنفسهم ومن تحت أيديهم ، فلقد كان من مضى من العلماء الصالحين الربانيين يخافون على أنفسهم من الضعف العملي ، أو ضعف الحال مقابل ما عندهم من العلم الكثير ، وكانوا لا يركنون إلى شهرتهم العلمية ، بل كانوا يكرهون أن يتضخم علمهم ويشتهروا به بين الناس وليس في قلوبهم وأحوالهم ما يكافئ ذلك من الأعمال الصالحة ، والأحوال الشريفة ، والتي هي مقتضى الفهم والعلم .
ولنا أن نتساءل ونفكر ، أيهما أسعد حالاً ومنزلة عند الله - عز وجل - رجل أوتي من العلم ما يتمكن به من حشد النصوص الدالة على فضل قيام الليل والأسباب المعينة على ذلك ثم هو لا يقوم الليل ، وآخر لا يعلم من ذلك إلا أن قيام الليل مستحب وأجره عظيم فاجتهدَ ليلة بين يدي ربه - تعالى - ساجداً وقائماً ، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ؟ فالمرء لا يكون قائماً الليل بمجرد علمه بفضل ذلك وأحكامه ، ولا يكون ورعاً بمجرد علمه بالورع، وللاا يكون صابراً بمجرد علمه بالصبر وتعريفاته وأنواعه ، ولا يكون متوكلاً بمجرد علمه بالتوكل وأقسامه ، وفرق بين علم الحب وحال الحب ، فكثيراً ما يشتبه على العبد علم الشيء بحاله ووجوده ، وفرق بين المريض العارف بالصحة والاعتدال ، وهو مثخن مريض، وبين الصحيح السليم ، وإن لم يحسن وصف الصحة والعبارة عنها ، وكذلك فرق بين وصف الخوف والعلم به وبين حاله ووجوده ، وإياك أن تظن أن مجرد العلم بهذا الشأن قد صرت من أهله هيهات، مما أظهر الفرق بين العلم بوجوده الغني وهو فقير وبين الغني بالفعل انظر زاد المهاجر ص26 ، طريق الهجرتين ص 196 بتصرف .(2/3)
وبعد هذه المقدمة التوضيحية لمصطلح العلم والحال أدخل في صلب الموضوع الذي بات يؤرق كل مسلم صادق ، ويشغل بال كل موحِّد لله - عز وجل - ، وذلك في هذه الأيام العصيبة التي نزلت فيها بأمة الإسلام ، نازلة عظيمة ، وداهية دهياء أجمعت فيها أمم الكفر وتحالفت فيما بينها تحالفاً لم يسبق له نظير في التاريخ ، فإن أقصى ما كنا نسمعه من تحالف على المسلمين فيما مضى من تاريخهم أن يتحالف النصارى مع بعضهم أو الوثنيون مع بعضهم، أما في نازلة اليوم فلقد تحالفت النصارى بشتى طوائفهم مع اليهود والعلمانيين والوثنيين والبوذيين والشيوعيين الملاحدة ، وكلهم يريد شفاء غيظه من الإسلام والمسلمين ، ووجهوا جيوشهم، وأساطيلهم، وطائراتهم، وأسلحتهم المتطورة إلى دولة أفغانستان المسلمة ، وكل ذنبها أنها تحكم بالإسلام وترفض التبعية لشرق أو لغرب، وتعلن ولاءها لله - عز وجل - ولدينه وللمسلمين ، كما تعلن براءتها من الكفر والكافرين ، وإن مما يقض المجتمع ويثير الأشجان أن يغيب كثير من دعاة المسلمين وعلمائهم عن هذا الحدث الذي تمتحن فيه العقيدة وبخاصة الأصل الأصيل لكلمة التوحيد ألا وهو " الولاء والبراء ، والذي هو واضح في هذا الصراع غاية الوضوح وجلي أشد الجلاء . وأن المسلم ليحتار ويتساءل : أين ما كنا نتعلمه من ديننا وعقيدتنا من كلمة التوحيد إنما تقوم على الولاء والبراء ، الولاء لله - عز وجل - وعبادته وحده ومحبة ما يحبه ومن يحبه والبراء من الشرك وأهله ومن كل ما يبغضه - سبحانه - ومن يبغضه ، وإعلان العداوة ، له وهذه هي وصية الله - تعالى - لهذه الأمة " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده" [ الممتحنة : 4]. إي والله إنه لسؤال محير : أين دروس المساجد ؟ وأين محاضرات أهل العلم ، وأشرطتهم المسجلة، وبيانهم للناس فيها عقيدة التوحيد القائمة على الولاء والبراء ؟ أين الاعتزاز بدعوة المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة من بعده ، والذين كان جل كلاهم ورسائلهم في شرح هذه العقيدة ولوازمها والتحذير مما يخالفها وينقضها ؟ أين نحن ، وأين علماؤنا من بيان هذا الحق الأصيل للناس ؟! أين هم عن ذلك والأمة تمر في ساعات عصيبة تحتاج مَنْ يبعث فيها عقيدة الولاء والبراء ، وبناء المواقف في ضوئها ؟
وهنا أعود إلى عنوان هذه المقالة بعد أن تبين لنا معناها ، وأقول : إن هناك فرق بين تناول التوحيد كعلم مجرد وبين أخذه علماً وحالاً وسلوكاً ، إن المواقف المتخاذلة اليوم أمام أمريكا الكافرة وحلفائها ، وعدم الصدع والجهر بعداوتها والبراءة منها ومن يتولاها لهو أكبر دليل على أن التوحيد عند الكثير منا بقي في حدود العلم المجرد ، أما أخذه علماً وحالاً وعملاً فإنه - ويا للأسف - أصبح مغيباً عن الأمة ، ومغيباً عن المواقف والممارسات . إن هذا الدين يرفض اختزال المعارف الباردة في الأذهان المجردة . إن العلم في هذا الدين يقتضي العمل ، ويتحول في قلب المسلم إلى حركة وأحوال ومواقف ، إذ لا قيمة للمعرفة المجردة التي لا تتحول لتوِّها إلى حركة ومواقف . نعم ، لا قيمة للدراسات الإسلامية في شتى مناهجها ومعاهدها ، ولا قيمة لاكتظاظ الأدمغة بمضمونات هذه المعارف إن لم يصحبها عمل ومواقف . إن العلم المجرد حجة على صاحبه إذا لم يقتضِ عنده العمل . إن العلم بالدين لابد أن يزاول في الحياة ، ويطبق في المجتمع ، ويعيش في الواقع ، وإلا فما قيمة الدروس المكثفة عن الولاء والبراء وأنواعه ، وما يضاده من الشرك وما ينقضه من النواقض ، ثم لما جاءت المواقف التي نحتاج فيها إلى تطبيق ما تعلمناه من مشائخنا فإذا بالسكوت ، بل والتشنيع على من ترجم ما تعلمه إلى سلوك وحال مع أعداء الله - عز وجل - فأعلن براءته وصرَّح بما تعلمه من علمائه ومشائخه من أن تولي الكفار ومناصرتهم على المسلمين رِدَّة وناقض من نواقض الإسلام . إن شأن التوحيد شأن عظيم من أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ، وقام سوق الجهاد وسوق الجنة والنار ، ومن أجل الولاء والبراء - الذي هو أس التوحيد وركنه الركين - هاجر المسلمون السابقون الأولون من ديارهم ، وضحّوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، وفاصلوا آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وعشائرهم الذين ليسوا على دينهم متمثلين في ذلك قوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ، قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" [ التوبة : 23، 24] .
إذن ، فمسألة الولاء والبراء ليست مسألة ذهنية نظرية تدرس لمجرد الدراسة والثقافة ، ولكنها مسألة خطيرة متى ما استقرت في قلب المؤمن الصادق فإنها تجعل منه رجل عقيدة باطناً وظاهراً قلباً وقالباً يتحرك بعقيدته يوالي من يواليها ، ويعادي من يعاديها ، ويهاجر ويجاهد في سبيل الله من أجلها ؛ إنه لا قيمة للمعرفة التي لا تتحول إلى عمل وحركة ومواقف ، ولا قيمة للدراسات الإسلامية والبحوث العقدية ، واكتظاظ أرفف المكتبات والأدمغة بها إن لم تزاول هذه العلوم والدراسات في الحياة ، وتطبق في المجتمعات ، وتحدد في ضوئها العلاقات، وتتمثل في حركة و مواقف يواجه بها الباطل وأهله .
والمقصود : بيان أن شأن الولاء والبراء شأن عظيم ، وأنه ليس علماً مجرداً ، بل يجمع إلى ذلك المقصود عمل القلب وبراءته من الشرك وأهله ، وإعلان ذلك ، وإظهاره باللسان ، وترجمة ذلك إلى عمل وجهاد وسلوك . أما أن يبقى رهين الكتب والأدمغة فإن هذا مما لا يتفق مع طبيعة هذا الدين الذي هو جد كله ؛ لأنه قول القلب وعمله ، وقول اللسان وعمل الجوارح، ولما كانت عقيدة الولاء والبراء هي صلب كلمة التوحيد ، وأنها تستلزم أقوالاً وأعمالاً ومواقف وبذلاً وتضحيات اهتم بها السلف اهتماماً عظيماً ، وعلموها لأولادهم ، وتواصوا بها ، وهاجروا ، وجاهدوا من أجلها ، وعادوا، ووالوا على أساسها . يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى- : "فاللهَ اللهَ إخواني : تمسّكوا بأصل دينكم أوله وآخره أسّهِ ورأسه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، واعرفوا معناها وأَحِبّوا أهلها ، واجعلوهم إخوانكم ، ولو كانوا بعيدين ، واكفروا بالطواغيت ، عادوهم ، وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم ، أو قال : ما عليّ منهم ، أو قال ما كلفني الله بهم ، فقد كذب على الله وافترى، بل كلفه الله بهم وفرض عليه الكفر بهم ، والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه وأولاده ، فالله الله تمسكوا بأصل دينكم لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئاً" الدرر السنية 2/119.(2/4)
وقال في موطن آخر : "إن الواجب على الرجل أن يعلم عياله وأهل بيته الحب في الله والبغض في الله ، والموالاة في الله ، والمعادات فيه قبل تعليم الوضوء والصلاة ؛ لأنه لا صحة لإسلام المرء إلا بصحة صلاته ولا صحة لإسلامه – أيضاً – إلا بصحة الموالاة والمعادات في الله" الرسائل الشخصية ص 323. ولما تواجه المسلمون في تاريخهم الطويل مع أعدائهم الكافرين بشتى مللهم برز دور العلماء في وقتهم ، وهم يحرِّضون على نصرة المسلمين وإعانتهم على الكافرين ويحذرون من تولي الكافرين ، ومناصرتهم بأي نوع من أنواع النصرة ، ويفتون بأن من ظَاهَر الكافرين على المسلمين فهو مرتد خارج عن ملة الإسلام . فهذا الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – قال عن بابك الخرّمي عندما خرج على المسلمين وحاربهم وهو بأرض المشركين : " خرج إلينا يحاربنا وهو مقيم بأرض الشرك ، أيّ شيء حكمه ؟ إن كان هكذا فحكمه حكم الارتداد" ( الفروع 6/163).
وعندما هجم التتار على أراضي الإسلام في بلاد الشام وغيرها أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – برِدِّة من قفز إلى معسكر التتار من بعض المنتسبين إلى الإسلام ( الفتاوى 28/530) .
وعندما هجمت جيوش المشركين على أراضي نجد لقتال أهل التوحيد ، وأعانهم بعض المنتسبين إلى الإسلام ، وذلك بين عامي 1223 – 1226 أفتى علماء نجد بردة من أعانهم ، وألف الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ كتاب (الدلائل) في إثبات كفر هؤلاء .
وفي أوائل القرن الرابع عشر أعانت بعض قبائل الجزائر الفرنسيين ضد المسلمين ، فأفتى فقيه المغرب أبو الحسن التسولي بكفرهم. (أجوبة التسولي على مسائل الأمير عبد القادر الجزائري ص 210) .
وفي منتصف القرن الرابع عشر اعتدى الفرنسيون والبريطانيون على المسلمين في مصر وغيرها فأفتى الشيخ أحمد شاكر بكفر من أعان هؤلاء بأي إعانة (كلمة حق : ص 126 وما بعدها ) وعندما استولى اليهود على فلسطين في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وأعانهم بعض المنتسبين إلى الإسلام أفتت لجنة الفتوى بالأزهر برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم عام 1366هـ بكفر من أعانهم ، وفي عصرنا الحاضر ، وعندما نزلت نازلة الزمان اليوم ، وتحالفت قوى الكفر على حرب دولة أفغانستان المسلمة بقيادة طاغوت العصر أمريكا ، ومن حالفها من النصارى والشيوعيين والوثنيين والمنتسبين إلى الإسلام من الزنادقة والمنافقين لم تعدم الأمة من قائل للحق وصادع به من علمائها الربانيين في بلاد الإسلام عرضاً وطولاً" حيث أفتوا جميعهم بأن من أعان أمريكا وحلفاءها من الكفرة والمنافقين على حرب أفغانستان المسلمة فإنه بذلك يخرج من دائرة الإسلام ويحكم بردته ، ودعموا فتاويهم بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف في تفسير بعض الآيات التي تنهى عن تولي الكافرين كما في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولَّهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" [ المائدة : 51] ومن هؤلاء العلماء علماء المغرب ، ومفتي باكستان ( نظام الدين شامزي ) وعلماء اليمن وغيرهم من علماء البلدان الإسلامية، ومن بلاد الحرمين الشيخ حمود العقلا ، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك ، والشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، والشيخ سلمان العودة ، والشيخ سفر الحوالي ، وغيرهم من العلماء وطلبة العلم - حفظ الله الجميع ورعاهم - .
وفي الوقت الذي فرحنا فيه بهذه الفتاوى التي صدعت بالحق وقالته في وقته الذي يجب أن يقال فيه فإنه في الوقت نفسه قد أحزننا غياب بعض العلماء عن هذه النازلة التي تنتظر فيها الأمة قول علمائها والصدع بالحق فيها ، مع أن هذه النازلة من الوضوح بحيث لا يرد على العالم فيها لبس ولا شبهة حتى يقال : إن هناك تردد وتوقف يبرر به السكوت والإحجام ، ويزداد الحزن والألم حينما نسمع من بعض العلماء أو طلبة العلم ، من يتأول بعض النصوص وينزلها في غير مكانها من دون تخريج ، ولا تنقيح ، ولا تحقيق لمناطاتها ، حيث آل به الأمر إلى فتوى خطيرة مفادها: أن أمريكا الكافرة وحلفاءها ؛ إنما جاءوا لإقامة العدل ومحاربة الإرهاب والظلم فيجوز مساعدتها على ذلك .. !!! سبحانك هذا بهتان عظيم . ومتى عرفت أمريكا العدل وتاريخها كله ظلم وعدوان ، وهل جاءت لإقامة العدل أم لتعلنها حرباً صليبية على لسان شيطانها الأكبر ( بوش ) .
إننا ننصح علماءنا هؤلاء بأن يُتابعوا الأخبار ليطلعوا على الأطفال والنساء والشيوخ المسلمين الذين مزقت أجسادهم صواريخ كروز والقنابل الانشطارية ، ثم يقوموا لله ويسألوا أنفسهم هل هذا هو العدل الذي جاءت أمريكا لإقامته ، وهل هؤلاء الأبرياء هم الإرهابيون الذين زعمت أمريكا أنها تحاربهم ؟ يا علماءنا هؤلاء اتقوا الله في أنفسكم ، فلا تظلموها وتعرضوها لسخط الله – تعالى- فإن هذا الموقف منكم له ما بعده في الدنيا والآخرة وستكتب شهادتكم وتسألون . واتقوا الله في أمتكم ، فلا تكتموا عنها الحق ولا تلبسوا الحق بالباطل وأنتم تعلمون أولا تعلمون .
ويا ليتكم سكتم إذ لم تقدروا على قول الحق فهو أخف أثماً من قول الباطل . وإننا نناشدكم ونقول : ارحموا شباب الصحوة ، وأشفِقوا عليهم من المواقف المخذلة والفتاوى المتسرعة ، فإن الشباب المسلم إن لم يجدوا فيكم من يلتفُّوا عليه ، ويسمعهم الحق ويصدع به فإنهم سيذهبون إلى بعضهم ويجتهدون لأنفسهم ؛ مما قد يكون فيه فتنة وفساد. وحينئذٍ ستلومونهم وتشنِّعون عليهم، مع أنكم من بين الأسباب التي قد تدفعهم إلى التسرع وعدم الانضباط؛ وذلك بعدم إسماعهم ما يجب عليكم قوله في هذه النازلة العظيمة ، أو إسماعكم لهم أقوالاً غريبة تجرح شعور كل مسلم يحب المؤمنين ، ويعادي الكافرين .
وأخيراً ، أقول لكل عالم لم يصدع بكلمة الحق في هذه النازلة ، ولكل مسلم متردد تحت تأثير ما يسمع من الشبهات ، أقول : إن ما يحصل على أرض أفغانستان المسلمة من الوضوح والجلاء ، بحيث لا يدع عذراً لعالم أن يسكت عن قول الحق ، فضلاً عن أن يخذل أو يعوق، ولا يدع مجالاً لمتردد أن يتردد .
إن ما يحصل هناك إنما هو حرب صليبية على الإسلام والمسلمين ، حرب تميز الناس فيها إلى فئتين متقابلتين : فئة مسلمة تحكم بالإسلام في أفغانستان ، ولا ترضى بغيره بديلاً ، وفئة أخرى كافرة تقودها أمريكا الكافرة الصليبية مع أحلافها من النصارى واليهود والشيوعيين والبوذيين والمنافقين ، فمع أي الفئتين يضع المسلم نفسه ، وفي أيِّ الخندقين يجب أن يكون ، أفي خندق الكفر الحاقد على الإسلام وأهله أم في خندق الإسلام وأهله ؟ أفي ذلك غموض واشتباه ؟ إنه والله لا غموض فيه ولا لبس . وإن الأمر جِدُّ خطير ، وامتحان للتوحيد في قلب المؤمن القائم على عبادة الله وحده والكفر بما سواه والموالاة والمعاداة فيه .(2/5)
وأخيراً : أطرح سؤالاً صريحاً لكل مخذل أو متردد ألا وهو : ما تقولون في جهاد الأفغان ضد الروس في العقود الماضية ؟ وأجزم بأن الجواب عندهم : إنه جهاد إسلامي بين المجاهدين المسلمين ، وبين الروس الكفرة الملحدين ، ولا أظن عندهم جواباً غيره لأن علماء بلد الحرمين قد أفتوا بذلك وحرضوا على الجهاد بالمال والنفس آنذاك ومنهم الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى- وحينئذٍ نقول : فما الذي تغير في هذه الحرب الجديدة بين الأفغان وأمريكا الكافرة . إنه لم يتغير إلا وجه الكافر ، بل إن الكافر الروسي الذي حاربه المسلمون في الحرب الأولى هو الآن متحالف مع أمريكا وحلفائها في ضرب المسلمين في أفغانستان ، فلماذا تغيرت المواقف ؟ إن الواجب بالأمس هو الواجب اليوم ، هذا إن كنا ننطلق من عقيدة الولاء والبراء التي لا تتغير بتغير وجوه الكافرين . أما إن كنا ننطلق من الألاعيب السياسية وأهواء الحكام وتلبيس الإعلام فلنراجع إيماننا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
=============
يبٌ أنا أم زماني غريبُ؟!
د.عبد المعطي الدالاتي 3/12/1424
25/01/2004
غريبٌ أنا ! أم زماني غريبُ؟!
وحيّرَ فكري السؤالُ العجيبُ!
غريبٌ ! وكيفَ وكلُّ شعاعٍ
سرى في السماء لعيني قريبُ؟!
غريبٌ! وكيف وكلّ جمالٍ
بهذا الوجودِ لقلبي حبيبُ؟!
وكيف أكون غريباً وحولي
حبورٌ ونورٌ ولحنٌ وطيبُ؟!
وعندي رجاءٌ ..وفوقي سماءٌ
تظلُّ، وشعرٌ ،وفكرٌ خصيب؟!
وكيف أكون غريباً وشمسي
أقامت بطول المدى لا تغيبُ؟!
وكلُّ البرايا معي ساجداتٌ
لِربّي نُلبّي ...له نستجيبُ
فذرّاتُ هذا الوجودِ تلبّي
وأسمعُها لو تَشِفُّ الغيوبُ!
تسبّحُ سرّاً بغير ذنوبٍ!
أسبِّح جهراً وكُلّي ذنوبُ!!
غريبٌ أنا! أم زماني غريبُ؟!
يحيّرني ذا السؤالُ العجيبُ!
غريبٌ! وكيف وهذي سبيلي
وغيري هوى،ضيَّعَتْهُ الدروبُ؟!
وكيف ودربي ابتداهُ الرسولُ
يقود القلوبَ،فتحيا القلوبُ؟!
أنا إنْ سجدتُ أناجي إلهي
فؤادي يطيبُ ، وروحي تذوبُ
أعيش بظلِّ النجاوى سعيداً
فأدعو ،وأدعو ،وربّي يُجيبُ
وربي قريبٌ، قريبٌ، قريبُ
فكيف يُقال: بأني غريبُ؟!
=============
الأستاذ الكبير... الزمان
جلعود الجلعود 25/11/1425
06/01/2005
تحيا ... وعقلُك يحضى من تجارِبه
ونورُ فكرِك مزدانٌ به الفَلَقُ
تحيا ... وتعرف في الأيام خافيها
ويبصر الغيب منك القلب والحدَق
تحيا ... تعايش أحوالاً منوعة
تتلو لها آية في لفظها الطّبق
فكنت تحمد في الأشياء ظاهرها
واليوم جاءك من أعماقها الأرَقُ
وصرت تضحك مما كنت تبغضُه
وقد يجيئك مما تشتهي الزهقُ
تحيا ... وسيفك ينبو في مضاربه
وحظّك اليوم من دنياك مخترقُ
ورب مكثر ضربٍ حزّ مفصلها
وصار من حظه الإسعاد والعبقُ
تحيا ... وقلبُك ملتاعٌ تبعثره
مصائبُ العيش والأشجانُ والحرقُ
وكان يعجبك الأغمارُ إذ زعموا
فقلت بعدُ بأنّ الزعمَ مختلقُ
فأكثرُ الناس زيفٌ في حقيقته
دوّى لهم صوت إرعادٍ وما برقوا
في الناس خيرٌ وأبطال وتعرفهم
وأغلبُ الناس في أخلاقه نزقُ
ولا يساوي جنيها بعض من نجد
وبعضهم لا يساوي قدره الورقُ
تحيا ... تغوص المحيطات التي مُلِئت
أسرار دنيا... وقد يودي بك الغرقُ
تحيا .... وتبصر إخواناً تمزّقهم
يد العدو ويفري فيهم القلقُ
يُشجيك أن تُبصر الإخوان في كلف
وبينهم حلّت الأحقادُ والفرقُ
أمنت أشياء كان الخوف صاحبها
وحلّ في ساحتي ما تأمنُ الفرقُ
وأنورت ليلة أرخت معاطفها
وعاث في وجه شمس البائن الغسقُ
تحيا ... تغيّر مفهوم الحياة فما
تبقى على فهمك الماضي وتختلقُ
وسوف تلقى أحباء وتعشقُهم
لكن سيذهب معشوقٌ ومن عشقُوا
تحيا ... يصافيك من تهوى مماتهم
وقد يلاقيك من أحبابك العققُ
وكنت تسمع إطراءً وتحسبُه
صدقًا... وما ثم إلا المينُ والملَقُ
تحيا ... وفي عينك الإشراق مؤتلقٌ
وسوف يبدع في تلوينه الشفقُ
هذي حروفي ... وفي أصدائها حِكَمٌ
سطّرتها بدمي والشاهدُ الغسقُ
تغير الفكر عندي بعدما وَهَنت
ساقي وبان على أشباهيَ الرهقُ
أخي.. أتبغي خلاص النصح من عمري
اعمل لأُخراك... ثم الأنس والألق
================
قيمة الزمن
أحمد فريد
الإسكندرية
غير محدد
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- إقسام الله بالزمان لشرفه. 2- الزمن فرصة للتزود بعمل الآخرة. 3- الأعمار مسؤول عنها يوم القيامة. 4- ندم المفرطين يوم القيامة وتمنيهم العود للدنيا. 5- الوقت نعمة شكرها طاعة الله وكفرانها معصية الله. 6- صور من حرص السلف على أوقاتهم.
-------------------------
الخطبة الأولى
عباد الله:
الوقت والعمر والأيام والليل والنهار والدقائق واللحظات رأس مال العبد، وهو نعمة من أعظم نعم الله عز وجل على العباد.
تمنن الله عز وجل على العباد بنعمه فقال عز وجل: الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار [إبراهيم:32-34].
وأقسم الله عز وجل بالزمان فقد أقسم بالعصر، وبالليل والنهار، وبالفجر وبالضحى لبيان أهمية الزمان فقال عز وجل: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [العصر].
وقال تعالى: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى [الليل:1-2].
وقال تعالى: والضحى والليل إذا سجى [الضحى:1-2].
وقال تعالى: والفجر وليال عشر [الفجر:1-2].
وقيمة الزمن تكمن في أن الله عز وجل جعله فرصة للإيمان، والعمل الصالح، وهما سبب السعادة في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا [الفرقان:62].
قال بعض السلف: من فاته طاعة الله بالليل كان له من أول النهار مستعتب، ومن فاته طاعة الله بالنهار كان له من أول الليل مستعتب.
ودلت السنة كذلك على أهمية الزمن وخطره قال النبي : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه))(1)[1]).
فيسأل العبد يوم القيامة سؤالين عن الزمن، عن عمره فيما أفناه عامة، وعن شبابه فيما أبلاه خاصة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله : ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ))(2)[2]).
والمغبون هو الذي باع شيئا بأقل من ثمنه، أو اشترى شيئا بأكثر من ثمنه، فالصحة والوقت نعمتان عظيمتان، أكثر الناس لا يستفيد منهما ويضيعهما ثم يندم عليهما في وقت لا ينفع فيه الندم، والموفق إلى بذلهما في طاعة الله عز وجل قليل، فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة ثمينة، تستطيع أن تشتري بها كنزا لا يفنى أبد الآباد، فتضييعه وخسارته، أو اشتراء صاحب به يجلب هلاكه لا يسمح به إلا أقل الناس عقلا، وأكثرهم حمقا.
قال النبي : ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة ))(3)[3]).
قال بعض السلف: بلغنا أن نخل الجنة ساقها من ذهب، وسعفها من حلل، وثمارها أبيض من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من العسل والشهد.
وقال : ((اقرأوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ))(4)[4]).(2/6)
وقال : ((من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى له قصر في الجنة))(5)[5]).
فخطر الأوقات والأنفاس أن العبد إذا تاجر فيها مع الله عز وجل ربح على الله عز وجل أعظم الأرباح.
قال الحسن البصري: نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن وذلك لأنه عمل فيها قليلا وأخذ منها زاده إلى الجنة، وبئست الدار الدنيا كانت للكافر والمنافق، وذلك لأنه أضاع فيها لياليه، وأخذ منها زاده إلى النار.
وخطر الأوقات والأنفاس كذلك مع كونها رأس مال العبد وفرصة الأعمال الصالحة، أن عدد الأنفاس التي قدرها الله عز وجل لنا غيب فلا يدري متى تذهب أنفاسه حياته.
يا من بدنياه انشغل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
قال الحسن: المبادرة المبادرة إنما هي الأنفاس، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل، لو حبست انقطعت عنكم ثم بكى على عدد ذنوبه، ثم قرأ: إنما نعدّ لهم عدا آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك.
فالله عز وجل قدر لنا عددا محددا من الأنفاس فكلما تنفس العبد نفسا سجل عليه، حتى يصل العبد إلى آخر العدد المقدر له، عند ذلك يكون خروج النفس، وفراق الأهل، ودخول القبر، وينتقل العبد من دار العمل ولا حساب إلى دار الحساب ولا عمل، فمن كان يمشي على ظاهر الأرض بالطاعة والمعصية، يصير محبوسا في باطنها مرتهنا بعمله.
وإنما يدرك العبد خطر الوقت والعمر إذا فقد هذه النعمة فعند ذلك يتمنى أن يرجع إلى الدنيا لا من أجل أن يجمع حطامها وشهواتها، بل من أجل أن يجتهد في طاعة الله عز وجل، وتتجدد له هذه الأمنية وهذا الطلب كلما عاين أمرا من أمور الآخرة.
قال تعالى: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون [المؤمنون:99].
وقال تعالى: وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون [المنافقون:10-11].
وقال تعالى: ولو ترى إذا المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [السجدة:12].
وقال تعالى: ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين [الأنعام:27].
وقال تعالى: وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير [فاطر:37].
وقال تعالى: قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل [غافر:11].
فالعمر والوقت نعمة من الله عز وجل، فمن شكرها بطاعة الله عز وجل وأنفقها في سبيل الله تقول له الملائكة يوم القيامة: ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون [النحل:32]، وتقول له في الجنة: كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية [الحاقة:24].
ومن كفر هذه النعمة وبذلها في معصية الله عز وجل تقول له الزبانية: ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين [غافر:75-76].
فينبغي على العبد أن يعرف خطر الأوقات واللحظات فأهل الجنة لا يتحسرون على شيء، إلا على ساعة مرت عليهم لم يذكروا الله عز وجل فيها.
وقال بعضهم ك هب أن المسيء قد عُفِي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين كم من المسلمين عباد الله من يضيع الساعات في غير الطاعات، بل في معصية رب الأرض والسماوات، كم من أناس يضيعون أعمارهم في الجلوس على المقاهي ومجالس اللغو واللهو يفرحون برؤية الذاهبات والغاديات، كم من أناس يضيعون أوقاتهم أمام لوحة النرد أو الشطرنج وإن سألتهم قالوا : نقتل الوقت، نقول لهم : أنتم تقتلون أنفسكم أو تنتحرون انتحارا بطيئا، لأن الوقت هو عمر الإنسان، ولأنه من أعظم نعم الله عز وجل على العباد، هل الوقت عدوا أو نقمة يتخلصون منه بقتله، إنهم يضيعون فرصة عمرهم، وفرصة العمل بطاعة ربهم، وكل يوم يمضي من أعمارهم لا يعود إليهم أبدا، وإنما يمضي بما فيه من خير أو شر.
كان السلف رضي الله عنهم أحرص الناس على أوقاتهم.
قال رجل لعامر بن عبد قيس: قف أكلمك فقال : أوقف الشمس.
وكان بعضهم إذا جلس الناس عنده فأطالوا الجلوس يقول: أما تريدون أن تقوموا، إن ملك الشمس يجرها لا يفتر.
كانوا يبخلون بأوقاتهم وأنفاسهم أن تنفق في غير طاعة الله عز وجل، وكانوا أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم.
مات ابن لأبي يوسف تلميذ أبي حنيفة فوكل أحد جيرانه في غسله ودفنه لئلا يفوته درس من دروس شيخه أبي حنيفة.
كان ثابت البناني يستوحش لفقد التعبد بعد موته فيقول: يا رب إن أذنت لأحد أن يصلى في قبره فأذن لي.
وكان يزيد الرقاشي يبكي ويقول: يا يزيد من يبكي بعدك لك، من يترضى ربك عنك.
ودخلوا على الجنيد عند الموت وهو يصلي قال: الآن تطوى صحيفتي.
وقيل لأبي بكر النهشلي وهو في الموت: إشرب قليلا من الماء قال: حتى تغرب الشمس.
أين وصفك من هذه الأوصاف، أين شجرة الزيتون من شجر الصفصاف.
لقد قام القوم وقعدت، وجدوا في الجدّ وهزلت، ما بيننا وبين القوم إلا كما بين اليقظة والنوم.
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس السليم إذا مشى كالمقعد
يا ديار الأحباب أين السكان، يا منازل العارفين أين القطان، يا أطلال الوجد أين البنيان، أماكن تعبدهم باكية، ومواطن خلواتهم لفقدهم شاكية، زال التعب وبقي الأجر، ذهب ليل النصب وطلع الفجر، وإنما ينطبق علينا عباد الله قول القائل:
يا من إذا تشبه بالصالحين فهو عنهم متباعد، وإذا تشبه بالمذنبين فحاله وحالهم واحد يا من يسمع ما يلين الجوامد وطرفه جامد، وقلبه أقسى من الجلامد، إلى متى تدفع التقوى عن قلبك وهل ينفع الطرق في حديد بارد.
-------------------------
الخطبة الثانية
لم ترد .
__________
(1) رواه الترمذي (9/253) عارضة ) صفة القيامة وقال : حسن صحيح ، وحسنه الألباني بشواهده في الصحيحة .
(2) رواه البخاري (11/233)الرقاق : باب ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة والترمذي ، (2304 شاكر) الزهد : باب الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس .
(3) رواه ابن حبان (2335موارد) ، والترمذي (3531شاكر) الدعوات والحاكم (1/501، 502) وقال الترمذي : حسن صحيح ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني .
(4) رواه الخطيب في التاريخ (1/285) ، والديلمي (1/1/13) وقال الألباني : وهذا إسناد جيد رجاله رجال الصحيح غير ابن الجنيد ترجمه الخطيب وقال : وهو شيخ صدوق ، ووثقه غيره وروى الترمذي نحوه - الصحيحة 660.
(5) رواه أحمد (5/437) ، وصححه الألباني في الصحيحة رقم (589) .
============
وقفة أمام بوابة الزمن
عادل بن أحمد باناعمة
جدة
محمد الفاتح
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- ضرورة المحاسبة. 2- الإنسان يحاسب يوم القيامة على الصغير والكبير. 3- عظة وعبرة في انصرام الأيام ومرور السنين. 4- التفاؤل بمستقبل مشرق للإسلام.
-------------------------
الخطبة الأولى
وهكذا في لمح البصر يطوى تاريخ طويل طالما عشنا فيه آلاماً وآمالاً، وطالما كانت لنا فيه ذكريات وطموحات، وطالما جئنا فيه وذهبنا، وعملنا وتركنا، وفعلنا ولم نفعل.(2/7)
إننا نقف الآن على مفترق الطرق، ننظر هنا فنرى عاماً كاملاً قد شد رحاله وطوى صفحته وتهيأ للرحيل ... الرحيل الذي لا عودة بعده.
وننظر هناك فنرى عاماً جديداً، جاء محملاً بحوادثه، ووقائعُه محجوبة بحجاب الغيب، مستورة بستار القدر ... ثم ما تلبث أن تنكشف شيئاً فشيئاً.
ماذا حدث في العام الماضي؟ وما ذا سيحدث في العام الجديد؟
كم من فقير مسلم ـ في عامنا الماضي ـ هام على وجهه؟!
كم من مشرد كان له بيت فصار بلا مسكن ولا مأوى؟!
كم من بريء مسكين قتلته رصاصات الغدر والكفر؟!
كم من حرة عفيفة هتك سترها كافر عتل غليظ؟!
كم من بلد استبيحت حرمته وسلبت أراضيه؟!
كم من أرض أحرقت ظلماً لا لشيء إلا لأن أهلها يقولون: ربنا الله؟!
كم وكم من الصور المؤلمة حملها عامنا الذي سيرتحل في حقيبته؟
أيها العام قد طويت جناحاً …وتهيأت للرحيل البعيد
سوف تمضي وقد تركت قروحاً……داميات بقلبي المجهود
أنا مازلت أنشد الشعر لكن……نغم الحزن لم يفارق قصيدي
هكذا كان .. وانطوى عام كامل من عمر أمة الإسلام.
لست أنكر أنه كانت فيه نقاط مضيئة مشرقة، ولكنها كادت تضيع في وسط ركام الأحزان والآلام.
ولئن انقضى هذا العام أو كاد، فهذه دعوة للمسلمين أن يفكروا في حال الإسلام والمسلمين .
دعوة إلى أن يحققوا في الواقع قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].
دعوة إلى أن يعوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)).
نعم ... إن الإسلام اليوم لم يعد يشغل حيزاً ولو صغيراً من أذهان كثير من المسلمين ..
وإلا فأخبرني يا أخي ...
كم مرة فكرت في حال المسلمين فاغتممت ففاضت عيناك؟
كم مرة احترق قلبك وأنت تقرأ ما حل بالمسلمين؟
كم مرة رفعت يديك في ضراعة وخشوع تدعو لألئك المساكين المستضعفين؟
بل أخبرني ... كم مرة حرصت على متابعة حال إخوانك المسلمين؟ ما أكبر الفضيحة ! وما أعظم المأساة!
نحن مدعوون إلى أن نتخذ من هذه اللحظة التاريخية منطلقاً نحو وعي أكبر بقضايا أمتنا، وتفاعل أفضل مع مشاكلها وبداية لنمط جديد من التفكير يكون للإسلام ولأمة الإسلام حظ كبير منه غير مبخوس ولا منقوص.
وكما ينبغي أن تكون بداية العام بداية لعهد جديد مع أمتك، فيجب أن تكون بداية لعهد جديد مع نفسك. نعم لا بد من وقفة محاسبة وتأمل.
قال الحسن البصري: "لا ترى المؤمن إلا يلوم نفسه: ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر ليمضي قدماً ما يعاتب نفسه".
إنها إذاً المحاسبة التي قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر)، فهل تزينا للعرض الأكبر بمحاسبة أنفسنا؟
وانظر إلى قول المولى عز وجل: لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ [الأحزاب:8]. فإذا سئل الصادقون عن صدقهم وحوسبوا عليه فما الظن بالكافرين؟
وانظر إلى قوله تعالى: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين [الأعراف:6]. يا لله حتى المرسلون يسألون.
إن الله عز وجل يحاسب الإنسان على كل صغيرة وكبيرة، يدون عليه كل شيء حتى إذا جاء يوم القيامة نشرت الدواوين وكشفت المخبآت، ولا تسل يوم ذاك عن حال الغافلين الذين لم يحاسبوا أنفسهم في الدنيا، لا تسل عن حالهم حين تجبههم صحائف أعمالهم وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَاذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].
نعم كل شيء مكشوف، كل شيء مسجل وقد أحصاه الله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاواتِ وَمَا فِى الأرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [المجادلة:7].
كل شيء يسأل عنه الإنسان، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك؟ ونروك من الماء البارد)) [الترمذي].
وحكي عن الإمام أحمد أنه كان في سكرات الموت يئن فسمع أن الأنين يكتب فسكت حتى فاضت روحه رحمه الله.
هكذا إذن يحاسب الإنسان يوم القيامة على كل صغيرة وكبيرة من أمره، على أقواله وأفعاله ونياته، وتقام عليه يومذاك الشهود وأي شيء أعظم من أن يشهد بعضك على بعضك، روى الإمام مسلم [2969]. عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فضحك فقال: ((هل تدرون مم أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال: فيقول بعداً لكنّ وسحقاً، فعنكن كنت أناضل)).
مثل وقوفك يوم الحشر عرياناً……مستوحشا قلق الأحشاء حيراناً
اقرأ كتابك يا عبدي على مهل……فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
لما قرأت ولم تنكر قراءته……اقرار من عرف الأشياء عرفاناً
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي……امضوا بعبد عصى للنار عطشاناً
فتوهم نفسك وأنت بين يدي ربك، في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها، وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل، وقلب منكسر، فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها وأبداها، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيماً، فياحسرة قلبك، ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك.
يا إخوتاه … هل من محاسب نفسه في دنيا ليخفف على نفسه في أخراه؟
وحين أقف أنا مع نفسي وتقف أنت مع نفسك وتمحص أيامك السالفات في عامك الماضي فتنظر ما كان من حسن فتثبت عليه وما كان من سيء فتجتنبه، حين نفعل ذلك نكون قد خطونا الخطوة الصحيحة للإصلاح، وأخذنا بيد أنفسنا للخير والفلاح.
فماذا يا ترى أودعنا في عامنا الماضي؟
هل أودعنا فيه صلاة وصياماً وذكراً ودعوة وبكاء وخشية وتوبة وصبراً على المكاره وقياماً بأمر الله؟ أم أودعنا فيه لعباً ولهواً وقضاء للشهوات واغتراراً بمتاع الدنيا الفاني؟
هل رآنا الله نتهجد في ظلمات الأسحار ونحني أصلابنا على القرآن الكريم، ونبلل الأرض بالدمع في خشوع؟ أم رآنا ساهرين على مشاهدة الحرام وسماع الحرام، لا هين عما أمرنا الله به، مقبلين على ما نهانا عنه؟
أسئلة كثيرة يجب أن نجيب عنها بصدق وصراحة وإن كانت الصراحة مرة في بعض الأحيان.
-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد:
أيها الأخ ألا ترى أن انقضاء العام بهذه السرعة العجيبة مؤذن بانقضاء عمرك كله ورحيلك إلى الدار الآخرة؟ أليس عمرك بضعة سنوات كلما انقضت سنة دنوت إلى قبرك؟
كل يوم يمر يأخذ بعضي …يورث القلب حسرة ثم يمضي(2/8)
أفلا تذكرت واعتبرت بدنو الأجل وقرب الرحيل! كم ودعت في عامك الماضي من حبيبب؟ وكم فارقت من غال؟ وكم حملت من جنازة إلى قبرها، ونفس تزجى لأمر ربها؟
أما كان لك في ذلك موعظة؟ أما تخشى اليوم الذي تكون فيه محمولاً لا حاملاً، ومغسولاً لا غاسلاً، ومدفوناً لا دافناً؟ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].
إنه الموت الذي ينتهي إليه كل حي، والذي لا يدفعه عن نفسه ولا عن غيره أحد، الموت الذي يفرق بين الأحبة ويمضي في طريقه لا يتوقف ولا يلتفت ولا يستجيب لصرخة ملهوف ولا لحسرة مفارق ولا لرغبة راغب ولا لخوف خائف.
سبيل الخلق كلهم فناء…فما أحد يدوم له بقاء
يقربنا الصباح إلى المنايا…ويدنينا إليهن المساء
أتأمل أن تعيش وأي غصن…على الأيام طال له النماء
يا أخوتاه… بلغنا أن زاهداً كان كثير النصح والوصية لأصحابه، فقال له أصحابه يوما: لو أوجزت لنا معناك في جملة تكون لنا شعاراً! فقال: نعم، فقام وكتب على الجدار بخط كبير: لا تمضوا في طريق اليأس ففي الكون آمال، ولا تتجهوا نحو الظلمات ففي الكون شموس!
إنه شعار جميل نضعه نصب أعيننا ونحن نودع ذلك العام المحمل بالجراح.
إنها دعوة للتفاؤل والإيجابية والبذل والعمل، وعدم الاكتفاء بالبكاء والنحيب وتعداد المصائب .
لسنا يا أخي في مناحة نعدد فيها المصائب ونبكي ثم لا يكون شيء، لا إنما نحن في لحظة اعتبار وادكار، نتخذ من عرض هذه الآلام طريقاً إلى الآمال، ونجعل ذكر هذه الجراح سلماً للفلاح.
ولقد علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم التفاؤل والأمل حتى في أحلك اللحظات، أوليس هو الذي كان يبشر أصحابه بفتح بلاد كسرى وقيصر واليمن وهم محاصرون يوم الأحزاب في المدينة؟
وكيف لا نتفاءل ونرجو الخير ونحن نرى كثيراً من المبشرات تلمع خلال الظلام وتؤذن إن شاء الله بفجر جديد.
هذا الجيل المبارك من شباب الصحوة الذي يملأ المساجد.
هذه العاطفة الدينية القوية لدى الشعوب الإسلامية.
هذا الجهاد الحي المؤمن في أنحاء كثيرة من أرض الإسلام.
هذا التداعي والهبوط لكثير من القوى الكافرة.
كل هذه وأمثالها مبشرات على الطريق.
المهم ما هو دورك أنت؟
ابدأ بنفسك فأصلحها، ثم بأهلك، ثم بإخوانك، ثم بمن حولك، ثم ارفع يديك إلى السماء وقل يا رب.
"حتى إذا وجدت تلك القلوب التي لا تطمع إلا فيما عند الله ولا تنتظر ثوابا في الدنيا تنزل عليها نصر الله".
آه ما أكثر الجراح ولكن …أمتي أمة الثبات العنيد
لم تزعزع يقيننا الصرصر القر ……ولم تثننا صلاب السدود
لم يزل في دمائنا ألف سعد ……يتلظى وألف قطز جليد
إن مضى عامنا ببؤس ……فإنا نلمح الخير ملء عام جديد
-============
بوابة الزمن
فيصل بن عبد الرحمن الشدي
الخرج
24/12/1422
جامع العز بن عبد السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- سرعة انقضاء الأيام والليالي. 2- حقيقة الدنيا. 3- وقفة محاسبة مع نهاية العام. 4- نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم. 5- الوصية بفتح باب المحاسبة مع النفس في نهاية العام.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فوا عجبًا لتلك البوابة، ما أعظمها، ما أوسعها، ما أكبرها، اتسعت لملايين البشر على مر التاريخ، كلٌ يدخل منها ويمضي، دخل منها آدم وموسى وعيسى ومحمد والأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام، دخل منها الأغنياء والفقراء، والكُبراء والحقراء، والرجال والنساء، اتسعت لملايين الأحداث، أممٌ تباد ودولٌ تشاد، حروبٌ طاحنة ونوازل ساخنة، عجبًا لها من بوابة، لم تضق يومًا بالموتى ولا بالمواليد، ولا بالأفراح ولا بالأتراح، عجبًا لها من بوابة قد أشرعت أبوابها يوم أن حط آدم قدمه على الأرض، وستغلق بإذن ربها يوم أن يأذن الله بخراب الدنيا وزوال العالم.
نعم يا رعاكم الله، إنها بوابة الزمن، تلج من بوابتها السنين تلو السنين، وها هو العام الثاني والعشرون بعد الأربعمائة والألف للهجرة قد أزف رحيله وقرب تحويله، ها هو يطوي بساطه ويقوض خيامه ويشدُّ رحاله، وكل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، يا لله! العام الثاني والعشرون قطعناه من أعمارنا، أين ليله؟! أين نهاره؟! أين يومه؟! أين شهره؟! أين صيفه؟! أين شتاؤه؟! أين أفراحه؟! أين أحزانه؟! أين أنفاسه؟! أين لحظاته؟! إي وربي، إنها دوامة الزمن لا تقف لأحد، لا تنتظر أحدا، لا تحابي أحدا.
إخواني، إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، من حاسب نفسه في الدنيا خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن في الآخرة منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته.
ما كان شقاء الأشقياء ـ وربي ـ إلا أنهم كانوا لا يرجون حسابا، فوافتهم المنية وهم في غمرة ساهون، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33]، اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ [الحديد:20]، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39].
سبحان الله! ألم يأن لأهل الغفلة أن يدركوا حقيقة هذه الدار؟! أما علموا أن حياتها عناء ونعيمها ابتلاء، جديدها يبلى وملكها يفنى، ودّها ينقطع وخيرها ينتزع؟!
انظر إليها: ولادة وطفولة، وشباب وشيخوخة، ثم المشيب والهرم، ثم ينتهي شريط الحياة، ولكأنها غمضة عين أو ومضة برق، سرابٌ خادع، وبريق لامع، لكنها سيف قاطع، كم أذاقت بؤسًا، وكم جرعت غصصًا، وكم أحزنت من فرح وأبكت من مرح، وكدرت من صفو وشابت من غير. خدَّاعة مكارة، ساخرة غرارة، كم هرم فيها من صغير، وذل فيها من عزيز، وافتقر فيها من غني، أحوالها متبدلة، وشؤونها متغيرة، لا ترى فيها إلا راحلاً إثر راحل، أيام معدودة وأنفاس محدودة، وآجال مضروبة وأعمالٌ محسوبة.
روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ النبي بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))، وروى الترمذي وغيره أن النبي قال: ((ما لي وللدنيا؟! ما أنا في هذه الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)).
يروي ابن حجر في الإصابة أن ضرار بن ضمرة قدم يومًا على معاوية فقال له: صف لي علي بن أبي طالب، فكان مما قال فيه : فإنه ـ والله ـ كان بعيد المدى شديد القوى، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته، كان ـ والله ـ غزير الدمعة طويل الفكرة، يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، أشهد بالله أني رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قائمٌ في محرابه قابضًا لحيته، يتململ تململ المريض، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: (يا دنيا، يا دنيا، أبي تعرضت، أم لي تشوفت؟! هيهات هيهات، غرِّي غيري، قد طلقتك ثلاثًا، لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق)، قال: فذرفت دموع معاوية وهو ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها…وكلُّ يومٍ منها يدنِي من الأجل
النفس تغترّ بالدنيا وقد علمت…أن السلامة منها ترك ما فيها(2/9)
فلا الإقامة تنجي النفس من تلفٍ…ولا الفرار من الأحداث ينجيها
وكلُّ نفس لها دورٌ يصبحها…من المنية يومًا أو يمسيها
أيها المسلمون، إن هذه الجمعة هي آخر جمعة في هذا العام، وإن سير الزمن الحثيث يباعد من الدنيا ويقرب من الآخرة. كان بعض السلف إذا غربت الشمس من كل يوم جلس عند باب داره يبكي، فيُسأل عن سبب بكائه فيقول: قطعت يومًا من حياتي إلى الدار الآخرة، ولا أدري أهي خطوات إلى الجنة أم أنها خطوات إلى النار. فكم من خطوات مشيناها، ومراحل قطعناها، وأوقات صرفناها.
هلموا ـ يا عباد الله ـ لنحاسب أنفسنا، دعونا نتساءل عن عامنا: كيف أمضيناه؟! وعن وقتنا: كيف قضيناه؟! ثم لننظر في كتاب أعمالنا وكيف طويناه، ونتبين ما قدمناه، فإن كان خيرًا حمدنا الله وشكرناه، وإن كان شرًا تبنا إلى الله واستغفرناه، كفى تجرُؤًا على حدود الله، كفى اقترافًا لمعاصي الله، كفى قسوة للقلوب وتفريطًا في جنب علام الغيوب، كفى ضياعًا للصلاة.
أتى عليك المحرم ومن بعده صفر، وشهر إثر شهر، وأنت تنام عن الفجر والعصر، لم تعرف روضة المسجد لك مكانًا، فأنت دائمًا في صلاتك تقضي، وبسرعة منها تمضي، مالِ حالك لا يتغير؟! زدت في دنياك وتقدمت، ونقصت في آخرتك وتأخرت. إلى متى وأنت تطلق لسانك يفري في أعراض الناس، ينهش لحومهم، غيبة ونميمة كذبا وافتراء؟! إلى متى وأنت ترى بعينيك ما حرم الله؟! أما تخشى أن تحترق هاتان العينان في نار الله؟!
وأنتم يا رعاة البيوت، يا أمناء البيوت، جلبتم آلات اللهو في بيوتكم، ونشأتم عليها صغاركم ونساءكم، وجعلتم الأطباق الفضائية تاج عز فوق رؤوسكم، وعمن لا يصلي من أبنائكم ويفجر ويعصي غضضتم طرفكم، كفى استحيوا من الله حق الحياء.
وأنتم يا من تنتسبون للدعوة والاستقامة، مضى عام كامل وأمتكم كثيرٌ من أبنائها يغرق في أوحال الشهوات والشبهات، ماذا قدمتم لدينكم؟! ثلاثمائة وستون يومًا كم كلمة فيها ألقيتَ؟! كم شريطًا وزّعتَ؟! وكم كتيبًا نشرتَ؟! وكم عاصيًا نصحت؟! وكم مرة وعظت؟! كم اهتدى على يديك؟! ماذا قدمت لدينك؟! ماذا قدمت لأمتك؟!
إخواني، إنا نودع هذا العام وأمتنا مثخنة بجراحاتها متلمظة بمآسيها، كم من مسلمين في هذا العام ماتوا جوعًا، كم من مسلمين هذا العام شردوا من بيوتهم فلا مسكن ولا مأوى، كم من بريء مسكين قتلته رصاصات الغدر والكفر، كم من حرة عفيفة هتك سترها كافر عتلٌ غليظ، كم من بلدٍ استبيحت حرمته وسلبت أراضيه، كم من أرضٍ أُحرقت ظلمًا لا لشيء إلا أن أهلها يقولون: ربنا الله، كم وكم من الصور المؤلمة التي سيحملها عامنا وسيرحل بها في حقيبته.
أيها العام قد طويت جناحًا……وتهيأت للرحيل البعيد
سوف تمضي وقد تركت قروحًا……داميات بقلبي المجهودِ
أنا ما زلت أنشد الشعر لكن……نغمة الحزن لم تفارق قصيدي
نعم، سل نفسك: كم مرة فكرت في حال المسلمين فاغتممت ففاضت عيناك؟! وكم مرة احترق قلبك وأنت تقرأ ما حل بالمسلمين؟! وكم مرة رفعت يديك في ضراعة وخشوع تدعو لإخوانك المساكين المستضعفين؟! وأراك يوم أن أصابك صداع في رأسك دعوت الله وتضرعت، أراك يوم أن جُرح ابنك ومرض سألت الله وتضرعت. فأين هذا التضرع والبكاء لإخوانٍ لك في الإسلام في بلاد شتى؟! لم يصبهم صداع في رأسهم كلا، لم يصبهم صداع لكن شويت رؤوسهم بالنار بقنابل وصواريخ تصب عليهم في الليل والنهار، ولم يجرح أبناءهم أو يمرضوا كلا، بل تقطع أوصال أبنائهم أمام أعينهم، نعم ماذا قدمت لهم؟!
آن ـ والله ـ أن ترجع النفس وتتوب، وتتجه لخالقها وتئوب، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد: رضوان ربي على صحابة نبيه، ورحمات ربي على تُباع صحابته، لكَم وكم خلوا بأنفسهم وحاسبوها، وعاتبوها وأنّبوها، فهذا أنس بن مالك يقول: سمعت عمر بن الخطاب لما دخل بستانًا من البساتين وما عنده أحد وقف مع نفسه يناديها قائلاً لها: (عمر أمير المؤمنين!! بخٍ بخٍ، والله يا ابن الخطاب لتتقينَّ الله أو ليعذبنك)، وبكى يزيد الرقاشي عند موته فقيل له: لم تبكِي؟ قال: أبكي على قيام الليل وصيام النهار، ثم أجهش بالبكاء وهو يردد: من يصلي لك يا يزيد؟! من يصوم لك؟! من يتوب عنك من الذنوب؟!
ونُقل عن ابن الصمة أنه جلس يومًا ليحاسب نفسه فعدَّ عمره فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي واحدٌ وعشرون ألفًا وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلي، ألقى الملك بواحدٍ وعشرين ألف ذنب؟! فكيف وفي كل يومٍ عشرة آلاف ذنب؟! ثم خرَّ فإذا هو ميت. رحمهم الله؛ خافوا فأدلجوا، وزهدوا في الدنيا، وللآخرة قدموا.
أخي يا رعاك الله، اُخلُ بنفسك عند ختام هذا العام، وسلها وخاطبها: بأي شيء هذا العام أودعت؟! استعرض أوراق عامك بأي شي كتبت؟! وعلى ماذا سطرت؟! فإنها ـ والله ـ مدونة عليك، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6].
قف مع النفس التي طالما للعصيان تجرأت، وللمحارم اعتدت، وللطغيان أسرفت، وللقبيح أكثرت، وقل:
يا نفس توبِي فإن الْموت قد حانا…واعصي الهوى فالهوى مازال فتانا
أما ترين الْمنايا كيف تلقطنا…لقطًا فتلحق أُخرانا بأولانا
فِي كل يومٍ لنا ميتٌ نشيعه…نرى بِمصرعه آثار موتانا
أين الملوك وأبناء الْملوك ومن…كانت تخر له الأذقان إذعانًا
خلوا مدائن كان العز مفرشها…واستُفرشوا حُفرًا غُبرًا وقيعانا
عجبًا ـ والله ـ ممن يوقن بالموت ثم ينساه، ويتحقق الضرر ثم يغشاه، ويخشى الناس والله أحق أن يخشاه، يطول عمره ويزداد ذنبه، يبيض شعره ويسوَّد قلبه، قلوب مريضة عز شفاؤها، وعيون تكحلت بالحرام فقل بكاؤها، وجوارح غرقت في الشهوات فحقّ عزاؤها.
=============
قيمة الزمن في القرآن الكريم
لفضيلة الدكتور عودة عبد عودة عبد الله
تمهيد:
الزمن هو مادة هذه الحياة، والروح التي تجري في عروقها، فما الحياة في حقيقتها إلا زمن يمر ويمضي، ومن أدرك الزمن على حقيقته، فقد أدرك هذه الحياة على حقيقتها، وبانت له معالم الطريق الذي ينبغي سلوكه. وما الزمن إلا حياة الأمم، إذا حافظت عليه دبت الحيوية في شرايينها، وإذا أهملته أمست هامدة خامدة لا روح فيها ولا حياة.
والناظر في أحوال المسلمين اليوم يتملكه الحزن الشديد لما يرى من تضييع الأوقات في سفاسف الأمور ومحقراتها بما لا يؤدي إلى نفع عام أو خاص، ولو اتبع المسلمون هدي قرآنهم وهدي نبيهم لاحتلوا موقع القيادة والريادة الذي كانت أمتنا تتبوأه في عصورها الزاهية، ولو فعلوا ذلك لما وصلت إليه حالهم إلى ما آلت إليه الآن من التراجع والذل والخضوع، حتى صاروا في ذيل القافلة، وقد كانوا منها في مأخذ الزمام، وهانت عليهم نفوسهم، فاحتلت أوطانهم، واستمرءوا العيش في الحضيض. وما وصل الغربيون إلى القمة في العلوم التقنية والإنسانية إلا بمحافظتهم على الزمن والإفادة من ساعاته ودقائقه اليسيرة في كل أحوالهم.
ومن هنا يأتي هذا البحث لبيان قيمة الزمن، والتنبيه إلى مكانته، انطلاقا من النصوص القرآنية الغنية بالتوجيهات التي تبين قيمة الزمن وتنوه بشرفه وفضله. وذلك في محاولة للخروج من حالة الركود والتثاقل إلى حالة الحركة والفاعلية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال الوعي التام بقيمة الزمن في الحياة الإنسانية.(2/10)
المبحث الأول : مفهوم الزمن وأهميته
أولا: مفهوم الزمن
الزمن في اللغة: اسم لقليل الوقت وكثيره. يقال: زمان وزمن، والجمع أزمان وأزمنة. ويقال: أزمن الشيء أي طال عليه الزمن، وأزمن بالمكان أقام به زمانا. ويقولون: لقيته ذات الزمين ؛ فيراد بذلك تراخي المدة . والزمن والزمان لفظتان تحملان نفس المعنى، ولا فارق بينهما فهما تنتميان إلى مادة لغوية واحدة.
أما مفهوم الزمن في اصطلاح علماء المسلمين فهو مرتبط بمعناه اللغوي، فهو يعني: ساعات الليل والنهار، ويشمل ذلك الطويل من المدة والقصير منها . وبذلك عرفه الزركشي إذ يقول: "إن الزمان الحقيقي هو مرور الليل والنهار، أو مقدار حركة الفلك . ولا يخفى ما بين هذا المعنى والمعنى اللغوي من ارتباط وثيق.
وبالنظر في القرآن الكريم، فإننا نجد أنه لم يستخدم مصطلح "الزمن" وإنما وردت فيه ألفاظ دالة على الزمن، ومن ذلك:
- الوقت. قال تعالى: { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ } (1) { إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } (2) .
- الحين. قال تعالى: { أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } (3) .
__________
(1) سورة الحجر الآية 37
(2) سورة الحجر الآية 38
(3) سورة هود الآية 5
- الدهر. قال تعالى: { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } (1) .
أما في السنة النبوية، فإننا نجد هذا المصطلح قد ورد في أكثر من موضع، ومن ذلك:
- قوله صلى الله عليه وسلم: « إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب » (2) .
- وقوله صلى الله عليه وسلم: « يتقارب الزمان وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل، القتل » (3) .
هذا إضافة إلى ورود المفردات الزمنية الأخرى كالدهر
__________
(1) سورة الإنسان الآية 1
(2) رواه مسلم. انظر: مسلم: صحيح مسلم، كتاب الرؤيا، حديث رقم 2263، ج 4، ص 1415 .
(3) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب الأدب، باب رقم 39، حديث رقم 6037، ج 12، ص 72 .
والوقت ، ونحوها.
ولا بد من الإشارة هنا إلى وجود ارتباط وثيق بين مفهوم الزمن وبين دلالته الفلسفية، ولذلك فإن قواميس اللغة، وكتب التاريخ والتفسير عندما تتحدث عن مفهوم الزمن، تتخذ مسارا فلسفيا مقصودا، بحيث يصعب بالتالي إدراك المعنى الأصلي للزمن بعيدا عن المذاهب الفلسفية. ونظرا لهذا الارتباط، فإني سأعرج - باختصار- على مفهوم الزمن في الفلسفة . فأفلاطون - على سبيل المثال- يرى أن الزمن حادث ومخلوق (1) . ويدل على أن هذا هو مذهبه في الزمن، قول أرسطو : إن الأقدمين جميعا ما عدا أفلاطون اعتقدوا أن الزمان قديم، أما هو، فقد جعله حادثا، إذ قال: إنه وجد مع السماء، وإن السماء حادثة (2) .
أما أرسطو فهو يرى أن الزمن فعل واحد، وشيء متصل، بسبب اتصال الحركة، وقد تصوره متصلا وعد الوقفات فيه وهما ؛
__________
(1) العاتي، إبراهيم: الزمان في الفكر الإسلامي، ص 76. مترجم عن كتاب ''طيماوس'' لأفلاطون .
(2) انظر: أكرم، يوسف تاريخ الفلسفة اليونانية، ص 87 .
لأن الحركة والزمان لا بداية لهما ولا نهاية (1) .
وإذا ما انتقلنا إلى الفلسفة الإسلامية، نجد أن بعض الفلاسفة المسلمين قد تأثروا بالفلسفة اليونانية، بينما حافظ الآخرون على هويتهم الإسلامية. فأبو العلاء المعري من الفريق الأول، يقول بأن الزمن أزلي أبدي، أي لا بداية لوجوده ولا نهاية، ونجد ذلك ماثلا في أشعاره، فهو يقول:
نزول كما زال أجدادنا ... ويبقى الزمان على ما نرى
نهار يضيء وليل يجيء ... ونجم يغور ونجم يرى (2)
بينما رفض الفريق الثاني من الفلاسفة المسلمين الانجرار وراء هذه الأقاويل، ووافقوا جمهور المسلمين في القول بحدوث الزمن ومخلوقيته، كما هو الأمر عند الغزالي والكندي وغيرهما (3) .
وعند إلقاء نظرة على أقوال الفلاسفة بشكل عام يتضح أن نظرتهم إلى الزمن هي نظرة عقلية تجريدية، خاضعة إلى نجاح العقل وفشله، وإلى إبداعه وتقصيره، مما جعلهم يدخلون في متاهات عديدة، ويضطربون في أقوالهم على غير هدى، فيصيبون حينا ويخطئون أحيانا.
__________
(1) انظر: الألوسي، حسام الدين: ''الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم'' مجلة عالم الفكر، ص 476.
(2) المعري، أبو العلاء: اللزوميات، ص 79 .
(3) انظر: الغزالي: تهافت الفلاسفة، ص 56 . الطباع، عمر: الكندي فيلسوف العرب والإسلام، ص 193 .
ثانيا: قيمة الزمن
الزمن هو أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، فهو الوعاء الحقيقي لكل عمل وإنتاج، وبقدر إفادة الإنسان من هذه النعمة التي أنعم الله بها عليه، بقدر ما يعود ذلك عليه وعلى مجتمعه بالنفع والخير، سواء أكان ذلك في الدنيا أم في الآخرة ؛ ولذلك ينبغي على الإنسان أن يعرف شرف زمنه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة وطاعة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل. وما عمر الإنسان في حقيقته إلا مجموعة من الأيام، وكل يوم يمضي من هذه الأيام، وكل لحظة تمر لا يمكن استعادتها أو تعويضها. وفي ذلك يقول الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك" (1) . ويقول: "ما من يوم ينشق فجره، إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة" (2) . وما أجمل قول الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له ... إن الحياة دقائق وثواني (3)
__________
(1) انظر الخبر في: الأصفهاني: حلية الأولياء ج 2، ص 148 .
(2) انظر: المرجع السابق، ج 2، ص 147 .
(3) البيت لأحمد شوقي، قاله في رثاء مصطفى كامل. انظر: شوقي، أحمد: الموسوعة الشرقية، ج 5، ص 356 .
ومع أن الزمن على هذه الدرجة من الأهمية، إلا أنه ينقضي بسرعة، ويسهل ضياعه، فهو يمر مر السحاب، ويجري جري الريح، سواء أكان زمن مسرة وفرح، أم زمن اكتئاب وترح، وإن كانت أيام السرور تمر أسرع، وأيام الهموم تسير ببطء وتثاقل، لا في الحقيقة ولكن في شعور صاحبها. وفي ذلك يقول الشاعر:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيع
يقول ابن القيم في الحديث عن منزلة الغيرة: "ومنها (1) الغيرة على وقت فات، فإن الوقت أبي الجانب، بطيء الرجوع، فالوقت أعز شيء على العابد، يغار عليه أن ينقضي بدون ذلك (2) ، فإذا فاته الوقت لا يمكن استدراكه البتة؛ لأن الوقت الثاني قد استحق واجبه الخاص... فالوقت منقض بذاته، منصرم بنفسه، فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، وعظم فواته، واشتدت حسراته، فكيف حاله إذا علم عند تحقق الفوت مقدار ما أضاع، فطلب الرجعى، فحيل بينه وبن الاسترجاع، وطلب تناول الفائت، وكيف يرد الأمس في اليوم الجديد (3) .
__________
(1) أي من درجات الغيرة .
(2) أي بدون عبادة .
(3) ابن القيم: مدارج السالكين، ج 2، ص 840، 841 .
وقد كان السلف الصالح، ومن سار على نهجهم من الخلف، أحرص الناس على كسب الزمن، والإفادة منه في الخير، فقد كانوا ينافسون الزمان، يسابقون الساعات، ويبادرون اللحظات، حرصا منهم على الزمن، وعلى ألا يذهب منهم هدرا. والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، نذكر فيما يلي بعضا منها:(2/11)
نقل عن عامر بن عبد قيس أن رجلا قال له: كلمني، فقال له: أمسك الشمس (1) . يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلمك، فإن الزمن دائب المضي، لا يعود بعد مروره، فخسارته لا يمكن استدراكها؛ لأن لكل زمن ما يملأه من العمل. وكان الواحد منهم يحفظ كل لحظة من زمنه حتى في حال النزاع. نقل في ذلك عن ثابت البناني أنه قال: ذهبت ألقن أبي، فقال: يا بني دعني، فإني في وردي السادس (2) . كما يروي الفقيه أبو الحسن الولوالجي، أنه دخل على أبي الريحان البيروني، وقد حشرج نفسه، وضاق به صدره، فقال لي في تلك الحال: كيف قلت لي يوما حساب الجدات الفاسدات فقلت له إشفاقا عليه: أفي هذه
__________
(1) انظر الخبر في: ابن الجوزى: صيد الخاطر، ص 18 .
(2) انظر الخبر في: أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء، ج 2، ص 322 .
الحالة؟ قال لي: يا هذا أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرا من أن أخليها وأنا جاهل بها فأعدت ذلك عليه، فحفظ، وعلمني ما وعد، وخرجت من عنده، وبينما أنا في الطريق سمعت الصراخ عليه (1) .
ولقد كان أمثال هؤلاء يحسنون المحافظة على كل لحظة من وقتهم، حتى أن أحدهم كان يستحي من سواد الليل وظلمته، إذا مرت عليه ليال وأيام لم يقم فيها لله ركعتين. وفي ذلك يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "أدركت أقواما يستحون من الله في سواد الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال: ليس هذا لك، قومي خذي حظك من الآخرة " (2) .
وهاهو الإمام ابن الجوزي - رحمه الله- يصف لنا حال الناس كيف يضيعون أزمانهم في الزيارات والحديث الذي لا طائل من ورائه، ويبين لنا كيف كان يصنع إذا زاره بعض البطالين لئلا يذهب الزمن فارغا دون فائدة ترجى، فيقول رحمه الله:
"لقد رأيت خلقا كثيرا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطيلون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس وما لا يعني، ويتخلله غيبة. وهذا شيء
__________
(1) انظر القصة في: الحموي، ياقوت: معجم الأدباء، ج 5، ص (123، 124) .
(2) ابن الجوزي: صفة الصفوة، ج 2، ص 241 .
يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور وتشوق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصا في أيام التهاني والأعياد، فنراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان. فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهازه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم، وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم، ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغا. فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد (1) ، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم، لئلا يضيع شيء من وقتي. (2) وإذا علمنا أن ذلك مبلغ حرصه على الزمن، والإفادة من كل جزء منه في القراءة والتصنيف، لم نستغرب قوله: "وإني أخبر عن حالي، ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز.. ولو قلت: إني قد طالعت عشرين ألف مجلد
__________
(1) الكاغد: هو القرطاس أو الورق. انظر: الفيروز آبادي: القاموس المحيط، ج 1، ص 333 .
(2) ابن الجوزي: صيد الخاطر، ص 184، 185 .
كان أكثر، وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم، وعباداتهم، وغرائب علومهم، ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب، ولله الحمد (1) .
وهناك من الخلف من سار على نهج السلف القويم وأدرك قيمة الزمن الذي يعيشه. فها هو الإمام حسن البنا - رحمه الله- يدرك قيمة الزمن، ويستغرب من أناس يضيعون أوقاتهم دونما فائدة ترجى، وفي ذلك يقول:
"ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء. وكم كنا نعجب إذ نرى أنفسنا في مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة والخليون هاجعون يتسكعون بين المقاهي ويترددون على أندية الفساد والإتلاف. فإذا سألت أحدهم عما يحمله على هذه الجلسة الفارغة المملة، قال لك: أقتل الوقت، وما درى هذا المسكين أن من يقتل وقته إنما يقتل نفسه، فإنما الوقت هو الحياة " (2) .
__________
(1) المرجع السابق، ص 337، 338 .
(2) البنا، حسن: مجموعة الرسائل، ص 169 .
إلى غير ذلك من النماذج الرائعة التي يظهر فيها حرص القوم على كل لحظة من لحظات الزمن. ولا غرابة في ذلك، فإنهم ذاقوا طعم القرآن وحلاوته، فحرصوا على وقتهم. فحري بنا أن نقتدي بتلك الكوكبة، ونسير على خطاهم، ونعدهم قدوة لأبناء هذا العصر، الذين شغل الكثير منهم باللهو والترف عن جلائل الأمور، والذين ضيعوا كثيرا من أوقاتهم فيما لا يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالفائدة والخير.
ثالثا: عناية القرآن الكريم بالزمن
عني القرآن الكريم بالزمن عناية فائقة، وجاءت عنايته بالزمن من وجوه، أهمها:
1 - اعتبار الزمن من النعم العظيمة
يقول الله سبحانه في معرض الامتنان، وبيان عظيم فضله على الإنسان: { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (1) فالليل والنهار نعمة جليلة أنعم الله تعالى بها على الإنسان، وهي
__________
(1) سورة النحل الآية 12
نعمة ذات أثر حاسم في حياة هذا المخلوق البشري، ولا يمكن لنا أن نتصور في هذه الأرض حياة للإنسان لو كانت الدنيا نهارا بلا ليل، أو ليلا بلا نهار.
ويقول سبحانه في موضع آخر، في سياق تعداد نعمه على الإنسان: { وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } (1) { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (2) .
فالليل والنهار مسخران "وفق حاجة الإنسان وتركيبة، وما يناسب نشاطه وراحته. ولو كان نهار دائم أو ليل دائم لفسد جهاز هذا الإنسان ؛ فضلا عن فساد ما حوله كله، وتعذر حياته ونشاطه، وإنتاجه" (3) .
2 - اعتباره من الآيات الدالة على وجود الله.
ومما يدل على أهمية الزمن في القرآن، وعناية القرآن الكريم به، أن الله سبحانه وتعالى جعل الليل والنهار وتعاقبهما واختلافهما في الطول والقصر من الآيات الدالة على وجوده، فقال في ذلك: { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا } (4) فالليل والنهار آيتان دالتان على وجود
__________
(1) سورة إبراهيم الآية 33
(2) سورة إبراهيم الآية 34
(3) قطب، سيد : في ظلال القرآن، ج 4، ص 2108 .
(4) سورة الإسراء الآية 12(2/12)
الصانع، وعظيم القدرة؛ لأنه لا بد لكل متغير من مغير. وهو سبحانه لم يجعل الليل والنهار على هذه الصورة- بحيث يخلف أحدهما الآخر- عبثا، وإنما جعلهما كذلك لمن أراد أن يتذكر أي "لينظر في اختلافهما الناظر، فيعلم أن لا بد لانتقالهما من حال إلى حال، وتغيرهما من ناقل ومغير" (1) كما يلحظ في الآية الكريمة تخصيص الليل والنهار بأنهما آيتان دون غيرهما من الوحدات الزمنية. وفي ذلك لطيفة قرآنية نلمح من خلالها الإشارة إلى أن الليل والنهار هما بمثابة المحور الذي تشد إليه وتقاس بالنسبة له كل الوحدات الزمنية، سواء تلك التي تقل عنه ابتداء من الثانية، أو تلك التي تزيد عنه إلى ما شاء الله تعالى من السنين والقرون، فما الثانية إلا جزء من الليل والنهار، والسنة إلا مجموعة من الأيام، والقرن إلا مجموعة من السنين (2) .
3 - الإشارات القرآنية إلى قيمة الزمن
وفي القرآن الكريم إشارات لطيفة إلى قيمة الزمن وأهميته في حياة الإنسان، وحض على الاستفادة منه بعيدا عن الغفلة
__________
(1) انظر: الزمخشري: الكشاف، ج 3، ص 282 .
(2) انظر: باجودة، حسن: تأملات في سورة الإسراء، ص 84 .
والتسويف، وما كلمات "استبقوا" و"سارعوا" ونحوها إلا تأكيد لهذه المعاني.
قال تعالى: { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (1) وأصل السبق: هو التقدم في السير. والمراد منه هنا المعنى المجازي، وهو الحرص على مصادفة الخير والإكثار منه، خشية هادم اللذات، وفجأة الفوات (2) .
وقال تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } (3) والمسارعة: هي المبادرة أي الحرص والمنافسة في عمل الطاعات التي هي سبب المغفرة ودخول الجنة، حتى لكان كل واحد من الناس يسرع ليصل قبل غيره (4) .
وفي لفظتي "استبقوا" و"سارعوا" ما يشير إلى قيمة الزمن ؛ فالعمر قصير، ولا يكفي المؤمن -إذا أراد الدرجات العلى- أن يفعل الخيرات وهو متراخ في ذلك، بل لا بد من الاستباق في الخير والمسارعة إلى المغفرة، بمعنى: أن يستغل كل لحظة من وقته للسير في
__________
(1) سورة البقرة الآية 148
(2) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 2، ص 43 .
(3) سورة آل عمران الآية 133
(4) انظر: ابن عطية: المحرر الوجيز، ج 1، ص 507. ابن عاشور: التحرير والتنوير، 4، ص 88 .
الطريق الموصلة إلى جنة عرضها السماوات والأرض، وكأنه في صراع حقيقي مع الزمن.
4 - الدعوة إلى استثمار الزمن في الخير
من منهج القرآن الكريم في العناية بالزمن، الدعوة إلى الحرص عليه، والعمل على استثماره والإفادة منه، وتسخيره دائما في الخير، ويبرز القرآن الكريم هذه القضية في صور عديدة ومناسبات شتى.
فحينما يبين أن نهاية هذه الحياة إنما هو الموت سواء طالت أم قصرت، فإنه يوجه نحو استثمار هذه الحياة في الخير؛ لأنها ليست نهاية المطاف، وإنما بعدها حياة أخرى هي خير وأبقى، يقول سبحانه: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (1) { وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } (2) .
وللتدليل على قصر هذه الحياة الدنيا وأهمية استثمارها والإفادة منها، يصورها القرآن الكريم بالنبات الذي يخضر بنزول الغيث، ثم ما يلبث بعد وجيزة من الزمن أن يصفر ويموت. يقول تعالى: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } (3) .
__________
(1) سورة المنافقون الآية 9
(2) سورة المنافقون الآية 10
(3) سورة الحديد الآية 20
لذا ينبه القرآن على ضرورة استثمار هذا الوقت القصير في عمل الخير الذي لن يفيد الإنسان غيره، ولن يبقى معه في قبره سواه، فضلا عن سؤاله وحسابه عن تضييع هذا الوقت، وعما صنعه فيه (1) .
ويعرض القرآن الكريم لنا نماذج لهؤلاء الذين يستغلون وقتهم على أتم وجه ليكون لنا الاقتداء بهم، { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } (2) فهم يستغرقون كل زمانهم في ذكر الله عز وجل والتفكر في خلقه. نستنتج مما سبق أن القرآن الكريم نوه بشرف الزمن وفضله، وفي هذا ما يدعونا إلى ضرورة تقدره بقدره؛ لأن ذلك يساعد على الفلاح ويهم للنجاح، وعلى العكس تماما، فإن إغفال الزمن وعدم إعطائه الأهمية اللازمة، فيه تفريط بهذه النعمة، وتحقيق لتعاسة الإنسان.
__________
(1) انظر: غنايم، محمد ''منهج الإسلام في العناية بالزمن ''، مجلة الجندي المسلم، ص 17 .
(2) سورة آل عمران الآية 191
المبحث الثاني: القسم بالزمن في القرآن الكريم
مما يدل على عظيم أهمية الزمن في القرآن الكريم، قسم الله سبحانه وتعالى به، فهو سبحانه قد أقسم بعدة أمور في كتابه
الكريم، ولا شك أن الله لا يقسم بشيء إلا إذا كان هذا الشيء عظيما، فقد أقسم سبحانه بنفسه ، وبالقرآن (1) ، ونحو ذلك من الأمور العظيمة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.
وأقسم القرآن بالزمن سواء بذاته أو بأجزائه، وفي ذلك "تنبيه على أنه آية كبرى من آيات الله، وتنبيه على عظم نفعه ووجوب استغلاله، والإفادة من كل أجزائه" .
ففي القسم بالزمن قال الله تعالى: { وَالْعَصْرِ } (2) { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } (3) ، كما أقسم سبحانه بأجزاء الزمان وهي: الفجر، والصبح، والضحى، والشفق، والنهار، والليل، والليالي العشر، ويوم القيامة، والعمر، على ما سأبينه بعد قليل إن شاء الله.
وفي القسم بهذه الوحدات الزمنية تنبيه على الاعتبار بها في الاستدلال على حكمة نظام الله في هذا الكون وبديع قدرته (4) .
__________
(1) قال تعالى: {ق والقرءان المجيد} سورة ق، الآية 1 .
(2) سورة العصر الآية 1
(3) سورة العصر الآية 2
(4) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 30، ص 387 .
ولهذا سلك طائفة من العلماء طريق الاستدلال بالزمن على الصانع، وهو كما يقول ابن القيم : "استدلال صحيح قد نبه عليه القرآن في غير موضع (1) .
ومما يدل على ذلك إلقاء نظرة على السور القرآنية التي أقسم الله فيها بالزمن ووحداته، عندها سنجد أنها سور مكية، والسور المكية -كما نعلم- تركز على العقيدة بشكل خاص، ومن ذلك الاستدلال على وجود الخالق، ومن هنا جاء القسم بالزمن في السور المكية من أجل لفت الأنظار إليه باعتباره دليلا واضحا، وبرهانا قاطعا، على وجود الخالق، وعلى بديع حكمته سبحانه في هذا الكون.
وأستعرض فيما يلي المواضع إلى أقسم فيها سبحانه بالزمن وأجزائه في القرآن الكريم :
__________
(1) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص 40 .
أولا: القسم بالعصر(2/13)
أقسم سبحانه وتعالى بالعصر في السورة التي سميت باسمه، فقال: { وَالْعَصْرِ } (1) { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } (2) { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } (3) هذه السورة وبالرغم من قلة عدد كلماتها، إلا أنها تمثل منهجا كاملا
__________
(1) سورة العصر الآية 1
(2) سورة العصر الآية 2
(3) سورة العصر الآية 3
للحياة البشرية كما يريدها الإسلام.
واختلف المفسرون في معنى " العصر" المقسم به في السورة على أقوال :
الأول: أنه الدهر أو الزمن، قال الراغب : " والعصر والعصر: الدهر، والجمع: العصور" ، ومثل على أن العصر معناه الدهر بسورة العصر (1) . وقال ابن كثير : "العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر" (2) .
الثاني: أنه أقسم بزمان الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بزمان الرسالة، فيكون المقسم به هو العصر الذي فيه هذا الرسول أو هذه الرسالة لشرفه.
الثالث: أن المراد به صلاة العصر أو وقتها، أقسم سبحانه بها لفضلها، وقيل: هي المرادة بالصلاة الوسطى في قوله تعالى: { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } (3) .
الرابع: أن العصر هو أحد طرفي النهار.
والراجح مما سبق -كما يبدو لي- أن يكون المراد بالعصر
__________
(1) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 569 .
(2) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج 4، ص 582.
(3) سورة البقرة الآية 238
هو الزمن كله، وصرح ابن القيم بأن ذلك هو قول المفسرين (1) . وهذا المعنى معروف في شعر العرب، ومنه قول العجاج :
والعصر قبل هذه العصور ... مجرسات غرة الغرير (2)
ثم إن لفظ (العصر) عام، وليس هناك ما يخصص ما شمله هذا الاسم من المعاني، فإذا قلت بأنه الزمن ؛ فذلك يشمل صلاة العصر ووقتها، وعصر الرسول والرسالة، وطرفي النهار، فيكون القسم به على عمومه داخل فيه هذه الأمور، فالأولى إذا حمل اللفظ على عمومه.
وعلى هذا يكون سر قسمه سبحانه بالعصر أو الزمن، نابع من العبرة والآية في هذا الزمن، والمتمثلة في مرور الليل والنهار، وتعاقبهما، على هذا الترتيب الدقيق، والنظام المحكم، واعتدالهما تارة، وأخذ أحدهما من صاحبه تارة أخرى، واختلافهما في الضوء والظلام، والحر والبرد، وانتشار الحيوان وسكونه، ثم إن انقسام الزمن إلى القرون والسنين والأشهر والأيام والساعات ودونها، آية من آيات الله تعالى، وبرهان من براهين قدرته وحكمته (3) .
__________
(1) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص 114 .
(2) العجاج: ديوان العجاج، ص 223. مجرسات: مجربات. انظر: تحقيق عزة حسن لديوان العجاج، ص 223 .
(3) انظر: ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص 114، 115 .
ثانيا: القسم بالفجر
كما أقسم سبحانه بالفجر في السورة التي سميت باسمه كذلك،
فقال: { وَالْفَجْرِ } (1) { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (2) والفجر في اللغة: هو شق الشيء شقا واسعا، ومنه قيل للصبح فجر لكونه فجر الليل (3) واختلف في تحديد المراد بالفجر هنا :
- فقيل: هو الصبح أو الفجر المعروف. وسمي فجرا لكونه وقت انفجار الظلمة عن النهار من كل يوم.
- وقيل: أريد به فجر مخصوص، وهو فجر يوم النحر. وهو أفضل الأيام عند الله كما جاء في الحديث: « أفضل الأيام عند الله يوم النحر » (4) ، أو فجر ذي الحجة؛ لأن الله قرن الأيام به فقال: { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (5) .
- وقيل: عنى بالفجر العيون التي تنفجر منها المياه، وفيها حياة الخلق. وهذا القول مبني على أصل المعنى اللغوي، وهو ضعيف ؛ إذ لا دليل عليه.
والذي أراه راجحا من هذه الأقوال هو المعنى الأول؟ أي أن
__________
(1) سورة الفجر الآية 1
(2) سورة الفجر الآية 2
(3) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 562 .
(4) رواه البيهقي. انظر: البيهقي: سنن البيهقي الكبرى، حديث رقم 994، ج 5، ص 237 .
(5) سورة الفجر الآية 2
الفجر هو الصبح المعروف لدينا، وهذا المعنى أولى بالاعتبار؛ لأنه يشمل فجر يوم النحر ، وفجر ذي الحجة، وصلاة الفجر، فالأولى حمل اللفظ على عمومه لعدم وجود مخصص.
يدل على ذلك تعريف (الفجر) ففي ذلك -كما يقول ابن القيم -: "ما يدل على شهرته وأنه الفجر الذي يعرفه كل واحد ولا يجهله" (1) .
وأما السر في القسم بالفجر فهو ما يحصل في انقضاء الليل، وظهور الضوء، وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطير والوحوش في طلب الأرزاق، من مشاكلة نشور الموتى من قبورهم، وفي ذلك عبرة لمن تأمل (2) .
__________
(1) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص 54 .
(2) انظر: الرازى: التفسير الكبير، ج 11، ص 148 .
ثالثا: القسم بالصبح
أقسم الله سبحانه بالصبح في موضعين، الأول هو قوله تعالى: { وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } (1) ، والثاني قوله: { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } (2) .
ويلحظ فيهما أن القسم بالصبح جاء مقيدا بحال إسفاره
__________
(1) سورة المدثر الآية 34
(2) سورة التكوير الآية 18
وحال تنفسه. فما المراد بهذين القيدين وما سر التقييد بهما؟
قال ابن فارس : "السين والفاء والراء أصل واحد يدل على الانكشاف والجلاء". ومن ذلك السفر سمي بذلك؛ لأن الناس ينكشفون عن أماكنهم، أو لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافيا منها. ومنه قوله تعالى: { وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } (1) بمعنى أضاء وانكشف الظلام (2) .
أما التنفس فهو في الحقيقة خروج النفس من الحيوان والإنسان، ولكنه استعير هنا لظهور الضياء من خلال الظلام، على تشبيه خروج الضياء بخروج النفس، على طريق الاستعارة المصرحة. أو لأنه إذا بدا الصباح أقبل معه نسيم فجعل ذلك كالتنفس له على طريق الاستعارة المكنية ؛ بتشبيه الصبح بذي نفس، مع تشبيه النسيم بالأنفاس (3) .
وأما الحكمة من القسم بالصبح فهي ما أشرت إليه آنفا في "القسم بالفجر" من مشابهة خروج الضوء من الظلام، بالنشور بعد الموت.
__________
(1) سورة المدثر الآية 34
(2) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (سفر)، ج 3، 82 .
(3) الزمخشري: الكشاف، ج 4، ص 697. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 30، ص 154.
رابعا: القسم بالضحى
يقال في اللغة: الضحو والضحوة والضحية، وتعني: ارتفاع
النهار. ويطلق الضحى ويراد به الوقت من طلوع الشمس إلى أن يرتفع النهار وتبيض الشمس (1) .
وأقسم سبحانه وتعالى به فقال: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } (2) وقال: { وَالضُّحَى } (3) ، ولأهل التفسير في المراد بالضحى في قوله: ( { وَالضُّحَى } (4) ) (5) وجهان (6) :
الأول: أن المراد به وقت الضحى، والذي يمتد من طلوع الشمس إلى ارتفاع النهار كما أشرت سابقا.
الثاني: أنه يعني النهار كله. واحتج أصحاب هذا الوجه بأن الضحى جعل في مقابلة الليل كله.
والصحيح هو المعنى الأول، وهو ما يراه الأكثرون على ما ذكره النيسابوري في "غرائب القرآن " (7) .
أما القول بأنه يعني النهار كله، فغير وجيه. والاحتجاج على
__________
(1) ابن منظور: لسان العرب، مادة (ضحا)، ج 14، ص 474، 475 .
(2) سورة الشمس الآية 1
(3) سورة الضحى الآية 1
(4) سورة الضحى الآية 1
(5) انظرهما في: الطبري: جامع البيان، ج 30، ص 273. الرازي: التفسير الكبير، ج11 ، ص 190 .
(6) انظرهما في الطبري: جامع البيان، ج 30، ص 273، الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص 190 .
(7) انظر: النيسابوري: غرائب القرآن، ج 6، ص 514 .(2/14)
ذلك بأنه جعل في مقابلة الليل كله لا يصح، وذلك لأنه إنما جعل في مقابلة الليل في حال سجوه ؛ أي في حال استقرار الظلام وسكون الليل والناس فيه، ولا ريب أن سجو الليل هو جزء من الليل لا كله، فهو بمنزلة الضحى من النهار. ويمكن الاستئناس في ذلك بوقت صلاة الضحى، فإن وقتها لا يكون بعد الزوال، مما يؤكد ضعف القول بأن الضحى يمتد ليشمل النهار كله.
أما قوله: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } (1) ، فمن المفسرين من قال بأن ضحاها هو ضوؤها. وقال بعضهم: حرها. وقال آخرون: النهار كله .
والذي أراه راجحا أن يكون المقسم به هو وقت الضحى كذلك. أما القول بأن المراد به النهار كله، فقد بينت ضعفه. وأما القول بأن "ضحاها" يعني: ضوؤها أو حرها، فهما أمران متلازمان، فمتى اشتد حرها، فقد اشتد ضوؤها وبالعكس. وهذان المعنيان موجودان في وقت الضحى، حيث ضوء الشمس وحرها، فيكون ما ذهبت إليه هو الأولى.
أما مناسبة القسم بالضحى في هذا السياق، فيظهر فيها رونقا
__________
(1) سورة الشمس الآية 1
في الأسلوب وجلالة في المعنى؛ لأن في ذلك مطابقة بين نور الضحى ونور الوحي، فنور الضحى جاء بعد ظلام الليل، ونور الوحي جاء بعد احتباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال أعداؤه: قلى محمدا ربه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل، على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه، ثم إن فالق ظلمة الليل بضوء النهار، هو الذي فلق ظلمة الجهل والشرك بنور الوحي والنبوة (1) .
__________
(1) انظر: ابن القيم، التبيان في أقسام القرآن، ص 100 .
خامسا: القسم بالشفق
قال سبحانه في القسم بالشفق: { فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ } (1) ، ويلحظ هنا أن القسم جاء بصورة مختلفة، حيث سبقه حرف (لا). فكيف يكون المعنى على هذا النظم؟
قيل: إن لا في السياق الزائدة (2) . والصحيح هو الوقوف ضد القول بزيادة أي حرف في كتاب الله سبحانه وتعالى؛ لأن ذلك مخل بإعجاز هذا الكتاب، وباب للطعن فيه جملة وتفصيلا.
وقيل بأنها نافية. والذين قالوا ذلك، ذهب بعضهم إلى أنها
__________
(1) سورة الانشقاق الآية 16
(2) انظر: الكلبي: التسهيل في علوم التنزيل، ج 4، ص 163. المحلى والسيوطي: تفسير الجلالين، ص 589.
نافية لكلام محذوف؟ كأنه قال: ليس الأمر كذلك، ثم قال: أقسم (1) . وذهب بعضهم إلى أنها نافية للقسم نفسه، وذلك على أن المطلوب أجل وأوضح من أن نحاول إثباته بالقسم (2) .
وقيل: إن (لا) أصلها لام الابتداء، وأشبعت فتحتها (3) .
والقول الآخر هو الذي رجحه الدكتور فضل عباس (4) ، وهو ما أختاره وأرجحه، وذلك:
1 - لأن هذه قراءة سبعية. كما في قراءة ابن كثير لقوله تعالى: { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } (5) فقد قرأها بغير ألف: {لأقسم بيوم القيامة} (6) .
2 - ثم إنه في كلام العرب ما يشهد لإشباع لام الابتداء. ومن ذلك قول عنترة :
ينباع من ذفري غضوب جسرة ... زيافة مثل الفنيق المكدم
__________
(1) انظر: ابن فارس: الصاحبي في فقه اللغة، ص 170 الشنقيطي: أضواء البيان، 8، ص 634 .
(2) الرازي: التفسير الكبير، ج 15، ص 720 .
(3) الشنقيطي: أضواء البيان، ج 8، ص 634 .
(4) عباس، فضل: لطائف المنان، ص 244 .
(5) سورة القيامة الآية 1
(6) انظر: ابن خالويه: الحجة في القراءات السبع، ص 356 .
قوله: ينباع، من نبع ينبع، ثم أشبعت الفتحة فصارت ألفا.
والشفق: هو الحمرة التي تكون في الأفق وقت الغروب. قال الراغب : " الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس " (1) .
والقول بأن الشفق يعني الحمرة، هو قول عامة الفقهاء، وبزواله يخرج وقت المغرب، ويدخل وقت العشاء. إلا ما روي عن أبي حنيفة -رحمه الله- في إحدى الروايتين أنه البياض، وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه (2) وأصل الشفق في اللغة أنه يدل على رقة في الشيء. ومنه الشفق على الإنسان بمعنى رقة القلب عليه. والشفق من الثياب: الرقيق والرديء منها (3) .
أما تسمية الحمرة شفقا فلأن الضوء يأخذ في الرقة والضعف عند مغيب الشمس إلى أن يستولي سواد الليل على الآفاق كلها (4) .
__________
(1) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 458 .
(2) الزمخشري: الكشاف، ج 4، ص 714 .
(3) ابن منظور: لسان العرب، مادة (شفق)، ج 10، ص 180 الزمخشري: الكشاف، ج 4، ص 714 .
(4) الرازى: التفسير الكبير، ج 11، ص101 البرسومي: روح البيان، ج 10 ، ص 380 .
وأما حكمة القسم به فهي: أن في ذكر الشفق إيماء إلى أنه يشبه حالة انتهاء الدنيا؛ لأن غروب الشمس مثل الموت (1) .
__________
(1) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 30، ص 226 .
سادسا: القسم بالنهار
وأقسم سبحانه بالنهار في موضعين من كتابه الكريم، الأول في سورة الشمس ؛ فقال: { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } (1) والثاني في سورة الليل فقال: { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } (2) .
قوله: "تجلى" بمعنى ظهر وبان، نقول: تجلى الشيء بمعنى انكشف، ومنه الجلي: وهو الواضح (3) .
والضمير المؤنث في قوله: "جلاها" ظاهره أنه عائد على الشمس، بمعنى أن الشمس تظهر وتنجلي إذا انبسط النهار. وعليه، فإن إسناد "جلى" إلى ضمير النهار من قبيل إسناد الفعل إلى زمانه، وذلك لأن ظهور الشمس يقع زمن انبساط النهار، وليس الانبساط هو المجلي لها (4) .
وقيل بأن الضمير المؤنث يعود على الأرض. وقيل: على
__________
(1) سورة الشمس الآية 3
(2) سورة الليل الآية 2
(3) رضا، أحمد: معجم متن اللغة، مادة (جلي)، ص 562 .
(4) انظر: الألوسي: روح المعاني، ج 30، ص 141 .
الدنيا. وقيل: يعود على الظلمة (1) .
والقول بأنه عائد على الشمس هو الأولى بالاعتبار وذلك لأن سياق الآيات في السورة: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } (2) { وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا } (3) { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } (4) .
ويلحظ في كلا الموضعين اللذين أقسم الله فيهما بالنهار، أن القسم بالنهار جاء مقرونا بحال التجلي وذلك كما قال ابن عاشور : "إدماجا للمنة في القسم" (5) فالله سبحانه أقسم بالنهار في زمن تجليته حيث ينكشف ما كان مستورا بظلمة الليل، فيتحرك الناس لمعاشهم، وتخرج الطيور من أوكارها، والهوام من مكامنها (6) .
وهناك ملاحظة أخرى حري بنا أن نقف عندها، وهي: أن القسم بالنهار في سورة الليل، جاء بعد القسم بالليل: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } (7) { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } (8) ، بينما في سورة الشمس جاء القسم
__________
(1) انظر: المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة. الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص 296 .
(2) سورة الشمس الآية 1
(3) سورة الشمس الآية 2
(4) سورة الشمس الآية 3
(5) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص 367.
(6) انظر: الرازي: التفسير الكبير، ج 11، ص 188. الصاوي: حاشية الصاوي على الجلاين، ج 4، ص 323 .
(7) سورة الليل الآية 1
(8) سورة الليل الآية 2
بالنهار أولا: { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } (1) { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } (2) ، فما الحكمة من ذلك؟
يستحيل بأي حال أن يأتي حرف واحد في هذا الكتاب المعجز في غير موقعه اللائق به، وإنه ليلمس في هذا التقديم والتأخير لطيفة، هي من بدائع هذا القرآن العظيم، وهي: أن سورة الليل نزلت قبل سورة الشمس بمدة، حيث كان الكفر مخيما على الناس إلا القليل منهم، وكان الإسلام قد أخذ في التجلي، فناسب تلك الحالة، تمثيلها بحالة الليل حين يعقبه ظهور النهار (3) .(2/15)
كما يلحظ في هذا الموضع، أن القسم بالليل في وقت غشيانه، جيء فيه بصيغة المضارع ؛ وذلك لأنه يغشى شيئا فشيئا. أما النهار، فإنه جيء فيه بصيغة الماضي وذلك لأنه إذا طلعت الشمس ظهر وتجلى مرة واحدة (4) .
__________
(1) سورة الشمس الآية 3
(2) سورة الشمس الآية 4
(3) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 35، ص 367 .
(4) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن ص 81 .
سابعا: القسم بالليل
أما الليل، فقد أقسم الله تعالى به في عدة مواضع، وكان القسم به مقرونا بعدة أحوال، وذلك على النحو الآتي:
1 - القسم بالليل في حالة إدباره. قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } (1)
__________
(1) سورة المدثر الآية 33
والدبر والدبر في اللغة نقيض القبل، ودبر كل شيء عقبه ومؤخره (1) .، وعليه، فإن إدبار الليل يكون مقابل إقباله، وقوله: "إذ أدبر" يعني أن الليل انقلب راجعا من حيث جاء، فانكشف ظلامه، وزال الجهل والريب والشك بانكشافه (2) .
2 - القسم به في حال العسعسة. قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } (3) .
قوله: { عَسْعَسَ } (4) بمعنى: أقبل وأدبر، وذلك في مبدأ الليل ومنتهاه، فهو من الأضداد. والعسعسة والعساس: رقة الظلام، وذلك في طرفي الليل (5) . وقال بعضهم: إنه ليس من الأضداد، ولكن يوجد بينهما قدر مشترك (6) ويمكن الاستئناس باقتران عسعسة الليل مع تنفس الصبح، { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } (7) { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } (8) في ترجيح أن يكون المراد بالعسعسة هنا انصرام الليل؛ لأنه مقرن بإقبال النهار من غير فصل، وهذا أعظم في الدلالة والعبرة، فالآية في انصرام هذا ومجيء الآخر عقيبه
__________
(1) ابن منظور: لسان العرب، مادة (دبر)، ج 4، ص 268 .
(2) البقاعي: نظم الدرر، ج 8، ص 234 .
(3) سورة التكوير الآية 17
(4) سورة التكوير الآية 17
(5) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 566. السمين الحلبي: عمدة الحفاظ، ج 3، ص 72 .
(6) المرجع السابق، ج3، ص 73 .
(7) سورة التكوير الآية 17
(8) سورة التكوير الآية 18
بغير فصل أبلغ، فذكر سبحانه حالة ضعف هذا وإدباره، وحالة قوة هذا وتنفسه (1) .
3 - القسم بالليل وما وسق، قال تعالى: { وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } (2) . والوسق: هو جمع الأشياء المتفرقة، مصدر وسقت الشيء أي جمعته وحملته (3) .
وعلى هذا يكون المعنى: أي ما جمع الليل مما كان منتشرا في النهار من ناس وحيوان، فإنها تأوي في الليل إلى مآويها، حيث جعل الله طلب السكون والراحة في وقت الليل جبلة فيها، وهذا من بديع التكوين، فلذلك أقسم الله به (4) .
وقيل: ما وسقه الليل: النجوم؛ لأنها تظهر بالليل. قال ابن عاشور : "وهذا المعنى أنسب، بعطف القمر عليه" (5) .
والذي أراه أن الله سبحانه أقسم بجميع ما ضمه الليل وأواه، ويشمل ذلك الإنسان والحيوان، كما يشمل النجوم والظلام. إذ أن القسم بمطلق الجمع، والليل يجمع كل هذه الأشياء.
__________
(1) انظر: ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص 155 .
(2) سورة الانشقاق الآية 17
(3) السمين الحلبي: عمدة الحفاظ ج 4، ص 31 .
(4) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 30، ص 227 .
(5) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 30، ص 227 .
4 - القسم بالليل في حال سريانه قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } (1) .
بعد أن أقسم سبحانه بالليالي العشر على وجه الخصوص. بقوله: { وَالْفَجْرِ } (2) { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (3) أتبع ذلك بالقسم بالليل على وجه العموم، فقال: { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } (4) { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } (5) .
ومعنى يسري: يمضي سائرا في الظلام. وأصل السرى في اللغة: السير في الليل (6) . فشبه تقضي الليل في ظلامه بسير السائر في الظلام. وقرأها بعض القراء (يسري) بإثبات الياء، بينما قرأها آخرون بالحذف (7) .
قال الفراء: "وحذفها أحب إلي لمشاكلتها رؤوس الآيات؛ ولأن العرب قد تحذف الياء وتكتفي بكسر ما قبلها (8) .
5 - القسم به في حال الغشيان. قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } (9) وقال: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } (10) .
__________
(1) سورة الفجر الآية 4
(2) سورة الفجر الآية 1
(3) سورة الفجر الآية 2
(4) سورة الفجر الآية 3
(5) سورة الفجر الآية 4
(6) ابن منظور: لسان العرب، مادة (سرا)، ج 14، ص 381.
(7) انظر : ابن زنجلة ، عبد الرحمن: حجة القراءات ، ج 3 ، ص 260 .
(8) الفراء: معاني القرآن ج 3 ، 260 .
(9) سورة الشمس الآية 4
(10) سورة الليل الآية 1
والغشاوة: هي ما يغطى به الشيء (1) . والضمير في قوله: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } (2) { وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا } (3) { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } (4) { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } (5) .
فالضمائر كلها عائدة على الشمس. وحقيقة الأمر أن إسناد الغشي إلى الليل مجاز عقلي، من إسناد الفعل إلى زمنه؛ لأن الليل لا يغطي الشمس على الحقيقة، ولكن في زمن الغشي تكون الشمس محجوبة عنا بنصف الكرة الأرضية (6) .
أما قوله: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } (7) فهو عام، وعدم ذكر المفعول إنما هو للتعميم (8) . فيكون المعنى: يغشى الليل الأفق وجميع ما بين السماوات والأرض فيذهب ضوء النهار.
وأقسم سبحانه بالليل لكونه جليلا عظيما يسكن الخلق فيه عن الحركة، ويغشاهم النوم الذي فيه راحة الأبدان (9) .
6 - القسم بالليل إذا سجى. قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } (10) وقوله: "سجى" أي سكن، نقول: سجى البحر سجوا بمعنى:
__________
(1) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 607.
(2) سورة الشمس الآية 1
(3) سورة الشمس الآية 2
(4) سورة الشمس الآية 3
(5) سورة الشمس الآية 4
(6) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 30، ص 368 .
(7) سورة الليل الآية 1
(8) انظر: البرسوي: روح البيان، ج 10، ص 447 .
(9) الصاوي: حاشية الصاوي، ج 4، ص 323 .
(10) سورة الضحى الآية 2
سكنت أمواجه، ومنه استعير قولنا: تسجية الميت، أي تغطيته بالثوب (1) . قال الفراء : "والليل إذا سجى: إذا أظلم وركد في طوله، كما تقول: بحر ساج وليل ساج، إذا ركد وسكن وأظلم" (2) .
وأشار الرازي - رحمه الله- إلى أن معنى "سجى" لدى أهل اللغة يدور حول ثلاثة معان متقاربة هي: "سكن، وأظلم، وغطى" (3) . ومن خلال النظر في الآيات السابقة يتضح أن القسم بأحوال الليل جاء مقرونا بالقسم بأحوال النهار، وذلك على النحو الآتي:
- إدبار الليل جاء مقرونا بإسفار الصبح { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } (4) { وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } (5) .
- وعسعسة الليل مقرونة بتنفس الصبح { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } (6) { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } (7) .
- وسريان الليل جاء مقرونا بالفجر { وَالْفَجْرِ } (8) { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (9) { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } (10) { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } (11) .
- وغشيان الليل جاء مقرونا بتجلي النهار { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } (12) { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } (13) .
__________
(1) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 399.
(2) الفراء: معاني القرآن، ج 2، ص 273 .
(3) الرازي: التفسير الكبير، ج 11، ص 190 .
(4) سورة المدثر الآية 33
(5) سورة المدثر الآية 34
(6) سورة التكوير الآية 17
(7) سورة التكوير الآية 18
(8) سورة الفجر الآية 1
(9) سورة الفجر الآية 2
(10) سورة الفجر الآية 3
(11) سورة الفجر الآية 4(2/16)
(12) سورة الشمس الآية 3
(13) سورة الشمس الآية 4
{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } (1) { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } (2) .
- وسجو الليل جاء مقرونا بالضحى { وَالضُّحَى } (3) { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } (4) .
- أما قوله: { وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } (5) فقد جاء مقرونا بقوله: { وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ } (6) . واتساق القمر هو اجتماعه واستواؤه وذلك في ليلة أربع عشرة (7) . ومعلوم أن هذا هو وقت ضوء القمر الذي ينير الليل، والنور والضياء الحاصل باتساق القمر حال من أحوال النهار. ويستنتج من ذلك أنه سبحانه قابل في القسم بين الليل والنهار للدلالة على المبدأ والمعاد، فما أشبه انبثاق ضوء النهار بعد ظلمة الليل بالبعث بعد الموت. فبينما الليل ساكن قد هدأت فيه الحركات، وسكتت الأصوات، وصار الناس إخوان الأموات، إذ أقبل النهار، فارتفعت الأصوات، حتى كأنهم قاموا أحياء بعد أن كانوا أمواتا.
__________
(1) سورة الليل الآية 1
(2) سورة الليل الآية 2
(3) سورة الضحى الآية 1
(4) سورة الضحى الآية 2
(5) سورة الانشقاق الآية 17
(6) سورة الانشقاق الآية 18
(7) انظر: الزمخشري، الكشاف، ج 4، ص 714 .
ثامنا: القسم بالليالي العشر
ورد القسم بالليالي العشر في القرآن الكريم مقرونا بالفجر، قال تعالى: { وَالْفَجْرِ } (1) { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (2) فما المقصود بهذه الليالي؟ اختلف في تحديد المراد بها، والراجح في ذلك -وهو ما عليه جمهور المفسرين- كما يقول صديق حسن خان (3) : أن المراد بالليالي العشر هو عشر ذي الحجة. وهذا مروي عن ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف. وهو الذي صححه ابن كثير (4) .
ويدل على هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن العشر عشر الأضحى » (5) . ويسانده ما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعا : « ما العمل في أيام أفضل منها في هذه العشر" قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء » (6) .
__________
(1) سورة الفجر الآية 1
(2) سورة الفجر الآية 2
(3) خان، صديق: فتح البيان، ج 5، ص 214 .
(4) انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج 4، ص 535 .
(5) رواه أحمد، ورواه الحاكم وصححه. انظر: ابن حنبل: المسند، ج 3، ص 327. الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 522. وقال عنه الهيثمي: ''رواه البزار وأحمد ورجالهما رجال الصحيح غير عياش بن عقبة وهو ثقة''. انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد، ج 7، ص 137 .
(6) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، ج 3، ص 135، كتاب العيدين ، باب رقم 11 ، حديث رقم 969 . .
وقيل: المراد بذلك العشر الأول من محرم. وقيل: العشر الأواخر من رمضان (1) .
وكل ذلك ضعيف؛ لأنه مخالف لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأولى ما أشرت إليه؛ لأنه قول الذي لا ينطق عن الهوى.
ويلحظ أنه سبحانه قال: "وليال " بالتنكير، وذلك لبيان فضيلتها على غيرها، ولو عرفت لم تستقل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير، ففي التنكير تعظيم لها، فإن التنكير يكون للتعظيم (2) .
وهذه الأيام هي الأيام المعلومات التي حثنا الله على ذكره فيها، فقال: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } (3) فتخصيص الحث على الذكر بهذه الأيام يشير إلى أفضليتها على غيرها.
__________
(1) انظر: الماوردي: النكت والعيون، ج 4، ص 265 الخازن: لباب التأويل، ج 6، ص 418 .
(2) انظر: المصدر السابق، نفس الجزء والصفحة. ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص 54 .
(3) سورة الحج الآية 28
تاسعا: القسم بيوم القيامة
قال سبحانه في القسم بيوم القيامة: { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } (1) .
__________
(1) سورة القيامة الآية 1
وقد تقدم الكلام عن صيغة لا أقسم (1) .
والقيام في اللغة نقيض الجلوس (2) . وسمي اليوم الآخر بيوم القيامة؛ لأن الخلق يقومون فيه لرب العالمين قومه واحدة حتى يفصل في أمرهم (3) .
كما أقسم سبحانه بهذا اليوم في قوله: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } (4) { وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ } (5) وسمي هذا اليوم باليوم الموعود؛ لأن الله وعدهم بوقوعه في الحياة الدنيا لمجازاة كل فريق على عمله (6) .
أما سر القسم بيوم القيامة فللتنبيه على عظمته وهوله، وباعتبار ما يجري فيه من عدل الله، وإفاضة فضله، وما يحضره من الملائكة والنفوس المباركة (7) .
__________
(1) انظر ص 240 من هذا البحث.
(2) انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة (قوم)، ج 12، ص 496 .
(3) انظر: المرجع السابق، ج 12، ص 556. السجستاني: غريب القرآن، ص 296 .
(4) سورة البروج الآية 1
(5) سورة البروج الآية 2
(6) انظر:أضواء البيان، ج 9، ص 130. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 30، ص 238.
(7) انظر: ابن عطية: المحرر الوجيز، ج 5، ص 451. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 29، ص 338 .
عاشرا: القسم بالعمر
العمر: هو اسم لمدة عمارة البدن بالحياة، والتعمير: إعطاء العمر
بالفعل أو بالقول على سبيل الدعاء (1) . قال تعالى: { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } (2) .
وأقسم سبحانه بالعمر فقال: { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } (3) قال الزجاج : "قال النحويون : ارتفع لعمرك بالابتداء، والخبر محذوف. المعنى: لعمرك قسمي، أو لعمرك ما أقسم به، وحذف الخبر لأن في الكلام دليلا عليه" (4) .
والقسم بالعمر هنا قسم بعمر مخصوص، هو عمر النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم : "أكثر المفسرين من السلف والخلف -بل لا يعرف عن السلف فيه نزاع- أن هذا قسم من الله بحياة رسول صلى الله عليه وسلم" (5) .
ولم يقسم سبحانه في كتابه بغير حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه مزية لم تعرف لغيره، وفي هذا ما يدل على فضل حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعزتها على الله.
__________
(1) انظر: الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 586. السمين الحلبي: عمدة الحفاظ ج 3، ص 122 .
(2) سورة فاطر الآية 11
(3) سورة الحجر الآية 72
(4) الزجاج : معاني القرآن ، ج 3 ، ص 184 .
(5) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص 547 .
المبحث الثالث: الأزمان الفاضلة في القرآن الكريم
اختص سبحانه بعض الأزمنة بأن جعلها مواسم للطاعات، وأياما مباركة للقربات، وحث الناس على اغتنام أجرها، فهي لطلب الرضى، وإجابة الدعوات، ومضاعفة الحسنات، حيث يفتح الله فيها أبواب الرحمة، فالموفق من تزود لآخرته، وأقبل على ربه راجيا مغفرته.
وهذا هو مدلول قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: « لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة، لا يشقى بعدها أبدا » (1) .
وهذا هو مفهوم التفاضل في الأوقات؛ لأن الأزمان في حقيقتها متجانسة ومتشابهة، وتفضيل بعضها على بعض إنما هو على معنى أن الطاعة في البعض أفضل، والثواب عليها أكثر.
ومن هنا، فقد ميز الله يوم الجمعة على غيره من أيام الأسبوع، وشهر رمضان على غيره من شهور السنة، وليلة القدر على غيرها من الليالي، وميز بعض ساعات الليل والنهار على غيرها.
__________(2/17)
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال عنه: ''رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وفيه من لم أعرفهم، ومن عرفتهم، وثقوا''. وذكره بلفظ آخر عن أنس بن مالك، وقال فيه: ''رواه الطبراني ورجال إسناده رجال الصحيح، غير عيسى بن موسى بن إياس بن البكير، وهو ثقة''. انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد، كتاب الزهد، باب التعرض لنفحات رحمة الله، ج 10، ص 231.
وكما ميز الله بعض الأزمان، فإنه ميز كذلك بعض الأماكن والبلدان على غيرها، كالبلد الحرام، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى وما حوله.
وهو سبحانه العليم بالحكمة التي لأجلها فضل زمن على زمن، وفضل مكان على مكان، فهي أمور ثابتة من الله، ولا يبطلها إلا إبطال من الله، كما أبطل تقديس السبت بالجمعة، فليس للناس أن يغيروا ما جعله الله تعالى من الفضل لأزمنة أو أمكنة أو ناس.
وأستعرض فيما يلي الأزمان الفاضلة في القرآن الكريم:
أولا: الأزمان المقسم بها
وهي الأزمان التي أشرت إليها في المبحث السابق، ولا شك أنها أزمان فاضلة، بدليل قسم الله سبحانه وتعالى بها.
ثانيا: الأشهر الحرم
قال تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } (1) .
فالأشهر الحرم إذا هي أربعة أشهر كما هو صريح النص القرآني "منها أربعة حرم "، ولكن أي أربعة هي من شهور السنة؟ هذا ما حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وصلنا من
__________
(1) سورة التوبة الآية 36
سنته الشريفة حيث قال: « إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر (2) .
قال عبد الغني النابلسي : "وقد أجمع المسلمون على أن الأشهر الحرم هي الأربعة المذكورة في هذا الحديث" (3) .
وسميت هذه الأشهر حرما لتعظيم انتهاك المحارم فيها، فالمعصية فيها أشد عقابا، وبالمقابل، فإن الطاعة فيها تكون أكثر ثوابا .
أما القول بأنها سميت كذلك لتحريم القتال فيها (4) ، مصداقا لقوله تعالى: { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (5) فهذا منسوخ؛ لأن تحريم القتال فيها إنما كان في
__________
(1) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب التفسير، باب رقم 8، ج 9، ص 221 .
(2) (1) الذي بين جمادى وشعبان »
(3) النابلسي، عبد الغني: فضائل الشهور والأيام، ص 68 .
(4) انظر: المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة. حجازي، محمد: التفسير الواضح، ج10، ص 49 .
(5) سورة التوبة الآية 5
أول الإسلام، إلا أن يقاتل المسلمون، ثم أذن الله تعالى في قتال المشركين في جميع الأوقات، فقال: { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } (1) وبقيت حرمة الأشهر الحرم في تضعيف الأجور والأوزار فيهن، فقد خص الله تعالى هذه الأشهر بزيادة المنع فيهن عن الظلم (2) . ولذلك، فقد غلظ الإمام الشافعي -رحمه الله- في دية من قتل خطأ في الأشهر الحرم (3) .
وعلى ذلك، فإن قوله: { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } (4) عائد على الأربعة الحرم، وليس على الاثني عشر شهرا؛ لأنه أقرب مذكور؛ ولأن هذا هو مدلول الضمير (فيهن) في اللغة العربية.
وفي اختصاص الأشهر الحرم بالذكر هنا تشريف لها. وفي خصها بالنهي عن الظلم، مع أنه منهي عنه في كل زمان، مزيد من التشريف (5) . وجاء ذكر الأشهر الحرم في القرآن الكريم بصيغة المفرد الدال على الجنس فقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ } (6) وقال: { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ } (7) .
__________
(1) سورة التوبة الآية 36
(2) البيهقي: فضائل الأوقات، ص 86 .
(3) انظر: الشافعي: الأم، ج 6، ص 47 كفاية الأخيار، ص 604 .
(4) سورة التوبة الآية 36
(5) الرازي: التفسير الكبير، ج 6، ص 41 القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 135 .
(6) سورة المائدة الآية 2
(7) سورة المائدة الآية 97
فالمراد بالشهر الحرام في هاتين الآيتين، الأشهر الحرم الأربعة، إلا أنه عبر عنها بلفظ الواحد؛ لأنه ذهب بها مذهب الجنس (1) . ووردت آيتان يبين سبب نزولهما أنهما تدلان على أحد هذه الأشهر الأربعة، وهما:
قوله تعالى: { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } (2) .
فهي جاءت لتدل على شهر ذي القعدة الذي منع المسلمون فيه من دخول مكة، ولكنهم عادوا في العام المقبل، وفي نفس هذا الشهر (3) .
وقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ } (4) ، وهذه نزلت حين قتل أحد المسلمين رجلا من المشركين في شهر رجب (5) .
وهاتان الآيتان وإن جاءتا للدلالة على شهر معين من الأشهر
__________
(1) الرازي: التفسير الكبير، ج 4، 40 القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج 6، ص 325.
(2) سورة البقرة الآية 194
(3) الواحدي : أسباب النزول ، ص 43 . الزمخشري : الكشاف ، ج 1 ، ص 119 .
(4) سورة البقرة الآية 217
(5) الواحدي: أسباب النزول، ص (51، 52) . ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج 1 ، ص 271 .
الحرم، نزلت فيه الآية، إلا أن مدلولهما ينسحب على باقي الأشهر الحرم الأخرى.
ثالثا: شهر رمضان
لم يرد في القرآن الكريم تصريح باسم أي شهر من شهور السنة، سوى شهر رمضان؛ وذلك في سورة البقرة في قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } (1) .
وهذا الشهر تميز على غيره باختصاصه بعبادة جليلة، عبادة الصوم. ولعل من الحكم في ذلك هي أن هذا الشهر قد شرفه الله بنزول القرآن، وفيه فاضت على البشرية هداية الرحمن، ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء برسالة هي خاتمة الرسالات.
وأصل (رمضان) في اللغة مأخوذ من الرمض، ويعني: شدة وقع الشمس، يقال: أرمضه ورمض، أي أحرقته الرمضاء، وهي شدة حر الشمس . ومنه سمي رمضان "لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة" (2) .
__________
(1) سورة البقرة الآية 185
(2) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج 2، ص 291 .
وفضل هذا الشهر عظيم، وثوابه جسيم، يدل على ذلك معنى الاشتقاق من كونه محرقا للذنوب، كما يدل عليه ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث كثيرة في فضل هذا الشهر العظيم، ومن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: « إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين » (1) . وقوله في حديث آخر: « من قامه إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه » (2) .
وفي هذا الشهر العشر الأواخر، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله » (3) . وغيرها من الأحاديث الدالة على عظمة هذا الشهر.
فإذا كان هذا الشهر بهذه العظمة، والأجر فيه يضاعف إلى هذه الدرجة، أفلا نستثمره على الوجه الأكمل؟ وهلا حرصنا على كل ثانية منه لكي لا تضيع سدى؟
__________
(1) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب الصوم، باب رقم 5 حديث رقم 1899، ج 4 ، ص 605 .(2/18)
(2) رواه البخاري. انظر : الصحيح مع الفتح ، كتاب صلاة التراويح ، باب رقم 1 ، حديث رقم 2008 ، ج 4 ، ص 778 .
(3) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب فضل ليلة القدر، باب رقم ه، حديث رقم 2024، ج4 ص 802.
رابعا: ليلة القدر
أما ليلة القدر، فهي جزء من شهر رمضان الفضيل، ومع ذلك فقد خصها الله سبحانه بالذكر، مما يدل على أهميتها وعظمتها، كيف لا وهي ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى، وهي الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم، وهو الكتاب الذي لم تشهد الأرض مثله، في عظمته، وفي تأثيره على حياة البشرية.
يقول سبحانه عن هذه الليلة في سوره من السور القصار: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } (1) { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } (2) { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } (3) { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ } (4) { سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } (5) .
وهي ذات الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } (6) { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } (7) ، وإنما سميت بـ "ليلة القدر" لعظمتها وشرفها وقدرها، من قولهم: لفلان قدر، أي منزلة وشرف. وقيل: لأن للطاعات فيها قدرا عظيما، وثوابا جزيلا. أو لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره. أو لأنه أنزل فيها كتابا ذا قدر على رسول ذي قدر، على
__________
(1) سورة القدر الآية 1
(2) سورة القدر الآية 2
(3) سورة القدر الآية 3
(4) سورة القدر الآية 4
(5) سورة القدر الآية 5
(6) سورة الدخان الآية 3
(7) سورة الدخان الآية 4
أمة ذات قدر. وغير ذلك من الأقوال .
وهي معاني متقاربة يشملها جميعا المعنى الأول، فهي جميعا دالة على قدر هذه الليلة، وفضلها، وعظيم منزلتها.
وهذه الليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري، وهي خير من آلاف اللحظات الزمنية في حياة البشر، فكم من آلاف الشهور، بل وآلاف السنين قد انقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة، من آثار وتحولات (1) .
ولهذا فلا غرابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحثنا على تحريها في الفترة الزمنية التي تقع فيها فيقول لنا: « تحروا ليلة القدر، في العشر الأواخر من رمضان » (2) .
ولا غرابة في أنه صلى الله عليه وسلم يحثنا على قيام هذه الليلة مبينا عظيم أجرها، فيقول: « من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه » (3) .
__________
(1) انظر: قطب، سيد : في ظلال القرآن، ج 6، ص 3945 .
(2) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب فضل ليلة القدر، باب رقم 3، حد رقم 2020، ص 790 .
(3) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب الصوم، باب رقم 6، حديث رقم 1901، ج 4 ، ص 608 .
وبعد ذلك، فهل هناك أفضل من هذه الليلة؟ وهل أعظم من هذا الأجر؟ فلنحرص على هذه الليلة، التي لا تأتي إلا مرة في العام.
خامسا: أيام التشريق
ذكر الله سبحانه فضل أيام التشريق في سورة البقرة، فقال: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } (1) والأيام المعدودات، هي أيام التشريق، كما روي عن ابن عباس، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وغيرهم (2) .
قال القرطبي : "ولا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى، وهي أيام التشريق" (3) .
كما يدل على أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق، تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي يصف فيها أيام التشريق بأنها أيام ذكر لله عز وجل، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: « أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله » (4) . وإطلاق الرسول للذكر من غير تقييده بشيء جاء مساويا لإطلاق الله اسم الذكر { وَاذْكُرُوا اللَّهَ } (5) ، مما يعد دليلا واضحا على أن الرسول عنى بذلك ذات
__________
(1) سورة البقرة الآية 203
(2) انظر: الطبري: جامع البيان، ج 2، ص 302، 303، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج1 ، ص 232.
(3) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ، ج 3 ص 1 .
(4) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب رقم 23، حديث رقم 1141،ص 658 .
