وا أسفي لمنقطع دون الركب ، متأخر عن لحاق الصّحب ، يعدّ الساعات في " متى " و " لعل " ، ويخلو في " عسى " و " هل " !
يا من يعد غدا لتوبته = أعلى يقين من بلوغ غدِ ؟
المرء في زلل على أمل = ومنية الإنسان بالرصد
أيام عمرك كلها عدد = ولعل يومك آخر العدد
إخواني :
الحزم الحزم
والعزم العزم
يا آدمي أتدري ما مُنيت به = أم دون ذهنك ستر ليس ينجابُ
يوم ويوم ويفنى العمر منطويا = عام جديب وعام فيه اخصاب
فلا تغرنك الدنيا بزخرفها = فأريها أن بلاها عاقل صاب
والحزم يجني أمورا كلها شرف = والخرق يجني أموراً كلها عاب
وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - من أنواع الغيرة : الغيرة على وقت فات .
والوقت إذا فات ومضى لا يُمكن تعويضه
وأما المال فيذهب ويُمكن تعويضه في وقت آخر .
ها هو الوقت بين يديك ، وهو عمركِ فاعمره بما يسرّك في القيامة أن تَراه .
إن اليوم والليلة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة
ولكن من الناس من تمر عليه وقد ملّ منها ومن طولها لطول فراغه ، وعدم إشغال نفسه بما ينفع .
ومن الناس من يتمنّى أن اليوم والليلة يطول حتى يقضي منهما مآربه من بحث ومطالعة وحفظ ومراجعة ومذاكرة وزيارة في الله ونحو ذلك .
بل يُقسم بعضهم لو بيع الوقت لاشتراه !
ويتمنى آخرون لو أن الأوقات يُمكن فيها السّلف والدَّين والقرض ! ليقترضوا من أوقات البطّالين !
إخواني وأخواتي :
تأملوا في يومكم وليلتكم
كم هي الأوقات التي تم استغلالها ؟
وكم هي الأوقات التي هي لكم لا عليكم ؟
وكم هي الأوقات التي أمضيناها في طاعة الله ؟
ربما تكون لدى بعض الناس لا تتجاوز نصف ساعة من أربع وعشرين ساعة .
والبقية من الوقت ؟
ذهبت أدراج الرياح !
وضاعت سبهللا !
فيا ضيعة الأعمار لا تتعوّض .
طويت صحائفُ الأيام ، وبقيت شاهدة علينا بما أودعناها .
نسيناه فيما مضى من أيام وأعمال ، ولكنه عند ربي في كتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
قال ابن القيم - رحمه الله - بعد أن ذكر عشرةَ أشياء ضائعة . قال :
وأعظم هذه الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة :
إضاعة القلب
وإضاعة الوقت
فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة
وإضاعة الوقت من طول الأمل
فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل
والصلاح كله في اتِّباع الهدى والاستعداد لِلقاء .
والحرص على الوقت دليل على صحة القلب
قال ابن القيم رحمه الله :
ومن علامات صحته - يعني القلب - أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا من أشدّ الناس شحّاً بماله .
وأختم القول بقول ابن الجوزي رحمه الله :
حيث قال رحمه الله :
يا طويل الأمل في قصير الأجل
أما رأيت مستَلبا وما كمُل ؟
أتؤخر الإنابة وتعجل الزلل
ويمضي ابنُ الجوزي قائلاً :
يا أخي :
التوبة التوبة قبل أن تصل إليك النوبة
الإنابة الإنابة قبل أن يُغلق باب الإجابة
الإفاقة الإفاقة فيا قُرب وقت الفاقة
إنما الدنيا سوق للتجر ، ومجلس وعظ للزجر ، وليل صيف قريب الفجر
المكنة مُزنة صيف
الفرصة زورة طيف
الصحة رقدة ضيف
الغرة نقدة زيف
الدنيا معشوقة وكيف ؟
البدار البدار فالوقت سيف
يا غافلا عن مصيره
يا واقفا في تقصيره
سبقك أهل العزائم ، وأنت في اليقظة نائم .
قف على الباب وقوف نادم ، ونكّس رأس الذل وقل : أنا ظالم ، وناد في الأسحار مذنب وواجم ، وتشبه بالقوم وإن لم تكن منهم وزاحم ، وابعث بريح الزفرات سحاب دمع ساجم .
قم في الدجى نادبا ، وقف على الباب تائبا ، واستدرك من العمر ذاهبا ، ودع اللهو والهوى جانبا . انتهى .
ويقول :
يا من أنفاسه محفوظة ، وأعماله ملحوظة
أيُنفق العمر النفيس في نيل الهوى الخسيس
جَدّ الزمان وأنت تلعب = والعمر لا في شيء يذهبُ
كم كم تقول غدا أتوب = غداً غدا والموت أقرب
أمَا عمرك كل يوم ينتهب ؟
أمَا المُعظم منه قد ذهب ؟
في أي شيء ؟ في جمع الذهب
تبخل بالمال والعمر تَهَب
فالعمر قصير فلا تُقصِّره بتضييعه والتفريط فيه .
العمر كما بين الأذان إلى الصلاة
أذان المرء حين الطفل يأتي *** وتأخير الصلاة إلى المماتِ
دليل أن محياه يسير *** كما بين الأذان إلى الصلاة !
فالوقت هو الحياة
فاحفظه حفظك الله
فمن حفظ الله حفظه الله .
وها نحن نقف على أبوب الإجازة الصيفية فمغبون فيها وخاسر ، ورابح فيها ومع الله مُتاجر
فاختر لنفسك .
وها نحن على عتبات ثمانين يوماً أو تزيد فماذا أعددت لها للاستفادة منها ؟؟
بعلم نافع
أو حفظٍ لكتاب الله
أو دعوة إلى الله
أو تعليم جاهل
أو قراءة في كتاب
أو ملازمة شيخ أو شيوخ
أهيب بنفسي وبك أن لا تمرّ هذه الأيام والليالي دون فائدة
قد هيئوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
==============
يوم في حياة صائم
بقلم: محمد حسن يوسف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه. [ متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان (435) ]. وقال صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه. [ متفق عليه: البخاري (1901)، ومسلم (760) ]. قال الخطابي: " قوله: إيمانا واحتسابا، أي: نية وعزيمة، وهو أن يصومه على التصديق والرغبة في ثوابه، طيبة به نفسه، غير كاره له، ولا مستثقلٍ لصيامه، ولا مستطيلٍ لأيامه، لكن يغتنم طول أيامه لعظم ثوابه ". وقال البغوي: " قوله: ( احتسابا ): أي طلبا لوجه الله تعالى وثوابه، يقال: فلان محتسب الأخبار، ويتحسبها، أي: يتطلبها ". [ صحيح الترغيب والترهيب، 1/582 ]. وقال محمد صالح العثيمين: ومعنى قوله: ( إيمانا ): أي إيمانا بالله وبما اعده الله من الثواب للقائمين. ومعنى قوله: ( احتسابا ): أي طلبا لثواب الله لم يحمله على ذلك رياءً ولا سمعة. [ مجالس شهر رمضان، 20 ].
في هذين الحديثين فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قيام الليل، وهو عبادة ليلية، وبين صيام رمضان، وهو عبادة نهارية. وكأنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يلفت انتباهنا إلى ضرورة اغتنام ليل رمضان ونهاره. فما هي أفضل الأعمال التي يمكن للمسلم أن يغتنمها في شهر رمضان، حتى يخرج منه بأكبر قدر ممكن من الحسنات؟! هيا بنا نتعرف على أهم تلك الأعمال، ونقسّمها إلى أعمال ليلية وأعمال نهارية. وحاول ألا تقوم بعمل طاعة إلا بعد أن تعرف فضله، حتى تستشعر ذلك عند أدائه، فتؤديه بقلبك فلا يكون مجرد حركات ببغائية لا تستفيد منها بشيء.
تنبيهات
* لا يلزم التقيد بما جاء في البرنامج أدناه، بل الأفضل أن تُدخل التغييرات عليه وفقا لقدرتك وطاقتك، حتى يتحقق منه أقصى استفادة ممكنة.
* هناك ثلاث أوقات ثمينة للغاية، ولكن للأسف يكثر التفريط فيها. هذه الأوقات هي: أول ساعة من النهار ( بعد صلاة الفجر )، والتي غالبا ما تضيع بالنوم. وآخر ساعة من النهار قبل المغرب، وغالبا ما تضيع بالانشغال في إعداد طعام الفطور والتهيؤ له. ووقت السحر، الذي يضيع ما بين النوم أو طول الانشغال بطعام السحور. بينما هذه الأوقات تكون أوقات السير إلى الله بالطاعات.(1/176)
* إياك وكثرة النوم في رمضان، فكما يقول شداد بن أوس: كنا لا نعرف النوم في رمضان. وكثرة النوم - كما يقول ابن القيم - يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل ... وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره. ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه، وكثر ضرره، لاسيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران. ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. فإنه وقت غنيمة. وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة، حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس. فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة. ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة. فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر. [ تهذيب مدارج السالكين: 201 ].
* كثير من الأخوات تكون في غاية النشاط إلى أن تأتيها فترة الحيض، فيفتر حماسها تماما، بما لا تستطيع معه مواصلة العمل الدءوب بعد انقطاعه عنها. فعلى الأخت المسلمة أن تحاول مضاعفة أعمال الخير والطاعات المباحة أثناء فترة الحيض. وتحتسب تركها للصيام والصلاة في فترة الحيض، وأنها ما تركت ذلك إلا تعبدا لله، لأنه سبحانه وتعالى أمرها به. وذلك بخلاف ما تحتسبه من أن يُكتب لها من الأجر مثل ما كانت تعمل أيام طهرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا مرض العبد أو سافر، كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما " [ صحيح / صحيح الجامع، 799 ]. ويمكن لها تعويض الصلاة والصيام بأنواع القربات المختلفة، من ذكر الله والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والصدقة وقراءة الكتب المفيدة والمساهمة في تفطير الصائمين ... وغيرها من أعمال البر. كما يمكنها قراءة تفسير القرآن أو أن تواصل ختمات القرآن التي بدأتها من خلال الاستماع إلى أشرطة المصحف المرتل.
أعمال متكررة
* ترديد الآذان، ثم أذكار ما بعد الآذان. والدعاء بين الآذان والإقامة فهو دعاء لا يرد إن شاء الله، وهو في هذا الوقت من أفضل الأعمال على الإطلاق.
* محاولة انتظار الصلاة في المسجد، فأنت في رباط ما دمت في انتظار الصلاة.
* تلاوة أذكار ما بعد الصلوات، والمكث في مصلاك متطهرا أثناء أداءها، فهذا من مكفرات الذنوب، حتى تستغفر لك الملائكة ( انظر حديث اختصام الملأ الأعلى ).
* المحافظة على تلاوة ربعين من القرآن وقت كل صلاة.
* أذكر الله في أحوالك كلها أثناء الذهاب والإياب من المسجد وإليه، وأثناء الطريق. واحرص على ذكر الأحوال والمناسبات: كالخروج من المنزل أو الدخول إليه، ولبس الثوب، وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار الطعام والشراب، ودعاء الإفطار ... الخ.
أعمال ليالي رمضان
اعلم أن الفترة ما بين غروب الشمس إلى شروقها تكاد تصل إلى اثنتي عشرة ساعة. فما لم تنتظم هذه الفترة في أعمال محددة، فلن تستفيد منها.
1. انتظار آذان المغرب مع الذكور من أفراد أسرتك في أقرب مسجد لمنزلك، والإلحاح في الدعاء على مسائل محددة. ويستحب التبكير بالإفطار على رطب، فإن لم تجد فعلى تمر ، فإن لم يجد فماء، وذلك متى سمعت الآذان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " [ صحيح / صحيح الجامع، 7694 ]، ثم صلاة المغرب في جماعة.
2. والزوجة تفطر مع بناتها في البيت بعد صلاة المغرب معهن جماعة، ثم ينتظرن رجوع الرجال للإفطار سويا على مائدة واحدة، بعد تلاوة أذكار الطعام. واحتسب الأجر في الأكل بأنك تتقوى به على طاعة الله، ليكون ذلك عبادة وتقرب إلى الله. ولا تنس صلاة ركعتين سنة المغرب بعد تناول طعام الإفطار.
3. عدم الإفراط في طعام الإفطار حتى تستطيع أداء صلاة التراويح، وحبذا لو استطعت تأخير طعام فطورك إلى ما بعد صلاة التراويح.
4. إذا كنت في عزومة مع الأهل أو الأصدقاء، فاستغل هذا الوقت بما ينفع، وذلك بالدعوة إلى دين الله تعالى كلما أمكن، واحرص على أن تأخذ معك تمر لكي يفطر الصائمون عليه.
5. الذهاب مبكرا إلى المسجد لأداء صلاة العشاء. ثم صلاة سنة العشاء ركعتين بعدها. ثم صلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف لحديث " من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة " [ صحيح / صحيح سنن الترمذي، 806 ]. فاحرص على أجر قيام ليلة كاملة بتطبيق هذا الحديث، ولا تنصرف قبل الإمام. والمرأة التي ترى نشاطاً من نفسها في القيام في المسجد، فلتصلى التراويح في مصلى النساء: " لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن " [ صحيح / صحيح الجامع، 7458 ]، مع الحرص على الاحتشام ومرافقة الخيرات من النساء، والتيقن بأن بيتها أفضل لها.
6. النساء في البيت تبدأ في مراجعة دروس أولادها بعد صلاة التراويح، واغتنام هذا الوقت في الذكر والاستغفار كلما أمكن.
7. النوم مبكرا مع تلاوة أذكار النوم، واحتسب الأجر في النوم أنه ليعينك على طاعة الله بقيام الليل. وحبذا لو كان النوم قبل الساعة العاشرة، ليكون ذلك عونا على قيام الثلث الأخير من الليل. واحرص على أن تنام متوضئا، وعلى جانبك الأيمن.
8. احرص على اغتنام ليل رمضان بالاستيقاظ قرب جوف الليل، وتلاوة أذكار الاستيقاظ من النوم، والتسوك للبدء في صلاة القيام، وإيقاظ الأهل للصلاة.
9. واعلم أن دقائق الأسحار غالية، فلا تضيعها بالغفلة والانشغال، بل احرص على أن تشغلها بالطاعات. فاحرص على تنويع العبادات خلال هذا الوقت المبارك، ما بين صلاة قيام مع إطالة القراءة فيها بأجزاء كثيرة من القرآن كما كان يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك من حفظك، أو بالقراءة من المصحف إن لم تكن حافظا. والاستغفار لقوله تعالى: ? وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِاْلأَسْحَارِ ? [ آل عمران: 17 ]، والتوبة من جميع الذنوب. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والإلحاح في الدعاء، وسؤال الله تعالى من فضله.
10. اصحب من تتوسم فيه أن يشد أزرك طوال شهر رمضان، وحاول أن تقتدي به. مع مراجعة سير الصالحين من الصحابة والتابعين، بقراءة أحوالهم مع قيام الليل ( يراجع كتاب رهبان الليل )، ففي ذلك معين كبير على السير إلى الله.
11. احرص على تناول السحور، مع الحفاظ على أن يكون السحور في آخر وقت قبل الفجر، ثم الخروج إلى صلاة الصبح عقبه.
12. احرص على صلاة ركعتي سنة الفجر في البيت قبل الخروج إلى المسجد، فهاتين الركعتين أفضل من الدنيا وما فيها.
13. صلاة الفجر في جماعة، واستشعر قوله تعالى: ? وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ? [ الإسراء: 78 ]. وامكث في مصلاك حتى الشروق ( ويشغل هذا الوقت بترديد أذكار الصباح، أو تلاوة القرآن وحفظه )، ثم صلاة ركعتي الضحى حتى يُكتب لك أجر حجة وعمرة كاملتين.
أعمال نهار رمضان
14. بعد شروق الشمس، إغفاءة خفيفة ( لمدة ربع أو نصف ساعة ) إن لزم الأمر، ثم تجهيز المنزل بمعاونة أفراد الأسرة، وإعداد الأولاد لاستقبال يوم دراسي جديد.
15. إذا كانت المرأة تعمل، فمن الممكن إعداد طعام الإفطار قبل نزولها للعمل.(1/177)
16. في الطريق إلى العمل احتسب الأجر من الله حتى تؤجر طيلة زمن العمل. واحرص طوال الطريق إلى العمل على ذكر الله أو قراءة جزء من القرآن أو الدعاء. أما إذا كنت تذهب بسيارتك بمفردك، فحاول وضع شريط من المصحف المرتل لسماعه، مع مراعاة التسلسل في أجزائه حتى تتم ختمة للقرآن بهذا الشكل. وإذا كنت تذهب بسيارتك برفقة الزوجة أو صديق، فليقرأ من يجلس بجوارك جزءا بصوت مرتفع.
17. إن لم تكن مكثت في مسجدك بعد صلاة الفجر وصليت صلاة الضحى، فاحرص على صلاتها حتى قبل آذان الظهر، وأقلها ركعتان.
18. احرص في العمل على أن تخلص فيما تؤديه من أعمال، وعلى غض البصر، وتجنب المشاحنات، وتجنب الفحش من الألفاظ. وإذا ما وجدت فرصة فراغ، فاغتنمها بقراءة القرآن، ولا تضيعها بقراءة ما لا يفيد من جرائد أو مجلات.
19. صلاة الظهر في جماعة، مع المحافظة على سننها: ( من صلى قبل الظهر أربعا، وبعدها أربعا، حرّمه الله على النار ) [ صحيح / صحيح الجامع، 6364 ].
20. بالنسبة للذين ليس عندهم أعمال أو دراسة في هذا الوقت، أو في أيام الأجازات: اغتنام الوقت بالاستيقاظ قبيل الساعة التاسعة، وشغل الوقت في مختلف الطاعات: كقراءة القرآن والإكثار منه. ثم مراجعة ما تم حفظه من وردك اليومي من كتاب الله تعالى بعد صلاة الفجر. والقراءة في أحد تفاسير القرآن إلى قرب صلاة الظهر.
21. في طريق العودة إلى البيت، كرر ما فعلته أثناء الذهاب إلى العمل، واحرص خاصة على ذكر الله وقراءة جزء من القرآن والدعاء.
22. احرص على نوم القيلولة ما أمكن.
23. المحافظة على صلاة العصر في جماعة، مع المحافظة على أربع ركعات قبلها لقوله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله امرأًً صلى قبل العصر أربعاً " [ حسن / صحيح الجامع، 3493 ]، وتكون كل ركعتين بتسليمة، وذلك قبل الإقامة لصلاة العصر. ثم المكث في المصلى حتى تتلو أذكار المساء. واعلم أن هذه هي الصلاة الوحيدة التي أمر الله تعالى بالمحافظة على أدائها ? حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى ? [ البقرة: 238 ].
24. استغلال وقت العصر إما في المكث في المسجد بعد صلاة العصر، وإما مع العائلة تجتمعون على درس يومي بقراءته من أحد الكتب ( في حدود صفحتين يوميا، ويفضل أن يكون في تفسير القرآن )، أو الاجتماع على تلاوة القرآن.
25. وبالنسبة للمرأة تحتسب الأجر أثناء إعداد طعام سريع للإفطار عليه، واستشعار قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً " [ صحيح / صحيح الجامع، 6415 ]، وقوله صلى الله عليه وسلم: " في كل ذات كبد حَرَّي أجر " [ صحيح / صحيح الجامع، 4263 ]، فتعدد نواياها ( إطعام طعام - إفطار صائم - تقوية أهلها على التعبد لله - تنشئة جيل جديد مسلم صحيح الجسم - ... الخ )، واستشعار أن ذلك قربة لله بإخلاص النية واحتساب الأجر فيها. ولا تسرف في هذا الإعداد لتحافظ على وقتها. وأثناء ذلك تقوم بمراجعة ما تحفظه من القرآن مع ملازمة ذكر الله والاستغفار والاستماع إلى أشرطة الدروس الدينية فهذا كله من العبادات.
26. احرص على أن تُفرّغ نفسك من المشاغل قبل المغرب، واغتنم هذه الفترة في الدعاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ترد دعوتهم ... ومنهم: والصائم حتى يفطر " [ صحيح / صحيح سنن ابن ماجه، 1779 ]. ولا تنس المسلمين المستضعفين في كل مكان من الأرض من دعائك، فدعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب مستجابة، وللداعي مثل ما دعا به لأخيه.
أخي الكريم ... ساهم في نشر هذا البرنامج يكن لك أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة
===============
جدول لاغتنام رمضان بالأعمال الصالحة
تباع الأثر
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، فهذه جملة من الطاعات لاغتنام شهر الصوم ، وقد فصلت في بعض النقاط لتكون عامة لك من يطلع عليها بإذن الله ليسهل بذلك نشرها بين الناس ، أسأل الله أن ينفعنا بها وأن يبلغنا رمضان ويتقبله منا كاملاً كما يحب ويرضى .
صلاة الفجر
[ الترديد مع الآذان ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لورود الحديث ، ثم ذكر دعاء الوسيلة (( اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة القائمة ، آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته )) رواه البخاري وأحمد ..] - ثم الدعاء بين الآذان والإقامة لا يرد . - قبل فريضة الفجر أداء السنة الراتبة ( ركعتان ) والسنن الرواتب مجموعها 12 ركعة ( من غير الفريضة ) وهي : قبل الفجر ركعتان وقبل الظهر أربع وبعد الظهر ركعتان وبعد المغرب ركعتان وبعد العشاء ركعتان ، وفضلها كما في الحديث ( بنى الله له بيتاً في الجنة ) وأداء السنن الرواتب في المنزل أفضل .
بعد أداء فريضة الفجر - أذكار ما بعد السلام من الصلاة ( راجع كتيب حصن المسلم للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني ) - بعد أداء الصلاة المكوث في المسجد ( والمرأة في مصلاها ) حتى تشرق الشمس لإدراك سنة الإشراق وفضلها حجة وعمرة تامة ، ويشغل هذا الوقت بقراءة الأذكار الصباحية والقرآن ثم صلاة ركعتي الإشراق ( يحدد زمن الإشراق من التقويم أو غيره ) .
ذهاب الناس إلى أعمالهم :
وأنت تذهب إلى عملك أنت في عبادة فاحتسب الأجر حتى تؤجر طيلة زمن العمل ، واتق الله واحفظ لسانك وجوارحك ، وإذا كانت هناك فرصة فراغ اغتنمه بقراءة القرآن ولا تنسى صلاة الضحى وفضلها التصدق ب360 صدقة ( أقلها ركعتان وإذا رغبت الزيادة صل ركعتان أخرى وهكذا إلى ما شاء الله ) .
صلاة الظهر
سنة الترديد مع الآذان ( كما سبق ) - الدعاء بين الأذان والإقامة -
أداء السنة الراتبة القبلية أربع ركعات ( ركعتان ثم ركعتان ) قبل الصلاة
- شغل الوقت بقراءة القرآن حتى تقام الصلاة ( يفضل اصطحاب مصحف صغير ليكون معك في مصلى العمل أو المدرسة ...) - بعد الصلاة أذكار ما بعد السلام من الصلاة - أداء السنة البعدية ركعتان بعد فريضة الظهر .
بالنسبة للذين ليس عندهم أعمال في هذا الوقت يغتنمون الوقت بالقيام قبيل الساعة العاشرة ويشغلونه مختلف الطاعات كصلاة الضحى وقراءة القرآن والإكثار منه .
نوم القيلولة سنة ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ) .
صلاة العصر
سنة الترديد مع الآذان ( كما سبق ) - الدعاء بين الأذان والإقامة
ليس للعصرسنة قبلية ولا بعدية ، لكن قال صلى الله عليه وسلم (( رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً )) ( تصلى ركعتان ركعتان قبل قيام الصلاة ) فمن منا لا يطمع في رحمة الله ، بعد ذلك قراءة القرآن حتى تقام الصلاة - بعد الفريضة أذكار ما بعد السلام من الصلاة ، وإن كان هناك درس في المسجد فحبذا الاستماع إليه وأفضل العبادات في رمضان قراءة القرآن لكن من استطاع أن يجمع معه أنواعاً من الخير فهذا حسن .
بعد درس المسجد يمكث في المسجد لقراءة القرآن ( والمكث بعد أداء الفرائض من مكفرات الذنوب _ انظر حديث اختصام الملأ الأعلى _ )
قبل أذان المغرب بربع ساعة تقريباً يعود للمنزل ويتوضأ ( من السنة تجديد الوضوء لكل صلاة ) .
قال تعالى (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) فاحرص على أذكار المسلم في هذا الوقت وكثرة الاستغفار والتسبيح وللصائم دعوة عند فطره لا ترد ، فاغتنم هذه الأوقات الغالية.(1/178)
لا تنس قبيل المغرب المشاركة في إفطار الصائمين فمن فطر صائماً فله مثل أجره واحرص أن يكون هذا الإفطار يومياً .
وبالنسبة للمرأة في فترة العصر تحتسب الأجر في إعداد الطعام فإن في كل كبد رطبة أجر ، ولا تسرف في الإعداد وتحفظ وقتها وتقرأ القرآن وتستمع إلى أشرطة الذكر فهذا من العبادات ، وفترة عملها في المطبخ تحتسب الأجر و أوصيها بالاستماع إلى إذاعة القرآن أثناء العمل في المطبخ وفي ذلك خير .
صلاة المغرب
سنة الترديد مع الآذان ( كما سبق ) - الدعاء بين الأذان والإقامة
عند الأذان يستحب التبكير بالإفطار (أي عند موعد الإفطار مباشرة ) ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور). - الترديد مع المؤذن -إتباع السنة عند الإفطار، وذلك بالإفطار على رطب، فإن لم تجد فعلى تمر ، فإن لم يجد فماء ، واجعل على السفرة طعام خفيف جداً يساعدك في التبكير للصلاة - أداء السنة الراتبة بعد المغرب ركعتان .
وقت للأكل والراحة ( واحتسب الأجر في الأكل والراحة بأنك تتقوى بذلك على الطاعة ليكون ذلك عبادة وتقرب إلى الله )
أذكار المساء ( راجع حصن المسلم - أو كروت الأذكار )
صلاة العشاء
التبكير لصلاة العشاء قبل الوقت بربع ساعة تقريباً واغتنام الوقت في قراءة القرآن - الترديد مع الآذن - الدعاء بين الآذان والإقامة - أداء فريضة العشاء - أذكار ما بعد السلام - سنة العشاء الراتبة ( ركعتان ) - صلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف لحديث ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) فاحرص على أجر قيام ليلة كاملة بتطبيق هذا الحديث ولا تنصرف قبل الإمام. والمرأة التي ترى نشاطاً من نفسها في القيام في المسجد خير من قيامها في بيتها تصلى التراويح في مصلى النساء مع الحرص على الاحتشام ومرافقة الخيرات .
اقض بقية الوقت في بعض الطاعات مثل : صلة الأرحام - قراءة في التفسير - قراءة في السيرة النبوية - مراجعة علمية - الدعوة إلى الله - زيارة المرضى - مساعدة المحتاجين - مجلس ذكر ....
وأذكر الله في أحوالك كلها أثناء الذهاب والإياب من وإلى المسجد وفي الطريق
واحرص على ذكر الأحوال والمناسبات كالخروج من المنزل أو الدخول إليه ولبس الثوب وأذكار النوم ... ( راجع حصن المسلم ) ونم الساعة الحادية عشر تقريباً واحتسب النوم لله تقوياً على طاعته لينقلب النوم من عادة إلى عبادة تؤجر عليه .
***** لا تنس ******
الابتعاد عن المحرمات واللغو واحذر كل ما لا نفع فيه ، احرص على صيام وقيام رمضان والاجتهاد طيلة الشهر وخاصة في العشر الآواخر لإدراك فضل ليلة القدر - تعجيل الفطور وقول ( ذهب الضمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) عند الإفطار - من السنة السحور على تمرات فاجعلها في سحورك ، ومن السنة تأخير السحور - عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم - السواك والطيب من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم فحافظ عليهما ، والمرأة لا تتطيب عند خروجها من بيتها - الاعتكاف في العشر الأواخر .
جعلنا الله وإياكم من الذين يصومونه ويقومونه على الوجه الذي يرضيه عنا .
احرص على نشرها فالدال على الخير كفاعله .
أخوكم في الله
تباع الأثر
=================
الشباب والصيف
د. سعيد بن زعير
اعتدنا أن نقرأ في الصحف قبل حلول الصيف موضوعات معينة تتعلق بقضاء الوقت والأنشطة التي تمارس في الإجازات ونحو هذه الجوانب المتعلقة بهذه القضية . وهذا التوقيت الذي يسبق الإجازات أمر طبيعي بحكم ان الموضوعات الصحفية في غالبها تتناول قضايا الساعة وتعالج المشكلات الطافية على السطح . لكن غير الطبيعي ان تبقي مثل هذه المشكلة بدون حل على مدار هذه السنوات الطويلة . وكأن حل القضية أصبح مستحيلا وكأنها تجاوزت مرحلة الحلول فيقبل الصيف وتسخن المشكلة وتثار وينتهي الصيف ويبدأ الشباب في أعمالهم وتبرد المشكلة حتى يأتي الصيف ليسخنها بحرارته وتبدأ الأحاديث من جديد 0000 وهكذا
فهل من حل حقيقي لهذه المشكلة ؟
إن تصور المشكلة على حقيقة جزء أساسي في حلها وهذه بدهية لكن تصوراتنا للصيف حتى الآن تجعله فراغ طويل لا عمل فيه ، ويحتاج الشباب إلى أنواع من الأنشطة المسلية للقضاء على ذلك الفراغ . هذا هو التصور الذي يقدم لنا عن الإجازة الصيفية . ولهذا التصور دوره في المعالجة . فهل الإجازة فراغ طويل ؟ وهل نريد القضاء على ذلك الفراغ ؟ ان وقت الإجازة يشكل نسبة من أعمارنا وهي ليست رخيصة عندنا لنقضي عليها . إن تحديد المشكلة ينبغي أن يوضع في تصور آخر يجعلنا نحس ان هذه الإجازة جزء من أعمارنا الحقيقية وان القضاء على هذا الفراغ الطويل ينبغي أن يوجه ويستغل فيما يفيدنا .
نعم إن فترة الصيف تختلف عن المواسم الأخرى من السنة من حيث الرغبة في العمل والإنتاج بحكم تأثير المناخ على نشاط الإنسان . لكن ينبغي أن لا يصل الأمر إلى شطب هذا الجزء من أعمارنا ليصبح صفراً في حساب الزمن .
إن الإحساس بأهمية هذا الوقت تدفعنا بدون شك لاستغلاله فيما يفيد وفي حدود الطاقة الإنتاجية التي تتناسب مع الصيف نفسه . ان الشباب أنفسهم خير من يقدر قيمة الوقت إذا عرفوا الحاجة إلى استغلاله ، خاصة وان الكثير من المهارات الأساسية الضرورية تنقص معظم شبابنا . وهم يشعرون بذلك النقص في الحياة العملية التي تتطلب منهم تلك المهارات مثل :
- مهارات القراءة السريعة
- مهارات الكتابة السريعة
- مهارات الوصول إلى المعلومات من المراجع
- مهارات فهرسة المعلومات
- مهارات النسخ على الآلة الكاتبة
- مهارات تصنيف المكتبات
- مهارات ترتيب الأفكار وإعداد التقارير المختصرة
- مهارات تنظيم الرحلات
- مهارات الاستفادة من الرحلات
- مهارات العلاقات العامة
- مهارات المقابلات الشخصية
- مهارات إعداد اللقاءات
- مهارات تشغيل الحاسب الآلي
- مهارات استخدام البرامج الجاهزة للحاسب الآلي
فهذه المهارات الأساسية والهامة في الحياة العملية نحزن عندما نشاهد شبابنا في الجامعات وفي المدارس الثانوية لا يتقنونها ، كما نلاحظ تفوق من يتقن بعض المهارات التي يستلزمها عمله أو بحثه أو دراسته . فتجد الطالب الذي يكلف ببحث مبسط يمضي عدد من الساعات والأيام وهو لا يحسن الوصول إلى من مصادرها ، وإذا وصل إلى تلك المعلومات بمساعدة غيره من أمناء المكتبات أو بعض رواد المكتبة نجده يمضي الساعات الطوال في ترتيبها وإعداد تقريرها . ونجد بعض الشباب في رحلاتهم الخاصة أو الرحلات التي تنظم في الجامعات أو المدارس لا يحسن تنظيم وقت رحلتهم وتتحول الرحلة إلى نزهة وتناول طعام وما ذاك إلا بسبب عدم المقدرة على تنظيم الرحلات وهي مهارات سهلة وميسرة لو أن الطالب درب عليها لإمكانية الحصول على فوائد كثيرة من رحلته تفوق النزهة والطعام .
إن معالجتنا لمشكلة الفراغ في الصيف ينبغي أن تنطلق من مسلمتان أساسيتان أن هذا الوقت هام بالنسبة للشباب ، وان الشباب في حاجة إلى اكتساب مهارات أساسية في هذا الوقت بالذات لان الأوقات الأخرى مليئة بمسؤوليات أخرى .(1/179)
إن الانطلاق من هذه المسلمتان سيلزمنا بتغيير تصوراتنا وتصورات شبابنا حول الصيف والفراغ . وذلك لن يكون أمرا سهلا يعالج من خلال مقالة أو مقالات تكتب في الصحف ولكنه يحتاج إلى جهود منظمة تبدأ من تحديد التصور الواضح للمشكلة وتصويرها للشباب لمعايشتها من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة ليتفاعل معها ويستوعبها ويعطي تصوراته عنها والمساهمة في إعطاء تصورات لحلولها من خلال هذا التصور . ومن ثم وضع الإجراءات العملية لعلاج المشكلة وذلك بإعادة تنظيم برامج الأنشطة الصيفية القائمة .
إن من ابرز الانتقادات التي توجه إلى برامج الأنشطة في الصيف عدم وضوح أهدافها ما عدا قضاء الفراغ وهو ليس هدف في حد ذاته أو ليس الهدف النهائي على الأقل . ومن الصور الواضحة لعدم تحديد الأهداف ، إن بداية التسجيل في المراكز الصيفية تبدأ قوية وبأعداد هائلة وبعد أيام يبدأ تسرب الشباب وغيابهم فلماذا هذا التسرب؟ إن السبب المنطقي لهذا التسرب هو عدم مواكبة طموحات الشباب بتجديد البرامج المقدمة . فهي تكرار للأنشطة التي بدأت منذ أول يوم في المراكز بل تكرار لأنشطة العام الماضي وهذا التكرار في حد ذاته كفيل بإيجاد الملل ومن ثم الانصراف عن تلك الأنشطة والعودة إلى الفراغ والضياع .
ماذا لو اتجهت الأنشطة إلى إشباع حاجات الشباب الفعلية وتحقيق المهارات التي يعاني الشباب من نقصها في دراستهم وأعمالهم . ماذا لو اتجهت البرامج إلى إعداد دورات قصيرة من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع يتم خلالها تقديم برامج مكثفة تركز فقط على تلك المهارة ويكون العدد محدودا ويعطى الطالب شهادة تفيده باجتياز هذه الدورة وتتاح الفرصة له في عدد من الدورات خلال الصيف ليحقق من خلالها ملء الوقت وإتقان مهارات مفيدة هو في أمس الحاجة إليها .
قد يظن البعض أن مثل هذه الدورات تتعارض مع الإجازة التي اعتاد الشباب على اللهو وعد الجد فيها ، وهذا في واقع الأمر نتيجة للتعود على هذا الأسلوب الذي استمر طويلا وإذا ما خطط لإزالة هذا التصور وبدأ التطبيق وشعر الشباب بفائدته والفروق الواضحة بينهم أثناء العام الدراسي نتيجة للتفاوت في المهارات المكتسبة فان النظرة إلى الإجازة والبطالة سوف تتحول إلى شيء من الجدية النامية مع مرور الوقت.
إن مراكز خدمة المجتمع في جامعاتنا مؤهلة للقيام بهذا الدور وكذلك المراكز الصيفية المنتشرة في أرجاء الوطن بشرط أن تتبدل المنطلقات والأهداف التي اعتاد منظمو الأنشطة أن ينطلقوا منها ويهدفون إلى تحقيقها . إن إزالة فكرة أن الإجازة كسل وخمول ينبغي أن تزال ويحل محلها أن الشباب في حاجة إلى استغلال الصيف لتنمية مهاراتهم في أمور يحتاجون إليها وتملا فراغهم في نفس الوقت .
فهل ذلك ممكن ؟ انه ليس من المستحيل .
===============
وصايا في القراءة
( دورة في القراءة الصحيحة ألقاها فضيلة الشيخ سليمان بن خالد الحربي حفظه الله في صيف 1427هـ )
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علماً يا كريم.
موضوع الجلسة هي: وصايا في القراءة، أو المنهجية في القراءة الصحيحة، وهو بحق من المواضيع المهمة التي يحسن بطالب العلم أن يعتني بها وأن يعرفها وأن يختصر الطريق في قراءته وألا يذهب شذر مذر في فنون القراءة حتى إذا تفلت عليه العمر والزمان إذا هو ينتبه ولات ساعة مندم وهي وصايا أذكرها لكم لا تعني الإحاطة بكل ما يجب على طالب العلم معرفته وإنما هي مشاركة ومساهمة من قليل البضاعة في هذا العلم ومفتاح أيضاً للبحث في هذا الموضوع الهام لأجل أن ينتفع الإنسان من وقته وعمره.(1/180)
الوصية الأولى: في القراءة الصحيحة: أن يستشعر طالب العلم أهمية الوقت وأهمية العمر وأن هذا الوقت الذي يمر عليه هو من عمره فلا يتصور طالب علم غير حريص على وقته وشحيح به ولا يعطي للوقت أهميته. كم ترى من الناس من تجده أرخص ما يبذله هو جلسة ساعة أو ساعتين أو رحلة يوم أو يومين =من أرخص ما يكون ، بل بالعكس تجد الإنسان يقرر الرحلة أو النزهة أو الجلسة دون أن يفكر ماذا ذهب عليه. وطالب العلم لا يمكن أن يزول عن باله هذه القضية لا يمكن عندما يتخذ قراراً في رحلة أو في جلسة لا يمكن أن يعزب عنه عند اتخاذه للقرار ذهاب الوقت عليه ، فإذا علمت أنك ضنين بالوقت حريص على وقتك وعمرك لا لشيء إلا لأجل أنه سيفوت عليك القراءة فاعلم أنك على طريق صحيحة وإذا رأيت العكس في يوم رحلة وبعده جلسة ونحوها ثم تسرق الوقت مسارقة لقراءة ساعة =فلا تصنّف نفسك أنك طالب علم مجد أبداً لا تصنف نفسك مع الطلبة المجدين في العلم وهذا قصور كبير جداً ، لو قيل له: ادفع مئه أو مئتين فكّر. وإذا قيل له ابذل يوما أو يومين أو ثلاثة ليس عنده أي إشكال وهذه حقيقةُ ُ مرّة ، على طالب العلم أن يعتني بالوقت وأن يحرص على أهميته وأن يربي نفسه حتى يصبح هذا الأمر سجيّة ويقّدر الوقت الثمين الذي ذهب عليه لأننا نمر بإشكالية عظيمة وهي إسراف عظيم في بذل الوقت بلا فائدة ومن نظر وسبر حال الأئمة وجد أنهم ما بلغوا ما بلغوا = إلا بشحهم بالوقت وهذا ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ يقول كما في صيد الخاطر فإن قلت إني قرأت أكثر من عشرين ألف مجلدة وأنا في الطلب فأنا مقل. عشرين ألف والمجلد ليست كمجلداتنا هذه عشرين ألف في الطلب. لا يمكن أن يقرأ هذا الكم الهائل وهو كريم في وقته. وابن جرير الطبري عندما أراد أن يكتب تاريخ الإسلام والتفسير قال: إيتوني بثلاثين ألف ورقة. فقالوا: يا إمام هذا تنقطع دونه أعناق الإبل. فقال: الله المستعان ذهبت الهمم. فكتب في ثلاثة آلاف. ومن رأى حال هؤلاء الأئمة وشحهم في الوقت بل إنهم ـ رحمه الله ـ يشحون بالوقت حتى على العبادة من أجل القراءة وقصة الإمام أبو الفتح ابن دقيق العيد القشيري الإمام المشهور سمع بأن الشرح الكبير للإمام الرافعي ـ رحمه الله ـ قد نسخ واشتراه بثلاثة آلاف درهم وعكف على قراءته حتى إنه اقتصر على الفرائض فكان لا يصلي النوافل العامة مع أنه يعلم أن الطاعة فضلها عظيم لكنه شحّ بالوقت. ونحن الآن عندنا مساحات كبيرة من الفراغ ومساحات عظيمة من الوقت فكم هو الذين يسألون عن أوقاتهم ، وما أتى هذا إلا بعدم استشعار أهمية الوقت والنفس تحتاج إلى استجمام وهذا لا شك من فقه النفس ولكن هل وصلنا إلى مرحلة الاستجمام نحن عندنا ترهل!! في مسألة بذل الوقت والكرم في تقديمه للناس وهؤلاء الأئمة كانوا يضنون بالوقت ويبخلون به على أنفسهم وأهلهم حتى في ساعة الوفاة وتحضرني قصة ابن جرير الطبري لما حضرته الوفاة وهو في النزع فسمع شخصاً بجانبه وهو يدعو ويقول الدعاء المشهور: اللهم يا سابق الفوت ويا سامع الصوت ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت. فقال: من قال هذا الدعاء. فقيل: إنه منقول عن جعفر بن محمد أو نحوه. فقال لولده: إئتني بصحيفة فأتي بالصحيفة فكتب الدعاء. فقالوا: يا إمام أنت الآن في وقت كتابة الصحيفة فقال: إني أخجل أن ألاقي ربي وأنا لا أعرف هذا الدعاء. ـ رحمه الله ـ فهؤلاء الأئمة يخجل الإنسان عندما يسمع قصصهم وعندما يقارن نفسه بهم وتمر علينا لا أقول الساعة ولا الأيام بل قل الأسابيع والإنسان إن حضر درساً واحد عدّ نفسه من طلبة العلم الكبار وهذه تربية وهذا ما نريده في هذا الدرس أن نستشعر أهمية الوقت وأن نحيي في نفوسنا أهمية القراءة وأن الوقت مهما بالغت فيه فلا تظن أنك فعلت ما فعله الأوائل ومن حسب لنفسه كم ورقة قرأ خجل من نفسه ، كم عندك من الكتب المرصوصة الآن قد لا تجد كتاباً مجلداً واحداً قد أنهيته وهؤلاء الأئمة وفي ساعة النزع والاحتضار يحرصون على الوقت ويكتبون العلم ويحرصون عليه لأجل ألا يضيع عليهم شيء. وتعرفون قصة القاضي أبو يوسف ـ رحمه الله ـ عندما كان في ساعة الاحتضار وفي ساعة النزع حتى قيل إنه لما كتب سمع صياح أهله عليه التفت إلى أحد تلاميذه فقال: ترمى الجمرة راكباً أم راجلاً وهو في ساعة الاحتضار فقال التلميذ: بل راكباً. قال: أخطأت. قال: بل راجلاً. قال: أخطأت. فقال: كيف يا إمام؟ فقال: إن كانت الجمرة بعدها دعاء فراجلاً وإن كانت الجمرة ليس بعدها دعاء فراكباً. انظر إلى التعليم والحرص على الوقت والاحتساب. والأمثلة كثيرة في زمننا هذا فمثلا الشيخ ابن باز في سيارته وفي طريقه ومجيئه وفي كل وقت ،كل ما تعلم الإنسان عرف أهميته وكلما ندم على تفريطه في وقته وكرمه الزائد مع الناس في بذل الوقت وهذا الشيخ ابن عثيمين في إتيانه ورجوعه للمسجد يُقرأ عليه. قُرأ عليه كثير من رسائله فقط في مجيئه وذهابه. يعني ما الذي جعلهم يفعلون هذا؟ هل ما يجدون أوقاتاً مثلنا؟! بل الشيوخ في الوقت حرصوا على أوقاتهم بخلافنا نحن والله المستعان تجد الإنسان يجلس الساعة والساعتين والثلاث والأربع واليوم واليومين والثلاثة لا يفكر أنه قد ذهب عليه عمره سدى. ، وهنا تنبيه مهم وجيد وهو أن بعض الناس يظن في نفسه شيئا من الحرص على القراءة ويشعر أن وقته لا يكفي للقراءة ودائما ما يندب الزمن وإذا نظرت إلى قراءته في اليوم الواحد وعدد ساعات القراءة وجدتها لا ترتقي إلى المستوى الذي كان يتوقع من نفسه وإنما هي أوهام في رأسه وإبر تخدير وضعها كعقبة عن الحرص والمثابرة ، وأذكر أحد الإخوة توفي رحمه الله استشارني قبل سنوات ونحن في أول الإجازة بأن يترك الكلية لأجل أن الوقت لديه قليل ووقت الكلية يأخذ منه قدرا كبيرا من أول النهار إلى الظهر ويقول إني أرجع من الكلية وأنا متعب فلا يبقى إلا العصر وبعد العشاء فأريد أن أترك الكلية لأجل أن أستفيد من هذا الوقت وهو صادق في رغبته فقلت له: قبل الدراسة بأسبوع أعطيك رأيي وقد كنت أريد أن أختبره وأثبت له أن الخلل في نفسه وليس في الزمن = لما جاءت الدراسة أتى واستشارني فقلت له في فترة الإجازة أعطني أقصى يوم قرأت فيه من الساعات فسكت ثم قال أذكر أربع ساعات أو خمس ساعات فقلت أربع ساعات يجدها صاحب الجامعة ومن يدرس!! إذا الدراسة ليست من العوائق ، لكن الشاب من حماسه يجد أنه يستطيع أن يفعل شيئاً لكن على سبيل الواقع لا يفعل شيئاً فلا تغش نفسك فعلاً. الهمة موجودة لكن أين التطبيق. هذه الوصية الأولى وهي: استشعار الوقت.(1/181)
الوصية الثانية: لا تقفز إلى الكتب التي لم تتأهل لها ولو كان فيها مجموعة من الفوائد ثق أنك لن تصل إلى ما تريد من العلم ما دمت تقفز إلى الكتب الكبار لأن المبتدئ من أوضح خصائصه الملل فليست معه لياقة تسعفه لقراءتها وجردها ، والكتب الكبار التي لم تتأهل لها هي أول ما يأتي بالملل إليك ، ونضرب مثالا : شخص ابتدأ بالفتاوى لا شك أن في الفتاوى أشياء تجذبك للقراءة وأعرف كثيراً من الطلبة ابتدأ بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية فلما قرأ في الفتاوى يأتي فصل فيفهمه وفصل لا يفهمه وفصل يفهمه فهماً خاطئاً وباب يجد فيه من التناقضات الشيء الكثير فتجده مباشرة يلتفت إلى كتاب آخر فيظن أن المشكلة والمصيبة في الكتاب والحق أن المصيبة به هو وأنه انتقل إلى كتاب يحتاج إلى مقدمات لقراءته وهكذا تجد الشاب يهتم بقراءة أشياء كثيرة ويترك أشياء قليلة ويظن أن هذه الأشياء الصغيرة غير مهمة أو أنها ستأتي من باب أولى عند قراءة الكتب الكبار وهذا غير تصور خاطئ ، وإنما كتب المبتدئين تكوّن قاعدة من أجل أن يتأهل لما بعدها وأذكر أن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ كما ذكر ذلك ابن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسن ذكر قصة الإمام أحمد أنه جاءه رجل فقال: يا إمام ما رأيك بماء الورد أيُتطهر به؟ فقال الإمام أحمد: لا أحب ذلك ـ رحمه الله ـ. فقال: أيُتطهر بماء الباقلاء؟ قال: لا أحب ذلك. ثم أصبح يسأله مثل هذه الأسئلة فلما أراد أن يقوم جذبه الإمام أحمد فقال: أتعرف ماذا تقول إذا دخلت المسجد؟ قال: لا. قال :أتعرف ما تقول إذا خرجت من المسجد؟ قال: لا. قال: اذهب فتعلّم هذا.
هناك مقدمات لا ينبغي للإنسان أن يجهلها لا ينبغي للإنسان أن ينتقل إلى شيء كبير وهو لا يعرف هذه الأشياء. وهذه يا إخوان ضررها عظيم حتى في تكوين شخصية طالب العلم لا يشعر بها الشاب عاجلا وفي سن الصغر وإنما يدركها إذا كبر به السن وتأهل وانتصب للناس تجد الإنسان لمّا يسأل في مسائل الطلاق المسائل الكبار التي تبحث قد يجيب فإذا جيء به إلى مسائل صغيرة جداً فإذا هو يحار فيها ويتوقف. الناس لا يقبلون مثل هذا. يقبلون أن لا تعرف الإجابة في أشياء كبيرة فتقول: أجيب غداً، أجيب فيما بعد. لكنهم لا يقبلون أن تخطئ أو تجهل مسائل يعرفها صغار الطلبة. فتجد أنك مرة بعد مرة تحاول الفكاك من الناس، وتحاول أن تبتعد عن الناس تخشى أن تتكشف أوراقك وهذا سببه ماذا؟ هو عدم التدرج في القراءة وأنك تنتقل إلى كتب لم تتأهل لها الآن؛ فتحاول أن تقفز وتختصر الوقت فتظن أن هذا اختصار للوقت وهو في الحقيقة ليس اختصاراً وإنما هو فوضى عارمة يمرّ بها الشاب وهي معروفة ، إن لم يكن الإنسان قد ضبط نفسه فإنه يجد لهذه الكتب الكبيرة شهوة وحبا لكنه لا يعلم ضررها إلا فيما بعد. المعلومات لا ترسخ بينما الكتب الصغار التي يبتدأ بها الطالب ويحاول أن يقرأها مرة مرتين ثلاثاً تؤهله إلى ما بعد ذلك ولهذا يقرأ الشاب المبتدئ العقيدة الواسطية مرة مرتين ثلاثا أربعا يجد فيها علماً كثيراً وتجد أن هذا المبتدئ إذا حفظه قد ضبط العلم كثيراً؛ المعلومات التي في العقيدة الواسطية موجودة في الفتاوى لكنها هنا مركزة ومرتبة ليس فيها تشويش على الطالب يذكر الخلاف ويذكر الحجج ويذكر الاعتراضات، بينما لو قرأ العقيدة الأصفهانية لوقف في الصفحة العاشرة ولعجز أن يكمل هذا الكتاب لأنه لم يتأهل له حتى الآن فالطالب دائماً يحرص ألا ينتقل إلى كتاب إلا وهو قد تأهل له. لا تقفز لو كان القفز سليماً لقفز الناس من مئات السنين ولما احتاج الناس إلى الكتب الصغار كل يريد أن يختصر العمر كل أحد يريد أن لا يضيع وقته لكن الناس وجدوا أن هذه هي الطريقة الصحيحة للتدرج في القراءة؛ يقرأ الإنسان ما أوصى به علماؤنا للطالب المبتدئ كتاب التوحيد يقرأه مرة مرتين، العقيدة الواسطية مرة مرتين، زاد المستقنع مرة مرتين، الأربعين النووية يقرأها مرة مرتين ثلاثة، ثم ينتقل إلى عمدة الأحكام مرة مرتين ثم بلوغ المرام وهكذا يكون عنده حصيلة هائلة ثم بعد ذلك يبدأ بقراءة المطولات. بوقت قصير يسهل عليه أكثر ما في المطولات. حصيلته موجودة في عقله إنما هو تثبيت ورد حجج وذكر للأدلة وأما المسائل فإنها مفهومة. ولهذا نجد أن بعض الناس يأتي إليك فيسألك في مسائل هو مبتدئ فيقول ما معنى عبارة شيخ الإسلام هذه إما في العقيدة الأصفهانية أو في الرد على النسفي في المنطق. ما الذي جعلك تقفز إلى هذا الكتاب وأنت حتى الآن لم تتأهل إلى هذه الكتب. من الخطأ أن تقفز قبل أن تتأهل ولهذا هذه المقدمات في العلوم التي يقرأها الإنسان مقدمات كل علم إنما هي تؤهله إلى هذه الكتب. تقرأ في الأصول فتعرف قياس الشبه وقياس العلة وقياس الدلالة وقياس الطرد هذه أشياء كبيرة جداً لا تكاد تخلو من أي كتاب ثم تقرأها في كتاب مطوّل لا يشرح لك هذه الكلمات إنما هذه الكلمات تأتي عند البداية في الطلب مرة مرتين حتى تكون هذه المصطلحات عندك واضحة. لمّا تنتقل إلى هذه الكتب تكون قد ضبطتها وفهمتها فلا تنتقل لكتاب لم تتأهل له بعد.
الوصية الثالثة: لا تجمع في قراءتك كتباً تحتاج إلى تحليل.
بمعنى أن الإنسان عندما يقرأ في كتاب يحتاج إلى فهم وتحليل عبارة. هذا الكتاب إذا جلست ساعة ونصفا وأنت تقرأ فيه وهو كتاب ليس بذاك السلس في القراءة انتهيت منه والذهن مكدود من شدة التأمل ثم التفت إلى كتاب آخر وهو يحتاج أيضاً إلى إعمال ذهن وتعقيد في الألفاظ وبدأت تقرأ فيه ساعة ونصفا ثم التفت إلى كتاب آخر في نفس اليوم والكتاب أيضاً عسر، عبارته صعبة ويحتاج إلى تأمل وتدقيق وجلست فيه ساعة ونصفا في أول يوم تخرج من هذه القراءة والذهن متعب جدا في اليوم الثاني في اليوم الثالث ستجد نفسك تنفر من هذا الشيء لا تحب أن تُعمل هذا العقل كثيراً. بهذه الطريقة كل سطر يحتاج إلى تأمل فيه يحتاج إلى قراءة وتكرار وأنت تحس أن بعض الألفاظ لم تفهمها تأتي هذه العبارة ولم تفهمها ثم تتنقل للكتاب الآخر وتأتي عبارة لم تفهمها ثم تأتي إلى كتاب آخر وهذه العبارة لم تفهمها ماذا يحصل للشاب المبتدئ؟! يتخذ قراراً بترك القراءة. سيقول لك العلم ليس لي لكن لو أنه جعل له كتاباً واحداً من كتب الأصول أو كتب العقائد لا يجمع معها كتابا آخر يحتاج إلى تعب في فهمه وما بعده يكون قراءة ميسورة لا تحتاج إلى إتعاب الذهن.(1/182)
اجعل الكتاب الآخر متنفسا لك، لا يخلو من فائدة ولا يخلو من تقوية لك وهو متنفس لك وكم من الناس ترك القراءة بسبب هذه النظرية يجمع له كتبا كثيرة فلا يفقه في الكتاب الأول ولا يفقه في الكتاب الثاني يفوت عليه شيئا كثيرا ثم بعد ذلك يقول أنا لا أصلح للعلم والسبب هو طريقته في القراءة من المستحسن بطالب العلم أن لا يجمع هذه الأشياء العسرة هذه الأشياء الصعبة التي تحتاج إلى تدقيق مثلاً إذا كان النحو عنده صعباً فلا يجمع معه علما آخر يصعب عليه مثل علم الأصول أوالفقه أوالحديث يحاول يجمع معه كتابا في السيرة مثلاً ، لأن بعض الناس يقرأ في التفسير فيجمع له ثلاث كتب في التفسير ويقرأ هذا التفسير فيجمع له هذه الأقوال الكثيرة ويقرأ هذا التفسير ويذكر له أقوالا كثيرة ثم إذا أغلق الكتاب ما وجد شيئاً في رأسه ، بينما لو أنه تخصص في كتاب واحد وضبط وحلل العبارة ودقق فيها ثم انتقل بعد ذلك إلى شيء أخف منه سيجد أنه يتحرى تلك الساعة التي يقرأ فيها هذا الكتاب الذي يحتاج إلى تأمل، فإياك أن تجمع كتبا كثيرة تحتاج إلى تأمل في وقت واحد.
الوصية الرابعة: إياك والقراءة السريعة.
انتشر في هذا الوقت الآن تقرأ كذا صفحة في ساعة ، ودورات في تطوير القراءة ، وهذا النمط من القراءة لا يصلح أبدا لطالب العلم المبتدئ مع المتون الأساسية بل هو مضر جدا ، إيّاك والتسرع في القراءة لا سيما في الكتب التأصيلية. لا تستعجل في القراءة. تأنّ. بل من أعظم أسباب خطإ التصور هو العجلة في القراءة ، ولو كرر العبارة أكثر من مرة لفهم وفقه العبارة حق الفهم وما نراه الآن من خطإ في نسبة الأقوال إنما هو من خطإ في التصور ، فيتعامل مع فتاوى ابن عثيمين أو فتاوى الشيخ عبد العزيز أو فتاوى شيخ الإسلام أو ما عداه بقراءة سريعة دون تأمل ظانا أنه قد فهم الكلام القراءة تحتاج إلى مرة مرتين ثلاث أربع حتى تتصورها حق التصور وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما تعلمون في الصحيح كان يكرر الكلام ثلاثاً من أجل أن يتصور الناس ويفهم الناس هذا الكلام فهماً صحيحاً. وكان أيوب السختياني من شدة تحرزه في الفهم كان إذا سأله السائل يقول: أعد عليّ سؤالك فإذا أعاد سؤاله صواباً أجابه وإذا أعاد السؤال بطريقة أخرى تركه. لماذا؟ من لم يستطع أن يحفظ سؤاله فلن يستطيع أن يحفظ الجواب. لأنه يرى هذا الشخص غير متأهل فالسائل يفترض فيه أنه قد حضر سؤاله ومع ذلك لم يحفظ السؤال من باب أولى ألا يحفظ الإجابة فأنت لما تقرأ حاول أن تتأمل قد يلوح لك المعنى مباشرة. كرّرها مرة أخرى قد يظهر لك جواب لم يظهر من قبل وأصبح هذا المعنى الذي فهمته في أول مرة على خلاف الذي فهمته في المرة الثانية أو في المرة الثالثة. وكلكم يحفظ من القصص الكثير بأخطاء الناس وإساءة التصور كثيراً من الناس تعرفونهم أخطأ في الفهم والتصور إنما هو بسبب العجلة في القراءة وأحياناً يكون السؤال مرتبطاً بالإجابة والإجابة مرتبطة بالسؤال لا بد أن تقرأ السؤال ،ولهذا القرآن كيف يقرأ؟ يرتل ترتيلاً ?لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا? يقرأ الإنسان على مكث وتأني
الوصية الخامسة: تكرار الكتاب.
من الأشياء المتناقضة في زماننا وزمن من قبلنا أنهم كانوا يقرءون الكتاب أكثر من مرة بينما في وقتنا تجد أن طالب العلم إذا قرأ كتاباً لا يفكّر أن يقرأه مرة أخرى بل إنك لما تنصح شابا: قرأت كتاب التوحيد يقول قرأته. تقول إقرأه مرة أخرى. يقول: قرأته كأنما هو شيء انتهى منه وتعدّاه والأئمة ـ رحمهم الله تعالى ـ في سيرهم قرأنا لهم أنهم يقرءون الكتاب أكثر من مرة. فهذا الإمام المزني تلميذ الإمام الشافعي قرأ الرسالة خمسين سنة وبعض الأئمة قرأ صحيح البخاري أكثر من ستين مرة وبعضهم قرأ الكتب الستة أكثر من عشر مرات قراءة جرد وقراءة تأمل بينما في عصرنا هذا نجد الشاب انتهى من زاد المستقنع تقول له راجع الكتاب مرة أخرى يقول: لا أنا انتهيت أريد أن أنتقل إلى كتاب آخر وما تفهمه من القراءة الأولى أقل بكثير مما تفهمه في القراءة الثانية وهذا شيء مجرب. ما تفهمه في القراءة الثانية أفضل وأحسن مما تفهمه في القراءة الأولى =عندما تقرأ في المرة الثانية ستجد أنك استوعبت شيئاً لم تستوعبه في القراءة الأولى بينما طلبة العلم في زمننا هذا يحرصون على العجلة زاد المستقنع ثم الروض المربع ثم المقنع ثم المنتهى ثم ينتهي ويجد أنه لم يستفد شيئاً كثيراً يرجوه هو.
ولهذا الشيوخ الذي أدركتموهم وأدركناهم تجده شرح الكتاب أكثر من مرة ، لا تجد أنه شرح الكتاب وانتهى منه وإنما لأنه يرى أن الكتاب إذا شرح أو قرئ أكثر من مرة أصبح أقوى وأضبط في الفهم فحاول أن تكرر الكتاب لا سيما الكتب التي هي تأصيلية.
الوصية السادسة: احذر من الشهرة والكتب التي قرأتها.
وهذه معضلة كبيرة جداً تصيب طالب العلم عندما يحاول أن يشتهر أنه قرّاء وشخصا مكثر للقراءة ولا يوجد كتاب إلا وقرأه ـ إلا إذا كان في سنٍ كبير يحفز الطلبة ويحثهم هذا له باب آخر ـ ولكن على الطالب المبتدئ ألا يتكلم في هذا. كم من الناس يقول أنا قرأت كتاب كذا وعندي مختصر له وعندي مختصر للكتاب الفلاني ثم يشتهر فالشهرة قاصمة لطالب العلم. ولهذا يقول ابن المبارك ـ رحمه الله ـ كلمته الشهيرة: ما اتقى الله من أحب الشهرة. بل هي منافية لتقوى الله لأنك أصلاً ما قرأت لله. كم من الناس الآن عندما يتكلم ويقول قرأنا كذا أو قرأت كذا وكذا وقرأت كذا ولم أجده أو قرأت على الشيخ الفلاني كذا وقرأت عليه كذا وكذا بدون مبرر. لست بحاجة إلى أن تهلك نفسك بهذه الشهرة. فعلى طالب العلم أن يكون حذراً في مسألة القراءة. نعم يتكلم بما ينفع الناس لكنه لا يحاول أن يبوأ نفسه مكانة لم يصلها ولم يتشبع بها. لا يحاول أن يرسل للناس رسائل خفية يفهمهم ويبلغهم أنه قد قرأ وتأهل وفعل وفعل هذا مضرة عليه ـ نسأل الله السلامة والعافية ـ. الإنسان يحاول أن ينفع الناس دون أن يسحب الأنظار إليه ولهذا الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ كان يقول كثيراً: قد وددت أن أكون في شعب من شعاب مكة ولا أكون مشتهراً. لا يحبون الشهرة لأنهم وجدوا ضررها. وعمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ عندما رأى أبيّاً يمشي والناس خلفه نهره. هذا يضرّ الإنسان وتعلمون كلمة ابن مسعود: إنما هي مذلة لكم وفتنة لي. كن خفياً إذا كنت مع الناس وكل إنسان خصيم نفسه لكن لا توقع نفسك في هذه المواقع فإياك والشهرة سواءً في القراءة أو في لفت الأنظار أو في إخبارهم بأنك قرأت كذا وقرأت كذا وكذا.
الوصية السابعة:(وهي من أهم الوصايا) تعليق الفوائد والفرائد في أول الكتاب وجعل فهرس عام للفوائد التي تجدها أثناء قراءتك.
وهذا منهج جميل جداً ورائع أن الإنسان يتعود عند قراءته أن يكتب ما يمرّ عليه من الفوائد؛ الإنسان ينسى من حين ما تقرأ الفائدة ضع تحتها خطاً وفي أول الكتاب اجعل فهرسا عاما وأنت بالخيار إما أن تجعل الفهرس مقسم في العقائد والفقه واللغة والأصول والتفسير، أو أن تجعل الفوائد مسرودة سرداً المهم أن تقيد هذه الفائدة التي قد لا تجدها فيما بعد أو لا تذكر أين قرأتها وإنما ترجع إلى الفهرس العام الذي كتبته وستجد فائدتك. أحياناً تضيف بحثاً جيداً وأنت تقرأ في الكتاب تجد مسألة تريد أن تبحث فيها قيد هذا البحث في نفس الصفحة التي قرأت فيها هذه الفائدة قيد هذه الفائدة ثم في أول الفهرس اكتب "بحث في مسألة كذا " وإن كانت فقط فائدة اكتب رقم الصفحة بجانبها(1/183)
وسماحة الشيخ ابن عثيمين تعرفون كتابه فرائد الفوائد كان يقيد ما وجده من الكتب ولا يخلو عالم إلا وعنده بحث وما كتاب ابن القيم بدائع الفوائد إلا من هذه الطريقة يجعلون بحوثا لهم في قراءاتهم ويجمعونها في كتاب واحد ينفعون بها أنفسم والمسلمين.
الوصية الثامنة: القراءة الجماعية.