(5) سورة البقرة الآية 203
الذكر الذي أشار إليه الله في كتابه الكريم، وعينه في الأيام المعدودات.
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: « الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع، فقد تم حجه، أيام منى ثلاثة أيام، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه » (1) . قال ابن رجب الحنبلي : "وهذا صريح لي أنها أيام "التشريق" (2) .
أما بالنسبة لتحديد هذه الأيام، فهناك قولان رئيسان (3) :
الأول: أنها أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة بعده. وهذا مروي عن ابن عباس وغيره.
الثاني: أنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وليس يوم النحر منها.
وعزا ابن رجب هذا القول إلى ابن عمر وأكثر العلماء. وقال عنه بأنه: "هو القول الأظهر (4) .
وهذا ما أراه راجحا، وذلك كما قال القرطبي : "لإجماع الناس أنه لا ينفر أحد يوم النفر، وهو ثاني يوم النحر. ولو كان يوم النحر في المعدودات، لساغ أن ينفر من شاء متعجلا يوم النفر؛ لأنه قد
__________
(1) رواه أحمد عن عبد الرحمن بن يعمر. انظر: ابن حنبل: مسند أحمد، ج 4: ص 310 .
(2) ابن رجب الحنبلي: لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص 301 .
(3) انظرهما في: المرجع السابق، نفس الصفحة. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص 1 .
(4) ابن رجب الحنبلي: لطائف المعارف، ص 301 .
أخذ يومين من المعدودات" (1) .
فالله سبحانه وتعالى لما طلب منا أن نذكره في تلك الأيام على وجه الخصوص، يدلنا ذلك على عظيم فضل هذه الأيام، وأن الأجر فيها مضاعف، والثواب أعظم، فلنحرص على ذكر الله في مثل هذه الأزمان التي عينها الله لنا.
وفي وصفه لهذه الأيام بأنها (معدودات) ما يشير إلى قلة عددها، وفي هذا ما يدفع المسلم إلى الحرص على الإفادة من هذه الأيام، والتوجه إلى الله فيها.
__________
(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج 3، ص 1 .
سادسا: يوم الجمعة
أما يوم الجمعة، الذي هو يوم عظيم عند المسلمين، تقام فيه هذه الصلاة الجامعة، التي تمثل مؤتمرا أسبوعيا، يتناول هموم المسلمين وقضاياهم اليومية، ومواعظ تذكر بالله سبحانه وتعالى، فقد بين القرآن الكريم مكانة هذا اليوم وفضله، فنزلت سورة الجمعة توضح أهمية هذا اليوم من أيام الأسبوع. قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (1) وأصل الجمع في اللغة: ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض. نقول: استجمع السيل، بمعنى: اجتمع من كل موضع، وتجمع
__________
(1) سورة الجمعة الآية 9
القوم: اجتمعوا من هنا وهنا (1) . ومنه (الجمعة)، سميت بذلك لاجتماع الناس إلى الصلاة (2) .
ويلحظ في الآية السابقة التأكيد على ضرورة أداء صلاة الجمعة في وقتها دون تأخير، حتى لو أدى ذلك إلى ترك الأعمال فور سماع ندائها.(2/19)
كما يلحظ هذا التشديد على أداء صلاة الجمعة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: « لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين » (3) .
وفي التأكيد على الالتزام بهذه الصلاة إشارة إلى أهميتها وفضلها، وفي ذلك ما يدل على أهمية وفضل اليوم الذي تقع فيه.
وفضل هذا اليوم لا يقف عند هذا الحد، بل يصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة » (4) .
__________
(1) ابن منظور: لسان العرب، مادة (جمع)، ج 8، ص 53 .
(2) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 202 السمين الحلبي: عمدة الحفاظ ج 1، ص 337 .
(3) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب رقم 12، حديث رقم 865، ج 2، ص 495 .
(4) رواه ابن حبان. انظر: صحيح ابن حبان مع تقريب الإحسان، كتاب الصلاة، باب رقم 30، حديث رقم 2770، ج 7، ص 5. وللتوفيق بين هذا الحديث ومثله من الأحاديث الدالة على أن يوم الجمعة هو أفضل الأيام، وبين ما جاء عن يوم عرفة أنه أفضل الأيام، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ''ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ (رواه مسلم: صحيح مسلم، كتاب الحج، باب رقم 79، حديث رقم 1348، ج 2، ص 802) للتوفيق بين ذلك، قال الزرقاني: ''الأصح أن يوم عرفة أفضل أيام السنة، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ''. انظر: الزرقاني: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، ج 1 ، ص 318 .
وفي هذا اليوم ساعة عظيمة، يستجاب فيها الدعاء؟ كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن في الجمعة لساعة، لا يوافقها مسلم قائم يصلي، يسأل الله ، إلا أعطاه إياه » (1) . وفي هذا اليوم حدثت أمور عظيمة، أخبر بوقوعها الذي لا ينطق عن الهوى، فقال: « خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة » (2) .
وفي الإخبار عن وقوع الأمور العظام فيه، واختصاصها به دون سائر الأيام، حض على الاستكثار من الطاعات فيه، وزجر عن مواقعة المعاصي (3) .
__________
(1) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب رقم 4، حديث رقم 852، ج 2 ، ص 489 .
(2) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب رقم 5، حديث رقم 854، ج 2، ص 490 .
(3) انظر: الباجي: المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، ج 1، ص 201 .
إلى غير ذلك من الخصائص والفضائل العديدة لهذا اليوم، التي ألفت فيها الكتب والمصنفات .
سابعا: وقت السحر
ومن الأزمان التي أشار القرآن الكريم إلى فضلها وقت السحر . ووقت السحر هو الوقت الذي يسبق طلوع الفجر. ومنه السحور وهو اسم الطعام الذي يؤكل في وقت السحر (1) .
يقول سبحانه واصفا حال عباده المتقين الموعودين بالجنات، مادحا فيهم صفة الاستغفار في هذا الوقت: { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } (2) ويقول عنهم في موضع آخر: { وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (3) ، وذكر القرآن الكريم أن هذا الوقت هو الذي نجى الله فيه آل لوط، قال تعالى: { إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ } (4) .
أما الحكمة من تخصيص وقت الأسحار بالاستغفار، فهي أن هذا الوقت هو وقت غفلة الناس عن التعرض للنفحات الرحمانية، ذلك
__________
(1) الرازى: التفسير الكبير، ج 3، ص 167.
(2) سورة آل عمران الآية 17
(3) سورة الذاريات الآية 18
(4) سورة القمر الآية 34
أن وقت السحر هو أطيب أوقات النوم، وعند ذلك تكون العبادة أشق، والنية خالصة، والرغبة في التوجه إلى الله وافرة، فيكون الدعاء في هذا الوقت أقرب للإجابة، والذكر والاستغفار أعظم ثوابا .
ويكون سبحانه في هذا الوقت من الليل قريبا من عباده، كما دل عليه الحديث الصحيح: « إذا مضى شطر الليل، أو ثلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل يعطى، هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، حتى ينفجر الصبح » (1) .
فالاستغفار في هذه الفترة الزمنية الفاضلة منة من الله سبحانه وتعالى، لا يفقهها إلا من ذاقها، وشعر بها في خلجات نفسه، فالتقت روحه مع خالق السماوات والأرض.
"والاستغفار بالأسحار بعد هذا كله يلقي ظلالا رفافة ندية عميقة، ولفظة (الأسحار) بذاتها ترسم ظلال هذه الفترة من الليل قبيل الفجر، الفترة التي يصفو فيها الجو ويرق ويسكن، وتترقرق فيها خواطر النفس وخوالجها الحبيسة، فإذا انضمت إليها صورة الاستغفار، ألقت تلك الظلال المنسابة في عالم النفس وفي ضمير الوجود سواء، وتلاقت روح الإنسان وروح الكون في الاتجاه لبارئ
__________
(1) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب رقم 24، حديث رقم 758، ج 1 ، ص 439 .
الكون وبارئ الإنسان " (1) .
__________
(1) قطب، سيد: في ظلال القرآن، ج 1، ص 376 .
الخاتمة:
بعد هذه الجولة مع " قيمة الزمن في القرآن الكريم "، فإنه يجدر بنا أن نسجل أهم النتائج التي تم التوصل إليها:
1 - الزمن ذو قيمة عظيمة، فهو أثمن وأنفس ما يملك الإنسان؛ لأن أعز شيء لدى الإنسان وهو عمره وحياته، ما هو في الحقيقة إلا زمن.
2 - عني القرآن الكريم بالزمن، فعده من النعم العظيمة، وعده من الآيات الدالة على وجود الله، كما أشار القرآن الكريم إلى قيمة الزمن، وحث على استثماره في الخير.
3 - أقسم القرآن الكريم بالزمن وبمفرداته، ففي القسم بالزمن أقسم بالعصر، وفي القسم بمفرداته أقسم بالفجر والصبح والضحى والشفق والليل والنهار والليالي العشر ويوم القيامة والعمر. وقسم القرآن بالزمن يدل على أهميته وعظمته.
4 - اختص سبحانه بعض الأزمنة بالفضل، وهي إضافة إلى الأزمان المقسم بها: الأشهر الحرم وشهر رمضان وليلة القدر وأيام التشريق ويوم الجمعة ووقت السحر. وتخصيص هذه الأزمنة بالفضل حري به أن يشجع المسلم على الإفادة منها في الخير، واستثمارها في العمل الصالح.
حديث شريف
عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار » (1)
رواه الإمام مسلم
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (153) ، مسند أحمد (2/350).
============
خط الزمن ...
الكاتب د.عوض بن عودة
Friday, 01 April 2005
إن ممارسة خط الزمن هي من ممارسات البرمجة اللغوية العصبية، و التي تعتمد على الذاكرة وطريقة تخزين المعلومات فيها. فأصحاب ممارسة الخط الزمني (تاد جيمس و وايت وود سمول وغيرهم) يزعمون أن التسلسل الزمني هو العنصر الرئيس في شخصية الإنسان، وعن طريقه يمكن معرفة وفهم شخصية الإنسان. فذكريات وقرارات وتجارب وأقدار الإنسان الجيدة والسيئة السابقة والآنية والمستقبلية تُجمع في هذا التسلسل الزمني طوال الوقت، وتحدد كيفية تعلقها بالحياة (كتاب خط الزمن و أساس الشخصية لتاد جيمس و وايت وود سمول). وهذا التقرير السابق الذكر يعني أن خط الزمن تجري عليه الأقدار وهو مصدر ومخزن الأحداث .(2/20)
وهذه الممارسة تقوم على مبادئ التنجيم و المفهوم الإغريقي القديم عند آرسطو و غيره في أن الإنسان يخزّن تجارب حياته على شكل خطوط محددة. و أيضا، يزعم أصحاب هذه الممارسة أنه يُوجد في هذا الكون نجوما لكل شخص خاصة به، و من خلال التأمل و التخييل أو التنبؤ في بعض الأحيان يتولد إحساس عميق في معرفة الشخص(ذاته (من أين أنا) من خلال هذا الخط الزمني الخاص به على اعتبار أن هناك نقطة ما في حياة هذا الشخص متعلقة بهذا الكون توصله لما يبحث عنه. فأصحاب هذه الممارسة في الغرب يزعمون أن لديهم إرادة حرة مطلقة لمضادة القدر التي تمكّنهم من تغيير طرق حياتهم باختيار منهم. ولذلك، فأصحاب هذه الممارسة يحاولون استخراج الخط الزمني للشخص، و من ثم يتم تغيير اتجاه أو مكان الخط الزمني المراد لخلق المستقبل وإعادة زرع الأمنيات والأحلام أو إزالة عواطف وأفكار غير مرغوبة .
فالخط الزمني ببساطة عبارة عن عملية لجمع المعلومات المطلوبة لبرمجتها ومحاولة معرفة الاختلاف في تخزين الذكريات الماضية والتصورات المستقبلية اللاواعية. وبعد جمع هذه المعلومات كما الحال في التنويم المغناطيسي يتم غرس ما يُراد غرسه عن طريق الأدوات الأخرى للبرمجة. ومن خلال هذا الخط الزمني يخاطب الشخص و يُؤثر عليه ويُطلب منه الإجابة على بعض الأسئلة الموجهة لإستخلاص ما في ذاكرته وجمع المعلومات عن شخصيته و عواطفه و أفكاره السلبية والإيجابية حول الأحداث السابقة وأمنياته المستقبلية من خلال تخيل خط أو منحنى وهمي على الأرض أو الجدار أو من خلال عملية التخييل الذهني. و كل هذا قائم على ما يُسمى بقوانين (العقل الباطن) من جذب وضبط وتحكم وتنبؤ وغيرها. و بعض ممارسي هذه الطريقة في الغرب يُدخل معها تكامليا شيئا من أمور الطاقة الروحية .
ولذلك، فلا أرى أن هناك فرق في مضمون الفعل بين من يستخدم الطرق و الخط في الأرض أو قراءة الفنجان أو قراءة الكف ومن يستخدم الخط الزمني فقد جاء التحذير و الوعيد في الطرق الزاعمة معرفة الغيب بالحدس والتخمين و غيرها كما صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: (العيافة والطيرة والطرق من الجبت) (رياض الصالحين 535). و أيضا: (العيافة زجر الطير، والطرق الخط يخط في الأرض) (صحيح أبي داود 3307). فجميعهم يشتركون في الزعم بمعرفة الأمور و الاستدلال على ما يجري من الحوادث و الحالات بمقدمات يُستدل بها أو ظنون حدسية و تخمينات أو أسئلة بجوابها للتأثير على الناس. و ليس هناك علاقة بما يُسمى (العقل الباطن) وقضية تقدير وتدبير الحياة و معرفة الأمور غير الظاهرة و الغيبية، وغير ذلك من الأمور (المسببات كما يظن أصحابها) التي تستعمل لمعرفة الغيب و المغيبات و الأحوال و الأحداث والإخبار عما يحدث أو لشفاء الأمراض. كل ذلك يدخل في حكم أمور الكهانة المحظورة؛ لأن القلوب يجب أن تتعلق بالله خالقها و مدبرها الذي يملك الضرر والنفع والخير والشر وبيده الخير وهو على كل شيء قدير .
===============
الدعاة والبعد الزمني الغائب
بقلم : عبد الله المسلم
حين خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف ليبحث عن مجال أنسب وأخصب للدعوة، وفعل معه أهل الطائف ما فعلوا، وصف هذه الحال بقوله: (فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال: يا محمد! فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أُطْبق عليهم الأخشبين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً) (1).
لقد قال هذه المقالة عقب هذا الحدث وآثاره لمّا تزل بعدُ ماثلة، ولم يقلها وهو في جلسة تفكير هادئة.
والأمر نفسه نجده في سيرة نوح (عليه السلام) حين لبث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وحين دعا ربه على قومه قال: ((وَلا يَلِدُوا إلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً)) [نوح: 27]، إذ كان (عليه السلام) يؤمل بذريتهم وأولادهم، فلما يئس من هذه الذرية دعا ربه عليهم.
إن هذين الموقفين ليعطيان المسلم دلالة على البعد الزمني في تفكير الأنبياء (عليهم السلام) وتخطيطهم للدعوة، وهو بُعْدٌ تعاني الأمة اليوم من فقده كثيراً، إنه مرض ورثه بعض الدعاة والخيِّرين من عقلية المجتمعات الإسلامية التي لا تفكر إلا فيما تزرعه اليوم وتحصده في الغد وتأكله في اليوم الثالث.
ولقد كان من نتائج غياب البعد الزمني في تفكير الدعاة:
1- الابتعاد عن الأعمال المنتجة العميقة الأثر التي تحتاج إلى وقت وجهد للقيام بها، ولا تظهر آثارها في الزمن القريب، والعنايةُ أكثر بالأعمال سريعة الأثر وقريبة النتائج، وهي مهما علا شأنها لا يسوِّغ أن تكون ـ بحال ـ هي الميدان الوحيد الذي يفكر فيه الدعاة.
2- غياب الرؤية البعيدة والنظر الاستراتيجي العميق للواقع، وعدم دراسة المتغيرات التي تحكمه واتجاهاتها، مما يوقع المجتمعات الإسلامية أمام المفاجآت، ويحرمها من التوقع المسبق للمشكلات، ومن ثم الإعداد لها ومواجهتها، وذلك واجب ينبغي أن يقوم بأعبائه الدعاة إلى الله (عز وجل).
3- التسرع في التقويم، والحكم على كثير من الجهود الدعوية التي ربما لاتظهر آثارها في الزمن القريب المنظور، وترتب على ذلك اعتبار الابتلاءات التي تصيب الدعوة دلائل فشل وإخفاق، وافتراض ثبات الأوضاع القائمة بكل متغيراتها وظروفها.
إننا اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا، وإعطاء الأمور ما تستحقه من الوقت مما يؤمل معه أن تنتقل الدعوة إلى مواقع ومساحات كانت قد حرمت منها، وأن تتسع النظرة ويبعد الأفق.
إننا حين نتأمل شاباً مستجمع القوى والنشاط، يملك قدرات وخبرات، وحيوية وفتوة، ندرك أن عقدين من الزمان كانت على الأقل ـ هي فترة بنائه ـ توافر عليها عوامل ومؤثرات عدة لا يمكن أن ينفرد عامل منها في مسؤولية عن جانب واحد من جوانب شخصيته، فهل نحن نفكر اليوم ولو على الأقل على مدى عقدين من الزمان؟ فليت الذين عمرهم في الصحوة ربما يقصر عن هذه الفترة يدركون أن عمر الأجيال والمجتمعات لا يقارن بعمر الأفراد، فكيف، والأمر كذلك، نطالب المجتمعات بنضج في وقت ربما لا ينتظر فيه نضج فرد من الأفراد؟
وواقع المجتمعات الإسلامية اليوم لم يكن نتاج قفزة هائلة إنما هو نتاج عوامل عدة أثرت وساهمت مجتمعة في صياغته، يضاف إلى ذلك عشرات من السنين، فكيف يراد إصلاح هذا الواقع في سنيات عدة؟
الهوامش :
1) رواه البخاري، ح/3231، مسلم، ح/1795.
=============
تأملات في أسباب غياب البعد الزمني وآثاره
منصور طه الحاج آدم(2/21)
استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يحوِّل مجتمعاً كاملاً من جاهلية وشر وفرقة وشتات ودماء وتارات إلى مجتمع رشيد بقيم الحق معافيً يمثل قدوة في العالمين في فترة لا تتعدى ثلاثاً وعشرين سنة، وقد بدأ العد التصاعدي للدعوة النبوية ببزوغها والإيذان بها، وبدأ العد التنازلي لدعوة الكفر التي غدت تفقد كل يوم أرضاً وضَيْعةً من ضيعاتها، بينما كانت الجاهلية تسعى جاهدة لتطويق الدعوة وإماتتها في مهدها بشتى السبل والطرق؛ لمعرفتها ما يترتب من تحولات قادمة تحسب لها الحسابات عبر رصدها لتحركات النبي صلى الله عليه وسلم وجماعته، ولكنها أخفقت وخاب مسعاها؛ لأن الدعوة منصورة بالله، ثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمل بالأسباب الواجبة المقتضية لتحقيق تمكينها في الأرض.
ولأهل الباطل عداوات شديدة ورصد كبير لأهل الحق ودعاته، ولا يفتؤون يبذلون ما في وسعهم لضرب الدعوة وأهلها؛ مما يوجب عليهم ذلك نظراً بصيراً وتحركاً محكماً ينطلق من تقييم صحيح وسليم، وتعرُّف على مآلات الخير والشر ودرجات كل منهما، وكما يقال: "ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل من يعرف خير الخيْرين وشر الشرَّيْن" كما يوجب عليهم الإفادة من الزمن لتحقيق المفاجأة وتغيير موازين القوى؛ فإن عامل المفاجأة وتغيير الموازين في الصراع يستند إلى قدرة الجماعة على بذل طاقاتها مع اختزال للجهد والزمن بأقصى ما يمكن لتحقيق التفوق على الخصم؛ فإن صراع الجماعات والأمم صراع على أرضية الزمن، وكيفية كسبه وتحقيق أعظم إنجاز بأقل جهد وزمن، وهذا ما نلاحظه في دعوة النبوة: عظمة الإنجاز مع قلة الزمن.
وأمام أهل الحق جبهات ثلاث مفتوحة علمياً وعسكرياً وسياسياً من قِبَل التيارات الآتية:
1 - التيارات الكفرية والشركية.
2 - تيارات النفاق من العلمانيين والشيوعيين وغيرهم الذين يتلوَّنون بكل لون، ويدفعون كل راية حسب مقتضى الحال، ويكشفون عورات المسلمين.
3 - الفِرَق والجماعات الضالة الحديثة والقديمة في أصولها.
وتستخدم هذه التيارات هيئات متخصصة لدراسة ورصد القوى الإسلامية، وتعد خططاً ومناهج فكرية وسياسية وعسكرية لضربها وقطع الطريق أمام العودة الإسلامية الرشيدة للأمة؛ ومما تستخدمه من وسائل محاربة:
1- إفراغ محتوى دعوات الإصلاح بتحوير مناهجها ومقاصدها عبر الإسقاطات الفكرية المختصة.
2- التشويش الفكري والعقدي، والتشكيك في عقائد الإسلام ومنهجه.
3- إدخال الجماعات الإسلامية في معارك استنزافية فكرية وسياسية وعسكرية.
4- بث وتوسيع الخلافات الداخلية والاستفادة من وضعية التشرذم الداخلي.
5- إيجاد الشرعية لضربها وإنهائها، والتحرش بها عبر وصمها بالألقاب الآتية: الأصولية، الإرهاب، المتاجرين بالدين، أصحاب العاهات العقلية والنفسية.
6 - إضعاف السند والالتفاف الشعبي حول الدعوة - أو استخدام سياسة الاستفراد بالجماعات باستثمار أخطائها.
وفي مقابل هذه العداوات المرصودة وبكل شراسة ضد جماعات الدعوة الإسلامية نجد تشرذم البيت الإسلامي وانشغاله بقضايا بيئية، بينما الواقع المعاش لأمة الإسلام يلقي بأحمال وتبعات ثقيلة على دعاة الحق، وإنه لينوء بها من ينوء إلا ذوي العزائم وكبار النفوس المتوكلين على ربهم.
المطلوب:
1 - مرجعية علمية وعملية واحدة، أو معالجة أحوال النخبة:
من الاهتمامات الكبرى الضرورية في الدعوة المعاصرة تشكيل المرجعية العلمية والعملية الواحدة بمعالجة أحوال النخبة من علماء وطلبة علم ليمثلوا حالة الوحدة في المرجعية العلمية وضبط منهجية العمل الدعوي ومقاربتها في إصلاح الواقع في تصوره ومطالبه، وفقه التعامل والإنزال فيه، ومعالجته معالجة منهجية بعيداً عن الفوضى والارتجال العلمي والعملي التي يعاني منها الواقع الإسلامي المعاصر الذي أدى إلى ظهور تيارات مغالية أو مجافية، وبدون أفكار نشاز زادت من أزمة البيت الإسلامي؛ حيث انطلقت من رد فعل أزمة الواقع واتساع مطالبه وفقدان المرجعية الموجهة والضابطة علماً وعملاً. إن توحيد أو مقاربة المرجعية العلمية القائدة هي نقطة أولى لرأب الصدع وتوحيد الجهود.
2 - مراجعات منهجية في العلم والعمل:
مما يؤدي إلى سلامة مسلك الدعوة في أقوالها وأفعالها تحريرُ منهاجها على قواعد وضوابط وأصول أهل السنة والجماعة: العلمية والعملية، ثم يتبع ذلك مراجعات منهجية في جانب العلم والتصور والفهم؛ لئلا يحيد عن الوسط ويصاب بعاديات البدع والانحراف؛ فإن الأصول ربما تكون سليمة ولكن تعتري العلة بعض الجوانب أو بعض المسائل التي توجب فتنة للاختلاف والشقاق فيها، وقد تكون تلك من الآثار التي عبر عنها ابن تيمية - رحمه الله تعالى - نتيجة المعصية، وهي: خفاء الحق عند أقوام أو أحوال ومواطن فيضيِّقوا ما وسَّع الشارع، أو يتوسطوا فيما ضيَّق فيه من الحرام، ولاشتباه الحق بالباطل تقع الفتن(1).
فلا بد إذاً من تنقية المنهج العلمي وتصحيح المسلك العملي ومراجعته ليكون على مشروعية صحيحة، كما أنه يجب أن نستوعب قواعد السياسة الشرعية وأصولها في النظر إلى الوضع القائم وتقييمه، وفي ضبط مسلك الدعوة في الواقع المحيط بمختلف مكوناته العضوية والعلمية والفكرية دوراً وموقفاً نتوخى في ذلك كله جلب كل صلاح مستطاع ودرء كل فساد مقدور عليه، ولنؤمِّن طريق الدعوة من المعارك الاستنزافية التي يكيد بها الخصماء، والتي تفقد فيها كثيراً من القدرات والطاقات، وتهدم فيها المكتسبات.
3 - تجديد خطاب الدعوة المعاصرة وإصلاحه:
الذي يتابع خطاب النبوة في عصر الدعوة الأول يرى تنوعه وتطوره بحسب المراحل التي تمر بها الجماعة والمطالب التي تقتضيها المرحلة؛ فالخطاب في مكة غير الخطاب الموجه في المدينة، والخطاب في المدينة ممتد عن الخطاب الموجه في مكة تفصيلاً وتوضيحاً وإضافة(2).
والواقع المعاصر أشد حاجة إلى هذا التنوع والمرحلية في الخطاب لتلبية حاجات المرحلة ومطالب الواقع في الأعيان والأحداث والأحوال تنوعاً ينتظم تحت دائرة كلية واحدة يقتضي بعضها بعضاً وتتضافر فيها المفاهيم في مسلك واحد ولتحقيق غاية واحدة وهي تحقيق العبودية لله. إن تجديد أساليب الخطاب المعاصرة وإصلاحها لتعالج قضايا الأمة وفق منظور شرعي واستراتيجية عملية ناضجة ضرورة لتحقيق التغيير الإسلامي المنشود، وإن أشد ما يعاني منه الواقع الدعوي المعاصر ذلك الخطاب الذي يعرض صورة منحرفة أو جزئية ناقصة أو سطحية تنطلق من رأي هذا أو ذاك، أو فهم هذا أو ذاك مقدماً على الحق كما أن الخطاب الذي اقتصر على مرحلة أو جزئية معينة وثباته حولها عامل من عوامل الشلل الدعوي، وهو ما يفسر موت كثير من الأنشطة الدعوية المعاصرة وتجاوز الزمن لها.
4 - بناء الكفاءات والقدرات:
إن مراعاة البعد الزمني للدعوة تتطلب الإعداد الضروري الذي يؤهل للوصول إلى المستقبل المُستَشْرَف، وكل مرحلة وطور لها متطلباتها ووسائلها التي ينبغي الإعداد لها، وكل مرحلة تؤدي إلى الأخرى في تتابع وانتظام ثابت؛ فالذي يجب أن يرافق الاستشراف المستقبلي إعداد وتطوير الوسائل والإمكانات والقدرات التي تشكل ذلك المستقبل المتطور وتصوغه.(2/22)
إن كثيراً من الفروض العامة غائبة لغياب المؤهلين الذين يقومون بها مما أقعد الأمة عن ممارسة دورها الحضاري، وهذا لا يُعفي العاجزين عن أدائها، بل يُلزمهم أمراً آخر وهو تهيئة القادرين عليها ودفعهم لإتقانها(3)؛ فإن الأفراد قد جُبِلتْ فيهم خَلْقاً مختلفُ القدرات والإمكانات الذاتية التي يُسِّروا لها (فكل ميسر لما خلق له) فإما أن تموت فيهم، وإما أن تحيا فيهم فيكون لها دورها في حياتهم وفي حياة أمتهم؛ فلذلك لا بد من العناية بالتنشئة السليمة لناشئة الإسلام التي تُخرج فيهم كوامن القدرات والطاقات، وتسعى إلى بنائها وتطويرها، وتدفع بكل واحد إلى ما هيئ له بوفور القدرة عليه ليحوز العلوم والآداب التي تناسب ما هو ناهض به، وإن تأهل لغيره أُعِينَ عليه.
إن الدعوة الإسلامية المعاصرة تفتقر إلى كثير من القدرات والمؤهلات والبناء الداخلي المؤسس، مما يؤدي إلى ثغرات وعوامل ضعف فيها في المرحلة الراهنة، وتلك القدرات هي أهم ما تفتقر إليه القيادات الدعوية الرشيدة التي تملك قدرة التأثير وزمام المبادرة في القيادة والإصلاح والتربية. ومما يؤخذ على الجماعات الإسلامية المعاصرة عندما تخوض المعترك السياسي أو المعترك العسكري أنها تضعف أو تشل قدرتها في التربية والإصلاح، وتتناقص عضويتها الصفوية، وتتحول إلى تيارات شعبية عامة، مما ينحرف بمسارها وتتحول أهدافها وتفقد هويتها.
وأخيراً:
هل يعي دعاة الحق ويتفهمون تحديات الواقع وينهضون قياماً بالواجب وإصلاحاً في الأرض؟ إن القيادات والدعاة الربانيين هم أدلاَّء الخير وقادة الإصلاح، تعلو بهم راية الحق وتبطل بهم رايات الباطل، والأرض الإسلامية عموماً خصبة تنبت ما يزرع فيها نبتاً صالحاً، وقد توارت كثير من رايات الباطل إما زوالاً وإما كيداً خفياً من وراء الشعارات الإسلامية. وإن كانت الأرض مهيأة لقبول ما يزرع فيها فثمة تحدٍّ يتمثل في فقدان دعاة الحق؛ وهي حال قد تدفع بالتيار العام للانحراف وراء دعوات خبيثة أو إمامات ضعيفة ناقصة تؤدي إلى فتنة داخلية؛ فإن ما يلحظ أن كثيراً من التيارات المتغربة التي تلبس لبوس الإسلام وأخرى باطنية خبيثة لها مبادراتها وطروحاتها وأفكارها تعالج بها كثيراً من قضايا الواقع وتنتج كمًّا هائلاً من الفكر مما يلقي بثقله على أصحاب الحق من الواجبات العظيمة التي تنوء دونها الجبال.
إن تعقُّد الواقع وامتداداته الداخلية والخارجية تستوجب من أهل الدعوة أن يكونوا في مستوى المطالب والمقاصد فهماً وهمة وإصلاحاً وعملاً وتضحية وتخطيطاً وتنظيماً للجهود والطاقات؛ فإن إصلاح الأمة إنما يتم بجهاد وحركة علمية ناضجة ونشطة تجدد ما اندرس من معالم النبوة وآثارها، وتبعث مناهج السلف وأصولهم وهديهم علماً وعملاً وممارسة وسلوكاً. ومن الله وحده العون وعليه التكلان.
__________
(1) يراجع الفتاوي، 14/ 147.
(2) يراجع الفتاوي، 15/159، والموافقات 2/62.
(3) الموافقات، 1/121.
=============
البعد الزمني الغائب
المحتويات
توطئة
مظاهر لغياب البعد الزمني في تفكيرنا
في حياتنا الاجتماعية
وفي مشاريعنا الشخصية
في علاج المشكلات
في المشروعات الإصلاحية
العوامل التي أدت إلى غياب البعد الزمني
العامل الأول: العجلة من طبيعة الإنسان
العامل الثاني: ضغط الواقع
العامل الثالث: التربية
لما ذا نحتاج إلى البعد الزمني؟
نصوص القرآن الكريم
نصوص السيرة النبوية
سير الأنبياء
هكذا سنة الله في المجتمعات
البعد الزمني يتيح لنا التعامل مع متغيرات عدة
الواقع المعاصر لم يكن وليد لحظة
آثار غياب البعد الزمني
أولاً: الابتعاد عن الأعمال المنتجة العميقة الأثر
ثانياً: غياب الرؤية البعيدة والنظر العميق للواقع
ثالثاً:غياب الأولويات
رابعاً: الاتجاه لأعمال غير منتجة
خامساً: التسرع في التقييم
توطئة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله, أما بعد:
في صحراء مكة, التي كانت تلفح بالحر الشديد، كان هناك شابٌ لا يزال دون العشرين من عمره, آمن بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم واستجاب لها، وحينها لاقى ما لاقاه إخوانه من التعذيب والأذى الذي بلغ حداً لا يطاق, فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاكياً له من سيِّده الذي كان يتفنن في تعذيبه وإيذائه, يروي لنا القصة صاحبها رضي الله عنه وهو خبّاب بن الأرت, حيث جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة, فقال له: ألا تدعو الله لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ قال: فقعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو محمرّ وجهه ثم قال: "لقد كان من كان قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه, ما يصده ذلك عن دينه, والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون"( أخرجه البخاري رقم(6943)).
فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يخاطب هذا الشاب الذي ربما كان الاستعجال لديه شعوراً نفسياً، فهو لم يكن طائشاً أو متهوراً رضي الله عنه, وإنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يدعو ربه أن ينصرهم ويكشف عنهم الضر، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم لمس من نفس خبّاب رضي الله عنه استبطاء النصر, ولمس منه قدراً من الاستعجال، فوجه له هذا الخطاب, ولو عرفنا ما لقيه خبّاب لشعرنا أنه معذور في هذا الموقف, فإنه حين أسلم كان قيِّناً للعاص بن وائل, وكان العاص جباراً متسلطاً, فكان يعذبه أشد العذاب, حتى إن كتب السيرة تروي لنا أنه كان يشعل الجمر فيرميه على ظهره حتى لا يطفئ الجمر إلا ودك ظهره رضي الله عنه, وكان لا يزال شابا يانعاً (رواه أبو نعيم في الحلية"1/143-144"، وابن سعد في الطبقات "3/165").
دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته فقال له عمر: "اجلس فما أحق بهذا المجلس منك إلا عمار", وذلك لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تأخر إسلامه فكان يعتقد أن ما لقيه خبّاب أقل مما لقيه عمار رضي الله عنهم جميعا, فكشف له خبّاب رضي الله عنه ظهره فأراه آثار التعذيب التي لا زالت باقيةً على جسده إلى وقت خلافة عمر رضي الله عنه (رواه ابن ماجه"153").
وحين مرَّ عليٌّ رضي الله عنه بقبر خبّاب، بكى وقال: رحم الله خباباً أسلم راغباً وهاجر طائعاً وعاش مجاهداً وابتليَ في جسمه أحوالاً ولن يضيع الله أجره (الإصابة"1/416") .
إن من يتأمل ذلك الموقف الذي كان يعيشه خبّاب بن الأرت رضي الله عنه يدرك أن هناك ثمة مبرر حين يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه أن يسأل الله النصر وهذا الأمر ليس فيه- فيما يبدو لنا - استعجال, لكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بنفس صاحبه أراد أن يربي عنده هذا المعنى.
إننا حين نريد الحديث عن الاستعجال فإنه قد يطول بنا الحديث، لكننا سنتناول جانباً من جوانب الاستعجال, ألا وهو غياب البعد الزمني.
وغياب البعد الزمني مشكلة في التفكير قبل أن تكون في المواقف والعمل؛ فالمواقف والعمل نتيجة لقرار وتصور يرسمه الإنسان.(2/23)
إننا نعاني من فقدان هذا البعد في تفكيرنا حيث إننا أسرى اللحظة الحاضرة, ننظر دائماً إلى ما تحت قدمينا, ولا ننظر النظرة البعيدة, وتظهر آثار هذه النظرة ونتائجها في أقوالنا, ومواقفنا, وأعمالنا.
إنك لو أردت أن تزرع بقلة من البقول فسوف تنتظر ثمرتها عن قريب, لكنك حين تزرع شجرة زيتون فلا يمكن أن تنتظر ثمرتها قريباً, لأنك تعرف أنها تحتاج إلى مدة زمنية حتى تكبُر ثم تثمر, وهكذا سنة الله في الحياة.
إذا كان هذا الأمر في عالمنا المادي القريب فما بالك بما هو أبعد؟
مظاهر لغياب البعد الزمني في تفكيرنا
يغيب البعد الزمني في تفكيرنا ومن مظاهر ذلك:
في حياتنا الاجتماعية
لو قابلت إنساناً تتمنى أن تكرمه, فدعوته إلى منزلك ثم قال لك: لا أستطيع اليوم, ليكن بعد غد, أو قال: لا أستطيع أن آتيك إلا بعد أسبوع أو أسبوعين, فإنك ستستبطئ الموعد, فكيف إذا قال لك: لا أستطيع أن آتيك إلا بعد شهر أو شهرين.
وفي مشاريعنا الشخصية
في مشاريعنا الشخصية كثيراً ما نخطط ونتطلع إلى مدىً زمنيٍّ محدود قريب، قد يحتاج الإنسان إلى أن يفكر إلى ما بعد عشر سنوات أو عشرين سنة -إن أحياه الله عز وجل- فيرسم له صورة وهدفاً يريد أن يصل إليه, ويبدأ الآن وأمامه هذه المدة, لكن هذا الأمر يغيب كثيراً عما نخططه لأنفسنا.
في علاج المشكلات
كلنا نعاني من مشكلات في أنفسنا, فقد أعاني من مشكلة تتمثل في سيطرة عادة سيئة عليّ - أياً كانت هذه العادة -, أو هب أني إنسان سريع الغضب, أو لا أجيد التعامل مع الآخرين أو أني قليل الصبر أو عجل أو كسول, أي صفة سيئة أعاني منها, ثم اكتشفت هذه المشكلة في نفسي, فكيف أعالجها ؟
إن القضية ليست قضية معرفية وليست مجرد أن أعرف أن هذا السلوك غير صحيح حتى أتجنبه, وإنما أحتاج إلى جهد حتى أعود وأروض نفسي على أن أتجاوز هذه السلبيات.
بالأمس القريب (البارحة) كانت تحدثني فتاة تعاني من مشكلة مع والدتها, تقول: إنها تسئ التعامل مع والدتها، حيث تنفعل وتسئ لوالدتها ثم تتضايق كثيراً حتى إنها تستيقظ في الليل ثم تبكي عند والدتها وتعتذر منها, وتلح عليها بالسؤال أنها إذا سئلت يوم القيامة هل كانت ابنتها بارة بها أم عاقة؟ فما ذا تجيب؟ لكنها لا تلبث أن تعود إلى ما كانت عليه.
وكانت تقول: إنني لا يمكن أن أغيِّر ما أنا عليه أبداً!! فحاولت إقناعها فعجزت.
فقلت لها: أليس لك رغبة في التغيير؟
قالت: ليس عندي رغبة في التغيير.
قلت: لماذا اتصلت عليَّ إذن، وما هو السبب, فترددت قليلاً.
فقلت لها: دعيني أجيب عنكِ, إنك تعتقدين أنني قد أساعدك على حل هذه المشكلة فلذا اتصلت تعرضين عليَّ وتتحدثين عن قضية خاصة في حياتك الشخصية وتستشيريني فيها، وأنت تؤملين أن تجدي مني حلاً يمكن أن يساعدك على تجاوز هذه المشكلة.
أليس هذا هو دافع الاتصال؟
قالت: نعم.
قلت: إذاً هناك شعور ورغبة في التغيير.
قالت: إنني حاولت لسنوات طويلة ولم أتخلص من هذه العادة.
فسألت سؤالاً - وأتمنى أن يكون هذا السؤال قاعدة لنا في التعامل مع مشكلاتنا- هل الإنسان خرج من بطن أمه بهذه السلوكيات أم أنه اكتسبها؟
فأجابت: لا شك أنه اكتسبها، ولكن قد يكون وراثة.
قلت: ما يتعلق بوراثة السلوك جزء كبير منها نتاج تربية أكثر من أن تكون قضية وراثية فحسب، فليست القضية متعلقة بالجينات وأن هذا السلوك صار جزءاً من دم الإنسان, ولكن هب أنني ولدت مثلاً من أب يتصف بصفة من الصفات, فتربيت في أحضانه وعشت في هذا الجو، فمن الطبيعي أن أرث هذه الصفة، وإنما ورثتها تربية وتأثراً وليس بالضرورة أنني ورثتها يوم أن ولدت.
فالسلوك الذي نملكه أمر اكتسبناه, وما دمنا اكتسبناه وتعودنا عليه فيمكننا منطقياً أن نتعود على خلافه, لكننا نريد أن نحل مشكلاتنا في وقت قصير لا يمكن أن تحل فيه.
في المشروعات الإصلاحية
حينما نفكر في مشروعات إصلاحية على مستوى مجتمعاتنا إلى أي مدى تقف نظرتنا؟!
إننا دوما ندور في إطار محدود وقريب، لا نفكر في مشروعات على مدى عشر سنين أو عشرين سنة، فضلا عن أن نفكر فيما بعد جيلنا, إننا إذا كنا نعرف سنة الله في المجتمعات، وكيف تتغير، فالمفترض أن تكون مشروعاتنا الإصلاحية تهيئ للجيل اللاحق.
إننا نريد أن تصلح هذه المجتمعات التي نعيش فيها ما بين عشية وضحاها؛ ولهذا يسيطر علينا دوماً الخطاب العاطفي والحماسي, و هو الذي يستهوينا كثيراً ونطرب لسماعه، وهو الذي نشعر أنه يسهم في إصلاح مجتمعاتنا.
إن الخطاب العاطفي المتزن مطلوب ولابد منه، وقد يحل مشكلات معينة؛ لكن لا يمكن أن يغير في المجتمعات, فمشروع إعادة بناء الأمة لا يكفي فيه خطاب يطالب الناس بالتوبة والرجوع إلى الله، وإن كان مطلوباً ولابد منه ويسد ثغرة.
ومن خلاله وحده لا يمكن أن نغير قيم الناس وطريقة تفكيرهم، ولا يمكن أن نواجه التيار الوافد الذي يهاجم الناس, ولا يمكن أن نربي الناس تربية متكاملة.
فالبعد الزمني نفقده كثيراً في تفكيرنا, وفي حياتنا الاجتماعية, ومشاريعنا الشخصية وكذا الإصلاحية التي نسعى إليها في مجتمعاتنا.
العوامل التي أدت إلى غياب البعد الزمني
هذه الطريقة في التفكير تولدت من خلال عوامل عدة لن أستطرد فيها - لأن ما بعدها من نقاط أولى بالحديث - لكني أشير إليها باختصار شديد.
العامل الأول: العجلة من طبيعة الإنسان
أن من طبيعة الإنسان العجلة كما جاء في كلام الله عز وجل (خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَل) [الأنبياء:37]. والله تعالى هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بهم، لكن هذا لا يعني الاستسلام وعدم التخلص من العجلة؛ فقول الله عز وجل: (إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج:19] لا يعني الإقرار لأن نتصف بالهلع.
العامل الثاني: ضغط الواقع
لواقع السيئ يشكل ضغطاً قوياً، فالإنسان الذي يحمل الغيرة في قلبه ويريد التغيير، يتضايق من هذا الواقع وما يراه فيه، وكل يوم يجد أمامه متغيرات وأوضاع سيئة جديدة, فلا يطيق ولا يصبر.
ويزيد من حدة ذلك الخطاب العاطفي السائد، فيبحث الإنسان حينئذ عن حلول قريبة، فإذا حدثته عن مشاريع لها بعدٌ زمني يراها الجيل الذي بعده، فلن يستوعب هذا الكلام بل لا يتلاءم مع الشعور الذي يحترق في داخله.
العامل الثالث: التربية
إن طريقة التربية التي تعودنا عليها وطريقة تفكيرنا هي التي غرست عندنا هذا النمط من النظرة القريبة المتعجلة، فتفكيرنا دائماً بسيط محدود، والعمق في تفكيرنا غائب سواء على مستوى العمق في الأفكار أو على مستوى العمق في المدى الزمني, ولأجل ذلك ولَّد عندنا هذه النظرة.
يستحيل أن يتخلص الإنسان من العجلة نهائياً, لكن المؤمل من الناس الذين يتطلعون للإصلاح في المجتمعات أن يعيدوا النظر في مدى تلاؤم نظرتهم للمدى الزمني مع الواقع, وهل هم يعطون مشروعاتهم الإصلاحية المدى الزمني الذي يتلاءم معها أم لا ؟!
لما ذا نحتاج إلى البعد الزمني؟
حين نطالب بأن يأخذ البعد الزمني مداه المناسب في تفكيرنا فإن الذي يدفعنا لذلك أمور عدة، منها:
نصوص القرآن الكريم
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأنبياء: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ)[الأنبياء:36] يخبر الله في هذه الآية عن الكفار أنهم كانوا إذا لقوا النبي صلى الله عليه وسلم استهزءوا به وسخروا منه.(2/24)
ثم يقول الله عز وجل في الآية التي تليها: (خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ)[الأنبياء:37] .
فكأن الإنسان يتساءل ما دام أن الكفار يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسخرون به فلماذا لم يعذبوا؟ ولماذا لم ينزل عليهم العذاب؟
وقال تعالى: (ألم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)[الروم:1-5] .
فكأن اللحظة قريبة، فاليوم ينتصر الفرس على الروم، وسيغلب الروم فيما بعد، ثم هذه أمارة بنصر المسلمين.
ثم يقول الله عز وجل (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم:7،6]
نصوص السيرة النبوية
وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نلمس هذا واضحاً, بل يبدو في الموطن التي تبعث على اليأس, لقد لقي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة من العذاب ما لا يطاق؛ حتى ذهب يبحث عن موطن لدعوته، فرحل إلى الطائف, وحين رحل إلى الطائف لقي الصدود والإعراض من أهل الطائف ولم يستجيبوا له - وكان يوم الطائف من أشد ما لقي صلى الله عليه وسلم, كما أجاب بذلك عائشة حين سألته. فخرج مهموماً ولم يستفق إلا وهو بقرن الثعالب - مكان بين مكة والطائف- فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله قد سمع ما قال قومك لك, وهذا ملك الجبال فمره بما شئت, فقال: لو شئتَ لأطبقتُ عليهم الأخشبين - جبلين في مكة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا, لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عز وجل" (أخرجه البخاري "3231" ومسلم "1795").
إن نظرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تقف متفائلة مع هذا الجيل فحسب؛ بل إنه ينتظر أن يخرج من أصلاب هؤلاء من يعبد الله عز وجل, وبعبارة أخرى كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر الجيل القادم, مع أنه في موقف يبعث على اليأس.
وفي هجرته صلى الله عليه وسلم - وأخبارها لا تخفى - وكيف خرج صلى الله عليه وسلم واختفى في الغار، فجعل المشركون جائزة عظيمة لمن يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حياً أو ميتاً, فلحقه سراقة بن مالك ثم كان ما كان بينه والنبي صلى الله عليه وسلم من حوار حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ (الإصابة"2/19"، الاستيعاب "2/120") .
وفي غزوة الأحزاب وكان المسلمون محاصرين لا يستطيع أحدهم أن يذهب لقضاء حاجته منفرداً من الخوف، يعدهم صلى الله عليه وسلم بقصور الشام وفارس واليمن؛ عن البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق قال وعرض لنا صخرة في مكان من الخندق لا تأخذ فيها المعاول، قال: فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم هبط إلى الصخرة فأخذ المعول فقال:"بسم الله" فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر وقال:"الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا" ثم قال:"بسم الله" وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر فقال:"الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا" ثم قال:"بسم الله" وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر فقال:"الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا" (رواه أحمد "18219")
وجاء عدي بن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"هل تعلم مكان الحيرة؟" قال قلت: قد سمعت بها ولم آتها، قال:"لتوشكن الظعينة أن تخرج منها بغير جوار حتى تطوف" (رواه أحمد18888).
سير الأنبياء
يقول الله عز وجل مخبراً عن النصر وتنزله على رسله: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ )[يوسف:110].
ولنقرأ شيئاً من العبر في قصص الأنبياء.
حين دعا نوح عليه السلام على قومه قال في دعائه: (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً) [نوح:27]، لقد كان يؤمل في أولادهم أن يستجيبوا، فكان نظره يتجاوز جيله الذي يعيش فبه، ولم يدع على قومه إلا حين علم أن الأمل قد انقطع من أولادهم.
وفي قصة موسى عليه السلام يقول الله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص:4-6].
هنا يتحدث القرآن عن بطش فرعون وعلوه ثم يقول الله عز وجل: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[القصص:5] فيولد موسى, وينشأ في بيت فرعون ويشب, ثم يخرج إلى مدين ويبقى فيها يرعى الغنم عشر حجج أو ثمان, حتى يبلغ بعد ذلك أشده، ثم يأتيه الوحي، ويعود بعد ذلك إلى فرعون, وكل هذا إتماماً لهذا الوعد.
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[القصص:5].
ويبدأ تقدير الله من هنا منذ أن ولد موسى عليه السلام وهو طفل رضيع إلى أن ذهب وتربى هناك وبقي يرعى الغنم, وفرعون لا يزال يبطش ويتجبر ويذبح الأبناء حتى مضى جيل بعد ذلك ثم أتى موسى, وأتم الله عز وجل لبني إسرائيل ما وعدهم .
ويوسف عليه السلام رأى رؤياً وهو لا يزال صغيراً (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[يوسف:5،4].
ثم طال الوقت وكاد به إخوانه, ورموه في الجب, وذهب إلى بيت العزيز, وبقي فيه وقتاً, ثم سجن, ثم بقي على خزائن الأرض سبعاً وسبعاً, ثم جاءه بعد ذلك يعقوب وأهله وخروا له سجداً فقال: (يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً)[يوسف:100].
وتبقى هذه الأمور في عمر الزمن أمراً محدوداً لا يساوي شيئاً.
هكذا سنة الله في المجتمعات
لو رأيت رجلاً مكتمل الرجولة, يمتلئ حيوية ونشاطاً، فأنت تعرف أنه كان يوماً من الأيام رضيعاً لا يستطيع أن يأكل الطعام بنفسه, ولا يستطيع أن يقوم أو يعبر عما في نفسه, لا يعرف لغة إلا البكاء, فينمو وينمو من خلال وقت طويل وزمن؛ حتى يصبح كما تراه أمامك رجلاً جلداً قوياً.
إذا كان هذا في عمر الأفراد فكيف في عمر المجتمعات؟
عمر الأفراد لا يقاس بعمر المجتمعات أبداً, وإذا كنت ترى التغير في عمر الفرد فما تراه في المجتمع يحتاج إلى أضعاف ذلك الوقت بكثير.
لكننا حين نريد أن نغير في المجتمعات، فإننا في الواقع لا نتعامل معها بأعمار الأفراد فضلاً عن أعمار المجتمعات.
البعد الزمني يتيح لنا التعامل مع متغيرات عدة(2/25)
إن طول المدى الزمني يتيح لنا أن نتعامل مع متغيرات عديدة لا تتيحها لنا النظرة القريبة, فحينما نريد أن نقيم مشروعاً دعوياً, سنجد أنه يحتاج إلى جهود إصلاحية ومشاريع إعلامية متميزة, ويحتاج إلى مدارس متميزة وعلماء, فإذا كنا سنعمل على مدىً زمني بعيد فبإمكاننا حينئذ أن تدخل كل هذه المتغيرات.
حين نحتاج إلى إعلام إسلامي ولانملك مختصين يمكن أن نوجه عدداً من الخريجين فيتخصصوا تخصصات إعلامية ، وبعد سنوات سنملك عدداً يمكن ان يُدرّبوا غيرهم ، وهكذا في سائر التخصصات .
المؤسسة التجارية التي تستهدف تحقيق ربح, وحضور في السوق التجاري, لا يمكن أن تربح بين يوم وليلة, فهذه المؤسسة وإن كانت تملك عاملين لهم ولاء خاص للمؤسسة؛ لكن ضعف المهارة في التسويق وضعف الخبرة الإدارية سيؤثر على إنتاجهم، وسيؤثر على موقع هذه الشركة في ظل هذا السوق الذي هو تسود فيه حمى التنافس.
فإذا كان صاحب الشركة يفكر على مدى بعيد فإنه سيدرب هؤلاء كل على حسب حاجته فمن كان يحتاج إلى لغة أُعطي دورات في اللغة، ومن كان يحتاج أن يتدرب على الحاسب الآلي دُرِّب عليه، أو مهارات علاقات عامة أو تسويق أو استقطاب أفراد عملاء, إنه حين يفكر على مدى عشر سنوات أو أكثر فإنه سيستطيع أن يوجد طاقات، وتكون أمامه متغيرات عديدة يستطيع أن يتحرك من خلالها، خلافا لما لو كان ينظر إلى اللحظة الحاضرة.
الواقع المعاصر لم يكن وليد لحظة
إن الواقع الذي نعيشه اليوم وهو واقع غير مرضٍ, ويحتاج إلى إصلاح وتغيير، ليس هو نتاج حدث عابر أو عامل واحد.
إنك لو سألت طائفة من الناس: ما سبب تخلف المسلمين؟ فسوف تجد إجابات متعددة، وكل إجابة لها ما يؤيدها من الواقع، لقد اجتمع هذا العامل والثاني والثالث مع العامل الزمني فأدى إلى تخلف المسلمين, فالتغير إنما حصل من خلال عوامل وأثر تراكمي, ومن خلال فترة زمنية طويلة.
وحين نريد إصلاح هذا التغير الذي تم خلال عقود متطاولة، ونتاج عوامل عدة، فلا يمكن أن يتحقق ذلك في فترة محدودة، وليس حتما أن نعطي مشروع الإصلاح المدى الزمني الذي استغرقه مشروع الفساد والتغيير، ولكن على الأقل أن يتناسب معه.
فالمفاهيم والقيم المنحرفة السائدة لدى المسلمين لم تأت مرة واحدة، ولم تكن نتاج فيلم شاهده الناس فغير حياتهم, أو موقفا رأوه في السوق والشارع.
دعوني أضرب لكم مثالاً:
من القيم السائدة اليوم في مجتمعات المسلمين بين الشباب المراهقين والفتيات المراهقات أن الشاب أو الفتاة حينما يصل إلى مرحلة المراهقة لا بد أن يخوض تجربة يسميها "تجربة الحب" مع طرف آخر، وتبدأ هذه القصة ثم تمتد على علاقات عاطفية، وفي النهاية تكون هي نواة مشروع الزواج.
شعور الإنسان بالحب في قلبه أمر لا يلام عليه ، لكن الملامة أن تصبح مشروعاً من مشاريع الإنسان حينما يصل إلى هذه السن، فيظن أنه لا بد أن يحب فتاةً ثم يبني علاقة معها, وقطعاً سيقعون في أمور محرمة لما يحصل بينهم خلوة وغيرها.
هذا السلوك اليوم أصبح سلوكاً طبيعياً عند الشباب والفتيات لا يشعرون تجاه بأي تأنيب للضمير.
هذه القيم السائدة في أوساط شباب وفتيات المسلمين لم تنشأ من خلال قراءة لرواية أو رؤية فيلم, بل من خلال أثر تراكمي طويل، بمجموعة أفلام يشاهدها في الإعلام، أو روايات وقصص يقرأها, أو أحاديث لزملائه وزميلاته, فلما اجتمعت هذه الأمور ولدت هذا التأثير التراكمي الذي استقر وشكل هذه القيمة.
فهل يمكن أن تتغير هذه القيم من خلال جمع مجموعة من الشباب وإخبارهم أن هذا السلوك خطأ ويجب تركه ؟
فإذا كنا نريد أن نصلح ونغير، فلا يشترط أن نعطي نفس المدى الزمني ونفس الزخم والمؤثرات, لكن على الأقل نحتاج إلى تنويع وسائل التأثير ونحتاج إلى مدى زمني يتناسب مع زخم هذه العوامل التي أدت إلى هذا الواقع.
آثار غياب البعد الزمني
حينما يغيب البعد الزمني في تفكيرنا, ولا ننظر إلا إلى اللحظة القريبة فإننا سنجني نتائج مرة وسيئة، نلحظها اليوم في الأنشطة الدعوية والمشروعات الإصلاحية القائمة في الأمة.
أولاً: الابتعاد عن الأعمال المنتجة العميقة الأثر
وذلك بالابتعاد والانصراف عن الأعمال تلك التي تحتاج إلى وقت وجهد في القيام بها, ولا تظهر آثارها في الزمن القريب، والاتجاه للاعتناء بالأعمال سريعة الأثر وقريبة النتائج.
فلو قيَّمت المشاريع الدعوية القائمة اليوم, لوجدت أن المشاريع التي تستهوي الشباب والناس عامة هي غالباً المشاريع التي يظهر أثرها قريباً.
فحينما تذهب إلى شباب يجلسون على الشاطئ أو على الأرصفة وتناصحهم ويستجيب لك واحد أو اثنان, أو حينما تذهب إلى مجموعة من الجاليات غير المسلمة وتدعوهم ويسلم واحد أو اثنان.., أو حينما تتحدث مع الناس حديثاً وعظياً مؤثراً ويستجيب لك الناس, هذه الأعمال - التي يكون أثرها سريعاً - هي التي تستهوينا كثيراً وتلقى رواجاً.
ونحن لا نعترض عليها بل لابد منها, وغيابها غير صحيح, لكنا نعترض على غياب المشروعات البعيدة الأثر في الأمة .
الأمة اليوم تحتاج إلى عمل إعلامي يتناسب مع الزخم الذي تواجهه.
المنتج الإعلامي - الدعوي - لا يزال محدوداً وضعيفاً وهشاً رغم العمر الطويل للصحوة الإسلامية، ومصدر ذلك ليس غياب الداعية الغيور، ولكن طريقة التفكير التي تريد العمل القريب الذي تلمس آثاره قريباً، والعمل الإعلامي يحتاج إلى أوقات ومتخصصين وخبرات لا تتاح في الزمن القريب.
مثال آخر: حين تصلي في أحد المساجد في رمضان يغلب أن تجد من يقف عند الأبواب لجمع التبرعات للمشاريع الدعوية, وهذه ظاهرة جيدة وصحية، لكن إلى متى يقتصر تمويل مشاريعنا الدعوية والإصلاحية على تبرعات الناس؟ لماذا لا يكون هناك تفكير في مشروعات استثمارية قوية تخدم الدعوة؟ وهذا لا شك أنه لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة، لأنه يحتاج إلى تدريب أناس متخصصين، وبذل جهود كبيرة، ووقت يطول على المتعجلين.
أين نحن من المشاريع الاجتماعية التي تستهدف تغييراً وإصلاحاً اجتماعياً؟ بل أين نحن من المشروعات التربوية حيث نعاني اليوم من مستوى تعليم ضعيف متخلف, وكذا نعاني من تربية هشة, وضعف في بناء الأسرة؟ إن ذلك كله لا يمكن أن يتم في زمن يتفق مع مدى تفكيرنا.
ثانياً: غياب الرؤية البعيدة والنظر العميق للواقع
من نتائج غياب البعد الزمني فقد الرؤية البعيدة، وغياب النظر العميق للواقع، وعدم دراسة المتغيرات التي تحكمه، وهذا يجعلنا دائماً نقع أمام مفاجآت ولا نتنبأ بالمشكلات التي تحصل في مجتمعاتنا، فضلا عن أن نفكر في الإعداد لها ومواجهتها بطريقة صحيحة.
حينما تدرس ظاهرة السفور, فهل ترى أنها بدأت حين ألقت النسوة المتمردات على شرع الله حجابهن في ميدان التحرير؟ أم أنه تلك الخطوة كانت تتويجا لتغير بدأ ينخر في المجتمع منذ عقود؟
إن هناك تغييرات هائلة تحصل في داخل المجتمع لا نبصرها بنظرتنا القاصرة, وإنما نصطدم أمام المفاجأة فحسب.
كاتب ينشر مقالاً يتهجم فيه على الحجاب, يولد لدينا ردة فعل جامحة، لكن أين نحن من التأثر والتغير البطيء ، ولماذا لا نلتفت إليه؟
وحتى حينما نحلل مشكلة من المشكلات, فإننا ننسبها إلى عوامل قريبة ومحدودة، وننسى الخلفية والأرضية التي هيأت لها.
وحين ننتقل إلى مستوى أعلى من ذلك فإنه يغيب كثيرا عن حديثنا أن ندرس العوامل التي تؤثر في المجتمع، وحركة التغيير فيه.
ومن باب أولى لا يمكن أن نتنبأ بما سيحصل في المستقبل.
ثالثاً:غياب الأولويات(2/26)
ثمة مشكلة في رعاية الأولويات في حياتنا, فالأمور الملحة تفرض نفسها علينا, فالطالب يشغله البحث حين يقترب موعد تسليمه، ويقل أن يبذل جهدا في وقت مبكر في مادة تصعب عليه.
وصاحب العمل التجاري يقدم الأمور المستعجلة, ويتناسى الأمور البعيدة وإن كانت أعظم أثراً، فيقدم إنجاز الصفقات العاجلة والعقود لأنها هي التي تلح عليه, أما تدريب العاملين والارتقاء بهم فلا تأخذ إلا حيزا محدودا من اهتمامه، مع أنه قد يكون أكثر أولوية من إنجاز هذه الصفقة أو هذا المشروع.
وقل مثل ذلك في شأن الدعاة والمصلحين، فكثيرا ما تشغلهم الأعمال الطارئة العاجلة عن الأعمال الأكثر تأثيراً.
فعند غياب الأولويات تصبح الأولوية للأعمال السريعة, خصوصاً أن الأعمال البنائية والإصلاحية لا تظهر آثارها قريباً, ولا تشكل ضغطاً مباشراً على صاحبها بخلاف الحدث الذي يزعجنا ونراه في لحظتنا، ولأجل ذلك تختلط عندنا معايير الأولويات.
رابعاً: الاتجاه لأعمال غير منتجة
لو أن إنساناً يطهو طعاماً يحتاج إلى ساعة كاملة، واستعجل إخراجه قبل أوان نضجه، فلن يهنأ بأكله ناضجاً، وقد لا يستطيع أن يعيده إلى قدره.
وهكذا الأعمال المتسرعة لا تحقق لصاحبها النتيجة، ولو عاد إلى الطريق الصحيح فسيرى أن تسرعه أفسد عليه الكثير.
حين يكتشف الأب لدى ولده مشكلة ما وهذه المشكلة ليست نتاج لحظة حاضرة بل هي نتاج عوامل عديدة، فإن العقوبة القاسية التي يسلكها لحلها قد لا تقف ثمرتها عند فشله في حل المشكلة، بل قد تتجاوز ذلك إلى تزيد المشكلة تعقيداً.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك اتجاه بعض الشباب الغيورين إلى أعمال العنف، إنه لا يطيق الواقع الذي يراه, فيقول: كيف نصبر والأمة تحكم بالباطل؟ كيف نصبر والمسلمون يهانون ويذلون؟
لا بد أن نغير هذا الواقع, والحل أن نحمل السلاح وسينصرنا الله عز وجل.
ولا شك أن الله ينصر عباده ولكن بأخذ أسباب النصر ومنها عدم الاستعجال كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (ولكنكم تستعجلون).
وهاهي أعمال العنف تجني على الأمة آثاراً وخيمة، بل لا تقف عند ذلك فتؤخر كثيراً من مشروعات الإصلاح وبرامج التغيير.
خامساً: التسرع في التقييم
حينما تكون نظرتنا قريبة, وأفقنا الزمني محدود, فإن هذا بلا شك سيؤثر على تقويمنا للأعمال, وسنقول: هذه الأعمال غير منتجة, وهذه الأعمال آثارها محدودة, نظراً لأننا نبحث عن الآثار القريبة التي تتناسب مع طريقة تفكيرنا المحدود, أما حينما ننظر إلى مدىً زمنيٍ أبعد فسوف نقيس هذه الأعمال ونقيمها بمعيار آخر.
هذه خواطر عاجلة خلاصتها أننا نعاني من غياب البعد الزمني في التفكير, وأننا دائماً ننظر إلى اللحظة الحاضرة ولا ننظر إلى المدى البعيد, وهذا يوقعنا في أخطاءٍ كثيرة، ويفوت علينا فرصاً عديدة وهو مصداق ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولكنكم تستعجلون) وهو خطاب ليس خاصاً لخبّاب رضي الله عنه بل للأمة كلها أجمع.
لا أريد أن أطيل عليكم وأثقل عليكم فأكتفي بهذا القدر وأسأل الله تبارك وتعالى أن يكون هذا اللقاء لقاءاً طيباً ومباركاً وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
البعرة تدل على البعير.. والأثر يدل على المسير
الكاتب: الشيخ أ.د.عبد الله قادري الأهدل
ما يقوم به الشيعة في العراق اليوم، ما هو إلا بعرة بعير هائج يعد العدة لاستئصال أهل السنة في البلدان الإسلامية المجاورة للعراق بعد سيطرتها عليه، وبخاصة دول الخليج الفارسي!!!!" الذي تثور ثائرة زعماء إيران إذا سمي فندق في إحدى الدول العربية الخليجية باسم "فندق الخليج العربي!" هذا الخليج الذي يطمح الشيعة إلى سيطرتهم عليه ورفع راية الحضارة الفارسية عليه وعلى كل شعوبه.
فما يجري في العراق من قبل الشيعة ليس هو ناتجا عن شيعة العراق وحدها، بل هو مخطط شامل من كل البلدان المجاورة وغير المجاورة للعراق بتنسيق وتعاون كامل بين جماعة هذه الطائفة الحاقدة على أهل السنة، وليس الهدف من مخططهم هذا هو العراق وحده، بل كل الدول العربية الخليجية وغيرها كذلك.
تقود هذه الجماعة دولة أرادت وأريد لها أن تتحالف مع بعض الدول المعادية للإسلام والمسلمين من اليهود والصليبيين، مع الإعلان الإعلامي المخادع الذي تظهره الأطراف الثلاثة، من الخصومة، فالقادة الأمريكيون ترتفع أصواتهم بالشكوى من التدخل الإيراني بالأسلحة والرجال، ولكنهم - في نفس الوقت - يقودون جحافل الشيعة من العراق وإيران لقتل أهل السنة في محافظاتهم ومدنهم وقراهم.
وهل سمع أحد في العالم أن رصاصة واحدة أطلقها الأمريكان في الحدود الشرقية للعراق التي يشكون من تدخل الإيرانيين منها؟!
وهل هذا التدخل الإيراني الذي يشكو منه الأمريكان يأتي من الحدود الغربية بدلا من الشرقية؟!، ألا إنها مخطط إيراني أمريكي يهودي، يجب أن يعيه أهل السنة دولا وشعوبا، فما يجري في العراق، ما هو إلا علامة يعبر عنها المثل العربي القائل: "البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير"
وأقول لكم يا أهل السنة في المنطقة كلها: {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله}
================
الدعاة والبعد الزمني الغائب
حين خرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى الطائف ليبحث عن مجال أنسب وأخصب للدعوة، وفعل معه أهل الطائف ما فعلوا، وصف صلى الله عليه و سلم هذه الحال بقوله:«فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم :بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»([1]).
لقد قال صلى الله عليه و سلم هذه المقالة عقب هذا الحدث وآثاره لما تزل بعد، ولم يقلها صلى الله عليه و سلم وهو في جلسة تفكير هادئة.
والأمر نفسه نجده في سيرة نوح عليه السلام حين لبث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وحين دعا ربه على قومه قال:((ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً))، إذ كان عليه السلام يؤمل بذريتهم وأولادهم، فلما يأس من هذه الذرية دعا ربه عليهم.
إن هذين الموقفين ليعطيان المسلم دلالة على البعد الزمني في تفكير الأنبياء وتخطيطهم للدعوة، وهو بعد تعاني الأمة اليوم من فقده كثيراً، إنه مرض ورثه بعض الدعاة والخيرين من عقلية المجتمعات الإسلامية التي لاتفكر إلا في ما تزرعه اليوم وتحصده في الغد وتأكله في اليوم الثالث.
ولقد كان من نتائج غياب البعد الزمني في تفكير الدعاة:
1 - الابتعاد عن الأعمال المنتجة العميقة الأثر والتي تحتاج إلى وقت وجهد في القيام بها، ولا تظهر آثارها في الزمن القريب، والعناية أكثر بالأعمال سريعة الأثر وقريبة النتائج، وهي مهما علا شأنها لا يسوغ أن تكون بحال هي الميدان الوحيد الذي يفكر فيه الدعاة.(2/27)
2 - غياب الرؤية البعيدة والنظر الاستراتيجي العميق للواقع، وعدم دراسة المتغيرات التي تحكمه واتجاهاتها، مما يوقع المجتمعات الإسلامية أمام المفاجآت، ويحرمها من التنبؤ المسبق بالمشكلات، ومن ثم الإعداد لها ومواجهتها، وذلك واجب ينبغي أن يقوم بأعبائه الدعاة إلى الله عز وجل.
3 - التسرع في التقويم والحكم على كثير من الجهود الدعوية التي ربما لا تظهر آثارها في الزمن القريب المنظور، وترتب على ذلك اعتبار الابتلاءات التي تصيب الدعوة دلائل فشل وإخفاق، وافتراض ثبات الأوضاع القائمة بكل متغيراتها وظروفها.
إننا اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا، وإعطاء الأمور وقتها الذي تستحقه مما يؤمل معه أن تنتقل الدعوة إلى مواقع ومساحات كانت قد حرمت منها، وأن تتسع النظرة ويبعد الأفق.
إننا حين نتأمل شاباً مستجمع القوى والنشاط، يملك قدرات وخبرات، وحيوية وفتوة، ندرك أن عقدين من الزمان كانت على الأقل هي فترة بنائه توافر عليها عوامل ومؤثرات عدة لا يمكن أن ينفرد عامل منها في مسؤولية عن جانب واحد من جوانب شخصيته، فهل نحن نفكر اليوم ولو على الأقل على مدى عقدين من الزمان؟ فليت الذين عمرهم في الصحوة ربما يقصر عن هذه الفترة يدركون أن عمر الأجيال والمجتمعات لا يقارن بعمر الأفراد، فكيف حينها نطالب المجتمعات بنضج في وقت لا ينتظر فيه ربما نضج فرد من الأفراد؟
وواقع المجتمعات الإسلامية اليوم لم يكن نتاج قفزة هائلة إنما هو نتاج عوامل عدة أثرت فيه وساهمت مجتمعة في صياغته، يضاف لذلك عشرات من السنين، فكيف يراد إصلاح هذا الواقع في سنيات عدة؟
-------------
([1]) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795)
==============
نهاية الإجازة
الخطبة الأولى
الحمد لله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يقدر الليل والنهار.
وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، النبي المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا ربكم يا مسلمون، ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله.
هكذا طُويت صفحة من صفحات الزمن، وتساقطت ورقات من شجرة العمر، وذبُلت زهرات في بستان الحياة.
فبمغيب شمس هذا اليوم تودع الإجازة عشاقها، وتقوض خيامها بعد أن انفرط نظامها وتصرّمت أيامها.
مضت الإجازة بخيرها وشرها وحلوها ومرها، مضت أشهر تشكل فصلاً من فصول حياتنا، وكل يوم مضى يدني من الأجل.
مضت الإجازة ومضت معها أيام لم نحسب حسابها، ولم نقدر لها قدرها، واليقين أنها محسوبة من أعمارنا مقربة لآجالنا، وسنسأل عنها أمام ربنا، فالذي لا ينطق عن الهوى قال: "لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع" ومنها: "عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه".
مضت الإجازة والناس في استغلالها أصناف شتى، قد علم كل أناس مشربهم، فمنهم من رأى فيها قعوداً عن الجد، وهروباً من الإنتاج والإيجابية، وآخرون جعلوا منها موسماً للتحلّل من آداب الإسلام وأحكامه، فملأوها لهواً ولعباً، وغناءً وصخباً بمهرجانات غنائية وحفلات سياحية كانت مفتاحة لباب شرور، ومستنقعاً لكل منكر من القول وزوراً.
وطائفة قد غلت عليهم أنفسهم، وعلت هممهم فسموا بها إلى معالي الأمور، فجعلوا من الإجازة ظرفاً لعملٍ آخر مثمر، وانتقلوا فيها من إيجابية إلى إيجابية، جاعلين نصب أعينهم قول الحق: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ).
وكل أولئك طويت صفحاتهم اليوم بما تحمل؛ إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ.
فكم يا ترى في هذه الإجازة من مثاقيل الذر من خير وشر؟!.
وستبقى الصحف مطوية حتى تُنشر يوم الحساب، فماذا يا ترى سيكون الحال يومئذ؟!.
مضت الإجازة وقد شهدت تصارع الهمم، فقوم همتهم في الثريا وآخرون هممهم في الثرى.
ودعت الإجازة وفيها شهدت أروقة بيت الله الحرام أسمى وأروع صور التنافس في بلوغ الهمة العالية والغاية النبيلة، تمثّل ذلك في ثلة من شباب المسلمين ممن رفعوا شعار: "لا مستحيل مع العزم والإصرار".
فأثمرت همّتهم حفظاً لكتاب الله تعالى كاملاً، في زمن أشبه ما يكون بالخيال، حتى إن فتى حفظه وأتقنه في سبعة وعشرين يوماً، وفئة شُغلت بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحفظت الصحيحين في فترة لم تتجاوز الشهرين.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ** وتعظم في عين الصغير صغارها
وتأتي على قدر الكرام المكارم ** وتصغر في عين العظيم العظائم
ولّت الإجازة وقد حوت أحداثاً وعبراً.
فتأمل أخي المسلم: كم ودعت فيها من حبيب؟! وكم فارقت من قريب؟!.
مات أقوام وولد آخرون، شفي أناس ومرض أناس، واغتنى قوم وافتقر أقوام، وربنا كل يوم هو في شأن.
ونحن نودع الإجازة التي تشكل جزءاً من حياتنا، فما أحرانا أن نتحسر على أيامٍ أضعناها وأوقات تركناها، ذهبت بما حملت، ولننظر في حال السابقين من أسلافنا: كيف ينظرون إلى هذه الأوقات، وماذا عملوا فيها؟!.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمت عل شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي".
وقال أبو سليمان الداراني: "لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على تفويت ما مضى فيه في غير الطاعة لكان خليقاً أن يحزنه ذلك إلى الممات".
فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من جهله.
إذا مر بي يوم ولم أقتبس هدى ** ولم أستفد علماً فما ذاك من عمري
والدنيا ثلاثة أيام: أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلك لا تدركه، فاليوم لك فاعمل فيه، وكلما ازداد اغتناماً لزمانه وبالتالي كان أقرب لتلك الغاية وأكثر تحقيقاً بها.
إن الزمن يساوي عطاء الإنسان وحصاد عمره، يساوي اليد التي ستحمل كتابه، يمنى تكون أو يسرى.
أؤمل أن أحيا وفي كل ساعة ** وهل أنا إلا مثلهم غير أن لي
تمر بي الموتى يهز نعوشها ** بقايا ليال في الزمان أعيشها
أيها المسلمون:
مضت الإجازة، وفيها عمل أناس ونام آخرون!.
فماذا بقي من عناء العاملين، وماذا بقي من لذة النائمين؟!.
مضت الإجازة فكيف قضاها الناس؟!.
أما لو نطق الواقع لقال: إن من الناس من قضاها لحاجة نفسه سفراً ومتعةً وسياحةً وتنزهاً، والأعظم شأناً والأرفع قدراً فئة من العاملين الغيورين قضوا الإجازة في حمل هم الإسلام وأبناء المسلمين.
تراهم في المراكز الصيفية، وفي المخيمات التربوية، وفي الدورات العلمية، والحلقات القرآنية، يسافرون ولكن بأبناء المسلمين، ليربوهم على آداب الإسلام وقيمه، يبذلون ولكن في سبيل تربية الجيل وصلاحه، يفكرون ولكن بما يخدم المجتمع ويحافظ على أجياله، يقضون أوقاتهم ولكن بتعليم القرآن، وتربية الشباب، والمساهمة في الأعمال الخيرية.
هم الرجال وعيبٌ أن يقال لمن لم يكن مثلهم رجل
فلا حرمهم الله أجر العاملين، وعوضهم عن بذلهم جناتٍ ونهر في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
معاشر المسلمين:
ونحن نستقبل في كل عامٍ إجازة ثم نودعها، فما أجدرنا أن نقف مع أنفسنا وقفة معاتبة ومحاسبة، فإن كان ما عملنا خيراً حمدنا الله عليه، وعزمنا على المزيد فيه، وإن كان سوءاً ندمنا عليه، وسارعنا إلى التوبة منه توبةً صادقة.
لا بد لنا أيها المسلمون من مواقف مع النفس نحاسبها ونعاتبها لنأمن من شرها ونتحكّم في قيادها فـ: "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني".
أيها المسلمون:(2/28)
وحينما تمضي الإجازة تفتح المدارس أبوابها فتنفتح معها الآمال والتحديات والمشكلات في كل أسرة، ففي كل بيت حكاية عن الدراسة والمدرسة، ولدى كل أبٍ وكل أمٍ أمل يتجدد في أن يجتاز أبناؤهم الدراسة بتفوق، ومع بداية الدراسة يتغير إيقاع الحياة في أكثر البيوت، ويعلن الحادي أن وقت اللعب ولى، وجاء وقت الجد.
مع إشراقة شمس الغد سيتغير وجه الحياة، سترى الشوارع وقد غصّت بالحركة، والبيوت وقد رفعت درجة الطوارئ، وسترى حركة غير طبيعية.
في صبيحة الغد تبذل جهود، وتستثمر طاقات، لو أُنفق بعضها في سبيل الصلوات لأصبح أبناؤنا ممن تعلقت قلوبهم بالمساجد.
إنّ ما نراه من مشاهد تحدث صباح كل يوم دراسي يؤكد لك أنّ الناس عباد الدنيا، النائم يوقظ، والمسافر يقدم، والرغبات تحقق، والخواطر تجبر، كل هذا في سبيل الدراسة!ّ وذاك أمر حسن.
ولكن: أين هذه الاهتمامات في سبيل القيام بحقوق الله وتربية النشء على طاعة الله؟!.
أين هذه الهمّة وذاك الحرص مع الأبناء في صلاة الفجر؟!.
لقد أصبحت الدراسة عند البعض مقدّمة على طاعة الله جلّ جلاله، وإذا كانت كذلك واحتلت المرتبة الأولى في اهتمام المسلمين على حساب أعظم العبادات وهي الصلاة فهذا يعني أن الدراسة ستكون طاغوتاً يُعبد من دون الله، وهذا أمر لا يرضاه المسلم لنفسه أبداً.
أيها المسلمون:
ومع انتهاء الإجازة وبدء عامٍ دراسي جديد يحلو الكلام إلى فئات ثلاث تشكل أساس العملية التعليمية والتربوية.
أما الفئة الأولى: وهم حماة الثغور ومربو الأجيال، فأرجئ الحديث عنهم وإليهم إلى جمعة قادمة، وأوجه خطابي إلى الشبيبة الناشئة أمل الأمة ورجال المستقبل.
يا معشر الطلاب:
اعلموا أن المجد لا ينال بالتمني ولا بالتشهي، ولا يُدرك بالنوم والبطالة، وإنّما يناله أهل الهمم العالية والنفوس الأبية، وما وصلت الأمم المتحضرة إلى ما وصلت إليه بالنوم في الصباح والسهر في الليل على اللهو والضياع.
قل لمن نام وهو يطلب مجداً ** فاتك المجد يا حليف الوسائد
اتقوا الله في حياتكم ودراستكم وأعمالكم فتقوى الله من أسباب تحصيل العلم النافع: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
اطلبوا العلم لوجه الله، وصححوا نيتكم في الطلب، ومن ابتغى بعلمه وجه الله نال رضا الله وحصل مقصوده: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
يا معشر الطلاب:
احترموا من يقدم لكم العلم، وعاملوهم بالاحترام والمنطق الحسن، مع الإنصات لهم والتأدب معهم وقبول نصحهم، فالتواضع من أوضح سمات الطالب المميّز، ومن لم يحتمل ذل التعلّم ساعة تجرّع مُرّ الجهل طول حياته.
أخي الطالب:
ليس من الرجولة والشهامة أن تكون عنصر أذى، وسبب شغب، وعامل استفزاز، بل الرجولة الحقّة أن تحترم من هو أكبر منك سناً وقدراً، وليس منّا من لا يعرف لكبيرنا حقه.
أخي الطالب:
اليأس والملل من أكبر عوائق الأمل وقواطع العمل، فأقبل على دراستك بروح التفاؤل وبالنظرة الإيجابية، واعمل ليومك وانس المستقبل، فذلك محكوم بما يقدره الله.
أخي الطالب:
اختر من زملائك من استقامت أخلاقه وطابت سريرته، فالجليس له تأثير على جليسه، فجالس من ينفعك في دينك، ويفيدك في سلوكك وأخلاقك ودراستك، ولا تنس أن كل صداقة لغير الله فهي عداوة يوم القيامة، والجليس يعرف بجليسه، والقرين بالمقارن يقتدي.
والله المسئول أن يصلح أقوالك وأفعالك ومقاصدك.
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.
وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه.
وأشهد أنّ نبينا محمداً صلى الله عليه وسلّم الداعي إلى رضوانه، صلوات الله وتسليماته عليه، وآله وصحبه وإخوانه. أما بعد:
فذلك حديث وخواطر أبثّها إلى رجل خارج المدرسة ببدنه، لكنه فيها بحرصه ومتابعته ومشاعره.
إليك يا ولي الأمر، أذكّرك أولاً بقوله صلى الله عليه وسلّم: "ما من راعٍ يسترعيه الله رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة". وبقوله: "إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه؛ حفظ ذلك أم ضيّع؟! حتى يسأل الرجل عن أهل بيته".
إنها الأمانة التي عُرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، إنه كان ظلوماً جهولاً.
يا معشر الآباء والأولياء:
ليس مهمتكم فقط توفير الكساء والغذاء وجلب حاجات البيت، دون أن تدركوا المهمة الكبرى والمسئولية العظمى؛ وهي رعاية القلوب وإصلاح النفوس.
البيت - أيها الآباء - هو الدائرة الأولى من دوائر تنشئة الولد وصيانة عقله وخلقه ودينه.
فماذا يصنع المدرس؟!.
وماذا تستطيع أن تعمل المدرسة؟!.
بل ماذا ستغني الدوائر التربوية في شأن طالب نشأ في بيت بعيدٍ عن الأجواء الشرعية المنضبطة، وآخر تربى على استنكاف العبادات الشرعية، وثالثٍ نشأ في جوٍ موبوء بالمنكرات، ورابعٍ يذاكر والدش فوق رأسه؟!.
قد يستطيع المدرس أن يقطع خطوات في تربية الطالب وتوجيهه، لكنه جهد غير مضمون الثمرة، لأن تأثير البيت المعاكس يظل دائماً موجهاً لإفساد ما تصلحه المدرسة، وإن من أكبر التناقضات التي يعيشها الطالب والتي تكون سبباً في انحرافه سلوكياً وسقوطه دراسياً هو ذلك التناقض الذي يعيشه بين توجيهات مدرس صالح ومتابعة إدارةٍ حازمة، وبين بيتٍ موبوء بوسائل الإعلام المخالفة والمصادمة لتوجيهات المدارس التربوية.
فبالله عليكم: كيف نطلب التفوق من طالب يقضي كل يوم أربع أو خمس ساعاتٍ بين أفلامٍ ساقطة وبرامج هدامة؟!.
وماذا نتوقع من طالبٍ مراهق يعكف على مسلسلاتٍ قاعدتها الأساسية مظاهر الحب والغرام والعشق بين الجنسين؟! ثم بعد هذا يتمنى الأب أن يكون ولده في المرتبة السامية العليا من الأخلاق والآداب والسلوك، ويطلب منه التفوق في دراسته، وإن هذا لشيء عجاب.
يا معشر الآباء والأولياء:
المدرسة وحدها ليست معقلاً للتربية وإنما هي مجتمع صغير يمثل المجتمع الكبير، ففيها الصالحون وفيها المفسدون، وليس كل ما يقال في المدرسة حقاً، والأساتذة ليسوا كلهم على درجةٍ جيدة من ناحية التخصّص، كما أنهم ليسوا جميعاً من أهل الصلاح والتقوى الذين يُعتمد عليهم في توجيه النشء.
ومن هنا تنشأ مسئوليتك - أيها الأب المسلم - في متابعة ما يتلقاه ولدك في المدرسة، فتُقوّم ما يحتاج إلى تقويم من الأفكار والتصورات الدخيلة المنحرفة والتي تعيق التربية الفكرية الصحيحة.
وواجبٌ عليك - أيها الأب - أن تكمل ما قد يحصل من نقص في عمليتي التربية والتعليم، فلا يجوز لك أن تهمل ولدك في هذا الجانب، أو أن تشعره أن كل ما يلقى إليه من معلومات في المدرسة هو صحيح يجب اعتقاده فهذه خيانة للأمانة وتهرب من المسؤولية.
يا معشر الأولياء:(2/29)
كونوا على صلة بمدارس أبنائكم زيارةً واتصالاً لتعرفوا من خلال ذلك سلوك أبنائكم وصداقاتهم، ولتعرفوا مستويات أساتذتهم، ومدى التزامهم بالدين واستقامتهم عليه. ومن العيب والعار أن تجدوا ولي أمر يبحث عن ابنه في الثانوية ليكتشف في النهاية أن ابنه قد رسب في الثانية المتوسطة وأنه ترك الدراسة منذ سنتين!.
يا أيها الآباء:
كم من ابن كانت بداية انحرافه من المدرسة؟!.
وكم من فتاة تعلمت المعاكسات من خلال صديقات السوء في المدرسة؟!
ولذا فإنّ المتابعة الدائمة - بعد حفظ الله - وقاية بإذن الله من الانحراف والزلل.
يا معشر الأولياء:
إنّ من القضايا المهمة التي لا بد أن تكون واضحة في أذهانكم قضية حسن اختيار المدرسة بأن يكون القائمون عليها من أهل الخير والصلاح، فإن صلاحهم صلاحٌ لولدك وحماية الولد وسلامة أفكاره أغلى من كل شيء.
وأخيراً - أيها الأب المبارك - أضع أمامك ثلاث قضايا مختصرة.
أولاها: المدرسة هي التي تشكل عقلية ولدك وتصنع أخلاقه وأفكاره وسلوكه، فاختر من المدارس أصلحها إدارةً وأساتذةً، ولو بَعُدَ مكانها، فلا تستكثر البذل، ولا تستطل الطريق في سبيل صلاح ولدك وسلامة أفكاره وحسن سلوكه وسريرته.
وثانيها: إنّ للأبناء قدرات ومواهب متفاوتة، فإياك والإلحاح على ولدك في متابعة دراسته - بعد أن يتحصل على العلم الأساسي الذي لا يستغني عنه أحد -وذلك لأن إجباره على إكمال الدراسة ربما كان عائقاً له عن تحقيق ميوله ورغباته في تعلم حرفة أو صنعة ما.
وليست المدرسة هي الطريق الوحيد للتحصيل العلمي، فلابد من إعطاء الولد الفرصة للاختيار مع تقديم النصح والإرشاد الأبوي الخالص، والمبني على المعرفة الصحيحة بقدرات الولد وميوله وإمكاناته العقلية والنفسية.
وثالثها: إنّ ترك البنات يذهبن مع السائق إلى المدرسة ويرجعن معه يُعَدُّ صورةً من صور انعدام الرجولة وفقد الغيرة!.
وكم من المآسي الاجتماعية والمصائب الأخلاقية حدثت بسبب هذا التساهل؟!.
ولا أظنّك - يا أخي - ممن يهون عليه عرضه وشرفه في سبيل راحة جسده.
أصلح الله لنا ولك البنات والذرّيات، ووفقنا للباقيات الصالحات.
عباد الله:
صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
-===========
من يوقف نزيف الغفلة ؟؟
الصفحة 1 لـ 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله .. أمَّا بعد ..
يعيشُ المسلمون في هذا الزمنِ، حالةً من الاستضعافِ والإذلال، ويُمارسُ هذا الاستضعافُ والاستذلالُ بكلِّ وقاحةٍ، وبدونِ مواريةٍ من حاميةِ الصليبِ، لإخضاعِ المسلمين لمُخططهم، الذين يريدونَ من ورائهِ إزهاقُ الروحُ الإسلاميةِ الحقَّة، والإتيانُ بروحٍ إسلاميةٍ على مواصفاتهم، وخاضعةً لمطالبهم .
التفتْ إلى المسلمين هُنا وهُناك، في الشرقِ والغربِ، في الشمالِ والجنوبِ، لتراهُم بين قتيلٍ ومقهورٍ، ومأسورٍ ومستعبد .
أنَّى التفتَ إلى الإسلامِ في بلدٍ تَجدهُ كالطيرِ مقصوصاً جناحاهُ
ففي كشميرٍ دماءٌ وأشلاءْ، على أيدي الهندوسية الوثنية، وفي أفغانستانِ قتلٌ ودمار، على يد راعيةَ الصليبِ وأعوانها، وفي الشيشانِ بلادٌ خاويةٌ، وبيوتٍ أشبهُ ببيوتِ الأشباحِ، قد هدها القصفُ، ودمرَّها العُدوان، وفي الفلبين يُمارسُ أنواعُ الاستذلالِ والقهرِ للشعوبِ المسلمةِ هُناك برعايةٍ أمريكية، وفي تركستانِ الشرقية في بلادِ الصين، يصطلى المسلمون هَناك بنارِ الوثنيةِ الحاقدة، ويَواجهونَ أشدَّ أنواعِ القمعِ والقهرِ، والاستبداد وإلغاءِِ الحقوق .
وأخيراً: ما يشهدُهُ المسلمونَ في العراقِ، من قتلٍ وظُلمٍ، ونهبٍ وسلبٍ، ومصادرةٍ للحقُوق، وسرقةٍ للخيراتِ، بأيدي راعيةَ الصليبِ وحلفائِها ، نعم يعيشُ المسلمون هذا ويرونَهُ بأمِّ أعينهم، ولا يجهلونَ شيئاً من ذلك، ولكنَّهم ورغمَ ما يَرونَ يَعيشونَ في غفلةٍ تامةٍ على كافةِ الأصعدةِ والميادينِ، وليت الأمرُ من الأعداءِ يتوقفُ عند هذا الحدِ، بل إنَّ الأمرَ يتجاوزُ ذلكَ بكثير، فما كانوا يُخفونهُ بالأمسِ، أصبحَ ظاهراً لا يَخفى اليومَ، وما كان حُلُماً في الماضي أصبحَ واقعاً ملموساً اليومَ، فإنَّ أطماعَ أمريكا في المنطقةِ باتَ واضحاً لكلِّ ذي عينٍ، والذي حدثَ في العراقِ، أظهرَ الوجهُ الأمريكي على حقيقتهِ، وما تُمارسُهُ في العراقِ، أشبهُ بعصابةٍ تريدُ نهبَ خيراتِ البلدِ، والاستئثارِ بثرواته، فقد فتحتِ المجالَ للشركاتِ الأمريكيةِ، لإعمارِ العراق دونَ غيرهَا، وهاهي تأخذُ علماءَ العراقِ لتفيدَ منهم، لتقويةِ ترسانَتها العسكرية، وأعظمُ من ذلكَ كلهِ، تريدُ مسخَ الهويةِ الإسلاميةِ للشعبِ العراقي، وأن تُوجدَ حكومةً علمانيةً لا تُفرقُ بين الأديانِ ولا العقائدَ، وتُدينُ بالولاءِ المطلقِ لأمريكا، ولحليفتها إسرائيل، والأدهى من ذلك أنَّها تفتحُ المجالَ على مصراعيهِ للحملات التنصيرية، وتمنعُ الحملاتِ الإسلاميةِ من مباشرةِ دعوتها، فقد فتحتِ القواتُ الأمريكيةَ الطريقَ لأكثرِ من ثمانمائةَ منصرٍ في الدخولِ للعراقِ، لبثِّ دعوتهم النصرانيةٌ الكافرة، بل فتحتِ المجالَ لليهودِ، لتهويدِ الشعبِ العراقي، وبثَّ الصهيُونيةِ في أوساطِ العراقيين .
ولن ينتهي دَورها في حُدودِ العراقِ فحسب، بل إنَّ مطالبها سَتُطالُ دولَ الجوار، وستُمارسُ ضُغوطها على الدُولِ العربيةِ، ولقد أصبحَ سقُوطُ النظامَ البعثي ورقةً رابحةً، تُهددُ بها أمريكا كُلُّ من يفكرُ عصيانها، أو الوقوفُ في وجهها ، ولذا فلا نستبعدُ أبداً أن تتدخلَ أمريكا عسكرياً في حلِ النزاعِ الإسرائيلي الفلسطيني، فإنَّ الحُكُومةَ الجديدةَ التي رسمتها أمريكا، والتي جعلت من بُنودها ضربَ الجهادِ، ومصادرةَ الأسلحةِ من المجاهدين، فلا نستبعدُ أبداً وقد أملى اللهُ لها، وانتصرت على النظامِ البعثيِّ في العراقِ، أن تخوضَ الحربُ على هؤلاءِ المجاهدين ، خاصةً وقد جعلتْ منظميْ حماس والجهادِ من المنظماتِ الإرهابية، والذي سوَّغَ خَوضَ الحريةِ في أفغانستانِ والعراق، سيُسوغُها في فلسطينَ أيضاً، وما وصولها وسيطرتَها على العراقِ إلاَّ حلقةً ستتبعُها حلقاتٍ من فرضِ سياساتها، وإملاءِ شُرُوطِها ومطالبها، والويلُ لمن يعص الأوامرَ، فإنَّ الصبرَ محتومٌ، والنهايةُ معلومةٌ .(2/30)
نعم يعيشُ المسلمون هذا ويَرونَهُ بأمِّ أعينهم، ولا يجهلونَ شيئاً من ذلك، ويعلمون يقيناً أنَّ التغييرَ الذي طالَ على غيرِهم سيُطالُ عليهم، ويُطالُ على بلادهم بلا شكٍ، ويسمعونَ التقاريرَ التي تُنشرُ من الإداراتِ التابعةِ لأمريكا بين الحينِ والآخر، بالضغطِ على الشعوبِ المسلمةِ، التي تُفَرِّخ الإرهابَ وتُشجعُه، وخاصةً هذا البلدُ المبارك، مأوى العلمِ ومأرَزُ الإيمانِ، ومصدرُ المجاهدين، وفي أمنِيَّاتهِ يعيشُ العلماءَ الصادقون، والدعاةُ المصلِحُون، والأبطالَ الغيورين، ولذا فستُفرِضُ أمريكا مطالبها على هذا البلدِ، والتي باحت بها ألسنتهم وتقاريرهم، فمِن مطالِبهم، نشرَ التسامحَ الديني ، بإقامةِ الكنائسِ والمعابدِ للأديانِ الأُخرى، ومن مطالبهم إعادةُ النظرِ في المناهجِ التعليميةِ، وإعادةُ صياغتها، وتقليلُ حدَّةِ العداءِ من الكافرين، وإذابةُ عقيدةَ الولاءِ والبراءِ ، وحذفُ ما يتعلقُ بالجهادِ والمجاهدين، ويبارِكُ هذا المخططِ، أفراخُ الاستعمار، من أهل العلمنةِ في كلِّ ميادينهم، ومنها اللقاءاتِ والحواراتِ، والمُهاتراتِ الصحفيةِ، فيقولُ قائِلُهم عليه من اللهِ ما يستحق، يجبُ علينا أن نُعيدَ النظرِ في تفسيرِ النصوصِ المقدسةِ، حتى لا تولدَ الإرهابُ .
ومن مطالبهم أيضاً، تغريبُ المرأةِ ونزعِ حجابها، وإقحامِها في ميادينِ الرجالِ سافرةً، غيرَ محتشمةً، ويُباركُ هذا أيضاً، أفراخُ الاستعمارِ مرةً أُخرى، ومن مطالِبهم الإجهازُ على المؤسساتِ الخيريةِ الدعويةِ، واعتبارِها منظماتٍ إرهابيةٍ، وتقليصِ نشاطها، ليبقى نشاطاً إغاثياً فحسب، إلى غيرِ ذلك من إزهاقِ الروحِ الإسلاميةِ لهذا البلدِ المُبارك، ونحنُ أيَّها الإخوةُ في الله، لا نستغربُ ذلكَ منهم، بل لا نتوقعُ منهم إلاَّ ذلك، كيفَ لا وقد أخبرَنا رَبُنا تبارك وتعالى عن ذلك، فقالَ : (( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)) (البقرة: من الآية217) وأنبأنا سبحانهُ عن مساعِيهم في كلِ زمانٍ ومكان، فقالَ : (( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً )) (النساء: من الآية89) ونعلمُ يقيناً أنَّ هذا الكلامُ الذي يخرجُ من أفواههم ما هو إلا بعضُ ما في قلوبهم، وصدقَ اللهُ إذ يقولُ : (( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)) (آل عمران: من الآية118) .
نعم لا نستغربُ ذلك ولكن تُصيبُنا الدهشةَ ؟، وتعقِدُ ألسنتَنَا الحسرةُ، ما نراهُ من المسلمين إلاَّ من رحمَ اللهُ مِن بُرودةِ أعصابٍ، وموتٍ للقلبِ، وغفلةٍ تامةٍ في كافةِ الميادينِ والأصعدةِ ، وهُم يرونَ هذا الكيدَ يحيقُ بهم من كل جانب، يرونَ دينهم تَطالُهُ أيدي المجرمين والكافرين، ويرونَ أعراضهم تُنتهكُ هُنا وهُناك، وهم يعيشُون لأنفسهم، والمهتَّمُ منهم من يُتابعُ الأخبارَ كلَّ صباحٍ ومساء ، ثمَّ هو بعدَ ذلك غارقٌ في لهوهِ وضياعه .
أينَ شبابَ الأمةِ الذين ذابوا تقليداً للشرقِ والغربِ ؟
أينَ شبابَ الأمةِ الذين ضاعوا في عالمِ المخدراتِ والمسكرات ؟
أينَ شبابَ الأمةِ الذين لا همَّ لأحدهم إلاَّ الصورةَ الفاتنةَ والأغنيةَ الماجنةَ ؟
أينَ شبابَ الأمةِ الذين مُزِقَتْ طُموحاتهم وتطلُعاتِهم على مُدرَّجاتِ الملاعبِ وساحةِ الاستعراض ؟
أينَ شبابَ الأمةِ الذين نُحرت بُطُولاتِهم وغيرتَهُم على هذا الدين؟ على أعتابِ شاشاتِ القنواتِ الفضائيةِ والمحطاتِ الإباحيةِ .
أينَ شبابَ الأمةِ الذين كانوا في السابقِ يحمون البلادَ، يذودونَ عن الدين ويرخصون دماءَهم ليبقى الدين كله لله ؟
إلى هذا الحدِّ صاروا، وإلى هذا المستوى من موتِ القلب والغفلةِ وصلوا، لا ننسى أبداً، ولن ينسى المسلمون، ولن ينسى التاريخُ ، ولن يغفرها الزمن، تلك الجماهيرُ المشجعةِ، والذين زادَ عددُهم على خمسين ألفَ مشجعٍ ، وفي المقاهي ما يُضاهي ذلك، وتتعالى صيحاتُ المشجعين، وتصفيقُ المشاهدينَ على مباراتهم، بينما يعلقُ في غضونِ ذلك سقوطُ بغدادَ في أيدي القواتِ الأمريكيةِ الظالمة، ناهيك عن العروضِ التي قامَ بها الشبابُ بعد ذلك، من رقصاتٍ في قارعةِ الطرق، ورفعٌ لأعلامِ النوادي، بينما بغدادَ ترزحُ تحت ضيرِ الاستعمار الأمريكي .
يا لها من مأساةٍ!! ولمأساتنا في حالِنا، وما آلَ إليه شبابُنا وأبناءُ أمتنا، أشدَّ في نفُوسِنا من سُقوطِ بغداد، لأنَّه لو بقيت الغيرةُ والتضحيةُ في شبابنا، لقُلنا إن سقطت بغدادُ فيُوشَكُ أن تعُودَ، ولكن إذا سقط الشبابُ فمن سيُعيدُهم ؟؟
ولئِن كان أهلُ التاريخِ عابوا على علماءِ أهلَ الأندلسِ يومَ أن هاجمها الصليبيون، أنَّهم مشتغُلون بمسائلٍ فرعيةٍ فقهيةٍ نادرة، عن دفعِ العدوِ الجاثمِ على أرضهم، فكيفَ ستكونُ شهادةُ التاريخِ على هذه المأساةِ، في سقوطِ بغدادِ مع انشغالِ المسلمين.
من ينصُرُ هذا الدين إذا تخلى عنه أتباعُه ؟ عارٌ واللهِ يا أمةَ الإسلامِ أن تعيشَ اليهودُ وهُم أهلُ دينٍ مُحرفٍ باطل، هَمُهُم الحربُ والقتالُ، والدفاعُ عن مطالبهم وعقائِدهم ، ويحبذون الشباب لذلك ، ويعيشُ أحدُهُم ولا هَمَّ لهُ إلاَّ تقويةُ إسرائيلَ، وتحقيقِ أحلامها، ويبقى أهلُ الإسلامِ، أهلُ الحقِّ ، أهلُ الدِّينِ الخالدِ الحق، مشغولين بتوافهِ الأُمورِ، عارٌ واللهِ أن يعيشَ النصارى همَّ الحربِ، ويقُودُونَ الحربِ على المسلمين، وينادي طاغيةُ العصرِ بأنَّ الحربَ صليبيةٌ، ويلبسُ لباسَ الرهبانِ، حاثاً النصارى على إقامةِ الصلواتِ والدعوات، لكي ينتصروا في حربهم، وأن يبقى المسلمونَ أهلُّ الحقِّ، يلهثونَ وراءَ الأُغنيةِ والمجلةِ، والمعاكساتِ والمباريات، دونَ إعدادِ العُدةِ لصدِّ العدوِ، والذودُ عن حياضِ المسلمين .
أيَّها الإخوةُ: دَعُونا ننقُدُ أنفُسنا، دعُونا من الحُكوماتِ والسياساتِ، ماذا فعلت؟ لا بل نحنُ ماذا فعلنا قبلَ ذلك ؟ ما هُو مدى استعدادُنا لهذهِ الهجمةِ التي ستُطالُ كلَّ بلدٍ مسلم، وخاصةً هذا البلدُ المُبارك ؟ ما حجمُ الحدثِ وما حجمُ تفاعُلِنا معه ؟ دعُونا من إلقاءِ اللائمةِ على فلانٍ وفلان، أو على جهةٍ هُنا وهُناك، كلُّ إنسانٍ مسئولٌ عن نفسهِ ماذا فعلَ، ليُقاومُ هذا التيارُ النصرانيُّ الجارف ؟ إننا بكلِ صراحةٍ أيَّها الإخوةُ، نعيشُ في غفلةٍ تامةٍ ، ونتعامى عن الواقعِ، ونتشاغلُ عنه بتوافهِ الأُمورِ .
يا ويحَنا ماذا أصابَ رِجَالُنا *** أو ما لنا سَعدٌ ولا مِقدادُ
نامت ليالي الغافلين وليلُنا *** أرقٌ يُذيبُ قُلوبَنا وسُهادُ
سُلتْ سُيوفُ المعتدينَ وعَرْبَدت *** وسُيُوفُنا ضاقت با الأغمادُ
أهُو القُنوطُ يَهدُّ ركنَ عزيمتي *** وبهِ ظُلمَ مخاوفي تزدَادُ
يا ليلُ أمَّتِنَا الطويلُ متى نرى *** فجراً تُفرَّدُ فوقَهُ الأمجادُ
أجدَادُنا كتبوا مآثرَ عِزِّها *** فمحا مآثِرُ عِزِّها الأحفادُ
ترعى حِماها كلَّ سائبةٍ وفي *** تمزِيقِها يتجمعُ الأضدَادُ
تُصغي لأُغنيةِ الهوى فنهارُهَا *** نومٌ ثقيلٌ والمساءُ سُادُ
دَعنَا نُسافِرُ في دُرُوبِ إبَائَنا *** ولنا من الهِمَمِ العظيمةِ زادُ
ميعادنا النصر المبين فإن يكن *** موتٌ فعند الهنا الميعاد
دعنا نمت حتى ننال شهادة *** فالموت في درب الهدى ميلاد(2/31)
نعم إنه مخطط ماكر من الأعداء يواكبه غفلة من المسلمين ، أما كيف نتصدى لهذا المخطط وكيف ننثر من رؤوسنا غبار الغفلة ، ونزيل من على أجسامنا دثار الخضوع والذل .. فهذا له موضوع قادم بإذن الله في المقالة القادمة بإذن الله ..
لقد قرأنا في المقالة الماضية عن المخطط الماكر والعداء المستميت ، والحديث عن الهجمة الصليبية التي تُحاك خيوطها ، ويُستكمل كيدها ، والتي قد طبقت بعض حلقاتها وهي في طريقها إلى تطبيق الباقي ، وسمعنا على وجه الخصوص مكائد هذه الحملة الصليبية على بلاد الحرمين ، وما هي مساعيهم ومطالبهم . وبينا أن هذا ليس بغريب على أمة الصليب وحماة الصليب ، لكن الأشد من ذلك كله هو مواكبة هذه الهجمة لغفلة تامة من المسلمين إلا من رحم الله ، وبردة قلب وانعدام الغيرة على هذا الدين أن يطال بأذى ، أو يُمس جنابة بسوء ..
وحتى لا أكون أيها الإخوة ممن يلقي الكلام على عواهله دون إثبات أو دليل .. دعونا نستعرض حال المسلمين الآن مع هذه الهجمة الشرسة ، وهل أفاق المسلمون فعلا أو أحسوا بعظم الخطر أم لا ؟ لأبين لكم أن ما دمنا على هذا الحال فسيحقق العدو أحلامه وأهدافه وذلك عبر أمور ..
فمن مظاهر الغفلة عند المسلمين :
لقد هام أكثر المسلمين تطبيقاً لما بثه الأعداء من اليهود والنصارى لتخدير الشعوب المسلمة ، وإشغالها بما لا يحقق لها هدفاً ، أو يجلب لها انتصاراً ، أو يحقق لها رقياً بين الأمم ، فاشغلوا الأمة بتوافه الأمور ، كإقامة المسابقات والمباريات ، وإغراق السوق بالكم الهائل من المسلسلات والأفلام ، وانتشار القنوات الفضائية بكل ما تحمله من سقوط القيم والمبادئ ، والمتاجرة بالأجساد ، وغير ذلك من صور إلهاء الشعوب المسلمة عن قضاياها المهمة ..
وليس العجيب أيها الإخوة أن يبث الأعداء لنا ذلك ، لكن الأدهى والأمر أن يطبق هذا كله أكثر المسلمين دون وعي أو انتباه ، ولئن كان الاشتغال بهذه الأمور مقبولاً أو مستساغاً في حين وأن كان لا يستساغ فإنه في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها الأمة لا يستساغ أبداً ..
ومن مظاهر الغفلة عند المسلمين : فشو المنكرات والمحرمات في أوساط المسلمين إلا من رحم الله ، والتهاون بالمعاصي ، والتساهل بما حرم الله سبحانه وتعالى ، ومن أعظم المحرمات والمنكرات الشرك ومظاهره ، والكفر بأنواعه ، مما تغص بها بلاد المسلمين إلا من رحم الله منهم .. فأضرحة وقبور ، ومقامات وزيارات بدعية ، واحتفالات صوفية ، إلى التعلق بالكافرين ، ومحبتهم ونصرتهم ، والمسارعة في إرضاءهم ، فكيف تتوقع النصر أمة هذا ديدنها ، وتعاملها مع ربها ، ناهيك عن تضييع الصلاة عن وقتها .. انظر لشوارع المسلمين وطرقاتهم إذا نادى المنادي إلى الصلاة لتراها على اكتظاظها وزحامها ولا كأن منادي الصلاة يناديهم ، ولكن انظر إليها مرة أخرى لو أقيمت مباريات أو مسابقات ، أو عرض مسلسل هنا أو هناك ، لتراها عكس ذلك تماماً ، ناهيك عن الذين في بيوتهم ويسمعون النداء بالصلاة ومع ذلك يبقون في بيوتهم ، لا يحركهم النداء إلى الصلاة . ففي كل حي عشرات من الناس الذين لا يشهدون الصلاة مع المسلمين ، كيف سينصرون الله ونحن لم ننتصر على أنفسنا في أمور يسيرة كهذه ، ناهيك عن الليالي الحمراء ، والتي تدار فيها المحرمات والمسكرات ، والأغاني والقينات ، التي هام في لياليها أكثر شباب المسلمين ، كيف تنتصر الأمة وهي تفجع بحماتها ، بقلبها النابض ، بشبابها الذين هم أولى أن يعيشوا لدينهم ، وينافحوا عن عقيدتهم ، وأن يحموا الديار ، ووالله لو علمت دولة الصليب وهي تهجم على بلاد المسلمين أن ستجد شباباً قاموا بحق الله ، ولم يستسلموا للشيطان ، وعاشوا هم هذا الدين ، والدفاع عن حماه ، فلا والله لن تتجرأ أبدا أن تخوض حرباً مع المسلمين ..
ومن طريف ما يذكر .. أن ملك الروم أراد الهجوم على بلاد الأندلس (ردها الله) فأرسل رجلاً لينظر ما هي اهتمامات شباب المسلمين وطموحاتهم هناك ، فلما جاء هذا الرجل وجد فتى يبكي ..
قال : له ما يبكيك ؟
قال : أبكي لأني لم أصب الهدف ، وكان يتدرب على الرماية ..
فقال له : وما يضرك ؟ ارمِ مرة أخرى تصيب الهدف ..
قال : ولكن عدو الله لا يمهلني ، فإذا لم أصبه لأول مرة فإنه سيقدر على قتلي ..
فرجع الرجل إلى ملك الروم فقال : لا أرى أن تدخل الآن ..
فمضى زمن ثم عاد الرجل ليرى فتى آخر يبكي .. فسأله : ما يبكيك ؟ وظنه كسابقه ..
فقال : لقد وعدت صديقتي هاهنا ولم تأتي ، فأنا حزين على تركها لي ..
فقال لملك الروم الآن الآن .. وفعلاً بسطوا نفوذهم على بلاد الأندلس أندلس الإسلام ..
وهكذا دائماً أيها الإخوة .. فمتى ما استطاع الأعداء إضاعة شباب الأمة ، فقد استطاعوا ولا شك بسط نفوذهم ، واستيلاءهم على بلاد المسلمين ..
وانظروا مرة أخرى لأسواق المسلمين ، ولأوساط النساء بالذات ، لترى ما يندى له الجبين ، وتتقطع لأجله الأفئدة ، فمظاهر التبرج والسفور الذي بدأ يظهر في مجتمعنا بعد أن لم يكن ، ومظاهر إظهار الزينة ، والخضوع في القول ، إلى البروز في طرقات المسلمين بلباس ملفت ، بحجة الرياضة ، وتحريك البدن ، ونحن نعلم يقيناً أن هذا بداية الهاوية ، لأن المرأة هي صمام الأمان في هذه الأمة ، متى فسدت فسد المجتمع وضاع ، وصدق الصادق المصدوق إذ يقول : ( إياكم والنساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) .
أين نساء المسلمين اللاتي كن يربين أبناءهن على الجهاد في سبيل الله ، وإرخاص النفس لإعلاء كلمة الله ، أين أمثال الخنساء التي قدمت أربعة من أولادها في سبيل الله في معركة القادسية ، وقبل بدء المعركة قالت لهم : ( إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها وجللتم ناراً على أرواقها ، فيحموا وطيسها ، وجالدوا رسيسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ) .
فلما كشرت الحرب عن نابها ، تدافعوا إليها وتواقعوا إليها حتى تساقطوا واحداً تلو الآخر .. فلما أُخبرت بعد المعركة بمقتلهم قالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة ..
أين نساء اليوم من أسماء أم عبد الله بن الزبير ، التي قالت لولدها عبد الله بن الزبير حينما أراد الجهاد ، فلمست صدره ، فوجدت درعاُ ، قالت : ما هذا يا عبد الله ؟ قال : هذا درع يا أماه .. قالت : ما هذا بلباس رجل يريد الشهادة في سبيل الله !!
نعم بهذه المعاني كن يربين أبنائهن ، فكيف تنصر الأمة ونساؤها ذبن تقليداً للشرق والغرب ؟ كيف تنصر الأمة ونساؤها بهذه الصورة من لبس ما حرم الله ؟
دعونا نكون صرحاء مع أنفسنا أكثر ، ولست أقول هلك الناس ، ولكن هو واقع ومن الخطأ تجاهله ، والناصح الذي يضع اليد على الجرح خير من الذي يؤمل الأمة بآمال ، ويعلقها بخيالات هي منها بعيدة ، إنها سنة في كتاب الله لن تتغير ولن تتبدل أبدا ..(2/32)
أيها الإخوة .. (( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) إن هذا التسلط الكافر ، والتهديد المستمر على بلاد المسلمين ، ووجود العدو جاثماً على أراضي المسلمين ، لن يزيله إلا بالعودة إلى الدين ، العودة إلى الله ، وإني أدعوا بدعوة عامة إلى كل من يبلغه كلامي ، من حاكم ومحكوم ، ورئيس ومرؤوس ، وصغير وكبير ، وذكر وأنثى ، أدعوهم ونفسي إلى تجديد التوبة ، وأدعوهم إلى تقوى الله ، والتعلق بالله ، وترك الذنوب والمعاصي ، فهي السبب في كل ما جرى وسيجري ، أدعوهم إلى سنة التضرع التي لن تظهر في أوساط الناس مع هذا البلاء المتتابع .. قال تعالى : (( فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ )) .
أدعوهم بتحقيق العبودية لله رب العالمين ، أدعوهم بأن الناصر هو الله وحده ، وإذا لم ننصر الله فلن ينصرنا أحد ، وستبقى تتخبطنا شياطين الإنس من اليهود والنصارى ، ويسبوننا في كل جانب .
متى تفيقي يا أمتي ؟
إلى متى هذه الغفلة ؟
إلى متى موت الغيرة وبرودة القلب على أهله ؟
إلى متى ولا هم لأحدنا إلا خاصة نفسه ، ولا عليه بعد ذلك أنُصر الدين أم هُزم ما دامت دنياه صحيحة ، وحياته مريحة ، وما علم المسكين أن السنة التي حاقت بهؤلاء ستحيق به إن لم يسارع لنصرة هذا الدين ، ويذود عن حماه ؟
إلى متى يا أمتي وهذا التقحم في معاصي الله ، وفي ما يغضب الله جل جلاله ؟
إلى متى هذا الضياع يا شباب الإسلام ؟
إلى متى هذا السفور يا أمة الله ؟
إلى متى ينشغل المسلمون بما يضيع عليهم دينهم ودنياهم ؟
انزعي ثوب الغفلة يا أمتي ، وأوقفي هذا النزيف ، وأزيلي عنك دثار الذل والخنوع ، وتقنعي بثوب الحق ، فإن الأمور ستقدم على أمور مهولة ، وإننا لنرى والله تعالى أعلم على الأبواب ، وأما الصغرى فقد انتهت منذ زمن وما زلنا في بعضها نسير ..
قال مرعي الحنبلي المتوفى سنة 1730هـ في كتابه أشراط الساعة : وأما العلامات الصغرى فقد انتهت منذ زمن ، ونحن في انتظار كبارها ، فالله المستعان إذا كان رحمه الله يقول ذلك وقد توفي في القرن الحادي عشر ، فكيف بعهدنا هذا الذي نراه والله أعلم يقترب من علامات الساعة الكبرى شيئاً فشيئاً ، فإلى الثبات يا أمة الإسلام ، فإن العلامات الكبرى إذا وقعت فهي كالخرزة انقطع سلكها فتتابع ، فإن المرء لا يدري ربما يفتن في تلك العلامات ، ويضل عن دينه مع ظهور هذه الفتن ، فإن الثابت على دينه ذلك الزمن لقليل .. فقد ثبت عن المسيح الدجال أنه يتبعه كثير ويتأثر بدعوته ويفتن به كثير ، فقد جاء في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ينزل الدجال في هذه السبخة بمر قناة (وادي قرب المدينة) فيكون أكثر من يخرج إليه النساء ، حتى أن الرجل يرجع إلى حميمة وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه ) ، وثبت من عظم هذه الفتنة أن الشخص لا يأمن على نفسه ، فقد روى الإمام أحمد وأبو داوود وصححه الحاكم في المستدرك عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فو الله أن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات) فالذي لم يثبت أمام هذه الفتن الصغيرة فكيف سيثبت أمام هذه الفتن القادمة العظيمة ، واعلم أن الناجين المنصورين هم الذين جاهدوا وصبروا على طاعة الله ، وصدق الله إذ يقول : (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )) .
أما كيف نتصدى لهذا الهجوم الظالم على الإسلام والمسلمين ، فإن أحداً من المسلمين لن تعجزه الطريقة المشروعة لنصرة هذا الدين ، وحماية أرضه ، ولكني أقترح وأذكر ببعض الأمور على سبيل الإجمال ، وذلك بعد تحقيق التوبة العامة والخاصة ، وعلى مستوى الأفراد والشعوب ، واستمداد النصر من الله العلي القدير ، والسعي الحثيث لإقامة دينه ، وتحكيم شرعه في أرضه وتحت سماءه ..
أول هذه الأمور :
بذل الوسع والجهد كل بحسبه لنصرة هذا الدين ، فالإعلامي مطالب أن ينافح عن هذا الدين من خلال منبره الإعلامي ، والطبيب هو الآخر مطالب أن يدافع عن هذا الدين وينصره ما استطاع ، وكذلك المهندس والرياضي والتاجر إلى غير ذلك من أبناء هذه الأمة ، الكل يسعى لنصرة هذا الدين ، إن أمريكا ما خاضت هذه الحروب إلا بعد إعداد تام ، وتأهب مستمر ، وبعد أن بثت أقمارها الصناعية على العالم كله ، وقوت ترسانتها العسكرية ، وبعد أن أوجدت لها أنصاراً هنا وهناك ، وبعد هذا الإعداد الطويل تقدمت لتحقيق أهدافها ، نحن نريد الأمة أن تتحد جهودها ، وتجمع كوادرها ، ويتحد مفكروها وعلماؤها لانتشالها من هذا الحضيض ، واذا لم تتلاقح الأفكار ، وتجمع العقول ، لانتشال هذه الأمة فستبقى مهددة في كل حين وحين .
ثانياً : يجب أن نشارك جميعاً على توعية الأمة ، يجب على العلماء والدعاة والمصلحين والأئمة والخطباء والمربين أن ينشروا الوعي لدي المسلمين ، فيوقظوا في الأمة حسها الديني ، ويحركوا حميتها الإسلامية ، ويوقظوا هذه الأمة من سباتها العميق ، لتقف أمام هذا المارد الذي لا يرحم .
ثالثاً : دعوة للمربين والمصلحين والمعلمين وللآباء خاصة أن يربوا الشباب والناشئة على معالي الأمور ، وعلى الغيرة على هذا الدين ، والذود عن حماه ، فإن الجيل القادم والله أعلم إن يكن هذا الجيل ، سيعيش أحداثاً عظيمة ، فيجب أن يعد لمثل هذا ..
رابعاً : فضح المنافقين ، ودعاوي المبطلين ، وهتك أستار أفراخ الاستعمار ، وبيان خبثهم ، وأنهم امتداد لأولئك الذين قال الله عنهم : (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )) فإن هذا نوع من الجهاد عظيم ، جهاد مراغمة الشيطان وحزبه من أعظم الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله .
خامساً : إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهي صمام الأمان ، كيف لا وقد أخبر الله سبحانه أن الأمة الصالحة المصلحة لا تهلك ، فقال عز من قائل : (( فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ )) .
سادساً : دعم قضايا المسلمين ، ورفع الضراء عنهم ، ونصرتهم بما نستطيع ، ومن ذلك إعانتهم بالمال ، ودعم أنشطة الخير هنا وهماك ، وتفعيل دور الدعاة ، ودعم نشاطاتهم ليستمر العمل ، ودعم المسلمين في كل مكان وزمان ، وخاصة المجاهدين على الثغور .
سابعاً : استمرار الدعاء والتضرع إلى الله أن يكشف هذه البلوى ، وأن يظهر هذا الدين أهله ، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم ، لنستمر في الدعاء ، ولنؤمل من الكريم الإجابة ، فإن الله لا مكره له .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
===============
ماذا ستكتب على جدار الزمن ؟!
مشعل بن عبد العزيز الفلاحي(2/33)
هل تذكر حين ولجت هذه الأرض ؟ حين عانق صوتك هذا الفضاء الواسع ؟ أول وهلة تسقط على تراب هذه الأرض هل تعلم أن صراخك ذلك اليوم كان شديداً ؟ تذكّر طول تلك الرحلة بين قدومك أمس وليداً صغيراً ، وبين وجودك اليوم رجلاً كبيراً ... ودعني أسائلك :
ماذا كتبت على جدار هذا الزمن ؟ أين آثارك التي تحتفل بها اليوم ذكريات جميلة على جدار هذا الزمن الطويل ... ؟ عذراً لا أود أن أوجع ظهرك بسياط التأنيب .. كلا ! وإنما أريد أن أرى آثارك واضحة لأحتفل بها ، وأخطو على أثرها ، وأكتب بها شيئاً من ذكريات الأحبة من أمثالك . وجدت هذا العنوان ماذا ستكتب على جدار الزمن ؟ وأنا أتصفح النت ، ووجدت بعضاً من الناس كتب تعليقاً عليه : يقول الأول : سأكتب لو يعلمون ........!! وآخر كتب قائلاً : لن تجدونني .... حينها تذكروا أن لي قلباً نبض حباً لكم لكنكم لم تنصفوه ... وثالث كتب : إن خير الزاد التقوى ... ورابع خط بقلمه فقال : حتى البكاء كان شحيحاً .. وكتبت أنا قائلاً : الحياة فرصة واحدة فإما فلاح الراشدين وإما عثرات النائمين ... الحياة فرصة لا تحتمل نوماً ثقيلاً ، ولا جلوساً طويلاً ، الحياة صفحة بيضاء فإما تاريخ الناجحين وإما نوم الغافلين ! وإذا كانت النفوس كباراً .... تعبت في مرادها الأجساد . ومن علامة كمال العقل علو الهمة ! والراضي بالدون دنيء . ولم أر في عيوب الناس عيباً ... كنقص القادرين على التمام . يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : العامة تقول : قيمة كل امرئ ما يحسن ، والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب . اهـ وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : وما تقف همة إلا لخساستها ، وإلا فمتى علت الهمة فلا تقنع بالدون ، وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي ، وإنما تقتصر بعض الهمم في بعض الأوقات ، فإذا حُثّت سارت ، ومتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم ، أو كسلاً فسل الموفّق فلن تنال خيراً إلا بطاعته ، فمن الذي أقبل عليه ولم ير كل مراد ؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة ؟ أو حظي بغرض من أغراضه ؟ اهـ يظل العنكبوت من حين يولد ينسج لنفسه بيتاً ولا يقبل منّة الأم ، والحية تطلب ما حُفر لها إذ طبعها الظلم ، والغراب يتبع الجيف ، والصقر لا يقع إلا على الحيِّ ، والأسد لا يأكل البايت ، والخنفسا تُطرد فتعود . اجتمع عبد الله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان في فناء الكعبة فقال لهم مصعب تمنوا فقالوا : ابدأ أنت ، فقال : ولاية العراق ، وتزوّج سكينة ، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله فنال ذلك وأصدق كل واحدة خمس مئة ألف درهم وجهزها بمثلها . وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يُحمل عه الحديث فنال ذلك ، وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها ، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة وتلك همم القوم ، وآمالهم . ولقد قال الأول :
وقائلة : لم غيرتك الهموم وأمرك ممتثل في الأمم
فقلت : ذريني على غصّتي فإن الهموم بقدر الهمم
قم يا أيها الحبيب واركل كل عثرة في الطريق ، واكتب للناس قول القائل :
ومن يتهيّب صعود الجبال يعش أبداً تحت الحفر
قم يا أيها الفاضل إلى الدنيا ، قم فاكتب على صفحاتها قول القائل :
قلت للصقر : وهو في الجو عالٍ اهبط الأرض فالهواء جديب
قال لي الصقر : في جناحي وعزمي وعَنان السماء مرعىً خصيب
قم يا أيها الصادق إلى هذه الحياة الطويلة واكتب على صفحاتها ذكرياتك الجميلة . قم إلى الحياة فخلّد فيها معاني النضال والحرية الحقيقية ، قم إليها مبتسماً متفائلاً مقبلاً إقبال الهمام ولا يغرنّك ما فات منها فإنها لا زالت سانحة ، وفي العمر بقية ، وصفحة الحياة لا زالت بيضاء ، والقلم لم يغمد بعد . قم ولا تلتفت إلى كبوات الماضي فهي سلالم النجاح اليوم ، قم بشرط أن تكون متفائلاً ، راضياً ، هماماً ، طموحاً . هذه الحياة أحوج ما تحتاج إلى همة عالية ، وابتسامة صافية ، وتفاؤل عريض ، وقلب وفيٌّ حبيب ، وقبل ذلك وبعده صدق في الإقبال على الله تعالى فما نيلت الفردوس الأعلى إلا بآمال الفالحين الصادقين . هذه كلمات اجترتها تلك المقالة على صفحات الشبكة العنكبوتية .. وهي بعض ما أكتبه على جدار الزمن . والله يتولاك برعايته .
مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@hotmail.com
=============
**وتوقفت عجلة الزمن **
عطاء
هل من الممكن أن تنقضي دروس يتعلمها الإنسان في دنياه!!
أم أنّه في كل يومٍ يظفر بدرس ليضيفه إلى جعبة التعلّم..!!
في كل يوم ٍ يمضي في حياتنا يمرُّ سريعاً أو بطيئاً تُخطُّ في صفحات العمر حروفٌ تُحفر حفراً
لتكون أثبت وأبقى..
كيف لا وهي دروس وعبر ربّانيّة يسوقها العليم الخبير..!!
إنّ كل أنواع التعلّم تؤثر في النفوس..لكنهاقد تحتاج إلى تكرار مرةً بعد مرّة كيما تتأكد المعلومة..
أمّا تلك الدروس الربّانية المتفرّدة, تمثُل أمامك صورة مشاهدة جليّة لاغبش فيها
فلايستطيع القلب أن يلتفت عنها..أو يتشاغل بسواها, إذإنها, وإن غابت
عادت مرة أخرى في الذهن.لتبسط سلطان الاعتبار وبقوّة..فترى تلك الدروس هذه المرة تمارس طرقاً آخر على الشعور..تؤكد فيه المعلومة ,لكن بصورة لطيفة..
وفي هذه الصورةيتجلّى لك فيها لطف ربّاني..يعاودك مرة بعد مرة لتشرق نفسك بعبرة
عظيمة تخرج بها مختاراً لا مكرهاً..
ويتجلّى أمامك في موضعٍ آخر..درس تعجز النفس عن استيعابه لولا لطف الله عزوجل حينما
جعل هذه النفس تضطرب لهول الموقف ثمّ تسكن لمولاها..وتخرج بعبرة عظيمة يُطأطىء فيها
العبدرأسه معلناً إذعانه وإخباته لمولاه وسيده..
فترفع رأسك تسترق النظر..وتقرأ في صفحةالكون حروفاً رسمت.. درساً ربّانياً محكماً تسير فيه أنت ..فينطق لسانك ويذلُّ بعبرة عظيمة قد ترسخت في النفس وضربت أطناب العزة فيها
"ذلك لتعلموا أنّ الله على كل شيءٍ قديرٌ وأنّ الله قد أحاط بكلِّ شيءٍ علماً.."
لمّا يستفرغ أحدناوسعه للوصول لما خطط ورسم..ويسير نحو الهدف ..قد يعرض له ما يجعل
القدم تتعثر فتسقط..وتتألم..لكنه ليس سقوط تقصير..ولكنه تعثر ..يحصل منه التعلّم..ولابد.
تعثّر يجعلك تتوقف هنيهة لتوقف عجلة الزمن معك .فتحدث للقلب يقظة من سبات.وتحدّق ببصرك لمحل عبرة..لتحيط بك عزة العزيز..فتجري أسبابها بأمر الحكيم العليم ,فتقهرك وتغلبك وتوقفك في محلك عن سيرك..فتلتفت يمنة ويسرةتريد مخرجاً..لعلك تُغالب.أو تدافع...وهيهات أن تمكّن!!
كلّ ذلك..لتخرج من هذه العثرة بعبرة.. عبرةتحوط بقلبك ,فتطير به في علو..ليخرّ ساجداً عند العرش..معترفاً بربوبية الرب..مذعناً..أنّ العزيز لايغالب وأنّ قدرته لاتُقهر..فلو أمضى أمراً فلامانع..ولو عطّل أمراً فلا مدافع..
فسبحان من ذلت له أعناق العباد اعترافاً بربوبيته وقهره وغلبته..
=============
إنسانية الإنسان بين الديمقراطية والإسلام
د. خادم حسين بخش
يظن كثير من الباحثين أن الإسلام قد أجحف بالإنسان ,فلم يعطه حقوقه ,بل حجر عليه في أمور هو في أمس الحاجة إليها ، وقبل أن ندخل في جزئيات الموضوع يجدر بنا أن نقدم تعريفاُ موجزاً لكل من :(إنسانية الإنسان ) و(الديمقراطية ) و(الإسلام).
إنسانية الإنسان :
يٌقصد بإنسانية الإنسان منح ابن آدم كل ما يحتاج إليه , لإقامة الحياة الكريمة , من غير إفراط ولا تفريط .
الديمقراطية :
نظام الحكم الذي يكون الشعب فيه رقيباً على أعمال الدولة , بواسطة المجالس النيابية , وَلِنواب الشعب سلطة إصدار القوانين .
أو نظام حكم يحكم الشعب فيه نفسَه بنفسه بواسطة نوابه .
الإسلام:(2/34)
هو الاستسلام لله بالتوحيد , والانقياد له بالطاعة , والخلوص من الشرك والبراءة من أهله .
أو إقامة نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة .
بادئ ذي بدء لا مقارنة بين الإسلام والديمقراطية في كل ما تدعيها , لأن الديمقراطية نظام بشري , بينما الإسلام شَرْعُ مَنْ خَلَقَ الإنسان , ويعلم ما توسوس به نفسه , وما يحتاج إليه , وما يضره وما ينفعه ...، ولكن البشرية قد غاب عنها شرع الله لتخلى المسلمين عن تطبيقه في واقع الأرض , فأصبحت تطلب الهدى في غير منهجه .
ومن هنا اقتضى البحث المقارنة , وسأوجزها في هذا المقال الحالي في التشريع وسن قوانين.
التشريع :
من رحمة الله بالعقل البشري أنه لم يكلفه بالتشريع وسن القوانين , لعلمه الشامل عزوجل أن العقل غير قادر على تحقيق مصالح البشر , فإن ظفر بالمصلحة فيما مضى من الزمن أو فيما هو متلبس به، فإن مصلحتهم في المستقبل محجوبة عنه دون نزاع , ومن ثَمً يظل تشريعه قاصراً عن تحقيق مصالح البشر في كل حين وآن .
ومن هذا المنطلق كان التشريع أخص خصائص الألوهية , لا تتحقق عبودية الإنسان في النظام الإسلامي ما لم يحصر حق التشريع فيمن خلق وأوجد الكائنات .
وحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه ومجيئه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتلو قول الله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله , والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )سورة التوبة آية31 خير شاهد لذلك
قال يا رسول الله :(إنا لسنا نعبدهم )(فقال أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه , ويحلون ما حرم الله فتحلونه )قال (فقلت بلى , قال فتلك عبادتهم) الحديث أخرجه ابن جرير في تفسيره ج10 ص 114 .
فالمشرع بغير ما أنزل الله في ضوء تفسير النبي صلى الله عليه وسلم إله , نصب نفسه مالكاً من دون الله ,لإعطائه ذاته حقاً من حقوق الألوهية, وبهذا الوضع يأخذ في الناس مكان الإله المعبود , ويستخدم أخص خصائصه .
وإن جئت إلى التشريع في النظام الديمقراطي فهو حق من حقوق النواب , الذين انتخبهم الشعب لإدارة الحكم ,إذ تُعًرف الديمقراطية بأنها من الشعب إلى الشعب عن طريق الشعب , و كل نظام يعطي حق التشريع لغير الله آفته إنه يقسم شعبه إلى قسمين :سادة يشرعون ويحكمون , وعبيد يقع عليهم تِبِعَةُ التشريع والامتثال والتنفيذ ,
ومن هنا تفقد البشرية العدل والمساواة في ذلك النظام , وأبرز صور منافاة العدل والمساواة في النظم الوضعية الحالية وجود الحصانات المتعددة في الدساتير والقوانين .
أضف إلى ذلك أن المقنن البشري مهما حاول التوفيق بين مصالح البشر أجمعين ، فإنه محاط بِعَجْزَيْنِ بشريين لا خلاص له منهما :
1- جهله بعدم الإحاطة بالمستقبل , وما تُخفِى له أحداث الزمن , لذلك نجد قانون أم الديمقراطيات (بريطانيا ) ينص في تشريعه الوضعي المطبق في بعض مستعمراتها السابقة حتى الآن (أن من سرق ثوراً قيمته عشر روبيات يسجن ...)
وقد أكل الدهر وشرب على ثور قيمته عشر روبيات , ومن ثَمً نجد التشريع الوضعي في أغلب الأحيان متخلفاً عن أحداث الزمن , بخلاف شرع الله فإنه وضع الحل قبل وجود الأحداث في صورة تشريعات عامة، .
فملائمة الأحداث ومواكبتها من الشريعة أمر لا يحتاج إلى دليل , وتخلف التقنين الوضعي عن الأحداث أمر لا ينكره أحد.
2- إن المشرع البشري يَحْمل نفساً أمارةً بالسوء , مركبة من الهوى والميل إلى المحبوب والمُحْسِن , ومن ثم تجد التقنين الوضعي يجحف بطائفة على حساب أخرى .
وأغرب ما نشاهد في هذا الباب أن حزب العمال في بريطانيا إن جاء إلى الحكم يشرع قانون تجميد الأجور , وإن كان في المعارضة يؤلب الرأي العام لرفع الأجور , وما ذاك إلا لأن مقننيه يراعون مصلحته في كل الأحوال, وما يضر خصمه في كل الأحوال .
وأما التشريع الإلهي فإنه منزه عن هذه الملابسات , فالعدل الإلهي سوى بين البشر , فلم يفضل أحداً على أحد , وإنما حصر معيار التفاضل في التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) سورة الحجرات آية 13 . وتلك قِمَّة الإنسانية , واقرب لحظات الإنسان إلى ربه (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى...) سورة الإسراء آية 1 .
إزالة شبهة :
قد يقول بعض الناس إن الإسلام بحصر التشريع في يد الخالق قد ضيق الباب على أتباعه , لأن التشريع قد انقطع بوفاة محمد صلى الله عليه وسلم , بينما أحداث البشر ما تزال كل يوم في جديد , فكيف يحل تشريع منقطع غير متجدد مشاكل الحياة المتجددة ؟
ما أسهل الرد على هذه الشبهة , إذا علمنا أن الله أرسل محمداً خاتماً للرسل عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم , وأن دينه خاتم الأديان , فلم ينزل عليه تشريعات جزئية , كما كانت تنزل على الأنبياء والرسل السابقين عليهم السلام , بل أنزل في دينه الأخير تشريعات عامة , وقواعد جامعة , تندرج تحتها الجزئيات التي حدثت أو التي ستحدث في المستقبل .
فمثلا لو جئت إلى تشريعات الإسلام في اللباس , تجدها تمنع الإسراف والتبذير , وما يؤدي إلى التباهي والتبختر وما يجسد عورة الرجل أو المرأة ...فكل لباس خلا من هذه العيوب فيما مضى أو فيما سيأتي فهو لباس إسلامي , سواء كان على شكل قطعة أو قطعتين ..., وسواء كان مرتديه اندونيسيا أو هندياً أو نيجيرياً ...
وهكذا الأمر في أغلب تشريعات الإسلام , نجدها عامة , تحتوى الأحداث السابقة واللاحقة , وأما التشريعات الجزئية فهي قليلة جداً .
أضف إلى ذلك أن العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومن له إدراك بمرامي التشريع قد يجتمعون لإعطاء حدث ما حكماً شرعياً , كما أعطاهم الشرع أن يقيسوا الأحداث اللاحقة على الأحداث السابقة لإعطاء الحكم للمستجدة منها بشروط وضوابط معروفة , ولهم أيضاً أن يجتهدوا وأن يراعوا المصالح المرسلة في الأحداث غير المنصوصة في ضوء النصوص الشرعية العامة . وبذلك تظل حلقة التشريع الإسلامي كاملة متواصلة دون انقطاع .
وبهذا المنهج الإسلامي لا نجد شيئا ًيَنِدُ عن شرع الله عزوجل ,فما من حدث سيقع إلا ويجد العلماء والفقهاء له حلا ًفي ضوء الكتاب أو السنة أو القياس أو الاجتهاد أو المصالح المرسلة , وبذلك يغطى شرع الله كل أحداث الحياة السابقة واللاحقة .
كلمة أخيرة :
ويمكنك الآن أن تدرك أي النظامين يحقق للإنسان إنسانيته , نظام يشرع فيه البشر لبشر مثلهم , لا يخلو من الإجحاف أو غياب المصلحة البشرية في المستقبل , ونظام جاء من عند العليم الخبير , المطلع على احتياجات الإنسان فيما مضى وفيما سيأتي .
فلا يشك عاقل أن مشرعاً غاب عنه أمر المستقبل يقصر تشريعه عن تحقيق متطلبات الإنسان , ومشرع خلق الإنسان ويعلم دخائله , المستقبل عنده كالماضي والحال , فإن تشريعه يحقق للإنسان إنسانيته , من غير أن يتعدى أحد على أحد أو أن يكون له مصلحة في زيد دون بكر .
فالديمقراطية تنتج الشرك في نظر الإسلام , ومن ثَم لا يصح وصف الإسلام بالديمقراطية , رغم وجود نقاط الاتفاق في الحقوق والضمانات , فقد تمر الديمقراطية في تحقيق بعض الحقوق الإنسانية بخط الإسلام , بيد أن هذا المرور لا يصوغ صبغ الإسلام بالديمقراطية , للفارق الضخم في البناء والأساس.
كتبه د/ خادم حسين إلهي بخش
المشرف على موقع صوت الحق
أستاذ العقيده بجامعة الطائف
==============
أيها الجيل لماذا هذا الجمود
فهد بن يحيى العماري
أيها الجيل :(2/35)
إنه مع إشراقة الشمس المتكررة كل يوم وبزوغ الفجر مع كل صبح ينمو الطفل حتى يصير رجلاً والغرس حتى يصير شجراً والشجر حتى يكتسي ثمراً والهلال حتى يصير بدراً وهكذا سنة الله .
كثير من المخلوقات ينمو ويتحرك ، الكل في حركة وسباق ، الزمن يمر مر السحاب والصوت يسعى إلى منتهاه والضوء ينطلق إلى مداه.. لكن العجب كل العجب أن ترى ذلك المخلوق الموهوب عقلاً يفكر به ويتأمل وينظر .. وقلباً يحس به ويشعر ويتلمس .. ساكن .. مع أن دوام الحال من المحال .
تنقلب الحقائق وتتغير سنن الفطرة فيقف العقل عن التفكير والقلب عن الإحساس ، جمود ووقوف ، سكون ودعة دون تقدم وتحرك وتيقظ .
نعم تلتقي بإنسان في عهد الطفولة أو ريعان الشباب والفتوة ثم تغيب عنه حقبة من الزمن تكثر أو تقل فتلتقي به مرة أخرى وإذا به نما وشب وترعرع طال جسمه وعرضت مناكبه وتغيرت سيارته ومنزله وملبسه لكن العقل هو العقل والتفكير هو التفكير والحديث هو الحديث وربما الإيمان هو الإيمان .
لم يكتسب خلقاً ولم يزدد علماً وإيماناً ولم يترق في معارج الخير والفضيلة هو هو .. عبادة وعلماً ودعوة وثقافة فلماذا هذا الجمود ؟
مع أن الوقوف يعني الهبوط كما قال ابن القيم رحمه الله : ( فالعبد سائر لا واقف : فإما إلى فوق وإما إلى أسفل ، إما إلى أمام وإما إلى وراء ...ليس هناك وقوفٌ البتة ما هي إلا مراحل تطوى إما إلى جنة وإما إلى نار ) وإذا بابن الجوزي رحمه الله يقول : ( كتبت بأصبعي ألفي مجلد وتاب على يدي مائة ألف وأسلم على يدي عشرون ألف ) تذكرة الحفاظ 2/712 .
فيا أيها الجيل المنتظر : لابد من التحرك والحيوية والنشاط في الطريق إلى الله فكلٌ يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها فأيُّ الغاديين أنت؟ الحركة ولود والسكون عقيم ، الحركة بداية والسكون نهاية.
فيا من عرف طول الطريق وقلة الزاد وبعد السفر ونفاسة المطلوب وخساسة الدنيا ...حدد الأهداف وارسم الطريق والمبتغى رضا الله والجنة وهكذا حتى تلقى الله .
فالعبادة باسمها الجامع طريق إلى الجنة والدعوة إلى الله وطلب العلم والجهاد كلها طرق إلى الجنة وكلها طرق لصلاح النفوس وتهذيب القلوب فاسلك الطريق وعليك السؤال إن أردت الوصول واحدو نفسك إن شئت لسماع شريط ( كلانا على خير للدويش ) وقراءة كتاب ( التنازع والتوازن لموسى بن عقيل ) حتى لا تتيه وتتخبط يمنة ويسرة فتمل وتخفق وينقطع بك المسير كما هو حال الكثير ..
إذا أنت ضيعت الزمان بغفلة *** ندمت إذا شاهدت مافي الصحائف
فهبوا أيها الشباب إلى تلك المجالات ، كل واحد منا يعمل على قدر استطاعته وتخصصه هاهم العلماء يرحلون كنظام قُطع سلكه وقد قدموا الكثير والكثير وجاء دوركم أيها الجيل ..
الزمن القادم في انتظار . . فمن يمسك بالزمام !؟
إني رأيت وقوف الماء يفسده *** إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما فترست *** والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة *** لملّها الناس من عجم ومن عرب
غيِّر وسطك تنطلق
البعض من الناس يعيش فترة من الزمن في وسط ما ، وإذا به يقلب أوراقه وصفحات عمره والسنين الطوال التي قضاها داخل المحضن فيجد أنه لم يزدد من الخير إلا قليلاً أو ما يزال في نقص مستمر وتقهقر دائم ، عاجز عن فعل الفضائل والتقدم نحو المكارم وربما أصاب شيئا من المحرمات والكبائر ، أصبح الرضا بالدون سبيله والوقوف عند الواجبات غايته ، رفع شعار العجز والاعتذار ، وحفر حفرة لدفن المواهب والأفكار ، نصب راية مكانك سر وعند البعض المهم النجاح دون النظر إلى التفوق والسمو .
وإذا به بعد تفكير دائم يريد أن يغير حياته ويتقدم لأن دوام الحال من المحال . لكن المحيط الذي يعيش فيه يكون عائقاًله عن ذلك : إما لعدم المعين وإما لأنه قد عُرف عنه الضعف وعدم الجد أو لمعرفة الآخرين بعض أخطائه وعيوبه . فإذا جدّ وبذل ونصح واقترح وجدَ من يهزأ به أو لايتقبل منه أو من يعيره ، حينها كان لزاماً عليه تغيير الوسط والمحيط وكما قيل ( غير وسطك تنطلق ) .
كلمة رائعة وقاعدة ثابتة وعلاج شرعي نافع وميدان مجرب ونصيحة المربين ودواء لمن اشتكى من داء السآمة والملل والضعف والرجوع إلى الوراء .
فمن العوامل المساعدة على تجديد الحياة والانطلاقة من جديد نحو تربية جادة والارتقاء بالنفس نحو غايات نبيلة وأهداف سامية تغيير الوسط وقد أرشد القرآن والسنة إلى هذا العلاج قال تعالى في قصة بلقيس :{ وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين } وفي قصة القاتل مائة نفس أرشده العالم إلى التوبة وأن يغير بلده فإنها بلد سوء ونصه {اخرج من القرية الخبيثة التي أنت فيها إلى القرية الصالحة قرية كذا وكذا } (49) وكذلك كان من دواعي الهجرة إلى أرض الحبشة والمدينة تغيير البيئة والمحيط وإيجاد المعين والناصر بعد الله . لذا كان على المربين فيما بينهم إحداث تنقلات بين الأفراد الذين يمكثون سنين طويلة في محاضنهم ولا يُرى عليهم كثير تغير وصلاح أو عند أحدهم مشكلة داخل المحضن أو أن المحضن ابتداءً غير مناسب له من حيث الفروق الفردية والتربوية إما أقل منه أو أكبر (50) .
وأضع لتلك النقلة شروطاً اجتهادية :
أ- ألا يترتب على تلك النقلة تأثيرات سلبية على الفرد ذاته أو المحضن المنقول إليه .
ب- ألا يتسرب سبب نقله إلى أفراد أحد المحضنين إلا إذا وجدت المصلحة سواء كان الإخبار على مستوى الفرد أو المحضن كله .
ج- أن يوليه المربي الآخر بشيء من الاهتمام ولا يفضله تفضيلاً واضحاً أمام المتربين السابقين ويقدمه عليهم مباشرة .
د- ألا يُخبَر المربي الآخر بكل شيء فعله المنقول أو صفاته السلبية وأخطائه إلا في حدود ضيقة جداً وإذا لزم الأمر .
هـ- ألا يغادر المحضن الأول إلا بعد تهيئة المحضن الثاني المناسب له من حيث الفروق الفردية والتربوية كالعمر والمستوى الدراسي والقدرات .
و- مباشرة الانتقال للمحضن الآخر بعد الأول بحيث ألا يوجد بينهما وقت كبيرلئلا يفتر المنقول أو تتنازعه الأهواء والأفكار وشياطين الإنس .
تنبيه : إذا رفض المتربي الانتقال أو إذا انتقل فإنه لن يذهب إلى المحضن الآخر ، حينئذ بقاؤه أولى إلا إذا كان فيه مفسدة متعدية .
ز- أن يكون النقل آخر العلاج .
ح- أن يكون النقل بالتدرج إذا احتيج إليه ( أي التدرج ) .
ط- تهيئة من يقوم بأعمال المنقول للقيام بعمله حتى لا يتوقف العمل.
وعلى المتربي إذا انتقل ألا يُخرج عيوب وأخطاء المحضن الأول أو المربي السابق على سبيل التشفي أو النقد أو غير ذلك متأولاً ومبرراً لنفسه بعض الأمور وأن النقل لا يعني قطع العلائق ونسيان الود والأخوة .
وربما المربي يرفض نقل المتربي والسماح له فيضطر المتربي حينئذ لافتعال المشكلات بينه وبين المتربي أو الأفراد ليترك المحضن فعلى الجميع حينئذ النظر إلى المصالح والمفاسد وإيجاد الحلول والبدائل .(2/36)
وتارة يكون المربي هو الذي يحتاج إلى النقل لأي سبب من الأسباب سلباً أو إيجاباً :إما لخطأ صدر منه أفقده شخصيته أو لوجود مشكلة وغيرها فيحتاج النقل إلى حكمة ومعالجة دقيقة حتى لا يفتقد في أي مجال من مجالات الإصلاح ولا ننسى أن الأخطاء تارة تكون في حق الله وتارة في حق الأشخاص وتارة اجتهادية لاتصل إلى محرم وكلٌ له طريقة في العلاج والعقاب ولنزن الأمور بميزان العدل والتعقل ولا يأخذنا الحماس غير المنضبط والعجلة في الأحكام والانتصار لأنفسنا ولنتأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في معالجة الأخطاء (51) .
برنامج مقترح لطالب العلم المبتدئ :
إن طلب العلم اختلفت طرائق العلماء ومناهجهم فيه وذلك لعدة أسباب :
1- المدينة التي يسكنها الإنسان وتوفر العلماء والدروس فيها .
2- الظروف التي تحيط بالإنسان من حيث الوقت والعمل والحالة الاجتماعية .
3- فهم الإنسان ومداركه وقدرته وجلده في التلقي والقراءة .
وبالنظر إلى من يطلب العلم الشرعي تبين أن بعضهم طلاب علم أقوياء أذكياء فصحاء ، حديثهم درر من العلم لا تمل جلوسهم يذكرونك بالعلماء ومنهج العلماء والبعض الآخر يتخبطون على غير منهج يبدأون من وسط الطريق أو من آخره فضلَّ فهمهم ولم يحصلوا علماً ولم يتقنوا فناً ولم يسترشدوا ويسألوا بم يبدأون ؟ أو أنهم دائماً يسألون كيف نبدأ وبم نبدأ ؟ وكلما رأوا طالب علم أو داعية سألوه هذا السؤال حتى أصبحوا في حيرة من أمرهم أو قلَّ حماسهم وأصبح شغلهم الشاغل السؤال لا طلب العلم .
فبناء على ذلك فقد وُضع هذا المنهج قريباً من منهج الأولين اجتهاداً بعد استشارة وأخذٍ للآراء فيه من بعض الدعاة وطلاب العلم سائلاً المولى أن ينفع به وقد قسمته إلى قسمين :
كان السلف رحمهم الله أول ما يبدأون بحفظ كتاب الله مع تجويده فإن لم يتيسر فيكون مواكباً لطلب العلم وللأسف نجد أن بعض الشباب لا يهتم بحفظ كتاب الله ،يمكث سنوات في حياة الالتزام ولم يحفظ ولو جزء يسيراً أو يحدث نفسه بالحفظ ،فكيف يقوم الليل ، وكيف يأمر أبنائه وإخوانه بالالتحاق بحلق القرآن ، وكيف يؤم المصلين ويكون من الذاكرين ويعظ الناس بكتاب رب العالمين ، فالبدار البدار لحفظ القرآن ولاتكن من المحرومين .
هبوا إليه لحفظه وتأهبوا *** وارجوا رضا الرحمن صبحاً والمسا
الأول : ويندرج تحته عدة علوم .
1- أول ما يجب على الإنسان تعلمه هو: التوحيد لتصحيح إيمانه الذي سيلقى به ربه ويُنصح المبتدئ بكتاب الأصول الثلاثة وكتاب التوحيد ومسائل الجاهلية للشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - .
2- فقه الأحكام لتصحيح العمل : عمدة الفقه لابن قدامة رحمه الله .
3- الحديث : الأربعين النووية مع زيادة ابن رجب وشرحها جامع العلوم والحكم مع عمدة الأحكام حفظاً وشرحاً .
4- التفسير : تفسير ابن سعدي - رحمه الله - أو الجلالين مع التنبه لما فيه من الملاحظات .
5- السيرة : الفصول في اختصار سيرة الرسول لابن كثير .
6- النحو والصرف : الأجرومية .
ثانياً : ويندرج تحته عدة علوم .
1- أصول الفقه : الورقات للجويني .
2- المصطلح : البيقونية .
3- الفرائض : الرحبية .
4- علوم القرآن : مقدمة التفسير لشيخ الإسلام .
5- مفردات اللغة : القاموس المحيط .
6- البلاغة : التلخيص للقزويني .
وصايا :
أ- أخلص عملك فإنما الأعمال بالنيات .
ب- احرص على القراءة على شيخ (52) متقن بعد حفظ متن العلم المراد .
ج- استغلال الوقت مع تنظيمه ما بين قراءة وحفظ ومراجعة وراحة دتدرج داخل العلم الواحد فابدأ بالسهل ثم المتوسط ثم العالي .
هـ- لابد لك من قدر من الذكاء فإن لم يكن فتعلم فروض الأعيان ثم اتجه إلى حقل تفيد الأمة فيه .
و- اجمع بين العلم والعمل ولا تكن فتنة للناس .
ز- لا تفتك فائدة حتى تكتبها فالعلم صيد والكتابة قيده .
ح- لا تطلب على مبتدئ أو مبتدع .
ط- تواضع لمن تأخذ عنه ومن تصاحبه .
ي- عليك بالدعاء إذا استشكل شيء عليك واصحب ذلك بالسؤال .
ك- اسأل من تقرأ عليه ما الكتاب الذي تنتقل إليه بعد ضبط ما أخذت عليه .
ل- إياك والفتيا بغير علم وعود لسانك على قول لا أدري إذا كنت لاتدري .
م- ليكن لك مرجعية في تحصيل العلم والزم يا طالب العلم مبدأ الشورى في شؤون حياتك واحدو نفسك لسماع شريط ( فقه الاستشارة للشيخ / ناصر العمر )
كتب للقراءة العامة :
أخي طالب العلم : إن العلم لا يكون بالتلقي فقط بل لا بد من القرآءة والعكوف عليها ولا يمكن لطالب العلم أن يكون طالب علم قوي التأصيل والاستدلال والحجة، فصيح اللسان ، متكلماً واعظاً حتى تصبح القراءة شغله الشاغل فلاتكاد تراه أو يعيش فراغ أو يشعر بملل وسأم بل أصبحت الكتب ضرائر لأهله ومحبيه لأنها أخذت قلبه وعقله عنهم والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء .
ماتطعمت لذة العيش حتى *** صرت للبيت والكتاب جليساً
ليس شيء عندي أعز من العلم *** فما أبتغي سواه أنيساً
فعود نفسك على ورد يومي من القراءة والاطلاع ولو قلَّ وشيئاً فشيئاً حتى تصل ( والقطرة الدائمة تصبح سيلاً عظيما ً) .
وأضع بين يديك كتباً للقراءة العامة جعلتها على مرحلتين اجتهاداً :
الأولى :
1- جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر .
2- الأخلاق والسير لابن حزم .
3- حلية طالب العلم لبكر أبو زيد .
4- التبيان في آداب حملة القرآن للنووي .
5 - رسائل عبد الملك القاسم .
6- علو الهمة لمحمد المقدم .
الثانية :
1- غذاء الألباب للسفاريني .
2- تهذيب مدارج السالكين للعزي .
3- معجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد .
أخيراً :
يا أخوتي ليس لي منكم سوى طلب *** هل يخذل الأخ من في الله آخاه
فلا تخلُّ أخاكم من دعائكم *** بظهر غيب وستر الليل أرخاه
جعلنا الله وقراء هذه الكلمات ممن قصد وجه الله فرضي الله عنه وأرضاه وإلى لقاء آخر يسره الله بمنه وكرمه على طريق الدعوة والداعية والمدعو وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
فهد بن يحيى العماري
مكة المكرمة
ص.ب : 20268
ammare1395@maktoob.com
احصل على نسخة من كتاب : فتح آفاق للعمل الجاد ..للشيخ فهد العماري
للقراءة : فتح آفاق للعمل الجاد
للقراءة : دعوة للمصارحة : أسباب ضعف العمل الدعوي
للقراءة : من فنون التعامل : التعامل مع ظاهرة التعلق بالأشخاص
للقراءة : أيها الجيل
--------------------------
الهوامش
(49) رواه البخاري .
(50) نجد أن بعض الشباب ذكي وجاد لا يقبل برامج المحضن لكونها أقل منه فتجده يثير إشكاليات مع المربي لا يوافقه عليها أو يكثر تخلفه ومصادماته مع المتربين في بعض الأمور أو لا يقبل بعض التصرفات فيمكن إيجاد برامج مقوية له ولا يفرط به وإذا لم يتوصل لحل مناسب فيمكن نقله إلى محضن مناسب له .
(51) أنصح بقراءة كتاب الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس للمنجد .
(52) نجد بعض الشباب لا يجد لأحد المشائخ درساً في الكتاب الذي يريد أن يقرأه أو تجده لابد أن يطلب العلم على كبار المشائخ المشهورين وهذا مطلب لكن إن لم يتيسر فالتوقف أو الانتقال إلى فن أو كتاب أعلى ليس حلاً وليقرأ على غير المشهورين أو طلبة العلم المتقنين ولقد قال ابن المبارك رحمه الله " إنما ينقل الأصاغر العلم عن الأكابر" فإن لم يتيسر فيقرأ مع بعض زملائه أو لوحده في الشروح الميسرة أو الاستماع للأشرطة مع تقييد المشكل واختيار أحد المشائخ في تخصصه وسؤاله عن المشكل ولو هاتفياً أو الذهاب إليه إن تيسر .
==============
مع العام الدراسي
الشيخ فيصل الشدي(2/37)
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: اتقوا الله ـ معاشر المسلمين ـ في سرَّكم وعلانيتكم، فغدًا تبلى السراء، وتكشف الخبايا، والناجون هم الصادقون المتقون، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].
عباد الله، انقضت الإجازة، وطويت فيها صحائف، ورحل فيها عن الدنيا من رحل، وولد فيها من ولد، وأطلّ على الدنيا خلالها جيل جديد وعمّر من عمرّ، {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر:11].
وإن المتأمل للمسافة التي بين امتحانات الفصل الماضي وبدء الدراسة في هذا الفصل الحالي وإن كانت قصيرة في عمر الزمن إلا أنها طويلة في حساب المكاسب والخسائر.
أجل، لقد غنم فيها قومٌ وخسر آخرون. وعملة الزمن تدور على الجميع، لكنهما لا يستويان، ذاك يطوي صفحات من الحسنات في الصالحات الباقيات، في خطوات تقربه إلى روضات الجنات، وذاك يعبَّ فيها من سجلات السيئات في الطالحات الموبقات، في استدراج يدنيه من دركات النار عياذًا بالله.
وليعُد كل منا بذاكرته إلى الوراء قليلاً، إلى بداية إجازته، وليحاسب نفسه: ماذا جنى؟ ماذا قدم؟ هل تقدم للخير أم تأخر؟ هل ازداد من الصالحات أم قصّر؟ تالله، لتسعدنَّ أقوام عندما تذكر أنها حفظت في إجازتها من القرآن جزءًا وقرأت شيئًا كثيرًا واستفادت علمًا عظيمًا ووصلت رحمًا وزارت بيته الحرام فأكثرت من طاعاته وصالحاته، وأقوام أخرى لا تذكر من صيفها إلا سهرًا وصخبًا، ليلها نهار، ونهارها ليل، غارقة في بحر شهوتها، منغمسة في نشوة سكرتها، ثم الحسرة والندامة في الدنيا قبل الآخرة، والآخرة أشد وأنكى.
إخواني في الله، ويوم غدٍ يوم بدء الدراسة، مشهَد حافل وملتقى هام، في هذا اليوم تستأنف رحلة العلم، وتبدأ مسيرة الفكر، وتفتح حصون العلم، وتهيأ قلاع المعرفة، يبرق فجر غد والناس أمامه أصناف، والمستقبلون له ألوان، بين محب وكاره، ومتقدم ومحجم، ومتفكر ومتحير، ومتفائل ومتشائم.
كم من محب لهذا اليوم يترقب قدومه بفارغ الشوق، وكم من كاره له يتمنّى لو أن بينه وبينه أمدًا بعيدًا. وإني بهذه المناسبة المهمة أوجه رسائل عدة، علها تكون نذر خير ورقاع إصلاح ومشاعل هداية تضيء لقائلها وسامعها الطريق، وتهدي جميعنا السبيل:
الرسالة الأولى إلى الطلاب والطالبات: أُخيّ يا رعاك الله، إنه ليتألم الفؤاد ويضيق العقلاء ذرعًا عندما نراك حزين القلب كسير النفس، لمه؟ لأن الدراسة غدًا. يا لله ألا ترى أمم الكفر شرقيها وغربيها تفاخر الأمم بصناعتها وتعلمها وأجيالها؟! وأنت تتبرم كثيرًا، وتعطي الدعة والكسل والراحة من وقتك شيئًا كبيرًا، قل لي بالله عليك: ماذا تتعلم في مدرستك؟ ألست تدرس كتاب الله وتتعلم توحيد خالقك وتتفقه في دينه وتقرأ شيئًا من تفسير خطابه وتسمع لطرف من سنة نبيه وغيرها من المواد والتجربة التي تبصرك في أمر دنياك؟! أأنت تكره هذا؟! لكنها الحقيقة يوم تغيرت النيات، وأصبح العلم لينال به الرتب وتستلم به الشهادات ويرتقى به في درجات الوظائف والمرتبات، أصبح العلم هنا ثقيلاً، وإلا أسلافنا طلبوه في حرّ الرمضاء وفي الليلة الظلماء، لحاف بعضهم من أديم السماء، وفراشه الغبراء، ومع ذلك لذته فيه لا توصف، ونهمهم منه لا ينتهي، لمه؟ لأنهم طلبوه لله، نعم لا لغيره، طلبوه ليكشفوا عن وجوههم أقنعة الجهل، ويخلعوا عن أكتافهم أردية الجهالات.
اسمع لأحدهم وهو يصفه، ولكأنه يصف لك ما أحسّه وهو ابن القيم رحمه الله إذ يقول: "العلم هو حياة في القلوب ونور البصائر وشفاء الصدور ورياض العقول ولذة الأرواح وأنس المستوحشين ودليل المتحيرين، به يعرف الله ويُعبد ويُذكر ويوحّد ويحمد ويمجّد، به اهتدى إليه السالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومنه دخل عليه القاصدون، به تعرف الشرائع والأحكام وتمييز الحلال والحرام، وبه توصل الأرحام، وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب، هو الصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والأنيس في الوحشة والكاشف عن الشبهة، مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل الصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام" انتهى كلامه.
أخي يا رعاك الله، أبعد هذا تزهد في عظيم هذا شأنه وكبير هذا شيء من وزنه؟!
فالله الله، اطلب العلم بإخلاص وتجرّد، والله يسدّدك ويؤيدك، ومن ثم إن كنت تريد فهو عزيز المنال، يلزم أن تحسن فيه المقال، وأن تزين بأخلاق العلم، وأن ترتدي لبوس العلماء، كن صبورًا، ذا خلق رفيع، فلن ينال العلم مستكبر ولا أحمق، ولتعلم بل ليعلم الجميع أن الأمة والأجيال الناشئة إذا لم تقدر معلميها ومربيها فعلى الأمة السلام.
اجعل أمام ناظريك قول حبيبك صلى الله عليه وسلم : ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة))، واجعل في سويداء قلبك قول ربك وخالقك: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ} [البقرة:282]، جدّ واجتهد، ولا يغرنك كثرة البطالين؛ فإن ابن عطاء الإسكندري يقول: "من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة".
الرسالة الثانية إلى المعلمين والمعلمات: إلى رعاة الجيل وأمنة التعليم ورواد العلم وسُلّم الرقي، أنتم بيت القصيد ومحط الركب، بين أيديكم عقول الناشئة وعدة المجتمع وأمله، عليكم تعقد الآمال، ولسنوات عدة تحط عندكم الرحال، نبيكم صلى الله عليه وسلم أكبر شأنكم وأعلى مقامكم، ألم يقل فيما صح من سنته: ((إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير حتى النملة في جحرها))؟!
فجملوا عملكم بالإخلاص، فأجر الدنيا آت، وإلا فأجر الآخرة أعلى وأبقى. كم هدى الله بكم من ضال، وكم أنقذ بكم من عمى، وكم بصر بكم من جهل. أنتم مشاعل الهدى ومصابيح الدجى، كلاَّ ليس هذا خيالاً أو تلاعبًا بالأقوال، بل هو الحق ـ وربي ـ أقوله.
يُكدر الخاطر ويكسر الناظر عندما نراكم تتبرمون من الأجيال وتتضجرون من الناشئة، نسمع هنا وهناك بعض صيحاتكم أن الأجيال تغيرت، الملهيات كثيرة، لكن قولوا لي بربكم: ماذا ينفع تضجركم؟! وماذا يجدي تبرمكم؟! اليأس والقنوط سمة الكفار، { إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87]، ابذلوا ما تستطيعون، وقدموا ما تطيقون، زاحموا الشر الذي ترون، واعلموا أن الله يؤيدكم ويسددكم، والحق أبلج، والزبد جفاء.
اجتهدوا في تعليمكم، وضعوا رقابة الله دائمًا نصب أعينكم قبل رقابة البشر عليكم، ولا يكن شبح الامتحان همكم الوحيد. تخلقوا بالخلق الحسن، اصبروا وارحموا واعطفوا، فإن من المعلمين من تبقى ذكراه عاطرة في أذهان طلابه، ومنهم من لسان حال طلابه ومقالهم مستريح ومستراح منه. واعلموا أن الدارسين يسمعون بأعينهم أكثر من سماعهم بآذانهم، فالقدوة الحقة في الفعال قبل الأقوال.(2/38)
وثمة رسالة ثالثة إلى الآباء وأولياء الأمور أقول فيها: معاشر الأولياء، أنتم شركاء للمدرسة في مسؤوليتها، وإننا نشكو مِن قِصر نظر بعض أولياء الأمور، تسأله عن ابنه فيبادرك أن قد أكمل الجوانبَ الفنية والوسائل الحاجية، فقد أمّن له الأدوات المدرسية، بل وبالغ فيها وأسرف وشكّل ولون، حتى إنك لتجد بين يدي الطلاب غرائب الأدوات مما لا حاجة لهم بها، بل وربما كسر قلوب الفقراء الذين لا يجدون ما يوفرون به هذه المتطلبات، وإني بهذه المناسبة لأدعوك عندما تذهب تشتري حاجيات أبنائك الدراسية أن تنظر إلى طفل أو ولد في عمر أبنائك، بل ولربما كان يدرس مع أبنائك في مدرسة واحدة، أبناؤك قد سعدوا بحقائبهم وأدواتهم، وهو حسير الطرف كسير النظر، فينظر إليهم وهو محروم مما في أيديهم، لمه؟ لفقره وقلة ما بيده، لذا فإن من تمام نعم الله أن قامت جمعية البر الخيرية في هذا البلد بمشروع جميل وعظيم ألا وهو الحقائب المدرسية، توزع على أبناء الفقراء، وفيها ما يحتاجونه من أدواتهم، فلا تحرمنّ نفسك المشاركة في الأجر، فقلَم يكتب به مِن صدقتك كفى به أجرًا كثيرًا.
ويأتي السؤال مرة أخرى للأولياء: هل تابعت أبناءك دراستهم؟ هل زرت مدارسهم وسألت عن حالهم؟ إن من الآباء من آخر عهده بالمدرسة تسجيل أبنائه فيها! هل اخترت جلساء ابنك؟ هل عرفت ذهابه وإيابه؟ اصحبه للمسجد ومجامع الخير، علمه مكارم الأخلاق، صوِّب خطأه واشكر صوابه، واعلم أن تربيتهم جهاد، وأعظم به من جهاد تؤجر عليه، علَّك إذا كنت في قبرك وحيدًا فريدًا تأتيك أنوار دعواتهم في ظلَم الليالي تنير لك قبرك، وتسعدك عند ربك.
وأما الرسالة الرابعة والأخيرة فأفردتها لعظمها وهي موجهة للجميع طلابًا كانوا أم معلمين أم آباء، أقول فيها: إن الأمة مقبلة على مستقبل مخيف، تتناوشه أطروحات غريبة ومطالب عجيبة، أهل الشرّ فيه أجلبوا بخيلهم ورجلهم على إفساد شباب الأمة بما أوتوا من قوة، ولست أقول هذا تشاؤمًا، بل والله إني متفائل، ولكن هذا الطوفان لا بد له من رجال، لذا فعلينا جميعًا أن نتكاتف لنحقّق الهدف الأسمى والمطلَب الأعلى من التعليم، ألا وهو العمل. فما قيمة العلم بلا عمل؟!
إن رسالة التعليم لا تعني في أهدافها أن يحمل الطلاب على عواتقهم كمًّا من المقررات طيلة فصل أو عام ثم يتخففون منها بأداء الامتحان، إن رسالة التعليم لم تبلغ غايتها إذا حفظ الطالب أو الطالبة نصوصًا في أهمية الصلاة وكيفيتها وشروطها وواجباتها وهو لا يصلي إلا قليلاً أو يصليها على غير ما تعلمها، إن رسالة التعليم لن تحقق هدفها إذا كان الطالب يقرأ في المدرسة موضوعًا في مادة المطالعة وغيرها عن الصدق وبعده بهنيهة يكذب على معلمه وزملائه، إن رسالة التعليم لن تحقق غايتها إذا كان الطالب في المدرسة يكتب موضوعًا في التعبير مثلاً عن الوالدين ويحليه ويجمله ثم هو يخرج من المدرسة ليرعد ويزبد على أمه ويعرض عن أمر أبيه. وهذا ـ والله ـ فِصام نكِد نعانيه في حياتنا، لكن التقصير من الأطراف كلها حاصل، فلا بد من تلافيه، المدرسة والمعلمون يسعون بالتوجيه والتربية بالأسلوب الأمثل، ويكونون قدوة في فعالهم قبل مقالهم، والآباء والأمهات يسعون لأن يكون البيت خالٍ من وسائل الانحراف وفساد الأخلاق، ويسعى للصحبة الصالحة لهم ما استطعنا لذلك سبيلاً، وقبل هذا وبعده دعاء ربّ العالمين والله يقول: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [القصص:56].
=============
المصيف في ميزان الإسلام
أبو عبد الرحمن .. سامح
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد
أيها الأخ المبارك : هذه رسالة كتبتها بمداد الحب وسطرتها وقد سكبت فيها من روحي لعلها تصل إلى روحك .. كتبتها وأنا أسائلك أن تصحبني بعقلك الذي يمنعك من ارتكاب كل قبيح، بعيداً عن التشنجات والمغالطات والمهاترات التي لا تغني من الحق شيئاً .. أي نعم .. أريد أن أتحدث إليك أنت أخي حديثاً أخصك به، فهل تفتح لي أبواب قلبك الطيب، ونوافذ ذهنك النير، فو الله الذي لا إله غيره إني لأحبك .. إن موضوعي معك هو ما تفكر فيه الآن، وتبحث عن مكان يناسبك ويلائمك أنت وأسرتك وربما أعددت العدة له .. نعم .. هو النزهة والترفيه عن النفس .. إننا لا نعتب عليك بادئ ذي بدء أن تفكر في هذا الموضوع فالنفس مجبولة على ذلك وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا نعتب عليك أن تأخذ أسرتك وأولادك في نزهة برية أو رحلة خلوية أو غيرها، وإن غير ذلك يعتبر مصادمة للواقع فلابد من الترويح عن النفس ، ولابد من التخفيف عنها .. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " .. ساعة وساعة " . [ صحيح ]
ساعة و ساعة
نعم ساعة و ساعة .. لكن هل يعني ذلك أنها ساعة للطاعة وساعة للمعصية !؟ هل المراد ساعة لربك، وساعة لنفسك تفعل فيها ما تشاء وتختار !؟ إن هذا المفهوم لا يمكن أن يحتمله كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أن يفهم منه إذ كيف يتصور أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمعصية ربه ، والتعدي على حدوده؟! وانتهاك محارمه؟! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يغضب لنفسه، ولكن إذا انتهكت محارم الله اشتد غضبه ، واحمر وجهه .. فكيف يأذن إذاً بالمعصية وهذا منهجه؟ وهذه طريقته؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .. إن المفهوم الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ساعة وساعة " هو ساعة لطاعة الله I، وساعة يلهو بلهو مباح .. يقول الله I : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) [القصص: 77] هاهو ربك I يأمرك أن تستعمل ما وهبك من المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة ( وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والمساكن والمناكح .. فأي دين أعظم من هذا؟ وأي شريعة أكمل من هذه الشريعة؟ التي راعت بين جوانب الحياة كلها وأعطت كل ذي حق حقه .
الحكمة من خلق الليل والنهار
قال I مبيناً الحكمة من خلق الزمن ، وماذا يجب على الإنسان أن يعمل فى الليل والنهار ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) ) [ الإسراء 12-15 ](2/39)
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام ، فمنها مخالفته بين الليل والنهار ؛ ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار ؛ للمعايش والصنائع والأعمال والأسفار ؛ وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام ؛ ويعرفوا مضى الآجال المضروبة للديون والعبادات ، والمعاملات والإجارات وغير ذلك . أ.هـ [ابن كثير3 /27]
ولهذا قال ( لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) : أي لتسعوا فى الأرض فتطلبوا رزقاً من فضل ربكم . ( وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) : أى بمضى الليل والنهار تتمكنوا من حساب الأيام والشهور والأعوام ، فيعطى الأجير حقه ، وتعملوا بالنهار وتسكنوا بالليل . ولو كان الزمن كله نهاراً لملَّ الناس ، وتعبوا ، وما صَلَحت حياتُهم ، ولو كان الزمن كله ليلاً لتعطلت مصالحهم . وقوله ( فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ) أى جعلنا الليل مظلماً فمحونا ضوءه . وقوله ( وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ) أى جعلنا النهار مضيئاً . ( وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ) أى فصلنا لكم كل ما تحتاجون إليه من أمر معاشكم ومعادكم . فالله I خلق الزمن ليسعى الناس على معايشهم فيقتاتون ما يعينُهم على عبادة الله وطاعته ، فالسعى على المعاش وسيلة للإعانة على العباده .
فالزمن لطاعة الله .. والزمن لعبادة الله .. والزمن للتقرب إلى الله .. لا لمعصيته ولا لمخالفة شرعه فكلُّ أقوالك وأفعالك ، وحركاتك وسكناتك ، مسجلة عليك بالليل والنهار ، ترى ذلك يوم القيامة فى كتاب منشور ، فإذا مررت بعمل طاعة استبشرت ، وإذا وجدت فيه معصية حزِنتَ وندِمتَ . ولذلك قال I ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ) [الاسراء:13] .. أى ستجد كتاب أعمالك ملازماً لك لا يفارقك لا فى القبر ولا فى الحشر ، ( مَنْشُوراً ) أى مفتوحاً يقرؤه كل الناس .. يا فرحتاه إذا كان مملوءاً طاعات وحسنات .. ويا حسرتاه إذا كان مملوءاً سيئات ومعصيات . ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) [الاسراء:14] محاسباً .
فاعلم وفقك الله : أن الوقت زمن تحصيل الأعمال والأرباح وقد أنّب الله الكفار إذ أضاعوا أعمارهم من غير إيمان فقال I : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ ) [ فاطر:37 ] . ولعظم أهمية الوقت كان مما أفرد بالمسألة عند العرض .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه " [ حسنه الألبانى ] .
يقول ابن القيم [ رحمه الله ] : "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته .. فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته ".
ماذا يحدث في المصيف
حبيبى فى الله : إن الإسلام لا يقف في وجهك حجر عثرة عن التنزه والترفه إذا كان ذلك وفق الضوابط الشرعية التي تكفل لك ولأسرتك السلامة والعافية في الدارين .. ولكن إذا صاحب ذلك تفريط وإفراط هنا يأتي التحذير والمنع لا من أجل حرمانك من التمتع .. كلا ؛ بل من أجل المحافظة عليك من أن تحيط بك السيئات من كل جانب فتهلك فتكون من الخاسرين ..
أخى : الآن ونحن مقبلون على الإجازة الصيفية ترى شيئاً عجيباً .. كثيراً من المسلمين ، يجهزون ثياباً جديدة ، وفُرُشاً ، وطعاماً وشراباً ، استعداداً للسفر .. ولكن إلى أين ؟؟؟ .. لعلك تظن أنهم سيسافرون لأداء العمرة والطواف بالكعبة ، والشرب من زمزم ، وزيارة المسجد النبوى .. كلا .. هم لا يفكرون فى ذلك . أو لعلك تظن أنهم سيسافرون لزيارة أقاربهم وصلة أرحامهم .. كلا .. كلا إنهم سيسافرون لقضاء عدة أيام على شاطئٍ من شواطئ البحار المالحة . ويسمونها [ المصْيَف ] وهى بالعربية [ المصِيف ] .. ماذا يصنع الناس فى المصيف ؟؟
يستأجرون شقة صغيرة على الشاطئ يسمونها [ شاليه ] أو [ عشة ] ليقضوا فيها أسبوعاً أو أسبوعين .. ماذا يصنعون فيها ؟؟ .. ليختموا القرآن تلاوة .. كلا !! .. ليقيموا الليل تهجداً وتعبداً مع الدعاء للمسلمين المستضعفين أن ينصرهم الله .. كلا !! .. ليبحثوا عن الأرامل والأيتام ليساعدوهم ويعاونهم وينفقوا عليهم ويُدخلوا على قلوبهم الفرحة والبهجة ؟!! .. ليبحثوا عن عصاة المسلمين فيدعونهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؟!! .. ليس شيئاً من ذلك .. إذاً ماذا يصنعون ؟ ..
يذهب الرجل ويصطحب معه زوجته وأبناءه وبناته وقد أعدوا ملابس للسباحة ، فالرجل يلبس تِبَّاناً [ سروال قصير يوارى العورة المغلظة فقط ] ويسمونه [ مايوه ] والمرأة تلبس ذلك أيضاً لكنه أستر قليلاً وتسميه [ المايوه الباكينى ] وكذلك الأولاد والبنات ، ثم يتجهون فى صبيحة كل يوم بهذا اللباس الفاضح إلى شاطئ البحر لينزلوا فى الماء المالح يلعبون ويسبحون .. وليسوا وحدهم ، بل معهم مئات من الأسر الآخرين من المسلمين والنصارى واليهود لا تستطيع أن تفرق بينهم لا فى منظر ولا فى سلوك . الرجال والنساء والشباب والفتيات ينظر بعضهم إلى عورات بعض .. منظر قبيح تشمئز منه القلوب المؤمنة .
لو رأيتهم وهم يتجهون إلى البحر بهذا العُرى الفاضح جماعات وفرادى .. رجالاً ونساءً لاستطعت أن تجيب على هذا السؤال المحير .. نحن مسلمون .. فلماذا سلط الله علينا أعداءنا فأذاقونا سوء العذاب .. ودنسوا أعراضنا ووطئوا بأقدامهم أرضنا .. وأذلُّونا .. وغلبونا .. وقهرونا ؟ .. فكم فى ذلك المكان من علاقات آثمة ، ونظرات خائنة .. وعورات بادية والشياطين تحتَوشُهم من كل جانب تُزَيِّنُ لهم المنكر ، وتحبب إليهم الفحشاء ، وتؤزهم إلى المعاصى أزَّاً . فترى الرجل قد نسى رجولته وترك عرضه عُرضة للنظرات الفاجرة واللمسات الآثمة .
أيها المصطاف المسلم : أهذا يرضى الله ؟! أهذا يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!! قل لى بربك : أتحب أن يُعرض هذا يوم القيامة فى ميزان أعمالك ؟ أتحب أن تراه مكتوباً فى كتابك ؟ أتحب أن يعرض هذا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ؟ وماذا تقول لربك حينما يقول لك : ألهذا خلقتُك ؟ وبهذا أمرتُك ؟ وأنتِ أيتها المسلمة : ماذا تقولين لربك غداً حين يقول لك : أمرتك بالحجاب فخلعتيه ، أمرتك بستر العورة فأبديتيها ، وأمرتك بالطاعة فعصيتِ ، أغضبتينى لشهوة عاجلة ولذةٍ فانية ..(2/40)
أيها المصطاف المسلم : هل يمكن لك أن تنبسط مع أولادك وأهلك في مثل تلك التجمعات؟ هل يمكن لزوجتك أن تأخذ راحتها وأنسها وتتأمل في ملكوت الله تعالى والناس من حولها .. الأسرة بقرب الأسرة !؟ ثم كم من الشباب الذين يترصدون لاصطياد الفتيات في تلك التجمعات؟ والذين لا همّ لهم إلا النظر في عورات الناس؟ وكم من الشباب الذين نراهم في سيارتهم وقد رفعوا أصوات الموسيقى الصاخبة فهل يمكن أن تعمل شيئاً !؟؟ وهل يمكنك أن لا تسمع تلك الأصوات أولادك وأسرتك !؟؟ وكم من المشاهد ستراها أنت بنفسك لا تحل لك !؟؟ فمن الذي يبيح لك رؤية النساء المتبرجات !؟؟ وهل يمكنك في تلك الأماكن أن تغض طرفك !؟؟ وإن غضضته عن تلك فهل يمكن أن تغضه عن الأخرى وغيرها !؟؟ وماذا لو جاءك فجأة وأنت مشغول بهذه المحرمات الزائر الأخير !؟؟ .. هل تعلم من هو الزائر الأخير؟ إنه يأتي إليك في أي وقت وعلى أي حال ، كما أنه ليس له قلب يرق بحيث تؤثر فيه كلماتك وبكاؤك، أو ربما صراخك وتوسلاتك، وليس في مقدوره أن يمهلك مهلة تراجع فيها حساباتك، وتنظر في أمرك !! وهو كذلك لا يقبل هدية ولا رشوة ، إنه يريدك أنت .. لا شيء غيرك .. يريدك كلك لا بعضك.. يريد إفناءك والقضاء عليك .. يريد مصرعك وقبض روحك .. وإهلاك نفسك .. وإماتة بدنك .. إنه ملك الموت !! .
فإياك أخي أن تقضي الإجازة في الوقوع في الحرام ، أو في انتهاك حرمات الله أو مشاهدة من عصى الله ، أو الجلوس معه، فإن الله جعل العاصي والساكت في الإثم سواءً فقال I : ( فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) [النساء:140] . وأنصحك بالحذر من السفر إلى الأماكن أو البلاد التي تسهل طريق المعاصي، واعلم أن كثرة رؤية الحرام تهوّن المعاصي في القلب، وإن كنت تأمن على نفسك الفتنة فهل تأمنها أيضاً على من معك من الأبناء والبنات والزوجات ؟!
قصة وعبرة
أحدهم أرسل رسالة نشرت في إحدى الجرائد الخليجية بعنوان : [ عاقبة إهمال الزوجة والأولاد ] : جاء فيها : " أخى الدكتور .... السلام عليكم ، [ إلى أن قال ] اشتريت شاليهًا على البحر, في البداية كنت أقضي وقتًا لا بأس به معهم, أولادي الصغار يلعبون حتى يتعبون, ثم ينامون, ومع كثرة الأشغال، أصبحت أقول لهم : اذهبوا مع أمكم وسوف ألحقكم , وبطبيعة الحال لا ألحقهم . وهكذا مرت الشهور، وأنا أعتقد أنهم على ديدنهم القديم فيما يفعلونه في الشاليه, عدت قبل فترة من إحدى سفرياتي وصفقاتي على غير ميعاد, وأحببت أن أفاجئهم, لم أجدهم في البيت, سألت خادمة بقيت في المنزل عنهم، فقالت: إنهم في الشاليه, ركبت سيارتي، ووصلت إليهم في الساعة الثانية صباحًا, كان الشوق يملأني, وجدت أبنائي نائمين ولم أجد زوجتي, وعندما أيقظت الخادمة من النوم، وجدتها مرتبكة, وبقيت طوال الليل أنتظر، أنظر من كل فتحة في المنزل, ومع تباشير الصباح، جاءت تمشي مع رجل غريب, عندما فتحت الباب، وجدتني، وارتبَكَت, أجلستها بهدوء، وسألتها السؤال الذي يملأني: لماذا؟ ما الذي كان ينقصك؟ بدأت في البكاء، وبعد أن هدأت، قالت: أنت السبب , كنا مستورين، عايشين، سعيدين, ثم أحضرتنا ورميتنا في هذا المكان، حيث كل واحد ينظر , كنت محتاجة لك ، ومع الزمن ... وكثرة النظرات ... وكثرة التعليقات ، وأنت تعرف الباقي . وافترقنا .. لكنني بعد أن جلست إلى نفسي، وذهبت إلى ذلك الشاليه مرات عديدة، فهمت ما تقصده, إن أي إنسان يترك زوجته وأبناءه في مثل ذلك المكان، إنما يتركهم لذئاب لا يخافون الله . إن الكثيرين منا يقولون: إن زوجاتنا وبناتنا لا يمكن أن يفعلن مثل هذا, لكن السؤال : زوجاتنا وبناتنا من ؟؟! هؤلاء اللواتي نراهن يمشين بدون ستر، وينظرن ... !!؟؟ إن نصيحتي لكل إنسان : لا تترك زوجتك وبناتك عرضة للمخاطر ... وتجنب الانفتاح وقلة الحياء والاختلاط بالطبقة السفيهة التي ترمي شباكها بحثًا عن صيد تتسلى به لفترة قبل أن تتخلص منه لكي تبدأ التسلي بصيد آخر . إن النار اليوم تشتعل في قلبي بعد أن خسرت حياتي وزوجتي، وإذا كان من أحد ألومه، فهو نفسي التي كانت راعية، فلم تعرف كيف تحافظ على رعيتها ! أ. هـ .
ماذا تقول لربك غداً ؟
فاليوم ذهبت الشهوات وبقيت الحسرات .. اليوم انقضت الأعمال وبقيت السجلات : سيئات .. شهوات .. حسرات .. ظلمات .. صراخ .. بكاء .. صياح ( رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [المؤمنون: 99 – 100] .. أيها اللاهى .. أيها اللاعب : اسمع إلى القرآن وهو يقول ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) [ المعارج: 42 –44 ]
أيها المصطاف المسلم : أهذا العمل يقربك من الله أم يباعدك عن الله ؟ .. أيتها المصطافة المسلمة : أنت راضية عما تفعلين ؟ .. يا ربَّ الأسرة : أهذه هى الأمانة التى حمَّلك الله [ كلكم راع ومسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته ] [ البخاري ومسلم ] .
مسؤول !!! .. سيسألك الله : لماذا ذهبت إلى المصيف ؟! فماذا ستجيب ؟ وبم ستنطق ؟ لا كذب .. لا خداع .. لا غش .. لا رياء .. فالله يقول ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) [غافر:19] . يا صاحب الشهامة والكرامة : صُنْ زوجتك وبناتك عن عيون الناس .. صُنْ شرفك .. صُنْ عِرضك .. صُنْ كرامتك . أيتها الأخت المسلمة : أين حياؤكِ ؟ أين عفتُكِ ؟ أين كرامتُكِ ؟ أين خوفُكِ من الله ؟ .. الله .. الذى يعلم السر وأخفى .. الله .. الذى يعلم خلجات الصدور وخفايا النفوس .. الله .. الذى خلقكِ فسواكِ فعدلكِ .. الله .. الذى وهبَكِ الصحة والعافية ولو شاء لأخذهما فجلست مريضة .. طريحة الفراش .. الله .. الذى وهبكِ الجمالَ ولو شاء لسلبه فترككِ شوهاءَ تتقززُ منك النفوس ، وتنفرُ عنك القلوب .. الله .. الذى وهبكِ اللسان والشفتين ولو شاء لسلب نطقهما .. فظللتِ بكماء لا تنطقين خرساء لا تتكلمين .
أيتها الأخت المسلمة : توبى إلى الله .. اندمى على ما فعلتِ والله كريم يقبل توبةَ التائبين ، ويغفر ذنوب المستغفرين .. ويمحو سيئات النادمين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [التحريم:8]
ما البديل ؟(2/41)
أخي الفاضل : لعلك تقول بلسان حالك أو بلسان مقالك شخّصت لنا الداء ولم تشخص لنا الدواء ومنعتنا من التنزه في تلك المنتزهات المختلطة ولم تذكر بديلاً عنها، وهاهنا أنبهك إلى أمر عظيم غفل عنه الكثيرون وغاب عن بال آخرين ألا وهو ذلك الخطأ الفادح والأمر المشين وهو مطالبة المسلم دائماً بالبدائل في كل شيء منع منه وحرم عليه، مع أن الواجب على المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [النور:51] هذا هو الأصل بالمؤمن فيما جاءه عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي، المبادرة والسمع والطاعة ولذلك يخاطب الله I عبادة المؤمنين بأجل الأوصاف وأحبها إليهم لاستجاشة قلوبهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) [الأنفال:24] ، وهكذا كان الجيل الفريد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الاستجابة الحيّة لأوامر الله ورسوله بدون تردد ولا تلكّع فهاهم [ لمّا نزلت آيات الخمر في تحريمه، لم يحتج الأمر إلى أكثر من مناد في نوادي المدينة : " ألا إن الخمر قد حرّمت " فمن كان في يده كأس حطّمها، ومن كان في فمه جرعة مجّها، وشقت زقاق الخمر وكسرت قنانيه .. وانتهى الأمر كأن لم يكن سكر ولا خمر ] ..
قال أنس رضى الله عنه [ما كان لأهل المدينة شراب حيث حرمت الخمر أعجب إليهم من التمر والبسر فإني لأسقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم عند أبي طلحة مر رجل فقال إن الخمر قد حرمت فما قالوا متى أو حتى ننظر قالوا يا أنس أهرقها ثم قالوا [ من القيلولة ] عند أم سليم حتى أبردوا واغتسلوا ثم طيبتهم أم سليم ثم راحوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الخبر كما قال الرجل قال أنس : فما طعموها بعد ] [ صحيح ] . إذاً لماذا كلما ذكرنا أمراً محرماً أو يؤدي إلى الحرام طالبنا الناس بقولهم : ما هو البديل؟ وكأن القائل يقول إذا لم تحضروا لي بديلاً لن أتراجع عمّا أنا فيه من المخالفة والعصيان وذلك ورب الكعبة لهو الخسران المبين، قال I : ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) [الرعد:18] ويقول I : ( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ ) [الشورى:47] .
أخى المبارك : هذا أصل يجب أن يتربى المسلمون عليه ينشأ عليه الصغير ويهرم عليه الكبير. ولا بأس أن أذكر لك بعض البدائل التي تحضرني :
1- فالسَّيرُ فى المزارع والحقول والنظر إلى الخُضْرَةِ مما يقوى البصر ويُريحُ النفس .
2- والجلوس مع الصالحين وتبادل أطراف الحديث مما يريح الصدر ويسعد النفس .
3- والجلوس للاستماع إلى شريط مؤثر لأحد الدعاة إلى الله مما يريح الصدر ويسعد النفس .
4- والاستماع إلى شريط للقرآن الكريم لمن رزقهم الله الأصوات الشجية والنبرات الندية .. مما يسعد القلب ويريح النفس .
5- وقراءة تاريخ الأمة المسلمة .. والتقلب فى أحداثها مما يريح الصدر ويُسعدُ النفس .
6- وقراءةُ قَصَصِ الصالحين ومواقف الزاهدين وبطولات الصحابة والتابعين مما يريح الصدر ويُسعد النفس .
7- وتقليب النظر فى السماء بالليل والتفكر فى قدرة الله مما يريح الصدر ويُسعدُ النفس .
8- والذهاب إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة، والبقاء بقرب الرحاب الطاهرة مع ما يتخلل تلك الرحلة المباركة من زيارة إلى المناطق الجميلة مما يريح الصدر ويُسعدُ النفس .
9- كم تمر على البعض من المسلمين و أبناء المسلمين إجازة تلو الأخرى دون أن يقرأ شيئاً من القرآن فضلاً عن حفظه، فاحرص على إتقان قراءتك مع صديق أو زميل يعينك على ذلك، واحرص أن تحفظ خلال هذه الإجازة على الأقل كل يوم خمس آيات، ، وسوف ترى خيراً كثيراً بإذن الله .
10- صلة الأرحام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرحم معلقة في العرش . تقول : من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله " [ متفق عليه ] ، فالإجازة فرصة لذلك ، ولصلة الرحم فوائد : فإنها من أسباب الرحمة ودخول الجنة، ولها أثر في زيادة العمر، وبسط الرزق .
شبهة وجوابها
من الناس من يقول : إنني أجد ضغطاً من أسرتي وإلحاحاً .. فأقول لك قال الله I : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) [التغابن:14] ، وقال I ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) [الأحزاب:36] . واعلم أنك مسؤول أمام الله عن هذه العورات التي أخرجتها من بيوت ساترة فلا تجعلها أمام الناس سافرة .
من الناس من يقول : سأذهب بزوجتى وأولادى إلى المصيف فى مكان بعيد عن أعين الناظرين .
أقول : ستجدُ كثيرين يفكرون مثلَ هذا التفكير وستلتقون هناك ويقعُ المحظور .
من الناس من يقول : سنتمشى أنا وزوجتى وأولادى على الشاطئ ولن ننزل البحر ولن نخلع ثيابنا .
أقول : هذا لا يجوز لأمور : أولاً : لن تستطيع أن تغض بصرك عن اللحوم المكشوفة هنا وهناك فتقع فى زنى العين .. أنت وأسرتك الكريمة . ثانياً : أنك سترى معاصى تُرتكب ومحارمَ تنتهك فهل تستطيع أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .. بالطبع لا .. إذا ستأثمُ على إقرار المنكر . ثالثاً : ليس المصيف من الضرورات التى لا بد منها .. فكثير من الأسر المسلمة الطيبة تعيشُ بلا مصيف ولا شواطئ وهم فى سعادة غامرة .. وراحة نفسية .. وقرب من الله رابعاً : إن أرض الله واسعة . وهناك من المباحات الكثير الذى تستطيع أن تروِّحَ به عن نفسك كما ذكرت لك آنفاً .
نداء من القلب
يا من تتجهزون الآن للذهاب إلى المصيف لا يليق بمن يركع لله ويسجد لله أن يذهب هذا المذهب الخبيث . يا من تؤمن بأن الله يراك .. سيراك وأنت على الشاطئ .. سيراك وأنت بالمايوه .. سيراك وأنت تنظر إلى العورات .. سيراك وأنت على معصيته . يا من تتمشى الآن على الشاطئ عُرياناً : استح من الله .. استح من الملكين .. استح من الناس . يا أيتها الأخت المسلمة : أنت درة مصونة .. وجوهرة مكنونة .. فلا تذهبى إلى الأماكن الآثمة .. فإنك كريمة .. عفيفة .. مسلمة .. مؤمنة .. راكعة .. ساجدة .. محجبة .. ليس هذا مكانك .. ولا يليق بك . أيها المسلم الكريم : إذا علمتَ أن جارك يتجهز للمصيف ، فلا تبخل عليه بالنصيحة ، ولا تكتمه علماً علمك الله إياه .. هو طيب .. هو يريد الخير .. فإذا ذكَّرته تذكر .. وإذا وعظته اتعظ .. لأن فى قلبه إيماناً .. وفى صدره إسلاماً .
وختاماً(2/42)
فهذه وقفات .. من محب مشفق على عرض ينتهك, وكرامة تداس, ودين يكاد أن يسلب فخذها هنيئاً مريئاً ، سائلاً الله I أن لا أعدم منك دعوة صالحة بظهر الغيب . أخى : قد بلغت جهدى فى نصحك ، واستثرت فيك كل نخوة .. وحاولت أن ابعث فيك أى روح .. فإن طويت هذه الصفحة ، وانتهيت من سماع هذا الكلام ، ولم تقم فيك حياة فلست بحى ، أسأل الله أن يحيى موات قلوبنا . والحمد لله رب العالمين .
المصدر:
1- مجموعة مقالات مختلفة
2- خطبة للشيخ وحيد عبد السلام بالى بعنوان [ المصيف فى ميزان الإسلام ]
وجزاكم الله خير الجزاء
[ راجعها الشيخ وحيد بالى ]
================
من أجل إنتاجية أفضل أهمية رسم الأهداف
د. عبد الكريم بكار
يعيش العالم المتقدم أزمة حضارة بسبب افتقاده الوجهة أو الهدف الأكبر الذي يجذب إليه جميع مناشط الحياة، ويمنحها المنطقية والانسجام. أما المسلمون فأزمتهم الأساسية، هي أزمة حركة في العالم، وأزمة شهود على العصر؛ فهم في أكثر الأحيان يتأثرون، ولا يؤثرون، ويأخذون من الحياة أكثر مما يعطونها؛ وذلك بسبب انخفاض إنتاجيتهم، وضعف إدارتهم لإمكاناتهم الشخصية والعامة.
نقرأ آيات الاستخلاف وشروط التمكين في الأرض، وأدبيات النجاح والفلاح، لكنَّ قليلين منا الذين يسألون أنفسهم عن وظيفتهم الشخصية في تحقيق كل ذلك!
إن الأماني الوردية حول قيادة أمتنا للعالم تداعب أخيلة الكثيرين منا، وتدغدغ مشاعرهم، لكن لا أحد يسأل عن آليات تحقيق ذلك، ولا عن الإمكانات المطلوبة للسير في طريقه!
إني أعتقد أن هناك حقيقة أساسية غائبة عن أذهان الكثيرين منا، هي أننا لا نستطيع أن نوجد مجتمعًا أقوى من مجموع أفراده؛ ولذا فإن النهوض بالأمة يقتضي على نحوٍ ما أن ينهض كل واحد منا على صعيده الشخصي، وما لم نفعل ذلك، فإن الغد لن يكون أفضل من اليوم.
إن رسم الأهداف نوع من مدِّ النظر في جوف المستقبل، وإن الله ــ جل وعلا ــ يحثنا على أن نتفكر في الآتي، ونعمل له : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } {الحشر: 18}.
إن المسلم الحق لا يكون إلا مستقبليًا، ولكننا بحاجة إلى أن نعمم روح الالتزام نحو الآخرة على مسلكنا العام تجاه كل ما يعنينا من شؤون وأحوال.
أهمية وجود هدف:
من الأدوات الأساسية في تحسين وضعية الفرد أن يكون له هدف يسعى إلى تحقيقه. ونرى أن حيوية وجود هدف واضح في حياتنا تنبع من اعتبارات عديدة، أهمها:
1 - إن كل ما حولنا في تغير دائم، والمعطيات التي تشكل المحيط الحيوي لوجودنا لا تكاد تستقر على حال، وهذا يجعل كل نجاح نحققه معرضًا للزوال؛ ووجود هدف أو أهداف في حياتنا، هو الذي يجعلنا نعرف على وجه التقريب ما العمل الذي سنعمله غدًا، كما أنه يساعد على أن نتحسس باستمرار الظروف والأوضاع المحيطة؛ مما يجعلنا في حالة دائمة من اليقظة، وفي حالة من الاقتدار على التكيف المطلوب.
وقد جرت عادة الكثيرين منا أن يسترخوا حين ينجزون عملاً متميزًا؛ مما يضعهم على بداية الطريق إلى أزمة تنتظرهم. ولذا فإن الرجل الناجح، هو الذي يسأل نفسه في فورة نجاحه عن الأعمال التي ينبغي أن يخطط لها، ويقوم بإنجازها؛ فالتخطيط هو الذي يجعل أهمية المرء تأتي قبل الحَدَث. أما معظم الناس فإنهم لا يفكرون إلا عند وجود أزمة، ولا يتحركون إلا حين تحيط بهم المشكلات من كل جانب، أي يستيقظون بعد وقوع الحدث، وبعد فوات الأوان!
2 - إن وعي كثيرين منا بـ (الزمن) ضعيف، ولذا فإن استخدامنا له في حل مشكلاتنا محدود. وحين يجتمع الناس برجل متفوق فإنهم يضعون بين يديه كل مشكلاتهم، ويطلبون لها حلولاً عاجلة متجاهلين عنصر (الزمن) في تكوينها وتراكمها، وطريقة الخلاص منها. ووجود هدف في حياة الواحد منا يجعل وعيه بالزمن أعظم، ويجعله يستخدمه في تغيير أوضاعه. إذا سأل كل واحد منا نفسه: ماذا بإمكانه أن يفعل تجاه جهله بعلم من العلوم - مثلاً - أو قضية من القضايا؟ فإنه يجد أنه في الوقت الحاضر لا يستطيع أن يفعل أي شيء يذكر تجاه ذلك. أما إذا سأل نفسه: ماذا يمكن أن يفعل تجاهه خلال خمس سنين؟ فإنه سيجد أنه يستطيع أن يفعل الكثير؛ وذلك بسبب وجود خطة، واستهداف للمعالجة، وهما دائمًا يقومان على عنصر الزمن. إني أعتقد أن كثيرًا من الخلل المنهجي في تصور أحوالنا، وحل أزماتنا، يعود إلى ضيق مساحة الرؤية، ومساحة الفعل معًا، وذلك كله بسبب فقد النظر البعيد المدى.
3 - إن كثيرًا من الناس يظهرون ارتباكًا عظيمًا في التعامل مع (اللحظة الحاضرة) وذلك بسبب أنهم لم يفكروا فيها قبل حضورها، فتتحول فرص الإنجاز والعطاء إلى فراغ قاتل ومفسد؛ وهذا يجعلنا نقول: إننا لا نستطيع أن نسيطر على الحاضر، ونضبط إيقاعه، ونستغل إمكاناته، إلا من خلال مجموعة من الآمال والأهداف والطموحات، وبهذا تكون وظيفة الهدف في حياتنا هي استثمار اللحظة الماثلة على أفضل وجه ممكن.
إني أتجرأ وأقول: إن ملامح خلاص جيلنا، والجيل القادم ــ على الأقل ــ من وهن التخلف والانكسار قد تبلورت في أمرين: المزيد من الالتزام بالمنهج الرباني، والمزيد من التفوق، ولا نستطيع أن نجعل هذين الأمرين حقيقة واقعة في حياتنا من غير تحديد أهداف واضحة.
سمات مطلوبة في الهدف:
1 - المشروعية:
إن مجمل أهداف المرء في الحياة، يعادل على نحو تام (استراتيجية) العمل لديه، ولذا فإن الذين لا يأبهون لشرعية الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها يحيون حياة مضطربة ممزقة، تختلط فيها عوامل البناء مع عوامل الهدم، وينسخ بعضُها بعضَها الآخر. إن الهدف غير المشروع، قد يساعد على تحقيق بعض النمو في جانب من جوانب الحياة، لكنه يحطّ من التوازن العام للشخصية، ويفجّر في داخلها صراعات مبهمة وعنيفة. وليس المقصود بشرعية الهدف أن يكون معدودًا في (المباحات) فحسب، وإنما المقصود أن يكون مندمجًا على نحو ما في الهدف الأسمى والأكبر الذي يحيا المسلم من أجله على هذه الأرض، ألا وهو الفوز برضوان الله - تبارك وتعالى - وهذا يعني أن الأهداف المرحلية والجزئية للواحد منا يجب ألا تتنافر معه في وضعيتها أو مفرزاتها أو نتائج تفاعلها. ولعل من علامات الانسجام بينها وبين الهدف الأكبر ــ شعور المرء أنه يحيا (حياة طيبة) وهي لا تولد من رحم الرخاء المادي، ولا من رحم التمتع بالجاه أو الاستحواذ على أكبر كمية من الأشياء، وإنما تولد من ماهية التوازن والانسجام بين المطالب الروحية والمادية للفرد، ومن التأنق الذي يشعر به من يؤدي واجباته.
الهدف المشروع عامل كبير في إيجاد التطابق بين رموزنا وخبراتنا، وهو إلى ذلك مولِّد لما نحتاجه من حماسة للمضي في الطريق إلى نهايته.
2 - الملاءمة:
لكل منا طاقاته وموارده المحدودة، وله ظروفه الخاصة، وله إلى جانب ذلك تطلعات وتشوُّفات؛ ومن الواضح اليوم أن الحضارة الحديثة أوجدت لدى الناس طموحات فوق ما هو متوفر من إمكانات لتلبيتها، وهذا يؤدي بكثير من الناس إلى أن يسلكوا طرقًا غير مشروعة لتلبيتها، أو يؤدي بهم إلى الشعور بالعجز والانحسار.
والهدف الملائم، هو ذلك الهدف الذي يتحدى ولا يعجز. ومعنى التحدي دائمًا: طلب تفجير طاقات كامنة أو استخدام موارد مهملة، لكنها جميعًا ممكنة. حين يكون الهدف سهلاً فإنه لا يؤدي إلى حشد إمكاناتنا الذاتية، ولا إلى تشغيل أجهزتنا النفسية والعقلية، كما لو أننا طلبنا من شخص أن يقرأ في كل يوم ربع ساعة، أو يستغفر عشر مرات.(2/43)
في المقابل فإن الهدف الكبير جدًا يصد صاحبه عن العمل له، وفي هذا السياق نرى كثيرًا من أهل الخير، يشعرون بالإحباط، ويشكون دائمًا من سوء الأحوال، وتدهور الأوضاع، وهذا نابع من وجود هدف كبير لديهم هو (الصلاح العام) لكن ليس لديهم أهداف صغيرة، أو مرحلية تصب فيه. إن كل هدف صغير يقتطع جزءًا من الهدف الكبير، ويؤدي إلى قطع خطوة في الطريق الطويل؛ وعدم وجود أهداف صغيرة، يجعل الهدف النهائي يبدو دائمًا كبيرًا وبعيدًا، وهذا يسبب آلامًا نفسية مبرحة، ويجعل المرء يظهر دائمًا بمظهر الحائر العاجز. إنه لا يأتي بالأمل إلا العمل، وقليل دائم خير من كثير منقطع.
3 - المرونة:
إن أنشطة جميع البشر، تخضع لعدد من النظم المفتوحة، ومن ثم فإن النتائج التي نتطلع إلى الحصول عليها، تظل في دائرة التوقع والتخمين. حين يرسم الإنسان هدفًا، فإنه يرسمه على أساس من التقييم للعوامل الموجودة خارج طبيعة عمله، وخارج إرادته، وهذه العوامل كثيرًا ما يتم تقييمها على نحو خاطئ، كما أنها عرضة للتغير، بالإضافة إلى أن إمكاناتنا التي سوف نستخدمها في ذلك هي الأخرى متغيرة؛ ولهذا كله فإن الهدف يجب أن يكون (مرنًا)، أي: له حدود دنيا، وله حدود عليا؛ وذلك كأن يخطط أحدنا لأن يقرأ في اليوم ما بين ساعتين إلى أربع ساعات، أو يزور ثلاثة من الإخوة إلى خمسة وهكذا.. هذه المرونة تخفف من ضغط الأهداف علينا؛ فالناس يشعرون حيال كثير من أهدافهم أنها التزامات أكثر منها واجبات، والالتزام بحاجة دائمًا إلى درجة من الحرية، وسيكون من الضار بنا تحوُّل الأهداف إلى قيود صارمة، وحواجز منيعة في وجه تلبية رغبات شخصية كثيرة.
4 - الوضوح:
هذه السمة من السمات المهمة للهدف الجيد، حيث لا تكاد تخلو حياة أي إنسان من الرغبة في تحقيق بعض الأمور، لكن الملاحظ أن قلة قليلة من الناس، تملك أهدافًا واضحة ومحددة، ولذا فمن السهل أن يتهم الإنسان نفسه أو غيره بأنه لم يتقدم باتجاه أهدافه خطوة واحدة خلال عشرين سنة، مع أنك لا تراه خلال تلك المدة إلا منهمكًا ومتابعًا بما يعتقد أنه هدف يستحق العناء!
إنه يمكن القول بسهولة: إن كل هدف ليس معه معيار لقياسه وللكشف عما أنجز منه، وما بقي؛ ليس بهدف. ولذا فإن من يملك أهدافًا واضحة يحدثك دائمًا عن إنجازاته، وعن العقبات التي تواجهه. أما من لا يملك أهدافًا واضحة، فتجده مضطربًا، فتارة يحدثك أنه حقق الكثير الكثير، وتارة يحدثك عن خيبته وإخفاقه؛ إنه كمن يضرب في بيداء، تعتسفه السبل، وتشتته مفارق الطرق! نجد هذا بصورة أوضح لدى الجماعات؛ فالجماعة التي لا تملك أهدافًا واضحة محددة، تظل مشتتة الرأي في حجم ما أنجزته، ولا يكاد خمسة من أبنائها يتفقون في تقويمهم لذلك! لا يكفي أن يكون الهدف واضحًا، بل لا بد من تحديد توقيت لإنجازه، فالزمان ليس ملكًا لنا إلى ما لا نهاية، وطاقاتنا قابلة للنفاد. ثم إن القيمة الحقيقية للأهداف، لا تتبلور إلا من خلال الوقت الذي يستغرقه الوصول إليها، والجهد والتكاليف التي نحتاجها. ولهذا كله فالبديل عن وضوح الهدف، ووضوح تكاليفه المتنوعة، ليس سوى العبث والهدر والاستسلام للأماني الخادعة!
إن من أسباب ضبابية أهدافنا أننا لا نبذل جهدًا كافيًا في رسمها وتحديدها، وهذا لا يؤدي إلى انعدام إمكانية قياسها فحسب، وإنما يؤدي أيضًا إلى إدراكها بطريقة مبتذلة أو رتيبة، مما يُفقدها القدرة على توليد الطاقة المطلوبة لإنجازها.
سنعمل الكثير من أجل أهدافنا إذا أدركنا أنه عن طريقها تتم الصياغة النهائية لوجودنا.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
===============
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ ...
طلال نيكرو ـ لبنان
قبل أن يفور التنور إصنع الفُلك ... قبل أن يأتي الطوفان إصنع الفلك ... إصنع الفلك الذي يُنجيك وأهلك .. إصنع الفلك الذي يُنجيك ومجتمعك .. إصنع الفلك الذي يُنجيك ويُنجي أمتك ..إصنع الفُلك قبل أن يأتي الطوفان .
قبل أن يأتي طوفان المادة والغرائز والشهوات إصنع الفلك بأعين الله ووحيه فإن لم تكن ترى الله رغم كل آياته الواضحات البينات كفلق الصبح ، فإعلم أن الله يراك .. إعلم أن الله يراك في كل كبيرةٍ وفي كل صغيرة . وإذا كنت تستحي من فعل بعض الأمور أمام الناس فالله أولى أن تستحي منه . وتذكرأن عيون الخلق تصحو وتنام ولكن .. ولكن عيون الخالق أبداً لا تنام . وإذا كانت فلك نوح ذات ألواح ودُسر فلتكن فُلككَ ذات صلاحٍ وتقوى .. صلاح نفسٍ وتقوى الله. وصلاح النفس يبدأ بمعرفة ما لها وما عليها فإذا عرفت ما لك فلا تتعدى وإذا عرفت ماعليك فإلزم .أما تقوى الله فسبيله واضح " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ " الزمن ساعة فإجعلها طاعة . وتعظيم شعائر ليس بحاجة لدليل بل يكفي أن تتذكر أن خليفة عن الله في أرضه . واجبك إعمار الأرض ، وليس بالبنيان فقط تَعمَر الأرض ، بل بطاعة الله تَعمر الأرض وتعمر النفوس الطيبة الزكية .
يقول لك ربك كما قال من قبل لنبيه نوح " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ " إنك مطالبٌ أيها الإنسان بصناعة الفلك الذي يُنجيك من الطوفان ، ولذلك إستعد وأعد قبل أن يفور التنور لأنه عندئذٍ لا ينفع مالٌ ولا بنون . ما فائدة المال والبنون إذا فار التنور ولم تكن قد صنعت الفلك بعد ..؟ والله مال الدنيا وجميع أبنائك وأبناء أبنائك لا يعصمونك من أمر الله . فلماذا تتأخر عن صناعة الفلك التي تُنجيك من عذابٍ أليم ..؟ البعض يقول أن التنور قد فار وأن ما نشهده اليوم هو من أشراط الساعة . لا نريد الخوض في هذا الموضوع لأن كل الذي يهمنا هنا هو أن نقول لأنفسنا أولاً ولك ثانياً ولجميع بني البشر أن الطوفان قادم لا محالة وما هذا الذي نشهده من فلتان أخلاقي وإجتماعي إلا إرهاصات لذلك الطوفان الذي سوف لا يُبقي ولا يَذر . فإما أن تصنع الفلك الذي ينجيُك وأهلك أو فإنتظر الطوفان ..!.وللذين يتذرعون بأنهم لا يعرفون كيفية صناعة الفلك نقول لهم " فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" .
إن صناعة الفلك أهون بكثير مما نعتقد لأنه كما سبق وقلنا أنه ذات صلاح وتقوى فإذا ما إستطعت إصلاح نفسك ، فإنه من السهل جداً عليك أن تعلم أن واجبك عدم الإكتفاء بصلاحك ، لأن صلاحك لنفسك وإصلاحك يعود بالخير على الآخرين ، والله يحب المصلحين أكثر من محبته للصالحين، فكيف إذ ما إجتمع فيك الصلاح والإصلاح ..؟عليك المبادرة بالإصلاح لتتقي الله. وتقوى الله لا تكون إلا بإتباع النهج الكافي والوافي الذي رسمه للناس أجمعين وذلك من خلال تعظيمك لشعائر الله التي إن دلت فإنما تدل على طاعتك وخضوعك لأوامر الله " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ " . لذلك نرى أنه من السهولة على من يدفع المال ليشتري الثياب الشتوية التي تقيه البرد والصقيع أن يشتري مرضاة الله وذلك بإرتدائه لباساً لا يُكلفه كثيراً إنه لباس التقوى الذي هو أفضل لباس يحرص عليه الإنسان العاقل في الدنيا والآخرة ..الإنسان الذي يعلم أن هذه الدنيا هي مزرعة الآخرة " يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ " أفلا تعقلون ..؟(2/44)
وبعد ذلك هل ترى صعوبة أيها الإنسان في صناعة الفلك ..؟ صناعة الفلك ليست بحاجة إلا عزيمة وإصرار ولكنها قبل كل شيئ هي بحاجة لقناعة .. قناعة تامة بأن من لم يركب الفلك سيُهلكه الطوفان . ولنا في سيرة من قبلنا دروس وعبر وإن ما حصل للآخرين قد يُصيبنا إن لم نتبع سُبل إصلاح النفس وتزكيتها بمرضاة الله وتقواه ، فإننا إن لم نعي خطورة الذي يحدث من حولنا من فلتان أخلاقي وإجتماعي ، فإننا بكل تأكيد سنضيع في الطوفان وما هذا الذي نراه على شاشاتنا التلفزيونية وفي شوارعنا وحتى أنه بدأ يتسلل إلى بيوت الكثير منا من حيث لا ندري لخير دليل على ما نقول ، لذلك فإن اليقظة مطلوبةٌ منا اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى فأعدائنا يتربصون لنا في كل منحنى وفي كل منعطف لأنهم وكما حدثنا الله عنه مقائلاً " وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" إن أعداء ثقافتنا وعقيدتنا يتربصون لنا إن كنا لا نعلم ، ولا يُريدون لنا الخير أبداً . وما مزاعمهم بأنهم جاؤوا لتحريرنا من بطش حكامنا إلا جديث أباطيل، لأن حكامنا موجودون بدعمهم لهم ..!!
إن الحاجة مطلوبة اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى إلى إتباع النهج الذي إرتضاه الله لعباده المؤمنين الذين سينجون من هذا الطوفان الذي بدأت ملامحه تظهر والذي لن يوقفه سوى رضى الله على عباده . ولكن هل من عاقلٍ يعتقد أن الله يرضى عن من يبارزه بالمعاصي ..؟ أو عن الذي يهجر كتابه أو يتخلى عن آياته..؟ إن الله رحمن رحيم يريد ، ولكنه في نفس الوقت شديدُ العقاب .إن الله يُريدمن الناس أن يفقهوا مصالحهم الدنيوية شريطة أن لاينسوا مصالحهم الأخروية . لذلك نقول للذين يؤمنون بالله وباليوم الآخر أن التنور لم يفر بعد لذلك سارعوا إلى صنع الفلك " وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ "
إن النوم لا يوقف عقارب الزمن ولكن النائمين وحدهم هم الذين لا يشعرون بالزمن . أما الذين يظنون أن القطار قد فاتهم وأنه لم يعد يجدوا الوقت الكافي لصناعة الفلك ، نقول لهم أن هذا تصور خاطئ ولا يجوز للإنسان أن يتصوره لأنه " إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ " يجب أن يكونوا على ثقة تامة أنه " لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ " فالله سبحانه لم يخلق الناس ليعذبهم بل ليرحمهم وليدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار .حتى أن بعض الذين يستكثرون ذنوبهم نقول لهم أن اله يقول لهم" وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ..." فلا تقنطوا من رحمة الله وسارعوا لصناعة الفلك ..الفلك ذات الصلاح والتقوى ....
==============
وتلك الأيام نداولها بين الناس
محمد بن شاكر الشريف
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد :
فإن جمهرة الناس ينظرون إلى قوى البغي والعدوان الممثلة اليوم في أمريكا وحلفائها على أنها قوى شريرة تمتلك المال والعتاد لإهلاك الحرث والنسل ، وأن لا أحد على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول قادر على أن يوقف إرهاب تلك القوة التي تمتلك إمكانات لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية .
وينقسم الناس إزاء ذلك إلى فئات متعددة ؛ فمنهم الذي يبادر ويسارع في استرضاء أمريكا بتنفيذ سياساتها وإعطائها ما تريد ؛ على أمل أن تتفادى الانتقام الأمريكي أو الضربة القاتلة ، { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } ( المائدة : 52 ) ، ويجلس فريق آخر يائساً بائساً حزيناً كئيباً لا يرى في الخلاص من هذا المأزق أملاً ، فيجلس ينتظر متى يحين دوره كما تبقى الشياه تنتظر سكين الجزار ، ويبقى فريق ثالث يؤمنون بالله واليوم الآخر إيماناً حقيقياً وصادقاً ، يؤمنون بما وعد الله ورسوله ، ويعلمون السنن التي يجريها الله تعالى في خلقه ، فهم يعملون بها ويتصرفون من خلالها ، ويغالبون قدراً بقدر حتى يأتي نصر الله الذي وعد عباده المتقين : { فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } ( المائدة : 52 ) .
إن علو أمريكا وحلفائها من قوى الشر والطغيان ؛ إنما هو دورة من دورات الزمن ، وإن الزمن لن يقف عند هذا الحد ، وإن التاريخ لن ينتهي بهذا المشهد بل ستمر دورات ودورات تحقيقاً لقول الله تعالى : { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس } ( آل عمران : 140 ) .
من كان يظن عندما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى توحيد الله العلي الكبير ، ونبذ الشرك وعبادة ما سوى الله تعالى ؛ بين ظهراني مشركي مكة وساداتها ، واشتداد أذى صناديد كفار قريش لمن آمن من المسلمين ؟!
من كان يظن أن بلال بن رباح ذلك العبد الأسود الحبشي الذي لا قيمة له في نظر المشركين ، والذي كان يُعذَّب في وقت الظهيرة في بطحاء مكة الملتهبة ، من كان يظن أنه سيرقى يوماً ما على ظهر الكعبة في وجود أشراف قريش وسادتها وهم ينظرون إليه ولا يملكون إلا النظر ، وهو يردد بصوته الجهوري الندي وهو آمن ما يكون : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ... ؟!
هذه صورة وقعت في الماضي وغيرها كثير لم يكن أحد يتخيل حدوثها في ظل موازين القوى المختلفة بين الفريقين ، ففريق قوي مسيطر يملك كل شيء ، وفريق آخر ضعيف مستعبد لا يملك شيئاً ، ومع ذلك فقد حدث الذي حدث ، وسيحدث من مثله ما شاء الله أن يكون ، يدرك ذلك المتقون المؤمنون ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مكة قبل الفتح ، عندما قال له بعضهم من شدة ما يلاقي من الأذى ولا يجد ما يكف به ذلك : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو الله لنا ؟
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : « والله ! ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله ، أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون » [1] .
فهذا الصحابي لما رأى من شدة التباين في موازين القوى بين معسكر الإيمان الضعيف مادياً في ذلك الزمان ، وبين معسكر الكفر القوي مادياً ، ورأى من خلال المقاييس والحسابات المادية والتصورات العقلية أنه ليس بإمكان المسلمين النصر على العدو ، ورأى أن ذلك لا يمكن حدوثه إلا من خلال عقوبة إلهية ؛ طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء والاستنصار ، وكان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا التصور الذي قد يدفع بعض الناس إلى الإحباط وفقدان الأمل ؛ يتمثل في أمرين :
الأول : التبشير بالنصر والتمكين ؛ وبغلبة الحق وأهله ، واندحار الباطل وجنده : « والله ليتمن هذا الأمر » .
الثاني : دعوته لهم بعدم الاستعجال ، حيث ينبغي عليهم الصبر والتحمل والعمل والجد والاجتهاد والجهاد : « ولكنكم تستعجلون » .(2/45)
وهذا ما ينبغي علينا فعله اليوم إزاء تكبر الأعداء وطغيانهم ؛ أن نبشر قومنا بأن النصر حليفهم وإن طال الزمان ، وأن على الباغي تدور الدوائر ، وأن ندعوهم إلى الإيمان الصادق والعمل الصالح ، والجد والاجتهاد والجهاد ، { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة } ( الأنفال : 60 ) ، والرسول صلى الله عليه وسلم في موقفه هذا ينطلق من السنّة القدرية المكنونة في قوله تعالى : { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس } ( آل عمران : 140 ) ؛ أي أن النصر والغلبة في الحروب تكون تارة للمؤمنين على الكافرين ، وتارة للكافرين على المؤمنين ، وكل ذلك يجري بأسبابه التي قدّرها الله تعالى في إطار المشيئة الربانية التي تحوي حِكَماً عديدة من وراء علو الكافرين أحياناً وتسلطهم على المسلمين .
* أسباب إدالة الكافرين على المسلمين :
تجتمع أسباب إدالة الكافرين على المسلمين - أي غلبة الكافرين للمسلمين - في كلمة واحدة ؛ وهي : ( معصية المسلمين ربهم ) ، فمتى عصى المسلمون ربهم ، وانتشرت بينهم المعاصي بغير نكير منهم ، أو بنكير ليس فيه تغيير ؛ عاقب الله المسلمين بذلك ، وأظهر عليهم الكافرين جزاء ما فعلوا ، وقد تبين من النصوص الشرعية أن المؤمنين منصورون غالبون قاهرون لعدوهم مهما كانت قوة العدو وعدده وعدته ، ومهما اختلت موازين القوى لصالح الكفار ؛ إذا كان المؤمنون صادقين عاملين بما يجب عليهم ، تاركين لما نُهوا عنه ، قد أخذوا من أسباب القوة ما كان في طاقاتهم ووسعهم ، ولم يقصّروا في امتلاك القوة التي يمكنهم امتلاكها ، وقد قال الله تعالى مبيناً ذلك : { كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } ( المجادلة : 21 ) ، وقال سبحانه : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ } ( الصافات : 173 ) ، وقال تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ } ( غافر : 51 ) ، والآيات في ذلك كثيرة .
وكان عمر - رضي الله عنه - يحذر جيوشه المنطلقة للقتال في سبيل الله من الوقوع في المعاصي ، ويقول لهم : « إن أهم أمركم عندي الصلاة » [2] ، ويبين ابن رواحة - رضي الله عنه - أن المسلمين لا ينتصرون على عدوهم بعدد أو عدة ، وإنما ينتصرون بطاعة المسلمين لله ، ومعصية الكافرين لله ، ويقول عندما استشاره زيد في لقاء الروم بعد أن جمعوا جموعاً كثيرة : « لسنا نقاتلهم بعدد ولا عدة ، والرأيُ المسير إليهم » [3] .
وقد كانت الجيوش الإسلامية التي يبلغ تعدادها ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف تقاتل الجيوش الكافرة التي تربو على مائتين وخمسين ألفاً ، ثم يكون النصر حليف المسلمين ، { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ } ( البقرة : 249 ) ، ثم يعقب الله على ذلك بقوله : { وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } ، والصبر هنا ، وفي مثله من المواضع ، ليس هو الصبر الذي يفهمه كثير من الناس اليوم بمعنى الإذعان للواقع والاستكانة للظلمة المتجبرين ، فإن من كان هذا حاله فإن الله لا يكون معه ، وإنما الصبر المراد هنا هو حبس النفس عن الجزع عند ملاقاة العدو ، والثبات على الحق ، وعدم التخلي عنه أو التحايل عليه ، وتحمل المشاق في الدعوة إلى الله والعمل الصالح رجاء ما عند الله من المثوبة [4] ، وقد بيَّن أهل العلم أن النصر والظفر قرين الطاعة .
قال الزجاج : « ومعنى نداولها : أي نجعل الدولة في وقت للكفار على المؤمنين إذا عصى المؤمنون ، فأما إذا أطاعوا فهم منصورون » [5] .
وقال القرطبي : « { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس } ( آل عمران : 140 ) ؛ قيل هذا في الحرب تكون مرة للمؤمنين لينصر الله دينه ، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ؛ ليبتليهم وليمحص ذنوبهم ، فأما إذا لم يعصوا فإن حزب الله هم الغالبون » [6] .
ومن هنا يتبين أن الجيش المقاتل في سبيل الله عليه أن يحرص على الطاعات والبعد عن الوقوع في المعاصي ؛ مثل أو أكثر مما يحرص على امتلاك السلاح المتقدم ، فإن السلاح المتقدم بيد العاصي الخوار الجبان أقل غنى من السلاح العادي بيد الطائع القانت لربه ، { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً } ( الأنفال : 17 ) .
* الحكمة من إدالة الكافرين على المسلمين :
ولله سبحانه وتعالى في ذلك حكم عظيمة ، ظهر أكثرها فيما ورد من الآيات التي عالجت غزوة أحد ، والتي ظهر فيها الكفار على المسلمين بسبب معصيتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا بسبب ضعفهم أو قلّتهم ، قال الله تعالى : { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ } ( آل عمران : 165 ) ، وقال سبحانه : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ } ( آل عمران : 152 ) ، فبين أن ما لحق بهم كان لمعصيتهم بعد ما لاحت بشائر النصر ، وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - ما فهمه من الحكم المتعلقة بمداولة الأيام بين الناس في كتابه ( زاد المعاد ) ، نذكرها مختصرة مع زيادات قليلة تناسب المقام ، فمن الحكم والغايات المحمودة في ذلك : تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع ، وأن هذا أشد عليهم من أسلحة أعدائهم . ومنها : أن النصر لو كان للمسلمين في كل مرة دخل معهم الصادقون وغيرهم ولم يتميز المؤمن حقاً من غيره .
ومنها : أنه لو انتُصر عليهم دائماً وكانوا على مر الزمان مقهورين لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ، وهو إظهار الحق وإقامة الحجة على الناس .
ومنها : فضح المنافقين وإظهارهم للناس حتى يحذروهم ، وحتى يستقيم الصف بخلوّه منهم ، وذلك أن المنافقين عند هزيمة المسلمين يظهرون ما كانوا يكتمون ويصرحون بما كانوا يلوحون ، ومن هنا يدرك المسلمون أن لهم عدواً من أنفسهم يعيش معهم وبين ظهرانيهم لا يفارقهم ، فيستعدون لهم ويحذرون منهم ، وهذا من سنة الله تعالى أنه لا يترك المؤمنين مختلطين بالمنافقين من غير أن يُقدِّر امتحاناً أو بلاء تتميز به الصفوف ، قال الله تعالى : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } ( آل عمران : 179 ) .(2/46)
ومنها : استخراج عبودية أوليائه وحزبه في الضراء كما هي في السراء ، وفيما يكرهون كما فيما يحبون ، فإن المسلم إذا ثبت على الطاعة والعبودية في السراء والضراء وفيما يحب وفيما يكره ؛ كانت عبوديته حقة ، وليس كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية . ومنها : أن الله لو نصر المؤمنين في كل موقف وكل موقعة فلربما طغت نفوس أكثر الناس ، وبغوا في الأرض ، ووقع في نفوسهم أن النصر من عندهم وليس من عند الله . ومنها : أنه إذا امتحنهم بالهزيمة ذلوا وانكسروا وخضعوا وابتهلوا إلى الله وتضرعوا ، فيستوجبون بذلك من الله النصر والعز . ومنها : أن بلوغ الدرجات العالية في الجنة لا تنال إلا بالأعمال العظيمة ، ومن الناس من لا تبلغ أعمالهم تلك المنازل فيقيض الله لهم من أسباب الابتلاء والامتحان ما يرفع به درجاتهم . ومنها : أن الله يبلغ بعضاً من عباده درجة الشهادة التي هي من أعلى مراتب الأولياء ، ولا تنال هذه الشهادة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها . ومنها : أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم ؛ قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها الهلاك والمحق ، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم ومبالغتهم في أذى أوليائه ، ومحاربتهم وقتالهم والتسلط عليهم ، فيكون ذلك سبباً في تعجيل العذاب في الدنيا للكفار وهلاكهم ، كما قال تعالى في بيان الحكمة من غلبة الكفار : { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ } ( آل عمران : 141 ) ، قال ابن كثير - رحمه الله - : « وقوله { وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ } ؛ أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا ، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم » [7] . ومنها : تنقية المؤمنين وتخليصهم من الذنوب وآفات النفوس التي قلّما ينفك منها الناس ، كما قال تعالى : { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } .. إلى غير ذلك من الحكم والغايات المحمودة [8] .
* وسائل دفع غلبة الكافرين :
من أول هذه الوسائل : الإيمان الصادق والاعتقاد السليم ، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ؛ إيماناً لا تخالطه شائبة ، إيماناً مبرءاً من البدع والقصور ، إيماناً يبعث على العمل الذي تتحق به المنجزات . ومنها : الحرص على الطاعة والبعد عن المعصية ، فإن هذا أولى ما تُوجه إليه الهمم بعد الإيمان ؛ بحيث يكون الغالب على جماعة المسلمين الطاعة ، وتكون المعصية منغمرة في جنب ذلك ليس لها ظهور ولا فشو ، فقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم : « أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ! إذا كَثُر الخبث » [9] ، ولذلك فإن من أهم ما يستحق العناية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقوم بذلك الأفراد والهيئات والدول ، فإن طاعة الله تعالى من أهم ما يجلب للمؤمنين نصره ، وللكافرين الهزيمة والخذلان ؛ ومنها : إعداد العدة المستطاعة لمنازلة العدو ؛ إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، والإسلام لم يطلب منا أن نعد العدة الكاملة القادرة على مواجهة الكفار ، ولكن طلب منا أن نبذل جهدنا واستطاعتنا ، فقال تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة } ( الأنفال : 60 ) ، وذلك أن النصر من عند الله وليس من عند أنفسنا وليس من سلاحنا . ومنها : ترك الوهن والضعف والتخاذل الذي يقضي على كل همّة ، ويجلب الذل والهزيمة في ميادين الجهاد ، وترك الحزن الذي يستحكم في النفوس فيحيلها إلى نفوس هامدة قابعة ليس لها قدرة على المواجهة ، قال تعالى بعد هزمية المسلمين في أُحد مسلياً لهم ومحرضاً لهم على الثبات : { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ( آل عمران : 139 ) . ومنها : اليقين بأن تسلط الكفار على المسلمين لن يدوم ، وإنما هذا ابتلاء من الله ، وأن الأيام يداولها الله بين الناس ، وأن على المسلمين أن يأخذوا بأسباب التغيير التي تغير الأوضاع التي بها تمكن الكفار منهم ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } ( الرعد : 11 ) . ومنها : اليقين بما وعد الله عباده المؤمنين ، ومن ثم العمل على تحقيق الوعد ، قال الله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً } ( النور : 55 ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها » [10] .
وقال : « ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر ، إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام ، وذلاً يذل الله به الكفر » [11] .
نسأل الله من فضله أن يجعل ذلك قريباً ، وأن يوفقنا للعمل بالأسباب التي تجعل الدولة للمسلمين على الكافرين .
________________________
(1) رواه البخاري ، كتاب المناقب ، رقم 3343 .
(2) أخرجه مالك في الموطأ ، 1/6 .
(3) سير أعلام النبلاء 1/240 .
(4) انظر تفسير ابن جرير الطبري ، 2/624 ، 10/38 .
(5) زاد المسير في علم التفسير ، لابن الجوزي ، 1/466 .
(6) تفسير القرطبي ، 4/ 218 .
(7) انظر : زاد المعاد ، لابن قيم الجوزية ، ففيه المزيد من الحكم في هذا الباب .
(8) تفسير ابن كثير ، 1/440 .
(9) أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، رقم 3097 ، و مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة ، رقم 5128 .
(10) أخرجه مسلم ، كتاب الفتن وأشراط الساعة ، حديث رقم 5144 .
(11) أخرجه أحمد ، مسند الشاميين ، حديث رقم 16344 .
==============
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 4 / ص 487)
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شان
يمزق الدهر حتماً كل سابغة إذا نبت مشرفيات وخرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوو التيجان من يمن وأين منهم أكاليل وتيجان
وأين ما شاده شداد في إرم وأين ما ساسه في الفرس ساسان
وأين ما حازه قارون من ذهب وأين عاد وشداد وقحطان
أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من ملك ومن ملك كما حكى عن خيال الطيف وسنان
دار الزمان على دارا وقاتله وأم كسرى فما آواه إيوان
كأنما الصعب لم يسهل له سبب يوماً ولا ملك الدنيا سليمان
فجائع الدهر أنواع منوعة وللزمان مسرات وأحزان
وللحوادث سلوان يسهلها وما لما حل بالإسلام سلوان
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له هوى له أحد وانهد ثهلان
أصابها العين في الإسلام فامتحنت حتى خلت منه أقطار وبلدان
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية وأين شاطبة أم أين جيان
وأين قرطبة دار العلوم، فكم من عالم قد سما فيها له شان
وأين حمص وما تحويه من نزه ونهرها العذب فياض وملآن
قواعد كن أركان البلاد فما عسى البقاء إذا لم تبق أركان
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الإسلام خالية قد أقفرت ولها بالكفر عمران
حيث المساجد قد صارت كنائس ما فيهن إلا نواقيس وصلبان(2/47)
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان
يا غافلاً وله في الدهر موعظة إن كنت في سنة فالدهر يقظان
وماشياً مرحاً يلهيه موطنه أبعد حمص تغر المرء أوطان
تلك المصيبة أنست ما تقدمها وما لها مع طول الدهر نسيان
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة كأنها في مجال السبق عقبان
وحاملين سيوف الهند مرهفة كأنها في ظلام النقع نيران
وراتعين وراء البحر في دعة لهم بأوطانهم عز وسلطان
أعندكم نبأ من أهل أندلس فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتز إنسان
ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان
ألا نفوس أبيات لها همم أما على الخير أنصار وأعوان
يا من لذلة قوم بعد عزهم أحال حالهم كفر وطغيان
بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم واليوم هم في بلاد الكفر عبدان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم عليهم من ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهم لهالك الأمر واستهوتك أحزان
يا رب أم وطفل حيل بينهما كما تفرق أرواح وأبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهة والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
انتهت القصيدة الفريدة، ويوجد بأيدي الناس زيادات فيها ذكر غرناطة وبسطة وغيرهما مما أخذ من البلاد بعد موت صالح بن شريف، وما اعتمدته منها نقلته من خط من يوثق به على ما كتبته، ومن له أدنى ذوق علم أن ما يزيدون فيها من الأبيات ليست تقاربها في البلاغة، وغالب ظني أن تلك الزيادة لما أخذت غرناطة وجميع بلاد الأندلس إذ كان أهلها يستنهضون همم الملوك بالمشرق والمغرب، فكأن بعضهم لما أعجبته قصيدة صالح بن شريف زاد فيها تلك الزيادات، وقد بينت ذلك في " أزهار الرياض " (1) فليراجع.(1) أزهار الرياض 1: 47.
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 268)
العصر الأندلسي >> أبو البقاء الرندي >> لكل شيء اذا ماتمّ ( رثاء الأندلس )
لكل شيء اذا ماتمّ ( رثاء الأندلس ) رقم القصيدة : 719
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دُولٌ
مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد
ولا يدوم على حالٍ لها شان
يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ
إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ
وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ
كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان
أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ
وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟
وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟
أتى على الكُل أمر لا مَرد له
حتى قَضَوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلِك
كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ
دارَ الزّمانُ على (دارا) وقاتِلِه
وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ
يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ
فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة
وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ
وللحوادث سُلوان يسهلها
وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له
هوى له أُحدٌ وانهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ
فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً)
وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)
وأين (قُرطبة)ٌ دارُ العلوم فكم
من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ
ونهرهُا العَذبُ فياضٌ وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما
عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ
تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من ! ;أسفٍ
كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ
على ديار من الإسلام خالية
قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما
فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ
حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ
إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ
أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ ؟
تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمها
وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
يا راكبين عتاق الخيلِ ضامرةً
كأنها في مجال السبقِ عقبانُ
وحاملين سيُوفَ الهندِ مرهفةُ
كأنها في ظلام النقع نيرانُ
وراتعين وراء البحر في دعةٍ
لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ
فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ ؟
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ؟
ماذا التقاُطع في الإسلام بينكمُ
وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ ؟
ألا نفوسٌ أبَّاتٌ لها هممٌ
أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ
أحال حالهمْ جورُ وطُغيانُ
بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم
واليومَ هم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ
عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ
ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ
لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا ربَّ أمّ وطفلٍ حيلَ بينهما
كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ
وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت
كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً
والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ
إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
==============
إن المستقبل للإسلام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد :
فلقد كتب الله عزوجل لهذا الدين العظيم دين الإسلام الرفعة والسناء والمجد والريادة ، فهو الدين الذي ارتضاه ملك الملوك الرب العظيم للبشرية دينا ، وهو الملة السمحاء التي فرق بها عزوجل بين الناس فمنهم مؤمن ومنهم كافر ، وهو الدين الذي لايقبل الله عزوجل ممن لايؤمن به عملا ولاقربة مهما بلغت حجمها ذلك لأن أجل مايتقرب به العباد إلى الباري عزوجل هو تحقيق العبودية له جل وعلا من خلال الإيمان الكامل والتسليم المطلق لهذا الدين والخضوع لجميع أحكامه " إن الدين عند الله الإسلام " ، " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهوفي الآخرة من الخاسرين".
إن ماشهده التأريخ منذ بزوغ فجر هذا الدين العظيم من مؤامرات للقضاء عليه أمر لم يتعرض له أي دين آخر وأي ملة أخرى ويكفي لمعرفة مدى مايتعرض له الإسلام من مكر كبار النظر فيما يتعرض له ديننا في هذا الزمن من محاولات الاجتثاث والإقصاء والتشويه والإبعاد ومع ذلك نرى هذا الدين لايزداد إلا انتشارا وقبولا عند الناس والمعادلة تقول كلما ازداد الكيد لهذا الدين كلما ازداد عدد المقبلين عليه وكيف لايكون كذلك وهو دين الفطرة ، كيف لايكون كذلك وهو الدين الذي فيه الحلول الناجعة لجميع مشكلات البشرية وعللها .
هذا الدين العظيم جميع المنحرفين يكيدون له ، اليهود يكيدون له الكيد تلو الكيد ، النصارى يكيدون له ، الوثنيون يكيدون له ، المنافقون يكيدون له ، الشهوانيون والزنادقة والملاحدة والمبتدعة يكيدون له ومع ذلك فجميع هذه النحل على اختلاف مشاربها تكيد كيدا نهايته إلى الخسران والبوار :
أيطفيء نور الله نفخة فاجر **** تعالى الذي بالكبرياء تفردا
وقول الله أجل وأبلغ " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ** هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" ، ويقول جل وعلا : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " ، " إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ".(2/48)
إن من حكم الله عزوجل على عمله بالفشل ضائع وعمله ضائع ومخططاته منكوسة وإن ظهرت جعجعته في عالم الناس لفترة من الزمن أو لحظات من الوقت ذلك لأن الله عزوجل لايصلح عمل المفسدين " إن الله لايصلح عمل المفسدين " ، وإن محاربة الإسلام أعطم فساد يمارس على وجه الأرض وهو فساد تكفل الله عزوجل بإبطاله ورد كيد منفذيه إلى نحورهم لأن الدين دينه الذي ارتضاه للبشرية دينا .
لقد جاءت البشائر النبوية بنصرة هذا الدين وظهوره على الدين كله ، ومثل هذه البشائر تشيع الأمل في النفوس وتزرع بذور التفاؤل في الأرواح التي يؤلمها ماحل بالمسلمين من المصائب والنكبات ، وهي بشائر أيضا تثبت اليقين في القلوب وتستحث الهمم من أجل مزيد من العمل للدين ومن ذلك مارواه الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها مازوي لي منها " ، فياله من مللك عظيم وعز كريم ينتظر هذه الأمة المبشرة بالرفعة والسناء والتمكين في الأرض كما في الحديث الصحيح : " بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض" صحيح الجامع.
إننا مع مانشاهده كمسلمين من مكر كبار لهذا الدين إلا أن ذلك المكر يجب أن لاينسينا حقيقة إيمانية وقاعدة ربانية تخبرنا بأ ن هذا الدين لايزال في زيادة ولا يمكن أن يرجعه أعدائه إلى نقص وبوار فقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ولايزال الإسلام يزيد، وينقص الشرك وأهله ، حتى تسير المرأتان لاتخشيان إلا جورا ، والذي نفسي بيده لاتذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم" قال عنه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث صحيح.
هذا الدين بنيان شامخ وصرح عظيم قائم لاتهزه الرياح ولاتزعزعه العواتي ، منصور بعون الله عزوجل بثلة من أوليائه ممن يغرسهم الله عزوجل ليستعملهم في طاعته والمنافحة عن دينه ففي الحديث الذي حسنه العلامة الألباني رحمه الله يقول عليه الصلاة والسلام : " لايزال الله يغرس في هذا الين غرسا يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة" ، وفي الحديث الآخر في صحيح مسلم : " لن يبرح هذا الين قائما ، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة " .
إن مثل هذه المبشرات لابد أن تصنع في نفوسنا الأمل الذي يحركه العمل وليس مهما أن نرى بأنفسنا ثمرة نصر الإسلام أو تمكينه بل المهم هو أن نعمل من أجل الإسلام وأن نسأل أنفسنا دائما : ماذا قدمنا للدين ؟ كيف ننصر ديننا؟ ماهي المجالات التي نستطيع القيام بها وهي تخدم ديننا؟ فالإسلام محتاج إلى جهود أتباعه وإلى طاقاتهم فمجالات الخير واسعة ومتعدده ولكنها محتاجة فقط إلى من يعلق الجرس ، وهذا مايوجب علينا أن نطلق من حيز جلد الذات والبكاء على الأطلال إلى حيز العمل والعمل والعمل.
ماجد الجهني
============
{ فاعتبروا يا أولي الأبصار }
أ.د. عبدالكريم بكار
هذه آية جليلة الشأن في الكتاب العزيز سرت مسرى المثل ، وذاعت على الألسنة والأقلام ؛ لأنها تعني وجوب الاستفادة من تراكم الخبرات البشرية ، وأخذ العظة والعبرة من أحوال الأمم السابقة ، والمعاصرة ، وتوفيراً للجهد ، واختصاراً للطريق ، وفراراً من عذاب الله تعالى ...
وقد قص الله تعالى علينا في سورة الحشر قصة جلاء بني النضير من المدينة إلى خيبر والشام مبيناً وقوع ما ليس في الحسبان ، فقال تباركت أسماؤه : { هُوَ الَذِي أَخْرَجَ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ } [الحشر : 2] .
لقد كان خروج بني النضير في تلك الصورة المهينة الذليلة حدثاً بعيداً عن أذهان بني النضير وأذهان المسلمين لأن الأسباب المادية التي أخذ بها القوم كانت على درجة من الإتقان والإحكام تحول دون تصور ما وقع ..
ولكن العزيز الجبار الذي لا رادَّ لأمره ، ولا معقب لحكمه أتاهم من حيث لم يحتسبوا أتاهم من الداخل ، فألقى في قلوبهم الرعب ، فخارت عزائمهم ، وأدركوا أن قوتهم ما عادت تغني عنهم شيئاً .
وما أشبه الليلة بالبارحة ! !
فهذه هي النظرية الشيوعية تنهار اليوم في أسرع مما كان يدور في خلد البشر ، وهذه هي مئات الألوف من الكتب والمجلدات التي سطرت في فلسفة النظرية وترويجها وتكييف البشر معها تغدو رماداً تسفوه رياح التغيير العاتية في وجوه السدنة والكهنة والمرتزقة والأذناب وأشباه الأذناب ..
لقد كان سقوط النظرية الشيوعية أمراً لا مفر منه ، ولكن المذهل هو انهيار البناء الذي أنفق فيه ثلاثة أرباع القرن من الزمن مع ملايين الأنفس وما لا يحصى من الآلام والعذابات وصنوف المعاناة الإنسانية في أسرع من لمح البصر .
قد كانت أفكار (كارل ماركس) رد فعل لحرمان طويل ومعاناة شخصية قاسية . والناموس العام لردود الأفعال البعد عن الموضوعية وفقدان الاتزان . وقد قبل أفكار (كارل ماركس) في البداية صنفان من البشر :
صنف طحنه الظلم والحرمان ، وتقلب دهراً في التعاسة ، وطرق كل باب للخروج من نفق الظلمات الذي ولد فيه فإذا بنظرية تعده بجنة على الأرض تنسيه طعم كل ما مضى من العناء والبلاء ، فهبَّ إلى اعتناقها والترويج لها على أنها الحل الأخير والمخرج الوحيد .
والصنف الآخر - وهم الكثرة من الأشياع - وجد في السلطات المطلقة التي تركزها النظرية في قبضة الحزب الشيوعي والدولة الماركسية ما يلبي من خلاله كل طموحاته الشخصية من الجاه والمال والتسلط ، وما يتفرع عن ذلك من شهوات
وملذات ومصالح ..
ولم يمض وقت طويل حتى أدرك الذين كانوا يحلمون بالفردوس أن الخبر غير الخبر وأن المحصول غير المأمول ..
ولكن إدراك الشعوب كثيراً ما يأتي متأخراً بعد فوات الأوان ..
فقد ركزت الحكومات البلشفية المتعاقبة على صناعة السلاح دون باقي الصناعات حتى تتمكن من كسر شوكة أي معارضة محتملة للثورة على حين أنها لم توفر لشعوبها أحذية جيدة تنتعلها ..
وجمعت إلى ذلك تجنيد عشرات الألوف من المخبرين السريين الذين يحصون أنفاس الشعوب ويعدون نبضات قلوبهم .
ولجأت الشعوب إلى سلاحها الماضي وحيلتها الأخيرة ، فشرعت في المقاومة السلبية ، وأدارت ظهرها لخطط التنمية المتعاقبة التي كانت تضعها الحكومات الشيوعية . ومن البدهي أن الحكومة تخطط وأن الشعب ينفذ فإذا لم ينفذ الشعب كانت الخطط حبراً على ورق أو صرخة في واد ، وهذا ما جرى لقد كان كل عام يمر يعنى مزيداً من الفروق المعيشية والحضارية بين أتباع الشيوعية وأتباع الرأسمالية ، وحين انهار جدار (برلين) أدرك الألمان الشرقيون - الذين كانوا يُدلُّون بأنفسهم على أشياعهم من أبناء أوربا الشرقية- الفجوة الضخمة التي تفصلهم عق الألمان الغربيين ، فالدخل عند الغربيين عشرة أضعاف الدخل عند الشرقيين ، والهواتف عشرة أضعاف وأعداد السيارات مضاعفة وهكذا على هذه اللازمة ..
وفى اعتقادي أن الأحزاب الشيوعية انهارت بهذه الصورة ؛ لأنها عجزت عن بناء حضارة مناسبة للعصر تغني شعوبها عن تكفف الآخرين وتوجد الثقة بالأسس النظرية التي قامت عليها ، وأسباب أخرى من هذا القبيل لا نقصد هنا إلى تعدادها .
هل من معتبر ؟(2/49)
كانت الأحزاب الشيوعية والحكومات التابعة لها بحاجة إلى نوعين من المراجعة :
الأول : مراجعة أصول النظرية وقواعدها الأساسية والتي أثبتت السنين أنها خيالية ومتناقضة .
الثاني : قياس آراء النظرية من خلال الواقع الذي أفرزته التجربة الطويلة ، لمعرفة مكامن الخلل ومواضع الداء في النظرية والتطبيق . ومع أن (برجنيف) كان يقول : إذا لم نستطع كشف الأخطاء قتلتنا ، فإن سدنة الأحزاب الشيوعية بدءاً بقائل هذه الحكمة لم يستطيعوا الكشف عن أي خطأ ذي شأن فضلاً عن القدرة على الإصلاح . وكان الشغل الشاغل هو التبرير والدفاع والثناء بالجملة على الوضع القائم .
وفى عالمنا الإسلامي اليوم الكثير الكثير من الأخطاء وأصناف القصور على المستويات كافة . ووجود الأخطاء أمر طبيعي ؛ ذلك لأن حركة الزمن تدع الكثير من الجديد بالياً ، وتوجب استمرار الاجتهاد والتكييف بين المبدأ والمصلحة ، وبين الوسائل والغايات ، وبين الأساليب والأهداف . وخلال عمليات التكييف هذه تحصل مفارقات تحسب للأمة تارة وعليها تارة أخر ى .
والأمة الحية اليقظة لا تكف أبداً عن عمليات المراجعة وقياس أداء المناهج والأساليب والأصول ، كما لا تمل من بحث المعوقات وطرح الحلول لها .
وإذا كان الآخرون يحتاجون إلى نوعين من المراجعة فإننا بحمد الله نسير في طريق لاحبة رسمها الأصفياء الأولون من رسل الله وأوليائه ، ومن ثم فإننا بحاجة إلى نوع واحد منها ، وهو التأكد من موافقة خطانا لروح الشريعة الغراء ونصوصها ومدى توفر الشروط النفسية والاجتماعية التي يجب توفرها في حياة خير أمة أخرجت للناس .
وتتشخص هذه المراجعة في المفردات التالية :
1 - امتلاك الشجاعة الكافية للاعتراف بالأخطاء وأنواع التقصير في مسيرتنا الحياتية .
2 - التفريق الدقيق بين الأمراض وأعراضها حتى لا نعالج مظاهر المرض وأعراضه ونترك حقيقته ، فيكون العلاج مؤقتاً .
3- البحث في البنى التحتية لتلك الأخطاء للوقوف على عللها الأولى وأسبابها الحقيقية اهتداء بقوله تعالى : { قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ } [العنكبوت : 20]
4- التغيير في برامجنا وأساليبنا بما يتناسب مع نتائج تلك المراجعات .
5- وضع صمام الأمان الذي يحول دون تكرار الوقوع في تلك الأخطاء .
6- غرس روح تحمل المسؤولية في أفراد الأمة والتربية على الشجاعة الأدبية الباعثة على محاصرة الخطأ والنقد البناء ، وتنمية روح المبادرة الفردية لديهم .
وإذا فعلنا هذا فإنا نكون قد ضمنّا استمرار الثقة بأصولنا الاعتقادية والفكرية ، وأوينا إلى ركن شديد يعصمنا من الأعاصير العاتية والانهيارات المدمرة .
وليس هذا على وارثة تراث الأنبياء والمكلفة بتبليغ الكلمة الأخيرة بعزيز .
ولله الأمر من قبل ومن بعد .
============
أين الخلل وما العمل
( مجموعة مقالات )
عقلية البعد الواحد
أرسل الموضوع إلى صديق
الحمد لله والصلاة على رسول الله ومن والاه وبعد :
المفترض أن تكون الأمة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس من المفترض أن تكون هذه الأمة هي الأمة القائدة للعالم والشاهدة عليه فنحن أمة الشهود وأمة الخيرية وأمة التمكين في الأرض ومع ذلك فإن كل هذه الافتراضات ليس منها شيء على أرض الواقع فالأمة الإسلامية على مختلف أقطارها هي في العالم الثالث وبعض منها في المؤخرة منه و بالإطلاع على بعض الإحصائيات يتوضح هذا فعالم الأرقام عالم كشاف يكشف الحقيقة التي يحاول الكثير إخفاءها
( ... بعض البلدان تصل نسبة الأمية إلى 90 % مثل اليمن ومالي و60% في المغرب وبنغلادش والسودان و 30% في البحرين و أندنوسيا والجزائر بينما نسبة الأمية في أوربا 3% فقط ..) د البكار نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي
( متوسط دخل الفرد في الصومال /190/ دولار وفي باكستان/ 370/دولار وفي النيجر /310/ دولار بينما دخل الفرد في فرنسا / 16800 / دولار وفي اليابان/ 15030 /دولار وفي الولايات المتحدة/13800 / دولار والفرق بين باكستان مثلا والولايات المتحدة حوالي /36/
ضعفا .) المرجع السابق
هذه الأرقام وغيرها توضح لنا وبشكل صريح واقع الأمة وأين هي بين دول العالم
لكن السؤال لماذا ونحن أمة الشهود وأمة الخيرية وأمة التمكين ؟؟؟
لماذا الأمية ونحن أمة اقرأ وأمة العلم ؟؟
لماذا ونحن أمة موعودة بالغنى فقد وعدنا رسول الله بذلك عندما قال ( ستفتح عليكم كنوز كسرى) فلماذا هذا الدخل المتدني للفرد المسلم ؟؟
لعل هناك أسباب عديدة متراكبة ومتواكبة هي التي جعلت الأمة الإسلامية في هذا الوضع المزري الذي لا يسر صديقا ولا أقول لا يفرح عدوا بل إن أعداء الأمة هم أول الفرحين بهذا الوضع
ولعلنا من خلال هذه المقالات يوفقنا الله إلى إدراك بعض مكامن الخلل ونعمل على تلافيها بعون الله تعالى نحاول من خلال هذه المقالات على تسليط الضوء على بعض الجوانب المختلفة
أول خلل أصيبت به الأمة هو
1- عقلية البعد الواحد * :
ومعنى عقلية البعد الواحد باختصار " هو أن المسلمين يرجعون مشكلة معينة أو حادثة معينة إلى سبب واحد وغالبا ما يكون هو الأخير دون النظر إلى الأسباب المتراكبة والمتواكبة والمتضافرة التي أدت إلى هذا الحدث أو ذاك ونتيجة لذلك تكون النظرة الدارسة لذلك الحدث قاصرة وسطحية والمعالجة جزئية ومحدودة "
إن الإسلام طلب منا أن لا نكون بعقلية البعد الواحد وإنما طلب منا التفكر والتدبر والمشاورة فما حقيقة الشورى في وجه من وجوهها إلا أنها دراسة للمشكلة من جميع الجوانب وفي كل الاتجاهات
وإن ختم الآيات القرآنية بقوله تعالى أفلا يتدبرون أفلا يتفكرون لتعطي للإنسان الأفق الواسع في دراسة ظاهرة أو حادثة معينة
ولما جاء رجل إلى النبي عليه السلام يشكو له الفقر لم تكن نظرة النبي نظرة بعد واحد " أنه إنسان يحتاج مبلغا من المال وانتهى الأمر " إنما قال له اشتر قدوما ثم غب عني خمسة عشر يوما أي أنه حاول علاج لمشكلة بأبعاده حيث إن النبي عليه السلام قرر لنا في هذا الحديث ثلاثا من العوامل المهمة لحل مشكلة الفقر وهي
- اليد العاملة
- أدوات النتاج ( القدوم )
- الزمن **
- وأضاف في حديث آخر لنفس القصة والموضوع (السوق التصريفية ) في حديث
" لأن يأخذ أحدكم حزمة حطب قيبيعها في السوق خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو
منعوه "
وبهذه الطريق للتفكير أبعدنا النبي عليه السلام عن عقلية البعد الواحد.
ومن المؤسف حقا أن كثيرا من الحوادث التاريخية الكبيرة التي وقعت في تاريخنا الإسلامي تعزى إلى سبب واحد ومن هذه الأمثلة سقوط بغداد في أيدي المغول فسقوطها لم يكن لضعف الحالة العسكرية فقط إنما كان هناك عوامل كثيرة ومتضافرة هي التي أدت إلى سقوط بغداد منها:
أن المسلمين كانوا منهزمين داخليا قبل أن ينهزموا عسكريا , كان هناك أكثر من خلافة
وكان الفحش الأخلاقي والزنا متفشيا بشكل غير طبيعي وكان الضرائب على أشدها وكان الوضع العقائدي الذي هو الالتجاء إلى الله في الأزمات على أسوء حال ولقد اختصر أحد الشعراء هذا الوضع العقائدي بقوله :
يا خائفا من التتر *** لذ بقبر أبي عمر
فبدلا من أن يلوذ بالله ويلجأ إلى السلاح هاهو يقول لذ بقبر لا ينفع
وإذا سألنا مثلا ماهو الحل لخروج الأمة من هذا المأزق الحضاري لوجدنا كثيرا من الناس يقولون بطرف لسانهم نحتاج إلى صلاح الدين دون التفكر أن خروج مثل صلاح الدين لابد له من جهود جبارة من جميع أطياف الأمة .(2/50)
إن عقلية البعد الواحد هي عقلية قاصرة ومحدودة وجزئية تحاول إصلاح الأمر دون النظر إلى مسبباته وأسبابه ولذلك خرجت حلولنا المحلية والعالمية حلولا مجتزأة وقاصرة .
إن المنح الإلهية للإنسان بإعطائه القدرة على التحليل والتركيب والاستقراء والاستنتاج وغيرها عطلت في حياة المسلم وذلك لأسباب كثيرة منها:
الخوف غير المبرر على الإسلام وطريقة التربية و عدم تقبل النقد والظنيات التي جعلناها قطعيات وغير ذلك .
إن هذه العقلية ليست على مستوى الأمة فقط بل أصابت حتى الأفراد فإذا سألنا أبا لماذا رسب ابنك سيقول إنه لا يدرس دون النظر إلى الأسباب التي جعلته لا يدرس
والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة لكن يجب أن نؤكد أن الحبل الواحد والسميك هو مجموعة من الخيوط الرفيعة والمتماسكة وأن الأحداث هي نتيجة لمجموعة أسباب وليست لسبب واحد وبمعرفة هذه الأسباب يمكن الوصول إلى حل كلي وربما جذري أو إلى رؤية مستقبلية مشرقة .
م. عبد اللطيف البريجاوي
* د. بكار العيش في الزمن الصعب
** د. دالاتي خواطر
============
أهمية استغلال الإجازة الصيفية
عامر بن عيسى اللهو
الخطبة الأولى :
أيها الإخوة المؤمنون ...
تعيش كثير من الأسر هذه الأيام ما يُعرف بالإجازة الصيفية والمقصود بها ما يكون بعد العمل والتعب والدراسية النظامية من هدوء واستجمام وراحة وهذا الأمر لا غضاضة فيه فإن النفس البشرية لا تقوى على التكاليف الشرعية إلا إذا أخذت قسطها من الراحة والاستجمام .
قال ابن الجوزي رحمه الله : فينبغي أن يقطع الطريق بألطف ممكن وأخذ الراحة للجد جد ، وغوص السابح في طلب الدر صعود ، ومن أراد أن يرى التلطف بالنفس فلينظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كان يتلطف بنفسه ويمازح ويخالط النساء ويقبل ويختار المستحسنات ويختار الماء البارد والأوفق من المطاعم . أ.هـ
عباد الله :
ولما كانت أيام الإجازة الصيفية من عمُر الإنسان ووقته الذي سيسأل عنه يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال :(وذكر منها ) عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ) رواه الترمذي والطبراني بسند صحيح .
كان من الضروري التذكيرُ بأهمية استغلال هذه الأيام بما يعود على الإنسان بالنفع والفائدة والمتعة المباحة .
إن ثمة أناساً من الناس ارتبطت الإجازة في أذهانهم بتضييع الأوقات والتفريط بالصلوات والسهر بالليل والنوم بالنهار وعبث وفسق ليس لآحدهم هدف يسعى لتحقيقه ، ولا غاية محمودة يخشى فواتها ، فهم عالة على الزمان . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني أكره أن أرى أحدكم سبهللا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة .
كتب الإمام ابن الجوزي رحمه الله رسالة لطيفة إلى ابنه ينصحه فيها وسماها ( لفتة الكبد في نصيحة الولد ) وكان مما جاء فيها : اعلم يا بُني أن الأيام تُبْسَطُ ساعات والساعات تبسط أنفاسا وكل نفس خزانة فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب فلا تودعها إلا إلى اشرف ما يمكن ، ولا تهمل نفسك وعوِّدها أشرف ما يكون من العمل وأحسنه وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه . أ.هـ
إن كون الإنسان في إجازة - يا عباد الله - ليس معناه أن يفتح باب المعاصي على مصراعيه ويقعد عن العمل الصالح ويفرط في الواجبات ، فإن حياة المسلم ليس فيها إجازة بهذا المفهوم .
إن فيما أباح الله من إمتاع النفس والترويح عنها غُنية عن ما حرّم ، فاجعل من شعارك دائما أن تسائل نفسك : ماذا عملتُ في وقت فراغي ؟ هل كسبتُ علماً أو مالاُ أو نفعا لنفسي أو لغيري ؟ . وانظر هل خضع وقت فراغك لحكم عقلك ؟ فكان لك غاية محمودة صَرفت فيها زمنك ؟ إن كان كذلك فقد نجحت ، وإلا فحاول حتى تنجح .
أخلِق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمِن القرع للأبواب أن يلِجا
فقليل من الزمن يُخصص كلَّ يوم لشيء معين قد يغيِّر عندك مجرى الحياة ويجعلك أقوم مما تتصور وأرقى مما تخيل .
إن الأمة تعيش عُشْر ما ينبغي أن تعيش أو أقل من ذلك ، سواء في إنتاجها المالي أم ثقافتها العقلية وباقي حياتها هدر في كسل أو خمول أو لعب أو لا شيء ، و لا ينقصها أن تعيش كما ينبغي إلا أن تكتشف طريقة ملء الزمن وخضوعه لحكم الشرع والعقل .
إن الإنسان يستطيع أن يُغير موضوعات حبِّه وكرهه كما يشاء ويستطيع أن أن يُغير ذوقه كما يشاء فيستطيع أن يُمرّن ذوقه على أشياء لم يكن يتذوقها من قبل وعلى كراهية اشياء كان يحبها من قبل ، ففي استطاعة أغلي الناس - إذا قويت إلاادتهم - أن يُقسموا أوقات فراغهم إلى ما ينفعهم دينيا وعقليا واجتماعيا ونحو ذلك .
فهل فراغك إلا جزء من حياتك ؟ وهل حياتك إلا وقتك الذي يمضي بين الميلاد والوفاة ؟!
ثم اعلم يا عبد الله أن الأوقات تتفاوت في يمنها وبركتها فساعة أعظم بركة من ساعة ويوم أفضل عند الله من يوم وشهر أكرم من شهر ، فليأخذ الإنسان من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن حياته لموته .
بسم الله الرحمن الرحيم ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ....
الخطبة الثانية :
إن في المنازل آلاف الطلاب والطالبات يقضون أشهر الإجازة الصيفية فما دوركم أيها الآباء والمربون ؟
إن المربي الواعي يستطيع بذكائه أن يحوِّل أيام الإجازة إلى أيام فائدة ومتعة واكتساب مهارات لكن لا بد من شرط مهم في تحقيق ذلك وهو القناعة التامة بأهمية استغلال الإجازة ، فكم من الأفكار والبرامج التي يستطيع بها المربي أن يشغل وقت الأبناء والبنات بما ينفعهم وهم في ذلك مسرورون فرحون ، وكم من مهارة وموهبة عند الأولاد تحتاج إلى من يستخرجها ويوجهها التوجيه الصحيح .
إن من أفضل المُتع عند الأبناء أن يشتركوا مع آبائهم وأمهاتهم في تحقيق برنامج معين في جو أسري تسوده المحبة والمودة المتبادلة ، فلا تحرموا أبناءكم هذه المتعة .
إن بعض الناس يظن أن مفهوم الإجازة لا يكون إلا بالسفر والتنقل ، وهذا غير صحيح ، فإن السفر وإن كان لوناً من ألوان قضاء الإجازة إلا أنه ليس المفهوم الوحيد لقضائها ، ونعني به السفر المحمود أو المباح على أقل الأحوال ؛ أما السفر المحرم الذي يكون لبلاد الكفار لغير حاجة فهذا لا خير فيه ، وضرره عند العقلاء أكبر من نفعه . قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ) رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح .
فكيف يرضى المسلم أن يعرض نفسه وأهله وأولاده للفتن صباح مساء ؟! وهل هذا من الوقاية المأمور بها في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا قوآ أنفسكم وأهليكم ناراً ... ) الآية ؟!
بل اعلموا يا عباد الله أن على المسلم أن يقي أهله الفتن حتى وإن كان السفر إلى بلاد المسلمين ، فلا يجوز حضور المهرجانات الغنائية المشتملة على المنكرات . قال تعالى ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينَّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) فهذا النهي يشمل كل خائض بالباطل وكل متكلم بمحرم أو فاعل له .
وقانا الله وإياكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
===========
لكننا نغتال ( اقرأ )
أرسل الموضوع إلى صديق(2/51)
بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. كانت أول قبلة من السماء على جبين الأرض ، وأول خيوط النور التي مدت ، وأول لمسة حانية وأول أسباب الهدى ونفحات اليقين ، وأول دلائل الحق وبراهين الحقيقة ، وأول بيان يحمل ومضات الرحمة وعلامات النجاة .. كانت ( اقرأ ) . مفتاح المعارف وترقيق النفوس وعطر الأبدان وتعديل الهمم ، وتنقية القرائح وجلاء العتمات ، وتبديد الظلمات ، إنها شرف الأمة وعزتها ويدها وعقلها وأكبر أسباب رفعتها .
معاشر السادة .. لا يقسم الرب العظيم إلا بالشيء العظيم ، وقد أقسم الله بالقلم قال سبحانه : ( ن والقلم وما يسطرون ) . فما هي عظمة القلم ؟ وما هي هيبته وجلاله وجماله وما هو تأثيره ؟ هل فكرت في الإجابة ؟ ؟ ؟
في الصحيح من حديث ابن عباس( أن أول ما خلق الله القلم) . وما أروعها قصيدة القلم لأبي تمام حين تقرأها .
إذا وضع القلم رأسه ربما يكون أقوى من الجيوش الجرارة ، من حمله بحقه وأمانته أحيا ووعظ وهدى وأيقظ .
لو لم ينفعك عقلك فما قيمته ؟ ولو لم تهدك فكرتك فما قيمتك ؟؟
لو خانتك نفسك فذلك عملك فيها مد عمرك . لأن الجَنَى من جنس الزرع والحصاد على قدر الجهد .
اسمع .. قال الله ( اقرأ ) . وذلك فعل أمر والذي أمر هو علام الغيوب، فإذا كان الأمر يأتي على قدر الآمر فمن أعظم من الله يأمرك فتطيع ؟؟؟ لقد رفعت صوتي بها فهل زلزلتك ؟ وإذا كان الامتثال لأمر الله (اقرأ) أعظم ما يكون إذا اقترن بالقرآن الكريم والسعي في فهمه وإدراك معانيه والعمل بما فيه .. فإن العلوم والمعارف وفهم التاريخ والسعي في أسباب ذلك كله لا يكون إلا من طاعة الله في أمره العظيم (اقرأ) ...
لماذا يكون غذاء بطوننا أولى دائما من غذاء عقولنا وهانت علينا العقول ..؟؟؟
وكم من أمم سقطت برأسها وكم من رجل هلك بفكره وشقي بعقله .. قال الله ( اقرأ )
مُدت الموائد وضجت بألوانها وفاحت الروائح حتى وصلت إلى بلدان يعز على المرء فيها أن يجد كسرة خبز يقتات بها .. فملأت البطون واسترخت الأبدان .. ثم أخذ كل واحد منا مكانه أمام الشاشات .. وتحولنا إلى صناديق قمامة تنهل من كل غث رديء ... أين أمر الله (اقرأ) ؟؟؟
عجز الظالم أن يدرك إحساس المظلوم ، وانزوى العلماء وضاعت الحقوق وتألمت الحقيقة ... لم تفهم الزوجة زوجها ، ولم يفهم الزوج زوجته ، وعظمت بيننا المسافات ، وتفككت الأسر . قال الله ( أقرأ ) .
من ظن أنه سيهتدي بغير علم فهو غارق في الوهم . إذا تحريت العلم النافع بالله قل لي .. من في هذه الدنيا أعز عليك من كتاب تتخذه رفيقا ؟؟؟ قال الله ( اقرأ ) .
اقرأ .. نعمة من النعم ،.. دليل المرء ومصباحه المنير .. غناه إذا كان فقيرا ، وعزه إذا كان ذليلا .. وكسوته إذا كان عاريا ، ودرعه وحصنه الحصين .. كل دميم بها يصير جميلا ، وكل حقير بها يصير عظيما .. تخرج من الجهل إلى العلم ، ومن الشك إلى اليقين .. ومن الأسر إلى العتق ، ومن التطاير إلى الرسوخ .. ومن البلاهة إلى الحكمة ، ومن الخفة إلى الرصانة .
من حسنت قراءته نضج فكره .. ومن نضج فكره ارتقى وجدانه .. ومن ارتقى وجدانه حسن كلامه .. فكان أهلا إذا قال أن يسمع ، وإذا أمر أن يطاع .
إن واحدا من الناس يساوي أمة ، وواحدا يساوي ألفا ، وواحدا لا يساوي شيء .
يذهب الإنسان إلى المدارس ودور العلم والجامعات حتى إذا أُعطي ورقة تحمل اسمه خرج ليجعلها زينة على الجدران فإذا سُئل عن أركان الصلاة قال لا أدري .
لا بأس في طول في الجسم أو قصر *** أجسام البغال وأحلام العصافير
لو لم تكتب كلمة فاقرأها ، ولو لم تلق محاضرة فاحضرها
إن كلمة غيرت وجه التاريخ .. وكلمة أحيت القلوب .. وكلمة تحركت بها العزائم وتقدمت بها الأمم .
قال الله ( اقرأ ) .
أنت تقرأ إذن أنت كبير .. أنت تقرأ إذن أنت تشعر .. أنت تقرأ إذن أنت على قيد الحياة .
اقرأ .. فإذا كان للناس يدان كانت لك أياد كثيرة .. وإذا كان للناس عينان كانت لك أعين شتى .
اسمع .. احترم الزمن فإن له قداسة .. إنه عمرك .. إن تهمله فأنت قاتل نفسك . تتطاير السنون فلا أنت أنت ولا الدنيا هي الدنيا . وتبحث في ذاتك عن معنى لك فلا تجد . إذا تكلم الناس تسكت وإذا ارتفع الناس تهبط .
قال الله ( اقرأ )
حتى متى تترك الآخر يشكل عقلك ووجدانك وهويتك ؟؟؟ كيف بك تسلم مفتاح عقلك وقلبك ووجدانك لغيرك .. فيملأك بما يشاء ويوقفك على ما يشاء ويضعك حيث يشاء ؟؟؟
تسأل ماذا تأكل وماذا تشرب وكيف تعيش ؟ وتحولت رأسك إلى علامة استفهام كبيرة .. لأن حب العلم ليس من شأنك وتقديس المعارف ليس من قِيَمك ، تسلم بما تسمع ، وتستسلم لما يقال .. فمن أنت ؟؟؟ وما هي فكرتك ؟ وما هي غايتك ؟؟؟ قال الله (اقرأ ) . وعصت الأمة أمر الله فتحولت في معظمها إلى مسخ .
لنا الريادة ، ولكن في الجهل .. ولنا الصدارة ، لكن في التفاهة ، معنا دكتوراه ، لكن في قتل الزمن وهدم النفوس وازدراء العقول .. عندنا عبقريات ، لكن في الذل والخضوع .. ولدينا أبحاث ، لكن في تخريج المغنيين والمغنيات وأشباه الرجال . قال الله ( اقرأ ) .
إن أعظم جريمة عرفها تاريخ هذه الأمة هي اغتيال ( اقرأ ) .. وغيابها في صدورنا وتهميشها وتحقيرها ..
ولنعلم جميعا أنه لا حياة لهذه الأمة ولا نهوض ولا تحرر ولا عزة ولا كرامة بغير ( اقرأ )
كن شيئا.. واخرج من قلب العتمة .. البس ثوب الحق وقدم للدنيا شمعة .. وستعرف أن الفرق كبير .. تتمنى لو كنت قديما تعرف .. لو أن الساعة كانت تتوقف .
أحمد المنسي
============
حتى يأتيك اليقين
بالأمس كنا في شهر رمضان، يحرم علينا في نهاره تناول كل أنواع المفطرات، لنعبد الله بالصيام، والذي حرم علينا ذلك هو الله، واليوم هو أول يوم من شهر شوال، يحرم علينا فيه الصيام، لنعبد الله بتناول ما حرم علينا بالأمس، ولذا سمي يوم عيد الفطر، والذي حرم علينا صيام هذا اليوم هو الله.
وهنا تظهر الطاعة المطلقة لله، التي يستحق به عباد الله المؤمنون رحمته: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)) [التوبة (71)]
ومعلوم أن الله تعالى ما خلقنا إلا لعبادته ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني)) [الذاريات (56)]
والأوقات كلها: الدقائق، والساعات، والأيام والليالي، والأسابيع والأشهر، والأعوام، كلها خلقها الله تعالى لنعبد الله فيها: ((وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا)) [الفرقان (62)]
ونحن مأمورون بالاستمرار في عبادة الله حتى نلقاه: ((واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)) [الحجر (99)]
بالأمس كان الصيام واجبا، وهو اليوم محرم، و يوم غد يكون مندوبا، روى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) [مسلم (1164)]
بالأمس كان آخر يوم من موسم شهر الصيام، واليوم هو أول يوم من أيام أشهر الحج: ((الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني يا أولي الألباب)) [البقرة (197)](2/52)
بالأمس كنا نتقرب إلى الله في ليالي رمضان بقيام الليل، وقيام الليل لا ينقطع بخروج شهر رمضان، بل هو مما داوم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وعباد الله الصالحون في كل الأزمان، كما قال تعالى: ((والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما)) [الفرقان(64)]
وقال تعالى: ((تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون)) [السجدة (16)]
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يحث أصحابه على أن يحرصوا على قيام الليل، ليزدادوا من الخير الذي ترتفع به درجاتهم عند الله، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:
"رأيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كأن بيدي قطعة إستبرق، فكأني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني أرادا أن يذهبا بي إلى النار، فتلقاهما ملك، فقال: لَمْ تُرَع خليا عنه، فقصت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى رؤياي" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَ الرجلُ عبدُ الله لو كان يصلي من الليل) فكان عبد الله رضي الله عنه يصلي من الليل" [البخاري، برقم (1105)]
كما كان يحذرهم من تثبيط الشيطان لهم عن قيام الليل، روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقيل: ما زال نائما حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال: (بال الشيطان في أذنه) [البخاري، برقم (1093) ومسلم، برقم 774]
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام، بكل عقدة يضرب عليك ليلا طويلا، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلى انحلت العقد فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) [البخاري (1091) ومسلم، برقم (776)]
وكل ما يسخط الله في رمضان، من ترك واجب أو فعل محرم، يسخطه تعالى في غير شهر رمضان: فترك الصلاة المفروضة بغير عذر، و الشرك بالله، والحكم بغير ما أنزل الله، والزنا، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وشرب المسكر، والغيبة والنميمة، وشهادة الزور، والكذب، والتجسس على الناس، للاطلاع على عوراتهم وهتك حرماتهم، وخيانة الأمانة، والظلم، وعدم نصر المظلوم مع القدرة على نصره.
كل ذلك وغيره مما جاء وجوبه أو تحريمه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يأثم مرتكبه في غير رمضان، كما يأثم في رمضان، وإن كان ارتكابه في رمضان أشد جرما من غيره، لانتهاك حرمة شهر رمضان.
((والذين إذا أنفقوالم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما (67) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما (70) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا)) (71) [الفرقان]
ولما كان الإنسان مكلفا بالاستمرار في عبادة الله في كل الأوقات، كثر في كتاب الله ذكر أجزاء الزمن، من ليل ونهار، وبكرة وعشي، وصبح وضحى، وفجر وعصر.
كما يتكرر قسم الله تعالى، بالوقت أو ببعض أجزائه، للتنبيه على أهمية الوقت الذي يجب أن يملأه الإنسان بطاعة الله، ويجتنب فيه معصيته، ويكون جواب القسم ذكر فوز العبد أو خسارته، مثل قوله تعالى: ((والليل إذا يغشى)) إلى قوله ((إن سعيكم لشتى)) إلى قوله تعالى: ((فسنيسره للعسرى)) [سورة الليل 1-10]
وقوله تعالى: ((والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) [سورة والعصر]
ولهذا يؤنب الله تعالى من حاربوا الله في الدنيا، مفرطين في زمن عمرهم، حتى لقوا الله وهم على ذلك، فيندمون ويطلبون من الله أن يعيدهم، إلى الدنيا ليتداركوا ما فرطوا فيه من أعمارهم، يؤنبهم الله تعالى على ذلك ويذكرهم بأنه قد منحهم من الوقت ما كان كافيا ليتذكروا ويعودوا إلى الله تعالى، كما قال تعالى: ((والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور (36) وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير)) (37) [فاطر]
ولما كان عمر الإنسان، هو الزمن الذي يقضيه في الدنيا، فإنه يسأل يوم القيامة عنه فيم أفناه، كما في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما ذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه) [سنن الترمذي، برقم (2417) و قال: "هذا حديث حسن صحيح"]
فعلى المسلم أن يجتهد في طاعة ربه في كل الأوقات، فهو عبد الله في رمضان، وعبد الله في غير رمضان، وهو لربه تعالى في كل أوقاته: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين(163) [الأنعام]
وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم [وأمره له أمر لأمته] أن يستمر في عبادته حتى يلقاه، كما قال تعالى: ((فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين (98) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين(99) [الحجر]
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
===============
الإجازة رسمية وليست عبادية
الرغبة الصادقة في عمل الخير، والإرادة الجازمة لذلك العمل، والجد الاجتهاد في اتخاذ الأسباب لتنفيذه هي أساس النجاح فيه.
فقد أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالرغبة إليه، فقال: ((فإذا فرغت فانصب (7) وإلى ربك فارغب (8) ([سورة الشرح]
والرغبة إلى الله هي الرغبة في عبادته وهي الرغبة في ملة إبراهيم، ولهذا نفى تعالى عن أهل الرشد والهدى الرغبة عنها، وحكم على من يرغب عنها بالسفه، فقال تعالى: ((ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين)) [البقرة(130)]
والأصل أن أمره تعالى لنبيه أمر لأمته، مالم يدل دليل على إرادة تخصيصه، لأن لهم فيه أسوة حسنة، كما قال تعالى: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)) [الأحزاب(21)]
ولهذا قال تعالى فيمن اعترضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم في قسمه الصدقات من المنافقين: ((ولو أنهم رضوا ما ءاتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون)) [التوبة (59)] أي لو أنهم فعلوا ذلك كما فعل المؤمنون الصادقون الراغبون إلى الله، لكان خيرا لهم. [يراجع تفسير الآية في تفسير القرآن العظيم لابن كثير وغيره]
فالرغبة إلى الله تعالى تيسر على العبد القيام بطاعته وترك معصيته...
ولا بد مع الرغبة الصادقة من الإرادة الجازمة التي يترتب عليها القيام بالعمل الذي يرضي الله تعالى ويوصل إلى ثوابه...
قال تعالى: ((وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين)) [آل عمران (145)]
و قال تعالى: ((ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا)) [الإسراء (19)]
الرغبةُ الصادقة في طلب العلم [أيِّ علمٍ ينفعه وينفع أمتَه] وإرادةُ الطالب الجازمة لهذا الطلب، والسعيُ الجاد في تحصيله، كلها تثمر فوزه ونجاحه فيه.(2/53)
ولهذا تجد الطالب الذي توافرت فيه هذه العناصر الثلاثة [الرغبة والإرادة والتنفيذ] يدير وقته إدارة من يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا، ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا]
وقد كان سلف هذه الأمة من العلماء والمتعلمين، يقضون أوقاتهم في التعليم والتعلم والعمل، فحققوا لأنفسهم وللعالم السعادة بعمارة دنياهم وإقامة دينهم.
وكانوا يقصدون بتعلمهم وتعليمهم وعملهم وجه ربهم الذي بعونه أمدهم، وبتوفيقه أعانهم، فاستسهلوا بذلك الصعاب، وخفت على أجسامهم الأتعاب، واستنارت بضياء هداه الألباب.
ثم تتابعت بعدهم الأجيال، وتغيرت فيهم الأحوال، فقلت الرغبة والإرادة وضعف الإخلاص الاجتهاد، وانتشر الجهل والغفلة بين العباد، وصار طلب العلم لمتاع الدنيا وسيلة، ولم تعد له عند كثير من الطالبين ذلك القَدْر وتلك الفضيلة.
فثقل طلب العلم على كثير من المتعلمين والمتعلمات، وبرم بالتعليم كثير من المدرسين والمدرسات، وأصبحت النفوس تتمنى كثرة العطل والإجازات، فتحققت للجميع تلك الأمنيات...
وكذلك العاملون من سلف هذه الأمة في الوظائف العامة أو الخاصة، كان الإحسان الذي قال الله تعالى في أهله: ((إن الله يحب المحسنين)) في أكثر من آية، منها الآية (134) من سورة المائدة.
وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [البخاري، برقم (4499) ومسلم، برقم (8)]
وهو الذي كتبه الله تعالى على كل شيء، كما جاء في حديث شداد بن أوس قال اثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته) [مسلم، برقم (1955)] وغيره.
والإحسان كما يقول العلماء، هو إتقان الشيء والإتيان به على أكمل وجه.
هذا هو شأن المسلم، معلما ومتعلما، وموظفا عاما أو خاصا، يجتهد في إحسان عمله في كل أحواله، في حال سره وعلنه، لأن السر والعلن إنما يكونان مع المخلوقين، أما الخالق فالسر والعلن عنده سواء...(( والله يعلم ما تسرون وما تعلنون)) [النحل (19)]
وقد وضعت لكل العاملين أنظمة إجازات يتمتع كل منهم فيها بمدة معينة، بعيدا عن عمله، قد يكون فيها مسافرا في داخل بلده أو خارجها، وقد يكون مقيما بين أهله وأسرته.
وكثير من الناس يعتبرون هذه الإجازات أوقات فراغ عن العمل الجاد فيها، لأن وقت العمل قد حدد في غيرها... فيمضون أيامها ولياليها في نوم وكسل، أو لهو وخطل.
وهو اعتبار غير سليم وتصرف لا يخلو من سفه ذميم، لأن الأصل في كل لحظة من حياة الإنسان أن يستثمرها فيما يعود عليه وعلى أسرته وأمته بالربح والخيرات، وينجيه من الخسران والحسرات.
قال تعالى: ((سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)) [الحديد(21)]
وقال تعالى: ((ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير)) [البقرة (148)]
وقال تعالى: ((لكن الرسول والذين ءامنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون)) [التوبة (88)]
وقال تعالى : ((وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)) [الأنبياء (73)]
ولعظمة الوقت وحرمته وكونه عمر الإنسان الذي يتعاطى فيه كل تصرفاته، أكثر تعالى من القسم به، وذكر أجزائه في مواضع متفرقة من كتابه، ليلفت نظر عباده إلى اغتنامه وعدم تفويت شيء منه في غير فائدة، أو استغلاله فيما يعود عليهم بالضرر في الدارين، وهذه أمثلة لذلك:
فمما ذكر تعالى الليل والنهار و الصبح و الضحى و بكرة والإبكار والظهيرة والعصر و العشي و الأصيل واليوم و الشهر والأشهر و الشهور و السنة والسنين والعام و الدهر و الساعة والحين والغسق والشمس والقمر،،،، وكثير منها تكرر كثيرا
وقد ربط الله كثيرا من الأحكام الشرعية العبادية والعادية بأوقات محددة، كالصلاة والصيام والحج ... وعِدد الطلاق، ومدة الحمل والرضاع... وغيرها
ويكفي أن نذكر ثلاثة أمثلة تدل على أهمية الوقت في حياة الإنسان:
المثال الأول: قوله تعالى: ((والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) [العصر]
فقد أقسم تعالى بالعصر ـ سواء كان الدهر كله، أو وقت العصر، أو صلاة العصر التي تؤدى فيه ـ ثم أتبع القسم بالإخبار بخسارة كل إنسان يوجد على ظهر الأرض، وأكد تلك الخسارة بثلاثة تأكيدات:
التأكيد الأول: القسم في قوله: ((والعصر))
والتأكيد الثاني: حرف "إن" وهي من المؤكدات في اللغة العربية.
والتأكيد الثالث: بحرف لام الابتداء الداخلة على خبر "إن" في قوله ((لفي)) وهي من المؤكدات كذلك.
فالخسران ثابت لهذا الإنسان الذي يتقلب في هذا الزمن، ثباتا مؤكدا لا شك فيه، بمجرد ان يخبر الله تعالى به، لأن تخلف المخبر به لا يحصل إلا إذا جاز على من أخبر به الكذب، أو جاز العجز على من ينشئ المخبر به...
والله تعالى منزه عن الأمر، فقوله صدق لا يعتريه الكذب: ((ومن أصدق من الله قيلا)) وهو تعالى لا يعجزه شيء، لأنه على كل شيء قدير، وهو إنما يقول للشيء ((كن فيكون))
ومع ذلك أكد حصول الخسران على كل إنسان بهذه التأكيدات، رحمة منه بهذا الإنسان ليأخذ الخبر مأخذ الجد، ويهتم بحماية نفسه من هذا الخسران.
ولا يحميه منه إلا الخصال الأربع التي استثنى الله تعالى أهلها في قوله: ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر))
وكلها إنما تحدث في أول المؤكدات الثلاثة، وهو الزمن "العصر" والتقصير فيها أو في بعضها إنما يحصل فيه كذلك...وهذا يدل على أن الإنسان العاقل يحرص على استغلال الوقت في الأعمال النافعة، ويتجنب فيه الأعمال الضارة، لينجو من الخسران، وأن مَن نقص عقله يخرج عن هذا السبيل، فيملأ أوقاته بما يضره أو يضر غيره، أوبما لا فائدة له فيه.
المثال الثاني: قوله تعالى: ((والليل إذا يغشى (1) والنهار إذا تجلى (2) وما خلق الذكر والأنثى (3) إن سعيكم لشتى (4) [سورة الليل]
فقد أقسم تعالى بالليل والنهار [وهما ظرفان لسعي البشر] كما أقسم بنفسه، وهو الذي يحاسب على تصرفات المخلوقين، أقسم على إخباره تعالى بأن سعي الناس مختلف، منهم من يملأ أوقات عمره بالطاعات التي تقربه إلى الله، ومنهم من يملأها بالمعاصي التي تبعده عن خالقه... ثم فصل ذلك في بقية آيات السورة كما هو واضح.
المثال الثالث: ((وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير)) [فاطر (37)]
يمنح الله تعالى الناس أزمانا يعيشون فيها في الدنيا، وهي أعمارهم التي يكلفهم فيها طاعته واجتناب معصيته، ثم يحاسبهم على أعمالهم يوم القيامة، فمن آمن به وأطاعه أدخله الجنة، ومن كفر به وعصاه أدخله النار...
وفي هذه الآية ذكر الله تعالى أن الكفار عندما يدخلون النار ويذوقون عذابه الشديد، ينادون بأصوات مرتفعة مستغيثين من ذلك العذاب، نادمين على الأوقات التي قضوها في معصية الله في الدنيا، طالبين الرجوع إليها، ليتداركوا ما فاتهم من العمل الصالح..(2/54)
ولكن الله تعالى يبكتهم، ويذكرهم بأنه قد منحهم من الأوقات في الدنيا ما كان كافيَهم للتذكُّر والتوبة إلى الله والطاعة له، والإقلاع عن الكفر به ومعصيته، إنه العمر الذي يحاسب الله تعالى عليه صاحبه على ما قدم: ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) (8) [الزلزلة]
ولقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم، الناس كلهم، من حساب الله تعالى لهم، على أعمارهم فيم أفنوها، وبخاصة أيام شبابهم التي يكتمل فيها نشاطهم وقوتهم الجسمية والعقلية.
كما في حديث أبي برزة الأسلمي، قَال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) [الترمذي، برقم (2417) و قال: "هذا حديث حسن صحيح"]
وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قَال رسول الله : (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه) [الترغيب والترهيب، برقم (5444) وقال: "رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح واللفظ له"]
فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين، أن الله يسأل خلقه يوم القيامة، عن كل ما أتوه في أوقات حياتهم، وهي أعمارهم، عن علمهم وعملهم، وعن ما اقترفته أعضاؤهم، وعن أموالهم من أين اكتسبوها وفيم أنفقوها...فابن آدم مسئول عن عمره كله.
فلا يظنن امرؤ أنه مطلق الحرية في تصرفاته في جميع أوقاته، وبخاصة أوقات فراغه، بعيدا عن منهج الله، بل يجب أن يعلم أن أوقات الفراغ التي لا يستغلها فيما ينفعه في دينه ودنياه، هي أشد غبنا وندامة عليه من غيرها، وبخاصة من أنعم الله عليه فيها بالصحة والغنى الذي قد يتمكن به من تعاطي كثير من المعاصي التي لا يقدر على تعاطيها الفقراء
كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَال قال النبي صلى الله عليه وسلم : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ) [البخاري، برقم (6049)]
بل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، الإنسان باغتنام الفرص التي يمنحه الله تعالى في أوقات عمره، قبل أن يفقدها، فيندم على عدم اغتنامها، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [الحاكم في المستدرك، برقم (7846) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"]
وإن من أهم ما يورد الإنسان موارد الهلاك، الغفلة والإعراض واللهو واللعب، التي تنسي صاحبها اغتنام الفرص المتاحة لاستثمار حياته في عمل الخيرات وترك المنكرات، والإعراض عن ذلك كما قال تعال: ((اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون (1) ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون (2) لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون)) (3)) [الأنبياء]
بل إن هذه الغفلة لتعطل على صاحبها أدوات استقبال التوجيه الإلهي التي من الله تعالى بها عليه، حتى يصير بذلك التعطيل أحط من الحيوانات العجماء، كما قال تعالى: ((ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم ءاذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون)) [الأعراف (179)]
وقد نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم – ونهيه له نهي لأمته – أن يطيع من أغفل الله قلبه عن ذكره فقال: ((ولا تُطِعْ من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، واتَّبع هواه، وكان أمرُه فُرُطاً)) [الكهف: 28].
قال ابن تيمية رحمه الله: "فالغفلة والشهوة أصل الشر، قال تعالى: ((ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً))" [الفتاوى (14/289) والآية في سورة الكهف: 28].
وعزا ابن القيم رحمه الله الزهد عن الحياة - العليا حياة الأنبياء والرسل وأتباعهم - إلى أصلين:
أحدهما ضعف الإيمان.
والثاني جثوم الغفلة على القلب.
وقال في هذا الأخير: "السبب الثاني: جثوم الغفلة على القلب، فإن الغفلة نوم القلب، ولهذا تجد كثيراً من الأيقاظ في الحس نياماً في الواقع..." [مدارج السالكين (3/284)]
ووصف سيد قطب رحمه الله أصحاب الغفلة واللهو في كتابه [في ظلال القرآن] في مطلع سورة الأنبياء فقال:
"مطلع قوي يهز الغافلين هزاً، والحساب يقترب وهم في غفلة، والآيات تعرض وهم معرضون عن الهدى، والموقف جد وهم لا يشعرون بالموقف وخطورته، وكلما جاءهم من القرآن جديد، قابلوه باللهو والاستهتار واستمعوه وهم هازلون يلعبون ((لاهية قلوبهم)) والقلوب هي موضع التأمل والتدبر والتفكر.
إنها صورة للنفوس الفارغة التي لا تعرف الجد، فتلهو في أخطر المواقف، وتهزل في مواطن الجد وتستهتر في مواقف القداسة، فالذكر الذي يأتيهم، يأتيهم ((من ربهم)) فيستقبلونه لاعبين بلا وقار ولا تقديس.
والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال بالقداسة، تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال، فلا تصلح للنهوض بعبء، ولا الاضطلاع بواجب، ولا القيام بتكليف، وتغدوا الحياة عاطلة هينة رخيصة، إن روح الاستهتار التي تلهو بالمقدسات روح مريضة، والاستهتار غير الاحتمال، فالاحتمال قوة جادة شاعرة، والاستهتار فقدان للشعور واسترخاء" [في ظلال القرآن (17/2367) طبع دار الشروق].
وقد تعرض الغفلة للمسلم أحيانا، فيقع في معصية أو ترك طاعة بوسوسة من عدوه الشيطان، ولكن تقواه تدفعه إلى ذكر ربه فيتوب إليه اقتداء بأبيه آدم الذي عصى ثم تاب.
كما قال تعالى: ((إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)) [الأعراف (201)]
وهذا هو العلاج الناجع للغفلة عندما تعرض للمسلم، وهو ذكر الله وتقواه.
وهما اللذان يفقدهما غير المسلم، ولهذا لا ينفعه إنذار ولا تذكير، كما قال تعالى في الكفار: ((إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)) [البقرة (6)]
وقال تعالى في المنافقين: ((ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون(9) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)) (10) [البقرة]
وقال عنهم كذلك: ((إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (1) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون (2) ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (3) [المنافقون]
فعلى المسلم أن يكون يقظا حريصا على وقاية نفسه من وسوسة عدوه، وهواه وغفلته التي تسبب له الخسارة:
الرغبة إلى الله
الإرادة الجازمة لعمل الخير
اغتنام الفرص قبل فواتها:
1-الشباب قبل الهرم
2-الفراغ قبل الشغل
3-الصحة قبل المرض
4-الغنى قبل الفقر
5-الحياة قبل الموت
الإجازات لا تسقط العبادات
الإجازات التي تمنح للعاملين، في أي عمل كان، هي تنظيم إداري وعقد بشري يجب الوفاء به، لقول الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)) [المائدة (1)]
ولكنها لا تسقط حقوق الله وحقوق عباده عن أهل الإجازات.
فهناك فروض العين التي تجب على كل مسلم، سواء كان قائما بوظيفته أو في إجازته، كالصلوات الخمس وصيام رمضان...(2/55)
وهناك فروض الكفاية التي إذا قام بها طائفة من المسلمين قياما كافيا، سقطت عن غيرها، مثل إمامة المصلين في المساجد، وبيان الحلال والحرام للناس، وعلاج المرضى، وإطعام الجائعين...
وهناك التنافس في الطاعات – وإن لم تكن فرض عين ولا فرض كفاية – ينبغي للمسلم الحرص عليها والمنافسة فيها، كنوافل الصلاة الراتبة وغيرها، وبخاصة قيام الليل، والصيام وبخاصة يومي الإثنين والخميس، والأيام البيض، والصدقات وقراءة القرآن ... وغير ذلك.
قال تعالى: ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين)) [آل عمران (133)]
وقال تعالى: ((والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون(60)أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون(61) [المؤمنون]
وقال تعالى: ((ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير)) [البقرة (148)]
وقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين الذين، يهجرون مضاجعهم ليتقربوا إليه سبحانه ويقفوا بين يديه متضرعين، يخافون عذابه، ويطمعون في رحمته وثوابه، كما قال تعالى: ((إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون (15) تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون (16) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)) (17) [السجدة]
وقال تعالى: ((والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما)) [الفرقان (64)]
وهناك المباحات التي يتحول فعلها أو تركها عند المؤمن إلى طاعات وعبادات، فيستكثر من طاعات ربه وطلب ثوابه ومرضاته...
لقد جعل الله تعالى إتيان الرجل امرأته صدقة يكتب الله تعالى له به الثواب، كما يثيبه على ذكره من التهليل والتسبيح والتكبير، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه:
أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: (أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة) قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) [صحيح مسلم، برقم (1006)
فقد تعجب الصحابة رضي الله عنهم من كون أن الله يثيب الرجل على إتيان امرأته، لأنه من المباحات التي يشتهيها، وليس من العبادات التي كانوا يظنون أن الأجر لا يكون إلا عليها، كنوافل الصلاة والذكر ونحوهما...فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، أن إتيان الحلال استغناء به عن الحرام يثيب الله صاحبه عليه...
ولما سئل معاذ بن جبل رضي الله عنه: كيف تقرأ القرآن؟ قال: "أقرأ وأنام، ثم أقوم فأتقوى بنومتي على قومتي ثم أحتسب نومتي بما أحتسب به قومتي" [صحيح ابن حبان (12/197)] ومعناه أنه رضي الله عنه، يرجو من الله أن يثيبه على نومه، كما يثيبه على قيام الليل، لأنه يتقوى بالنوم وهو مباح على قيام الليل وهو مندوب إليه.
وفي حديث عطية السعدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتَّقين، حتى يدع ما لا بأس به حَذَراً مما به بأس)، [الترمذي، برقم (2451) وقال: "حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" والحاكم في المستدرك، برقم (7899) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"
وبهذا يعلم أن المؤمن يستطيع أن يكون في عبادة دائمة لربه، يملأ الله ديوانه بالأجور في كل لحظة من لحظات حياته.
وهو مأمور بالاستمرار في عبادة ربه حتى يلقاه، كما قال تعالى: ((واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)) [الحجر (99)]
وهو يستطيع أن يكون في عبادة دائمة، في كل أحواله، حتى وهو يتمتع بالمباحات التي تشتهيها نفسه.
فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشعرون بقوة الإيمان واليقين، عندما يكونون عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإذا خرجوا من عنده، وزاولوا أعمالهم المباحة مع أهلهم أو في أموالهم، شعروا بنقص في إيمانهم، فيندمون ويشكو بعضهم إلى بعض، ثم يشكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسليهم بأن هذه طبيعة البشر التي لا قدرة لهم على مفارقتها، ويقول لهم: (ساعة فساعة).
فعن حنظلة الأسيدي، قال وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال قلت: نافق حنظلة.
قال سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرا.
قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله : (وما ذاك)؟ قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات) [صحيح مسلم، برقم (2750)
ومع ذلك فما على المسلم إلا أن ينوي بترك المباح وفعله طاعةَ الله تعالى، فينقلب ذلك المباح إلى طاعة يرضي بها ربه، فطعامه وشرابه، وملبسه ومركبه، ورياضته وبيعه وشراؤه، وسفره وإقامته، وتمتعه بالمناظر الجميلة في البر والبحر والجبل والصحراء والغابات، واجتماعه مع أصدقائه ....كل ذلك يكون طاعة وعبادة لله، بسبب إرادته به وجه ربه.
بل إن الله تعالى ليأجر المسلم حتى على اللقمة يضعها في فم امرأته كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
(... وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك...) [صحيح البخاري، برقم (6352) ومسلم، برقم (1628)]
وقال النووي رحمه الله: "وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى، صار طاعة ويثاب عليه، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم : حتى اللقمة تجعلها فِي في امرأتك، لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة" شرح النووي على مسلم(11/77)
و قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال بن دقيق العيد فيه أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحة النية وابتغاء وجه الله وهذا عسر إذا عارضه مقتضى الشهوة فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه قال وقد يكون فيه دليل على أن الواجبات إذا أديت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه الله أثيب عليها فإن قوله حتى ما تجعل في في امرأتك لا تخصيص له بغير الواجب ولفظة حتى هنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة إلى المعنى كما يقال جاء الحاج حتى المشاة" [فتح الباري (5/367)]
مشروع للإجازة الصيفية:(2/56)
تنظيم الوقت والبدء بالأولويات، من أهم ما يحرص عليه العقلاء الذين يسوؤهم ضياع أي وقت من أعمارهم، ونحن هنا لا نقصد الكسالى والفارغين الذين يصرون على ضياع أوقاتهم في غير ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، فهؤلاء يحتاجون أن يجاهدوا أنفسهم حتى يقنعوها بوجوب الحرص على العمر من حيث هو، وما مضى من نصوص القرآن وصحيح السنة كاف لمن عنده رغبة في استغلال وقته فيما يفيده.
وإنما نقصد هنا أولئك الذين تشتد رغبتهم ويقوى عزمهم على استغلال أوقاتهم فيما ينفعهم وينفع أسرهم وأمتهم، في دينهم وأخراهم، ولكن كثيرا منهم يعوزه تنظيم وقته وترتيب أولوياته، فتراه كثير القراءة كثير الحركة، ولكنه في قراءته وحركاته يخبط خبط عشواء.
تجده يأخذ أي كتاب بدون هدف معين ويبدأ يقلب صفحاته، ويقرأ أسطرا أو صفحات قليلة منه، ثم يقفز إلى موضوع آخر فيقلب بعض صفحاته، وقد يحرك لسان بالقراءة، وذهنه شارد لا يعي شيئا مما يقرأ ....
وهكذا يفعل في قراءة الجرائد والمجلات، وقد يفعل ذلك في سماع الأشرطة أو المذياع أو التلفاز... فيمضي الوقت وهو يقفز هنا وهناك، ولا يدري ما ذا يجري...
وهكذا يفعل في كثير من حركاته لا تنظيم لها ولا ترتيب، وفي ذلك من ضياع العمر ومن الخسارة ما فيه.
ولست أزعم أنني سأحدد لأصحاب الإجازات مسافرين أو مقيمين أولوياتهم، فلكل شخص احتياجاته وضروراته، وهو الذي يعلم أولوياته، ولكنه يحتاج إلى تدبر أمره ومعرفة ما ينبغي تقديمه او تأخيره، فإذا وفقه الله تعالى لذلك ونظم وقته وبدأ بالأهم فالمهم، واستغل وقته استغلالا مناسبا، فستكون عاقبته النجاح بإذن الله.
وبعد هذه المقدمة أقترح لصاحب الإجازة هذا المشروع، مجرد اقتراح، فقد يكون لديه مشروع أشمل من هذا المشروع المقترح، يغنيه عن اقتراحي.
أولا: مشروع إيماني:
إن أهم ما يجب أن يحرص عليه المسلم، هو المحافظة على إيمانه، وتقويته، بالازدياد من تقوى ربه بالأعمال الصالحة، فرائضها ونوافلها، فذلك هو الذي يقوي إيمانه، ويقربه إلى ربه تعالى.
وإني أقترح عليك أيها المؤمن شابا وشابة وكبيرا وكبيرة، مقيما ومسافرا، الأمور الآتية:
الأمر الأول: قراءة ما تيسر لك من القرآن وأقله نصف جزء يوميا.
الأمر الثاني: قراءة تفسير بعض الآيات، مفتشا عن نفسك فيها، جاعلا لها مرآتك التي يتبين لك فيها حالة قلبك من صفاء وغيره، لتتمكن من صقله باستمرار.
ومن الآيات التي أنصح بقراءة تفسيرها:
1- سورة الفاتحة.
2- الآيات الأولى من سورة البقرة إلى قوله تعالى: ((يا أيها الناس اعبدوا ربكم))
3- الآيات الأولى من سورة الأنفال إلى قوله تعالى: ((ولو كره المجرمون)) رقم (8)
4- الآيات الأولى من سور المؤمنون إلى قوله تعال: ((ثم إنكم يوم القيامة تبعثون)) رقم (16)
5- الآيات الأخيرة من سورة الفرقان، من قوله تعالى: ((وعباد الرحمن)) رقم (63) إلى آخر السورة
6- آيات في سورة الأحزاب، من قوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم)) رقم (9) إلى الآية رقم (27)
7- سورة الحجرات.
8- سورة العصر.
9- السور الثلاث في آخر القرآن الكريم
ويمكنك أن تختار ما يتيسر لك من كتب التفسير، كتفسير القرآن العظيم لابن كثير.... ولو جمعت معه "في ظلال القرآن" قد يكون النفع أكثر.
وإذا كان وقتك أضيق من أن يتسع لهذا الاقتراح، فلك أن تختار ما تقدر عليه...
الأمر الثالث: قراءة ما يتيسر لك من الأبواب الآتية من كتاب "رياض الصالحين"
1- مقدمة الإمام النووي للكتاب
2- بالإخلاص وإحضار النية.
3- باب التوبة.
4- باب الصبر
5- باب الصدق
6- باب المراقبة
7- باب اليقين والتوكل
8- باب المبادرة إلى الخيرات....
9- باب المجاهدة
10- باب في بيان كثرة طرق الخير
11- باب في التعاون على البر والتقوى
12- باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
13- باب بان تعظيم حرمات المسلمين....
14- باب الإصلاح بين الناس
15- باب الوصية بالنساء
16- باب وجوب أمر أهله وأولاده المميزين ....
17- باب بر الوالدين وصلة الأرحام
18- باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل...
19- باب إجراء أحكام الناس على الظاهر...
20- باب الخوف والرجاء
21- باب ذكر الموت وقصر الأمل
22- باب استحباب زيارة القبور
23- باب الورع وترك الشبهات
24- باب ترك الكبر والإعجاب
25- باب العفو والإعراض عن الجاهلين
26- باب الوالي العادل
27- باب حفظ السر
28- باب الوفاء بالعهد
29- كتاب آداب النوم ....
30- باب الاستئذان وآدابه
31- باب آداب السير....
32- باب فضل قيام الليل
33- كتاب العلم
34- كتاب الأذكار [اختيار ما تيسر من هذا الكتاب]
35- كتاب الأمور المنهي عنها[اختيار ما يرى القارئ حاجته إليه ...]
36- باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة
الأمر الرابع: حضور بعض الحلقات العلمية التي يقوم بها بعض العلماء والدعاة إلى الله، لتزداد علما من أهله، فالمسلم في حاجة إلى شيخ يصقل قلبه بالإيمان، ويغذي عقله بالعلم النافع، وهو ماكان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، والصحابة مع التابعين، وهكذا...ويمكن الاستفادة من بعض المعسكرات والمخيمات الصيفية التي تهتم بالتربية والتعليم والثقاة والرياضة وغيرها مما فيه فائدة.
الأمر الخامس: القيام بتعليم الجهال أمور دينهم، وبخاصة فروض العين التي يجهلها أو يجهل تفاصيلها كثير من الناس، مثل أركان الإيمان وأركان الإسلام، مثل قراءة الفاتحة وبعض السور القصار من القرآن الكريم، وصفة الوضوء وصفة الصلاة، وغير ذلك مما يجب على المسلم.
الأمر السادس: القيام بالدعوة إلى الله وبيان الواجبات للناس وحثهم على فعلها وعدم التقصير فيها، توضيح والمحرمات وحثهم على تركها والابتعاد عنها، بل حثهم على نوافل الطاعات وترك مكروهاتها، ارتقاء بتقواهم إلى الأفضل لهم.
الأمر السابع: صلة الأرحام بزياراتهم ومواساتهم ماديا ومعنويا، وبخاصة الذين يسكنون بعيدا عن مقر عملك، لأن في الإجازة فرصة قد لا تتاح في غيرها... وإن كان ينبغي الحرص على صلتهم في غير الإجازات في حدود المقدرة.
الأمر الثامن: الصلح بين المتخاصمين من الأقارب وغيرهم، من الأزواج والآباء والأبناء والجيران، لما في ذلك من وقاية الأمة من التنازع والتقاطع والتدابر التي نهى الله تعالى عنها ورسوله، وفي ذلك من الأجر ما فيه، كما هو معروف من القرآن والسنة...
الأمر التاسع: تفقد أحوال المسلمين في داخل بلدك وخارجه، وإغاثة من يحتاج منهم إلى الإغاثة، من مسكن ومأكل وكساء ودواء وغيره، وإذا كنت غير قادر على ذلك بنفسك، فاجتهد في جمع التبرعات من المحسنين، وأوصل ما تتمكن منه إلى مستحقيه بنفسك إن أمكن وإلا عن طريق الجمعيات الخيرية المأمونة.
وإن من أجدر المسلمين بالعناية في هذا الباب، هم إخواننا الفلسطينيون الذين لا تخفى حاجاتهم على كل الناس في الأرض، فكم يتيم وأرملة ومعوق ومريض ومشرد بلا مأوى....فيجب على كل قادر أن يساعدهم بما يقدر عليه....
ولا تنس يا أخي المسلم نفسك بالإكثار من نوافل الطاعات صلاة وصياما وصدقة وغيرها...
ثانيا: مشروع رياضي تقوي به الإنسان جسمه، ويدفع عنه الكسل والترهل والأمراض الناشئة عن عدم الحركة، فربنا تعالى لم يخلق الإنسان ليأكل ويشرب ويقعد ويقف وينام ولا يتحرك، بل خلقه ليستعمل كل الأدوات التي ركبها فيه، عقلية كانت أو جسمية، فإذا عطل أي أداة من تلك الأدوات، فقد كفر نعمة الله عليه بتلك الأداة، والحركة أمر فطري تجده في جميع الحيوانات.(2/57)
وإنك لترى الطفل الصغير يتحرك في بطن أمه، ثم إذا خرج من رحمها لا يفتأ متحركا يلتفت يمنة ويسرة ويحرك يديه ورجليه، وبحركتهما يتحرك جسمه كله.
وكلما زادت حركته طمع في المزيد منها، فتجده يتقلب على سريره يمينا ويسارا، ثم يبدأ يزحف على بطنه، كأنه يسبح في الماء، ثم يحاول الوقوف على قدميه، متكئا على أطراف السرير أو الجدار، ثم يتدرب على المشي، فيقوم ويسقط، حتى يتمكن من مغادرة غرفته إلى خارجها... وهكذا حتى يصبح كغيره ممن سبقوه في العمر، فيغادر المنزل ثم الحي ثم المدينة فالقرية فالبلد.... وهي رياضة فطرية تقتضيها طبيعة الحياة...
فإذا تقدم بالإنسان العمر، وكثرت أعماله ومشاغله، بدأ جسمه يثقل، وإرادة الحركة عنده تضعف، وبخاصة من كان عمله يقتضي الجلوس في مكتب أو البقاء في مكان معين كالحراسة أو البيع والشراء في دكان أو معرض، وقد لا يخرج من منزله أو يعود إليه إلا على وسيلة نقل لا مجهود لجسمه في قيادتها –سواء كان راكبا أو سائقا - كالسيارة....
فيترتب على ذلك حدوث أمراض وأوجاع، قد تحول بين الإنسان والنشاط المفيد له في معاشه ومعاده...
المسابقة على الأقدام
ودربهم صلى الله عليه وسلم على المسابقة على الأقدام وكان هو قدوتهم في ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله: "فأما مسابقته بالأقدام، ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من حديث عائشة، قالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال: (هذه بتلك).
وفي رواية أخرى أنهم كانوا في سفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (تقدموا) ثم قال: (سابقيني فسبقته ثم سابقني وسبقني)، فقال: (هذه بتلك).
وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: بينما نحن نسير وكان رجل من الأنصار لا يسبق أبداً، فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فقلت: أما تكرم كريماً وتهاب شريفاً؟ قال: لا، إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذرني أسابق الرجل، فقال: (إن شئت)، فسبقته. [الفروسية ص3].
وفائدة التدريب على المسابقة بالأقدام والعدو، ظهرت جلية عندما أخذت غطفان لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركهم سلمة بن الأكوع العداء الذي أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأردفه على ناقته.
قال سلمة: "خرجت قبل أن يؤذَّن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد، قال فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف، فقال: أُخِذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت من أخذها، قال غطفان.
قال فصرخت ثلاث صرخات يا صباحاه، فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم، وقد أخذوا يستقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي وكنت رامياً وأقول:
أنا ابن الأكوع،،،،،،،، اليوم يوم الرضع
وأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم واستلبت، منهم ثلاثين بردة.
قال: وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس فقلت: يا نبي الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة فقال: (يا بن الأكوع ملكت فأسجح) قال: ثم رجعنا ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته، حتى دخلنا المدينة". [البخاري رقم 4194، فتح الباري (7/460) ومسلم (3/1432) ومعنى "فأسجح" قال النووي في شرحه لمسلم ((12/174): "معناه فأحسن وارفق والسجاحة السهولة، أي لا تأخذ بالشدة، بل ارفق، فقد حصلت النكابة في العدو].
التدريب على المصارعة
ودربهم صلى الله عليه وسلم على المصارعة، كما صارع صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد. [سنن الترمذي، برقم (1784) وسنن أبي داود، برقم (4078) والمستدرك على الصحيحين برقم (5902) وذكره ابن القيم في الفروسية ص3].
وجعل صلى الله عليه وسلم، السبق في المصارعة مسوغاً للإذن بالانخراط في الجيش الإسلامي لصغار السن.
قال ابن هشام: "وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ - أي يوم أحد - سمرة بن جندب.. ورافع بن خديج.. وهما ابنا خمس عشرة سنة، وكان قد ردَّهما، فقيل له: يا رسول الله: إن رافعا رامٍ، فأجازه، فلما أجاز رافعاً قيل له يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعاً، فأجازه". [السيرة النبوية (2/66)].
ثالثا: كل نفس بما كسبت رهينة
لا يستغني كلٌّ منا عن التوجيه والنصيحة، والجليس الصالح، و اتخاذ من يكون له قدوة حسنة يدله على الخير ويحضه على فعله، ويبين له الشر ويحضه على تركه، وبخاصة العلماء العاملين الناصحين الذين يصقلوننا بالإيمان العميق والعبادة الشاملة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة الفاضلة، و العلم النافع.
ولكن العبء الأكبر في صلاحنا وإصلاحنا يبقى السعي إليهما واتخاذ الوسائل إلى تحقيقهما على كواهلنا، لأن كل إنسان مسئول مسئولية فردية كاملة [بعد بلوغه سن الرشد والتكليف] عن نفسه، سواء في حق نفسه الذي كلفه الله تعالى القيام به، أو حق ربه الذي فصل منهجه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو حقوق المخلوقين غيره، من أقاربه وجيرانه، وكل من يتعامل معه في حياته...
ويمكن أن يضرب لذلك مثالا شاملا:
يجب على ولي أمر الطفل [من أب وأم وأقارب] أن يقوم على مصالحه المادية والمعنوية، في طفولته وصباه، تغذية وتنظيفا وتعليما وعبادة، وسلوكا ودعوة إرشادا إلى كل نافع، وتحذيرا من كل ضار....
ثم تأتي مسئولية المعلم في المدرسة أو الجامعة، أو المسجد وحلقة العلم فيه أو في غيره، وهو في كل تلك المؤسسات يتلقى مزيدا من العلم والمعرفة والتوجيه والنصح، ويأخذ حظه من كل علم من العلوم دينية كانت أو دنيوية [معلوم أن العلوم الدينية والدنيوية في الإسلام يجمعها هدف عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان، وهي بذلك تكون بالنية الخالصة مثابا عليها، كما هو معروف]
وتنتهي مهمة ولي الأمر والمعلمون عند قيامهم بواجب التعليم والتوجيه لهذا الإنسان [إلا فيما يتعلق بالنصح عند الحاجة] ويتحمل هو بعد ذلك القيام بما هو مكلفٌ القيامَ به.
فهو مسئول عن أداء حقوق نفسه وحقوق ربه وحقوق غيره من المخلوقات، بشرا كانوا او حيوانا، أو غير ذلك من وظائفه، وله ثواب عمله، وعليه إثمه، ولا يتحمل أحد عنه ما لزمه القيام به.
فولي أمره علمه وجوب أدائه الصلوات الخمس في أوقاتها، وتابعه في ذلك عندما كان مسئولا عنه فيها، ولكنه أصبح بعد أن بلغ رشده وأصبح مكلفا أداء تلك الصلوات، مسئولا مسئولية مباشرة عن أداء تلك الصلوات في أوقاتها، فعليه يقوم بها، ولا ينتظر من يأمره بها عند وقت كل صلاة، فالله تعالى هو الرقيب عليه، ولا يمكن أن يراقبه أحد في كل أوقاته غير ربه، وهكذا صيامه وزكاته وحجه إنفاقه على أهله.....
وطبيبه علمه الطب في أي تخصص من فروعه، ودربه على ذلك تدريبا كاملا، وحمله مسئولية قيامه بهذه المهنة قياما كافيا بصدق وأمانة، فقد أصبح طبيبا مسئولا أمام الله تعالى عن حقوق مرضاه، فهو المسئول مسئولية فردية عن الكشف على مرضاه وتحليل مرضهم، ووصف الدواء لهم، وليس على أستاذه الطبيب مرافقته في عيادته، والإشراف على مرضاه، وتحمل الآثار الناتجة عن نشاطه، فله صوابه عمله، وعليه أخطاؤه...(2/58)
وهكذا من علمه أستاذه أي علم من العلوم، كالاقتصاد والسياسة والإعلام، والتربية والتعليم و الرياضة بأنواعها ومنها السباحة، والشئون العسكرية، وقيادة المراكب كالطائرة والسيارة والسفينة، والمركبات الفضائية، والتجارة والزراعة والنجارة والخبازة والخياطة، يصبح مسئولا هو عن مزاولة وظيفته، وليس على أستاذه الذي بذل جهده في تعليمه مسئولية في ذلك، بل لأستاذه فضله وأجره عند ربه، وعلى التلميذ فيما أساء فيه وزره.
وإذا رجع المسلم إلى القرآن والسنة، وجد هذا المعنى [مسئولية كل إنسان عن نفسه] بارزا فيهما، قد دلت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة
فمن الأمثلة القرآنية: قوله تعالى: ((ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)) [الأنعام (164)]
قال القرطبي في تفسير الآية: "قوله تعالى: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)) أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى، أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، بل كل نفس مأخوذ بجرمها ومعاقبة بإثمها..." [الجامع لأحكام القرآن]
وقال ابن كثير: "ثم قال ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)) أي لا يحصل أحد ذنب أحد ولا يجني جان إلا على نفسه، كما قال تعالى: ((وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء))
ولا منافاة بين هذا وبين قوله: ((وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم)) وقوله: ((ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم)) فإن الدعاة عليهم إثم ضلالتهم في أنفسهم، وإثم آخر بسبب ما أضلوا، من غير أن ينقص من أوزار أولئك ولا يحمل عنهم شيئا، وهذا من عدل الله ورحمته بعباده" [تفسير القرآن العظيم]
وقوله تعالى: ((ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما)) [النساء (111)]
قال ابن كثير في تفسير الآية: "((وقوله ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه الآية)) كقوله تعالى: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)) الآية. يعني أنه لا يغني أحد عن أحد، وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها لغيرها" [تفسير القرآن العظيم]
وقوله تعالى: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير)) [فاطر (18)]
قال ابن كثير في تفسير الآية: "وقوله تعالى: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)) أي يوم القيامة ((وإن تدع مثقلة إلى حملها)) أي وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها، إلى أن تساعد على حملها ماعليها من الأوزار أو بعضه لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى أي وإن كان قريبا إليها حتى ولو كان أباها أو أبنها كل مشغول بنفسه وحاله..." [تفسير القرآن العظيم]
وقوله تعالى: ((ألا تزر وازرة وزر أخرى (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39) وأن سعيه سوف يرى (40) ثم يجزاه الجزاء الأوفى (41) [النجم]
قال ابن كثير في تفسير الآية: "ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: ((أن لا تزر وازرة وزر أخرى)) أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب، فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد، كما قال: ((وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى)) ((وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)) أي كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه [تفسر القرآن العظيم]
وقوله تعالى: ((علمت نفس ما أحضرت)) [التكوير (14)]
وقوله تعالى: ((علمت نفس ما قدمت وأخرت)) [الانفطار(5)]
و"نفس" في الآيتين تفيد العموم، وإن كانت نكرة في سياق الإثبات، وهذا ما أشار إليه المفسرون، فقد قال ابن كثير: "وقوله تعالى: ((علمت نفس ما أحضرت)) هذا هو الجواب، أي إذا وقعت هذه الأمور حينئذ تعلم كل نفس ما عملت وأحضر ذلك، كما قال تعالى: ((يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا))"
وقال البغوي في تفسيره: "علمت عند ذلك كل نفس ما أحضرت من خير أو شر"
وقال البيضاوي في تفسيره: "ونفس في معنى العموم كقولهم تمرة خير من جرادة"
ومن أمثلة السنة:
حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، يقول كنت عند رسول الله فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والآخر يشكو قطع السبيل فقال رسول الله : (...ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، ثم ليقولن له: ألم أوتك مالا؟ فليقولن بلى. ثم ليقولن ألم أرسل إليك رسولا؟ فليقولن بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار) [البخاري، برقم (1347) ومسلم، برقم (1016)
ومن أمثلتها حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قال: قال رسول الله حين أنزل عليه ((وأنذر عشيرتك الأقربين)) : (يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت رسول الله سليني بما شئت لا أغني عنك من الله شيئا) [صحيح البخاري، برقم (3336) وصحيح مسلم، برقم (206)]
فقد حمل الرسول صلى الله عليه وسلم [بعد أن بلغ رسالة ربه] كل فئة وكل شخص، حتى أقرب المقربين إليه، مسئوليتهم عن أنفسهم، وبين لهم أن قرابتهم له لا تفيدهم شيئا، إذا لم يستجيبوا لدعوة الله.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يوصي أمراءه المجاهدين أو الدعاة، بما يجب أن يقوموا به، ثم ينطلق كل منهم مؤديا ما أمره به نبيه.
ولنذكر لذلك مثالين:
المثال الأول يتعلق بأمراء الجهاد ومن معهم من المقاتلين:
ففي حديث بريد رضي الله عنه، قال: كان رسول الله إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله.
اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.
ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.
فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله.
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا)؟ [صحيح مسلم، برقم (1731)]
يؤخذ من هذا الحديث، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يحرص على استقامة أمرائه في أنفسهم، ولهذا كان يبدأ وصيته لهم بتقوى الله.
كما يحرص على عناية الأمراء بجيوشهم الذين تولوا إمارتهم، بأن يعاملوهم معاملة حسنة تحقق لهم الخير، لما في ذلك من الوئام والود والمحبة التي تجعل الجيش ينقاد لأميره انقياد رضا واطمئنان، وليس انقياد قسر وإكراه، وهذا جدير بأن يحقق الله تعالى لهم النصر على أعدائهم.(2/59)
ثم يحرص صلى الله عليه وسلم على أن يكون هدف المجاهدين، الجهاد في سبيل الله، ولهذا يقول لهم: (اغزوا باسم الله) وليس باسم آخر من القوميات والعصبيات والأموال وغيرها..
ثم حذرهم صلى الله عليه وسلم من المعاصي التي لا يرجى لأهلها نصر على أعدائهم، فينهاهم عن الغلول والغدر والاعتداء على غير المقاتلين، من الأعداء.
ثم يبين لهم منهج غزوهم، ويبين لهم أنهم قد يجتهدون ويخطئون في اجتهادهم، فعليهم ألا ينسبوا اجتهادهم إلى الله تعالى، بل إلى أنفسهم، حتى يعلم غير المسلمين أن الإسلام بريء من خطئهم...
المثال الثاني يتعلق بالدعاة إلى الله:
فقد كان صلى الله عليه وسلم، يوصي أصحابه الذين يبعثهم للدعوة إلى الله، بالتيسير على المدعوين وتبشيرهم بما يسرهم في استجابتهم لهذه الدعوة، وينهاهم عن الأسباب المنفرة للناس عن دعوتهن.
كما في حديث أبي بردة قال: سمعت أبي قال: بعث النبي أبي ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا) [البخاري، برقم (6751) ومسلم، برقم (1733)
كما كان ينبه من أرسله للدعوة إلى الله، أن يستعد للقوم الذين يدعوهم، بمعرفة عقائدهم وثقافتهم، حتى يكون على بصيرة بأمرهم، فيبني خطابه لهم على أساس تلك المعرفة، ويأمره أن يتدرج في دعوتهم فيدعوهم إلى الأهم فالمهم، وأن يرفق بهم فيما يأخذه منهم، ويبتعد عن ظلمهم الذي يعرضه لسخطهم عليه ودعوتهم عليه، وأن دعوة المظلوم مستجابة.
فقد روى ابن عباس رضي الله عنه، أن معاذا رضي الله عنه، قال: "بعثني رسول الله قال: (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.
فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.
فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)" [صحيح مسلم، يرقم (19)]
فليع هذا الدروس كل مسلم، وبخاصة طلبة العلم والدعاة إلى الله، الذين يجب أن يهتموا بأنفسهم، بعد أن يصقلهم علماؤهم وأساتذتهم بالعلم والتزكية الربانية، وتوعيتهم بما ينفعهم وما يضرهم، فيحرصوا على حفظ ما تعلموه وفقهه والعمل به، ويتنبهوا لما زودوهم به من نصائح تصون دعوتهم من النكسات، وما أرشدوهم إليه من وسائل تحمي مسيرتهم، من تسلط أعداء دعوتهم عليهم، وعليهم أن يستحضروا مسئوليتهم أمام ربهم، فلا ينتظروا دائما التذكير و الإشراف والمتابعة من قِبَلِ غيرهم لهم [وإن كان التذكير والمتابعة مطلوبة].
وعليهم كذلك أن يسلكوا مسلك علمائهم وأساتذتهم في صقل غيرهم بالعلم والتزكية الربانية، ليستمر انتشار العلم وتستمر تزكية الأجيال وتقواهم لربهم تعالى، فينقل كل جيل حقائق الإسلام والعمل بها، إلى الجيل الذي يليه، كما نقل جيل الصحابة ذلك إلى جيل التابعين، ونقل جيل التابعين ذلك إلى جيل أتباعهم، وهكذا حتى وصل ذلك إلينا...
شبهة مدفوعة:
قد يقال: ما سبق ظاهر أن الإنسان مسئول عن نفسه، فلا يجزى إلا على ما اكتسبه، من خير أو شر، ولكن بعض الآيات والأحاديث دلت على أنه يحمل أثقالا أخرى مع أثقاله، ويحمل ذنوبا من ذنوب من أضله.
كما قال تعالى: ((وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون (12) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون)) (13) [العنكبوت]
وقال تعالى: ((ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون)) [النحل (25)]
والجواب أن هؤلاء إنما حملوا ذنوبهم التي باشروها بأنفسهم، وذنوبهم على دعوة غيرهم إلى الكفر بالله ومعصيته، كما سبق قريبا في قول ابن كثير:
"ولا منافاة بين هذا وبين قوله: ((وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم)) وقوله: ((ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم)) فإن الدعاة عليهم إثم ضلالتهم في أنفسهم، وإثم آخر بسبب ما أضلوا، من غير أن ينقص من أوزار أولئك ولا يحمل عنهم شيئا، وهذا من عدل الله ورحمته بعباده"
وكذلك ينتفع المسلم بعمل الخير الذي لا تنقطع فائدته بعد مماته، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [صحيح مسلم، برقم (1631)].
فكن يا أخي المؤمن محافظا على عبادة ربك في كل حين، في إيمانك، وفي تعلمك وتعليمك، وفي صلاتك وصيامك وحجك وعمرتك وذكرك، وفي قراءة كتاب ربك، وفي صلاتك على نبيك، وفي دعوتك إلى دينك، وفي أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر، وفي رياضتك البدنية، وفي حلك وترحالك، وفي كل عمل مباح تأتيه أو تدعه، فقط تحتاج إلى أن تنوي بذلك وجه ربك...فاحرص على هذه النية لتكثر حسناتك.
((واعبد ربك حتى يأتيك اليقين))
((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)) (163) [الأنعام]
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
==============
رب همة أحيت أمة بإذن الله
خباب بن مروان الحمد
لله درُّ المتنبي حين قال في ميميته الرائعة مادحاً الباحثين عن المتاعب بلا ملل ولا سأم:
عجبت لمن له حد وقد وينبو نَبْوة القضم الكهام
ومن يجد الطريق إلى المعالي فلا يذر المطي بلا سنام
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
يرتسم في هذه الأيام على وجوه الكثير من أبناء المسلمين حالةٌ مرعبة من الحزن والكآبة، ويسري في نفوسهم دخان الهزيمةَ والوهن؛ وذلك لما يرونه أو يسمعونه في وسائل الإعلام العالمية بشتى أنواعها، عن صور لمآسي المسلمين في أصقاع المعمورة؛ فمنهم المقتول قتلاً لا يحتمل المسلم أن يراه، ومنهم الذي سجن في صورة تأبى النفس البشرية أن تراها لحيوان فضلاً عن أن تراها لإنسان له شعوره وأحاسيسه، ومنهم تلك الثكلى التي فقدت زوجها وأبناءها تحت البيت الذي هدمته أسلحة الدمار التي لا ترحم، وتلك المنكوبة تبكي وتتأوه.....ولا نصير!!!
صور تتعدد، ومآسٍ تتكرر، اعتادت العين على رؤيتها، والأذن على سماعها.
في ظل تلك الأحداث المفجعة، والأزمات الموجعة، وفي أزمة الصراع العالمي بين الإسلام والكفر، وفي عصر الانقسامات والحزبيات، وفي زمن اليأس والقنوط الذي خيم بكلكله على قلوب كثير من المسلمين، وأطبق على أفئدتهم..في ذلك كله... ألا يجدر أن تتحدث الأقلام عن أهمية بروز القائد الذي يصنع الأجيال، ويربي الأبطال، ويبرز المواهب، ويصقل النفوس فيربيها على الإيمان والجهاد، ويعيد إكسير الحياة العزيزة إلى قلوب حطمتها أمم الكفر، وأذاقتها مر الويلات.
القائد الذي تنبع أفعاله وأقواله من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ويحكم الناس بلا إله إلا الله؛ فهي شريعة كاملة ومنهج حياة.
القائد الذي يمسك بزمام المبادرة لنصرة الإسلام، ويتحدث أمام العالم أجمع بأن المسلمين هم الأحق بالصدارة والريادة على جميع الأمم.
القائد الذي يزأر لصرخات المنكوبين، ويستعلي على علو الطغاة والكافرين، وتستروح النفوس لسماع كلماته، وجميل عباراته في إغاظة أعداء الدين.
ذلك القائد الذي يبدأ مفعوله من همة تحاكي القمة، وعزيمة تصنع الإباء، وجرأة بحكمة يسطرها التأريخ.
إنه أمل لأمة تحلم به منذ زمن بعيد، ويا له من أمل!
أمل إليه هفت قلوب الناس في الزمن البعيد.(2/60)
أمل له غور القديم كما له سحر الجديد.
وبعد هذه الطرق لأوصاف هذا القائد الذي ينتظر المسلمون قدومه من وقت مديد، فإني وبكل صراحة أقول:
أيها القارئ الفاضل - إنني أخاطبك بكل شفافية وهدوء.....
أخاطب فيك عقلك الكريم، ونفسيتك الجذابة، وهمتك الوثابة، فأقول: لِمَ عَوَّدْنا أنفسَنا منذ أن خُلقنا لحالات الترقب والانتظار في أي شيء سيحصل للمسلمين، وأبعدْنا النُّجعةَ عن العمل لهذا الدين، وصناعة الحدث، وصياغة القرار؟
عذراً؛ فهذه هي الحقيقة، ولا بأس أن تطرح لتعالج، وقد قيل: (المؤمنون نَصَحَة، والمنافقون غَشَشَة)؟
لماذا إذا قرأنا عن القائد الذي سيقود الأمة إلى بر السلام والأمان قلنا: ومتى يأتي؛ فلطالما انتظرناه، وهفت قلوبنا للقياه؟ وهو ابن من؟ وما أوصافه؟ وما هي مؤهلاته؟ ومن أي بلد هو؟ وأين يقطن؟.. إلى غيرها من الأسئلة والاستفسارات التي ترطن بها ألسنتنا، وتبوح بها أفئدتنا، ونبقى نكررها إلى أن يوافينا الأجل.
ألم تفكر ـ أيها الأخ الكريم ـ أن تكون هذا الرجل المنتظر، والقائد المظفر؟!!
نعم! لِمَ لا يكون هو أنت؟!! فيغير الله على يديك ميزان التاريخ لصالح المسلمين، ويصلح بك الرحمن هذا العالم، بعد همة ومثابرة وعزم وتصميم وعلم وعمل؟
لقد حان هذا الوقت لتضرب بيدك على صدرك، قائلاً بأعلى صوتك للقيادة القادمة: أنا لها.. وتردد منشداً:
ما دام عرقي نابضاً لن تعرف النفس ارتياح
إنها صناعة الحياة، وصياغة النجاح التي تجعلك كبيراً عند ربك، وكبيراً في تفكيرك، وكبيراً عند مجتمعك، بل كبيراً في كل شيء.
تخرج للناس لتعلمهم درساً لن ينسوه بأنه (رب همة أحيا الله بها أمة)، تخرج لهم وتقول:
بُغْضُ الحياة وخوفُ الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا
إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
وكأني بسؤال يدور في خيالك، ويسيح في بالك، فينطق به لسانك قائلاً:
وهل أنا أصلح لهذه القيادة، ثم هل أستطيع بفردي أن أنفع أمة الإسلام، وأصلح على يدي فئاماً من البشر قد ركنوا إلى الدنيا وابتعدوا عن منهاج ربهم الذي رسمه لهم.....؟ فأقول لك بملء فمي: نعم!!
فلِمَ الاحتقار للذات، والانكفاء على النفس، والعزلة عن فعل الخير، والانكماش والانغلاق، وعدم محاولة الإصلاح والكفاح؟! ودعني أوضح لك حقيقة لا بد أن أبين عورها، وأكشف ضررها، وهي:
إن من مشكلات هذا الزمن الصعب (مشكلة التفكير الخاطئ)؛ وذلك بأن يرسم المرء لنفسه خطة يسير عليها في حياته، ومن ثم يطبقها على أرض الواقع، وهي من ألفها إلى يائها غلط في غلط... وخذ مثلاً: ها أنت ترى بعضاً ممن هم حولك يقولون في مجالسهم إننا في زمن انطبق فيه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن»(1).
ثم يسوقون أحاديث العزلة التي ذكرها الخطابي، وابن أبي الدنيا ـ - رحمهما الله - ـ في كتابيهما (العزلة)، ومن ثم يقولون: نحن في زمن جدير بنا أن نعتزل أهل الفساد في شرهم؛ فلن نستطيع التغيير، ولن يجدي الإصلاح شيئاً.
مرددين قول الشاعر:
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم *** وبقيتُ في خَلَفٍ كجلد الأجربِ
ثم يختمون أمسيتهم بقولهم: ما أجمل ما قاله سفيان الثوري ـ - رحمه الله - ـ:
ما العيش إلا القفل والمفتاحُ
وغرفة تصفقها الرياحُ
لا صخب فيها ولا صياحُ
وأنا لا أتكلم من واقع خيال؛ فإن هذا واقع بعض أهل الاستقامة والديانة، والذي ذكرته آنفاً تشخيص لمثل من مشكلات التفكير المخطئ لأي عمل يراد القيام به، سُقته لك لمناسبته للمقام.
ولا شك أن تلك العقلية ليست هي عقلية المجدد القيادي الذي يقيم الله به الدين، وينصر به الملة.
غير أنه من الجيد أن يعرف الإنسان نفسه؛ فبعض الناس ـ وهم قلة ولله الحمد ـ لا يستطيعون الإصلاح، ويخشون على أنفسهم من الفتن، ويرون أن السلامة هي الابتعاد عنها، وعدم مخالطة أهلها، وهذا علاج نافع لهم، (ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه) لكن من الخطأ ظن بعضنا أن الذي يعتزل الناس ولم يصبر على أذاهم أفضل من ذلك الذي يخوض معامع المعارك، وصولات الحق على الباطل، ومراغمة الكفار وأهل البدع، ومناصحة المؤمنين، وتعليم الناس العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح في جميع نواحي الحياة.
كلاَّ.. فلا مقارنة بين عابد معتزل، وقائد يقود الناس بالكتاب الهادي، والسيف الناصر مع الأذى والابتذال؛ فأين الشرق عن الغرب، وأين السماء عن الأرض؟! لذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»(2).
وعوداً إلى كلام بدأت به: فأنت تستطيع أن تعمل، وتكون قائداً ينفع الله بك؛ وكل الذي تحتاج إليه أن تنفث في واقعك همة من هممك، وتحاول أن تصلح وتغرس، فتحيي الموتى في حياتهم، وتستنهض همم الباقين.
فانهض؛ فقد طلع الصباح ولاح مُحْمَرُّ الأديم!
فإن الناس في سبات عميق، وبُعدٍ عن منهج الله ودينه سحيق، هذا مع تبلد الإحساس، وحب الدَّعة والراحة، والله المستعان.
تبلد في الناس حب الكفاحِ *** ومالوا لكسبٍ وعيش رتيب
يكاد يزعزع من همتي *** سدور الأمين وعزم المريب
وقد مضى عصر الكسل والنوم والخمول، وأقبل عصر العمل والتعب؛ فلا خمول........ وكأني بك قد اقتنعت بما كتبت، ولكن بقي لديك إشكال وهو قولك:
كيف وأنا فرد أستطيع أن أهدي أمة من الأمم، وأصلح شعباً من الشعوب، أو أقود المسلمين بالإيمان والجهاد...
كيف يكون ذلك؟!
فأجيبك جواباً يشفي غليلك، ويحل إشكالك؛ حيث سأذكر موقفين ذكرهما الله في كتابه العظيم تكمن فيهما الإيجابية الفعالة في المبادرة الذاتية للإصلاح والتغيير، وأعقبهما بموقف ثالث لأحد صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأذكر هذه المواقف الثلاثة حتى نعلم أن من يريد العمل والإنقاذ فإنه لا بد أن تظهر تلك السمة القيادية على أفعاله ولو كانت حشرة أو طائراً. ولا تستغرب ذكري لهما؛ فإنهما المثلان الأولان اللذان سأذكرهما؛ حيث أشاد الله بإرادتهما الإصلاحية، فلا بأس أن تقتفي أثرهما في همة الإصلاح، وإياك واحتقار ذاتك بقولك: (ومن أنا حتى أقود وأسود، وأصلح وأجدد؟) فإن هذا (ورع بارد) كفاك الله شره.
* الموقف الأول:
تأمل وأنعم النظر في موقف النملة الإصلاحي في هذه الآيات الكريمة من سورة النمل؛ بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 17 - 19].
ومن هذه الآيات الكريمة نستنبط عدة فوائد منها:
1 ـ أن هذه النملة مفردة، وقد ذكرها الله في كتابه بصيغة التنكير؛ فهي نكرة في قومها كما هو ظاهر الآية؛ فليست ملكة أو وزيرة بل هي نملة من عوام النمل.(2/61)
2 ـ هذه النملة أتت إلى قومها صارخة فيهم منذرة، قائلة: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، فأخبرتهم بقرب وقوع خطر سيحيق بهم ويقضي عليهم وهم لا يعلمون.
3 ـ أن النملة لم تكتف بالإنذار بأن هناك خطراً سيداهم عشيرتها ثم تصمت كما هو حال بعض المسلمين اليوم يعي أن عدوه سيأتيه فلا يكون حاله إلا أن يصيح قائلاً: (احذروا الكفار؛ فإنهم قادمون)، ثم يرجع إلى فراشه ويغط في نوم عميق دون أي عمل يدفع به كيد الكفار.
إن هذه النملة لم تتقن فن الكلام فحسب، بل وضعت خطة لقومها، فقالت: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} ورأت أن المصلحة في كيفية درء المفسدة عن قومها بتبيين طريق النجاة لهم حتى لا يضلوا فيقعوا في شباك الصيد، وتحت وطأة أقدام الجيش القادم.
4 ـ والمعتبر بحال النملة يجد أن عندها نسيج الولاء لقومها، ومحبتهم كما تحب نفسها؛ فليست أنانية، بل تحب الخير لقومها، ولذا أنذرتهم جميعاً ولم تقل: (دعهم يهلكوا وهذا جزاؤهم؛ لأنهم لم يهتموا بحراسة أنفسهم) كلاَّ؛ بل أنذرتهم جميعاً، ولم تستثن أحداً.
5 ـ ومن الفوائد أن هذه النملة لم تنتظر أن يأتي أحد من قومها أو ممن يحرس وادي النمل ذاك، ويخبر النمل بأنه سيأتي جيش يحطمنا ويبيدنا، بل كانت عندها روح المبادرة الذاتية، في المسارعة إلى إنقاذ قومها وإقصائهم عن مواطن الهلاك.
6 ـ عند قوله ـ - تعالى - ـ: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} وقفة قصيرة مع هذا الاعتذار العجيب من هذه النملة الذكية؛ حيث ذكرت أن جند سليمان - عليه السلام - القادم قد يهلك النمل، وهم لا يشعرون بأن تحت أقدامهم وادياً من أودية النمل؛ فهذا الجيش لا يتعمد قتلنا، ولا يريد تحطيمنا عن قصد.
فتأمل هذا التحذير ثم الاعتذار؛ فالنملة تعلم أن سليمان ـ - عليه السلام - ـ نبي رحيم، لا يحب الشر للخلق أو يضمره لهم؛ فلنتأسَّ بها في اعتذارنا لمن أخطأ في حقنا وهو لا يقصد سواء بقول أو بفعل، أو لم يشعر بخطئه ذاك.
7 ـ وبالنسبة لتبسم سليمان ـ - عليه السلام - ـ فإما أنه تبسُّمٌ منه لهذه النملة العجيبة التي خافت على قومها وأنذرتهم بخطر قد يداهمهم، وإما لاعتذارها لجند سليمان بالثناء؛ فإن قولها: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} وصف لهم بالتقوى والتحفظ عن مضرة الحيوان، وإما أنه تبسم لإدراكه ما قالت تلك النملة وهي نعمة من الله ـ - عز وجل - ـ أنعم بها على سليمان ـ - عليه السلام - ـ وهي معرفته للغة الحيوان وفهمه لكلامه، ولذلك أعقب سليمان ـ - عليه السلام - ـ ذلك التبسم بشكر نعمة الله عليه، ومعرفة لحقه. (وما ذكرته للمراد بهذا التبسم فهو مجموع لتفسير أهل العلم لحقيقة ذلك التبسم؛ والله أعلم).
فانظر ـ أيها الأخ ـ إلى هذا الموقف ودقق النظر فيه لعلنا أن نتأسى به ونعتبر، ونعلم أن على الفرد مسؤولية يجب القيام بها، وأنه يستطيع أن يقود أمة كاملة بحسن تصرف وجميل تعبير.
ولو خرج المتأمل لهذه القصة بفائدة صحبة معلمي الخير لقومهم والمصلحين لأمتهم والابتعاد عن رفقاء السوء، ومتربصي الشر والفتن لخرج بفائدة لا ينساها طوال حياته، وقد قيل:
لا تصحب الكسلان في حالاته كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة كالجمر يوضع في الرماد فيخمد
فإياك ومصاحبة البطالين، وأهل الزيغ والهوى والنفاق؛ فإنه سم ناقع، وعلقم مر.
الموقف الثاني:
وهذا موقف آخر أنقلك به إلى موجة أخرى من موجات الإصلاح وعمليات التغيير لكي ترى أن من في قلبه شعلة إيمانية فلن تنطفئ عندما يرى الظلام المخيم على أكثر أهل الأرض من الكفر والنفاق. وزبدة ذلك أن سليمان ـ - عليه السلام - ـ حينما كان يتفقد الطير ولم يجد الهدهد قال بلهجة حادة: {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [النمل: 20 - 21]، فجعل سليمان - عليه السلام - هذا العقاب للهدهد إما بالعذاب الشديد أو الذبح المريع له، أو أن يأتي بخبر مبين، وبينما هو كذلك جاء الهدهد وكان متأخراً لمهمة أحاط بها علماً ولم يعلمها سليمان - عليه السلام - فقد جاء من سبأ بنبأ لا شك فيه.
ومن قوة ملاحظته لنبأ سبأ أنه وجد امرأة تملكهم ـ ولعل هذا من استغرابه ـ وأنها أوتيت من كل شيء من الرخاء والترف والحياة المخملية، وفوق ذلك كله عرش تجلس عليه.
والطامة الكبرى، والأصل الأصيل الذي أدى إلى تأخر الهدهد عن الحضور مبكراً أنه رأى تلك الملكة وقومها يعبدون الشمس من دون الله، وهو شيء تأباه العقول السليمة والفطر المستقيمة؛ فكأن تلك العبادة استوقفت ذلك الهدهد عن الطيران والتبكير للمجيء في موعد تفقد سليمان - عليه السلام - لجنده.
ثم بين الهدهد عقيدته صادحاً بها أمام سليمان - عليه السلام - بقوله: {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25]. ويا له من درس عظيم ألقاه هذا الهدهد في التوحيد لا يعلمه كثير ممن ينتسب إلى الإسلام.
ومع ذلك كله قال سليمان - عليه السلام - : {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27] فابتلى الله الهدهد بعد تصديق سليمان - عليه السلام - له؛ وذلك يشي - والعلم عند الله - أن صاحب الدعوة إلى توحيد الله لا بد أن يبتلى في حياته، وأن دعوته تلك لن تمر دون تمحيص وابتلاء ليعلم الله الصادق من الكاذب.
وبعد عدة مراسلات من سليمان - عليه السلام - لتلك الملكة، أقرت بوجود الله وألوهيته على الخلق أجمعين، وأنه لا مستحق للعبادة قط إلا هو - سبحانه -؛ وذلك بقولها: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].
فتدبر ـ أيها اللبيب ـ فعل ذلك الهدهد الغيور على التوحيد، وارجع البصر كرتين في تأمل موقف ذلك الطائر؛ فقد سرى بدمه حب (لا إله إلا الله) ودافعية الدعوة إليها، والصبر على الابتلاء فيها؛ فأين نحن وغيرتنا على دين الله من الهدهد؟
وتالله إنه لمشروع عظيم قام به هذا الطائر ليصلح الله به أمة كانت تعيش في مستنقعات الكفر، وبيداء الضلالة، فإياك إياك أن يحمل هذا الطائر همَّ دين الله في صدره أكثر منك أيها الموحد، وقد وصاك الإمام أبو معاذ الرازي ـ - رحمه الله - ـ بذلك فقال: (لا يكن الهدهد أغير منك على التوحيد).
ضربت لك هذين المثلين ليتضح لك أنه قد يصنع المواقفَ الجبارة حشرة أو طائر؛ فما بالك بإنسان أعطاه الله جميع الصفات والقوة العقلية والجسدية، إنه يستطيع بدون أدنى ريب أن يصنع الكثير، وأن يبدع الإبداع العظيم، ولو كان مشلولاً أو أعمى، فإن عنده العقل وهو آلة التفكير ومصنع العمل.
وما أنت بالمستسيغ القعود ولو قيدوك بهذي الحفر
وهاك مثلاً ثالثاً لرجل من الصحابة - رضي الله عنهم - أنقذ الله على يديه المسلمين من أزمة كادت أن تعصف بهم، وتوقعهم في أحلك الأمور وأصعب المواقف.
الموقف الثالث:(2/62)
وهو موقف الصحابي الجليل: نعيم بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فقد أسلم في غزوة الأحزاب، التي صور الله حالة الصحابة فيها بالقرآن تصويراً واضحاً، وكيف أن الكفار أحاطوا بمدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبصحابته الكرام، وجنده الأبرار إحاطة السوار بالمعصم، فقال - تعالى - : {إذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب: 10 - 11].
وقد بانت في هذه الغزوة صورة المنافقين الكالحة، وصفاتهم القبيحة؛ حيث قالوا: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب: 12].
وفي معترك الأحداث التي اشتبكت فيها الأمور، واختلط فيها الحابل بالنابل، صنع الله - تبارك اسمه - كما قال ابن القيم في زاد المعاد (3 / 273) أمراً من عنده، خذل به العدو، وهزم جموعهم، وَفَلَّ حَدَّهُمْ، فكان مما هيأ الله من ذلك: أن رجلاً من غطفان يقال له: نعيم بن مسعود بن عامر ـ رضي الله عنه ـ جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله! إني قد أسلمت؛ فمرني بما شئت».
ولم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يقبل إسلام ذلك الصحابي الجليل، ثم قال له بعد أن طلب منه نعيم بن مسعود أن يأمره بما شاء: «إنما أنت رجل واحد؛ فخذِّلْ عنا ما استطعت؛ فإن الحرب خدعة».
فألهم الله هذا الصحابي أن يفعل فعلة يسطرها له التأريخ في أنصع أوراقه، وأجمل افتخاراته، وخلاصتها: أنه ذهب إلى اليهود وإلى قريش والقبائل التي تمالأت على حرب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فأفسد كل طائفة على صاحبتها، حتى جعلهم أعداءً، وفرَّق كلمتهم، وأضعف ثقة كل فئة بالأخرى، فتخاذلوا جميعاً عن الحرب، ثم أرسل الله عليهم جنداً من جنده من الريح العاصفة، والملائكة المرسلين فقوضت خيامهم، ولم تدع الريح قدراً إلا كفأتها، ولا طنباً إلا قلعته، وكفى الله المؤمنين القتال. فله الحمد والشكر(3).
وكان بداية غيث المسلمين بالنصر هي همة نعيم بن مسعود، رضي الله عنه؛ فقد أسلم، ثم فكر وقدر، فنِعْمَ ما قدر؛ فسلام الله عليه؛ فلم يكثر الكلام، بل جعل الجوارح تتكلم وتعمل، وصح فيه قول الشاعر:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم مَذِقُ اللسان يقول ما لا يفعلُ
وإلى هنا أتوقف عن ذكر المواقف التي تثير همم الفطناء، وتاريخ المسلمين مليء بمثل هذه المواقف الفردية العظيمة.
وكأنهم جميعاً يوصون بما قاله الأول:
وكن رجلاً من أتوا بعده يقولون مَرَّ وهذا الأثر
وللعلم فإني لم أذكر مواقف الأنبياء العظماء - عليهم الصلاة والسلام - فمواقفهم كثيرة لا تحصر، ولكن خشية إن ضربت بهم مثلاً أن يقول أحد: ومن نحن عند هؤلاء الأنبياء العظام؟! عليهم الصلاة والسلام.
لذا ضربت أقل ما نرى في هذا الوجود همة مثل النملة والهدهد، ثمَّ أحد المواقف البشرية التي قام بها أحد الصحابة ـ رضي الله عنه ـ لعلها تقدح في أنفسنا نسائم الإرادة، و ليعلم المسلم سبب وجوده في الحياة؛ فلم يُخلق عبثاً، بل خلق للعمل والعبادة والابتلاء والتمحيص... فلا بد من استشعار المسؤولية الفردية التي كلفه الله بها؛ فقد قال ـ - تعالى - ـ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93]، وقال: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93] وقال - تعالى - : {إن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93 - 95].
ثم إنه - تعالى - أوصانا بالعمل جميعاً، فقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105]؛ فالعمل لهذا الدين مسؤولية الجميع.
أيا صاحِ هذا الركب قد سار مسرعاً ونحن قعود ما الذي أنت صانع؟
أترضى بأن تبقى المخلَّفَ بعدهم صريعَ الأماني والغرام ينازع
فـ {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42].
وما أجمل ما خطته يد ابن الجوزي حين كتب: (أول قدم في الطريق: بذل الروح... هذه الجادة؛ فأين السالك؟!!)(4).
وهناك ثمة تساؤلات يسألها المرء نفسه: (كيف العمل، وبماذا أبدأ، وكيف أخطط؟) فأقول: انظر إلى هديه - عليه الصلاة والسلام - ـ وسيرته في كيفية العمل لهذا الدين، وتجميع الناس تحت عقيدة الإسلام، ومحاربة المناوئين لهذه العقيدة؛ ولذا دخل الناس في هذا الدين راضين مقتنعين، وحج معه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع أكثر من مائة وعشرين ألف صحابي - رضي الله عنهم أجمعين ـ وكل ذلك بعد توفيق الله من إرادة جبارة، وهمة وثابة... {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
لا تقل كيف ولا أين الوصول واتَّبع خير الملا ذاك الرسول
واقرأ سير المصلحين والقادة، واستفد من تجارب الباقين، واسأل الله أن ينفع بك الإسلام، وتعلق بالله ولا تتعلق بأحد سواه.
ولا تلتفت هنا أو هناك ولا تتطلع لغير السماء
واسأله ـ - تعالى - ـ أن يجعلك مباركاً حيثما كنت؛ فقد كان هذا حال عيسى - عليه الصلاة والسلام - حين قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم: 31]. فكن كالغيث أينما حل نفع.
وإن أول البداية هي أن تبدأ بنفسك؛ وفي المثل: احرص على إصلاح الذات قبل إصلاح الذوات... ومن قاد نفسه قاد العالم.
وانشط لدين الله لا تكن متكاسلاً واعمل على تحريك ما هو ساكن
فإن كان في نفسك كسل أو خمول، أو بدع وضلالات وشركيات، أو معاصٍ وانحرافات، فابتعد عنها وغيِّر ما بنفسك من تلك النواقص؛ فلعل الله أن يغيِّر بك حال المسلمين، وينفع بك في مواطن كثيرة تسعد بها إذا رأيتها مكتوبة في صحائف عملك يوم القيامة و (حَرِّكْ تَرَ).
لكن عليك بامتلاك الإرادة والهمة:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة *** فإن فساد الرأي أن تترددا
وأول الغيث قَطْرٌ؛ فكيف تطمح إلى العمل لهذا الدين ولم تتمكن الإرادة من سويداء قلبك، ولم تعزم على استسهال المصاعب، وتيسير العويص..... فإن كنت ذا همة فستقول قطعاً:
لأستسهلن الصعب أو أدركَ المنى فما انقادت الآمال إلا لصابرِ
وحذار من التسويف؛ فإنه رأس الأماني، وداء العمل، وقاتل الهمم، وحجة المفلسين.
فلا تبق فعل الصالحات إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيدُ
بل ردد بكل قوة وعزم:
أليس من الخسران أن ليالياً تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وصح في الآفاق:
سأنفق ريعان الشبيبة دائماً على طلب العلياء مع طلب الأجر
وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى، ومن يعرف المقصود يحقر ما بذل، ومن المقت إضاعة الوقت، ولكل جيل قيادته؛ فلنكن خير قادة لجيل الحاضر والمستقبل؛ وذلك كله بالتعاون والتكامل لا بالمطاحنة والتآكل، فالجاهلية المنظمة لا يقلبها إلا إسلام منظم، ولتكن وحدتنا واجتماعنا على كتاب الله وسنة رسوله، وتحت لواء أهل السنة والجماعة، فوحدة صفنا تكون معهم لا مع غيرهم من أهل البدع المنحرفين، أو الفرق الضالة.
وختاماً:(2/63)
ما أجمل كلام الإمام محمد الخضر حسين في كتابه الرائع (السنة والبدعة).. حين كتب: (وإنما يتحد المسلمون تحت راية من يحترمونه لعدله واجتهاده في الحق جهاداً يطمس على أثر الباطل، وإنما يقيم أحكام الشريعة على وجهها من يكون في لسانه حجة وفي يده قوة)(5).
----------------------------------------
(1) رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ باب: من الدين الفرار من الفتن.
(2) أخرجه الترمذي بسند جيد.
(3) اقرأ الخطة التي فعلها نعيم بن مسعود - رضي الله عنه - مع أعداء المسلمين. في زاد المعاد (3 / 273 - 274).
(4) المدهش (ص 299).
(5) السنة والبدعة، ص 29.
=============
الإعلام الديني.. سلحفاة في زمن الأرانب
علا عطا الله** - 26/12/2004
مشهد من أحد البرامج الدينية التلفزيونية
الإعلام الديني بابٌ واسع من أبواب التأثير والتغيير، وهو من أقدر أنواع الإعلام وصولاً بالمجتمع إلى بر الأمان باطمئنان واقتدار، إلا أن المتتبع لحال إعلامنا الديني اليوم يجده ساكناً غير قادر على التحرك عدة خطوات إلى الأمام، وسائله غير قادرة على ملامسة أوتار الواقع، تسير في قالب من النمطية والروتين القاتل!
في هذا التحقيق تساءلنا عن السبب، ولمعرفة الإجابة ما عليكم إلا أن تصحبونا في جولتنا هذه.
محلك سر
وكأن الناس في انتظارنا منذ وقتٍ طويل، فما إن توجهنا إليهم بالسؤال عن دور الإعلام الديني في حياتهم، حتى انفتحت قلوبهم وتحدثت عقولهم تبوح بما يجول فيها من أفكار وآمال.
بلهجة استنكارية بدأ الشاب هادي الشوا حديثه إلينا قائلا: "أين هو الإعلام الديني؟؟ أنظر حولي فلا أراه، جميع أنواع الإعلام تتقدم إلا هو، محلك سر، وما هو موجود لا يلبي الأدنى المطلوب لاحتياجاتنا كمسلمين".
وتُحلل طالبة الإعلام تمارا مهنا واقع الإعلام الديني فتقول: "المرئي منه روتيني، ويسير في قالب نمطي إلا قلة من البرامج تجد فيها نوعا من التجديد والحركة. والمطبوع لا يلبي رغبات القارئ، لا شكلا ولا مضمونا". وتواصل: "أما المسموع فهو الأسوأ، فما يُبَث لا يرقى بأي حال لما نتطلع إليه ونتمناه".
الإعلام الديني يتجاهل واقعنا
ومن حيث انتهت تمارا بدأ الحاج رائد جندية حديثه فقال: "الإذاعات الدينية في العالم العربي لا تناقش قضايا المسلمين؛ فهي تتعامل على أساس أن الدين قرآن وأحكام وفتاوى، وتنسى أن ديننا دين شامل، اهتم بجل الأمور التي يحتاجها المسلم"، ويستدرك: "أين المشكلات الاجتماعية والسياسية؟ أين الحلول للمشكلات التي تحيط بنا من كل جانب؟".
وترى أم فادي حجازي -وهي أم لأربعة أولاد وثلاث بنات- أن الإعلام الديني من شأنه مقاومة الإعلام المضاد؛ حيث قالت: "الإعلام الديني من إذاعة وفضائيات وصحف ومجلات قادر على التصدي لما يجتاح الأسرة من مواد تغريبية عبر الإعلام العربي نفسه؛ فهناك تيار من الإعلام الهابط ينمو بشدة وبأساليب ومضامين متطورة، ولو امتلك القائمون على الإعلام الديني النية الصادقة فسينجحون في محاربته".
موجود ولكن..!
وتعترف الفتاة هداية النمرة أن الشباب هم أكثر الفئات تضررًا من ركود الإعلام الديني: "نحن الشباب لا نجد في الإعلام الديني ما يخاطب همومنا ومشاكلنا، كما أنه لا يتحسس واقعنا؛ فنضطر لنبحث عن الحلول في إعلام آخر، ونحن على يقين أنه لن يصل بنا إلى بر الأمان، بل سيزيد من تشتت أفكارنا".
أما الشاب عمار قنيطة فكانت له وجهة نظر أخرى حدثنا عنها قائلا: "الإعلام الديني موجود؛ بل إنه في تقدم، انظروا إلى المواقع الإسلامية على الإنترنت، كما يوجد لدينا برامج رائعة ومجلات مفيدة، ولكن المطلوب أن يوظف الإعلام الديني كافة التقنيات وثورة المعلومات في الارتقاء بمضمونه".
سرعة السلحفاة!
وتوافقه الرأي طالبة العلوم السياسية هلا السراج التي قالت: "ديننا عظيم، وفيه حل لجميع المشاكل التي نعاني منها؛ لذا يجب على الإعلام الديني أن يخاطب العقول والقلوب، مستفيدًا من ثورة الاتصال؛ فليس من المعقول أن يتقدم الإعلام الهابط بسرعة الصاروخ، ونحن نبقى نسير بسرعة السلحفاة".
ويرى الشاب جهاد المصري أن مشكلة الإعلام الديني الحقيقية تكمن في غفلته عن أخبار وأحداث المجتمع؛ حيث يقول: "لدينا إعلام ديني وبوسائل متعددة، إلا أنه يبدو منفصلا عن واقع مجتمعاتنا وما تتعرض له، وهذا الانفصال هو ما يعيق تطور الإعلام الديني، وبالتالي ينعكس سلبا علينا".
تطور كبير
كيف نقرأ واقع الإعلام الديني في وطننا العربي؟؟ وما الأسباب التي تجعله غائبا عن تلبية احتياجات المسلمين؟ وما هو المطلوب والمأمول منه حتى يرقى لتحديات الواقع؟
أسئلة بسطناها على طاولة الدكتور فريد أبو ضهير المحاضر بقسم الصحافة بجامعة النجاح الوطنية بنابلس، والذي بدأ حواره معنا قائلا: "أعتقد أن الإعلام الديني تطور كثيرا في الآونة الأخيرة؛ فقد كان الإعلام الديني شبه محظور، ومقصورًا على الأنظمة والحكومات التي كانت تخاف من انتشار الفكر الديني بين الناس، وبالتالي يسبب لها إشكالات وتحديات، لكن بعد تطور الإعلام المذهل في السنوات العشر الأخيرة ظهر الإعلام الديني الذي شق طريقه بكثير من المهنية والتميز والفن".
حياة المسلم مفقودة
د.فريد أبو ضهير
ويرى د.أبوضهير أن الإعلام الديني نجح في الظهور، وبالتالي في الوصول إلى الجمهور المتعطش إلى الدين. ونجح في إيجاد منابر مهمة جدا، تستخدم أساليب مختلفة في التعبير. إلا أنه يستدرك قائلا: "ولكنه لم ينجح في تطوير فنون الاتصال واستخدام أساليب متطورة في توصيل الرسالة والوصول إلى الجماهير، كما أن أساليب تقديم البرامج الدينية ليست جذابة بشكل عام؛ فالمحاضرات واللقاءات والحوارات وغيرها من البرامج التي تأخذ شكل الموعظة والدروس.. غير جذابة بالنسبة للجمهور. نحن نريد تطوير البرامج، والخروج بقوالب فنية متطورة، تتناسب مع وسائل الإعلام المتوفرة".
وينتقل أبو ضهير للحديث عن نقطة هامة؛ حيث يقول: "الإعلام الديني لم يعالج الجوانب الاجتماعية والثقافية والحياتية للإنسان المسلم؛ بل بقي وعظيا، والسبب في ذلك هو عدم التفريق بين الإعلام الديني والدعوة. والمشكلة تقع في الحقيقة على عاتق القائمين على الإعلام الديني، الذين لم ينتبهوا إلى أن الأولَى بهم حسب الأسس العلمية للإعلام الاهتمام بحاجات الناس والاندماج في قضايا المجتمع".
فهم الأسباب
أما عن المشكلة التي يعاني منها الإعلام الديني، فقال: "المشكلة تتمثل في القدرات التي يتمتع بها القائمون على هذا الإعلام. فحتى نقدم إعلاما دينيا شيقا وجذابا نحن بحاجة إلى الإعلاميين المتخصصين، وذوي الإطلاع الواسع، والثقافة العالية المتميزة، وكذلك الإبداع من ناحية أخرى".
وأضاف أبو ضهير: "يجب إجراء دراسات صريحة وواضحة للإعلام القائم حاليا، ومحاولة فهم الأسباب التي تؤدي إلى أن يكون نمطيا وروتينيا. وأن نسعى إلى وضع تصورات عملية للارتقاء بالإعلام الديني".
وعن التحام الإعلام الديني بقضايا المجتمع قال الدكتور فريد أبو ضهير: "الإعلام الديني يمكن أن يعالج الكثير من المشكلات المعقدة في المجتمع؛ ولذلك يجب عليه الالتفات إلى الواقع الصعب الذي يعيشه المسلم في هذا الزمان، وأن يسعى إلى تقديم الحلول لهذه المشكلات، ومن الضروري الخروج من دائرة النمطية في المعالجة، وكذلك الأساليب التقليدية، وهي الأمور التي لا تثير في الجمهور حب الاستطلاع، وحب التعلم، أو حتى الاستمتاع بالمضمون الإعلامي".(2/64)
الحل في ثلاثة أشياء
ما المطلوب من الإعلام الديني؟؟ سؤال أجاب عليه د.أبو ضهير قائلا: "لا بد من عمل ثلاثة أشياء:
أولا- التخطيط: والتخطيط له أصول وأسس ومتطلبات، والتخطيط يشمل أمورا كثيرة، منها الرسالة وفهم الجمهور، واستخدام الفنون المختلفة لتوصيل الرسالة.
ثانيا- التخصص: فالإعلام بحاجة إلى متخصصين يفهمون ماهية الإعلام، وطريقة الأداء، ويعملون على تطوير أساليب الخطاب. والمتخصصون يمكن أن يبدعوا، ويبتكروا في عملهم وفي توصيل الفكرة.
ثالثا- الاستثمار: فالإعلام مكلف جدا، وبخاصة عندما تتحول الرسالة من مجرد كلمات إلى أشكال كثيرة، درامية مثلا، وغير ذلك. والاقتصاد في عمل الإعلام الديني يكون على حساب تقدمه ونجاحه. فمن المهم فتح المجال أمام التخطيط دون أن يكون المال عقبة أمام تطوير الاعلام الديني".
العجز عن التوظيف
وأخيرا نصح د.أبو ضهير القائمين على الإعلام الديني بأن يُحسنوا استخدامه لما له من بالغ الأثر في إصلاح الواقع المتردي الذي يعاني منه المسلمون، ويستدرك: "خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن هناك إقبالا كبيرًا على الدين، وهناك ثقة كبيرة لدى الناس في قدرة الدين على حل مشكلاتهم، وإخراجهم من الأزمات التي تعاني منها مجتمعاتهم. وفي نفس الوقت هناك إدراك لقوة الإعلام في التغيير وفي التأثير".
وواصل قائلا: "المشكلة تكمن في عجزنا عن توظيف الإعلام في معالجة قضايا الأمة، وهو أمر يحتاج إلى تدارس والوصول إلى حلول عملية تخرجنا من حالة العجز الإعلامي إلى حالة تفعيل الإعلام على الوجه الصحيح".
داعية وليس إعلاميا!
ومن جهته يرى أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية الدكتور ماهر السوسي أن الإعلام الديني في الوطن العربي مؤسسة حديثة، مقارنة بأنواع الإعلام الأخرى، وقال: "لو بحثنا في الأسباب التي تجعل الإعلام الديني عاجزا عن مناقشة قضايا المجتمع ونواحي الحياة فسنجد أن السبب هو عدم وجود إعلاميين متخصصين في هذا المجال؛ فالذي يقدم البرامج الدينية أو الذي يكتب في هذا المجال تجده داعية، ولكنه لا يملك مقومات رجل الإعلام، ولو نجحنا في إيجاد الداعية الإعلامي فسننهض ونرتقي بالإعلام الديني".
البحث عن وسائل جذب
وطالب السوسي القائمين على الإعلام الديني بأن يخاطبوا الناس بأكثر الوسائل تأثيرا، وأن يبتعدوا عن النمطية والروتين، واستدرك قائلا: "على المسلمين استثمار الوسائل الحديثة في إيصال الإسلام، والارتقاء بالإعلام الديني وأجهزته".
وأنهى د.السوسي كلمته قائلا: "الإعلام أحد وسائل الدعوة والتأثير المهمة في المجتمع؛ لذا فإن من يقوم بالإعلام الديني مسئول أمام الله عز وجل عن كل شيء يقدمه للناس، كما أنه مسئول عن عدم منافسته لوسائل الإعلام الأخرى. وعلى الإعلام الديني جذب المشاهد العربي وتقديم كل ما يرغب في مشاهدته من برامج سياسية واجتماعية وترفيهية وتثقيفية بمنظور إسلامي".
=============
وقفات من عزل الدعاة ...
عبد الله بن سعيد آل يعن الله
مقدمة -
منذ قرون عديدة يتعرض المجتمع الإسلامي لأصناف من التضييق الدعوي ، يختلف باختلاف الزمان والمكان ، وما ذاك إلا من أجل وأد مسلمات هذا الدين ، ومزجه بالشهوات والشبهات على حسب الأهواء ، وقد يتبنى حدوث الأزمات في حياة الدعاة جملة من الأديان والفرق والمذاهب والجماعات ، حيث يكون لها النصيب الأكبر في إيقاد فتنة عميقة في البلد ، حتى يكون نتاج ذلك فجوة بين الدعاة أنفسهم ، وبين الدعاة والمجتمع ...
وبين يدي هذا المقال أضع بين يدي الداعية بعض الخواطر التي أرجوا أن تكون بلسما ناجعا لكل الدعاة ، وحسبي من القلادة ما أحاط بالعنق ...
الرموز الدعوية -
الله عز وجل يهيء للناس دعاة إلى الله عز وجل بدءا بالأنبياء والرسل ومحمدا صلى الله عليه وسلم ، وانتهاء بأتباع محمد صلى الله عليه وسلم 0
والصف النفاقي ، وعشاق الحسد ، لا يألون جهدا في إطفاء المعالم التي ينطلق من خلالها الدعاة ، سواء كان ذلك من الجانب الإجتماعي أو من الجانب النفسي ، أو من أي جانب يسقط مكانة الداعية ، أو يقلل من جهوده وطاقاته ...
ومن الأمثلة على ذلك محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث أوجد الصف النفاقي وعلى رأسهم عبد الله بن أبي ، أسلوبا في إسقاط مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك باتهام عرض أمنا عائشة رضي الله عنها ، وقد خابوا وخسروا في استغلال ذلك ، فهذا هو أسلوبهم ، فهم مثل الذباب لا يقعون إلا على المستقذر ، يحاولون جاهدين في النيل من الرموز الدعوية ، ولو كان ذلك على حساب الأعراض ...