من المستحسن أن يكون للطالب أقران يقرأ معهم ويتدارسون هذا العلم بمعزل عن القراءة على الشيوخ هذا باب آخر. وإنما يكون هناك قراءة مع الأقران يختارون كتاباً وهذا الكتاب لا يكون سهلاً يفهمه الإنسان في بيته كلا. بل يكون هذا الكتاب يحتاج إلى مباحثة وإلى نقاش وحوار من أجل أن يكون الفهم للمسألة فهماً جيداً هذا قد لا يتأتى مع الشيوخ قد يخجل الإنسان عند شيخه أو ما شابه ذلك. لكن مع الأقران قد يكون الأمر سهلاً وميسوراً فاحرص أن يكون لك من الأقران من تجلس معهم وتتباحثون في كتاب معيّن تختارون كتاباً تتدارسونه فيما بينكم وكل إنسان يطرح ما عنده مما فهم واستشكل. وإذا استغلق عليكم هذا الموضوع رجعتم إلى شيخ ليحل هذه القضية. فمن الجيّد والجميل أن يكون للإنسان قراءة جماعية مع أقرانه وكم من المسائل لم تتصورها حق التصور إلا من خلال مناقشتك. وهذا شيء مجرب معروف مشهور. فاحرص أن تكون لك قراءة جماعية مع أقرانك مع إخوانك ولو اثنين أو ثلاثة. فمن الملاحظ وجود جفوة بين طلاب العلم أنفسهم تجد طالب العلم الذي يحضر الدرس عند شيخه يحضر عشرة خمسة عشر بينهم فواصل وحواجز وعدم تواصل وهذا شيء ليس بجيد والواجب أن يكون الطلبة الذين يحضرون عند شيخ واحد بينهم تواصل من المستحسن بين الطلبة فيما بينهم يتناقشون. وأذكر مرة في درس الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ عام 1416 أو 17 الشاهد أن الشيخ أفتى بالإزار؛ الإزار المدور ولم نتصور هذا الكلام إلا في تلك اللحظة ، انتهى الشيخ وروجع مرة ومرتين في الدرس . كثير من الطلبة استشك في فهمه وكل واحد من الطلبة الكبار يظن أنه قد فهم المسألة غلطا الشاهد أن الشيخ رحمه الله ـ لما انتهى من الصلاة صلاة العشاء فلما خرج التفت فإذا كثير من الطلبة يتباحثون في رأي الشيخ وكل يتأكد من فهمه.
الوصية التاسعة والأخيرة: ألا تكون القراءة على حساب حضور الدروس.
نعم القراءة مهمة ومفيدة ونافعة لكن لا تعتقد أن نفعها أكثر من حضور الدروس. لا تعتقد هذا. حضور الدروس أنفع بمراحل من قراءتك وأتكلم بكلام عقلي لما تقرأ الكتاب بنفسك = الذي يعمل عقل واحد لما تحضر الدرس كم يعمل من عقل ؟ عقل الشيخ والطلاب ، هذا يتصور شيئا وهذا يتصور شيئا آخر ثم تبدأ الأسئلة وكل إنسان يذكر رأيه الذي هو عقله وعندما يسال الشيخ ليراجع الدرس هذا سؤال وهذا سؤال سيرجع الناس إلى الفهم الصحيح ولا يمكن أن تفهم فهماً خاطئاً هذا من حيث الفهم وحسن التصور ورأينا وأنتم ترونه بوضوح طلاب الشيوخ المكثرين: تصورهم للعلم جيد والطلاب الذين يحصرون القراءة على أنفسهم تجد تصورهم أضعف. لماذا؟ لما ذكرت لك . أنت تقيم العقل أمامك وهذا يسمع وهذا يسمع والعقول جميعاً موجودة والأسئلة فتكون المعلومة والفائدة أوضح.
كذلك من وجه آخر : الفائدة تأتي من الكتاب بسرعة والفائدة تأتي من الكتاب بسطرين. لما أتحدث عنها كم سأجلس؟ سأجلس قرابة ستة أسطر أليس كذلك؟ أيهما أفضل لتصور العقل للفائدة سطرين أو ستة أسطر ؟ ستة أسطر،
هذه الوصايا كما قلت مختصرة وليست بذاك ولكنها مشاركة في فتح باب القراءة الصحيحة وأنا أركز على قضية أن طالب العلم لا بد أن يقرأ ويقرأ في طريقة الطلب في كتب الخطيب البغدادي وحلية طالب العلم للشيخ بكر أبو زيد وكتاب العلم للشيخ محمد العثيمين. لا يقول هذا علم ليس له فائدة. هناك سلم صحيح للقراءة وطلب العلم
لا تزهد في مثل هذه العلوم ، إقرأها وستجد الفائدة عظيمة في ضبط هذا العلم .
انتهى والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ملاحظة " الكلام مفرغ من الشريط إنشاء "
==============
علماء السلف وأهل الوقت
تأليف الشيخ
عبدالكريم بن صالح الحميد
حفظه الله
أعده للنشر
أبو عمر الدوسري
علماء السلف وأهل الوقت
الحمد لله رب العالمين، هذه رسالة مجملة لبيان الفرقان بين حال السلف في شأن العلم والتعليم والعمل وحال أهل الوقت، وليس كلّ الفروق ذكرت لئلا يُفهم حصرها في ذلك، كما أن كلّ واحد من هذه الفروق يحتمل في شرحه كلام كثير .
فهذه رؤوس أقلام تكشف ما ورائها، والله الموفق .
1- ( علماء السلف ) : لا يتعلمون إلاَّ علوم الدين ويذمّون من يتعلم غيره .
( أهل الوقت ) : يتعلمون علوماً مخلوطة من علوم الدين وعلوم صحيحة غير نافعة لا يضر الجهل بها تُزاحم علم الدين وتُضْعفه وعلوم باطلة في نفسها تُفسد الاعتقاد، ويمدحون من يتصف بذلك ويُعَدِّلونه ويُشرّفونه .
2- ( علماء السلف ) : لو كان الرسول حيّ لما امْتَنَعوا ولا خافوا مِنْ عَرْض كتبهم وعلومهم عليه .
( أهل الوقت ) : لايُمْكنهم ذلك لعلمهم بما حصل منهم بعده من التغيير والتبديل .
3- ( علماء السلف ) : يتعبّدون الله بطلب العلم وتعليمه .
( أهل الوقت ) : يطلبون به المال والرياسة فهو مصدر رزق وشهرة، ويُنكرون على من يذمّ ذلك .
4- ( علماء السلف ) : يذمون من يريد بعلمه المال والرياسة ويبغضونه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
( أهل الوقت ) : يمدحون من يتعلم لنيل المناصب والشرف .
5- ( علماء السلف ) : لا يطلبون العلم إلاَّ مَمن يَرْضَوْنه ويختارونه.
( أهل الوقت ) : تُفرض عليهم المشايخ والمعلمين ولا اختيار لهم بذلك مهما تكن حالهم .
6- ( علماء السلف ) : لا يُفرض ويُوَجَّب عليهم علم لا يُريدونه.
( أهل الوقت ) : يُفرض ويوَجّب عليهم علم الدين والضلال معاً ولا يُوجِّب غير الله ورسوله .
7- ( علماء السلف ) : يعتقدون الكمال في تحصيل علوم الدين مع العمل بها كما دلّ على ذلك الكتاب والسنة .
( أهل الوقت ) : الكمال عندهم في الإكثار من هذه العلوم المخلوطة مهما تكن .
8- ( علماء السلف ) : يتعلمون ويُعلّمون في المساجد ولَوْ تعلّموا وعلّموا في مواضع أخرى فعلى كيفية التعليم في المساجد .
( أهل الوقت ) : لا يكفيهم التعليم في المساجد لعدم حصول الشهادات فيها التي هي مفاتيح المال والرياسة .
9- ( السلف ) : يُؤثِّر فيهم العلم التجافي عن الدنيا والرغبة في الآخرة.
( أهل الوقت ) : يؤثّر فيهم العلم شدّة الحرص على المال والرياسة ويتسابقون إلى ذلك كما هو ظاهر جلي .
10- ( السلف ) : لا يرضون بل يُنكرون أن يُخلط لهم العلم بالصور لأنَّ الصورة محرمة والمواضع التي توجد فيها تحلّها الشياطين وتبتعد عنها الملائكة .
( أهل الوقت ) : علومهم مخلوطة بالصور، فتجد آيات القرآن والحديث بين الصور وهم يصوّرون ولا يبالون .
{ وتحسبونه هيِّناً وهو عند الله عظيم } .
11- ( السلف ) : لا يطلبون العلم في مواضع يرون فيها المنكرات إلاَّ بالإنكار وأن يتغيّر المنكر أو يُفارقون .
( أهل الوقت ) : لا تخلو مواضع طَلَبهم من المنكرات وهي غير قابلة للتغيير .
12- ( السلف ) : لا يُقَيِّمون الشخص ويشهدون له بالعلم بمجموع حصيلته من الحق والباطل .
( أهل الوقت ) : يقيّمون الشخص ويشهدون له بالعلم بمجموع حصيلته من الحق والباطل وبذلك يحْصُل على الشارات والرُّتب .
13- ( السلف ) : لا تُصرف هممهم وإرادتهم لمجرد تحصيل علوم مخلوطة وشهادات يعلمون أنَّها وسائل للمال والرياسة .(1/184)
( أهل الوقت ) : تُصرف هممهم وإرادتهم لتحصيل الشهادات وهي مفاتيح المال والرياسة ويسمونه المستقبل .
14- ( السلف ) : لا يطلبون بالعلم أموال السلاطين ولا أعمالهم، بل يَحذرون ذلك ويُحذرون عنه .
( أهل الوقت ) : يتسابقون على أموال السلاطين وأعمالهم ويحضّون على ذلك ويدعون إليه .
15- ( السلف ) : لا يدخلون بشيء من الباطل للدعوة .
( أهل الوقت ) : يدخلون مداخل أهل الباطل بدعوى الدعوة .
16- (السلف) : يعظمون الحق فقط عِلماً وعملاً ويعظمون أهله.
( أهل الوقت ) : يُعظمون الحق والباطل وأربابهما ويُهينون مَن عارضهم مُقتصراً على الحق المجرد والسنة المحضة في العلم والتعليم وكيفية ذلك الإخلاص فيه والمتابعة.
17- ( السلف ) : لا يسمون الحق والباطل جميعاً علماً، ولا أرباب ذلك علماء مطلقاً .
( أهل الوقت ) : يسمون الحق والباطل جميعاً علماً وأرباب ذلك علماء، ويستدلون بالآيات والأحاديث التي فيها مدح علم الوحي على علومهم .
18- ( السلف ) : لا يأمنون على الأحداث من هبّ ودبّ لا في التعليم ولا الزمالة .
( أهل الوقت ) : المطلوب في التربية من يحمل شهادة مهما تكن حاله.
19- ( السلف ) : ليس عندهم مستقبل في علمهم وعملهم إلاَّ طلب الجنة والهرب من النار .
( أهل الوقت ) : الذي يُسمونه المستقبل من أعظم القواطع لهم عن الجنة وطلبها وتذكر النار والهرب منها حيث يشغل ذلك قلوبهم .
20- ( السلف ) : لا يتشبهون بأهل الكتاب والأعاجم .
( أهل الوقت ) : مناهجهم في جميع مراحل علمهم وعملهم مغمور بالتشبه بأهل الكتاب والأعاجم .
21- ( السلف ) :لا يتعلمون غير لغة القرآن الكريم لغة محمد r.
( أهل الوقت ) : لغات الأعاجم ملازمة لهم ويبالغون في أهميتها.
22- ( السلف ) : يأمرون بمطالعة كتب العلوم الدينية الصحيحة واقتنائها وينهون عن غيرها واقتنائها .
( أهل الوقت ) : يحضون على القراءة والمطالعة واقتناء الكتب مطلقاً، وهذا عندهم صفة كمال .
23- ( السلف ) : لا يُقيمون الشخص ويمدحونه بمجرد كثرة علومه، بل بقدر عمله بهذا العلم .
( أهل الوقت ) : يُقيّمون الشخص ويُزكّونه ويمدحونه بمجرد العلم النظري بأن يجيب على أسئلة توجه إليه من غير نظر للعمل .
24- ( السلف ) : من أعرض عن الباطل وذمّه يمدحونه ويثنون عليه.
( أهل الوقت ) : من لم يمهر بالعلوم الباطلة يلقبونه بألقاب سوء مثل : ساقط غبي جاهل ونحو ذلك .
25- ( السلف ) : أعظم ما يستدلون به في منازعاتهم الكتاب والسنة.
( أهل الوقت ) : أعظم ما يستدلون به على ما هم عليه بمتبوعيهم لأنَّها لا تقوم لهم حجة من الكتاب والسنة تؤيد ما هم عليه بل تكشف حالهم، وهذا من المشابهة بأهل الكتاب .
26- ( السلف ) : يستجهلون فقط من لا يعلم علم الدين .
( أهل الوقت ) : يستجهلون من لم يشاركهم في علومهم وأعمالهم وهذا شبه من الفلاسفة ولو كان إيمانه أحسن منهم .
27- ( السلف ) : الذي يتعلم منهم شيئاً من الباطل فإنما يتعلمه ليردّ على أهله وليس يُوجّب عليه ولا يساوى له بالحق ولا يختبر به كما تعلّم ابن تيمية المنطق ليردّ على أهله وشتّان بين مشرِّق ومغرّب .
( أهل الوقت ) : يتعلمون الباطل موجَّب عليهم ويختبرون به وينالون به ما يسمونه ( درجات ) كما ينالون ما يسمونه درجات بالحق ويوزنون بالمجموع، ويُقَيَّم بالمجموع ويزكى بالمجموع .
28- ( السلف ) : يعظمون الحق ويحبونه ولم يحصل لهم ذلك إلاَّ بإهانة الباطل وبغضه وهكذا ملة إبراهيم .
( أهل الوقت ) : يبقى الحق عندهم فنّ من جملة الفنون فيسقط تعظيمه من القلوب بتأثير المزاحم وفساد النية وغير ذلك من الموانع والقواطع .
29- ( السلف ) : الحق في قلوبهم أجَلّ من أن يشوبوه بما لا يصلح له ممَّا يدنسه .
( أهل الوقت ) : يخلطون الحق بالهزليات والمضحكات واللعب والصور، وهذا ظاهر جلي في مناهجهم وصحفهم ومجتمعاتهم يتخللها ذلك.
30- ( السلف ) : لا يُعلمون من يتصف بهذه الأوصاف فيكونون عوناً له على هواه ورئاسته ودنياه لأنَّ من جهّز غازياً فد غزى ولا يوادّونهم .
( أهل الوقت ) : الذين يعلمون هؤلاء ولو لم ينتظموا في سلكهم فهم يعينونهم على مطالبهم بالعلوم الدينية مع مايحصل من الصحبة والمودة وهذا سببه زوال الفرقان وحب الرياسة ولو لم يكن من أضرار ذلك إلاّ قدوة السوء وتحسين أحوال هؤلاء .
ميزان الإرادة في طلب العلم الشرعي
إذاُ عُلم ما تقدم فإنَّه قد ورد النهي والتحذير من طلب العلم الديني لغير وجه الله كإرادة المال والجاه والرئاسة وصرف وجوه الناس ونحو ذلك ممَّا يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وهديْهم ممَّا أصبح في وقتنا لا يعاب بل فيه يتنافس المتنافسون، حيث صار علم الدين كسلعة وبضاعة تُطلب للمعاوضات المالية والمقاصد السفليّة الدّنيّة .
قال تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منه وما له في الآخرة من نصيب }.(1)
وقال تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهم يصلاها مذموماً مدحوراً . ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً }.(2)
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من تعلم علماً ممَّا يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلاَّ ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة ) يعني ريحها.(3)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه ( ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها فقال : ما عملت فيها ؟ قال : تعلمتُ العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن، قال : كذبت ولكنك تعلمت ليُقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : هو قاريء فقد قيل ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار ...) الحديث.(1)
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار ).(2) والمماراة هي الجدال .
وأثر علي رضي الله عنه لما ذكر الفتن التي تكون في آخر الزمان، فذكر أمارات وقتها فقال : ( إذا تُفقّه لغير الدين، وتُعلّم العلم لغير العمل، والتمست الدنيا بعمل الآخرة ).(3)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويَهْرم فيها الكبير وتُتخذ سنة فإن غُيَّرت يوماً قيل : هذا منكر . قيل : ومتى ذلك ؟ قال : إذا قلّت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم وقلّت فقهاؤكم وكثرت قراؤكم وتُفُقّه لغير الدين والتمست الدنيا بعمل الآخرة).(4)
بعض الآثار
قال بشر بن الحارث : طلب العلم إنَّما يدل على الهرب من الدنيا ليس على حبها .(1)
قال الأوزاعي : العلم ما جاء عن أصحاب محمد وما لم يجيء عنهم فليس بعلم .
وحيث أن العلم هو كما قال الأوزاعي رحمه الله هو ما جاء عن أصحاب محمد ولذلك فإنَّه لم يأت عنهم سوى ميراث نبيهم r ، وقد حرّق عمر رضي الله عنه الكتب العجمية، ذكر ذلك شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم .(2)
والعلم يطلب لوجه الله ويبذل لوجهه لا بالمعاوضات المالية، وكم ذكر الله في القرآن قول الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم : { ما نسألكم عليه من أجر } .
وهكذا أتباعهم على الحقيقة، قال أبو العالية : علّم مجّاناً كما عُلِّمت مجاناً .
وسُئل إسحاق بن راهويه رحمه الله عمّن يحدّث بالأجر ؟ قال : لا تكتب عنه .(1)(1/185)
كذلك يقول الإمام أحمد بن حنبل : لا تكتبوا العلم عمن يأخذ عليه عرضاً من الدنيا .(2)
وقال أبو زكريا العنبري : العالم المختار أن يرجع إلى حسن حال، فيأكل الطيب الحلال ولا يكسب بعلمه المال ويكون علمه له جمال وماله من الله منّ عليه وإفضال .(3)
كان بعض المشايخ عند الشيخ عبد الباقي بن يوسف المراغي حين دخل عليه عبد الصمد ومعه المنشور بقضاء همذان فقام الشيخ المراغي وصلى ركعتين ثم أقبل عليهم وقال : أنا في انتظار المنشور من الله على يد عبده ملك الموت، أنا بذلك أليق من منشور القضاء، ثم قال : قعودي في هذا المسجد ساعة على فراغ القلب أحب إليًّ من مُلك العراقين ومسألة في العلم يستفيدها مني طالب علم أحب إليَّ من عمل الثقلين، والله لا أفلح قلب تعلّق بالدنيا وأهلها لم يحصل على طائل من العلم ولو علم ما علم فإنَّما ذلك ظاهر من العلم والعلم النافع وراء ذلك .
والله لو قطعت يدي ورجلي وقلعت عيني أحبّ إليَّ من ولاية فيها انقطاع عن الله والدار الآخرة وما هو سبب فوز المتقين وسعادة المؤمنين.(1)
وقال سُحنون : أكلٌ بالمسكنة ولا أكلٌ بالعلم محب الدنيا أعمى لم ينوّره العلم .(2)
قال حبيب بن عبيد الرحبي : تعلموا العلم واعقلوه وتفقهوا به ولا تعلموه لتتجملوا به فإنَّه يوشك إن طال بكم عمر أن يُتجمل بالعلم كما يتجمل ذو البزّ ببزّه .(3)
وقال كعب الأحبار : يوشك أن تروْا جهال الناس يتباهون بالعلم ويتغايرون على التقدم به عند الأمراء كما يتغاير النساء على الرجال، وذلك حظهم من علمهم .
ذكر العاصمي أن أول مدرسة نظامية بنيت ببغداد وطلب لها العلماء وأُجري لهم ولطلاب العلم مرتبات، والتحق بها كثير .
ولما عَلِمَ علماء بخارى بكوْا بكاءً شديداً متأسفين على العلوم الإسلامية، فقيل لهم : ما هذا البكاء وما هذا الجزع ؟ ما هي إلاَّ مدرسة دينية للعلم كالتفسير والحديث والفقه وغيرها، فقال العلماء : إن العلم شريف في نفسه سامٍ لا يحمله إلاَّ النفوس السامية الزكية الشريفة ويشرفون بشرف العلم .
أمَّا إذا أُجريت المرتبات لطلابه أقبل إليه من لا خير فيه من السقطة والأراذل الذين يريدون بتعلمهم العلم لنيل المناصب والوظائف وأخذ المرتبات فيزول العلم ويسقط بسقوط وإزالة حملته فيصبح العلم الشريف لا قيمة له .
ثم قال العاصمي : أمَّا اليوم فلا طالب ولا مطلوب ولا راغب فيه ولا مرغوب لفساد الزمان . انتهى .(1)
بعض ماقيل عن علوم الوقت
يقول بعض الغربيين عن علومهم :
إن ما نسميه اليوم علماً ويجدر بنا أن نتواضع أكثر ونطلق عليه اسم العلم الغربي هو من نتاج عقل مشوَّه .
ويقول بعضهم : إن التعليم هو الحامض الذي يُذيب شخصية الكائن الحي ثم يكوّنها كيف يشاء، إن هذا الحامض هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيميائية هو الذي يستطيع أن يحوّل جبلاً شامخاً إلى تراب، وقال : إياك أن تكون آمناً من العلم الذي تدرسه فإنَّه يستطيع أن يقتل روح أمة بأسرها .
قال : ( كرومر البريطاني ) : إن الحقيقة أن الشباب المصري الذي قد دخل في طاحونة التعليم الغربي ومرّ بعملية الطحن يفقد إسلاميته وعلى الأقل أقوى عناصرها وأفضل أجزائها إنه يتجرد عن عقيدة دينه الأساسية .
ويقول هوكر الأمريكي : إنه لا تزال تحدث في المدارس والكليات حوادث تسافح الولدان من الجنس الواحد فيما بينهما، وقد تلاشى أوكاد ميلهم إلى الجنس المخالف .
ويقول الغربي ( شاتلي ) : إذا أردتم أن تغزوا الإسلام وتكسروا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كلّ العقائد السابقة واللاحقة لها والتي كانت السبب الأول والرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم، إذا أردتم غزو هذا الإسلام فعليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم القرآن وتحويلهم عن كلّ ذلك بواسطة نشر ثقافتكم وتاريخكم ونشر روح الإباحية .
ميزان الاصطلاحات الحادثة
في المدح والذم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالأسماء التي تُعلّق بها الشريعة المدح والذم والحب والبغض والموالاة والمعاداة والطاعة والمعصية والبر والفجور والعدالة والفسق والإيمان والكفر هي الأسماء الموجودة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة . انتهى .(1)
تأمل هذا وانظر مخالفة ما أُحدث في هذا الزمان من أسماء يُعَلَّق بها المدح والذم وعليها تدور أفلاك القلوب من نجاح وسقوط ونحو ذلك ممَّا لم تعلق بها الشريعة مدحاً ولا ذماً .
وقال رحمه الله : ( الذم والمدح من الأحكام الشرعية ) بما أنه من الأحكام الشرعية فلا يؤخذ إلاَّ من الرسول بالأسماء الواردة في الكتاب والسنة بخلاف ما أحدثه أهل الوقت من أسماء علقوا بها الذم والمدح وليست في الكتاب والسنة كما تقدم بيانه .
وقال : الحمد والذم والحب والبغض والوعد والوعيد والموالاة والمعادات ونحو ذلك من أحكام الدين لا يصلح إلاَّ بالأسماء التي أنزل الله بها سلطانه، فأمَّا تعليق ذلك بأسماء مبتدعة فلا يجوز بل ذلك من باب شرع دين لم يأذن به الله ، وأنه لابدّ من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله . انتهى .(1)
تأمله فإنَّه بالغ الأهمية في وقتنا خاصة ولتعلّق ذلك بالرغبة والرهبة وشدة الطلب وشدة النّفرة، وهذا كله محسوس ملموس وهو مزاحم مضعف للسير مُعوّق أو قاطع بالكلية .
هل ما ظهر بعد الصحابة فضيلة ؟
قال ابن تيمية : لكن المقصود أن يعرف أن الصحابة خير القرون وأفضل الخلق بعد الأنبياء .
فما ظهر فيمن بعدهم ممَّا يُظَنَّ أنَّها فضيلة للمتأخرين ولم تكن فيهم فإنها من الشيطان وهي نقيصة لا فضيلة، سواء كانت من جنس العلوم أو من جنس العبادات، أو من جنس الخوارق والآيات أو من جنس السياسة والملك، بل خير الناس بعدهم أتبعهم لهم .(1)
هذا الكلام قاعدة عامة في كلّ شيء وهو إنما ذكره الشيخ رحمه الله كتفسير للآيات والأحاديث الواردة في فضل الرعيل الأول، فقد ظهر بعد الصحابة رضي الله عنهم من العلوم وغيرها ما يصعب حصره ولم يكن ذلك فيهم بل أحدث بعدهم وكل يدعي أن ما أحدثه فضيلة ولولا هذا الزعم الفاسد لاكتفي بالإتباع عن الإحداث والمراد أن ما أحدث فهو من الشيطان وهو نقيصة لا فضيلة، والموفق يزن نفسه بهذه الموازين، كما قال الأوزاعي رحمه الله : عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وأقوال الرجال وإن زخرفوها وحسّنوها فإن الأمر ينجلي وأنت منه على صراط مستقيم .(2)
اعتياد سماع الباطل
ذكر ابن القيم رحمه الله : أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفاً للحق عن مواضعه .
فإنَّه إذا قَبِل الباطل أحبّه ورضيه فإذا جاء الحق بخلافه ردّه وكذّبه إن قَدِر على ذلك وإلا حرّفه .(1)
هذا خطير جداً وهو في هذا الزمان كثير جداً في التعاليم والإذاعات والجرائد والمجلات وغيرها، ومن فهمه عرف سر تحريف كثير من الخلق للحق وسرّ رده والتكذيب به .
رطانة الأعاجم
1- التكلم بغير العربية منهي عنه . قال عمر رضي الله عنه : ( لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم ).(1)
قال ابن تيمية في كتابه : ( اقتضاء الصراط المستقيم ص199 : رواه البيهقي بإسناد صحيح وذكر في ص204 ( أن الإمام أحمد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم ) .(1/186)
ونقل ابن تيمية عن مالك رحمه الله أنَّه قال : ونهى عمر رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم وقال : إنها خِبٌّ ( والخِب بكسر الخاء : الانطواء على اللؤم الفساد والخَب بفتح الخاء : الرجل المفسد ).(2)
2- الذي يتعلم لغات الأعاجم يتعلمها بكتب كلها صور والصور محرمة .
3- الذي يتعلمها توجَّب عليه مثل العلوم الدينية ولا يوجّب غير الله ورسوله .
4- يختبر فيها كما يختبر بالعلوم الدينية فيمدح بمعرفتها ويشهد له بذلك كما يمدح ويشهد له بالعلوم الدينية وليس في الدين تعليق المدح بلغات الأعاجم بل هي مذمومة كما تقدم .
5- يُذمّ بعدم معرفتها كما يذم بعدم معرفة العلوم الدينية، وليس في الدين تعليق الذم بعدم معرفة لغات العجم بل بمعرفتها .
6- يُعطى فيها درجات كما يعطى بالعلوم الدينية فقد تساوت في التقويم والوزن بالقرآن والحديث من وجوه وهو القياس المنطقي الشمولي.
7- النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن حارثة أن يتعلم السريانية لغة يهود لأجل مكاتباته لهم للدعوة فهو لا يأمنهم فأمر واحداً فقط وكان ذكياً رضي الله عنه تعلمها بأقل من شهر، وهذه ضرورة شرعية اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم فيها بواحد .
فَلَوْ سُلم أن تعلم لغات الأعاجم للدعوة ففاعل هذا حقيق أن يتفرغ لدعوة نفسه ممَّا ألَمَّ به لو لم يكن فيه إلا هذا فقط كيف وهذا أنموذج وراءه ما وراءه .
قال تعالى عن نبيه شعيب عليه السلام : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } وقال تعالى : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } .
وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون مالا تفعلون }. فدعوةٌ هذا مفتاحها كيف تكون حالها ؟ ودعوة هذه حال صاحبها كيف تكون .
8- الخلفاء الراشدون وكانت في زمانهم الدعوة والفتوحات على أوجها لا سيما في خلافة عمر والاتصال بالأعاجم حاصل باستمرار والحاجة ملحة ومع هذا انقرض عصر الخلفاء الراشدين ولم يأمروا بتعلم قليل ولا كثير من لغات العجم ولو كان هذا حاصلاً لأُثِر كيف وقد نهى عمر عن ذلك، ورُسل عمر إلى ملوك العجم مثل المغيرة بن شعبة معروفة حالهم، كانت العجم في أعينهم أحقر من أن يتكلموا بلسانهم ومع هذا كانت الدعوة على التمام والكمال .
9- يلزم من دعوى هؤلاء أن الدعوة كانت وقت النبي والصحابة ناقصة وهم كمّلوها بتعلم اللغات وأنهم أعظم اهتماماً بالدعوة منهم .
10- استعمال لسان العجم تشبه باللسان، ذكره ابن تيمية والنهي عن التشبه بهم معلوم، ذكر ذلك في اقتضاء الصراط المستقيم .
وقال ابن تيمية : اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخُلق والدين تأثيراً قوياً بيناً بحسب تلك اللغة .(1)
وقال رحمه الله : لما فتحت الأسكندرية وجد فيها كتب كثيرة من كتب الروم فكتبوا فيها إلى عمر فأمر بها أن تحرق وقال : حسبنا كتاب الله.(1)
ومثل ذلك لما فتحت فارس فكتب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى عمر أنهم وجدوا فيها مكتبة فأمر بتحريقها .
وأهل الوقت يحتجون بحجج واهِية كغيرها . كقولهم : ( من تعلم لغة قوم أمِنَ مكرهم ) وليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
والحقيقة أن الذين تعلموا لغة الأعاجم هم الذين وقعوا في مكرهم، فقد تعلموا علومهم وتشرّبتها قلوبهم وفيها الشيء العظيم من فساد الاعتقاد ومِن جعْل الدنيا هي الغاية ومن مدح الكفار ومودّتهم ومن الصّوَر المحرمة وغير ذلك من المحذور فأيْن الأمان من مكرهم ؟!! .
===============
مشكلة العمل الدعوي النسائي وحلوله
قد يتسائل البعض عندما يقرأ عن الشكاوى التي تصدر من أزواج الأخوات الداعيات فيما يرونه من إهمال أسري من قِبل الداعية فيما أنه كيف تخرج المرأة للدعوة إلى الله وبيتها الأحوج لذلك وكيف تقابل النساء بالنصح ولا ترى نفسها أنها بحاجة إلى النصح قبل غيرها ....
إلى آخر هذه الأقوال والتساؤلات
وحتى نجد جواباً لهذه التساؤلات أقول:
أن " الدعوة " بحد ذاتها ليست المسؤولة عن ما تقع فيه " بعض " الداعيات من أخطاء أسرية قد تصل فيه إلى حد صعب وشائك .... وقد يُهدم بيت أسري صالح من جراء هذه الأخطاء والتي لا تكن في حسبان البعض ....
ولكن المسؤولية هي مسؤولية الداعية ذاتها فكم من داعية ناجحة لم يقف طريق الدعوة أمام مسيرة حياتها وعلى النقيض من ذلك بعض الداعيات واللاتي قد يؤثر عملهن الدعوي بشكل واضح على حياتهن الأسرية ولو بعد حين ...
إذن طريق الدعوة براء من هذا وذاك وهذه أول ثمرات الموضوع وقد اتضحت .... وهذه النقطة الرئيسية والجوهرية التي لا يمكن لإثنان الاختلاف عليها ....
نأتي للنقاط الجزئية الباقية :
فإن فشل بعض الداعيات أسرياً في رأيي يمكن حصره في هذه النقاط نقف عندها ونتأمل ثم نستخرج الحلول ونستطيع من خلالها الوصول لمكمن الداء :
أولاً : الفهم الخاطئ للدعوة إلى الله :
فبعض الداعيات وكذلك الدعاه يظن بأن الدعوة إلى الله يجب أن تأخذ كل وقته وكل جهده وكأن لا حق لنفسه عليه فالداعية تخرج من بيتها صباحاً للدعوة إلى الله بمحاضرة أو عمل دعوي أياً كان وربما تكون أماً لأطفال رضّع أو ما فوق ذلك بقليل فتضطر أن تترك رعايتهم للخادمة فتعود إلى بيتها ظهراً وقد استهلكت قواها وأصبحت متعبه نفسياً وجسدياً وغير قادرة على بذل أي مجهود آخر غير أن تضع رأسها لتنام قليلاً ناسية أن لها أطفالاً بحاجة إلى رعاية واهتمام وتفقّد، فلا يصبح هناك فرق بينها وبين المرأة العاملة التي ينطبق على أبنائها قول الشاعر :
ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً
فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما *** وبحسن تربية الزمان بديلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أماً تخلّت أو أباً مشغولاً
هكذا يصبح حال الأبناء وأنا على يقين تام بأن أخواتي الداعيات اللاتي يشتكون أزواجهن من إهمالهن التربوي لأبنائهن ، أنهن لا يشعرن بحجم هذا الإشكال أو أنهن في هذا الإنهماك الدعوي لم يشعرن بأن المنزل بحاجة ماسة لتواجدهن خصوصاً مع توفر الخدم الذين ينوبون عن الأم حتى عودتها ....
هذا بالنسبة للأبناء أما الأزواج فلهم أيضاً نصيب ....
فالأخت الداعية وأقول " البعض " فإن حديثنا في هذا الموضوع عن " البعض " وليس الكل .... تخرج من بيتها وتعود إليه في اقصى حالات التعب بينما الوضع الصحيح الطبيعي هو أن الزوج عندما يعود للبيت متعباً منهكاً يجد من يستقبله ببشاشة وصورة حسنة ولا يمكن أن نرجو ذلك في إمرأة تعود لمنزلها والتعب يعلوا جبينها وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقال فكيف تسعى لراحة زوجها وهي من يفتقد هذه الراحة في ظل خروجها من منزلها ..!
في حين أنها تستطيع توفير الراحة لكافة أفراد أسرتها لو أنها وجدت الراحة الجسدية واستقرت في منزلها .
ثانياً : عدم تنظيم الوقت :
ومشكلة الوقت هذه تحتاج إلى تنظيم وعمل وتطبيق .... لأن عدم تنظيم الوقت وتقسيمه قد يحدث فوضى عارمة لا في المنزل فقط بل في كل مجالات الحياة
فالإنسان العامل سواء في مجال الدعوة أو أي مجال غيره بحاجة ماسة لتنظيم وقته وعدم خلط هذا بذاك فكل عمل يجب إعطائه حقه فلا يطغى شيء على شيء آخر ...
وهذا بالنسبة للداعيات أيضاً فمن تخرج من منزلها للدعوة إلى الله تعالى يجب أن تضع جدولاً مقسماً وواضحاً تمشي عليه حتى لا تحدث الفوضى في حياتها الأسرية وحتى توفق بين عملها كداعية إلى الله وبين واجبها كزوجة وأم ....
إذن هل هناك مقترحات حول الوقت وتقسيمه؟
نقول نعم وإليك أختي الداعية بعض هذه المقترحات :
أولاً : عدم الخروج بتاتاً من المنزل قبل خروج الأبناء للمدارس إن كانوا طلاب مدارس.(1/187)
ثانياً : الحرص على الرجوع للمنزل قبل الساعة السابعة مساءً. " إذا كان العمل في الفترة المسائية"
ثالثاًً : عدم الاتكال على الخادمة في العناية بالأطفال الصغار عند الغياب ويمكن استبدال الخادمة بأم الزوجة أو أم الزوج أو الأخوات إن أمكن ذلك.
رابعاً : لا تكن الأعمال الدعوية يومية بحيث تضطر الأخت الداعية للخروج من منزلها صباحاً أو مساءً بشكل يومي بل تختار أوقاتاً متفرقة تعطيها فرصة متابعة الأبناء بالشكل الصحيح وقضاء متطلبات الزوج.
خامساً : أن لا يستهلك العمل الدعوي كل وقتها وتفكيرها.
ثالث نقطة حول موضوعنا : عدم إيجاد البيئة المناسبة للدعوة :
فمثلاً قد تحتاج المرأة الداعية إلى وقت طويل جداً للوصول لمكان العمل الدعوي الذي تشارك به إذا كان المكان في مدينة أخرى أو حي يبعد عن بيتها بمسافة الساعة أو أكثر فتضطر للتأخر عن بيتها بعكس لو أن العمل كان قريباً من مسكنها بحيث لا تستغرق المسافة العشر دقائق .
فماذا يضير لو أن كل داعية اقتصرت على حيها ومدينتها للدعوة فيه دون التوجه إلى مدن أخرى قد تعرقل وتهز وظيفتها كأم وزوجة ؟
إذن على الأخت الداعية التركيز على هذه النقطة وهي أيجاد بيئة مناسبة للدعوة إلى الله تتوفر فيها " قرب المسافة " بحيث تستغل الوقت فبدلاً من استغراق الساعتين في الذهاب والإياب تقتصرها في عشرون دقيقة ذهاباً وإياباً .
وأكرر بل أشدد على ذلك " إن لم تستطع المرأة الداعية التخلص من هذه المشكلة بأي طريقة مما ذكرنا أو مما لم نذكر ولم تستطع التغلب عليها أو التوفيق بين عملها " التطوعي " الدعوي وبين " واجبها " الأسري بحيث طغى ( المهم ) على ( الأهم ) فندعوها من هنا بأن تترك الدعوة إلى الله خارج منزلها وتتفرغ لمنزلها وأبنائها وزوجها لأن هذا هو الواجب وغيره إنما هي أعمال تطوعية تأجر عليه فقط وليست بواجبه عليها.
هذا بالنسبة للنوع الأول وهو " الدعوة خارج المنزل "
نأتي للنوع الثاني وهو " الدعوة داخل المنزل "
وهذا النوع هو عبارة عن [ بديل دعوي ] للمرأة المحبة للدعوة وكما قلنا فإن هناك نساء حباهن الله تعالى حب هذا الدين والدعوة إليه بحيث أنها لا تجد ذاتها إلا فيه وتعلقها بهذا الطريق يرغمها على المضي فيه رغبة منها ومشاركة لنيل الأجر من عنده سبحانه وتعالى فيأتي هذا البديل كي لا تضطر للخروج من منزلها مخلفة أبنائها فيه ومقصرة في حقوق زوجها فنعطيها هذه البدائل:
1) دعوة الزوج :
وتذكيره بين الحين والآخر والدعاء له بالصلاح والثبات على دينه والإحسان إليه في المعشر والتأدب معه وحفظه غائباً وحاضراً والحرص " كل الحرص " على المحافظة على حقوقه الزوجية كاملة. ( فإنها أعظم دعوة )
2) دعوة الأبناء :
وحسن تربيتهم التربية الصالحة وحثهم على الصلاة وحفظ القرآن منذ نعومة أظفارهم والاهتمام بكل متطلباتهم والسؤال عنهم وعن من يصاحبون . ( فهذا أجمل عمل فطري أمرنا الله به ) .
3) دعوة الخادمة :
وحسن معاملتها فإن حسن المعاملة وطيب الخلق مع الخدم " والمستضعفين " أقصر طريق لدعوتهم إلى الإسلام اذا كانوا غير مسلمين فإن كانت الخادمة مسلمة فالحرص على نصحها وتبصيرها من واجبات من استقدمها ، كذلك شراء الكتب المترجمة لها ( من تعليم للصلاة وقراءة للقرآن ... الخ ) وعدم ارهاقها بالأعمال المنزلية أو بما لا تستطع أن تقوم به بمفردها فلا بأس بمساعدتها في ذلك ، ولا تنسى الأخت الداعية حث الخادمة على الصلاة في وقتها وعدم تأخيرها.
4) الدعوة عبر الشبكة العنكبوتية :
فالإنترنت بحر لا نهاية له وعلى الداعية أن تجد مكاناً لها فإن صوتها يصل إلى ملايين البشر ولا يقتصر بمدينة بعينها أو بلد بعينه بل المخاطبة والدعوة هنا تصل إلى العالم بأسره ( مسلمين وغير مسلمين ... عرب وعجم ... مقيمين أو مغتربين ) .
فيمكن للأخت الداعية هنا أن تستغل هذه الوسيلة لصالح الدعوة إلى الله فتنشأ لبنة خير وترسم لها طريقاً خاصاً بها وتكن شخصاً يعمل له دوره في هذه الحياة بما يخدم به دينه ويرضي به ربه.
5) دعوة الجارات والأقارب :
كتوزيع النشرات والمطبوعات والأشرطة بين النساء في التجمعات وإلقاء كلمة هي بمثابة البصمة لها في كل مجلس " بصمة خير تحفها الملائكة ".
أخيراً فإن المرأة الداعية هي القدوة في تربيتها وسلوكها فلا تجعل من بعض الأمور الصغيرة تؤثر على مسيرة حياتها الأسرية أو تعرقل من دورها الدعوي ولتبذل جهدها أولاً وأخيراً على مملكتها حيث أبنائها وزوجها فهم الأحق بها والأولى.
أختكم رحيل
شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي
=============
العطلة الصيفية فائدة واستجمام
م. عبد اللطيف البريجاوي
مخطط البحث
• أهمية الوقت
• خطورة الفراغ
• أهمية الاستجمام
• أين تضيع العطلة الصيفية
• العطلة الصيفية طاقة معطلة
• وسائل عملية للاستفادة من العطلة الصيفية
1. زيارة المشاهير(العلماء , الصالحون , الأدباء )
2. زيارة الأقارب
3. النوم عند الأقارب
4. الرياضة
5. كتابة المذكرات
6. تعلم حرفة للشباب وتدبير منزلي للبنات
7. تنسيب الأطفال إلى مراكز الأنشطة والجمعيات الخيرية ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم
8. إنشاء صفحة السلبيات في البيت والشارع والمجتمع
9. المطالعة
10- المشروع الشخصي
11- خاتمة واقتراح
أهمية الوقت
لا يخفى على أحد أهمية الوقت في حياة الأفراد والأمم ولا سيما نحن العرب والمسلمين الذي نستمد ثقافتنا من هذا الدين الحنيف
فقد أقسم الله بالوقت ( " والعصر " , " والضحى " , " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى " )
كما أقسمت بدلالات الوقت ( والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها , فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق )
وهذا القسم ناهيك عن دلالاته المختلفة فإنه اهتمام بهذه الأوقات ومؤشر حتى ينتيه الإنسان إلى أهمية الوقت
كم أن السنة جاءت لتؤكد على المسؤولية الكاملة للإنسان على الوقت ( لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع .... وعن عمره فيما أفناه ... ) أبو داود
فهو رأس ماله الذي يتاجر به ويرابح (راجع الكتب التالية للاستزادة : قيمة الوقت عند علماء المسلمين الشيخ عبد الفتاح أبو غدة , الوقت د. يوسف القرضاوي وغيرهما )
خطورة الفراغ :
ليس هناك خطر يداهم شبابنا وبناتنا كم يداهمهم الفراغ ذلك أن الفراغ مفسدة
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أية مفسدة
إذا أردت أن تعرف قيمة الأمة ومدى اهتماماتها فانظر إليها في وقت فراغها ماذا تفعل
الفراغ خطر للأمور التالية :
1 - يورث الملل والضجر
2- يورث الكسل
3- يورث الأخلاق السيئة
4- يورث البحث عن طرق لإضاعة الوقت
5 - يورث المعصية
6- يورث عدم التوازن النفسي
7 - النمو الجنسي قبل الأوان
للاستزادة راجع (مؤلفات د . عبد الكريم بكار )
أهمية الاستجمام
وعلى الرغم من أن الإسلام أكد على الوقت وأهميته إلى أنه لم ينسى حاجات الإنسان إلى الراحة والاستجمام والترويح عن النفس(1/188)
لَقِيَ أبو بكرٍ رضي الله عنه حنظلةَ الأُسيدي فقال له : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال : قلت : نافق حنظلة .قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ قال قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين ، فإذا خرجنا من عندِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضّيعاتِ فنسينا كثيرا . قال أبو بكر : فوالله إنا لنلقى مثل هذا . قال حنظلة : فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلتُ : نافق حنظلة يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قال حنظلة قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين ،فإذا خرجنا من عندك عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضيعاتِ . نسينا كثيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة . ثلاث مرات . رواه مسلم .
( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) [القصص: 77]
ومن أهمية الإستجمام معرفة أن في هذا الدين فسحة قالت عائشة : وكان يومَ عيدٍ يلعبُ السودانُ بالدَّرَقِ والحِرابِ ، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه خدِّي على خَدِّهِ متفق عليه .
يقول ابن الجوزي رحمه الله: (ولقد رأيت الإنسان قد حُمّل من التكاليف أمورًا صعبة، ومن أثقل ما حُمّل مداراة النفس وتكليفها الصبر عما تحب وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس).
العطلة الصيفية طاقة معطلة :
يملك العرب والمسلمون طاقات في أيديهم لا يدركونها ولا يستثمرونها الاستثمار الأمثل ومن هذه الطاقات طاقة الفراغ ( العطلة الصيفية )
فالإسلام جعل صاحب طاقتي الفراغ والصحة مغبون عند الناس لانه يملك وقتا كافيا لينجز ما لا يستطيع أصحاب المشاغل فعله " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ "
فالعطلة الصيفية طاقة معطلة عند كثير من الناس فهو يقضيها عبثا ولهوا ودفعا للوقت يقول ابن الجوزي " رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمن دفعا عجيبا إن طال الليل فبحديث لاينفع , وإن طال النهار فبالنوم أو في الأسواق ...ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود ... فالله الله في مواسم العمر والبدار البدار قبل الفوات استشهدوا العلم ونافسوا الزمان "
فأين يضيع هذا الوقت النفيس عند طلابنا وأبنائنا :
1- النوم البطر :30 % من وقت الفراغ الذي قدر ب13 ساعة يوميا
2- مشاهدة الفضائيات المتنوعة: 42% من وقت الفراغ الذي قدر ب13 ساعة يوميا
3- الانترنت :
4- ممارسة ومشاهدة الرياضة :
5- المشي في الشوارع :
6- الوقوف على شرفات المنازل وأبواب البيوت :
وسائل عملية للاستفادة من العطلة الصيفية :
1- زيارة المشاهير(العلماء , الصالحون , الأدباء ) :
الإنسان دائما يفتقد إلى قدوة يقتدي به , وغالبا تكون هذه القدوة من نسج الخيال عند كثير من الشبان والفتيات ," ولقد لوحظ باستبيان أجري على شريحة من المشاهير لوحظ أن 63% منهم كانوا قد زاروا مشاهير في صغرهم " صناعة القائد
فاستغلال العطلة الصيفية بالزيارت إلى العلماء والأدباء والأطباء والصالحين يشكل نموذجا تطبيقيا للقدوة في ذهن هؤلاء الأطفال
فمثلا من يريد لابنه أن يصبح طبيبا يمكن أن يأخذه لزيارة طبيب وديا على أن يقوم الطبيب بشرح كفاحه ودراسته وشعوره بالاعتزاز عند استلامه الشهادة وهكذا نفعل مع الشعراء والأدباء والصالحين والعلماء .
2- زيارة الأقارب :
وهذا من الأمور التي قد يغفل عنها الكثير من الناس فيقصرون بحق أقاربهم فلا يتفقدونهم ولا يحسنون إليهم, وبعض الآباء لا يربون أولادهم على ذلك .
فأفضل الصدقات ما كانت للأقارب : فعن كريب مولى ابن عباس أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي قال : " أو فعلت " قالت : نعم
قال : " أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك " متفق عليه
وأفضل البر بر الأقارب : فقد روى البخاري أن النبي عليه السلام قال : " الخالة بمنزلة الأم "
3- النوم عند الأقارب
وخاصة إذا لم يكن هناك مخالفات شرعية , وكان الأقارب من الطبقة الملتزمة حيث يتعرف الطفل على علاقات خارجية ملتزمة وقريبة , فيؤثر ذلك فيه أبلغ التأثير, مما يدفعه لتقليدهم ويزداد حبه لهم وهذا ابن عباس ينام عند رسول الله عليه السلام ويتعلم منه كيف يقوم الليل
وبعض الناس يمانعون ممانعة شديدة في نوم الأطفال عند بعض الأقارب دون عذر شرعي مقبول, مما يمنع الطفل من مشاهدة العالم الخارجي عن أسرته الذي ينظر إليه دائما باستغراب ودهشة ويرغب بشدة أن يطلع عليه ويلج عالمه , ومنعه من هذه الرغبة الشديدة يمنعه من رؤية هذا العالم وقد يؤثر على رؤيته المستقبلية للأمور
(راجع مقالة العلاقات الخارجية في الأسرة لـ عبد اللطيف البريجاوي)
4 - الرياضة :
الرياضة تجدد البعد النفسي , وتفرغ الطاقات الفائضة عند الشباب , وهي بدورها تلعب دورا مهما في تناسق نمو جسد الأطفال
ولقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه , وسابق عائشة فسبقته مرة وسبقها مرة
فالرياضة انبعاث للحياة من جديد , وتجديد للفكر وطرح للوهن والكسل
ومن العجب العجاب أن الآباء لا ينتبهون إلى هذا الأمر الحيوي والمهم في حياة أولادهم
5 - كتابة المذكرات:
من الأمور التي تساعد على الاستفادة من الوقت استفادة ايجابية حيث تشغل ذهن الشاب بالمفيد وتنمي عنده القدرة على مسك القلم والتوصيف الجيد وتخفيف الضغط عليه وتساعده في تحديد نظرته للعالم ورؤيته له رؤية صحيحة كتابة المذكرات
وليس فقط كتابة المذكرات إنما الكتابة بكل معناها فإنك تستطيع أن تطلب من ولدك أن يحدثك بشكل كتابي عن مفهومه عن فلسطين أو العراق أو الوطن أو نزهة قمتم بها
ولقد أحسن أحد المدرسين للتربية الإسلامية عندما قال للطلاب ( يريد أن يشجعهم )أن النبي سيزوره الليل فطلب من كل طالب أن يكتب رسالة لهذا النبي صلى الله عليه وسلك فكانت المفاجأة التي قصها علينا وهو فرح يبكي وأنت سوف تبكي معه عندما تسمع وتقرأ ما كتبه الطلاب كرسالة لرسول الله : فأحدهم يقول أحبك يارسول الله متى أراك والآخر : معذرة يا رسول الله عما فعلته الدانمرك والثالث : يقول أنا لا أصلي وسأعدك أن أصلي وهكذا
لقد فجرت الكتابة في نفوس اليافعين ما لم تفجره محاضرات وخطب ودروس .
6 - تعلم حرفة للشباب وتدبير منزلي للبنات :
أشد الناس تقصيرا في تعليم أولادهم للحرف هم العرب بشكل عام , فالعرب بطبيعتهم يميلون للتجارة (قريش , سبأ ) , بينما كانت الصناعة تنتشر عند غيرهم من الفرس والروم والموالي
لكن الإسلام شجع على الصناعة فقال صلى الله عليه وسلم " يدخل في السهم الواحد ثلاثة صانعه ومنبله وراميه " فبدأ بالصانع ليؤكد على أهمية الصناعة وأهمية الحرف للإنسان
وفي أحاديث أخرى يتكلم عن قدوات تاريحية نبوية فيقول:" كان زكريا نجارا" و" كان داود حدادا "(1/189)
إن تعليم الأولاد حرفة معينة في العطلة الصفية له فوائده الجمة منها :
• الاستفادة منها كمصدر رزق في المستقبل
• التعامل مع الأمور بشكل عملي مما يوسع أفقه ويبعده عن التنظير
• الابتعاد عن الكسل
• تكسبه معارف جيدة
• وتمنحه صداقات جديدة
وما يقال للشباب يقال للفتيات من حيث ضرورة تعليمهن التدبير المنزلي السليم وكيفية تربية الأولاد , وكيفية إضفاء لمسات الجمال على البيت مما لا تسمح الفترة الدراسية بالوقت ليتعلمنه
7 - تنسيب الأطفال إلى مراكز الأنشطة والجمعيات الخيرية ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم :
من الأمور التي تساعد الأولاد على استنفار طاقاتهم وبذل جهدهم وتشجعهم على العمل الجماعي والعمل المتقن هو تنسيب الأطفال إلى إحدى الجهات الواعية والمسؤولة والتي تقوم بأعمال الخير والتي تقوم بالنشاطات المختلفة كمسابقات الرسم والخط والقصة وحفظ القرآن الكريم ولسنة النبوية المبارك والشعر مما يولد عندهم حبا للعمل الجماعي وتآلفا ولهفة لمن حولهم .
8 - إنشاء صفحة السلبيات وطرق المعالجة في البيت والشارع والمجتمع :
من الضروري جدا إشعار الطفل والشاب بأنه جزء من أسرة صغيرة في البيت وأسرة أكبر في الحي ثم أكبر في المجتمع , وإشعاره بهذا الشعور يكون بتنمية روح الملاحظة لكل ما هو سلبي فيهم ومن ثم إدراك ما يمكن إدراكه ومن الطرق التي تساعد على ذلك 'نشاء صفحة السلبيات وطرق المعالجة لهذه السلبيات وبالتالي نحقق فوائد عديدة منها :
• تعليم الأطفال والشباب على متابعة السلبيات وعدم السكوت عليها
• تعليمهم كيفية المعالجة السليمة لهذه السلبيات
• تعليمهم المقارنة بين الايجابيات والسلبيات في حال عدم قدرتنا على تغير السلبيات
فمثلا شاهد الأولاد أطفالا يلعبون الكرة في الشارع مما أدى إلى بعض الأضرار في محل جارنا فلان
يجب أن لا يمر الطفل على هذه الظاهرة دون أن ينتقدها ويوصفها ويناقش الحلول لهذه المشكلة
9 - المطالعة :
يعتقد كثير من الأسر أن الإجازة هي فسحة للابتعاد عن الدراسة والثقافة والعلم، وأنها فرصة ليتخلى الشاب أو الفتاة عن أي شيء له علاقة بالعلم.
إذ يلاحظ على الطلاب هجرانهم للقراءة بمجرد انتهاء الامتحانات، وسبب هذا يعود إلى أن الطالب لم يدرك أهمية القراءة ودورها في بناء شخصيته وتنمية ثقافته، فالطالب من نعومة أظفاره يطلب منه أن يحفظ دروسه فقط ، فليس في حياته أن هناك قراءة خارج المدرسة فلم يتعود أن يهدى له كتاب أو أن يشتري كتاب حتى إنه لم يتعود أن يرى والداه وأهل بيته وفي أيديهم كتاب يقرؤونه أم مجلة علمية يطالعونها
يجب أن يعلم الطلاب وآباؤهم أن المدرسة ليست المصدر الوحيد للعلم، وليست فصولها الأوقات الوحيدة لمتابعة الدروس بالعكس، يوجد الكثير من المشاريع العلمية التي يصعب إجراؤها في أوقات الدراسة، بسبب انشغال الطلاب بالتحصيل العلمي الإلزامي.
يقول د. بكار " ماالفرق بين المتعلم والأمي إذا كان كلاهما لا يقرأ "
القراءة بداية رسالتنا نحن العرب والمسلمين
ومع ذلك فنحن أبعد الناس عن القراءة
لابد من تغيير تربوي شامل في هذا المجال تشترك فيه الأسر والهيآت والجمعيات ودور النشر والكتاب لتغيير الثقافة المتوارثة بأن القراء فقط هي القراءة المدرسية
يستحب أن تلتزم الأسرة في الصيف بالقراءة ومناقشة ما تقرأ ومن الوسائل المعينة على القراءة :
1. وجود مكتبة في البيت ولو صغيرة
2. تخفيف مشاهدة الفضائيات التي تستهلك الوقت الكبير
3. السماح للطفل وللشاب بطرح ما فهمه مما قرأه أمام والديه وإخوانه مما يشجعه على متابعة القراءة
إن قراءة كل يوم خمسة أحاديث هذا يعني أننا نقرأ في الشهر مائة وخمسون حديثا
وقراءة نصف ساعة في اليوم يعني قراءة خمسة عشر ساعة أسبوعيا ومائة وثمانون ساعة سنويا
فإذا علمت أن الكتاب المتوسط الحجم يحتاج إلى عشر ساعات لقراءته فإنك ستقرأ في العام الواحد ثمانية عشر كتابا!!
اقرأ تلاها المصطفى
فكانت جيل الأرقم
( راجع القراءة المثمرة لـ دعبد الكريم بكار والخطة البراقة للخالدي )
10 - المشروع الشخصي:
يقصد بالمشروع الشخصي " هو شيء يكرس الشخص له حياته أو معظم حياته " د. بكار وبمعنى آخر لا بد أن يزرع الآباء في نفوس أولادهم مشروعات مختلفة ليبدعوا بها ومن ثم يحولوها تطبيقا عمليا على أرض الواقع
لقد كان حلم البخاري أن يجمع الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغرق في هذا العمل ستة عشر سنة
والذي نقل تقنية صنع المحركات على اليابان مكث ثماني سنوات وهو يفك محركات السيارات في ألمانيا ثم يطبقها حتى استطاع بعد ذلك من حفظ كل قطعة في المحرك وطريقة صنعها ومكان تركيبها
وكان حلم د. فاضل السامرائي أن يجمع كتابا في معاني النحو فاستغرق عشرة أعوام في ذلك
وكان حلم أديسون أن يخترع مصابحا مضيئا فاستغرق بذلك 2990 تجربة فاشلة حتى أنار معه المصباح الكهربائي
وإنك تجد كل إنسان عنده مشروع شخصي يستنفر كل قوته وعزيمته للوصول إليه وإنه واصل بعون الله تعالى
إننا بحاجة إلى طرح مشاريع شخصية على أولادنا وهذه المشاريع تتفاوت كثيرا من مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر
أمثلة عن المشاريع الشخصية :
حفظ القرآن الكريم
حفظ السنة النبوية الشريفة( البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود)
الاتجاه لأن يكون حجة في النحو فيحظ الألفية ويقرأ فقه اللغة وتاج العروس وغيرهم
الاتجاه إلى تعلم صناعات جديدة ترفد تقدم بلده وازدهارها
التوجه لابتكار حلول لكثير من مشاكل مجتمعه كمعالجة مشكلة البطالة , و مشكلة قلة المياه
القيام بمؤسسات خيرية تساعد الفقراء والمحتاجين وتسد عوزهم (راجع التوازن في حياة المسلم للدكتور بكار )
خاتمة :
في نهاية هذه العجالة لموضوع العطلة أختم مقالتي باقتراح مهم وهو بمثابة مشروع مقترح لكل الجمعيات الخيرية والفعاليات والمناشط أن يعلنوا في كل سنة حملة اسمها :
( العطلة الصيفية عندنا )
أو مشروع
( خل العطلة علينا )
وهو مشروع فيه من الخير العميم ما نحقق به المتعة والفائدة لأبنائنا في العطلة الصيفية ونستفيد من طاقتهم المهدورة وحماسهم المتوقد المصروف بالمجان وذلك من خلال برامج معدة من قبل خبراء لاستغلال واستثمار هذه الطاقات المهدورة
والله الموفق
حرر في حمص - سوريا 12\6\ 2006 م
================
كيف نستغل الإجازة في رحاب الله ؟
محمد أبو الهيثم
عام بعد عام وكل ورقة تسقط من تقويم الأعمار إنما هي خطوة نحو دار البقاء والقرار , نعمل ونعمل إما بحق أو في سبيله فهو في مثاقيل الموازين وإما بباطل أو في سبيله فهو من وحي النفس السيئة والشياطين وكل ذلك معلوم وكل ذلك مرصود وكل ذلك معهود.
فهيا نقف مع النفس ونحاسبها قبل أن نقف موقفاً عصيباً يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ... يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ... يوم يصبح الولدان الصغار أشياباً من هول الموقف .
أحبائي ...
مع بداية الإجازة الصيفية تجد كلاً يفكر كيف يقضي العطلة وكل يدور في ذهنه ما يناسب حاله كما قال الحق تبارك وتعالى { قل كل يعمل على شاكلته } فبداية العطلة تمثل للشاب أو الفتاة إشراقة يوم جديد مليء بالنشاط والحيوية والعطاء ، وهذه دعوة من أخ لكم مر بما تمرون به اليوم ويدعوكم إلى برنامج جديد تقضون به العطلة .(1/190)
أولا : الرفيق : سأذكركم بخير رفيق لكم وأجل رفيق في العطلة .. والله مهما تباعد الإنسان عنه ومهما خاض في خضم الحياة إذا عاد وناداه أجابه بفرح شديد وليس ذلك فحسب بل هو يعطي وعطاؤه غير محدود وهو يحفظك في كل وقت وبالخير يجود هيا بنا يا أحبابي نقضي العطلة في رحاب الله ...في معية الله .....في مرضاة الله .
وأحب أن أذكرك بشيء مهم وهو أن الوسائل لها في الشرع حكم المقاصد فمثلاً إذا أكل الإنسان لأنه جائع وفقط فهذا لا له ولا عليه وأما إن أكل بنية أن الطعام يقوي الجسم على الطاعة والصلاة فهذا له أجر .. مع أن الطعام هو نفس الطعام ولكن لأن العبادة غاية وهو جعل التقوي عليها بالطعام وسيلة فأصبحت الوسيلة هي الأخرى عبادة .
إذاً فلنتعامل مع الله بتجارة العلماء , فالنيات هي تجارة العلماء ومع إحسان النية تتحول كل الحياة إلى عبادة مع أنها هي هي نفس الحياة ونفس الأفعال ولكنها النية قد جعلت صاحبها يدخل في مقصود الآية { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين }
أحبتي في الله... هيا بنا نأنس بالله ، هيا بنا نعيش بالله وفي الله ولله ومع الله قصة حب حقيقية نبذل له فيها مهجنا وأرواحنا وسائر حياتنا نهديه فيها حبات القلوب .
تخطيط مسيرة الصيف الهانئة :
سنقسم إن شاء الله تعالى اليوم ونحوله إلى جدول عمل نبدأ معه بأول صلاة فرضها الله على المسلم من حيث وقتها وهي صلاة الفجر وسنخصص بعض الزيادات في آخر كل وقت للفروق الطبيعية بين الشاب والفتاة في العمل وكذلك بعد وضع الجدول بإذن الله سنقدم بعض النصائح ببعض الأعمال العامة التي يمكن فعلها على بعض الفئات دون بعض....
أولاً صلاة الفجر وما بعدها :
• ما أروع أن يبدأ المسلم يومه نشيطاً متفائلاً مستبشراً ببزوغ فجر جديد في حياته يلقى فيه الله تعالى محتفيا مسروراً منضماً لصفوة المحبين مصطفاً معهم في رباط روحي وقلبي ملبين نداء الحق مع نسمات الفجر ... نداء المؤذن لصلاة الفجر ومن حُرم من ذلك الإحساس الطيب بالقيام لصلاة الفجر وصلاتها في جماعة فهو حقاً محروم ، وننصح إخواننا الذين حرموا من هذا الخير العميم أن يبحثوا عن أسباب الحرمان ويعالجوها فهي تتراوح من كونها معاصي يفعلها العبد فيحرم بها الخير أو كونها أسباب لم يتخذها أو لم يحسن الأخذ بها كالنوم مبكراً مستحضراً النية للتقوّي بالنوم على صلاة القيام وصلاة الفجر ، ومن الأسباب : الإكثار من الطعام قبل النوم مما يثقل الجسد عن القيام فابحث وحاول أن تعالج أسباب الحرمان حتى تكون أو تكوني من الفائزين بصلاة الفجر في وقتها وانضمامك إلى موكب الخير السائر إلى الله {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } .
• بعد صلاة الفجر لا تنسَ أذكار الصباح فهي الزاد الطيب في بداية اليوم .
• الجلوس في المسجد حتى يحين وقت الضحى بعد شروق الشمس وارتفاعها بمقدار ميل وفي هذا الوقت نقترح لك أن تجعل فيه وردك اليومي من القرآن وهو جزء على التقدير العادي وبالطبع فهذا الورد من القرآن هو زاد روحك وقلبك في الإجازة وغيرها فهو الغذاء الطبيعي السليم والأساسي للمؤمن .
• بعد انصرافك من صلاة الضحى بالمسجد وقد رزقت الأجر إن شاء الله وهو كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة تعود لبيتك حتى تستريح قليلاً فإن كان وراءك عمل تقوم به في الصيف لمساعدة الأسرة أو تحقيق ذاتك فهذا خير ولمثل صاحب هذا الحال ننصح بعد صلاة الضحى بالراحة لمدة ساعة مثلا أو على قدر ما يكفل لك القيام قبل العمل بنشاط ويكفي لتناول إفطارك قبل الذهاب للعمل .
ولغير العامل بالإجازة نقول له خذ راحتك مثلا لمدة ينشط فيها الجسد ولا تطِل عن التاسعة صباحاً حتى لا تصاب بالخمول وبعد قيامك ننصح بساعتين من الاطلاع على آخر تطورات واقع المسلمين على بعض المواقع الموثوقة في ذلك ثم أخذ الزاد العلمي والثقافي المناسب من خلال عملك على الشبكة وما أفضل أن تطبع ما يستحق الطبع وتنشره بين إخوانك فتكون ساعدت في نشر الحق والخير ولك الأجر إن شاء الله ... فنفضل هذا الوقت على غيره للتصفح بالشبكة ومعرفة المستجد من الأمور والمعارف حتى موعد صلاة الظهر
• التهجير لصلاة الظهر وهو التجهز والذهاب مبكراً للمسجد والجلوس في انتظار الصلاة فأنت في صلاة ما انتظرت الصلاة .
• بالنسبة للفتاة الفاضلة فنرجو منها أن تقضي هذه الفترة بين التصفح وبين مساعدة والدتها في شئون المنزل ونفضل لها البدء بمساعدة الوالدة ثم التصفح لأن سنة التهجير إلى المسجد هي للرجال الذاهبين للمسجد أما أنت فصلاتك في بيتك أفضل وبالتالي فسيتوفر لك وقت كافٍ قبل الظهر للتصفح فنقترح بتقسيم الوقت مما بعد التاسعة إلى الظهر مثلا إذا قدرناه بأربع ساعات فتساعد الوالدة في البداية بما مقداره ساعتين وفي الغالب يقل عن ذلك وتجعل الباقي حتى صلاة الظهر للتصفح ... واعلمي أن مساعدتك لوالدتك فيه خير عظيم { وبالوالدين إحسانا }
ثانياً : صلاة الظهر وما بعدها :
بعد أداء صلاة الظهر في جماعة يحين وقت القراءة الجادة لأحد فرائض الأعيان من العلوم كعلم العقيدة وكذا المهم من علم الفقه كالطهارة والصلاة والصوم وغيرها فعلى الأقل نخصص بعد الظهر ساعتين للاطلاع أو سماع الأشرطة المنهجية في ذلك وننصح في هذا الصدد ببعض الكتب للشاب المبتدئ الحريص على أداء ما افترضه الله عليه فمثلاً في العقيدة نرشح لك كتاب "القول المفيد على كتاب التوحيد " للشيخ محمد بن صالح العثيمين عليه رحمة الله وهو كتاب نفيس وسهل التناول فلو قدرنا أنك ستقرأ بتفحص كل يوم عشرين صفحة لانتهى منك الكتاب في أقل من شهرين إن شاء الله .
وبعد الانتهاء منه نرشح لك كتاباً سهلاً في الفقه ككتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق مع تصحيح الشيخ الألباني للكتاب وهو المعروف بتمام المنة فتقرأ من كتاب فقه السنة وتطلع على ما ضعف وصح من أحاديثه من كتاب تمام المنة أما إن كان مستواك العلمي أكبر قليلاً من ذلك فعليك في العقيدة بكتاب العقيدة الواسطية لابن عثيمين وفي الفقه بكتاب نيل الأوطار للشوكاني مثلا ..
وقت تناول وجبة الغداء والأنس بالوالدين والتقرب منهما في وقت اجتماع العائلة لتناول وجبة الغداء وإن لم يكن لك إلا أحدهما فهو باب إلى الجنة وإن لم يكونا فالمسئول عنك هو في مقام الوالد ، ووقت الغداء هو وقت الاجتماع دائما ويفضل فيه تبادل الأحاديث الودية وهو مجال خصب للدعوة سواء لدعوة الإخوة أو الأخوات الصغار أو الكبار إلى الخير أو حتى دعوة الوالدين نفسيهما .
وننصح هنا بشيء هام وهو نوعية الطعام ولا أقصد هنا الطعم أو الثمن وإنما أقصد الاهتمام بما يفيد بناء الشاب أو الشابة دون الإفراط في عوامل السمنة وكذا مع اعتبار عدم إضرار الجسم بما لا يفيده .
الراحة بعض الوقت ثم الاستعداد لصلاة العصر .
ثالثاً: صلاة العصر وما بعدها :
الذهاب للمسجد لأداء صلاة العصر في جماعة والجلوس بعد الصلاة لأذكار المساء .(1/191)
بعد ذلك يفضل للشاب أو الفتاة تخصيص هذا الوقت للاستفادة الحركية للدعوة بمعنى تبادل الزيارات للأحباب بقصد الدعوة أو التباحث أو الأخذ بأيديهم إلى طريق الخير ، ولو خصصنا هذا الوقت للدعوة لحققنا من خلال الإجازة عملاً عظيما ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم . وتخصيص هذا الوقت حتى نغير عادة الناس من أن الزيارات تبدأ في الصيف بعد العشاء ثم تكون النتيجة عدم القيام لصلاة الفجر . وننصح بالتزود في هذه الزيارات ببعض النصائح من خلال حفظ بعض النصوص الدالة على ما يحتاجه المزور من نصائح ( كل حسب حاجته ) وكذا عند الاستطاعة التزود ببعض الأشرطة أو الكتيبات حتى ولو كان الصديق ملتزما فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ( تهادوا تحابوا )
كما ننصح بأمر ضروري وهو ألا تقتصر الزيارات كما يحدث غالباً على أصدقاء المسجد أو الالتزام وإنما نرجو أن نخرج من الإجازة بأصدقاء جدد مثلاً من الجيران أو صداقات الدراسة القديمة أو غير ذلك ممن يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم... واجعل سلاحك أو في ذلك الصبر والأناة .
رابعاً: صلاة المغرب وما بعدها :
يغلب على العادة أن تقام المحاضرات الدينية فيما بعد صلاة المغرب فننصح باستثمار هذا الوقت في حضور محاضرات أهل العلم العلم الموثوقين .. وفي حالة التعذر أو البعد عن أماكن العلماء فننصح بزيارة من هم أكبر منا وأعلم من إخواننا حتى نستفيد من تجاربهم وخبراتهم ونسألهم عما لا نعلم فقد نجد عندهم ما يشفي , فكما خصصنا ما بعد العصر لدعوة الآخرين نخص ما بعد المغرب بالاهتمام بالتزود من العلماء أو الأكبر منا والأكثر خبرة من إخواننا .
وكذلك الأخوات الفضليات نفس الشيء , فإن تيسر حضور المحاضرات وإلا فاللجوء إلى من هم أكبر منكن خبرة وأكثر علماً من من أخواتكن ، وننصح خاصة في المجال النسائي بالتريث في اختيار من نأخذ منهن النصيحة فلا تأخذنها إلا ممن هن لذلك أهل ، وإن كان في أخذ العلم من الأشرطة الصوتية بالنسبة لكن أفضل من الخروج إلى المساجد القريبة والبعيدة وأحفظ لكن ...
خامساً : صلاة العشاء وما بعدها :
حضور صلاة العشاء في الجماعة ثم الذهاب إلى المنزل مبكراً فلا سمر بعد العشاء . حتى نكون صرحاء مع أنفسنا فمنا من تعود قيام الليل الذي هو شرف المؤمن ومنا من لم يتعود عليه ولكنه يشتاق لأن يكون يكون ممن يقومونه ، لذا فمن تعود على قيام الليل ننصحه بالنوم مبكراً والقيام قبل صلاة الفجر بوقت كاف لأداء صلاة القيام . أما من لم يتعود على قيام الليل ويحس أنه لن بقوم حتى إذا نام مبكراً ويغلب على ظنه ذلك أو أنه جرب ولم يستطع فنقول له لا تحرم نفسك من الخير وقم بعد صلاة العشاء في منزلك فهذا الوقت أول وقت القيام وحاول أن تجاهد نفسك فابدأ مثلاً بثمان ركعات كل ركعتين منفصلتين واقرأ فيهن بقصار السور ثم تدرج بنفسك حتى تكثر من القراءة شيئاً فشيئاً ولا تحمل نفسك فوق طاقتها حتى تداوم لأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ومع التدرج ستجد الخير إن شاء الله فهذا وعد الله { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ... فمع الوقت ستجد في نفسك القوة على الصلاة بجزء كامل في ثمانية الركعات ومع الوقت ستجد في نفسك الزيادة إن شاء الله ... وبإذن الله ستوفق أيضاً إلى القيام في الثلث الأخير من الليل الذي هو وقت التنزل الإلهي... والله الموفق
وأخيراً ... نصائح عامة:
هذه النصائح جعلتها في نهاية هذا البرنامج العملي للإجازة لأنها حسب القدرة والاستطاعة وهي كما يلي :
• الذهاب لأداء العمرة لمن يستطيع الاستطاعة المادية للذهاب من خارج بلاد الحرمين ... وأما إخواننا من جيران الحرم فننصحهم بالذهاب لأداء العمرة والإكثار من ذلك ، فالأثر الصحيح دل على أن الحج للحج والعمرة إلى العمرة ينفيان الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد ويالها من أحاسيس ومشاعر فياضة يجدها المسلم في جوار بيت الله الحرام أسأله تعالى أن يرزقني وإياكم المتابعة بين الحج والعمرة .
• الدخول في المراكز الصيفية ذات النشاط المتكامل والمتوفرة في بعض الدول العربية وتكون ذات صبغة إسلامية يتم فيها تنمية الشباب وهواياتهم وتوجيه تطلعاتهم ... ولكن لو كانت هذه المراكز في دولة تشجع الاختلاط وليست ذات صبغة إسلامية فلا نشجع عليه بل ننصح بعدم الاشتراك فيها لما ذلك من الفتنة والضرر .
• كذا بالنسبة للأخوات الفضليات يمكن استثمار بعض الوقت في الالتحاق بمراكز تدريب الفتيات على أعمال المنزل كالتدبير المنزلي والذي يشمل على أعمال الطبخ أو الخياطة وغيره من المهارات المطلوبة في الأخت المسلمة الفاضلة التي تعلم أن أفضل جهادها في حسن التبعل للزوج وإنشاء الجيل الفاضل جيل صلاح الدين وخالد بن الوليد وعمر بن الخطاب .
وأخيرا إن أحسنت فمن الله وإن أسأت فمني ومن الشيطان
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
=============
برنامج عملي ودعوي خلال شهر رمضان
صوت الدعوة
نموذج (1)
إفطار جماعي مستمر
1) ينبغي الإستعداد والترتيب لمثل هذا البرنامج قبل نهاية شهر رجب من كل عام ، على الأقل .
2) يبدأ المشروع منذ وصول الأخ - الطالب - إلى بلده ، ويعلن ذلك للناس .
3) يبدأ التجمع للإفطار من بعد صلاة العصر ، في المسجد أو المصلى المتوفر .
4) يستغل الوقت منذ إجتماع أغلبية الناس 65 % فأكثر - حتى وقت الإفطار بإلقاء دروس = علمية ، وتربوية ، وعملية حسب الحاجة .
5) بعد صلاة المغرب يتوجه الجميع لإكمال وجبة الإفطار ، ثم يستعدون لصلاة العشاء ، ويتخلل هذا الوقت المسائل العارضة والتي هي في الغالب طابع سؤال وجواب أو قصة أو الأحاديث المشتركة من الجميع .
6) أثناء انتظار صلاة العشاء يكون الدرس الثاني المرتب حسب البرنامج العلمي .
7) تقام صلاة العشاء والتراويح . يليها درس (اختياري خاضع لاجتهاد الأخ وحالة الناس ) .
8) يلتزم الأخ بدرس ثالث أثناء اليوم - وغالباً يكون بعد إحدى الصلوات المفرضة .
9) يتم تشجيع المواظبين على الحضور بهدايا رمزية ، وكذلك من يحفظون الدروس .
1.) يحاول الأخ جهده تشغيل الطاقات حوله ، لاسيما في الإعداد للإفطار ، ويشرف على ذلك إشرافاً مباشراً كل يوم ، ويتفرغ للدروس العلمية والتعليمية .
11) القيام بمشروع مصغّرٍ : بجمع زكاة الفطر في آخر شهر رمضان وتوزيعها على المستحقين ، وإعلام الناس أن إخراج زكاة الفطر ينبغي أن يكون طعاماً للأحاديث الواردة في ذلك ، وليست مالاً .
12) ينبغي أن تشغل مثل هذه المناسبات في دروس عامة وشاملة :
مثل / بيان محاسن الإسلام وأهمية تعلم عقيدة الإسلام وعلاقة المسلم بربه عز وجل وبنبيه صلى الله عليه وسلم ومستلزمات الشهادتين وأخبار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيهم بإحسان .
13) يحرص القائم على مشروع الإفطار على بث روح المحبة والمودة والأخوة ، واستغلال هذا المشروع لتعليم الناس الآداب النبوية في الأكل والشرب عامّة ، والآداب الخاصة بالصوم نحو : تعجيل الفطر ، والبدء بالتمر ، فإن عدم فالماء ...وهكذا
14) لابد من بناء علاقة قوية ومتينة مع أهل المنطقة ، والقرى التي قام فيها المشروع - علاقة علمية ، ودعوية لاسيما مع الخيرين والدعاة فيها .
15) يرصد الأخ مدى استفادة الناس من هذا البرنامج ، من خلال تأثر سلوكهم العام بالدروس التي طرحها خلال الشهر الكريم .
نموذج (2)
الإفطار المتعدد الجهات(1/192)
1) يبدأ الأخ بالمشروع اعتباراً من الوقت المتفق عليه ، وحسب عدد الأيام ، مع مراعاة أن يكون للعشر الأخيرة منها نصيب لاسيما اذا كانت قليلة .
2) ينبغي تحديد الأماكن وعددها - إذ هو برنامج مقطوع وليس مستمراً - والأولى أن لاتقل بحال عن ثلاثة أيام في كل منطقة أو مسجد أو قرية .
3) ينبغي الإستعداد والترتيب لمثل هذا البرنامج قبل نهاية شهر رجب من كل عام ، على الأقل .
4) لايقوم مثل هذا المشروع المتعدد المصارف ، وفي آن واحد ، مالم يتوفر عند الأخ مجموعة صالحة للقيام به لإذا وجدت التوجيه وتوزيع الأعمال .
5) على الأخ أن يوزع أعمال الإفطار والدروس في التنفيذ ، ويشرف عليها بنفسه ، ويتولى التنسيق لها قبل التنفيذ بوقت لايقل عن 24 ساعة ويتولى تقويمها .
6) يبدأ التجمع للإفطار من بعد صلاة العصر ، في المسجد أو المصلى المتوفر .
7) يستغل الوقت منذ إجتماع أغلبية الناس 65 % فأكثر - حتى وقت الإفطار بإلقاء دروس = علمية ، وتربوية ، وعملية حسب الحاجة .
8) بعد صلاة المغرب يتوجه الجميع لإكمال وجبة الإفطار ، ثم يستعدون لصلاة العشاء ، ويتخلل هذا الوقت المسائل العارضة والتي هي في الغالب طابع سؤال وجواب أو قصة أو الأحاديث المشتركة من الجميع .
9) أثناء انتظار صلاة العشاء يكون الدرس الثاني المرتب حسب البرنامج العلمي .
1.) تقام صلاة العشاء والتراويح . يليها درس (اختياري خاضع لاجتهاد الأخ وحالة الناس ) .
11) القيام بمشروع مصغّرٍ : بجمع زكاة الفطر في آخر شهر رمضان وتوزيعها على المستحقين ، وإعلام الناس أن إخراج زكاة الفطر ينبغي أن يكون طعاماً للأحاديث الواردة في ذلك ، وليست مالاً .
12) ينبغي أن تشغل مثل هذه المناسبات في دروس عامة وشاملة : مثل بيان محاسن الإسلام ، وأهمية تعلم عقيدة الإسلام ، وعلاقة المسلم بربه عز وجل ، وبنبيه صلى الله عليه وسلم ، ومستلزمات الشهادتين ، وأخبار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيهم بإحسان .
13) يحرص القائم على مشروع الإفطار على بث روح المحبة والمودة والأخوة ، واستغلال هذا المشروع لتعليم الناس الآداب النبوية في الأكل والشرب عامّة ، والآداب الخاصة بالصوم نحو : تعجيل الفطر ، والبدء بالتمر ، فإن عدم فالماء ...وهكذا
14) لابد من بناء علاقة قوية ومتينة مع أهل المنطقة ، والقرى التي قام فيها المشروع - علاقة علمية ، ودعوية لاسيما مع الخيرين والدعاة فيها .
15) ينبغي أن يخرج الأخ بدراسة وافية عن المنطقة من خلال هذا المشروع .
نموذج (3)
إفطار القوافل الدعوية
1) فكرة المشروع ينبغي أن تبدأ من خلال الدعاة أو المدرسين في المنطقة ، أو الطلاب -الذين يتميزون بما يناسب مثل هذا المشروع
2) ينبغي على من يقوم بتنفيذ المشروع أن يكون عنده فكرة عن المنطقة -أو المناطق التي سينفذ المشروع فيها ، وذلك تلافياً للمصادمات أو الإحراجات وغيرها مما لايخفى .
3) يفضل أن لايقل عن ثلاثة أيام ، لتتم الإستفادة الفعلية ، بشكل أفضل وأوسع .
4) لايقوم بتنفيذ البرنامج أقل من ثلاثة أفراد ، وذلك لأن العمل والترتيب سيقوم بشكل مباشر عليهم .
5) ينبغي الإستعداد والترتيب لمثل هذا البرنامج قبل نهاية شهر رجب من كل عام ، على الأقل .
6) يبدأ التجمع للإفطار من بعد صلاة العصر ، في المسجد أو المصلى المتوفر .
7) يستغل الوقت منذ إجتماع أغلبية الناس 65 % فأكثر - حتى وقت الإفطار بإلقاء دروس = علمية ، وتربوية ، وعملية حسب الحاجة .
8) بعد صلاة المغرب يتوجه الجميع لإكمال وجبة الإفطار ، ثم يستعدون لصلاة العشاء ، ويتخلل هذا الوقت المسائل العارضة والتي هي في الغالب طابع سؤال وجواب أو قصة أو الأحاديث المشتركة من الجميع .
9) أثناء انتظار صلاة العشاء يكون الدرس الثاني المرتب حسب البرنامج العلمي .
1.) تقام صلاة العشاء والتراويح . يليها درس (اختياري خاضع لاجتهاد الأخ وحالة الناس ) .
11) ينبغي أن تشغل مثل هذه المناسبات في دروس عامة وشاملة :
مثل / بيان محاسن الإسلام وأهمية تعلم عقيدة الإسلام وعلاقة المسلم بربه عز وجل ، وبنبيه صلى الله عليه وسلم ومستلزمات الشهادتين وأخبار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيهم بإحسان .
12) يحرص القائم على مشروع الإفطار على بث روح المحبة والمودة والأخوة ، واستغلال هذا المشروع لتعليم الناس الآداب النبوية في الأكل والشرب عامّة ، والآداب الخاصة بالصوم نحو : تعجيل الفطر، والبدء بالتمر، فإن عدم فالماء...وهكذا .
13) لابد من بناء علاقة قوية ومتينة مع أهل المنطقة ، والقرى التي قام فيها المشروع - علاقة علمية ، ودعوية لاسيما مع الخيرين والدعاة فيها . ويربطون إن أمكن بأقرب مركز تعليمي أو عالم ليساعدهم في أمور دينهم .
14) ينبغي تقديم الإعتذار عن إكمال باقي أيام الشهر معهم ، نظراً لارتباط الإخوة بأعمال أخرى ، وعدم مقدرتهم على المواصلة .
15) الحرص على تأليف القلوب ، وتهيئة النفوس ، لقبول ما سيلقى عليهم من مواعظ ودروس ، كما ينبغي الإصغاء لهم ، والدعاء لهم بالتوفيق ، وشكرهم على مافعلوه .
ينبغي أن يخرج الأخ بدراسة وافية عن المنطقة من خلال هذا المشروع
-==============
برنامج رمضاني مقترح
منير أحمد جيلان
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
أخي : إن مما يستقبل به شهر رمضان الكريم : (( عقد العزيمة الصادقة على استغلال أيامه ولياليه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة ))
أخي : اعلم أن الله عظم قدر الزمن فأقسم به لشرفه ومنزلته ، فقال تعالى { والعصر ... ) وقال { والفجر ....} وقال عز وجل { والضحى * و الليل إذا سجى ...} فاقسم بجميع أقسام الوقت لشرفها ومكانتها .
ثم اعلم أن الوقت هو عمرك الذي تعيشه على هذه الأرض قال الحسن البصري ( ابن أدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك )
قال الشاعر :
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثواني .
قال ابن الجوزي - رحمه الله - : ( ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته ، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ، فيقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل ، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل ) .
وقال أحد الصالحين ( العمر قصير فلا تقصره بالغفلة ) .
قال بعض السلف ( أن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ) .
واعلم أخي : أن الليل والنهار مطيتان للسعادة أو الشقاوة ، تأمل قول الله تعالى في رمضان { أياما معدودات } فهي أيام سريعاً ما تمر وتنصرم وكأنها لم تكن . ومن هذا المنطلق أحببت أن أشارك بهذه المقترحات وهي بعنوان برنامج رمضاني مقترح ) .
أخي المبارك : قد تسأل وتقول كيف استثمر أيام رمضان المبارك ؟
أقول : إليك أخي الحبيب هذا المشروع المثمر - بإذن الله تعالى - لليوم الرمضاني ، و أسال الله عز وجل أن ينفعني وإياك به وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم .
أولاً : قبل الفجر
اعلم أخي أن يوم المؤمن الصادق يبدأ فبل الفجر وليس بعده ، وذلك لما يعلم من شرف هذا الوقت وقدره حين ينزل الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا ومن أعمال هذا الوقت المبارك ما يلي :
1. الاستيقاظ قبل الفجر مبكراً : مع ذكر دعاء الاستيقاظ ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) .(1/193)
2. الذكر الخاص لقيام الليل : قراءة الآيات { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب - .......} إلى { يأيها الذين أمنوا اصبروا و صابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) .
3. السواك : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه .
4. الوضوء لقيام الليل .
5. التهجد : قال الله تعالى { أمن هو قانت ءاناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه }
6. تناول السحور : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تسحروا فإن في السحور بركة ) .
7. الاستغفار وقت الأسحار : قال الله تعالى { وبالأسحار هم يستغفرون }
8. الإكثار من الدعاء وقت الأسحار : لأنه وقت نزول الرحمن ، وأحد الأوقات المباركات لاستجابة الدعوات قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة ) .
9. الوضوء : والسنة أن يكون وضوء الصلاة في البيت مع جوازه في المسجد قال صلى الله عليه وسلم ( من توضأ ثم خرج إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة إلا غفر له ما خلا من ذنبه) .
10. الذكر بعد الفراغ من الوضوء : قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال : اشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل الجنة من أيها شاء ) .
11. إجابة المؤذن :وفضلها وعظيم الدعاء بعدها قال صلى الله عليه وسلم (من قال حين يسمع الأذان : و أنا اشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده ورسوله ، رضيت بالله رباً و بمحمد نبياً و بالإسلام ديناً غفر له ما تقدم من ذنبه )
12. أداء سنة الفجر : قال صلى الله عليه وسلم ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها )
** السنة في ركعتي الفجر التخفيف - وأن تكون ركعتين في البيت- ( كان صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين )
** والسنة الاضطجاع بعدها : كان للنبي صلى الله عليه وسلم من ليله ضجعتان:
الأولى : فبل الفجر بعد فراغه من التهجد والوتر قالت عائشة - رضي الله عنها - ( كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويقوم آخره ثم يرجع إلى فراشه فإذا أذن المؤذن وثب ) .
و الضجعة الثانية : بعد الفجر قبل صلاة الصبح في بيته
13- أذكار الخروج من البيت والدعاء عند الخروج ( بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
14- دعاء الذهاب إلى المسجد ( اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً ....... )
15- الأذكار العامة عند دخول المسجد ( بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك .... ) .
16- إذا دخل المسجد صلى بوضوئه ركعتين : قال صلى الله عليه وسلم (من توضأ ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
17- المحافظة على مكان في الصف الأول : قال صلى الله عليه وسلم ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ولم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا)
ثانيا : بعد طلوع الفجر
ومن أعمال هذا الوقت المبارك ما يلي :
1- التبكير لصلاة الصبح قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً ) .
2- الانشغال بالذكر والدعاء حتى إقامة الصلاة قال صلى الله عليه وسلم ( الدعاء لا يرد بين الأذان و الإقامة ) .
3- الجلوس في المسجد للذكر - أذكار الصباح - وقراءة القرآن إلى طلوع الشمس فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس ) .
4- صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس قال صلى الله عليه وسلم ( من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة ، تامة ، تامة )
5- النوم مع الاحتساب ، قال معاذ - رضي الله عنه - ( إني لا احتسب نومتي كما احتسب قومتي )
6- الذهاب إلى العمل أو الدراسة قال صلى الله عليه وسلم ( ما أكل أحد خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ) .
7- الانشغال بذكر الله طوال اليوم قال تعالى { الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } .
8- صدقة اليوم - ولو بشق تمرة مستشعراً دعاء الملك ( اللهم أعط منفقاً خلفاً ) .
9- صلاة الضحى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ) .
ثالثاً : الظهر
ومن أعمال هذا الوقت :
1- صلاة أربع ركعات سنة الظهر القبلية .
2- صلاة الظهر في وقتها مع التبكير إليها قال ابن مسعود رضي الله عنه :- ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى ، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه ) .
3- صلاة سنة الظهر البعدية ركعتان .
4- أخذ قسط من الراحة مع نية صالحة .
رابعاً : العصر
ومن أعمال هذا الوقت :-
1- صلاة العصر في جماعة مع الحرص على صلاة أربع ركعات قبلها قال صلى الله عليه وسلم ( رحم الله أمراءً صلى قبل العصر أربعاً ) .
2- سماع موعظة المسجد : قال صلى الله عليه وسلم ( ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يقرؤون كتاب الله ويتدارسون فيما بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده ) وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان كأجر حاج تاماً حجته ) .
3- الجلوس في المسجد لقراءة القرآن والذكر .
4- قضاء حوائج الأسرة .
5- عقد جلسة أسرية لمدارسة القرآن الكريم والسنة النبوية وبعض الأحكام الرمضانية ، أو سماع إذاعة القرآن الكريم .
خامساً : بعد المغرب
ومن أعمال هذا الوقت ما يلي :
1- الانشغال بالدعاء قبل الغروب قال صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة لا ترد دعوتهم .... ) وذكر منهم ( الصائم حتى يفطر ) تناول وجبة الإفطار مع الدعاء ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) .
2- المشاركة في تفطير صائم قال صلى الله عليه وسلم من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيءُ )
3- أداء صلاة المغرب جماعة في المسجد مع التبكير إليها
4- الجلوس في المسجد لأذكار المساء
5- الاجتماع مع الأهل والأبناء للمؤانسة وتناول وجبة خفيفة من الطعام .
6- الاستعداد لصلاة العشاء والتراويح .
سادساً : العشاء
ومن أعمال هذا الوقت ما يلي :
1- صرة العشاء جماعة في المسجد مع التبكير إليها .
2- صلاة التراويح كاملة مع الإمام قال صلى الله عليه وسلم ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدم من ذنبه ) وقال صلى الله عليه وسلم ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) .
3- برنامج مفتوح :
زيارة قريب أو صديق أو جار .....، ممارسة نشاط دعوي ، مطالعة شخصية ، درس عائلي ، تربية ذاتية ، حضور مجلس ذكر.. مع الحرص على الأجواء الإيمانية واقتناص فرص الخير في هذا الشهر الكريم .
وليكن - أخي الحبيب - لسانك رطب بذكر الله فهو شهد الأفواه وقوت القلوب ومؤنس الأرواح ، وهو الغنيمة الباردة والتجارة الرابحة .
و أخيرا أقول : يا أصحاب الهمم العالية ، والمطالب السامية اغتنموا الفرصة قبل الفوات ، وسارعوا مع الصالحين إلى الخيرات وتعرضوا في هذا الشهر الكريم لنفحات رب البريات .
وفي أخر المطاف فلنسأل الله معي أن يبارك لنا في رمضان وان يجعلنا من المرحومين المعتوقين بصيامه وقيامه .
دار القاسم
==============
الوصايا الإلهية في الإجازة الصيفية
د.ناصر بن يحيى الحنيني(1/194)
الحمد لله الواحد العزيز الوهاب ، موفق العباد لما ينجيهم من أليم العقاب ، وما يكون لهم ذخراً يوم الحساب ، والصلاة والسلام على خير خلق الله المصطفى الأواب ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب ما بعد :
أيها المسلمون ، من أعظم نعم الله على العبد أن يوفق للخير والطاعة ، وأن يوفق لكل ما يحبه الله ويرضاه ؛ بل هو دليل على رضاء الله عن العبد ، ومن وجد ذلك فليحمد الله وليخلص في عمله ويزيد منه ، { والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم } ، وإن من المواسم التي ينقسم فيها الناس في كيفية الاستفادة منها موسم الإجازة الصيفية حيث توفرُ الوقت الكبير مع قلة المشاغل ، وراحةُ البال ، وفي بعض الأحيان وفرةُ المال ، فالتوفيق والتسديد في استغلال هذه الإجازة منحة ربانية،وأعطية إلاهية ،نسأل الله أن لا يحرمنا وإياكم منها ، وحتى نكون ممن وفق وسدد لاستغلال هذه الإجازة على الوجه المرضي، علينا بالرجوع إلى الوصايا التي أوصانا بها مولانا في كتابه أ و على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وإليكم هذه الوصايا المعينة والتي بإذن الله تكون سبباً في التوفيق والتسديد في هذه الإجازة وهي ليست جامعة لكل شيء ولكل لعلها ذكرت بعض المهم مما يجب فنقول وبالله التوفيق ومنه الإعانة والتسديد :
الوصية الأولى : قال سبحانه :{ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } وصية الله للأولين والآخرين للكبار والصغار والرجال والنساء وللأغنياء والفقراء لكل أحد ، تقوى أيها المؤمنون :أيها الشباب ينبغي أن تكون ملازمةً لنا في سفرنا وحضرنا ،في برنا وبحرنا وجونا، في السوق والمنزل ،والعمل والشارع،وفي أماكن الترفيه وأمام الشاشات ، وفي المهرجانات ، وفي قصور الأفراح والاستراحات لاتنس أخي المسلم وصية ربك في خضم الفرحة والسرور، واعلم أن الذي أنعم عليك بهذا الفرح يستطيع أن يسلبك إياه في لحظة واحدة وفي غمضة عين، فعليك بتقوى الله التي بها تزيد النعم وترفع النقم، بأن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية باتباع أوامره واجتناب نواهيه ولنتق الله حق التقوى ، وهي التي قال عنها ابن مسعود : " أن يطاع الله فلايعصى ، ويشكر فلا يكفر ، وأن يذكر فلا ينسى"أ.هـ {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }.
الوصية الثانية : جاء في الأثر الصحيح : ( اغتنم خمساً قبل خمس ، حياتَك قبل موتك ، وصحتَك قبل سقمك ، وفراغَك قبل شغلك ، وشبابَك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك).
هذه الوصية الجامعة لكل خير تدور حول أمر واحد وهو استغلال الحياة والعمر في طاعة الله وما يقرب من الله قبل أن تحول بينك الحوائل وتعوقك العوائق ، فيا من تتمتع بالصحة والعافية والوقت والشباب والغنى تذكر نعمة الله عليك ولا تفرط فيها واغتنم هذه الفرص التي إذا ذهبت لن تعود ، فإذا ذهب الشباب فلا يعود وإذا جاء الموت فلا رجعة ، اغتنم هذه الإجازة والفراغ قبل أن تأتي الشواغل فلا تستطيع التقرب و لا العبادة والاستفادة ، وإليك بعضَ المقترحات التي قد تساهم في شغل الوقت والفراغ فيما يعود علينا بالنفع إذا كان الإنسان جاداً وصادقاً وقد عقد العزم على الاستفادة منها ، ومن هذه المقترحات:
أولاً : شغل الوقت بكتاب الله ، إما بالتسجيل في حلق تحفيظ القرآن للكبار والموظفين والشباب والصغار والنساء ، ومحاولةُ الاستفادة وحفظُ كتاب الله واتقانُ تلاوته حتى ننال أعلى الدرجات ونقرأه كما يريده ربنا جل وعلا ، أخي الحبيب لعلك تتقبل منى هذا العتاب ولا يكن في صدرك حرج علي ، أليس من النقص والعيب أن تصبح شاباً يافعاً وقد تكون تدرس في إحدى المدارس الثانوية أو إحدى الجامعات ، أو تكونَ رباً لأسرة وأبناء ، وأنت لا تستطيع قراءة القرآن القراءة الصحيحة ، وإذا ما كُلِّمت تقول: لا أجد الوقت ، إن شغل ساعات عمرك في كتاب الله هي من أفضل القربات وأعظم الحسنات وأكثرها فالله الله فإن الذي يتلو القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ،
وهمسة أخرى إلى من يقرأ القرآن ولكنه لم يحفظه وتمر عليه السنوات وهو يفرط في هذا الفضل العظيم ، نقول ولله الحمد انتشر في الآونة الأخيرة الدورات المكثفة لحفظ القرآن كاملاً أو نصفه خلال أشهر الإجازة ، فما أعظمها من غنيمة باردة تقدم بين يديك وتقضي على التسويف الذي أضاع عمرك ، وتذكر قول نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) وقوله : (أقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ) .
ثانياً: استغلال الإجازة بتحصيل العلم النافع فإن طلب العلم وتعلم العلوم الشرعية من أعظم القربات فقد قال صلى الله عليه وسلم : (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة ) ، ويقول : صلى الله عليه وسلم : (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) فإذا وفق الإنسان لطلب العلم هذا دليل على توفيق الله ورضاه عنه ، وقد يسر الله لنا في هذه الإجازة الدروس والدورات العلمية المكثفة في المساجد في غالب المدن ولله الحمد والمنة ، فيا أخي احرص على هذه العبادة العظيمة التي لم يأمر الله نبيه أن يطلب الزيادة من شيء سوى العلم فقال جل وعلا : ( وقل رب زدني علماً ) ، والآن هذه الدروس في المساجد وتسجل وتباع في التسجيلات وتبث في بعض وسائل الإعلام الحديثة وغيرها، فياأخي المسلم اجعل هذه الإجازة نقطة تحول لك ولعائلتك ولأبناءك وأنت أيها الشاب عليك بالجد واستغلال الوقت فيما ينفع أما يكفي ما مضى من أعمارنا .
ثالثاً : المراكز الصيفية والأنشطة الثقافية والمخيمات الصيفية التي تقام في بعض الأماكن السياحية ، فاحرص أيها الشاب يامن تشتكي من الفراغ على شغل وقتك فيما يعود عليك بالنفع وينمي مهاراتك ويصقل شخصيتك حتى تكون عضواً نافعا لنفسه ودينه وأهله ومجتمعه .
رابعاً: مجاورة بيت الله الحرام والمسجد النبوى والإكثار من ذكر الله والطاعة .
خامساً: المبادرة بعقد دوريات بين الأقارب والجيران والأصحاب واستضافة بعض الدعاة وطلاب العلم لعقد مجالس للعلم والدعوة وذكر الله ولا بأس من الترفيه عن النفس بالمباح ومتابعة المفيد النافع في المجلات النافعة.
سادساً: الحرص على شغل الوقت في اكتساب بعض المهارات والحرف التي تنفعك أيها الشاب في مستقبلك القادم مما يزيد في فرص العمل الوظيفة لك ، كتعلم الحاسوب والمهارات والعلاقات العامة وغيرها مع عدم الغفلة عما سبق ذكره .
الوصية الثالثة : يقول سبحانه : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} وَقَالَ سبحانه : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} ، أيها الأخ المبارك ، من أعظم ما يتعرض له المسلم في الوقت الحاضر ويزداد في أوقات الإجازة النظر إلى ما لايحل والذي يكون سبباً في الوقوع في المحرمات بل وفي الفواحش الكبيرة في بعض الأحيان -أعاذنا الله وإياكم منها - ، فيجب على الإنسان أن يمتثل أمر ربه فيغض بصره عن كل ما حرم الله ويجتنب الأماكن التي تكون سبباً في الوقوع في ذلك وإليك بعضاً منها :
أولاً : الحذر من التمادي والغفلة في النظر إلى الشاشات و القنوات فكم هتكت من ستر البيوت وأعراض العفيفات ، وكم هيجت من الشهوات الكامنة ، فاحذر أخي أن تلقي بنفسك إلى التهلكة والطريق الموحشة .(1/195)
ثانياً : كثرة التسكع في الطرقات والأسواق مما يكون مظنة لكثرة النظر للغادين والرائحين فاحرص يارعاك الله على عدم الجلوس في الطرقات، وكثرة النزول للأسواق من غير حاجة فإن الشيطان يرفع رايته في السوق وهي أبغض البقاع إلى الله الوقت الطويل فهو مما يعرضك للفتنة .
ثالثاً : الحذر من تتبع المواقع المحرمة عبر الإنترنت والافتتان بالصور التي تعرض فهي زيادة على تهييجها للغرائز وحثها على الوقوع في الزنا واللواط وغيرها فإنها تورث الأمراض النفسية المستعصية كما صرح بذلك بعض الأطباء النفسانيين حتى في بلاد الغرب، واحذر أن تكون عبداً لهواك وشهوتك ، وجاهد نفسك بارك الله فيك ومن ترك شيئاً عوضه الله خيراً منه .
رابعاً : البعد عن الأماكن المختلطة كبعض الملاهي وأماكن الترفيه والتسوق والمهرجانات ، فإن فيها من الشر العظيم ما لا يعلمه إلا الله .
وأخيراً أوجه نصيحة إلى أولياء الأمور وأقول : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فتنبه لما ذكرناه سابقاً واحرص على حفظ زوجك وبناتك أولاً عن الذهاب إلى الأماكن التي تعرضهم للفتنة والافتتان بهم ، واحرص بارك الله فيك على متابعتهم ومعرفة ما يلج وما يخرج من بيتك فإن الشيطان لم يمت وكتب الله له الخلود إلى قيام الساعة والمعصوم من عصمه الله .
الوصية الرابعة : قال جل وعلا:{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله } ويقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ ) ويقول أيضاً : (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) .
أيها المسلمون : هذه عبادة عظيمة افترضها الله على الأمة كلها (من رأى منكم ) وهي تهم الأمة كلها لأن نجاتها وقت الفتن والأزمات وعند حلول المصائب والمدلهمَّات مرتبط بقيام الأمة بهذه الفريضة من عدمها ، وتزداد أهمية الأمر والنهي وتعظم الحاجة إليه في أوقات الإجازات حيث تكثر المنكرات والوقوع في المحرمات ، فأنت أيها الأب المبارك والشاب الموفق مأمور بالأمر بالمعروف لكل أحد ونصحه وتوجيهه والمساهمة في الدعوة إلى الله بقدر ما تستطيعه من جهد وكلمة ونشر شريط أو كتاب أو دعوة عالم أو طالب علم لشغل أوقات الناس بالخير ، وكذلك نحن مأمورون بالنهي عن المنكر في الأسواق والإنكار على كل أحد ، وفي الشوارع على كل من تجاوز حدود الله وفي البقالات والتموينات التي تبيع ما لايرضي الله من المجلات وغيرها فهي مسؤوليتنا جميعاً ، ومن الأماكن التي ينبغي التواصي بالأمر والنهي فيها أماكن الأفراح والقصور والاستراحات ، فكم من عورة كشفت وكم من صوت للشيطان قد ارتفع ولا من منكر ، فالله الله بالإنكار حتى لا نعاجل بالعقوبة وسلب النعم التي نعيشها ، وكذلك أماكن اللهو والترفيه والأنكار على أصحابها الذين لا ينظرون إلى ما يغضب الله بقدر ما ينظرون إلى الربح المادي هدانا الله وإياهم لكل خير.
ليكن شعارنا في هذه الإجازة قول ربنا جل وعلا : {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين} أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
=============
فن التعامل مع عقارب الساعة
حقيبة تدريبية
( حقيبة المدرّب )
إعداد الأستاذ :
علي بن صالح البطيّح
مشرف التدريب التربوي في مركز التدريب التربوي
في محافظة البدائع
1424- 1425هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمدلله وحده , والصلاة والسلام على من لانبي بعده , وبعد :
فمما لاشك فيه أن أولى ما يمكن الاعتناء به هو ( الوقت ) حيث لايمكن ادّخاره لوقت الحاجة بل لابد من إنفاقه بشكل أو بآخر, والناس جميعا يستوون في امتلاكه لا في حسن تصريفه , لذا كان لزاما على الناجحين في الحياة أن يولوه جل اهتمامهم وأن يحسنوا التعامل مع أوقاتهم بكفاءة عالية ليحققوا الأهداف المنشودة في مؤسساتهم الإدارية والتعليمية الحكومية والخاصة , أما إذا أهملت مهارة إدارة الوقت فانتظر ما يحل بالفرد والمؤسسة من التخبط والعشوائية وضعف المخرجات ...وأنبّه إلى أن الوقت نوعان : نوع يصعب تنظيمه وإدارته كالنوم والراحة والعلاقات الأسرية والاجتماعية , وآخر: يمكن تنظيمه وإدارته ومنه الأوقات المخصصة للعمل والوظيفة مثلاً فهل نستطيع استثماره بشكل أمثل ؟ هذا تساؤل في غاية الأهمية , وبناءً عليه جاءت هذه الحقيبة كإسهام وجهد مقلّ لدفع العجلة نحو النجاح المأمول في إدارة الوقت بفاعلية , وبالله تعالى التوفيق
اسم البرنامج : فن التعامل مع عقارب الساعة
الهدف العام للبرنامج : تنمية مهارات المتدرب في إدارة وقته بكفاءة عالية
الأهداف التفصيلية : في نهاية البرنامج يتوقع من المتدرب أن :
1 - يستنتج أهمية الوقت من خلال النصوص الشرعية والنماذج المثلى.
2 - يحدد استراتيجيات إدارة الوقت من خلال تعرفه على التاءات الخمس في إدارة الوقت.
3 - يتعامل مع مضيعات الوقت بكفاءة عالية.
المستهدفون من البرنامج : ( القادة حسب اختلاف مواقعهم )
مدة البرنامج : ( 4 ) ساعات
المنهاج
م ... الوحدة التدريبية ... هدفها ... أسلوب التدريب ... ساعات التدريب
1 ... الوقت في الشرع ونماذج من الناجحين في إدارة أوقاتهم ... يستنتج أهمية الوقت في الإسلام مع نماذج مصاحبة ... محاضرة - أ نشطة تدريبية ... 80 دقيقة
2 ...
التاءات الخمس في إدارة الوقت ... يحدد استراتيجيات إدارة الوقت من خلال تعرفه على التاءات الخمس في إدارة الوقت ... محاضرة - أنشطة تدريبية ... 60 دقيقة
3 ... مضيعات الوقت ... التعامل مع مضيعات الوقت بكفاءة عالية ... محاضرة - أنشطة تدريبية ... 100 دقيقة
إرشادات المدربين :
* الإعداد الجيد للبرنامج .
* توفر مواد التدريب اللازمة ( أقلام - شفافيات - أجهزة - 00)
* تقسيم المتدربين إلى مجموعات مناسبة مع تحديد المقرر
* التقيد بالوقت بدقة .
الاجراءات التدريبية
الوحدة الأولى / الجلسة الأولى
الموضوع : الوقت في الشرع ونماذج من الناجحين في إدارة أوقاتهم
الهدف : يستنتج أهمية الوقت في الإسلام مع نماذج مصاحبة
الزمن : (60 دقيقة )
الإجراء التدريبي ... رمزه ... زمنه ... نوعه ... موضوعه ... ملاحظات
الافتتاح + تمرين ... - ... 10 دقائق ... فردي ... تعارف وتعريف بالبرنامج ...
محاضرة
نشاط
مادة علمية
نشاط
مادة علمية
... 1/1/1
1/1/1
1/1/2
1/1/2
1/1/3
... 15
15
15
10
15
... جماعي
حوار ونقاش
فردي
حوار ونقاش
... الوقت في الشرع ونماذج من الناجحين في إدارة أوقاتهم ...
المجموع ... 80 دقيقة
التعارف
كم في التعارف من تحقيق للانسجام وإذابة الجليد وتحفيز للعمل , ويتخذ التعارف أشكالاً عديدة وصوراً مختلفة شاملاً للاسم والكنية والتخصص وسنوات الخدمة ومكان العمل والهوايات , مع تقسيم للمشاركين إلى مجموعات صغيرة وتسمية المجموعات ..
ثم نبذة مختصرة عن البرنامج كتعريف به ( ومما لاشك فيه أن أولى ما يمكن الاعتناء به هو ( الوقت ) وهذا ماسيعالجه البرنامج - بإذن الله تعالى - آملين تحقيق المتعة والفائدة التربوية )(1/196)
مادة علمية
...
1/1/1
...
محاضرة قصيرة مع حوار ومناقشة
...
15 دقيقة
الوقت هو العمر وهو الحياة ولايمكن تكديسه بل لابد من إنفاقه
• الوقت في الشرع:
• ( والفجر..) (والليل..) (والنهار..) (والضحى ..) (والعصر..)
• قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :(نعمتان مغبون..)
• و( لن تزول قدما عبد يوم القيامة ..)
• و( اغتنم خمسا قبل خمس..)
• و( أعذر الله إلى امرئ أخر عمره حتى بلغه ستين سنة )
ومن كلام السلف :
• ابن مسعود : " إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شئ من عمل الدنيا ولا الآخرة
• عمر بن عبد العزيز " الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما"
• الشافعي " صحبت الصوفية فلم أستفد سوى حرفين , أحدهما: قولهم: الوقت سيف , فإن لم تقطعه قطعك, ونفسك إن شغلتها بالحق وإلا شغلتك بالباطل "
الحسن البصري " إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك"
تقول حفصة بنت سيرين: ماوجدنا العمل إلا وقت الشباب
قال ابن عقيل :" إني لايحل لي أن أضيع ساعة من عمري
جارية محمد بن سحنون التي كانت تلقمه الطعام , وبعد فراغه مماهو منهمك فيه طلب الطعام فقلت : ألقمتك إياه
عامر بن عبد قيس قال لمحدثه : " أمسك الشمس "
•أما نظرتهم للوقت وتعاملهم معه فحدث عن غيرتم ....ويفضّل أن يستشهد المدرب بـ
داود الطائي , الخليل بن أحمد , ابن الجوزي , النووي , ابن تيمية الجد , شيخ البخاري ( محمد ابن سلام البيكندي ) ,ومن المعاصرين : وكيف يديرون أوقاتهم بفاعلية ؟
نشاط
...
1/1/1
...
جماعي
...
15 دقيقة
( عصف ذهني )
بالتعاون مع أفراد مجموعتك : برأيك ماالأسباب الحاملة على عدم احترامنا للوقت ؟
1 - ......................................................................................................................
2 - ......................................................................................................................
3 - ......................................................................................................................
4 - ......................................................................................................................
5 - ......................................................................................................................
6 - ......................................................................................................................
7 - ......................................................................................................................
8 - ......................................................................................................................
9 - ......................................................................................................................
10- ......................................................................................................................
11 - ......................................................................................................................
12 - ......................................................................................................................
13 - ......................................................................................................................
مادة علمية
...
1/1/2
...
حوار ومناقشة
...
15 دقيقة
من الأسباب الحاملة على عدم احترامنا للوقت :
1 - لأن الوقت معنوي غير محسوس
2 - لأننا ربّينا على ذلك
3 - لعدم الاهتمام بالبدايات والنهايات للأعمال
4 - لعدم وضوح الهدف أوانعدامه
5 - الجهل بأهمية الوقت
6 - ضعف الهمة
7 - عدم القدرة على التعامل مع مضيعات الوقت
8 - مصاحبة ذوى الهمم الضعيفة
9 - عدم التخطيط والتنظيم للوقت
10 - عدم الاستشعار بأننا محاسبون على أعمالنا وأوقاتنا
11 - اعتقاد البعض بأن جدول الأعمال يستغرق الوقت الكثير
12- اعتذار البعض بأنه مشغول للغاية
13-الإحباط الذي يعيشه المسلم في مواجهة التحديات
نشاط
...
1/1/2
...
فردي
...
10 دقائق
أمامك خصائص الوقت والمال , وازن بوضع علامة ( / ) في المكان المناسب :
اسم المتدرب ( اختياري ) / ........................................................................
م ... الخصائص ... الوقت ... المال
1 ... يمكن أن تراه ... ...
2 ... لاتضعه في خزانة ... ...
3 ... يزيد وينقص ... ...
4 ... يمتلكه الجميع ... ...
5 ... يمكن أن يعود ... ...
6 ... لايمكن استبداله ... ...
7 ... تحفظه لوقت الحاجة ... ...
8 ... يمكن أن تحمله ... ...
مادة علمية
...
1/1/3
...
حوار ومناقشة
...
5 1دقيقة
عزيزي المتدرب لعلك تلحظ وضع علامة ( / ) على الإجابة المناسبة :
م ... الخصائص ... الوقت ... المال
1 ... يمكن أن تراه ... ... /
2 ... لاتضعه في خزانة ... / ...
3 ... يزيد وينقص ... ... /
4 ... يمتلكه الجميع ... / ...
5 ... يمكن أن يعود ... ... /
6 ... لايمكن استبداله ... / ...
7 ... تحفظه لوقت الحاجة ... ... /
8 ... يمكن أن تحمله ... ... /
تأمل عزيزي المدرب لتفيد المشاركين في البرنامج !!!
ما قيمة قطعة من حديد ؟
• قطعة خام = 5 دولار
• صنعت على شكل حذوة فرس = 11دولار
• صنّعت على شكل إبر خياطة = 255 دولار
• صنّعت على شكل سكاكين = 2285 دولار
• صنّعت على شكل نوابض ساعات = 250000دولار
• هل المصنع واحد ؟ هل القطعة واحدة ؟ هل الجهد واحد ؟ هل القدرة واحدة ؟
الاجراءات التدريبية
الوحدة الثانية / الجلسة الأولى
الموضوع : التاءات الخمس في إدارة الوقت
الهدف : يحدد استراتيجيات إدارة الوقت من خلال تعرفه على التاءات الخمس في إدارة الوقت
الزمن : (60 دقيقة )
الإجراء التدريبي ... رمزه ... زمنه ... نوعه ... موضوعه ... ملاحظات
مادة علمية
نشاط
مادة علمية
نشاط
مادة علمية
...
2/1/1
2/1/1
2/1/2
2/1/2
2/1/3
...
20
10
10
10
10
... حوار ونقاش
جماعي
حوار ونقاش
فردي
حوار ونقاش
... استراتيجيات إدارة الوقت من خلال تعرفه على التاءات الخمس في إدارة الوقت ...
المجموع ... 80 دقيقة
مادة علمية
...
2/1/1
...
حوار ومناقشة
...
20 دقيقة
التاءات الخمس في إدارة الوقت
• تحديد الأهداف
• ترتيب الأولويات
• تخطيط الزمن
• تفويض الأعمال
• تقويم الأداء
كلها قد بدأت بحرف التاء , ولتحقيق إدارة فاعلة للوقت , يحسن بالمتدرب أن يراعي ذلك في وضع خططه وبرامجه .
لماذا لايرغب الناس في تحديد أهدافهم وتعيينها؟
• الخوف من الفشل والمجهول - الرفض - التسويف - عدم الإيمان بالضرورة
تحديد الأهداف
عندما لاتعرف أين تتجه فإن كل الطرق توصلك
أهداف ( طويلة - مربوطة بسنة أوسنوات - قصيرة شهرية, أسبوعية , يومية ) والأهداف عادة إما :
• إيمانية
• مادية واحتياجات ضرورية ( الأمن - المأكل- المال - الصحة - السكن ...)
• أسرية ( الحقوق المشروعة )
• وظيفية ( نجاح وتميز )
• علاقات ( صلة وزيارات)
• ترويحية
• النمو( مهارات - معارف - قدرات ..)
نشاط
...
2/1/1
...
جماعي
...
10 دقائق
( تمرين )
بالتعاون مع أفراد مجموعتك : برأيك مالمعايير الخاطئة لتحديد أولويات العمل ؟(1/197)
1 –........................................................................................................................................
2 –........................................................................................................................................
3 –........................................................................................................................................
4 –........................................................................................................................................
5 –.........................................................................................................................................
6 –.........................................................................................................................................
7 -.........................................................................................................................................
مادة علمية
...
2/1/2
...
حوار ومناقشة
...
10 دقائق
المعايير الخاطئة لتحديد أولويات العمل
1 - إذا كنت تقدم العمل الذي تحبه على الذي تكرهه
2 - إذا كنت تقدم العمل الذي تتقنه على الذي لاتتقنه
3 - إذا كنت تقدم العمل السهل على الصعب
4 - إذا كنت تقدم العمل قصير الوقت على الطويل
5 - إذا كنت تقدم العمل الذي يثير اهتمامك على مالايثيره
6 - تستجيب للأزمات والطوارئ بدون حدود
7 - لاتعمل العمل إلا عند قرب موعده النهائي
ترتيب الأولويات
كثير من الناس يحب العمل أكثرمن محبته لأن يفكر , لذا :
• حدد هدفك ( بأقسامه الطويلة والمتوسطة والقصيرة المدى )
• فكر في الخيارات المطروحة لتحقيق الهدف واختر أحسنها
• الوقت المناسب لها وما يمكن أن تستغرقه
• المكان المناسب
• من يقوم بالعمل ( أنت أو غيرك ) ومن الأصلح؟
• الأولوية من الأعمال والأنشطة
• تذكر أن الوقت ليس تحت تصرفك, لذا افترض المضيعات.
• لاتعط أي نشاط أكثر من الوقت الذي يستحق
• ضع احتياطات عندما يفشل تنفيذ أي نشاط موجود في الخطة
• تذكر أن بضع دقائق من التفكير والتخطيط توفر بضع ساعات من العمل الشاق
نشاط
...
2/1/2
...
فردي
...
10 دقائق
عزيزي المتدرب – فضلا – قم بتعبئة هذا الجدول متوخيا الصراحة والصدق :
النشاط البديل النافع ...
الوقت الذي يمكن توفيره ...
وقته المعتاد ...
النشاط اليومي أو الأسبوعي
قراءة 3 أجزاء من القرآن ... ساعة واحدة ... 8ساعات ... وقت النوم يوميا
... ... ... الأكل والشرب يومياً
... ... ... الزيارات (منك-أو إليك)
... ... ... الاسترخاء
... ... ... إجابة الدعوات العامة
... ... ... انتظار الآخرين
... ... ... الأعمال الخاصة
... ... ... محادثة في الهاتف
... ... ... الأنترنت
... ... ... المجموع
مادة علمية
...
2/1/3
...
حوار ومناقشة
...
10 دقائق
التفويض : هو عمر أضيف إلى عمرك
* لماذا لانفوض ؟ :
* المركزية
* الحرص على نجاح الذات والنفس
* عدم الثقة بالآخرين
*** لاحظ – عزيزي – لوأن شخصا بلغ من العمر سبعين عاما وأضاع من يومه مقدار ( حسب ماهو مدوّن في الحقل ) كم يضيع عليه خلال العمر تأمل الجدول :
3أشهر ... 5 دقائق
6أشهر ... 10
سنة كاملة ... 20
3سنوات ... ساعة
30سنة ... 10ساعات
الاجراءات التدريبية
الوحدة الثالثة / الجلسة الأولى
الموضوع مضيعات الوقت
الهدف : التعامل مع مضيعات الوقت بكفاءة عالية
الزمن : (80 دقيقة )
الإجراء التدريبي ... رمزه ... زمنه ... نوعه ... موضوعه ... ملاحظات
مادة علمية
نشاط
مادة علمية
نشاط
مادة علمية
نشاط
مادة علمية
نشاط
مادة علمية
نشاط
...
3/1/1
3/1/1
3/1/2
3/1/2
3/1/3
3/1/3
3/1/4
3/1/4
3/1/5
3/1/5
...
10
10
10
10
10
10
10
10
10
10
... حوار ونقاش
جماعي
حوار ونقاش
فردي
حوار ونقاش
جماعي
جماعي
جماعي
... استراتيجيات إدارة الوقت من خلال تعرفه على التاءات الخمس في إدارة الوقت
...
المجموع ... 100 دقيقة
مادة علمية
...
3/1/1
...
حوار ومناقشة
...
10 دقائق
* لن تستطيع السيطرة على كل وقتك لكن سيطرعلى ما تستطيع منه
* الانضباط الذاتي والإرادة الجبارة سر نجاح وقتك
* يستحيل أن الأعمال كلها في درجة واحدة من الأهمية
* إياك وفضول النوم والأكل والكلام
* تحكّم في الوقت قبل أن يتحكم فيك
* كن سريع القراءة وامتلك المهارة في ذلك
* الاشتغال بالندم على الماضي تضييع للمستقبل
* تذكر أن التفرغ في مستقبل الأيام وهم وسراب
* بقدر ماتتعنى تنال ماتتمنى
* الوقت لاينتظر أحدا
* مورد مهم يستوي الناس في امتلاكه لافي تصريفه
* اعمل بطريقة أذكى لابمشقة أكثر
نشاط
...
3/1/1
...
جماعي
...
10 دقائق
( تمرين )
بالتعاون مع أفراد مجموعتك : برأيك مامبددات ومضيعات الوقت ؟
1 –.......................................................................................................................................
2 –.......................................................................................................................................
3 –.......................................................................................................................................
4 –.......................................................................................................................................
5 –.......................................................................................................................................
6 –.......................................................................................................................................
7 -.........................................................................................................................................
8 -.........................................................................................................................................
مادة علمية
...
3/1/2
...
حوار ومناقشة
...
10 دقائق
- الزيارات المفاجئة من البطالين
- التردد في اتخاذالقرار
- المكالمات الهاتفية الزائدة عن الحد
- عدم وجود خطة
- تراكم الأوراق وعدم ترتيبها
- التسويف
- عدم القدرة على قول ( لا )
- ضعف مهارة إنهاء الحديث بلباقة
- عدم الاستفادة من السجلات والتجهيزات والإمكانات
- إعطاء المكالمات الهاتفية الأولوية في العمل
- سيطرة الروتين على الآخرين
- مركزية السلطة واتخاذ القرار
- عدم الثقة بالآخرين
- الاعتماد على الذاكرة
- ؟؟ ؟؟ ؟؟ ؟؟ ؟؟
نشاط
...
3/1/2
...
جماعي
...
10 دقائق
بالتعاون مع أفراد مجموعتك : برأيك كيف نتعامل مع مبددات ومضيعات الوقت ؟
مادة علمية
...
3/1/3
...
حوار ومناقشة
...
10 دقائق
* حصرمضيعات الوقت ومبدداته
* مني أو من غيري
* ضع عددا من الحلول لكل مضيع ثم اختر أنسبها
* إن لم تتم إزالته فلا أقل من الاقتصاد فيه
* سد منافذ الهروب
* استغلال الأوقات الهامشية
* لا تستسلم للأمور العاجلة غير الضرورية
* استخدام تقنية مفكرات الجوال وغير ذلك
نشاط
...
3/1/3(1/198)
...
جماعي
...
10 دقائق
بالتعاون مع أفراد مجموعتك : برأيك ماالطرق الذهبية للعامل مع ال
ه ا ت ف
مادة علمية
...
3/1/4
...
حوار ومناقشة
...
10 دقائق
9 - طرق ذهبية للتعامل مع الهاتف:
* تمر عبر شخص آخر
* حدد الموضوع قبل إجراء المكالمة
* عندما تتحدث مع من يستطرد أخبره أن لديك وقتا محدودا
* ادخل في الموضوع مباشرة
* اختصر المواضيع الاجتماعية
* أن تكون أول من ينهي المكالمة
* لاتسمح بالخروج عن الموضوع
* بعد تحقيق الهدف من المكالمة انهها بسرعة
* إذا كان إنهاء المكالمة ضروريا فافعل
نشاط
...
3/1/4
...
جماعي
...
10 دقائق
بالتعاون مع أفراد مجموعتك : برأيك كيف تتعامل مع زيارة البطالين ؟
مادة علمية
...
3/1/5
...
حوار ومناقشة
...
10 دقائق
تتعامل مع زيارة البطالين :
* إذا كانت الزيارة ضرورية فقم أنت بها
* شجع مبدأ العمل من خلال المواعيد
* لا ما نع إذا سئلت هل أنت مشغول ؟ أن تجيب ب( نعم )
* كن مستمعا فقط قدر الإمكان استثمارا للوقت
* لاتدخل في نقاشات غير مهمة
* حدد وقت الزيارة من بداية اللقاء : لابأس أن نجلس ربع ساعة
* النظر إلى ساعة المكتب بين الفينة والأخرى
* خصص لك وقتا تمنع فيه زيارتك
* قف مع الزائر الطارق للباب حتى لاتدع فرصة للثقلاء بطول الجلوس
وفي الختام أتمنى - عزيزي المتدرب - أنه قد تحقق لك ماتصبو إليه من المتعة والفائدة , ولاتنسنا من تواصلك معنا..
المراجع
م ... الكتاب ... المؤلف ... دار النشر ... الطبعة
1 ... إدارة الوقت ... ماريون هاينز ترجمة / عبدالله بلال ... دار المعرفة للتنمية البشرية ... 1421هـ
2 ... فن إدارة الوقت ... عبدالله مبارك البوصي ... دار طيبة ... 1421هـ
3 ... دع التسويف وابدأ العمل ... جيمس آر . شيرمان ترجمة / محمد طه علي ... دار المعرفة للتنمية البشرية ... 1421هـ
4 ... حقيبة : مهارة الإدارة الذاتية الناجحة ... د/ إبراهيم القعيد ... دار المعرفة للتنمية البشرية ... 1421هـ
5 ... حقيبة : فن إدارة الوقت ... عبدالرحمن العمرو ... إدارة التدريب بالرياض ... 1423هـ
تقويم ذاتي
أخي المتدرب : هذه نقاط في غاية الأهمية أضعها بين يديك مؤملاً تعبئتها بدقة وموضوعية , وصراحة وشفافية :
م ... المهارة ... المستوى
5 ... 4 ... 3 ... 2 ... 1
1 ... أستشعر أهمية الوقت في الشرع المطهّر ... ... ... ... ...
2 ... أقتدي بنماذج الناجحين في إدارة أوقاتهم بفاعلية ... ... ... ... ...
3 ... أحترم الوقت وأثمّن أدق أجزائه ... ... ... ... ...
4 ... أحدد أهدافي بدقة ... ... ... ... ...
5 ... أرتب أولوياتي علمياً ... ... ... ... ...
6 ... أخصص زمناً مناسباً لأعمالي ... ... ... ... ...
7 ... أفوض بعض الأعمال بالقدر المطلوب توفيراً للوقت ... ... ... ... ...
8 ... أقوّم خطتي وأعمالي ... ... ... ... ...
9 ... أحصر مضيعات الوقت لدي ... ... ... ... ...
10 ... أتعامل مع مضيعات الوقت بكفاءة ... ... ... ... ...
11 ... أشارك في برامج إدارة الوقت ... ... ... ... ...
12 ... أدير وقتي بفاعلية ... ... ... ... ...
13 ... أسعى لحث الغير على إدارة أوقاتهم ... ... ... ... ...
الفهرس
م ... الموضوع ... الصفحة
1 ... المقدمة ... 2
2 ... المنهاج ... 3
3 ... الوحدة الأولى : الجلسة الأولى : الوقت في الشرع ونماذج من الناجحين في إدارة أوقاتهم ... 4- 9
4 ... الوحدة الثانية : الجلسة الأولى : التاءات الخمس ... 10- 15
5 ... الوحدة الثالثة : الجلسة الأولى : مضيعات الوقت ... 16- 25
6 ... المراجع ... 26
7 ... تقويم ذاتي ... 27
... الفهرس
===============
مع قدوم أعظم الشهور: هل نعلم قيمة الوقت في حياتنا ؟ ...
6/9/1424
حسام أبو جبارة
مع أن إنسان اليوم يعيش في تقدم هائل ومدنية متقدمة ومادية عالية وحضارة واسعة الأطراف والاتجاهات، فإنه يعيش فوق بركان من القلق والخوف والفزع على زلازل من الحيرة والاضطراب، فما يكاد يخرج من فتنة إلا واستقبل أزمة أدهى ومشكلة أمر، يكاد الإنسان يصبح ويمسي والطمأنينة لديه مفقودة والسعادة التي ينشدها معدومة لأن التقدم المادي الذي يعيشه إنسان اليوم لم يرافقه ما يماثله من التقدم الروحي والخلقي المنشود.
لذلك فإن التواصي بالصبر يضاعف القدرة ويزود النفس بالحب والعزم والإصرار على تحمل الشدائد والمصاعب
فأصبح أكثر مسلمي اليوم يعيشون في دنيا لا تدين أكثرها بالمثل والفضائل الحميدة، ولا بالعقائد الروحية التي تنتشله من الحيرة وتنقذه من الضياع. فمن هنا انتشر الشر والفساد وعمت الرذيلة، وقل عمل الخير وضعف سلطان الإنصاف والعدل وضاع صوت الحق في لجة الباطل.
إن العالم يعيش في شقاء وبؤس رغم المدنية المبهرة والحضارة المغرية والمادية المتوفرة أصبح العالم بحاجة ماسة وضرورة ملحة إلى علاج بعد معاناته من هذا القلق والفشل والاضطراب.. فيا ترى ما هو العلاج للخروج من هذا البؤس والشقاء ؟
العلاج وصفه رب العزة جل وعلا في كتابه العزيز في سورة كريمة من ثلاث آيات تحمل في طياتها عناصر النجاة ووسائل الإنقاذ وعوامل النجاح والفلاح حيث يقول الحق تبارك وتعالى: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا بالصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
إن هذه السورة المباركة التي شخصت العلة والداء ووصفت له الدواء قال عنها الإمام الشافعي رضي الله عنه: "لو لم تنزل إلا هذه السورة لكفت الناس" والحقيقة التي تقررها هذه السورة الشريفة أنه على امتداد الزمان في جميع العصور وامتداد الإنسان في جميع الدهور ليس هناك إلا منهج واحد رابح وطريق ناجح ألا وهو ما حددته السورة.
إيمان كامل وعمل صالح وتواص بالحق وتواص بالصبر.. وكل ما عدها فهو ضياع وخسران وضلال. وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا التقى منهم اثنان لم يتفرقا حتى يقرأها أحدهما على صاحبه، ثم يسلم
أحدهما على الآخر، وذلك ليذكر كل منهما صاحبه بما في هذه السورة من منهج للسعادة وطريق للفلاح.
لقد أقسم الله عز وجل في هذه السورة بالعصر، والعصر هو الزمان الواسع الممتد وكأنما أقسم به تبارك وتعالى لينبه العباد إلى قيمة الوقت وكرامته وإنه يجب على الإنسان أن يملأ ذلك الوقت بالسعي الحميد والفعل المجيد وأن يستغله استغلالا صحيحا طيبا في العمل الصالح وفعل الخيرات لكيلا يخسره وصدق المصطفى صلوات الله وسلامه عليه إذ يقول:
"نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.. الصحة والفراغ". إذن فإن العصر هو عمر الإنسان فلم يستفد منه إلا العقلاء الذين أحسنوا الاستعداد له واتصفوا بصفات المحامد والذين استثناهم الحق سبحانه وتعالى بقوله الكريم: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".. هم الذين آمنوا بوجود إله واحد معبود بحق وخالق مبدع مسيطر على هذا الكون يرضى الخير ولا يرضى الشر.