وعشاق الحسد ، وأساطين النفاق ، يقودهم الغيظ ، حينما يرون أن لمثل هذه الرموز واجهة فعلية لهذا المجتمع ، مما يقودهم ذلك إلى (( إثارة البلبلة في الصف الإسلامي، وإيجاد حالة من الانهزامية النفسية لدى المسلمين وذلك من خلال الانسياق في بحر الأزمات، مما يولدُ حالةً من عدم الثقة بين المسلمين، فهذا يرمي بالتهمة، والآخر يصدق، ويكون صراع داخلي، وهذا الصراع يزيد من الفرقة بين الأمة، مما يسهل تسلط الأعداء، والابتعاد عن القيادة الدعوية ، وذلك يولدُ حالةً من الإحباط النفسي بين الصفوف، والضعف والاستكانة أمام العدو )) (1)
(( وكذلك صرف اهتمامات القيادة الدعوية، من أمورٍ الدعوة إلى الفتن والأزمات الداخلية يشعل الأزمة في أي مجتمع ، فتتعطل حركة التنمية ، ومسيرة العطاء مدة من الزمن، تطول أو تقصر بحسب حجم هذه الأزمة وآثارها، ما لم يتم العمل بحسب الأسلوب الأمثل لعلاج هذه الأزمة، والمجتمع الإسلامي حالهُ حال أي مجتمع في ذلك؛ فالأزماتُ تعطل عجلة العطاء، وتهدر الكثير من الطاقات والوقت، ويفقد الصف الإسلامي بسببها الكثير من الإنجازات التي تم تحقيقها؛ فبعد انتصاراتٍ عظيمة حققها المجتمع الإسلامي، بقيادة الرسول- صلى الله عليه وسلم- على الجبهات العسكرية، أو على جبهة بناء المجتمع المسلم، أو على الصعيد الدعوي، نجد الصف النفاقي يُحدث مثل هذه الفتنة، لكي يصرف اهتمامات القيادة الدعوية، من إرساء دعائم المجتمع المسلم إلى إشغاله بمعالجة آثار هذه الفتن، والعمل على إخماد نارها )) (2)
تهويل أخطاء الدعاة -
بني الإنسان معرض للخطأ ، ولاشك بان الأخطاء تتفاوت بحسب حجم العمل ، مما يجعلنا أن نربي أنفسنا على النظرة الواقعية للعمل سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو على مستوى الأعمال المؤسسية 0
فمن الإجحاف أن نجعل الخطأ خطيئة لا تغتفر ، والزلَّة في مرتبة العزل والمنع ، ولا شك بان تعميم الخطأ هو شهوة العاجزين والحاسدين ، وفي مخيلة الإنسان مواقف كثيرة تثبت بأن أسلوب التعميم في الخطأ أسلوبا جرى عليه الكثير من المؤسسات الحكومية والمسئولة ، وأصبح لديهم عشقا لخبر أي زلة أو خطأ يصدر من الدعاة أو من أي عمل مؤسسي ...
حيث أن أداة تفعيل المكر وإشاعة الخطأ فن يجيده صغارهم ، مع أن أبواب التحكم لديهم مهيأة لديهم وذلك من خلال الصوت الإعلامي ، والسلطة والمكانة، مما يجعل ذلك فرصة لهم في أخذ الحرية في إكمال السير ، وتحقيق الهدف ...
وعلينا كأفراد ومؤسسات أن نعالج الأخطاء التي تصدر من أفرادنا ومؤسساتنا بشكل إيجابي ، مع إظهار الأطر الإيجابية للمجتمع عند إظهار خلاف ذلك ، ونحن لا نبرئ الرمز الدعوي من عدم الوقوع في الخطأ ، فهو يبحث عن معالجة الأخطاء التي بدرت منه سواء كان ذلك من خلال الكلام أو السلوك ، أو يبحث عن المعالم التي تزج به عن الوقوع في تهمة تُثار عليه في دعوته ... 0(2/65)
الرموز الدعوية وفقد التوازن -
لما تهب عاصفةً قوية على الرموز الدعوية ، فإن ذلك يشكل ثلما واضحا في صفوف الدعاة والمجتمع ككل ، بل قد يؤدى إلى حدوث إبادة كلية لأي عمل دعوي ، وهذا أمر طبيعي عند حدوثه مباشرة ، والمطلوب من الصف الدعوي أن يصنعوا التوازن عند حدوث الحدث ، وكذلك التعامل معه في قالب يشكل الإستمرار في العمل الدعوي ، وعدم الإنحناء أو الفتور -
ومن الطبيعي أن يشكل المجتمع الذين يبجلون هؤلاء الرموز نوعا من الحماس ، وذلك للمكانة التي يحملونها في نفوسهم لهؤلاء ، ولكن من الحكمة أن يفعل هذا الحماس تفعيلا إجابيا ، من أجل أن ينصر الحدث ، أو يقلل من إستمراره ، لأنه في حال فقد التوازن في التعامل مع أي حدث دعوي ، يجعل هناك خسائر دعوية على جميع الأصعدة ، سواء كان ذلك من النشء الدعوي ، أو من الأعمال والترتيبات الدعوية ، أو ذهاب فترة زمنية لم تحقق فيها مصالح دعوية ، أو تبدد المكاسب والإنجازات من ذي قبل ، أو حدوث الفجوات بين الرموز الدعوية بإختلاف أعمالهم ، وشخصياتهم -
ومن الأهمية أن لا يفقد التوازن مهما استمر التيار المقاوم ، وأن يستمر سلم العمل الدعوي بإختلاف أساليبه -
سد الثغور -
لا شك بأن عزل الدعاة عن المنابر الدعوية ثلمةٌ واضحة في تأريخ المجتمعات ، وأسلوب بارد لتجميد منابع الخير ، ومنحة سانحة إذا استغلت استغلالا جيدا ، لأننا نخشى من أصحاب الفكر السيئ ، ومريدي الإنفتاح والشر ، أن يشمروا لسد ثغور أهل الدعوة والخير ...
وراعى الشاه يحمى الذئب عنها فكيف إذا الرعاةُ لها الذئاب
وقد وصف النبى صلى الله عليه وسلم هذه الأيام وصفاً دقيقاً كما فى حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أنه صلى الله عليه وسلم قال : "سيأتى على الناس سنواتُ خدَّاعاتُ ، يُصدًّق فيها الكاذبُ ويَكذًّب فيها الصادق ، ويُؤتمُن فيها الخائنُ ، ويُخوًّنُ فيها الأميُن وينطقُ فيها الرٌويبَضةُ قيل : وما الرٌويبَضةُ ؟ قال : الرجل التافهُ يتكلمُ فى أمر العامَّةِ" (3) 0
صبرا أيها الدعاة -
يقول السيد قطب ( إن موكب الدعوة إلى الله الموغل فى القدم الضارب فى شعاب الزمان ماض من الطريق اللاحب ماضٍ فى الخط الواصب مستقيم الخطى ثابت الأقدام يعترض طريقه المجرمون من كل قبيل يقاومه التابعون من الضالين والمتبوعين ويصيب الأذى من يصيب من الدعاه وتسيل الدماء وتتمزق الأشلاء والموكب فى طريقه لا ينحنى ولا ينثنى ولا ينكص ولا يجيد والعاقبة مهما طال الزمن للمؤمنين"(4)0
يأمر الله جلًّ وعلا بالصبر فى عشرين موضعاً من القرآن الكريم مرة بصيغة "اصبر" وهى ثمانى عشر واثنتان بصيغة "اصطبر" أما الصبر فقد ورد فى نحو تسعين موضعاً فى القرآن الكريم فهو أكثر خُلق تكرر ذكره فى كتاب الله عز وجل
ولنقرأ معاً بعض هذه الآيات الكريمة:
قال تعالى : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}
{ واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين}
{ فاصبر إن العاقبة للمتقين}
{ واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}
{ واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون}
{ ولربك فاصبر}
{ اصبر على ما يقولون}
{ فاصبر إن وعد الله حق}
{ واصبر لحكم ربك فإنك بأعينن}
{ فاصبر صبراً جميل}
ثم يأتى الأمر بالصبر بعد النبى إلى الأمة فى آيات كثيرة أيضاً :
يقول الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} ( )
كلمة للظالمين -
(( وأما الذين يفتنون المؤمنين ويسومونهم سوء العذاب فما هم أبداً بمفلتين من عذاب الله ولا ناجين مهما انتفخ باطلهم وانتفش ومهما زاد ظلمهم وانتعش فكما أن الله تعالى جعل الابتلاء سنة جارية ليميز الخبيث من الطيب فقد جعل أخذ الظالمين أيضاً سنة لا تتبدَّل ولا تتخلف فكل هذه القوى بكل ما تملك من وسائل التقنية الحديثة ومن وسائل الإبادة والتدمير مثلها: { كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون}
نعم فأين الطواغيت والفراعنة والجبابرة والأكاسرة والقياصرة ؟!
أين فرعون الذى قال لقومه: { أنا ربكم الأعلى} واستخفهم بقوله: { أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى} ؟!
فأجراها الله من فوقه !!!
أين نمرود بن كنعان الذى قال لإبراهيم - عليه السلام - : { أنا أحيى وأميت} ؟!
أين قارون الذين قال فى خيلاء وكبر واستعلاء: { إنا أوتيته على علم عندى} ؟!
وأين عاد وأين ثمود ؟ وأين أبو جهل وأبو لهب ؟
{ فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليهم حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
فيا أيها الظالمون:
يا أيها المجرمون:
محال أن يموت المظلومون ويبقى الظالمون فاعلموا ما شئتم فإنا عاملون وجورواً فإنَّا إلى الله مستجيرون واظلموا فإنَّا إلى الله متظلمون: { وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون}
ولله در القائل:
أين الظالمون وأين التابعون لهم فى الغى بل أين فرعون وهامان؟
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم *** وذكرهم فى الورى ظلم وطغيان؟
أين الجبابرة الطاغون ويحهموا *** أين من غرهم لهو وسلطان ؟
هل أبقى الموت ذا عزٍّ لعزته *** أو هل نجا منه بالأموال إنسان ؟
لا والذى خلق الأكوان من *** عدم الكلم يفنى فلا إنس ولا جان
إذا ...
فلا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
أيها الظالمون:
اتقوا دعوة المظلومين فليس بينها وبين الله حجاب فإن الله تعالى يرفعها إليه فوق الغمام ويقول لها: "وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين")) (5)
بشرى للدعاة -
قال تعالى { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون}
فلئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج
وإن كنوز الغيب تخفى طلائعاً صابرة رغم المكائد تخرج
إن الدعاة الصادقين من تم عزلهم وإيقافهم ، لكن نور علمهم ودعوتهم السابقة تسد مكانها ، وتحذو حذوها ، حتى وإن لامس جو الدعوة شيء من الفتور ،إلا أن نور الفجر سيسطع ويشع ضوءه ، كقدوم النهار على الليل 0
قال الله { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
ولتكن مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع البلاء في مخيلة كل داعية ، حتى يهون الأمور ، ويعظم الأجر ، وتتحرك الهمم ، وتستمر الدعوة ...
هذا ما أردت الدلو به لنفسي ، ولإخوتي الدعاة ، عل الله أن يجعل ذلك وسيلة من وسائل تجاوز الأزمات الدعوية ، ومفتاحا في تخطي مصاعبها ...
تم الكلام وربنا محمود *** وله المكارم والعلا والجود
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ...
----------------------------------------
( 1 ) كتاب إدارة الأزمات في حياة الدعاة لمحمد على شماخ0
( 2 ) كتاب إدارة الأزمات في حياة الدعاة لمحمد على شماخ0
( 3 ) حديث صحيح : رواه أحمد وابن ماجه والحاكم (انظر صحيح الجامع 1/681) حديث رقم (365)
( 4 ) مستفاد من طريق الدعوة في ظلال القرآن نقلا عم محمد حسان في كتاب خواطر على طريق الدعوة
( 5 ) محمد حسان من كتاب خواطر على طريق الدعوة
== ==========
أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك
أختي .. حبيبتي .. المتربعة على عرش قلبي ..حفظك الله ..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته ..
أختي : ودعتك وأنت مسافرة بهذه الصيغة النبوية الجامعة
(( أستودع الله دينك وامانتك وخواتيم عملك .. ))(2/66)
ثم دعوت لك بالدعاء المأثور في هذه المناسبة أيضا :
(( زودك الله التقوى , وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيثما كنت ))
فأحببت ان تكون أولى رسائلي إليك بعد السفر :
أن نعيش في ضلال صيغة التوديع دقائق معدودات ..
لعل الله ان يكرمنا بعدها بسعادة الدنيا والآخره
أختي العزيزة الاثيرة : إن الدين والامانة وخواتيم الاعمال هي أغلى شئ في هذه الحياة .
عند المؤمنين والمؤمنات .. لذا فإن المقيم يستودعها عند الله تبارك وتعالى لأخيه المسافر.
وإن الله يحفظها بكرمه وفضله , فهو سبحانه وتعالى إذا استودع شيئا حفظه ,
تكرما وتفضلا منه عز وجل ..ولكنها يا أختي وبالدرجة الاولى
هي ودائع غالية عند المسافر نفسه , يجب عليه أن يحفظها ويرعاها ,
ويحوطها من كل جوانبها , حتى لا يفقد منها مثقال ذرة ..
وإلا فكيف يدعوا الله أن يحفظها , وهو مقصر لم يأخذ بأسباب الحفظ والرعاية ؟!!
وهل يجوز في العقول السليمة أن يقول الإنسان : (اللهم أدخلني الجنة )
وهومقصر في الصلاة وفي كثير من فرائض الله ؟؟!!!
وهل يصح في الاذهان ان يقول الطالب (اللهم نجحني ) وهو مهمل في دراسته ؟!!
ثم أقول أيتها الاخت الحبيبة :
إن هذه الودائع الثلاث, وإن كان الواجب علينا ان نحافظ عليها دائما ونحن في سفرنا إلى الله في كل لحظة,
إلا إنها تزداد وجوبا وقداسة ورعاية وحفظا , ونحن في سفرتنا وغربتنا ..بعيدين عن أخوتنا وأحبتنا ..!!
الوديعة الأولى :دينك :
الدين - يا أختي - كلمة جامعة شاملة لكل ما جاء به رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم من عقائد ,
وعبادات , وأخلاق , وأحكام تشريعية للفرد والأسرة والمجتمع والدولة في كل مجالات الحياة :
العقيدية , والتربوية, والتعليمية , والاعلامية , والسلوكية , والاحوال الشخصية , والمالية , والقضائية ,
والادارية , والجنائية , والمدنية , والقانونية , والدستورية , والسياسية ,
والجهادية , والداخلية , والخارجية ......الخ.
( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) النحل89
{أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }الأنعام
أختي الحبيبة : فالتزمي بتعاليم الإسلام كلها وطبقيها في حياتك كاملة ,
واحملي غيرك على الإيمان والاقتناع الراسخ بها , وبعد الإيمان : العمل والتنفيذ ..
ولكن لا تستعجلي عليهن فالزمن جزء من العلاج .. وإن التدرج من
سنة الله في التربية والتشريع واحذري يا أختاه
ثم أحذري ان تفرطي في شئ من احكام الاسلام
حافظي على الفرائض .. وأستكثري من النوافل ..
أمتنعي بتاتا عن المحرمات والمكروهات والشبهات .. وأستبرئي لدينك وعرضك ..
وكوني تقية نقية في مخبرك وفي مظهرك .. وإن ألممت بذنب أو تقصير
أو فتور فألتجئي تائبة نادمة باكية إلى ساحة مولاك العظيم ,
وأيقني أنه سبحانه وتعالى تواب كريم ..غفار رحيم ..
ثم أستأنفي المسير إليه بكل صدق وأخلاص وعزم ونشاط ..
حفظك الله يا اختي وحفظ عليك دينك بكل آفاقه وأبعاده ..
الوديعة الثانية : أمانتك
وهنا - ليس عندي لك سوى التذكير.
أي أخيتي الحبيبة .. قال ربنا سبحانه وتعالى :
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55
وهل أختي ألا فتاة مؤمنة بحق ؟! نعم .. إذن فالامانة الامانة يا أختاه
{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }المؤمنون8
ومن الامانات الكبرى :
• أمانة الفطرة فلا نلوثها بالقاذورات الفكرية او السلوكية .
• وأمانة الأسلام فلا نضيع منه شيئا - مهما كان في نظرنا هينا
• { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ }النور15
• ثم أمانة العمل والجهاد من اجل تحقيق هذا الإسلام واقعا حيا في حياتنا وحياة الناس.
• وأمانة كل مسلم ومسلمة في أي شبر من الارض : أن نهتم بأمر المسلمين في كل بقاع العالم
, فنسر لسرورهم , ونتألم لآلامهم , ونتعرف على قضاياهم ومآسيهم ,
ونفديهم باموالنا ودمائنا ومواهبنا وكل ما نملك .
• وأمانة حسن اختيار الزوج الصالح التقي النقي الفاهم العامل المجاهد ,
فلا تغرنا المظاهر الخداعة , أو بريق الجمال والفتوة , او مغناطيسية المناصب والاموال والشهادات .
• ثم تاتي أمانة تربية الاولاد وتعهدهم ليكونوا هداة راشدين , وأبطالا فاتحين ,
وليكن زوجات صالحات وفيات , وامهات بارات مثاليات , وداعيات ناجحات موفقات جاذبات ..
• ثم أمانات : ودائع الناس وحقوقهم المادية والمعنوية ( وفي مقدمتهم الوالدان والارحام )
وأسرار الناس واخبارهم الخاصة وشئونهم الداخلية .
• ثم تاتي بعد ذلك سائر الامانات أرأيت يا أختي أن الامانة قد جمعن الكثير من هدي الاسلام
• بل جمعت الاسلام كله .. بل جمعت الدين والدنيا معا ؟! فصلى الله وسلم ..
على من أوتي جوامع الكلم .. جعلك الله وجعلنا جميعا من المؤدين للأمانات ..
الاوفياء بالعهود .. الراعين للذمم .
•
أقول ثم لا تنسي يا اختاه .. أمانة العمر والحياة .. فالله الله في إغتنام الدقائق قبل الساعات ,
لتكوني من الراعين لأماناتهم والراعيات , وحتى نحظى جميعا بالفردوس الاعلى في الجنة {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }المؤمنون11
الوديعة الثالثة : خواتيم عملك
قال الله تعالى
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }التوبة105
أعلمي يا اخية ان الزمن هو رأس مال المسلم في هذه الحياة ..
وان اللحظة التي تذهب لا تعود ابدا ..
ومن اصدق ما قاله الامام الحسن البصري رحمه الله تعالى:
(( كل يوم ينشق فجره ينادي : يا أبن آدم .. انا خلق جديد.. وعلى عملك شهيد.. فأغتنمني فإني لا اعود إلى يوم القيامة )) .
وما أصدق ما قاله الامام حسم البنا :
(( الواجبات اكثر من الاوقات .. فعاون غيرك على الانتفاع بوقته .. وإن كانت لك مهمة فأوجز في قضائها )) .
فأغتنمي كل لحظة .. وانتهزي كل دقيقة .. وأدخلي مع الزمن في سباق وأسبقيه ..
وخذي الزتد من رحيلك الطويل .. الزاد الذي لا زاد غيره ..
الزاد الذي تجدينه مذخورا موفورا لك يوم تحطين الرحال.
( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }البقرة197
ولا تنسي إننا تحت ظل الوديعة الثالثة ..
فأعلمي يا أختي إنما الاعمال بخواتيمها فقد تكون البداية طيبة (نية وسلوكا ) ثم في النهاية
تخالط النية شوائب الرياء او العجب او الحديث عن النفس والعمل ,
أو ينحرف السلوك الى غير المقصد النبيل .. او الى غير الطريق السوي ..وهنا يفسد كل شي.
ويضيع كل جهد .. وتتحول الطاعة إلى معصية ..
ثم للربط بين الامانة وبين الاعمال :
أجعلي صفات المؤمنين في أوائل سورة ( المؤمنون ) دستورا لك ..ونبراسا بين يديك ينير لك الطريق.
ثم للربط بينهما وبين الوديعة الاساسية الاولى ( الدين ) :
تمثلي تعاليم الاسلام كلها في شؤون حياتك _ وفقك الله .
وختاما اليك أختي الغالية هذه الدرر الغالية من السحر الحلال.. وما اجملها من حكم بليغة:
1- قيل لاحد الصالحين .. من العابدين المجاهدين .. والدعاة العاملين : لو رفقت بنفسك !!(2/67)
فقال : الخير كله الخير كله فيما اكرهت النفوس عليه . ثم قرأ قول القائد الاعلى
صلوات الله وسلامه عليه : (( حجبت النار بالشهوات .. وحجبت الجنة بالمكاره )) .
2- أخرجوا جاهلية الغرب من عقولكم وحياتكم _ يخرج اهلها من بلادكم _ .
3- أقيموا دولة الاسلام في صدوركم وبيوتكم - تقم دولة الاسلام على ارضكم وفي حكمكم.
4- يا من يعانق دنيا لا بقاء لها ......... يمسي ويصبح في دنياه سفارا
هلا تركت لذي الدنيا معانقة ..........حتى تعانق في الفردوس ابكارا
5- (( إن تكوين الامم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الامة التي تحاول هذا
, إلى : قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة امور : إرادة قوية ( لا يتطرق إليها ضعف)
ووفاء ثابت ( لا يعدو عليه تلون ولا غدر)
وتضحية عزيزة ( لا يحول دونها طمع ولا بخل )
ومعرفة بالمبدأ, وإيمان به ,
وتقدير له : يعصم من الخطأ فيه , والانحراف عنه , والمساومة عليه , والخديعة بغيره.
على هذه الاركان الاولية التي هي من خصائص النفوس وحدها ..
وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تبنى المبادئ .. وتتربى الامم الناهضة .. وتتكون الشعوب الفتية ..
وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنا طويلا ))
وأخيرا وليس آخر أختم رسالتي إليك - وقد عطرتها بزهور المحبة وعبير المودة ,
والشوق والحنين ألى رؤية محياك الطاهر بالسجود لله رب العالمين ..
ومره أخرى
( أستودع الله دينك وامنتك وخواتيم عملك ..
زودك الله التقوى .. وغفر ذنبك ..ويسر لك الخير حيثما كنت ) ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقلته لكم اختكم ( النحلة الصغيرة ) من كتاب همس القلوب
-============
رسالة من مودعه
سميرة أمين
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله وصحبه أجمعين .... قال تعالى ( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا)
أحبتي في الله هانذا أعود إليكم بعد طول غياب
وفي قلبي الشوق الى قلمي الذي شكا جفوتي وبعدي أعود لأسطر كما عهدتموني كلمات ما خرجت ولن تخرج الا بمحابر من اوردتي ومشاعري راجية المولى جل وعلا ان تنال استحسانكم ....
أحبتي // تعالوا معي نحلق في فضاء خيالنا الواسع , هذا الخيال الذي ما أكثر ما أطلقناه هنا وهناك , لكن في هذه المرة سيكون الأمر مختلف سنحلق او بالأصح سنوظف خيالنا الواسع هذا في امر اخر .. نعم ففرق بين ان نتخيل امورا وأحداث تزيد في تعلق قلوبنا بهذه الدنيا الفانية وبين ان نتخيل ما يفيقنا من سبات عميق وغفلة فنعيد حساباتنا مع انفسنا .....
في هذه المرة ادعوكم أحبتي في الله ان نتخيل تلك المرأة لو ان الله جل وعلا أحياها فخرجت لنا من تحت الثرى ومن ذلك القبر المظلم بكفنها البالي ووجهها المغبر وجسدها الذي قد أصبح لدود الأرض طعاما تخرج وتكتب لنا رسالة ... ترى ماذا عساها ان تكتب وماذا عساها ان تسطر ؟؟؟(2/68)
( إلى كل من يعرفني واعرفهم وكل من انعم الله عليه بقلب نابض بالإيمان والخوف من الرحمن وكل من أغراه الأمل فتكاسل عن الطاعات وصالح العمل ابعث برسالتي هذه لتأخذوا منها العبرة والعظة وتوقظكم من عميق سباتكم وطول غفلتكم ...لقد كنت أعيش بينكم في هذه الدنيا اسرح وامرح , وامضي أيامي وأوقاتي مستمتعة بهذه الدنيا الفانية نعم فانية لقد كنت ابدا يومي بعد ان اصلي الفجر ولم يبقى على شروق الشمس سوى دقائق وأتناول فطوري غذاء جسدي وكم كنت اغفل عن غذاء قلبي وجداني حيث كنت أهمل في قراءة كتاب ربي وتحصين نفسي بالأذكار والأوراد كم كنت ازهد فيها وعظيم أجرها فكنت في سباق مع الزمن حتى لا أتأخر عن مدرستي يوم ان كنت طالبة وعملي يوم ان توظفت كنت اذهب وأقابل زميلاتي اغتاب هذه واسخر من الأخرى غافلة عن كلام ربي جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) كم كنت أمر على هذه الآيات ولا تجاوز ما فكرت يوما اني سأقف بين يدي ربي ويسألني عنها ... كم كنت احلق في أفكاري وأحلامي واخطط ما يضمن لي مستقبلي فيوم ان تقدم لي فارس أحلامي كان ماله جل همي ومنصبه هدفي نعم فكنت أرى في فارس أحلامي الرجل الذي يملك الأموال والمنصب والمكانة الاجتماعية لأتفاخر انا بين صديقاتي ... وبعد ان تزوجت وأنجبت الأبناء كان كل اهتمامي منصب على تأمين مستقبلي ومستقبل أبنائي طبعا لم اكن اهتم بتقصير زوجي في صلاته او تهاونه في طاعة ربه كنت أمارس شتى وسائل الإقناع مع زوجي لكي يبحث عما يضمن مستقبلنا ويزور مكاتب العقار فهنا قطعة ارض , وهنا فيلا ديلوكس , وهنا قصر , وهنا عمارة ,,,وكم كنت أصاب بالهم والتفكير المتواصل واحسب الشهور والأيام ليتحقق حلمي .... كم كنت أجامل هذه وأنافق هذه واكذب على هذه وأخادع تلك .. كم كنت عندما استلم راتبي يوم ان كنت موظفة واحسبه ورقة ورقة وأنا اعلم تماما انني لا استحق الا اقل القليل منه لأنني مع الأسف لم اتق الله في هذا المال في القيام بعملي خير قيام فكنت اخرج متخذة الأعذار والأسباب التي اعرف تماما انها واهية الا أقل القليل منها ,,, ما أكثر ما قدمت التنازلات على حساب ديني فزوجي حتى أبدو جميلة في نظره كنت أتعرض للعنة نعم وذلك بشعيرات انتفها من حاجبي غافلة عن قول رسولي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ( لعن الله النامصة والمتنمصة ) ... وهذه ابنتي مهجة قلبي يأسرني دلالها فاستجيب لكافة رغباتها وطلباتها فكم غضضت طرفي عن عبائتها المزركشة المطرزة وسددت انفي عن عطرها الفواح فأخرج معها بعبائتي التى تكاد لو انطقها الله لصرخت وتعالى نحيبها وقالت ( اتق الله فلست انا بالعباءة التي أمرك ربك بها ولست بالحجاب الذي ذكره ربي في كتابه ... اخرج مع ابنتي أجوب الأسواق واراها تكلم البائع تجادله تناقشه لصوتها خاضعة بمشيتها مختالة وأنا معها اتبعها منبهرة بجمالها وأناقتها فرحة بنظرات الإعجاب من الذئاب لها كم كنت انتقي معها ذلك الفستان العاري لنحضر بها الأفراح والسهرات بمصاحبة مزامير الشيطان من الاغنيات نطرب لسماعها وأتفاخر برقصها وتمايلها وأتخيلها عروسا جميلة في كل مرة أرى نظرات الإعجاب الكاذبة ممن يرونها كم كنت ارعها سمعي وهي تغتاب فلانة وتسخر من فلانة أدخلت الطبق الفضائي لأبنائي دون مراقبه او متابعه لما يرونه من مشاهد ,, كم كنت أسافر بصحبتهم إلى البلدان التي تعج بالفساد والاختلاط فنحضر المهرجانات والحفلات بحجة الترويح عنهم بعد عناء عام دراسي كامل .... استمع إلى النغمات الموسيقية تنطلق من جوالاتهم والأغاني من مسجلاتهم لم أفكر يوما ان أنهاهم عن ذلك بل لم أفكر يوما ان أربيهم على طاعة ربي لكونوا صالحين فلا ينقطع عملي ويستمر بصلاحهم لم أفكر ان أتابع صلاتهم فهذا ابني لم اهتم بصلاته في المسجد مع الجماعة بل ولا احرص ان أرغبه وأبوه في فضلها رحمك الله يا ابن مسعود ورضي الله عنك يامن قلت ( من سره ان يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء حيث ينادى بهن فان الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وانهن من سنن الهدى ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم , وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد الا كتب الله له بكل خطوه يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رايتنا وما يتخلف عنها الا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ) اما والداي الذين نسيتهما مع مشاغلي بأسرتي للأسف ألهتني دنياي عنهما وبرهما فكنت لا أزورهما الا سويعات قليلة تخرج مني الآهات والزفرات وترتسم على محياي تعابير الملل والضجر وتتركز عيناي على ساعتي متى يأتي زوجي فاخرج من عندهم في الوقت الذي تتراقص قلوبهم وتشرق وجوههم التي تملؤها تجاعيد كنت انا وهمي وتربيتي من حفرها وأوجدها ......
أما صديقاتي فااااااااااه وااااااااه لكم تمنيت ان أعود إلى هذه الدنيا لأفارق جلساتهم التي أضعت فيها جل عمري وثمين وقتي كنت أتجهز لموعد لقائي بهن مؤجلة كل المواعيد متهاونة بمعظم الواجبات مضيعة للصلوات في سبيل ان لا تفوتني جلسات السمر ... ركبت سيارتي وانا أسابق الزمن دون ان استغل تلك المسافة وأملؤها بما يعود علي بالنفع والأجر كان بإمكاني ان استمع الى شريط به كلام الرحمن او الهج لساني بتسبيح واستغفار فأطوي تلك المسافة في طاعة ربي لكن للأسف وصلت إليهن فجلسنا نمضي الوقت تتعالى ضحكاتنا ومزحاتنا نبخل على أنفسنا ان يكون مجلسنا تحفه الملائكة وتتغشاه الرحمة ....
كنت أفكر في كل مرة اسمع فيها خبر موت احد معارفي او أقاربي ان ما أصابهم وغيرهم من الناس لا ينطبق علي ....ما أكثر ما أمسكت يدي عن النفقة في سبيل الله جل وعلا الذي أمرني بالإنفاق فقال جل وعلا (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ) نعم لقد كنت اغفل عن هذه المواعظ البليغة والأوامر الجليلة واغفل ان انتفع بأموالي هذه التي أكاد اصرخ اصرخ لزوجي وأبنائي لأقول لهم ان في هذه الأموال وهذا الذهب زكاة مهملة فأخرجوها وربا محرما فتخلصوا منه ولكن اااااااه وااااااااااه ها قد أتاني ملك الموت ليقبض روحي تتردد على مسامعي آيات كنت أمر عليها مرورا دون تفكر مني ولا تدبر (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ )(2/69)
استعرضت حياتي كلها تمنيت ان أعود حتى أحافظ على صلاتي في أوقاتها... تمنيت ان أعود حتى أملأ أيامي وأعمر أوقاتي بالدعوة إلى دين ربي فما أكثر ما قصرت في الدعوة إلى دين ربي فلم انفق ولا ريالا واحد في شريط او مطوية لعل الله يهدي بها وأنال اجر من يهتدي بها كم تمنيت ان أعود حتى اكسر أشرطة الأفلام والأغاني وجوالات بنغمات وضعها أبنائي فأنقذهم من وحلها وشرها ...,,, تمنيت ان أعود لأطلب الصفح والسماح لكل من اغتبتهم وسخرت منهم كم تمنيت ان أعود لألجأ لربي غفار الذنوب أتوب إليه وهو من خاطبني ومثيلاتي بقوله ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لكنني أغراني الأمل وغرقت في بحور التيه والضلال وأوحال الذنوب التي أصابتني كالمرض العضال .... لو كنت اعلم انني على موعد مع ملك الموت ما جعلت الله أهون الناظرين إلي .... هأنذا أودع الدنيا هذه بكل ما فيها إلى قبر مظلم موحش ويقبرني من هم اقرب المقربين إلي من أفنيت عمري وأغضبت ربي في سبيل إسعادهم ,, يسارعون بدفني واقتسام أموالى والله اعلم ان كانوا سيذكرونني بصدقة يهدونها لي أو دعاء أم انني سأكون في طي النسيان فينسونني مع مشاغل الحياة في اليوم الذي كنت فيه انا المالكة والمتصرفة الوحيدة في أموالي كان بإمكاني ان أتصدق بصدقة جاريه يبقى أجرها لي بعد موتي .. أو أساهم في تزويج ذلك الشاب واعفاف تلك الفتاة وغير ذلك من وجوه الخير ,,, كم تمنيت ان أعود إلى الدنيا لأنظف حواسي وأعضائي من كل شوائب الرذائل والمعاصي العالقة بها قبل ان يستنطقها الله وتشهد علي تشهد علي يداي التي أظهرتها مجملة بالأساور والخواتم للرجال الأجانب , وتشهد على أذناي إلى سمعت بها الغيبة والنميمة والأغاني المحرمة , وتشهد علي قدماي التي خطوت بهما وبكل جرأة خطوات شيطانية معرضة جسدي الذي يزينه عباءة مزركشة فاتنة لنظرات ضعاف القلوب من الرجال فكيف بي يوم ان تشهد علي ؟؟؟ (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بعد ان كنت ارتدي أجمل الملابس أجد نفسي اليوم مسجاة على ذلك اللوح عارية يسكب على الماء وأكفن في أمتار من قماش من أعلى راسي بعد ان كنت في الدنيا أترفع وتأخذني العزة بالإثم وأحجم عن لبس عباءة الرأس هانذا أكفن من أعلى راسي إلى أخمص قدمي كفنا خاليا من اي تطريز أو زركشه ....
رحمك الله يا زين العابدين يا من قلت أبياتا وصفتني ومثيلاتي ....
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا *** بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ
وَقامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَلٍ *** نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتيني يُغَسِّلُني
وَقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً *** حُراً أَرِيباً لَبِيباً عَارِفاً فَطِنِ
فَجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني *** مِنَ الثِّيابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحاً *** وَصَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني *** غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ
وَأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لها *** وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً *** عَلى رَحِيلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُني
وَحَمَّلوني على الأْكتافِ أَربَعَةٌ *** مِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا *** خَلْفَ الإِمَامِ فَصَلَّى ثمّ وَدَّعَني
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لها *** ولا سُجودَ لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُني
ختاما هذه صرخة مني أوصيكم بها يامن غرتكم الدنيا انتم اليوم هذه وجه هذه الأرض برزق الله تنعمون فهلا لربكم تعودون ؟؟؟ ودموع توبة تذرفون ؟؟؟
وبعد أحبتي في الله كانت تلك كلمات أنا اعلم اني أثقلت بها عليكم وأتعبت لقرائتها أعينكم و لكن عشمي في جميل حلمكم فلا تتركوني من دعائكم وتعقيبكم وانشروها في كافة المنتديات لعل الله يهدي بها وان قبضني ربي اسأل الله ان يكون كل ما سطرته صدقة جارية لي فلا تبخلوا علي من نشر ما تجدوه من مقالاتي اسأل الله باسمه الأعظم ان يبارك لكم في إعمالكم وأعماركم وان يطيل في طاعته أعماركم ويجعل الفردوس مقركم امين
أختكم سميرة أمين
كاتبه وداعية
=============
الطريق إلى التمكين
تلخيص لفصل منهج الحركة من كتاب واقعنا المعاصر لمحمد قطب
علاء شعبان
تغيير حال هذه الأمة ، وإرجاعها إلى حقيقة الإسلام ، أمر لا يتم بالسهولة التي يتصورها كثير من الناس ، إنما يحتاج - بحسب السنة الجارية - إلى وقت أطول بكثير ، وجهد أكبر بكثير ، مما تم في هذه اللحظة في جميع الميادين .
فيحتاج إلى :
أولاً : " تبيين الحقائق المجهولة من هذا الدين " .
ثانياً : " تربية الناس على ما تقتضيه هذه الحقائق من سلوك واقعي في واقع الحياة " .
وهنا قد يقول قائل :
هل من المعقول أن ننتظر حتى تتربى الأمة كلها على الإسلام ؟ وكيف نربى والحكومات المعادية للإسلام تنقض علينا كل فترة من الزمن ، كلما ربينا جيلاً من الشباب أخذوه ، فعذبوه وقتلوه وقضوا عليه ؟
فأما بالنسبة للسؤال الأول فنقول :
لم يقل أحد قط إنه ينبغي الانتظار حتى تتربى الأمة كلها ، فهذا أمر - بالفعل - لا يتحقق أبداً في واقع الأرض .
ومجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن كله على القمة السابقة التي كان عليها أصحابه رضى الله عنهم ، الذين رباهم على عينه ، وتعهدهم برعايته .
بل هؤلاء أنفسهم لم يكونوا على مستوى واحد من العظمة والارتفاع ، وقرن الرسول صلى الله عليه وسلم هو خير القرون على الإطلاق ؛ فما بالك بقرننا الحاضر !
إنما المقصود أن تتربى القاعدة التي تحمل البناء ، بالحجم المعقول ، وبأقرب شئ إلى المواصفات المطلوبة لهذا العمل الخطير .
وأما بالنسبة للسؤال الثاني فنقول :
نعم نحنُ معكم إنهم بالفعل يعوقون الحركة عن الإنطلاق ، أما القضاء على الحركة فهم أنفسهم لا يزعمون ذلك وإن تمنوه إنما الذي يحدث دائماً - بقدر من الله ، وحسب سننه - أنه بعد كل مذبحة بشعة يقومون بها يأتي مد جديد من الشباب ، وتتسع القاعدة على الدوام - برغم كل التعذيب الوحشي ، وكل التقتيل والتشريد .
( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) [سورة الفتح 48/23]
فربما يقول أحد أحبتنا :
لقد ربينا بما فيه الكفاية ، وآن الأوان أن "نعمل".
وهذه المقولة - على قصرها - تشتمل على قضيتين خطيرتين من قضايا العمل الإسلامي ، تحتاج كل منهما إلى بيان :
الأولى : هل ربينا حقاً بما فيه الكفاية ؟ وما المعيار الذي نقيس به ما تم من التربية حتى اليوم ، لنعرف إن كان كافياً أم إنه يحتاج إلى مزيد ؟
والثانية : ما نوع "العمل" المقصود ، الذي يفكر فيه المتعجلون ؟
نجيبُ أولاً عن السؤال الثاني لأنه محدد في أذهان أصحابه بخلاف الأولى فما تزال تحتاج إلى تحديد فنقول :(2/70)
هناك نوعان رئيسيان من التفكير ، ونوعان من العمل ، يفكر فيهما من يطرح هذا السؤال بحسب كونهم من الشباب ومن الشيوخ ، بالإضافة إلى لون ثالث .
فأما الشباب - الذين تملؤهم الحماسة وتدفعهم إلى التعجل - فتفكيرهم هو :
وجوب الوصول إلى الحكم بالقوة ، وتربية الأمة من موقع السلطة لا من موقع الدعوة ، لأن التربية من موقع الدعوة أمر يطول به الزمن ويطول به الطريق ، بسبب وقوف الأعداء بالمرصاد ، وتعويقهم المستمر للحركة الإسلامية ، وتشتيتها كلما أرادت أن تتجمع .
وأما الشيوخ - الذين أجهدهم المشوار الطويل ، والضربات المتوالية على الطريق - فتفكيرهم هو الدعوة السلمية التي لا تصطدم مع السلطة أبداً ، والتي تتخذ جناحاً من أجنحتها الدخول في البرلمانات والانتخابات ، ومحاولة التأثير على مجرى السياسة من داخله ، أو على الأقل إعلان صوت الإسلام من داخل الأجهزة السياسية التي تسيطر اليوم على حياة الناس ، حتى يكون لهذا الصوت وقع في حس الناس .
ونحن نفترض - بادئ ذي بدء - الإخلاص الكامل في كل من الفريقين ( والفريق الثالث كذلك الذي سنتكلم عنه فيما بعد) .
ولكن الإخلاص وحده لا يكفي ؛ بل لابد معه من البصيرة ، لأن عدم البصيرة حري أن يفسد ثمرة الإخلاص !
نفترض جدلاً أن مجموعة من الشباب المتحمس قد أحكمت التدبير ، فقامت "بانقلاب" وأقامت حكومة إسلامية في أي بقعة من العالم الإسلام . فمن يُسندها ؟!
ولنأخذ مصر مثلاً : " فالقاعدة الإسلامية" في مصر هي أوسع قاعدة حتى الآن في العالم الإسلامي كله ، فهل تكفي هذه القاعدة لسند الحكم الإسلامي ، وحمايته من العدوان الصليبي الصهيوني المتوقع في جميع الأحوال ؟
ولنفترض أن أمريكا لم تتدخل بعدوان مباشر ، وإنما فقط مُنع القمح عن الشعب المصري !
هل يصبر الشعب المصري - في حالته الراهنة - على الجوع من أجل إقامة الحكم الإسلامي ؟ أم تسير المظاهرات - بقيادة الشيوعيين والعلمانيين والملحدين ، ومن ورائها " الجماهير " الجائعة - تقول : نريد الخبز والحرية ؟!
فلنكن واقعيين .. ولنقل إن "القاعدة الإسلامية" لم تزل بعد أصغر من حجم العمل المطلوب!
وقبل أن تقوم القاعدة بالصورة الصحيحة ، فكل محاولة للصدام مع السلطة للوصول إلى الحكم عبث غير مبنى على بصيرة ولا تدبر .. وقمته هو ما حدث في مذبحة حماة . . نموذجاً بارزاً ينبغي أن تتدبره الحركة الإسلامية جيداً لتعرف كل أبعاده ، ولا تقع في مثله مرة أخرى مهما كانت الأسباب .
فإن قال المتعجلون من الشباب : كيف نقعد " بلا عمل " حتى تتكون مثل تلك القاعدة ؟
فنقول : إن القاعدة تتكون ببطء نعم ، ولكنها تتسع على الدوام ، ولا تتوقف على النمو ، وينضم لها على الدوام شباب جديد ، يعلم سلفاً عقبات الطريق ، وعذابات الطريق ، فيوطن نفسه على ملاقاة الموت ، واحتمال العذاب ، ويطن نفسه كذلك على المشوار الطويل .
وذات يوم - لا يعلمه إلا الله سبحانه - ستنضح القاعدة وتتسع ، وتصبح بندقة صعبة الكسر وعندئذ - بسنة من سنن الله الجارية - سيدخل الناس فيها أفواجاً ، وسيجد العدو نفسه لا أمام جماعة منعزلة يحصدها حصداً وهو مطمئن ، إنما أمام أمة قد اجتمعت على إرادة موحدة ؛ فيجرى قدر الله بما تفرح به قلوب المؤمنين .
أما القول بأن الشباب سيقعد "بلا عمل" حتى تتكون تلك القاعدة .
فتقول لهم : من إذن الذي سيبنى القاعدة ؟! إن لم يكن هؤلاء الشباب أنفسهم ؟! وكيف يكونون بلا عمل إذا كانوا منهمكين في البناء ؟!
إنما تصدر هذه القولة نتيجة أمرين معاً :
1 - عدم إدراك الأبعاد الحقيقية المطلوبة لعملية التربية .
2 - الاعتقاد - من ثم - بأن التربية قد تمت ، وأننا ينبغي إذن أن ننقل إلى الخطوة التالية ، وهي ملاقاة الأعداء .
ولنتذكر بادئ ذي بدء أن شيوخ اليوم هم أنفسهم بقية شباب الجيل الأول المتعجل ! الذي كان يعتقد أن " العمل " قد وجب - وأنها ضربة قوية أو مجموعة ضربات ، فيخر الطغاة هداً ، ويحكم الإسلام !
وقد تخلى من أولئك الشباب من قبل من تخلى ، ولكن هؤلاء الشيوخ هم الذين بقوا ولم يتخلوا نعم ، لم يتخلوا .
ولكنهم يعتقدون أن الدعوة قد وصلت إلى طريق مسدود ، وأنه يجب - من ثم - تغيير الطريق !
والسبب في هذه الرؤية من جانبهم واضح .
فقد كانوا تربوا على أنهم هم الذين سيضربون الضربة الأولى ، أو مجموعة الضربات ، ثم تنجلي الضربة عن هزيمة العدو ، وانتصار الإسلام . في سنوات معدودات.
وقد وجدوا أنهم هم الذين يضربون المرة بعد المرة على امتداد السنوات ، وأن الأعداء هم الذين يكسبون الجولة ، بينما لا يصنعون هم شيئاً إلا تلقى الضربات.
ومن ثم فإن الطريق - كما تصوروه - يبدو مسدوداً بالفعل ، ولا يؤذن بانفتاح قريب ؛ فلابد - في حسهم - من البحث عن طريق غير مسدود .
والطريق الذي يظنونه موصلاً هو :
دخول البرلمانات والانتخابات، وإعلان صوت الإسلام من هناك ، مادام لا يُسْمَح بإعلانه من غير هذا الطريق .
وكما ناقشنا الشباب المتعجل ، الذي يدعو إلى حمل السلاح وملاقاة العدو ، ورأينا - على ضوء الواقع ، وعلى ضوء ما حدث في حماة - أن الصدام مع السلطة قبل تكوّن " القاعدة المسلمة " ذات الحجم المعقول ، عبث لا يجنى منع العمل الإسلامي إلا ما جناه في حماة .
كذلك نناقش الشيوخ المتعجلين ، الذين يظنون أنهم يحركون العمل الإسلامي بولوج هذا الطريق غير المسدود ، ويصلون عن طريقه إلى تحقيق الأمل المنشود .
نقول لهم نفس الشيء ، إن استخدام هذا الطريق عبث لا يؤدى إلى نتيجة قبل تكوّن " القاعدة المسلمة" ذات الحجم المعقول ! ولنفرض جدلاً أننا توصلنا إلى تشكيل برلمان مسلم مائة في المائة ، كل أعضائه يطالبون بتحكيم شريعة الله ! فماذا يستطيع هذا البرلمان أن يصنع بدون " القاعدة المسلمة " التي تسند قيام الحكم الإسلامي ، ثم تسند استمراره في الوجود بعد قيامه ؟!
انقلاب عسكري يحل البرلمان ، ويقبض على أعضائه فيودعهم السجون والمعتقلات ، وينتهي كل شئ في لحظات !!
إنه تفكير ساذج رغم كل ما يقدم له من المبررات ، وفوق ذلك فهو يحتوى على مزالق خطيرة تصيب الدعوة في الصميم ألا وهي :
أولاً : المزلق العقدي :
فكيف يجوز للمسلم الذي يأمره دينه بالتحاكم إلى شريعة الله وحدها دون سواها ، والذي يقول له دينه إن كل حكم غير حكم الله هو حكم جاهلي ، لا يجوز قبوله ، ولا الرضى عنه ، ولا المشاركة فيه .
كيف يجوز له أن يشارك في المجلس الذي يشرع بغير ما أنزل الله ، ويعلن بسلوكه العملي - في كل مناسبة - أنه يرفض التحاكم إلى شريعة الله ؟!
كيف يجوز له أن يشارك فيه ، فضلاً عن أن يُقسم يمين الولاء له، ويتعهد بالمحافظة عليه ، وعلى الدستور الذي ينبثق عنه ، والله يقول سبحانه:
( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) [سورة النساء 4/140] .
وهؤلاء حديثهم الدائم هو مخالفة شريعة الله ، والإعراض عنها ؛ ولا حديث لهم غيره ينتظره المنتظر حتى يخوضوا فيه ! فكيف إذن يقعد معهم ؟!
كل ما يقال من مبررات: أننا نُسْمعهم صوت الإسلام ، أننا نعلن رفضنا المستمر للتشريع بغير ما أنزل الله ، أننا نتكلم من المنبر الرسمي فندعو إلى تحكيم شريعة الله ، كل ذلك لا يبرر تلك المخالفة العقدية الواضحة .(2/71)
يقولون : ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قريش في ندوتها ليبلغها كلام الله ؟!
بلى، ولكنه لم يكن يشاركهم في ندوتهم ، ولو أن مسلماً يدعو إلى تحكيم شريعة الله ، استطاع أن يذهب إلى ندوة الجاهلية المعاصرة ، ويُسْمح له بالكلام فيها كما كانت تَسْمح الجاهلية الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكان واجباً عليه أن يذهب وأن يبلغ ، لأنه في هذه الحالة لا يكون " عضواً " في الندوة ، إنما هو داعية من خارجها ، جاء يدعوها إلى اتباع ما أنزل الله ، فلا الندوة تعتبره منها ، ولا هو يعتبر نفسه من الندوة ، إنما هو مبلغ جاء يلقى كلمته ثم يمضى .
أما المشاركة في " عضوية " الندوة بحجة إتاحة الفرصة لتبليغها كلمة الحق ، فأمر ليس له سند من دين الله .
ثانياً : " تمييع القضية بالنسبة ( للجماهير ) " :
إننا نقول للجماهير في كل مناسبة إن الحكم بغير ما أنزل الله باطل ، وإنه لا شرعية إلا للحكم الذي يحكم بشريعة الله ؛ ثم تنظر الجماهير فترانا قد شاركنا فيما ندعوها هي لعدم المشاركة فيه ! فكيف تكون النتيجة ؟!
وإذا كنا نحن نجد لأنفسنا المبررات للمشاركة في النظام الذي نعلن للناس أنه باطل ، فكيف نتوقع من الجماهير أن تمتنع عن المشاركة ، وكيف تنشأ " القاعدة الإسلامية " التي سيقوم عليها الحكم الإسلامي ، القاعدة التي ترفض كل حكم غير حكم الله ، وترفض المشاركة في كل حكم غير حكم الله !
إننا نحسب أننا بدخولنا البرلمانات ، نقوم " بعمل " ييسر قيام " القاعدة الإسلامية " ، لأنه يدعو إليها من فوق المنبر الرسمي ، الذي له عند الناس رنين مسموع ، ولكنا في الحقيقة نعوق قيام هذه القاعدة بهذه التمييع الذي نصنعه في قضية الحكم بما أنزل الله .
فلا يعود عند الجماهير تصور واضح للسلوك " الإسلامي " الواجب في هذه الشئون ، ولن تتكون القاعدة بالحجم المطلوب لقيام الحكم الإسلامي حتى ينضج وعى الجماهير ، وتعلم علم اليقين أن عليها – عقيدة – أن تسعى لإقامة الحكم الإسلامي وحده دون أي حكم سواه ، وألا تقبل وجود حكم غير حكم الله .
ثالثاً : أن لعبة "الدبلوماسية" كما أثبتت تجارب القرون كلها ، لعبة يأكل القوى فيها الضعيف ، ولا يتاح لضعيف من خلالها أن " يُغافل " القوى فينتزع من يده شيئاً من السلطان !
والقوة والضعف – في لعبة الدبلوماسية – لا علاقة لها بالحق والباطل ! ولا علاقة لها بالكثرة والقلة !
فالأقلية المنبوذة من الشعب ، المكروهة منه ، التي تسندها في الداخل القوة العسكرية ، وتسندها من الخارج إحدى القوى الشيطانية الموجودة اليوم في الأرض هي القوية ، ولو لم يكن لها أنصار ، والأكثرية المسحوقة المستضعفة هي الضعيفة ، ولو كانت تمثل أكثرية السكان !
ومن ثم فالجماعات الإسلامية – الداخلة في التنظيمات السياسية لأعداء الإسلام – هي الخاسرة في لعبة الدبلوماسية، والأعداء هم الكاسبون! سواء بتنظيف سمعتهم أمام الجماهير ، بتعاون الجماعات الإسلامية معهم ، أو تحالفها معهم ، أو اشتراكها معهم في أي أمر من الأمور ؛ أو بتمييع قضية الإسلاميين في نظر الجماهير ، وزوال تفردهم وتميزهم الذي كان لهم يوم أن كانوا يقفون متميزين في الساحة ، لا يشاركون في جاهلية الساسة من حولهم ، ويعرف الناس عنهم أنهم أصحاب قضية أعلى وأشرف وأعظم من كل التشكيلات السياسية الأخرى ، التي تريد الحياة الدنيا وحدها ، وتتصارع وتتكالب على متاع الأرض .
ولا تعرف في سياستها الأخلاق الإسلامية ولا المعاني الإسلامية ؛ فضلاً عن مناداتها بالشعارات الجاهلية ، وإعراضها عن تحكيم شريعة الله .
ولم يحدث مرة واحدة في لعبة الدبلوماسية أن استطاع المستضعفون أن يديروا دفة الأمور من داخل التنظيمات السياسية التي يديرها أعداؤهم ، لأن " الترس " الواحد لا يتحكم في دوران العجلة ، ولكن العجلة الدائرة هي التي تتحكم في " التروس " ! وما حدث من " إصلاحات " جزئة عارضة في بعض نواحي الحياة على يد " الإسلاميين " لا تطيقه الجاهلية ولا تصبر عليه ، وسرعان ما تمحوه محواً وتبطل آثاره .
وتظل الآثار السيئة التي ينشئها تمييع القضية باقية لا تزول ، وشرها أكبر بكثير من النفع الجزئي الذي يتحقق بهذه المشاركة ، حتى لكأنما ينطبق عليه قوله تعالى:
( فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) [سورة البقرة 2/219]
أما توهم من يتصور أن الجاهلية تظل غافلة حتى يتسلل الإسلاميون إلى مراكز السلطة ، ثم – على حين غفلة من أهلها – ينتزعون السلطة ويقيمون الحكم الإسلامي ، فوصفه بالسذاجة قد لا يكفي لتصويره ! وتجربة الجزائر تكفي – فيما اعتقد – لإبطال هذا الوهم – إن كان له وجود حقيقي في ذهن من الأذهان .
أخيراً :
أما الفريق الثالث من المتعجلين فهم : أصحاب " التفكير العلمي" و"الدراسات العلمية"!
وقد نبت هذا الاتجاه أو تمركز عند الشباب العربي المسلم الذي يعيش في أمريكا ، وإن كانت له جذور مشابهة ، أو مماثلة عند غيرهم ممن يعيش في أوربا أو في " العالم القديم " !
يقول أصحاب هذا الاتجاه إن " التجربة الشرقية " قد استنفدت أغراضها ، ووصلت إلى طريق مسدود .
وإنه أن الآوان أن تتسلم قيادة العمل الإسلامي عقول جديدة ، تفكر بطريقة جديدة تكفر تفكيراً علمياً ، مبنياً على دراسات علمية ؛ فتقدم للناس الحلول العملية لمشكلاتهم ، مستمدة من الإسلام ، وهذا هو الطريق !
ومن كل قلوبنا نتمنى للقيادة الجديدة التوفيق ، ولكنا نتدارس معهم مدارسة " علمية " و " واقعية " في مزالق هذا الطريق .
إن تصور أن كل الذي ينقص الناس هو معرفة الحلول الإسلامية لمشكلاتهم ، وأنهم إن عرفوا ووثقوا واطمأنوا أن الحلول الإسلامية أفضل من الحلول الرأسمالية والاشتراكية ، ووثقوا بأنها حلول عملية لا نظرية ، ولا دعائية ، ولا خطابية ، فسيقبلون لتوهم على الإسلام ، ويقيمون لتوهم حكومة إسلامية .
إن هذا التصور قد نشأ – على الأرجح – من حياة أولئك الشباب في ظل الديمقراطية الغربية ، حيث الحرية متاحة لكل الناس أن يفكروا ، وأن يجربوا ، وأن يدعوا ، وحيث يوجد احتمال – ظاهري على الأقل – أنه حين يقتنع الناس بشيء فإنهم يسعون إلى تطبيقه في عالم الواقع ، ويتمكنون – عن طريق الأجهزة الديمقراطية – من تنفيذه ( ).
ونفترض جدلاً أن كل الذي ينقص الناس في " العالم القديم " هو معرفة الحلول الإسلامية العملية لمشكلاتهم ، وأنهم إن اطمأنوا ووثقوا أن الإسلام يقدم لهم حلولاً عملية أفضل مما تقدم الرأسمالية والاشتراكية ، فسيسعون بالفعل لإقامة الحكم الإسلامي .
نفترض هذا ، ونسقط كل الدلالة المرة التي تدل عليها مرور مقتل الإمام الشهيد ومرور مذابح السفاح هينة على قلوب الناس ، لأن وعيهم بأن تحكيم شريعة الله جزء من عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ما زال ناقصاً جداً ، وما زال في حاجة إلى بيان طويل ودعوة وتربية ، حتى تصحح العقيدة إلى صورتها الربانية الحقيقية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله .
نفترض هذا ، ونفترض أنه بمجرد أن تعرض عليهم الأبحاث العلمية المتضمنة للحلول الإسلامية العملية سيقتنعون بالإسلام ، وبضرورة " الحل الإسلامي "، ويسعون إلى التطبيق ، أو يطالبون بالتطبيق ؛ فماذا تكون النتيجة ؟(2/72)
هل تقول روسيا وأمريكا إنه ما دام المسلمون قد اقتنعوا عن طريق الدراسة العملية والتفكير العلمي بضرورة إقامة حكومة إسلامية فدعوهم وشأنهم ! وليقيموا حكمهم الإسلامي الذي ينشدون ؟! أم إنهما ستكلفان عملاءهما – كما تفعلان الآن – بتذبيح المسلمين وتقتيلهم ، وتشريدهم وتعذيبهم ، لكي يتخلوا عما هم مقدمون عليه من إقامة حكومة إسلامية في الأرض؟!
وعندئذٍ :
هل يكفي "الاقتناع" وحده ، و" التفكير العلمي " وحده ، لمواجهة التعذيب الوحشي الذي يصب على المسلمين المطالبين بتحكيم شريعة الله ؟ أم يحتاج الأمر إلى " عقيدة " ؟ .. العقيدة التي تقول إنها قضية كفر وإيمان لا قضية الحل " الأفضل ".. قضية جنة ونار ، لا قضية مشكلات عملية في الحياة الدنيا تحتاج إلى حل ! والتي يستيقن الناس بها أنهم لا يكونون مؤمنين ، ولا يتقبلهم الله يوم القيامة إذا أرادوا التحاكم إلى غير شريعة الله ، أو رضوا بحكم غير حكم الله .
ولا شك أن الإسلام هو دين الدنيا والآخرة ، وأنه ليس عقيدة فحسب ، إنما هو عقيدة ومنهج كامل للحياة ، محسوب فيه كل احتياجات البشرية في الحياة الدنيا ، بل محسوب فيه أن ترتفع الحياة البشرية عن مستوى الضرورة ، وتصل إلى درجة " الجمال " ودرجة " الإحسان " في كل شئ :
[ إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، و ليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ] .
وأنه يقدم لتلبية هذه الاحتياجات وتنميتها وترقيتها أفضل منهج وأحنه:
( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) [سورة المائدة 5/50]
صحيح هذا كله ، ولكن لأمر ما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الاعتقاد الصحيح أولاً ، ويجلى للناس الألوهية ، ويبين لهم أن الالتزام بما جاء من عند الله من أمر ونهي هو مقتضى هذه العقيدة الذي لا تصح بدونه ، ثم – بعد ذلك – أنزل " الحلول العملية " لمشكلات البشرية ، وجعل الالتزام بها قضية كفر وإيمان ، وقضية جنة ونار :
( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ....) [سورة النساء 4/65]
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ )[سورة المائدة 5/44]
( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ) [سورة الأعراف 7/3]
( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) [سورة الشورى 42/21]
فإن نحن قدمنا " الحلول العملية " للناس قبل أن يستقر في خلدهم – إلى درجة اليقين – أن التزامهم بشريعة الله أو عدم التزامهم بها هو قضية الإيمان والكفر.. قضية الجنة والنار.. فهل يتم الأمر على الصورة التي يتخيلها الباحثون ؟!
وما القول في الذين يقولون لك – وهم كثير – بعد أن تقنعهم عن طريق البحث العلمي والدراسة العلمية أن الحل الإسلامي هو الأفضل ، يقولون لك : أقتنعنا ! وما كنا نتصور – والله – أن الإسلام بهذه العظمة وهذا الشمول وهذه القدرة على تقديم الحلول العملية لمشكلات الناس ! هلموا ! أقيموا الدولة الإسلامية ، وحين تقيمونها ستجدوننا أول المستحبين !
هل تقوم الدولة الإسلامية على هذه الصورة ؟!
إن الاقتناع العقلي وحده لم يغير قط في عالم الواقع ، حتى في أوقات السلامة وألمن ، فضلاً عن حالات الاضطهاد الوحشي ! وهذه هي " الفلسفة " منذ سقراط وأرسطو إلى وقتنا الحاضر .
هل غيرت شيئاً في واقع الأرض ؟ إلا أن تكون عقيدة أو مرتكزة على عقيدة ، فعندئذ تكون العقيدة هي التي تغير واقع الناس .
والذي أثبتته التجربة في "العالم القديم" أن هذه العقيدة هي التي تحتاج قبل كل شئ إلى تصحيح. لأنها فرغت من محتواها خلال الأجيال، وفي القرن الأخير خاصة، فأصبحت في حاجة ملحة إلى بيان حقيقتها، ثم تربية الناس على مقتضى هذه الحقيقة حتى يصبح سلوكهم العملي في كل المجالات – ومن بينها مجال السياسة والحكم، والاجتماع والاقتصاد، واعلم والفكر – مطابقاً لمقتضيات لا إله إلا الله.
ونحن مع ذلك لا نقول للباحثين العلميين لا تبحثوا! بل نحن نفرح بكل بحث متعمق يظهر من حقائق الإسلام ما كان خافياً من قبل. ولكن فيم يكون البحث؟ وعلى أي نحو يكون؟
إن هناك في الحياة البشرية – وفي الإسلام كذلك – ثوابت ومتغيرات.
هناك أمور ثبتها الله سبحانه وتعالى وأمر بتثبيتها على صورتها في حياة الناس، كعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله – بمعناها الشامل المتكامل الذي نزلت به من عند الله، والذي يشتمل فيما يشتمل على الالتزام بكل ما جاء من عند الله – والعبادات بجملتها وتفصيلاتها، والحدود، وغير ذلك مما فصله الفقهاء.
وهناك أمور متغيرة أذن الشارع بالاجتهاد فيها، ولكنه قيدها – في تغيرها الدائم – بمحاور ثابتة أو أصول ثابتة، لا يجوز أن تحيد عنها في أثناء تغيرها ونموها بما يلائم ما يجد من أمور في حياة الناس.
فحين نبحث اليوم بحثاً علمياً في الحلول الإسلامية الواقعية للمشاكل الحاضرة ففي أي شئ نبحث: في المحاور الثابتة أم في التفصيلات المتغيرة؟
أما البحث في المحاور الثابتة فواجب، وهو جزء من الفقه اللازم لهذا الدين. وكلما اتسع علم الناس بحقائق دينهم كان ذلك أوفق لهم، وأحرى باستقامة طريقهم.
أما المتغيرات – وخاصة في المشاكل الاقتصادية التي هي عقدة العقد في حياة الناس اليوم – فحين نبحث فيها، فلمن نقدم البحث على وجه التحديد؟ وعلى "مقاس" من نقيم البحث؟ أو بعبارة أخرى: على أساس احتياجات أي قوم من الأقوام، وأي زمان من الأزمان؟!
إنه لابد من ارتياد الطريق الطويل .. المجهد الشاق .. البطيء الثمرة .. المستنفد للطاقة ، طريق التربية، لإنشاء " القاعدة المسلمة " الواعية المجاهدة ، التي تسند الحكم الإسلامي حين يقوم ، وتظل تسنده لكي يستمر في الوجود بعد أن يقوم . وقد رأينا في دراستنا التي ناقشنا فيها الوسائل الثلاثة التي يستخدمها المتعجلون – كل من زاويته – أنها كلها تؤدى إلى طريق مسدود، وإن بدا في ظاهر الأمر أنها هي "الحركة" التي تخرج "بالعمل" من حالة الجمود !
وحين نقول إنه لابد من التربية أولاً لإنشاء القاعدة المسلمة الواعية المجاهدة ، يثور كثير من التساؤلات والتصورات :
ربينا بما فيه الكفاية !
إلى متى نظل نربى دون أن " نعمل " !
ما جدوى التربية وكلما ربينا جيلاً من الشباب قضى عليه الأعداء !
ما المقصود بالتربية ؟!
ونريد الآن أن نلقى بعض الضوء على المقصود بالتربية ، ولكن لابد من تصحيح بعض هذه التصورات أولاً تمهيداً لبيان الصورة الصحيحة المطلوبة ، المثمرة بإذن الله .
إن الذين يقولون : ربينا بما فيه الكفاية ، يغفلون عن حقائق كثيرة واقعة في الساحة ، ربما كان أفضل لون من التربية قام في الساحة حتى اليوم هو الذي قام به الإمام الشهيد بين " الإخوان العاملين " الذين رباهم على عينه .
وأفضل جوانب هذه التربية هو :
1 - الأخوة المتينة التي رباها في أتباعه .
2 - الروح الفدائية الصادقة التي طبعهم بها .
3 - والجندية الملتزمة التي زرعها في نفوسهم .
4 - تحرير لا إله إلا الله في حسهم من تواكل الصوفية وتواكل الفكر الإرجائى ، وتحويلها في سلوكهم إلى حركة واقعية وعمل .
ولكنا رأينا كم من الجوانب كان ينقص هذه التربية ذات الطابع الأصيل العميق ، وكم أثر هذا النقص في خطوات العمل الإسلامي بعد مقتل الإمام الشهيد بصفة خاصة.(2/73)
ولا ندرى كم من هذه الجوانب كان الإمام الشهيد قمينا بإضافته أو تصحيحه لو امتد به العمر ، ولكنا نجد على الساحة الواقعية أن الجنود قد ربوا ليكونوا جنوداً فحسب، لا ليكونوا قادة بعد ذهاب قائدهم ، كما ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ليكونوا جنوداً فائقين تحت قيادته صلى الله عليه وسلم ، وليكونوا في الوقت ذاته " صفاً ثانياً " بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، كما كان الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم في قيادة الأمة ، وكما كان بقية الصحابة رضوان الله عليهم في كل ميدان انتدبوا إليه .
نجد غياب "الصف الثاني" على المستوى المطلوب للجماعة التي تتزعم العمل الإسلامي في ظروفه الراهنة واضحاً ملموساً كلما امتد الزمن بعد مقتل الإمام الشهيد ، فندرك – على الصعيد الواقعي – أنه كان هناك نقص في التربية ، في هذا الجانب ، ينبغي أن يستدرك ونحن نُعدّ لمسيرة طويلة قد تستغرق بضعة أجيال من عمر الدعوة قبل أن يكتب لها التمكين في الأرض .
ومن قبل لاحظنا العجلة في الإعداد والعجلة في التحرك والعجلة في السماح للجماهير بالانتماء للحركة قبل تربية العدد المناسب من الدعاة ، الذين هم جنود تحت قيادة القائد ، وقادة في ذات الوقت ومربون .
وكيف كان لهذا كله آثاره في خط السير ، والمفروض – ونحن نعد للمسيرة الطويلة – أن نتلاقى كل هذه الجوانب من النقص التي اشتملت عليها الجولة الأولى ، أي أن نغير أسلوب التربية بما يتناسب مع أهداف الحركة ، وطول المسيرة ، ومشقة الطرق ، وكيد الأعداء .
فإذا نظرنا إلى الساحة الآن فقد نجد نوعيات أفضل في بعض الجوانب ، ولكنا نجد نقصاً كبيراً في التربية في جوانب أخرى .
نجد شباباً أكثر وعياً بمفهوم لا إله إلا الله ، وصلتها الوثيقة بتحكيم شريعة الله ، أي : أكثر إدراكاً لقضية " الحاكمية " التي كانت قد أُجملت إجمالاً من قبل جعلها تخفي على كثير من الدعاة أنفسهم .
ونجد شباباً أكثر إدراكاً لطبيعة المعركة وما يلقى فيها من الأسلحة الظاهرة والخفية ، ودور الأجهزة المختلفة في محاربة الدعوة عن طريق مناهج التعليم ووسائل الإعلام ، وإثارة قضايا سياسية واجتماعية وفكرية معينة ، تتجه بالناس وجهة بعيدة عن الإسلام ، وتبعدهم باستمرار عن التلقي من المصدر الرباني .
ولكن هؤلاء الشباب – في كثير من الأحيان – ينقصهم التجمع الصحيح ، فيتجمعون في جماعات صغيرة مبعثرة ، يكيد بعضها لبعض ، أو يتربص بعضها ببعض ، أو يتجادل بعضها مع بعض بروح الخصام لا بروح المودة .
ويمكن أن تنقسم الجماعة الصغيرة إلى جماعات أصغر عند أول اختلاف على تفسير نص من النصوص ، أو تقويم قضية من القضايا .
مما يقطع بأن التربية الجماعية عندهم ناقصة ، وأن الروح الفردية فيهم أقوى ، بينما التربية المطلوبة – لتنشئة المسلمين عموماً فضلاً عن الجيل الذي يقع عليه عبء المواجهة الأولى مع الجاهلية – ينبغي أن توازن بين الروح الفردية والروح الجماعية عند أفراد الجماعة ، فلا تحيلهم أصفاراً عن طريق تنمية الروح الجماعية على سحاب الروح الفردية ، ولا تنمى فيهم الفردية الجانحة فيعتز كل منهم بفكره وبذاته وبتقييمه الخاص للأمور ، فلا تأتلف منهم جماعة ، ولا يلتئم لهم تجمع له وزن .
كما أن هذا الشباب – في معظم الأحيان – تنقصه الخبرة الحركية ( وهي جزء من التربية المطلوبة ) ، مع أنه أكثر وعياً من الجيل السابق في كثير من القضايا ذات الطابع الفكري .
ومن أجل هذا يتعجل في الصدام مع السلطة ، وفي استعراض قوته في قضايا لا تقدم ولا تؤخرن أو في قضايا ذات وزن وذات خطر ولكن لا يستطيع المسلمون في حالتهم الراهنة أن يغيروا شيئاً من مجراها .
مثال عملي :
تجمع شباب الجماعات الدينية بجامعة الإسكندرية ذات مرة ، للحيلولة بالقوة دون إقامة حفل كانت إدارة الجامعة قد رتبته لمكايدة الجماعات الدينية خاصة والروح الإسلامي عامة ، وبالفعل نجح شباب الجماعات الدينية في منع إقامة الحفل رغم كل الترتيبات الرسمية التي رتبت له ، فلم يحدث ما كان مرتباً من رقص وغناء وتمثيل مبتذل .
هذا نموذج لبعض " النشاط " الذي كانت تقوم به الجماعات الدينية في الجامعات ؛ فما تقويمه الصحيح ؟
إن استعراض القوة على هذا النحو كان بالفعل يرهب " المتحررين " و" المتحررات " من الطلبة والأساتذة على السواء .
فلا تجرؤ " فتاة جامعية " على التبذل الرخيص الذي يقع من كثير من " الفتيات الجامعيات " حتى كأنهن راقصات في ملهى ، أو عارضات أزياء في محل تجارى متبذل ، لا طالبات علم يتحشمن على الأقل في وقت تلقي العلم ، كما تتحشم الفتاة الأوروبية الملحدة الكافرة المنسلخة تماماً من كل دين أو أخلاق أو تقاليد ، في أثناء الساعات التي تتلقى فيها العلم .
قد يكون هذا سلوكاً مناسباً لو أن لتلك الجماعات الدينية وجوداً دائماً في الجامعات ، بحيث يكون لهذا الوجود ضغط مستمر يقاوم ضغط الشيوعيين والملحدين و" المتحررين " لإفساد الأخلاق ، وصرف الشباب والفتيات عن القيم الدينية ، وإشاعة التحلل الخلقي بينهم .
أما إذا كان وجود تلك الجماعات عابراً – كما سنبين في السطور التالية – فهل هذه العملية المفردة ستغير شيئاً حقيقياً في حياة الفاسدين والفاسدات من الأساتذة أو الطلاب ؟ أم الأجدى – وقد أتيحت الفرصة لتلك الجماعات أن توجد فترة محدودة من الزمن – أن ينصرف الجهد إلى التربية الحقيقية على مبادئ الإسلام ، وكل شاب فرد ، وكل فتاة ، وكل مدرس أو أستاذ ، تنقذهم هذه الجماعات من الوحل الذي يرتعون فيه إلى النظافة والطهر ، هو كسب للدعوة ، وعمل مثمر خير من الدنيا وما فيها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ لأن يهدى الله بك رجلاً خير لك من الدنيا وما فيها ] ، أو قال : [ خير لك من حمر النعم ]
لقد كانت "اللعبة" التي أبرزت تلك الجماعات الدينية إلى الوجود أن الحاكم يومئذ كان يواجه ضغطاً شديداً من التيار الشيوعي ، والتيار الناصري المتحالف معه ، فكان منطقياً بالنسبة إليه أن يستند – مؤقتاً – إلى التيار الإسلامي ، فيفسخ له المجال للعمل والحركة ، ليصد عنه هو شخصاً الضغوط التي يواجهها ، لا لينظف الجامعة من الفساد والإلحاد والكفر والتحلل الخلقي ، ولا لينشئ في البلد حركة إسلامية تطرها من تلك الأدران ! وليتعرف في ذات الوقت – عن طريق أجهزته البوليسية – على القوى الكامنة في الشباب ، ليضربها في الوقت المناسب – بعد أن تنتهي " اللعبة " – ضربة تشلها عن الحركة أو تقضى عليها !
فهل كان استعراض القوة في حادث الحفل الذي أشرنا إليه – أو أمثاله – هو السلوك المناسب إزاء هذه اللعبة ؟! أم أنه كان قمينا بالتعجيل في إنهاء اللعبة وتوجيه الضربة ؟
وحقيقة إن الضربة كانت آتية لا ريب فيها كما أشار إلى ذلك مدير السجن الحربي ؛ فبمجرد أن يحس " المسئولون " أن التيار الإسلامي قد أخذ يقوى ، يتفجر الموقف بالضرورة للقضاء على الخطر المرهوب ، والذي تخشاه الصليبية الصهيونية وكل من يعمل لحسابها في الأرض .
ولكن يختلف الأمر حين يكون كل " العمل " الذي تقوم به تلك الجماعات هو تربية شباب نظيف الأخلاق ، متطهر من الدنس ، يعرف ربه ولا يعرف رجس الشيطان ؛ فإن الحاكم يتردد كثيراً في ضربها ، ثم يتردد أكثر في استخدام الوسائل الوحشية لتعذيبها ، لأنه يومئذ لا يستطيع أن يبرر عمله الوحشي أمام الجماهير .(2/74)
وفي وسع أجهزة الأمن بلا شك أن تفتعل قضية ، وأن تنشب إلى الناس جرائم لم يرتكبوها قط ولم يفكروا مجرد تفكير في ارتكابها ، وأن تحملهم – بوسائل التعذيب البربرية – على "الاعتراف" بما لم يفكروا فيه أصلاً ... ولكن الجماهير لم تعد اليوم غافلة كما كانت قبل ثلاثين سنة أو عشر ! وصارت اليوم تقدم سوء الظن بأجهزة الأمن على إحسان الظن ! ولم يعد يسهل على حاكم أن ينقض على جماعة كل عملها هو التربية الإسلامية ، فيصب عليها وحشيته وهو آمن من الإنكار والسخط .
وحقيقة إن أولئك الطغاة لا يهمهم كثيراً غضب الجماهير ، ولكن الذين يشغلونهم لحسابهم لا يحبون أن يكون عميلهم مفضوح الأمر أمام الناس ، لأن هذا يفسد اللعبة في النهاية ولا يحقق المطلوب ؛ بل إنهم في بعض الأحيان يدفعونه دفعاً إلى ما يسخط الناس عليه ، حين يكونون قد قرروا إنهاء دوره والإتيان بوجه جديد ، كما فعلوا بالسادات من قبل ، ومن بعده النميرى !
ضربنا نموذجاً من إنفاق الطاقة في قضايا لا تقدم ولا تؤخر ، ولا تغير شيئاً في الحقيقة ، إذ سرعان ما أزيلت الجماعات الدينية من الجماعات ، رجع الفاسدون والفاسدات أشد فساداً من ذى قبل !
ونضرب الآن نموذجاً من قضايا ذات خطر حقيقي ، كقضية تحكيم الشريعة الإسلامية ، وهي قضية رئيسية بالنسبة لكيان الأمة كلها ؛ والسعي إلى تحكيم شريعة الله فرض على كل مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، لأنه هو المقتضى المباشر لتلك الكلمة العظيمة التي يعلن بها شهادة الإسلام .
نعم ! ولكن !
هل يمكن حقاً أن تقوم شريعة الله في الأرض قبل أن توجد القاعدة المؤمنة الواعية المجاهدة التي تواجه النتائج المترتبة على إعلان الحكم الإسلامي ، وأولها تحرش الصليبية الصهيونية على نحو ما حدث في الجزائر وفي تركيا ؟
وهل يكفي " الضغط الشعبي " لإقامة الحكم الإسلامي ، إن لم يكن " الشعب " الذي يمارس الضغط مستعداً لجهاد ، ومستعداً لخوض معركة طويلة الأمد ، يصبر فيها على الخوف ، والجوع ، ونقص الأموال ، والأنفس ، والثمرات كما بين الله في كتابه المنزل :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ ) [سورة البقرة 2/153-155]
أليس الأجدى إذن إنفاق الطاقة في إقامة " القاعدة المسلمة " التي تحتمل هذه التبعات الجسام ، بدلاً من إنفاقها – أو إنفاق قدر منها – في المطالبة الشفوية التي لا يترتب عليها شئ في الحقيقة ، إنما تكون كالطلقة الطائشة ، تنبه عدوك إلى مكانك دون أن تصيب شيئاً في الواقع ؟!
إن القضية ليست إلهاب حماسة الجماهير لتطبيق الشريعة الإسلامية ، فهذا وحده لا يكفي ، ولا يغير شيئاً من الواقع ، طالما كانت هذه الجماهير لا تملك إلا تلك الحماسة العاطفية ، التي يمكن أن تنطفئ بذات السرعة التي تلتهب بها .
إنما يتغير الواقع حين تُعْمِل تلك الجماهير نفسها لقضية تحكيم الشريعة على أساس أن هذا التحكيم هو المقتضى المباشر لقول لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .
والفارق الضخم – في مجال الحركة الواقعية – بين الحماسة العاطفية التي لا تنتهي إلى شئ واقعي، وبين تجنيد الناس أنفسهم لهذه القضية ، ينشأ من فارق دقيق – وخطير في الوقت ذاته – في تفهم حقيقة القضية وإدراك أبعادها .
فحين تكون القضية في حس الناس أن تحكيم الشريعة " كمالات " يكتمل بها دينهم ، ولكنهم قبل ذلك مسلمون ولو رضوا بشريعة غير شريعة الله ، وتحاكموا إليها بغير حرج في ضمائرهم ، سيكون أقصى ما يعطونه للقضية هو تلك الحماسة العاطفية التى لا تصمد للبطش الوحشي الذي يقابل به الطغاة الدعوة لتحكيم شريعة الله ، وأن إيمانهم لا يكون ناقصاً إنما يكون غير قائم أصلاً إذا تحاكموا – راضين – إلى شرائع يضعها البشر من عند أنفسهم بغير إذن من الله .
عندئذ سيجند الناس أنفسهم لتلك القضية ، لأنها ستكون في حسهم قضية إيمان وكفر ، لا مجرد "كمالات" يكملون بها إيماناً موجوداً بالفعل، مرضياً عند الله!
أما الحماسة العاطفية فمهما أعجب الدعاة مظهرها ، فلست رصيداً حقيقياً في المعركة الهائلة التي يرصدها للإسلام أعداء الإسلام .
تلك نماذج نضربها لصرف الطاقة في غير مجالها الحقيقي ، أو للتقصير في صرفها في مجالها الذي يجب أن توجه إليه ، ودلالتها أن هناك جوانب نقص في عملية التربية القائمة في ساحة العمل الإسلامي .
فإذا أضيف إلى ذلك ما يشكو منه كثير من الشباب العاملين في الدعوة من أن بعض " المسئولين " عنهم ينقصهم التجرد الكافي للدعوة ، الذي يجعل مصلحتها الحقيقة هي رائدهم ، لا ذواتهم ، ولا رغبتهم في الظهور والاستحواذ على أكبر عدد من الأنصار .
إذا وضعنا هذا كله في الميزان ؛ فهل يحق لقائل أن يقول : ربينا بما فيه الكفاية ؟!
أما الذين يسألون : إلى متى نظل نربى دون أن "نعمل" ؟
فلا نستطيع أن نعطيهم موعداً محدداً فنقول لهم : عشر سنوات من الآن ، أو عشرين سنة من الآن ؛ فهذا رجم بالغيب لا يعتمد على دليل واضح ، إنما نستطيع أن نقول لهم : نظل نربى حتى تتكون القاعدة المطلوبة بالحجم المعقول .
وواضح أن هذه الإجابة غير محددة ؛ فلا هي تحدد " الزمن المطلوب "، ولا هي تحدد "الحجم المطلوب ".
ولكن الحقيقة أنه لا يوجد بشر في الأرض يستطيع أن يعطى هذا التحديد ، لأن فيه عنصراً بل عناصر غيبية لا يمكن للبشر تحديدها.
لقد كان الوحي هو الذي ينقل خطى الجماعة الأولى بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم . فقد أمره الله بادئ ذي بدء بإنذار عشيرته الأقربين ، فأخذ يدعو إلى الله سراً فترة من الوقت وهو يتحمل الأذى من عشيرته صابراً محتسباً حتى نزل الأمر الرباني بالجهر بالدعوة ، فصدع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر ، ونزل الأذى بالمؤمنين وتحركت مشاعر بعضهم للرد على الأذى ، فنزل الوحي يقول لهم : ( كفوا أيديكم ) فكفوا ، واحتملوا الأذى صابرين حتى أذن الله لهم بالقتال فقال سبحانه :
( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) [سورة الحج 22/39]
ثم جاء الأمر بقتال الذين يقاتلون المؤمنين من المشركين ، دون سواهم :
( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [سورة البقرة 2/190]
ثم جاء الأمر بقتال المشركين كافة:
( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً...) [سورة التوبة 9/36]
واليوم وقد انقطعت الرسالات وختمت النبوة فلن يتنزل وحي يقول للمسلمين : كفوا أيديكم إلى سنة كذا ، وقاتلوا سنة كذا ! إنما هو الاجتهاد والرأي بحسب الظروف القائمة في الأرض ، وبحسب السنن الجارية التي يجرى الله بها قدره في حياة الناس .(2/75)
وهذه السنن تقول إن الانحراف الضخم الذي وقعت فيه الأمة حتى أصبح الإسلام فيها غريباً كما كان غريباً أول مرة ، يحتاج إلى جهد ضخ وزمن غير قصير حتى تعود الأمة إلى الصراط السوي ، أو حتى تعود منها فئة تحتمل الصراع والصدام مع القوى العالمية المعادية للإسلام ، وتصمد لها حتى يمدها الله بالنصر ، ويمكن لها في الأرض ، ويكون لها من رسوخ القدم في الإيمان ، وصدق العزيمة ، والشجاعة في الحق ، والزهد في متاع الدنيا ، والحرص على ما عند الله في الآخرة ، وما يجعلها تحمل العبء صابرة محتسبة ، ويجعلها تحمل أدران بقية الأمة من المنافقين وضعاف الإيمان والمتقاعسين عن الجهاد فلا يخذلونها ، بل ترفعهم هي بالمثال الرفيع الذي تضربه للناس .
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) [سورة الأنفال 8/2-4]
( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [سورة الأحزاب 33/23]
( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) [سورة المائدة 5/54]
( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) [سورة آل عمران 3/146]
( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) [سورة النساء 4/74]
فالزمن المطلوب للتربية هو الزمن الذي يكفل ترسيخ هذه الصفات في نفوس الفئة المختارة التي يقع عليها عبء المواجهة مع الأعداء .
وهو زمن لا يستطيع بشر أن يحدده على وجه الدقة لأنه غيب ، ولأن فيه جملة متغيرات تتغير النتيجة في كل مرة بحسب نوعها ومقدارها ألا وهي :
أولاً : الجهد الذي ينبغي أن نبذله لبلوغ هذا الهدف الأساسي :
فكلما بذلنا جهداً أكبر ، كان لنا أن نطمع في تقريب الزمن ، أما إذا تراخينا في بذل الجهد ، أو لم نوجهه الوجهة الصحيحة فسيطول الزمن ولا شك .
ثانياً : مدى استجابة الذين ندعوهم ونربيهم وهذا أمر ليس في يد البشر إطلاقاً :
( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) [سورة القصص 28/56]
إنما كلفنا الله سبحانه وتعالى أن نبذل الجهد ، وتكفل هو سبحانه بالنتائج ، لأنها تتم بقدر منه ، وبحسب مشيئته .
وإن كنا نطمع دائماً في منّ الله وكرمه ، أننا إذا صدقنا في بذل الجهد فإن الله يرتب النتائج في صالح الدعوة .
وقد رأينا بأعيننا أن استشهاد رجل واحد صدق ما عاهد الله عليه ، يصنع لهذه الدعوة من العجائب ما لا تصنعه ألف خطبة ولا ألف درس ولا ألف كتاب ، وهذا عون الله الذي وعد به سبحانه حين يصدق عباده في التوجه إليه ، والتوكل عليه ، والإيمان به .
والمتغير الثالث هو الظروف التي تحيط بالدعوة وتحيط بالأعداء ، والتي تحدد بدورها الحجم المناسب للقاعدة المطلوبة .
فحين يخلق الله ظروفاً مواتية فقد تستطيع قاعدة أصغر حجماً مما نتخيل الآن ، أن تقيم حكم الله في الأرض ، وتسانده بعد قيامه .
وحين تجرى مشيئة الله بغير ذلك – لحكمة يريدها – فقد نحتاج إلى قاعدة أكبر حجماً مما نفترض في لحظة معينة .
والحكم في هذا الأمر مسألة اجتهادية ، سواء في تقدير الحجم اللازم للقاعدة ، أو في تقدير الظروف القائمة من حولها .
ومن أجل هذه المتغيرات – وغيرها كثير – لا يستطيع بشر أن يحدد زمناً يقول فيه : نظل نربى إلى عام كذا ، ثم نبدأ " العمل " !
على أن ينبغي أن نضع في حسابنا أن التربية لا يمكن أن تتوقف في أية لحظة فهي بذاتها هدف دائم بالنسبة للأمة حتى لو قام الحكم الإسلامي ؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكفّ عن تربية أصحابه حين قامت الدولة ، بل استمر إلى آخر لحظة يربيهم ، وانظر مثلاً خطبته في حجة الوداع ، كذلك سار من بعده من الخلفاء الراشدين على نهجه صلى الله عليه وسلم يربون الأمة وبالسلطان .
إنما بدأ الانحراف في الأمة حين نقصت التربية عن القدر المطلوب ، وحين تحولت عن النهج المطلوب .
إنما كانت إجابتنا موجهة للذين يعنون بسؤالهم : إلى متى نظل نخصص الوقت كله والجهد كله لعملية التربية المطلوبة .
وأما الذين يقولون : ما جدوى التربية ، ونحن كلما ربينا جيلاً من الشباب قضى عليه الأعداء ! فقد سبق أن أجبنا على تساؤلهم من الواقع المشهود .
ونحن لا نعلم الغيب ، ولا نعلم إن كان الشاب الذي نربيه اليوم سيموت غداً أم يموت بعد عمر مديد ، ولا نعلم كذلك هل يثبت على الطريق أم يفتن في دينه، ولكن علينا دائماً أن نبذل جهدنا في تربيته على النهج الصحيح .
فإن شاء الله أن يمتد به العمر فهو قوة للدعوة وامتداد لها ، أما إن كان في قدر الله أن يفتن في دينه فمنذا الذي يستطيع أن يرد عنه قدر الله ؟ ومنذا الذي يستطيع أن يعرف لفرد ما يكون من أمره في الغداة ؟!
في جميع الأحوال إذن ينبغي أن نمضي في التربية ، ونحن واثقون أنها الطريق الواصل في النهاية ، حتى وإن كانت هي الطريق الشاق المجهد البطيء الطويل .
ولابد من كلمة تبين لنا على الأقل بعض أبعاد التربية المطلوبة ، وما يمكننا أن نتحدث عن كل أبعاد التربية أو عن المناهج التربوية ، فتلك بحوث متخصصة .
ونكتفي بثلاثة أبعاد لأنها ذات أهمية خاصة ، ومن أراد البسط فعليه بمراجعة مظان المسألة :
البعد الأول : " اليقين " :
يقول سبحانه وتعالى :
( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [سورة الذاريات 51/58]
ولو أنك سألت أي إنسان في الطريق : من الذي يرزقك ؟ لقال لك على البديهة : الله !
ولكن انظر إلى هذا الإنسان إذا ضُيق عليه في الرزق ، يقول : فلان يريد أن يقطع رزقي ! فما دلالة هذه الكلمة ؟
دلالتها أن تلك البديهية التي نطق بها لم تكن " يقيناً " قلبياً ، إنما كانت بديهية ذهنية فحسب ، بديهية تستقر في وقت السلم والأمن ، ولكنها تهتز إذا عرضت للشدة ، لأنها ليست عميقة الجذور .
هل يصلح مثل هذا الإنسان لأعباء الدعوة ومشقاتها ؟!
هل يصلح لتلك الأعباء إلا شخص قد استقر في قلبه إلى درجة اليقين أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين .
أن الله هو المحيى والمميت ، أن الله هو الضار والنافع ، أن الله هو المعطى والمانع ، أن الله هو المدبر ، أن الله هو الذي بيده كل شئ .
وإذا اهتز اليقين لحظة واحدة فماذا يحدث ؟!
لقد كنا نرى في المعتقل بعض الذين يهتز في قلوبهم هذا اليقين لحظة ، فتهتز خطواتهم على الطريق ! يتسرب إلى روعهم أن هذا الشخص أو ذاك يمكن أن ينفع ، أو يمكن أن يضر .(2/76)
فيتوجهون إليه يحسبون أنه يمكن أن يخرجهم مما هم فيه من الضيق ؛ فينزلقون ، وينتهي دورهم في الدعوة ، إلا أن يتوب الله عليهم فيتوبوا .
ترى كم جلسة.. كم درساً.. كم موعظة.. كم توجيهاً.. يحتاج إليها الإنسان ليرسخ في قلبه إلى درجة اليقين أن الله هو الذي يدبر ، وأن هذه المخلوقات البشرية التي يخالطها في حياته إن هي إلا أدوات لقدر الله، وأنها حين تضره فهي تضره بشيء قد قدره الله له، وحين تنفعه فإنما تنفعه بشيء قد كتبه الله له فلا يتوجه إلا إلى الله ، في سرائه وفي ضرائه سواء ، ويعلم – يقيناً – أن الخلق كلهم لا يملكون له – ولا يملكون لأنفسهم – ضراً ولا نفعا ً؟! فإذا دخل في الشدة – وطريق الدعوة مملوء بالأشواك والدماء والدموع – طلب التثبيت من الله، ونظر إلى كل ما يصيبه على أنه قدر مكتوب له .
ثم نظر إلى هذا القدر المكتوب له على أنه كله خير ، ما دام يسير على طريق الإيمان ، لأن أمر المؤمن كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ؛ وليس ذلك إلا للمؤمن .
فإذا لم يصل إلى هذا اليقين القلبي ، الذي يترتب عليه سلوك عملي ؛ فهل يصلح لحمل أعباء الدعوة ؟!
كم يحتاج الفرد الواحد حتى ترسخ هذه العقيدة في قلبه إلى درجة اليقين ؟ وكم يحتاج الجمع من الناس ؟ وكم يحتاج تكوين " قاعدة " صلبة من مثل هؤلاء ، يقوم عليها بناء دعوة ، ثم يقوم عليها – حين يأذن الله – بناء دولة ؟!
إنه لمثل هذا كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً كاملة في مكة ، وبعدها سنوات في المدينة كان يعمل ، ولم يكن يقول في نفسه وهو في مكة : إلى متى نظل نربى دون أن " نعمل " ؟ فقد كان يعلم يقيناً – بما علمه ربه – أن هذا هو " العمل " الأساسي الذي يسبق كل عمل .
هذه هي " العقيدة " ، هذه هي " لا إله إلا الله " في حقيقتها الاعتقادية ، ليست مجرد إقرار ذهني بأن الله تعالى واحد .
فما أيسر أن يعتقد الذهن ذلك – وإن كان قد صعب على العرب في جاهليتهم – ولكن تبقى " شوائب " نفسية وشعورية كثيرة عالقة بهذا الاعتقاد الذهني ، ولا تظهر إلا في السلوك العملي ، في حالي الشدة والرخاء سواء ، وإن كانت الشدة هي المجهر الأقوى الذي تبرز تحته كل شوائب الاعتقاد .
( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ...) [سورة العنكبوت 29/10]
( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) [سورة العنكبوت 29/2-3] .
لمثل هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى أصحابه في دار الأرقم : يربيهم ويعلمهم ، يعلمهم العقيدة الصحيحة ، ويربيهم عليها .
فليست العقيدة مفهوماً ذهنياً تستوعبه الأذهان ثم يستقر فيها هناك ! إنها على هذا النحو لا تصنع شيئاً في عالم الواقع ، ولا تغير شيئاً في عالم الواقع .
كالفلسفة في الأبراج العاجية ، لا تغير شيئاً في واقع الناس ! إنما هي " عقيدة " ، ترسخ وترسخ وترسخ ، حتى تصبح يقيناً قلبياً تنطلق على هداه مشاعر القلب ، ويجرى بمقتضاه السلوك العملي للإنسان .
وبهذه الصورة تعمل " العقيدة " في عالم الواقع .. تغير .. تهدم وتبنى .. تهدم الباطل وتبنى مكانه الحق .
وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربى أصحابه على العقيدة الصحيحة ، كان ينشئ – بقدر الله – ذلك اليقين القلبي الذي ينبثق منه السلوك العملي ، وكان – بهذا – ينشئ – بقدر الله – تلك النفوس العجيبة التي صنعت ما شاء الله لها أن تصنع من عجائب التاريخ .
بالقرآن .. بتوجيهاته الدائمة صلى الله عليه وسلم .. بقيام الليل .. بالقدوة العملية في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم .. برعايته لهم في المحنة .. بالحب الفياض من قلبه العظيم لهم .
بكل تلك الوسائل مجتمعة ، تأصلت " العقيدة " في قلوب ذلك الجيل المتفرد ، فكانت تلك " الطاقة " الهائلة التي صنعت الأعاجيب .
وفي غربة الإسلام الثانية نحتاج إلى مثل ما احتاج إليه الأمر في الغربة الأولى ، إن لم يكن على ذات المستوى السامق ، فعلى أقرب مستوى إليه يطيقه البشر في جولتهم الثانية لإزالة غربة الإسلام .
كم من الزمن يستغرق هذا الأمر ؟ لا أدرى ! ولكنى أعلم يقيناً أنه مطلوب ، وأن " القاعدة " المطلوبة لابد أن تقوم على مثل هذا " الاعتقاد " في لا إله إلا الله ، الذي يملأ القلب باليقين ، ويتمثل – من ثم – في سلوك عملي .
البعد الثاني : " الأخوة " :
يقول سبحانه وتعالى:
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [سورة الحجرات 49/10]
والأخوة من أجمل " المعاني " التي يمكن أن يتحدث عنها الإنسان ! شفيفة لطيفة كالنور ! ندية محببة إلى القلوب ، ولكن ما " الأخوة " التي وردت الإشارة إليها في كتاب الله ؟
يستطيع اثنان من البشر وهما يسيران في الطريق الواسع – في الأمن والسلامة – أن يتآخيا ! أن يسيرا معاً وقد لف كل منهما ذراعه حول أخيه من الحب.
ولكن انظر إليهما وقد ضاق الطريق ، فلا يتسع إلا لواحد منهما يسير وراء الآخر ؛ فمن أُقدّم ؟ أقدم نفسي أم أقدم أخي وأتبعه ؟
أم انظر إلى الطريق قد ضاق أكثر ؛ فلم يعد يتسع إلا لواحد فقط دون الآخر !
إنها فرصة واحدة .. إما لى وإما لأخي .. فمن أُقدّم ؟ أقول: هذه فرصتي ، وليبحث هو لنفسه عن فرصة ؟ أم أقول لأخي : خذ هذه الفرصة أنت ، وأنا أبحث لنفسي ؟!
هذا هو "المحك" .
إن الأخوة في الأمن والسلامة لا تكلف شيئاً ! ولا تتعارض مع رغائب النفس ؛ بل هي ذاتها رغبة من تلك الرغائب يسعى الإنسان لتحقيقها مقابل الراحة النفسية التي يجدها في تحققها.
أما في الشدة – أو في الطمع – فهنا تختبر الأخوة الاختبار الحق ، الذي يتميز فيه الإيثار والحب للآخرين ، ومن الأثرة وحب الذات ، التي قد تخفي على صاحبها نفسه في السلام والأمن ، فيظن نفسه " أخاً " محققاً لكل مستلزمات الأخوة !
كم جلسة .. كم درساً .. كم موعظة .. كم توجيهاً .. يحتاج إليها الإنسان الفرد ، وتحتاج إليها الجماعة ، وتحتاج إليها " القاعدة " ليرسخ في حسهم جميعاً هذا " المعنى " فلا يعود حقيقة ذهنية يستوعبها الذهن ثم ينتهي بها المقام هناك ، إنما تتحول إلى وجدان قلبى ، يتعمق في القلب حتى يصدر عنه سلوك عملي كذلك الذي ورد ذكره في كتاب الله :
( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) [سورة الحشر 59/9]
إنه لمثل هذا كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يربى أصحابه رضوان الله عليهم ، ثلاثة عشر عاماً في مكة ، وسنوات في المدينة بعد ذلك .
لم يكن يقول في نفسه وهو في مكة : إلى متى نظل نربى تلك المشاعر دون أن " نعمل " ! لأنه كان يعلم يقيناً – بما علمه ربه – أن هذا من العمل الأساسي المطلوب لإنشاء القاعدة المؤمنة التي وُجِّه صلى الله عليه وسلم لإنشائها .
وأن هذه الأخوة – فوق أنها ضرورية لإقامة القاعدة المؤمنة التي هي نواة " الأمة المسلمة " – فهي جزء من " التحقيق السلوكي " للا إله إلا الله .(2/77)
فليست لا إله إلا الله وجداناً قلبياً عميقاً فحسب ، بل هي التزام بما أنزل الله ، ومن ثم فكل ما جاء من عند الله فالالتزام به هو من مقتضيات لا إله إلا الله، وقد أحب الله هذه الأخوة وامتدحها ، وأوجبها على المؤمنين به ، وأنزل فيها آيات كثيرة لعل من أبرزها :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) [سورة الحجرات 49/11-12]
بالقرآن .. بالمصاحبة .. بالمعايشة .. بالتوجيه المستمر .. بالقدوة في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم .. بالحب الذي يفيض من قلبه الكبير إليهم .. بالاهتمام بكل فرد منهم كأنه هو الأثير عنده .. بالممارسة العملية للمشاعر الإيمانية داخل " الجماعة " .
بهذه الوسائل مجتمعة ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الجماعة المتآخية ، التي صنعت بتآخيها الأعاجيب ، وأقام ذلك البنيان المتين المترابط ، الذي يشد بعضه بعضاً فيقويه .
وفي غربة الإسلام الثانية ، نحتاج إلى مثل ما احتاج إليه الأمر في الغربة الأولى ، إن لم يكن على ذات المستوى السامق ، فعلى أقرب المستويات إليه .
ذلك أن الضغوط الجاهلية تفتت كل ترابط ، ما لم يكن ثيق الرباط إلى الحد الذي يتحمل كل الضغوط ، ويبقى وثيقاً رغم كل الضغوط .
كم يستغرق هذا الأمر ؟ لا أدرى ! ولكنى أعلم يقيناً أنه مطلوب ، وأن " القاعدة " التي يقع عليها عبء مواجهة الجاهلية بكل كيدها ، ينبغي أن تحقق في سلوكها العملي هذا الخلق من أخلاقيات لا إله إلا الله ، لتصبح جديرة برعاية الله ، ولكي تستطيع أن تمضى في الطريق متآخية متساندة مترابطة وهي تتعرض للأهوال .
البعد الثالث : " النظام " :
من ضرورات الحياة البشرية ، وفي هذه الأيام خاصة يتردد القول بأنه من " التحديات الحضارية " التي تواجه هذه الأمة .
والبيئة التي انتشر فيها الإسلام – بقدر من الله – تقع كلها – ما عدا النادر منها – في المنطقة الحارة والمنطقة المعتدلة الحارة ، وهذه البيئة فوضوية بطبيعتها !
إن الحياة – في معظمها –سهلة رخية ، لا أحد يموت من الجوع إلا النادر ، ولا أحد يموت من البرد إلا النادر .
أقل قدر من الطعام يمكن أن يحفظ الأولاد لأنه لا يوجد البرد القارس الذي يستهلك الطاقة ويحتاج إلى " الوقود " الغذائي المتجدد .
كذلك لا يحتاج الإنسان أن يختزن في أعصابه تدبيراً وترتيباً للمستقبل ، لأن المستقبل في حسه مثل الحاضر ، والحاضر تقضى أموره بصورة من الصور ليس فيها ترتيب مسبق ولا تدبير كثير . ومن ثم لا يحتاج الإنسان أن " يخطط " للمستقبل ، ولا أن يمد بصره أو تفكيره إلى بعيد ، فحين يأتي الغد بمشكلاته ، نحلها بذات العفوية التي نحل بها مشاكلنا الحاضرة ! ومن ثم تتسم طباع أهل المنطقة – المستمدة من تأثير البيئة – بالعفوية الشديدة و" قصر النفس "، لأن النفس الطويل لا يفترق في نتائجه العملية – في حسهم – عن النفس القصير الذي يواجه المشاكل – وقت حدوثها – وينتهي منها في لحظتها، وينصرف إلى غيرها !
وخلاصة القول أن أهل هذه البيئة – حين يتركون لتأثير البيئة وحده – قوم يكرهون النظام ، ويرونه عبئاً ثقيلاً على أعصابهم لا ينبغي أن يحملوه ، ولا ضرورة – في حسهم – لحمله .
وقوم عفويون يكرهون التخطيط والنظر إلى بعيد ، ويرونه كذلك عبئاً ثقيلاً على أعصابهم لا موجب له ، وهم أخيراً قوم قصار النفس يشتعلون حماسة لفترة موقوتة ، ثم تخبو حماستهم كأن لم تشتعل قط ، وتنصرف إلى موضوع جديد .
من هذه الطباع – المستمدة من تأثير البيئة – تسلمهم الإسلام فأنشأ منهم خلقاً آخر.
أنشأ منهم بادئ ذي بدء أمة شديدة التنظيم ، لا تكره النظام ولا تتمرد عليهن بل تسارع إليه وتمتثل لمقتضياته .
وليس بنا – هنا – أن نستطرد كثيراً إلى الوسائل التي غير بها الإسلام طباع هذه الأمة المستمدة من البيئة ، والموروثة فيها قروناً إثر قرون .
ولكنى كلما قرأت في كتب السيرة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفنا للصلاة كما يصفنا للقتال " تهتز نفسي تأثراً وعجباً لهذا المربى العظيم صلى الله عليه وسلم كيف كان يعد هذه الأمة لمهمتها .
لتكون "خير أمة أخرجت للناس"وأعجب لهذا الدين كيف يصنع في النفوس، فيغير من الطباع ما يبدو لأول وهلة داءً مستعصياً على الحل!
كان عليه الصلاة والسلام لا يبدأ الصلاة حتى يرى الصف قد استقام ، وكان يقوّم الصف بيديه الشريفتين ، يلصق كتف هذا بذاك ، وقدم هذا بذاك ، حتى يقوّم صف الصلاة كصف القتال ، كأنه بنيان مرصوص !
والإسلام كله نظام ودقة ، مع سماحته التي تعطف على الضعف البشرى ولا تلعنه ما دام صاحبه لا يصر عليه ، ومع نداوته التي تتعامل مع النفوس البشرية لا على أنها آلات وأدوات ، ولكن على أنها مشاعر وعواطف ، فيرفع عنها الحرج :
( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) [سورة آل عمران 3/135-136]
( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) [سورة الحج 22/78]
( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [سورة المائدة 5/6] .
ويتبدى التنظيم واضحاً في العبادات خاصة ؛ فالصلاة مواقيت ، والصوم مواقيت ، والحج مواقيت، والزكاة مواقيت ؛ فضلاً عن التنظيم الدقيق في كل عبادة من هؤلاء ، وخاصة في الصلاة والحج .
والقرآن يعلم المؤمنين النظام والدقة في الآداب التي نسميها اليوم " الآداب الاجتماعية " :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ) [سورة النور 24/27-29] .
والتربية الإسلامية التي رباها الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه جعلت منهم أمة منظمة تنظيماً دقيقاً على أساس " إنساني " لا على أساس آلي .(2/78)
وتلك مزية الإسلام ؛ فهو ينظم الحياة - في جميع جوانبها - مع المحافظة على " إنسانية الإنسان " ألا يتحول إلى آلة ، فيفقد العمل دلالته النفسية التي يؤدى من أجلها ، بل يظل الإنسان - مع محافظته على النظام - واعياً لأهداف وجوده ، مريداً لتحقيقها في كل مرة ، لا مدفوعاً دفعاً آلياً إليها .
ومع النظام لم تعد العفوية هي صورة العمل في الأمة الإسلامية ، لأنه لكل عمل ضوابطه الشرعية ، وللشريعة في كل عمل " مقاصد " ينبغي تحقيقها .
ومن ثم يراجع الإنسان كل عمل يعمله ليرى هل هو في دائرة الحلال المباح أم خرج عنها، ويراجع النتائج التي يمكن أن تترتب على عمله ، ليرى هل هي متمشية مع مقاصد الشريعة أم مخالفة لها .
ومع النظام والانضباط والنظر في النتائج رباهم الإسلام على النفس الطويل والرؤية البعيدة ؛ فهناك هدف بعيد لكل فرد ، وهناك أهداف ممتدة لمجموع الأمة .
فأما الفرد فقد رباه الإسلام على أن يعمل لا ناظراً لدنياه وحدها ، ولا لغده القريب وحده ؛ بل وضع له هدفاً يتجاوز العالم المشهود كله ، والحياة الدنيا كلها .
ليصل به إلى عالم الغيب وإلى اليوم الآخر ؛ فيعمل في دنياه الحاضرة وفي لحظته الحاضرة وهو ناظر إلى عالم بعيد بعيد يتجاوز كل مدى الحس ، ولكنه حاضر في قلبه كأنه يراه أمامه ، وكأنه متحقق في هذه اللحظة .
ويعمل وفي حسه ذلك الهدف البعيد الذي يسعى كل لحظة إلى تحقيقه ، وهو الجنة ورضوان الله، هدف لا يمكن أن يوجد في حس البشرية كلها هدف أبعد منه .
ومع ذلك فهو متعلق به دائماً ، يشعر في كل لحظة أن كيانه كله مرتبط به ، وأن كل خطوة يخطوها هي خطوة على الطريق إلى ذلك الهدف البعيد .
وأما الأمة فقد رباها الإسلام على أن مهمتها لا تنحصر في تحقيق كيانها الذاتي المحدود ، ولا في أن تعيش لحظتها الراهنة ، وإنما لها هدف ممتد في الحياة الدنيا ، وممتد من الحياة الدنيا إلى الآخرة ، ذلك هو دعوة البشرية كلها إلى النور الرباني ، والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا في كل الأرض ، لتكون شاهدة على البشرة كلها في اليوم الآخر :
( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )[سورة البقرة 2/143] .
ولقد ظلت الأمة تلاحق هذا الهدف ما يقرب من عشرة قرون متوالية ، لا تفتر حماستها له ، ولا تتقاعس عن الجهاد من أجله ، جيلاً بعد جيل ، وهذا " أطول نفس " عاشته أمة في التاريخ .
ولكن خط الانحراف الطويل الذي مررت به الأمة ، وآثاره فيها ، ظل يحدث انحساراً مستمراً في حقائق الإسلام ، وفي فاعليتها في نفوس الناس .
فارتدت الأمة رويداً رويداً إلى تأثير البيئة ، ذلك أنه في غيبة العقيدة الحية المتمكنة من النفوس تصبح البيئة هي صاحبة التأثير ، ومن ثم رجعت الأمة إلى طبيعتها الفوضوية التي تكره الانضباط ، العفوية التي تكره التخطيط ، القصيرة النفس التي تكره الرؤية البعيدة ولا تطيق المتابعة للأمد الطويل .
وإذ كانت هذه هي حالة الأمة - كما هو واضح لكل من يدرس أحوالها - فمن يصلحها ؟!
هل تصلحها الأحزاب السياسية الموالية للغرب ، وهي لا تضع ذلك في برامجها ، ولا تقدر عليه حتى إن قصدت إليه .
وهذه هي تجربة قرن كامل من الزمان ، كانت الأمة منجرفة فيه إلى تقليد الغرب والذوبان فيه ، فما استطاعت الأحزاب الموالية للغرب ، والداعية إلى التغريب ، أن تصلح شيئاً في هذا المجال ، وظلت الأمة - إن لم تكن قد زادت - في فوضويتها الكارهة للنظام ، وعفويته الكارهة للانضباط ، وقصر نفسها الذي يشتعل حماسة للحظات ، ثم تنطفئ الحماسة وتخمد العزائم وتنصرف الجهود !
هل تصلحها الأحزاب الشيوعية ، وهي لا تضع ذلك في برامجها ، ولا تقدر عليه حتى إن قصدت إليه ، وهذه هي تجربة ما يزيد على ربع قرن في البلدان التي ابتليت بها من العالم الإسلامي ، لم تغير شيئاً من حال الناس ، إن لم تكن قد زادتهم انحرافاً في كل جوانب الحياة !
إنه لا يقدر على إصلاح آثار هذه البيئة إلا العقيدة ، ولا يقدر على إصلاحها إلا أصحاب العقيدة الصحيحة ، والواعون لحقيقتها ، الذين تربوا تربية إسلامية صحيحة ، كتلك التي رباها الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، فتستطيع هذه التربية - كما استطاعت أول مرة - أن تنشئ النفوس نشأة جديدة ، منظمة منضبطة طويلة النفس ، تزيل آثار الانحراف ، وتعيد الأمة إلى ما كانت عليه وقت استقامتها على هذا الدين ، ولا بهدف مواجهة " التحديات الحضارية " التي يذكرها بعض الناس وهم يتكلون عن " الإصلاح " المطلوب ، بل يهدف إعادة الأمة إلى " خيريتها " التي أخرجها الله من أجلها :
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) [سورة آل عمران 3/110]
وهو هدف يتجاوز كل " التحديات الحضارية " إلى ما هو أعلى وأنفس ، خير الدنيا والآخرة على السواء .
ترى كم جلسة .. كم درساً .. كم موعظة .. كم توجيهاً .. يحتاج إليها الإنسان الفرد ، وتحتاج إليها الجماعة ، وتحتاج إليها " القاعدة " ليتمثل فيها أولاً هذا " المعنى " ثم لتكون قادرة على إعطاء المثل لغيرها ، فتستطيع بالتالي تربية الأمة كلها - أو من يستجيب منها - على هذه الصفات وهذه الأخلاقيات الضرورية لها ، لتتجاوز أزمتها الحاضرة وتأخذ في الصعود ؟!
تلك ثلاثة أبعاد للتربية من بين أبعاد كثيرة في مجالات مختلفة ، ليست مثلاً خيالية ، ولا هي " تحديات " ! إنما هي شروط ضرورية لقيام القاعدة المطلوبة ، التي تستطيع أن تتحمل العبء الملقى عليها في مواجهة الجاهلية المتربصة بالكيد .
ومن هذه النماذج - ومن غيرها الذي لم نذكره - يتضح جلياً أن أمامنا شوطاً طويلاً في مجال التربية لا غنى لنا عن المضي فيه، قبل أن يحق لنا أن نتساءل: وماذا بعد ؟!
إن بعض مجالات التربية قد قطعنا فيه شوطاً ولم نصل ، وإن بعضها الآخر لم نبدأ فيه بعد! وكل تعجل في ميدان التربية بالذات لا يأتي بخير .
لأنه يكون بمثابة إقامة بنيان على غير أساس ، أو على غير أساس مكين ، فكلما ارتفع كان عرضة للانهيار .
والذين يستطيلون الطريق ، ويحسبون أن هناك طرقاً أقصر وأخصر ، ينبغي أن يأخذوا عبرة التجربة ، سواء كانت التجربة هي مذبحة حماة ، أم كانت هي التجربة " السياسية " في تركيا ؛ فإذا كنا لا نعتبر بالأحداث ، فذلك في ذاته دليل على نقس في تربيتنا يحتاج إلى علاج .
=============
واجب الشباب عند فساد الزمان
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- كثرة الخبَث هي فساد الزمان 2- خرج الاستعمار وبقيت أذنابه 3- الهجمة التنصيرية على أفريقيا 4- دعوة لتدبر القرآن الكريم وإسماعه للناس 5- الدعوة بالتي هي أحسن 6- الإعداد والاستعداد سابق على الجهاد 7- معنى كلمة الجهاد وأهداف الجهاد الإسلامي 8- العلم قبل القول والعمل 9- طُرق تعلّم العلم 10- مبدأ الشورى 11- ثمان قواعد ضرورية لكل شابٍ مسلم
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:(2/79)
ففساد الزمان مصطلح فقهي يريد به علمائنا فترات الانحطاط التي يغلب فيها الخبث وتكثر فيها المعاصي حتى يألفها ويعتادها الناس وتفسد بذلك أكثر طباعهم وآدابهم وتختل موازينهم وضوابطهم ولا شك أن الوقت الذي نحن فيه اليوم قريب الشبه بهذه الأوقات لقد برزت ظواهر الخلل في مجتمعاتنا بشكل واضح سواء في التصورات والأفكار والعقائد التي ابتليت بأمرار الشبهات أو في مجال الأخلاق والآداب والسلوك التي ابتليت بأمرار الشهوات فان ظواهر الانحراف والخلل واضحة بارزة في مجتمعاتنا ومما أدى إلى استفحال ذلك الفساد في هذا الزمان الذي نعيش فيه أن الاستعمار الغربي خرج من الباب ليعود من النافذة مستغلاً تلك الطبقة من أذنابه وصنائعه والتي عمل بكل مكر وحيلة على تكوينها وتهيئتها وزرعها في جسم هذه الأمة فهو خرج من الباب ولكنه ترك بؤرة في جسد الأمة تؤدى وظيفة إفسادها ولعوامل كثيرة وبسبب دعم هذا الاستعمار لهذه الفئة فانهم وللأسف الشديد قد تمكنوا من مقدرات الشعوب المسلمة في أكثر البلاد الإسلامية تمكنوا من مراتب السلطة والقيادة والتوجيه في أكثر البلاد الإسلامية فالإعلام والتعليم وتوجيه الشباب والشابات وغير ذلك من مراكز التأثير والقيادة والتوجيه. وفي أيدي هؤلاء في معظم البلاد الإسلامية وأكاد أقول في جميع البلاد الإسلامية وقد عملوا ونفذوا وخططوا وبذلوا جهوداً متواصلة ومدروسة ومبرمجة لإفساد هذه الأمة ولكن العجيب وهذا سر من أسرار الدين وطبيعة من طبائعه أن تلك الجهود المتواصلة المدروسة المبرمجة والتي سخرت لها الوسائل المتطورة بشكل كبير مما يشاهد في عصرنا وزماننا أنها سرعان ما تنهار بمجرد أن ينبثق بصيص من نور الإيمان في القلوب , فأي جهد إيماني صادق ولو كان يسيراً يفعل فعله في النفوس أكثر مما تفعله تلك النشاطات التخريبية التي يقوم بها دهاقنة الفساد في العالم, المهم أن يبدأ نور الإيمان في القلوب بداية صحيحة سليمة فإنه يتفجر بعد ذلك في النفس البشرية تفجراً عجيباً كتفجر تلك العيون الإثنتا عشرة من الحجر إذ ضربه الكليم موسى بعصاه , وخطوات إيمانية صادقة سليمة يتخذها أهل الإيمان مهما كانت قليلة محدودة فإنه يكون لها من البركة والتأثير الشيء العجيب في إصلاح النفوس أو في إبطال كيد أولئك المفسدين كأنما هي عصا الكليم موسى عليه السلام تلقف ما يأفكون. إنهم اليوم وهذا مثال يبذلون جهوداً لتنصير القارة الإفريقية السوداء وينفقون بلايين الدولارات ويستخدمون في سبيل ذلك الوسائل المتطورة حتى الأقمار الصناعية ومع ذلك يقفون في حيرة وهم يتناجون بغيظ وحنق يحذر بعضهم بعضاً يقولون: إن الإسلام يزحف على القارة الإفريقية هم يقولون ذلك عجيب هذا كيف يزحف الإسلام على القارة الإفريقية مثلاً وليس ورائه من الهيئات الدولية أو ذات النفوذ والإمكانيات ولا مثل عشر تلك الهيئات التي تقف وراء التنصير, والوسائل الفقيرة الضئيلة المحدودة التي يستخدمها كتائب الدعاة المسلمين على قلتهم بهذه القارة لا تنافس أبداً تلك الوسائل الهائلة التي يستخدمها دهاقنة التنصير في إفريقيا فكيف يزحف الإسلام على هذه القارة؟ إنه لا شك سر عجيب في هذا الدين ولعل مكمن هذا السر في أن قوة هذا الدين مستمدة من قوة منزله سبحانه وتعالى الذي شرع هذا الدين وأنزله له الأمر كله وله التدبير كله يتصرف في خلقه كيف يشاء كثيرون ممن تقلبوا في برامج التنصير أو غيره من برامج الانحراف الفكري أو الخلقي تبحث نفوسهم خلال ذلك عن مستقرها فلا تجده ولكنهم مع ذلك يماطلون أنفسهم بالأوهام ويعاندون فطرتهم ولكن في لحظة تجلي للعقل والفطرة بمجرد أن يسمع الإنسان ولو كان كافراً آيات من القرآن الكريم تقذف فيه من التأثير الشيء العجيب بشرط أن يكون ذلك في لحظة تجلي للعقل وللفطرة ففي مثل هذه اللحظة مؤمناً كان أو كافراً آية من القرآن الكريم أو آيات حتى ولو لم يفقه معناها لأول وهلة فإن للقرآن تأثيراً وبركة من كونه كلام الله وخطاب الله لهذا الإنسان ولذلك كان بعض السلف يقولون من أراد أن يتحدث مع الله فليقرأ القرآن, فالقرآن كلام الله وخطاب الله للإنسان ولذلك إذا قرعت آياته النفس البشرية في لحظة تجلى للعقل وللفطرة فإن الإنسان قلما يقاوم جاذبية هذا القرآن وقوته, قال تعالى: ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو كلمت به الموتى لو أن كتاباً مقروءاً يمكن أن يحدث هذا التغيير في الجبال أو الموتى لكان هذا هو هذا القرآن ولذلك أيضاً قال الله تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ولكن المقصود ليس هو أن نغرق وإياكم في الأحلام والخيالات فإن الرب عز وجل قد حذرنا من ذلك فقال: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به أنا لا أريد بهذا أن نغرق جميعاً في الأحلام والأماني العريضة والخيالات ولكن المقصود هو أن نتبين معالم الطريق وأن نتعرف واجبنا في مثل هذا الزمان الكئيب والذي أريد أن أنبه إليه إخواننا الشباب أربعة معالم من معالم الطريق التي يجب أن يسلكوها جميعاً إذا التزم الشاب المسلم الجادة الصحيحة وتثبت من سلامة موقفه وصحة خطواته وأنه على الصراط المستقيم, صراط الله العزيز الحميد وأنه على منهج السلف صفوة هذه الأمة وقدوتها ورعيلها الأول لا خوف عليه ولا يحزن ولا يبالي بالدنيا وما فيها المهم هو أن نتثبت من صحة مواقفنا وسلامة خطواتنا وأننا على منهج السلف الذين هم قدوتنا. أربعة معالم أحببت أن أوصى إخواننا الشباب بالعناية بها وهي: العلم والعمل والدعوة والجهاد.(2/80)
فأول ما يجب على الشاب المسلم في هذا الزمان وفي غيره أن يتعلم دين الله عز وجل على منهج السلف, ومنهج السلف يقرن فيه العلم بالعمل فلا شيء في منهجهم اسمه الترف الفكري ولا شيء في منهجهم اسمه العلم للعلم بل العلم للعمل ولذلك ما لا يتعلق به عمل من العلوم فإنهم لا يضيعون أوقاتهم فيه ولا يصرفون أعمارهم فيه , أكثر رجل من الأسئلة لأبي الدرداء رضي الله عنه وأبو الدرداء يجيبه ثم قال له أبو الدرداء: أو تعمل بكل ما تسأل عنه. قال: لا. قال: فما حاجتك إلى كثرة الحجج عليك. وأنتم تعلمون أن منهج السلف في تلقى العلم هو تلقي العلم والعمل معاً فلا شيء في منهجهم اسمه الترف الفكري ولا شيء في منهجهم اسمه العلم للعلم فما لا يتعلق به عمل من العلوم ترف فكري ولا يصرف السلف أوقاتهم فيه وأعمارهم من أجله وهم يعلمون أن الأعمار محدودة وأن التكاليف عليهم يجب أن يبادروا إلى أدائها. فعلى الشاب المسلم أولاً أن يتعلم دين الله على منهج السلف ثم عليه أن يؤدي رسالته في المجتمع أن يقوم بواجبه نحو هذه الأمة بالدعوة , فالعلم الصحيح الذي تلقاه يجب أن يبثه وينشره , ونعلم جميعاً أن الهدف من الدعوة هو الإقناع بالحجة والبرهان والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن , هذا هو الأصل في وسيلة الدعوة فمن تصور أن العنف هو الوسيلة الأسرع والأقرب لفرض مبادئ هذا الدين فلا شك أنه واهم لا يعرف طبيعة هذا الدين , لو كان الأمر كذلك لفرض القتال منذ نزول أول آية في مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولو كان الأمر كذلك لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الشطر الأكثر من عمر الدعوة في تربية النفوس وتعليم مبادئ هذا الدين بالإقناع وبالحجة والبرهان ولكن ليس معنى هذا أن نلغي من برامجنا وأن نسقط من قائمة مبادئنا ركن الجهاد فان الجهاد حياة كاملة وهو من طبيعة هذا الدين التي لا تنفك عنه أبداً إلى يوم القيامة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري)) وفي حديث آخر صحيح وصف الجهاد بأنه ذروة سنام الإسلام. ولكن الجهاد هو قمة المرحلة تسبقه مراحل من الإعداد للجهاد, لو كان الجهاد هو المرحلة المبكرة لما أجل تشريعه إلى المرحلة المدنية وقد قيل إن قوله تعالى : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير أن هذه الآية نزلت أثناء الهجرة النبوية إلى المدينة , فالجهاد هو قمة المرحلية تسبقه مراحل كثيرة من الإعداد والاستعداد.