وهم الذين آمنوا بجمال الفضيلة فتحلوا بها وعرفوا بقبح الرذيلة فتخلوا عنها هؤلاء ترجموا إيمانهم إلى أعمال صالحة تزكيهم. فالصالحات من الأعمال تمثل كل عمل جميل حميد جاء به الدين الحنيف وقبلته الفطرة الطاهرة واستحسنه العقل السليم وانتفع به الفرد والجماعة، كما إن الصالحات هي الثمرة الطيبة للإيمان، ولقد اقترن ذكر الإيمان في القرآن بذكر العمل الصالح في أكثر من خمسين مرة، وما ذاك إلا لارتباط العمل الصالح بالإيمان.(1/199)
ولأن الإيمان هو أصل الحياة ومن أجل ذلك وصف الحق تبارك وتعالى كل عمل غير مرتبط بإيمان بقوله جل من قائل: "مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء" وقال تبارك اسمه: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب".
ومن ثمار الإيمان التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهي سمة خاصة انفردت بها الأمة الإسلامية، فالمتأمل للآية الكريمة يجد أن الحق جل وعلى كرر كلمة "وتواصوا" فقال: "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" ولم يقل وتواصوا بالحق والصبر. وهذا التكرار جاء للعناية بكل واحد منهما ولأهمية كل منهما..
فالحق وحده يحتاج إلى التواصي به، والصبر يحتاج إلى التواصي به، وقد جمع الله سبحانه بينهما لأن الحق لا يستغني عن الصبر والصبر لا فائدة له إذا كان على غير حق.. كما جاء في قوله تعالى: "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى.." فأكثر الناس للحق كارهون.
إن النهوض بالحق له معوقات كثيرة منها هوى النفس وتقديم المصلحة الذاتية، وظلم الظلمة وطغيان الطغاة وجور الجائرين. فلابد لدعاة الحق ولحراسته من صبر جميل، صبر على جهاد النفس وجهاد الغير، وصبر على الأذى والمشقة وصبر على تبجح الباطل، وصبر على بطئ المراحل وطول الطريق.
لذلك فإن التواصي بالصبر يضاعف القدرة ويزود النفس بالحب والعزم والإصرار على تحمل الشدائد والمصاعب يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى أن نبيا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم "ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
لذا أعلن الحق عن مجازاتهم بغير حساب فقال تبارك اسمه: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب". إن الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر هي أعظم عوامل النجاح وأنجع وسائل الإنقاذ والنجاة.
فأين هو اليوم؟ نجد الإلحاد يبث سمومه وأمراض الزندقة والتطاول على الدين مشاعة والدعوة إلى الرذيلة والانحلال الخلقي تعصف ذات اليمين وذات الشمال. فأين الحق في عالمنا؟ ترى كل من بيده سلاح ولديه قوة يستعملها في السيطرة على الضعفاء والفقراء فأصبح الهوى متبعا وإلها معبودا من دون الله فأين الصبر على إتيان مكرمة أو هجران مآثمه كما قال أحد الكرام.
فينبغي على المسلمين السير على نهج القرآن ليرسخ الإيمان في النفوس ولنتزود من الأعمال الصالحة والتمسك بالحق والتواصي به ولنلتزم بالصبر والتواصي به وتوهب لنا الحياة الكريمة ويرهبنا الأعداء ويكتب لنا الصبر بإذن الله "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا". إن التواصي بالحق والتواصي بالصبر لن يكون له فائدة إلا إذا كان من يوصي بهما خاضعا لهما داخلا فيهما، فلا جدوى لوصية من ينصح بالحق وهو على الباطل.
مقيم ولا ثمرة لمن يوصي بالصبر وهو لا يتحلى به، بل إنه يجزع ويصمت إذا انتهكت حرمات الله "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
إن القدوة الحسنة هي أعظم وسيلة للدعوة إلى الله وليكون الفعل والعمل الصالح كائنا يتعلم ويتحدث عما يتحلى به الإنسان من فضائل: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
=============
التخطيط أول خطوات النجاح
مشرف الملتقى الإداري 3/9/1424
28/10/2003
السلسلة:سلسلة التطوير الإداري
الكتاب:التخطيط أول خطوات النجاح
المؤلف:James R.Sherman.Ph.D
عدد الصفحات :139 صفحة
الناشر:دار المعرفة للتنمية البشرية
*فكرة الكتاب:
تعتمد جودة النتائج على فاعلية التخطيط الذي يعد أول مرحلة في تحقيق الأهداف، وهذا الكتاب يحتوي على أساليب متنوعة سهلة التطبيق ستعود عليك بالفائدة على المستوى الوظيفي والشخصي.
الفصل الأول
مقدمة في التخطيط
يصاب العديد من الناس بالإحباط عندما لا يجدون الطريق الذي يقودهم إلى مستقبل واعد، والمشكلة أن هؤلاء مع أن الرغبة موجودة لديهم، إلا أنهم بكل بساطة لا يعرفون كيف ومن أين يبدؤون؟ لذلك أغلبهم يشعر بالضياع وكلما بدأ في أمر توقف في منتصفه، وذلك لأنه يفقد ميزة التخطيط الفعال.
ما هو التخطيط؟
هو تصميم المستقبل المؤمَّل، وتطوير الخطوات الفعالة لتحقيقه .
مزايا التخطيط
1-طريقة عقلانية ومنتظمة لصنع القرارات وحل المشكلات .
2-يجمع بين الخبرة والمعرفة والمهارة، مع توفير الأدوات الملائمة.
3-يساعدك في رسم الصورة المستقبلية بما في ذلك المخاطر والمشاكل.
4-يعينك في معرفة فرص النجاح ومصادر الخطر.
5-يساعدك على وصول محطات ناجحة في حياتك.
6-يحفزك على التفكير في المستقبل بلغة الحقائق والبراهين.
7-يجعلك تتحكم بالمستقبل بشكل قوي.
8-يعينك لتصبح الشخص الذي تتمناه.
فالتخطيط إذاً عمل مرن ومتفتح الذهن يحث على التغيير بشكل مستمر، كما أنه يعطيك انطباعاً عن الصورة المستقبلية .
أنواع التخطيط الرئيسة
1-التخطيط المستقبلي، وتوقع الأحداث المستقبلية والاستعداد لها.
2-التخطيط الذاتي لإحداث التغيرات السلوكية.
3-التخطيط التتابعي؛ وهو الانطلاق من حيث توقف الآخرون.
4-التخطيط التحليلي وهو اختيار حل لمشكلة عن طريق طرح الحلول وتحليلها.
مسارات التخطيط
1-التخطيط من الداخل إلى الخارج، ويعتمد عليك وما تنوي القيام به على المستوى الذاتي.
2-التخطيط من الخارج إلى الداخل، ويعتمد بالدرجة الأولى على من حولك من الناس والأحداث، أما أنت فتأتي بالدرجة الثانية .
الخطوات الثمان الأساسية للتخطيط
1-التقييم: الشعور بعدم الارتياح والنقد للوضع الحالي، والحاجة الملحة للتغيير.
2-الالتزام : اتخاذ القرار بشأن التغيير.
3-التقصي: تجميع المعلومات والأفكار والأدوات والدراسات المتعلقة بموضوع التخطيط.
4-القرار:استخدام الحواس والأدوات للوصول إلى أفضل الخيارات المطروحة.
5- التنظيم : وجود استراتيجيات محددة لتنظيم الأولويات والجداول الزمنية والطرق الملائمة للتنفيذ.
6-التحضير:الاستعداد بدقة وعناية للتعامل مع الظروف المختلفة.
7-التطبيق: تنفيذ سلسلة من المهمات وإمكانية قياسها.
8- الإنجاز: تحقيق الأهداف الحالية ثم البدء في تحقيق أهداف أخرى أثناء صعودك سلم النجاح.
فوائد التخطيط
1-يحدد الاتجاه : يحفزك على التفكير المستقبلي.
2-ينسق المجهودات: يعمل وسيلة ربط بين المجهودات والتطلعات.
3-يوفر المعايير: يحدد معايير وأدوات يمكنها قياس التقدم الذي تحرزه.
4-يوضح معالم الطريق: يساعدك التخطيط على تحديد ما تريد فعله والوصول إليه.
5-يجهز المرء: يجعلك على أهبة الاستعداد للتعامل مع الظروف والمشكلات الطارئة.
6-يكشف الوضع: يعطيك صورة واضحة لكيفية التفاعل مع المهام، والأنشطة المختلفة.
7-يحفز المرء: يدفعك التخطيط إلى الأمام، ويقود خطاك إلى أعلى، ويرفع روحك المعنوية، ويحسن رؤاك وعلاقاتك مع الآخرين.
مخاطر تحف بالتخطيط
لا يمكن أن تصف عملية بأنها سهلة جداً، وإن اعتقدت أنك أنجزتها على أكمل وجه، لذا يحف التخطيط بعدة مخاطر منها:
1-فقدان التلقائية : لا يمكنك التخطيط لأن تكون مستغلاً للفرص لأن ذلك يتعارض مع مفهوم التخطيط.(1/200)
2-الثقة الزائدة في العملية: إن الإيمان الكامل بأن خططك كاملة ودقيقة قد يكون مكبلاً لك عن الاستفادة من الجديد، فتجعلك هذه الثقة العمياء ألا تبصر ما هو أفضل منها.
3-عوز النمو: إن عملية التخطيط قد تشعرك بأنك لست بحاجة للتطور والتحسين مع أن المتغيرات حولك تترا، مما يجعلك تراوح مكانك.
4-الغم النفسي: التخطيط الذي لا يعتمد على بعد النظر يقود إلى التقيد الذي يشعرك بالإحباط وضيق الصدر خصوصاً عندما لا تسير الأمور كما خططت .
5-التمسك الأعمى بطرق العمل: من مخاطر التخطيط الاهتمام بطرق أداء العمل بغض النظر عن إنجاز العمل نفسه والنتائج التي يتم التوصل إليها.
الفصل الثاني
لماذا لا يخطط الناس...؟
أنت مطالب بأن تعرف أين أنت؟ وإلى أين تسير؟ وكيف تسير؟ كل ذلك يتطلب معرفة كاملة بقدراتك ومقوماتك وإمكاناتك.
عنصر الصدفة
تحدث الصدفة عشوائية من غير إنذار أو تنبيه، فليس لك الخيار في التأثير على الصدفة، ولكن يمكنك التحكم في الطريقة التي تستجيب بها عند حدوثها.
كثير من الناس يميل إلى التنظير، ويبتعد عن التخطيط لعدم إيمانهم به، ويعتمدون على الصدق لجلب السعادة والرفاهية، مع أن الفرص لم تكن في يوم من الأيام عاملاً لنجاح الناجحين.
مواقف سلبية من التخطيط
-يستغرق التخطيط وقتاً طويلاً، ولدي أشياء أفضل لأنجزها.
-أنا لا أفقه شيئاً في التخطيط؛ لذا لن أضيع وقتي فيه.
التفاؤل
قد يكون التفاؤل الزائد مانعاً لعملية التخطيط؛ حيث يتم تصور المستقبل مشرقاً مع تجاهل التحذيرات المنذرة بخلاف ذلك.
عدم الإدراك
إن عدم الإدراك الواعي للمقدرات ونقاط القوة ونقاط الضعف يعطي رؤية غير واضحة مما يؤثر بصورة مباشرة على عملية التخطيط.
العلل الفكرية والتعبيرية
إن عدم توافر المعلومات و المعارف والمهارات معيقاً لعملية التخطيط.
عدم المرونة
الشعور بالعزلة والتعقيد، وسلوك طريق غير قابل للنمو والتطوير، والخروج من دائرة الجمود.
مشاكل السرعة والعجلة
ترتيب الأولويات وتقديم الأهم دائماً يعتبر أول خطوة في عملية التخطيط.
عناصر رئيسة للتخطيط الناجح
يمتلك المخططون صفات شخصية تميزهم عن غيرهم وهي:
1-حب الاستطلاع والتنقيب عن إجابات تتعلق بالمستقبل.
2-الإبداع والبحث عن أفكار جديدة وغير مسبوقة أو طرق مبتكرة.
3-القدرة على المنافسة وخوض المواقف الصعبة.
4-العملية؛ فالشخص المخطط عملي وحيوي، وحريص على اقتناص فرص النجاح.
5-الثقة بالنفس والتسلح بسلاح المنطق والحجة؛ فيزيد من ثباتهم.
6-الحكمة ومواكبة المتغيرات والمستجدات ومعاصرتها.
7-المثابرة والتغلب على العقبات والعوائق التي تقف في سبيلهم ومواصلة المشوار.
هذه السمات من خلالها تستطيع أن تقهر العقبات التي تقف أمامك أثناء عملية التخطيط.
الفصل الثالث
كيف تخطط
عنصر المخاطرة
هو احتمال قابل للقياس في حالة التعرض لضرر ما، وعند التخطيط يجب أن تكون على بينة بالمخاطر التي تحف عملية التخطيط؛ حتى تكون أكثر راحة واستقراراً ونجاحاً.
الحظ والتخطيط
مفتاح تحسين حظك يكمن في التخطيط، فهو عملية تحديد مواطن القوة والمصالح والسمات الشخصية التي يرغب في تطويرها، ثم تفعيل تلك السمات وقتما تجد الفرصة سانحة لذلك.
التخطيط للطوارئ
الطارئ شيء يحدث من غير توقع ودون سابق إنذار، وإن امتلاك خطط مسبقة لحالات الطوارئ تشعرك بالثبات، إن وعيك بالمشاكل الطارئة ووضع الحلول لها يجعلك دائماً في وضع الاستعداد، إضافة إلى أن حدوث الطوارئ يحسن لديك أسلوب التصرف ويثري الملكة الإبداعية مما يعطيك فهم أعمق لعملية التخطيط للطوارئ.
محطات نهائية
إن رسم الخطط المستقبلية يجب أن لا يكون مرتبطاً بفكرة التركيز على هدف واحد ومحطة نهائية للطموحات والآمال، بل إن التخطيط يدعوك لجعل نهاية التخطيط بداية لعملية تخطيط أخرى؛ مما يجعل التخطيط متعة حقيقية لك ويحافظ على وتيرة تطورك ونمائك.
الفصل الرابع
استراتيجيات للتخطيط
حدد مواطن قوتك
كن موضوعياً ومتجرداً في حصر نقاط القوة لديك وضع قائمة فيها، ولا تضع الصفات التي تتمنى أن تكون فيك، ولا تغفل الصفات التي تعتقد أنها غير هامة.
حدد كافة الأشياء التي تجد متعة للقيام بها سواء كنت تجيد أداءها أم لا، والتي سوف يكون لها الأثر الأكبر على نجاحك، فكلما ركزت على مواطن قوتك وأداء الأشياء التي تجيدها والتي تشعر بمتعة عند القيام بها سوف يزيد ذلك من فرص النجاح لديك.
حدد نقاط ضعفك
هنا أيضاً كن صادقاً في تحديد نقاط الضعف لديك، وضع قائمة من الصفات التي تشعر أنها تحبطك أو تجعلك سلبياً، وأيضاً حدد الأشياء التي لا تجيد أداءها بشكل جيد أو التي لا تستطيع تطويرها لديك.
إن إدراكك لنقاط ضعفك وتجنبك لأداء الأشياء التي لا تحب القيام بها، ستزيد فرص نجاحك.
عدد الفرص
احصر الأفكار أو الظروف أو الأعمال أو الأشياء المحسوسة وغير المحسوسة والتي تعتقد بأنها تحسن من فرصتك في تحقيق النجاح.
عدد التحديات
في هذا الموضع عدد الأشياء التي تعتقد بأنها قد تشكل عاملاً للخطورة، والتهديدات التي تبدد جهودك، وتبطئ من سرعة تقدمك أو انحرافك عن سير النجاح.
قارن بين قوائمك
بعد حصر أربع قوائم بنقاط قوتك وضعفك والفرص والتحديات التي تواجه بعد ذلك اعمل دمج بين هذه القوائم بطريقة تساعدك على تخطيط مستقبلك بشكل ناجح، وركز على المربع (أ) الذي يجمع بين نقاط قوتك والفرص.
... التحديات ... الفرص
نقاط قوة ... أ ... ب
نقاط ضعف ... ج ... د
اعرف ما تريد
قبل قيامك بأي عمل توقف واعمل عملية (مصنف فكري) لجميع الأفكار الواردة لديك، أخضعها للدراسة الجدية وأعطها ما تستحق من اهتمام، فقد تكون عنصراً عالي للإنتاجية .
طور الغايات والأهداف
تعتبر الغايات والأهداف من القواعد التي يعتمد عليها التخطيط، ولكي تكون هذه الغايات والأهداف قابلة للتحقيق يجب أن تكون واقعية وقابلة للقياس ولديك رغبة قوية في تحقيقها.
وضع معاييرك
ما لم يقس لا ينجز، ما لم تضع معايير محددة بعيدة عن الإفراط والتفريط وتتسم بالوسطية لا يمكن لأي عمل أن ينجز. إن وضع هذه المعايير يحدد لك مدى إنجازك لهذا العمل أم لا، وبالتالي سيحدد لك هل حققت ما خططت أم لا؟
وضع خطتك
إن وضوح خطتك يعطيك انطباع أين كنت؟ وأين أصبحت؟ وإلى أين تتجه؟، لذا تجنب التكرار والتداخل والتناقض أثناء وضعك لخططك، واعمل بمعايير محددة تقيس ما أنجزت، ولا تنسى خطط الطوارئ.
كيف تدير وقتك؟
إذا لم تضبط عملية التخطيط بوقت محدد فإن الفائدة تنعدم، ويضيع الوقت وتهدر الجهود ويكثر التسويف والتأجيل.
إن التزام التخطيط بالوقت هو مؤشر أولي للنجاح، لذا قم بإدارة وقتك أثناء عملية التخطيط حتى تصل إلى نتائج مرجوة في الوقت المحدد لها.
الفصل الخامس
تلميحات وأفكار مفيدة
تعيين وتحديد الأولويات
المهمة الهامة هي تلك التي تدر عائداً كبيراً مقابل الوقت المبذول في إنجازها وتسهم بوضوح في تحقيق غايتك وأهدافك بعيدة المدى.
تأكد من أن أولوياتك واقعية وتتناسب تماماً مع غايتك.
التخيُّل الحي
إن رسم صورة حية ومستقبلية لنفسك يسرع بلوغك إلى مستوى وأداء أفضل، وسر ذلك يرجع إلى الكثافة الحسية وعمق تركيزك على الصورة المستقبلية.
أدخل نفسك في الالتزام
وضع المسؤوليات والمهمات في ميثاق وعهد مع نفسك؛ سوف يجعلك أكثر التزاماً خصوصاً عندما تشرك آخرين في هذا الميثاق مما يدفعك لتحقيق غايتك وأهدافك وربما قبل الموعد الذي حددته لتحقيقها .
تنفيذ الخطة(1/201)
حدد فترات ذروة الأداء العالي لديك، استفد منها في تنفيذ المهام الشاقة، واترك الأعمال الروتينية للأوقات ذات الإنتاجية الأقل، يمكن جعل النجاح عادة إذا قمت باستمرار بعمل المجالات التي تجيدها.
واظب على المرونة
إن الخطة المحكمة والثابتة قد لا تكون مجدية في عصرٍ يموج بالمستجدات والمتغيرات، لذا لا بد أن تكون الخطط مواكبة للجديد وقابلة للتغير حسب الحاجة، أو وضع عدة استراتيجيات بديلة في حالة تغير استراتيجية معينة يتم التحول إلى استراتيجية بديلة تحقق نفس الأهداف العامة لخططك.
اعرف عالمك
من مكونات النجاح الأساسية أن تتعرف على نفسك والآخرين، بمعنى تعرف نقاط قوتك وضعفك ورؤيتك لنفسك وطريقتك في مباشرة مهامك، ومهاراتك وقدراتك وإمكاناتك من جهة ومن جهة أخرى معرفة العالم من حولك بما يحتويه من أعمال وعلاقات ومدى استفادتك منها.
الفصل السادس
خطة العمل
ثماني استراتيجيات
1-صور عادة التخطيط: تمرن على التخطيط وذلك في كل عمل تعمله.
2-حدد طريقتك : حدد الأسلوب والمكان والزمن والأشخاص لعملية التخطيط.
3-ابحث عن مساعدة: حدد نوع المساعدة التي تحتاجها من الآخرين في مهامك.
4-كن دقيقاً: استند في خططك على حقائق ملموسة وأوضاع واقعية.
5-كن حاد الملاحظة: كن حاذقاً ومستعداً لاقتناص الفرص والاستفادة منها.
6-حافظ على بساطة الخطة : ينبغي أن تكون الخطة خالية من التعقيد أثناء تنفيذها.
7-حسن قدراتك: احرص على امتلاك أعلى مراتب المهارة والخبرة لتنفيذ خططك.
8-كن مرناً: امتلك ميزة التعديل والتغيير والتنقيح لخططك حسب ما تدعوك الحاجة والظروف.
الخطوات الأساسية للنجاح
1-التقييم : حدد موقعك.
2-الالتزام: التزم بخططك.
3-التقصي: اجمع معلوماتك للتخطيط.
4-القرار: اتخذ قرارك بشجاعة.
5-التنظيم: طور غاياتك وأهدافك.
6-التحضير: اجمع كافة الموارد المعينة.
7-التطبيق: نفذ خططك بعزيمة.
8-الإنجاز: أمسك بالحلقة الذهبية.
فكرة للتأمل
قد تكون خطوتك الأولى في تنفيذ خططك هي أهم إجراء، بل تدفعك إلى النمو والتطور المستمرين؛ لذا عليك أن تعي بدقة ما هي خطوتك الأولى ومتى تبدأ بها؟ لا بأس أن تكون الخطوة أو المهمة الأولى سهلة نسبياً حتى تكون دافعًا لك لإنجاز المهمات الشاقة، وأخيراً يجب أن تعمل على وصل المهمات بالغايات بعيدة المدى والتي تأمل في تحقيقها.
=============
الإدارة الإسلامية(1/2) *
د. حزام بن ماطر المطيري * 10/2/1424
12/04/2003
- القيم الإسلامية يجب أن تتمثل عند جميع العاملين من أسفل الهرم الإداري إلى قمته
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قد لا يكون مستغرباً أن نجد الكثير من غير المسلمين يعتقدون بعدم وجود الإدارة الإسلامية كنظرية، أو كواقع محسوس في الوقت الحاضر، وذلك لأسباب عديدة ليس هذا مجال ذكرها، إلا أن الأغرب من ذلك أن نجد كثيراً من أبناء المسلمين يشاركونهم هذا الاعتقاد، ويظنون أن الكلام عن الإدارة الإسلامية لا يعدو أن يكون كلاماً تاريخياً فقط، ولتصحيح هذا التصور الخاطئ، فإن هذا المقال يهدف إلى :
01بيان أهم أسباب الانهزام الفكري والسلوكي عند كثير من أبناء المسلمين.
02 بيان معنى الإدارة الإسلامية، وتوضيح اختلافها عن الإدارة الوضعية في الفكر والغاية والوسيلة .
الموضوع :
أولاً: أسباب الفهم الخاطئ عن الإدارة الإسلامية:
ترجع أهم الأسباب في نظر الباحث إلى العوامل الآتية:
* اعتقاد أن الإدارة مصطلح حديث ظهر في الدول الغربية، وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما نُشِر مقال عن الإدارة من قبل الرئيس الأمريكي (ودروا ويلسون) في أواخر القرن التاسع عشر، وما تبع ذلك من نظريات عمقت هذا الفهم، بدعوى إضفاء صفة العلمية على هذا الحقل، وتمييزه عن غيره من العلوم.
* سقوط الخلافة العثمانية التي كانت رمزاً للأمة الإسلامية الواحدة، وقيام الدولة التركية العلمانية على أنقاضها .
* الاستعمار الغربي، وتقسيم الأمة الإسلامية إلى دويلات، وتطبيق مبدأ " فرَّق تَسُد" ومن ثم ظهور المفاهيم القومية والاشتراكية وغيرها.
* إنشاء الجامعات الأمريكية " الكليات الإنجيلية سابقاً" في بعض البلاد العربية كمصر ولبنان، واعتبارها رمزاً للتقدم العلمي، لأنها تحقق الأهداف العلمانية التي تحققها البعثات الخارجية للدول الغربية، وخصوصاً للشباب في سن المراهقة.
* التدرج في إدخال مفاهيم العلمانية في البلاد المسلمة في المجالات المختلفة، سواء التعليم أو التربية أو الإعلام، وذلك بإضعاف دور الجانب العقائدي والإيماني وحصره على أداء شعائر تعبدية معينة، دون مجالات الحياة الأخرى .
في مجال الإدارة ظهر ذلك واضحاً في نشاطات جماعة الإدارة العامة المقارنة ( رجز وزملاؤه) في الستينيات وخلال منتصف السبعينيات، وذلك بتقسيم المجمعات إلى قسمين:
أ. زراعية: ووصفها بالنامية أو المتخلفة أو دول الجنوب.
ب. صناعية: ووصفها بالمتقدمة أو دول الشمال، وبيان أن العلاقة بينها خطية ذات اتجاه واحد من الأدنى إلى الأعلى، فما على الصنف الأول إلا تبني المنهج الغربي؛ لكي يصل إلى ما وصل إليه الصنف الثاني وفق التقسيم السابق.
الترويج لبعض الوسائل المساعدة في تحقيق الهدف السابق، بضرورة تبني مفاهيم التنمية بجوانبها المختلفة: الاقتصادية باتباع النظام الرأسمالي . السياسية باتباع النظام الديمقراطي... الإدارية بتبني النظريات الإدارية المعاصرة القائمة على المنهج العلماني، الذي يفصل بين الدين والعلم بسبب الخلفية التاريخية المرتبطة بالثورة الفرنسية والثورة الصناعية في أوروبا، لمقاومة الكنيسة في العصور الوسطى.
ثانياً : معنى الإدارة الإسلامية واختلافها عن الإدارة الوضعية:
بعد هذا التقرير الموجز للخلفية التاريخية لنشأة الإدارة المعاصرة، تجدر الإشارة إلى بيان معنى الإدارة الإسلامية، والتعليق على ذلك لبيان اختلافها عن الإدارة الوضعية في الفكر والغاية والوسيلة .
يرى أحد الكتاب المعاصرين بعد إيراد لفظ الإدارة، وبعض ألفاظ التدبير الواردة في القرآن الكريم بأن كلمة التدبير أعم وأشمل من لفظ الإدارة؛ لأنها تتحرى أصلح الطرائق للقيام بعمل ما حول موضوع معيّن، في حين أن لفظ الإدارة يقتضي التنفيذ فقط.
وهذا اللفظ شائع الاستخدام في كتابات السلف في مجال الأحكام السلطانية والسياسية الشرعية، وهو ما يميز الإدارة عن غيرها من الإدارة الوضعية المعاصرة؛ لأنه يدل على أهمية الربط بين الأمور الحسيّة والأمور المعنوية، أو بين الأمور المادية الدنيوية وبين الأمور الغيبية الأخروية.
وبناءً عليه فإنه يمكن إيراد بعض التعريفات للإدارة الإسلامية، والتعليق عليها لتأكيد المعاني والدلالات السابقة:
التعريف الأول: " هي تلك الإدارة التي يتحلى أفرادها -قيادة وأتباعاً، أفراداً وجماعات، رجالاً ونساء- بالعلم والإيمان عند أدائهم لأعمالهم الموكلة إليهم على اختلاف مستوياتهم ومسؤولياتهم في الدولة الإسلامية.
التعريف الثاني:" هي تلك الإدارة التي يقوم أفرادها بتنفيذ الجوانب المختلفة للعملية الإدارية على جميع المستويات وفقاً للسياسة الشرعية.
بالنظر إلى التعريفين السابقين يتبين ما يلي:
01 أن التعريف الأول أكثر عمومية، في حين أن التعريف الثاني أكثر دقة وتحديداً.(1/202)
02 أن السياسة الشرعية هي الإطار اللازم للإدارة الإسلامية؛ تقوم على مبادئ وأصول الشريعة المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فيما يتعلق بالعقائد والأحكام والعبادات والمعاملات، وفيما يجلب المصالح ويدرأ المفاسد عن المجتمع المسلم.
03 أن يتحلى العاملون في الإدارة - من قمة الهرم الإداري إلى أدناه- بالقيم الإسلامية وذلك في أنفسهم أولاً، وفي تعاملهم مع الآخرين ثانيا،ً سواءً كانوا رؤساء أو مرؤوسين أو مستفيدين.
04 أن تترجم السياسة الشرعية إلى واقع ملموس عند تنفيذ الجوانب المختلفة للعملية الإدارية، من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة وإدارة لشؤون الأفراد في جميع المستويات والمجالات والأجهزة الخاصة منها والعامة.
05 أهمية التكامل بين العلم والإيمان في الإدارة وغيرها وعدم الفصل بينهما؛ لأن العلم الحقيقي - في أي حقل وفق الإسلام- ينبغي أن يعمق الإيمان في النفس، وأن يزيد الخشية لله؛ طمعاً في ثواب الله وخوفاً من عذابه في الحياة الأخرى، وبالمقابل فإن الإيمان الحقيقي يشجع كل عمل صالح للعباد؛ لتعمير الكون وتحقيق معنى الاستخلاف في الأرض في الحياة الدنيا ، وبناءً عليه فإنه في حالة حدوث الفصل بينهما تصبح الإدارة علمانية.
الادارة الاسلامية(2/2) *
د. حزام بن ماطر المطيري * 20/2/1424
22/04/2003
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فقد تم في المقال السابق- الذي نشر في العدد الأول من آفاق الإدارة - بيان أهم أسباب الانهزام الفكري والسلوكي عند كثير من أبناء المسلمين، كما تطرق المقال إلى تعريف الإدارة الإسلامية، وفي هذا المقال سنتناول -إن شاء الله تعالى- توضيح اختلاف تعريف الإدارة الإسلامية عن الإدارة الوضعية (العلمانية) في الفكر والغاية والوسيلة.
- فمن حيث الفكر: أوضحنا في المقال السابق عند التعليق على تعريفات الإدارة الإسلامية وهو يختلف عن معنى الإدارة في الفكر الوضعي العلماني بجميع مدارسه التقليدية والمعاصرة، والتي تركز على المفهوم المادي البحت الدنيوي؛ دون أي ارتباط بالحياة الأخرى، وهو ما جعل نتائجه وآثاره على الفرد والجماعة تدور في حلقة مفرغة؛ منذ ظهور تلك النظريات وحتى اليوم؛ لأنها أفكار جزئية قاصرة، وإن اتصف بعضها بشيء من الشمولية فهو تجريدي وتنظيري، بحيث يصعب تطبيقه في أرض الواقع كما في نظرية النظم.
-أما من حيث الغاية: فإن الإدارة الإسلامية تسعى لتحقيق معنى العبودية لله عز وجل عملاً بقوله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وقوله تعالى: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".
بخلاف الغاية في الإدارة الوضعية فهي لا تتجاوز الإطار الدنيوي، وتحقيق الشهوات بأشكالها المختلفة، والتأثر بالشبهات التي تخلخل العقيدة وتضعفها في النفس. ومن ثم يضعف تأثيرها على السلوك فيصبح الفرد فيها مقلداً وتابعاً وإمّعة، كما جاء في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بخلاف من يعمل وفق المفهوم الإسلامي للإدارة، حيث تكون غايته إرضاء الله سبحانه وتعالى، ورسوخ ذلك في نفسه وانعكاسها على سلوكه وتصرفاته الشخصية متكاملة مستقلة، تكون قائدة لا تابعة، ومؤثرة لا متأثرة إلا بما هو حق وعدل.
- أما من حيث الوسيلة: فهذا نتيجة منطقية للأمرين السابقين، ففي الإدارة الوضعية المتأثرة بالفكر العلماني نجد أن الفكر الميكافللي هو السائد والمهيمن، فالغاية تبرر الوسيلة، وحيث إن الغايات وفق هذا الفكر تحكمها الشهوات والشبهات؛ فإن الوسائل المتبعة في هذه الحالة لا تحكمها ضوابط وقيم ومثل عليا أخلاقية، إنما تحكمها المصالح الشخصية والأهواء المادية الدنيوية.
في حين نجد أن الإدارة الإسلامية على النقيض من ذلك فهي محكومة بضوابط شرعية. فالوسائل لها أحكام المقاصد في الفقه الإسلامي. وبناء عليه فإن الوسائل المتبعة يجب أن تكون مشروعة للوصول إلى الغايات والأهداف المشروعة في هذه الدنيا، والتي تعد جزءاً من أهداف أكبر وغايات أسمى في الحياة الأخرى تتمثل في مرضاة الله عز وجل، وبلوغ الجنة والنجاة من النار. ومن ثم فإن الناس يأمنون على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم عندما يشعرون بأن من يتولى الإدارة وفي أي مستوى منا المستويات هو من هذا الصنف وهذه الشاكلة التي تلتزم بالإسلام فكراً وغاية ومنهجاً وسلوكاً، حتى لو لم تكن بينهم وبينه رابطة قرابة أو صداقة أو معرفة؛ لأن رابطة الإسلام والإيمان فوق كل هذه الاعتبارات.
|1|2|
* قسم الإدارة العامة/ جامعة الملك سعود
* أفاق الإدارة - العدد الاول - جمادي الآخر 1419هـ
=============
النجاح والبرمجة السلبية
سلمان بن فهد العودة 21/9/1424
15/11/2003
الإسلام يعتبر الإنسان هو محور الكون.
وعندما ينجح الإنسان كفرد؛ فإنه يشكل جزءًا لنجاح المجموع كأمّة، وبالتالي بناء الحضارة.
فالأمة مجموعة أفراد، والحضارة إنتاج أمة.
فكل إنسان لديه إمكانية النجاح، ولكن نجاحه يعتمد على قدرته على تفجير مواهبه.
مخطئٌ من يتصور أن النجاح يأتيه على طبق من ذهب، وإلاّ لساد الناسُ كلهم، فالدنيا قد خلقت على كدرٍ، والبعض يريدها خلواً من الأكدار!
فكيف تنجح؟
1- الثقة بالنفس:
فهي من المقومات الرئيسة لكل من ينشد النجاح، فلا نجاح بدون ثقة الإنسان بذاته.
فضعف الثقة بالنفس هو إصدار حكم بإلغاء قدرات الإنسان ومواهبه، وبالتالي الفشل المحتم!.
2- الإرادة القوية:
فالإنسان يعيش صراعاً من أجل البقاء، ولن ينتصر في هذا الصراع إلاّ من تسلح بإرادة قوية، ومن استسهل الصعاب أدرك المنى .
أما ضعيف الإرادة فلا بد وأن يهزم في معركة الحياة.
3- الطموح الدائم:
حيث يزرع في الإنسان المثابرة والجد والاجتهاد، كما يحفزه على التفكير الجاد، والتخطيط الدقيق.
4- الحيوية والنشاط المتواصل:
وهو عبارة عن الجهد المستمر الذي يبذله الشخص لإنجاز أعماله وتحقيق أهدافه في الحياة.
5-قبل ذلك وبعده التوكل على الله وحسن الظن به (ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
قواعد النجاح سبع, وهي:
* تحديد الهدف في الحياة.
* وتعرف الإنسان على شخصيته.وعدم ا لتفريط في الوقت.
* والاستفادة من تجارب الآخرين.
* والبعد عن الإسراف.
* ومقاومة التعب.
* وأخيراً التأكيد على أن يكون الإنسان متفائلاً.
البرمجة السلبية
من أهم العوامل التي أثرت على سعادة الإنسان حتى أصبح تعيساً هي البرمجة السلبية التي تعرض لها منذ طفولته من قبل مؤثرات كثيرة، منها:
الأُسْرَة :
فلأسرتك دور كبير في تشكيل سعادتك؛ فمعظم العادات السلبية أو الإيجابية يكتسبها الطفل من والدايه والمحيطين به في المنزل، فقد يكتسب الطفل الخوف, أو القلق, أو التشاؤم من والديه, أو أحدهما.
روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ".
المدرسة:
فلو رجعت بذاكرتك إلى أيام الدراسة؛ فستذكر مثلاً بعض العبارات التي ألقاها عليك بعض مدرسيك, وأثرت في نفسيتك تأثيراً عظيماً .. كقولهم :
أنت مشاكس ...
أنت غبي ...
أنت ساذج ...
وعلى الجانب الآخر ستجد أساتذة قد أخذوا بيدك, وأعطوك جرعات تشجيع؛ زادت من ثقتك بنفسك, وغيرت من نظرتك لذاتك ..(1/203)
فللمدرسة دور كبير في تشكيل سعادتك إذاً ..
الأصدقاء:
للأصدقاء دور كبير في تشكيل سعادتك؛ فأنت تتأثر بهم كما تؤثر فيهم ...
وفي الأثر يروى عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ" [رواه أحمد, والترمذي, وأبو داود, عن أبي هريرة رضي الله عنه؟].
فكثير من المدخنين؛ كانت أول سيجارة يدخنها من يد صديق ... وهذا الأمر يسري على جميع العادات السلبية والإيجابية الأخرى .
لذا فالأصدقاء أيضاً شاركوا في تشكيل سعادتك .
وسائل الإعلام:
لا يخفى على أحد أثر وسائل الإعلام في طريقة تفكير وسلوك وعادات الشعوب،
ولعل ما نراه من عادات دخيلة على مجتمعاتنا أكبر دليل على ذلك، فرأينا الطفل ذا التسعة أعوام يتغنى بالحبيب، ويتأوه من ألم الفراق!.
قد تشمئز النفس من فكرة سلبية تعرض، ولكن مع التكرار تصبح لدى البعض أمراً عادياً...
لم لا وقد تمت برمجة عقولهم بتكرار عرضها؟!.
المصدر الأخير وذو الأثر الكبير هو: أنت نفسك .
لقد برمجت نفسك برمجة ذاتية نابعة منك عن وعي, أو بدون وعي على عادات سلبية أو إيجابية.
فمن الممكن لهذه البرمجة الذاتية أن تجعل منك إنساناً سعيداً، تغمره مشاعر التفاؤل والحماس؛ يحقق أحلامه وأمانيه، أو إنساناً تعيساً وحيداً بائساً يائساً من الحياة.
وفي ذلك يقول أحد المتخصصين: " إن ما تضعه في ذهنك سواء كان سلبياً أو إيجابياً ستجنيه في النهاية ".
لذا تذكر هذه النصيحة:
* راقب أفكارك؛ لأنها سوف تصبح أفعالاً !.
* راقب أفعالك؛ لأنها ستصبح عادات !.
* راقب عاداتك؛ لأنها ستصبح طبعاً !.
* راقب طباعك؛ لأنها ستحدد مصيرك! والأمر بيد الله، فقط هذه أسباب...
أحدهم يقول: إنه يذهب إلى عمله مع شخصين:
أحدهما يتحدث دائماً عن مشكلة المواقف وصعوبتها, وعادة ما يمكث أكثر من نصف ساعة يبحث عن موقف.
والآخر يتحدث عن توفر المواقف مع كثرة الناس, وغالباً ما يجد الموقف دون عناء.
الاسترخاء
إن الحماسة المؤدية للعمل لا تتقاطع مع الأعصاب الباردة.
والعمل المستمر انتحار بطيء.
1- امنح نفسك قسطاً من المتعة، وهدوء البال، والحيوية والاسترخاء، لاسيما في أوقات خلوتك بنفسك.
2- فكّر دوماً بالأمور الإيجابية في حياتك، وتلك الأشياء التي تمتلكها وليست لدى غيرك.
3- لا توتر نفسك بمشكلات الدراسة أو العمل، واعتبرها جزءًا من الحياة.
4- لا تلتفت أبداً إلى الطعنات التي من الخلف ومضايقات الآخرين، وتقبل دوماً الأمور على ما هي؛ لأن شيئاً لن يتغيّر، فأنت لن تستطيع أن تربي الآخرين أو تغيّر سلوكهم.
5- إذا كان جدول أعمالك مزدحماً لا تقلق نفسك، وتصاب بالتوتر، ففي النهاية أنت لن تنجز إلا ما يتسع له الوقت.
6- من الأفضل أن تنفذها بنفسية جيدة؛ لتشعر بنوع من السعادة والرضا.
7- كن متفائلاً.
8- تعلّم كيف تسلم ببعض الأشياء التي جُبلت على ما هي عليه، فليس هناك أسلوب حياة أو عمل أو أسرة تخلو من المشاكل.
9- لا تنظر إلى تجاربك الفاشلة نظرة حزن أو تشاؤم.
10- اجعل الفشل دافعاً ووسيلةً لاستمرارك للوصول إلى النجاح، فالأشخاص الذين يأسرون أنفسهم في تجاربهم الفاشلة لا يمكن أن يكونوا سعداء أبداً، وتذكّر الحكمة الصينية التي تقول: "القرار السليم يأتي بعد الخبرة التي تأتي من القرار السيئ".
11- عندما تقابل صديقاً مقرّباً قُلْ له نكتة بريئة، أو اطلب منه أن يقول لك ذلك، فالابتسام والضحك يولّد بداخلنا نوعاً من السعادة والبهجة.
12- لا تجعل المستقبل مصدر قلق لك؛ لأن ذلك سيسلبك السعادة بالأيام التي تعيشها.
13- كن جريئاً في قراراتك دون تهوّر أو اندفاع، وكما تقول الحكمة: "الحياة هي المغامرة ذات المخاطر, أو هي لا شيء على الإطلاق".
14- لا تلتفت لصغائر الأمور اليومية؛ فهي لا تحتل الجزء الأكبر من تفكيرك، ولا تدعك تستمتع بمباهج الحياة.
15- اجعل أحد مصادر سعادتك القيام بشؤون والديك وإسعادهما، ومساعدة المحتاجين، أو رسم البسمة على وجه طفل، أو هرم من شيوخ المسلمين.
16- أخيراً وأولاً.. اعمل على تقوية صلتك بالله عز وجل، وليكن إيمانك بالقدر باعثاً على راحتك النفسية، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، و أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، كما قال صلى الله عليه وسلم.
ساعة استرخاء يعني: نصف ساعة من النوم.
أعط نفسك حظها الجيد من النوم 7 ـ 9 غالباً، ويختلف بحسب السن.
الحرمان من النوم يجعل الجسم مغلوباً على أمره .
وعلامة أخذ النصيب؛ أن تستيقظ نشيطاً متجدد القوى .
كيف تحسن نومك ؟
1 ـ حدد وقت الذهاب إلى الفراش.
2 ـ اجعل الفراش مريحاً ومخصصاً للنوم .
3 ـ تأكد أن غرفة النوم هادئة ومعتمة .
4 ـ تحرك جيداً في النهار .
5 ـ كُلْ بشكل صحيح .
6 ـ إذا لم يأتك النوم فلا تستعجله، قم ومارس أي عمل مناسب.
7 ـ تجربة شخصية: انخرط في تسبيح وذكر؛ وبذلك تكسب إحدى الحسنيين ولابد
============
التخطيط الإداري
13/2/1424
15/04/2003
السلسلة : سلسلة الدليل الإداري
الكتاب : التخطيط الإداري
المؤلف : Keet.konan
عدد الصفحات: 55 صفحة
الناشر :الدار العربية للعوم
فكرة الكتاب
النجاح لا يأتي عادة بالصدف أو الحظ، وإنما يتولد عن طريق ممارسة عملية تُعرف بالتخطيط الذي يمكَّنك من تحقيق أهدافك وبلوغ آمالك بخطوات ثابتة ومتزنة.
الفصل الأول
الحاجة للتخطيط
ويعتبر معظم الناس أن التخطيط أمر صعب، لأنهم يرون المتغيرات تحيط بهم، فالأمر في تَغيّر مستمر، فلذا لا حاجة للتخطيط والحقيقة التي غابت عن أذهان هؤلاء أن التغيير عامل حاضر مهم حتى يأخذ التطور مجراه.
-الانشغال بسبب الانشغال/
إن الاحتجاج بالانشغال هو عذر أغلب الناس لعدم عملية التخطيط، وهذا يدل على أنهم لم يقوموا بعملية التخطيط أصلاً، وذلك لكونهم:
01 يفتقرون إلى الثقة بالنفس أو كيفية بدء التخطيط.
02 شعورهم بالالتزامات التي يتطلبها التخطيط.
03 الظن في أن عملية التخطيط ستأخذ وقتاً ثميناً من الأوْلى صرفه في أمرٍ أهم.
وهذه الأمور ناتجة عن اللَّبس والخلط بين مفهومي الحركة والفعل، وعلاقتهما بالتخطيط. فالحركة تعني الاستجابة للأمور بشكل غير متوقع وإيجاد الحلول الفورية للمستجدات، أما الفعل فهو أمر هادف، يُحقَّق في وقته بعد التفكير، والتمحيص، والنظر.
ليس كل إنجاز يؤدي إلى النتائج المرجوة ما لم يسبق بخطة عملية تعمل على العمل بذكاء أكبر لا جهد أكبر، والحقيقة أنه بدون خطة ستصبح منشغلاً على الدوام، وهذا إما أن يجعل الأمور تحدث من تلقاء نفسها أو أن الفرص تفوتك على الدوام، وفي كل الأحوال لن تتمكن من السيطرة على شؤونك بل سيتسمر الأمر كما هو عليه بل سيزداد سوءاً.
- مهام الإدارة /
مما يميز الإدارة الناجحة:
01 تحديد ما تود إنجازه (التخطيط).
02 وضع الخطط موضع التنفيذ (التنظيم).
03 إرشاد الآخرين إلى ما يجب فعله ( التوجيه).
04 الحرص على أن يكون الإنجاز ضمن المستوى المطلوب ( المراقبة).
تعتبر عملية التخطيط حجر الزاوية التي بواسطتها تدرك ما تود إنجازه فبدونها تصبح المهام السابقة الأخرى مضيعة للوقت .
- النوايا الحسنة/
الحقيقة أن نواياك تصبح أفعالاً إذا اتخذت موقفاً إيجابياً وحازماً من عملية التخطيط، والأكثر أهمية من ذلك أن تكون ملتزماً بما خططت له. المهم أن تعتقد أن عملية التخطيط ليست صعبة، وتعتزم على البدء في التنفيذ خير من الاعتماد على الأماني والأحلام.(1/204)
الفصل الثاني
مراجعة الموقف
إذا لم تكن تعرف إلى أين تتجه فأنت عادة تصل إلى مكان آخر، لذا أعمد إلى تقييم وتحليل وضعك الحالي، والذي سيمكّنك من الانطلاق نحو المستقبل. هذا التقييم يشتمل على عدة جوانب هي :
01 نقاط القوة/
إن تحديد نقاط القوة يزيد من ثقتك بنفسك أو ثقتك بالآخرين، وإذا لم تكن هذه القوة واقعية وملموسة فسوف ينعكس ذلك على عملية التخطيط، وعليك أن تدرك أن نقاط القوة قد تكون:
أ. نقاط القوة لديك ولدى غيرك: أي ما تمتلكه أنت ومن حولك من نقاط قوة.
ب. نقاط القوة لدى المؤسسة : أي ما تمتلكه مؤسستك من نقاط القوة من حيث العمل أو المهنة.
إن إدراكك للجانبين السابقين يجعلك تفتخر بقوتك وبقوة من حولك وبقوة مؤسستك.
02 نقاط الضعف/
هي أمور لا تفضل معرفتها أو الخوض فيها ولكنها في نفس الوقت ملازمة لك، وترتبط هذه النقاط بدرجة إنتاجيتك أو إنتاجية من تعمل معهم. إنه لأمر محبط أن تشغل تفكيرك بالأمور السلبية فقط، ولكن الأولى أن تتعلم وتعرف كيف تتجاوز هذه النقاط، وأول مرحلة للعلاج هي تحديد نقاط الضعف، والتي غالباً ما تكون:
01 أن تكون أنت غير منظم فيعطيك هذا انطباعاً بعدم السيطرة.
02 أن تتحمل أكثر من طاقتك فتخل بعملك.
03 أن تعد بأمور مستحيلة فتتأخر في تسليمها .
04 أن تعترف بأن هناك أموراً ليس بإمكانك القيام بها؟
إن إدراك نقاط الضعف أول خطوة نحو تحقيق الأداء الجيد.
03 الفرص/
بعد إدراكك لجوانب القوة والضعف لديك أو لدى مؤسستك، عليك أن تنطلق عبر الخطوة الثانية إلى خارج نفسك ومؤسستك لترى الأمور والفرص التي تؤثر على عملك، واقتنص الفرص التي من شأنها أن تطور نشاطاتك.
إن تحديد الفرص المتاحة لك واستغلالها سيكفل تطوير نقاط القوة لديك، وربما تلاشي أو انعدام نقاط ضعفك.
4. التهديدات/
من الأمور التي يجب أن تضعها في الحسبان؛ أنك ربما تواجه أموراً سيئة تتمثل في التهديدات كالمناقشات وغيرها، فعليك أن تضعها في الاحتمالات المتوقعة التي ربما تواجهها عند ذلك سيكون تأثيرها محدوداً، خصوصاً إذا كان لديك خطة مسبقة للطوارئ والأزمات ، وبهذا تقلل من الخسائر والفشل.
وضع في ذهنك أن أي تخطيط يتطلب إحساساً بالطوارئ .
الفصل الثالث
تحديد الأهداف
التخطيط هو التطلع نحو المستقبل، بمعنى ماذا تريد أن تصبح؟، من المهم جداً أن تحدد الاتجاه الذي سوف تسلكه وبمعنى آخر أن تحدد الأهداف التي تنوي تحقيقها تختلف الأهداف التي تنوي تحقيقها، فتختلف الأهداف باختلاف طبيعة العمل والخدمة المقدمة، ولكن يجب أن تعي أنه بدون أهداف سوف تُبَّدد جهودك.
- إيجاد السبيل/
وهي عبارة عن التدابير المهمة التي تضمن نجاح مخططك ومن ثم بلوغ أهدافك من حيث: اتجاه وأولويات المؤسسة، المجالات المؤثرة في العمل، أدب المهنة... إلخ.
- إشراك الآخرين/
إشراك من حولك في وضع الأهداف النهائية لتحصل على الالتزام والحماس والتعهد بتحقيقها وتدفع العاملين نحو الأداء المميز.
إن هذه الطريقة تجعل كل فرد يعي -بشكل كامل- ما هو المطلوب، وما هو المتوقع منه؛ فتضمن الالتزام، وبدون هذا الالتزام من العاملين فإن الخطط تكون صعبة التطبيق، وإن طبقت فستكون محدودة النتائج .
الفصل الرابع
وضع تفاصيل الخطة
وتعتبر هذه أصعب وأهم مرحلة ألا وهي وضع الخطط موضع التنفيذ.
- تعيين النشاطات الأساسية/
تدوين نشاطاتك الرئيسية بشكل صحيح أمر مهم للغاية، يجعلك تركز أكثر على النشاطات الجوهرية.
- وضع خطة للتنفيذ/
لكي تضمن تنفيذ ما خططت له عليك أن تضع خطة مفصلة ومستقلة لكل نشاط تنوي القيام به مع تحديد الوقت الكافي والكلفة المقدرة .
-متطلبات العمل (كيف تقوم بها؟)/
وهي الأمور التي تنطلق منها أفكارك وابتكاراتك من تجارب الآخرين ومن سبقك في مجال العمل.
-جدول المواعيد/
يجب أن تحدد جدولاً زمنياً للقيام بنشاطاتك، وعليك أن تراعي في هذا الجدول الزمني أن تعطي مهلة أكبر لإنجاز العمل وتحقيق الهدف، وذلك بأن تجعل موعداً مبدئياً وموعداً نهائياً ومن خلال هذا الطريق ستجد أنك لن تتجاوز مواعيدك النهائية.
-التكاليف ( كم سيكلف ذلك ؟)/
تقدير تكاليف كل نشاط على حدة تعتبر جزءاً مهماً في عملية التخطيط، وعند جمع هذه التكاليف تشكل ميزانية لهذا المشروع. إن حساب تكاليف النشاطات المخططة يعطيك انطباعاً لجودة عملك .
-الأولوية/
نتفق وإياك على أن كل النشاطات لا تتساوى من حيث الأهمية، لذا عليك أن ترتب هذه النشاطات من حيث الأهمية عند وضعها في البرنامج الزمني.
- كتابة الخطة/
قد تنسى أو تغفل بعض الأمور المخططة، لذا أفضل طريقة لتجنب ذلك هي تدوين وكتابة ما تنوي القيام به من كل نشاط على حده، وإذا لم تكتب ما تريد فلا يمكن أن تعتبر أن لديك خطة.
الفصل الخامس
تنفيذ العمل
تعد هذه المرحلة هي مرحلة ترجمة المكتوب على الواقع، ومعرفة كيف تقوم بنشاطاتك المخططة، وهذا الأمر يتطلب منك :
- وضع نظام مراقبة يتيح لك معرفة الأمور التي أُنجزت والأمور التي لم تُنجز.
- الاطلاع على الحركة اليومية لضمان تطبيق الخطة.
- وضع خططٍ للطوارئ والأزمات عند الحاجة تجعلك أكثر استقرار .
- التصرف السريع عند حدوث أي خلل لاستعادة الأمور مسارها الطبيعي.
- تنظيم النشاطات/
عليك أولاً أن تدرك أنه كلما كان النظام سهلاً كان أكثر نجاحاً .
تعد الخطة السنوية والمفكرة اليومية أكثر الطرق فاعلية لأنها تَؤمَّن لك نظام متابعة متواصل ومرئي يجعلك تطمئن أن الأمور المخططة تسير وفق ما خطط وما ينبغي، وتعطيك مؤشرات على تقدم المخطط أو تراجعه.
- مواجهة احتمالات حدوث الطوارئ والتغلب عليها/
ليس كل ما تريد الحصول عليه تصل إليه بسهولة، في بعض الأحيان تحدث أموراً خارجة عن سيطرتنا تتطلب منك التصرف بحكمة وحنكة. هذه الأمور قد تكون سيئة، وليس الحل أن تتوقف عن إكمال المخطط؛ بل اعمل على تبديله وتعديله لتناسب مع هذه الأمور، وهذا ما يعرف بالعمل خلال الطوارئ والأزمات.
اتخاذ التدابير التقويمية/
إذا وجدت أن عطاءك ليس كما كنت تطمح، فيجب عليك أن تعالج الأمر بسرعة عالية وإلا فإن مخططك سينحرف انحرافاً غير مثمر، لذا لا تقنع نفسك أن تجاهل المشاكل يجعلها تمر؛ بل ربما زاد الأمر سوءاً ما لم تقم بإجراءات إصلاحية لتدارك الوضع.
الفصل السادس
قياس النجاح
تعتبر هذه آخر وأهم مرحلة والتي يقاس فيها مدى تطبيق خطتك بنجاح، بمعنى ما مدى إنجاز أهدافك أو غاياتك؟ وبهذا فأنت بحاجة لتعرف مدى توافق أهدافك النهائية مع خطتك.
-نقد وتقدير أدائك في التنفيذ/
إن المقارنة بين ما نفذ وما خطط له يعطيك تقييماً واضحاً حول أدائك ومن خلال هذا التقييم تستطيع أن تتعرف على مكان حصول الأخطاء، ويمكن تقييم ذلك عن طريق :
01 النوعية، والتأكد من أن العمل مساوياً لما هو مخطط له؛ أم لا؟.
02 مقدار العمل وهل هو أقل أو أكثر مما هو مخطط له؟
03 (الجدول الزمني )وهو الزمن الذي يتم من خلاله إنجاز العمل المخطط .
04 الموازنة بين الكلفة الحقيقية والكلفة المتوقعة.
- تقييم جهودك/
عليك أن تسعى لأن تؤدي جهودك المبذولة إلى نتائج عالية وهذا باختصار يجعلك تؤدي الأمور المناسبة في الوقت المناسب من خلال الأفراد المناسبين، وانتبه من الأمور التي تبدد جهودك سُدى!
فوائد التخطيط/
التخطيط هو جزء متمم للعمل، وليس أمراً إضافياً أو اختيارياً .
01 وضوح الأهداف النهائية.
02 ثقتك بأن عملك اليومي هادف.
03 قدرتك على التحليل الموضوعي.
04منهجيتك في التفكير(1/205)
05 الاستغلال الأمثل لنقاط القوة لديك وتقليل نقاط الضعف.
06انجازك للأمور ورضاءك عن أداءك
==============
اللعب بالدومينو
المجيب ... د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف ... الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه/الترفيه والألعاب
التاريخ ... 9/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم اللعب (بالدومينو) للتسلية؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن النفس البشرية بطبيعتها تحتاج إلى الراحة بعد التعب، وتحتاج إلى الترفيه واللهو المباح لتستجمّ به وتنشط إلى أداء أعمالها، وقد روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال:" إني لأستجم نفسي بشيء من الباطل غير المحرم فيكون أقوى لها على الحق ". ( قضايا اللهو والترفيه - مادون رشيد ص132).
والدين الإسلامي العظيم الشامل لجميع جوانب الحياة، الملبي لجميع احتياجات النفس البشرية اشتمل على ما يحقق للنفس فوائد الترفيه واللهو المباح، ففي قصة يوسف عليه السلام ورد على لسان إخوته قوله تعالى: "أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [يوسف:12]، وقال القاضي أبوبكر بن العربي :" اعلم وفقك الله أنه ليس في ذلك اللعب كبير مأخذ، فإن الرجل يلعب بفرسه وبأهله وبأسهمه حسبما ورد في الخبر، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجابر حين تزوج ثيباً:" هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" البخاري (2097)، ومسلم (715) .. ولعب الإخوة إنما كان على وجهين : إما مسابقة على الأرجل وإما مسابقة بأسهم، لقوله تعالى :"إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ" [يوسف:17] وليس في ذلك مأخذ بحال" (( نقلاً عن قضايا اللهو والترفيه - مادون رشيد ص72)).
وفي السنة النبوية عن عائشة رضي الله عنها قالت :" والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو "رواه البخاري (5190) ومسلم (892) (التربية الروحية في الإسلام -أحمد عبد العزيز أبوسمك ص 43-44)، وفي رواية المسند ورد قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث :" لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة، وإني أرسلت بالحنيفية السمحة".
وقال ابن حجر في الفتح:" وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد، عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال:" إنه رُخِّص لنا في اللهو عند العرس" وصححه الحاكم . (9/226).
وقد ثبتت في السنة ألوان من الترفيه واللهو المباح كالمسابقة بالأقدام والخيول والمصارعة والرمي بالسهام والمداعبة والممازحة ونحو ذلك مما هو معلوم، ونستحضر هنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم العظيم الذي يشمل التوازن في جوانب الحياة كلها في قول سلمان لأبي الدرداء :" إن لنفسك عليك حقاً، وإن لربك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فاعط كل ذي حق حقه " فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وقال:" صدق سلمان" رواه البخاري (1968) والترمذي (2413).
وقد نص علماء المسلمين على أهمية جانب الترويح المباح وفائدته في التربية، فقد أشار الغزالي إلى ذلك بقوله:" وينبغي أن يؤذن له - أي الصبي - بعد الانصراف من الكُتّاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب الكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائماً، يميت قلبه، ويُبطل ذكاءه، وينغّص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً " .
وقال ابن مسكويه :" وينبغي أن يؤذن له - أي الصبي - في بعض الأوقات أن يلعب لعباً جميلاً، ليستريح إليه من تعب الأدب ولا يكون في لعبه ألم ولا تعب شديد".
وقال ابن جماعة :" ولا بأس أن يريح نفسه - أي المتعلم - وقلبه وذهنه وبصره إذا أكل شيئاً من ذلك أو ضعف، بتنزه وتفرج في المتنزهات بحيث يعود إلى حاله ولا يضيّع عليه زمانه، ولا بأس بمعاناة المشي ورياضة البدن به، فقد قيل إنه ينعش الحرارة ويذيب فضول الأخلاط وينشّط البدن "،(التربية الروحية في الإسلام -أحمدعبدالعزيزأبوسمك ص 44-46).
ومع بيان أصل الحل والمشروعية في الترفيه واللهو المباح فإنه ينبغي معرفة جملة من الأمور وهي:
1- أهمية الوقت والعمر: إن العمر قصير، والوقت ثمين، والإسلام يجلي أهمية الوقت، ولزوم اغتنامه، ويحدد وجوه الانتفاع به، فالله تعالى يقول: "وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً" [الفرقان:62]، وإذن فالحياة والعمر ينبغي أن يشغل بالذكر والشكر، والله سبحانه وتعالى يقول: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات:56] فهذه غاية الحياة التي ينبغي أن يستغل فيها الوقت ويستثمر، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يكشف عن الخسارة الفادحة في تضييع الوقت بقوله:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ" رواه البخاري (6412) ويأتي التذكير والتحذير منه فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أعذر الله إلى امرئ أخّر عمره حتى يبلغ الستين" البخاري (6419)، وكلنا يعلم أننا بين يدي الله موقوفون، وعن أوقاتنا وأعمالنا مسئولون كما قال صلى الله عليه وسلم :" لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ما عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه"رواه الترمذي (2417)، فالوقت إذن أثمن من أن يضيع في غير ما ينفع.
2- أهمية الجد والعمل: والإسلام يحث على العمل فالحق جل وعلا يقول:"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" [التوبة:105]، ويبين أثر العمل في الجزاء بقوله:" هل تجزون إلا ما كنتم تعملون"[النمل:90] وقوله:"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" [الرحمن:60]، وما أكثر الآيات التي تقرن بين الإيمان والعمل الصالح، ويضاف إلى ذلك أن الجد في العمل وتحمل المسؤولية أمر مهم فالله جل وعلا يقول: "يايحيى خذ الكتاب بقوة" [مريم:12] ويقول :"خذوا ما آتيناكم بقوة" [البقرة:63]، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"رواه مسلم (2664)، ويحث على الجدية والاتقان فيقول:" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" رواه البيهقي في شعب الإيمان (4/334) ، ويبين استمرارية العمل إلى آخر لحظة في العمر فيقول:" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم إلا أن يغرسها فليغرسها " رواه البخاري في الأدب الفرد (479) وأحمد (12902)، فالمسلم منقلب بين عمل دينه ودنياه في جد وعزم لأن الله جل وعلا يقول: "فإذا فرغت فانصب" [الشرح:7] .(1/206)
3- أهمية النفع والإنتاج:المفهوم الإسلامي يوضح أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنها ممر والآخرة مقر، وأن المسلم عليه أن يعمل لأخراه، وأن يحقق النفع في دنياه، وأن يحسن عمارة الدنيا وقيادة الحياة :"وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه" [الجاثية:13]، "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" [الملك:15]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على النفع العام فيقول :" ما من مسلم يغرس غرساً " البخاري (2320)، ومسلم (1552) فأمتنا الإسلامية اليوم متأخرة عن غيرها في العلم والعمل والإنتاج، لتفريطها في اغتنام الأوقات، والجد في الأعمال، فحري بكل مسلم أن لا يضيع وقته، أو يقصر في عمله، أو يقلل من إنتاجه .
وفي ضوء ما سبق فإن الترفيه واللهو إن كان مباحاً فينبغي أن يراعى فيه ما يلي :
1- أن لا يشغل عن عبادة وطاعة واجبة بتضييعها أو تأخيرها .
2- أن لا يستغرق أوقاتاً طويلة تضيع سدى دون فائدة .
3- أن لا يتخذ ديدناً وعادة يفرغ لها وقت دائم ومنتظم .
4- أن لا يشغل عما هو أولى منه وأكثر أهمية في تحقيق المصالح الدينية والدنيوية .
5- أن لا يصاحبه محرمات كالرهان والقمار أو السباب والخصام ونحو ذلك .
وأما بالنسبة للسؤال عن الدومينو فإن كان المقصود بها اللعبة المشهورة باسم ( الضومنة أو الدومنة) التي فيها قطع بيضاء كل واحدة مقسومة إلى قسمين فيها نقاط سوداء تبدأ من الصفر وتنتهي إلى ستة فهذه اللعبة على الطريقة المعتادة فيها ليست محرمة، وفيها بعض الذكاء للوصول إلى الفوز، كما أن فيها مع الذكاء التعاون للوصول إلى الفوز، في حالة لعب أربعة أشخاص كل اثنين منهم فريق .
وإما إن كان المقصود بالدومينو اللعبة التي فيها مربعات وقطع محددة ذات لونين لكل لاعب لون وتتحرك هذه القطع في مسار قطري يكون الفوز لصاحب القطع التي تأكل أو تخرج القطع الأخرى شيئاً فشيئاً حتى تخرجها جميعاً ففي هذه اللعبة ذكاء وتيقظ والذي يظهر أنه لا حرمة فيها .
وأما إذا اقترن باللعبة - على كلا المعنيين السابقين - رهان كأن يقال المهزوم يدفع كذا وكذا من المال فهذا حرام، أو تفرض أمور غير لائقة أو فيها ضرر كأن يقال المهزوم يخلع ثيابه أو يبقى واقفاً ونحو ذلك فهذا يدخل في دائرة المكروه لاشتماله على إيذاء المسلم أو إهانته، وكذلك إذا اشتملت اللعبة دائماً على نزاع وخصام وسب وشتم ونحو ذلك فالمنع لأجل هذه الأمور .
وعلى العموم فالمسلم صاحب الرسالة وحامل الأمانة ومبلغ الدعوة لا ينبغي أن ينشغل بهذه الألعاب ولا أن يضيع وقته فيها وعليه - إن كان ولا بد - أن يقتصر على أقل ما يمكن ليحصل له الترفيه ويقبل على العمل والجد والانشغال بمعالي الأمور وحمل همّ الأمة والحماس لإصلاح الأحوال.
وأخيراً نذكر بأن أعداءنا والمتأثرين بهم من أبنائنا قد بالغوا في الترفيه واللهو بتنويع وسائله وتكثير برامجه وتطويل أوقاته فضلاً عن اشتماله - في الغالب - على المحرمات الكثيرة، وأصبحت صناعة الترفيه - وخاصة في القنوات الفضائية - مالئة الدنيا وشاغلة الناس، فضيعت أوقاتهم وأفسدت أخلاقهم وبددت طاقاتهم، وقد تزايدت هذه الوسائل وتفننت في الإغراء والإغواء والابتكار الذي يجذب إليها ويشغل بها، والمسلم ينبغي له أن يجتنب كل محرم ويترفع على كل تافه من الأمور والاهتمامات .
والحمد لله رب العالمين ونسأل الله جل وعلا أن يهدي الجميع إلى سواء السبيل .
===========
الحركة الإسلامية .. ما بعد المراجعات
جمال سلطان 12/8/1424
08/10/2003
( 1 )
الحركة الإسلامية في جوهرها ظاهرة اجتماعية، تفرزها أوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية في لحظة تاريخية معينة، وتصبغها بصبغتها، بكل ما يعمل فيها من مشكلات وقضايا وتحديات وطموح مجتمع ، صحيح أن الوجهة تختلف في الاختيارات ولكن الصبغة العامة ومدارات العمل والوعي تصبغ الجميع بصبغتها، ولذلك وجدنا أن الحركة الإسلامية في مرحلة السبعينيات الميلادية تختلف إلى حد كبير عن الحركة الإسلامية قبل عام 1952 حيث وقعت حركة الضباط الأحرار بقيادة محمد نجيب وجمال عبد الناصر، الحركة الإسلامية قبل الثورة كانت تصطبغ بصبغة البراءة التاريخية لمجتمع بكامله، يعيش لحظات القلق من غياب دولة الخلافة وظلالها الروحية الجميلة، رغم خوائها منذ عقود، ويبحث عن مستقبل جديد للإسلام والمسلمين، وهو الأمر الذي هز المجتمع في مصر والجزيرة العربية والشام والهند والمغرب العربي، كما كانت هناك تحديات وجود الدولة تحت الاحتلال الصريح، كذلك وجود حياة سياسية تعددية وانفتاح صحافي مع تقاليد وقيم لها قدسيتها لدى الجميع، وحوار ثقافي كبير وتوازنات في القوى بين كتل كبيرة: القصر والوفد والإنجليز، وتحديات طارئة ولكن مصيرية، مثل: الحرب في فلسطين، وتنامي العمل السري والعلني في الحياة السياسية، ومستوى في العنف والعنف المضاد بين القوى المعارضة والسلطة سرية وعلنية في حدود آمنة إلى حد كبير حيث لم تعرف الأمة مستويات التعذيب المروعة التي عرفتها بعد ذلك وأصبحت عرفاً في عمل الأجهزة الأمنية وتقليداً من التقاليد، كما كان هناك انبعاث قوي لمؤسسة قضائية فتية ولكنها مستقلة، وأوجدت لها في وقت قصير تقاليد وهيبة، وعرفت ـ كما عرفت مؤسسات أخرى ثقافية وغيرها ـ شخصيات من الوزن الثقيل والتاريخي، كل هذه الأجواء صبغت الحركة الإسلامية قبل الثورة بصبغتها، حيث كانت حركة دينية تثقيفية لها تقاطعاتها السياسية بشكل عرضي وليس جوهريا ، ولها حساباتها ومصالحها التي حاولت اللعب عليها بين توازنات القوى القائمة، كما كان لها توجه متأخر للعمل العسكري الذي يحمل مشروعية وطنية في ذلك الوقت بحكم وجود قوى احتلال ووجود التحدي الصهيوني الجديد في فلسطين ، ولكن ربع القرن الأول الذي عاشته الحركة منذ تأسيسها إلى قيام حركة 52 ، لم يساعد أبداً على بلورة رؤية واضحة لمشروع متكامل، ولا مناهج عمل، ولا أفق مستقبلي يستوعب حال الأمة وحال التحولات الدولية الجديدة، كان ربع قرن بمثابة البحث عن طريق وعن هوية وعن صيغة للوجود في المجتمع الجديد، وهو الأمر الذي يلحظ الباحثون انعكاسه في كتابات وأحاديث الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ، وموقفه من الأحداث ومن الشخصيات ومن الأحزاب ومن القصر، وتأملاته في رسالة الإخوان وأهدافهم وفي كل ذلك تباينات في الرؤية والموقف يراها البعض تناقضاً، ولكنها ليست تناقضاً بقدر ما هي حال قلق فكري ورحلة البحث عن طريق وعن أفق جديد للأمة في مرحلة ما بعد الخلافة ، كانت حركة الشيخ البنا في حالة تبلور دائم ، لأنها حالة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الإسلام من قبل ، وأتت حركة 52 والصدام الكبير لحركة الضباط الأحرار مع الإخوان وحقبة السجون، وتغييب الحركة قرابة ربع قرن آخر داخل أقبية السجون في عزلة تامة عن الواقع وعن العالم؛ لكي يقطع هذا التنامي في الوعي ويمنع بلورة الرؤية المأمولة، وتتحول تأملات الحركة إلى الانكفاء على الماضي ومحاولة استحضاره للحفاظ على الوجود .
( 2 )(1/207)
عندما خرجت الحركة الإسلامية من غياهب السجون في بداية السبعينيات على مراحل انتهت في عام 75 ، خرجت مثقلة بأمور كثيرة ، منها غياب الرؤية للمستقبل، وعدم بلورة منهجية للعمل الاجتماعي والسياسي، ومنها غياب الفهم للواقع الجديد والتحولات التي طرأت على المجتمع المصري ، ومنها انقطاع تراكم الخبرة في العمل الدعوي والعمل الفكري والتواصل مع فعاليات المجتمع المختلفة، بالمقابل كان النظام السياسي الجديد الذي قاده الرئيس السادات يريد ـ كعادة النظم الجديدة ـ أن يعلن عن انتهاء حقبة بصراعاتها وحساسياتها ودخول حقبة جديدة بعيدة عن ثارات الماضي وصراعاته السياسية ، فكان من الطبيعي أن يبعث برسائل إيجابية إلى قيادة الإخوان المسلمين يطمئنهم على وقف الملاحقات وإفساح المجال لهم للنشاط الاجتماعي والديني والسياسي أيضاً ، وصلت الرسائل من خلال وسطاء منهم محمد إسماعيل "محافظ أسيوط" وعثمان أحمد عثمان وغيرهم ، وكان هذا التوجه من السادات محاولة لتحجيم النشاط الطلابي الناصري واليساري في الجامعة تحديداً في ذلك الوقت والذي كان يؤذيه ويهدده، وهو غير راغب في الصدام المباشر معه مع استعدادات الحرب المصيرية التي وقعت في 1973. الانفتاح الكبير الذي فوجئت به الحركة الإسلامية في ذلك الوقت لم تكن أصلاً على استعداد لاستيعابه وهضمه، وبالتالي استنزفت الحركة جهدها في ذلك الوقت في إحياء مهرجانات خطابية في الجامعات المختلفة والتوسع في حركة النشر للكتب وإعادة إصدار مجلة الدعوة والبحث عن رصيد جديد من الجيل الجديد في الجامعة لضمه إلى الجماعة، لكي يجدد شبابها نظراً لعجز الشيوخ عن فهم الواقع الجديد والتفاعل معه، وتفضيل الكثيرين للخروج من مصر كلية للعمل في الخليج بحثاً عن الرزق وعن الأمن ، وكان الشيخ مصطفى مشهور ـ رحمه الله ـ يعاني كثيراً في هذه الفترة في إقناع قيادات في الجماعة ممن انطووا على أنفسهم في القرى والنجوع والمحافظات بالعودة إلى النشاط، وإقناعهم بأن لديه رسائل إيجابية من الرئيس السادات شخصياً ، وكان غياب الأفق والوعي بتحولات المجتمع وغياب الرؤية المنهجية المتوازنة للتعامل مع الدولة ومؤسساتها قد أضاع على الحركة وعلى الدولة معاً فرصة إجراء مصالحة تاريخية تندمج فيها الحركة الإسلامية في مؤسسات الدولة المختلفة، وتصبح رافداً من روافدها، في المؤسسة الدينية الرسمية أو المؤسسة الإعلامية أو المؤسسة الثقافية أو المؤسسة التعليمية أو غير ذلك، فانتهى الأمر باستهلاك الوقت والجهد في "زبد" ذهب جفاء مع أول صدام أو خلاف وبقيت عزلة الحركة وخسارتها وخروجها من توازنات القوى الحقيقية في المجتمع.
( 3 )
كانت المشكلة الرئيسة في تلك المرحلة هي غياب "منهج فكري" متوازن وفعال يمكن أن تتأسس عليه حركة إسلامية جديدة، ويمكنه أن يستوعب التحولات الجديدة في المجتمع المصري والمنطقة العربية والعالم كله، كما غاب المفكر الفذ، كما أن الحركة وقعت في مأزق الصدام مع توجهات فكرية أخرى منها مجموعة الشيخ سيد قطب ـ رحمه الله ـ والتوجهات التكفيرية الجديدة، وظهرت رسالة "دعاة لا قضاة" كرد فعل على هذه التوجهات المغايرة، والعجيب أن يكون هذا هو الإسهام الفكري الوحيد الذي يمكن وصفه بالجديد في تلك المرحلة، ولكنه هو الآخر خرج من رحم السجون وحمل بصمة الرغبات الأمنية، الأمر الذي حال بينه وبين قبوله من الأجيال الجديدة على النحو الذي سنوضحه، كما أن الكتابات التي تصدر كردود أفعال ليس من طبيعتها بناء أفق مستقبلي جديد، وكان الخطأ الكبير في ذلك الوقت يتمثل في اندفاع الحركة لتصفية خصومتها مع الحقبة الناصرية بالحديث عن وقائع التعذيب وأهواله وتفاصيل مروعة حول إهانة المقدسات بما فيها القرآن وإهانة آدمية الإنسان، وللأمانة فإن هذا التسجيل لوقائع الفترة هو حق أصيل لأصحاب التجربة، ولكن المشكلة وقعت عندما توسعت الحركة في نشر الكتابات في هذا المجال في الوقت الذي عجزت فيه عن أن تخرج للأجيال الجديدة رؤى فكرية وسياسية جديدة، وأن تبلور لهم وعياً جديداً في التفاعل الإيجابي مع المجتمع ومؤسساته ومع مؤسسات الدولة أيضا، فهنا اختل توازن البناء النفسي والفكري للأجيال الجديدة، وترسخت مناطق الفراغ التي تمدد فيها فكر غير مكتمل لنضجه السياسي والاجتماعي والدعوي ، فانتهى الأمر بتعزيز نزعة تكفير السلطة وتنفير الجيل الجديد من الدولة ومؤسساتها، وترسيخ مشاعر عدوانية تجاهها ـ أيا كانت السلطة التي فيها ـ والنظر إلى الدولة على أنها عدو للتوجه الإسلامي إن لم يكن للإسلام نفسه، واشتهاء الصدام مع أجهزتها الأمنية وإظهار الصلابة أمامها، وبإيجاز؛ تعزيز الشعور لدى الجيل الجديد في الحركة الإسلامية بأنهم كيان مغاير ومفاصل للدولة، وبديل كامل لمؤسساتها وأجهزتها، والنظر إليها على أنها "عدو" أياً كانت الصيغة التي تعبر بها عن هذا الشعور وتلك الرؤية، وكانت هذه لحظة فاصلة في التأسيس للحقبة الجديدة للحركة الإسلامية التي تعيشها حتى الآن، وهي الحقبة التي تميزت بالشحن العاطفي الكبير والفراغ الفكري الكبير أيضاً ، والثراء الفكري الوحيد الذي نشط في تلك الفترة كان في دحض الأفكار الشيوعية والعلمانية على الصعيد الثقافي، ولكن الأمر لم يتعد إلى بلورة رؤية شاملة للموقف الإسلامي العملي الذي يمكن أن يتأسس عليه حركة الجيل الجديد في علاقاته بالمجتمع وبالدولة وبالأقليات وبالقوى السياسية المختلفة وبالسلطة وأجهزتها وبالأحداث الدولية الجديدة.
( 4 )(1/208)
الموقف الجديد للإخوان المسلمين في السبعينيات قدم خدمة كبيرة لتيارات الغلو الفكري الجديدة وحرث لها أرض المجتمع المصري، مثل جماعة المسلمين "التكفير والهجرة"، وهي التي حملت بقدر كبير من الكراهية للدولة وللنظام؛ لأن هذه الحركة التي قادها شكري مصطفى ـ رحمه الله ـ تمددت في الفراغ الذي صنعه الإخوان في السبعينيات، والمتابع لتطورات حركة شكري يجد أن منهجها التكفيري لم يكن بهذا الوضوح والاكتمال، وإنما ظل يبلور الفكرة وينميها بعد خروجه من السجن وساعده على ذلك اغتراب الكثير من قيم المجتمع المصري آنذاك عن الإسلام وكذلك ـ وهو الأهم ـ حالة الفراغ الفكري مع الشحن العاطفي التي أوجدتها الإخوان. ويمكنني القطع ـ كمعايش لتلك المرحلة ـ أن حركة التكفير كانت حالة عاطفية أكثر منها حالة فكرية، كانت تعبيراً عن مراهقة فكرية وتنظيمية وسياسية ، تتميز بروح التجرد والإخلاص الشديد والصفاء النفسي والروحي ، لكنها تفتقد الوعي المتوازن بالواقع وحساباته ، وتتأسس رؤاها وأفكارها على هواجس المؤامرات والغموض والتفسير غير العقلاني للظواهر السياسية والاجتماعية ، وبالمناسبة فهذه المراهقة هي التي دمغت معظم التنظيمات الإسلامية الجديدة التي عرفتها مصر في تلك الفترة بما في ذلك حركتي الجهاد والجماعة الإسلامية ـأهم وأبرز تنظيمات هذه الفترة ـ، كما كان ذلك هو طابع الحركة السلفية المصرية رغم تميزها بالاعتدال الفكري ، ولكن الموقف من المجتمع والواقع وتوازناته وتيارات الفعل فيه وحوله كان شديد السذاجة ، وقد ساعدت حالة الفراغ التي تمدد فيها تيار التكفير على سرعة تنامي وتمدد هذا التيار، ومن ثم سرعة تشققه وانبعاث شظايا كثيرة منه كل منها يغالي أكثر من صاحبه في دعوى التكفير، حتى إن مصر كانت تعرف في السبعينيات عشرات التنظيمات الصغيرة التي تتبنى فكر التكفير، وكلها تقريبا انزوى وتلاشى مع نهاية السبعينيات وبداية مرحلة جديدة .
( 5 )
روح الهيمنة التي تحركت وِفْقَها القيادة الجديدة للإخوان في مرحلة السبعينيات، ومحاولتها إحياء الجماعة بعد مرحلة الكمون الطويلة في السجون؛ أفرزت أوضاعاً جديدة ، كان في مقدمتها تمرد قطاعات كبيرة من الشباب الإسلامي في الجامعة على هذه الروح، لقد كانت القيادة الجديدة للإخوان غير مستوعبة لأن مرحلة الانبعاث للحركة الإسلامية قبل حركة يوليو قد انتهت، وأصبحت هناك تصورات جديدة وطموحات جيل جديد ونمط تربوي وعلمي جديد، وبالتالي أصبحت التعددية في المحيط الإسلامي واقعاً لا مفر منه، وهو الأمر الذي لم تدركه القيادة الجديدة؛ فتسارعت وتيرة الاحتواء في جيل السبعينيات وتسارعت عمليات الصدام مع من رفضوا روح الهيمنة الجديدة ، وخاصة أن التراث السلفي كان له حضوره القوي في الواقع الجديد ، وقد بدأت نزعات الاستقلال عن الإخوان تتبلور مع الوقت في إبراز أهم ظاهرتين طوال حقبة الثمانينات فيما بعد ، وهما تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية ، وكلتا الجماعتين انطبعتا ـ سياسيا وعاطفيا ـ بالأساس النفسي والفكري الذي رسخته دعوة الإخوان في السبعينيات ، فهناك عاطفة كبيرة في التوجه نحو الإحياء الإسلامي في القيم، والالتزام بالهدي الظاهر والولاء لكل ما هو إسلامي، وهناك أيضا الخصومة التقليدية مع " الدولة " وتشخيصها بمؤسساتها في وصف "العدو"، وهناك بالمقابل رغبة في التغيير دون وجود وعي واقعي أو خبرة سياسية تقود هذه الرغبة، حتى إن الموقف من قضايا كثيرة في العمل السياسي والاجتماعي -مثل: الأحزاب، والانتخابات، والبرلمان، والإعلام، والنقابات، وغير ذلك- كان مضطرباً جداً في وعي الحركتين، وهناك ميل كبير لمقاطعة هذه المؤسسات جميعاً أو حتى تكفيرها، إما باعتبارها أدوات للنظام غير الإسلامي، وإما باعتبارها معينة على التأسيس للشرعية الوضعية، وبالتالي كان البحث عن "الخلاص السريع" هو الفكرة المحورية في فكر التنظيمين، والخلاص السريع طريقه واحد وهو "العمل المسلح" فتلاقى الطرفان: "الجهاد ، والجماعة" على الحل على النحو الذي شاع في أدبيات التاريخ لحادثة 1981 الشهيرة، والتي انتهت بمقتل الرئيس السادات، وفشل مشروع التغيير بكامله، ودخول الكوادر الرئيسة للجماعة والجهاد في غيابات السجون لتتكرر تجربة الإخوان القديمة، ولكنها هنا كانت أكثر مأساوية؛ لأن فترة حضانة التجربة لهذه الكوادر لم تتعد سنوات قليلة، بعضها لا يتجاوز سنتين أو ثلاث قبل القبض عليهم ودخولهم السجن الطويل، فلم تكتمل معهم ملامح خبرة عملية، ولم تتح لهم الفرصة لمزيد من الاحتكاك والتجربة البعيدة عن العنف، وبوضوح أكثر لم يكونوا قد تجاوزوا مرحلة "المراهقة" السياسية، وهو الأمر الذي انعكس بعد ذلك على أمرين: دوامات العنف المروعة من قبل كوادر جديدة لم تنضج بعد وراثتها لقيادات الحركة السجينة، والأمر الآخر هو فقدان التوازن في المراجعات الجديدة التي صدرت عن الجماعة بعد قرابة ربع القرن من معانات السجن والعزلة الاجتماعية والسياسية .
( 6 )(1/209)
أتت المراجعات الأخيرة للجماعة الإسلامية لكي تضع حداً لمسألة العنف في العمل السياسي داخل مصر بوصفه عملاً غير مشروع وغير منتج أيضاً سياسياً ، كما أن انعكاساته الاجتماعية خطيرة للغاية على عموم المجتمع وعلى أبناء الحركة الإسلامية وأسرهم أيضاً، كانت المراجعات الأولى التي صدرت في كتب أربعة متوازنة إلى حد كبير، وهي عبارة عن تصحيح بعض المفاهيم الشرعية التي تعلقت بها قيادات الحركة في ريعان الصبا وبدايات الطريق، وقت عصف العاطفة، ومن ثم قوبلت هذه المراجعات بارتياح واسع من قبل أطراف عديدة داخل المحيط الإسلامي وخارجه، خاصة وقد انعكس الأمر بالفعل على الواقع؛ فتم تسجيل غياب تام لأي أحداث عنف داخل مصر منذ سنوات عديدة، ولكن المشكلة وقعت بعد ذلك الجهد العلمي الذي من الواضح أنه استغرق وقتاً حتى ينضج ويتم إخراجه بهذه الصورة، المشكلة وقعت عندما بدأ الاشتباك بين هذه المراجعات وأصحابها، وبين الواقع المعاصر وتحدياته وأحداثه وأشخاصه، وذلك من خلال حوارات صحفية وبيانات وكتابات جديدة صدرت أو هي في طريقها للصدور، ففي هذه المرحلة بدا أن الأمر مشكل كبير، وأن المراجعات كانت محصورة في إطار فقهي نظري وجزئي مرتبط بتصورات خاصة بالجماعة في مرحلة تاريخية معينة، ولكن المراجعة لم تنجح في إعطاء صورة عن أفق جديد أكثر رحابة سياسياً واجتماعياً وثقافياً محلياً ودولياً ، ولم تنجح في إعطاء الرأي العام الإسلامي تصوراً مفهوماً عن هوية الجماعة ودورها ورسالتها المستقبلية، ولم تبلور منهجية واضحة للعمل الإسلامي؛ بل إن التصريحات التي صدرت بعضها كشف عن ارتباك كبير في الموقف السياسي وسوء تقدير لحساباته، حتى الموقف التاريخي، مثل الموقف من تجربة الرئيس السابق السادات وسياساته وظروف رحيله، حيث جاءت الكلمات صادمة ليس فقط للشعور الإسلامي العام؛ وإنما لمشاعر كثير من القوى الوطنية، حيث كان هناك ما يشبه الإجماع على إدانة سياسات الرئيس الراحل الداخلية والخارجية على حد سواء ، كما أن الوقوف في "مراجعات الجماعة" عند حد التوصيف "الديني" للمسألة بالمفهوم الضيق لهذا الوصف مجردة من بعدها الواقعي والسياسي وسياقها التاريخي ، هو أمر لا يصب في زاوية الثقة بوعي جديد متوازن وشامل، كذلك دخول قيادات الجماعة في مهاترات عنيفة وحادة مع أشخاص أو قوى مخالفة لها في الموقف أو الرأي؛ هو أمر يدل على غياب الحكمة السياسية، وأيضا تكلف الخوض في صراعات فكرية وسياسية مع قوى في أطراف الأرض المختلفة قامت بأعمال نختلف معها فيها هو أمر مثير للدهشة، خاصة وأن من يخوض في هذا الجدل هو سجين سياسي مغيب خلف الأسوار وبعيداً عن الواقع المباشر بحساسياته وحساباته مدة ربع قرن من الزمان، فالأجدى أن تنتظر حتى تملك حريتك وتستعيد تواصلك مع الواقع المحلي والدولي ثم يكون لك موقفك من هذا أو ذاك، أيضا التوغل البعيد في التأصيل العقدي لقضايا شرعية خلافية وتكلف وضع منهج جديد للجماعة فيها تتميز به عن غيرها في قضايا الحاكمية أو تجريد الإيمان من كونه تصديقاً وقولاً وعملاً، وقصر جوهر الإيمان على التصديق وغير ذلك هو مسلك خطير؛ لأنه يؤسس لحالة "الطائفة" كما عرفها التراث الإسلامي ، أو الفرقة بالمفهوم الآخر، وهو أمر لو تعزز بعد ذلك سيفضي إلى إخراج الجماعة من إطار كونها حركة إصلاح سياسي واجتماعي وديني إلى كونها "فرقة" إسلامية ذات تصورات عقدية خاصة بها مهما استحضرت من تراث الفرق السابقة.
( 7 )
مراجعات الجماعة الإسلامية حدث مهم في لحظته، وما أنتجه في الواقع المحلي المصري، ولكن الأحداث المحلية والدولية وتسارعها من شأنه أن يقلل من أهمية الحدث، ويطرح قضايا جديدة لها أهميتها وأولويتها في الساحة المحلية والدولية، ولذلك من المهم للجماعة أن تتمسك بمبادرتها لوقف العنف والتأسيس العلمي لمنع هذا العنف، هذا هو المطلوب الآن، وأما أي اجتهادات أخرى تتقاطع مع الحدث المحلي والدولي فإنه سيكون "توريطاً" للجماعة وخصماً من مصداقية مبادرتها الأصلية أيضاً، فالقضايا التي تنزهت عنها سيوفها لا تورط فيها ألسنتها، كما كان موقف السلف الصالح من الفتنة، كما أن الكثير من الأحداث والتطورات الجديدة تحتاج إلى معرفة مستفيضة بخلفياتها وحساباتها وهو أمر غير متاح للسجين في سجنه مهما طالع من صحف أو مجلات، فهي لا تغني عن خبرة المعرفة بالواقع المباشر، وتبقى الجماعة بحاجة إلى وقت مناسب لمدارسة المستقبل، بعد دراستها للماضي، والموقع الذي ترى نفسها فيه من خارطة السياسة المحلية، والدور الذي يمكنها تأديته لخدمة المجتمع والأمة، ومنهجية الإصلاح السياسي والاجتماعي والديني التي يمكن أن تنتهجها في ذلك المستقبل، وعلاقتها بالآخرين داخل الساحة الإسلامية وخارجها ، فالمراجعات ـ حتى الآن ـ حددت علاقة الجماعة بالسلطة، وتحديداً بأجهزتها الأمنية، ولكن المراجعة لم تصل إلى تحديد العلاقة المستقبلية بالمجتمع وفعالياته ونشاطاته الأهلية وبالدولة ومؤسساتها وبتيارات العمل الوطني وفصائل العمل الإسلامي ، هذه هي التحديات الأهم الآن لدى قيادات الجماعة والجهاد، والتي تحتاج إلى مدارسة واستشارات وحوارات جادة ، وليس الدخول في مهاترات مع كل مخالف، أو الانشغال بالنقد لسلوك هذا أو ذاك ، أو تكلف البحث عن مبررات شرعية أو مصلحية لتبرير سياسات وتبرئة أصحابها ، أو المزايدة على قوى سياسية متحالفة مع مؤسسات رسمية لتكون ملكية أكثر من الملكيين أنفسهم.
إن الوقت ما زال متاحاً أمام مثل هذا الجهد الخلاق والضروري، والفرصة ما زالت متاحة، ولكن أخشى أن تكون "عواطف مرحلة المراجعات " واضطرابات مرحلة النقد الذاتي ، والاسترخاء أمام الاحتفاء المصطنع إعلامياً ببعض التصريحات، عائقاً أمام هذه النقلة الجديدة، ومحبطاً لآمال الكثيرين من أصدقاء الجماعة والمشفقين عليها في قدرتها على تجاوز المحنة والدخول بقوة وثبات ووعي في صياغة مستقبل أكثر رشداً للعمل الإسلامي
=============
الطريق إلى السعادة
أحمد عمرو
افعل ما ينبغي عليك فعله
"للوقت ثلاث خصائص: سريع الانقضاء، الذي مضى منه لا يعود، وأنه أنفس وأغلى ما يملكه الإنسان" هذا ما ذكره الشيخ القرضاوي في حديثه عن أهمية الوقت.
وترجع نفاسة الوقت إلى أنه وعاء لكل عمل، هذا الوعاء أو هذه المادة يحتار الناس فيما ينفقونها، وما أهم الأشياء التي يجب ملء هذا الوعاء بها.
هناك من يحاول ملء هذا الوعاء بكثير من الأشياء، ومنهم الذي يشتكي من فراغ وعائه ويبحث عن أشياء لملئه، وفي الأشياء ما هو ذا قيمة ومنها غير ذلك.
وفي مطالعتك لهذا المقال تستطيع تحديد بوصلتك تجاه الأشياء الجديرة بالأهمية، فكثير من الناس يقومون بملء أوعيتهم بأشياء أقل أهمية، وإذا بالأمور الهامة لا تجد لها مكانًا.
الصراع بين المتاح والاهتمامات
رشا طبيبة ذكية قادرة على عمل الكثير وهي دائمًا موفقة في عملها وتميل إلى الأعمال والمشاريع الدعوية، بجانب النوافل التي تحب أن تقوم بها.
كانت مشاعر الأمومة تتوقد في نفسها، وترغب كثيرًا في الحصول على طفل صغير يفجر داخلها معاني الدفء والحنان.
يقول زوجها: بعدما رزقت رشا بمولودها الأول ورغم ساعدتها به إلا أنها أتتني قائلة: أنا متضايقة جدًا، فأنت تعرف كم كنت مشتاقة لهذا الطفل، لكنه يأخذ تقريبًا كل وقتي، بحيث لا يمكنني فعل أي شيء آخر، وهناك أشياء لا بد أن أقوم أنا بها.(1/210)
لا شك أن تلك الفجوة بين المتاح من الوقت وبين ما هو مطلوب تحقيقه تمثل مشكلة حقيقية بالنسبة للكثير من الناس.
ولعل الأساليب التقليدية في إدارة الوقت والتي تقوم على فكرة عمل الكثير من الأعمال في وقت أسرع. تزيد الأمر سوءًا بدلا من محاولة حله.
إن الأساليب القديمة تقوم على مبدأ الأكفأ أو الأسرع. فهي تقوم على فكرة الساعة وأنك في صراع مع الوقت.
لكن السؤال الذي يبقى محيرًا هو: إلى أين تتجه بهذه السرعة الكبيرة؟
فالأهم من سرعة انطلاقك وهو معرفتك الهدف الذي تريد الوصول إليه.
إن الحصول على السعادة غاية ينشدها الكثير، وتقوم مشاعر الرضا عن الأدوار التي تقوم بها في الحياة، بجانب كبير في الوصول إلى ذلك الإحساس.
فالحياة لا يمكن أن تكتسب دورها من مجرد السرعة والكفاءة. بل العبرة بما تفعله؟ ولماذا تفعله؟
كانت إجابة زوجها: أن حاولي الاستمتاع بهذه التجربة الجديدة، واتركي الطفل يشعر باستمتاعك بدور الأم، فلا يوجد شخص يمكنه أن يحب هذا الطفل ويخدمه أكثر منك أنت، ودعي الاهتمامات الأخرى كلها جانبًا، وأحبي هذا الطفل فقط.
"إن هناك وقتًا وموسمًا لكل شيء في الدنيا"، والحياة قصيرة.
تعرف على نفسك واكتشف مواهبك وحدد الدور المطلوب منك؟
أعرف بشكل شخصي أحد المسئولين الدعويين لأحد الأحياء، وقد وصل إلى موقعه حديثا، وكانت بداية دوره أن درس الموقف في الحي، وقرر أن أهم ما يحتاجه الحي هو تنمية الشعور بالانتماء بإعادة الروح وصقل الأشخاص تربويًا، وتبين له أن لديه القدرة على فعل ذلك فجهز نفسه للعب هذا الدور.
لقد أوجد بسلوكه هذا مشكلة؛ لأن من سبقوه كانوا يركزون على تسيير العمل بشكل مختلف، وكان التركيز على القضايا العلمية بشكل أكبر مما أدى إلى تزمر الكثيرين، لذا قاموا بالشكوى منه ولأن الجميع يفكر بأسلوب واحد فقد كانت نهاية هذه التجربة الفشل. رغم ما حققته من بعض نجاحات.
ولقد اعترف لي فيما بعد أن الخطأ الذي ارتكبه أنه لم يوضح بشكل جلي طبيعة دوره الجديد وأهمية هذا الدور.
لكن الدرس المستفاد من هذا العمل هو أننا نحتاج أن نتعرف على أنفسنا ونكتشف مواهبنا ونحدد الدور المطلوب منا؟
على فراش الموت
هناك البعض تقوم أدوار حياتهم كلها على ردود الأفعال، لأنه حدد مفهوم السعادة من واقع نظرة الناس لها، دون أن ينظر إلى داخله وماذا يريد، فالنجاح المهني أو الثراء المالي قد تكون من مفاهيم السعادة الخارجية دون أن تنظر أنت إلى داخلك ماذا تريد فقد يكون ما تريده لا يمثل كبير قيمة عند الناس لكن قيمة لديك أنت.
زارت إحداهن شابة في المستشفى عمرها 23 عامًا وقد تركت طفليها الصغيرين بالبيت لقد أخبراها الأطباء أنها مصابة بالسرطان وعندما مسكت بيدها تحاول أن تستجمع الكلمات لتقول ما يخفف عنها وجدتها تصيح: إنني أريد أن أترك أي شيء في الدنيا لكي أذهب إلى المنزل لأغير لطفلي ملابسهما.
كم من النساء اللاتي لا تمثل لهن تلك الأحداث اليومية في تربية أطفالهن كبير قيمة، بل على العكس يشعرن بالضيق من تغيير ملابس أطفالهن، وكل ما يتملكهن هو الشعور بالضيق، بدلاً من أن يؤدينها وملؤهن الشعور بالبهجة والمتعة من هذه اللحظات الغالية والتي لا تتكرر ثانية، ليس علينا أن ننتظر لحظة الموت الحقيقية حتى نستفيد من مزاياها.
صيحات الاستيقاظ
استيقظ أحدهم على صوت الهاتف. كان الطرف الآخر هو مدير إحدى المدارس يخبره بأن ولده ضُبط وهو يروج المخدرات على الطلاب داخل المدرسة.
ساعتها مرت بذهنه كل تلك الأوقات التي أنفقها وهو يحلم كيف سيتمكن من بناء عقاره الشاهق، وأن أوقاتٍ قليلة لو أنفقها في الجلوس مع ولده المراهق لأمكن أن تكون النتائج مختلفة.
والخلاصة
أن هناك المهم في الحياة وهناك الأهم، وأنا أفضل العبادات كما قال ابن القيم هي عبادة تؤدى في وقتها. فلحظة الأذان أفضل عبادة وقتها الاستعداد للصلاة، وحين ينادي داعي الجهاد لا تشغل نفسك بالصلاة. وأنت تدرك الفرق لا محالة.
وتأمل معي نظرية الوعاء التي ذكرتها لك في بداية المقال.
لو أن لديك وعاء ومعك كمية من الرمال ومجموعة من الأحجار الكبيرة بماذا ستملأ الوعاء أولا؟ لاشك أنك تدرك أن حبات الرمال من الممكن أن تخلل الفجوات بين الأحجار الكبيرة، ولكن الأحجار الكبيرة لن تجد لها مكانًا بين الرمال إن ملأت وعاءك بها.
وفقني الله وإياك إلى معرفة ما ينبغي عليك فعله، فإن أدركته فافعله فورًا ولا تنتظر.
============
الأسرة والصخور!
د. رقية بنت محمد المحارب
قرأت قصة رمزية معبرة عن أهمية الوقت ربما ليست جديدة على بعضكم ولكنني أنقلها وأحاول أن أربطها بواقع الوقت في حياة الأسرة وملخصها أن أستاذاً جامعياً أراد أن يبين أهمية إدارة الوقت فكان أن أحضر إناءاً وقطعاً من الصخور كبيرة فوضعها بعناية في الإناء ثم سأل الطلاب: هل امتلأ الإناء؟ فقال الطلاب: نعم. فقال: أنتم متأكدون؟ ثم أحضر كيساً مليئاً بالحصيات الصغيرات ووضعها في الإناء فأخذت مكانها بين الفراغات الموجودة بين الصخور الكبيرة، ثم سألهم مرة أخرى إن كان الإناء قد امتلأ الآن؟ فقالوا: نعم. ثم أحضر كيساً مملوءاً بالرمل فأفرغه في الإناء حتى امتلأت الفراغات بين الحصى الصغيرة. ثم سأل الطلاب: هل الإناء ملئ الآن؟ فكانت الإجابة بالنفي هذه المرة. فأحضر ماءاً فسكبه فيه حتى امتلأ تماماً. ثم التفت الأستاذ على طلابه قائلاً: ماهي الفكرة من وراء هذا المثال؟ فأجاب أحد الطلاب: إنه مهما كان جدول المرء مليئاً بالأعمال، فإنه يستطيع عمل المزيد والمزيد بالجد والاجتهاد. أجابه الأستاذ: هذه ليست الفكرة! هذا المثال يعلمنا أنه لو لم نضع الصخور الكبيرة أولاً لم يكن بإمكاننا وضعها أبداً، وأيضاً هي دعوة لأن تعرف ماهي الصخور الكبيرة في حياتك؟
إنه فعلاً مثل واقعي يدل على أن الأعمال أولاً تتفاوت في أهميتها وأولويتها، وثانياً أن الإنسان قد يملأ وقته ولكن بأشياء ليست ذات قيمه. إن دراسة الوقت والطريقة الأفضل لاستغلاله أمر مهم للأسرة، وبدون هذا يكون هناك ضياع لجهود كثيرة بدون تحقيق نتائج طيبة. إن قليلاً من التنظيم للوقت في حياتنا كفيل بتغيير نظرتنا إلى كثير من الأعمال التي نقوم بها بشكل يومي ربما بطريقة عفوية بحكم العادة. وإذا تأملنا في إنتاجية الأسرة لدينا لا نجد ذلك المستوى المتميز في تعليم الأولاد مثلاً بل العكس أحياناً، ولا نلمس العطاء في المجالات المختلفة وهنا لا أتحدث عن الكل بل عن نسبة كبيرة من الأسر التي نعرفها. إنني أتمنى أن يجلس الزوج إلى زوجته بمفردهما أولاً لمناقشة قضية الوقت في حياتهما، ويتفقان على إعادة النظر في طريقة إدراتهما له، ومن ثم يحاولان إشعار أولادهما من وقت لآخر بأهمية العناية به وأن يكون للتخطيط مكانة في أذهانهم. وربما بدأ المشروع الأول في وضع خطة لكيفية قضاء يومي الخميس والجمعة. إن مجرد التفكير في استغلال الساعات القادمة يعتبر في نظري اجتياز أكثر من نصف المسافة نحو التميز في الشخصية والتغيير الكبير الذي نريده في أسرتنا الصغيرة.
المصدر : لها أون لاين
============
جدول مقترح للمسلم في شهر رمضان
الحمد لله
تقبل الله من الجميع صالح القول والعمل ، ورزقنا الإخلاص في السر والعلن .
وهذا جدول مقترح للمسلم في هذا الشهر المبارك :
يوم المسلم في رمضان :
يبدأ المسلم يومه بالسحور قبل صلاة الفجر , والأفضل أن يؤخر السحور إلى أقصى وقت ممكن من الليل .(1/211)
ثم بعد ذلك يستعد المسلم لصلاة الفجر قبل الآذان , فيتوضأ في بيته , ويخرج إلى المسجد قبل الآذان ,
فإذا دخل المسجد صلى ركعتين (تحية المسجد) , ثم يجلس ويشتغل بالدعاء , أو بقراءة القرآن , أو بالذكر , حتى يؤذن المؤذن , فيردد مع المؤذن ويقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الأذان , ثم بعد ذلك يصلي ركعتين ( راتبة الفجر) , ثم يشتغل بالذكر والدعاء وقراءة القرآن إلى أن تُقام الصلاة , وهو في صلاة ما انتظر الصلاة .
بعد أن يؤدي الصلاة مع الجماعة يأتي بالأذكار التي تشرع عقب السلام من الصلاة , ثم بعد ذلك إن أحب أن يجلس إلى أن تطلع الشمس في المسجد مشتغلا بالذكر وقراءة القرآن فذلك أفضل , وهو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر .
ثم إذا طلعت الشمس وارتفعت ومضى على شروقها نحو ربع ساعة فإن أحب أن يصلي صلاة الضحى ( أقلها ركعتين ) فذلك حسن , وإن أحب أن يؤخرها إلى وقتها الفاضل وهو حين ترمض الفصال ، أي : عند اشتداد الحر وارتفاع الشمس فهو أفضل .
ثم إن أحب أن ينام ليستعد للذهاب إلى عمله , فلينوي بنومه ذلك التَّقوِّي على العبادة وتحصيل الرزق , كي يؤجر عليه إن شاء الله تعالى ، وليحرص على تطبيق آداب النوم الشرعية العملية والقولية .
ثم يذهب إلى عمله , فإذا حضر وقت صلاة الظهر , ذهب إلى المسجد مبكرا , قبل الأذان أو بعده مباشرة , وليكن مستعدا للصلاة مسبقا , فيصلي أربع ركعات بسلامين ( راتبة الظهر القبلية ) , ثم يشتغل بقراءة القرآن إلى أن تقام الصلاة ، فيصلي مع الجماعة , ثم يصلي ركعتين ( راتبة الظهر البعدية ) .
ثم بعد الصلاة يعود إلى إنجاز ما بقي من عمله , إلى أن يحضر وقت الانصراف من العمل , فإذا انصرف من العمل فإن كان قد بقي وقت طويل على صلاة العصر ويمكنه أن يستريح فيه , فليأخذ قسطا من الراحة , وإن كان الوقت غير كاف ويخشى إذا نام أن تفوته صلاة العصر فليشغل نفسه بشيء مناسب حتى يحين وقت الصلاة , كأن يذهب إلى السوق لشراء بعض الأشياء التي يحتاجها أهل البيت ونحو ذلك , أو يذهب إلى المسجد مباشرة من حين ينتهي من عمله , ويبقى في المسجد إلى أن يصلي العصر .
ثم بعد العصر ينظر الإنسان إلى حاله , فإن كان بإمكانه أن يجلس في المسجد ويشتغل بقراءة القرآن فهذه غنيمة عظيمة , وإن كان الإنسان يشعر بالإرهاق , فعليه أن يستريح في هذا الوقت , كي يستعد لصلاة التراويح في الليل .
وقبل أذان المغرب يستعد للإفطار , وليشغل نفسه في هذه اللحظات بشيء يعود عليه بالنفع , إما بقراءة قرآن , أو دعاء , أو حديث مفيد مع الأهل والأولاد .
ومن أحسن ما يشغل به هذا الوقت المساهمة في تفطير الصائمين , إما بإحضار الطعام لهم أو المشاركة في توزيعه عليهم وتنظيم ذلك , ولذلك لذة عظيمة لا يذوقها إلا من جرب .
ثم بعد الإفطار يذهب للصلاة في المسجد مع الجماعة , وبعد الصلاة يصلي ركعتين ( راتبة المغرب ) , ثم يعود إلى البيت ويأكل ما تيسر له - مع عدم الإكثار - , ثم يحرص على أن يبحث عن طريقة مفيدة يملأ بها هذا الوقت بالنسبة له ولأهل بيته , كالقراءة من كتاب قصصي , أو كتاب أحكام عملية , أو مسابقة , أو حديث مباح , أو أي فكرة أخرى مفيدة تتشوق النفوس لها , وتصرفها عن المحرمات التي تبث في وسائل الإعلام , والتي يعد هذا الوقت بالنسبة لها وقت الذروة , فتجدها تبث أكثر البرامج جذبا وتشويقا , وإن حوت ما حوت من المنكرات العقدية والأخلاقية ، فاجتهد يا أخي في صرف نفسك عن ذلك , واتق الله في رعيتك التي سوف تسأل عنها يوم القيامة , فأعد للسؤال جوابا .
ثم استعد لصلاة العشاء , واتجه إلى المسجد , فاشتغل بقراءة القرآن , أو بالاستماع إلى الدرس الذي يكون في المسجد .
ثم بعد ذلك أدِ صلاة العشاء , ثم صلِ ركعتين ( راتبة العشاء ) ثم صلِّ التراويح خلف الإمام بخشوع وتدبر وتفكر , ولا تنصرف قبل أن ينصرف الإمام , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " . رواه أبو داود (1370) وغيره ، وصححه الألباني في "صلاة التراويح " (ص 15) .
ثم اجعل لك برنامجا بعد صلاة التراويح يتناسب مع ظروفك وارتباطاتك الشخصية ، وعليك مراعاة ما يلي :
البعد عن جميع المحرمات ومقدماتها .
مراعاة تجنيب أهل بيتك الوقوع في شيء من المحرمات أو أسبابها بطريقة حكيمة ، كإعداد برامج خاصة لهم , أو الخروج بهم للنزهة في الأماكن المباحة , أو تجنبيهم رفقة السوء والبحث لهم عن رفقة صالحة.
أن تشتغل بالفاضل عن المفضول .
ثم احرص على أن تنام مبكرا , مع الإتيان بالآداب الشرعية للنوم العملية والقولية , وإن قرأت قبل النوم شيئا من القرآن أو من الكتب النافعة فهذا أمر حسن ، لا سيما إن كنت لم تنه وردك اليومي من القرآن , فلا تنم حتى تنهه .
ثم استقيظ قبل السحور بوقت كاف للاشتغال بالدعاء , فهذا الوقت _ وهو ثلث الليل الأخير _ وقت النزول الإلهي , وقد أثنى الله عز وجل على المستغفرين فيه , كما وعد الداعين فيه بالإجابة والتائبين بالقبول , فلا تدع هذه الفرصة العظيمة تفوتك .
يوم الجمعة :
يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع , فينبغي أن يكون له برنامجا خاصا في العبادة والطاعة , يراعى فيه ما يلي :
التبكير في الحضور إلى صلاة الجمعة .
البقاء في المسجد بعد صلاة العصر , والاشتغال بالقراءة والدعاء حتى الساعة الأخيرة من هذا اليوم , فإنها ساعة ترجى فيها إجابة الدعاء .
اجعل هذا اليوم فرصة لاستكمال بعض أعمالك التي لم تتمها في وسط الأسبوع , كإتمام الورد الأسبوعي من القرآن , أو إتمام قراءة كتاب , أو سماع شريط , ونحو ذلك من الأعمال الصالحة .
العشر الأواخر :
العشر الأواخر فيها ليلة القدر , التي هي خير من ألف شهر , لذا يشرع للإنسان أن يعتكف في هذه العشر في المسجد , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل , طلبا لليلة القدر , فمن تيسر له الاعتكاف فيها , فهذه منة عظيمة من الله عليه .
ومن لم يتيسر له اعتكافها كلها , فليعتكف ما تيسر له منها .
وإن لم يتيسر له اعتكاف شيء منها فليحرص على إحياء ليلها بالعبادة والطاعة من قيام وقراءة وذكر ودعاء , وليستعد لذلك من النهار بإراحة جسمه ليتمكن من السهر في الليل .
تنبيهات :
هذا الجدول جدول مقترح , وهو جدول مرن يمكن لكل فرد أن يعدل فيه بحسب ظروفه الخاصة .
هذا الجدول روعي فيه الالتزام بذكر السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم , فلا يعني ذلك أن جميع ما فيه من الواجبات والفرائض , بل فيه كثير مع السنن والمستحبات .
أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل , فالإنسان في أول الشهر قد يتحمس للطاعة والعبادة , ثم يصاب بالفتور , فاحذر من ذلك , واحرص على المداومة على جميع الأعمال التي تؤديها في هذا الشهر الكريم .
ينبغي على المسلم أن يحرص على تنظيم وقته في هذا الشهر المبارك , حتى لا يضيع على نفسه فرص كبيرة للازدياد من الخير والعمل الصالح , فمثلا : يحرص الإنسان على شراء الأغراض التي يحتاجها أهل البيت قبل بداية الشهر , وكذلك الأغراض اليومية يحرص على شرائها في الأوقات التي لا يكون فيها زحام في الأسواق ، ومثال آخر : الزيارات الشخصية والعائلية ينبغي أن تنظم بحيث لا تشغل الإنسان عن عبادته .
اجعل الإكثار من العبادة والتقرب إلى الله هو همك الأول في هذا الشهر المبارك .(1/212)
اعقد العزم من بداية الشهر على التبكير إلى المسجد في أوقات الصلاة , وعلى ختم كتاب الله عز وجل تلاوة , وعلى المحافظة على قيام الليل في هذا الشهر العظيم ، وعلى إنفاق ما تيسر من مالك .
اغتنم فرصة شهر رمضان لتقوية صلتك بكتاب الله عز وجل , وذلك من خلال الوسائل التالية :
ضبط القراءة الصحيحة للآيات , والسبيل إلى ذلك هو تصحيح القراءة على مقرئ جيد , فإن تعذر فمن خلال متابعة أشرطة القراء المتقنين .
مراجعة ما مَنَّ الله عز وجل به عليك من حفظ , والاستزادة من الحفظ .
القراءة في تفسير الآيات , وذلك إما بمراجعة الآيات التي تشكل عليك في كتب التفاسير المعتمدة كتفسير البغوي وتفسير ابن كثير وتفسير السعدي , وإما بأن تجعل لك جدولا للقراءة المنتظمة في كتاب من كتب التفسير , فتبدأ أولا بجزء عم , ثم تنتقل إلى جزء تبارك , وهكذا .
العناية بتطبيق الأوامر التي تمر بك في كتاب الله عز وجل .
نسأل الله عز وجل أن يتم علينا نعمة إدراك رمضان , بإتمام صيامه وقيامه , وأن يتقبل منا , وأن يتجاوز عن تقصيرنا .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
===========
المنهجية في استغلال الإجازة الصيفية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وبعد
أخوة الإيمان ..هاهي الإجازة قد أقبلت بخيلها ورجلها مائة يوم ..بليلها ونهارها وساعاتها ودقائقها
والناس تجاهها على أقسام:
1) قاتلون لأوقاتهم بسهام المعاصي فتجد ليلهم على الأطباق الهوائية أو المقاهي الليلية ونهارهم نوم عن الصلوات وهجر للجمع والجماعات هذا إن قضوها في بلادهم وبين أهليهم وإلا فلديار الإباحية يطيرون وحول حماهم يحومون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
2) مستغلون لأوقاتهم فتجد أوقاتهم بذكر الله معمورة وبطلب العلم والدعوة إلى الله مشغولة فبهم ينتصر الدين فهم نجوم ليل الفتن التي ترمى بها الشياطين.
3) مضيعون لأوقاتهم فيما لا فائدة فيه أو في نفع الآخرين على حساب إهمال أنفسهم محرومون من الاستفادة منها فيما يعود عليهم بالنفع فتنقضي الإجازة ورصيدهم العلمي والعملي والدعوي كما هو قبل الإجازة إن لم يكن أقل - وهذا يحصل لبعض المنشغلين بالبرامج الدعوية أو تربية الشباب وإن كان من المفترض أن يكونوا أولى الناس في استغلال الأوقات لأنهم قدوات ومربون ويرجى لهم الخير وهم على خير فكم أصلح الله بهم من بيت وهدى الله على أيديهم من شاب فبهم حفظت أوقات الشباب وحيل بهم بين طلاب الهداية ودعاة الفساد.
لكن يؤسفني ويؤسف كل محب لهم أن تنقضي الإجازة ولم يراجع فيها قرآنا أو يحفظ فيها حديثا ولم يقرأ فيها كتابا أو يواظب على حضور درس بل إن الأسف يزداد حينما تراه من المتأخرين عن حضور صلاة الجماعة ومن المبكرين في الخروج بعد الصلاة وبعضهم لا يعرف جاره ولا يشاركه في أفراحه وأتراحة وقد ينشغل بعضهم عن خدمة أهله وقضاء حوائجهم بل تجده يقوم بخدمة الآخرين في أي وقت كان وأهله لا يجدون من يقضي لهم حوائجهم وإن قضاها لهم فلا تسأل عن حاله وحالهم وغيرها من المتناقضات والحق أحق أن يتبع
عذراَ فإن الجرح يؤلم فكيف وقد وضعت يدي عليه
أخي على طريق الحق وبعد فهاهي خواطري بين يديك وتجربتي أمام عينيك فخذ منها ماشئت ودع ما شئت فحسبي أن يعلم الله مرادي " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"
إذا أردت أن تستفيد من الإجازة حق الاستفادة وأن تكون فيها من الفائزين فعليك بما يلي :
1) أن تستشعر قيمة الوقت وأن له شأناَ عند الله فبه أقسم في غير ما آية من كتابه والله إذا أقسم بشيء دل على عظمته بل إنه أقسم بجميع أجزاء اليوم فأقسم بالنهار وأجزائه الفجر والضحى والعصر وأقسم بالليل.
2) أن تعلم أن هذا الوقت هو رأس مالك فإن ضيعته ضاع رأس مالك وإن حفظته فالربح حليفك.
3) أن تعلم أن مفاتيح استغلال الوقت بيدك فلا تحتاج إلى شرائها ولا استئجارها فليس عليك سوى أن تشمر عن ساعد الجد فإن الوقت يمضي والعمر قصير.
4) أن تعلم أن بهذا الوقت حفظت العلوم وجمعت السنة وحررت المسائل وكتبت القصائد وأنه ما من عالم رفع شأنه إلا واستغلال الوقت كان مركبه وما من داعية رفع ذكره إلا واستغلال الوقت كان همه.
5) أن تعلم أن الناس صنفان علماء وعامه والذي ميز العلماء عن العامة هو استغلال العلماء لأوقاتهم. فإن كنت مضيعاَ لأوقاتك فقد شاركت طلاب العلم في هيئتك ولباسك وفارقتهم في استغلالك لأوقاتك.
6) أن تعلم أنه لن يكون لك تأثير في واقع أمتك إلا بالعلم والعمل ولن يتحققا لعشاق الدعة والكسل.
7) أن تقرأ سير أصحاب الهمم العالية وممن كتب في هذا الباب محمد المقدم " الهمة العالية" فلتراجعه.
وبعد ذلك… هل قررت أن تستغل الإجازة ؟ أظن جوابك .. نعم . إذا فابدأ بالخطوات التالية :
الخطوة الأولى/ حدد الأهداف الكبرى التي ترغب في تحقيقها في الإجازة
احرص أن تكون أهدافك الأولى هي " تزكية نفسك بالعلم النافع والعمل والصالح والدعوة إلى الله على بصيرة" ثم بعدها الأهداف الأخرى الخاصة
" أمثله لبعض الأهداف "
1) حفظ شئ من القرآن والسنة أو ضبط القرآن وقراءة كتب السنة.
2) المنهجية في التأصيل العلمي وإنهاء بعض المتون العلمية.
3) المشاركات الدعوية العامة مثل المراكز الصيفية أو حلقات القرآن والخاصة مثل إلقاء الكلمات وغيرها.
4) المشاركات الإغاثية .
5) الحصول على دورات خاصة فنية كالحاسب الآلي أو رياضية بنية تقوية البدن.
6) تنظيم المكتبة أو الأوراق الخاصة وفهرسة الأشرطة وإعداد أفكار دعوية قادمة.
7) المشاركة في بعض الأعمال التجارية ..
8) زيارة مكة والمدينة بنية العبادة وبعض المناطق السياحية للدعوة إلى الله
وغيرها من الأهداف ..وأعلم أن الأهداف تختلف من شخص إلى شخص المهم أن تختار الأهداف التي تحتاجها وأن تكون قادراَ على تحقيقها بإذن الله تعالى.
الخطوة الثانية/ اجعل لكل هدف مراحل تؤدي إلى تحقيقه ( أهداف صغرى).
مثال لكي تحقق الهدف الأول مثلاَ وهو حفظ أو ضبط القرآن الكريم مع فهم شئ من معانيه لابد من المراحل التالية:
1/ حفظ ثلاثة أوجه يومياَ أو أقل أو أكثر بعد صلاة الفجر وتسميعها على قارئ متقن وقراءة معانيها من تفسير السعدي مثلاَ وبعد ذلك كرر ما حفظته في نفس اليوم أكثر من عشرين مرة وذلك بقراءتها في الصلوات و السنن الرواتب والنوافل الأخرى وهكذا في اليوم الثاني والثالث والرابع…..
2/ في كل جمعه أحرص على التبكير إلى المسجد ومن ثم مراجعة ما تم حفظه في الأسبوع. وهكذا.
بهذه الطريقة يتحقق بإذن الله الهدف الأول وهو حفظ شئ من القرآن أو ضبطه مع فهم شئ من معانيه في وقت قصير لا يتجاوز ساعة يوميا وبانتهاء الإجازة بإذن الله تكون قد حفظت أو ضبطت نصف القرآن وفهمت شئ من معانيه وإن زدت زاد حفظك…وهكذا. فالإجازة مائة يوم وعلى قدر حفظك اليومي يكون مجموع حفظك.
وهكذا حفظ السنة أو قراءة السنة فتخصص : صفحة يومياَ أو أكثر " من المختصرات مثل مختصر البخاري للزبيدي أو مختصر مسلم للمنذري وتخصص وقتاَ مناسباَ للحفظ أو القراءة إن عجزت عن الحفظ.
مثال آخر لتحقيق الهدف الثاني مثلاَ وهو " المنهجية في التأصيل العلمي وإنهاء بعض المتون العلمية" لابد من وضع برنامج يتناسب مع حاجتك العلمية على سبيل المثال ترغب في برنامج للمبتدئين فتحتاج لإعداد هذا البرنامج مثلاَ عن طريق الأشرطة لسماع شروح الكتب التالية:(1/213)
( الأصول الثلاثة في التوحيد ) و ( لمعةالإعتقاد في العقيدة) و ( أخصر المختصرات في الفقه أو بلوغ المرام في الحديث والفقه ) و ( الآجرومية في النحو ) فيكون البرنامج كما يلي:
* الوقت المخصص لسماع هذه الدروس ساعتان يومياَ ( وقت الضحى أو بعد الظهر و بعد العصر أو بعد المغرب ) تختار وقتين من هذه الأوقات بشكل ثابت ومنظم.
• الأيام المخصصة للدروس خمسة أيام من السبت إلى الأربعاء ويوما الخميس والجمعة للمراجعة. فتكون عدد ساعات البرنامج عشر ساعات في الأسبوع الواحد.
فبناء على ذلك يكون الجدول العلمي لتحقيق هذا الهدف كما يلي
راجع الملف المرفق
وبهذا الجدول تحقق بإذن الله الهدف الثاني وقد تختلف الكتب من شخص إلى آخر ويمكن أن تضيف فناَ آخر على حسب الحاجة والوقت مثلاَ في مصطلح الحديث أو أصول الفقه … وبإمكانك أن تجعل لك أوقاتاَ لحضور دروس كبار العلماء أو الدورات العلمية في وقت الدورات و بين الدورات يكون برنامجك عن طريق الأشرطة
تنبيهان :
الأول : إذا أردت أن تعرف المدة الكافية لسماع شرح كتاب مسجل في أشرطة فعليك بالطريقة التالية ( مجموع الأشرطة × 2 = عدد الساعات الكافية لسماع شرح هذا الكتاب )
مثال : أشرطة شرح الآجرومية لابن عثيمين من أفضل الأشرطة في علم النحو عددها :16شريط.
لكي تعرف المدة الكافية لسماعها ( 16 × 2 = 32 ساعة فبناءَ على الجدول السابق تحتاج إلى 32 أسبوع إذا كان معدل سماعك شريط واحد في الأسبوع وتحتاج إلى 16 أسبوع إذا كان معدل سماعك شريطين في الأسبوع ..وهكذا ….
الثاني : لايكن همك إنهاء المتن ولكن ليكن همك فهمه واستيعابه كي لا تحتاج إلى إعادة سماعه مرة ثانية بل تكتفي بمراجعته واحرص على تقييد الفوائد وتنظيمها وترتيبها ومن ثم فهرستها.
* لكي تستفيد مما تعلمته اعمل به مباشرة وعلمه غيرك فهذا من أسباب ثبات العلم وعدم نسيانه.
مثال ثالث : لتحقيق الهدف الثالث وهو "المشاركات الدعوية العامة والخاصة." عليك أولاَ بتحديد قدراتك الخاصة في الدعوة إلى الله فهناك عدة أعمال دعوية نذكر منها على سبيل المثال
( إلقاء الكلمات في المساجد / توزيع الكتب والأشرطة النافعة على الأرصفة والأماكن العامة/ زيارة المقصرين من الأقارب أو الجيران/ إعداد دورات مصغرة في العلوم الشرعية /المشاركة في المراكز الصيفية ..)
فإذا حددت قدراتك الخاصة حدد وقتاَ أو أكثر للقيام بهذا العمل مع التنبه لأمر مهم وهو أن إلقاء الكلمات والدورات تحتاج منك إلى وقت لتحضيرها وإعدادها إعداداَ علمياَ موثقاَ بالأدلة فلا يصلح فيها الارتجالية بل على قدر الإعداد لها يكون الانتفاع منها.
ولتحقيق الهدف الرابع تحتاج إلى زيارة الهيئات الإغاثية لتشارك فيما يناسبك في الوقت الذي يناسبك.
ولتحقيق الهدف الخامس تحتاج إلى النظر فيما تحتاجه من دورات سواء كانت في الحاسب الآلي أو اللياقة البدنية وبرمجة ذلك في الجدول العام.
ولتحقيق الهدف السادس تحتاج إلى اختيار وقت في الأسبوع للنظر فيما تحتاج إلى ترتيبه من أوراق وأنسب الأوقات قبل العصر من يومي الخميس والجمعة.
* قد تنتهي من بعض الأهداف في وقت قصير مثل الهدف السادس فلا مانع من إدراج هدف آخر.
وهكذا……… وليس بشرط أن تكون هذه أهدافك فأنت أعلم بنفسك من غيرك.
الخطوة الثالثة/ قم بإعداد الجدول الخاص بك
" طريقة وضع الجدول العام ..للبرنامج. قبل وضع البرنامج يجب مراعاة الأمور التالية
أولاَ/ أن يكون البرنامج معقولاَ بحيث يتناسب مع قدراتك وحاجاتك.
ثانياَ/ أن يكون البرنامج فيه مرونة بحيث يمكنك التصرف فيه في الحالات الطارئة وتدارك ما فات منه.
ثالثاَ/ أن تستشير أهل الخبرة في هذا الفن .
• لكي تعرف مدى نسبة نجاح هذا البرنامج ضع لنفسك جدول محاسبة على شكل نقاط ويكون إعداده كما يلي "
فقرات البرنامج في اليوم الواحد × 2 = الناتج × عدد أيام البرنامج = الحد الأعلى للنقاط
وتقوم بتعبئة الجدول بعد كل فقرة من فقرات البرنامج اليومي ويكون التقييم كما يلي:
( إذا تم البرنامج في وقته المحدد تحصل على نقطتين و في غير وقته المحدد لغير عذر نقطه وإذا فات البرنامج في هذا اليوم صفر)
وفي نهاية الدورة ( مجموع النقاط التي حصلت عليها × 100 ÷ الحد الأعلى للنقاط = نسبة نجاح البرنامج)
مثال تطبيقي
فيما يلي صورة لبرنامج قام بإعداده " خالد " راعى فيه جميع ما ذكرنا
أولاَ / معلومات أولية
راجع الملف المرفق
الأهداف العامة خلال هذه الإجازة.
1) مراجعة القرآن كاملاَ مع فهم شئ من معانيه 2) حفظ ما تيسر من مختصر البخاري للزبيدي
3) سماع شرح كتاب التوحيد لابن حميد (20 ش) 4) سماع شرح بلوغ المرام لابن عثيمين (40ش).
5) سماع شرح كتاب الآجرومية لابن عثيمين (16ش) 6) سماح شرح نخبة الفكر للخضير ( 7 أشرطه ).
7) قراءة من كتاب البداية والنهاية 8) قراءة من كتاب عيون الأخبار لا بن قتيبة.
9 ) دورة في الحاسب الآلي 10) فهرسة وتنظيم المكتبة الخاصة
راجع الملف المرفق
* بإمكانه أن يضيف درساَ في أصول الفقه مثلا شرح الورقات بعد الانتهاء من شرح نخبة الفكر مثلاَ.
* عند قراءتك لهذا الجدول لا تظن أن ما بين الوقتين سيقضى فيما حدد له وإنما ساعة واحدة وبقية الوقت خارج البرنامج.
• بإمكانك أن تستفيد من الأوقات التي هي خارج البرنامج في تحقيق بعض الأهداف الخاصة مثل " دورة اللياقة البدنية " و " برنامج زيارات الأقارب " و " زيارات العلماء " " البيع والشراء…..
• هذا الجدول مجرد مثال والذي عليك هو اختيار ما تحتاجه من متون أو كتب للقراءة
• لا مانع أن يشترك اثنان أو أكثر في برنامج علمي أو دعوي بخلاف البرنامج الخاص فيفضل الانفراد.
• الأصل أن يكون البرنامج العلمي عن طريق الدورات العلمية أو الدروس المقامة في المساجد لكن إذا تعذر ذلك إما لعدم وجود درسِ لمتن يناسبك أو لتعذر الحضور فالأشرطة تقوم مقامهما.
بإمكان الموظف أن يضع له برنامجاَ بعد العمل أو في أوقات الفراغ خلال فترة العمل وتكون البرامج يمكن تطبيقها في العمل مثل مراجعة قرآن أو قراءة كتاب أو مراجعة ما تم دراسته ونحو ذلك…
الخطوة الرابعة/ العمل بالبرنامج وهذا يحتاج إلى أمرين:
1/ الإطراح بين يدي الله وسؤاله العون والتوفيق وأن يعينك على تحقيق أهدافك وقل اللهم أعني على تزكية نفسي بالعلم النافع والعمل الصالح والدعوة إليك على بصيرة و قل اللهم أعني على استغلال الأوقات بالأعمال الصالحات واجعلني مباركا أينما كنت وبارك لي في أوقاتي .
2/ الهمة العالية والصبر والجلد وفي ذلك فليتنافس المتنافسون "
وختاما اعلم أخي أن الإجازة فرصة لتربية النفس على العبادة وأسأل الله أن ييسر لي إنهاء " المنهجية في تربية النفس على العبادة " وسوف أشير إلى إشارات بسيطة أسأل الله أن يبارك فيها
احرص على مايلي
• أن يكون لك نصيب من قيام الليل ولو خمس ركعات تصليها بعد العشاء وتسأل الله فيها أن يعينك على التلذذ بمناجاته في الثلث الأخير من الليل .
• أن تبكر إلى أداء الصلوات مستشعراَ ما تقول في ذهابك وإيابك ففي التبكير خير كثير
• أن تحرص على البقاء في المسجد ولو عشر دقائق خاصة بعد الفجر والعصر كي تكون من الذين يسبحون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.