والجهاد له مدلولان مدلول عام بمعنى بذل الجهد والوسع والطاقة في سبيل إعلاء كلمة الله وحماية الدعوة ورفع الظلم عن المظلومين فالإسلام ليس ديناً خيالياً مغرقاً في الأحلام والأوهام انه دين الفطرة , الدين الذي يلائم طبائع البشر. ودهاقنة الفساد في العالم وطواغيت الظلم والجور في العالم لهم مصالح متشابكة أقاموها على العبودية لهم التي فرضوها على رقاب ضحاياهم ولهم مكاسب متشابكة أقاموها على السلب ونهب حقوق الناس.
و المسلم عندما يبث دعوته ملخص أهدافه في شيئين أنه يريد أن يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام, فإذاً توحيد الله حتى لا يذل الإنسان لغير الله ونشر العدل بين الناس في الواجبات والحقوق, هذان هدفان لا يرضى بهما دهاقنة الفساد ولا طواغيت الجور, إنهما الصدام المباشر مع شبكة مصالحهم ومكاسبهم ولذلك إذا رأوا المسلم ينشر دعوته ليفتح أعيناً عمياً وآذاناً صماً فلا نتوقع أنهم يقفون مكتوفي الأيدي سيحاربونه ويقاومونه بكل قوة ومن هنا شرع الجهاد بمعنيين العام والخاص فبمعناه العام بذل الجهد والطاقة لإعلاء كلمة الله ونشر الدعوة ورفع الظلم عن المظلومين وهو بهذا المعنى يرادف الدعوة, وأما معناه الخاص فهو القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ولرفع الظلم أيضاً عن المظلومين, قال تعالى: وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً فالجهاد في معناه الخاص هو قمة مراحل حركة الإسلام ودوران رحاه , هو ذروة السنام, والذروة لا تأتي لأول وهلة ولذلك يجب أن يسبق الجهاد مراحل من الإعداد فإن الجهاد حياة كاملة يعيشها المسلم.
وأريد أن أعود فأركز على الواجب الأول على شبابنا المسلم الذي هو التعلم , تعلم دين الله عز وجل فكما يقول السلف: العلم قبل القول والعمل , فالعلم ركن أساسي في مسيرة الشباب المسلم لأنه الوسيلة الوحيدة لتصحيح التصورات والأفكار والعقائد والعمل والدعوة , والتعلم في الإسلام له طريقان: طريق التلقي على الشيوخ فليس بد من أن تجثو على ركبتيك عند ركبتي شيخ يعلمك دين الله عز وجل ويربيك عليه يعطيك العلم والأدب فإذا ما وجدت عالماً ربانياً مربياً فقيهاً فهذا هو المصدر الحقيقي للعلم في الإسلام, قال تعالى: ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ففي هذه الآية فئتان من الناس معلمون مربون فقهاء ومتعلمون يدرسون أي يقرئون ويفهمون ويحفظون, هذا هو الطريق الأول والأساسي لتلقي العلم في منهج السلف فما لم تتلقى العلم على شيخ يعطيك العلم والأدب فأنت لم تسلك منهج السلف في التعلم , حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلقى القرآن الكريم لم ينزل عليه القرآن الكريم كما نزل على موسى عليه السلام صحفاً مكتوبة جملة واحدة, رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتلقى القرآن على جبريل يسمعه من جبريل بل في كل عام في رمضان يعرض أيضاً ما أنزل عليه على جبريل فيدارسه القرآن, يقرأ جبريل أولاً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ثم يقرأ الرسول وجبريل يسمع, وأخذ علماء الإسلام من هذا طريقة تلقي القرآن الكريم أنه يكون بالعرض والسماع فلابد من كليهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل وعرضه على جبريل وحتى عندما كان يعجل القرآن بلسانه وجبريل يقرأه عليه نزل قوله تعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به إنا علينا جمعه وقرآنه أي إن علينا تعليمك قراءته وإن علينا جمعه مكتوباً في السطور, هذه هي الطريقة التي تلقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن من جبريل, فلابد في تلقي العلم من أن تتلقاه على شيخ فإن وجدت شيخاً ربانياً معلماً فقيهاً فالزمه فإنه المصدر الأول والحقيقي في منهج السلف.(2/81)
والطريقة الثانية لتلقي العلم المدارسة ومعناها التعامل والتشاور على العلم وهذا الأسلوب يعلم الشباب أشياء كثيرة, يعلم الشباب العمل الجماعي وروح العمل الجماعي يتعاونون ويتشاورون في طلب العلم, كما أنه يعلمهم ويربيهم على روح الشورى فالشورى مبدأ أساسي في حياة المسلم يجب أن يربي نفسه عليه, الشورى في كل شيء حتى في طلب العلم, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك هذا المبدأ حتى في أحلك الأوقات وأكثرها حرجاً ففي غزوة أحد مثلاً لما وصل معسكر المشركين إلى أطراف المدينة وعسكر غربي أحد ثلاثة آلاف مقاتل ومائتا فارس وصلوا إلى أبواب المدينة وعسكروا هناك ومع ذلك وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرورة في هذه اللحظة الحرجة الخطيرة ليجمع مجلس شوراه شباباً وشيوخاً ويشاورهم الرأي يعرض عليهم اقتراحه دون أن يلزمهم به ويطلب منهم آرائهم واجتهاداتهم في المحنة التي حلت بهم, وانظروا كيف يطبق رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ الشورى بصرامة ودقة , يعرض عليهم رأيه واجتهاده أن يتحصنوا بالمدينة ثم يؤكد على هذا الرأي بأن يذكر لهم الرؤيا التي رآها :رأيت بقراً تذبح ورأيت ثلمة في ذباب سيفي ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة. هكذا قال لهم الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم , وبالرغم من هذا لم يلاقي هذا الاقتراح القبول عند أغلبية الصحابة رضى الله عنهم هم يتوقدون إيمانا ويتفجرون حماساً لملاقاة أعدائهم لعلهم يكسبون الشهادة أو النصر وخاصة أن كثيراً منهم لم يحضر بدراً فتأسف على أن فاته شرف المقاتلة في سبيل الله في بدر فهو متحرق لملاقاة العدو في هذه الفرصة السانحة, حتى إن بعضهم مما لا يهاب شيئاً في سبيل الله عز وجل كأسد الله ورسوله حمزة رضي الله عنه قال للرسول: حتى لو بقيتم في المدينة فلأخرجن إليهم يا رسول الله فأصارعهم بسيفي, وأمام هذا الحماس المتقد وأمام هذه الأغلبية ينزل الرسول صلى الله عليه وسلم عند رأيهم مع يقينه القاطع بأن رأيه الذي عرض هو الأصوب, كلا الرأيين صواب فالأمر في مجال الاجتهاد, ليست القضية قضية حق وباطل إنما هي قضية مقارنة بين اجتهادين أحدهما أصوب من الآخر ومع علمه صلى الله عليه وسلم ويقينه بأن رأيه الذي عرضه عليهم هو الأصوب وهو الأولى بالتنفيذ فإنه أخذ في اعتباره رأي الأغلبية صلى الله عليه وسلم, ولكن مبدأ الشورى في حياتنا نحن المسلمين ليس معناه الارتباك والاضطراب في الرأي والتردد والضعف والخور, فإن التردد والإرتباك والنزاع والخلاف ضعف وخور ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أقر رأي الأغلبية ودخل إلى بيته يحف به وزيراه أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما فعممه أبو بكر ألبسه العمامة على المغفر ثم ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في درعيه أي لبس درعيه مبالغة في الأخذ في الأسباب والاحتياطات اللازمة, أثناء ذلك ندم الصحابة وقال بعضهم لبعض: استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ما يرى فلما خرج قالوا: لقد استكرهناك يا رسول الله على غير ما رأيت فامض إلى ما رأيت إن شئت فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبي إذا لبس لئمة الحرب أن يضعها حتى يلاقي عدوه ويحكم الله بينه وبينه فامضوا إلى ما رأيتم وتوكلوا على الله.
هذا تفسير عملي من النبي صلى الله عليه وسلم لآية الشورى التي نزلت في سياق غزوة أحد فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله , فمبدأ الشورى في حياتنا نحن المسلمين مبدأ أساسي في كل شيء في جميع المستويات على مستوى القادة والموجهين وعلى مستوى الأفراد وعلى مستوى الشباب المسلم , يجب أن نربي أنفسنا على روح الشورى وخاصة في العلم وفي طلبه كلكم سمعتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليم السكينة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)), يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم يتعاونون ويتكاتفون في درس القرآن وفهمه وحفظه يعين بعضهم بعضاً ويكمل بعضهم بعضاً , هذه هي الشورى في طلب العلم فإن الشورى معناها في الحقيقة أن تضع في اعتبارك ما عند الآخر فتجمع ما عندك إلى ما عنده لعلكما تتوصلان معاً إلى الصواب أو إلى أكبر قدر من الصواب فقد يكون الذي عندك بعض الصواب وباقيه عند أخيك المؤمن أو إخوانك المؤمنين وربما كان الصواب كله عندهم وليس عندك شيء منه فكن وأنت تتعلم على منهج السلف فبتلاقح الاجتهادات وتكاتف الشباب المسلم في طلب العلم يتوصلون بذلك إلى الصواب بإذن الله عز وجل وتوفيقه. وهل أصابنا ما أصابنا من إحباط وفشل ومصائب وكوارث إلا نتيجة للانحراف عن المنهج الذي قد يعتريه مسيرتنا أو للخلل الذي قد يطرأ على حياتنا, فعلينا أن نتخذ الوسائل الشرعية اللازمة لتلافي ذلك وتجنبه ومن أهم هذه الوسائل كما أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التعاون والتكاتف أي العمل الجماعي حتى في طلب العلم فما بالك في العمل فإن التدارس هو الطريق الثاني لطلب العلم, أما ماذا يطلب الشاب المسلم من العلم؟ وكيف يطلب العلم؟ وما هو المنهج الذي يسلكه؟ فقد بينت ذلك بشيء من التفصيل في محاضرة سابقة ألقيتها في الطائف بعنوان: "برنامج عملي للمتفقهين" ذكرت فيه ثماني قواعد ضرورية لازمة لكل شاب مسلم يريد أن يتعلم دين الله عز وجل ويتفقه فيه نسردها بإيجاز تذكيراً لكم:
القاعدة الأولي: أن يصحح نيته أولاً ويسلم من الشهوتين شهوة طلب العلم من أجل المكاسب والمغانم وشهوة طلب العلم لنيل الرئاسات والشرف.
القاعدة الثانية: أن يكون أول علم يطلبه هو التوحيد والفقه لأنه بهذين العلمين يصحح عقيدته وتصوراته ويصحح عمله فإذا طلب العقيدة وطلب علم التوحيد عليه أن يحرص على أن يطلبه على منهج السلف الذين هم صفوة هذه الأمة وقدوتها ونعني بالسلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن نهج منهجهم ممن جاء بعد ذلك, ومن أراد أن يطلب فقه الشريعة أو فقه الأحكام فعليه أن يستعين بواحد من المذاهب الفقهية المخدومة الزاخرة الغنية يتوصل به إلى الفقه ولا يجعله غاية له يجمد عنده وينحبس فيه, وعليه إذا طلب العلوم الشرعية أن يركز على الجوانب العملية في هذه العلوم لأنه كما قلنا لأنه ليس من منهج السلف أن تطلب العلم للعلم إنما تطلبه للعمل فما يتعلق به عمل تطلبه وتفني فيه وقتك وعمرك, وما لا يتعلق به عمل فاتركه فإن عمرك لا يمكن أن يسع لكل تلك العلوم, ما لا يتعلق به عمل يعد في منهج السلف من باب الترف والترف الفكري الذي لا طائل ورائه ولا فائدة تحته. فإذا طلبت العلم فاحرص على أن تطلبه من الأكابر ما أمكنك ذلك لا من الأصاغر وأن تطلب كل علم من أهله فكل علم يسأل عنه أهله هذه قاعدة معروفة عند السلف, هذا بينته بشيء من التفصيل أسأل الله عز وجل أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح وأن يهيئنا ويسخرنا للدعوة إليه وفي سبيله أقول هذا وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
=============
المتحدثون عن الإسلام في زمان الفتن
سعود بن إبراهيم الشريم
مكة المكرمة
25/7/1422
المسجد الحرام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة(2/82)
1- محاسن الشريعة. 2- دعوة السنة. 3- الثوابت الشرعية في أعقاب الزمن. 4- المسيئون في حديثهم عن الإسلام. 5-التحذير من الفتن. 6- سبيل النجاة. 7- التحذير من اليأس والقنوط. 8- اتقاء الفتن وكف اللسان فيها. 9- احترام العلماء والأمراء والإخوان.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس، إن شريعة الإسلام شريعةٌ غراء، سِمَتُها الجُلَّى أن يعبد الله وحده في الأرض ولا يشرك به، مُتْبعةً بقواعد فرضها رب البرية، هي خيرٌ كلها، ونورٌ كلها، وسلامٌ كلها، وفرحٌ كلها، إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:19]، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
الدين الإسلامي ـ عباد الله ـ هو شريعة الله العادلة للعالم أجمع، وما إرساله لخاتم رسله إلا للناس كافةً بشيراً ونذيراً، من أجل أن يدخل الناس في دين الله وصبغته، صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةًَ [البقرة:138].
الدين الإسلامي ـ عباد الله ـ هو شريعةٌ مبناها على الاتباع لا الابتداع، وعلى الاقتداء والتأسي لا على النكوص والتنسِّي، ودين المرء لن يكون ديناً حقاً إلا إذا كان الخضوع فيه للحق سبحانه دون سواه.
وإن خير هدي ينتهجه الناهجون هو هدي رسوله ، وهيهات هيهات أن يأتي الناس في أعقاب الزمن بأهدى منهما حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً [النساء:82]، قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [القصص:49].
إنه في أعقاب الزمن ـ عباد الله ـ، ووسط عصور الانتقال تتعدد مسالك الحياة، وتتزاحم تداعياتها، هبوطاً وصعوداً، بمدى قرب الناس من دينهم أو بعدهم عنه، ومكان رسالة خاتم النبيين بين ذلك كله أنها دعوة كمال وعدل، فكلما تردد الإنسان عبر هذه العصور التي تُسمى عصور الانفتاح بين طريقين اثنين، أو حارت نفسه في اختيار أحد مسلكين، فإن السنة تدعوه ـ ولا شك ـ إلى خيرهما، وإذا تردد العقل في خضم هذه النوازل المدلهمّة بين الحق والباطل، والزَّين والشَّين، دعته السنة إلى الحق والزَّين ؛ لأن الحق أبلج، والباطل لجلج(1)[1].
وبهذا يُعلم أن دعوة السنة وسط هذه الزوابع إنما تكون لأصعب الطريقين، وأشق الأمرين بالنسبة لأهواء البشر، المحاطة بعالم أصبح عبر وسائله المختلفة كالكتلة الواحدة، ولا غرو في ذلك فإن النار حُفَّت بالشهوات، والجنة حُفَّت بالمكاره.
ويبدو ذلك بوضوح في أن الانحدار مع الهوى سهل يسير، ولكن الصعود إلى العلو من الصعوبة والمشقة بمكان، ألا ترون ـ حماكم الله ـ أن الماء ينزل وحده حتى يستقرَّ في عمق الوادي، ولكنه لا يصعد إلى العلو إلا بالجهد والمضخّات.
أيها المسلمون، إن البعد عن زمن النبوة مظنة ـ ولا شك ـ [للبعد] عن تعاليمها وآدابها، فرسول الله يقول: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) (2)[2]، ويقول أيضاً: ((إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)) (3)[3]، ويقول أيضاً: ((لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم)) (4)[4].
ولأجل هذا ـ عباد الله ـ فإن الثوابت الشرعية من توحيد الله، والإيمان به، والدعوة إليه، والحب والبغض فيه، قد يذوي(5)[5] أكثرها أو بعضها مع مرور الزمن، وغلبة الأهواء، وشيوع الهزل، حتى إنها لتحتاج إلى من يردّ لها الحياة بعدما اعتراها ما اعتراها من ذبول، إذ لدينا كتاب الله لا تخلق جلدته، ولا تفنى ثروته، ولدينا نور نبوة مُلهمَ السيرة، نقيَّ السنن.
وإذا كان الأمر كذلك، فكيف تعمى النفس المؤمنة مع هذا الإشعاع؟! بل كيف يستوحش المرء في هذا العالم الموّار، ومصدر الأمن والطمأنينة فوق ظهره محمول؟! شريطة أن لا يغفل عن قوله سبحانه: الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
إنه رغم الدمار البالغ الذي تصاب به المجتمعات حيناً بعد حين، والوكزات التي تتلقاها أمة الإسلام فجأةً، ثم هي تصرع أمامها إثر تقويض الرابطة الإسلامية الجامعة الحقة، وعلى الرغم من المكانة الملحوظة التي وفّرها الإسلام للمجتمعات الإسلامية بأسرها، من خلال تعاليمه المحكمة، وثوابته التي لا تتغير، بل يخضع لها كل عصر، وليست تخضع هي لكل عصر، إنه رغم ذلك كله إلا أن ثمة خللاً ما، يؤكد أن تلك المجتمعات أحوج ما تكون إلى أن تلتمس لطف الله وعفوه، وترتقب رحمته وإحسانه، وتلزبَ اللجوء إليه والعياذ به، عاملةً بما دعا به المصطفى : تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]. فلا إله إلا الله، أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83].
إنه ينبغي علينا ـ معاشر المسلمين ـ أن ندعو إلى دين الله جل وعلا، الذي هو مصدر عزتنا، وسر قوتنا، من خلال التحدث عنه على حقيقته وصورته التي ارتضاها الله جل شأنه، دون استحياء ولا تخوف ولا استجداء، مُتْبعين ذلك على أنه دين العبودية لله وحده في كل شيء، والاتباع لرسوله ، وحذار حذار من أن يخطئ أحد حال التحدث عنه فيعدل عن الوجه الصحيح.
ثم إن الدعوة إلى الإسلام برمتها أشبه ما تكون بالقضية العادلة، غير أنها ـ وللأسف الشديد ـ قد تقع بين أيدي محامين عنها يفشلون في عرض حقيقة الدفوع، وإيضاح البينات، وما ذلك إلا من خلال التنازل عن ثوابتها وأسسها، بحثاً لعرض أو خوفاً من عرض. ولا غرو في ذلك ـ عباد الله ـ فلربما نسمع كثيراً لمتحدثين عن الإسلام يحامون عنه، ويودّ المرء منا لو أنهم سكتوا فلم ينبسوا بحرف واحد. إن أمثال هؤلاء ـ ولا ريب ـ لم يفهموا الإسلام بكماله كما تنزل من عند الله، والنزر اليسير ممن يتحدث عنه، ويدَّعي فهمه قد لا يحسنون الإبانة عنه من خلال الخلط والمزج بين ما يصحّ وما لا يصحّ. ومن هنا يعظم الخطر؛ لأننا في أزمنة خداعة، تحتاج إلى المهرة من ذوي الأفهام، عبر عصور يتزين فيها القبيح من المبادئ، فتعرض نفسها على الناس في تزاويق خادعة كما تتوارى الشمطاء وراء حجب من الأصباغ والحلي.(2/83)
إن الإسلام في حدِّ ذاته كالدواء، لا يحتمل أن يجتهد فيه كل محتسٍ له، كما أن الدواء لا يكون دواء لأن مادته تحوي أسباب الشفاء فحسب، كلا، بل لا بد من تناوله بطريقته التي يشير بها الطبيب على الوجه الذي وُضع له الدواء، ومن تكلّف طريقة من عنده لم يقل بها الطبيب، فلا يلومن [أحداً] حينئذ إذا استفحل الداء، ولات ساعة استشفاء، وهيهات هيهات أن تصلح المجتمعات، وقد وهت فيها حبال مقوماته الشرعية الحقة، وأسس الحياة المحكومة بصبغة الله وشرعته دون اكتراث بما يرضي الله وما يسخطه، فكيف إذا كانت الحال إذاً في التشكيك في تلك المقومات، أو السعي الدؤوب في إماتتها، أو بث ما من شأنه اتهام المسلمين، أو بذر الفرقة بينهم، أو التطلع إلى إرساء قواعد التراجع عن الدين، أو على أقل تقدير إشعار الغير بأن من يتجرع الإسلام بآدابه وكماله فإنه لا يكاد يسغيها إلا متهوّعاً(6)[6]، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها المسلمون، من خصائص رسالة المصطفى أنه ما من خير إلا ودلَّ الأمة عليه، وما من شر إلا وحذَّر الأمة منه، وقد كان مما حذر الأمة منه الفتن التي تكون في آخر الزمان وتكاثرها، والغواسق التي تحيط بالأمة من كل جانب، فتموج بهم كموج البحر، حتى إنها لتدع الحليم حيران، بل ولربما تستمرئها النفوس الضعيفة، وتستشرف لها رويداً رويدا إلى أن تلغ في حمئها وهي لا تشعر، فإذا ألفتها لم تكد تتحول عنها إلا في صعوبة بالغة بعد أن تفقد خصائصها، ومن ثم تموع وتذوب، تُمَّة ما لجرح بميت إيلام، وإذا لم يغبِّر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غُبار، حتى تقع النفس في أتُّون الفتن فتحترق بلا لهب. ففي الصحيحين أن النبي قال: ((ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه)) الحديث(7)[7]، يقول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "معنى قوله: ((من تشرف لها)) أي تطلع لها بأن يتصدى ويتعرض لها، ولا يعرض عنها"(8)[8].
وفي الصحيحين أيضاً أن النبي قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج)) قالوا: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: ((القتل، القتل)) (9)[9].
عباد الله، إننا في زمن تداعت فيه الفتن كداهية دهياء، فقلّت فيه الأمانة، ونزعت فيه الخشية من الله، وتنافس الناس فيه على الدنيا، وحظوظ النفس، وكثر فيه القتل، وبلغ أوج صوره، على اختلاف تنوعه، حتى لربما لا يدري القاتل فيم قَتَل، ولا المقتول فيم قُتِل، كما قال ذلك النبي فما صح عنه(10)[10]، ولكن لمستفهم أن يقول: ما النجاة في خضم هذه الأحداث، وما موقف المؤمن من متغيرات زمانه، وفجاءة النقمة فيه؟ فالجواب على هذا بيِّن بحمد الله، فإن لكل داء دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، والدواء في مثل هذا كثير التنوع، فمن ذلك: أولاً حمد الله على العافية مما ابتلى به كثيراً من الناس من الفتن والرزايا، والحروب المدمرة، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة، والإيمان بأن ما يريده الله كائن لا محالة، وأن ما أصاب الناس لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41].
عند مسلم في صحيحه أن النبي قال: ((إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)) (11)[11]، وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59]. فلا إله إلا الله ما أوسع علم الله، انظروا إلى الأحداث والمستجدات ـ عباد الله ـ كيف تحل بنا فجأة على حين غِرّة دون أن تقع في ظن أحدنا، أو يدور بخلده أن أحداثا ما ستكون يوما ما، مما يؤكد الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله ، واللجوء إليه، وخشيته وحده، بالتوبة والإنابة، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة، وبذل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا ملجأ من الله إلا إليه.
ألا إن من خاف البشر فر منهم، غير أن من خاف الله فإنه لا يفر إلا إليه، فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الذاريات:50].
ولقد صح عن النبي أنه قال: ((لا يردّ القدر إلا الدعاء)) (12)[12].
ألا وإن ما يحدث في هذه الأزمنة من كوارث تحل بنا بغتة ليذكرنا باليوم الذي تقوم فيه الساعة، والناس في غفلة معرضون، مع ما يتقدمها من أمارات وأشراط تدلّ عليها، فقد جاء في الصحيحين أن النبي قال: ((لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لِقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يُليط حوضه فلا يسقي منه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها)) (13)[13]، كل ذلك عباد الله دليل على فجاءة النقمة، وأن نفسا لا تدري ماذا تكسب غدا، ولا تدري بأي أرض تموت.
ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أنه ينبغي للمرء المسلم في خضم الأحداث الرهيبة والمتغيرات المتنوعة ألا يصاب بشيء من الاسترسال مع مشاعر القنوط واليأس، وألا يحبس أنفاسه مع الجانب الذي قد يكلح في وجهه على حين غفلة من جوانب الخير الأخرى في حياته، دون التفات إلى المشوشات من حوله، والتخوفات التي ليس لها ضريب، فليس بلازم عقلاً أن تكون تلك المخاوف صادقة كلها، فلربما كانت كاذبة إذ قد تصح الأجسام بالعلل، وقد يكون مع المحنة منحة، ومع الكرب فرج، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5، 6]. ولن يغلب عسر يسيرين، وإِنَّهُ لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
بارك الله ولي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، إن مما لا شك فيه أن كثرة الفتن تزلزل كيان الناس، وأن فتيل الحروب إذا اشتعل عسر انطفاؤه، وأن التهويش والتشويش، والقيل والقال، والظن والخرص، لمما يزيد الأمر سوءاً وتعقيدًا، والنار اشتعالا واضطراماً، ولا جرم فإن النار قد تذكى بالعيدان، كما أن في مبدأ الحرب كلام اللسان.
ولقد كان السلف الصالح أحرص الناس على اتقاء الفتن، والنأي بأنفسهم عن أن يقعوا في شَرَكها، بل يستعيذون بالله منها، وكلما لاحت لهم في الأفق فتنة تمثلوا بما رواه البخاري في صحيحه عن خلف بن حوشب أن السلف كانوا يقولون عند الفتن:
الحرب أوّل ما تكون فتية ……تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشبَّ ضرامها ……ولَّت عجوزاً غير ذات حليل
شمطاء يُكره لونها وتغيرت ……مكروهة للشم والتقبيل(14)[1](2/84)
ثم اعلموا ـ أيها المسلمون ـ أن من أدب الإسلام في الفتن كفّ اللسان وحبسه وعدم الزج به فيما لا يعني، وزمَّه عن الفحش والتفحش، أو الوقوع في الظن والخرص، فإن إطلاق اللسان، وسيلان الأقلام، خائضةً في المدلهمات، ولاتَّة(15)[2] في المتشبهات، والقضايا المزعجات دون زمام ولا خطام لمن شأنه أن يضعف إيمان المرء المسلم، ويوقعه مواقع الزلل، غير آبه بوصية النبي لعقبة بن عامر حينما سأله: ما النجاة؟ قال: ((أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)) [رواه الترمذي في جامعه] (16)[3].
إن اللهث وراء كل حدث وخبر باللسان تارة، وبالأقلام أضعافها، في البيت وفي السوق، والمجالس والمنتديات، وعبر شبكات تقنية يكثر فيها اللغط دون تروٍّ أو توثقٍ أو محصَّلة من العلم والفهم لمما يقلل العافية والسلامة من الخطأ، فضلاً عن أن يقدِّم حلا عاجلا سوى الخلط والجهل والتضليل، ولله در أبي حاتم البستي حين قال: "إن العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في السكوت"(17)[4]، لأن من الناس من لا يكرم إلا للسانه، ولا يهان إلا به، فالواجب على العاقل أن لا يكون ممن يهان به.
ثم اعلموا ـ عباد الله ـ أن الحوارات الشفهية، والمطارحات الورقية، لا ينبغي أن تكون لكل راكب، ولا عِلكًا يلوكه الكل، وأمور الناس بعامة لا ينبغي أن يتصدى لها أي أحد كيفما اتفق، دون تمييز بين الغث والسمين، وبين ما يعقل وما لا يعقل، وإنه لمن المستكره أن يكون مقدار لسان الإنسان أو قلمه فاضلاً على مقدار علمه، ومقدار علمه فاضلاً على مقدار عقله، فلقد روى البخاري في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!)(18)[5]، فمن هرف بما لا يعرف فهو ممن قال الله فيهم: قُتِلَ الْخَراصُونَ [الذاريات:10]، قال قتادة ـ رحمه الله ـ: "هم أهل الغرة والظنون"(19)[6] وروى الإمام أحمد وغيره عن النبي أنه قال: ((إن أمام الدجال سنون خداعات، يكذَّب فيها الصادق، ويصدَّق فيها الكذوب، ويخوَّن فيها الأمين، ويؤتَمَن فيها الخائن، ويتكلم الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)) (20)[7].
فعلى حملة الأقلام وذوي اللسان أن يتقوا الله سبحانه، وألا يستخفُّوا بأحد، وأن لا يبغوا على أحد من المسلمين، يقول ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: "أحق الناس بالإجلال ثلاثة: العلماء والإخوان والسلطان، فمن استخف بالعلماء أفسد مروءته، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه، والعاقل لا يستخف بأحد"(21)[8].
ومما يزيد الأمر توكيداً وتوثيقاً ـ عباد الله ـ حينما يكون الخوض فيما قال الله أو قال رسوله ، فليس لذلك إلا العلماء الأتقياء الأنقياء، فهم ورثة الأنبياء، ومصابيح الدجى، فحذار حذار لمن تجاوز طريقهم أن يقع في قول النبي : ((من أُفتِي له بغير علم كان إثمه على من أفتاه)) [رواه أبو داود] (22)[9]، وقد قال عبد الله بن وهب: قال لي مالك بن أنس: "يا عبد الله، لا تحملنَّ الناس على ظهرك، وما كنت لاعباً به من شيء، فلا تلعبنّ بدينك"(23)[10]، ولذلك قال سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ: "ما كفيت عن المسألة والفتيا فاغتنم ذلك ولا تُنافِس، وإياك أن تكون ممن يحب أن يعمل بقوله، أو ينشر قوله، أو يسمع قوله، وإياك وحب الشهرة، فإن الرجل يكون حب الشهرة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إلا العلماء السماسرة"(24)[11]، وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
اللهم صلّ على محمد وعلى آله محمد ...
__________
(1) مثل عربي معناه: الحق واضح، والباطل ملتبس . انظر: مجمع الأمثال (1/207).
(2) أخرجه البخاري في الشهادات [2652]، ومسلم في كتاب الفضائل [2533] من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(3) أخرجه أحمد (4/126-127)، وأبو داود في السنة [4607]، والترمذي في العلم [2676]، وابن ماجه في المقدمة [44] من حديث العرباض بن سارية، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان [5]، والحاكم (1/95)، ووافقه الذهبي . وهو في صحيح الترغيب [37].
(4) أخرجه البخاري في الفتن [7068] من حديث أنس رضي الله عنه.
(5) أي يَذبل.
(6) أي إلا متكلفاً للقيء.
(7) أخرجه البخاري في الفتن [7081]، ومسلم في الفتن [2886] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8) فتح الباري (13/31).
(9) أخرجه البخاري في الفتن [7061]، ومسلم في العلم [157] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(10) 10] أخرجه مسلم في الفتن [2908] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(11) 11] أخرجه مسلم في القدر [2653] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(12) 12] أخرجه أحمد (37/68) [22386]، وابن ماجه في المقدمة [90] من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه ابن حبان، والحاكم (1/493)، وقال البوصيري في الزوائد: "سألت شيخنا أبا الفضل العراقي عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن"، وأخرجه الترمذي في القدر [2139] من حديث سلمان وقال: "حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [154].
(13) 13] أخرجه البخاري في الفتن [7121] عن أبي هريرة في حديث طويل، وهو في صحيح مسلم لكن ليس فيه هذا الجزء.
(14) علقه البخاري في كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر عن ابن عيينه عن خلف بن حوشب، ووصله في التاريخ الصغير كما في الفتح.
(15) اللتّ هو الفت والسحق.
(16) أخرجه أحمد (36/570-571) [22235]، والترمذي في الزهد [2406] من حديث عقبة بن عامر، وقال: حديث حسن. وهو في السلسلة الصحيحة [890، 891].
(17) روي مرفوعاً عند الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس، وقال العراقي: حديث منكر كما في كشف الخفاء (2/84)، وهو في ضعيف الجامع [3838].
(18) أخرجه البخاري في العلم [127].
(19) أخرجه ابن جرير عنه في تفسيره (13/192) بنحوه، وانظر: تفسير ابن كثير (7/393).
(20) أخرجه أحمد (21/24-25) [13298]، وأبو يعلى [3715]، والبزار [3373] من حديث أنس، وقال الحافظ في الفتح (13/84). "سنده جيد"، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد (13/291) [7912]، وابن ماجه في الفتن [4036]، وصححه الحاكم (4/465-466)، وشاهد آخر من حديث عوف بن مالك عند الطبراني في الكبير (18/ ح123، 124، 125).
(21) هذا من كلام أيوب بن القرّيّة أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم [996].
(22) أخرجه أحمد (14/17) [8266]، وأبو داود في العلم [3657]، وابن ماجه في المقدمة [53] من حديث أبي هريرة، وصححه الحاكم (1/126) ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني صحيح الجامع [6068، 6069].
(23) 10] انظر: السنة للخلال (1/215)، والحلية لأبي نعيم (3/320).
(24) 11] أخرجه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (ص88)، وأبو نعيم في الحلية (6/377).
==============
آخر الزمان منفرات ومبشرات
ناصر بن محمد الأحمد
الخبر
21/11/1423
النور
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- فساد آخر الزمان. 2- أسباب انتشار الجهل ورفع العلم. 3- الحرب ضد تعليم الدين. 4- من مظاهر فساد آخر الزمان. 5- بشائر تقع في آخر الزمان.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: ثبت عن النبي أحاديث كثيرة تتحدث عن آخر الزمان، وهذه الأحاديث تعطي تصورًا صحيحًا للمسلم لما سيحصل في المستقبل من خلال النصوص الشرعية.(2/85)
والمقصود بآخر الزمان: هو آخر زمان الدنيا الذي يكون بين يدي الساعة، ولعل أوله بعثة الرسول كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((بعثت أنا والساعة كهاتين)).
أيها المسلمون، سيظهر في آخر الزمان مساوئ نطق بها النبي ، محذرًا أمته أن يقعوا في شيء من ذلك. نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عن أبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله : ((إن بين يدي الساعة أيامًا ينزل فيها الجهل، ويُرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهَرْج)) رواه البخاري. والهَرْج: القتل. وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويُشْرَب الخمرُ، ويذهب الرجال وتبقى النساء، حتى يكون لخمسين امرأة قيِّم واحد)) رواه مسلم. وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي قال: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف)) أخرجه البخاري معلقًا.
فهذه الأحاديث ـ معاشر الأحبة ـ وما في معناها تدل على حصول بعض المساوئ التي تكون في آخر الزمان، ويرتبط بعضها ببعض، من فشوا الجهل وقلة العلم، وقد بدأ النقص في العلم من بعد أن أكمل الله الدين وأتم النعمة وانتقل الرسول إلى ربه عز وجل، ولا يزال ينقص إلى أن يُرفع بالكلية، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة ولا صدقة، ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها)).
وقد ظهر هذا النقص في هذا الزمن بصورة واضحة جدًا، حتى صار أكثر الناس يجهلون المعلوم من الدين بالضرورة، ومن تأمل النصوص ونظر في الواقع أدرك أن هذا النقص إنما هو نتيجة حتمية لأسباب كثيرة، لعل من أبرزها موت العلماء، وقد فقدت الأمة أكبر علمائها العاملين وأبرز دعاتها المشهورين في فترة قصيرة، ومن حكمة الله تعالى أن تعاقب موتهم، فقدنا الأول ثم فقدنا الثاني ثم فقدنا الثالث، فإنا لله وإنا إليه راجعون، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء؛ حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) رواه مسلم.
ومن أسباب النقص أيضًا عدم الإخلاص في طلب العلم، ويدل على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا اتُخذ الفيء دولاً والأمانة مغنمًا)) وفيه: ((وتعلم العلم لغير الدين)). وقد حصل هذا عندما رُبط العلم الشرعي بالمال في كثير من البلاد، ورُبط العلم بالمناصب الرسمية، وأصبح الناس يطلقون على هذا بأنه عالم بحسب منصبه الرسمي، ولا تعرف ذاك ولا تستفتيه لأنه ليس لديه منصب رسمي، فنَزع الله من الأول الخشية والبركة والنفع والعمل إلا ما شاء الله، فمات العلم في القلوب، فهو لا يتجاوز التراقي والحناجر.
وكما شهد هذا الزمان موت كثير من العلماء الربانيين الذين كانوا منارات يُهتدى بها من ظلمات الشهوات والشبهات، فقد شهد الرؤوس الجهال الذين يتجرؤون على الفتوى بغير علم. والله المستعان.
وهناك الحرب ضد تعلم الدين، وسياسة تجهيل الشعوب بالإسلام تحت ستار مكافحة الإرهاب، ومن مظاهر ذلك تغيير المناهج وتقليص مواد الدين في كثير من البلاد، وقفل المعاهد والمدارس الشرعية، ومضايقة أهل السنة ودعم أهل البدعة، ونحو ذلك مما يساهم في إبعاد الناس عن العلم الشرعي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((سَيَلي أموركم بعدي رجال يُطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها))، فقلت: يا رسول الله، إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: ((تسألني ـ يا ابن أم عبد ـ كيف تفعل؟! لا طاعة لمن عصى الله)) حديث صحيح.
أيها المسلمون، ومن صور السوء في آخر الزمان فشو الزنا وكثرته، حتى أصبحت تجارة البغاء تشكِّل ربحًا هائلاً وموردًا ضخمًا من موارد المال في بعض البلاد التي أهلها مسلمون، وقد هيأ المجرمون وسائله ودواعيه حتى أصبح أسهل مما يتصور، ولا يزال يزداد ويكثر حتى تموت الغيرة في النفوس، وتسقط آخر مرتبة من مراتب الإنكار، فيُقارف الزنا علانية على قارعة الطريق، كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((والذي نفسي بيده، لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريتها خلف هذا الحائط)).
ومن مظاهر السوء أيضًا ظهور الأغاني والمعازف، فقد وقعت هذه العلامة في العصور السابقة، وهي الآن أشد انتشارًا وتنوعًا، وقد استهان بحرمتها كثير من الناس، بل ممن ينتسبون إلى أهل العلم نسأل الله السلامة، وبات التهديد بالمسخ والقذف والخسف قريبًا ما دامت الأمة لاهية تستحل ما حرَّم الله عليها، من تعاطي أسباب الفسق والفجور، وقد ازداد هذا البلاء حتى تجاوز مرحلة السماع والاستمتاع إلى التقنين والتقعيد والتخطيط والتنظيم وجلب الخبراء وفتح المعاهد وصياغة المناهج، حتى أصبحت فنًا يدرَّس وعملاً يمارس، فأي ظهور بعد هذا الظهور؟!
ومثله انتشار الخمر في بلدان المسلمين وكثرة شربها وتداولها بين الناس، وحمايتها بالقوانين والأنظمة حتى أصبحت أمرًا مألوفًا يقدم مع الطعام ويوزع في الفنادق، وهو نديم المسافر في رحلاته، ورفيق الضال في سهراته وخلواته، وتُلحق به المخدرات بجميع أنواعها التي ابتليت بها البشرية فأصبحت شبحًا يهدد أمن الدول وحياة الأفراد.
ومن أبشع صور الشر والفساد في آخر الزمان ما أخبر به النبي من الاستخفاف بالدم وكثرة القتل، قال فيما صح عنه: ((بادروا بالأعمال خصالاً ستًا ـ وذكر منها ـ واستخفافًا بالدم))، وقد استُخِفّ اليوم بدم البشرية عندما تمكن المجرمون من قيادة الأمم، حيث أشعلوا الحروب الطاحنة في كل مكان بلا سبب ولا مبرر، واستخدموا أبشع الأسلحة المحرمة دوليًا، واستُنزفت خيرات وأموال دول وشعوب في هذه الحروب، كان بالإمكان أن تحل أزمات ومشاكل عشرات الدول والشعوب لو كان الساسة عقلاء، وقبل وبعد هذا يزعمون أنهم دعاة سلام. نسأل الله جل وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قال رسول الله : ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه مسلم.
إن المبادرة بالأعمال الصالحة هي التي تكون حصنًا قويًا من الفتن العظيمة المظلمة التي تكون بين يدي الساعة، ومنها الفتنة في الدين حيث يضعف التمسك به ويعز الثبات عليه، لدرجة أن العبد يتقلب بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر في اليوم الواحد، حتى إنه يصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)).(2/86)
والمراد من الحديث بيان فساد آخر الزمان، حيث تختل المقاييس وتتقلب الموازين، فيتصدر الأمة من ليس لذلك بأهل، ويتزعم القبيلة أفسقُهم، ويسود القوم أرذلهُم، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا اتُّخذ الفيء دولاً والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا…)) وفيه: ((وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأُكرم الرجل مخافة شره)). ومن تأمل الواقع وأمعن في النصوص رأى سفينة الأمة تمخر عباب بحر متلاطم من الفتن والبلاء، يقودها الرجل التافه بمجموعة كاملة من الفسقة والمجرمين.
أيها المسلمون، إن ضعف المسلمين في كثير من المجالات وبُعْدهم عن مراكز التأثير ومواقع القيادة مكّن أعداء الإسلام من السيطرة التامة فأصبحوا قادة العالم وصنّاع القرار، يضعون من يشاؤون في المكان الذي يشاؤون، فيضمنون بذلك بقاء السيادة في أيديهم، وقد أخبر بذلك كما في الحديث الصحيح مرفوعًا: ((ليأتين عليكم أمراء يقرِّبون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكوننّ عريفًا ولا شرطيًا ولا جابيًا ولا خازنًا)).
ومن المظاهر المؤلمة ـ ونحن في أواخر الزمان ـ تداعي الأمم على الأمة الإسلامية ونهب خيراتها والعبث بعقول أبنائها، كما في حديث ثوبان رضي الله عنه عند الإمام أحمد وغيره قال: قال رسول الله : ((توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها))، فقال قائل: أمن قلة نحن يومئذ؟! قال: ((لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن))، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حبّ الدنيا وكراهية الموت)).
وفي هذا الحديث إشارة إلى السرّ الحقيقي في ضعف المسلمين وتداعي الأمم عليها، وهو حب الدنيا وكراهية الموت، وقد تعلقت القلوب في هذا الزمن بالمال حتى عُبد الدينار والدرهم، وتَعَامل الناس بالربا، وانهَمَك الكثيرون بالحرث والزرع، وأَوغَلَ الناس في الترف، ونُسي الجهاد في سبيل الله، فتداعت علينا الأمم، ووقع الذل الذي لا يُرفع إلا بالعودة إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، ولن يكون ذلك إلا إذا تعلقت القلوب بالله تعالى وحده، وقد أخبر رسول الله بهذا الواقع، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)). وقد عانت الأمة من ذل الاستعمار المفروض بالنار والحديد ردحًا من الزمن، وهي اليوم تعاني أشكالاً جديدة منه، بسبب ما خلفه الكفار في الأمة من ثقافاتهم وعاداتهم، وقوانينهم التي تمارس من قِبل الأمة الغثائية بطيب نفس، أو تفرض عليهم فلا خيار لهم. والله المستعان.
فنسأل الله جل وعلا أن يعجل بفرج أمة محمد فرجًا عاجلاً غير آجل.
-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد: ورغم كثرة المساوئ التي تقع في آخر الزمان، فإن هناك فضائل ومبشرات كثيرة تفتح باب الأمل للمسلم، وتزيد في يقينه وثقته بنصر الله تعالى، وقد جاءت تلك المبشرات في كثير من النصوص النبوية، من ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: ((لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى))، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:9] أن ذلك تام! قال: ((إنه سيكون من ذلك ما شاء الله))، وقال : ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر)).
إنها بشارة من النبي بأن الأمة ستعود إلى دينها بإذن الله تعالى، وسيدخل هذا الدين الحواضر والبوادي، وسيظهر هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون، وذلك يوم تكون الأمة أهلاً لذلك، تعمل للدين وتضحي من أجله.
ثم إن هناك نصوصًا كثيرة تبشر بعودة الجهاد في هذه الأمة في آخر الزمان، وهذا من أعظم المبشرات، من ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما سئل: أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية؟ وفيه فقال رسول الله : ((مدينة هرقل تفتح أولاً))، يعني: القسطنطينية، ومثله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج لهم جيش من المدينة)) رواه مسلم، ومثله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟)) قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ((لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق)) رواه مسلم، وأيضًا حديث أبو هريرة رضي الله عنه المشهور قال: قال رسول الله : ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه شجر اليهود)) رواه مسلم.
فهذه النصوص الكثيرة تبشر بعودة الجهاد في سبيل الله وكثرة الفتوحات وتطهير الأرض من نجاسة اليهود والنصارى وخبثهم، ولعل ما نراه اليوم من جهاد في مناطق عدة يكون بارقة أمل وبوابة إلى جهاد أعظم يؤذِن بنصر قريب وفرج عاجل إن شاء الله.
ومن المبشرات ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًّا ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)) ثم سكت. ففي هذا الحديث بشارة عظيمة بوقوع خلافة راشدة على منهاج النبوة، تكون بعد الملك الجبري.
ومن أعظم المبشرات ما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((تقوم الساعة والروم أكثر الناس))، يقول راوى الحديث فقلت: أبصر ما تقول! قال: أقول ما سمعت من رسول الله، قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعًا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. رواه مسلم. استنبط العلماء رحمهم الله تعالى من هذا الحديث أن الروم يسلمون في آخر الزمان، وذلك من المبشرات ولا شك؛ لأن هذه الصفات قلما توجد إلا في أصحاب الإيمان الصادق، ويدل عليه قوله : ((والذي نفسي بيده، لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء))، يعني: فارس والروم.
ومن المبشرات قول النبي : ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة)) رواه مسلم.
إن صِدْق الرؤيا من المبشرات في آخر الزمان كما في هذا الحديث، لكن بشرط الإيمان وصدق الحديث، ومن عظيم شأنها أنها جزء من النبوة، فهي دعوة للإيمان الصادق وصدق الحديث.(2/87)
ومن المبشرات ظهور المهدي في آخر الزمان، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تذهب الدنيا حتى يملك العربَ رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي))، فهذا الحديث من المبشرات بالمهدي حيث تواترت النصوص بخروجه وصفاته ومدة حكمه، وأنه من مبشرات آخر الزمان.
ومن أعظم المبشرات نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، كما صح الخبر بذلك عن النبي حيث قال: ((فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكمًا عدلاً وإمامًا مقسطًا، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتُنزع حُمة كُل ذاتِ حُمة، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتضرب الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بدريهمات))، وقال : ((طوبى لعيش بعد المسيح، يؤذن للسماء في القطر، ويؤذن للأرض في النبات، حتى لو بذرت حبك على الصفا لنبت، وحتى يمر الرجل على الأسد فلا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره، ولا تشاحَّ ولا تحاسد ولا تباغض)).
=============
سأحزن ما بقيتُ مع الزمان
شعر: مالك فيصل الضيغمي
سأحزن ما بقيتُ مع الزمان لما ألقاه من كُرَبٍ وآنِ(1)
فشعري كله مرآةُ شعبٍ كسيرِ العظم محزونِ الجنَانِ
فلا تعجب إذا أرسلتُ شعراً يصور ما أعاني أو يعاني
فإني أمة كانت بخير فأسلمها الطغاة إلى الهوان
وإني أمة نشرت فأحيت وحررت العوالم بالقُران
وكان الناس في زمن تعيس يذوقون المذلة بالسنان
فصار الناس عُبَّاداً لرب يعامِلُ بالسماحةِ والحنان
فما أرضى أخا الشيطان دينٌ يقوم على الأمانةِ والأماني
ويزرع في النفوس بذور خير لتعلو في المكان وفي الزمان
فلا تعجب إذا أكثرت شعراً وقولاً غيرَ مقرونٍ بقان(2)
فعذري أمةٌ نامت طويلاً وغالت بالفصاحة والبيان
معاذَ الله أن أهوى حياةً يدغدغها الأراذلُ بالقيان(3)
وتوحيدُ الصفوف رأيت فيه دواءً للتنازع والشَنان(4)
وجدٌ في الأمور، وليتَ جمعاً دَرَوْا من قبلُ هاتيك المعاني
__________
1- آن: حار.
2- أي: أحمر وهو الدم.
3- المغنيات.
4- لغة في الشنآن: البغض.
=============
الزمانُ النجيب
مروان كجك
سيأتي زمانٌ فتيٌ نجيبْ بعونِ الإلهِ السميعِ المجيبْ
ويخضرُّ عُودِي ، والمكرماتُ يَلُذْنَ بشعبٍ طَهُورٍ نسيبْ
أقامَ الحضارةَ في كل صقيعٍ وأعطى الهدايةَ كلَّ الدروب
فمنْ ضلَّ ضلَّ عَزوفاً جهولاً وعاشَ الحياةَ رهينَ الذنوبْ
***
سيأتي زمانٌ رؤوفٌ رحيمٌ وتنهارُ جدرانُ حقدٍ رهيبْ
وتأتي إلينا الطيورُ الثُّكالى يزاوِجْنَ أُنْساً ورَوْضاً مهيبْ
وينثُرْنَ في أرضِنا دندناتٍ ويهتِفْنَ:عاشَ النداء الحبيبْ
تباركتَ يا ربَّنا فانتشلْنا من الذلِّ واكسِرْ شَبَاةَ الصليبْ
***
سيأتي زمانٌ ينيرُ الليالي وينهضُ شعبٌ زكيٌّ أريبْ
ويملأُ أفقَ الفضاءِ رعودٌ ويهتزُّ حبلُ الدعيِّ الكذوبْ
ويسقطُ عن عرشه كلَّ خِبٍّ ويصرخ بالكفر صوت رعيبْ :
أنا الموتُ أقبضُكم لا أبالي فقد جاء موعدكم من قريبْ
***
سيأتي زمانٌ تُدَكُ قلاعٌ بناها الطغاةُ لصنْعِ الكروبْ
ويشقى رجالٌ تمادَوْا خداعاً وظنوا الهدايةَ قتلَ الشعوبْ
فأسرف هذا بوأدِ الرجالِ وأسرفَ ذاك بكَيْلْ الخطُوبْ
فهاتِ الحديدَ المحمَّى لنمضي لهذا وذاك ونكوي الجُنوبْ
***
سيأتي زمانٌ تخرُّ الليالي على قدميه وتُطوى الرُّبُوب
ويبزغُ فجرٌ بديعُ المحيَّا ويَفْتَرُ ثغرٌ وطَرْفٌ هَيوبْ
ويرجع للحيِّ أهلٌ وصحبٌ وأشواقُ عمْرٍ وطفلٌ لَعُوبْ
وتبتلعُ الأرضُ كلَّ الأفاعي ويَنْبَتُّ حبلُ الخنا والعُيوبْ
***
سيأتي بحوْل الإلهِ زمانٌ تجوسُ العدالةُ كلَّ القلوبْ
وينكشفُ الستْرُ عن كلِّ وغدٍ وتُبْلى السرائرُ في كُلِّ ذِيبْ
ويصحو نيامٌ أطالوا الرقود على الرَّضْفِ واستعمرتْهُم كُروبْ
وينهزِمُ الشِّركُ والمشركون ويأتي زمانٌ فتيٌّ نجيبْ
=============
زمان الفاتحين
محمد بن سعد العجلان
أسدل ستارك يا زمان الفاتحين
أسدل ستارك أيها التاريخ وضاء الجبين
أسدل ستارك إننا
ما بين غي وانهزام
لا سعد يمتشق الحسامَ ولا صلاح الدين
لا القادسية شمسها انبثقت ولا حطين
أسدل ستارك يا زمان الفاتحين
***
في ظل هذا الانقسام
في ظل قانون النظام
وظل مأدبة اللئام
وفي ظل تحوير الجهاد إلى سلام
والاحتكام لغير رب الاحتكام
صرنا كقطعان النعام
أسدل ستارك يا زمان الفاتحين
وقل على العرب السلام
***
من للجهاد إذا أهين الواعظون
وتربصت بهم المنون
وتشبعت بدمائهم غرف السجون
ورأيت أعداء العقيدة يسرحون ويمرحون
من كل فج ينسلون
وعلى دماء شعوبنا يتقامرون
من للجهاد...
يا أمتي من للجهاد؟
***
أسدل ستارك يا زمان الفاتحين
أسدل ستارك وانتظر
أسدل ستارك واصطبر
فلرب قلب ينفطر
ولرب قلب يستعر
ولرُبما في عصرنا
يأتي الزمان المنتظر
ولربما من صلبنا
تأتي صناديد البشر
ولرُبما من قهرنا
تأتي فلول الغاضبين
ولربما من ذلنا
يأتي إباء الأولين
ولربما من بيننا
يأتي أمير المؤمنين
يأتي عُمر
يأتي الظَفر
يأتي صلاح الدين
=============
يا رعى الله زمان الشجب
محمد بن حامد الأحمري
في زمن مضى غير بعيد كانت الإذاعات تشجب العدوان الصهيوني ، وتهدد وتتوعد لإزالة هذه الشرذمة المحتلة ، وكانت الشعوب تسخر من لغة الشجب والشكوى ، ثم تتابعت النقائض ، وتدهورت المواقف ، وتراجع الشاجبون وحرموا الشجب والاستنكار ، بل وحرموا تلك الكلمات التي كانوا يقولونها هم ؛ حتى لم يعد يتجرأ أحد على التفوه في أية لحظة بتلك الكلمات التي كان يقولها القائلون فخراً ونشوة. وترحمنا على الزمن الذي كنا نسميه "زمن الشجب والهزيمة". حينما كان يُسمح لنا فيه أن نقول : إنهم أخذوا أرضنا واستباحوا أعراضنا ودماءنا ، والقرار اليوم يقضي أن نعترف بأن لا نهاية لمطالب عدونا ، وأن المنهزم لا يرده شيء وسيقبل بكل ما يُملى عليه.
هل يمكن أن لا يكون لنا عدو؟! وهل تحيا الشعوب بدون أعداء؟
حتى بمنطق الذين لا يعترفون بنصوص القرآن والسنة الصريحة في عداوة الكافرين وشدة عداء اليهود لنا فإن سنة الله في البشر وجو التدافع والصراع - وهي حقيقة ثابتة ثبوت الليل والنهار - تكشف أن هذه الدعاية ومعنى هذا التوجه - الذي يقول: إن اليهود والنصارى يحبوننا ، ويعطفون علينا أكثر من إخواننا ليس معناه أن نوقف المواجهة على جبهتهم، ولا أن يتجه السلاح إلى الداخل، إلى القمع والاضطرابات ، واختلاق المشكلات والقلاقل - وليس معناه أن تتحول حروب الموساد والـ "سي.آي.إيه" إلى قلاعنا ، ولا أن يجند عدونا منا عدواً للآخر ، ويتضح ذلك جيداً لمن تابع قضية المشكلة الأخلاقية في مصر مع "لوسي" وما تلاه أحد نواب البرلمان من أن الموساد وقوى أخرى كانت وراء فتح جبهات داخلية وإثارة الشعب للانتقام ، وهذه نعمة يرفل في ظلالها الإسرائيليون ومن هم خلفهم ؛ إذ ليس أحب إليهم من استمرار الرعب والقلاقل في بلادنا.
حقاً ، إنها مسكينة هذه الشعوب التي يحدد أعداءها وأصدقاءها أناسٌ بالاتفاق مع امرأة ذات علاقات مشبوهة. وكم من "لوسي" في بلدان أخرى! وكم من كوهين وكوبلاند من الذين يصنعون القلق والانهيار والخوف واضطراب الأمن !!! .(2/88)
أما آن للغافلين أن يعرفرا عدوهم من صديقهم؟ أما آن لهم أن يتركوا فرصة للشعوب كي تئن من الألم؟ أما آن لهؤلاء أن يأذنوا لشعوبهم أن تعي وأن تقرأ وأن تفهم حتى تكون مواقف الجميع سليمة؟ وأن تشارك الأمة في تحديد عدوها من صديقها ولا تتراجع كل يوم الى الخلف حتى تصبح في حال لا تملك فيه مخالفة أي قرار صهيوني في داخل بلدانها!!
أبعد الله ذلك اليوم.
=============
مظاهر الغربة في زماننا اليوم
وهي كثيرة ومتنوعة، حتى إنَّها لتكاد تشمل جوانب الدين كله، ولكن يمكن إجمال أهم مظاهر الغربة في الأزمنة الحاضرة اليوم فيما يلي:
ا- غربة في العقيدة، فلا يوجد من هو متمسكٌ بعقيدة السلف من جميع جوانبها إلاَّ القليل من الناس؛ حيث تنتشر الخرافة والشر كيات والبدع في أكثر بلدان المسلمين.
2- غربة في تطبيق الشريعة والتحاكم إليها، فلا يحكم اليوم في أكثر بلدان المسلمين إلاَّ بأحكام الإفرنج الكافرة.
3- غربة في الالتزام بأحكام الإسلام، سواءً ما كان منها بين العبد وربه، أو بين العبد وبين الخلق؛ فلا يوجد الملتزم بها إلاَّ القليل.
4- غربة في السلوك والأخلاق الفاضلة، وتزامن ذلك مع انفتاح الدنيا وكثرة الشهوات.
5- غربة أهل الحق ودعاة الإسلام، وتسلط الأعداء عليهم، وإيذاؤهم لهم بأشد أنواع الأذى والنكال.
6- غربة في عقيدة الولاء والبراء؛ حيث مُيِعت هذه العقيدة عند كثيرٍ من الناس، وأصبح ولاءُ أكثرهم وحبهم وبغضهم للدنيا فحسب.
7- غربة في أهل العلم، حيث قلَّ أهل العلم الشرعي الصحيح، وانتشر الجهل وكثرت الشبهات.
مظاهر الفتنة في أزمنة الغربة:
إنَّ من أشدِّ ما يخشى على أهل الإسلام في أزمنة الغربة أربعة مظاهر من الفتن يمكن إجمالها فيما يلي:
1- الفتنة التي تنشأ من الوقوع في الشبهات ، والتأثر بأهلها الذين هم الأكثرية في عصور الغربة، مما يحصل معه السقوط في فتن الشبهات، سواءً ما يتعلق منها بالعقائد أو الأعمال أو المخالفات الشرعية الأخرى، وتسويغ ذلك بشبهةٍ شرعية تبرز عادةً في غيبة الحق وفشوا الجهل.
2- الفتنة التي تنشأ من الوقوع في الشهوات، التي تطم وتنتشر عادةً في عصور الغربة وقلة أهل الحق، وانفتاح الدنيا بزخرفها على الناس؛ فلا يكاد يثبت ويستقيم على أمر الله- عز وجل- مع كل هذه الضغوط إلاَّ القليل الذين يعتصمون بالله، ويقومون بأمره، ويدعون إلى سبيله، أما الكثرة الكاثرة الذين ضعف صبرهم، فتراهم يتنازلون عن دينهم شيئاً فشيئاً أمام مظاهر الغربة الفاتنة، سواءً كان ذلك التنازل في العقيدة أو السلوك أو التزام الأحكام.
3- فتنة اليأسِ والقنوط من ظهور الحق وانتصاره ، أمام تكالب الأعداء وتمكنهم، وتسلطهم على أهل الخير بالأذى والابتلاء، مما قد يؤدي ببعض أهل الغربة إلى اليأس وترك الدعوة، حين يرى إقبال الدنيا على المبطلين، ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين، تهتف لهم الدنيا وتصفق لهم الجماهير، وتتحطم في طريقهم العوائق، وتصاغ لهم الأمجاد، وتصفو لهم الحياة، وهو مهملٌ منكر لا يحس به أحد، ولا يحامي عنه أحد، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلاَّ (القليلون من أمثاله، الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئاً، فإذا طال الأمد وأبطأ نصر الله، كانت الفتنة أشد وأقسى، وكان الابتلاءُ أشد وأعنف، ولم يثبت إلاَّ من عصم الله)([1]) .
وإنَّ فتنة اليأس والإحباط وترك الدعوة إلى الله- عز وجل- في عصور الغربة، لا تقف عند حد؛ بل قد تؤدي بصاحبها- والعياذ بالله- إلى الضعف، والنقص في دينه شيئاً فشيئاً أمام فتن الشبهات والشهوات؛ ذلك لأنَّ أيام الغربة أيامُ فتنٍ وإغراءات، وفشوِّ منكراتٍ، وظهورٍ وتمكين لأهل الباطل والفساد، فإن لم يكن للمسلم فئة صالحة- ولو كانت قليلة- يأوي إليها، ويدعو معها إلى الله- عز وجل- حسب الوسع والطاقة، فإنَّهُ لا بد وأن يتأثر بالفساد وأهله، إلاَّ من رحم الله- عز وجل- ومن غير المقبول عقلاً وشرعاً وحساً، أن يبقى المُسلمُ محافظاً على دينهِ أمام الغربة، وهو تاركٌ للدعوة بعيد عن أهلها، فإمَّا أن يؤثر أو يتأثر.
نعم! يمكن أن يترك المسلم الدعوة ويبقى محافظاً على دينه في حالة الاعتزال التام عن الناس، في شعفٍ من الجبال والأدغال، هذا متيسراً في هذا الزمان، ثم لو كان ذلك ممكناً: فمن ذا الذي يدعو إلى الله- عز وجل- ويواجهُ الفساد، وعلى أيةِ حالٍ فالعزلةُ الشرعية لها أحكامها وضوابطها، والتي سنأتي عليها إن شاء الله تعالى في مبحثِ (سبل النجاة من الفتن).
إذن: فلن ينجو من فتنةِ الغربة في أيِّ زمانٍ أو مكان إلاَّ أحدُ رجلين:
- إما مجاهدٌ في سبيل الله- عز وجل- داعٍ إلى الخير، آمرٍ بالمعروف وناهٍ عن المنكر.
- أو رجل معتزل عن الناس في مكانٍ من الأرض يعبد ربه، ولا يخالط الناس.
وما سواهما فهو على شفا هلكة، ولعلَّ هذا مما يُفهم من الحديث الذي رواهُ أبو هريرة- رضي الله عنه- أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ("مِن خيرِ معاش الناس لهم:رجل ممسكٌ عنان فرسه في سبيل الله يطيرُ على متنه، كلما سمع هيعةً أو فزعةً، طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه، أو رجل في غنيمة في رأس شعفةٍ من هذه الشعف، أو بطن وادٍ من هذه الأودية؛ يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلاَّ في خير) [2].
4- فتنة العجلة وقلة الصبر على الأذى في الغربة ، ممَّا يؤدي ببعض من يقاسي ضغوطها إلى التسرعِ والاصطدام مع أهل الفساد، دون مراعاةٍ للمصالح والمفاسد؛ فينشأ من جراءِ ذلك فتنةٌ أشد، وفسادٌ أكبر على أهل الغربة.
______________________
1 في ظلال القرآن 5/ 2719، 0 272 (باختصار).
[2] مسلم في الإمارة (3/ 3. د 1، 4 0 5 1) (1889).
===============
آراء معاصرة عن تغير الأحكام بتغير الزمان (1/3)
د. بسطامي محمد خير*
مقدمة
لا يشك مسلم في صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان ، وحيويته لمعالجة مشكلات كل عصر وقطر . ولقد كان من آثار الصحوة الإسلامية المعاصرة ، السعي الجاد لتجديد الفقه وبعث الاجتهاد ، ليقدم الحلول لمشكلات العصر الحاضر ، ومواجهة التطور والتغير الذي حدث في كثير من نواحي الحياة ونظمها . ومن القواعد الهامة التي شاعت عند كثير من المعاصرين ، دليلا على قابلية الإسلام لاستيعاب التطور ، قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان . وهي قاعدة هامة صاغها الفقهاء قبل العصر الحاضر وتناولها عدد منهم بالشرح والتوضيح . ولكن من يتأمل في استعمالات المعاصرين لها ، يجد اضطرابا في فهمها وخلطا في ضبطها ، بين موسع ومضيق لدائرة الأحكام التي تتغير بتغير الظروف والعصور .
وتسعى هذه الورقة لإلقاء الضوء على هذه القاعدة ، وبحث معناها وتحقيق محتواها ، وتحرير فهم الأولين لها ، وعرض أراء المعاصرين عنها ، للخلوص من ذلك كله إلى تعريف دقيق لها ، يعين في تحديد تأثير اختلاف الزمان والمكان في تغير الأحكام ، والإجابة على السؤال الهام ما الثابت والمتغير من الإسلام .
تحرير القاعدة(2/89)
قرر كثير من الفقهاء قديما وحديثا قاعدة تغير الأحكام تبعا لتغير الأحوال والظروف والأوضاع والعادات ، منهم على سبيل المثال ابن القيم والشوكانى ومصطفى الزرقاء والقرضاوي . ولقد عقد الإمام ابن القيم لها فصلا قيما في كتابه "إعلام الموقعين" واستدل عليها ونصرها أتم نصر ، ومثل لها بأمثلة كثيرة . ومما استدل به الشيخ القرضاوي[1] على هذه القاعدة من القرآن قول الله تعالى: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) (الأنفال: 65)، ثم قال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين). (الأنفال: 66). فقد قال بعض المفسرين أن هذا نسخ ، ولكن نقل القرطبي وغيره أن هذا تخفيف وليس بنسخ[2] ، فالآية الأولي حكم في حالة القوة والثانية حكم آخر في حالة الضعف . ومن السنة استدل على قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان الأحاديث الصحيحة في ادخار لحوم الأضاحي من مثل ما رواه مسلم[3] عن عائشة قالت: دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقى فلما كان بعد ذلك قيل يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم فقال:(إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وتصدقوا وادخروا) . فالنهي عن الادخار كان في وقت الحاجة وجاءت الرخصة بزوال هذه الحاجة ، ولهذا يقول القرطبي: لو قدم على أهل بلدة ناس محتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا لتعين عليهم ألا يدخروها فوق ثلاث كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم[4] .
والظاهر أن هذه الأدلة من القرآن والسنة مجرد أمثلة للاستدلال على هذه القاعدة الهامة ، وإلا فإن هناك شواهد كثيرة لأحكام ثابتة بالقرآن والسنة قد بينت النصوص نفسها الأحوال التى تتغير فيها . والواضح أنه ليس هناك اشكال في ثبوت القاعدة لكن قد أشكل بعض المعاصرين فهمها وتطبيقها و تعيين ما الثابت من الأحكام وما المتغير . فمن المعروف أن أحكام الشريعة تنقسم إلي قسمين رئيسيين : أحكام مصدرها نصوص القرآن والسنة مباشرة ، وأحكام مصدرها الاجتهاد دون أن تستند مباشرة علي النصوص مثل أن تكون مبنية علي مصلحة سكتت عنها النصوص أو عرف أو عادة لم ينشئها نص شرعي .
ولا يختلف اثنان أن الأحكام في كلا القسمين إنما ترمي إلي تحقيق مصالح الناس ومراعاة منافعهم . ومما لا ريب فيه أن بعض هذه المصالح والمنافع يتبدل ويتغير بتغير الزمان أو المكان ، أو لأي عامل من العوامل التي تؤثر في تغير المصالح.
ففي القسم الثاني من الأحكام الذي لم يكن مصدره النص مباشرة ، لم يجد عامة الفقهاء صعوبة تذكر في تقرير أن المصلحة التي لم يأت بها نص أصلا يمكن أن تتغير وتصبح في حين من الأحيان مفسدة ، أو أن العادة والعرف الذي لم يتكون نتيجة نص شرعي أصلا ، يمكن أن يتبدل ويتغير ، وحينئذ قرروا بلا تحفظ أن الأحكام في هذا القسم تتغير بتغير الزمان ، لأن الأصل الذي تبني عليه أصل متغير ، وتغيره سواء كان مصلحة أو عرفا متصور عقلا وواقع ملموس .
أما القسم الثاني من الأحكام وهي الأحكام التي تقررها النصوص مباشرة فكل أحد يقر أن النص مقصود منه تحقيق المصلحة للناس ومقصود منه منفعتهم ، فغاية النص وهدفه وحكمته هي المصلحة . حينئذ لم يستطع ذهن عامة الفقهاء أن يتصور أن هذه المصلحة التي يثبتها النص يمكن أن تتغير وتصبح في زمن من الأزمان مفسدة . ذلك أن من المتفق عليه أن المصلحة ليست تابعة للهوي أو المزاج الشخصي ، وأن المصالح التي تقررها النصوص هي المصالح حقيقة . وأن من التناقض الواضح أن يقال أن مصلحة ما عارضت النص . فالنص هو عدل كله ورحمة كله وحكمة كله ومصلحة كله ، فأي مصلحة تلك التي تعارض النص ، إلا إذا كانت نابعة من هوي أو مصدرها مزاج سقيم . حينئذ قرر عامة الفقهاء أن الحكم الذي مصدره النص حكم ثابت إلي يوم الدين لا يتغير بتغير الزمان .
يقول الإمام ابن حزم مؤكدا هذه الحقيقة :
( إذا ورد النص من القرآن أو السنة الثابتة في أمر ما علي حكم ما .. فصح أنه لا معني لتبدل الزمان ولا لتبدل المكان ولا لتغير الأحوال ، وأن ما ثبت فهو ثابت أبدا ، في كل زمان وفي كل مكان وعلي كل حال ، حتى يأتي نص ينقله عن حكمه في زمان آخر أو مكان آخر أو حال أخرى)[5] .
وعلي هذا فإن القاعدة الفقهية ( لا ينكر تغير الأحكام بتدل الزمان ) قد وضعها الفقهاء للقسم الثاني من الأحكام ، وهي الأحكام التي لا تستند مباشرة علي نص شرعي ، بل مصدرها عرف أو مصلحة سكتت عنها النصوص . وهذه القاعدة هي إحدى قواعد المجلة وقررتها المادة 39، وقد جاء شرح هذه القاعدة بقصرها علي الأحكام التي لم تستنبط من النصوص [6] ، وعلي هذا استقر فهم الفقهاء .
يقول ابن القيم: (الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة ، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك ، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه . والنوع الثاني ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة .)[7]
ويقول الدكتور مصطفي الزرقاء من المعاصرين في بحثه لهذا الموضوع :
( من المقرر في فقه الشريعة أن لتغير الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيرا كبيرا في كثير من الأحكام الشرعية الاجتهادية ، وعلي هذا الأساس أسست القاعدة الفقهية القائلة لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان ) وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب علي أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان واختلاف الناس هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحيه وهي المعنية بالقاعدة الآنفة الذكر ، أما الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصلية فهذه لا تتبدل بتبدل الأزمان بل هي الأصول التي جاءت بها الشريعة لإصلاح الأزمان والأجيال )[8] .
أثر العرف في تغير الأحكام :
ويزيد الإمام الشاطبي أحد علماء أصول الفقه المتمكنين مسألة تأثير العرف في تغير الأحكام شرحا وتوضيحا ، فيبين أن العادات والأعراف المتبدلة هي الأعراف التي لم تنشئها الشريعة أصلا ، ولم تتعرض لها إطلاقا لا بمدح ولا ذم ، إنما أنشأاها الناس بأنفسهم نتيجة العلاقات الاجتماعية بينهم . فهذه هي التي يؤثر تغيرها في أحكامها الشرعية فيتغير حكمها تبعا لتغيرها . وضرب بعض الأمثلة علي ذلك منها علي سبيل المثال العبارات التي يكون لها تأثير في إنشاء أو إنهاء عقود المعاملات المالية ، مثل البيع أو ألفاظ الطلاق ، فهذه يراعي فيها العبارات التي يعتادها الناس والاصطلاحات التي يستعملونها في كل عصر . ومن الأمثلة أيضا للعوائد التي تتغير ويكون لها تأثير العادات الخاصة بالزواج مثلا ، فهذه قد تختلف من عصر إلي عصر ، أو من بلد إلي بلد ، فإذا كانت العادة مثلا أن يدفع المهر كاملا قبل الزواج ، أو الهدايا التي تدفع للعروس تكون من ضمن المهر ، فلهذه العادات تأثير في الأحكام الشرعية .(2/90)
أما العادات والأعراف التي تنشئها الشريعة وتعتبرها من المحاسن أو تذمها وتعدها من القبائح ، فهذه لا تتبدل ولا تتغير بل هي ثابتة ، وفيما يلي عبارة الإمام الشاطبي التي شرح فيها هذه القضية [9] :
يقول ( العوائد المستمرة ضربان ، أحدهما : العوائد الشرعية التي أقرها الدليل الشرعي أو نفاها ، ومعني ذلك أن يكون الشرع أمر بها إيجابا أو ندبا ، أو نهي عنها كراهة أو تحريما ، أو أذن فيها فعلا وتركا . والثانية : هي العوائد الجارية بين الخلق بما ليس في نفيه وإثباته دليل شرعي .
فأما الأول : فثابت أبدا كسائر الأمور الشرعية .. فهي أما حسنة عند الشارع أو قبيحة .. فلا تبديل لها .. فلا يصح أن ينقلب الحسن فيها قبيحا ولا القبيح حسنا .. إذ لو صح مثل هذا لكان نسخا للأحكام المستقرة المستمرة والنسخ بعد موت النبي (ص) باطل . فرفع العوائد الشرعية باطل )
أما الثانية فهي عند الشاطبي المتبدلة ثم ضرب لها أمثلة كما سقناها .
آراء معاصرة
ومع استقرار هذا الفهم لقاعدة تغير الأحكام بتغير الفتوى ، فقد توسع بعض المعاصرين في استعمالهم لها ، ومن الأمثلة على ذلك رأي الدكتور معروف الدواليبي الذي يشرحه في مقال له بعنوان ( النصوص وتغيير الأحكام بتغيير الزمان ) فيقول :
( إذا كان النسخ لا يصح إلا من قبل الشارع نفسه فهل يصح في الاجتهاد تغيير ما لم ينسخه الشارع من الأحكام وذلك تبعا لتغير الأزمان؟
إن جميع الشرائع من قديمة وحديثة قد أخذت بمبدأ جواز النسخ لما في الشريعة من بعض الأحكام ، تبعا لتغير المصلحة في الأزمان . غير أنها لم تأخذ بمبدأ السماح للمجتهدين بتغير حكم من الأحكام ما دام ذلك الحكم باقيا في الشريعة ولم ينسخ من قبل من له سلطة الاشتراع . وقد تفردت الشريعة الإسلامية من بين جميع تلك الشرائع من قديمة وحديثة ، بالتمييز ما بين المبدأين أولا وبالأخذ بهما ثانيا .
فلقد اعتبرت الشريعة الإسلامية النسخ لبعض الأحكام الشرعية حقا خاصا بمن له سلطة الاشتراع وأخذت به . أما التغيير لحكم لم ينسخ نصه من قبل الشارع فقد أجازته للمجتهدين ، من قضاة ومفتين تبعا لتغير المصالح في الأزمان أيضا ، وامتازت بذلك علي غيرها من الشرائع ، وأعطت فيه درسا بليغ عن مقدار ما تعطيه من حرية للعقول في الاجتهاد ، ومن تقدير لتحكيم المصالح في الأحكام . وهكذا أصبح العمل بهذا المبدأ الجليل قاعدة مقررة في التشريع افسلامي ، تعلن بأنه ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان )[10] .
فعلي رأي الكاتب الفاضل أن الشريعة الإسلامية تمتاز بالمرونة والطواعية في هذه الناحية علي غيرها من التشريعات ، فتجيز للقاضي أو المفتي تغيير حكم من الأحكام ، ولو كان هذا الحكم ثابتا بنص القرآن أو السنة ، تبعا لتغير المصالح بتغير الأزمان ، مع أن كثيرا من القوانين قديما وحديثا لا تتميز بهذه المرونة ، فلا يمكن لقانون وضعه مجلس تشريعي أن ينقضه أحد كائنا من كان ولو أحد قضاة المحاكم العليا أو رئيس الوزراء . ويقول أن ذلك أصبح في الإسلام قاعدة فقهية مقررة وهي أنه ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان ) .
وقد شذ بعض المعاصرين وتطرفوا في توسيع قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان ، فألبسوا بسببها العلمانية ثوبا إسلاميا ، فجعلوا العبادات وحدها هي الثابتة في الإسلام التي يلتزم بها بالنصوص ، أما في غير دائرة العبادات فالباب مفتوح علي مصراعيه لتعديل النصوص وتغييرها ، وحذفها وإضافة غيرها . يقول الدكتور النويهي في مقاله بعنوان ( نحو ثورة الفكر الديني )[11] .
( إن كل التشريعات التي تخص أمور المعاش الدنيوي والعلاقات الاجتماعية بين الناس والتي يحتويها القرآن والسنة لم يقصد بها الدوام وعدم التغير ولم تكن إلا حلولا مؤقتة ، احتاج لها المسلمون الأوائل وكانت صالحة وكافية لزمانهم ، فليست بالضرورة ملزمة لنا ، ومن حقنا بل من واجبنا أن ندخل عليها من الإضافة والحذف والتعديل والتغير ، ما نعتقد أن تغير الأحوال يستلزمه).
ويعتمد هؤلاء المعاصرين لتأييدا رأيهم في تغير الأحكام الثابتة بالنص تبعا لتغير المصالح بتغير الزمان على بعض الحجج: منها رأي الطوفي في المصلحة ، ومنها اجتهادات عمر بن الخطاب ، التي يرون أنه لم يتمسك فيها بالتطبيق الحرفي للنصوص ، ومنها استبدال الشافعي لمذهبه العراقي القديم بمذهبه المصري الجديد[12]. ونتناول هذه الحجج فيما يلي بالمناقشة والنقد .
------------------------------
[1] انظر عوامل السعة والمرونة للشيخ يوسف القرضاوي .
[2] تفسير القرطبي ج /1 ص /45 ، دار الشعب القاهرة .
[3] انظر شرح النووي على صحيح مسلم ج/13 ص/129 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1392 .
[4] تفسير القرطبي ج/12 ص 48 .
[5] الأحكام في أصول الأحكام - ابن حزم ج/5 ص 771 - 774
[6] أنظر شرح المجلة - محمد خالد الأتاسي ج/1 ص 91
[7] إغاثة اللهفان لابن القيم ، دار المعرفة بيروت ن 1975 ، ج/1 ص 330 .
[8] ( تغيير الأحكام بتغير الزمان ) د. مصطفي الزرقاء - مجلة المسلمون ع/8 ص 891 ( 1373)
[9] أنظر الموافقات - للشاطبي ج/2 ص 283 وما بعدها
[10] مجلة المسلمون ع/6 اسنة الأولي ص 553
[11] مجلة الآداب ( بيروت ) عدد مايو 1970 ص 101
[12] راجع مقال معروف الدواليبي ( النصوص وتغير الأحكام ) - مجلة المسلمون ع/6 السنة الأولي ص 553 ومقدمة في إحياء الشريعة المحمصاني ص 67
رأي الطوفي في أثر المصلحة في تغير الأحكام :
لقد سبق القول إن الحكم الذي جاء به نص حكم ثابت لا يتغير لأن المصلحة التي يحققها مصلحة ثابتة لا تتغير، وقد ظل هذا هو الرأي السائد الوحيد بين الدوائر العلمية، لا يشذ عنه فقيه ولا يعرف أحد رأيا غيره، حتى نشرت مجلة المنار في أوائل هذا القرن رأيا مهجورا لأحد فقهاء القرن السابع الهجري، وهو نجم الدين الطوفي ذكرت المجلة أنه تحدث عن المصلحة بما لم تر مثله لغيره من الفقهاء [1]
فمن هو الطوفي هذا ؟ وما رأيه الذي شذ به عن بقية الفقهاء ؟
تذكر المصادر التي ترجمت لحياة الطوفي أنه كان من فقهاء الحنابلة ، وتصفه بالصلاح والفضل ، ولكن هذه المصادر ذاتها تلقي ظلالا علي انحراف منهجه في التفكير ، وتتهمه بالتشيع والرفض وسب الصحابة ، وتجعل ذلك سببا للثائرة التي ثارت عليه حين كان في القاهرة ، ومنها نفي إلي بلدة صغيرة . وإذا كان البعض يشكك في صحة ما اتهم به ويبرئ ساحته ، إلا أن كل الكتابات قديما وحديثا تتفق علي أن رأيه في المصلحة رأي شاذ ، لم يعرف قبله ولم يتابعه فيه أحد بعده إلا بعض المعاصرين[2] ، وقد يكون الشذوذ وحده ليس عيبا وإن كان في الغالب دليل الخطأ ، فهل كان رأي الطوفي في المصلحة مع كل تلك الظلال القاتمة في حياته ومع ذلك الشذوذ رأيا صائبا أم كان رأيا لا وزن له ؟
أوضح الطوفي رأيه في المصلحة في ثنايا شرحه لأحد الأحاديث الأربعينية وهو حديث لا ضرر ولا ضرار[3] وخلاصة رأيه أن المصلحة أقوى مصادر التشريع ، بل هي أقوى من النص والإجماع ، وأنه في غير دائرة العبادات والمقدرات فإن المصلحة تقدم علي النص والإجماع إذا عارضتهما .(2/91)
يقول ( واعلم أن هذه الطريقة التي ذكرناها مستفيدين لها من الحديث المذكور - حديث لا ضرر ولا ضرار - ليست هي القول بالمصالح المرسلة علي ما ذهب إليه مالك ، بل هي أبلغ من ذلك ، وهي التعويل علي النصوص والإجماع في العبادات والمقدرات ، وعلي اعتبار المصالح في المعاملات وباقي الأحكام .. فالمصلحة وباقي أدلة الشرع أما أن يتفقا أو يختلفا ، فإن اتفقا فيها ونعمت ، وأن اختلفا وتعذر الجمع بينهما قدمت المصلحة علي غيرها .. وإنما اعتبرنا المصلحة في المعاملات ونحوها دون العبادات وشبهها ، لأن العبادات حق للشرع خاص به ، ولا يمكن معرفة حقه كما وكيفا وزمانا ومكانا إلا من جهته ، فيأتي به العبد علي ما رسم له .. وهذا بخلاف حقوق المكلفين فإن أحكامها سياسية شرعية ، وضعت لمصالحهم فكانت هي المعتبرة وعلي تحصيلها المعول .. ولا يقال أن الشرع أعلم بمصالحهم فلتؤخذ من أدلته ، لأنا قد قررنا أن رعاية المصلحة من أدلة الشرع وهي أقواها وأخصها فلنقدمها في تحصيل النافع )[4] .
ويسوق لرأيه هذا عددا من الأدلة منها[5]
1- أن النصوص إجمالا وتفصيلا قد بينت أن مقصود الله عز وجل من تشريع أحكامه تحقيق المصلحة ورفع الحرج . من ذلك مثلا قوله تعالي { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}- البقرة : 185 ، وقوله { ما جعل عليكم في الدين من حرج } الحج - 78 ، وقال عليه السلام (الدين يسر ) وقال ( بعثت بالحنيفية السمحة ) .
2- حديث لا ضرر ولا ضرار وهو واضح الدلالة في نفس الضرر والمفسدة وتقديم المصلحة علي جميع أدلة الشرع ، فإذا تضمنت بعض أدلة الشرع ضررا كان لا بد عملا بهذا الحديث من إزالة ذلك الضرر .
3- أن النصوص متعارضة مختلفة فلهذا تكون سببا للخلاف والتفرق ، أما المصلحة فأمر حقيقي لا يختلف فيه ، ولهذا فهي أولي بالتقديم علي النصوص .
4- أن المصلحة دليل متفق عليه أما الإجماع فدليل مختلف حوله فالتمسك بالمتفق عليه أولي من التمسك بما اختلف فيه .
وهذا مجمل ما عند الطوفي من أدلة علي رأيه ، ولكن تحليل هذه الأدلة بكل روية وتمعن يظهر فيها ضعفا وتناقضا لا يخطئه من له أدني إدراك بالأدلة وطرق مناقشتها .
1- فمما لا يختلف فيه اثنا أن النصوص دلت عموما وتفصيلا أن أحكام الشريعة غايتها المصلحة ، ولكن هذا دليل إثبات أنه حيثما وجد النص فثم المصلحة ، والله أراد من النصوص اليسر ولم يرد بها العسر ، وكل نصوص الدين ما جعل الله فيها من حرج وهي سمحة سهلة ، فكل أدلة الطوفي في أن المصلحة واليسر ورفع الحرج هي مقصود الشارع ، فهي دليل علي ضرورة التزام النص وتقديمه ، لأنه الذي يحقق المصلحة في كل الظروف .
2- وحديث لا ضرر ولا ضرار هو أحد الأدلة أيضا علي أن كل نصوص الشرع لا ضرر فيها ، وأن المصلحة متحققة منها دائما ، إذ كيف يقرر الرسول أنه لا ضرر وتكون بعض النصوص التي جاء بها سببا في الضرر . إن من يظن وقوع الضرر من تطبيق النص يقع في تناقض بين .
3- والاختلاف في تقدير المصلحة أمر واقع ، وهو اختلاف كبير واسع ، فالمصلحة ليست أمرا منضبطا يتفق عليه الناس وإلا لو كان الأمر كذلك لا تفق الناس في شرائعهم ونظمهم وطرق حياتهم وكل هذا ينقض ما قاله الطوفي من أن المصلحة أمر حقيقي متفق عليه .
4- والطوفي في عبارته عن تقديم المصلحة علي الإجماع متناقض جدا ، فهو يقول أن المصلحة متفق عليها والإجماع مختلف حوله ، فتقدم المصلحة لأنها متفق عليها ( فأصبح معني كلامه : الإجماع أضعف من رعاية المصلحة لأن رعاية المصلحة مجمع عليها والإجماع غير مجمع عليه )[6] .
5- ومن الملاحظ أن الطوفي لم يأت بمثال واحد يرينا فيه كيف أن المصلحة عارضت النص وكيف تقدم عليها ، حتى نستيقن مما يقول ، وما ذلك إلا لأنه لم يجد مطلقا بعد طول الاستقراء والبحث حالة واحدة تعارض فيها المصلحة النص لأن ذلك التعارض أمر متوهم[7]
ولضعف أدلة الطوفي وشناعة رأيه حمل عليه كثير من المعاصرين حملة قوية . فيقول الشيخ أبو زهرة عن رأيه أنه ( رأي شاذ بين علماء الجماعة الإسلامية ) ويقول ( .. إن مهاجمته للنصوص ونشر فكرة نسخها أو تخصيصها بالمصالح هي أسلوب شيعي ، أريد به تهوين القدسية التي يعطيها الجماعة الإسلامية لنصوص الشارع . والشيعة الأمامية يرون أن باب النسخ والتخصيص لم يغلق لأن الشارع الحكيم جاء بشرعه لمصالح الناس في الدنيا والآخرة ، وأدري الناس بذلك الإمام فله أن يخصص كما خصص النبي (ص) لأنه وصى أوصيائه . وقد أتي الطوفي بالفكرة كلها وإن لم يذكر كلمة الإمام ليروج القول وتنتشر الفكرة )[8] .
ويقول الشيخ عبد الوهاب خلاف : ( .. وإن الطوفي الذي يحتج بالمصلحة المرسلة إطلاقا فيما لا نص فيه وفيما فيه نص، فتح بابا للقضاء علي النصوص وجعل حكم النص أو الإجماع عرضة للنسخ بالرأي، لأن اعتبار المصلحة ما هو إلا مجرد رأي وتقدير، وربما قدر العقل مصلحة وبالروية والبحث يقدرها مفسدة. فتعريض النصوص لنسخ أحكامها بالآراء وتقدير العقول خطر علي الشرائع وعلي كل القوانين )[9] .
----------
[1] المصلحة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي - مصطفي زيد ص 194 .
[2] راجع في ذلك المصدر نفسه ص 67 - 88 وضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية محمد سعيد رمضان البوطي - ص 202 - 206 وأنظر ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ج/2 ص 366.
[3] أنظر النص الكامل لهذا الشرح في ملحق كتاب المصلحة في التشريع الإسلامي لمصطفي زيد .
[4] ملحق كتاب المصلحة في التشريع الإسلامي - مصطفي زيد ص 235 و 238 و 240
[5] أنظر نفس المصدر ص 235 وما بعدها
[6] أنظر ( ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية ) - محمد سعيد رمضان البوطي ص 212
[7] أنظر ( ابن حنبل ) لأبو زهرة ص 359
[8] نفس المصدر ص 363
[9] مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه - عبد الوهاب خلاف - ص 101
اجتهادات عمر بن الخطاب
يقال أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يلتزم بحرفيه النصوص في عدد من اجتهاداته وفيما يلي اثنان من أشهرها :
1- ( اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قطع العطاء الذي جعله القرآن الكريم للمؤلفة قلوبهم ، كان في مقدمة الأحكام التي قال بها عمر تبعا لتغير المصلحة بتغير الأزمان ، رغم أن النص القرآني لا يزال ثابتا )[1] .
ويقول النويهي عن ذلك :
( فأي شئ هذا إن لم يكن إلغاء تشريع قرآني حين اعتقد أن الظروف المتغيرة لم تعد تجيزه ؟ لكن هل يجرؤ علماؤنا وكتابنا علي مواجهة هذه الحقيقة الصريحة ؟ )[2].
ولكن هل صحيح أن عمر في هذه القضية غير حكما ثابتا بالقرآن ؟ إن سؤالا واحدا كفيل بوضع هذه القضية في موضعها الصحيح ، وهو هل وجد مؤلفة قلوبهم في عهد عمر أم لا ؟
فمن المعلوم أن مصارف الزكاة محدودة لأصناف ثمانية معروفة أوصافهم ، فإذا لم يوجد صنف منهم في أي عصر من العصور ، مثل عدم وجود صنف الرقيق ( في الرقاب ) في هذا العصر ، فكل ما يمكن أن يقال أن مصرفا من مصارف الزكاة موقوف حتى يوجد من يستحقه . فكل ما فعله عمر رضي الله عنه هو أنه حكم بعدم وجود صنف المؤلفة قلوبهم في عصره ، وليس ذلك إلغاء لتشريع قرآني ، وليس فيه تغيير لحكم ثابت بالقرآن لتغير الزمان ، فإذا وجد المؤلفة قلوبهم في أي عصر أعطوا وإذا لم يوجدوا لم يعطوا [3] .
2- ( ..اجتهاد عمر رضي الله عنه عام المجاعة في وقف تنفيذ حد السرقة علي السارقين وهو قطع اليد ... وفي هذا تغيير لحكم السرقة الثابت بنص القرآن عملا بتغير الظروف التي أحاطت بالسرقة )[4].(2/92)
ولكن من الواضح أن عمر هنا إنما درأ الحد بالشبهة ، ودرأ الحدود بالشبهات أمر مشروع وروي عن غير واحد من الصحابة [5] . ويقول ابن القيم عن ذلك : ( فإن السَنة إذا كانت سَنة مجاعة وشدة ، غلب علي الناس الحاجة والضرورة ، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلي ما يسد به رمقه - وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج وهي أقوي من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء )[6] .
فليس في اجتهاد عمر تغيير للنص الثابت بالقرآن استجابة للظروف .
فقه الشافعي القديم والجديد :
ومن الأمثلة التي تساق لتغير الأحكام بتغير الظروف ما ثبت من تغير فقه الشافعي القديم حين كان بالعراق إلي فقهه الجديد حين انتقل إلي مصر[7]. وتغير فقه الشافع من القديم إلي الجديد أمر ثابت ، أما تعليل هذا التغير بتغير الظروف فهو يحتاج إلي نظر . فمن المعلوم أن الشافعي قد جمع فقهه في كتبه وهو قد ألف أكثر هذه الكتب في القديم ، ثم حين أعاد تأليفها في الجديد كان يأمر بتمزيق الأولي التي حوت اجتهاداته القديمة والتي تغير رأيه فيه[8] ، وفوق ذلك فقد روي البيهقي عنه أنه كان يقول : لا أجعل في حل من روي عني كتابي البغدادي ) وكتابه البغدادي هو المشتمل علي مذهبه القديم [9]، فلماذا هذا التشدد في نسخ آرائه القديمة وسعيه لإماتتها ؟ .
لا يبدو من ذلك أن السبب في تغير اجتهاداته تغير ظروف مصر عن ظروف العراق ، لأن الأمر لو كان كذلك لأجاز للناس رواية ونقل مذهبه العراقي ، ولكن تشدده في نسخه وسعيه لإماتته كأنه لم يقله ، دليل علي أنه أعاد النظر في آرائه الماضية ، فاستبان له وجه جديد أصح وأقوى ، أو ربما اكتشف أخطاء في اجتهاده القديم ، لهذا أحب ألا ينقل عنه رأي خطأ . وإعادته النظر في آرائه القديمة وتغير اجتهاده فيها أمر عادي بسبب زيادة علمه وخبرته لا بسبب تغير الظروف . ويقول أحد أشهر تلامذته وهو الإمام أحمد بن حنبل عن كتبه القديمة والجديدة التي حوت ( فقهه القديم والجديد ): " .. عليك بالكتب التي وضعها بمصر فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها ثم رجع إلي مصر فأحكم تلك )[10]
ولعل استقراء المسائل التي تغير اجتهاده فيها هي أفضل وسيلة لمعرفة ما إذا كانت للظروف أثر في ذلك ، ولا أعلم مسألة واحدة يمكن أن يقال أن لتغير الظروف بين مصر والعراق أثر في تغير رأيه فيها .
رأي الإمام ابن القيم في تغير الأحكام :
عقد الإمام ابن القيم في كتابه ( أعلام الموقعين ) فصلا عن ( تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والنيات والعوائد ) . وقد حمل سوء الفهم لهذا الفصل بعض الناس فجعل رأي ابن القيم ورأي الطوفي سواء [11]، ولكن الدارس لرأي ابن القيم من الأمثلة التي ساقها يتضح له أنه لا فرق بينه وبين رأي سائر الفقهاء في إثبات تغير الأحكام في دائرة المسائل التي سكتت عنها النصوص ، أما في دائرة النصوص فالأحكام ثابتة إلا إذا دل النص نفسه علي تغيرها .
وقد أورد ابن القيم عددا من الأمثلة لتغير الحكم وكل أمثلته تدور علي الحالات الآتية[12] :
1- الحالة التي يثبت تغير النص فيها نص آخر ، مثل نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع الأيدي في الغزو ، فتعطيل الحد هنا في هذا الظرف ثابت في نص آخر . ويشبه ذلك أيضا سقوط حد السرقة أيام المجاعة كما هو منقول عن عمر بن الخطاب عملا بنص درء الحد بالشبهة .
2- الحالة التي تتعارض فيها المصالح التي تثبتها النصوص ، ومثالها ترك إنكار المنكر إذا كان يستلزم ما هو أنكر منه . يقول: " فإنكار المنكر أربع درجات: الأولى أن يزول ويخلفه ضده ، الثانية أن يقل وإن لم يزل بجملته ، الثالثة أن يخلفه ما هو مثله ، الرابعة أن يخلفه ما هو شر منه . فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة ."[13]
3- حالة يستعمل فيها القياس وإلحاق الأشباه والنظائر بأمثالها التي تثبتها النصوص ، ومن أمثلة ذلك أن النص جعل صدقة الفطر في أصناف مخصوصة ، فيقاس عليها أمثالها من الأصناف التي تصلح أن تكون قوتا ، في البلاد التي لا يوجد فيها الأصناف التي حددها النص . ويضيف ابن القيم قائلا: " وكذلك حكم ما نص عليه الشارع من الاعيان ، التي يقوم غيرها مقامها من كل وجه أو يكون أولى منها ، كنصه على الأحجار في الاستجمار ، ومن المعلوم أن الخرق والقطن والصوف أولى منها بالجواز ، وكذلك نصه على التراب في الغسل من ولوغ الكلب والاشنان أولى منه ، هذا فيما علم مقصود الشارع منه وحصول ذلك المقصود على أتم الوجوه بنظيره وما هو أولى منه ."[14]
4- حالة استثنائية قاهرة خاصة بحالة العجز والضرورة ، ومثالها صحة طواف الحائض إذا خشيت أن تفوتها رفقتها في الحج ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف وقال: " اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" ، وهو نص واضح في عدم صحة ذلك في الأحوال العادية . يقول ابن القيم: " وليس اشتراط الطهارة للطواف أو وجوبها له ، بأعظم من اشتراطها للصلاة ، فإذا سقطت بالعجز عنها فسقوطها في الطواف بالعجز عنها أولى وأحرى ."[15]
5- الحالات التي تتغير فيها عبارات العقود والأيمان والطلاق والنذور تبعا لتغير العرف والعادة في ذلك .
وليس من أمثلة ابن القيم مثال واحد لتقديم المصلحة علي النص .
ألخاتمة: أحكام النصوص ثابتة :
ومن هذه المناقشات كلها لا نجد دليلا واحدا ، يؤيد رأي العصرانين فيما يحاولونه من فتح الباب لتغيير النصوص ، بل إن الأحكام في دائرة النصوص أحكام ثابتة لا تقبل التحريف والتبديل.
----------
[1] مقال الدوليبي المصدر السابق ص 555
[2] مقال النويهي - مجلة الآداب ( بيروت ) ص 100 عدد مايو 1970
[3] راجع منهج عمر بن الخطاب في التشريع - محمد بلتاجي ص 175- 191 والكتاب كله مناقشة قيمة لاجتهادات عمر .
[4] مقال الدواليبي ص 555
[5] راجع نيل الأوطار الشوكاني ج/7 ص 118
[6] أعلام الموقعين ج/3 ص14
[7] مقدمة في إحياء الشريعة - المحمصاني ص 67
[8] مناقب الشافعي - البيهقي ج/1 ص 256
[9] الشافعي - أبو زهرة ص 192 - 395
[10] مناقب الشافعي - البيهقي : 1/263 ومناقب الشافعي - ابن أبي حاتم ص 60
[11] أنظر المصلحة في التشريع الإسلامي - مصطفي زيد ص 161
[12] أعلام الموقعين - ابن القيم - ج 3، ص 3 - 50
[13] نفس المصدر ج 3، ص 4 .
[14] نفس المصدر ج 3، ص 14.
[15] نفس المصدر ج 3، ص 15.
=============
غريبٌ أنا أم زماني غريبُ؟!
غريبٌ أنا ! أم زماني غريبُ؟! ...
... وحيّرَ فكري السؤالُ العجيبُ
غريبٌ ! وكيفَ وكلُّ شعاعٍ ...
... سرى في السماء لعيني قريبُ؟
غريبٌ! وكيف وكلّ جمالٍ ...
... بهذا الوجودِ لقلبي حبيبُ؟
وكيف أكون غريباً وحولي
...
... حبورٌ ونورٌ ولحنٌ وطيبُ؟
وعندي رجاءٌ ..وفوقي سماءٌ ...
... تظلُّ، وشعرٌ ،وفكرٌ خصيب؟
وكيف أكون غريباً وشمسي ...
... أقامت بطول المدى لا تغيبُ؟
وكلُّ البرايا معي ساجداتٌ ...
... لِربّي نُلبّي ...له نستجيبُ
فذرّاتُ هذا الوجودِ تلبّي ...
... وأسمعُها لو تَشِفُّ الغيوبُ
تسبّحُ سرّاً بغير ذنوبٍ! ...
... أسبِّح جهراً وكُلّي ذنوبُ
غريبٌ أنا! أم زماني غريبُ؟! ...
... يحيّرني ذا السؤالُ العجيبُ
غريبٌ! وكيف وهذي سبيلي ...
... وغيري هوى،ضيَّعَتْهُ الدروبُ؟
وكيف ودربي ابتداهُ الرسولُ ...
... يقود القلوبَ،فتحيا القلوبُ؟
أنا إنْ سجدتُ أناجي إلهي ...
... فؤادي يطيبُ ، وروحي تذوبُ
أعيش بظلِّ النجاوى سعيداً ...(2/93)
... فأدعو ،وأدعو ،وربّي يُجيبُ
وربي قريبٌ، قريبٌ، قريبُ ...
فكيف يُقال: بأني غريبُ؟
=============
قيمة عنصر الزمان بين الإدراك الخارجي والشعوري
بقلم: عباس المناصرة
اتفقت البشرية على قياس عنصر الزمان من خلال حركة الشروق والغروب بالنسبة للشمس، أو حركة القمر وأطواره بالنسبة للقمر (التقويم الشمسي، والتقويم القمري) ثم تعارفت على تقسيم اليوم إلى ساعات، والساعات إلى دقائق، والدقائق إلى ثوان، وجمعت الأيام ثلاثين يوماً لتصبح شهراً، وجمعت الاثني عشر شهراً لتصبح سنة، قال تعالى:
(إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض) (التوبة 36).
فلو أنك طلبت من صديق لك أن يقابلك في الساعة كذا، لما وجد أي مشقة في فهم عنصر الزمان الذي تريد، لأن عنصر الزمان الخارجي متعارف عليه بين البشر بكل وضوح ودقة، ولكن الشيء الذي يثير الارتباك ويربك الأفهام، هو قيمة الزمن عند النفس البشرية في الأفراد والجماعات، إذ لا يكاد يتفق الكثير من الناس على قيمة الزمن ليس من ناحية الأهمية في استغلاله، ولكن من ناحية إدراكه ومروره وشعورهم به واستقبالهم له وتفاعلهم معه.
فقد تمر الدقائق التي تراها كأنها دهور طويلة عند نفس خائفة مرتبكة، وقد تمر الليالي كأنها دقائق أو لحظات عند نفس سعيدة مسرورة.
وإذا حاولنا أن نتتبع مرور الزمان على النفس البشرية وكيفية استقبالها له، وإدراكها لقيمته، وجدنا العجب العجاب في هذا الجانب من كثرة المواقف وتعددها وتباينها.
هذا شاعر العرب في الجاهلية (امرؤ القيس) يرى الليل ثابت النجوم ثقيل الظل، لأن حالته النفسية رسمت له الليل بهذه الصورة القاتمة عند إنسان قلق تأكله الهموم:
وليل كموج البحر أرخى سدوله علي بأنواع الهموم ليبتلي
فيالك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شُدَّتْ بيذبل
بينما نرى شاعراً يصور الزمان الطويل ليلة دخوله على عروسه، كأنه لحظات ضئيلة لم يصح منها إلا بهجوم كهجوم الحرس:
حين تم النوم مع حلو اللمى هجم الصبح هجوم الحرس
ويطالعنا أبو العلاء المعري بصورة أخرى لمرور الزمن مريرة كسواد الليل:
(ليلتي هذه عروس من الزنج عليها قلائد من جمان
هرب النوم عن فؤادي فيها هرب الأمن عن فؤاد الجبان
ويجمع ابن زيدون الصورتين معاً، فيساعدنا على إدراك الحقيقة الكاملة، وهي أن الإنسان يرى الزمان من خلال حالته النفسية، فعلى قدر سعادته وسروره يرى السنوات الطويلة تمر خفيفة كلمح البصر، أما إذا ضاقت نفسه بالحياة ذرعاً، فإنه يراها بمنظار آخر ثقيلة الظل بطيئة المرور:
إن يطل ليلي بعدك فلكم بت أشكو قصر الليل معك
ويورد القرآن الكريم لنا رؤية النفس البشرية للدنيا في قوله تعالى:
(حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم) (التوبة 118).
والسبب في ذلك أن النفس البشرية تدرك الدنيا من حولها إدراكاً "مصلحياً" مرتبطاً بهواها ورغبتها في الإشباع، فإن شبعت هدأت، وإن حرمت سخطت، وضاقت بالزمان والمكان.
فالأرض الواسعة رغم سعتها ورحابتها، تراها النفس ضيقة خانقة الضيق، في حال الأزمات وأوقات الشدائد والخوف، ولعل السبب في ذلك يعود إلى ابتعاد النفس عن إدراك حقائق الحياة الموضوعية بحياد منقطع عن الإشباع وتحقيق الأطماع، فالحياة من حولنا لا هي ضيقة ولا هي واسعة، ولكن يلزمها أن ندرك حقائقها كما هي، وليس كما ترى وترغب الأنفس، ولو تابعنا هذه النفس بشيء من التربية لتغيرت نظرتها للحياة، وأدركتها بحكمة واسعة كما يدركها العاقلون. قال الشاعر:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
ويقول آخر:
والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
أما آن للنفس البشرية أن تدرك قول الله تعالى:
(ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد 68).
لأن الإيمان هو المخلص الوحيد لها من عذابها وهلعها، وهو الدافع لها نحو الأمن والطمأنينة، بعد أن تدرك أنه لابد من التسليم لخالق هذا الكون، كما سلمت بقية الكائنات، وأنها مهما خدعت ذاتها بالهموم والمطامع والبحث عن السعادة الكاذبة في غير منهج الله، فلن تصل للسعادة إلا بأن تسلم، بأنه لا ضرر ولا نفع إلا بإذن الله سبحانه، وإذا عرفت أن الكون هو ملك الله، وأن جميع المخلوقات عباد الله، وبأنه لا يجري شيء في هذا الكون إلا بعلمه، عندها يطمئن الإنسان، ويأنس بهذا الكون ويذهب عنه الخوف والهلع، وما علينا إلا أن نتذكر قول القاضي عياض:
(عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين
وإياك وطريق الباطل ولا تعجب لكثرة الهالكين).
هذه الطريق هي الوحيدة القادرة على رفع اليأس والشكوى من الزمان والخوف والقلق من نفس الإنسان، ليحمل المشاعر الإيجابية الصحيحة تجاه الحياة والأحداث.
صحيح أن الشاعر يرى الحياة من خلال الذات والنسبية بشكل عام، ولكن الشاعر المسلم تتهذب ذاته ونسبيته، من خلال الخضوع لمنهج الحق، فيرى الحياة بفراسة المؤمن الذي يرى بنور الله. جعلنا الله من أصحاب النفوس المطمئنة التي ترجع إلى ربها راضية مرضية.
=============
محمد صلى الله عليه وسلم محرر الإنسان والزمان والمكان
د. محمد أحمد العزب
________________________________________
[1]
حين يحدق الباحث في ملامح الحركة التاريخية قبل وبعد ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا يحتاج إلى معاناة ليستجلي حقيقة موضوعية أكبر من أن تتوارى في غياهب الجدل، هذه الحقيقة الموضوعية هي أن هذا الميلاد العظيم كان إيذاناً بثورة كونية شاملة عملت عملها في تغيير علاقات الأشياء بعضها مع بعض، وفي تغيير علاقات الأحياء بعضهم مع بعض، حتى ليمكن القول بأن ما حدث كان تحريراً كاملاً لوضعية الإنسان في الأرض، ووضعية الأرض في الكون، ووضعية الزمان في التاريخ.
أجل، كان هذا الميلاد العظيم إيذاناً ببدء ثورة شاملة، حررت الإنسان والزمان والمكان، ورفعت عنها إصر عبوديات كثيرة كانت تعتاق انطلاقها جميعاً، فأخذ الإنسان حريته بيده، وصاغ هوية زمانه ومكانه صياغة جديدة فجرت عناصر الخير في كل شيء كان احتجاجاً قبلياً على كل عناصر الخير، فوقف الإنسان على ربوة التاريخ يسدد خطواته نحو الأشرف والأفضل، ووقف المكان ليلهم ويحتضن وينبت الأروع والأنصع، ووقف الزمان ليفسح ويتيح للأكمل والأشمل!
ولكن كيف؟
كيف حرر محمد صلى الله عليه وسلم الإنسان من ربقة عبودياته المتعددة؟
كيف حرر محمد صلى الله عليه وسلم الزمان من قبضة كونه إطاراً للحركة التاريخية الهابطة؟
كيف حرر محمد صلى الله عليه وسلم المكانَ من وضعية كونه صنماً أو مناطاً لصنم معبود على الأرض؟
القضية جرت بها أقلام كثير من الباحثين، ولكنهم تناولوها من منظور كمي إذا جاز أن يقال، بمعنى أنهم رصدوا كمَّ التحول التاريخي على مستوى سياسي واجتماعي وثقافي وعقائدي، دون أن يفطنوا إلى جدل هذه المستويات وإشعاعاتها التي تشكل خلفياتها الحقيقية، وهو ما نحاول تجليته في هذه السطور..
ولكن.. كيف.. مرة أخرى؟
[2]
التاريخ هنا لا يتسطيع أن يكذب على نفسه.. فإن ثورة محمد صلى الله عليه وسلم من أجل إنسانية الإنسان تكاد تشكل كل ملامح رسالته الشامخة، لأن القيم والأعراف والمبادئ والنواميس والأحكام والشرائع والقضايا والمقولات التي يمكن أن تشكل في النهاية مجموع الرسالة الإسلامية ليست بذات بال إن هي فقدت محور وجودها الصميمي الذي هو الإنسان.(2/94)
إن قيام الإنسان بهذه المواضعات الإسلامية هو ما يعطيها معقولية وجودها على الأرض، ومن هنا نستطيع أن نفهم أن نزول القرآن »منجماً« كان ترتيباً طبيعياً على مقدمة أساسية وهي أن معاناة البشر الكادحين هي بالضرورة محور تنزل الوحي من السماء إلى الأرض، أي أن وجود الشرائع والرسالات هو وجود متوقف على وجود آخر قَبْلي ومسبق وهو الوجود الإنساني، فما لم يوجد الإنسان كان لا يمكن أن توجد الشرائع، وما لم يحفر البشر تاريخهم الحلولي على أخاديد الصخور وأعراف الجبال كان لا يمكن للرسالات أن تحفر تاريخها الحلولي على أخاديد الورق أو في أعراف الطبائع والنفوس!
وإذن فقد كان تحرير محمد صلى الله عليه وسلم للإنسان تحريراً مقصوداً وقَبْلياً، ولذلك فإن حجم هذا التحرير يعطي قناعة أن كل الجراح التي نزفت من محمد صلى الله عليه وسلم كانت جراحاً حميمة إلى قلبه، لأنها نزفت دماً هنا ورقَأَتْ دماً بلا حدود هناك، أعنى أن كل قطرة دم أو عرق نزفت من جبين محمد القائد الرسول صلى الله عليه وسلم قد استحالت في تاريخ الإنسان على امتداد هذا التاريخ إلى يد برة حانية تمسح عن جبينه طوفان الدم وشلال الدموع. إن الجراح التي نزفت هناك من جبين محمد صلى الله عليه وسلم وهو يعدل مسار الكون والتاريخ والإنسان، هي التي تتيح لهذا الإنسان أن يقبض في رحاب الكون والتاريخ على إنسانيته بيديه، غير غارق في طوفان الرجعة الذاهلة إلى حرب الأعراق الفاجرة، أو إلى انحناء الجذع الإنساني أمام حجم حجري بليد، أو إلى انصياع في مسارب اللذات غير مبدع ما يبقى على التاريخ عنواناً على عظمة البشر ومجد الإنسان في الأرض!
كان الإنسان -قبل محمد صلى الله عليه وسلم- يتكئ في قناعته على مسلّمات كثيرة، فأطلق محمد صلى الله عليه وسلم فيه ثورة العقل وثورة الجسد وثورة الروح.. لقد زلزل هذا الإنسان بثورة العقل معاقل الخرافة، وأسوار التجمد، وحوائط الانغلاق، فأطلق لفكره العنان يجول في أبهاء الزمن والتاريخ والكون والثقافات، يشيد من بعضها ما يراه موائماً لطبائع التطور، ويشيد علىأنقاض بعضها الآخر ما يراه عاجزاً عن مواكبة الطموح البشري في اندفاعه مع تيار التواصل الكوني والإنساني.. وزلزل هذا ا لإنسان بثورة الجسد مقاصير العنت، ومناطق الخوف، وأحراش الرهبوت، فأطلق للإبداع الإنساني آفاق طموحه المشروعة، وأمّن لخطوات التاريخ على طرائق الخير والحق، وجعل من »القيمة« وحدها مقياس التوافق مع الوجود الإنساني النبيل الذي يرفض أن يشارك في مهزلة الأعلى والأدنى على ضوء مقاييس البطش والإرهاب.. وزلزل هذا الإنسان أخيراً بثورة الروح تاريخ الهمجية على الأرض، فأطلق لأشواقه العليا أن تلوذ بمناطها الطبيعي، وأن تستريح من قرّها إلى دفء الألوهية.
وهكذا يتوافق إيقاع ثورات العقل والجسد والروح تلك التي أطلق شرارتها الأولى محمد صلى الله عليه وسلم لتؤلف في النهاية هذا الكون المسلم الذي يرفض إنسانه أن يوجد على الأرض بليداً بلا عقل، وكاسداً بلا فعل، ومعطلاً بلا أشواق، وهذا هو حجم التحول الذي قاده هذا الإنسان النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك فترات التاريخ قتامة وجهامة وانطفاء!
[3]
وليس فعل محمد صلى الله عليه وسلم في تحرير الزمان بأقل من فعله في تحرير الإنسان، وإن كنا نلاحظ منذ البدء أن الفصل بين الإنسان والزمان فصل عشوائي وغير مبرر على الإطلاق، إلا أن التقسيم المرحلي لقيمة الفعل البطولي الذي قاده النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحتم أن نقف عند كل مرحلة على مشارف لا نتعدى إطارها إلى إطار آخر حتى لا تختلط التخوم والأبعاد.. إن تحرير محمد صلى الله عليه وسلم للزمان يتوهج في حقيقة أولية توشك أن لا تلمحها البدائِهُ العَجلى، وهي اقتداره العظيم على اقتلاع حركة الزمان بما هو تاريخ من فوضى التدفق العشوائي إلى تحديد الملامح وتجسيد الهويات، بمعنى أن التاريخ الزمني كان إطاراً سائباً لا تجري داخله حركة عقائدية محددة تبدع للإنسان شوطاً يجريه، أو هدفاً يحققه، أو إنجازه يضعه على الأرض.. فجاء محمد صلى الله عليه وسلم ليجعل من هذا التاريخ الزمني إطاراً لحركة تبدأ تخومها من الأرض لتنتهي في السماء، أي أن حجم هذه الحركة العقائدية التي أعطاها محمد صلى الله عليه وسلم للتاريخ الزمني محتوىً ومضموناً، تبدأ بمفردات الوجود الإنساني على الأرض لتتوافق في نهاية الرحلة مع كلية الوجود الإلهي في الأشياء وما قبل الأشياء وما وراء الأشياء!
هذا شيء.. وشيء آخر لا يقل عن ذلك تأصلاً وإشعاعاً.. ذلك هو انتقال محمد صلى الله عليه وسلم بالتاريخ الزمني من شواطئ المواجهة للإنسان إلى شواطئ العناق للإنسان، بمعنى أن التاريخ الزمني كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم عدواً للإنسان يتربص كل واحد منهما بالآخر في محاولة لإجهاض وجوده على الأرض، ولذلك نرى المساحة الكبرى من الإبداع العقلي والفني لإنسان ما قبل التاريخ الإسلامي تغص بقتل الإنسان لزمنه التاريخي في قصف هنا، أو لهوٍ هناك، أو حرب غير مبررة هنالك، ربما لإحساس هذا الإنسان بأن الزمن التاريخي يتربص به، فهو يحاول قتله قبل أن يستطيع هو أن يقتله، وكلاهما قاتل ومقتول في نفس اللحظة وعلى نفس التراب! حتى إذا جاء محمد صلى الله عليه وسلم انتقل بالتاريخ الزمني من شواطئ المواجهة إلى شواطئ المعانقة، وشكل للإنسان حاسة تاريخية ترى في اللحظة الآنية إثراءً طبيعياً للحظة الحاضرة، وفي الآن الماضي تربة طبيعية لتشكيل الآن المستقبل، استطاع الإنسان بعدها أن يفيق على حقيقة أن الزمن هو إطاره الطبيعي، وأن تدمير الإطار يعني على الفور تدمير الذات الساكنة في هذا الإطار، فعزف عن مناوأة تاريخه الزمني، وعقدا معاً ما يشبه الحلف المقدس، فأحس الإنسان المسلم دائماً أن الزمن ثروة ينبغي أن تستغل، وعمر يجب أن يمتلئ، وتاريخ لا بد أن يحتوي أروع ما في الإنسان من طاقات وإبداعات!
وما لنا لا نحاول أن نفهم من المواقيت الزمنية الصارمة للصلاة والصيام والحج والزكاة فوق حكمة مشروعيتها حكمة حلولها في وقت معين وزمن بذاته ربما لتحرك في أعماق الطبيعة الإنسانية قيمة الزمن والإحساس بتاريخية كل الأشياء؟
الحق أن حجم التحول الذي قاده النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم في مجال تحرير الإنسان والزمان حجم يجب أن يظل في مناطق الضوء، لأن به وحده يمكن التعرف على ضخامة العطاء الإنساني والرسالي الذي وهبه لنا هذا النبي الإنسان صلى الله عليه وسلم، الذي حمل في عينيه أحلام مستقبل البشر.
[4](2/95)
فإذا انتقلنا إلى تأمل ملامح الحركة الثالثة وهي تحرير محمد صلى الله عليه وسلم للمكان، لراعنا أن قوة الفعل هنا لا تقل عن روعة الفعل هناك، فإذا تخطينا ملاحظة أن الفصل هنا كذلك بين الإنسان والزمان والمكان فصل مرحلي تحتمه طبيعة التأمل والفهم ولا تحتمه طبائع الأشياء لأن طبائع الأشياء ترفض هذا الفصل ولا تزكيه، إذا تخطينا ذلك كله إلى محاولة تأمل قيمة الفعل الذي أعطاه محمد صلى الله عليه وسلم لتحرير المكان تتميماً لتحرير الإنسان والزمان، لبدهنا على الفور أن علاقة الإنسان هنا بالمكان غير علاقة الإنسان هناك بنفس المكان -بمعنى أن المسرح المكاني الذي جرت عليه أحداث الحياة قبل البعثة المحمدية، ولكن علاقة إنسان الجاهلية بهذا المكان غير علاقة إنسان الحركة الإسلامية بنفس هذا المكان، لأن طبيعة الجدل بين الإنسان وإطاره الطبيعي الذي هو المكان قد وضعت في المنظور الإسلامي على مستوى آخر يرى في الأشياء صديقاً وملهماً ومحراباً، إن الأرض هنا تصبح »مسجداً وطهوراً«.. ويصبح »المكان« قبلة وكعبة ومنسكاً وبيتاً وحقلاً وميداناً وملاعب ذكريات.. وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد حرر جبين الأرض من أن تصبح مجرد صنم أو مجرد مناط لصنم، فإن ذلك يعني أن قد حررها من أن تكون بوضعيتها المكانية غير قادرة على الإلهام والعطاء، لأن صنمية الأشياء تعني رفض تعقل الأشياء، أن أن الصنم يتطلب عقلاً صنماً لا يفكر، لأنه إذا تحرك بالفكر رفض على الفور مقولة أن يخرّ لحجرة الصنم.. فإذا حرر محمد صلى الله عليه وسلم هذا التاريخ الطبيعي الذي نسميه الأرض، أو نسميه المكان من أن يكون صنماً أو مناطاً لصنم، فإن ذلك يعني أن أعطى هذا التاريخ الطبيعي اقتداره الطبيعي على أن يلهم ويحرك ويستثير، بمعنى أن الأرض بهذه الوضعية تصبح مجالاً لتأمل الفكر، وطموح العقل، وجسارة الاستشفاف، وما دام ذلك كذلك، فإن رحلة العروج الإيماني قد تبدأ من نبتة طالعة في الصخر، أو نبع متدفق في الرمال، أو شفق هائم على صدر الأفق، أو مضيق متعرج بين جبلين.. وهنا لا بد أن نفطن إلى نداءات محمد صلى الله عليه وسلم المتواصلة التي كان يعقد فيها صداقة كونية بين مظاهر الطبيعة وإنسان هذه الطبيعة، حتى لنراه يدمع وهو يفارق مكة، ونراه ينحني على الزرع الطالع في تعاطف حميم، ونراه يقبل الحجر الأسود، ونراه يميط الأذى عن الطريق.. إن هذا الفعل الرسولي ليس فعلاً عشوائياً يمتد من داخل الذات إلى محيط الإطار في عفوية ساذجة ولكنه يمتد من داخل الذات إلى محيط الإطار ليشكل هذا التواصل الوجداني بين الكون والإنسان، ربما ليستحيل الإنسان في الكون إلى طاقة متلقية وواهبة تعطي الكون معنى أن كان ومعنى أن يكون، وهذه هي قيمة الفعل في تجاوب النقائض والأضداد!
لا أدري بعد.. هل يمكن أن تغيم مقولة أن محمداً صلى الله عليه وسلم حرر الإنسان والزمان والمكان منذ لحظة وجوده على الأرض فاعلاً وغلاباً؟ أم أن هذه المقولة بعد تأمل كل هذه المفردات يمكن أن تكون كما يكون طلوع الشمس في أعقاب ليل بهيم، حركة كونية لها ثقل الحركة بكل أبعادها الهائلة، ولها جلال الكون بكل أسراره وغوامضه وضوافيه؟
أعرف أن الاختيار الأخير هو الأصوب، وأن ما عداه خرافة يجب أن نهزمها في عقل التاريخ!
________
مجلة الأمة - العدد 15 - ربيع الأول 1402 هـ
===============
أفيون هذا الزمان
تتبارى أجهزة التليفزيون و الإذاعة و السينما و صفحات المجلات و الجرائد على شيء واحد خطير هو سرقة الإنسان من نفسه. شد عينيه و أذنيه و أعصابه و أحشائه ليجلس متسمرا كالمشدوه أمام التليفزيون أو الراديو أو السينما، و قد تخدرت أعصابه تماما، كأنه أخذ بنجا كليا و راح يسبح بعينيه مع المسلسلة، و يكد ذهنه متسائلا: من القاتل، و من الهارب. و بين قاهر الجواسيس، و ريتشارد كامبل، و الأفيشات العارية في المجلات، و العناوين الصارخة في الجرائد ينتهي اليوم و الليلة، و يعود الواحد إلى فراشه و هو في حالة خواء و فراغ و توتر داخلي مجهول السبب، و حزن دفين كأنه لم يعش ذلك اليوم قط.
و الحقيقة أنه لم يعش بالفعل، و أن حق الحياة سلب منه، و أنه سلب من نفسه، و أخرج عنوة و ألقي به في مغامرات عجيبة مضحكة، و تساؤلات لا تهمه على الإطلاق. من الذي قتل شهيرة هانم! و لماذا تخون كلوديا كاردينالي زوجها في رواية (( الذئب في فراشي )) ؟ و أين الكنز في مسلسلة عبيد الذهب؟ و أين الحقيقة في رواية ارحمني يا حبيبي؟
و يمر اليوم تلو اليوم. و تظل هذه الأجهزة تقوم بما يشبه العادة السرية للمتفرجين، و تغرقهم في نشوات مفتعلة إلى درجة التعب، ثم تلقي بهم إلى الفراش آخر الليل منهوكي الأحاسيس، لا يدري الواحد منهم ماذا به بالضبط. لماذا يشعر بأنه مجوف تماما. و أنه لا يعيش أبدا، و أنه لا يقول ما يريد أن يقوله، و لا يسمع ما يريد ان يسمعه، و إنما هو يربط في أرجوحة تظل تدور به دورانا محموما حتى يغمى عليه تماما و ينسى ما كان يفكر فيه، و ما كان يريد أن يقوله، و ما كان يريد أن يسمعه، و ما كان يملأ منه القلب و العقل. و يتحول إلى حيوان أعجم مربوط العقل و الإحساس إلى هذه الأجهزة الغريبة التي تفتعل له حياة كلها كذب في كذب.
و هذه الظاهرة ظاهرة عالمية، بل هي من سمات هذا العصر المادي الميكانيكي الذي تحولت فيه أجهزة الإعلام إلى أدوات للقتل الجماعي.