• أن تحافظ على سنة الضحى حين ترمض الفصال .
• أن تكون لك ساعات تناجي فيها ربك وتبكي بين يديه فوالله إن لها لأثراَ في صلاح قلبك.
• أن تزور المقابر ليلاَ كما كان يزورها رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/214)
• أن تحرص على أن تتصدق خفية ولو بشيء قليل .
• أن تكثر من ذكر الله بقلبك ولسانك مستشعراَ ما تقول .
• أن يكون لك نصيب من زيارة المرضى والقراءة عليهم والدعاء لهم بالعافية فإن لها أثراَ في صلاح قلبك واستصلاح غيرك.
• احرص على طهارة قلبك من الرياء والعجب ومن الغل والحقد والحسد والكبر وأمراض القلوب فإن طهارته سبب لذوق حلاوة الطاعة.
هذا والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
كتبه / أبو عبد الملك فواز الرحيمي
ص.ب/ 87760 الرياض/ 11652
==============
بورك لأمتي في بكورها
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
عن صخر بن وداعة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( اللهم بارك لأمتي في بكورها).
قال: وكان إذا بعث سرية أو جيشا ، بعثهم أول النهار . وكان صخر رجلا تاجرا ، وكان إذا بعث تجارة بعثها أول النهار ، فأثرى وكثر ماله . رواه أبو داود والترمذي .
من مفسدات القلب، المانع من نزول البركة في الرزق، المورث خسارة منافع دنيوية وأجور أخروية، والذي يحرم الإنسان السرور أيامه ولياليه، ويكتب عليه الهم الدائم، والاكتئاب، ومرارة العيش، وضيق النفس، وقلق القلب، وفقدان الشعور بلذة الحياة وجمالها، والذي ينزع البركة من العمر.
والأيام والليالي تمر والحياة سقيمة، يعتورها الملل، تذهب البسمة، ويذهب الفرح، فلا تراه إلا وهو محتار، لا يهنأ بعيش، ولا يفرح بطيش، لا تزول همومه بسفر، ولا في حضر، قد لازمته ملازمة الشمس للنهار، والظلام لليل.
يسأل نفسه لماذا حياتي هكذا ؟!.. وهل كل الناس مثلي ؟!.:
- النوم في أول النهار، وتضييع صلاة الفجر، وما بعده حتى وقت القيلولة.
هو سبب رئيس لكل ذلك.. أكثر الناس ينامون من قبل الفجر، ويمر عليهم الفجر وهم نائمون، ويمر أول النهار وهم نائمون، ويمر وقت الضحى وهم نائمون، إلى الظهيرة وقت القيلولة، حيث يبدأ يومهم ونهارهم ، لينتهي في منتصف الليل وقرب الفجر، ليبدأ ليلهم بعد ذلك، ويستمر إلى وقت الظهر، وهكذا كل يوم..!!.
لا يشعرون بقلوبهم، ونفوسهم، وأبدانهم:كيف أنها تضمحل، وتهزل، وتضعف، ويصيبها الأمراض، الحسية والمعنوية ببطء، ولا يفيقون إلا بعد التبدل مرضا، وضيقا، وقلقا.
إبطال سنة الليل وسنة النهار: مخالفة لسنة الله تعالى في خلقه. فقد جعل الله تعالى الليل لباسا، والنوم سباتا، وجعله سكنا، وجعل النهار معاشا وحركة، وهو الحكيم الخبير، يعلم ما الذي يصلح شأن عباده في الدنيا، فإذا صادم الإنسان سنة الله الكونية، وقلب الساعات قلبا، وخالف طريق السير، وصار بمواجهة السنن، فلا يلومن إلا نفسه.
يقول الله تعالى ممتنا على عباده بنعمة الليل للسكن والنوم، ونعمة النهار للمعاش:
"هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ، إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون".
"وجعلنا نومكم سباتا * وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا ".
إن الذي ينام نهاره قد ضيع غنيمتين عظيمتين :
الغنيمة الأولى : واجب الله عليه: صلاة الفجر في جماعة .
والغنيمة الثانية : بركة أول النهار، الوقت الذي تقسم فيه الأرزاق، فيحرم ذلك الرزق الإلهي في يومه؛ لنومه.
فمن ضيع حق الله الواجب عليه، فلا عجب أن يعيش في: قلق، وثبور، ونقصان، وكدر. لما يجده من عقاب الله عليه، لإهماله ما وجب عليه.. أرأيتم إنسانا لا يقوم بوظيفته كما يجب، فيجد توبيخا من صاحب العمل، وربما خصم شيئا من أجرته: ألا يجد ألما في نفسه من التوبيخ، وحرمان الأجرة ؟.
فكيف الذي يضيع حق الله تعالى؟!.
وقد دعى عليه الصلاة والسلام بالبركة، لمن اغتنم هذا الوقت، في أموره عامة، سواء كانت دنيوية أو أخروية:
(بورك لأمتي في بكورها).
فمن ضيعه فقد حرم رزقا كان ينتظره من الله تعالى، لو أنه انطلق في نهاره مستيقظا، متطلعا لفضل الله تعالى، فإذا ضاع عليه ذلك الرزق الإلهي، فهذا من أسباب سخطه وضيق صدره .
وللشيطان سعي في حرمان الإنسان من القيام بواجبه، وتحصيل بركة اليوم، فيزين سهر الليل، بشتى الأعذار، وما أكثرها..!!. حتى تمر الساعات الطويلة ولا ينام، فإذا اقترب وقت الفجر تركه لينام عن الصلاة وعن أول النهار، فلا يستيقظ إلا ظهرا، فيكون مع الشيطان دوما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حدث فقال:
( قيلوا، فإن الشياطين لا تقيل ).
فأمر بالنوم وقت الظهيرة، وعلل ذلك بأن الشياطين لا تنام في ذلك الوقت، فإذا نام الإنسان ذلك الوقت خالفها، وسلم من وسواسها، لكن كيف للنائم نهاره أن ينام القيلولة ؟، وكيف له مخالفتها؟، وكيف يسلم منها ؟!.
* * *
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من صلى الصبح في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له أجر حجة وعمرة: تامة، تامة، تامة ) رواه الترمذي .
إن قضاء الوقت بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس في الذكر، إحدى الغنائم التي يحصلها ذلك المستيقظ:
فإن له أجر حجة وعمرة تامتين.
وفي بعض الآثار :كعتق أربعة رقاب من ولد إسماعيل.
وفي بعضها يدخل الجنة، ويحرم على النار، ويغفر ذنبه، وإن كان مثل زبد البحر.
كل هذه الأجور وضعت، لتحمل على اغتنام هذا الوقت الفضيل، فهذه من رحمة الله تعالى؛ يدعو عباده إلى ما فيه حظهم وصلاحهم الدنيوي، بترتيب الأجور الأخروية على إجابتهم.
* * *
وقد جرت الإشادة بصلاة الفجر في القرآن والسنة:
(1) أقسم الله بالفجر، فقال:{ والفجر * وليال عشر }؛ يعني صلاة الصبح، ورد عن ابن عباس عند ابن جرير.
(2) أمر بإقامتها، وذكر شهودها من الملائكة، فقال تعالى: { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا }؛ أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، فإن الملائكة تتعاقب على بني آدم، فملائكة تكون بالليل، ثم يحل محلها ملائكة بالنهار، وموعد التعاقب صلاة الفجر وصلاة العصر، ولأن القراءة في الفجر جهرية، فإن الملائكة تشهدها، وإحساس المصلي بها، تشهد مع الصلاة، تحفظه بإذن الله، وتثبته، وتدعو له بالرحمة: يزيد في الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام :
( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله - وهو أعلم بهم - كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون) متفق عليه.
ولأجله كان النبي عليه الصلاة والسلام يطيلها أكثر مما يطيل غيرها، فيدخل الصلاة والظلام باق، ولا ينصرف منها، إلا والنور قد ظهر، يصلي ويقرأ قدر مائة آية.
(3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام ليلة). رواه الترمذي
(4) نافلة الفجر خير من الدنيا وما عليها، قال عليه الصلاة والسلام: ( لا تتركوها ولو طردتكم الخيل ). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدها، ولايتركها، في السفر كان لا يصلي السنن الرواتب إلا سنة الفجر، فلم يكن يتركها أبدا، فإذا كانت ركعتا الفجر - وهي سنة- خير من الدنيا، ورسول الله يتعاهدها، كما يتعاهد الرجل بيته وأهله وأشد، فكيف بالفريضة ذاتها؟. فلا شك أن الفريضة أعظم أجرا وثوابا من السنة.
(5) جاء في بعض الآثار، كما في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح للحافظ ابن القيم الجوزية:
أن أوقات أهل الجنة: كوقت الإسفار. وهو الوقت من انتشار النور، حتى قبيل طلوع الشمس.(1/215)
فهذا الوقت يذكر بالبقاء والدوام في الجنة، وهذا يوجب علينا أن نشهده دائما، فلو قيل:
إن في المكان الفلاني ثمرا من ثمار الجنة، أو بيتا من بيوت الجنة.
فنحن نتسابق للنظر إليه. فالآن قد فهمنا أن وقت الفجر، هو أشبه الأوقات بأوقات الجنة، التي ليس فيها شمس ولا زمهرير، فشهوده يسلي المؤمن، ويذهب عنه الحزن، ويرجيه في دخول الجنة.
* * *
إن صلاة الفجر أول اليوم وبدايته. والبدايات لها أثر كبير على النهايات، فكلما كانت البداية موفقة، كانت النهاية مسددة، وكلما كانت البداية متعثرة، كانت النهاية فاشلة.
فالذي يحافظ على صلاة أول النهار كاملة، من سنتها إلى فريضتها، فإنه يبدأ يومه بداية موفقة، ثم بعد ينطلق في حاجاته الدنيوية والأخروية، فيصادف من التوفيق ما لا يجد مثله، ولا جزءا منه، من نام وفاته صلاة الفجر، فإنه يقوم خبيث النفس كسلان، محروما من النجاح في يومه ذاك.
ثم صلاة العصر، وهي صلاة مقابلة لصلاة الفجر، هذه أول النهار وتلك آخرها، ففيها تجديد العهد بالإيمان والقرب من الله تعالى، وتوديع اليوم الذي لم يبق منه إلا ساعات، فمن ختم يومه بطاعة كما بدأه بطاعة، فهو في ظل التوفيق والإعانة، فإنه يرزق خير الليل، ولا يحرم بركته، فيكون من فرسانه وقوامه، من الساجدين الراكعين، فمن عمل صالحا في نهاره كوفيء في ليله، ومن عمل صالحا في ليله كوفيء في نهاره.
والكلام على العصر، يجر الكلام على فضيلة هذين الوقتين مجتمعين مقترنين:
* * *
الغدو .. والآصال.
إن في اليوم وقتين غنيمتين، أمر الله تعالى المؤمنين بذكره فيهما، كما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال:
"يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما" .
"واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولاتكن من الغافلين" .
وقد رتب الأجور العظيمة على القيام بهما، فمن ذلك:
(1) من حافظ عليهما في المسجد: دخل الجنة وحرم على النار. قال عليه الصلاة والسلام:
( من صلى البردين دخل الجنة ) متفق عليه. والبردان: الصبح والعصر.
وقال: (لن يلج النار أحد صلى قبل الشمس وقبل غروبها)؛ يعني صلاة الفجر والعصر. رواه مسلم.
والعلة كما حكى العلماء في دليل الفالحين شرح رياض الصالحين:
أن صلاة الفجر في وقت النوم، وصلاة العصر في وقت العمل، فمن ترك نومه لله تعالى، ولم يلهه عمله عن ذكر الله تعالى، فهو حري بأن يدخل الجنة، ويحرم على النار.
(2) رزق أهل الجنة في الجنة، في هذين الوقتين، قال الله تعالى:
" جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا * لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ".
فقد جعل الله تعالى رزق المؤمنين في الجنة، في البكرة وهو الصباح، وفي العشي وهو العصر، جزاء لهم لما ثابروا على ذكره في البكرة والعشي، أعطاهم ثوابهم في الوقت الذي ذكروه فيه، قال تعالى:
"في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب }.
والغدو هو: البكرة. وهو الصباح، والآصال هو: العشي. وهو العصر.
(3) من أعجب الأجور وأحلاها على قلب المؤمن، المحرضة على صلاة الفجر والعصر، ذلك الحديث الذي يبشر من حافظ على هاتين الصلاتين في وقتها، بأنه يرى ربه يوم القيامة، وهذه من أعظم البشارات، ولو لم يكن من فضل المحافظة على صلاتي الفجر والعصر في أوقاتهما إلا رؤية الله تعالى لكفى، وقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو الله تعالى أن يرزقه النظر إلى وجهه الكريم، وهو أعلى نعيم على أهل الجنة، وأقسى عذاب أهل النار حجابهم عن رؤية الله تعالى:
قال جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: ( إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، فافعلوا ). متفق عليه
* * *
وقد ورد في خصوص صلاة العصر من الفضل، أنها ذكرت في القرآن بالأمر بالحفاظ عليها، فقال تعالى:
"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين".
والصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ورد عن علي وابن عباس وغيره ، فقد أمر الله بالحفاظ عليها خاصة.
والشارع حذر من التهاون في صلاة العصر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
( من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله ) رواه البخاري .
فهذا تهديد شديد، اختلف العلماء في تفسيره، وأهون أقوالهم أنه من باب التغليط، وأشدها أن تارك الصلاة عمدا يكفر، كما ورد عن الإمام أحمد( دليل الفالحين صـ237) . وقوله عليه الصلاة والسلام :
( من فاتته صلاة العصر، فكأنما وتر أهله وماله )؛ أي فقدهم، ففقده لصلاة العصر أشد من فقده لأهله وماله.
* * *
هذان الوقتان زاد المؤمن، يتزود فيهما ليومه وليله من القوت الإيماني، لينطلق في سرور وفرح، وفيهما معنى خاصا:
فالصبح أول اليوم، وهو يذكر بالبداية: بداية الإنسان، وبداية الدنيا، وبداية كل شيء. فيبدأ المؤمن بذكر الله في ذلك الوقت، يسأله الإعانة، ويستعيذ به من الخذلان والشيطان. وهو وقت هواؤه طيب، وفيه السكون والهدوء، الذي يطلب في الأسفار والرحلات، فإذا اجتمع الهدوء والسكون، مع طيب الهواء، ووافق فيه ذكر الله، وسؤاله، فإن القلب يكون أكثر حضورا واستشعارا وخشوعا، ومن ثم ينتفع بذلك الذكر انتفاعا عظيما.
والعصر آخر اليوم، وهو يذكر بالنهاية: نهاية الإنسان، ونهاية الدنيا، ونهاية كل شيء. كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه بعد صلاة العصر، والشمس آخذة في الغروب بين الجبال، فقال:
( ما بقي من عمر الدنيا إلا كما بقي من عمر هذا اليوم ) .
وهكذا يتذكر المؤمن، وهو يذكر الله تعالى، في ساعة العصر: أن كل شيء فان، ولا يبقى إلا وجه الرب جل شانه. فحينذاك يخشع، ويزول من قلبه وساوس الدنيا، ويعلم أن الفناء وتلك النهاية ستلحقه، فإذا وقر في قلبه الموت وزوال الدنيا وصادفه ذكر الله تعالى، فإنه سيجد إيمانا عظيما يدفعه إلى العمل وترك الكسل والعصيان.
* * *
والأذكار التي تقال في هذين الوقتين، تسمى في أقوال العلماء بأذكار الصباح والمساء، فمنها:
- التسبيح مائة مرة. (بكرة وأصيلا)
- ومنها التهليل مائة مرة. (بكرة)
- التهليل عشرة. (بكرة وأصيلا)
- والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر مرات. (بكرة وأصيلا)
- وقراءة المعوذات ثلاث مرات. (بكرة وأصيلا)
- وقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات. (بكرة وأصيلا)
- وقول : رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا. ثلاث مرات. (بكرة وأصيلا)
- وقول : سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. ثلاث مرات. (بكرة وأصيلا)
- وسيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وعلى عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. (بكرة وأصيلا).
* * *
الحقيقة أن هاتين الصلاتين فيهما من الأسرار والمعاني ما تملؤ قلوبنا إيمانا ويقينا، وتبث في الأرواح العزيمة لاغتنامها:(1/216)
- فكل مسلم محتاج إلى ما فيها ليسعد.
- وكل داعية إلى الله تعالى فقير إلى ما فيها ليثبت.
فمن لم يكن من المحافظين على الصلاتين ، فكيف يكون مصلحا للناس داعيا لهم، بل الواجب في كل من حمل هم الإصلاح ودعوة الناس: أن يكون أسبق الناس إلى هاتين الصلاتين خصوصا. لا يلهيه عن ذلك شيء .
===============
رسالة إلى مصطاف
إعداد مندوبية جنوب الطائف
أغلى من الذهب
وهل هناك ما هو أغلى من الذهب ؟!
نعم إنه الوقت ، فالوقت هو الحياة وكفى !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ) صحيح الجامع 1077 ، يا بن آدم إنما أنت أيام مجموعة ، إذا ذهب يومك ذهب بعضك !!
ضياع الوقت .... دمار لحياة العمر .
ضياع الوقت .... آفة هذا العصر .
ضياع الوقت .... يدمر آلاف الطاقات ويخفيها .
ضياع الوقت .... خسارة في الدنيا وندامة وغبن في الآخرة .
كم من شعوب بأسرها سقطت وهوت لما استخفت بالوقت واستهلكها الفراغ،وعمت في أرجائها البطالة
قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد حرصا منكم على دنانيركم ودراهمكم !! فحياة المؤمن والمؤمنة ليس فيها إجازة بل كلها طاعة وعبادة لله رب العالمين ( الدنيا ساعة .... فاجعلها طاعة ) ( النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية )
السياحة بين مفهومين ؟!
السياحة - وللأسف - مفهوم قلب في هذا العصر عن حقيقته وعُمّي عن مقاصده . فالسياحة في القرآن والسنة بمعنى : الصيام ، وطلب العلم ، والجهاد في سبيل الله ، وتأتي بمعنى الخروج للدعوة إلى دين الله ، والفرار من الفتن لعبادة الله ، ولطلب كل ما يقرّب إلى الله . قال تعالى : { الحامدون السائحون الراكعون ...} وقال صلى الله عليه وسلم :(( إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله)) حديث حسن - المشكاة 724 . ولكن هذا المفهوم أخذ في عصرنا الحاضر منحىً آخر ومفهوماً مغايراً فالساحة في عرف كثير من الناس اليوم عبارة دالة على : الترويح عن النفس ، الاصطياف ، الخروج من القيود الشرعية والعرفية ، الانفتاح العالمي في التمدن والترفيه ، التعرف على البلدان والأمصار والآثار ، إعطاء النفس خلال الإجازة - كلما تشتهيه من منظور أو مسموع أو مطعوم ولو كان من الحرام !! نسألك اللهم فعل الخيرات وترك المنكرات والثبات على دينك حتى الممات .
أنت ...... والدعاء ؟
( الدعاء هو العبادة ) كلمة نبوية جامعة ، وأنت أخي المصطاف أحوج ما تكون في سفرك إلى الدعاء . فإذا خرجت من بيتك فقل : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله . فإنه يقال لك : هديت وكفيت ووقيت ويتنحى عنك الشيطان .
فإذا نويت السفر وركبت راحلتك وتجاوزت البنيان فادع وتأمل بما كان يدعو به صلى الله عليه وسلم في أسفاره : (( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى ..... )) فلا تك بفعلك وسفرك مخالفاً لدعائك ، ولا تكن بعيداً عن أهل البر والتقوى والعمل المرضي إذا نزلت منزلاً فأقرأ الدعاء المأثور : ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) فإنه حفظ لك ، ولأبنائك من كل مكروه بإذن الله تعالى .
ولا تنس أخي المسافر أن لك دعوة مستجابة وعدك بها حبيبك صلى الله عليه وسلم : فادع لنفسك ولوالديك وأبنائك ولمريض من أقاربك ، ولمنكوب من إخوانك المسلمين . فإنها دعوة مستجابة لهم .... ولك مثلها .
من آداب الرحلات
• انوِ برحلتك وتنزُهُك رضى الله لكي تُؤجر عليها .
• حدد المكان المناسب والأغراض التي تحتاجها في سفرك .
• أشرك أبناءك معك في مهام السفر والرحلة .
• اصطحب معك من أشرطة القرآن وأهل العلم ما يؤنسك .
• احرص على تغيير المنكر الذي تراه أو تسمعه بكلمة طيبة أو مناصحة رقيقة (( من رأى منكم منكراً فليغيره ....)) رواه مسلم 6250 .
• حافظ على أداء الصلاة في أوقاتها .
• احرص على أذكار الصباح والمساء والتفكير في مخلوقات الله العظيمة .
احذر !!!
• السفر للخارج ففيه مفاسد عظيمة على الدين والخلق .
• التنزه والرحلة وقت صلاة الجمعة ففيه تفريط بفريضة الله الواجبة .
• إيذاء الآخرين بالجلوس قريباً منهم ومن عوائلهم .
• الذهاب لأماكن الاختلاط من حدائق ومنتزهات ومراكز ألعاب وغيرها .
• التبول في الماء الراكد أو قضاء الحاجة في ظل الناس أو طريقهم .
• العبث بالمرافق العامة أو وضع القاذورات بها فهي لك ولغيرك .
( اترك المكان أفضل مما كان )
برامج مقترحة للأسرة المسلمة ؟
• حفظ شيء من كتاب الله عز وجل فهو خير مشروع في هذه الإجازة لك ولأبنائك وأهلك .
• صلة الأرحام وزيارة الأقارب ، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله.
• نزهة بريئة ورحلة نظيفة مسلية مع الأقارب والأبناء فيها المتعة والمرح والترويح عن النفس بما أباح الله .
• إقامة مخيم صيفي للأسرة والأبناء بمشاركة بعض الأقارب أو الجيران أو غيرهم .
• شراء الألعاب المفيدة المسلية والأجهزة النافعة للأبناء والبنات حفظاً لأوقاتهم من الضياع .
• حضور البرامج الدعوية في المخيمات الدعوية التابعة لوزارة الشئون الإسلامية وغيرها .
• الحرص على حضور المحاضرات والندوات في المساجد وإحضار الأهل والأبناء لها .
• المشاركة في دورات شرعية أو تعليم الحاسب الآلي ونحوها .
• من أجمل ما يسجل لك في هذه الإجازة عمرة متقبلة لبيت الله الحرام قال صلى الله عليه وسلم: ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي النار خبث الحديد ) صحيح الجامع 2900 .
• زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى )) صحيح الجامع 7332 .
والمرأة والصيف
المرأة المسلمة حريصة على وقتها ، لا تسمح بساعة منه تضيع دون فائدة ، لأنها تشعر أنها محاسبة على الدقائق والثواني فأنعم وأكرم بامرأة :
• تشارك في مراكز تحفيظ القرآن الكريم
• تحضير المحاضرات والندوات وتستفيد منها
• تزور أقاربها وأخواتها وجيرانها
• تقيم البرامج المسلية المفيدة لأبنائها وبناتها
• تدرب بناتها على الأعمال المنزلية
• تطور وتجدد في ترتيب بيتها ونظامه
• بيتها عامر بذكر الله وآياته عبر إذاعة القرآن والأشرطة النافعة المباركة وغيرها .
احذري أيتها المباركة
• احذري التبرج والسفور فإنه معصية وكبيرة
• لا تكثري الخروج من المنزل ، وخاصة للأسواق ونحوها .
• كوني محتشمة في لباسك ، حييّة في مشيتك ، بعيدة عن مواطن التهم ،غير متعطرة ولا متلفتة .
• احذري السفر بدون محرم ، واحرصي على مرافقته لك في كل ذهاب وإياب.
• احذري ركوب الألعاب أو الدبابات أو نحوها في الحدائق العامة فإنه لا يليق بكِ وبحيائك وعفتك وطهارتك .
• إياك والاختلاط بغير المحارم مهما كان قريباً .
• لا تحضري حفلة زواج ٍ يُعصى الله فيها بغناء وغيره.
• لا تؤخري الصلاة عن وقتها فإنه ذنب عظيم .
• حافظي على سمعك وبصرك وجميع جوارحك من الحرام فإنها شاهدة لك أو عليك يوم يكثر الشهود يوم القيامة
• تذكري أنك قدوة لأبنائك وبناتك ومجتمعك فكوني قدوة خير وصلاح ومعروف .
إرشادات ووصايا
طبية
احرص على حمل حقيبة أدوات طبية للإسعافات الأولية.احم أبنائك من أشعة الشمس والتعرض لها . ابتعد عن الجلوس في أماكن المستنقعات المائية الموبؤة الملوثة .
مرورية
• تفقد سيارتك قبل السفر من كل النواحي .
• لا تسرع ففي التأني السلامة .(1/217)
• لا تنشغل أثناء القيادة بأمر يؤثر على تركيزك
• تقيّد بحزام الأمان لك ولأطفالك .
• سافر وأنت متمتع براحة جسدية ونفسية .
• لا تواصل السير وأنت تشعر بالنعاس .
• إذا غادرت السيارة وأبناؤك فيها فأطفئها وتأكد من سلامة وقوفها .
• وفّر في سيارتك ما تحتاجه أثناء الطوارئ - لا قدر الله - ( إطار احتياطي ، سير ، اشتراك الكهرباء ، ما طور هوائي ، ماء رديتر ، ونحوها )
الحصاد الصيفي
لكل بداية نهاية ، ولكل إجازة انقضاء ومع كل فرحة ترحة ، ومع كل سرور حزن، فكم في هذه الإجازة من موظف لم يُتم إجازته ! وكم من زميل لم يُباشر عمله بعد عطلته ! وكم من أسرة تشتت شملها خلال هذه الإجازة ! كم من حوادث ووفيات ، ومصائب ونكبات . فاحمد الله أخي المصطاف أن حفظك في نفسك وأهلك وأولادك وعدت سالماً غانماً .
واسأل نفسك في ختام إجازتك : ماذا حملتها من عمل ؟ فالإجازة ذهبت أو كادت بما فيها من خير أو شر ، من طاعة أو معصية ، من ذكرٍ أو غفلة .
وهكذا حال الدنيا فكلها سفر ، ولكنه سفر طويل ، سفر إلى الله والدار الآخرة .
قال داود الطائي : إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة ، حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم !
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولا بد من زادٍ لكل مسافر
ولا بد للإنسان من حمل عُدّةٍ *** ولا سيما إن خاف صولة قاهر
اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها ، وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك يا حي يا قيوم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
=============
كيف تقضي وقتك في الصيف
د. طارق بن محمد الطواري
أستاذ الشريعة في جامعة الكويت
إمام وخطيب مسجد الرفاعي - السلام (الكويت)
إن وقتك هو عمرك الحقيقي وهو مادة حياتك الابدية في النعيم أو الجحيم وهو مادة عيشك في الرخاء أو الضنك وهو يمر عليك مر السحاب دون أن تشعر به فليل ثم نهار ثم نهار فليل وسرعان ما ينتهي الشهر فتستلم راتبك وتتعاقب عليك الجمع وتمر عليك الفصول ربيع فخريف صيف فشتاء .
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان .
فما كان من وقتك لله وبالله فهو الحياة والعمر وما كان غير ذلك فليس محسوبا من حياتك وله عشت منعما آكلا نائما قطعته بالسهر والاماني الباطلة والبطالة الزائلة فالموت خير لك من الحياة .
وقد قال تعالى : (( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوىً لهم )) محمد12
نعم إن الحياة التي لا غاية فيها ولا هدف لها إنهم الأصفار والأرقام في حياة أنفسهم وحياة مجتمعهم يموتوا فلا يذكروا ويحضروا فلا يعرفوا أنهم من لم يقدم لنفسه ولا لدينه ولا لأمته شيئا فعاش أنانيا ميتا ومات منسيا قد أهدروا أوقاتهم دونما هدف وقد قال صلى الله عليه وسلم ( اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك )
وقال الحسن البصري رحمه الله ( ياابن آدم انما أنت أيام فاذا ذهب يومك ذهب بعضك )
وقال ( أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم)
قال ابن هبيرة :
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
وهذا الصيف على الأبواب وقد عرف بأنه محرقة الوقت وقاتل الفراغ وربما الحسنات لمن ضيع
فإياك بحرق الوقت ورصيد الحسنات
في السفر إلى بلاد الاباحية والحرام فأنت بذلك تجني على نفسك وأهلك وتهون لهم الفاحشة من حيث لا تدري
ان كثير من المكاتب السياحية تنشط في الصيف لتعينك على حرق الوقت والخلاص من الملل على الشواطئ وفي النوادي والملاهي والاسواق والتنقل بين الموانئ والمطارات
لقد التقيت بكثير من العائدين من هذه الرحلات وهم يعترفون أنه لم يكن للصلاة حظ في سفرهم لا في الخشوع ولا في الوقت والانتظام .
وانهم لم يكونوا سفراء لدينهم وامتهم بل اختفوا وراء لباس الاجانب حياء وتنكرا
ولم تحافظ بناتهم على مصدر عزهم وحجابهم بل خلطوا الالوان والاوراق مع غيرهم
لقد تسبب الصيف بخسارة فادحة غير محسوبة في الوقت والمال والقيم والمبادئ وأهمها في ضياع رصيد الحسنات وزيادة رصيد السيئات
وهذا لا يعني منع التنزه والترفه والسياحة ولكن بعد عرض ذلك كله على شريعة الله لمعرفة ما يحبه الله ويرضاه وما يبغضه ويأباه والله الموفق
=============
أعدائي
محمد بن سرّار اليامي
رأيت أن خصومي وأعدي أعدائي واشد خصومي هم لصوص الوقت وقتلته ..
و ولله إنه لتمر علي أوقات أنا و إياهم في حرب وسجال .. بل حتي يضطروني ،إلي كثير من المعاريض مما يفعلوه بي ..
تقول لأحدهم :
أنا الآن مشغول..
فيقول:اذن فلعلك تفرغ بعد قليل...
فتقول :
شغلي يمتد إلي زمن كذا وكذا ..
فيقول :
إذن فلعه أن يتيسر .. ، ونسي هذا اللص أن الزمان فم .. لعابه الأمل .. ولسانه التأريخ ولقمته العمر ، ونابه الغنيمة وضرسه الموت ... ، والزبده أنه في نهاية المطاف يأكل وقتك , ويذهب عمرك .. بلا فائدة ..
فلا أنت ممن أنجز عمله ..
ولا أنت ممن جلس مع هذا الثقيل ، وأنهى حاجته ..
وقد بلي بعض السلف بأمثال هؤلاء فكانوا يستعملونهم فيم ينفع ، فأحدهم يجعل هذا الثقيل يبري الأقلام ، والاخر يجعله يقطع الكاعز - الورق - والثالث يجعله يجمع حطباً .. وهكذا ..
ولقد كان أحدهم يضايق في وقت قيلولته في منزله ، فيطرق طارق الثقلاء ، فيقول : أين فلان . فيقال له :
إبحث عنه في المسجد . وهو الدار ..
ومادعاه لهذه المعاريض إلا هؤلاء اللصوص ..
قتلهم الفراغ ، وأعماهم الاشتغال بالناس فتلصصوا على أوقات الصالحين ..
كان الشعبي أو غيره رحمه الله - يقول إذا جلس الثقيل بجواري طننت الأرض مائلة من شقه ..
لثقله على نفسي .. وصدق رحمة الله - ..
فو الله إنك لتشعر بالغثيان من هؤلاء اللصوص ...
الذين إن أردت شئيا من صفاتهم فخذ ما يؤذيك .. فهم أهل ترديد للكلام وتكرار له واهل إشتغال بصغائر الأمور ، وأهل حديث عن الجو والسوق فلا طائل من الجلوس مع هولاء ..
" تذكر "
• أن الوقت المفقود لا يشترى ولا يعود بالنقود
• وفي المثل الانجليزي : " الوقت مال " وأيضا .. " أي جريمة أكبر من تضييع الوقت ؟ .
• تذكر أن الوقت هو مادة الحياة .
• من لايحترم وقته لا يحترم نفسه .
=============
وبالأسحار هم يستغفرون
عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
إن سجود المحراب.. واستغفار الأسحار .. ودموع المناجاة بالليل ... سيماء يحتكرها الخواص من المؤمنين ... ولئن توهم الدنيوي جنته في الدنيا .. في الدينار والدرهم ، والنساء والقصر المنيف ... فإن جنة المؤمن في محرابه ...
نعم يا محب ...
وبالأسحار هم يستغفرون ...
في آخر ساعات الليل ... وفي الثلث الأخير منه بالتحديد ...
لأهل الإيمان ... وعباد الرحمن ... وأهل الصيام والقيام ... موعد مع ربهم وألههم ومحبوهم ... الواحد الديان الرحيم الرحمن ... شعارهم فيه " وبالأسحار هم يستغفرون " والمستغفرين بالأسحار" يقول الحسن ـ رحمه الله ـ عنهم : " مدُّوا الصلاة إلى السحر ثم جلسوا يستغفرون " وكان ابن عمر يصلّي ثم يقول لمولاه نافع : " يا نافع : هل جاء السحر ؟ فإذا قال : نعم ، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح " … ويقول الفضيل بن عياض :" بكاء النهار يمحو ذنوب العلانية ، وبكاء الليل يمحو ذنوب السر " ... وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ويخفي ذلك ... فإذا كان عند الصباح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة ...(1/218)
السحر وقت غافلات الغافلين.. والوساد العريض للنائمين .. يتعرض فيه أرباب العزائم للنفحات الرحمانية ،والألطاف الإلهية ،والمنح الربانية ... حينئذ تكون العبادة أشق وأخلص ، والنية أدق وأمحص …المستغفرون بالأسحار نجاتهم في مناجاتهم ، وصِلتهم في صلاتهم
فهنيئاً لك يا أخي الصائم هذا الوقت العظيم ... هذا الوقت الذي هو شريف بحد ذاته ... وفي رمضان يزداد شرفاً وأهميةً وفضلاً ... يقول العلامة السعدي رحمه الله :" وللاستغفار بالأسحار فضيلة وخصّيصة ليست لغيره " ... فكيف يليق بنا أن تنام أعيننا في وقت ينزل فيه الملك المتعال نزولاً يليق بجلاله ...فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له " [ البخاري ح 1145 ، مسلم ح 758 ] ...
فيا ترى هل فكر كل واحد منّا في استثمار هذا الوقت العظيم الذي هو من آكد مظانّ إجابة الدعاء ؟ ترى ما هي أحوال الناس مع ثلث الليل الآخر ؟! بل كم من شاك لنفسه قد غاب عنه هذا الوقت المبارك !! كم من مكروب غلبته عينه عن حاجته ومقتضاه !!
كم من مكلوم لم يفقه دواءه وسر شفائه ، كم وكم وكم !! ألا إن كثيراً من النفوس في سبات عميق … إنها لا تكسل في أن تجوب الأرض شمالها وجنوبها …شرقها وغربها ، باحثة عن ملجأ للشكوى ، أو فرصة سانحة لعرض الهموم والغموم …. غافلة غير آبهة بالالتجاء إلى كاشف الغمّ وفارج الهم ، ومنفّس الكرب … " بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه " ... " يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء "
فالله الله أن يغلبك النوم فتُضيّع وقت الإجابة والمغفرة والعطاء ... "ونعم العبد عبد الله لو كان يقوم الليل "
مسائل في السحور :-
1) المحافظة عليه وعدم التهاون به ففي الصحيحين قال رسول الله :" تسحرو فان في السحور بركة" وقد فسرت البركة بتفاسير عده من أحسنها ما ذكره الحافظ ابن حجر :" آن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة ... والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة "
2) أن السحور يحصل بأقل ما يتناول المرء من مأكول أو مشروب ولو بجرعة ماء كما في الحديث عند احمد .
3) السنة في السحور تأخيره إلى ما قبل طلوع الفجر قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند " لاتزال أمتي بخير ما عجلوا الفطور واخروا السحور " وعن أنس بن مالك قال :" تسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت ، ثم قاما ، فدخلا في صلاة الصبح ، فقلت لأنس كم كان بين فراغهما ودخولهما في الصلاة ؟ قال : قدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية " [ البخاري ح 551] . والضابط هنا كما ذكر شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى :" أن يكون بين السحور وأذان الفجر المقدار الذي يكفيه للآكل "
4) من فضائل السحور انه فارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب وفي الصحيح " فصل مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر "
5) ومن فضائله انه مظنة مغفرة لله تعالى لما رواه احمد عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " فان الله وملائكته يصلون على المتسحرين "
6) يجب على الصائم الإمساك عن الطعام والشراب إذا استبان طلوع الفجر ولا عبرة بتوقيت المؤذن لانه قد يتقدم أو يتأخر ألا إذا كان المؤذن أمينا يقضا حريصا على إصابة أول الوقت فحينئذ يوثق به ويعتمد قال صلى الله عليه وسلم :" المؤذنون أمناء المسلمين على فطورهم وسحورهم " [صححه الألباني ، صحيح الجامع 6647 ، وانظر طلائع السلوان في مواعظ رمضان ]
7) أن يحرص على وجود التمر في سحوره يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" نعم سحور المؤمن التمر " [ أخرجه ابو داود ح 2345 ]
مسألة :
من اكل متسحراً شاكاً في طلوع الفجر أو يغلب على ظنه طلوعه فلا شيء عليه وصومه صحيح .
=============
أنيس المرأة في شهر الرحمة
إبراهيم بن صالح المحمود
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد:
أختي المسلمة :
يسرني عبر هذه العجالة أن أهنئك بشهر رمضان المبارك شهر الرحمة والغفران وشهر الذكر والقرآن .
قال تعالى : (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من ا لهدى والفرقان )). سورة البقرة ،آية 185.
وقال عليه الصلاة والسلام : "أتاكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم "رواه الأمام أحمد والنسائي .
قد جاء شهر الصوم فيه الأمان *** والعتق والفوز بسكنى الجنان
شهر شريف فيه نيل المنى *** وهو طراز فوق كم الزمان
طوبى لمن قد صامه واتقى *** مولاه في الفعل ونطق اللسان
ويا هنا من قام في ليله *** ودمعه في الخد يحكي الجمان
ذاك الذي قد خصه ربه *** بجنة الخلد وحور حسان
هناكم الله بشهر أتى *** في مدحه القرآن نص عيان
ولما لاحظت من إضاعة الأوقات والسهر على اللهو والمنكرات في هذا الموسم العظيم من قبل بعض الأخوة والأخوات ولكون المرأة أكثر تأثرا في مثل هذا الموسم ومن باب النصيحة جمعت لها بعض النصائح في رسالة أسميتها "أنيس المرأة في شهر الرحمة". اسأل الله أن ينفع بها الجميع وصلى الله على نبينا محمد.
فضل الصيام
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له ، إلا الصوم فإنه لي ، وأنا أجزي به ، والصيام جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم ، إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه "
وقال عليه الصلاة والسلام : "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " .
وقال عليه الصلاة والسلام : "إن في الجنة بابا يقال له : الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" .
وقال عليه الصلاة والسلام : "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله !لا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن م لنار سبعين خريفا" . وقال عليه الصلاة والسلام : "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه ، ويقول القران : منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه ، قال : فيشفعان " .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله : دلني على عمل أدخل به الجنة قال : "عليك بالصوم ، فإنه لا مثل له "
وقفة مع الوقت
الوقت هو حياتك أيتها المرأة هو عمرك ، وإذا كان ذلك الوقت في موسم الخيرات والبركات ، فكيف يا ترى تمضينه في هذا الشهر ا لكريم ؟ .(1/219)
إننا إذا تأملنا واقع كثير من النساء في رمضان وكيف تقفي وقتها رثينا لحالها وعزيناها، فالنوم في نهار،رمضان يأخذ نصيب الأسد من وقت المرأة المسلمة ثم يأتي في الدرجة الثانية المطبخ ، فنجدها تنام إلى الظهر ثم تبدأ بترتيب المنزل ثم الدخول إلى المطبخ لإعداد وجبة الإفطار إلى حوالي العصر وبعد العصر إعداد المشروبات ومائدة الإفطار وبعد الإفطار الاستعداد لمأدبة العشاء وبعد العشاء العودة للمطبخ لغسل الأواني ثم الاشتغال بالمسلسلات أو المكالمات الهاتفية الفضولية أو التجول في الأسواق بلا ضرورة ولا حاجة وهكذا! ! . إلى وقت السحور ثم إعداد وجبة السحور ثم النوم ! ! فبالله عليك ! هل استنفدت من شهر الرحمات ؟! هل تعرضت لنفحات الرحمن ؟ ! .
وقفة بالله عليك بع بعض السلف وكيف كانوا يحافظون على الأوقات كان السلف الصالح ومن سار على نهجهم من الخلف أحرص الناس على كسب الوقت وملئه بالخير، سواء في ذلك عالمهم وعابدهم ، فقد كانوا يسابقون الساعات ويبادرون اللحظات ، ضنا منهم بالوقت ، وحرصا على أن لا يذهب منهم هدرا .
نقل عن عامر بن عبد قيس أحد التابعين الزهاد أن رجلا قال له : كلمني فقال له : عامر بن عبد قيس : أمسك الشمس . يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلمك ، فإن الزمن متحرك دائب المضي لا يعود بعد مروره فخسارته خسارة لا يمكن تعويضها واستدراكها، لأن لكل وقت ما يملأه من العمل . قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي .
وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما .
وقال الحسن البصري : يا ابن آدم ، إنما أنت أيام ، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ، وقال أيضا : أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم .
وقال عمار بن رجاء : سمعت عبيد بن يعيش يقول : م قمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل ، كانت أختي تلقمني وأنا أكتب ا لحديث (8) .
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز *** عليه من الإنفاق في غير واجب
فبين اختلاف الليل والصبح معرك *** يكر علينا جيشه بالعجائب
وقال الوزير بن هبيرة :
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ،ما عليك يضيع
برنامج يومي لاستغلال الشهر:
وبعد تلك الوقفة مع الوقت وأهميته يطيب لي أن أرسم لك منهجا يوميا للاستفادة من الوقت في هذا الشهر العظيم :
* فبعد صلاة الفجر يمكنك الجلوس في المصلى لقراءة القرآن .
وذكر الأوراد الصباحية إلى أن تطلع الشمس وترتفع قيد رمح تم تصلين ركعتين أو أكثر.
قال عليه الصلاة والسلام : "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين ، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة، وقال : "من صلى الصبح ، ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة، كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين "(10) .
* وبعد ذلك لا بأس من أخذ قسط من النوم إلى وقت ذهاب الأولاد إلى المدرسة ، فتعد للأطفال وجبة الإفطار إن كانوا لا يقدرون على الصوم ، مع ملاحظة تعويدهم وتربيتهم على الصيام وحثهم عليه وترغيبهم فيه .
روى البخاري عن الربيع بنت معوذ قالت : كنا نصومه - أي يوم عاشوراء - بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام اعيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار.
* وبعد ذهاب الأولاد للمدرسة الاستفادة أما بسماع شريط إسلامي أو تلاوة قرآن ثم صلاة الظهر وحافظي على السنن الرواتب ، قال عليه الصلاة والسلام : "ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير الفريضة، إلا بنى الله له بيتا في الجنة أو إلا بني له بيت في الجنة"
* وبعد صلاة الظهر والنافلة أخذ قسط من القيلولة إلى قبيل العصر ثم صلاة العصر ويا حبذا لو تصليهن قبل الفريضة، قال عليه الصلاة والسلام : "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا"
* وبعد صلاة العصر اجتماع عائلي "مجلس ذكر" وذلك بإجراء مسابقة لحفظ سور من القرآن وأحاديث من رياض الصالحين أو الأربعين النووية وتشجيع الأولاد على ذلك ومنحهم الجوائز القيمة . قال عليه الصلاة والسلام : "لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة" .
* وبعد ذلك إعداد وجبة الإفطار، واذكرك بقول الله تعالى : (( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين )) . سورة الإسراء ، الآية : 127 .
فلا تبذري وتسرفي ، فكثيرا من المسلمات جعلوا من رمضان عرضا لأصناف المأكولات والمشروبات فتجد على المائدة اكثر من عشرة أصناف من أشكال الطعام وألوانه فالمرأة المفرطة هي التي تقضي اغلب وقتها في المطبخ لإعداد ألوان الطعام فيذهب يومها كأمسها وغدها كيومها وهكذا حتى ينتهي الشهر الكريم وهي حبيسة المطبخ لا تزيد في رصيدها من الدرجات ولا تثقل ميزانها بالحسنات .
فيا أختي المسلمة :
هذا شهر القرآن والقيام لا شهر الطبخ .والطعام .
وتذكري أخواتك المسلمات اللاتي لا يجدن ما يسد رمقهن .
وعند الإفطار لا تنسي الدعاء لإخوانك الذين شردوا من ديارهم وأوذوا وقتلوا وهتكت أعراضهم وذلك بالالحاح والتضرع إلى الله قال عليه الصلاة والسلام : ثلاث دعوات مستجابات ، دعوة الصائم ودعوة المظلوم ودعوة ا لمسا فر" .
* ثم بعد الإفطار وصلاة المغرب طعام العشاء واستراحة قليلة ثم الاستعداد لصلاة التراويح وحذار من التفريط في صلاة التراويح ويا حبذا لو أديت الصلاة في البيت قال عليه الصلاة والسلام : "لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن " .
وإذا أرادت المرأة الصلاة في المسجد فيجب ملاحظة ما يلي :
1- أن تكون متسترة بالثياب والحجاب الكامل .
2- أن تخرج غير متطيبة .
3- أن لا تخرج متزينة بالثياب والحلي .
4- أن لا تركب مع السائق بمفردها .
5- عدم اصطحاب الأطفال .
* ثم بعد صلاة التراويح صلة رحم أو زيارة أخوية وحذار من إضاعة الوقت أمام الأجهزة المدمرة والأفلام الهابطة ، وجليسات السوء اللاتي لا هم لهن إلا الدنيا وأحدث ما نزل للأسواق ، واخرما ابتدع من الموديلات فهن يمتن القلوب الحية ويثبطن ، العزائم العالية فابحثي عمن تعينك على الطاعة وتقربك إلى الرحمن.
عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
* وبعد ذلك أخذ قسط من النوم في الليل لأن نوم النهار لا يغني عن نوم الليل ، وإن تيسر قيام الليل فحسن قال عليه الصلاة والسلام : "عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم " .
وقال عليه الصلاة والسلام : "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " .
يا نفس فاز الصالحون بالتقى *** قد أبصروا الحق وقلبي قد عمي
يا حسنهم والليل قد جنهم *** ونورهم يفوق نور الأنجمي
ترنموا بالذكر في ليلهم *** فعيشهم قد طاب بالترنم
قلوبهم للذكر قد تفرغت *** دموعهم كلؤلؤ منتظم
أسحارهم بهم لم قد أشرعت *** وخلع الغفران خيرالقسم
ويحك يا نفس ألا تيقظ *** ينفع قبل أن تزل قدمي
مضى الزمان في توان وهوى فاستدركي ما قد بقى واغتنمي
* وبعد ذلك الاستعداد للسحور والمحافظة عليه ، قال عليه الصلاة والسلام : "إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين "(1/220)
وأكثري في ذلك الوقت من الاستغفار قال تعالى : (( وبالأسحار هم يستغفرون )) . سورة الذاريات ، الآية : 18
* وأما بالنسبة للعشر الأواخر فينبغي استغلال كل أوقاته بالصلاة والذكر والدعاء، وهذه عائشة رضي الله عنها تخبرنا بفعل الرسول في العشر فتقول : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وجد وشد المئزر".
أدم الصيام مع القيام تعبدا *** فكلاهما عملان مقبولان
قم في الدجى واتل الكتاب ولا تنم *** إلا كنومة حائر ولهان
فلربما تأتي المنية بغتة *** فتساق من فرش إلى أكفان
يا حبذا عينان في غسق الدجى *** من خشية الرحمن باكيتان
فالله ينزل كل آخر ليلة *** لسمائه الدنيا بلا كتمان
فيقول : هل من سائل فأجيبه *** فأنا القريب أجيب من ناداني
شهر القرآن
قال تعالى : (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )). سورة البقرة ، الآية 185.
وقال صلى الله عليه وسلم : "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه " .
وقال عليه الصلاة والسلام : "من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول : آلم حرف ، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" .
وكان جبريل عليه السلام يدارس النبي ، صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان وكان عثمان بن عفان يختم القران كل يوم مرة . وكان الشافعي يختم في رمضان ستين ختمة .
وكان الزهري إذا دخل رمضان يقول إنما هو تلاوة القران وإطعام الطعام ، وكان الإمام أحمد بن حنبل يختم القرآن في كل أسبوع ، وإذا أردت أخيتي ختم القرآن كل سبعة أيام فعليك بقراءة ثمان وثمانين صفحة كل يوم تقريبا، فاقتدي رحمك الله بأولئك الأخيار الأطهار واغتنمي ساعات الليل والنهار.
فبادر إلى الخيرات قبل فواتها *** وخالف مراد النفس قبل مماتها
تبكي نفوس في القيامة حسرة *** على فوت أوقات زمان حياتها
فلا تغتر بالعز والمال والمنى *** فكم قد بلينا بانقلاب صفاتها
أذكار وأدعية مأثورة
يطيب لي أن أورد لك بعض الأذكار المهمة والتي غفل عنها كثير من المسلمين قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا )) . سورة الأحزاب ، الآيتان : 41 ، 42 .
وقال عليه الصلاة والسلام : "ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟" قالوا : بلى، قال : "ذكر الله تعالى" .
وقال عليه الصلاة والسلام : "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " .
وقال عليه الصلاة والسلام : "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ".
وقال عليه الصلاة والسلام : "أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة؟" فسأله سائل من جلسائه : كيف يكسب ألف حسنة؟. قال : "يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عن ألف خطيئة".
وقال عليه الصلاة ؟السلام : (ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟" فقلت : بلى يا رسول الله قال : "لا حول ولا قوة إلا بالله ".
وقال عليه الصلاة والسلام : "من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشرا" .
وقال صلى الله عليه وسلم : "من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف " .
عليك بما يفيدك في المعاد *** وما تنجو به يوم التناد
فمالك ليس ينفع فيك وعظ *** ولا زجر كأنك من جماد
ستندم إن رحلت بغير زاد ***وتشقى إذ يناديك المناد
فلا تفرح بمال تقتنيه *** فإنك فيه معكوس المراد
وتب مما جنيت وأنت حي *** وكن متنبها من ذا الرقاد
يسرك أن تكون رفيق قوم *** لهم زاد وأنت بغير زاد
العمرة في رمضان
قال صلى الله عليه وسلم : "عمرة في رمضان تعدل حجة - أو حجة معي " .
فحاولي يا أخية بقدر استطاعتك بان لا يفوتك هذا الأجر العظيم والموسم الكريم .
وإذا تيسر لك ذلك فينبغي ملاحظة عدم السفر إلا مع محرم والتفقه في كيفية العمرة الصحيحة وتطبيقها كما فعلها المصطفى عليه الصلاة والسلام .
ومن الأمور التي يحسن التنبيه عنها بالنسبة للمرأة في مكة المكرمة ما يلي :
عدم إضاعة الأوقات في التسوق والأسواق ، قال عليه الصلاة والسلام : "أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسوا قها " .
وسئل الشيخ صالح الفوزان عن حكم التردد باستمرار على الأسواق لمعرفة الجديد من السلع والتسابق للفوز بها؟ .
وأجاب الشيخ قائلا: مطلوب من المرأة البقاء في بيتها والقيام با عماله وبتربية أولادها ورعايتهم فإنها راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، قال تعالى : (( وقرن في بيوتكن )) أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة . وقال صلى الله عليه وسلم : "إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " وليست معرفة الجديد من السلع حاجة تبرر لها الخروج من بيتها . فالخطر عظيم خصوصا في هذا الزمن الذي كثر فيه الشر.
وكذلك من الأمور التي يجب التنبيه عليها ليس النقاب الذي انتشر انتشارا مخيفا حتى أن بعضا من النساء الخيرات قمن بلبسه وقد أفتى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين بتحريم ذلك فقال : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين لا شك أن النقاب كان معروفا في عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم وأن النساء كن يفعلنه كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة إذا أحرمت "لا تنتقب " فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب ، ولكن في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز وهذا أمر كما قاله السائل مشاهد ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب في أوقاتنا هذه بل نرى أنه يمنع منعا باتا وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وأن لا تنتقب لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه فيما بعد .
فتاوى مهمة
س1 - سئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله عن جواز وضع الحناء على الشعر في أثناء الصيام وهل ذلك يفطر الصائم ؟ .
فأجاب حفظه الله بقوله :
هذا لا صحة له ، فإن وضيع الحناء أثناء الصيام لا يفطر ولا يؤثر على الصائم شيئا كالكحل وقطرة الأذن وكالقطرة في العين فإن ذلك كله لا يضر الصائم ولا يفطره .
س 2 سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله .
هل يجوز لطاهي الطعام أن يتذوق طعامه ليتأكد من صلاحيته هو صائم ؟
فأجاب حفظه الله بما نصه : لا بأس بتذوق الطعام للحاجة بأن يجعله على طرف لسانه ليعرف حلاوته وملوحته وضدها، ولكن لا يبتلع منه شيئا، بل يمجه أو يخرجه من فيه ولا يفسد بذلك صومه إن شاء الله تعالى .
س 3 ما حكم تأخير قضاء الصوم إلى ما بعد رمضان القادم ؟
أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله بقوله :(1/221)
من أفطر في رمضان لسفر أو مرض ، أو نحو ذلك ، فعليه أن يقضي قبل رمضان القادم ، وما بين الرمضانين محل سعة من ربنا عز وجل ، فإن أخره إلى ما بعد رمضان القادم ، فإنه يجب عليه القضاء ويلزمه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم حيث أفتى به جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . والإطعام نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف الكيلو تقريبا من تمر أو أرز أو غير ذلك ، أما إن قضى قبل رمضان القادم فلا إطعام عليه .
فرصة التوبة في رمضان
إن رمضان موسم عظيم فيه تتجلى الرحمات وتقبل الحسنات ويتجاوز ربنا عن السيئات ، فحري بك أخيتي أن تستفيدي من هذا الموسم وذلك بالتوبة إلى الله والعودة إليه .
أخيتي : إذا كنت قد ابتليت ببعض المعاصي والذنوب فأبدي بالتوبة من هذا الشهر واجعلي رمضان ميلادك الجديد إلى الاستقامة والصلاح إلى التوبة والفلاح .
فإذا أردت أن تسلكي الطريق المستقيم فعليك بما يلي :
1- حافظي على جميع الصلوات في أوقاتها مع السنن الرواتب .
2- ابتعدي عن قرينات السوء .
3- تجنبي سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام .
4- أكثري من قراءة القران .
5- جاهدي وصابري على ذلك .
6- أكثري من الدعاء بقبول التوبة .
7- استمعي إلى الشريط الإسلامي .
8- تعرفي على رفيقات صالحات واحذري مجالس الغيبة والنميمة .
9- ساعدي والدتك في أعمال المنزل .
10- فإن طبقت تلك الأمور فبإذن الله ستكونين من الصالحات القانتات التائبات .
قال تعالى : (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون * أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون )) . سورة الأحقاف ، الآيتان 13 ، 14 .
وقال عليه الصلاة والسلام : "لله أفرح بتوبة عبده ومن أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة".
هذا ما يسر الله جمعه في هذه الرسالة، أسأل الله أن ينفع به والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المصدر الجبيل نت
================
بين الدراسة والدعوة
السؤال
أنا طالب في جامعة القاهرة في إحدى كليات القمة، ملتزم وأتمنى أن أكون إيجابياً وممارسا للدعوة، ولكن منذ حوالي 5 سنوات تم تغيير نظام الدراسة في الجامعات المصرية، بطريقة تجعل الامتحانات مستمرة طوال السنة، مما يستهلك الوقت كله في الدراسة والاستذكار، ولا يترك مجالاً لي ولا للطلبة الآخرين أمثالي للعمل والدعوة للإسلام، فكيف أستطيع التوفيق بين الدعوة والدراسة مع إعطاء كل جانب حقه.
الرد
إنه مما تعارف عليه الناس الحكمة الشهيرة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" أو "ما لا يدرك جله لا يدرك كله" أيًا كانت المقولة الأشهر فالمقولتان صحيحتان.. والمتتبع لديننا الحنيف يجد ذلك بوضوح، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" (فأتوا منه ما استطعتم) هكذا نبني حياتنا على ما نستطيع، على ألا نترك الأمر لأننا لا نستطيع إدراك كله أو جله، وهكذا هي حياتنا بالفعل إدراك ما يمكن إدراكه، والحديث عن الأمر الواقع يقودنا إلى مشكلة الدراسة والدعوة، وهي مشكلة دائمة وموجودة في كل البلاد، فكيف أدرس وأدعو إلى الله في وقت واحد، والدراسة تأخذ كل وقتي؟
إنه من الجميل أن أحمل همَّ الدعوة في قلبي، وهذا أمر يحمد لك يا أخي، ومن المفروض علينا أن نكون متفوقين في دراستنا، وهو ما أنت عليه بالفعل من كونك في إحدى كليات القمة، وبذلك تكون قد جمعت الخيرين؛ التفكير في الدعوة والتفوق في الدراسة، وتبقى نقطة أخيرة، كيف يكون التوفيق بينهما؟
اعلم أن تفوقك في دراستك هو في حد ذاته دعوة إلى الله ، فالداعية المتفوق أدعى أن يسمع له الناس ويثقوا به ويعجبوا به. فلماذا لا يكون المسلمون هم الأوائل الذين يشار إليهم بالبنان؟
كما لا تنسَ أن تعاملك مع زملائك وسلوكك داخل كليتك هو أيضا دعوة إلى الله فهو كما يقال دعوة بالحال قبل المقال. فلنكن كما كان رسولنا صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وقبل أن يمارس الدعوة إلى الله، فقد كان مشهورا بالصادق الأمين وهو ما أهله لأن يكون أهل ثقة وكلامه ذو مصداقية. ومثل يوسف الصديق عليه السلام حينما كان في السجن وجاءه رجلان يستفتيانه في أمرهما ووضحا سبب اختيارهما له دون غيره، في قوله تعالى "إنا نراك من المحسنين" فكان ذلك بداية ممهدة لدعوتهم لعبادة الله الواحد.
أود أن أذكرك بلفتة لطيفة ذكرها بعض المفسرين للقرآن الكريم عند حديثهم عن قصة السيدة مريم في سورة مريم، عندما حانت لحظة ولادتها لعيسى عليه السلام، عندما أمرها ربنا أن تهز جذع النخلة ليتساقط الرطب عليها، ".. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا،فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا، وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا، فإما ترين من البشر أحدًا فقولي إنما نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًا"
الشاهد هنا هو أمر الله للسيدة مريم أن تهز جذع النخلة، وتعالَ معي لنرى المشهد مصورًا: امرأة حامل -والحمل يجعلها ضعيفة-، في ساعة الولادة -والولادة تزيدها ضعفًا على ضعف-، جائعة -وهذا ضعف ثالث يضاف-، يائسة - ضعف رابع-، يطلب منها الله - سبحانه وتعالى الخالق الصمد الذي لا يحتاج إلى أحد وإنما أمره كن فيكون-، أن تهز جذع النخلة -الشديد القوي الذي لو هزه الرجل القوي فبالكاد يسقط بضع ثمرات، فكيف بالمرأة المتراكمة عليها أسباب الضعف؟-، رغم كل ما سبق فقد طلب منها الله -غير المحتاج لذلك سبحانه- أن تهز جذع النخلة كي ينزل عليها "الرطب الجنيّ"، لأنه سبحانه يريد منها أن تبذل ما تستطيع، والباقي عليه سبحانه، بشرط أن تبذل هي ما تستطيع.
إذن فعليك أن تقوم بما تستطيع ، واترك الباقي على الله سبحانه وتعالى، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "ولكن سدِّدوا وقارِبوا" ، فسدّدْ وقارِبْ، واعلم أنه متى ما تيقن الله من استنفاذك كل طاقتك فسترى ثمرات جهدك تتساقط عليك رطبًا جنيًا، فتقر عينك، ويهدأ بالك.
أما كيف تقوم بما تستطيع؟ فالأمر ببساطة يكون بعقد النية، وتنظيم الوقت، وترتيب الأولويات.
عقد النية على التفوق في الدراسة وعلى الدعوة إلى الله.
تنظيم الوقت بتحديد ما يكفي من ساعات يومية للدراسة، وعدم ترك عمل اليوم للغد، ثم إيجاد ولو القليل من الوقت للعمل والدعوة.
ترتيب الأولويات بأن تنظر في حياتك وترتب أولوياتها حسب ما أقررته من قواعد سابقة تعيش بها، ولا تنسَ أن أمامك صيفًا طويلاً تكون فيه الدعوة هي شاغلك الأول، كما كانت الدراسة شاغلك الأول أغلب الشتاء، فتكون الأولوية الأولى في الصيف للدعوة، وأما في الدراسة فالأولوية للدراسة والاجتهاد، ولا تنس نصيبك من الدعوة خلالها، وثق نهاية أن الله سيبارك في وقتك، متى ما تحقق منك حق البذل والعطاء، "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين".
فاعقد النية، ونظِّم الوقت، ورتب الأولويات.. و"هزَّ النخلة"، لتنال هداية السبيل و"الرطب الجنيّ".
اتفقنا ؟؟ في انتظار إجابتك بـ" نعم".
عن موقع الإسلام على الانترنت الاستشارات الدعوية
=============
توبة مهمة قبل فتح أبواب الجنة
محمد حسين يعقوب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فالوقت أضيق من المقدمات، فتعالوا نستقبل رمضان
بتجويد التوبة
التوبة أول واجب للاستعداد لرمضان، وهي وظيفة العمر، اللهم تب علينا توبةً نصوحاً(1/222)
قال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]
وليست التوبة كما تفعل دائما: تبت.. تقول: أستغفر الله بلسانك، وقلبك غافل لاه..
أو تظن أن التوبة هي التوبة من النظر للمتبرجات أو التوبة من الكذب والغيبة و..
إنني أريد التوبة هذه المرة من حياتك.. من نمط الحياة التي تعيشها.. من نمط التفكير.. من الآمال العريضة
التوبة من هذه الحياة
جدد التوبة.. حسِّن التوبة.. اصدق التوبة، إنك تحتاج أن تتوب من أشياء لم تخطر لك على بال، ولم تحسبها يوماً من ذنوبك..
هل فكرت في التوبة من تضييع الأوقات؟
كم تضيع من الوقت في ليلك؟
كم تضيع من الوقت في الشرود الذهني في وقت الفراغ؟
وساعات المواصلات التي تمر من غير ذكر ولا تعلم؟
وساعات النوم التي تضيع من العمر من غير نية صادقة؟
وتلك التي تضيع في (التليفونات)، والرنات، وإرسال الرسائل، بل وقراءة الرسائل، واللعب (بالتلفون)؟
وتلك الأخرى التي تضيعها في تصفح الشبكة السرطانية؟
ماذا بقي من وقتك بعد كل هذا لله ؟!
وقتك، وقتك.. كنزك الذي تضيعه هباءً، قال صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" [البخاري]
وما رمضان إلا ساعات مثل التي ألِفت تضييعها. درّب نفسك على المعاتبة على تضييع الأوقات
هل فكرت في التوبة من آفات لسانك؟
هل جربت أن تكتب رسالة على (التليفون) ووجدت نفسك تحاول أن تنقص من الحروف شيئا يسيرا لكي تضبط الرسالة وفق التكلفة التي ترغب؟
إن كل كلمة تقولها تكتب، وصدق بعض السلف: "لو أنكم تشترون المداد للكرام الكاتبين لسكتم".
الكلام يُكلفك سيئات..
دعونا من المراوغة وتعالوا نتكلم بصراحة:
إن وجود (التليفون) في يد كثير من الناس مجرد (منظرة) وتقليد أعمى ولعب، فليس صاحبنا رجل أعمال خطير ولا شخصية مهمة، ولا يمثل التليفون بالنسبة له أي دور ولا أثر، فما الذي كان؟ الآفات الثلاث التي يكرهها الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله كره إليكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال" .[متفق عليه]
دعونا من المراوغة وتعالوا نتكلم بصراحة:
القصص والحكايات والمنامات والمناقشات.. إلخ
كل هذه مآسي ظاهرة، لكن قد يُتستر عليها بستار الدين فتُنسب إليه..
أيها الأحبة؛ إن الكلام شهوة، وكل هؤلاء لا يقلون خطراً عن المتكلمين في الفن والرياضة وغير ذلك..
كلام، كلام، والملائكة لا تمل أن تكتب، ولا تغفل عن أن تكتب، وستُسأل عن كل كلمة.
فتب إلى الله من القصص والحكايات قولا وسمعا واغتنم لسانك في ذكر الله تعالى.
ومما ينبغي أن يتوب منه لسانك قبل رمضان:
المجاملات والمبالغات التي ليست إلا نفاق وقسوة قلب بشعة..
وكذلك التهريج والمزاح والفحش والبذاء، والمسمى -بالباطل- في عصرنا بـ (خفة الدم) !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" [الترمذي وصححه الألباني]
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب" [ابن ماجة وصححه الألباني]
فاتقوا الله يا قومنا، ونزهوا ألسنتكم عن فضول الكلام، فضلاً عن الفحش والبذاء والتهريج والمزاح.
إنك تحتاج أيضاً لتوبة في علاقاتك!
كثيرا ما تسأل أحدهم: كم جزءا قرأ من القرآن الكريم، ويكون الجواب: أنا أتمنى والله أن أقرأ، ولكن المشكلة.. ليس هناك وقت!
وحين تسأل أين ضاع الوقت؟ وكيف ضاع الوقت؟
فإنك ستجد أن من أخطر ما يضيع الوقت: كثرة الاختلاط بالناس..
إننا نستهين بمكالمة لمجرد المجاملة، قد يضيع فيها نصف ساعة، ومصافحة وكلمتين (ع الماشي) بعد الصلاة أمام المسجد يضيع فيها نصف ساعة أخرى، وهكذا تضيع الأوقات بغير فائدة، والعبد مسؤول عن عمره فيما أفناه.
لابد أن تُحجم علاقاتك.. أن تختصر معارفك.. ليس هناك مجال لأداء حقوق كل هؤلاء
والتوبة من هذا تكون بتحقيق الإخلاص في العلاقات، بإقامة صرح الحب في الله، وأن تحب المرء لا تحبه إلا لله، فتنضبط العلاقات بضابط الحب في الله والبغض في الله، فتكون عبادة.
وإن أكبر آفات العلاقات أن تكون العلاقة آثمة بين رجل وامرأة مهما زعموا أنها (علاقة بريئة!)
دعونا نكون صرحاء !
ليست هناك علاقة بريئة، كلها علاقات محرمة، إننا يا قوم عبيد، يحكمنا دين يقوم على أمر ونهي، وليس الحاكم في ذلك العادات والتقاليد، أو الهوى والشهوات..
فتجب التوبة قبل دخول رمضان من كل علاقة آثمة حتى يطهر القلب..
حتى قلبك يحتاج إلى توبة
توبة من الخواطر، وأحلام اليقظة التي يستمتع بها بعض الناس.
أخي الحبيب: لا يقتلك الوهم، عش الحقيقة وإياك من الخواطر الرديئة، اجعل خواطرك تحت السيطرة، لا تدعها تخرج من تحت يدك، إنك إذا تركت الخواطر ترعى في قلبك وعقلك بغير ضابط ولا رابط؛ فستعيش الوهم وتصدقه..
كم من الناس قتلهم وهم (المشيخة)، وهم ليسوا على شيء؟ وآخرون قتلهم وهم طلب العلم وعاشوا أحلام اليقظة في ثياب فضفاضة ليست من ثيابهم.
أخي الحبيب.. قبل رمضان عش الحقيقة، وانس الوهم، وتب إلى الله، واستعن بالانشغال بالأعمال على الخروج من الأوهام..
يحتاج قلبك أيضا أن يتوب من التعلق بغير الله:
قال سبحانه: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا = كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 81، 82]
فإياك أخي الحبيب والتعلق بغير الله، الكل سيخذلك ويتخلى عنك إلا الله العظيم، فلا تنشغل بالآخرين، واجعل انشغالك بمن ينفعك انشغالك به، تب من التعلق بالأسباب والتعلق بغير الله.
قل لقلبك أيضاً: تب من الأماني والتسويف وطول الأمل:
إخوتي في الله: أحذركم من السين وسوف، قال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً غرتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: (نحسن الظن بالله) وكذبوا؛ لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
قل لقلبك أيضاً: تب من العجب والكبر والغرور ورؤية النفس:
أمراض تقتل الإيمان وتذهب بالعبد إلى الجحيم، فالمعجب محبط عمله، والمتكبر لا يدخل الجنة، والغرور قتال، ورؤية النفس تجعلك تختال..
فاحذر يا مسكين؛ فإنك لا تدري بم يُختم لك، تب من ذلك كله وانكسر واخضع وذل لربك، لعل أحد هؤلاء الذين تزدريهم قد سبقك إلى الجنة بمراحل، ولله في خلقه شؤون، فاحذر..
عجل بالتوبة، ومن تواضع لله رفعه.
تب من الكسل
ونحن على أبواب رمضان، والكل يعرف فضائل رمضان، ولكن ماذا أفاد هذا العلم؟
أين العمل؟!
إن الكسلان يقينه ضعيف في الوعد والوعيد، تأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة" [الترمذي وصححه الألباني]، أنا قلت الآن: سبحان الله العظيم وبحمده، ونظرت في الساعة فإذا هي ثانية واحدة، لو ثبت يقينك في هذا الوعد أنك تكتسب بالثانية الواحدة نخلة في الجنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من نخلة في الجنة إلا وساقها من ذهب" [الترمذي وصححه الألباني]، فوزن ساق النخلة من ذهب مئات (الكيلوغرامات)، هذا ثمن كل ثانية من عمرك، وأنت تضيعه (شذر مذر).. لا تبالي ولا تذر، وإنما أتيت من ضعف يقينك، لو ثبت يقينك في هذا الوعد، ما ضيعت لحظة من عمرك، وما ركنت إلى الكسل وترك العمل.. اعمل يا كسلان.
وبعض الناس يريد التفلت من الدين لكن بدين!(1/223)
فهو يبحث كسلاً عن الرخص، ويتخذ الخلاف بين العلماء مسوغات للهروب، فكل المسائل عنده فيها خلاف بين العلماء، وهو يرجح فيها بهواه، ويختار ما يوافق شهوته، ويظن أنه على شيء، {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ = اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 18، 19]
تب أخي الحبيب من هذا الترخص المهين، واستعن بالله على الأخذ بالعزائم، والعمل الجاد المثمر، والله المستعان.
وقد جعلت التوبة من الكسل آخر هذه العناصر؛ حتى لا نكسل في التوبة، فلنسارع الآن.. حالاً.. ونتب إلى الله..
إخوتاه..
هذه التوبة لازمة.. ليست استعداداً لرمضان فحسب؛ فلعلنا لا ندرك رمضان، ولكنها لازمة استعداداً للموت، فقد تموت الآن في هذه اللحظة؛
إذاً فتب ولا تسوف
اللهم ارزقنا قبل رمضان توبة، وقبل الموت توبة
واللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
==============
معاً لنرتقي بصيفنا
زاد المعاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مصرف الليل والنهار عبرة لمن يعتبر , وباسط الليالي ليزداد العباد في الصالحات , والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والسراج المنير محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه الأطهار الميامين : أما بعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حيا الله هذه الوجوه المباركة التي ما اجتمعت إلا لأجله سبحانه وتعالى , أسال الله أن يحرم هذه الوجوه على النار إنه ولي ذلك والقادر عليه .....
حياكن الله في روضة من رياض الجنة وحلقة من حلق الذكر المباركة تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة ويذكرنا الله في ملأ خير منا ,
إليكن أزف قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " و قوله صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم في صحيحه : " لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده "
وهنيئاً لكم " قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات "
لعلنا اخترنا هذا الموضوع تزامناً مع الموسم وأعتذر من أخواتي اللاتي من خارج البلاد إن لم يكن الموضوع يناسبهن لإختلاف الفترات الدراسية بيننا وبينهن , وعموماً لن يحرمن خيراً بحول الله فسأحرص على أن يناسب الموضوع كافة الحاضرات رعاكن الله .....
سيدور حديثنا نحو أربع محاور رئيسية :
المحور الأول : أهمية الوقت في حياة المسلم .
المحور الثاني : نماذج من حرص السلف الصالح على الوقت .
المحور الثالث : إجازة ,,,,,,, ولكن ؟؟؟!!! .
المحور الرابع : وسائل وأفكار لقضاء الإجازة .
نبدأ في المحور الأول على بركة الله :
المحور الأول : أهمية الوقت في حياة المسلم :
قال صلى الله عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " فعلى المسلم أن يغتنم كل لحظة من عمره في ذكر الله عز وجل وليعلم علم اليقين أن عجلة الحياة لن تدور إلى الوراء فهي في سير حثيث نحو الأمام فحري بكل ذي لب أن يتفطن لهذا الأمر قبل أن يندم ولات حين مندم ....
قال تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{100}" المومنون
وماذا بعد ؟؟!!!
" فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ{101} فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{102} وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ{103} " المؤمنون
لذلك حري بنا أن نستغل أوقاتنا ونعمرها بما يثقل الميزان قال صلى الله عليه وسلم " أعمار أمتي بين الستين والسبعين "
هذه الأعمار قصيرة أمام أعمار الأمم السابقة التي كانت تعمر السنون الطوال فخص الله هذه الأمة بمواسم وعبادات تثقل الميزان كليلة القدر ورمضان عموماً وعشرٍ من ذي الحجة , وعشر حسنات بكل حرف من كتابه الكريم وأعمال كثيرة ليس المجال هنا لبسطها ..
يقول الشاعر /
ولدت أمك يا ابن آدم باكياً والناس حولك يضكحون سروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً .
المحور الثاني / نماذج من حرص السلف الصالح على الوقت :
كان المتقون الأبرار السابقون الأولون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أعرف الناس بربهم وأتقاهم له فكانوا في سير حثيث لا ينقطع وسباق مع الزمن لكسب الصالحات .
قيل ليحيى بن زكريا : هيا بنا نلعب , قال : ما للعب خلقنا ...
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : وما أدراكم بابن مسعود !!! تلميذ نجيب في مدرسة النبوة يقول : ما ندمت على شئ ندمي على يوم غربت شمسه اقترب فيه أجلي ولم يزدد عملي .
ويقول ابن عمر رضي الله عنهما كما صح عند البخاري من حديثه رضي الله عنه يوم أن كان النبي صلى الله عليه أخذاً بمنكبه وقال له : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " , فقال ابن عمر : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك "
وما زال هذا الحرص في سلفنا الصالح إلى زماننا هذا فقد ذُكر عن سماحة الوالد الشيخ ابن باز علية رحمه الله ورضوانه رضواناً لا ينقطع إلى يوم الدين كان لا تفوت خمس دقائق من عمره إلا بذكر أو تسبيح أو سؤالاً عن أحوال المسلمين وما صحة سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا فعلها ....
ويقول أحد السلف الصالح : لو فاتني وردي من الليل لم أستطع قضائه في الصباح , لإنشغال وقته .
فلله در هذه الوجوه المباركة
ويعلم الله أني ما قلبت سيرتهم يوماً وأخطأ دمع العين مجراه .
المحور الثالث / إجازة .............. ولكن ؟؟؟!!!!
جاءت الإجازة الصيفية بعد عناء عام كامل من الجد والإجتهاد .,,
ولنتفق أخواتي الحبيبات على أمر بادئ ذي بدء
لنتفق على أننا نحتسب الأجر في عِلمنا أياً كان نوعه علمياً أو شرعياً , وكذلك الموظفين والموظفات والمعلمين والمعلمات حديثنا يشملهم ....
فلو اتفقنا على ذلك ستأتي الإجازة إمتداداً للحقبة الدراسية أو الوظيفية المنصرمة بإكمال احتساب الأجر في هذه الإجازة التي تمتد على أكثر تقدير قرابة الثلاث أشهر وذلك بقضائها في كل ما يقربنا من الله عز وجل وليعلم المسلم أنه " لا إجازة في حياته " بل هو مكلف ما دام فيه عرق ينبض وروح تدب ....
لذلك فليحرص كل منا منا طالباً وموظفاً وطلبة وموظفة على استغلال هذه الفترة في زيادة الحسنات والبعد عن السيئات .
المحور الرابع / وسائل وأفكار لقضاء الإجازة الصيفية .
الإلتحاق بدور التحفيظ النسائية :
لحفظ كتاب الله عز وجل وخير ما تفنى فيه الأعمار كتاب الله عز وجل وقد ورد في فضائل القرآن أحاديث عدة قال صلى الله عليه وسلم " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وقال عليه الصلاة والسلام " اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه " وقال عليه الصلاة والسلام " إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين "(1/224)
فاحرصن على الإلتحاق بهذه الدور المباركة وكذلك الدورات الشرعية التي تقام هناك كحفظ المتون العلمية من السنن النبوية ابتداءً بالأربعين النووية ثم عمدة الأحكام تدرجاً ثم بلوغ المرام لابن حجر والمنتقى لابن تيمية ثم إنطلاقاً للصحاح وياله من شرف يوم أن نحمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صدورنا
ولا يلزم حفظها جميعاً في الإجازة لكن لتكن هذه الإجازة انطلاقتها ...
وقد لا يتيسر لنا الذهاب للدور النسائية أو الإلتحاق بالدورات الشرعية فلا تُحرمي الخير بحول الله فمجال طلب العلم واسع اعملي جدولاً مع أخت لك في البيت أو صديقة ولو بالهاتف لحفظ القرآن , أو لسماع موعظة بسيطة ,
وكذلك الأشرطة النافعة التي يُسجل بها دروس العلماء ,,,
ويجدر بي أن أشير هنا إلى الحرص على أخذ العلم من أهلة الثقات فابتعدي عن أهل البدع من الصوفيين وغيرهم ولا تقرئيها ولو للإطلاع ما دمت غير عالمة تردين عليهم لما فيه خطر على دينك أختي الغالية .
واعملي لأهلك وأطفالك دروساً علمية خفيفة يومية أو اسبوعيه كل على حسب حاله مع ملاحظة أن تناسب المواضيع المطروحة حال المُخاطب وظروف الأسرة ....
وكذلك أوصيكن بالحرص على العلم الشرعي كي تدفعن الجهل عن أنفسكن وغيركن .
الدعوة إلى الله عز وجل في الأفراح :
فلا تخافي ولا تخجلي أخيه من انكار المنكر واعلمي رعاك الله أنك طالماً رأيت المنكر هناك وجب عليك تغييره وإلا كما يقول العلماء : تخرجين خروجاً يفهم منه إنكارك لهذا المنكر ويُعلم سبب خروجك ,,,
واعلمي أن إنكار المنكر يكون بالكلمة الطيبة ولين الجانب
وان دعيت لفرح وعلمت مسبقاً بوجد منكر فيه وتعذر عليك تغييره ـ بعد محاولات عدة ممن تمونين عليهم ـ فقولي لهم والله إنكم عزيزون علي لكن حفلكم فيه أمور لا ترضي الله عز وجل ,,,,
السفر المباح :
الذي يأمن المرء فيه على نفسه ودينه من الفتنة وعلى من يعول لا بأس به إن التزمنا بتعاليم الإسلام وأخلاقه وكنا دعاة لله بحجابنا وأخلاقنا ,,, والبعد عن الإسراف في السفر بدفع الأموال الطائله في النزهة
ويجدر بنا أن نشير إلى أمر هام في السفر لبلاد الكفار يقول الشيخ بن عثيمين في هذا الأمر :
فكذلك إن كان الإنسان من أهل الإسلام ومن بلاد المسلمين فإنه لا يجوز له أن يسافر إلى بلد الكفر لما في ذلك من الخطر على دينه وعلى أخلاقة ولما في ذلك من اضاعه ماله ولما فيه من تقوية اقتصاد الكفار ونحن مأمورون بأن نغيظ الكفار بكل ما نستطيع .
ثم ذكر الشيخ شروطاً للسفر لبلاد الكفار :
1 ـ أن يكون لدية علم يدفع به الشبهات .
2 ـ أن يكون لدية دين يحميه من الشهوات .
3 ـ أن يكون محتاجاً إلى ذلك مثل أن يكون مريضاً يحتاج للسفر إلى بلاد الكفر للاستشفاء أو يكون محتاجاً الى علم لا يوجد في بلاد الإسلام تخصص فيه فيذهب هناك أو يكون الإنسان محتاجا إلى تجارة يذهب يتجر ويرجع , المهم أن يكون هناك حاجة
ثم أردف قائلا : ولهذا أرى أن الذين يسافرون إلى بلد الكفر من أجل السياحة فقط أرى أنهم آثمون ..
ولمزيد عن هذا الموضوع راجعوا إن شئتم شرح رياض الصالحين المجلد الأول " شرح الحديث الأول حديث عمر ابن الخطاب " إنما الأعمال بالنيات .... "
فلنكن دعاة إلى الله في أي أرض نطئها بتطبيق شعائر الله عز وجل .
الإنترنت :
نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل فاحرصي على تسخيرها لخدمة دين الله وما يقربك من ربك عز وجل طول العام عامة وفي فترة الإجازة خاصة وذلك بتصفح المواقع الإسلامية والمشاركة في المنتديات الإسلامية بكتابة مقال أو رد يخدم دين الله ويكون شاهداً لك عند الله عز وجل وتذكري :
وما من كاتب إلا سيفنى ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شئ يسرك في القيامة أنك تراه .
وكذلك لو تعدي قائمة بريدية لمجموعة من الأخوات ترسلين لهن المقالات النافعة الدينية وكذلك الأمور المباحة حتى لا تمل القارئة كأن ترسلي لها ما يفيدها في أناقتها بما أباحه الله وأطباق مختلفة ولا تنسي الفكاهه المباحة التي لا كذب فيها ولا سخرية بأحد ولا غيبة ....
واعلمي وفقني الله وإياك لما فيه الخير أن المؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه فاصحبي صديقة تعينك على الخير وتذكرك بالله دوماً
أقول قولي هذا فما كان فيه من صواب فمن الله وحده ومن كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منة براء
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله علية وسلم
وتجدون في المرفقات المحاضرة كاملة لمن أراد نشرها أو طباعتها والإستفادة منها
اللهم اجعل عملي لوجهك خالصاً ولا تجعل لبشر فيه حظاً ولا نصيباً
أختكم الداعية لكم بالخير
زاد المعاد
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
===============
دعوة شباب المقاهي والأرصفة
أبو أحمد
الحمد لله ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير محمد بن عبد الله فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :
سبحان من قال ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) قال العلماء في تفسير هذه الآية من شروط إتباعك لمحمد صلى الله عليه وسلم أنك تدعوا إلى الله وما أشرفه من عمل وما أجلها من مهمة في ضل قال الله وقال الرسول أحبتي الدعوة إلى الله بحر لا ساحل له ومنها ما نحن بصدده ألا وهو دعوة شباب المقاهي والأرصفة فكم هو جميل أن تنقذ مئات الشباب من بؤر الفساد وظلام المعصية بإذن الله إلى نور الهداية بإذنه سبحانه فقد جرب هذا المجال من الدعوة وأثمر إثمار عجيب بفضل الله سبحانه فهو المنعم المتفضل سبحانه ولا شك أن يد الله مع الجماعة فبتكاتف ينجح العمل الدعوي وخاصة هذا العمل فعلم انه ممتع وشيق وتزيد المتعة عندما تتذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النَّعم) ومن آثار هذه الدعوة المباركة توبة مروج مخدرات وتوبة 12 من الشباب دفعة واحدة وفي المنطقة الشر قيه فقط أكثر من 600 شاب .
الأشرطة المقترحة :
* مفرق الجماعات
* قوافل العائدون
* عكسيه
* هذه قصتي
هذه تقريباً الأشرطة المجربة ومؤثرة وننصح بها أما المطويات فلا نوزع مخافة امتهانها أولاً و لعدم قراءة الشباب لها ثانياً .
فيا أخي الفاضل أيها الداعية المبارك أضع بين يديك خلاصة الجهود عل الله أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه الكريم آمين , وأن تكون قد استفدت مما قدمت لكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
أهداف الدعوة إلى الله في المقاهي وجلسات الأرصفة
1. تنشئة جيل نافع للأمة
2. استخراج الشباب من الظلمات إلى النور بمشيئة الله
3. تحسين صورة الشباب المستقيم لديهم
4. توعيتهم بعظم خطر ما هم عليه
5. تنشئة جيل نافع للأمة
6. توعيتهم بعظم أمر الوقت
إرشادات :
1. لا بد أن يحضر الأشخاص المعنيين قبل الوقت المحدد بنصف ساعة ومع حضورهم يستحضرون النية الصالحة وابتغاء هذا العمل لوجه الله تعالى.
2. عدم إحضار أي شخص اجتهادا وخاصة الملتزمين الجدد وطلاب الحلق.
3. اختصار الوقت في الجلسة وعدم الإطالة.
4. مراعاة من عرض عليك مشكلة إن زاد عن 10دقائق أعطه رقم جوالك
5. عدم التدخل في الأمور السياسية.
6. عدم الاجتهاد في الفتيا إلا بعلم.(1/225)
7. لين الجانب وحسن الخلق و البشاشة, وعدم الجفوة و القسوة و الابتسامة لا تفارق محياك.
8. تقبل كل ما يأتيك
9. عدم استعجال الثمرة و الأهداف المنشودة و المسعى إليها (مثلا بعد كلامك تريد منه أن يقوم).
10. الحرص على تبادل الأرقام.
11. الحرص على حضور الاجتماعات.
12. كتابة كل قصة هداية أو تأثر شاب بعد الطلعة وتسليم الأرقام مع الرقم و الاسم.
13. عامل الشاب معاملة المشفق علية.
14. لا تفرض نفسك عل الشخص المجادل المستهزئ و الرافض لنصحك ويفضل تركة بالتي هي أحسن.
15. أن كل شخص حُدد له الجهة و الموقع محدد إذا انتهى منه أن لا يجتهد اجتهادا إلا إذن . مثلا بعد أن انتهى من المقاهي ذهب للجلسات.
الأماكن المقترح زيارتها :
1. المقاهي الكبار
2. المقاهي الصغار
3. الأرصفة
4. الاستراحات
وتكون زيارتها كالتالي :
الأسبوع الأول المقاهي الكبار
الأسبوع الثاني تكون الزيارة للمقاهي الصغار
الأسبوع الثالث تكون الزيارة لللأرصفه
الأسبوع الرابع تكون الزيارة للاستراحات
وهكذا بحيث يراعى تنوع الوجوه في كل زيارة.
تبدأ الجولات الدعويه السـ10.5ـــ أو11ـــــاعة مساءً لابد من المرجعية في الأمور المشكلة .
طريقة العمل
الزيارات الفردية :
1. يتفق على مكان معروف لتجمع الشباب وعنده تبدأ نقطة الإنطلاقه حسب الجدول المعد مسبقاً ويوزعهم المشرف حسب الجدول وتذهب كل فرقة إلى الجهة المحددة لها في الجدول بحيث لا تزيد الفرقة عن 3 ولا تقل عن 2 .
2. مراعاة الوقت أن لا تزيد الجلسة عن 10 دقائق ولا تقل عن 5 دقائق
3. في نهاية الجلسة يوزع الشريط على الحاضرين بحيث إذا كانوا 10 مثلاً يهدى لهم 8 لتعظم أهمية الشريط عندهم
ملاحظة :
أخي الفاضل أعلم أن البركة من الله فلا نجعل الأسلوب كل شيء ولو أنه أمر مطلوب ولانجعل الشريط المهدي كل شيء فالبركة منه سبحانه هو الذي يطرح البركة في هذه الأمور فتثمر بإذن الله ويراعى في هذا الجانب صلاح الشخص نفسه وقربه وبعده من الله فعلى هذا يجب أن يراعى جانب العبادات الفردية .
فالله أسأل أن يرزقني وإياكم الإخلاص في النية والقول والعمل
العمل الجماعي :
لابد أخي من التنويع في وسائل الدعوة حتى ما يدخل العمل في طابع روتيني ممل فمن هذا الباب نعرض عليك هذا العمل الجماعي ففي المرة الأولى كنت أنت من يذهب للشباب أما الآن فلأمر مختلف هم الذين يأتون أليكم كيف ؟ هذا ما سأبينه لكم من خلال هذا البرنامج المتواضع وأعلم أنه سيحضرون مئات الشباب الذين قتلهم الفراغ .
أخي الفاضل قبل العمل بهذا العمل يجب أن يتفق مع مؤسسة خيريه لتتبنى الموضوع رسمياً ولا تبدأ بهذا العمل إلا بموافقة رسميه .
ما يحتاج لإقامة مثل هذا البرنامج
1. جهاز كمبيوتر
2. بروجوكتر ( جهاز عرض للكمبيوتر )
3. فرشات ( زل )
4. لوحة للعرض
5. ماطور كهرب
6. أشرطة للتوزيع في نهاية البرنامج
طريقة العمل :
• يشغل البروجوكتر في عرض ملفت للنظر من بعيد يحث على القدوم ويستمر لمدة 45 دقيقه
• في هذه الأثناء يوجه المشرف الشباب المستقيم لدعوة شباب الأرصفة للبرنامج ويوزعهم على المناطق التي يكثر فيها الشباب .
• لا يزيد مدة البرنامج عن 1 ساعة ولا يقل عن نصف ساعة .
• يوزع الشباب المستقيم خلف السيارات لرد من أراد الخروج بطريقة لبقه مؤدبه وتذكيره بفضل المجلس .
بعده يبدأ العرض ويقترح أن يكون( عروض فلاشيه عن الموت أناشيد عن التوبة آثار التفحيط ) توزع الأشرطة في نهاية البرنامج مع رقم جوال أو جوالين يسمى مثلاً بقوافل العائدين . وفي النهاية أسأل الله لي ولك الإخلاص والقبول .
ملاحظات للدعوة الجماعية
* تحديد المكان
* توزيع المهام
* توزيع الأشرطة بعد العرض.
* توزيع الأرقام للشباب الحاضرين.
* جلوس الشباب أثناء العرض.
* عدم حضور الشباب في الوقت المحدد .
* عدم رد الشباب على الجوالات.
* عدم تخصيص شخص للإتصال .
اقتراحات
* رقم مميز يكون مع 2 من الشباب
* شخص يكون مسؤول عن مستودع الأشرطة
* توزيع الأشرطة
* رعاية التائبين(التائب الجديد بنشر جوالة بين الشباب )
* توجيه الشباب للاستراحات
* المسؤول عن الرسائل
* الحضور في وقت مبكر يقترح مساء11,30 للتجمع
* رقم مميز يطبع على الأشرطة.
* شخص معه صندوق يجمع أرقام الشباب الموجدين إذا كان هناك دعوة جماعية
ملفات تنظيمية للبرنامج الدعوي
أخوكم أبو أحمد
===============
البديل عن مشاهدة التلفاز
أيها الآباء ... إليكم البديل عن مشاهدة التلفاز
ما البديل ...
الحمد لله، كاشف الهموم ومجلي الغموم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فمع الغزو الإعلامي المكثف تحولت كثير من بيوت المسلمين إلى مرتع مفتوح لدعاة الشر والفساد، وزاد تعلق الناس بالشاشات وما يعرض فيها، حتى أنها دخلت في تنظيم أوقات حياتهم وتربية أفكارهم وتغيير معتقداتهم وتوجيه صغارهم!
وقد يطول زمن الجلوس في بعض البيوت أمام الشاشات إلى ساعات طويلة لو جمعت في عمر الإنسان لكانت أياما وشهورا وسنينا. وهكذا يفقد كثير من الناس ما هو أغلى من الذهب والفضة وأكثر فائدة وأعظم أثرا.. ألا وهو الوقت.
فإن كان المال يستطيع الموفق أن يستثمره وينميه، وأحيانا يأتي من وارث، أو هبة، أو غير ذلك، إلا أن الزمن لا ينمى ولا يوهب ولا يشترى مطلقا!
ومن تحدث عن هذا الأمر وأسهب في مضار ما يعرض يفاجئه سؤال عجيب ألا وهو قول الكثير من الناس: ما البديل إذا؟
أخي المسلم: إن صدقت في السؤال وأحسنت النية فالبدائل كثيرة، وتغيير مسار الحياة سهل. ميسور، وقد سبقك الكثير!
وإني أعجب للرجل العاقل والمرأة الفطنة كيف يجعلان حثالة القوم وسفلة المجتمع من الحاقدين والصليبين والمنافقين والمهرجين يوجهون فكرهما ويربون أولادهما ويغرسون فيهما ما شاءوا من الرذيلة وسيء الخلق!
ولإعانة من أراد التخلص من الشاشة تقربا إلى الله عز وجل وطاعة وامتثالا لأمره، أطرح له بدائل عدة لعل فيها ما يغني عن هراء الممثلين والممثلات وسخف الأغاني الماجنة والمسلسلات الساقطة، وبث السموم والأفكار المخالفة لدين الله عز وجل ومن تلك البدائل:
ا- تحقيق التقوى في النفس والأبناء وعندها يأتي الفرج سعادة للنفس وطمأنينة في القلب. فإن الله تعالى يقول: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويقول تعالى: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين . ومن أعظم أنواع الصبر؛ الصبر على الطاعة والبعد عن الحرام. وأذكر هنا أن امرأة صالحة كانت تلغي كثيرا من ارتباطاتها وزياراتها لبعض من حولها خوفا على أبنائها من متابعه المسلسلات والشغف بالتمثيليات فأكرمها الله عز وجل بأن جعل أبناءها بررة حافظين لكتاب الله عز وجل قرت بهم أعين والديهم. { ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه }.
2- الحرص على العبادة وخاصة الصلاة في أوقاتها والإكثار من نوافل الطاعات من صلاة وصيام وعمرة وصدقة وقراءة للقران. ونرى أن من يحس بالفراغ والوحشة إنما هو ذلك الذي ابتعد عن النوافل وفرط في الطاعات، والكثير من العباد ينظر إلى الوقت وقصره وسرعة انقضائه لأنه استثمره خير استثمار.
3- تحري أوقات الإجابة والتضرع إلى الله عز وجل فإن الشاشات وما يعرض فيها والتعلق بذلك بلاء وشقاء يرفعه الله عز وجل بالدعاء والمجاهدة والصبر.(1/226)
4- معرفة فتاوى العلماء في حكم هذه الشاشات وما يعرض فيها وغرس البعد عن الحرام في قلوب الصغار وتربيتهم على طاعة الله عز وجل والبعد عن معصيته. خاصة أن الأمر تجاوز مجرد الشهوات إلى إثارة الشبهات حول مسلمات عقدية نؤمن بها وهي من أساس دين الإسلام.
5- قراءة ما يعرض عن الشاشات وخطر ما فيها وهذا يسهل أمر الصبر والمصابرة، فإن في معرفة الأضرار الدينية والطبية - والنفسية سلوى لمن أراد الابتعاد وسعى إلى النجاة. وأنصح بقراءة كتاب (بصمات على ولدي) لطيبة اليحيى. فقد أوردت بالأرقام والإحصاءات ما يجعل المسلم يبتعد عن هذه الشاشات. كما يوجد في المكتبات كتب متميزة خاصة بتربية الصغار تربية إسلامية.
6- الاستفادة من الأوقات للقيام بالواجبات الاجتماعية من بر الوالدين وصلة الأرحام وتفقد الأرامل والمساكين وإعانة أصحاب الحوائج.
7- الاشتغال بطلب العلم وحث أهل البيت على زيادة معلوماتهم الشرعية في ظل تيسر الأمر بوجود أشرطة العلماء السمعية. فيستطيع رب المنزل أن يرتب له ولأسرته درسا يوميا أو أسبوعي.
8- ربط أهل البيت والأطفال بسيرة الرسول ودعوته وصبره وجهاده وقراءة دقائق حياته فإن في ذلك أثرا على تربية النفوس وتهذيبها وربطها بمعالي ا لأمور.
9- وضع دروس يومية منتظمة بجدول ثابت لحفظ آيات من القران الكريم وفي هذا أثر عظيم جدا، ولو رتب أحدنا حفظ بعض الآيات كل يوم لختم القران في سنوات قليلة وفي ذلك خيرا الدنيا والآخرة. وبعض الناس قارب عمره الأربعين سنة ولم يحفظ خمسة أجزاء من كتاب الله عز وجل؟!
10- الاهتمام بإيجاد مكتبة أسرية متنوعة تحوي مختلف العلوم وتكون في متناول الجميع، فإن في ذلك تنمية للمواهب والمدارك عن طريق القراءة حتى يصبح الكتاب - بعد حين - رفيقا لا يمله أهل المنزل.
11- الاستفادة من برامج الحاسوب الآلي المتوفرة بكثرة بما في ذلك المسابقات وبرامج اختبار الذكاء وغيرها.
12- معرفة نعمة الله على الإنسان باستثمار الوقت في عمل صالح فإن تلك نعمة عظيمة قال ابن القيم: "وبالجملة، فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية القي يجد غب إضاعتها يوم يقول: يا لينتي قدمت لحياتي واستشعار قيمة الوقت يدفع إلى الحرص والمحافظة عليه وانفاقه فيما ينفع. والرجل الفطن يلحظ ضياع كثير من الطاعات والقربات وفواتها عليه بسبب جلوسه امام الشاشة وما تضييع الصلوات وخاصة صلاة الفجر إلا دليل على ذلك، كما أن في ضياع صلة الرحم والكسل عن القيام بالواجبات الأسرية دليلا آخر. وفي ضياع الوقت بهذه الصورة مدعاة إلى التوقف والتفكر والمحاسبة!
13- القيام بالنزهات البرية للأماكن الخلوية البعيدة عن أعين الناس والتبسط مع الزوجة والأبناء وإشباع رغباتهم في اللعب والجري وصعود الجبال واللعب بالرمال. وهذه الرحلات من أعظم وسائل ربط الأب بأسرته وهي خير من الذهاب بهم لأماكن اللهو التي تفشو فيها بعض المنكرات ولا يستطيع الأب أن يجلس مع أسرته وأبنائه بحرية تامة.
14- وضع برنامج رياضي للأب والأم والأبناء بمعدل يومي عشر دقائق مثلا حتى وإن اقتصر على التمارين الخفيفة.
15- زيارة الصالحين والأخيار والاستفادة من تجاربهم، والاستئناس بأحاديثهم، وربط الناشئة بهم ليكونوا القدوة بدلا من الممثلين والمهرجين.
16- إشغال الفتيات بأعمال المنزل وتدريبهن على القيام بالواجبات المنزلية وتعويدهن على تحمل مسئولية البيت وتربية الأطفال والقيام بشئونهم.
17- وضع جدول زمني- شهري مثلا - لحضور بعض محاضرات العلماء في المساجد.
18- مشاركة الجهات الخيرية والمؤسسات الإغاثية بالعمل والجهد والمساهمة بالوقت في تخفيف هموم المسلمين ورفع معاناتهم.
19- جعل يوم في الأسبوع يوما مفتوحا في المنزل لإلقاء الكلمات المفيدة وبث الفوائد بين الجميع وطرح الأفكار ورؤية إنتاج المنتجين في الأبناء والصغار.
20- جعل قائمة بالأنشطة والدرجات والتقديرات للأبناء وتحسب نقطة لكل عمل جيد، وأخرى لكل جهد مميز وهكذا في نهاية الأسبوع توضع الجوائز لصاحب أعلى النقاط. بما فيم ذلك الانضباط أيام الأسبوع والمذاكرة وغيرها.
21- تسجيل الأولاد في حلق تحفيظ القرآن الكريم في المساجد، والأم وبناتها في دور الذكر لتحفيظ القرآن الكريم واظهار الفرح بذلك وتثجيعهم على المراجعة مع بعضهم البعض وذكر ما حفطوا كل يوم. وفي هذا ربط لهم مع كتاب الله عز وجل.
22- جعل أيام معينة للأسرة يجتمعون فيها ويكون الحديث مفتوحا، ويركز على قصص التوبة ومآسي المسلمين وقصص من أسلموا حديثا وذكر بعض الطرائف والنكت المحمودة.
23- التأمل الدقيق في بيوت كثير من الأخيار التي تخلو من الشاشات، وكيف هو بفضل الله صلاح أبنائها وإستمرار أهلها وحسن تربيتهم على التقوى والصلاح فإن ذلك يدفع الرجل إلى الحذو حذوهم ويدفع بالأم إلى السير على طريقهم.
24- الإكثار من شكر وحمد الله عز رجل على أن أبدل المعصية بالطاعة والسيئات بالحسنات والفرح بذلك فإن في ذلك ثباتا على الأمر وإشاعة لتحول كبير في الأسرة.
25- القيام بأعمال دعوية أسرية مثل مراسلة هواة المراسلة ودعوتهم إلى الالتزام بهذا الدين وإرسال الكتب إليهم، أو كتابة رسائل توجيه ونصيحة للطلاب والطالبات وغيرها، كل لبني جنسه.
26- اختيار أسر من الأخيار وزيارتهم ومعرفة كيفية استفادتهم من أوقاتهم وكذلك سؤالهم كيف يعيشون سعداء بدون شاشة!
27- كثير من الناس لا يعرف خلجات بناته ولا هوايات أبنائه ولا هموم زوجته لأن وقت الأسرة مليء بالاجتماع على مشاهدة الشاشة فحسب، وبدون الشاشة يكون الحديث مشتركا والتقارب أكثر بإيراد القصص والطرف وتبادل الأحاديث والآراء.
28- الاهتمام بهوايات الأبناء وتوجيهها نحو خدمة الإسلام والمسلمين وتشجيعهم علي المفيد منها.
29- إعداد البحوث علامة على مقدرة الشخص وتمكنه العلمي. ولكل عمر من الأعمار مستوى معين من البحوث وهذا يجعل الأسرة تعيش جوا علميا إذا أرادت ذلك وسعت إليه.
30- كثير من الناس يعتذر بوجود الشاشة لرغبته في معرفة أحداث العالم وأخبار الكون! و مع حرصه هذا فانه غافل عن أخبار الآخرة وأحداث يوم الحسرة والندامة وأحوال البرزخ وأهوال البعث والنشور والسراط وغيرها! وله كفاية بالإذاعة وبعض الصحف لمتابعة الأخبار والأحداث!
31- لو طلب منك شخص أو جهة أن تضع في صالة منزلك خمسة أفراد ما بين رجل وسيم وامرأة فاتنة منهم الفاجر والفاسق ومنهم المهرج ومنهم المنصر، وشرطت عليهم أن لا يتحدثوا ولا يجتمعوا بأبنائك وزوجتك إلا بحضورك! فهل يا ترى تخرج مطمئن الفؤاد إلى هؤلاء وهم في عقر دارك!! إن كان الأمر كذلك وبقية إيمان في قلبك فأخرجهم حتى ولو لم يكن هنالك بديلا.
أخي المسلم، أختي المسلمة:
هناك أمور كثيرة لا يكفي لها الوقت لو ذكرت، إنما الهدف ذكر طرف منها للتخلص من الشرور ودفعها بين يدي المسلم. وفي طاعة الله عز رجل وتقراه خير معين، وهذا البيت الصغير هو مملكتك التي تستطيع أن تجعلها جنة وارفة الظلال بالطاعة والعبادة وحسن الخلق وطيب المعشر.
وكثير جعل هذا المسكن والقرب جحيما بسوء التربية وحلول المعصية وفساد الطباع يخربون بوتهم بأيديهم . وكما أن للطاعة أثرا فإن للمعصية شؤما.(1/227)
ويا أيها الأب ويا أيتها الأم: المسؤولية عظيمة والحساب شديد والأمانة بين أيديكم، فإياكم وضياع الأولاد وإهمالهم فإنكم مسؤولون ومحاسبون عنهم غدا. يقول الله جل وعلا: يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة .
وأذكركم بقول الرسول : { كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته } متفق عليه.
وأجزم أن كثيرا من الآباء لو علم أن الشاشات تسبب مرضا معينا لمن يراها ولو لدقائق لما بقي في البيوت شاشات إطلاقا. ولكن لأن هذا مرض عضوي اهتم الآباء به أما مرض القلوب والشهوات فالأمر مختلف. وشتان ما بين زماننا وأهله وصدر الإسلام وأهله. فلما نزلت آية تحريم الخمر ما قال الصحابة: لنا سنوات، ولدينا منها مخزون كبير أو ما هو البديل إذا! بل سالت الشعاب بالخمر المراق طاعة وامتثالا. ولما نزلت آية الحجاب خرج نساء المسلمين وهن كالغربان متشحات بالسواد لا يرى منهن شيئا. وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا .
ولأهل الإسلام فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .
قال ابن كثير: (أي عن أمر رسول الله وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته) ثم قال رحمه الله في قوله تعالى: تصيبهم فتنة أي في قلوبهم من كفر أو نفا ق أو بدعة.
أقر الله الأعين بصلاح الأولاد وضاعف الأجر والمثوبة للوالدين على حسن التربية والتوجيه لهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
انتاج " دار القاسم بالرياض "
==============
كيف تقضي الإجازة
إبراهيم بن مبارك بو بشيت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين... وبعد:
أخي المسلم: تُعايش بعد أيام إجازة العام الدراسي، وللناس في ذلك أحوال، وخصوصاً مع الوقت الذي هو العمر، فإن في المنازل آلافاً من طلبة المدارس الذين يقضون إجازة ثلاثة أشهر، فياترى فيمَ تقضى هذه الأيام؟
أخي الحبيب: قبل أن أذكر لك بعض الوسائل التي يمكن أن تعمر بها إجازتك لي وقفة مهمة معك وهي:
إعلم أن الوقت الذي أنت فيه هو حياتك، إذا أهملته أهملت حياتك، وإذا عمَّرته عمَّرت حياتك، ولأهمية الوقت بالنسبة للمسلم فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به فقال: { وَالْعَصْرِ } [العصر:1]، { وَالْفَجْرِ } [الفجر:1]، { وَالضُّحَى } [الضحى:1]، { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [الشمس:1]، { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } [الليل:1]، إلى غير ذلك من آيات القرآن الكريم، وقال الناطق بالوحي : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ } [رواه البخاري]. وروى الطبراني بسند صحيح عن معاذ عن النبي قال: { لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال:..... ذكر منها: عن عمره فيما أفناه؟... }.
أخي الحبيب، كم تتمنى في مستقبل حياتك من أمور، كأن تكون طبيباً، أو مهندساً، أو معلماً، أوغير ذلك من الوظائف، و لاشك أن هذا لا يحصل إلا ببذل الجهد، والجد، والمثابرة، والسعي بقوة ونشاط.
إذا كانت هذه حالك مع الوظائف الدنيوية فلابد أن تكون أشد حرصاً على المناصب الأخروية، فأحسبك حريصاً على وقتك ألا يذهب هباءً منثوراً، وها هو ابن القيم رحمه الله يصوِّر لك حياتك، فيقول: ( السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته شجرة طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل. فأي الثمار تريد رعاك الله..؟ فالحياة ميدان عمل وإنتاج، والإجازة فرصة لهذا. كم مرَّت عليك وعلى غيرك من الإجازات فإذا هي تذهب دون فائدة.
قال أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثان
أخي الشاب: هذه بعض الأمور التي تعينك على عمارة وقتك وحياتك في هذه الإجازة:
(1) حفظ القرآن الكريم أو شيء منه:
قال فيما أخرجه البخاري: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه }. وكم تمر على البعض من أبناء المسلمين إجازة تلو الأخرى دون أن يقرأ شيئاً من القرآن فضلاً عن حفظه، فاحرص على إتقان قراءتك مع صديق أو زميل يعينك على ذلك، واحرص أن تحفظ خلال هذه الإجازة على الأقل كل يوم خمس آيات، وتقرأ بها في النوافل والصلوات السرية، وسوف ترى خيراً كثيراً بإذن الله.
(2) الحرص على السنة النبوية الشريفة:
بقراءتها وفهمها وحفظ شيء منها، فكم تخفى عنا كثير من أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم ، وهذا كتاب رياض الصالحين فيه خيرٌ كثير، فاقرأ شيئاً منه كل يوم.
(3) الحرص على أداء العمرة وزيارة الحرمين:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر } [رواه البخاري ومسلم]. وكم في الصلاة في المسجد الحرام من أجر، فالصلاة بمائة ألف صلاة، وكذلك الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، فكم في هذا من خير، واحذر ـ عند ذهابك ـ اللهو وكثرة إرتياد الأسواق وتضييع الأوقات.
(4) صلة الأرحام:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الرحم معلقة في العرش. تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله} [أخرجه البخاري ومسلم]، والإنسان في أثناء الدراسة ربما يتعذر بالإنشغال، فالإجازة فرصة لذلك، ولصلة الرحم فوائد: فإنها من أسباب الرحمة ودخول الجنة، ولها أثر في زيادة العمر، وبسط الرزق، وما أجمل أن يتعاون الأقارب بعضهم مع بعض، ويضعون جدولاً لزيارة أرحامهم ولو لبضع دقائق.
(5) الحرص على الكسب وتعلم صنعة أو مهارة:
فالإجازة ليس معناها النوم والسهر، لا والله فابحث عن عمل صيفي تكسب من ورائه، أو الدخول في دورات للحاسب الآلي، أو أي مهنة تتعلم منها مهارة من المهارات، تستفيد منها في حياتك كالسباكة والكهرباء أو غير ذلك.
(6) تقوية الضعف الدراسي:
فإن بعض الطلاب يعاني من ضعف في بعض المواد الدراسية، ( كضعف الطالب في الإملاء والرياضيات والإنجليزي وغيرها ). مما يسبب له تأخراً في الدراسة، ولا يفكر في إصلاح هذا الحال الذي هو فيه إلا عند الإمتحانات أو أثناء الدراسة، وربما لا يجد فرصة، بينما الإجازة فرصة لتوفر الوقت وإرتياح البال لعدم إرتباطها بنجاح أو رسوب.
(7) الإطلاع على مواد السنوات المقبلة:
وهذا قد يتثاقله كثير منا، فيفضل الجلوس فارغاً، ولا ترى عينه شيئاً من ذلك، فاطلب من زملائك الذين سبقوك دراسياً بعض كتبهم واطلع عليها، فمن خلالها سوف تتعرف على ما ستدرسه في السنة القادمة.
(8) الإشتراك في المراكز الصيفية:
فالمراكز فرصة مباركة للتعرف على الصحبة الطيبة، التي تعينك على طاعة الله تعالى، وتعلو بك، وترفع من قدرك ومكانتك. قال الشاعر:
فاصحب الأخيار تعلُ *** و تنل ذكراً جميلاً
ولا سيما ما فيها من إستغلال للوقت، وتعلم للعلم النافع والمهارات الطيبة، نفع الله بها.
(9) زيارة أهل الخير:
كالعلماء والصالحين، ولا تنس ذلك المعلم الذي عشت معه عاماً دراسياً، وكذلك زملاءك الطيبين ممن فيهم خير كثير، والزيارة الأخوية فيها أجر عظيم، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي بسند حسن عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: { من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناد منادٍ أن طبت وطاب ممشاك، وتبوّأت من الجنة نزلاً }.
(10) التعود على العبادة:(1/228)
فالإجازة فرصة لتربية النفس على العبادة، كالسنن الرواتب وصيام النفل والصلاة من الليل، والحفاظ على صلاة الجماعة في المسجد، إلى غير ذلك من العبادات، وفقنا الله وإياك للخير.
(11) مؤانسة الأهل:
سواء بالسفر معهم السفر المباح، إما إلى البحر أو إلى المزارع أو المصايف، والحذر كل الحذر أثناء السفر من اللهو المحرم، ورؤية المتبرجات السافرات، ولا تنس أن تأمر أهلك بلباس الشرع، سدد الله خطانا وخطاك.
(13) سماع الأشياء النافعة:
سواء عن طريق إذاعة القرآن الكريم أو الأشرطة المفيدة أو غيرهما، فإن فيها خيراً كثيراً ومنافع عظيمة، والبعد عن سماع المحرمات، كالغناء والمزامير وما لا يرضاه الله ورسوله.
أخي الشاب: وهذه بعض الأمور التي أحذرك من الوقوع فيها أثناء الإجازة:
(1) السفر المحرم:
كالسفر إلى بلاد الكفار بقصد الفساد، كالزنا وشرب الخمر، فيخسر الكثير من الناس أموالهم، وقبل ذلك دينهم وأعراضهم، في سبيل شهوتهم وطاعة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، والعياذ بالله.
(2) كثرة النوم:
فمن الخطأ أن يظن أن الإجازة فرصة للنوم كقولهم: ( الآن نعوّض التعب الذي حصل في الإمتحانات )، ومن المؤسف أن بعض الشباب ربما ينام ساعات طويلة، ناهيك عن الصلوات التي تضيع.
(3) إطالة السهر:
وهذه ظاهرة تظهر جليّة أيام الإجازات، فترى الشباب على الأرصفة والشوارع وغيرها إلى الفجر، وربما بعده، وإذا سهر الإنسان إلى هذا الوقت فيا ترى في أي شيء يقضي هذا الوقت؟ فاحذر يا أخي النوم طوال النهار، والسهر بالليل على الأفلام والمسلسلات والإنتقال من قناة إلى قناة، وكذلك السهر على لعب الورق ( البلوت).
واحذر السهر في المقاهي، فلا يخفى عليك ما يدار فيها من الأمور المحرمة كشرب الدخان والشيشة ( المعسل)، وكفى ما فيها من مجالسة نافخي الكير.
(4) المعاكسات:
وهذه ظاهرة مَرَضيّة يُصاب بها فِئام من المجتمع، فالحرص على أرقام الفتيات ومتابعتهن عن طريق الهاتف حرام لما فيه من إيذاء المسلمين وإنتهاك أعراضهم، بل وفيها دمار لمستقبل الإنسان.
(5) التجول في الشوارع والأسواق:
وهذا لا شك بسبب الفراغ الذي يعتبر مفسدة لكثير من الشباب.
لقد هاج الفراغ عليه شغلا *** وأسباب البلاء من الفراغ
وماذا يستفيد الشباب من هذا التجول، إنه يعرضهم لكثير من الفتن التي لا تحمد عقباها، فضلاً عن كونه فيه إهدار للوقت الذي هو الحياة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على الخير النافع. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
==============
كيف تقضي الإجازة الصيفية يا طالب " كلية العلوم الإسلامية "
د . ماهر ياسين الفحل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .أما بعد
أخي طالب العلم طالب كلية العلوم الإسلامية ، اعلم أن مما يلحق العالم بعد موته ، وينتفع به في حياته ثلاثة جوانب ، هي استمرارٌ لحياته ومضاعفةٌ لحسناته ، وهي داخلةٌ ضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة : من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له )) .
والعلم الشرعي النافع قد يودعه الإنسان في بطون الكتب العلمية النافعة ؛ فيستفيد منها الناس في حياته وبعد مماته ، وربما تتعاقب عليه الأجيال التالية ، ويبقى في ذلك ذكر الإنسان والدعاء ، واستمرار أجره .
ومنهم من يودع العلم في صدور تلامذته ، ينتفعون بعلمه في حياته وينقلونه إلى الأجيال ، فيبقى له أجره إلى ما شاء الله .
وبعضهم يرزقه الله سبحانه وتعالى القدرة على التوفيق إلى تربية تلامذة علماء ، وتأليف كتب نافعة محررة ؛ فيحصل له النفع الكبير ، والخير الوافر ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
لكن اعلم أنَّ العلم لا ينال إلا على جسر من التعب والمشقة ، ومن لم يتحمل ذل التعلم ساعة تجرع كأس الجهل أبداً ، فتلق العلم عن أهله فمن دخل في العلم وحده خرج وحده .
والعلم والعمل لا مناص من الصبر عليهما والصابر موعود بالجنان قال تعالى { سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد:24) ولا ينال العلم إلا بالصبر على المكاره وبذل النفس في طلبه والتفاني فيه ، وبالنظر إلى عواقب الأمور يهون الصبر عن كل ما تشتهي وما تكره .
واحذر العوائق والآفات من مواصلة سير الطلب ، فالحفظ والمدارسة لا تحمدان بحضرة الشواغل والصوارف وفي الملهيات الحضارية المحظورة والمحطات الفضائحية إشغالٌ للأفكار ، وعيشٌ في الأوهام وهدرٌ للأوقات ، وفي مجانبتها صيانةُ الدين وصفاءُ الأذهان وحفظُ الأزمان ومسابقةُ الأقران ؛ فنزه سمعك وبصرك عما يلوث فكرك ، ويسيء إلى سلوكك ، ويفسد أخلاقياتك فتنبذ العلم ثم تعيش في الحضيض .
وعليك أخي طالب العلم بالصديق الصالح فالصديق قرينٌ ثانٍ فإنْ كان صالحاً فقد أعان ، وإنْ كانت الأخرى فقد أفسد ؛ فجانب جليس السوء فهو يفتُ عضد الطموح .
واستحضر فضل العلم والتعليم في إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة .
واعلم أنَّ تحصين الطلاب بعلوم الشريعة مطلبٌ شرعيٌّ ولو كانت وجهتهم في التعليم إلى غير العلوم الدينية ، فالعلوم الشرعية تضفي على المتعلم طمأنينةً وسعادةً وراحةً في سني التعليم يقول عز وجل يقول عز وجل : { أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: من الآية28) ويقبح بالمرء إلمامه بالعلوم الطبيعية وجهله بمسلمات الشريعة وتزداد حاجته إلى علوم الدين مع مصارعته للفتن وتلاطم أمواج الإحن ، والمسلم متميزٌ في علومه وسعة أفقه مؤيدٌ بنور الإيمان يربط الدنيا بالآخرة وما في الكون بوحدانية الله .
واحذر أخي طالب العلم سفاسف الأخلاق فآفة العلم الإعجاب والغضب وحليته الحلم والتواضع ، والسعيد من عرف الطريق إلى ربه ، وسلكها قاصداً الوصول إليه ، وهذا هو الكريم على ربه ، والمحروم من عرف طريقاً إليه ثم أعرض عنها . وجماع الخير أنْ تستعين بالله في تلقي العلم الموروث عن النبي عليه الصلاة والسلام .
والعلم النافع هو أصل الهدى ، والعمل بالحق هو الرشاد ، والضلال العمل بغير علم والغي إتباع الهوى ، ولا ينال الهدى إلا بالعلم ولا ينال الرشاد إلا بالصبر ، وأصل السيئات الجهل ، وعدم العلم والكسل عن الفضائل بئس الرفيق ؛ فتهيأ إلى أسباب العلم بتنقية النفس من العجز وإتباع الهوى . والتواضع للعلماء إكرام للنفس من الإهانة . واندم على مضى من التفريط واجتهد في اللحاق بأهل الفضل والعزائم مادام في الوقت سعة وفي العمر فسحة .
فإذا تقدم هذا فلنبدأ بوضع منهج علمي متكامل للإجازة الصيفية حتى يستغل الوقت بأهم ما يكون ؛ لأن الوقت مهمٌ على طالب العلم ؛ فهو رأس ماله ، ولأن الوقت زمن تحصيل الأعمال والأرباح ، بل هو الحياة كلها ، وقد أقسم الله بأجزائه بالليل والنهار والفجر والضحى والعصر والشفق .
فأقول إذن : لا بد من سماع الشريط الإسلامي والاهتمام به فهو من أعظم الطرق الموصلة للعلم ، وليكن لك مكتبة صوتية مهمة للعلوم الشرعية ، واحرص على دروس الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، والشيخ عبد الله السعد والشيخ عبد الكريم الخضير .
مع الحرص على سماع أشرطة الدعاة المبرزين مثل الشيخ عائض القرني والشيخ علي القرني والشيخ إبراهيم الدويش .
ولا بد لطالب العلم من مخزون حفظي فيفضل حفظ بعض المتون المهمة ، مثل الأربعين النووية وبلوغ المرام ورياض الصالحين والعقيدة الطحاوية .(1/229)
وليكن أول همك حفظ كتاب الله ، أما كيف تحفظ القرآن الكريم:
1. أخلص قصدك في حفظه لوجه ربك تبارك وتعالى.
2. قلل المحفوظ يومياً.
3. راجع في آخر النهار كل يوم.
4. ليكن لك زميل يسمّع لك وتُسمّع له.
5. استمع لشريط القرآن المسجل كثيراً ، أو لقناة المجد للقرآن .
6. صلِّ بما تحفظ من الفرائض والنوافل وتهجد به من الليل.
7. إقرأ تفسير الآيات المحفوظة ليساعدك على الحفظ .
واعلم أن عبادة طالب العلم الذكر ؛ إذ إن من أعظم النوافل لطالب العلم ذكر الله عز وجل دائماً قائماً وقاعداً وعلى جنبه ؛ لأن طالب العلم كثير التنقل ربما شُغل عن نوافل الصلاة والصيام فالله الله في الذكر في كل طرفة ولمحة ؛ فإنه أعظم لك على طاعة الله تعالى وكاف لك عن المعاصي ، وهو من أعظم السبل لتثبيت العلم .
ولابد لك أن تقرأ في هذه الإجازة الصيفية كتاباً كاملاً في كل فن :
* فالتفسير عليك بكتاب تيسير الكريم الرحمن .
* والعقيدة عليك بشرح العقيدة الطحاوية .
* والمتون النبوية عليك برياض الصالحين وبلوغ المرام ، ولا تغفلن عن جامع العلوم والحكم .
* والفقه عليك بكتاب الملخص الفقهي ، أو الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز .
* والأصول عليك بكتاب شرح الأصول في علم الأصول أو الوجيز .
* والنحو عليك بشرح الآجرومية وشرح قطر الندى .
* والسيرة عليك بالرحيق المختوم .
* والمصطلح عليك بإختصار علوم الحديث .
* وغيرها من الكتب النافعة الماتعة مثل كتاب زاد المعاد ، وكتب الموضوعات وكتب الحديث المتنوعة ، مع متابعة قناة المجد للحديث ومتابعة كتب الفتاوى المعتمدة وبرنامج الجواب الكافي .
* ولا بد من تدريب النفس على الدعوة والإلقاء .
واختم كلامي بنصائح من مقدمتي لرياض الصالحين : (( وأنا أنصح كل مسلم بالاهتمام بهذا الكتاب العظيم كتاب " رياض الصالحين " ، وأنصح بمداومة قراءته مرة بعد مرة ، والاهتمام بحفظ أحاديثه ، وعلى صاحب العائلة أنْ يفقّه عائلته بهذا الكتاب . وكذا أنصح كل مسلم بالاهتمام بتوحيد الله (( فَإنَّ التَّوحيدَ حقيقتُهُ : أَنْ تَرى الأُمورَ كُلَّها مِنَ اللهِ تَعالى رؤيةً تقطعُ الالتفاتَ عن الأسبابِ والوسائطِ ، فلا ترى الخيرَ والشَّرَّ إلاَّ منه تعالى . وهذا المقامُ يُثمرُ التوكُّلَ ، وتركَ شِكايةِ الخلقِ ، وتركَ لومِهِم ، والرِّضا عن اللهِ تعالى ، والتّسليمَ لحكمِه .
وإِذا عرفتَ ذلكَ ؛ فاعلمْ أَنَّ الرُّبوبيَّةَ منه تعالى لعبادِهِ ، والتَّألُّه من عبادِه له سبحانه، كما أَنَّ الرحمةَ هي الوصلةُ بينهم وبينَهُ عز وجل .
واعلَم أَنَّ أَنْفسَ الأَعمالِ ، وأَجلَّها قدراً : توحيدُ اللهِ تعالى غَير أَنَّ التوحيدَ له قِشران :
الأوَّل : أَنْ تقولَ بِلِسَانِك : (( لا إله إلاَّ اللهُ )) ويُسمَّى هذا القولُ : توحيداً ، وهو مناقضُ التَّثْليثِ الذي تعتقدُه النَّصارى .
وهذا التوحيدُ يصدُرُ - أَيضاً - من المنافقِ الَّذي يُخالفُ سرُّه جهرَه .
والقِشْرُ الثَّاني : أَنْ لا تكونَ في القلبِ مخالفةٌ ، ولا إِنكارٌ لمفهومِ هذا القولِ ، بل يشتملُ القلبُ على اعتقادِ ذلك ، والتصديق به ، وهذا هو توحيدُ عامةِ النَّاسِ .
ولُبابُ التَّوحيد : أَنْ يَرى الأُمورَ كُلَّها من اللهِ تعالى ، ثم يقطعُ الالتفاتَ عن الوسائطِ ، وأَنْ يعبدَه سبحانه عبادةً يفردُه بها ولا يعبد غيرَه )) .
أخي قارئ هذا الكتاب ، يقول الله تعالى في كتابه العزيز : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ الحديد : 16 ] فأنت أيها المسلم الغيور تتميز عن غيرك من الناس بسمات الشرف والكرامة والغيرةِ على نفسك وعلى إخوتك المسلمين ، فاحرص كل الحرص على أنْ لا تفوتك فرصة كسب الثواب من الله بنشر ما يرضيه سبحانه ، واعلم أخي الكريم : { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُول} [الإسراء : 36] .
أخي الكريم : إنَّ رحمة الله لا تنال بالأماني ولا بالأنساب ولا بالوظائف ولا بالأموال ، إنما تنال بطاعة الله ورسوله واتباع شريعته وذلك يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلنحذر جميعاً كل ما يغضب الله ولنمض إلى الله قدماً بلا تردد بتوبة صادقة قبل فوات الأوان { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 63] ، واعلم أنَّ الله خلق لكل إنسان أنفاساً معدودة وساعات محدودة ، عند انقضائها تقف دقات قلبه ، ويطوى سجله ، ويحال بينه وبين هذه الدار ، إما إلى دار أنس وبهجة ، وإما إلى دار شقاء ووحشة ، فمن زرع كلمات طيبة وأعمالاً صالحة أدخله الله الجنة ونعّمه بالنعيم المقيم ، ومن زرع أعمالاً سيئة وكلمات قبيحة دخل النار ، قال تعالى : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً } [ الكهف : 29] وتذكّر قوله تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7-8 ] فكل ما تعمله في هذه الدنيا الفانية تنال جزاءه إن خيراً فخير وإن شراً فشرٌ ، وتذكّر دائماً أنَّ الحياة نفس يذهب ولا يرجع ، ولا ينفع الندم بعدها فاعمل لنفسك ولا تقدّم ما يفنى على ما يبقى .
أخي الكريم : إنَّ أجمل سعادة وأعظم لذة يجدها الإنسان في هذه الحياة الفانية هي طاعة الله ومحبته والقرب إليه وكثرة الدعاء وقد صرّح تائبون كثيرون بأنّهم وجدوا أعظم متعة تمتعوها هي القرب إلى الله تعالى وحسن الظن به وكثرة مراقبته ، وأكثِرْ من الدعاء والذكر والاستغفار فلك في كل تسبيحة عشر حسنات ، حاولْ أنْ لا تجعل وقتك يذهب سدى ، أكثرْ من قراءة القرآن فلك في كل حرف عشر حسنات ، اقرأْ كتب العلم والأحاديث النبوية ، فَقِّه نفسك بأمور دينك ، عليك بكثرة التطوع والإكثار من صلاة النافلة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة وحط عنك بها خطيئة )) . كُنْ داعياً إلى الله تعالى ، كُنْ آمراً للناس بالمعروف وناهياً لهم عن المنكر ، قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ فصلت : 33 ] ، إياك وأعراض الناس لا تذكر أحداً بسوء ، ولا تغتب أحداً ، ولا تؤذي أحداً ، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )) ، وقال أيضاً :
(( كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله )) ، وهذا نبينا الكريم
قد حذرنا من احتقار المسلمين فقال : (( بحسب امرئ من الشر أنْ يحقر أخاه المسلم )) فإذا كان استحقاره عظيماً عند الله فكيف بإنزال الضُّرِّ به .(1/230)
كُنْ رقيباً على نفسك ولسانك فكل كلام تنطقه تحاسب عليه إنْ كان خيراً فخيرٌ وإنْ كان شراً فشرٌ، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( إنَّك لم تزل سالماً ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك )) ، وقال أيضاً : (( رحم الله عبداً قال خيراً فغنم أو سكت عن شر فسلم )) حافِظْ على نظرك فلا تنظر إلى محرّم ، وحافظ على سمعك فلا تسمع محرّماً ، قال تعالى : { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُول} [ الإسراء : 36] . حافظ على جوارحك فلا تفعل محرّماً . ولا تنظر إلى صغر المعصية وتحسب الأمر هيناً ، ولكن انظر إلى من تعصي .
الزم هذا الدعاء : (( اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة )) .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
===============
أدب الماسنجر (1)
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. أما بعد :
انتشر استخدام الماسنجر بين الشباب والنساء كذلك حتى أصبح استخدامه كاستخدام الهاتف , ومن خلال استخدامي لهذا البرنامج رأيت بعض الأخطاء التي نفعلها مع بعضنا بدون قصد ، فأحببت التنبيه إليها .. وكذلك أحب أن ألفت الانتباه لبعض النصائح التي أرى أن نطبقها في استخدامنا لهذا البرنامج .
1- الإضافة :
عندما تريد أن تضيف شخصا ما إلى قائمة أصدقائك فإن عليك أن تنتبه لأمرين مهمين :
الأول : أن يكون من تضيفه رجلا إذا كنت رجلا ، وامرأة إذا كنتِ امرأة .. فإنه لا يحسن بالرجل أن يتحدث مع المرأة في الماسنجر وذلك درء للفتنة التي قد تحدث بسبب ذلك .
وإن كانت هناك حاجة ملحة لهذه المحادثة فلتكن على قدر الحاجة فقط (2).
الثاني : البعض يتضايق من الإضافة التي لا يسبقها استئذان ، ولهذا يفضل أن ترسل رسالة لمن تريد إضافته معك فتستأذنه في إضافته إلى قائمتك .
2- السلام :
كثيرا ما ننسى أن نبدأ من نحدثه بـ " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ! وهذا ليس من أدب المسلم ، فإن من الأدب أن تبدأ من تحدثه بتحية الإسلام .. وإن كنت صديقا لم تحدثه منذ فترة فلا بد أيضا من السؤال عن حاله .
بعض الاخوة يدخل علي في الماسنجر وأكون لم أحدثه منذ شهر أو أكثر ، فيبدأ كلامه بـ " هل قرأت ما كتبه فلان ؟ " , أو " هل أجد عندك الموقع الفلاني ؟ "
وينسى أن يبدأ بالسلام .
وكذلك عند إنهاء المحادثة يفضل أن تختتم بالسلام أيضا ، وإن كانت في الليل فإنه من الأفضل أن تضيف للسلام عبارة " تصبح على خير " وغير ذلك من عبارات المجاملة التي تسر من تخاطبه بها .