و هو نوع من القتل الجميل الرائع. تخنق فيه العقول بحبال من حرير، و تخنق الخيالات بالعطور الفواحة. و تخاط فيه الشفاه بجدائل من شعر بريجيت باردو، و أرسولا انرس.
و كلما زادت مقاومة المتفرج لهذا الأفيون زاد المخرجون من المساحة العارية المسموح بها من صدر الممثلة و من ساقيها، و سكبوا كمية من الدم أكثر في رواياتهم، و كمية من البترول المشتعل أكثر على أعصاب الناس.
و حينما تنفجر الأعصاب في ظواهر متشابهة مثل ظاهرة الخنافس و الهيبز، و رقصات الجرك المجنونة، و أدب الساخطين و الغاضبين و اللاعنين، فهي دائما نتائج ذلك البخار المضغوط في جماهير الشباب التي قضي عليها بأن تعيش أسيرة عنكبوت الإعلام، و الأخطبوط ذي الألف اسم. الإذاعة و السينما و الجرائد. ذلك السجن ذي القضبان الجميلة من الأذرع العارية في المجلات و الروايات لتعيش معزولة عن معركة المصير و عن الإدلاء برأي في مأساة الحياة و الموت التي تجري على مساحة العالم كل يوم.
و حينما يدور الكلام عن عقار الهلوسة و الماريجوانا، و الحشيش، و الهيروين، و الكوكايين، و العصابات التي تروجه، فإنهم ينسون دائما مخدرات أكثر انتشارا و أخطر أثرا.
مخدرات تدخل كل بيت من تحت عقب الباب، و تقتحم على كل واحد غرفة نومه، و تزاحم إفطار الصباح إلى معدته و فنجان الشاي إلى شفتيه. تلك هي وسائل الإعلام التي تكاتفت فيما بينها - بتعاقد غير مكتوب - على أن تقتل الناس بقتل وقتهم، و تميتهم بالضحك و الإثارة و النكتة البذيئة، و تلك الكلمة الغامضة اللذيذة التي اسمها التسلية.
و تحت شعار قتل الوقت يقتل الإنسان، و يراق دم اللحظات، و يسفك العمر، فما العمر في النهاية إلا وقت محدود. و ما الإنسان إلا فسحة زمنية عابرة إذا قتلت لم يبقى من الإنسان أي شيء.(2/96)
و مسئولية كل مفكر و كاتب أن يخرج على الخط، و يتمرد على هذا الإتفاق غير المكتوب بقتل الوقت في محاولة شريفة لإحياء وقت الناس بتثقيفهم و تعليمهم و البحث عن الحق، لا عن التسلية و إشراك الناس في مأساة مصيرهم، و إعادة كل واحد إلى نفسه و قد ازداد ثراء و وعيا لا سلبه من نفسه و سرقته من حياته، و رفع شعارات الحرية لتفسح الروح الإنسانية عن مكنونها.
على وسائل الإعلام أن تتحول من أفيون إلى منبه يفتح العيون و الأحاسيس على الحقيقة، و يدعو كل قارئ إلى وليمة الرأي و يدعو كل عقل معطل إلى مائدة الفكر، فتكون كرحلة تحشد الحماس عند كل محطة تقف عندها لا كخيمة للغاز المسيل الدموع مضروبة على الناس أو قنابل دخان تطلق للتعمية.
إن حضارة الإنسان و تاريخه و مستقبله رهن كلمة صدق و صحيفة صدق و شعار صدق. فبالحق نعيش، و ليس بالخبز وحده أبدا.
و إذا كان السؤال المطروح الآن:
ما هي صحافة اليوم؟
فهأنذا أقول لكم الجواب:
أن نقول الحق.
و أن نقول الجد.
و أن نقول المفيد و النافع و الصحيح.
و أن نحيي وقت القارئ لا أن نقتل وقته.
==============
لا يتغير الحلال والحرام بتغير الزمان
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
هل يجوز أن تصبح المرأة المتزوجة ملكاً لليمين كما ورد في سورة النساء؟ وهل ملك اليمين حلال أم حرام في هذا الزمان لأن هناك من يقول عن الإسلام ما كان حلال في الماضي لايجوز حله الآن وما كان محرماً في الماضي يمكن أن يحل الآن مثل فوائد البنوك؟ وشكرا لكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يكون حلالاً بتغيير الزمان وما كان حلالاً فإنه لا يحرمه تغيير الزمان كذلك، قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) [النحل:116]. وأما ملك اليمين فهو أن تصبح المرأة أمة رقيقة لدى سيدها وله وطؤها بملك اليمين، قال تعالى: (فإن خفتم ألاّ
تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم).[النساء: 3]. وإذا وطئها سيدها فحملت منه فإنها تصبح أم ولد تعتق بموت سيدها ولا يجوز له أن يتزوجها بحيث تصبح زوجة له، ولكن إن أرادها زوجة له فإنه يعتقها ويتزوجها. وأما غير سيدها فإن كان عبدا فله أن يتزوجها مطلقا لأنه رقيق مثلها وأما إن كان حرا فلا يجوز له ذلك إلا إذا لم يستطع - طولاً - أن ينكح الحرائر المحصنات المؤمنات لعجزه عن صداقهن أو نفقتهن، فله أن يتزوج من الأمة المؤمنة إذا خشي الوقوع في الزنا، قال تعالى: (ومن لم يستطع منك طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانك من فتياتكم المؤمنات … إلى قوله … ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيراً لكم والله غفور رحيم ) .[ النساء: 25]. والله أعلم .
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رجال لكل زمان
الحمدُ لله الذي جعلَ في كلِّ زمانٍ بقايا من أهلِ السلم، يدعونَ من ضلَّ إلى الهُدى، وينهونَهُ عن الردى، ويُحيُون بكتابِ اللهِ تعالى الموتى، وبسنةِ رسولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- أهلَ الجهالةِ والردى، ويصبرِون منهم على الأذى، فكم من قتيلٍ لإبليسَ قد أحيَوهُ؟! وكم من تائهٍ ضالٍ قد هَدوهُ، بذلوا دماءَهم وأموالهم دُون هلكتِ العباد، فما أحسنَ أثرُهم على الناسِ، وأقبحَ أثَرُ الناسِ عليهم، يُنفونَ عن دينِ اللهِ عزَّ وجل تحريفَ الضالين، وانتحالَ المُبطلين، وتأويلَ الضالينَ الذين عقدوا ألويةَ البدع، وأطلقُوا عنانَ الفتنة، يقولونَ عن اللهِ وفي الله، وفي كتابهِ بغيرِ علم، تعلى اللهُ عمَّا يقولُ الظالمون علواً كبيراً. ونشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدهُ لا شريكَ له،
أمَّا بعد: أيُّها الناس :
فمقدمةُ هذه الخطبةِ تؤثرُ عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وعن الإمامِ أحمد -رحمه الله-، وهي في وصفِ أهلِ السُنة الذين جعلهمُ اللهُ درعاً للإسلام منذُ وفاتهِ -صلى الله عليه وسلم- إلى عصرنا هذا، إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، يذبُّون عن دينِ اللهِ باللسانِ والسنانِ والقلم، يرمُون بأنفسهم في كلِّ فجيعةٍ، ذوداً عن حمى الدينِ وحوزةِ الإسلام، يقفونَ في وجهِ كل معتدٍ وضالٍ ومعاند، فهم الذين وقفُوا في وجهِ أهلِ الردةِ حتى حصدوا شوكتهم، وهُم الذين قاتلوا كِسرى وقيصر حتى أسقطوا دولةَ كلٍ منهم، وهُم الذين جابهوا الخوارجَ فأقنعوا من اقتنعَ منهم باللسان، وأجهزوا على بقيتهم بالسنان، وهُم الذين وقفوا في وجهِ الرافضةِ وأحرقُوا الغلاةَ منهم، وهُم الذين وقفوا في وجهِ نُفاةِ القدرِ حتى أبطلوا حجتهم، فأضحت عقيدتُهم بحمدِ اللهِ في القرونِ الأولى هي السائدة، ثم توالتِ الهجماتُ الشرسة على الإسلامِ وأهلهِ، وتبنى بعضَ الخلفاءِ غيرَ معتقدِ أهلِ السنة، فزادت ضراوةَ الفتنة، وأصبحَ أهلُ السنةِ في مواجهةِ فرقٍ نشرت باطلها بالسيفِ والتعذيب، وهُم لا يملكونَ سوى اللسانِ والقلم، ومع ذلك وقفوا وعُرضَ من عُرضَ منهم على السيفِ، وعُذِّب من عُذِّب وعلى رأسهم إمامُ أهلِ السنةِ- أبو عبد الله- أحمد ابن حنبل- رحمه الله-. ثُمَّ خذلَ اللهُ أهلَ البدعِ، وتولى الأمرُ بعضُ أهلِ السنة، والصراعُ على أشدِّهِ بين الحقِّ والباطل، وللباطلِ وأهلهِ مواقفَ ذليلة، فحينما عجزوا عن مُجابهةِ أهل الحق في ساحةِ الوغى، لجئوا لقطعِ الطرقِ على الجميع، ومداهمتهم في مقرِ أمنهم، في بيتِ اللهِ الذي من دخلهُ كان آمناً، وهكذا نرى أهلَ السنةِ قد وقفُوا في هذهِ الفترةِ في مواجهةِ قوةَ الخوارج، وثورةَ الزنج، وفتنةَ الجهميةِ والمعتزلةِ، وغيرهم من فرقِ أهلِ الكلام، وفي مواجهةِ الباطنيةِ، جميعُها فرق تنتسبُ إلى الإسلام، إلى أن أحسَّ الأعداءُ من الخارجِ بضعفِ دولةَ الإسلام، بسببِ هذهِ الانقساماتِ، فهجموا هُم أيضاً في حملةٍ صليبيةٍ حاقدةٍ شرسة، فأخذوا ثالثَ المساجدِ التي تُشدُّ إليها الرحال، وقبلةَ المسلمين الأولى، فكانَ لأهلِ السنةِ معهم وقفاتٍ انتهت بخُذلانِ الباطلِ وانتصارَ الحقِّ، وإعادةَ المسجدِ الأقصى، ومع هذا فالصليبيونَ لا يألون جُهداً في محاولةِ كسبِ الموقف، إلى أن دهَم البلادَ خطرٌ آخر، خطرٌ وحشي، حملةً مغوليةً من التتارِ الذين أتوا على الديار فأبادوا الأخضرَ واليابس، لم يرحموا شيخاً ولا طفلاً ولا امرأة، وسقطت في أيديهمُ البلادَ تلو البلاد، ولم يبق لأهلِ السنةِ إلاَّ نواةً انطلقوا منها، ووقفوا في وجهِ هذا العدوِّ، وسعى من سعى من أعلامِ المسلمين وأئمةِ الدين في شحذِ الهمم، وتطمينِ النفوسِ، ألا وهو شيخُ الإسلامِ ابن تيمية، فكتبَ اللهُ النصرَ لأهلِ الإسلام، وعادَ العدو أدراجهُ خاسراً ذليلاً، ولم تكن مواقفُ أهل السنةِ في هذهِ الفترةِ مقصورةً على المواجهةِ في القتال، بل بالكتابةِ والدعوةِ إلى الرجوعِ للمنهجِ السليم، والردِ على كلِّ مبتدعٍ وضال، وإن أدَّى ذلك إلى شيءٍ من الأذى والاضطهاد، فهُم الذين يدعونَ من ضلَّ إلى الهُدى، وينهونَهُ عن الردى، ويُحيُون بكتابِ اللهِ الموتى، ويصبرون منهم على الأذى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوهُ ؟! وكم من تائهٍ ضالٍ قد هدوهُ ؟! بذلوا دماءَهم وأموالهم دُونَ هلكتِ العباد، فما أحسنَ أثرهم على الناسِ، وهي تحتلُ أولى القبلتين، ومسرى النبي- صلى الله عليه وسلم.(2/97)
وأقبحَ أثرَ الناسِ عليهم، أي والله ، لقد بذلوا دماءَهم وأموالهم دُون هلكتِ العباد، فمنهم من قُتل، ومنهم من سُجن حتى ماتَ في السجن، ومنهم من عُذبَ، احتملوا كل ذلك للهِ وفي الله، وفي سبيلِ تبليغِ دينَ اللهِ لمن بعدهم، صافياً لا تشوبهُ شوائبُ أهلِ الزيغِ والضلال، وقد وصلَ إلينا بحمدِ اللهِ كذلك، فكانَ لزاماً علينا أن نذودَ عنهُ كما ذادَ أسلافُنا، إذاً الحربُ متوارثةٌ مستمرة، فوجدَ أهلُ السُنةِ اليوم أنفسهم في مواجهةِ أخطارٍ عديدةٍ كثيرة، وهُم في حالِ ضعفٍ لا ناصرَ لهم ولا معينَ إلاَّ الله، ووجدوا أنفسهم في مواجهةِ دولةِ اليهودِ ذاتَ الجيشِ المزودِ بأحدثِ وأفتكِ أنواعِ الأسلحة، وفي مواجهةِ دولةِ النصارى، عُبَّاد الصليبِ، وهي تحتلُ جُزءاً آخر من بلادِ المسلمين، وفي مواجهةِ الإلحادِ الشيوعي الماركسي، وهو يغزو البلادَ ويدمرُ العباد، وجدوا أنفسهم في مواجهةِ هذه الجبهاتِ العديدةِ التي فُتحت عليهم عسكرياً، وجدوا أنفسُهم وقد تداعت عليهم أممُ الكفر والضلالِ كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها، كما أخبرهم بذلك نبيهم- صلى الله عليه وسلم-، وكانَ الواجبُ علينا أن نسألَ أنفسنا لماذا نحنُ المقصودين بالذاتِ دونَ سائرَ الأُممِ بهذا الغزوِ الشرس، والجوابُ ظاهر، فاللصُّ لا يأتي إلاَّ البيت الذي يظنُ وجودَ المالِ فيها.
الخطبة الثانية
الحمد لله،... أمَّا بعد، أيُّها الناس :
فلا شكَ بأنَّ الغزو العسكري الذي دَهَم بلادَ المسلمينَ غزوٌ خطرَ لهُ من الآثارِ السيئةِ ما لا يعلمُ مداهُ إلاَّ اللهُ، لكن مع ذلكَ ليتَ الأمرُ مُقتصرٌ على هذا الحدِّ فقط، لكن هُناك ما هُو أخطرُ منهُ وأعظم، ألا وهو الغزو في الفكرِ والمعتقد، فكمَا أنَّ أهلَ السنةِ في مواجهةِ ما سبق، فكذلكَ هُم في مواجهةِ غزوٍ من الداخلِ أشدُّ وأنكى، فهُم في مواجهةِ انحرافِ العقيدةِ عند الصوفية، وهُم في مواجهةِ غزو الرافضةِ الشرسِ الذي هُو في قمةِ نشاطهِ وأوجِّ مجدهِ، وهُم في مواجهةِ شُبهاتٍ ألقاها أعداءُ الإسلامِ من يهودٍ ونصارى وشيوعيين، وشبهاتٍ أصغوا بها في دينِ الإسلامِ، وتلقفها جهلةُ أبناءِ المسلمين، وفي نظري أنَّ كلَّ هذا يهونُ عندَ غزوٍ مبطن، ظاهرهُ الترفيهُ والتسلية، وباطنهُ فيه البلاءُ والهدم، فيه السمُّ الزعاف القاتل، فيه اجترارُنا إلى الهاوية، والانحرافُ بِنا عن مسيرةِ الحقِّ، إنَّهُ غزوٌ من داخلنا، من أبنائنا، من بني جلدتنا، فحُصُوننا مُهددةً من داخلها، ومن مأمنهِ يُؤتى الحذر.
أخرج البخاري في صحيحهِ عن حذيفةَ- رضي الله عنه- قال: (( كانَ الناسُ يسألونَ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- عن الخيرِ، وكنتُ أسألهُ عن الشرِّ مخافةَ أن يُدرِكني فقلتُ: يا رسولَ الله، إنَّا كُنَّا في جاهليةٍ وشر، فجاءنا اللهُ بهذا الخير، فهل بعد هذا الخيرِ من شر؟ قال: نعم. قلتُ: وهل بعد ذلك الشرِّ من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قومٌ يهدونَ بغير هدي، تعرفُ منهم وتُنكر، قلتُ: فهل بعد ذلكَ الخيرِ من شر؟ قال: نعم، دعاةُ على أبوابِ جهنم، من أجابَهم إليها قذفوهُ فيها، قلتُ: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: هُم من جلدتنا، ويتكلمونَ بألسنتنا، قلتُ: فما تأمُرُني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعةَ المسلمينَ وإمامهم. قلتُ: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرقِ كلَّها، ولو أن تعضَّ بأصلِ شجرةٍ حتى يُدرِكَك الموتُ وأنت على ذلك)) .
معشرَ الإخوةِ في الله، هذا حديثٌ عظيمٌ جليل، ممن لا ينطقُ عن الهوى، فيهِ تحذيرٌ لكم من خطرِ المنافقين، وفيه بيانٌ لمنهجِ الصحابةِ- رضي الله عنهم- في حرصهم على معرفةِ الشرِّ ليحذروه، وقد تكالبت عليهم الشرورُ من كلِّ جانب، وأنتم لا تعرفونها، بل تنساقونَ وراءَها، لأنَّها تُظهرُ لكم أشياءَ برَّاقةٍ لمَّاعة، بألسنةٍ كأنَّما يسيلُ منها العسل، وهُم واللهِ الخطرُ كلُّ الخطر، يقولُ نبيكم- صلى الله عليه وسلم- كما جاءَ عنه في الحديث الصحيح: (( إنَّ أخوفَ ما أخافُ على أمتي: كلَّ منافقٍ عليمُ اللسان)).
ويقول الحسنُ البصري- رحمه الله-: إنَّما الناسُ ثلاثةُ نفر: مؤمنٌ ومنافقٌ وكافر، فأمَّا المؤمنُ فعاملٌ بطاعة الله، وأمَّا الكافرُ فقد أذلهُ اللهُ تعالى كما رأيتم، وأمَّا المنافقُ فهاهنا وها هنا في الحُجَرِ والبيوتِ والطرق، نعوذُ بالله، واللهِ ما عرفوا ربَّهم بل عرفوا إنكارَهم لربهم بأعمالِهم الخبيثة، ظَهرَ الجفاء، وقلَّ العلمُ، وترتِ السنة، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، حيارى، سُكارى، ليسوا يهوداً، ولا نصارى، ولا مجوساً، فيحذروا) .
وقال : إنَّ المؤمنَ لم يأخذ دينهُ عن الناسِ، ولكن أتاهُ من قبلِ اللهِ عزَّ وجلَ فأخذه، وإنَّ المنافقَ أعطى الناسَ لسانه، ومنعَ اللهُ قلبهُ وعمله، يحدثان أحدنا في الإسلام: رجلٌ ذو رأى سواءً، زعم أنَّ الجنةَ لمن رأى مثلَ رأيه، فسلَّ سيفهُ، وسفكَ دماءَ المسلمين، واستحلَّ حُرمتهم، ومترفٌ يعبدُ الدنيا، لها يغضبُ وعليها يُقاتل، ولها يطلبُ، وقال : يا سُبحانَ اللهِ ما لقيت هذهِ الأمةُ من منافقٍ قهرها واستأثر عليها، وما رق مرق من الدينِ فخرجَ عليها صنفانِ خبيثان، قد غمَّا كلَّ مسلم، يا ابن آدم دينُكَ دينك، فإنَّما هو لحمُكَ ودمُك، فإن تسلم فيا لها من راحة، ويا لها من نعمة، وإن تكنِ الأخرى فنعوذُ بالله، فإنَّما هي نارٌ لا تُطفئ، وجحيمٌ لا يُبرد، ونفسٌ لا تموت.
فالله الله معشرَ المسلمين، كُونُوا على حذرٍ من كلِّ ما يعُوقُكم عن هدفِكم، فما ظُاهِرُهُ اللهو وأنتم لا تدرون أنَّهُ تخديرٌ لكم، وتدرجٌ في إخراجِ نسائكم، حتى إذا هجمَ عليكم عدوٌ لا سمحَ الله، فإذا بكم صفرَ اليدين، بأيِّ رجالٍ تُقاتلونهُ، أم بأيِّ سلاحٍ تصدونهُ، أبشبابٍ همُّهُ الكرةُ وتشجيعُ الأندية؟ شبابٌ فتكت به المُخدرات، وأمرضت جسمَهُ الآفات، شبابٌ عبد الفيديو والمُسكرات، أم بتلك المَهرجاناتِ والاحتفالات، التي تُولونها هذا الاهتمام، وأَمَامكم قضايا، فما أشبهَكم بمريضٍ تسري الآلامُ في جسدهِ لا يعرضُ على طبيب، بل طبيبهُ اللهو واللذات العاجلة، حتى إذا تمكنَ المرضُ من جسدهِ أسلمَ الروحَ، وفارقَ تلك اللذاتِ، الله الله معشرَ الإخوةِ كُونوا مثلَ حُذيِّفةَ
يقظة الوعي الحضاري .. هل يُنهي زمن الغفوة ؟
د.مسفر بن علي القحطاني
يشكّل غياب فقه مقاصد الشريعة وبُعده عن فقه الأحكام التكليفية وعزله عن الفروعيات الجزئية- أزمة واقعية على المستوى الفكري والتطبيقي للإسلام؛ فأصبحت الأحكام الشرعية نتيجة لهذا الغياب عبارة عن أفعال ديناميكية تصدر من اللاشعور الاعتيادي عند ممارسة الفرد لها دون فهم حقيقي لمراد الشرع الحنيف من هذه التكاليف أو مقصد الدين من هذه العبادات، كما أدّى هذا الغياب في فهم المقاصد إلى تأطير الشريعة في مجالات محدودة من الحياة، وقصر التعبّد على نواحٍ معدودة من العبادات العملية، فأثر هذا الفصام في تهميش دورها التفاعلي في "حفظ نظام الأمة واستدامة صلاح هذا النظام الشامل بصلاح المهيمن عليه، وهو النوع الإنساني".. كما قال الإمام الطاهر بن عاشور - رحمه الله - في معرض ذكره عن المقصد الرئيس لهذه الشريعة.(2/98)
إن الأزمة الحقيقية التي تمر بها مجتمعاتنا الإسلامية في عصورنا الراهنة هي أزمة وعي بالدور الحضاري للأمة التي أراد الله عزوجل- أن تكون شاهدة على كل الأمم وفي كل العصور!! يقول الحق- تبارك وتعالى -: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... )[آل عمران: من الآية110] و قال - سبحانه -: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً... )[البقرة: من الآية143] فالخيرية التي وُصفت بها الأمة إنما هي معلّلة بالدور الذي يجب أن تؤديه لتلك المجتمعات الأرضية من أمر بالمعروف بكل ما يشمله هذا المفهوم، وكذلك النهي عن المنكر بنفس الشمول أيضاً، وهذا المعنى الزائد عن الوصف هو من أهم الأسس في شهودنا الحضاري على الأمم، وقد نبه عمر - رضي الله عنه - على حقيقة هذا المفهوم الشامل الذي يتعدى الأحكام الفردية إلى الممارسات الحياتية المختلفة إلى الهيئات الخارجية للناس، وذلك لمّا رأى في أحد الحجج التي حجها هيئة سيئة للناس لا تليق بمقام أهل الإسلام، حينها قرأ قوله - تعالى -: (كنتم خير أمة أخرجت للناس.. ) ثم قال: "يأيها الناس، من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله منها".
إن المراد بحقيقة هذه الأزمة التي تعاني منها الأمة يكمن في أن رسالتها في الشهود الحضاري على الخلق جميعاً: إنسهم وجِنّهم، برّهم وفاجرهم، جمادهم وحيوانهم غير واضحة في وعيهم الديني فضلاً عن وجود هذه المعاني في واقع حياتهم.. بل أصبحت مغيّبة من دروس العلم وخطب الوعظ ولقاءات ومؤتمرات وكتابات أهل الفكر والعلم والنظر- إلا من رحم ربك- وأظن أن عددهم قليل بالنسبة لجموع أولئك النخب.
هذه الأهمية لا مجال لبسط الحديث حولها في مثل هذا المقال؛ بل يحتاج الأمر إلى فصول وأبواب حتى يتم تشكيل الوعي المدرك بالخطوة الأولى في مدارج العمل الراشد للتحضر.. ولعل الأهم في هذه المرحلة أن نثير أهل العزم والحزم من علماء ودعاة الأمة الإسلامية بأن يبعثوا من جديد هذا الوعي في عقول الجميع، ويقدموا لأفراد الأمة العدة الكافية والعتاد اللازم لخوض المعركة الحضارية التي زاد سعارها بعد اندفاع سيل العولمة في كل أودية الفكر والثقافة والاقتصاد في مجتمعاتنا؛ حتى الحملات العسكرية الغربية التي تُشنّ على بعض البلاد الإسلامية وغيرها تُسوّغ بأنها دفاع عن القيم والمبادئ الحضارية، ولا يقصدون هنا سوى حضارتهم دون غيرها. فأُقحمنا -شئنا ذلك أم أبينا- أمام صدام عملي بين الحضارات العالمية، وإن كان المفهوم النظري لهذا الصدام أكثر تسامحاً وتعقّلاً - ومع هذا التحفظ على المصطلح - فإن الأدوات الفاعلة في هذه الحرب المستعرة هي للعلم والتقدم والتسابق التقني والتنافس الاقتصادي على الموارد والطاقة، وليست في حقيقتها سباقاً في التسلح أو من خلال عسكرة الحرب.
فالمعركة ضارية، وتحتاج منا إلى تأهل يدفعنا إلى معرفة موقعنا على خارطة الأمم، ومحاولة اليقظة العاجلة بالعودة إلى أسس المدافعة والبناء، ولن يتم ذلك إلا بالبناء العلمي، وإشاعة العدل والمساواة، واحترام الإنسان والإحسان إلى كل شيء.
وبالعودة الصادقة الواعية للدين نضمن الحصول على كل تلك الأدوات الفاعلة للنهوض الحضاري، كما استخدمها النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعثه الأول للأمة.. فالعلم فريضة في شريعتنا على كل مسلم ومسلمة، والعدل والمساواة قواعد كلية عليها قامت كل أحكام الدين و الدنيا، واحترام الإنسان جاء من خلال حفظ كلياته الخمس: دينه ونفسه ونسله وعقله وماله، وانتظمت كل الأحكام الشرعية في تلك المقاصد الكلية، أما الإحسان فقد كتبه الله عزوجل- على كل شيء حتى في أعنف حالات التعامل مع الآخرين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته" حتى الجماد والبيئة لم يُغفل حقها من التشريع؛ كما في النهي عن البول في الماء الراكد أو تحت الأشجار أو طرقات الناس، وكذا نهيه عن سبّ الدهر، والريح، أو قطع الأشجار المثمرة، إلى غيرها من صور التحضر الواعي الذي افتقدناه في مجتمعاتنا التي أصبحت مضرب المثل في التخلف والفقر، وشيوع الأمراض، وانعدام الحياة الكريمة للفرد العادي، فهل ستشكّل يقظة الوعي لدينا الإفاقة اللازمة لغفوتنا الحضارية الراهنة.. ؟!
3/1/1427
02/02/2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============
إبحار في زمن السقوط
عبد العزيز بن محمد السالم
رجلٌ سار على درب الرمادْ *** وتمادى في أمانيه وزادْ
وعلى كل الشعارات ارتقى *** خفقتْ راياته في كل نادْ
وتنادت بسمةُ النصر على *** كل ثغرٍ عشق الرِّقَ ومادْ
و (رفاق) النصر قد باتوا على *** لَغَطٍ يعلو وأقداحٍ تُعادْ
رجلٌ ماتت حياة الناس في *** صوته الأحمر يستهوي الجمادْ
يدَّعي حب المساكين ولا *** يستحي مَن قطع أعناق العبادْ
يتباكى حين يلقى أمةً *** تشتكي الضعف وتستجدي النفادْ
وينادي بانتصار الحق من *** كل مَن يدعو إلى درب الفسادْ
ويبُزُّ الناس في مظهره *** أنه المنقذ من كل الشِّدادْ
أنه بذرة خيرٍ للدُّنَى *** يملأ الأرض جلالاً واجتهادْ
يمحقُ الباطلَ في معقله *** وينادي بمساواة العبادْ
وإذا الشرُّ تنامى زرعُه *** في الورى فهو له شرٌّ حصادْ
هكذا ظن وهذا ما ادعى *** هكذا قال وهذا ما أرادْ
خدع الدنيا بفكرٍ أحمرٍ *** غيُّه خافٍ وقد أبدى رشادْ
بعبارات على مبسمها *** ألفُ آهٍ تتمطى في انقيادْ
كان جباراً وفي أفيائه *** مصنعٌ يعلو وبنيانٌ يُشادْ
والورى يهتف في موكبه *** فهو يستهوي ملايين الجرادْ
في حمى (منجله) رعبٌ سرى *** يحصد الأمنَ وأحلامَ الرقادْ
في حمى (منجله) شرعٌ به *** أمةٌ تُسبَى وآلافٌ تبادْ
لا تسلْ (مطرقة) الغدر كما *** لا تسلْ (منجله) عما يُرادْ
فلقد بان لنا الحق وما *** عاد يلهينا عن الحق سوادْ
سقطتْ كل الشعارات التي *** رُفعتْ فوق منار (الاتحادْ)
رجل أسقطه طغيانُه *** رجلٌ أنهكه أهلُ الجهادْ
طالما دامتْ ليالي عُرسه *** فليذُقْ من أهلنا طعم الحِدادْ
قَدُّكَ الممشوقُ يا هذا ذوى *** فاطَّرح فكراً هزيلاً وعنادْ
عُد إلى كهف الضلالات ومُتْ *** في نواحيه وخذْ ماءً وزادْ
لا تُجربْ حظك العاثر في *** دعوة أخرى وأثوابٍ جِدادْ
كفرَ الناس بما قلتَ وهل *** يحصد المرءُ وروداً من قتادْ!
قد تعجَّبتُ ولكن ليس من *** سقطة الفكر الذي امتدَّ وسادْ
إنما من بعض قومي حينما *** جعلوا فكرته فيهم عمادْ
أنا أقسمتُ وهذا الكون لي *** شاهدٌ قولاً وفعلاً واعتقادْ
أنه لا حظَّ في النصر لنا *** حينما نُسْلِمُ للكفر القيادْ
إنما النصرُ حليفٌ صادقٌ *** لصلاحٍ وكفاحٍ وجِلادْ
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
آه على زمن الشباب
د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل
وَلَّى الشَّبَابُ مُوَدِّعًا إِحْسَاسِي *** وَمَضَى بِرَوْنَقِهِ إِلَى الأَرْمَاسِ
وَلَّى الشَّبَابُ كَأَنَّهُ طَيْفُ الْكَرَى *** أَوْ كَالسَّرَابِ يَعِيْشُ فِيْ أَنْفَاسِي
وَلَّى الشَّبَابُ بِحُسْنِهِ وَبَهَائِهِ *** وَبِلَوْنِهِ الْوَضَّاءِ كَالأَلْمَاسِ
وَلَّى الشَّبَابُ بِمَا حَوَى مِنْ خُضْرَةٍ *** وَنَضَارَةٍ وَ بِثَوْبِهِ الْمَيَّاسِ(2/99)
وَلَّى الشَّبَابُ وَمَاهُنَالِكَ عَوْدَةٌ *** وَأَتَى الْمَشِيْبُ كَخِفَّةِ الْقِرْطَاسِ
هَبَّ الْمَشِيْبُ بِرَعْشَةٍ وَتَثَاؤُبٍ *** وَبِقُوَّةٍ تَدْنُو إِلَى الإِفْلاَسِ
هَبَّ الْمَشِيْبُ وَقَدْ طَوَى أَكْفَانَهُ *** وَدُمُوْعُهُ تَجْرِيْ بِغَيْرِ قِيَاسِ
آهٍ عَلَى زَمَنِ الشَّبَابِ خَسِرْتُهُ *** مَازِلْتُ أَذْكُرُهُ وَ لَسْتُ بِنَاسِي
آهٍ عَلَى زَمَنِ الشَّبَابِ أَضَعْتُهُ *** فِيْ مُنْتَدَى الأَصْحَابِ وَالْجُلاَّسِ
لَمْ أَبْنِ فِيْهِ سِوَى النَّدَامَةِ وَالشَّقَا *** وَسَبَحْتُ فِيْ بَحْرٍ مِنَ الْوَسْوَاسِ
لَمْ أَبْنِ فِيْهِ سِوَى التَّهَوُّرِ وَالأَذَى *** وَكَأَنَّ شَيْطَانًا يَجُوْلُ بِرَاسِي
رَبَّاهُ إِنِّي فِي الْحُقُوْقِ مُقَصِّرٌ *** وَالْقَلْبُ مِنْ عِظَمِ الذُّنُوْبِ لَقَاسِي
وَاحَسْرَتَا مِمَّا جَنَتْهُ يَدُ الصِّبَا *** وَيَدُ الشَّبَابِ ضُحىً وَ فِيْ إِغْلاَسِ
فَاغْفِرْ ذُنُوْبِي وَاعْفُ عَفْوَ تَكَرُّمٍ *** وَاسْتُرْ فَسِتْرُكَ عِزَّتِيْ وَ لِبَاسِي
http://www.saaid.net المصدر:
================
قراءة في زمن المحنة
عبد العزيز بن محمد السالم
الحق في الدنيا يقال ويُسمعُ *** والناسُ نحو ضيائه تتطلع
وعلى فؤادي ألفُ ظلِ من أسى *** تجتاحني في النائبات وتُفزعُ
يا أمتي جل المصابُ فما أرى *** للخرق مَنْ يرفو ولا مَنْ يرقعُ
ماذا أقول وفي فمي ماءٌ ولا *** أدري من الآلام ماذا أصنعُ
يا إخوةً ركبوا سفينَ نجاتهم *** والناس في لُجج الغواية ترتعُ
إني أقول لكم مقالةَ مشفقٍ *** رامَ النصيحةَ قلبه يتقطعُ
لا تحزنوا مما يقال ولا تخا *** فوا فالدنى لكم تذلُّ وتخضعُ
وإذا ادلَّهم الخَطب فاجتمعوا إلى *** علمائكم إلى رؤاهم فارجعوا
يا أيها العلماءُ يا تاجاً على *** هاماتنا بالصالحات مُرَصعُ
يا غرةً في وجه أمتنا به *** صرنا نتيه على الورى، نترفعُ
يا شعلةً في الليل، يا علَماً له *** في كل نازلةٍ نهبُّ ونفزعُ
يا أيها العلماء أنتم غصَّةٌ *** في حلق مَنْ بالشائعات تذرعوا
ولسانُ مَنْ ظلموا يلوكُ فعالكم *** وعقاربُ الفساقِ أضحتْ تلسعُ
والبغي باتَ مفكَّرا وجنودُه *** هذا يخاصمكم وهذا يخدعُ
خسئت جنودٌ صارعتْ شرفَ الفضي *** لةِ إنَّ منْ رامَ الفضيلةَ يُضرعُ
إنْ كان في الدنيا حبال قُطَّعَتْ *** جهراً فحبلُ عقيدتي لا يُقْطَعُ
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
مولود في زمن المخاض
أ. مها أبو النجا
"واء..واء..واء" صرخاته المتتالية تتجاوز حدود الغرفة الكئيبة وتتسرب من الجدران المطلية بالسواد والحداد.
بكاؤه المتواصل يحزن المتألمين داخل الحجرات المتأوهة يقتربون منهما ونظرات الرحمة تملأ أحداقهم الداكنة. المواسية لفجيعتهما.. يلتفون حولهما يمسدون جراحهما ويتفوهون بكلمات عزاء لا تبقى في ذاكرتها..
تنبس شفتاها بكلام غير مفهوم، تتركهم وتجوب مساحة الحزن ذهاباً وإياباً تردد أسماءهم.. وتستحضر أجسادهم الفانية. عيناها تفقدان لونهما وروحهما، تعكسان صور لقطعها الهالكة. وعائلتها المبتورة.. منذ معاناتها من آلام المخاض والحادث الأليم لا يرقأ لها دمع، ولا يهدأ بها مضجع يريح أعصابها المنهارة من وقع الصدمة، تقف في منتصف الحجرة.. صراخه يوقظ مشاعرها الملتهبة.. تدنو من مهده الباكي تحضنه بقوة تدفن وجهها في قلبه الصغير تنصت لنبضاته؛ لتستمد منه الرغبة في الحياة، وأجزاء سعادتها المسلوبة منها.
تشتم رائحته المنبعثة من جسمه الهش.
استنشقتها قبل عدة سنوات، لهما نفس العبير الطفولي، والملامح المتشابهة واللمسات الأولى.
سمع المتجاورون نواحهما المشترك، تأملوا دموعها الممتزجة بمرارة الواقع، تحاول تهدئته وفَثْأَ لوعته، تضمه إلى صدرها يمتص أحاسيسها المتألمة يتذوق ملوحتها اللاذعة فتزيد من تشنجاته وانقشاع لونه..
"تهدهده" بأغنية حزينة، وتحكي له قصة الأسرة المأساوية تنادي على زوجها وولديها..
تراهم بعينيين متورمتين.. يقبلون عليها ويطبعون قبلاتهم على جبينها المتجعد..
طيفه يتراءى لها من بعيد.. يقترب منها البرودة تفيض من خياله.. يبتسم لها " يناغي "
مولوده الجديد، يردد معها أرتام "الأغنية الصامتة" يتحرك في كل الاتجاهات، يصدر أصواتاً غريبة ويتذكر أشخاصاً قد هجرهم منذ زمن، يوصيها بالاعتناء بنفسها وولدها الصغير ويؤكد لها على تفانيه والإخلاص لها.. ويطلق كلمته الأخيرة " لا تنسينا ".. يرتدي "بيجامته" تنفست الصعداء، وحدثت نفسها " سيخلد إلى النوم سينال قسطاً من الراحة "
تراقبه بارتياب يتجه تحو النافذة تعرقل مسيرته المتقدمة.
تسأله عن مصير الطفلين.. يصوب نظره باتجاه المنزل يطلق سراح يديها ويخرج مع الغبار دون الالتفات للوراء..
يقود سيارته بسرعة هائلة، صوت اصطدام يزلزل أركان الشارع الأحمر تنغرس قدماها في الأرض الصلبة.. يد خفية تدفعها نحو النافذة.. تصل إليها بصعوبة بالغة..
شهقت.. حرضت بريقها، أجزاء حديدية مفرومة على الطريق، شظايا إنسان مبعثرة تعانق الألم وتنزف دماء ً حارة، تهبط السلالم الطويلة، "الآخرون" يتأملونها بشفقة، ويترحمون على أمواتها، ويدعون لها بثبات العقل، تجمع أعضاءه الدامية يتلطخ ثوبها بلون كريه، تصرخ " أين الولدان؟ " "ترفع بصرها تنظر إلى" المحاجر" المعلقة على " الشبابيك " يشيرون بأصابعهم إلى مكان تعرفه، تحفظ تفاصيله عن ظهر قلب، تسرع حافية القدمين متأوهة من وخز الأشواك النافرة تسمرت أمامه.. لمسته بيديها.. شعرت بتجمده وتصلب أضلاعه فارقته الأرواح الخائفة توجه له لطمات قاسية لتحطم أسواره وتتخطى العتبة الأمامية.. يُفتح الباب الرئيسي لها ويدعوها لرؤية المنظر الرهيب.. حبست أنفاسها.. وتفشت المساحة البيضاء في رأسها رأت أطرافاً لينة متخاذلة، وعيوناً مشرعة على مصراعيها تختلط فيها نظرات العتب والرعب وحناجر متخشبة من الاستنجاد.. جسدان محبوسان داخل قفص حجري حائل للصوت والحرارة.. تتراجع تقطع المسافات المرتجفة من هول المشهد، يصيبها الهذيان والذهول، تدور.. وتدور.. تسقط فاقدة الوعي والشعور تحمل على " نقالة خشبية " تُحجز في الحجرة المعقمة.. تفقد رونقها وأحلامها تنصت لنحيبه.. تمعن بصرها في قسماته.. يرفع يديه تحوها، تحمله وتعده بقرار التفرغ لتربيته والحرص
على هدوئه واستقراره دون الاستسلام لضغوطات داخلية وخارجية.. تختار منزلاً جديداً تدخر فيه ذكرياتها الشجية.
رأى المقربون من خلف الزجاج أمّاً أرملة تدلل صغيرها وتحكي له قصة حزينة تفرح لخطواته الأولى المتماثلة، ولتفوقه في دراسته، وتعيد شريط " الفيديو" لحفلة تخرجه من الجامعة.
تعد الأيام على انتهاء بعثته الخارجية، و" تزغرد" له في زفافه يودعها إلى بيته الآخر وتبقى وحيدة بين زوايا مأواها الدفين تبثه أسرارها وأحزانها ينصت لها وينصت.. ويكتم أوجاع أشطر حياتها الباقية..
08-شوال-1426 هـ
09-نوفمبر-2005
http://www.lahaonline.com المصدر:
==============
مبشرات في زمن الأزمات
أم عبد الرحمن الزيد
للفتن حِكمٌ ولو لم نعرف منها إلا واحدة لكفانا، وهي الابتلاء والامتحان.
قال ـ جل وعلا ـ: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179].(2/100)
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ: «اقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب من أنواع الابتلاء والامتحان» ا. هـ (1).
1 - فأول هذه المبشرات:
حصول الأجر ووضع الوزر: وذلك إذا قُرن بالصبر والاحتساب. يقول أبو طالب المكي: اعلم أن الصبر سبب لدخول الجنة والنجاة من النار؛ لأنه جاء في الخبر: «حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات»(2).
بل إن العبادة في وقت الفتن وعند غفلة الناس لها أجر مضاعف؛ فعن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العبادة في الهَرْج كهجرة إليَّ»(3).
يقول النووي ـ رحمه الله ـ: «المراد بالهَرْج هنا الفتنة، واختلاط أمور الناس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد» ا. هـ(4).
2- وعد الله الصادق والخبر الجازم باستخلاف المؤمنين العاملين الصالحات، وتمكينهم الأرض، وإقامة العبودية لله وحده لا شريك له:
قال ـ جل وعلا ـ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ : هذا وعد من الله ـ تعالى ـ لرسوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ} «من الناس {أَمْنًا} وحكماً فيهم، وقد فعله ـ- تبارك وتعالى -ـ وله الحمد والمنة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين واليمن وسائر الجزيرة العربية بكاملها، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، وصاحب مصر والإسكندرية وهو المقوقس، وملوك عمان، والنجاشي ملك الحبشة. قال الربيع بن أنس عن أبي العالية: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحواً من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وإلى عبادته وحده لا شريك له سراً وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بعد الهجرة إلى المدينة، فقدِموها، فأمرهم الله بالقتال؛ فكانوا بها خائفين يُمسون في السلاح ويُصبحون بذلك ما شاء الله، ثم إن رجلاً من الصحابة قال: يا رسول الله! أبد الدّهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تغبروا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليست فيه حديدة، فأنزل الله هذه الآية» ا. هـ(1).
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ: «فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية وهي لم تشهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها والتمكين من إقامة الدين الإسلامي والأمن التام؛ بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئاً ولا يخافون أحداً إلا الله، فقام صدر هذه الأمة من الإيمان والعمل الصالح بما يفوق على غيرهم؛ فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام؛ فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة. ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة مهما قالوا بالإيمان والعمل الصالح؛ فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط الله عليهم الكفار والمنافقين ويديلهم في بعض الأحيان بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح»(2). وقال أحد السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة مفاليس.
3- أن الله أقسم بعزته على نُصرة المظلوم:
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول: وعزتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين»(3).
ويقول ـ جل وعلا ـ: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 178].
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «ولا يظن الذين كفروا بربهم ونابذوا دينه وحاربوا رسوله أنَّ تَرْكَنا إياهم في هذه الدنيا وعدم استئصالنا لهم وإملاءنا لهم خير لأنفسهم ومحبة منَّا؛ كلاَّ! ليس الأمر كما يزعمون، وإنما ذلك لشرٍ يريده الله بهم وزيادة في عذاب وعقوبة إلى عذابهم، ولهذا قال: {إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 178]؛ فالله تعالى يملي للظالم حتى يزداد طغيانه ويترادف كفرانه، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. فليحذر الظالمون من الإمهال ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال» ا. هـ(4).
وعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]»(5).
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن مع الكرب فرجاً، ومع الشدة يسراً، ويثبت أمام أقوال الظالمين؛ فمنهم من يقول: ألم يجد الله غيرك رسولاً يرسله؟ ويقول آخر: لو رأيتك متلعقاً بأستارالكعبة ما صدقتك. فيصبر ويحتسب حتى يظهر الله دينه، وينصره على الظالمين.
4- تكفل الله بحفظ الدين وإظهاره على سائر الأديان:
يقول ـ جلت قدرته ـ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]. يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ: الهدى هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح، والعلم النافع، ودين الحق هو الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}: أي على سائر الأديان؛ كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ مُلك أمتي ما زوي لي منها»(6).
وروى الإمام أحمد عن تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله هذا الدين يُعزُّ عزيزاً ويذلُّ ذليلاً، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر»، فكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي: لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان كافراً منهم الذل والصغار والجزية» ا. هـ(7).
5- المحاسبة الدقيقة للنفس المؤمنة(8):(2/101)
والوقوف على المنح الربانية والعطايا الرحمانية من هذه الفتن: ذلك أنه يكون من جملة أسباب هذه الفتنة ذنب أو تقصير أو غشيان معصية أو إخلال في العقيدة والثقة بالله؛ والتوبة ومراجعة النفس وسيلة لدراسة الحاضر واستهشراف المستقبل؛ فالمتأمل في غزوة أحد وفي ذنبٍ واحدٍ وهو نزول الرماة؛ وذلك بعد أن ظنوا أن المعركة انتهت؛ فماذا حصل؟ لقد وقع فيهم سبعون شهيداً، ومُثِّلَ بهم أقبح تمثيل. لقد شُج رأس النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشموا البيضة على رأسه، وهي الخوذة التي يضعها الفارس على رأسه.
قال ـ جل وعلا ـ: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ: أي بسبب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا مكانكم فعصيتم. ويعني بذلك الرماة»(1).
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ: «حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون؛ فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المردية؛ فإياكم وسوء الظن بالله؛ فإنه قادر على نصركم، ولكن له أتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم»(2).
ويقول أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ: ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه.
ومن صور محاسبة النفس تقوية عقيدة الولاء والبراء وإثباتها في النفس؛ وذلك باستمرار المقاطعة الجادة للمنتجات اليهودية والنصرانية.
يقول الدكتور محمد بن عبد الله الشباني: في مقال (واجبنا زمن الانهزام): «وبهذه المقاطعة يتحقق أمران:
الأول: تشجيع منتجات البلاد الإسلامية وتقوية اقتصادياتها.
الثاني: محاربة العدو اقتصادياً بالامتناع عن شراء السلع المنتجة في تلك البلاد، ومحاربة كل تاجر مسلم يستورد السلع الاستهلاكية من بلاد أعداء المسلمين، وعلى كل فرد رفع شعار (قاطعوا الأعداء) بالامتناع عن شراء أي سلعة منتجة وموردة من بلاد النصارى وبالأخص الدول التي تتولى قيادة دول النصارى(3).
6- وبالجملة فإن للفتن خيرات وفي المحن عطايا ومبشرات ومنافع ومسرات نذكر منها إجمالاً:
1- دفاع الله عن الذين آمنوا: يقول ـ جل وعلا ـ: {إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38].
يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ: يخبر تعالى إنه يدفع عن الذين توكلوا عليه، وأنابوا إليه شر الأشرار وكيد الفجار، ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم كما قال ـ تعالى ـ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36](4).
ويقول الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ: «هذا إخبار ووعد وبشارة من الله للذين آمنوا أن الله يدفع عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم بسبب إيمانهم كل شر من شرور الكفار وشرور وسوسة الشيطان وشرور أنفسهم وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غاية التخفيف كل بحسب إيمانه له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقلٌّ ومستكثر»(5).
2 - صلابة الإيمان وقوته وقت المحن والأزمات: يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «ليس المؤمن بالذي يؤدي فرائض العبادات صورةً ويتجنب المحظورات فحسب؛ إنما المؤمن هو الكامل الإيمان لا يختلج في قلبه اعتراض، ولا يساكن نفسه فيما يجري وسوسة؛ وكلما اشتد البلاء عليه زاد إيمانه وقوي تسليمه».
3 - إبراز الشخص بصورة أقوى لمقابلة الأزمات والشدائد: يقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي: «ومثل الابتلاء كقشر البيضة سجن لما فيها تحفظ ما بداخلها حتى يتشكل ويخرج بعد ذلك خلقاً آخر؛ وكذلك المبتلى يكون ابتلاؤه سجناً له، ويتشكل وهو فيه حتى يخرج من الابتلاء وهو خلق آخر».
4- ما ذكره الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله في مقال: (القضية البوسنية دروس وعبر):
أولاً: رجوع الناس في تلك البلاد إلى الإسلام؛ حيث برز منهم من يفهمه فهماً صحيحاً بعد أن كان إسلاماًِ صورياً بالهوية فقط وما نتج عن ذلك من التمايز عن الكفار بعد أن كانوا في حالة من الانصهار والذوبان معهم دون علم بحقيقة الإسلام، وحقيقة الكفر.
ثانياً: أظهرت هذه الأحداث طرفاً من خيرية هذه الأمة، وأن الشعوب رغم ما دهاها في دينها فلا تزال فيها بقية من خير وحب للإسلام؛ وذلك فيما ظهر من التعاطف الشديد من المسلمين بعامة مع إخوانهم المنكوبين؛ حيث برزت أمثلة رائعة في البذل والتضحية والدعوة والجهاد من دعاة وخطباء ومجاهدين وأثرياء(6).
*آخر المطاف:
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمانٌ الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر»(7).
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ: وهذا الحديث يقتضي خبراً وإرشاداً: أما الخبر فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقلُّ الخير وأسبابه، ويكثر الشر وأسبابه، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل؛ وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة كحالة القابض على الجمر؛ من قوة المعارضين وكثرة الفتن المضلة.
أما الإرشاد فإنه إرشاد أمته أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، وأن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات وصبر على دينه وإيمانه مع المعارضات فله عند الله أعلى الدرجات، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه؛ فإن المعونة على قدر المؤونة.
ولكن مع ذلك فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، ولا يكون نظره مقصوراً على الأسباب الظاهرة، بل يكون ملتفتاً في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب الكريم الوهاب، ويكون الفرج بين عينيه ووعده الذي لا يخلفه بأنه سيجعل له بعد عسر يسراً، وأن الفرج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات(8).
------------
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 125.
(2) رواه مسلم عن أنس ـ رضي الله عنه ـ في وصف الجنة، رقم 2822.
(3) رواه مسلم، رقم 7326.
(4) شرح صحيح مسلم للإمام النووي (18/288).
(1) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، ص 949 950.
(2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 521 522.
(3) الفتح، (3/ 1423).
(4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 125.
(5) رواه مسلم (2583).
(6) رواه مسلم (4/ 2215).
(7) رواه أحمد (4/130).
(8) يحسن الرجوع إلى كتاب: (قل هو من عند أنفسكم)، للشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل.
(1) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، ص 258.
(2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 123.
(3) مجلة البيان، عدد 76، شهر ذي الحجة عام 1414هـ.
(4) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، ص 897.
(5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 488.
(6) مجلة البيان، عدد (94) شهر جمادى الآخر، 1416هـ.
(7) رواه الترمذي، كتاب الفتن، رقم 2186.
(8) كتاب بهجة القلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، ص 200 201. ttp://www.albayanmagazine.com المصدر:
================
النقال يسرع زمن استجابة المخ
مع تزايد مخاوف المستهلكين من إمكانية أن يؤدي استخدام الهاتف المحمول لفترات طويلة إلى مشكلات صحية تتراوح بين الإصابة بالصداع إلى الأورام تظهر دراسة حديثة وجود معدلات تنذر بالخطر للإصابة بسرطان المخ بين بعض من مستخدمي الهواتف المحمولة.(2/102)
وأصبح الطبيب آلان بريس رئيس قسم الفيزياء الحيوية في مركز بريستول للأورام بين مجموعة من العلماء الذين يتزايد اقتناعهم بأن الإشعاع الناجم عن الهواتف المحمولة يسبب عمليات كيميائية في الجسم قد تسبب ضررا.
وتشير ست دراسات منفصلة الآن إلى أن سرعة الاستجابة تزداد عندما يتعرض الناس إلى ترددات أشعة الهواتف المحمولة. وأبلغ بريس مؤتمرا في لندن بشأن الأخطار الصحية لاستخدام الهاتف المحمول ربما يجب علينا الآن قبول وجود تأثير على المخ. يتحسن زمن الاستجابة بسبب بروتينات التوتر التي يحركها أحد الجينات. وذلك يحتاج لمزيد من البحث. وقد يؤدي التعرض المتكرر لترددات الأشعة إلى أضرار صحية غير مرغوب فيها.
وتنتج بروتينات التوتر عندما ترتفع درجة حرارة الجسم ولكن بريس وعلماء آخرين قالوا إنها يمكن أن تنتج عن ترددات الأشعة بينما تكون درجة حرارة الجسم طبيعية. وأشارت دراسة أخرى من السويد وسويسرا إلى أن الإشعاع الناجم عن الهاتف المحمول يؤدي إلى تقطع النوم. وقالت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي إن هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث قبل القول إن الهاتف المحمول لا يسبب أضرارا للصحة.
وأبلغت اليزابيث كارديس رئيسة قسم الإشعاع والسرطان بالوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية مؤتمرا في فنلندا أن أي خطر محتمل ضئيل.
وخلصت العام الماضي دراسة علمية مولتها الحكومة البريطانية إلى أنه بالرغم من عدم وجود دليل على خطورة استخدام الهاتف المحمول على الصحة سيكون من الحكمة عدم تشجيع الأطفال على استخدامه لسرعة تأثرهم للإشعاع
http://www.arabmedmag.com المصدر:
=============
الهجرة إلى الله في زمن الإنترنت
ذكرى الهجرة تحتاج منَّا إلى إعادة قراءة..فدروسها تتجاوز الزمان والمكان، فهي تحتمل أكثر من قراءة وفهم حتى يمكننا تنزيلها في كل زمان ومكان.
بلسان قومه ليُبيِّن لهم.
هل نهاجر الآن من دار كفر لدار إيمان؟ وأين هي دار الإيمان الخالصة وقد طغت الدور على بعضها البعض وامتزجت، ثم نشأت دور متخيلة هي ساحة الإنترنت..
إلى ساحة المتخيل ننشئ لنا على الإنترنت دورًا نأوي إليها؟ بلا مهاجرين ولا أنصار، بل ساحات مبارزة بالكلمة، وجهاد بالفأرة نمسكها في أيدينا بعد أن سقطت السيوف وصار توازن الرعب النووي يخيم فوق رؤوسنا؟.
جلست أتأمل في الهجرة ودلالاتها ووجدت أن آخر الزمان لم يعد يتيح خيارات في الهجرة سوى الهجرة إلى الله - سبحانه وتعالى -- استمساكًا بالدين نَعَضُّ عليه بالنَّواجِذ، ونسعى لاتقاء الفتن ما ظهر منها وما بطن ونتواصى بالحق والصبر وأحد مجالاته التواصل عبر الإنترنت ونسير في هذا العالم الذي يموج بالأفكار والمذاهب مستعصمين بالكتاب والسنة غير مبدِّلين ولا ناكصين.
ليست الهجرة هجرة مرة في العمر أو هجرة أمكنة، بل هي هجرة كل لحظة إلى الله.. إنكارًا للمنكر وإحقاقًا للمعروف ونصرة لله ورسوله أينما كنا.. في أي زمان عشنا.. وقد تداخلت الأزمنة باقتراب الوعد بالحق.
إنِّي مهاجرٌ إلى رَبِّي.. هذا هو شعار المرحلة.. لا هروب ولا انعزال، ولا إلقاء بالنفس في بحر لُجِّيّ من ظلمات ما بعد الحداثة في استسلام، بل هجرة إلى الله دائمة نجدد نيَّتنا ونشْحَذ همتنا ونوظف المتاح من أدوات عصرنا، ونعيد قراءة سيرة المصطفى- صلى الله عليه وسلم - ونرنو إلى لقائه على الحوض، لم نُحْدِث بعده ما يحرمنا شفاعته حتى نكون يومها من أصحابه- صلى الله عليه وسلم -.
http://www.muslema.com المصدر:
==============
الصهاينة يسابقون الزمن في تهويد القدس المحتلة
رغم بدء ظهور بوادر جديدة في الصراع الفلسطيني الصهيوني، خاصة مع التزام جميع الفصائل الفلسطينية بالتهدئة، إلا أن الحكومة الصهيونية مصرة على المضي قدماً في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية المخالفة للشرعية الدولية وللتفاهمات بين الجانبين، سيما في مدينة القدس المحتلة، كما أنها تسابق الزمن من أجل تهويدها. وكان آخر هذه المخططات ما كُشف النقاب عنه مؤخراً من أن الحكومة الصهيونية بدأت مؤخراً في تنفيذ مخطط استيطاني جديد يقضي ببناء 3650 وحدة سكنية في المنطقة الواقعة شمال شرق مدينة القدس.
وبحسب ما أفادت به صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، فإن شارون يشرف شخصياً على تنفيذ هذا المخطط الاستيطاني، وأنه أصدر تعليمات بتسريع إجراءات إصدار تراخيص بناء الوحدات السكنية ضمن هذا المخطط. وبدأ العمل في هذه الأثناء على بناء 1250 وحدة سكنية ضمن هذا المخطط وسيتم في المستقبل القريب بناء 2250 وحدة أخرى كما سيتم بناء 150 وحدة كنزل للمسنين.
من جانبه رأى مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق بالقدس خليل توفكجي أن "الكيان الصهيوني يقوم بشكل متواز بعملية تهويد المدينة المقدسة، والمقصود في ذلك هو ما يتم الآن داخل البلدة القديمة من شراء بيوت واحتلال بعض المنازل، وفي الوقت ذاته هناك عملية تطوير للمستوطنات الواقعة خارج حدود بلدية القدس".
وأضاف توفكجي في تصريحات خاصة بم، أن الكيان الصهيوني يسعى إلى تحقيق ثلاثة أمور من مخططها هذا وهي: "الخروج من حدود القدس لتنفيذ مخطط القدس الكبرى، وإحداث تغيير ديموجرافي داخل مدينة القدس، إذ تبين في آخر الدراسات الصهيونية أن نسبة العرب في القدس حوالي 35% وهذا يخالف الرأي الذي وضع في العام 1973م بأن نسبة العرب في القدس 22%. والأمر الثالث وهو الأهم حسب الخبير الفلسطيني، يقضي بفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها".
وأشار توفكجي في هذا السياق، إلى أقوال شارون قبل نحو شهر عندما قال: إن "خطة فك الارتباط عن قطاع غزة سيتبعها عملية تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية".
ولفت توفكجي إلى مخطط بناء ال3650 وحدة سكنية بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم وقال إنه يندرج ضمن مخطط "إي 1" البالغة مساحته 12. 5كم مربع وتجري الآن إقامة البنية التحتية فيه.
وأوضح أن هذا المشروع تمت المصادقة عليه في العام 1997 وكان وزير الحرب الصهيوني في تلك الفترة هو إسحاق موردخاي.
وأضاف توفكجي أن مشروع "القدس الكبرى" الذي خططت له حكومات ومؤسسات يهودية محلية ودولية "يستهدف القدس الشرقية كلها وضواحيها أيضاً.
فقد تمت المصادقة في العام 1997 أيضاً على إقامة ما سمي بالبوابة الشرقية للقدس التي تبلغ مساحتها 2200دونم، لإقامة حوالي 2000 وحدة سكنية كمنطقة للصناعات التكنولوجية العالية".
ورأى أن "كل ذلك يأتي ضمن إطار إغلاق القدس من الناحية الشرقية، وبالتالي إحداث تغيير ديمجرافي لصالح الجانب الإسرائيلي وعدم إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس".
وفي هذا السياق حذر توفكجي، من استباق "إسرائيل" للمرحلة النهائية التي تعني بدء المفاوضات على قضايا الحل الدائم.
وقال: إن "إسرائيل تستبق المرحلة النهائية في ثلاثة فروع، أولها رسم الحدود بينها وبين الضفة الغربية من خلال بناء جدار الفصل العنصري.
وثانيها يتم من خلال بناء المستوطنات بشكل مكثف قدر الإمكان في الضفة الغربية وهذا ما يساعد أيضاً على ترسيم الحدود.
والفرع الثالث يتعلق بالقدس وحسم الأمور لصالح الجانب الصهيوني، وفي هذا السياق يستمر تهويد المدينة من خلال توسيع المستوطنات المحيطة.
من جهة ثانية، أشار توفكجي إلى مصادرة أراضي الفلسطينيين داخل منطقة بلدية القدس ومنها جبل أبو غنيم بين القدس وبيت لحم.(2/103)
وقال: "قبل أيام تم الإعلان عن بدء تنفيذ القسم الثاني من مشروع جبل أبو غنيم من خلال بناء 6500 وحدة سكنية في المرحلة الأولى ومن ثم بناء حوالي 17 ألف وحدة سكنية في المرحلة النهائية.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
============
غياب الأيديولوجية في زمن الاستضعاف
ربيع الحافظ
طال الأمد على آخر تحوُّل أيديولوجي كبير يشهده العالم؛ فانقلاب شعوب أوروبا وآسيا في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على نظم سياسية مزمنة تحت طائل العامل المعاشي والظلم أو الاستعلاء
كانت البؤر السياسية العالية الرئيسية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين في حالة من عدم استقرار السياسي، والشيخوخة، وكانت المناخات السياسية تنذر بأن تحولات كبرى قد أزف أوانها؛ فالأحوال المعاشية المتردية في روسيا القيصرية في مقابل الفكر الشيوعي الوليد يومئذ، وتراجعات الدولة العثمانية المتعَبة أصلاً في حروب البلقان، ثم تحالفها الهش مع ألمانيا ضد بريطانيا وفرنسا في أوروبا، ووصول النازية إلى ألمانيا، والتخلخل السياسي في منطقة نفوذ الإمبراطورية اليابانية في جنوب شرق آسيا، ثم أمريكا التي لم تكن قد حزمت أمرها بعدُ حول علاقتها مع العالم الخارجي، هذه كلها كانت إرهاصات لتحول كبيرٍ مّا سيكتنف العالم.
عدم توافق السياسي والأيديولوجي السائد، والتنافس الاقتصادي أدخلا العالم طوراً من التوتر قاد إلى حربين عالميتين، كان من تداعياتهما قيام إميراطوريات جديدة، منها ما جسَّد فكراً آنياً عابراً كالشيوعية والنازية، ومنها ما ورث حضارات قائمة كأمريكا بالنسبة لأوروبا.
كما كان من تداعيات الحربين احتجاب نظم سياسية لحضارات كبرى، في طليعتها النظام السياسي للحضارة العربية الإسلامية، الذي اختفى من الخارطة السياسية بشكل كامل وللمرة الأولى منذ خروجه على العالم كلاعب سياسي رئيسي قبل أربعة عشر قرناً، تاركاً وراءه رقعة هائلة من الجغرافية السياسية المكشوفة دون غطاء سياسي ذاتي. فقد كانت الحقبة العثمانية الختامية أقرب للحراسة العسكرية لرقعة شعوب الحضارة العربية الإسلامية، وأفضى انتهاؤها إلى انكشاف هذه الرقعة على الأصعدة جميعها؛ الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
من جهة ثانية؛ فقد طال الأمد على آخر دور طليعي للعرب في النظم السياسية التي استوعبت الحضارة العربية الإسلامية؛ حيث تعتبر حقبة الخليفة المعتصم ولجوئه إلى الأتراك للحد من النفوذ الفارسي المتنامي في الدولة العباسية منعطفاً وبداية النهاية للطور العربي في النظام السياسي للحضارة العربية الإسلامية. لكن هذا الدور سد مسده ـ أو حد من تداعياته ـ في أحايين متعددة عالمية الحضارة العربية الإسلامية، وتعاقب شعوبها من سلاجقة وأكراد ومماليك ثم أتراك عثمانيين على انتشال نظامها السياسي في مراحل الضعف وتصريف شؤونها؛ حدث ذلك يوم كانت هذه الشعوب أعجمية النسب ولكنها عربية اللسان والثقافة، وسنية المعتقد سياسياً.
المنطقة تواجه من جديد زلازل سياسية على أعلى الدرجات في مقياس الزلازل، في ظرف يقترن فيه ـ هذه المرة ـ استمرار الغياب السياسي العربي، مع خروج اختياري لتلك الشعوب من المعادلة السياسية للحضارة العربية الإسلامية تحت طائل النزعة القومية التي اجتاحت شعوب الأرض في القرنين الأخيرين، فعادت تلك الشعوب أعجمية النسب واللسان والثقافة. يضاف إلى المشهد التراجع الكبير للدور الفكري العربي الذي كان رديفاً بالغ الأهمية ـ وإنْ من مواقع سياسية خلفية ـ للنظم الحاكمة غير العربية، ووازعاً لكثير من قراراتها السياسية المفصلية في مسار الحضارة.
السيناريو الحاضر يمكن إيجازه: بأن الخطر عاد إلى المنطقة من جديد، وأن الدور السياسي العربي لا زال معطوباً، والشعوب التي سدت مسد العرب في الماضي هجرت الميدان، وهي ليست بأحسن حال منهم، والحصيلة هي ما بات يطلق عليه «النظام السياسي العربي المنهار». وقد توغلت أمريكا في جغرافية هذا النظام السياسي الفاقد للمناعة السياسية والثقافية، لإعادة تكوينه وإقامة ما تسميه «الشرق الأوسط الكبير»، والعراق هو محطتها الأولى فيه.
لا يخفي نزلاء هذه الجغرافيا بدءاً من الأقليات السياسية والدينية والطائفية وانتهاءً بإسرائيل أن سيناريوهات كهذه هي فرص نادرة الحدوث في عمر الأمم لإعادة إحياء مشاريع مؤجلة أو ملغاة أو مستعصية، وقد نُبشت الأراشيف ولم يعد مستهجناً عند أصحاب المشاريع فتح ملفات علاها الغبار منذ عقود طويلة، ولا يعدّ محرماً أو عيباً اللجوء إلى أية وسيلة لبلوغ الغاية.
لم يألُ الظهير الإعلامي لتلك المشاريع جهداً في وضع الحدث اليومي في المشهد العراقي ضمن سياق لا تخطئه الإمكانيات الفكرية العادية لرجل الشارع العادي، سواء كان هذا الرجل في نيويورك حيث الحرب على الإرهاب، أو في إسرائيل حيث فرحة بلوغ الفرات (الحدود الشرقية لدولة الميعاد) وعبوره إلى بابل حيث منفى الأجداد، أو في «كردستان الجنوبية» المقتطعة من كردستان الكبرى، أو من مناطق المقابر الجماعية التي حفرت أخاديدها «الأقلية السنية» التي «ظاهرت» صدام، أو في المثلث السني الذي ما حمل السلاح وشن المقاومة لولا خسارته لمواقعه السياسية التاريخية.
كل شيء عند نزلاء الجغرافيا «وزوارها» (الأمريكان) يسير وفق سياق.
المشهد العراقي غني بمعطياته وانعطافاته القتالية والوطنية التي يراقبها باهتمام شديد العدو قبل الصديق، وهو مشهد يحدث على مفترق طرق رئيسي لعمالقة الأمم والكتل السياسية التي ترقب بصبر نافد عثرة العملاق الأمريكي المتغطرس في حلبة العراق التي باتت محكّاً سيكرّم فيه العملاق أو يهان.
الأمور مجتمعة (الاحتلال + مشاريع النزلاء + المقاومة بأشكالها المختلفة + الهشاشة السياسية في المنطقة + التنافس السياسي العالمي في المنطقة) تشكل وصفةَ تحوُّل كبير قابل للحدوث جداً في أحد اتجاهين متعاكسين.
من الواضح جلياً أن السياق الأيديولوجي مؤمّن بشكل جيد لأحد الاتجاهين، لكنه يغيب بشكل أكثر جلاءً عن الاتجاه الآخر. فالأخبار التي تتوالى من العراق عبر قنوات لا يفترض أن تكون مناوئة، هذه الأخبار على أهميتها ومراميها الاستراتيجية لا تتعدى في أحسن الأحوال كونها عرضاً نزيهاً لشريط أخبار لا تقع ضمن سياق، ويمكن وصفها إلى حد كبير بـ «كومة» مفردات؛ منها: المثلث السني، الحوزة الصامتة، أهل السنة الوحيدون من غير قيادة، المقاومة ليس لها ذراع سياسي، لولا طهران لما سقطت بغداد، ولولاها لما سقطت كابول أيضاً، الموساد يصطاد العلماء العراقيين، يهود يبتاعون عقارات في العراق، المقاومة تحارب على جبهتين أمريكية ومحلية، غزو ديموغرافي إيراني للعراق، حرق دور التراث، وغيرها من المفردات التي تثير فضول السامع العادي بشكل كبير لكنها لا تنبهه إلى ما تعنيه مجتمعة.
كان القاسم المشترك في تحولات القرن التاسع عشر والقرن العشرين هو ظهور قادة ملهمين سلبوا لب الشارع السياسي المتعطش للرؤى الثاقبة، وهيجوا المشاعر وأوجدوا القناعات فصنعوا التغيير. بعبارة ثانية: لقد كانت أزمات القرنين الماضيين محضناً ـ إن لم تكن رحماً ـ للأيديولوجيات التي قُيض لها من يحملها ويترجمها إلى شعارات تتقبلها عقول الناس.(2/104)
لم يكن الحال في نظم حضارتنا السياسية عبر التاريخ على غير هذه الشاكلة؛ فقد ارتبطت محطات الحضارة بأسماء أعلام بعثوا الأمل في النفوس وقادوا مجتمعاتهم وتركوا بصمات غائرة على محيا التاريخ، وهم إلى هذا اليوم مدارس يلتقي عليها المفكرون.
ما نشهده في ساحتنا اليوم هو صورة مقلوبة لسنن التحول في حياة الأمم؛ شارع يبحث عن قيادة وليس العكس، عامة تبحث عن نخبة وليس العكس. التاريخ اليوم يُصنع في شوارع الفلوجة وبغداد وتكريت وسامراء والموصل وبعقوبة والأنبار على الوجه الذي يتوق إليه أي قائد جماهيري في أي شعب من الشعوب.
في الشهر القادم (نزول العدد) سيكون عامان من التغطية الإعلامية والإخبارية التي شهد لها العدو قبل الصديق بالشجاعة والسبق المهني، لكنها تغطية خارج السياق، كحبة الماس الثمينة التي تبحث عن عقد تنتظم فيه لتأخذ شكلها الجمالي النهائي، ولو خرجت أمريكا من العراق غداً فسيتحول شريط الأخبار إلى تغطية أحداث الغد، ونجد أنفسنا أمام كومة إخبارية جديدة.
أكثر من عام على الاحتلال كافٍ وزيادة لمجاراة العواطف والانفعالات الإنسانية التي لا مناص منها في الأزمات؛ فالعواطف مهما جاشت لن تدوم، بل ستخفت، ما يدوم هو الحقائق؛ فهي التي تُبقي النبض في العروق، وتشحذ الهمم كلما اقتضت الحاجة.
لقد أظهرت أحداث عام ونصف وبلون فاقع هشاشة الأداء السياسي عند أهل السنة وتذبذباته، وبدائية أدواته، وحسبنا أن أحدث معجم سياسي في حوزة المؤسسة السياسية للحضارة العربية الإسلامية يتناول مسألة خيانة طابور خامس هو نسخة سنة 656هـ، مع أن سقوط بغداد في ذلك العام ليس هو الأقرب زمنياً لسقوطها في 9 نيسان 2003م، بل سقوطها الثاني في 1917م على يدي الإنكليز هو الأقرب، ولا زال تصوير دواوين ابن كثير لتدمير بغداد وحرق دور تراثها بعد تسعة قرون على كتابتها هو أحدث ما في ملفاتنا عن مؤامرة تدمير حضارة بتنسيق بين عدو خارجي وطابور محلي وهدم دولة على رؤوس ساكنيها. المشكلة لا تُعزى إلى ندرة العمالقة في هذا العصر، ولكن السقوط الأول كان عسكري الطبيعة، وبقي هناك من يرصد الحدث بمنظار الحضارة، ويضع الأمور في سياقها، في حين خلت مدونات التاريخ المعاصر ـ أو كادت ـ من وثائق وحقائق سقوط بغداد الثاني، رغم التشابه الكبير في الحالات الثلاث، وامتلأت بالعموميات والتزييف، ولم تورّث أجيال اليوم مادة تسترشد بها أو تقتبس منها شعاراتها ونعوتها، فعادت إلى أراشيف القرن السابع الهجري.
إن الحقائق المذهلة التي تتكشف اليوم عن فصول التاريخ القريب قلبت قناعات ظنها الكثيرون نهائية، لكن هذه الحقائق ـ على أهميتها ـ تُقرأ اليوم كمادة إرشيفية منتهية الصلاحية، ولو أنها دونت في حينها بنمط آخر؛ لكنا اليوم أمام صورة مغايرة للتاريخ المعاصر، ولأغنى قاموس 1917 بشخصياته وبيوتاته المعاصرة عن قاموس 656هـ، ولكانت أجيال اليوم أقل سطحية وحيرة وأكثر تأهباً لما حدث اليوم أو لما سيحدث في المستقبل.
لقد أيقظ الاحتلال والمقاومة معاً الإحساس بالهوية، وبعثا روح العزيمة، وأزالا الحدود القطرية التي كانت نُدَباً ثقافية وسياسية شبه مزمنة في العقل العربي المعاصر لتصبح المقاومة هي الأخرى متعددة الجنسيات مثل القوات الغازية، وكانت العثرة الحقيقية الأولى في مسار الإمبراطورية الأمريكية.
العراقيون ليسوا وحدهم في الميدان، بل معهم عرب الجوار وعرب الأقاصي والمسلمون، وكل شعوب الأرض التي اكتوت بظلم وجشع ظاهرة «دولة الشركات» كل يعبر عن حنقه بطريقته الخاصة، ولو بارتداء دثار «فانيلة» تحمل اسم العراق، أو رفع علم العراق في مناسبة رياضية. ليس المقصود عند هؤلاء العراق ذاته، ولا يهم العراقيين رفع العلم أو الدثار (الفانيلة)، ولكن قضية العراق أصبحت بصيص أمل الفلسطيني في مخيم جنين، والسوداني في دارفور، والأفغاني في كابول، والأرجنتيني الذي سلبه المزارع الأمريكي مزرعته، والفيتنامي الذي حولت أسلحة الدمار الشامل الأمريكية أرضه إلى أرض جدباء لا تنبت، وأصبحت الفلوجة اسماً يضاف إلى قائمة الأمراض النفسية «للأمة الأمريكية».
أهل السنة بحاجة إلى سياق أيديولوجي تنتظم فيه مكونات قضيتهم وفصول تضحياتهم، وترتسم من خلاله الصورة الكاملة للحدث بخلفياته ومراميه، سياق يتسق مع الماضي فيحتشد الماضي وراء ظهورهم، ويتسع للحاضر فينشدّ أحرار العالم إلى قضيتهم.
لا بد من ولادة أيديولوجية في مناخ أزمة كهذه، تحاكي كل أطياف المجتمع التي يرعبها المشروع الصهيو ـ أمريكي، ولا بد من المسارعة إلى تدوين أحداث الحاضر، وإعادة كتابة أحداث الماضي القريب الذي ترك لأقلام شعوبية بحبر جديد، وإعادة الثقة إلى الشارع السني بوطنية آبائه وأجداده وأدوارهم مع الإنكليز التي لم تختلف عما يشاهدونه اليوم.
نقول هذا خشية ذهاب حقائق وتضحيات مقاومة مثلثهم أو مستطيلهم أدراج الريح، وضياعها بين ثنايا الكتب غير السياسية كما حصل إبَّان الاحتلال البريطاني، أو أن تخطف المشهد زوابع لا تلبث أن تنتهي أو تقمع ذاتها.
لقد كانت معادلة أو «تفاهم» العلماء ـ الأمراء (العلماء أهل النظرية والأمراء أو الساسة أهل التنفيذ) هي المناخ السياسي الذي يُصنع فيه القرار السياسي في نظم الحضارة العربية الإسلامية، وكانت حجر الزاوية في تماسك نظامها السياسي وجبهتها الداخلية.
ولم يعرف العالم عن العرب قبل هذه المعادلة أو هذا «التفاهم» سمة الأممية، كما أنه لم يُعثر لها على أثر بعد اختلال هذه المعادلة، بل إن العرب بغير الرسالة السماوية التي تممت مكارم الأخلاق عندهم، وخلقت أيديولوجية أعادت صياغة نظام حياتهم هم أقل أقوام الأرض قدرة على إدامة المدنيات والحضارات، وبغيره يعودون إلى ثقافة داحس والغبراء التي تتخذ اليوم شكل (فيشت الديبل) و (البوليساريو)، و (الكويت) و (حلايب) وغيرها.
لكنه لن يشق على الناظر إلى الساحة السياسية اليوم، وفي العالم العربي على وجه الخصوص، معرفة حجم الضرر الذي أصاب هذا «التفاهم» في ظل النظام السياسي المعاصر، وفي ظل الحرب الثقافية الأهلية التي اجتاحت المجتمعات العربية منذ مطلع القرن الماضي، ومزقت نسيج المجتمع وأنهكت الشعوب والحكومات معاً واستنزفت الثروات، وكانت بامتياز سمة القرن الماضي.
هذه الحرب هي التي تطورت وتعقدت فيما بعد، وشهدت استنجاد أطراف فيها بالخبرات الأمنية الخارجية لكسب المعركة الثقافية، وانتهت باستضافة الجيوش الأجنبية على أراضينا بشكل رسمي.
كان دخول المشروع القومي إلى المنطقة إيذاناً ببدء الحرب الأهلية؛ فقد جاء متأسياً بالمثال الأوروبي الذي أوصل أوروبا إلى جادة الرخاء والاستقرار التي هي فيه. الفارق هو أن المثال الأوروبي أتى في وقت كانت قد حسمت فيه القارة ومنذ وقت مبكر علاقتها مع كنائسها التي كانت سبباً في شقاء وهجرة الملايين من الأوروبيين وفي تخلفهم أيضاً. في حين اقتُبس المشروع القومي العربي في زمان كانت تؤوب الشعوب فيه إلى الدين تحسباً من بديل سياسي مجهول في ظل جيش احتلال أجنبي وأطقم ثقافية مرافقة، ومكان من العالم يُعتبر فيه الدين وما يتفرع عنه قاعدة لفهم السياسة والتاريخ، والنتيجة هي إرهاصات حرب ثقافية أهلية.(2/105)
كان الدين في تلك اللحظة، ممثلاً بالمساجد والعلماء، خط الدفاع الأول في وجه القادم المجهول، وكان هو أيديولوجية المقاومة في أبسط أشكالها، قبل أن تنشأ مدارس سياسية تترجم الرفض الجماهيري إلى شعارات وأدبيات، وتصيغ مفاهيم الحضارة العربية الإسلامية بلغة معاصرة.
وبذلك تكون المنطقة قد تجاذبتها عموميات الفكرة القومية الليبرالية المسلوبة ـ إن لم نقل المحاربة ـ لشق الشخصية الحضارية العربية الإسلامية والتي فتحت الميدان السياسي لكل من نطق بالعربية، ومعارضة سياسية إسلامية مبتدئة فاقدة للخبرة السياسية، والتي فعلت الشيء نفسه ولكن لكل من رفع لافتة الدين، فحققت أطياف سياسية شروط الانخراط السهلة في النمطين الفضفاضين. ومن بين المتفوقين في اجتياز شروط النضال القومي العربي بامتياز «صفويون» فرس (مصطلح شيعي عربي) ولكن بأنساب عربية منتحلة، واجتاز متدينون منهم اختبار منح الثقة عند الإسلاميين، وظلت تلك الثقة مسبغة عليهم حتى لحظة وصولهم على ظهور الدبابات الأمريكية إلى أسوار بغداد، وسط ذهول كثير من القوميين والإسلاميين على حد سواء، الذين أنطقهم هول الصدمة بعبارة: (كنا نظنهم مناضلين).
ليس من شطط الكلام القول إن هذه السذاجة الأيديولوجية عند القوميين والإسلاميين ـ التي لم تُستدرك ـ هي التي أسقطت العراق بيد الصفويين الجدد في صفر 1423هـ / نيسان 2003م وقدمته على طبق من فضة، وقد تسببت السذاجة ذاتها في سقوط دول أخرى في المنطقة ولكن من دون ضجة.
الأحاديث الجريئة التي شقت طريقها أخيراً إلى الهواء الطلق بعناء واستحياء شديدين، عن تواطؤ الحوزة مع المحتل الأمريكي بعد عام ونصف على وقوع الاحتلال لا زالت ناقصة، ولم تخرج عن دائرة العموميات؛ فالتشيع الصفوي علاوة على الاختلافات المعروفة بين أهل السنة والشيعة مدرسة سياسية راسخة على الخريطة السياسية العالمية، لها أجندتها السياسية التي يفهمها الأوروبيون ويفهمها الروس وتفهمها الهند، منذ الانقلاب غير الأبيض الذي حمل الصفويين إلى الحكم عام 900 هـ، وأخرج إيران من دائرة الحضارة العربية الإسلامية، لتكون الخروف الأسود في القطيع الأبيض، ويصبح خلافها السياسي مع محيطها الإقليمي ورقة ثمينة لا تفرط بها القوى الدولية في توازناتها الإقليمية والدولية.
ولم تتغير الأجندة الصفوية في إيران بتغير السلالات المتعاقبة على حكمها، ابتداءً بالصفويين أنفسهم، فالقاجاريين، فالبهلويين، وأخيراً الحوزة.
وقد التقت مصالح إيران الحوزة مع مصالح قوى عالمية على حساب جاراتها المسلمة ثلاث مرات خلال عقدين: تارة مع الشيوعية، وتارتين مع المسيحية المتصهينة التي يعتنقها نزلاء البيت الأبيض. وهذا الذي يحدث في العراق تكرار لتلك المصالح كما لا ينفي ذلك المسؤولون الإيرانيون، وهي مصالح تغلِّبها طهران كل مرة على تبعات الحروب المعروفة سلفاً من انتهاكات الحرمات والأعراض.
لا جدال في أن نمط الحياة السياسية في الدولة العراقية الحديثة، والأطقم الثقافية المبكرة للدولة من السنَّة العرب والأكراد من بقايا الدولة العثمانية له علاقة مباشرة بالخلاف الصفوي العثماني، وحساسية العثمانيين من الشيعة الذين قاطعوا مؤسسات الدولة العثمانية والتعليم الحكومي، وانصرفوا إلى أعمال التجارة، ومن أراد التعليم منهم طلبه في إيران.
ولكن في الوقت الذي غاب فيه الحضور العثماني عن العراق بجميع أشكاله، وخرج من اهتمامات الدولة التركية الوريثة شؤونُ الشعوب التي شاركتها نظامها السياسي أربعة قرون، إضافة إلى تخليها عن أدوار الدولة الإقليمية الكبرى، واكتفائها بشؤون التركمان العراقيين، ثم ارتفاع جُدُر ثقافية عالية تعزل أجيال اليوم عن شركاء الأمس بسبب أدبيات ومناهج تعليم الدولة القومية التي اعتبرت الحقبة العثمانية حقبة احتلال أجنبي، مقابل هذا كله يستمر حضور الشريك الفارسي بأشكاله المختلفة؛ الديموغرافية والفقهية والمالية والسياسية، وظلت إيران على الدوام الرقم الحاضر الغائب في المعادلة الداخلية العراقية، والعمق الاستراتيجي والروحي للحوزة ولشيعة العراق، وهو حضور يطوِّر الخلاف السني الشيعي المحلي، ويقلل من فرص الوفاق.
وربما ظهرت آثار هذا الحضور بادية في موقف الحوزة الصامتة ـ مصطلح شيعي عربي ـ التي يهيمن عليها التيار الفارسي في صمتها من تدمير الفلوجة وقتل أناسها العزل، في مقابل السلوك التكافلي الذي أبداه أهل السنة والتيارات الشعبية الشيعية العربية نحو بعضهم أثناء أحداث الفلوجة الأولى وأحداث النجف. وظهرت هذه الآثار في فتوى المرجعية العظمى في الحوزة ـ وهو إيراني لا يحمل الجنسية العراقية ـ بدخول النار لمن لا يشارك في العملية السياسية التي يريدها المحتل الأمريكي.
ليس مجانبة للصواب القول: إن الدولة العراقية استطاعت إيجاد شخصية عراقية تعتز بوطنها، وأن ملامح هذه الشخصية غطت إلى حد ما على الاعتبارات الأخرى التي يزخر بها كل مجتمع فسيفسائي كالمجتمع العراقي.
قد لا نبالغ إذا قلنا: إن المشوار الثقافي عند الفرد السني وطموحاته السياسية تنتهي عند الغلاف الخلفي لكتاب التربية الوطنية الذي تقرره مناهج الدولة في المدارس والمعاهد وحتى في الدوائر الحكومية.
هذه العلاقة بين الشخصية السنية ومؤسسات الدولة صيد سهل لخصوم أهل السنة، لكن الناظر في التاريخ يرى أن نشوء هذه الشخصية كان مصاحباً لنشأة دولة الحضارة العربية الإسلامية الأولى، بل إنهما أوجدا بعضهما، لتبقى هذه الشخصية لصيقة بالدولة ومؤسساتها الفقهية والفكرية والحضارية على مر العهود.
وفرق كبير بين أن تكون نقطة البداية من الحكم وبين أن تكون المعارضة هي الأصل.
المشكلة هي أن الدولة المعاصرة تغيرت والشخصية هذه استمرت؛ فما كان هو الأسلم في حساباتها يوم صفين ووصول الأمويين وفتن الفلسفة في خلافة بني العباس والعلاقة مع الأقليات المذهبية بقي هو الأسلم. الأسوأ هو عندما تُحسَب هذه الأنظمة على أهل السنة ويؤخذون بجريرتها. وقد خسر أهل السنة بسبب أيديولوجية استنبطت في ظروف مختلفة قطاعاً واسعاً من شارعهم ولا زالوا يفعلون.
يمكن القول: إن سيكيولوجية الحكم المزمنة لدى هذه الشخصية لا زالت تتحكم بها في زمن الاستضعاف؛ فهي لم تألف العمل المعارض، ولا تملك خطاً ثانياً من مؤسسات الاكتفاء الذاتي المالي والإعلامي والاجتماعي مما يوازي مؤسسات الدولة، فتفعله في الحالات الاستثنائية وتدير به شؤون «شارعها» كما هو الحال لدى الأقليات؛ لذا نرى الاضطراب والحيرة يدبان في سلوكها لحظة غياب الدولة.
من أين تبدأ هذه الشخصية خطة إعادة التأهيل؟ سؤال كبير. ولكن ما من شك أن طريقة التفكير هي إحدى العثرات المبكرة على الطريق؛ فلا زالت هذه الشخصية تفكر بعقلية من يحكم وليس بطريقة من اجتمعت عليه الأحزاب. وفي الغرب يدخل أفراد الحزب الحاكم الذي خسر الانتخابات في «كورس» لنقلهم من جو سيكيولوجي إلى آخر، وإعادة تكييف الشخصية بما ينسجم ومهامها الجديدة؛ فكيف بمن أمضى تاريخه كله في موقع الحكم ولم يجرب المعارضة، وليس في فقهه السياسي الذي استنبط في ظروف التمكن الكثير الذي يرجع إليه، أو في تاريخه من الفصول المشابهة التي يمكن الاقتباس منها؟(2/106)
ما استيقظ عليه أهل السنة أمام مشهد سقوط بغداد وبعضهم لم يستيقظ حتى هذه اللحظة أن الحدث الكبير ألغى عملتهم الأيديولوجية في سوق صرف العملات، فلا العراق عاد عربياً، ولا وحدوياً، ولا عراقاً موحداً بالضروة. بضاعة خرج موسمها.
أمر آخر استيقظ عليه أهل السنَّة، وهو أن خصمهم وضعهم في خانة واحدة، إسلاميهم ووطنيهم، دون اعتبار لاختلافاتهم، وذبحهم على مذبح واحد.
وإذا كان الأمران الأول والثاني خارجين عن الإرادة؛ فإن الأمر الأخير هو إيضاح ميداني بالألوان لبيئة العمل السياسي الموحد لأطياف أهل السنة ولو إلى حين، وإذا كان الخوف من الغرق جدير بأن يحوِّل ركاب السفينة الجانحة إلى فريق إنقاذ واحد، فإن الفناء أمام الآلة العسكرية والسياسية الأمريكية أجدر به أن يحقق ذلك.
لقد كانت الشخصية الوطنية وسلامة الوطن والانتماء للمحيط العربي شغل الفرد السني الشاغل، لكن الحصار الداخلي الخانق الذي يواجهه أهل السنة اليوم، والحرب الأهلية غير المعلنة التي تشن ضدهم، واشتراك ميليشيات الفئات الأخرى مع جيش الاحتلال في دك مدنهم، والدور الإيراني المكشوف، ومجيء الكوريين والبولنديين والمجريين واليابانيين من وراء الحدود، هذا السيناريو بمجمله لا يبقي لمعاني المواطنة الشيء الكثير، ويختزل معنى الوطن إلى مساحة من اليابسة للعيش، ويدفع الخيارات الأيديولوجية للمحاصرين إلى ما وراء الحدود من جديد باتجاه عمقهم الإقليمي التاريخي.
ما ينتظر العراق علمه عند الله تعالى؛ فقد يطول الاحتلال وقد يقصر، ولكن الاحتراب الثقافي الداخلي يبقى بوابة المحتل متى ما شاء الدخول، وطوق النجاة إذا ما اضطر إلى الخروج يوماً، وحينها سيدخل في صفقة مع من يراه أخف الضررين في طرفي النزاع الثقافي، حتى لو كان ذلك الطرف فصيلاً في المقاومة، وسيتحول ذلك الفصيل إلى حكومة وطنية، وينقلب على رفيق الأمس، وحينها نكون قد عدنا إلى حيث بدأنا في القرن الماضي حينما قرر الإنكليز والفرنسيون «الخروج» ومنح «الاستقلال».
قضيتنا نحن أهل السنة ـ وبخلاف غيرنا ـ هي أننا إما أن نكون أو لا نكون. شخصيتنا سبيكة ثنائية المعدن، العمل بأحدهما ينتج ثقافة عرجاء جربها جيلان على نحو ثمانية عقود فوصلوا بها إلى درك التخلف العالمي.
مدرسة أهل السنة اليوم ـ وكما في أية مدرسة سياسية ـ أمام مشكلة أطياف سياسية، هذه الأطياف منها ما يقف عند النص (في هذه الحالة بشقيه: الرسالة السماوية ومكارم الأخلاق العربية)، وهو ما يقابل النظرية أو الأيديولوجية عند الأحزاب المعاصرة، وهذا طيف أقرب للمرجعية الفكرية. ومنها أحزاب سياسية ميدانية تلتقي في برامجها مع النظرية في مساحات وتبتعد عنها في مساحات أخرى. ونوع ثالث يصطدم مع النص ولا ينتسب إلى مدرسته في الواقع إلا انتساباً «بيولوجياً».
لا يختلف المسلمون عبر تاريخهم أن السياسة هي فن الممكن، وفي كثير من الأحيان هي فن الإنقاذ. وإذا كان ركاب السفينة الجانحة يدركون تماماً أنهم أمام وفاق قسري مدته تعادل بُعدَهم عن اليابسة على الأقل، وإلا فالغرق هو خيارهم الآخر والوحيد؛ فإن الذين يذبحون اليوم على مذبح المارينز أمام وفاق قسري إلى حين انجلاء هذه الغمة، وإلا فالفناء السياسي هو خيارهم الآخر، إلا من أراد منهم الغرق الاختياري في المستنقع الأمريكي.
إذا كان الاقتباس السياسي في حكومة عمر بن الخطاب ـ - رضي الله عنه - ـ هو أول صور المرونة التي مارستها دولة الحضارة العربية الإسلامية الفتية؛ فإن في العملية السياسية في الغرب اليوم طرفاً ثالثاً في معادلة صنع القرار يتوسط مؤسستي النظرية والتنفيذ، وقد قطع هذا الفن أشواطاً بعيدة تحت مسمى معاهد الفكر التي تكون ظهيراً ـ ولكن مستقلاً ـ للمؤسسات السياسية، التي تستفيد غير ملزَمة من عصارة بحوثها ودراساتها في رسم سياستها واستقراء الواقع من حولها. وتنتسب هذه المعاهد إلى مدارس أيديولوجية، وتتخصص في إثراء نظرياتها لتكون هي العمق الفكري للمؤسسة التفيذية، وهمزة الوصل بين شخصيتي المنظّر والمنفّذ.
وتلعب هذه المعاهد أدواراً مهمة في تحديد مواقع نقطة الوسط في الطيف السياسي؛ فهي ـ أي المعاهد ـ أقرب للمثالية منها إلى الواقع، وهو ما يحافظ على قرب أحزاب الوسط من النظرية، ويضع حداً لحالة التفلت الأيديولوجي. كما أن لهذه المعاهد المستقلة المقدرة على إبداء آراء ونشر دراسات يتعذر على المؤسسة التنفيذية القيام بها.
نحن أكثر حاجة من الغرب إلى معاهد فكر تعمِّق مفاهيم حضارتنا، وتؤطر أيديولوجيتنا، وترمم العلاقة بين طرفي معادلتنا، وتعيد صياغة قاموسنا السياسي بلغة سهلة يفهمها رجل الشارع.
الأزمات محطات مهمة في تاريخ الشعوب لا تفوّت، فيها تُراجَع القناعات وتُصنَع المعجزات، وفيها يعاد رسم الشخصية الجماعية للمجتمع، وهي فرص نادرة الحدوث.
الخطب ليس يسيراً، ولكن الأمم إما متبوئة لقمة الرفاهية راكنة إلى الدعة في فترات الاستقرار ومتراخية في مضمار البناء الفكري، وإما متبوئة لقمم الفكر في أوقات الضيق ومتراجعة عن رغد العيش، والأمل في الله ثم في سنن المجتمعات هو أن تكون الأخيرة من نصيب أجيال اليوم.
--------
(*) كاتب من العراق مقيم في بريطانيا.
صفر 1426هـ * مارس /أبريل 2005م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
فلوجة العز في زمن الذل
د. يوسف بن صالح الصغير
حتى كتابة هذه الكلمات فإن الاشتباكات ما تزال مستمرة في الفلوجة التي إن كانت القوات الأمريكية نجحت في تدمير أجزاء كبيرة منها؛ فالأحياء مدمرة بنسبة تتراوح بين 30 و 70 بالمئة؛ فإنها لم تُفلح في السيطرة عليها.
ويبدو أن المقاومة تصر على أن تجعل من الفلوجة جرحاً مفتوحاً في خاصرة القوات الأمريكية وحلفائها في خطة استنزاف طويلة، يمنع الكبرياء والمكابرة لدى الأمريكان من الانسحاب والخروج من الفخ الذي وقعوا فيه للمرة الثانية، واضطروا للاستعانة بالقوات البريطانية التي منيت بخسائر كبيرة، تحرص الحكومة على التعتيم عليها. وأرى هنا أن أهل الفلوجة يصدق عليهم توجيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «لا تتمنوا لقاء العدو؛ فإذا لقيتموه فاثبتوا». نعم! لقد ابتلي أهل الفلوجة وظلموا، وحاول المحتل الكافر إذلالهم فصبروا وانتصروا لدينهم، فحق لهم أن يُنصروا بإذنه - تعالى -.
ويبدو من تسلسل الأحداث أن مدينة الفلوجة كانت مستهدفة منذ بداية الحرب؛ حيث إن خضوعها والسيطرة عليها يعني السيطرة على كافة مناطق أهل السنة في العراق؛ حيث إن هذه المدينة بنيت في مكان مدينة الأنبار القديمة، وارتبط اسمها بالمقاومة والصمود؛ ففي ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني كان للفلوجة دور ريادي، وتمكن أهلها من قتل قائد القوات البريطانية (لجمن)، وقد مارس فيها الإنجليز من أعمال القتل والتدمير والسلب ما أثبته الشاعر العراقي (معروف الرصافي) في قصيدة منها قوله:
هو خطب أبكى العراقين *** والشام وركن البنية المحجوجهْ
حلها جيشكم يريد انتقاماً *** وهو مغر بالساكنين عُلوجهْ(2/107)
ولِمَا عرف به أهل المدينة من التدين والمحافظة وحب الخير والنخوة فقد اصطدموا مع نظام البعث الذي اضطهد الفلوجة وقتل خيرة علمائها، وأغلق جلّ مدارسها الشرعية، ولكن في النهاية انتهج صدام حسين معهم سياسة خاصة تقوم على المجاملة ومحاولات الإرضاء، وأثناء تقدم القوات الأمريكية إلى بغداد، وبينما كان العراقيون يعيشون صدمة السقوط السريع لنظام البعث، ووقوع البلد تحت الاحتلال الأمريكي كان للفلوجة موقف ملفت: يتلخص في أنه تم الاتصال بالقوات الأمريكية وإبلاغهم أن المدينة لن تقاوم بشرط عدم دخول القوات إليها، وأنهم سيقومون بضمان الأمن فيها، وهذا ما تم حتى أسكر الأمريكان دخولُهم السهل والسريع لبغداد، فأرسلوا قوات أمريكية مدعومة بشرطة عراقية معينة من قِبَل الاحتلال، وكانت ممارسات هذه القوات سبباً رئيساً في تفجر الأوضاع؛ فالشرطة قامت بالتعدي على السكان، وكان رئيس الشرطة يتحدى أهل الفلوجة، ويتنقص منهم؛ مما أدى إلى قيام عدد كبير من المسلحين بمهاجمة مركز الشرطة الرئيس، وطرد من بقي حياً من رجال الشرطة. أما القوات الأمريكية فقد احتلت المدارس داخل الأحياء، وكان احتكاك الجنود بالنساء، بل حتى مراقبة البيوت بالمناظير المقربة مدعاة لسخط السكان الذين انتهزوا فرصة قرب بدء الدراسة، فقاموا بمظاهرات سلمية تطالب بإخلاء المدارس، وكانت ردة الفعل الأمريكية هي إطلاق النار على العزل، ومقتل حوالي سبعة عشر متظاهراً؛ ومن هنا بدأت عمليات إزعاج مسلحة حتى اضطرت القوات الأمريكية إلى الانسحاب والتمركز حول الفلوجة، ومع استمرار المواجهات ووقوع مجموعة من ضباط المخابرات الأمريكية في كمين، ونشر صور التنكيل بالجثث مما يدل على الكره الشديد للاحتلال، انكشف زيف الصورة الوردية المرسومة في أمريكا والتي تظهر الجندي الأمريكي يبتسم وهو يلعب الكرة مع الفتيان، أو يقوم بتوزيع الأدوات المدرسية والحلوى على أطفال العراق!
لقد كانت ردة الفعل الأمريكية المتشنجة بسبب نشر الصور أكثر منها بسبب حادثة يحصل مثلها يومياً، وكان الطلب الأمريكي تسليم جميع من ظهرت صورهم بالفلم وتسليم الجناة، ولم يتم تنفيذ الطلب لاستحالة الاستجابة له في مجتمع قبلي متماسك؛ ولذا قامت القوات الأمريكية بهجوم انتقامي وحشي قتل فيه آلاف الأشخاص في غارات جوية عنيفة، ودفن الناس قتلاهم في حدائق البيوت وملعب كرة القدم، وكان وجود وسائل الإعلام العربية في المدينة ونقلها وقائع الجريمة الأمريكية عاملاً في إحراج قوات الاحتلال وفضحها، وقد قامت القوات البرية بالدخول للمدينة، وكانت النتيجة أن القوات الأمريكية داخل الفلوجة تم حصارها وقطع الإمدادات عنها. أما القوات التي تحاصر الفلوجة فقد ضيق عليها الخناق، وكانت قوافل الإمدادات تتعرض لهجمات مستمرة؛ مما اضطر قوات الاحتلال لطلب الهدنة، وقامت بتوسيط (الحزب الإسلامي)، وتم الاتفاق على السماح للقوات الأمريكية بالانسحاب ودخول قوات عراقية مكونة من أهل الفلوجة وما حولها، وتحمل العلم العراقي القديم.
لقد دفعت قوات الاحتلال ثمن استهتارها بقدرات أهل الفلوجة؛ ومن الطبعي أن السيطرة من جديد على الفلوجة أصبحت قضية كرامة للقيادة الأمريكية، وكانت الخطة الجديدة تقوم على حشد قوات كبيرة مدعومة بقوات عراقية؛ مع الحرص على منع جميع وسائل الإعلام الخارجة عن سيطرتهم من تغطية ما يجري.
وبقدر حرص الاحتلال على الانتقام كان حرص أهل الفلوجة على تجنب حدوث معركة جديدة يعلمون أن مدينتهم ستكون ضحية للهمجية والجبروت الأمريكي، وقام أهل الفلوجة بتشكيل وفد للتفاوض، ولكنهم صُدموا بالحقيقة المرة؛ فلم تكن المفاوضات إلا لتمديد الوقت حتى تنتهي الانتخابات الأمريكية، وكانت المطالب العلنية على لسان (علاوي) هي تسليم أبو مصعب الزرقاوي غير الموجود بالمدينة؛ بينما لم يتطرق لهذا الأمر مطلقاً أثناء التفاوض، وخلال ذلك كانت الطائرات الأمريكيه تُغِير يومياً على ما يُعتقد أنه أماكن يوجد فيها (الزرقاوي) أو معاونوه. وتستمر الغارات، ويستمر انتشال جثث النساء والأطفال؛ عفواً! إنها وسيلة مشروعة أمريكياً لإضعاف معنويات الخصم، وليحس بالعجز إزاء التفوق الأمريكي الكاسح.
ولنا أن نتساءل: ما هي الخيارات المطروحة أمام أهل الفلوجة؟
* الخيارات المطروحة:
1 - فتح المدينة أمام الغزاة وحلفائهم:
إن هذا الخيار تكتنفه كثير من المخاطر ليس أقلّها مدى حجم الخسائر الناجمة عن عمليات التفتيش، وما هي نسبة شباب ورجال المدينة الذين سيتم اعتقالهم؟ وهل لديهم استعداد لتحمل التعذيب والإذلال والخدمات الموجودة في أبو غريب؟
2 - فتح المدينة وانسحاب المقاتلين:
إن هذا يبدو أسلم من السابق، ولكن هناك احتمال الانتقام من أسر المقاتلين والتنكيل بهم. وبالطبع هذا الخيار يقتضي توفير أماكن آمنة للمقاتلين مع احتمال انهيار معنويات الكثير منهم.
3 - خروج أهالي الفلوجة من المدينة، وبقاء مفارز مقاومة؛ لإبداء مقاومة رمزية، ثم الانسحاب لتفويت فرصة تدمير المدينة: وهذا قد يؤدي إلى ارتفاع معنويات جيش الاحتلال، ويدفعهم إلى تكرار العملية في مدن سنية أخرى.
4 ـ خروج أهالي الفلوجة، والصمود أمام قوات الاحتلال، ودفعها لخوض حرب شوارع تؤدي إلى خسائر كبيرة في الجانبين، وتدمير كبير للمدينة يكون سبباً في خسارة دعائية كبيرة، وعاملاً في اتساع المقاومة وتجذرها لانكشاف طبيعة المحتل وسقوط دعاوى الإعمار والحرية والديمقراطية، وارتفاع أسهم أهل الفلوجة، وتأكيد ما اتصفوا به شجاعة وإقدام.
إن القرار الذي اتخذه مجاهدو الفلوجة، واختيارهم عدم الانسحاب إلا بعد مواجهة يطير ذكرها في الآفاق يتناسب مع طبيعة أهل المدينة التي امتزج فيها الانتماء لقبائل عربية أصيلة مع غلبة التدين، وإن الذي اتخذ قرار المواجهة هم وجهاء المدينة وزعماء عشائرها؛ لأنه تبين لهم من خلال وفود المفاوضات أن المدينة هدف للانتقام الأمريكي أياً كان موقفهم؛ ولذا اختاروا وقفة العز في زمن الذل.
* ماذا أعدوا للفلوجة؟
لقد كان إخفاق محاولة إخضاع الفلوجة في المرة الأولى دافعاً للقيادة الأمريكية لتحضير قوات كبيرة مدعومة بالطيران والمدفعية والدبابات، والحرص على مشاركة عراقية في المعركة، وإظهار المعركة أنها تمت بأمر (علاوي)، وعدم تكرار الأخطاء السابقة في فتح جبهات مختلفة في وقت واحد؛ ولذا تم تحييد الصدر وأتباعه ومحاولة اقتحام الرمادي قبْل الهجوم على الفلوجة؛ مع استقدام قوات بريطانية لدعم الوضع الأمني ببغداد. وكان هناك حرص شديد على تحميس الجنود ودفعهم للقتال؛ وذلك برفع شعارات دينية مثل: الصلبان على الدبابات، وتعميد الجنود قبل المعركة، وقراءة مقاطع من الإنجيل والتوراة عليهم لحثهم على الثبات، ومرافقة مجموعة كبيرة من القسيسين والحاخامات لهذه القوات في أرض المعركة وفي المستشفيات.
ويبلغ عدد القوات البرية المشاركة ما يلي:
1 - عشرة آلاف من مشاة البحرية الأمريكية، منهم حوالي ألف يهودي كثير منهم يعملون قناصة. وقد تحدثت صحيفة (هآرتس) عن نحيب الحاخامات في مراسم الجنازات الخاصة بعدد من الجنود الصهاينة الذين صُرعوا في الفلوجة.
ونقلت الصحيفة قول (أرفيننج ألسون) وهو أحد حاخامات مدينة نيويورك الأمريكية: «نحن هنا لتوديع عدد من الجنود اليهود الذين لقوا حتفهم في الفلوجة، وهم المقدم (آندي شتيرن) بسلاح المدفعية، و (مارك أفين) قناص يهودي وهو حفيد أحد الحاخامات الكبار في أمريكا».(2/108)
وكشف الحاخام في كلمته عن وجود عدد كبير من الجنود اليهود في الجيش الأمريكي، معظمهم يعملون في القنص، ودعا الحاخام عائلات الشباب اليهودي الأمريكي إلى إرسال أبنائهم للعراق للحرب ضد من أسماهم بـ (أعداء) الدين اليهودي، واعتبر أن القتال ومساعدة الأمريكان في العراق أفضل كثيراً من العمل الديني في المعابد اليهودية.
واعتبر أن الجنود اليهود في العراق «شهداء» إذا ما سقطوا خلال القتال، وخاصة أن أغلبهم «متدينون» ويحافظون على قراءة الكتب الدينية اليهودية.
وبحسب (هآرتس) فإن عدد الجنود اليهود في العراق يتراوح بين 800 إلى 1000 جندي وضابط، على حين يبلغ عدد الحاخامات نحو 37 حاخاماً.
ويقول مراسل صحيفة (المونيتور) في تقرير له: إن جنود القوات يبدؤون حملتهم بقراءات من مزامير داود من العهد القديم، وقد بدأت «الكتيبة الحمراء» يومها بقراءة الإصحاح 91 من المزامير، وقد كتب العريف (دوستن باركر) من ولاية تكساس الأمريكية على خوذته أجزاءً من الإنجيل تقول: «لا تخشَ عدوك بالليل، ولا من الأسهم التي تتطاير بالنهار، ولا تخشَ من الأوبئة والطواعين التي تسير في الظلمة».
2 ـ ألفين من قوات الحرس الوطني، ويبدو من الصور المنشورة أنهم من أتباع (السيستاني) لحملهم الصور الخاصة به على عادة القوم في حمل صور مراجعهم. ويبدي الجنود الأمريكيون تذمرهم من انخفاض أدائهم وروحهم المعنوية.
3 ـ ليس لديَّ معلومات عن مدى مشاركة الميليشيات الكردية (البشمركة) في الهجوم، ولكن ذُكر أن قائد قوة كردية اختفى بعد أن اطلع على خطط الهجوم، ولا يخفى أن الأكراد يحاولون الابتعاد عن التحالف الرافضي الأمريكي؛ بدليل انضمام الأحزاب الكردية للمطالبة بتأجيل الانتخابات، خلافاً لموقف بوش وعلاوي والسيستاني وإيران؛ حيث إن مشروعهم يقتصر على المنطقة الكردية في الشمال، ومحاولة توسيع تلك المنطقة لتضم الموصل، وكركوك.
* إنها حرب عصابات حقيقية:
تعاني القوات الغازية من أنها تجابه خصماً يجيد حرب العصابات؛ مما أعاد للأذهان عقدة حرب فيتنام. ويعاني الجنود من أنهم دائماً يسقطون، ولا تتاح لهم الفرصة غالباً للاشتباك مع الخصم؛ فهو دائماً يتوقع الموت في أي لحظة من رصاصة قناص، أو رشقة رشاش، أو قذيفة آر بي جي، أو عبوة ناسفة على جانب الطريق يُتحكم بها عن بُعد ولذا لا يستغرب القارئ أن كثيراً من الإصابات هي في حقيقتها نفسية وعقلية نتيجة حالة التوتر والخوف المتواصلة. وأنقل إليك أخي القارئ بعض مظاهر الانهيار النفسي الذي يعانيه جنود الاحتلال نتيجة الإجهاد وعدم القناعة بالحرب. يقول الوزير الأمريكي لشؤون المحاربين (أنطوني رنسيبي): إن تكتيكات المقاومة العنيفة في العراق سوف تؤثر تأثيراً طويل المدى على الصحة النفسية للجنود؛ مما ينتج عنه تعويضات العجز مدى الحياة للكثيرين ممن رجعوا من الحرب. وحتى الآن فإن 20% من المحاربين العائدين من العراق يطلبون الرعاية الصحية العقلية، وفي حين أن الكلفة الحقيقية لأولئك المصابين من حرب العراق غير معروفة فإن الوزارة تتوقع حالياً أن تدفع 600 بليون دولار على مدى العقود الثلاثة القادمة كتعويضات للعجز النفسي للمحاربين في حروب سابقة.
ويقول (رينسيبي): إن وزارة شؤون المحاربين تستعد لاستقبال دفقات من المحاربين المصابين بأمراض نفسية وعقلية واضطرابات من العراق. ويقول: «هذا النوع من الحرب - حرب العصابات - حيث لا تعرف إن كنت أنت الضحية التالية لسيارة مفخخة أو لغم شارع أو قنابل صاروخية. إنها مثل الحرب في فيتنام؛ حيث كنت في (دلتا ميكونج) فأنت لا تعرف متى تقع في كمين للمقاومة».
صحيفة (الجارديان) البريطانية تابعت تطورات العراق من زاوية جديدة؛ حيث أجرت تحقيقاً مصوراً من مستشفى (لاندستهل) الألماني الذي يعالج فيه العسكريون الأمريكيون من إصاباتهم في العراق.
وينقل التحقيق كلمات العاملين ونزلاء في المستشفى، منها ما تقوله إحدى الممرضات من أن بعض الجرحى لا يستطيعون الكلام، وأن كل ما يفعلونه هو البكاء.
أما القس الملحق بالمستشفى فيقول: إن الأمر يبدو رهيباً، لكن هذه التضحيات لا بد منها.
أما صحيفة (الأوبزرفر) فقد كشفت أن الجيش البريطاني أخلى حوالي ثلاثة آلاف إصابة، كثير منها إصابات نفسية وعقلية وإعاقات جسدية، وأفادت إحدى الأمهات أن ابنها الذي كان اجتماعياً مرحاً أصبح لا يبتسم، وإذا ذكر العراق فإنه يبدأ بالصراخ.(2/109)
ويقول العنصر الطبي (راميرز) البالغ من العمر ستاً وعشرين سنة من مدينة (سان أنطونيو) وضابط البحرية الملحق بفرقة (برافو) الجراحية: إنني اعتدت من قبل على رؤية أناس يقضون نحبهم على الطاولات في غرف العمليات الجراحية، غير أن ما شاهدته في الفلوجة كان مرعباً بحق. وبعد شهرين من ذلك وعند أول وصول للجرحى من الجنود الأمريكيين والعراقيين للمستشفى بعد اجتياح مدينة الفلوجة استعد (راميرز) للأسوأ من هذه المشاهد المخيفة، وقال (راميرز) إن عمله مع المرضى لم يكن يؤثر عليه، ولكن بعد مشاهدته المتكررة للدماء على الأرض أو لشخص يحمل قطعة من ذراع أو رِجل أدرك أن هذه المناظر ستبقى في ذاكرته طيلة حياته. وقال العاملون الطبيون في المستشفى الميداني لشركة (برافو) الجراحية والتي يتم نقل كافة قتلى وجرحى المعارك إليها: إن إصابات الجنود في قتال الفلوجة دائماً ما تكون مدمرة، وأن معظمهم أصيب في انفجارات قريبة منهم. وقال رئيس فريق معالجة الصدمات النفسية (دامون ساندرز): إن إصابات الجنود مرعبة بحق؛ فقد شاهدنا أعداداً متزايدة من إصابات شظايا الانفجارات، وعادة ما يتعرض شخص أو شخصان إلى إصابات مباشرة من المتفجرات، بينما يتعرض الآخرون إلى شظايا تلك الانفجارات. وأضاف ساندرز «36 عاماً» من مدينة (تيميكولا) من ولاية كاليفورنيا قائلاً: إن الإصابات في الفلوجة تعتبر أكثر قسوة وفظاعة من تلك التي يتعرض لها في العادة الجنود في العراق. وعزا ذلك على نحو كبير لسيطرة عناصر المقاومة العراقية على المدينة طيلة الشهر واستعدادهم للقتال حتى الموت. وأوضح (راميرز) أن المستشفى الجراحي الميداني كان مستعداً لاستقبال أكثر عدد من الجنود الجرحى قبل بدء معركة مدينة الفلوجة، ولكنه قال: إنه وزملاءه لم يكونوا مستعدين لهذا العدد الكبير من الجرحى بما في ذلك الذين يمشون على أرجلهم؛ مما اضطر إدارة المستشفى لنصب خيمة إضافية كبيرة لمعالجة هؤلاء الجرحى الذين يتم إحضارهم على نقالات. وأضاف (راميرز) قائلاً: إنه عندما تم إبلاغهم بالتوجه إلى الفلوجة فقد كان الكثير منهم يعتقد أنه سيشاهد الكثير من جرحى إطلاق الرصاص، ولم يكونوا يتخيلون أنهم سيشاهدون أشخاصاً بأعضاء مبتورة بسبب الانفجارات. وقال (راميرز) إنه قضى وقتاً طويلاً في طمأنة الجنود المصابين بأنهم سيتلقون أفضل الرعاية الصحية، وقال متذكراً: إنه كان هناك أحد الجنود المصابين في حالة عصبية حادة للغاية. ومضى (راميرز) قائلاً: إن العاملين في المستشفى الجراحي الميداني كانوا يعملون على مدار الساعة خلال اشتداد حدة المعارك في الفلوجة، وبصفة خاصة أثناء تقدم قوات مشاة البحرية صوب الأحياء الجنوبية للمدينة؛ حيث واجهوا مقاومة عنيفة من عناصر مسلحة مدربة جيداً؛ مضيفاً أن تلك أيام لا يمكنه وزملاؤه نسيانها طيلة حياتهم. وصدق الله العظيم في تثبيته للمؤمنين؛ حيث قال: {إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: 104].
إن النجاح هو فيما إذا تمكنت المقاومة من الاستمرار في القيام بعمليات داخل وخارج الفلوجة، وجعل قوات الاحتلال في حالة استنفار دائم؛ مما يؤدي إلى إنهاكها مع العمل على قطع الإمدادات؛ فإن شح التموين عامل أساسي في تحطيم معنويات الخصم. ويبدو أن هذا هو ما يحدث؛ فبعد الخسائر الجسيمة في صفوف قوات الاحتلال يلاحظ أن حدة القتال خفت كثيراً، وغالباً ما تكون في الليل وبمبادرة من المقاومة. وكما صرح الشيخ (عبد السلام الكبيسي) رئيس قسم العلاقات العامة في هيئة علماء المسلمين في اتصال مع قناة الجزيرة: إنه إلى هذه اللحظة فإن أكثر من نصف الفلوجة بأيدي المقاومة الفلوجية، وأقول «الفلوجية»؛ لأنه ليس هناك مقاتلون من غير الفلوجيين داخل الفلوجة - على حد قوله -.
وسخِر (الشيخ الكبيسي) من الادعاءات الأمريكية التي كانت تزعم أن الفلوجة ستُسحق خلال 48 ساعة، وشدد على أن القوات الأمريكية تعيش حالياً مأزقاً حقيقياً في الفلوجة، وأنها كانت بادئ الأمر تهاجم، لكنها الآن تدافع؛ فهي متخندقة في الفلوجة، ولا تستطيع أن تخرج إلى أي شارع أو أي زقاق في أكثر من نصف الفلوجة، سواء كان في أحياء الجولان أو الشهداء أو الصناعي، وفي حي نزال، وفي أماكن كثيرة.
ونختم هنا بأن أمريكا قد فضحت نفسها بنفسها؛ فبعد تدمير الفلوجة، وتدمير 32 مسجداً، وقتل الجرحى في المساجد، ونشر صورة الرجل الذي قُتل وهو يحمل أمه العجوز يخرج علينا السفير الأمريكي (نيغرو بونتي) وهو (حاكم العراق الفعلي) في تصريح لقناة العربية الإخبارية: إن الفلوجة لم تعد قاعدة لما وصفه بالإرهاب الأجنبي وعناصر النظام السابق. وأضاف: إن هذه القاعدة دُمرت الآن، وأعتقد أن هذا كان بمثابة درس لأولئك الذين يحاولون عرقلة الديمقراطية والحرية في هذه البلاد.
هذا شيء مما نشرته وسائل الإعلام الغربية، وتتحاشاه كثير من وسائل الإعلام العربية نضعه بين القارئ ليعرف حقيقة الحرية والديمقراطية التي جاء الأمريكيون ليبسطوها في أرض الرافدين، وهي درس لمن يفكر في خداع الرأي العام بها. تتهاوى وتسقط أمام كل ذي عينين. والله المستعان.
ذو القعدة 1425هـ * ديسمبر/يناير 2005م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
تأملات في أسباب غياب البعد الزمني وآثاره
منصور طه الحاج آدم
استطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحوِّل مجتمعاً كاملاً من جاهلية وشر وفرقة وشتات ودماء وتارات إلى مجتمع رشيد بقيم الحق معافيً يمثل قدوة في العالمين في فترة لا تتعدى ثلاثاً وعشرين سنة، وقد بدأ العد التصاعدي للدعوة النبوية ببزوغها والإيذان بها، وبدأ العد التنازلي لدعوة الكفر التي غدت تفقد كل يوم أرضاً وضَيْعةً من ضيعاتها، بينما كانت الجاهلية تسعى جاهدة لتطويق الدعوة وإماتتها في مهدها بشتى السبل والطرق؛ لمعرفتها ما يترتب من تحولات قادمة تحسب لها الحسابات عبر رصدها لتحركات النبي - صلى الله عليه وسلم - وجماعته، ولكنها أخفقت وخاب مسعاها؛ لأن الدعوة منصورة بالله، ثم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمل بالأسباب الواجبة المقتضية لتحقيق تمكينها في الأرض.
ولأهل الباطل عداوات شديدة ورصد كبير لأهل الحق ودعاته، ولا يفتؤون يبذلون ما في وسعهم لضرب الدعوة وأهلها؛ مما يوجب عليهم ذلك نظراً بصيراً وتحركاً محكماً ينطلق من تقييم صحيح وسليم، وتعرُّف على مآلات الخير والشر ودرجات كل منهما، وكما يقال: "ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل من يعرف خير الخيْرين وشر الشرَّيْن" كما يوجب عليهم الإفادة من الزمن لتحقيق المفاجأة وتغيير موازين القوى؛ فإن عامل المفاجأة وتغيير الموازين في الصراع يستند إلى قدرة الجماعة على بذل طاقاتها مع اختزال للجهد والزمن بأقصى ما يمكن لتحقيق التفوق على الخصم؛ فإن صراع الجماعات والأمم صراع على أرضية الزمن، وكيفية كسبه وتحقيق أعظم إنجاز بأقل جهد وزمن، وهذا ما نلاحظه في دعوة النبوة: عظمة الإنجاز مع قلة الزمن.
وأمام أهل الحق جبهات ثلاث مفتوحة علمياً وعسكرياً وسياسياً من قِبَل التيارات الآتية:
1 - التيارات الكفرية والشركية.
2 - تيارات النفاق من العلمانيين والشيوعيين وغيرهم الذين يتلوَّنون بكل لون، ويدفعون كل راية حسب مقتضى الحال، ويكشفون عورات المسلمين.
3 - الفِرَق والجماعات الضالة الحديثة والقديمة في أصولها.(2/110)
وتستخدم هذه التيارات هيئات متخصصة لدراسة ورصد القوى الإسلامية، وتعد خططاً ومناهج فكرية وسياسية وعسكرية لضربها وقطع الطريق أمام العودة الإسلامية الرشيدة للأمة؛ ومما تستخدمه من وسائل محاربة:
1- إفراغ محتوى دعوات الإصلاح بتحوير مناهجها ومقاصدها عبر الإسقاطات الفكرية المختصة.
2- التشويش الفكري والعقدي، والتشكيك في عقائد الإسلام ومنهجه.
3- إدخال الجماعات الإسلامية في معارك استنزافية فكرية وسياسية وعسكرية.
4- بث وتوسيع الخلافات الداخلية والاستفادة من وضعية التشرذم الداخلي.
5- إيجاد الشرعية لضربها وإنهائها، والتحرش بها عبر وصمها بالألقاب الآتية: الأصولية، الإرهاب، المتاجرين بالدين، أصحاب العاهات العقلية والنفسية.
6 - إضعاف السند والالتفاف الشعبي حول الدعوة - أو استخدام سياسة الاستفراد بالجماعات باستثمار أخطائها.
وفي مقابل هذه العداوات المرصودة وبكل شراسة ضد جماعات الدعوة الإسلامية نجد تشرذم البيت الإسلامي وانشغاله بقضايا بيئية، بينما الواقع المعاش لأمة الإسلام يلقي بأحمال وتبعات ثقيلة على دعاة الحق، وإنه لينوء بها من ينوء إلا ذوي العزائم وكبار النفوس المتوكلين على ربهم.
المطلوب:
1 - مرجعية علمية وعملية واحدة، أو معالجة أحوال النخبة:
من الاهتمامات الكبرى الضرورية في الدعوة المعاصرة تشكيل المرجعية العلمية والعملية الواحدة بمعالجة أحوال النخبة من علماء وطلبة علم ليمثلوا حالة الوحدة في المرجعية العلمية وضبط منهجية العمل الدعوي ومقاربتها في إصلاح الواقع في تصوره ومطالبه، وفقه التعامل والإنزال فيه، ومعالجته معالجة منهجية بعيداً عن الفوضى والارتجال العلمي والعملي التي يعاني منها الواقع الإسلامي المعاصر الذي أدى إلى ظهور تيارات مغالية أو مجافية، وبدون أفكار نشاز زادت من أزمة البيت الإسلامي؛ حيث انطلقت من رد فعل أزمة الواقع واتساع مطالبه وفقدان المرجعية الموجهة والضابطة علماً وعملاً. إن توحيد أو مقاربة المرجعية العلمية القائدة هي نقطة أولى لرأب الصدع وتوحيد الجهود.
2 - مراجعات منهجية في العلم والعمل:
مما يؤدي إلى سلامة مسلك الدعوة في أقوالها وأفعالها تحريرُ منهاجها على قواعد وضوابط وأصول أهل السنة والجماعة: العلمية والعملية، ثم يتبع ذلك مراجعات منهجية في جانب العلم والتصور والفهم؛ لئلا يحيد عن الوسط ويصاب بعاديات البدع والانحراف؛ فإن الأصول ربما تكون سليمة ولكن تعتري العلة بعض الجوانب أو بعض المسائل التي توجب فتنة للاختلاف والشقاق فيها، وقد تكون تلك من الآثار التي عبر عنها ابن تيمية - رحمه الله - تعالى - نتيجة المعصية، وهي: خفاء الحق عند أقوام أو أحوال ومواطن فيضيِّقوا ما وسَّع الشارع، أو يتوسطوا فيما ضيَّق فيه من الحرام، ولاشتباه الحق بالباطل تقع الفتن(1).
فلا بد إذاً من تنقية المنهج العلمي وتصحيح المسلك العملي ومراجعته ليكون على مشروعية صحيحة، كما أنه يجب أن نستوعب قواعد السياسة الشرعية وأصولها في النظر إلى الوضع القائم وتقييمه، وفي ضبط مسلك الدعوة في الواقع المحيط بمختلف مكوناته العضوية والعلمية والفكرية دوراً وموقفاً نتوخى في ذلك كله جلب كل صلاح مستطاع ودرء كل فساد مقدور عليه، ولنؤمِّن طريق الدعوة من المعارك الاستنزافية التي يكيد بها الخصماء، والتي تفقد فيها كثيراً من القدرات والطاقات، وتهدم فيها المكتسبات.
3 - تجديد خطاب الدعوة المعاصرة وإصلاحه:
الذي يتابع خطاب النبوة في عصر الدعوة الأول يرى تنوعه وتطوره بحسب المراحل التي تمر بها الجماعة والمطالب التي تقتضيها المرحلة؛ فالخطاب في مكة غير الخطاب الموجه في المدينة، والخطاب في المدينة ممتد عن الخطاب الموجه في مكة تفصيلاً وتوضيحاً وإضافة(2).
والواقع المعاصر أشد حاجة إلى هذا التنوع والمرحلية في الخطاب لتلبية حاجات المرحلة ومطالب الواقع في الأعيان والأحداث والأحوال تنوعاً ينتظم تحت دائرة كلية واحدة يقتضي بعضها بعضاً وتتضافر فيها المفاهيم في مسلك واحد ولتحقيق غاية واحدة وهي تحقيق العبودية لله. إن تجديد أساليب الخطاب المعاصرة وإصلاحها لتعالج قضايا الأمة وفق منظور شرعي واستراتيجية عملية ناضجة ضرورة لتحقيق التغيير الإسلامي المنشود، وإن أشد ما يعاني منه الواقع الدعوي المعاصر ذلك الخطاب الذي يعرض صورة منحرفة أو جزئية ناقصة أو سطحية تنطلق من رأي هذا أو ذاك، أو فهم هذا أو ذاك مقدماً على الحق كما أن الخطاب الذي اقتصر على مرحلة أو جزئية معينة وثباته حولها عامل من عوامل الشلل الدعوي، وهو ما يفسر موت كثير من الأنشطة الدعوية المعاصرة وتجاوز الزمن لها.
4 - بناء الكفاءات والقدرات:
إن مراعاة البعد الزمني للدعوة تتطلب الإعداد الضروري الذي يؤهل للوصول إلى المستقبل المُستَشْرَف، وكل مرحلة وطور لها متطلباتها ووسائلها التي ينبغي الإعداد لها، وكل مرحلة تؤدي إلى الأخرى في تتابع وانتظام ثابت؛ فالذي يجب أن يرافق الاستشراف المستقبلي إعداد وتطوير الوسائل والإمكانات والقدرات التي تشكل ذلك المستقبل المتطور وتصوغه.
إن كثيراً من الفروض العامة غائبة لغياب المؤهلين الذين يقومون بها مما أقعد الأمة عن ممارسة دورها الحضاري، وهذا لا يُعفي العاجزين عن أدائها، بل يُلزمهم أمراً آخر وهو تهيئة القادرين عليها ودفعهم لإتقانها(3)؛ فإن الأفراد قد جُبِلتْ فيهم خَلْقاً مختلفُ القدرات والإمكانات الذاتية التي يُسِّروا لها (فكل ميسر لما خلق له) فإما أن تموت فيهم، وإما أن تحيا فيهم فيكون لها دورها في حياتهم وفي حياة أمتهم؛ فلذلك لا بد من العناية بالتنشئة السليمة لناشئة الإسلام التي تُخرج فيهم كوامن القدرات والطاقات، وتسعى إلى بنائها وتطويرها، وتدفع بكل واحد إلى ما هيئ له بوفور القدرة عليه ليحوز العلوم والآداب التي تناسب ما هو ناهض به، وإن تأهل لغيره أُعِينَ عليه.
إن الدعوة الإسلامية المعاصرة تفتقر إلى كثير من القدرات والمؤهلات والبناء الداخلي المؤسس، مما يؤدي إلى ثغرات وعوامل ضعف فيها في المرحلة الراهنة، وتلك القدرات هي أهم ما تفتقر إليه القيادات الدعوية الرشيدة التي تملك قدرة التأثير وزمام المبادرة في القيادة والإصلاح والتربية. ومما يؤخذ على الجماعات الإسلامية المعاصرة عندما تخوض المعترك السياسي أو المعترك العسكري أنها تضعف أو تشل قدرتها في التربية والإصلاح، وتتناقص عضويتها الصفوية، وتتحول إلى تيارات شعبية عامة، مما ينحرف بمسارها وتتحول أهدافها وتفقد هويتها.
وأخيراً:
هل يعي دعاة الحق ويتفهمون تحديات الواقع وينهضون قياماً بالواجب وإصلاحاً في الأرض؟ إن القيادات والدعاة الربانيين هم أدلاَّء الخير وقادة الإصلاح، تعلو بهم راية الحق وتبطل بهم رايات الباطل، والأرض الإسلامية عموماً خصبة تنبت ما يزرع فيها نبتاً صالحاً، وقد توارت كثير من رايات الباطل إما زوالاً وإما كيداً خفياً من وراء الشعارات الإسلامية. وإن كانت الأرض مهيأة لقبول ما يزرع فيها فثمة تحدٍّ يتمثل في فقدان دعاة الحق؛ وهي حال قد تدفع بالتيار العام للانحراف وراء دعوات خبيثة أو إمامات ضعيفة ناقصة تؤدي إلى فتنة داخلية؛ فإن ما يلحظ أن كثيراً من التيارات المتغربة التي تلبس لبوس الإسلام وأخرى باطنية خبيثة لها مبادراتها وطروحاتها وأفكارها تعالج بها كثيراً من قضايا الواقع وتنتج كمًّا هائلاً من الفكر مما يلقي بثقله على أصحاب الحق من الواجبات العظيمة التي تنوء دونها الجبال.(2/111)
إن تعقُّد الواقع وامتداداته الداخلية والخارجية تستوجب من أهل الدعوة أن يكونوا في مستوى المطالب والمقاصد فهماً وهمة وإصلاحاً وعملاً وتضحية وتخطيطاً وتنظيماً للجهود والطاقات؛ فإن إصلاح الأمة إنما يتم بجهاد وحركة علمية ناضجة ونشطة تجدد ما اندرس من معالم النبوة وآثارها، وتبعث مناهج السلف وأصولهم وهديهم علماً وعملاً وممارسة وسلوكاً. ومن الله وحده العون وعليه التكلان.
ـــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) يراجع الفتاوي، 14/ 147.
(2) يراجع الفتاوي، 15/159، والموافقات 2/62.
(3) الموافقات، 1/121.
رمضان 1420، يناير 2000.
http://albayan-magazine.com المصدر:
=============
لن أعيش في زمنكم
حسن عبد الحليم
كلماتنا لا تلقى الترحاب
هم يريدون مهرجين يضحكونهم
حتى يسيل اللعاب
أو حتى يختنقوا
ويسعلوا من فرط الضحك
ويشيرون إلينا في غمرة ذالك بالبنان
يريدوننا مهرجين
لتعديل مزاج نسائهم
الأتي يتثاقلن
عندما تطلب شهواتهم الوصال
يريدوننا مهرجين
لا نعكر استرخاءهم
بأحوال البلاد
لا شأن لهم بما نقول...
ليس ضمن اهتماماتهم
الوطن والعباد
سيخبرون أصدقاءهم
كم كنا مضحكين
وكم كنا جيدين
وكم كنا مهرجين
يريدوننا مهرجين فتعلموا
فن التملق والتهريج والنفاق
أو ابحثوا لكم
عن مكان أخر
أو عن زمن آخر
فقد آن أوان الفراق
هذه استقالتي أقدمها لكم
يا معشر الفارهين الفارغين
فأعينوني على غبائي
واعذروني
فلن أقبل العيش في زمنكم
زمن التهريج والنفاق
http://www.d-alyasmen.com المصدر:
=============
تحذير ونذير يسابق الزمن ...
" حقائق غائبة من قلب الحقيقة "
إنَّ الوصولَ إلى حقائقِ الأمورِ يُعدُ ظفراً كبيراً، ونصراً على الضبابيةِ مؤزراً، ولو كانت الحقيقة مراً وعلقماً، ولا يشكُ العاقل أن إجلاء الحقائقِ، وتجسيدَ صورِها ومعالجتها من المهمات الصعبة جداً، من حيث الانتصار على النفسِ، والسير في طلب الحقيقةِ بتجردٍ من العاطفةِ والتقليدِ، وطُلَّاب الحقائق هم فئام من صفوةِ الخلقِ، كالقلبِ موضع النظر ومحط القرار.
* تتجلى حقائق:
إنَّ حالَ الأمةِ اليوم لهو حري بتتبعٍ لا يفتأ صاحبه ليصلَ إلى حقيقةِ أمرِ الهوانِ والذلِ دون أن يُخفي عن أمته ما يهوي بها إلى سحيقِ المستقر، وموطئِ القدم، ومن سبيلِ المهانةِ، وطريقِ الذلة، تخرج هذه الصرخات بالحقيقة من واقعها المر، لِتُعلِمَ الأمةَ بأمرٍ لا يقبل النقاش لأنه حقيقة، وإن كَثُرَ حوله الجدل، فهو وثيقة سالمة من العِلل.
* بين يدي الحقائق:
أُخرج آدم من الجنةِ بذنبٍ، وأُغرقَ قوم ببعض ذنوب، وخُسِفَ بأمةٍ، ومُسِخَ قوم بسبب حيلتِهم على شرعتهم إلى قردة خاسئين، انهارت دول، ودمرت أخرى، وقُذِفَت أمم وماتت أخرى، كل ذلك بذنوب قال الله: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا)
وقال: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ)
وقال: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً)
* الحقيقة الأولى:
إن الذي سَلَمَ رِقَابَنا إلى أيدي الكفار ليس الغرب أو الشرق، ولكن للأسف [نحن] حكاماً ومحكومين فسلط الله علينا ذلاً وعد أن لا ينزعه حتى نرجع إلى مُرَادِه قال - صلى الله عليه وسلم - " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " فتبايعنا بالربا، وركوننا للدنيا، وتركنا للجهاد، هذا سبب التسلط، والحقيقة أن كل ذلك فينا واقع وحقيقة.
* الحقيقة الثانية:
نحن نحارب الإسلام حرباً ضروساً لا هوادة فيها، فقد بلغ التنصير مبالغاً مهولاً، وانتشرت الأفكار الهدامة انتشاراً مرعباً، وبلغ الفساد الأخلاقي مبلغاً محرقاً، ولو سألت ماذا خصص الوالي والتجار والمقتدر من ماله لحربِ هذا البلاء على فرض عدم القدرة على الجهاد والزمن زمن دعوة؟ لوجدت الوالي سَهَلَ بل بعضهم دعا، والتاجر استثمر، والمقتدر تقهقر، وعلى الذوات والشهوات الصرف بغير حساب، ومن حقوق أهل السنة والكتاب، فلذلك يذكر ابن حزم - رحمه الله - تعالى - حال هؤلاء الولاة وأنهم سبب كبير في سقوط الأندلس فيقول: (والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم بادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنوهم من حُرَم المسلمين وأبنائهم... وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس) انظر رسائل ابن حزم 3/176 أقول فسبحان الله كأنه يتكلم عن عصرنا فلله الأمر من قبل ومن بعد.
* الحقيقة الثالثة :
لسنا اليوم أولياء لله، ودليل هذا أنه من كلامه - عليه الصلاة والسلام - قوله: [إنه لا يذل من واليت] وقد وقع الذل الفاضح علينا إلا الثلة المجاهدة في سبيله، بل نحن أولياء الملذات، وسادات الشهوات، أبطال الألومبيات، ورجال السفريات بين ديانا بريطانيا، ورافعة لواء العفاف ديانا كرازون، ولك أخي أن تتصور سفالة الحال في ترشيح كرازون حيث بلغ عدد الناهقين بترشيحها كأفضل مغنية أكثر من خمسين مليون مسلم، والذين عارضوا الحرب على أفغانستان والعراق أربعة ملايين فقط!!، ويُستقبل ثاني بطل أكاديمي بثلاثين ألف منهم الحاضنات ومِنَ الرجالِ مَنْ ألحقَ نفسه بِتاءِ التأنيث، أو ياءِ المخاطبةِ وبهتافاتٍ باكيةٍ وكأنه محمد بن القاسم فاتح السند والهند فلله الأمر من قبل ومن بعد.
* الحقيقة الرابعة:
لابد من الملحمة مهما تأخر وقتها، فقد بدت أشراطها، وبرق في الأُفقِ حسامها، فبما أن الأمم من قبلنا أصابهم الله بذنب، وببعض ذنوب، فقد جمعت الأمة اليوم والأمم جمعاء كل الذنوب، ليذهب الرعاع، ويتلاشى الجُفاء، ويبقى ما ينفع الناس، وتكون العاقبة لوعد الله القاضي باستخلاف المتقين، فماذا نقول ربا بلغ ذروته، وعمالة وصلت منتهاها، وتفسخ أخلاقي نال الأمهات والأخوات، وفضائيات ما تركت للمسلمين بيتاً إلا ولعنته إلا من رحم الله، البيوت فساد، والشوارع فساد، والعمل فساد، والتعليم فساد، والسياسة فساد، والاقتصاد فساد، ورأس هذا فساد في التوحيد بسبب تفشي الشرك بكل أشكاله، والبدع بكل ألوانها، حكم الله مزدرى، وشرعته مقلاة، وكتابه قُدست أوراقه وقتلت أحكامه، يُرجع للكتاب حال موافقة الهوى ويُستظهر أو يخترق حده إذا هدد الهوى فلله الأمر من قبل ومن بعد.
* الحقيقة الخامسة:(2/112)
وجهت قوانا لبعضنا، وكفينا العدو مؤنتنا، وعلا بعضنا على بعضٍ فيا لها من كارثة مستطيرة، ومصيبة مستشرية حارقة خطيرة، وإني أُذَكِّرُ قومي بحقائق من التاريخ معتبرة، يَتعِضُ بها أصحاب العقول النيرة، والنوايا الصالحة الخيرة، عندما فشى الفساد في بخارى، واستهان الناس بشرعة الله، سلط الله عليهم قوارع أعدمت كل جميل يُذكَر، وانتزعت منهم كل نعمة تُخفى أو تُشهر، مُلأت شوارعهم دماء، ورَمَّت مساكنهم بالأشلاء، فأنطق الله الكُفَار على آثامهم شهداء، فهذا عدو الله جنكيز خان لما دخل بخارى صعد المنبر من يوم الجمعة في موضع الخطيب ولم يبق من أهلها إلا ما يقارب الثلاثمائة ومع أنه كافر بالله قال: " يا قوم فاعلموا أنكم قد ارتكبتم جرائم بشعة، واقترفتم آثاماً كثيرة، ومن جملة تلك الجرائم والآثام ما فعله أمراءكم، فإن سألتموني عمن أكون الذي أخاطبكم؟ وعلى أي دليل أقول هذا الكلام؟ : أجبتكم أني سوط الله الذي بعثني إليكم، لأنزل بكم عقابه على جرائم اقترفتموها، وآثاماً ارتكبتموها، ولو لم تستحقوا ما نزل بكم من عذاب لما أرسلني الله إليكم ")) انظر تاريخ فاتح العالم 1 / 117 أو يأجوج ومأجوج فتنة الماضي والحاضر والمستقبل لـ د. الشفيع الماحي أحمد
* الحقيقة السادسة:
أمة أوكَلَت حِماها لبعضِ حسناتِها التي تُعد قطرات في مستنقعات سيئاتها، فترى من يقول نحن أحسن من غيرنا، ويُعدِد لك بعض المحاسنِ التي تنبِئك قرائن من سيِئاتِهِم أن أكثرها يعتريها سقم أكل قوامها وثمرها، وقد قال قوم من قبل وتباهوا ببعض عملِهِم الحسن ليكون لهم حمى، فرد القرآن عليهم بأنها لا تمنعهم العذاب قال الله: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقد سَألت أم المؤمنين زينب - رضي الله عنها - الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقولها: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث) وأعجبتني هذه الوصية من هذا الخليفة الموفق عمر بن عبد العزيز لبعض عماله عندما قال: فَإِنَّ الذُّنُوبَ أَخْوَفُ عِنْدِي عَلَى النَّاسِ مِنْ مَكِيدَةِ عَدُوِّهِمْ، وَإِنَّمَا نُعَادِي عَدُوَّنَا وَنَسْتَنْصِرُ عَلَيْهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لَنَا قُوَّةٌ بِهِمْ، لأنَّ عَدَدَنَا لَيْسَ كَعَدَدِهِمْ، وَلَا قُوَّتُنَا كَقُوَّتِهِمْ، فَإِنْ لا نُنْصَرْ عَلَيْهِمْ بِمَقْتِنَا لا نَغْلِبْهُمْ بِقُوَّتِنَا، ولا تَكُونُنَّ لِعَدَاوَةِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَحْذَرَ مِنْكُمْ لِذُنُوبِكُمْ، وَلا أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْكُمْ لِذُنُوبِكُمْ...... (وَلا تَقُولُوا أَنَّ عَدُوَّنَا شَرٌّ مِنَّا)، وَلَنْ يُنْصَرُوا عَلَيْنَا وَإِنْ أَذْنَبْنَا، فَكَمْ مِنْ قَوْمٍ قَدْ سُلِّطَ - أَوْ سُخِطَ - عَلَيْهِمْ بِأَشَرّ مِنْهُمْ لِذُنُوبِهِمْ.. رواه أبو نعيم في الحلية برقم (7502) .
* الحقيقة السابعة:
أمةٌ تسعى للتخلي عن الواجباتِ الشرعيةِ، وذلك باختلاقِ مسبباتٍ منكرة، وأمورٍ في الفطرة مستقذرة إلا من - رحمه الله -، ولكَِ أكبر شاهدٍ من تاريخِنا المعاصرَ مع الأحداثِ الأخيرةِ، وما كان فيها من خطأ، ترى الكثير من أنكر الجهاد برمته ولم يبق أو يذر فكل جهاد في الدنيا هو من شأن من سموهم " الإرهابيون " فتسمع العِواء من كل بلاد العالم، وتطاولت أعناق النفاق بأبواق الأعداء بقولهم ألم نقل لكم؟! ألم نخبركم؟! ولم يستثنى من ذلك أحد حتى في فلسطين، وفي العراق، وأفغانستان، وفي كل الثغور، فلم يَعُدْ هناك مجاهد يحمل للإخلاصِ راية، تلاشت قضية الأمة، ورُفِعَ عنها الواجب، ومسحَ فرض الجهادِ، كل ذلك بسببِ بعضِ المماسكِ، وواللهِ لزوال الدنيا أهون عند الله من طمسِ فرضٍ فرضَه، وما نراه ونسمعه لا شك أبداً أنه يُجَسِّدُ مدى الغثائية التي تُكوى الأمة بحَرِ اعوجاجها، وفقدان المرجعية التنظيرية إلا في قلة ابتلعتهم الضبابية القاتمة عن مسرح الأحداث يُصارعونها بلمع كلماتٍ تخرجُ إلى الأمةِ مجهدة، وهذا منهجُ أعداءِ المِلةِ قديماً وحديثاً فيُحَمِلوا خطأ أبناءِ الإسلامِ الإسلام نفسه لينالوا منه لِيَهون عند مريديه، ويقدموا التنازلات عن بعض فرائضِه وواجِبَاتِه، وليس العجيب أن نرى هذا من الأعداءِ، ولكن العجبَ أن نسمَعَه ممن لهج بلُغتِنا، ودان بِمِلتِنَا؛ والقولُ أن نقولَ لهم: كم من الشجبِ والتنديدِ سمعناه منكم على مر عقود من الزمان وكانت ثمرته لا حراك (أسمع جعجعة ولا أرى طحينا) فالنهيق لدينا معلوم، وغايته مفهومة، فلقد علَّمتنا هذه العقود من الزمن أن عِواءكم، وسكوتكم سواء، ولو كان لصرخاتكم ومض صدى لرأينا آثارها في فلسطين قبل أن تحمل بِجِيلِنا الأرحام!! ولو باليناكم لهان علينا ديننا من أيام القوة الكنسية .
* وقفات مع الغثائية:
ماذا جنت أفغانستان من عواطفنا؟ وماذا حصدت فلسطين من مظاهراتنا؟ وماذا نال العراق من صرخاتنا؟ أقول: لا شيء، ومن هنا يتبين لك من نحن! نحن اليوم لا شيء فعواطفنا وصرخاتنا لها فلك تجري فيه وهو فلك من دخله كمن لم يدخله واستثني الثلة.
* خاتمة:
قد يقول قائل أهذه رسالة يأس؟! أقول بل هي صفحة أمل ولكن بعد الخلاص من الغثائية ولأجل تجسيد صورة جلية تفجر الآفاق وضوحاً أسأل هذا السؤال الطويل المُفَقَّر وهو هل هناك استعداد لدى من بيده الأمر أن يتخلص من سخط الله وغضبه ووعدِ عقابه المتمثل في البنوك الربوية؟ الجواب لا.
وهل هناك استعداد لإغلاق القنوات الإباحية؟ الجواب هذا حلم.
وهل هناك استعداد لترك العمالة الغربية؟ الجواب أبداً.
وهل هناك استعداد لتطبيق الشريعة الإسلامية على مراد الله؟ الجواب محال.
وهل هناك استعداد لإعادة الدول الإسلامية المحتلة؟ الجواب خيال.
وهل هناك استعداد لفتح الحدود لمتطوعي ومريدي الجنة للجهاد في الأرض المحتلة؟ الجواب خيال.
وهل هناك استعداد لحضرِ ومنعِ وقَمعِ كلِ القنوات والمشارب التي تقوم بإفساد الأمة، ونشر النور الرباني دعوة صادقة مدعمة بسطوة السلطة لأجل تربية الأمة وإنقاذ الأجيال من الانسلاخ في سحيق الثقافة الغربية والشرقية التي تجرها إلى سرعة العقاب وشديد العذاب؟ الجواب لا.
إذاً نحن لا نريد طاعة الله نعم لا نريد هذه هي الحقيقة باستثني طائفة على الحق ظاهرة تقاتل عليه، وبالمقابل هناك استعداد لاستقبال كل فساد، ودون أي ممانعة، وعلى جرعات متشكلة، وفي قوالب حضارية، وأحياناً دينية، فسفينتنا إلى مزيدٍ من الربا، إلى مزيدٍ من العمالة، إلى مزيدٍ العلمنة، إلى مزيدٍ من الإباحية، إلى مزيدٍ القوانين الغربية، إلى مزيدٍ من التبلد، والغثائية والإنحطاطية، والبعد عن الشرعة الربانية، الرسالة النبوية، وأعان الله من يلاطم الأمواج في قلب السفينة فهو بين لطمات الأمواج ولطمات السَّفَّان والرُكبان .
* أمل:
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة . رواه مسلم وغيره واللفظ له.
7 /3 / 1425 هـ
http://www.awda-dawa.com المصدر:
==============
زمن الهوان العربي(2/113)
كمال السعيد حبيب
حاولت الرجوع إلى أقرب قاموس لغوي لمطالعة معنى "هان" ويهون؛ ذلك لأن ما يحدث في الواقع العربي المعاصر أبعد بكثير كما نتصور عن معنى الهوان في القواميس اللغوية. وتدور معاني الكلمة حول الذل، والسهولة، والخفة، وكأن وضع اللغة العربية كلغة كريمة عزيزة تعرضت باستحياء لمعنى الهوان لحد أنني وجدت صعوبة في العثور عليها، ولأنني مهتم بأن مدخل اللغة هو أحد أهم المداخل لفهم الواقع السياسي والاجتماعي؛ فإن مادة "هون" تعطيك تفسيراً لما يجري وما جرى في قمة شرم الشيخ والعقبة فالقاموس يقول "هان فلان" أي ذل، وهان الشيء على أهله أي سهل عليهم وخف فهو هين، وهون الشيء أي سهَّله وخففه، وهون الأمر أي استخف به، وتهاون بالأمر أي استخف به أيضاً. فأنت تجد أن معنى الهوان يجسد في الواقع بأكثر مما شرحته اللغة وفسرته، فالهوان العربي أي الذل الذي يجعل القادة العرب لا يملكون مقاومة من يستهين بهم إلى حد أن يعظم ويمجد آلام العدو وقيمه كما فعل "محمود عباس" حين تحدث عن آلام اليهود وعذاباتهم دون أن يشير إلى عذابات قومه وآلامهم أو دون أن يشير إلى أن هذه العذابات هي بسبب ممارسة الوحشية ضد أهله وبني قومه.
ثم الهوان والذل مرتبط أقوى ارتباط بالتفريط والاستسهال؛ فالذليل لا يمكنه المدافعة ولا المقاومة كما أنه لا يشعر بقيمة ما يملكه، وإذا شعر فإنه لا يملك إرادة الدفاع عنه. وأنت تلاحظ ذلك في قمة شرم الشيخ والعقبة حيث التفريط والاستسهال من الجانب العربي إلى حد لا يمكن تصديقه، فأبو مازن يتحدث عن ضرورة إنهاء "عسكرة الانتفاضة"، والرئيس المصري يتحدث عن "ويلات الإرهاب الموجه ضد الإنسانية"، و"رفض ثقافة التطرف والعنف في أي شكل كان" - فأي استسهال أكثر من هذا.. وهو استسهال يصل إلى حد التبعية الفكرية والقيمية للعدو حتى تبدو كلمة "الإنسانية" وكأنها ضد الإنسان العربي والفلسطيني؛ فلماذا الإرهاب الموجه ضد الإنسانية..؟ وماذا عن الإرهاب الصهيوني الموجه ضد الإنسان الفلسطيني بعامة، من الطفل الذي لا يزال في رحم أمه؛ وحتى الشيخ الهرم الذي كاد الموت أن يقبضه؟ الإنسانية هنا كلمة مراوغة تعني الإنسانية من المنظور الأمريكي والصهيوني؛ فالإنسان هو الرجل الأبيض الذي يدين بالمسيحية واليهودية.
إنها مركزية "الأنا" ذات الطابع العنصري الاستيطاني الوحشي الذي دشنته أمريكا ضد الهنود الحمر ثم الصهيونية في فلسطين. إننا بإزاء حالة نفسية عربية جوهرها شعور عميق بالذل والحقارة صاحبها استسهال لكل القيم العزيزة والغالية؛ بل واستخفاف بها.. لم يعد شيء يستحق أن نناضل من أجله أو نحافظ عليه بعد شعورنا بالذل والحقارة.. هكذا النفسية العربية التي تعاملت مع واقع قمة شرم الشيخ والعقبة لحد أن هذا الشعور بالذل والاستسهال والاستخفاف جعل "بوش" يتعامل مع القادة العرب بروح بيت الشعر العربي "من يهن يسهل الهوان عليه".
وفي الواقع فإن خارطة الطريق هي خريطة "تعميق" الهوان العربي، وكأن الأمريكان والصهاينة يؤسسون لمدرسة الهوان العربي التي لا تعرف المقاومة ولا تملك روحها، التي تسترخص كل الأشياء فإذا بها تهدرها حتى دون أن يطالبها عدوها بذلك. فأي دولة تلك التي يتحدث عنها "بوش" وهي فضلاً عن كونها شيئاً غائماً لا يزيد عن 6% من مساحة أراضي الضفة وغزة فإنها قادمة عام 2005م وإلى جوارها دولة يهودية مفعمة بالحياة والحيوية كما تجرأ بوش وأعلن ذلك في قمة العقبة. إننا في العالم العربي بإزاء عالمين من القيم.. قيم العزة والكرامة والتضحية من أجل حياة الأمة وبقائها، وقيم الهوان والاسترخاص والاستسهال والذل والشعور بالحقارة وأنه لا مستقبل وراء مجرد المصالح والكراسي والبقاء الفردي الذاتي. وتقف أمريكا لحماية من ينشرون معاني الهوان ضد الذين يقاومونه.
قمة شرم الشيخ:
كان الشعب المصري ولا يزال ضد "مقدم" بوش الابن الأول إلى مصر وهو ضد ما جاء لتدشينه في "شرم الشيخ"، التي أصبحت عنواناً على المطبخ الخلفي الذي تملى فيه إرادة الأعداء وتحاك فيه المؤامرات والبيانات ضد قيم الأمة العربية والإسلامية. عنوان شرم الشيخ هو تعبير عن العزلة وتعبير عن الهوان والاستسهال أيضاً؛ ففي عام 1996استضافت شرم الشيخ قمة مثلت أول جبهة عالمية ضد المقاومة الإسلامية في فلسطين ووصفتها بالإرهاب، وبعدها بدأت حماس عملياتها الاستشهادية لتأكيد حقها في المقاومة والدفاع والمدافعة، وتأتي قمة شرم الشيخ في 3 يونية لتتماس بقوة مع قمة شرم الشيخ الدولية عام 1996ولكن هذه المرة بحضور عربي وإملاء أمريكي، أي أن أهل البيت العربي نفسه هم الذين يملكون الطرف الرئيس في اعتبار المقاومة ضد المحتل إرهاباً، لا ليس هذا فقط بل وكما قال الرئيس المصري في بيانه: "سنستخدم قوة القانون لمنع وصول الدعم إلى المنظمات غير الشرعية بما في ذلك الجماعات الإرهابية"، والمعلومات تشير إلى أن "بوش" حاول فرض ذكر "حماس" و"الجهاد" بالاسم لكنه لم يفلح في ذلك لأن الدول العربية لا يمكنها في بيان رسمي أن تعتبر "حماس" و"الجهاد" منظمات إرهابية لأنها منظمات مقاومة مشروعة وهي التي تحمي الأمن القومي العربي بما في ذلك أمن مصر على الجبهة الشرقية. وكما هو معلوم فإن قمة شرم الشيخ والتي حضرها من الجانب العربي، السعودية والبحرين ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية ممثلة في محمود عباس ظلت معلقة لمدة ساعتين لمقاومة الضغوط الأمريكية التي فرضت إملاءاتها على الحكام العرب، ووصف "بوش" بأنه جعل مجريات الأمور في قمتي شرم الشيخ والعقبة تسير على هدى ما يفعله راعي البقر مع ماشيته، وتحدثت تقارير صحفية عن أن بوش قال وهو في طريقه إلى الدوحة للصحافيين على طائرته الرئاسية: "استخدمت تعبير راعي القطيع ولا أعلم ما إذا كان أحد فهمها في الاجتماع الأول".
ومن المثير للأسى أن يرفض السفاح شارون الحضور إلى شرم الشيخ حتى لا يمنح جائزة إلى مصر، حتى لا يعزز دورها في عملية التسوية السياسية؛ ففي صحيفة "يدعوت أحرنوت" تحدثت عن كواليس القمة وقالت: "مبارك استلم إشعاراً من واشنطن وأعلن على الفور "ليس عندي مانع من استضافة شارون في شرم الشيخ"؛ إلا أن أحد مساعدي بوش صرح بأن عقد القمة هو جائزة للمستضيف وبالتالي تقرر تقسيمها مناصفة بين مبارك والملك عبد الله، مبارك حظي بشرم الشيخ بسبب دوره في الوساطة الفلسطينية لوقف العمليات، أما عبد الله فقد حظي بجائزته إثر التسهيلات التي قدمها للأمريكيين خلال حربهم في العراق، وتتحدث صحيفة هاآرتس عن أن السفاح رفض الذهاب إلى شرم الشيخ حتى لا يسهم في تضخيم قوة مبارك، ولأن مبارك وعده بزيارة مصر بعد تشكيل الحكومة لكنه لم يف بوعده مما أغضب السفاح.
وحاولت أمريكا أن تفرض عملية تطبيع كاملة بين الدول العربية بما في ذلك السعودية كهدنة للكيان الصهيوني لكن العرب تحدثوا عن أن مبادرة ولي العهد السعودي تتضمن ذلك، وتتحدث المصادر عن أن مصر والأردن يختاران سفيريهما للعودة ثانية إلى الكيان الصهيوني، وقال مبارك إنه لا يوجد أي مشكلة في تعيين سفير جديد لإسرائيل طالما أن هناك بوادر عملية لتطبيق خريطة الطريق الأمريكية.
بيانات شرم الشيخ:(2/114)
في قمة شرم الشيخ ألقى بوش بياناً وألقى مبارك بياناً عن الطرف العربي، وفي بيان مبارك - وهو الأساس في المسألة - رحب بالالتزام الأمريكي بتطبيق خارطة الطريق وطرحه لرؤية إقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان في أمن وسلام، وهذا كان جزءاً من الديباجة التي أشارت إلى القرارات الدولية السابقة ومبادرة ولي العهد السعودي، وفي المضمون قال البيان: "نحن نؤيد إصرار السلطة الفلسطينية على الوفاء بمسؤولياتها في إنهاء العنف وحفظ الأمن والنظام الذي أعلنه رئيس الحكومة محمود عباس، وسنستمر في دعم جهود السلطة الفلسطينية نحو الالتزام بتعهداتها لتمكينها من تثبيت سلطاتها في إطار مؤسسات ديمقراطية مسؤولة" وأضاف البيان: "وسنتأكد من أن مساعداتنا لفلسطين ستوجه فقط إلى السلطة الفلسطينية"، وسنستمر في محاربة ويلات الإرهاب الموجه ضد الإنسانية، ورفض ثقافة التطرف والعنف في أي شكل كان ومن أي مصدر انطلاقاً من أي مكان بصرف النظر عن الدوافع والتبريرات إدراكاً منا لمخاطرها كوباء يهدد الأمن والاستقرار في العالم أجمع"، "سنستخدم قوة القانون لمنع الدعم عن المنظمات غير الشرعية بما في ذلك الجماعات الإرهابية"؛ أما بيان بوش فقد قال: "أسعدني أن أقف مع قادة العرب الملتزمين بهذه المبادئ وأن كل تقدم نحو السلام هو رفض للإرهاب. وأعلن الزعماء رفضهم الثابت للإرهاب بصرف النظر عن مبرراته أو دوافعه.. استخدموا كل الوسائل لقطع كل المساعدات بما فيها الأسلحة والتمويل لأي مجموعة إرهابية"، والتزموا بمساعدة السلطة الفلسطينية في حربها ضد الإرهاب؛ فالإرهاب يهدد أمريكا والدول العربية وإسرائيل ويهدد إقامة الدولة الفلسطينية، وهناك ضرورة لمواجهته وإلحاق الهزيمة به"، وبالفعل فنحن أمام بيان يستجيب للمطالب والإملاءات الأمريكية وبيان يقول "الاستجابة للمطالب الأمريكية والسعي في ركابها سوف يقدم لكم الحماية والاستمرار في الزعامة"، ويبدو أن أمريكا بالفعل ترى أن الجلوس إلى بعض الزعماء العرب هو جائزة لا يجب أن تمنح إلا لمن يطأطئ رأسه لكافة المطالب التي يتقدم بها الإمبراطور الأمريكي. وبشكل عام يمكن القول إن البيانات أكدت الآتي:
أولاً: إضفاء الاعتراف بالاحتلال الأمريكي للعراق عبر اعتبار القرار 1483وسيلة مفيدة للوصول إلى إجراءات إعادة الإعمار والحفاظ على حدوده ووحدة أراضيه وهذه أول مرة في التاريخ العربي والإسلامي يتم الاعتراف رسميًا بالاحتلال الخارجي لأرض عربية.
ثانياً: اعتبار حماس والجهاد منظمات إرهابية غير مشروعة ومن ثم منع الدعم عنها بكافة أشكاله.
ثالثاً: دعم السلطة الفلسطينية في شن حربها على منظمات المقاومة.
رابعاً: رفض ثقافة التطرف والعنف في أي شكل كان وهو ما يعني إمكان اعتبار الدعوة للمقاومة ضد المحتل الأمريكي أو الصهيوني بأي شكل كان سلمي أو عسكري تطرفًا وعنفًا يجب أن يواجه ويحاصر ويحاكم.
خامساً: تأسيس حلف في المنطقة تقوده أمريكا والكيان الصهيوني والدول العربية التي تتبنى القيم الأمريكية لمواجهة "الإرهاب".
بيانات العقبة: ألقى كل طرف مشارك في قمة العقبة بيانه، ولا يوجد في بيان الملك عبد الله شيئًا ذا قيمة لكن بيان السفاح شارون أكد على أن فلسطين / إسرائيل هي مهد الشعب اليهودي وأن مسئوليته الأولى هي أمنها دولة وشعباً وأنه لن يساوم مع الإرهاب حتى هزيمته، وأشار إلى أن مصلحة إسرائيل هي في حكم الفلسطينيين أنفسهم في دولة خاصة بهم لكن السلام لا يتحقق من دون التخلي عن الإرهاب والعنف والتحريض.
أما بيان أبو مازن فقد تحدث قائلا: "لكي أكون صريحًا لا يوجد حل عسكري لصراعنا ونكرر رفضنا وإدانتنا للإرهاب والعنف ضد الإسرائيليين أينما كانوا"، "سنبذل كل جهدنا لإنهاء عسكرة الانتفاضة والانتفاضة المسلحة يجب أن تنتهي وعلينا أن نستخدم الوسائل السلمية في سعينا لإنهاء الاحتلال".
"نهاية كاملة للعنف والإرهاب وسنكون شركاء كاملين في الحرب الدولية ضد الإرهاب "، " سنعمل ضد التحريض على العنف والكراهية مهما كان شكله وأيا كانت وسائله "
أما بيان بوش فقد ذكر: الولايات المتحدة اليوم ملتزمة بقوة وأنا ملتزم بقوة بضمان أمن إسرائيل كدولة يهودية تنبض بالحياة"، "وعد بإنهاء الانتفاضة المسلحة، ووعد بالعمل من دون مساومة من أجل وضع حد للعنف والإرهاب"، "إنهاء العنف وإزالة كل أشكال الحقد والأذى والتحريض الرسمي في الكتب المدرسية وفي وسائل الإعلام وفي الكلمات التي يستخدمها المسئولون السياسيون".
تشير البيانات إلى الآتي:
أولاً: إنهاء الانتفاضة الفلسطينية بشكل لا يقبل التأجيل أو التهاون.
ثانيًا: حرمان الفلسطينيين من حق العودة إلى بلدانهم بالاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة يهودية تنبض بالحياة.
ثالثًا: مشاركة السلطة الفلسطينية بشكل كامل في الحلف الأمريكي للحرب على الإرهاب.
رابعاً: منع وحصار ثقافة الجهاد والمقاومة بما في ذلك منع آيات الجهاد والمقاومة من الكتب المدرسية وفي وسائل الإعلام وكلمات المسئولين.. أي أن الأمر يرتبط بتغيير الثقافة الفلسطينية ذاتها.
لكن التساؤل الجوهري هو لماذا كل هذه التنازلات المهينة وبأي ثمن أو مقابل؟ يبدو أن القادة العرب يدركون أن الأوضاع حولهم تغيرت بعد أن أصبحت أمريكا جزءاً من العالم العربي بعد احتلالها للعراق وأن عليهم أن يدوروا في الفلك الأمريكي لكي يظلوا محتفظين ببقائهم على كراسيهم وعروشهم...
http://www.alsunnah.org المصدر:
===============
في زمن ضاعت فيه الحقوق
إن المتأمل في واقع المسلمات اليوم يحتاج إلى مجلدات من الإرشاد والتوجيه، ففي هذا الزمن زمن اللامبالاة، زمن اضطربت فيه العلاقة مع الله ثم مع الآخرين، فهناك أمر عظيم واضح وجلي الزم الله المسلمة به إلزاما جادا حقيقيا وهو حق الزوج. فما بقي للمرأة العصرية في أيامنا هذه من مهام الحياة وأعباؤها إلا القليل حيث قامت بنات " أندس " بتحمل الكثير فربما قد تكون هذه فرصة لتتيح للزوجة القيام بحق زوجها على أكمل وجه. وفيما روي عن عائشة ?ا أنها قالت: {سألت رسول الله ? أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه} ويؤكد رسول الله ? هذا الحق فيقول: {لو أمرن أحدا أن يسجد لأحد، لأمرن المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها} رواه الترمذي وابن ماجه.
فتأملي أختي المسلمة عظم حق الزوج الذي كاد أن ينقرض، فالمرأة اليوم تتعامل مع الرجل بمبدأ المساواة لا بمبدأ القوامة التي جعلها الله من خصائص الرجال، وأعلمي أن أكثر ما يدخل المرأة النار عصيانها لزوجها وكفرانها إحسانه إليها، فعن ابن عباس ?ا أن رسول الله ? قال: {اطلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط} رواه البخاري.(2/115)
وهناك نماذج من الزوجات تجدينها تصلي وتصوم وتتصدق ولكنها عاصية لزوجها، لا تنفذ له طلبا، ولا تلبي له رغبة، إن حاورها جادلته، وإن ناقشها رفعت صوتها وتطاولت عليه، عابسة في وجهه، عاقدة للحاجبين، مهملة في بيتها وأولادها، نوامة، ضخابة بالأسواق دواجة ـ لا تكف عن كلمة هات وإن منعها أقامت الدنيا وأقعدتها، تجدينها دائما بثوب البيت وإذا أرادت الخروج لبست أحسن الثياب، أما الزوج المسكين فليس له نصيب في ذلك، وانظري إليها بين صويحباتها توزع الابتسامات هنا وهناك وللزوج النصيب الأكبر من التشاؤم والتشكي والاكتئاب، وقد جاء في الحديث أن رسول الله ? قال {خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالها}.
فكم من الأزواج يظلهم سقف واحد ويملأ رأس كل منهما أهداف متنافرة، انعدمت الثقة بينهما فلا تفاهم ولا ود ولا تسامح، وأعلمي يا أختاه أن من أسباب السعادة تنفيذ أوامر الله ? في كل أمر، ليس أن تختاري ما يوافق هواك وتدعين الباقي. ولا تلقي اللوم على زوجك، فبيدك أنت بعد أمر الله مفتاح السعادة، كوني له أمة يصير لك عبدا، وكوني له أرضا يكون لك سماء، واختم مقالتي لك بحديث روته أم سلمة ?ا عن رسول الله ? أنه قال: {أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضي دخلت الجنة} فعليك بمعرفة الله فمعرفته تستوجب حبه، وحبه يستوجب طاعته.
http: //www.islammessage.com المصدر:
============
التفاؤل في زمن اليأس
محمد علي سالم
الحمد لله الذي أفاض على عباده النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وأن رحمته سبقت غضبه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، - صلى الله عليه وسلم -. وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يستعيذ بالله من الهم والحزَن، ويعجبه الفأل، وخير الحديث كتاب الله الذي يقول فيه: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
أشير إلى غزو القراصنة للعراق قائلاً: لا تسمع لليائسين والمتشائمين الذين يفتون في عضد المسلمين، فهؤلاء لن يصنعوا تاريخاً، ولن يقودوا جيلاً، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، إن علاج المصائب لن يكون بالوجوم والتحازن، ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد، ولا شيء يدمر إمكانيات الأمة ويدحر مستقبلها أكثر من الحزن واليأس والقنوط، وصنيعهم هذا كصنيع الذين استعبدتهم أمريكا فيريدون من الناس تأليه أمريكا والاستسلام لها بالتحليلات التي يتشدقون بها ويزعمون دقتها وينشرونها بين الناس، مرجفين بالسيطرة المطلقة لأمريكا، كأن ما تريده أمريكا يكون، وما لا تريده لا يكون، وأنها تعلم ما كان وما يكون، والعياذ بالله من الكفر والجبن، وكم خاب ظنهم وبطلت تنبؤاتهم، لكنهم لا يتوبون ولا هم يذكرون، فأمريكا لم ولا ولن تملك العالم، فالملك لله الواحد القهار، ولا تدبر أمريكا الأمر، قل إن الأمر كله لله.
إن غزو الأمريكان للعراق معركة وليست حرباً، يوم بيوم والحرب سجال، ولسنا سواء فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ونحن في انتظار وعد الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - بالنصر والتمكين، ففي مسند ابن أبي شيبة وفي المستدرك على الصحيحين عن عبد الله بن عمرو قال: بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكتب إذ سئل: أي المدينتين يفتح أولا قسطنطينية أو رومية؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل مدينة هرقل أولا تفتح، يريد قسطنطينية، وقد فتحت منذ 1492م على يد السلطان محمد الفاتح - رحمه الله -، وسميت مدينة استامبول، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون، فنحن على وعد صادق بفتح مدينة روما، كما وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتح الشام والعراق وهو محاصر في غزوة الأحزاب فقال المنافقون يومئذ ((ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)) [الأحزاب: 12]، وقال المؤمنون ((صدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما)) [الأحزاب: 22].
إن الحرب مع الروم مستمرة فقد قال الله - تعالى -: ((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)) [البقرة: 217]، وعدواتهم مستمرة فقد قال: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)) [البقرة: 120]، وروى الإمام أحمد عن المستورد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم مع الساعة. وفي مسند ابن أبي شيبة عن ابن محيريز قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فارس نطحة أو نطحتان، ثم لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون أصحاب بحر وصخر، كلمّا ذهب قرن خلف قرن مكانه، هيهات إلى آخر الدهر هم أصحابكم ما كان في العيش خير). فالعداوة والحرب مستمرة إلى يوم القيامة، ولن تنتهي بمعركة.
ولا تلتفت لأوهام المعرضين عن هذه المعاني جهلاّ أو هوى، وألقِ سمعك لحديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عندما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل مرّ عليك يوم أشد من يوم أحد فقال: (لقد لقيت من قومك - وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة - إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بـ (قرن الثعالب) فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: (إن الله - عز وجل - قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، وسلّم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً) رواه مسلم.
كذلك نحن نرجو أن يخرج الله من أصلاب هذا الجيل من يطرد الغزاة من أرض العراق وفلسطين وديار المسلمين كلها، هذا التفاؤل وحسن الظن بالله - تعالى - مطلوب مع الإقرار بالضعف وعظم المصاب ووجوب التغيير، وذلك إيماناً بالله، وثقة بالنصر الموعود، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (والله ليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه ولكنّكم تستعجلون) عندما اشتكى إليه بعض الصحابة تعذيب قريش لهم.
قال - تعالى -: ((ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين)) [آل عمران: 152]، هذه في غزوة أحد، وأشهد أن الله - سبحانه وتعالى- قد أرانا بعض ما نحب في هذه الحرب، فسقطت بعض طائراتهم وسلّط عليهم ريحا تفسد عملهم وقتل بعضهم بعضاً، واستعصت عليهم قرية أم قصر، ولكن خيانة قيادة العراق المنافقة أصلا سلمت القصر والعرش الجمهوري نفسه، وتكاملت مع خيانة الأعراب والفرس والأكراد من حولها، فازدهرت سوق النفاق والخيانة في هذه الأيام، ولو كان ذلك بالتفريط في جميع القيم الدينية والقومية والأخلاقية وبالتفريط في المصالح الإستراتيجية والتاريخية للوطن والشعب والأمة، وما كان لأمريكا أن تنتصر لولا هذه الخيانات.(2/116)
إن هذا يبعث الأمل في النفس بالنصر لو كانت القيادة صادقة مؤمنة، فهناك الأبطال الذين هبوا للاستشهاد ولنصرة العراق من كل حدب وصوب، فخانهم فدائيو صدام، وعذبتهم المخابرات السورية، وهناك الشعب الصبور الذي يتناسى وي- تعالى - على كل ما أصابه من قهر وظلم، ورب غفور رحيم يصدق الوعد وعزيز حكيم يمنح النصر، لكن من يخذل أمر الله يخذله الله، ففضلت قيادة العراق المجرمة الاستسلام على مواقف العز والشرف، وآثروا الدنيا التي لم يبق لهم فيها شيء على الآخرة التي لم يؤمنوا بها ولم يعملوا لها، فالنار والعار أولى وأقرب إلى أجسادهم التي نبتت من سحت، وما كان الله لينصر أمثالهم.
وأبشر بخروج الأمريكان سريعاً كما دخلوا سريعاً، فمن سهل دخوله سهل خروجه، ولن يرضى أبناء الإسلام في العراق بهذا الظلم والغزو وإن أدهشتهم هزيمة النظام وجلبة العدو وتشويش المعارضة، وأقعدتهم الخلافات العميقة والمصائب المتراكمة عن سرعة الرد والتنبه لمخاطر الغزو، وسيمن الله عليهم بالنصر والتمكين، وسيري الله بوش وشارون وملأهم منهم ما كانوا يحذرون، ولو رأى الناس ذلك بعيداً.
وأبشر بخراب أمريكا، فقد قال - تعالى -: ((فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون)) [النمل: 52]، فقد ظلموا العالم وكسبوا عدواته ولوثوا البيئة وانتهكوا الحريات وحقوق الإنسان في بلادهم كما فعلوا في غيرها، وأصبحت محاكمهم مثل محاكم التفتيش وإجراءاتهم القضائية أسوأ من إجراءات قانون الطوارئ والأحكام العسكرية في العالم الثالث، وقد وقعت إحدى انتفاضات السود في أمريكا بعد حرب الخليج الثانية، وربما تقع بعد هذه الحرب كذلك منهم أو من غيرهم، فوالد الجندي الأسود لم يرض بفقدان ولده الوحيد، وأكثر قتلى الأمريكان هم من ذوي الأصول الأسبانية وممن لا يحمل الجنسية الأمريكية، وستجد الحرب الداخلية بينهم من يسعّر لها، ولعبة الفتن والحروب الداخلية التي تتقنها الإدارة الأمريكية ربما ترتد عليها، ولعل جورج بوش لعنة على الأمريكان فقد قّسمهم عند مجيئه وفي حربه وسيقسم الأمريكان أكثر عند خروجه.
إننا بحاجة إلى الأمل الذي يحيي النفوس، والعمل الذي يتجاوز بنا هذه المرحلة المظلمة، ((ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض))[محمد: 4]، لا لدفق اليأس في القلوب، فاليأس والإحباط بضاعة فاسدة تصدر من قلوب كاسدة في الخير زاهدة، ليست في العمل جادة.
إننا نطلب المعجزات والكرامات وإيقاف السنن الإلهية وخرق العوائد ونحن لم ننصر أمر الله ولم نكرم دينه ولم نتخلف عن عاداتنا السيئة. وفوق ذلك نستعجل النصر على الأعداء بلا جهاد ولا إعداد ، أليس ذلك ظلماً.
إن الله - عز وجل - لا يعجل لعجلتنا، ولا تتحوّل سننه لأهوائنا ولا لأحزاننا، وسنن الله لا تحابي أحداً، فلنعمل لله دوما، ولنصبر ولنصابر، فإذا لم ندرك نحن ثمرة النصر فليقطفها أبناؤنا، وعُمر الإسلام أطول من أعمارنا والعاقبة للمتقين، والله - تعالى - بيده الأمر كله، وليست الذلة والمرارة التي تعيشها الأمة الإسلامية حتماً صارماً لا يزول، فليس بعد الظلام الدامس إلا الفجر الساطع وربما سبقه فجر كاذب، وليس صحيحا ما يردده الأمريكي المتغطرس من نهاية التاريخ، فهو إما غاش مخادع و أما مغرور جاهل بل التاريخ في دورات متعاقبة يتحقق فيها التقديم والتأخير والتمكين والاستضعاف.
وعليك بهذه الآية ((فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)) [الروم: 60] وإن كثر البوم والغربان في هذا الزمن فـ ((لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون)) [الروم: 4]، وسيقول المتشائمون حينئذ: ويكأن الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
http: //www. alsunnah. org المصدر:
==============
آه يا زمن
يحيى زيلع
يُقال إنَّ: الابتسامة تريح سبعاً وثلاثين عضلة في الوجه. حقاً إنّها معلومة قيمة ويزدان جمالها يوم أنْ توشح بالمعاني الإنسانية الفاضلة. الابتسامة الصادقة هي الحلم … في زمن العواطف المتأرجحة.. وهي البلسم الشافي … للعلاقات المصابة (بالأنيميا الحادة).
نحن ندرك أنَّ القلب منبع الصفاء وتقاسيم الوجه معمل الأدلة. فيه يفتضح من ضحك ممن تضاحك… ومع ذلك تبقى أقنعة الزيف والخداع في مدّها وجزرها.. رغم تلميح العقلاء وتصريح الشعراء بعدم الاغترار بها:
إذا رأيتَ نيوب الليث بارزة * * * فلا تظننّ أنّ الليث يبتسم
مشكلتنا نحن المبصرين وبعضنا من أهل الستة على الستة.. أنّا لا نكتشف أنياب المخادعين إلاَّ بعد أنْ يقع الفأس في الرأس! عندئذٍ يكون العمى أحبّ الأماني، حتى لا نشهد مصارعنا بأعيننا.. حينها نردد مع أبي الطيب المتنبي:
كفى بك داءً أنْ ترى الموتَ شافياً * * * وحسب المنايا أنْ يكنّ أمانيا
إضاءة: لا شك أنْ الضحك يريح الجسم كلّه …ولكنْ ما رأيكم في الضحك على النفس أو على الآخرين؟!
http://www.alnoor - world.com المصدر:
=============
معذرة العراق إنه زمن الهوان
إبراهيم العريفان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة... في هدا الزمان، وفي كل مكان.. يراق دم الإنسان.. كل ذنبه أنه يقرأ القرآن.. لقد سمعنا قبل سنوات كلمات مريرة من أرض البوسنة والهرسك تقول: نحن لا نريد أن تدافعوا عنا، فلا ترسلوا جيوشكم إلينا، ولا تبعثوا لنا بالسلاح، ولا نريد صدقاتكم وأموالكم.. فقط أرسلوا لنا حبوب منع الحمل، حتى لا ينبت في أحشائنا أبناء الصرب!!
كانت هده الكلمات المريرة لامرأة بوسنية مزجتها بطعم الألم والحسرة والخيبة، التي ارتوت منها العروق، والتي كانت شاهدًا على أعلى صور الخزي والهوان الذي ضربنا به المثل في ذلك الوقت، والتي حسبنا وقتها أن الأمة لن تمر بتلك الصورة من التخاذل والمخزي مرة أخرى. وظننا أن بُعد الشُقة بيننا وبين البوسنة، وقطيعة الرحم الإسلامية معها أدت إلى جزء من ذلك التخاذل، فما الذي كانت تعرفه الأمة عن البوسنة قبل حروبها، وما هي صور التواصل التي كانت بيننا وبينها!! لا شيء.
واليوم نخشى أن تخرج علينا امرأة أخرى بالنداء المرير الأليم نفسه! ولكن.. ليس من البوسنة هده المرة.. إنما نخشى أن تصلنا تلك الرسالة من فلسطين.. من بغداد.. من عمان.. من القاهرة.. من دمشق.. من أي بلد عربي أو إسلامي ليس بعيدًا عنا، لنا معه روابط ووشائج، نحفظ تاريخه، نعرف حتى أسماء أزقته ودروبه.
وما يمنع؟ فها هي العراق قد رأينا فيها الموتى الجماعي التي كنا نسمع عنها في البلاد البعيدة.. في البوسنة.. في كوسوفا..
وما يمنع من ذلك! وها هي العراق قد رأينا فيها الدمار والخراب الهائل الذي رأيناه في البلاد البعيدة.. في كابول.. في كشمير.
ما يمنع من ذلك! والرسائل الموجعة كتلك الرسالة البوسنية تأتيتنا كل يوم، وها هو مناديهم ينادي:
أعيرونا مدافعكم ليوم.. لا مدامعكم.. أعيرونا.. وظلوا في مواقعكم... ألسنا أخوة في الدين قد كنا.. وما زلنا... فهل هنتم!! وهل هُنا!!.. أيعجبكم إذا ضعنا.. أيسعدكم إذا جعنا.. وما معنى قلوبكم معنا؟ رأينا الدمع لا يشفي لنا صدرًا.. ولا يبري لنا جرحًا.. أعيرونا رصاصًا يخرق الأجساد.. لا نحتاج لا رزًا ولا قمحًا.. أعيرونا وخلو الشجب واستحيوا.. سئمنا الشجب والردحا..(2/117)
في العراق اليوم.. المدينة تلو المدينة تنتظر دورها في الدمار والخراب والقتل والتشريد.. وأمتنا تقف موقف المشاهد، ورغم وضوح الصورة وقوة الصوت وبشاعة المشهد، ورغم العيون التي لم يصبها العمى بعد، والآذان ما زالت تسمع، فإن الاستجابة مخزية.. وكأن القوم يرون مشهدًا سينمائيًا مؤلمًا، أو يسمعن أغنية عاطفية مؤثرة كالتي أشربوها من قنواتهم ومذائعهم.
ماذا نقول لربنا عن خذلاننا لإخواننا في الدين وقد استنصرونا وهو القائل - سبحانه -: { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} ماذا نقول لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو القائل (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخدله) وهو القائل أيضاً: (ما من امرئ يخذل امرأً مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله) ماذا نقول يا أمة المليار عن عائلة عراقية مؤلفة من خمسة عشر شخصًا قُتِلت.. ماذا نقول لربنا عن طفلة عراقية ماتت ولم تتجاوز ستة أشهر.
ماذا نقول.. وهم ليسوا بعيدًا عنا فنعتذر بطول السفر؟ ماذا نقول وقد ذُبحوا بغير ذنب، هل نعتذر عن عدم النفرة لشدة الحر: { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}؟ ماذا نقول وليس بيننا وبينهم إلا أسلاك شائكة؟
ماذا فعلنا لتلك الدموع المنهمرة التي تستغيث بنا ليلاً ونهاراً.. فما زادنا ذلك إلا فرارًا.. فمعذرة العراق.. قد فُجعْتِ بنا ولم نُفجع بك.. عندنا صَمَتَ كلُ شيء، وعندكم حركتم الأرواح تبذلونها رخيصة في سبيل الله.. نحن مُتنًا جُبْنًا في جلودنا، وأنتم الذين تصنعون الحياة بموتكم.. فمعذرة العراق إنه زمن الهوان..
معذرة أيتها النائحة الثكلى على والد أو زوج أو أخ أو ولد.. فما عادت نخوتنا كما كانت، وما عادت شهامتنا كما كانت.. وما عاد الشرف الرفيع الذي لم يسلم من الأذى تراق على جوانبه حتى قطرة من دمع!!
معذرة بني!! أيها الصغير حين لم تجد فينا رجالاً يضمونك إليهم، يهدئون روعك، يؤمنون خوفك، يشبعون جوعك، أو حتى يمسحون دمعك!!
معذرة أخي المجاهد.. خذلناك وما خلفناك في أهلك ومالك بخير.. خذلناك وما أمددناك ولا نصرناك.. ولا حتى واسيناك!!
معذرة أيتها النساء.. حزنا بحزنكن.. وفرحنا بقوتكن وصمودكن أمام دبابات وصواريخ تحملون السلاح.. تدافعون عن دينكم وأمتكم..
ألف أسف على أمة يدافع عنها نساؤها.. يحمي أعراضها نساؤها، تجود بأرواحها نساؤها.. حماية للقاعدين.. حماية للمتثاقلين إلى الأرض.. حماية للمخلفين.. فمعذرة العراق..
يا أمة المليار ونصف المليار.. هل تعلمين أن أهلنا في العراق قد تردت أوضاعهم، وكثر عدد شهدائهم، تمزقت أجسادهم، وتقطعت أطرافهم، وانتشروا في الطرقات وتحت أنقاض البيوت، ألا يحق لي أن أقول صارخًا: وا فضيحتاه!!
في العراق … خراب ودمار وقتل وتشريد.
في العراق … أطفال أبرياء يُقتلون.. ونساء ضعاف يُذبَّحون.. وشيوخ كبار يُؤسرون.
في العراق … صياح وصراخ وبكاء
اليوم وليس غدًا إخوانكم هناك في ثغور دائمة مطيَّبين بالكفاح مُضخنين بالجراح.. اليوم الدماء مهدرة والبيوت مهدَّمة.. اليوم الجرحى يتساقطون في الشوارع ولا أحد يُسعفهم أو يُنقذهم.. أطفال أبرياء يُقتلون، وسيِّدات مُسِنَّات يُذبَحْن، ومساجد هُدِّمت، والصلبيون متسلطون.. واللهِ إن الخطب جسيم، والمأساة أليم.. ونحن والله ثم والله ثم والله مسؤولون عن مناظر القتل والحصار التي نسمع عنها أو نراها عبر الشاشات أو نطالعها عبر الجرائد والمجلات.. مسؤولون عن مناظر القتل والحصار التي يمارسها الصليبية كلاب الروم.. وكثير منَّا لا يحرك ساكنًا.. تقع أمامهم الحوادث وتتلَهِمُّ الخطوب، فلا يألمون لمتؤلم، ولا يَتَوَجَّعون لمستصرخ، ولا يحنون لبائس، بل الأعظم من كل ذلك أنَّه في ذات الوقت الذي يُذبح فيه المسلمون ترى كثيرًا منَّا لاهين عن مُصابِهم في إقامة مهرجانات سياحية تُسوِّقُ للعهر والفجور، أو دورات وبطولات رياضية، أو رقصٍ على جراح الأمة بحفلات غنائية.. فإلى الله المشتكى..
فهل هذا هو الشعور بالإخوة الإسلامية.. وهل هذه هي النخوة العربية التي تميزت بها العرب.. هل يُعقل أن تتحرك المظاهرات في البلاد الأجنبي والدول الكافرة باستنكار ما حدث ثم ترى العربَ والمسلمين لا يحركون ساكنًا.. إن إخواننا في العراق يودُّون عنا الواجبات التي قصَّرنا فيها.. يؤدُّونها بعمليات استشهادية حين يقوم شبابٌ منهم بتقديم أنفسهم شهداء في سبيل الله ليقتلون العدو الغادر.. فهم يؤدون الواجب الذي قصَّرنا فيه.. ثم نحن نقصِّر عن دعمهم بالمال، حتى الدعاء بخلنا به، حتى القنوت في المساجد.. ترى كثيرًا من أئمتنا وهم من أهل الخير تركوا القنوت.. بالرغم من أنه قنوت أمر به ولاة الأمر في هذه البلاد. فأي ذلَّ وأي خوَر هذا الذي نراه..
إن عمل الصليبية هذا لَهُوَ أكبرُ ردٍّ على ما يُسمى بمشروع السلام.. ووضَّح لنا أن كلاب الروم قوم جُبناء لا يهمُّهم من السلام إلا ما يتوافق مع مصالحهم، وما يُسوِّغ بضائعهم وتجاراتهم، فهل نعِي ذلك! هل نعِي الدور الإجرامي القذر الذي يمارسه الصلبيون في دولة تُسمى زورًا وبُهتانًا راعية السلام، وهي التي تقوم بكل تلك الممارسات.
يا أمة المليار ونصف المليار إن كنت لا تعلمين بذلك ولم تسمعين به فتلك مصيبة، وإن كنت تعلمين بذلك فالمصيبة أعظم.
يا أمة المليار ونصف المليار.. ما بالكم.. أين غيرتُكم! أين حسَّكم الإسلامي! أين الشعور بالجسد الواحد! أين تمعُّر الوجوه! أين عاطفتكم! ألا تتحرك وهي ترى هذه الدماء وهذه التهديدات.. والله إننا لنخشى أن يعُمَّنا الله بعقوباته المتعددة من زلازل وفيَضانات وفقْد للأمن وجوع وغير ذلك { وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}.
نداءات كثيرة سمعناها، وأهوال كثيرة رأيناها، فما الذي تحرك فينا، تحركنا في تظاهرات صوتية، وبكينا على أسرة وعائلة عراقية.. ومن حرك منا يده فبالقلم أو بالهتافات والشعارات المنبرية، أو بالدعوة للمقاطعة عن المنتجات الأمريكية تضامنًا مع القضية العراقية.
وما أعز وما أفرح الناس إلا تلك الانتصارات التي أوجعت كلاب الروم كثيرًا، ففي الوقت الذي صمتت فيه كل الأسلحة.. عسكرية أو اقتصادية أو سياسية.. نطقت أفواه الأطفال والنساء والشيوخ، نطقت أرواح الشهداء في العراق لتسمع العالم كله أن أمتنا لن تموت موت الخراف، ولن تذل ولن تخنع ولن تساوم، وستقاوم كل الجهود التي تعمل على إيجاد موطئ قدم لدولة إمريكا في أرض الشام.
في العراق لن تحل القضية في مجلس الأمن ولا في الأمم المتحدة، ولا في البيت الأبيض ولا بالدبلوماسية العرجاء، ولا بالتسول السياسي... قضيتنا حسمها الله - عز وجل - فقال: { قاتلوهم يعذبهم الله بأديكم ويُخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقرة، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى تعودوا إلى دينكم)..(2/118)
هذا كلام ربنا، وهذا كلام رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أنجيبه؟ هل ننقاد له؟ هل نعمل به؟ أم نتركه لقول الإمريكيين بأن قتالهم في العراق هو القضاء على الإرهاب.
انتفض أو متْ إذا شئت شهيدًا فحديد الموت قد فلَّ الحديدًا
فجِّر الأرض ودعْها شعلة قطَّع الباغي وريدًا فوريدًا
دُسْ على هامات أذيال الخنا بائعي الزور ولا تبقِ يهودا
سمِّها إن شئت عُنفًا أو فداءً أو قَصاصًا أو دفاعًا أو صمودًا
أيها المسلم أطلق صرخة تضع الحاملُ بالهول الوليدًا
يا شهيد الحق أيقظْ أمتي فالإذاعات غناءً ونشيدًا
خُذْ دمي حبرًا وجلدي دفترا واكتبه فيه خلودًا يا شهيدًا
معاشر المؤمنين.. أبشروا يا مؤمنون أن النصر قريب.. وإن كان هو في نظرنا بعيد.. ولكن مادام الناس على إعراضهم عن عبادة الله بمعناها الحقيقي فسيبقون مسخرين لجميع أنواع المتحكمين فيهم من يهود أو أذنابهم، وأما في الوقت الذي تقوم فيه أمة ترفع لواء الإسلام، وتعيد سيرته الأولى فإن جميع من أمامهم من أمريكا وأعوانهم لا يستحقون أكثر من وصف الجرذان فلا يخيف والله العدو ولا أتباع العدو إلا العصبة المؤمنة العابدة لربها التي تجدد مجد أمتها وتعيد تاريخها وما ذلك على الله بعزيز { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
لابد أيها المسلمون من إعادة الفريضة الغائبة فريضة الجهاد في سبيل الله، لابد أن نمتثل قوله تبارك و- تعالى -: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} لابد من التربية الجهادية، لابد أن يعلم كل أحد ينتمي إلى الإسلام أن العزة لهذه الأمة مربوطة بالجهاد في سبيل الله، ولابد أن نحفظ أنفسنا ونساءنا وأطفالنا وشيوخنا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).
ولا يرد العدو الصليبي عما عزمت عليه غير منطق (الجواب ما تراه لا ما تسمعه)!
لقد كان هذا هو منطق أمير المؤمنين وخليفة المسلمين في زمانه هارون الرشيد يوم أطلقها مُدوّية من أرض بغداد. لقد تجرأ نقفور ملك الروم فكتب (مُجرّد كِتابة!!!) إلى هارون ملك العرب أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها وذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك وإلا فالسيف بيننا! فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه وتفرق جلساؤه خوفاً من بادرة تقع منه، ثم كتب بيده على ظهر الكتاب: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم!
قرأت كتابك يا ابن الكافرة! والجواب ما تراه لا ما تسمعه.
ثم ركب من يومه وأسرع حتى نزل على مدينة هرقل وأوطأ الروم ذلاً وبلاءً، فقتل وسبى وذل نقفور، وطلب الموادعة على خراج يؤديه إليه في كل سنة، فأجابه الرشيد إلى ذلك. الله أكبر.
لله أبوك يا هارون الرشيد! ألا يوجد مثلك اليوم رَجُل رشيد!!
والله إن الأمة بحاجة إلى مُخاطبة كلب الروم - اليوم - بهذا الخطاب، وبهذه القوّة، وبهذه اللغة.
وكم هو والله بحاجة إلى أن يُعرّف قدره. إن طلب الروم يعيث اليوم في الأرض فساداً ولا هارون! أليس مِنا القائد الرشيد؟ بلى، ولكن الأمة استنوقت! إلا من رحم الله وقليل ما هم.
يا ألف مليون تكاثر عدّهم إن الصليب بأرضنا يتبخترُ
فالحرب دائرة على الإسلام يا قومي، فهل منكم أبيٌّ يثأرُ
إنا سئمنا من إدانة مُنكرٍ إنا مللنا من لسانٍ يزأرُ
يتقاسم الأعداء أوطاني على مرأى الورى وكأننا لا نشعرُ
أين النظام العالمي ألا ترى شعباً يُباد وبالقذائف يُقبرُ
أين العدالة أم شعار يحتوي سفك الدماء وبالإدانة يُسترُ
ما دام أن الشعب شعب مسلمٌ لا حل إلا قولهم: نستنكرُ
يا أمتي والقلب يعصره الأسى إن الجراح بكل شبرٍ تُسعِرُ
والله لن يحمي ربى أوطاننا إلا الجهاد ومصحف يتقدّر
اللهم إنَّك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد، الفرد الصمد، اللهم لا يُهزم جُندُك، اللهم إنا نسألك نصرًا مؤزَّرًا لإخواننا المستضعفين في العراق، اللهم فكَّ حِصارهم، اللهم أهلك عدوهم..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
http://saaid.net المصدر:
===============
زمن البغاث
د.نورة السعد
في فترات التدهور والانحطاط تبدو في بعض الشعوب قزامة غريبة وضآلة وتخاذل وانهزامية.. فيعلو الزبد وينتشر البغاث الصغير ريشه ويزهو.. ويمضي في غيه سادراً يحتمي بمظلة مثقوبة ألوانها مستمدة من محبرة العدو ويعتقد بجهالة أنها الحماية له؛ لأن في عينيه قذى وفي فؤاده حلكة بعد أن ران على قلبه ما يجعله في هذا السقوط..
هؤلاء الرويبضة ينتشرون في بعض القنوات الفضائية نساء ورجالاً وتمتلئ الصحف بمقالاتهم التي تحارب الدين عقيدة وشريعة وتستهزئ بالأحاديث الشريفة بل وتمنح أقلامهم الحق في استحداث تشريعات جديدة لتحسين صورة العالم الإسلامي أمام الغرب!!
وهم يرفضون أي فتوى شرعية من العلماء المتخصصين ويمنحون في المقابل أنفسهم هذا الحق بدعوى أن الدين ليس حكراً على العلماء..!! ولهذا نجدهم يصدرون فتاوى جديدة في الحجاب والاختلاط أو في مناسك الحج كما حدث مؤخراً من بعض هؤلاء!!
ونجدهم يرددون في عبارات مشوهة ما يردده الغرب من أن الدين علاقة بين الفرد وربه وليس له أن يتدخل في الحياة المدنية.
ينسون أن تاريخ فصل الدين عن الدولة هناك ليس نموذجاً يحتذى به في عالمنا الإسلامي.. فالإسلام عقيدة لا يمكن أن تتحقق بذاتها في الواقع الاجتماعي والسياسي ما لم تتمثل في نظام اجتماعي معين وتتحول إلى تشريعات وقوانين تسير مجريات الحياة للفرد وللجماعة في العلاقة بين الخالق والمخلوق أولاً، ثم بين المخلوق ودوائر الآخرين حوله حاكماً كان أو محكوماً.. فقيراً أو غنياً..
إن الإسلام الحقيقي الذي لم نتمثله جميعاً بما يليق به حكاماً أو محكومين.. هو العقيدة المتمثلة في السلوك وفي العبادات والمعاملات.. في السر والعلن.. في ظلمة الليل ووضح النهار.
هو الحياة التي تتحقق فيها (عدالة السماء) وليس (ظلم الحاكم) أو (تسلط العدو)..
لقد ابتعدنا عن ديننا وجزأنا تطبيقه.. ولهذا تسلط علينا الأنذال وحاربوا عقيدتنا تحت مظلة محاربة الإرهاب.. واستسلم بعضنا، ورضي بعضنا هذا الهوان الذي بدأ يحيط بجغرافيتنا الإسلامية.
بل وأسهم البغاث من بعضنا في تحقيق مزيد من استباحة العدو الصهيوني واليمين الأمريكي للدماء المسلمة في فلسطين وأفغانستان والعراق.
وبقدر ما يتضمن المشهد المعاصر من عوامل ذل وهوان إلاّ أن رحمة الله تأبى إلا أن تحقق إلماعات مضيئة في ظلمة هذا الوضع تحملها البشائر برفض الهيمنة والاحتلال من العدو في مختلف مظاهره..
وما ينشر في الصحف من أخبار المقاومة لهذا المحتل تثلج الصدر ويكفينا نحن النساء المسلمات فخراً ما جاء في وصية الشهيدة إن شاء الله (ريم الرياشي) لنساء وأطفال الأمة الإسلامية.. وهي النموذج المشرف لدفاع المسلم عن عقيدته وشرفه وأرضه..
وصية ريم الرياشي أحق بها أن تكتب بماء الذهب وتعلق في كل منزل فهي البرهان على أن النساء المسلمات لسن في حاجة إلى (تحسين صورتهن) أمام العالم الغربي كما تردد وسائل الإعلام الغربي والعربية التابعة!!(2/119)
ريم الرياشي التي تقول في جزء من وصيتها:"إخوتي الأحبة نساء وأطفال الأمة العربية السليبة.. أتوجه إليكم دون الرجال؛ لأنني لم أعد أرى رجالاً من أمتنا سوى بقايا منهم في فلسطين والعراق.. فأنتم الأمل الباقي لهذه الأمة بعد أن خلت من الرجال وأنتم المسؤولون عن قيادة هذه الأمة إلى النصر وإلى العزة وإلى الكرامة بعد أن أوصلها أشباه الرجال إلى هذا الذل والعار الذي يجللها من مشرقها إلى مغربها.. أنتم الذين ستحملون راية الأمة وترفعونها خفاقة بين رايات الأمم التي تعيش فوق كوكبنا هذا بعد أن نكس راياتها أشباه الرجال..
من أرحامكن يا نساء الأمة سيخرج الأطفال الذين سيعيدون مجد هذه الأمة يكتبونه بدمائهم وأشلائهم، من أطفال هذه الأمة سيخرج من تربى على رمي الحجارة ومواجهة الدبابات بصدره العاري ليخلص هذه الأمة من المخذولين والمنافقين والمرائين والمعوقين. وأخيراً ليخلصها من اليهود المغتصبين... أما أشباه الرجال فأوصيهم بالتخلي عن الكلام الذي لم يعد يسمن ولا يغني من جوع وأن يعتزلوا منابرهم التي يقفون عليها فهم ليسو أهلاً لها، وأوصيهن بإلحاق نون النسوة بصفاتهن وأسمائهن وتاء التأنيث بأفعالهن، فهن أحق بها وأهلها...".
.. بقية وصية (ريم الرياشي) لا يسعها المقال ولكن هي صفعة في وجوه جميع المخذولين والعملاء.. فليرحم الله ريم الرياشي.. ونعتذر لها فأشباه الرجال مشغولون بمتابعة قناة (سوا) وقناة (ستار أكاديمي) والبقية منهم مشغولون بقراءة أخبار مشاريع الإعمار في العراق المحتل!! أو استذكار آخر ما يصلهم من تعليمات ليمارسوا الحرب على الدين وعلى الفضيلة وعلى الشرف.
http://alarabnews.com المصدر:
=============
تاريخ الدعوة زمن الأنبياء (1)
إن الرجوع إلى تاريخ الدعوة والإطلاع على مراحلها وخطواتها شئ لابد منه حتى يعلم كل واحد منا وهو يسير في خط الدعوة لتبليغ آية يحفظها أو لتبليغ حديث يحفظه أنه لا يقوم بشيء محدث ولا بدعوة محدثة ولا يقول بدعاً من القول وإنما هو يتابع ويكمل خطاً قديماً عريقاً بدأه الأنبياء والمرسلون وإن أحدنا إذا سلك خطاً وهو يعلم أنه خط أصيل عريق له جذور ضاربة في أعماق التاريخ فإن هذا يورثه في نفسه قوة دافعة يشعر معها أنه يستند إلى قوة جبار السماوات والأرض لذلك لابد لنا من استعراض موجز سريع لتاريخ الدعوة التي نحمل لواءها ولا يمكننا أن نستعرض تفاصيل حياة كل نبي من الأنبياء؛ لأن هذه السلسة التي نحن في بدايتها كما ذكرت لكم تستمر سنة ونصف تقريباً فلو خضنا في تفاصيل حياة الأنبياء لاحتجنا إلى سنة ثانية أو أكثر وإن بعض التفاصيل من حياتهم ستمر معنا عندما سنتكلم عن صفات الدعاة وأساليب الدعوة إلى الله ولكن الذي نريده اليوم من هذا السرد الموجز السريع هو أن نعلم أنه ما من نبي أرسله الله - تعالى - إلا ودعا قومه للإسلام الذي ندعو نحن إليه ولنعلم أيضاً أن دعوتنا قديمة قدم التاريخ كله.
وإن أول نبي أرسله الله - عز وجل - ليحمل لواء الدعوة إلى الإسلام بعد انحراف البشرية عن الطريق المستقيم إنما هو سيدنا نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فقد جاء في الصحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام) فبعد أن خلق الله سيدنا آدم مكث الناس على الإسلام والتوحيد تلك المدة الطويلة ليس للشرك بينهم مكان ولكن الشيطان لم يهدأ له بال ولم يفتر فدخل بطريقة خبيثة وماكرة استطاع من خلالها أن يدخل الشرك إلى قلوب الناس فقد ورد في صحيح البخاري أنه لم مات رجال صالحون من قوم نوح جاء الشيطان ووسوس للناس وزين لهم أن يجعلوا لهؤلاء الصالحين أنصاباً وتماثيل يجعلونها في مجالسهم ففعلوا ذلك ظناً منهم أن في هذا الفعل إكراماً للصالحين فلما مرت الأيام والأجيال جاء الشيطان وقال إن من كان قبلكم كانوا يعبدون هذه التماثيل فصدقوا ذلك ومن هنا أتت عبادة الأصنام. فأرسل الله - عز وجل - سيدنا نوح ليصحح مسار البشرية وليرفع لواء الدعوة وينقذ الناس من مصيدة الشيطان ليعيدهم إلى عبادة الله والاستسلام له فقام نوح - عليه الصلاة والسلام - بحمل لواء الدعوة خير قام.. واسمعوا إلى كلام الله - عز وجل - لتعلموا كيف سار نوح - عليه الصلاة والسلام - بدعوته: (قال رب إني دعوة قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني أعلنت لهم وأسرت لهم إسراراً فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً مالكم لا ترجون الله وقاراً وقد خلقكم أطوارا).
فنوح - عليه الصلاة والسلام - لم يدخر جهداً ولا وقتاً ولم يترك أسلوباً إلا استخدمه فهو يدعوا إلى الله في الليل والنهار في السر والعلن ولكنه لم يرى منهم إلا الإعراض والتولي والإصرار على ألا يسمعوا منه كلامه ولا يصغوا لدعوته. فلما رأى عنادهم لخص لهم دعوته كلها من أولها إلى آخرها فقال لهم (فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين).
وبما أننا نتحدث عن سيدنا نوح - عليه الصلاة والسلام - فإنني أغتنم الفرصة لأذكر لكم مكر اليهود وخبثهم وكيف أنهم يحاربون دعوة الأنبياء ودعوة الرسل ويناصبوننا العداء ويخططون لنا منذ زمن بعيد... ويربون أجيالهم ويرضعونهم مع حليب الأمهات كراهية وبغض العرب والمسلمين ودعوتهم.
كلكم تعلمون أن اليهود حرفوا التوراة وكذبوا على الله وحرفوا الكلم عن مواضعه ومن جملة تحريفهم للتوراة ما ورد فيها أن سيدنا نوحاً - عليه الصلاة والسلام - غرس كرماً فصار عنباً فصنع منه خمراً فشرب حتى ثمل وسكر - والعياذ بالله فحاشاه أن يفعل ذلك ولكن اليهود هم أعداء الله وأعداء الدعاة والدعوة يقولون شرب حتى ثمل وسكر..
ثم ألقى الثياب عن نفسه حتى ظهرت عورته فدخل عليه ولده (حام) وهو أبو كنعان وهم يقولون أن كنعان هو أبو العرب ولعداوتهم للعرب وللنبي العربي اختلقوا هذا النص - يقولون فدخل عليه حام فشاهد عورة أبيه بادية فتركه وذهب وأخبر أخوته سام ويافث وقال لهم إن أباكم شرب حتى ثمل وظهرت عورته ويقولون بأن فضح والده أمام الناس ثم يزعمون أن سام ويافث ذهبا وقد وضعا الرداء على ظهرهما ورجعا القهقرى إلى الخلف حتى وصلا إلى نوح ولم ينظرا إليه وألقيا الرداء عليه حتى يسترا عورته...فدعا لهما بالبركة ودعا على ولده حام أبو كنعان باللعنة إلى يوم القيامة ودعا على أولاده ومنهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يكونوا خدماً وعبيداً لأولاد سام ويافث فهم يحرفون الكلم ويخططون بخبث ومكر ليزرعوا العداوة في قلوب أجيالهم هذه القصة أحببت أن أذكرها في سياق حديثنا عن سيدنا نوح لأثبت من خلالها عداوة اليهود وخبثهم ومكرهم.
ثم تتابع الأنبياء بعد نوح - عليه الصلاة والسلام - كلهم يبلغ دعوة الإسلام حتى جاء أبو الأنبياء جميعاً فما من نبي بعده إلا وهو من نسله ومن ولده إنه سيدنا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وإن الله - عز وجل - خاطب البشرية كلها بقوله: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين).(2/120)
ومن يرغب عن ملة إبراهيم فما هي ملة إبراهيم التي كان يدعوا إليها والتي من رغب وابتعد عنها وتركها من الأولين والآخرين كان سفيهاً بنص كتاب الله - تعالى - ما هي ملة إبراهيم؟
(ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين).
إذاً رأينا أن نوحاً قال لقومه: (فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين).
وإبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: (قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين).
ولقد حاول أعداء الله اليهود أن يغيروا في هذه الحقيقة ويجادلوا فادعوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة أن إبراهيم كان يهودياً فواجههم القرآن الكريم بالحجة الناصعة والبيان الذي ما بعده بيان: (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين).
فدين إبراهيم ودين الأنبياء ودعوتهم إنما هي الإسلام ولا شئ سواه ولذلك لما قام إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بأعظم عمل عمله في حياته وهو بناء الكعبة المشرفة كان دعاؤه لنفسه ولولده الذي ساعده ولأمته من بعده أن رفع يديه قائلاً:(ربنا اجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة ً مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم).
وقبل أن ينتقل إبراهيم إلى الرفيق الأعلى وصى أهله وأبناءه بأن يتمسكوا بدين الإسلام وألا يحيدوا عنه شعره واحدة (ووصى بها إبراهيم بنيه يعقوب يا بني إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
وانتقل إبراهيم لربه وكان من بعده حفيده يعقوب والد بني إسرائيل جميعاً الذي سنتابع الحديث عنه وعمن بعد في الأسبوع القادم بإذن الله - تعالى - ونسأل الله أن يوفقنا للتمسك بالدعوة التي ارتضاها الله للناس أقول هذا القول وأستغفر الله..
http://www.alsaer.net بتصرف من:
==============
تاريخ الدعوة زمن الأنبياء ( 2 )
إن المقصود من الحديث عن تاريخ الدعوة الإسلامية هو أن نعلم وأن يعلم الناس أن ما ندعو إليه ليس بأمر محدث وإنما هو خط بدأه الأنبياء وأمر نزل به الوحي من السماء وتحدثنا عن سيدنا نوح - عليه الصلاة والسلام - الذي رفع لواء الدعوة إلى الإسلام تسعمائة وخمسين سنة وقد كان - صلى الله عليه وسلم - خلال هذه السنوات الطويلة يدعو قومه صابراً محتسباً لم يترك وقتاً ولا أسلوب إلا وأستخدمه في دعوته في الليل والنهار في السر والعلن...ثم تحدثنا عن أبي الأنبياء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - الذي طلب من ربه أن يجعله وولده مسلمين وأن يخرج من ذريته أمة مسلمة تحمل لواء الدعوة فقال (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك).
ثم من بعده يعقوب - عليه الصلاة والسلام -.. وسيدنا يعقوب هو حفيد سيدنا إبراهيم وهو والد بني إسرائيل جميعاً... عندما حضرته الوفاة كان يدور في ذهنه أمر يقلقه يا ترى ما القضية التي تشغل باله في ساعة الاحتضار ما الأفكار التي تراوده وتمر على ذهنه وهو في سكرات الموت.. ما هو الأمر الذي يريد أن يطمئن عليه قبل أن يفارق الحياة..ستجدون الجواب على هذه الأسئلة في قوله - تعالى -:(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي..).
هذا ما كان يشغل تفكيره في سكرات الموت ما تعبدون من بعدي ما هو الخط الذي ستسيرون عليه ما هي الدعوة التي ستتمسكون بها وترفعون لوائها من بعدي (ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إله واحدا ونحن له مسلمون)
لم يطمئن قبل وفاته حتى سمعها من أولاده وأحفاده وأقروا أمامه أنهم سيعيشون وسيموتون على ملة الإسلام والتوحيد الخالص.
ومن الأنبياء الذين رفعوا لواء الدعوة إلى الله سيدنا يوسف ابن سيدنا يعقوب عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام. سيدنا يوسف الذي مر بحياته بمصائب ومصاعب ونكبات تهد الجبال، فقد تنكر له اخوته ووضعوه في غيابة الجب...وراودته امرأة العزيز فلما امتنع عنها تنكرت له ووضعته في غيابة السجن ولكن الدعاة إلى الله لا يثنيهم شئ عن المهمة التي حملهم إياها الله - عز وجل - فهم يرفعون لواء الدعوة إلى الله مهما كانت الظروف حتى إذا ما نفاهم الطغاة فيعتبرون أن نفيهم عن أوطانهم سياحة وإذا سجنوهم فيعتبرون أن سجنهم خلوة، وحفظ الله الشاعر الذي صرخ في وجه العملاء والطغاة الذين يحاربون الدعاة ويدكونهم في السجون والمعتقلات كما فعل بسيدنا يوسف صرخ في وجههم ليخبرهم أن الدعاة الصادقين لا يمتنعون عن رفع لواء الدعوة مهما كلف الأمر فقال لهم بكل ثبات:
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي *** بالسوط ضع عنقي على السكين
لن تستطيع حصار فكري ساعة *** أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي *** وربي ناصري ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي *** وأموت مبتسماً ليحيا ديني
وهكذا كان سيدنا يوسف عندما وضع القيد في يده وألقي في السجن وإذا به يحول السجن إلى مدرسة للتوحيد ونشر دعوة الإسلام فيقول لمن معه يعرض عليهم دعوة الإسلام (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار).
وبقي سيدنا يوسف صابراً محتسباً رافعاً لواء الدعوة حتى فرج الله عنه وملكه الدنيا والمال والسلطان وأصبح ملكاً وحاكماً يتصرف كيف يشاء وإذا به يرفع يديه إلى الله - عز وجل - والشوق يملأ قلبه فهو لا يريد مالاً ولا ملكاً ولا كرسياً وإنما همه أن يموت على دعوة الإسلام التي عاش من أجلها فدعا ربه قائلاً:
(رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)...
الدنيا أصبحت في يده وهو يرغب عنها ويطلب من ربه قائلا(توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) ومن أعظم الدعاة الذين مروا على التاريخ ولم يكن لهم حظ من أقوامهم من الاحترام والتبجيل والتعظيم الذي يستحقونه بجدارة سيدنا سليمان على نبينا و- عليه الصلاة والسلام - فقد من الله عليه وأعطاه ملكاً عظيماً وسخر له كل المخلوقات من الإنس والجن والحيوانات والجبال لتعمل معه في مجال الدعوة إلى الإسلام حتى جاءه الهدهد في يوم من الأيام وأخبره أن امرأة في اليمن تحكم قوماً يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله... سبحان الله هدهد صغير بسيط لما رأى أناساً قد انحرفوا عن الإسلام والدعوة الإسلامية أنكر عليهم وحمل همهم وأخبر بهم نبي الله سليمان.(2/121)
ليعيدهم إلى الإسلام..هدهد ضعيف صغير يطير ويسعى في سبيل الدعوة ونحن اليوم نرى شباباً ورجالاً ونساءً ينتمون إلى الإسلام ولا يحركون ساكناً ويقفون على هامش الحياة وكأن الدعوة أمر لا يهمهم ولا يعنيهم..فجاء الهدهد وقال لسيدنا سليمان كما ذكر في القرآن الكريم (إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم.. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله). فلما سمع سيدنا سليمان كلام الهدهد حمله رسالة إلى تلك المرأة وإلى قومها..فحمل الهدهد الرسالة وطار بها وبذل جهداً في سبيل إيصالها والمؤسف أن من المسلمين اليوم من بلغ من العمر الثلاثين والأربعين والسبعين ولم يبذل ربع الجهد الذي بذله الهدهد في سبيل الدعوة ووصلت رسالة سليمان - عليه الصلاة والسلام - إلى المرأة وقومها يا ترى ما الذي يوجد في الرسالة هل فيها مفاوضات هل فيها اتفاقيات على تقاسم الثروات والأموال هل فيها معاهدات على الخيانة من أجل البقاء على الكرسي والمنصب اسمعوا يا اخوة نص الرسالة التي أرسلها سيدنا سليمان - عليه الصلاة والسلام - مع الهدهد إلى تلك المرأة وقومها الذين انحرفوا عن دعوة الإسلام (قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلى كتاب كريم: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على وأتوني مسلمين) هذا هو نص الرسالة:(بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو علي وأتوني مسلمين).
هذه الكلمة وكفى ولا شئ سواها فهو لا يريد من البشرية إلا أن يخضعوا ويسلموا لله - عز وجل -..ولما أنتصر سليمان على تلك المرآة وعلى قومها وجاءت خاضعة بين يديه إ لتفت سليمان إلى قواده ووزرائه وبطانته وحاشيته ليذكرهم أن هذا النصر المبين الذي حققوه لم يكن بقوتهم ولا بخبرتهم ولا بعظمتهم وإنما لأنهم رفعوا لواء الدعوة إلى الإسلام وتمسكوا به جيداً فقال لمن حوله (وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين).
ولما رأت بلقيس اعتراف سليمان بفضل الله عليه وما أعطاه الله إياه من قوة وعظمة وملك ما كان منها إلا أن استجابت لدعوة سليمان وقالت (إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين).
ثم جاء بعد ذلك أعظم أنبياء بني إسرائيل على الإطلاق وهو سيدنا موسى - عليه الصلاة والسلام - صاحب التاريخ العظيم الذي أخذ نصيباً وحظاً وافراً من القرآن الكريم والذي خاطبه ربه قائلاً: (ولتصنع على عيني). وقال له ربه أيضاً (واصطنعتك لنفسي) هذا النبي الكريم الذي رفع لواء الدعوة للإسلام عندما أراد أن ينقذ بني إسرائيل من الضعف والذل والهوان والاستكانة أول أمر طلبه منهم أن قال لهم (يا قوم إن كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين).لأنه يعلم أن دخولهم في الإسلام سيخلصهم من بطش الفراعنة ومن حياة الذل والهوان التي كانوا يعيشونها ولقن سيدنا موسى كلمة الإسلام لسحرة فرعون فدخلوا الإسلام وأعلنوه صيحة مدوية مجلجلة في وجه فرعون فقالوا له:(وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ عليه صبراً وتوفنا مسلمين).
حتى إن فرعون بذاته الذي ناصب موسى العداء وطغى وتكبر وادعى الألوهية كان يعلم الحقيقة كان يعلن أن الإسلام هو دين الله ولا دين سواه.
فعندما وقعت برأسه الواقعة وأدركه الغرق لم يسعه إلا أن يعترف بالحقيقة والإسلام ولكن في لحظة لا ينفع فيها الاعتراف ولا الندم فقال أخزاه الله وهو يغرق:(لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين).
وأخر الأنبياء قبل سيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام - إنما هو سيدنا عيسى كلمة الله التي ألقاها إلى مريم والذي دعا قومه إلى الله..... وأحب أن يسمع الإخلاص لدعوة الإسلام والإقرار بها من خلص قومه وجماعته الذين رباهم.أحب أن يأخذ منهم عهداً بالبقاء على دعوة الإسلام والتمسك بها في وقت ضاع وفسد وكفر فيه الناس (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا به واشهد بأنا مسلمون).
وهذا أيها الإخوة سرد موجز لتاريخ الدعوة الإسلامية في زمن بعض الأنبياء لنعلم أن كل الأنبياء كانوا دعاة للإسلام لا لغير الإسلام ولم يعرفوا ديناً آخر سوى الإسلام وما أنزل الله وحياً ولا كتاباً ولا أرسل رسولا ولا نبياً إلا من أجل دين واحد هو الإسلام.
وقد بين الله هذا بشكل واضح في القرآن الكريم فقد أخبر على لسان أناس ضلوا وفسقوا وابتعدوا عن الإسلام فقالوا (كونوا هوداً أو نصارى تهدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قولوا أمنا بالله وأنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب الأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن لهم مسلمون).
وأختم كلامي هذا بحديث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجز لك هذا الحديث أيها الأخ الحبيب أن الأنبياء والمرسلين إنما هم كوكبة واحدة يعملون في سبيل الدعوة إلى الله - تبارك و تعالى - فقد جاء في صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فراح الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة ثم قال - عليه الصلاة والسلام - فأنا اللبنة وأنا خاتم الأنبياء).
اللهم أجعلنا من الذين يرفعون لواء الدعوة ويسيرون على خطى الأنبياء الذين قلت عنهم في كتابك (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)
http://www.alsaer.netبتصرف من:
===============
أنين العفة في زمن الغربة
يقشعر جلد المسلم وهو يسمع ما أصاب بيوت المسلمين إلا ما رحم ربي ويتقلب قلب المسلم للقدر إذا اشتد عليه غليانه.. كل ذلك وهو يفكر فيما أصاب هؤلاء.... إلى الله المشتكى.
فهذا السائق مع تلك الفتاة يذهب بها وإذا بك ترى وياليتك ما رأيت... السائق يضحك بصوت مرتفع والفتاة تتمايل... الموضوع ساخن بينهم حتى كادت سخونته تحرق قلب ذلك المسلم الذي رأى ذلك الموقف، فما أن يغيب عن ناظريك هذا المشهد النكد حتى ترى مشهداً آخر يحرق ما تبقى... عندها وقف ذلك المسلم حائراً... أنسته حيرته طريق بيته... وصارت السيارة تمشي كأنها بدون سائق... وذلك المسلم يفكر في هذا الزمن وهذه الغربة الشديدة التي يعيش فيها المسلم اليوم... وفكر المسلم كيف يكمل العفيف وكيف تكمل العفيفة ما تبقى من العمر في هذه الغربة... دون أن يتأثر العفاف الذي تبقى لهما.
فكر المسلم وفكر... كيف يثبت هذا العفاف أمام تلك القنوات... كيف يثبت أمام تلك المشاهد في الشارع وفي السوق... حتى العمل بات مكان دعاية مجانية لتلك القنوات السيئة فذلك يمدح البرنامج الفلاني... وذلك يحكي عن جمال تلك المفتونة... فيما يجد المسلم الأنين يئن بداخله... ففتش فإذا به أنين العفة في زمن الغربة... فهل يعتزل المسلم والمسلمة المجتمع؟ أم ماذا يفعل... وعندها ضغط ذلك المسلم على شريط قرآن كي يسمع شيئاً من كتاب الله لعله يذهب عنه بعض ما أصابه وإذا به يسمع الحل الرباني أمام هذه البلايا وكأنه يسمعها لأول مرة... يا سبحان الله هذه آية في كتاب الله أين كنت عنها... كيف غفلت عنها؟ فهدأ ذلك الأنين في قلبه... وصار يردد تلك الآية بصوت منخفض (ا لم احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) إنه التميز العظيم لكل مسلم ومسلمة. يوم يقول الفتى: أنا مسلم وتقول الفتاة: أنا مسلمة. هنا تظهر الحقيقة عند الاختبار.(2/122)
تلك المشاهد التي لاعبت قلب ذلك الرجل المسلم هي نوع من الاختبار. هي الفتنة فهل ينجح المسلم والمسلمة في هذا الامتحان حينما تعرض تلك الفتن بأنواعها وألوانها ومغرياتها فيقف أمامها كأنه طود شامخ خاصة والله - تعالى - أكرمنا بجوارح نميز بها بين الخير والشر وعند عرض هذا البلاء على النفس ينتصر الإنسان على غلبة الهوى... عندها يتميز من بين الركام العظيم فيكون مسلماً حقاً حقاً. وتعلو نفسه ويهدأ أنينه ويحفظ عفافه. وفقنا الله وإياكم لذلك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد إمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://muslm.net المصدر:
===============
خواطر في زمن الصحوة
د. نهى قاطرجي
يتساءل المسلم وهو على مشارف عام ميلادي جديد عن دور المسلمين في مواجهة العولمة الأميركية - الصهيونية - التي تهدف إلى إلغاء الدين والهوية واللغة؟ ويأتي التساؤل أيضاً عن موقع الإسلام في قلوب أبنائه؟ وهل صحيح ما يقال من أن الصحوة الإسلامية تأخذ طريقها بين أبناء المسلمين؟ وأنها لا بد أن يكون لها دور مستقبلي في مواجهة الأخطار والتحديات القادمة؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست من قبيل التنبؤ ولكنها من قبيل الاستقراء للأحداث التي حصلت في القرن الحالي، ومن قبيل يقين المسلم بأن العزة لهذا الدين ولو بعد حين.
إن مما يستطيع أن يدركه أي مسلم عايش الفترة الزمنية الممتدة من السبعينيات إلى الآن، هو وجود بذور صحوة إسلامية لم تكن موجودة فيما قبل، فإذا أمكن الحصول على فيلم فيديو يصور الحياة اليومية في أحد الشوارع العربية (ذات الأغلبية المسلمة) في فترة السبعينيات ومقارنتها بفيلم آخر للشارع نفسه في يومنا هذا يلاحظ بسهولة تغيرات بين ذاك الزمن وهذا.
لقد كان الناس - في تلك الأيام - يفتتحون يومهم بالاستماع إلى فيروز وإلى الأغاني الكلاسيكية، وكانت أصداء هذه الأصوات تملأ آذان المارين أمام المحلات التجارية في طريقهم إلى مدارسهم أو مراكز عملهم؛ أما اليوم فإن هذا الفعل قد استبدل - بفضل من الله - تعالى - وأصبحت آيات القرآن الكريم تصدح في المحلات التجارية وداخل البيوت أيضاً، فإذا فتحت النافذة صباحاً تأتيك آيات القرآن الكريم أو يأتيك صوت العالِم أو الخطيب الذي يلقي درساً أو خطبة دينية تستمع إليها ربة المنزل وهي تقوم بأعمالها المنزلية.
ويمكن أيضاً بالمقارنة بين صور الناس في تلك الفترة وصورهم اليوم، أن يُلحظ اختلاف واضح في لباس الناس بين هاتين الفترتين، ففيما كان الحجاب نادر الوجود في تلك الفترة نتيجة الانقلاب الذي قامت به بعض النسوة تحت شعار الحرية، أصبح الحجاب - وبرغبة من المرأة أيضاً - لباساً إسلامياً تفخر به المرأة، وتتمسك به تمسك افتخار وتحدي، أما المسلم الملتحي الذي كان فيما مضى نادر الوجود، فقد أصبح وجوده اليوم أمراً عادياً لا يلفت انتباه المارة.
إن هذه الأمور جد مهمة، لأنها إنما تعبر عن تمسك المسلمين بأوامر الله - عز وجل - الذي أمر باتباع دينه ونهى عن متابعة أهل الكتاب، قال - عز وجل - : "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير" [سورة البقرة، الآية 120]
قال الإمام ابن تيمية في تفسير هذه الآية: "فانظر كيف قال في الخبر " ملتهم " وفي النهي "أهواءهم" لأن القوم لا يرضون إلا باتباع أهوائهم من قليل أو كثير، ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه، أو مظنةٌ لمتابعتهم فيما يهوونه" [اقتضاء الصراط المستقيم، ص15]
إن في ترك التشبه بالكفار ترك لاتباع الهوى وتمسك بالعقيدة، لأن من فعل هذا الأمر مختاراً إنما يفعله نتيجة إدراك داخلي بوجود آمر يأمره بفعل هذه الأمور، وبما أن الأمر في مثل هذه الحالة لا يمكن أن يكون نابعاً عن النفس وعن الشيطان لكونهما لا يأمران بمعروف ولا ينهيان عن شهوة ولذة، فإنه في هذا الحالة لابد أن يكون نابعاً عن إيمان بالله الذي أمر عباده بالمعروف ونهاهم عن المنكر.
إن ميزة هذه الأفعال أنها ليست فردية، كما أنها - إن شاء الله تعالى - في تزايد مستمر، مما يجعل المراقب المحايد يتيقن أن الأمر اليوم يختلف عما سبق، وأن الدافع وراء هذه التصرفات ليست دوافع آنية فردية؛ بل هي نابعة عن صحوة إسلامية في نفوس أبناء الإسلام الذين نفضوا عن أنفسهم غبار الهزيمة والانحطاط وعادوا إلى أصالتهم وتمسكهم بدينهم.
وفي محاولة لمعرفة دوافع هذه الصحوة وتحليل بعض مسبباتها، يمكن ذكر ما يلي:
1 - فشل الحلول المستوردة ووعود التيارات المتغربة، التي كانت منتشرة بين الناس في تلك الفترة الماضية، والتي نجحت في السيطرة على المجتمع الإسلامي وبث السموم في نفوس المسلمين عبر المدارس والجامعات، وعبر إرسال البعثات التعليمية إلى الخارج التي كان لها دور في الدعوة إلى اللحاق بركب الحضارة الغربية ونبذ التخلف والتراجع الذي كان متمثلاً - بنظر المُبتعثين - بالتمسك بالدين والهوية الإسلامية.
2 - انتشار العلم الشرعي بين الناس وسهولة الحصول عليه، فانتشر العلم بين الخاصة والعامة ولم يعد مقصوراً على طبقة العلماء فقط، فأصبح من السهل على كل طالب علم أن يلتحق بالمعاهد والكليات الشرعية أو يلتحق بحلقات العلم في المساجد والبيوت، كما أصبح من السهل على كل من يريد أن يتعرف على دينه أن يصل إلى مبتغاه عبر وسائل الإعلام المرئية وغير المرئية، تلك الوسائل التي تعنى بنشر العلم الديني وتعريف الناس بمبادئ هذا الدين الحنيف.
3 - عودة الناس إلى الفطرة التي فطرهم الله عليها في عالم الذر، قال - تعالى - : "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى شهدنا" [سورة الأعراف، الآية 172]
فالناس منذ آدم يؤمنون بوجود الله - سبحانه و تعالى -، والرسل والأنبياء لم يبعثوا لكي يقولوا للناس أن هناك إلهاً (أي لأن هذا معروف بالفطرة) ولكنهم بعثوا " لتصحيح مسار العقيدة وتقويم الفطرة مما تقع فيه من الضلال"، [محمد قطب، مذاهب فكرية معاصرة ص608]
فإذا قومت الفطرة وذهبت الموانع التي كانت تحول بين الإنسان وفطرته، فلا بد أن يعود إلى الالتزام بشرع الله مصداقاً لقوله - تعالى - : "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله"
4 - التجاء المسلمين إلى الله - عز وجل - بعد أن أيقنوا أنه لا ملجأ منه إلا إليه، وقد كان لابتلاء الله - عز وجل - بالخوف والجوع والنقص في الأموال والأنفس أثره في هذا المجال، أن سُنة الابتلاء جعلها الله - - سبحانه - و - تعالى - - سبيلاً أمام العبد للإنابة إلى الله والعودة إليه، قال - تعالى - : "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" [سورة البقرة، الآيتان 155 - 156]
فهذا الابتلاء من الله - عز وجل - للعباد هو لاختبار صبر الصابرين، ولرفع درجات المؤمنين، وليعلم العبد أن الله هو الخالق الواحد الرازق المحيي المميت، وهو أيضاً الغفار مجيب الدعاء، فهو القائل: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" [سورة غافر، الآية 60](2/123)
5 - انتباه المسلمين إلى المؤامرة التي طالت الأمة الإسلامية حيث تكالب الأعداء عليها وتحيزوا ضد أبناءها وظلموهم ظلماً لا سبيل لرفعه إلا بتكاتف أبناء الإسلام حول دينهم، لأنه لا سبيل للعزة والنصر إلا بالعودة إلى تعاليم الإسلام والتزام شرعه، وقد أدرك المسلمون أيضاً كذب هؤلاء الأعداء حين رفعوا شعارات لا يؤمنون بها ولا يطبقونها على أنفسهم، كشعار الدفاع عن حقوق الإنسان، وشعار حرية المعتقد، وما إلى ذلك.
كل ما سبق كلام واقعي يمكن ملاحظته بسهولة بالاستقراء، ولكن السؤال هو التالي: ألا يلزم لهذه الصحوة دعائم وأسس؟ ألا يمكن للمسلمين اليوم أن يتراجعوا عن صحوتهم تحت أي شعار، وتحت أي ظرف؟
بلى، إن الصحوة تحتاج إلى دعائم، ودعائمها تكون بالعلم الشرعي وبالتمسك بكل ما جاء به الإسلام، بكل بنوده وأحكامه تنفيذاً لأوامر الله - عز وجل - الذي يحب أن يؤخذ الكتاب بقوة، فقد قال - سبحانه و تعالى - ليحيى - عليه السلام -: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" [سورة مريم، الآية 12]
كما قال - عز وجل - لرسول الله - صلى الله عليه و سلم -: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين" [سورة المائدة، الآية 67]
إن أي خلل في تبليغ الرسالة يهدد أبناء الأمة بالانحراف، ويهددهم بغضب الله وبالضلال الذي أصاب الأمم السابقة، والتي منها أمة اليهود التي أخذت ببعض الكتاب وكفرت ببعض، فقال - تعالى - فيهم: "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون" [سورة البقرة، الآية 85]
وهذا الأمر هو للأسف ما يحصل مع بعض أبناء المسلمين اليوم الذين يريدون الالتزام ولكن بشروطهم وشعاراتهم وأفكارهم التحررية التي نقلوها من مذاهب فكرية دنيوية تدعو إلى النظرة إلى الدين نظرة معاصرة، وإلى فتح باب الاجتهاد للبحث عن أحكام شرعية جديدة ونبذ تلك الأحكام المستمدة من القرآن والسنة، وهم يعتقدون أنهم بفعلهم هذا يعملون على إيجاد حلول لمشاكل معاصرة لم تكن موجودة فيما مضى، والواقع أن هذه المشاكل التي يتحدثون عنها إنما هي ناتجة عن التمسك بأفكار ومبادئ بعيدة عن منهج الدين الإسلامي وهي بالتالي تخدم مخططات الغرب وأهدافه في هدم الدين الإسلامي على يد أبنائه.
ومما يثير التخوف من الكبوة والانهزام، هو أن هذه الصحوة ليست شاملة، فهي محصورة في منطقة دون أخرى، ومع أناس دون آخرين، حتى أنه قد يكون في البيت المسلم الواحد المسلم الملتزم والآخر المتحرر، البنت الملتزمة والأم المتحررة، والمؤسف أيضاً أنه فيما تمتلئ المساجد بالمصلين، فإن هناك أماكن أخرى تمتلئ أيضاً، هذه الأماكن هي أماكن اللهو وعلب الليل التي تعج بأبناء المسلمين الذين يضيعون أوقاتهم بالمعاصي وارتكاب الموبقات، وينبذون الدين وراء ظهورهم.
إن هذا التناقض ليس بمستغرب لأن الخير والشر في صراع دائم منذ بدء الخليقة، والشيطان وأعوانه يعملون جاهدين على تكثير أتباعهم إلى يوم القيامة حسداً وكرهاً لبني آدم، فقد ورد في القرآن الكريم على لسان إبليس لعنه الله: "قال أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ لئن أخرتنِ إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً" [سورة الإسراء، الآية 62]
والمسلم ليس مطالباً باقتلاع الشر من جذوره، إنما هو مطالب بالتبليغ والدعوة إلى الله - تعالى - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليرفع عنه الإثم ولتنطبق عليه صفة الخيرية التي قال الله - عز وجل - فيها: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" [سورة آل عمران، الآية 110] والتي توجب على من يريد أن يتصف بها على أن يعمل ضمن إمكانيته وقدر استطاعته على تحويل زمن الصحوة إلى زمن نصرة ورفعة قبل أن يسبقه أعداء الإسلام الذين يحاولون أن يثبتوا بأن الصحوة التي ورد الحديث عنها هي… مجرد خواطر.
http://akhawat.islamway.com المصدر:
-============
الفكر الإسلامي في زمن العولمة ( 1 )
محمد سليمان أبو رمان
يعد سؤال الهوية من الأسئلة المحورية في الفكر العربي المعاصر، وقد شغل هذا السؤال كثيرًا من مداولات وسجالات المفكرين العرب، وأدخلهم إلى ميادين الصراع الفكري، وقسّمهم إلى فئات متنازعة حول الأصول الفكرية والمعرفية التي ينبغي أن تحكم مسيرة النهضة والتنمية، والخروج من كهف التخلف ومن ظلمات التيه.
وأخذ الصراع الفكري أشكالاً متعددة، ومر بمراحل مختلفة في العالم العربي في فترة العصور الحديثة، لكنه وصل اليوم مع العولمة إلى مرحلة متقدمة جدًا تمتاز بوجود أمريكي مهيمن على العالم، وحداثة غربية تنتقل وتسود بشكل كبير - مع تطور ثورة الانفوميديا -.
و يجد الفكر الإسلامي اليوم نفسه أمام تحديات كبيرة في عدة مستويات: مستوى نقد الحداثة الغربية، ومستوى مواجهة ظواهر التشدد والانغلاق والجمود الفكري في الداخل، ومستوى صوغ استراتيجية فكرية تدفع بالإنسان والمؤسسات في العالم العربي إلى المضي بفعالية و قوة في مشروع النهضة والتنمية وتجاوز مرحلة الانكشاف الحضاري السافر الذي وصلنا إليه أمام الآخر، والخروج من الفجوة الكبيرة بين حالتنا الحضارية ورصيدنا الحضاري الكبير..
المدرسة الإصلاحية:
بدأت أولى الجدالات حول مسألة الأصالة والمعاصرة، ودور الفكر الإسلامي في مواجهة التحديات الكبرى مع الحملة الفرنسية على مصر، وعودة الطلاب العرب الدارسين في الغرب، وجاءت أبرز المساهمات الرائدة في هذا المجال مع رحلة رفاعة الطهطاوي والذي سجّل ملاحظاته ورؤيته و استنتاجاته حول الحضارة الغربية في كتابه"تخليص الإبريز في تلخيص باريز".
ثمّ كانت أبرز المحاولات الفكرية في مواجهة التحدي الحضاري الغربي - و ما وصل إليه من فلسفة وعلوم ومعرفة وما صاحب ذلك من تقدم وتطور تكنولوجي - من قبل ما عرف بالمدرسة الإصلاحية (جمال الدين الأفغاني، عبد الرحمن الكواكبي، محمد عبده، رشيد رضا، علال الفاسي، ابن عاشور، ابن باديس)، وقد تمركزت مجهودات هذه المدرسة في:
- الإطلاع على المعرفة والثقافة الغربية، وهضم أصولها، ودراستها دراسة نقدية.
- رصد الجوانب الإيجابية في المعرفة والثقافة الغربية، والعمل على الإفادة منها في المشروع النهضوي الإسلامي.
- رصد جوانب الخلل في المفاهيم الحاكمة في هذه الحضارة، وتنبيه المسلمين إليها، وإلى خطورة الوقوع فيها، خاصة الفلسفة المادية في النظر إلى الوجود والحياة.
- إعادة تفسير الإسلام ومصادره المعرفية وفق أسس جديدة تتناسق مع الأصول الفكرية والمقاصد الشرعية للإسلام، وتكون قادرة على الدخول إلى العصر بروح إسلامية متقدمة ومتجددة.
- تجديد الفعالية الحضارية و النهضوية الإسلامية، والعمل على استنهاض الشعوب للمساهمة والمشاركة في عملية التنمية والتحديث في العالم الإسلامي.(2/124)
وكان للمفكر الجزائري مالك بن نبي مقاربة متميزة في فهم شروط النهضة و أسس التنمية المطلوبة، وكذلك في فقه الصراع الفكري في العالم العربي، خاصة في كتابه"الصراع الفكري في البلاد المستعمرة"، ولعل أبرز ما قدّمه ابن نبي -بالإضافة إلى نظريته في شروط النهضة - هو مفهوم"القابلية للاستعمار"؛ والذي يقوم على فرضية أن الاستعمار هو محصلة ونتيجة منطقية للحالة الثقافية والفكرية وليس سببًا لها، والمشكلة هي في جمودنا وكسلنا وغياب الفعالية الحضارية، وليس الاستعمار والغرب.
الفكر الإحيائي:
وتلا المدرسة الإصلاحية والمحاولات المبكرة في هضم الثقافة الغربية، وتجديد الخطاب الإسلامي، مرحلة جديدة ظهر فيها الانقسام الفكري على أشده، وجاء أغلب النتاج الفكري والمعرفي لهذا الصراع الفكري قبيل الاستعمار، وفي المرحلة المبكرة من الاستقلال السياسي وظهور الأنظمة العلمانية في العالم العربي، وبدأ مع هذه المرحلة حالة الاستنزاف الشديد للفكر العربي في هذا الصراع والجدال الحاد حول هوية الدولة والمجتمع، وأثّر ذلك على مناهج الثقافة والتعليم والفن والأدب.
واجه الفكر الإسلامي هذا التحدي والصراع الجديد من خلال مجهودات ركزت على نقد الأسس الفكرية والمعرفية للحداثة الغربية وتصوراتها العامة في كافة مجالات الحياة، وبرزت في هذا السياق مساهمات أبي الأعلى المودودي في أغلب كتبه، وأيضًا الشهيد سيد قطب، وأخيه الأستاذ محمد قطب خاصة كتبه:"مذاهب فكرية معاصرة"،"الإنسان بين المادية والإسلام"،"جاهلية القرن العشرين"، وكُتب يوسف القرضاوي ومنها " الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا"، وكُتب الشيخ محمد الغزالي.
وقد أكّد الفكر الإسلامي في هذا النتاج المعرفي والفكري على عدة قضايا:
- التمييز في الحضارة والفلسفة الغربية بين البعد الفلسفي والبعد التقني والعلمي المحض، والدعوة إلى تجاوز الفلسفة الإلحادية والإفادة من التطورات العلمية التطبيقية.
- نقد الأسس المادية للحداثة الغربية، ولمناهجها العلمية والإنسانية، ومفاهيمها الحاكمة، ورصد آثارها المدمرة على الأمن الاجتماعي المبني على سيادة القيم والحفاظ على رأس المال الاجتماعي، الذي يستند على الدين الناظم لكل القيم الروحية والأخلاقية التي تحمي الإنسان من الفساد والانحطاط.
- عرض الفلسفة الإسلامية المقابلة للفلسفة الغربية، وبيان حالة التفوق الكبير للإسلام في تجاوز الخبرة الغربية أثناء التجربة المسيحية، وحالة الصدام بين العلم والدين والاستبداد الديني لرجال الكنيسة، وفساد التصورات المعرفية الكونية والاجتماعية للكنيسة.
وأغلب ما يميز المدرسة الإصلاحية / النهضوية السابقة عن المدرسة الإحيائية في مواجهة النظم العلمانية؛ أنّ المدرسة الإصلاحية لم تشهد صعود التيار العلماني بشكله الفض والرافض للقبول بالمنطلقات الإسلامية في السياسة والمجتمع و المعرفة والثقافة، وكذلك لم يشهد الفكر الإصلاحي الصراعات السياسية الحادة على هوية الدولة بين الحركات الإسلامية والنظم السياسية القائمة، الأمر الذي تطوّر إلى معارك دموية وحالة أمنية متعسرة واضطراب سياسي شديد، مما جعل الفكر الإحيائي أكثر تشددًا في مسألة الانفتاح، و أقل حرصًا على التجديد والتفاعل مع الحضارة الغربية، ودفع بالبعد الأيدلوجي ـ السياسي إلى الأمام، على حساب البعد المعرفي في محاولة الإجابة عن سؤال النهضة في الفكر و معضلة التخلف في الواقع العربي الحديث والمعاصر.
العولمة و الانكشاف الحضاري
مع انتهاء الحرب الباردة و أفول نجم الاتحاد السوفيتي و تضعضع مكانة ومصداقية المذهب الشيوعي؛ تأثر الفكر العربي بشكل كبير، وضعف بالتبعية الفكر الاشتراكي العربي، وأخذ عدد كبير من فلول المفكرين اليساريين يبحثون عن أيدلوجيا جديدة يتدثرون غطاءها بعد انكشاف عورتهم الفكرية و الفلسفية التي كانوا يجادلون عنها سنين طويلة، و لبس عدد كبير منهم ثوب الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان عندما وجدوه بضاعة رائجة في سوق المعونات والرشوة الأمريكية للمثقف العربي والمسلم، كما يرصد ذلك بموضوعية عزمي بشارة في كتابه"المجتمع المدني".
كما صدرت قراءات مستقبلية حول المرحلة القادمة من الصراع الفكري العالمي، كان أبرزها كتاب فوكوياما "نهاية التاريخ" والذي يزعم فيه أن التاريخ البشري قد وصل إلى نهاية كدحه الطويل؛ بحثًا عن الفلسفة الفكرية التي تحقق سعادة الإنسان و تكون القول الفصل في الجدال الإنساني الطويل في الفكر والفلسفة، وطبقًا لفوكوياما فإن الليبرالية والديمقراطية الغربية هي ذروة الفكر الإنساني ومحور خَلاصه وسعادته.
أما القراءة الثانية؛ فقد كانت للمفكر السياسي المعروف صموئيل هانتنجتون في كتابه "صدام الحضارات"، والذي يرى فيه أن المرحلة القادمة من الصراع العالمي ستكون مرحلة صراع ثقافي، وبالتحديد بين الثقافتين الإسلامية والغربية، وجوهر كل منهما المتركز حول الدين.
لقيت القراءتان السابقتان اهتمامًا كبيرًا في العالم، وكان لهما صدى واسع في العالم العربي، و أثارتا جدالاً كبيرًا، بيد أن المهم في الموضوع أن الفكر الإسلامي وجد نفسه أمام تحد واضح وكبير مرة أخرى، وهو مواجهة الحداثة الغربية، وقد جاءت هذه المرحلة بقوة وغزارة شديدة ترتدي ثوبًا جديدًا يطلق عليه "العولمة".
مفهوم"العولمة"- إذًا - ليس مفهومًا محايدًا؛ بل هو مفهوم محمّل ومثقل بالمضامين المعرفية والحضارية للحداثة الغربية، وخطورة العولمة أنها وسيلة قوية جدًا ومتطورة لنقل الحداثة والمشروع الغربي إلى أنحاء العالم، كما أنها تحمل قِناعًا تجميليًا فائقًا يقدمها في إطار من الإغراء الشديد للدخول والولوج إليها، وتصل محاولة تجنب التفاعل مع العولمة إلى درجة الاستحالة الحقيقية، إلاّ إذا اختارت أمة أو مجموعة أن تدخل كهفًا من الكهوف، وتعزل نفسها عن العالم وصولاً إلى الخلاص الروحي!.
ومما يزيد من صعوبة وخطورة تحدي العولمة أمام الفكر الإسلامي المواجهة العسكرية والسياسية بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، والتي تفجّرت بشكل كبير مع أحداث 11 أيلول وما تلاها من تحديات، وظهور التيار الجهادي، مما يجعل من مهام الفكر الإسلامي - بالإضافة إلى التحاور مع العولمة- مواجهة حالة الإحباط والتشدد الذي تنتاب كثيرًا من أبناء الأمة الإسلامية في غضبهم الشديد، وحنقهم على الحالة السياسية الحرجة التي آلت إليها الأمور من تسلط وهيمنة خارجية أمريكية وتدفعهم إلى الغلو في رفض الآخر، والميل إلى الانغلاق الفكري حرصًا على التأكيد على الهوية والذات أمام روح التبعية والهزيمة التي تنتاب فئات كبيرة من المفكرين والساسة.
ومن دواعي استنفار الفكر الإسلامي - في هذه المرحلة - انكشاف الحالة الحضارية للعرب والمسلمين عن درجة عالية من الفشل في المشاريع التنموية، وعن فساد كبير في الممارسة السياسية العربية، وحالة متقدمة من خطورة الأوضاع الاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي، وما يرتبط بذلك من فقر شديد و بطالة ونسب مرتفعة من الحرمان، و الأمية وغياب الإنتاج العلمي، وضعف تدفق المعلومات، وإهدار كبير للثروات، ناهيك عن الأوضاع السياسية البائسة المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة.(2/125)