3- عدم التطويل في السلام :
قلنا أنه من الأدب أن نسلم على من نتحدث معه , ولكن من الأدب أيضا أن يكون السلام بطريقة معقولة .
بعض الاخوة يدخل علي فيقول :
- " السلام عليكم "
- وعليكم السلام
- " كيف الحال "
- الحمد لله
- " وش الأخبار"
- الحمد لله تمام
- " وش العلوم "
- تمام
- " وشلون الدنيا بكم "
- الحمد لله
- " وش أخبار الشباب عندكم "
- الحمد لله
- " وشلون المشايخ عندكم "
طيبين
- " وشلون الشباب في المنتديات "
- ما عليهم .. ماشيين
- " وشلونك أنت "
- الحمد لله
- " وكيف الأهل ؟ "
- والله طيبين ما عليهم خلاف
- " وشلون ... كيف ... وش أخبار ..............إلخ "
وهكذا سيل من الأسئلة التي تذكرك بالتحقيقات العسكرية والتي لا تجد عليها ردا سوى أن تقول " الحمد لله " ، " تمام " ، " بخير " .
وهذا السلام بهذه الطريقة يدخل السآمة على نفس من تكلمه فلا تطل في سلامك بهذه الطريقة .
فلا الأول الذي لا يسلم فعله صحيح , ولا هذا أيضا فعله صحيح . فالسؤال عن الأحوال يكفيك فيه عبارة أو عبارتين فقط .
4- لا تضيع وقت محدثك :
بعض الشباب أوقاتهم من ذهب والبعض الآخر أوقاتهم من تراب أو أقل من ذلك . والمفترض بالمسلم ألا يضيع وقته فالوقت من ذهب ، وبدلا من إضاعة الوقت فيما لا فائدة منه فإنك تستطيع أن تستفيد من وقتك في الآخرة ، وإن لم تفعل فلا أقل أن تستفيد منه في أمور الدنيا .
فإن دخلت على أحد إخوانك في برنامج الماسنجر : إذا كان عندك موضوع معين فاطرحه .. وناقش أو خذ رأي محدثك فيه , أما أن يكون الماسنجر بالنسبة لك أداة لتضييع الوقت .... فعليك حينئذ أن تبحث عن شخص مثلك لا يقدر ثمن هذا الوقت المهدر ليضيع وقته معك .
ولا أعني أن تكون جميع المحادثات جدية ، فهذا شاق على النفس .. إنما أعني بهذا أن لا تكون عادتك أن تستخدم هذا البرنامج لمجرد إضاعة الوقت .. وأن تسأل من تحدثه إن كان عنده وقت يضيعه معك أم لا ، فربما يكون محدثك ممن يخجل من التصريح بأنه مشغول .
5- احترم رغبة الطرف الآخر :
كثيرا ما تجد أن بعض الاخوة قد وضع علامة " مشغول " , وبعض الشباب هداهم الله لا يحترمون رغبة هذا الأخ فتجد الواحد منهم يدخل عليه ويقول :
- " أعرف أنك مشغول ولكن عندي موضوع أريد أن أخبرك به "
- " أنت مشغول صحيح ، ولكني أريدك دقيقة "
وهكذا ..
فأين نحن من قوله تعالى { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا } ؟؟!!!
وهل نفترض أن من وضع علامة " مشغول " وضعها لكي تدخل عليه وتتحدث معه أم حتى يقول لك : لا تزعجني لو سمحت ؟!
والغريب في الموضوع أن بعض الاخوة ( قد ) يغضب ويعاتب إذا لم ترد عليه ، ولكنه لا يلوم نفسه على عدم احترامه لوقتك !
6- أحسن الظن باخوتك :
في بعض المرات يقول لي أحد الاخوة : " بالأمس تحدثت معك أكثر من مرة ولكنك لم ترد علي " ، أو غير هذا من التعليقات التي لم تفعلها أنت عامدا .
والعجيب أن البعض يجزم بأنك عرفت ماذا يريد وأن كلامه وصلك , وأنك لم تُرِدْ أن تَرُد عليه !
لماذا لا نحسن الظن بإخواننا خصوصا وأن خطوط الهاتف بطيئة جدا ، وكثيرا ما تحصل مثل هذه الحالات ؟ وكثيرا ما تخرج من هذا البرنامج ولكن اسمك يبقى وكأنك ما زلت متصلا بالإنترنت .
ولهذا علينا أن نحسن الظن بالاخوة وبدلا من أن تقول : " كلمتك ولم ترد علي " ... قل : " هل وصلك كلامي أم لم يصل ؟ " .
7- استأذن قبل أن تدخل ثالثا :
تكون في بعض المرات تتكلم مع أحد الاخوة , وفجأة وإذا بثالث معكم في المحادثة .. فهل هذا تصرف صحيح من هذا الأخ ؟؟
أرى أن الاستئذان هنا واجب , فقد يكون أخوك الذي تحدثه لا يريد الأخ الثالث .. بل ربما قد ينحرج وتضعه في موقف لا يحسد عليه إن كان الأخ الأول قد وضع الأخ الثاني في قائمة " المحظورين " ..
ولهذا استأذن قبل إدخال ثالث معكما في نفس المحادثة .
8- للناس خصوصيات فلا تتدخل في خصوصياتهم :
وأعني بهذا أن لا يكون الواحد منا فضوليا يحب أن يعرف كل شيء , سواء أكان هذا مهما أو تافها .. فلا تسأل محدثك عن مهنته أو بلده أو عمره أو اسمه أو غير هذا وتكرر وتلح عليه بالطلب فقد يكون لا يريد أن يعرفه أحد .. أما إن رأيت أنه موافق أو غير مهتم فهنا لا بأس ..
أخيرا أقول :
أرجو أن تعلم أخي القارئ أنني لا أعني بكلامي الصداقات الخاصة التي لا تتقيد بهذه القيود أو أغلبها ، فللصداقة بعض التجاوزات التي تخرج عما ذكرناه سابقا .
ثم إن الخطأ والزلل يحدث من الجميع ، و " من طلب أخا بلا عيب صار بلا أخ " .
أخوكم : الحماد
http://www.sahwah.net
000000000000000
(1) يعربه البعض فيقول : المرسال
(2) قد يرى البعض من الإخوة أن هذه المحادثة جائزة ، وأقول : أيا كان حكم هذه المحادثة فإن العاقل يعرف أن درهم وقاية خير من قنطار علاج
==============
فمن أيّ المراتب أنت ؟
أبو مصعب
لماذا تفرح بالإجازة ؟(1/231)
وبأي شيءٍ تنوي استغلالها ؟
هل لك برنامج معين في الإجازة ؟
إجابات هذه الأسئلة وغيرها تتفاوت وتتغاير بحسب توجه الشخص وميوله وطاقته وهمته ، (( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا )) وكلّ إناءٍ بما فيه ينضح . فالناس في الإجازة على ثلاثة مراتب ، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات ،
فأما القسم الأول فنفوسهم إلى كلّ ما يُغضب الله منشرحة وإلى الطاعات والقربات متثاقلة يبارزون الله بشتى أنواع المعاصي ، منهم من قد أعدّ العدة وهبّ إلى ساحات الخنا والفسوق وإلى ديار الكفر والفجور ، ومنهم من تسكع بالشوارع والأسواق فجعل همّه وغايته أذية عباد الله وانتهاك أعراضهم ، جند بالنهار ركبان بالليل همم عالية وطموحات دونها الثريا ولكن ليست في مرضاة الله ولا في سبيله .
وأما القسم الثاني فهم الذين اكتفوا بالفرائض واجتنبوا كثيراً من المعاصي ، ليس لهم طموح ولا هدف واضح ولا همّة في الزيادة والاستزادة من نوافل العبادات والطاعات ، مكثرون من المباحات وقد يشتغلون بتوافه الأمور ، فالوقت والصحة لا يعنيان لهم شيئاً ويفرحون بالإجازة لأجل النوم والراحة والدعة .
وأما القسم الثالث فهم أعلى المراتب وأفضلها وأهلها من الأتقياء الأنقياء الأصفياء هم خاصة الله وأحباءه لا يرضون بالدنية ولا بالقليل من الأعمال همم تُناطح القمم عرفوا الوقت وثمّنوه فلكلّ دقيقة منه لها شأن عندهم ، استنشقوا بقلوبهم عبق سير أسلافهم فشحذوا بها الهمم وتنافسوا . فيا تُرى ما هي أحوال أسلافهم مع الوقت ؟ وكيف كانوا يقضونه ؟ وما هي نضرتهم للفراغ ؟
يقول ابن مسعود رضي الله عنه : إني لأكره أن أرى الرجل فارغا ، لا في عمل الدنيا ، ولا في عمل الآخرة .
كان ابن الجوزي رحمه الله من شدة حرصه على الوقت يجعل بريَ الأقلام في أوقات مجالسة من يزوره ، وقد أوصى يوماً ابنه فقال :واعلم يا بني أنّ الأيام تبسط ساعات ، والساعات تبسط أنفاساً ، وكل نَفَسٍ خِزانة ، فاحذر أن يذهب نَفَسٌ بغير شيء ، فتَرى في القيامةِ خزانةً فارغة فتندم .
والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم .
عامر بن عبد قيس - أحد التابعين - قال له رجل مرة : كلّمني . فقال له : أمسك الشمس ! وما ذلك إلا ليشعره بقيمة الوقت .
قال موسى بن إسماعيل : لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا قط صدقتكم ، كان مشغولا بنفسه ؛ إما أن يُحدِّث ، وإما أن يقرأ ، وإما أن يسبح ، وإما أن يصلي . كان قد قسم النهار على هذه الأعمال .
فماذا عسانا أن نقول نحن بعد هذا وفينا من يتفنّن في تضييع الأوقات بتوافه الأمور والأشياء ، بل وبما يُغضب الله ، والله يقول : (( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ))
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة ، والفراغ ) . رواه البخاري .
فهاهما النعمتان قد اجتمعتا في هذه الأيام عند الكثيرين ، فأروا الله يا عباد الله من أنفسكم خيراً ، واعلموا أنه سيأتي يوم يندم المُحسن على ساعةٍ لم يزدد فيها إحسانا ، هذا حال المُحسن في تفريطه لساعة فما ظنّك بحال من أمضى سنيناً يبارز الله بشتى أنواع المعاصي ، ( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) ، فإلى متى التسويف يا هذا وماذا تنتظر إلا غناً مطغياً أو فقراً منسياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو موت مجهزاً أو الدجال فالدجال شرّ غائب يُنتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر .
يا من يعد غداً لتوبته *** أعلى يقين من بلوغ غدِ ؟
المرء في زللٍ على أملٍ *** ومنية الإنسان بالرصدِ
أيام عمرك كلها عدد *** ولعلّ يومك آخر العددِ
============
ومضات على الطريق
محمد محمود عبدالخالق
طلاقة الوجه سمة الملتزمين
قد يتعجب كثيراً حينما يسمع البعض يردد أن الملتزمين لا يضحكون وأنهم دائما يتهجمون في وجوه غيرهم ولعل هذا العجب ينتابني حينما أقرأ في ديني كيف أنه يجب على المسلم الملتزم بدينه أن يكون بشوشا يبتسم ويضحك مع الآخرين وكيف أنه يجازى على ذلك خيرا طالما أنه قال حقا ولم يكذب ولنا في ذلك أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ساروا على نهجه فعن عبد الله بن الحارث بن حزم قال: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " أي سهل منبسط, وقال صلى الله عليه وسلم: " تبسمك في وجه أخيك صدقة "، وغير ذلك من الأحاديث التي تحثنا على طلاقة الوجه في تعاملنا مع الآخرين وبذلك لا يمكن أن نتصور ملتزم يمكن أن يطلق عليه ذلك يتجهم في وجوه الآخرين بل سنجد البشر والسرور في وجهه تجاه الآخرين ولعل ذلك أيضا يحتاجه في المقام الأول الدعاة الذين يحملون هم هذا الدين ويدعون إليه فإن التزامهم بهذا البشر والسرور يجعل قلوب المدعوين تتألف حولهم وتجتذب إلى دعوتهم النفوس، وأختم حديثي بقول للعلامة المناوي في تعليقه على ما ذكرنا من أحاديث فيقول: " وفيه رد على العالم الذي يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم، وعلى العابد الذي يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه منزه عن الناس مستقذر لهم أو غضبان عليهم " .
أبي لا يجلس معنا... !!!
هذه صرخة من الأبناء الذين لا يجدون آبائهم برغم أنهم مازالوا على قيد الحياة.. هذه صرخة من الكبار والصغار في زمن انشغل الآباء بأعمالهم من أجل تحصيل الأموال حتى و ولو كان ذلك على حساب الأبناء وعلى حساب تربيتهم والجلوس معهم ومعالجة مشاكلهم ومتابعة أخبارهم ولعل هذا الانشغال عن الأبناء كان سببا في الكثير من الفتن التي تحياها الأمة فالأب الذي لا هم له إلا جمع المال يكون سببا في ضياع الأبناء وانشغالهم بالتوافه من الأمور لأنهم لا يجدون من يوجههم وينصحهم ويبين لهم الصواب من الخطأ فتجدهم يصاحبون من يشاءون وقتما يشاءون وما أكثر أصدقاء السوء في هذا الزمان كما أنهم يكونون بعيدا عن دينهم لا يعرفون عنه إلا القليل ولا يعملون به إلا القليل أيضا وغير ذلك من المصائب التي تترتب على ترك الآباء تربية الأبناء ولذلك فإني أدعوا جميع الآباء إلى مراجعة أنفسهم في تربية أبناءهم ويعلموا أنها مطلب شرعي لا يجب التفريط فيه كما أن في تربية الأبناء على الإسلام وأخلاقه وآدابه مكسب كبير لآبائهم في دنياهم وآخرتهم فلننتبه إلى ذلك قبل فوات الأوان.
المواصلات وتضييع الأوقات...!!
حينما ينظر المرء منا وهو يسافر في أي وسيلة من وسائل المواصلات المعروفة يجد العجب العجاب فتضييع الوقت هو السمة الأساسية التي يشترك فيها أغلب المسافرين فلا نجد اهتماما بوقت السفر ومحاولة استغلاله في أمر نافع مفيد بل إن الأمر يكاد أن ينقلب من تضييع الوقت إلى ارتكاب المعصية فنجد الاختلاط بين النساء والرجال والحوارات الثنائية بينهم والتي لن تخلو من التوافه وإطلاق البصر والحديث عن الآخرين بالضحك والاستهزاء إلا من رحم ربي.(1/232)
إن ما يبحث في سفرنا يجعلنا ندرك الفرق بيننا وبين غيرنا فهم لم يتقدموا من فراغ ولم يسبقونا بقليل الأعمال بل إنهم بذلوا واجتهدوا وكانوا حريصين كل الحرص على الوقت حتى أن البعض ممن سافر إلى تلك البلاد يروي أنهم كانوا يستغلون أوقات السفر مهما كان قصرها في أمر نافع ومفيد فبعضهم يحمل معه كتاب يقرأه وآخر معه صحيفة يأخذ منها مراده إلى غير ذلك من وسائل النفع ولعلنا يجب أن نكون أشد حرصاً من هؤلاء على الوقت فلا نصرفه إلا في طاعة الله فإذا كنا في السفر نحرص على صرف هذا الوقت في أمر يفيدنا كقراءة القرآن أو ذكر الله عز وجل أو الاستغفار أو تصفح المجلات والصحف النافعة لنا في ديننا ودنيانا أو مدارسة العلم النافع أو الحديث النافع مع الآخرين وغير ذلك من الأمور النافعة التي تحتاج نية صادقة منا وفهما سليما لقيمة الوقت في حياة المسلم.
كان شحيحا على دينه....!!
إننا نتساءل وبأعلى صوتنا ونصرخ ونقول: أين علماؤنا الذين ينأون بأنفسهم عن مخالطة أصحاب المناصب الدنيوية خشية على الدين والدعوة ؟ سؤال إذا طرح في وقتنا هذا فستكون الإجابة قاسية ولكني أذكر علماؤنا وأذكر إخواني بهذا الموقف للإمام أبي حنيفة رضي الله لعلنا نعرف من هو العالم الحقيقي الذي يجب أن يحترم ويقدر ولعل ذلك يذكرنا بالزمن الجميل فأبو حنيفة كان قد أمر له أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور بعشرة آلاف درهم، فما رضي بأخذها فجاء إليه بهذا المال رسول الحسن بن قحطبة الوالي فدخل عليه فلم يكلمه فوضع المال في جراب في زواية البيت، فأوصى الأمام أبو حنيفة ابنه قائلاً له: إذا مت ودفنتموني فخذ هذا المال واذهب به إلى الحسن بن قحطبة فقل له: خذ وديعتك التي أودعتها أبا حنيفة، قال ابنه: ففعلت ذلك، فقال الحسن: رحمة الله على أبيك فلقد كان شحيحاً على دينه.. ولقد صدق ابن مسعود حينما قال: " إن على أبواب السلاطين فتناً كمبارك الإبل، والذي نفسي بيده لا تصيبون من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينكم مثله:".
دار المسنين... وصمة عار علينا!!!
ما هذه الدور؟ ولماذا تبنى ؟ وهل وصل بنا الحال إلى هذه القسوة على الآباء ؟ أين بر الوالدين ؟ أين رد الجميل ؟ أين تنفيذ الأمر الإلهي بالإحسان إلى الوالدين ؟ أين... وأين؟ كلها أسئلة تدور في أذهاننا حينما نمر على تلك الدور التي بنيت في بعض البلدان الإسلامية كمصر، والتي أرى أنها تعبر عن وضع سيء نعيشه ونحياه فنحن من البداية خالفنا عهدنا مع ربنا وتركنا العمل بكتابه وسنة نبيه فلا غرابة بعد ذلك أن نفرط ونترك الإحسان إلى الوالدين ولا غرابة أن نجد تلك الدور في بلادنا ولا غرابة أن نجد هذه القسوة والغلظة في نفوس الأبناء تجاه آبائهم ولا غرابة أن نجد الرجل يحب زوجته ويقدمها على حب أمه أو أن يجفو أباه ويبر صديقه، وهنا أسئل الأبناء: ألم تقرأوا في القرآن ما ورد في حق الوالدان أو تقرأوا ما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ولكنها الدنيا التي تعمي القلوب وتنسي ذوي الإحسان من الآباء والأمهات فلنرجع أخوتي ونعيد النظر في برنا للوالدين وكذلك النظر في تلك الدور وهل نحن نحتاجها فعلا أم أنها مجرد وسيلة لتحسين الصورة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ؟.
ليتنا مثل هؤلاء...!!!
كان لاختلاف الأئمة في تاريخ الإسلام منهج وأسلوب غير اختلاف أئمتنا نحن في تلك الأيام فالفرق شاسع والبون واضح ولعله يتضح حينما نذكر بعض الكلمات والمواقف لهؤلاء الأعلام: - o يقول الأمام مالك عن الأمام أبو حنيفة:" لو ناظرني أبو حنيفة في أن نصف هذه الأسطوانة ذهب أو فضة لقام بحجته "
o يقول الشافعي في شأن أبي حنيفة: " الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه "
o ويقول الأمام أحمد في شأن الشافعي: " ما مس أحد بيده محبرة إلا وللشافعي _ رحمه الله _ في عنقه منة "
o يقول الأمام أحمد بن حنبل: " ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي رحمه الله تعالى. فقال له ابنه عبد الله: أي رجل كان الشافعي حتى تدعوا له كل هذا الدعاء ؟ فقال الأمام أحمد: يا بني كان الشافعي رحمه الله تعالى كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر ! هل لهذين من خلف ؟ !! "
o عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يتنازعان في المسألة بينهما حتى يقول الناظر إليهما لا يجتمعان أبدا فما يفترقان إلا على أحسنه وأجمله.
o وعنه العباس بن عبد العظيم العنبري قال: " كنت عند أحمد بن حنبل وجاءه علي بن المديني راكباً على دابته فقال: فتناظرا في الشهادة وارتفعت أصواتهما حتى خفت أن يقع بينهما جفاء وكان أحمد يرى الشهادة، وعلي يأبى ويدفع، فلما أراد علي الانصراف قام أحمد فأخذ بركابه ".
ما أجمل حفظ اللسان....!!!
إن مما نعانيه في هذا الزمان من عيوب ذلك اللسان الذي تكثر آفاته وتتعدد ولذلك كان التوجيه النبوي في استخدام اللسان إما في الخير أو الصمت فلقد قال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت "، وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر اعتصم به، قال: قل ربي الله ثم استقم، قلت يا رسول الله: ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ؟ ثم قال: هذا "، وقال سيدنا عيسى بن مريم " أربع لا تصير إلا في مؤمن: الصمت وهو أول العبادة والتواضع وذكر الله وقلة الشر " ومما حفظ عن العلماء والحكماء في حفظ اللسان ما يلي:
* قال أحد الحكماء: في الصمت سبعة آلاف خير، في الصمت سبعة كلمات، كل كلمة منها بألف خير الأول: عبادة من غير عناء، الثاني: زينة من غير حلي، الثالث: هيبة من غير سلطان، الرابع: حصن من غير حائط، الخامس: الاستغناء عن الاعتذار لأحد، السادس: راحة الكرام الكاتبين، السابع: ستر لعيوبه.
* قال لقمان الحكيم: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم ومن يدخل مدخل السوء يتهم ومن لا يملك لسانه يندم.
* قال أحد الصالحون: المؤمن قليل عمله كثير عمله والمنافق كثير كلامه وقليل عمله.
* قال أحد الفقهاء: هكذا كان عمل الزهاد، كانوا يتكلفون لحفظ اللسان، يحاسبون أنفسهم في الدنيا، وهكذا ينبغي على المسلم أن يحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب في الآخرة لإن حساب الدنيا أيسر من حساب الآخرة كما أن حفظ اللسان في الدنيا أيسر من ندامة الآخرة.
* قال إبراهيم التميمي: حدثني الربيع بن خثيم عشرون سنة فما أعلم أني سمعت منه كلمة يعاب الله.
"هلمّ إلى ذكر الصالحين وكفانا ذكراً للطالحين"(1/233)
لقد أصبحنا في هذه الأيام نُكثر من الحديث عن أهل الباطل والفجور ونسمع كلام الدعاة إلى الفساد ونشر الفاحشة بين المسلمين ونستمتع بمعرفة أخبار اللاهين والغافلين بل ونتشوق ونتلهف إلى رؤيتهم والحديث معهم وعنهم وكأنهم ملاذنا وقرة أعيننا ولذا رأينا الكثير من أبناء المسلمين لم يعودوا يفرقوا بين الحق والباطل من كثرة رؤية أهل الباطل والحديث عنهم وعن باطلهم حتى رأوا ذلك الباطل وكأنه حقا ولذلك فإن علينا أن نعود إلى ذكر أهل الصلاح وتطييب المجالس بذكرهم بل وتحلية العين برؤيتهم إن كانوا من الأحياء، وأُبشر من يفعل ذلك بصلاح في القلب وتنزل للرحمة فلقد قال أحد العلماء : " عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة " ، وقال آخر : " ما رأيت أنفع للقلوب من ذكر الصالحين " ، فيامن ترجوا الخير وتبتغي السعادة الحقيقية وتأمل في دخول الجنة عليك بذكر الصالحين والحديث الدائم عن سيرتهم وتعطير المجالس بأقوالهم ولتكف نفسك عن ذكر الطالحين الذين لا يرجون لك نفعاً ولا يبغون لك إلا الضلال .
"أذكار الصباح والمساء"
يقول الحق تبارك وتعالى : ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيرأً) " الأحزاب آيه41 " ، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يذكر الله على كل أحيانه" ، ويروى عن أحد الصالحين أنه قال : " الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء ؟ " ، ويروي أحد الصالحين عن صاحبه قائلاً : " ما رأيت البويطي بعد ما فطنت له إلا رأيت شفتيه يتحركان بذكر أو قراءة " ، ومن الأوقات التي يجب أن يحرص عليها الأنسان في ذكره لله عزوجل ما بعد صلاة الصبح حتى طلوع الشمس وما بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس وهي ما تسمى ب " أذكار الصباح والمساء " ، ويستدل لها بقوله تعالى : ( واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخُفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ) " الأعراف : 205" قال أهل اللغة : " الآصال" : جمع أصيل ، وهو ما بين العصر والمغرب ، وقال تعالى : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) " طه :130" ، وقال تعالى : ( وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ) " غافر :55" ، ويقول أحد الصالحين : " اعلم أن أشرف أوقات الذكر في النهار الذكر بعد صلاة الصبح " ، ويروى عن أنس يرفعه : " لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل ، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أعتق أربعة " ، ولعل من يتدبر تلك الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليجد من الفضائل والخير الكثير مما يرغب فيه كل إنسان يبغي الخير والسعادة في الدنيا والآخرة ولذلك فإن على المسلم أن يراعي تلك الأوقات الفاضلة فيذكر فيها ربه بما ورد عن نبيه صلى الله عليه وسلم .
إن من الشعر لحكمة !!
قال الشاعر :
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد *** فرب العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهما استطعت *** فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى *** لتبصر آثار من قد ظلم
فتلك مساكنهم بعدهم *** شهود عليه ولا تتهم
وما كان شيء عليهم أضر *** من الظلم وهو الذي قد قصم
فكم تركوا من جنان ومن *** قصور وأخرى عليهم أطم
صلوا بالجحيم وفات النعيم *** وكان الذي نالهم كالحلم.
وقال الشاعر :
أترجوا أن تكون وأنت شيخ *** كما قد كنت أيام الشباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب *** قديم كالجديد من الثياب .
"شكر نعم الله عزوجل !!"
يقول الأمام أحمد - رحمه الله - : " الإيمان نصفان ، نصفه صبر ونصفه شكر " ، ولهذا فإن حال المؤمن يتقلب بين نعمة يشكر الله عليه ، وبلاء يصبر عليه ويحتسبه عند الله فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " "رواه مسلم" ، فعلى المسلم أن يشكر ربه فيعترف بفضله ويرد كل نعمه إلى جوده وكرمه ، وهذا الاعتراف هو أول باب الشكر وليس نهايته فلا يكفي الاعتراف بل يجب استعمال هذه النعم في طاعة الله وألا يستعان بشيء منها على معصية الله ويستتبع ذلك التحدث بهذه النعم وظهور أثرها عليه فلقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحدث بنعمة ربه : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) " الضحى : 11"، وبهذا يكتمل الشكر وتتحقق ملامحه وقبل أن نختم ومضتنا نذكّر بهذين القولين :
1) قال القاسم الجنيد - رحمه الله - : " الشكر ألا يستعان بشيء من نعم الله على معاصيه "
2) قال الحسن البصري - رحمه الله- : " أكثروا ذكر هذه النعم فإن ذلك شكرها بلسان الحال " .
"نظرة .. ونظرة"
هناك فرق شاسع بين نظرة إلى الحرام تورث حسرة في القلب وندماً بعد الموت ونظرة إلى الحلال توجب المحبة وترفع في درجات العبد ، ولذا كان الترغيب كبيراً في غض البصر فقال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن .... ) " النور :30،31 " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم " ، وقال أيضاً: " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى " ، ويقول ابن القيم - رحمه الله- : " النظرة مثل الحبة تُلقى في الأرض ، فإذا لم يُلتفت إليها يبست ، وإن سقيت نبتت ، وكذلك النظرة إذا لحقت بمثلها " ، فانظر إلى تلك النظرات التي تورث الحسرات والزفرات والحرقات والتي تجرح القلب جرحاً يتبعه جرح ثم لا يمنعه ألم جرحه من استدعاء تكرارها ، وانظر إلى تلك النظرة التي يقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه ، نظر الله إليهما نظرة رحمة ، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما " فشتان بين تلك النظرة الحلال وغيرها من الحرام .
" نداء إلى الشباب "
تقول السيدة حفصة بنت سيرين - رحمها الله - باعثة بنداء إلى الشباب : " خذوا من أنفسكم وأنتم شباب ، فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب " ، ولعلنا نحتاج إلى أن نفهم هذا النداء ونستوعب ما فيه ونسعى إلى الأخذ بما جاء فيه فنستغل أوقات شبابنا ونستثمرها في طاعة ربنا خاصة أن وقت الشباب سريع الانقضاء فكما قال الأمام أحمد - رحمه الله - " ما شَبّهتُ الشباب إلا بشيء كان في كُميّ فسقط " ، ولهذا حذرنا الحسن البصري - رحمه الله - من الأغترار بفترة شبابنا وتأجيل التوبة والتسويف في الأعمال فقال : " يا معشر الشيوخ ما بال الزرع إذا بلغ ، قالوا : الحصاد ، ثم قال : يا معشر الشباب إن الزرع قد تبلغه العاهة قبل أن يبلغ " ، وقال : " أياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغدك ، فإن يكن غد لك فكن في غد كما كنت في اليوم ، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم " فاحرص أيها الشاب على فعل الخيرات قبل مرور الأوقات ولتعلم أيضاً أن هذه الفترة من عمرنا لها سؤال خاص بها بجانب السؤال عن العمر بأكمله فلنحذر جميعاً ولنعد للسؤال جواباً وفقنا الله وأياكم إلى فعل الخير .
==============
أبناؤنا في الإجازة
د. يحي إبراهيم اليحي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(1/234)
نظرا للأخطار المحدقة بأبناء المسلمين من كل جهة وهذا الغزو المدروس الموجه إليهم عبر طوفان من الشهوات والشبهات بات الغيورون يحسبون لأولادهم ألف حساب ويبحثون عن الوسائل والسبل لتكون سفنا صالحة ينجون بها مع أبنائهم ، والإجازة تضاعف المشكلة أكثر عند الكثيرين ويبحثون عن حلول عملية لقضاء أوقات أبنائهم بما يصلحهم ، ولعل توصيف المشكلة يوضح حجمها ويظهر إطارها
أولاً: توصيف المشكلة.
يعتبر كثير من الأسر الإجازة الصيفية نازلة تقع بهم فيحتارون في ملء فراغ أوقات أبنائهم، حيث تكون لديهم أزمة كبيرة تحول ليلهم إلى نهار، والعكس. ويصبح الأبناء منهباً لانحرافات الشوارع والضياع في أجواء المناسبات أو الفضائيات ، وخرجت شكاوي هنا وهناك تصرخ وتنادي (ولدي أتعبني ، لايفهمني ، لايطيعني ، لايقيم وزنا للعلم والدراسة ، يتعلق بتوافة الأمور ، عنيف على إخوانه) أصوات تطلب حلا للمشكلة .
ثانياً: التعريف بالبرنامج.
تلبية لهذه الإلحاحات ولكون مستودع المدينة المنورة الخيري يقوم على قرابة عشرين ألف أسرة كلها ليست بمنأى عن هذه المشكلة فقد أقام لقاءً تربوياًّ بعنوان: «أبناؤنا في الإجازة»، شارك فيه عدد من المختصين والمهتمين وأصحاب الخبرة من داخل المدينة وخارجها في يوم الخميس الموافق 8/4/1425هـ من الساعة السادسة صباحاً حتى 12،30 ظهراً. وطرح في اللقاء مجموعة من أوراق العمل المهتمة بالموضوع. تخللها العديد من المداخلات، واختتمت بست ورش عمل للخروج ببرامج عملية تعين الأسرة على التغلب على هذه المشكلة.
ثالثاً: أهداف اللقاء.
الوصول إلى برنامج وأفكار تخدم وتحقق الأهداف التالية :
- حفظ أوقات الأبناء.
- الوقاية من الانحرافات السلوكية.
- اكتساب مهارات.
- تقوية العلاقات داخل الأسرة.
رابعاً: ملخص لأوراق العمل.
لما كان حق الولد يسبق حق الوالد وجب على الآباء مساعدة أولادهم في رسم برنامج مناسب لمساعدتهم على قضاء الإجازة بطريقة آمنة هادفة. فقد طرحت أوراق هادفة تحقق بعض الأمل المطلوب ، ونظرا لطول بعض أوراق العمل وبعض التكرار الذي تخللها رأينا اختصارها ودمج ما يمكن دمجه وحذف ما تكرر منها.
وقد اشتملت هذه الأوراق على بعض الرؤى والأفكار والخطوات العملية التي تساعد الوالدين على استثمار الإجازة وجعلها فرصة سانحة للبناء والتربية والتوعية والترويح عن النفس والاستجمام.
افتتحت إحدى أوراق العمل بالأهداف التي ينبغي أن يحرص المربي على مراعاتها في وضع البرنامج ، وهي على النحو التالي :
1 - هدف بنائي، يتم من خلاله غرس المبادئ والقيم واكتساب المعلومات والآداب الصالحة خلال فترة الإجازة.
2 - هدف وقائي، يعمل الوالدان على عمل برنامج تربوي ترويحي مناسب لأولادهم بهدف حمايتهم من البرامج المنحرفة، أو تضييع الأوقات أمام القنوات أو الإنترنت.
3 - هدف علاجي، تكون الإجازة فرصة لعلاج بعض جوانب التقصير وضعف الشخصية من خلال البرامج والأدوات واللقاءات والمشاركة في الفعاليات الهادفة في الإجازة.
وسائل تحقيق الأهداف:
1 - وضع برامج تربوية مناسبة كما يلي:
- برنامج تربوي لجميع أفراد العائلة.
- برنامج تربوي للصغار (6-12 سنة).
- برنامج تربوي للشباب والمراهقين (12-21 سنة).
2 - تحديد بيئة مناسبة لتنفيذ البرامج، وفي حالة عدم القدرة يتم تحسين وتطوير وإنشاء البيئة الأسرية بما يحقق أهداف البرنامج.
3 - وضع خطة مبدئية بصورة جماعية من أفراد الأسرة للبرنامج المقترح للإجازة.
العوامل المساعدة على نجاح البرنامج:
1 - النية الصالحة واحتساب الأجر.
2 - الصبر.
3 - فهم طبيعة الإنسان ومطالب كل مرحلة عمرية.
4 - مراعات التوزيع الفئوي لشرائح المستهدفين (شباب، مراهقون، أطفال).
- المرحلة الأولى من 6 إلى 12 سنة. بعض خصائص هذه المرحلة:
1- الرغبة في تحقيق الذات وسط الكبار.
2- الحذر من الكبار أو التكتم على السلوكيات الصادرة منهم أمام الكبار.
3 - النشاط والطاقة الزائدة.
4 - اتساع دائرة وقت الفراغ.
5 - أخذ الأمور بجدية، ويتوقع ذلك من الكبار حيث يحتاج إلى المعاملة الثابتة.
6 - صعوبة التعامل معهم، فهم لا ينتمون إلى عالم الصغار، ولا إلى عالم الكبار.
التوجيه التربوي:
1 - تكوين وتعزيز الاتجاهات الدينية من خلال البرامج.
2 - غرس الآداب الاجتماعية في نفوسهم.
3 - تقديم معلومات عن العالم الخارجي.
4 - تعلم الأدوار حسب النوع.
5 - مساعدتهم على اكتساب المهارات المتنوعة.
6 - الاستعانة بالمتخصصين.
المرحلة الثانية: مرحلة المراهقة (12-18).
هذه المرحلة تأخذ في واقعنا عدة أنماط، وهي:
1 - المراهقة المتكيفة، تتميز بـ
- الهدوء والانضباط.
- الاتزان الانفعالي.
- حسن التعامل مع الآخرين.
- الاعتداد بالرأي والمشاركة الوجدانية.
- زيادة الاهتمامات العلمية.
- عدم وجود المشكلات الأسرية.
- حياته غنية بالخبرات والاهتمامات الاجتماعية.
2 - المراهقة الانطوائية والانسحابية.
- الانطواء والعزلة.
- الشعور بالنقص.
- الانشغال بذاته ومشكلاته.
- كثرة التأمل في القيم الروحية والأخلاقية.
- الثورة على تربية الوالدين.
- كثرة الهواجس وأحلام اليقظة.
- الإسراف في العادة السرية.
3 - المراهقة العدوانية المتمردة.
- التمرد والعدوان على الآخرين.
- التحايل على الجماعات المرجعية.
- التمرد على الأنظمة الأسرية والمدرسية.
- كثرة الأعمال الانتقامية.
- اللجوء إلى التدخين.
- تضييع الوقار والرجولة.
- اختراع قصص المغامرات.
- الهروب من المنزل.
- الشعور بالظلم وعدم تقدير المحيطين.
4 - المراهقة المنحرفة، وهي تأخذ صورة الانحراف السلوكي الخلقي.
- ارتكاب المخالفات السلوكية.
- مصاحبة المنحرفين والشاذين.
- تعاطي التدخين والمخدرات.
- الوقوع في الانحراف الخلقي.
- ضعف الرقابة الأسرية بل انعدامها.
- معاملة الآخرين بقسوة وشدة.
على القائمين على برامج التعامل مع هذه العينات مراعاة هذه الأمور في برامجهم التربوية:
- حاجات المراهقين:
- الحاجة الروحية الدينية.
- الحاجة الثقافية.
- الحاجة الاجتماعية.
- الحاجة الترويحية البدنية.
البرامج التربوية المقترحة للجميع:
1 - اللقاءات التربوية، سواء أسرية أو شبابية.
2 - الرحلات الداخلية والخارجية.
3 - الزيارات الميدانية.
4 - المخيمات التربوية.
5 - القوافل الدعوية الرسمية.
6 - المشاركة في الجهات الخيرية.
7 - القيام ببعض الأعمال المهنية المناسبة.
8 - الدورات المهارية المتنوعة.
ضوابط مهمة:
1 - مراعاة مرحلة العمر لكل فئة، ولكل مستوى دراسي.
2 - مراعاة الحالة الاجتماعية.
3 - التركيز على البرامج التي تساعد على اكتشاف الميول والاهتمامات.
4 - مراعاة واقعية البرامج التربوية.
5 - تصميم استبانة لمعرفة احتياجات الفئة المستفيدة.
6 - تقسيم الأفراد حسب الرغبات.
7 - وضع مسابقة عامة للجميع.
8 - أن يكون البرنامج للأسرة وللمستفيدين.
9 - اختيار المربي المناسب.
10- تجنب المبالغة في تصور النتائج والوعود المثالية الخيالية.
تجنب المنغصات التربوية:
1 - التحذير المستمر.
2 - الاستجواب عند الخطأ.
3 - التهديد.
4 - إصدار الأحكام المسبقة.
5 - التشاؤم.
6 - الاستعجال في نتائج البرنامج.
7 - طلب الكمال.
8 - تقديم "الطعام البائت" (أي معلومات قديمة دون تحضير).
9 - أن يتولى العمل أناس مشغولون غير متفرغين.
10 - زيادة الجرعة العلمية والوعظية على حساب الترويح.
11 - كثرة العدد.
12 - وضع عقوبات صارمة.
13 - الجدية الكاملة.(1/235)
14 - عدم التجانس بين الأفراد.
15 - طموحات المربي العالية (ارتفاع سقف الطموحات).
16 - عدم فهم خصائص المربى.
17 - عدم تنويع المناشط.
18 - الالتزام ببرنامج محدد دون خيارات.
19 - تضخيم المشكلات والمبالغة في جلد الذات أثناء البرامج التربوية بصفة مستمرة.
20 - عدم تقديم بدائل متنوعة مباحة ومتاحة.
العوامل المؤثرة في فاعلية البرامج
- تحديد برامج خاصة لكل فئة:
1 - الفئة الصالحة. 2 - الفئة الغافلة. 3 - الفئة المنحرفة.
- العناية باختيار المربين حسب سماتهم (الأخلاقية / المعرفية / المهنية).
- وضع برامج مساعدة وبديلة.
- وضع برنامج يومي يكون مفتوحاً.
- تنزيل البرامج على الواقع.
- الاستعانة بالمتخصصين.
- معرفة خصائص المستقبل (الفئة المستهدفة).
- تحديد خصائص مهمة في المرسل (المربي).
- معرفة طبيعة القوى الخارجية والبيئة الأسرية والرفقة.
- تحديد طبيعة البيئة التي ينفذ فيها البرنامج حتى لا تكون تقليدية.
- تحديد خصائص البرنامج الناجح (معيار البرامج الناجحة).
وركزت إحدى الأوراق على إدارة الأسرة فكان مما طرح فيها :
الإدارة الناجحة للأسرة
الخطوة الأولى: حدد الأهداف الكبرى التي ترغب في تحقيقها
الخطوة الثانية: اجعل لكل هدف مراحل تؤدي إلى تحقيقه .
الخطوة الثالثة: قم بإعداد الجدول الخاص بك.
الخطوة الرابعة: العمل بالبرنامج وهذا يحتاج إلى أمور:
1/ الالتجاء إلى الله وسؤاله العون والتوفيق وأن يعينك على تحقيق أهدافك ..
2/ الهمة العالية والصبر والجلد .
الخطوة الخامسة: إدارك أهمية الوقت
إذا أردت أن تستفيد من الإجازة حق الاستفادة، وأن تكون فيها من الفائزين فعليك بما يلي :
1) أن تستشعر قيمة الوقت، وأن له شأناً عند الله، فبه أقسم في غير ما آية من كتابه، والله إذا أقسم بشيء دل على عظمته؛ فأقسم بالنهار وأجزائه: الفجر، والضحى، والعصر، وأقسم بالليل.
2) أن تعلم أن هذا الوقت هو رأس مالك؛ فإن ضيعته ضاع رأس مالك، وإن حفظته فالربح حليفك.
من أساليب إدارة الأسرة
كيف تحرك الأفراد وتستفيد من طاقاتهم
1- كافئ كل مجتهد في الأسرة ومن ذلك:
- الشخص الذي يعمل ولا يصيب أفضل من الذي لا يعمل ، فلذلك أكرمه.
- قيد عمل كل عضو داخل الأسرة ، على شكل جدول من ثلاث خانات :
| الاسم | العمل | النقاط |
2- ادعم إحساس الأفراد بالانتماء إلى الأسرة وذلك بالسؤال عن سبب غيابهم وشكرهم عند قيامهم بعمل معين .
- كافئ المجموعة ككل في العمل الذي اشتركوا فيه.
- اربط أعضاء الأسرة مع بعضهم.
3- إن الهدايا والدرجات وسيله لتحقيق الهدف وليست غاية.
4- حافظ دائما على الألفاظ البنَّاءة مثل ( أحسنت على فعل ذلك ، نشكر الأخ فلان ، بارك الله فيك) وغيرها.
التعامل مع كثرة الأعمال
1- الإخلاص والدعاء بأن ييسر الله أعمالك.
2- ابتعد عن المتاعب وابدأ بالخطوة السليمة .
3- خفف من حدة شخصيتك عند بداية الإجازة أو الرحلة .
6- في البداية كن مستعدا لقضاء المزيد من الوقت داخل الأسرة.
7- تعرف على مواطن ضعفك .
8- حاول أن تتنازل عن تفاصيل قد تشغلك عن المهمات وأحلها إلى غيرك مثاله: (الاستفادة من أفراد الأسرة في توزيع المهام)
9- لا تتولى ما كفيته.
10- اجعل بعض الأعضاء يشاركونك الإدارة مثل الزوجة والابن الأكبر ( يتابعون النظام أو العلاقات العامة أو ميزانية الأسرة أو نظافة الأسرة أو مسئول التجديد والابتكار )
التعامل مع الأعضاء مثيري المتاعب
لا تكاد تخلو أسرة في زماننا هذا من مثيري المتاعب وهؤلاء لابد لهم من أسلوب خاص في التعامل معهم . ومنهم من ليس على درجه من الالتزام فبذلك يحتاجون إلى تأليف قلوبهم ومداراتهم ، مع المتابعة فقد تصدر منهم أشياء غير مرغوب فيها مما يعود بالضرر على الأسرة ككل ..
بعض الخطوات للتعامل مع هذه الفئة :
1- امنحه كامل اهتمامك ومتابعتك.
2- تحبب إليهم إلى نفسك مع زرع احترامهم لك .
3- أشعرهم أنهم مهمين وأنهم مثل غيرهم.
4- انسب لهم الفضل في الأعمال التي يقدمونها .
5- ابدأ بالمديح قبل أن تحل مشكله محدده.
6- الفت انتباه الشخص إلى أخطائه بشكل غير مباشر .
7- قدم لهم النصح أكثر من غيرهم
8- امنحهم دائما فرصه لتوضيح وتصحيح أخطائهم.
9- مراعاة حاجاتهم الروحية والثقافية والاجتماعية والترويحية والبدنية .
خامساً: برامج ووسائل عملية.
طرحت بعض البرامج والوسائل المحققة للأهداف من خلال ورش العمل المصاحبة للقاء، وتمَّ اختيار مايلي:
- مسابقة الأحاديث المقطعة وذلك بتقطيع بعض الأحاديث التي تنفع الأبناء وطلب ترتيبها الترتيب الصحيح وبعد ترتيبها يتم تقديم كلمة في شرح الحديث والفوائد المستخرجة منه ..
- تعليق لوحة أسبوعية في المنزل تبرز خلق الأسبوع أو حكمة عملية هامة لتصبح هدف الأسرة هذا الأسبوع
- الكلمات بعد الصلاة . إلقاء كلمة بعد الصلاة على أعضاء الأسرة خاصة في رحلات بريه وغيرها عندما تصلي الأسرة مع بعض صلاة جماعية
- المسابقات الثقافية المتنوعة : بحيث تبتكر فكرة معينة وتصاغ على شكل مسابقة ( معكم على الهواء ، من سيربح المئة ، مسابقة حروف ) .
- ركن الحكايات : ركن يتحدث فيه عن الحكايات والقصص للأشبال .
- عمل زيارة للمكتبات (متاجر بيع الكتب) مع الأبناء .. وتكون بعد تحفيز وترغيب في الزيارة .. ويترك مجالا للابن بمعاونة الأب أو المدرس أو الأخ باختيار كتيب أو أكثر وشراءها له ، ولو أمكن غرس حب الكتاب والقراءة والترغيب في كتاب محدد قبل الزيارة لكان أفضل.
- تدريب الفتيات على بعض الأعمال المنزلية و إشعارهن بمكانهن في المنزل .. ويكون لهن دور مع أمهن في رعاية المنزل في استلام مسئولية رعاية أحد الأطفال..أو يعمل لها دورة في الطبخ مثلا .. أو ترتيب مكان محدد في المنزل .. أو ترتيب بعض الأغراض المنزلية .. ويكون ذلك تحت رعاية وتدريب الأم وحنانها وتشجيعها ..
- ترك مجال للأبناء ليقوموا بالمساعدة في أعمال البيت والإصلاحات مثلا تغيير الأنوار سقاية الزرع كيفية استخدام الأدوات (مفك , زرادية ,مطرقة ) مع التنبيه على المخاطر والمحاذير خاصة من الكهرباء .
- اللقاءات الصيفية للفتيات ( يوم واحد فقط ويمكن أن يتم في أحد المراكز النسائية) وتتضمن برامج هادفة من مسابقات وفقرات ترفيهية وتعليمية مع الحوار الهادف مع الفتيات في أمورهن ومشاكلهن ..
- عمل بحث علمي في الإجازة ولو كان واحدا .. وتشجيع الأبناء على عمل بحث ولو كان صغيرا .. وترتيب الجوائز على ذلك .. وجعل الوقت من بداية المسابقة إلى تقديم الجوائز قصيرا حتى يكون لها تأثير أكبر إذا تم عمل بحث آخر أو مسابقة علمية أخرى ..
- فكرة الكسب الحلال :
وتقوم الفكرة على الاتفاق مع الطفل للقيام بعمل إضافي ليس من الواجبات المعروفة عليه على أن يكون له مقابل على جهده مثل طباعة بحث أو خطاب بالكمبيوتر سواء كان لأحد والديه أو أحد الأقارب فيتعود بذلك الابن على الكسب الحلال وتحمل المسؤولية .
- جلسة عائلية مع السيرة النبوية بأسلوب قصصي حماسي جذاب.
- برنامج الطفل المنظم ، ترتيب ما يخصهم من ألعاب وملابس ونحوها .
- برنامج الابن البار، مساعدة الأبناء للوالدة في أعمال البيت.
- حصر أوقات الفراغ لدى كل فرد، وتوجيه الأسئلة لكل فرد: ماذا تستطيع أن تحققه للأسرة؟ وتوزيع المسؤوليات بين أفراد الأسرة، (فلان ينبه للصلاة)، (فلان مسؤول النظافة)... وإشراكهم في وضع برنامج الأسرة، تحديد مدة زمنية لتنفيذ البرنامج.(1/236)
- وضع الألعاب الجماعية مثل القفز على الحبل بين الأم والأب، والركض الجماعي ، وشد الحبل..
- تسجيل مشهد أسري في الشريط من غير علم الأسرة وعرضه فيما بعد.
- جلسة حوار لأبناء الأسرة لكشف الطاقات ولتصحيح الأخطاء.
- أب الأسرة المكلف : تعيين قائد يومي للأسرة ونائبه، والأفضل تغيير النائب كل فترة.
- أو تحديد ساعة خاصة لكل شخص يقوم بدور الأب أو الأم.
- التكلم بلسان المجموعة: (نحن)، وليس (أنا)، مع الاحتفاظ بالخصائص الفردية.
- برنامج اعرف وطنك أو بلدك : وهو أن تقوم مجموعة من الشباب ( أقارب أو جيران ، أو زملاء) بزيارة إلى مناطق المملكة ، فتنطلق السيارة بهم إلى إحدى المناطق لمدة عشرة أيام فيزورونها قرية قرية وهجرة هجرة تحت إشراف موجه لهم ، ثم يقودون إلى بيوتهم لمدة أسبوع ، ثم ينطلقون مع مشرف آخر إلى منطقة أخرى ، وهكذا ، وشعارهم ( علوم رجال ) يقومون بخدمة أنفسهم في المطعم والمشرب والملبس ، ويتعلمون من خلالها الكرم والخدمة ومساعدة الآخرين ، كما في البرنامج الآتي .
كما طرحت برامج منفردة تصلح أن تكون هدفا بعينها في الإجازة الصيفية ومن ذلك
البرنامج الأول : برنامج علوم رجال
من خلال الاستقراء لبعض البرامج المقدمة للأبناء، سواء في الإجازة أو غيرها من أيام السنة وُجد أن الكثير من هذه البرامج لا يستوعب إلا القليل من الأبناء، لذا حرصنا أن نقدم مشروعاً يخدم الأبناء من خلال الأسرة.
المقدمة:
لا بد لنا قبل البدء في تنفيذ هذا البرنامج أن نستعرض الجوانب الإدارية والضوابط والتوجيهات العامة التي قدمت في أوراق العمل ونستفيد منها.
التفصيل:
ويشتمل على الأهداف والضوابط، ثم البرامج والوسائل.
أولاً: الأهداف:
هذا البرنامج مقدم لأفراد الأسرة لغرس بعض الصفات المحمودة كالكرم والشجاعة والأمانة وحب مساعدة الآخرين، والفزعة والجرأة والصبر والتحمل، وأخلاقيات العفو والصفح، والوفاء ، والبذل والإيثار، واحترام الآخرين، الاقتداء بالمتميزين ، والقيام بدور الأب والأم من قبل الجميع كل على حسبه... وغيرها.
ثانياً: الضوابط:
تنقسم الضوابط إلى قسمين:
1 - ضوابط عامة.
ومنها : معرفة خصائص المربي وخصائص المربَّى، والبيئة والأساليب وغيرها.
2 - ضوابط خاصة، ومنها:
أ - تنظيم الوقت.
ب - المرونة في التعامل.
جـ - عدم التوبيخ واللوم عند الأخطاء الطبيعية.
ثالثاً: البرامج والوسائل:
نستطيع أن نضع عنواناً للبرنامج الذي يتوقع من خلاله تحقيق أهدافنا السابقة، «وهو علوم رجال».
أما وسيلة تحقيقه فيكون في المنزل ، ويفضل أن يطبق برحلة تقوم بها الأسرة خلال الإجازة الصيفية، تستغرق عدة أيام إلى مكة المكرمة أو غيرها ، ونقترح عند التنفيذ اتباع الخطوات التالية:
1 - قبل الرحلة تجتمع الأسرة للاتفاق على موعد السفر ومدته وتوزيع المهام والأوراق بين أفرادها، كالتنظيم والمسؤول المالي والمشتريات والتموين ومسؤول البرامج الثقافية والترفيهية والدعوات والزيارات وتنسيق المواعيد.
2 - تبدأ الأسرة بتنفيذ البرنامج بتجهيز الأدوات المطلوبة للرحلة.
ثم السفر وقيام كل فرد من أفرادها بالدور الذي كُلف به كتهيئة السكن وتأمين المتطلبات والاستضافة والزيارة وتوزيع بعض الصدقات ومساعدة المحتاجين وغيرها.
3 - تقوم الأسرة باجتماع لتقويم البرنامج من الجميع ورصد الدروس المستفادة منه.
4 - محاولة تطبيق هذا البرنامج بعد العودة طوال أيام العام مع تطويره.
البرنامج الثاني :
أسرتنا فريق تربية
الأهداف
استثمار أوقات الفراغ
رفع مستوى الوعي
تفاعل الأسرة ومشاركتها في البناء
تحقيق أسرة مترابطة ومتألفة وباذلة
حمايتهم من الانحراف
التعويد على القراءة المثمرة كل بحسبه
وسائل تحقيقها:
البحث عن الأسرة المؤثرة في المجتمع لتكون قدوة لهم .
حصر أوقات الفراغ لدىكل فرد
توجيه سؤال لكل فرد ماذا تحب أن تحققه للأسرة
توزيع المسؤوليات بين أفراد الأسرة مثل النظافة تنبيه أوقات الصلاة
إشراكهم في وضع البرنامج جماعياً
الألعاب الجماعية للجميع مثل شد الحبل ويشترك الأبوان في ذلك .
وضع مسرح وأناشيد منزلية
وضع برنامج قراءة من خلال المجلات والقصص
تصوير أو تسجيل مشهد أسري من غير علم الأسرة وعرضه
جلسة حوار لبناء الأسرة:
جلسة حوار لاكتشاف الطاقات
جلسة حوار لاكتشاف الأخطاء
تعيين قائد ونائب 000بالتناوب
الألعاب الجماعية
إتاحة المجال لإبداء الرأي
تحديد يوم خاص لكل شخص يوم واحد أبونا وآخر أمنا
تعويدهم على القيادة
تكليفهم بإعداد برنامج رحلة
وضع برامج بديلة
إشراكهم في أخذ الدورات الخارجية
إشراكهم في إقامة دورات في المنزل مثل الطبخ
تداخل المسؤوليات الابن يقوم مقام الأب .
توزيع المسؤوليات مثل مهام البيت من نظافة
سبورة منزلية يكتب فيها عبارة يومية يكتب فيها قيم وإيجابيات
سبورة منزلية يكتب فيها عبارة يومية تحذير من سلبية
نتكلم بلسان المجموعة (نحن)
مع حفظ خصائص الفردية وتحديد المرجعية
البرنامج الثالث:
عرض برامج ومناشط الإجازة الصيفية من الشبكة العنكبوتية : تم استعراض الشبكة فاختير خمسين ملفا منها و تم تلخيصها في النقاط التالية مع بعض الإضافات أما صيغ العمل بها فيمكن الرجوع إلى الشبكة :
1. مشاريع تعبدية : استغلال فرصة الإجازة في البقاء في الحرمين والمساجد ، عمرة ، الإقبال على تلاوة القرآن الكريم .
2. مشاريع علمية : حفظ القرآن الكريم ، حفظ السنة ، حفظ المتون ، حلقات التحفيظ ، حضور دروس المشايخ ، حضور الدورات العلمية ، ودورات في تجهيز الجنائز ،حضور المحاضرات والندوات ، بحوث ، سماع أشرطة ، تلخيصات كتب وأشرطة .
3. مشاريع معرفية : دورات حاسب آلي ، دورات في اللغة الإنجليزية ، دورات في الدفاع المدني والهلال الأحمر ، دورات في الإدارة وتربية الذات ، مسابقات.
4. مشاريع متعددة الأنشطة : مراكز صيفية ، مخيمات دعوية وتربوية ، مخيمات على البحر.
5. مشاريع دعوية : المشاركة جولات دعوية ، زيارات للقرى ، أعمال احتسابية في الأسواق والمتاجر والأرصفة وتجمعات الشباب .
6. مشاريع إغاثية : المشاركة في الجمعيات الخيرية ، القيام على الفقراء والمساكين وتجميع ما يحتاجونه وتوزيعه عليهم.
7. مشاريع تجارية ووظيفية : تجارة صغيرة في سوق الخضار أو عند المساجد ، العمل في المتاجر والشركات ، العمل في الجهات الخيرية كالجمعيات والمراكز الدعوية .
8. رحلات : طويلة ، قصيرة ، طويلة متقطعة تحت عنوان (اكتشف بلدك ) مع العائلة أو مع الأقارب ، مع الحارة ، مع الزملاء .
9. مشاريع مهنية : تعلم مهنة في المصانع أو مراكز التدريب المهنية : كهراء ، الكترونيات ، سباكة ، تبريد ، سيارات ، نجارة .
10. دورات رياضية : كاراتيه ، الجو دو ، الغوص في البحر ، الفروسية ، مع أخذ شهادات عليها
11. مشروع زيارات : مكتبات ، معارض ، صالات ألعاب ، حدائق حيوانات ، حدائق عامة ، مشاريع خيرية ، مشاريع دعوية ، جامعات ، مستشفيات ، معاقين ، مواقع سياحية .
12. برامج للأطفال : قصص ، ألعاب ، سباحة ، ألعاب ترابية ، زيارات للأقارب ، مسابقات ، حلق تحفيظ ، حلق بيتيه ، مشاهدة برامج هادفة .
سادساً: التوصيات.
1. أجمع الحضور على تقديم الشكر والتقدير للمستودع الخيري على هذه المبادرة.
2. إخراج ملخص اللقاء ونشره لتعم الفائدة.
3. إقامة لقاءات دورية تهتم بالأبناء والأسرة.
4. التركيز على البرامج العملية في اللقاءات القادمة.
5. الاستفادة من الإمكانات المتاحة في المجتمع.(1/237)
6. إنشاء جمعية أصدقاء الآباء.
7. هاتف مجاني لعلاج مشكلات الأولاد.
8. عقد لقاء في بداية الدراسة تحت عنوان ( برامج عملية في تربية الأسرة )
وختاماً نسأل الله أن يجزي القائمين على الملتقى والمشاركين فيه خير الجزاء وأن يجعل فيه النفع والفائدة المرجوة ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
===========
الاختبارات على الأبواب .. فهل أنت مستعدة ؟
بقلم : هيا الرشيد
" يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان " ، وها هي الاختبارات النهائية على الأبواب ، وقد حان وقت الحصاد ، ولكل مجتهد نصيب ، وهنا تبرز الفروق بين الفتيات ، والأهداف التي تصبو إليها كل واحدة منهن ، فمنهن من تريد المحافظة على مستواها المتميز ، و منهن من تحاول تعويض ما خسرته من درجات في الفصل الدراسي الأول .
اجتياز العام الدراسي بنجاح هدف مشترك لجميع الطلبة والطالبات ، وهناك طرق مشتركة و أساليب مفيدة في تنظيم هذه الفترة يجب أن يتبعها الجميع لتكون النتائج إيجابية إن شاء الله تعالى .
فترة ما قبل الاختبارات تعتبر فترة ذهبية للطلبة والطالبات في جميع المراحل ، حيث يكون هناك متسع من الوقت للمذاكرة والحفظ بهدوء وروية بعيداً عن التوتر العصبي الذي غالبا ما تصاب به الفتيات في فترة الاختبارات نفسها ، كما أن الوقت مناسب للمراجعة بالإضافة إلى أنه من المهم أن يكون استيعاب المادة سابق لفترة الاختبارات بمدة كافية ليكون وقت الاختبار مخصص للمراجعة فقط .
ويعد تنظيم هذه الفترة الذهبية و استغلالها بشكل صحيح أحد اهم عوامل النجاح ، وقد يكون في اتباع النظام التالي بعض الفائدة : ـ
عمل جدول بجميع المواد بدءا من الصعب إلى السهل مع مراعاة الفترة التي تحتاجها كل مادة دراسية .
التركيز المبدئي في دراسة المادة على الموضوعات التي لم يسبق استذكارها بشكل جيد أو لم يسبق الإطلاع عليها ، وهذه الأخيرة من المفترض أن تكون قليلة جدا ، أو غير موجودة .
كتابة بعض الملاحظات على النقاط التي لم يتم فهمها والرجوع للمعلمة لتوضيحها خلال فترة المراجعة .
اختيار الأوقات المناسبة للمذاكرة والتي يكون التركيز فيها كبيراً ونسبة الفهم عالية ويفضل استغلال فترة ما بعد صلاة الفجر حيث تكونين فيها في قمة نشاطك .
نبذ الكسل و التهاون و البعد عن التسويف لأن الوقت محدود و الفرصة الآن متاحة و لكنها تتناقص تدريجيا بمرور الوقت .
البعد عن جميع الملهيات التي تسرق الأوقات و تحبط الأعمال .
استبعاد الأفكار السيئة ومنها الاعتماد على الزميلات أثناء الاختبار عن طريق الغش أو غيره .
التوكل على الله سبحانه و تعالى قبل كل شيء مع بذل الجهد قبل وأثناء الاختبارات .
مع أطيب أمنياتنا للجميع بالنجاح والتوفيق
المصدر : لها اون لاين
============
خطورة الألعاب الإلكترونية
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد،أحمده سبحانه وأشكره ينعم ويعطي بلا عدد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اصطفاه ربه من بين البرية بالرسالة فاستعد ، وأكرمه ربه بعلو المنزلة في الدنيا والآخرة فسعد .أما بعد:فأوصيكم معاشر الأحبة في الله ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين عامة وبوصيته لكم خاصة حيث قال:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا(131)}(النساء). أما واللهِ لو عرفَ الأنامُ ..لما خُلِقوا لما غَفِلوا وناموا ..لقد خُلقوا لما لو أبصرتهُ ..عيونُ قلوبِهِم ساحوا وهاموا …مماتٌ ثم قبرٌ ثم حشرٌ …وتوبيخٌ وأهوالٌ عظامُ ..لِيومِ الحشرِ قد خُلقت رجالٌ … فصلوا من مخافته وصاموا …ونحن إذا أٌمرنا أو نُهينا…كأهل الكهفِ أيقاظٌ نيامُ([1]) .
أمة الإسلام يعيش العالم اليوم فوره في التقنية وتخرج التقنية كل يوم علينا بمخرجات جديدة فينقسم الناس أمام تلك المخرجات إلى ثلاثة أقسام قسم يأخذ كل ما تفرزه تلك التقنيات دون تأمل أو روية بل ويلهث خلفها جاهداً أن يقتني لنفسه وبيته وولده كل حديث منها،وقسم آخر يرفضها بالكلية فيعيش في عزلة عن العالم والتطورات الحادثة فيه،وقسم ثالث يتعامل مع تلك المخرجات بروية وتأمل فيأخذ منها إيجابياتها ويذر سلبياتها وهذا القسم هو من أنار الله بصيرته بنور الإيمان والحكمة،لكن تظل هناك مخرجات لا تعرف أضرارها ولا سلبياتها إلا بعد وقوع ضحايا لها!وحديثي اليوم عن نوع من تلك المخرجات ألا وهي الألعاب الإلكترونية التلفزيونية كالسيجا والسوني ونحوها وقد حاولت جمع الآثار المترتبة عليها من خلال الواقع فوجدت أن من أبرز سلبياتها ما يلي :
1- ضياع الوقت الذي هو رأس مال العبد المسلم في هذه الحياة ومن ضيع وقته فقد ضيع نفسه وهو مسؤول عن هذا الوقت الذي أضاعه غداً بين يدي رب العالمين؛فقد ذكر لي أحدهم أنه جلس مع رفيق له على مباريات في كرة القدم فيها من الساعة العاشرة مساءً إلى الثامنة صباحاً من اليوم التالي ولو لم يكن في ذلك إلا تضييع الثلث الأخير من الليل لكفى به من خسارة،وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ))([2]) .
2- التقاعس عن القيام بالواجبات من بر الوالدين أو صلة الرحم وزيارة الجيران كل ذلك بحجة أنه ليس لديه وقت والسبب الحقيقي لذلك هو انشغاله بتلك الألعاب .
3- ضعف الإيمان لأنه في الغالب ما تأخذ تلك الألعاب من المدمن عليها أوقاتاً طويلة قد تكون على حساب أوقات قراءة القرآن وأوقات الأذكار والأوراد وأو قات قيام الليل بل قد تكون على حساب الصلوات المفروضة حيث تضيع من ذلك المدمن عليها دون أن يشعر .
4- التفكك الأسري وضعف التربية؛وذلك نتيجة لانشغال الأبناء طوال الوقت بتلك الألعاب فمتى يجلسون مع آبائهم و أمهاتهم ليتحقق الدفء الأسري وتقوى رابطة الأخوة و المحبة ؟ متى يجدون الوقت الذي تنتقل فيه خبرة الأباء والأمهات إلى أولادهم ؟ متى يعرفون أخطاءهم فيوجهوهم ويحسنون تربيتهم ؟
5- ضعف ثقافة المدمن على تلك الألعاب وانخفاض مستواه الدراسي حيث إنك تجده يسعى لإنهاء واجباته المدرسية بسرعة ليجد وقتاً للعب ولا يطلع على غير المقررات المدرسية ؛ لأن وقته وقلبه وعقله مشغول باللعب بها .
6- ضعف السلوك الاجتماعي لدى المدمن على تلك الألعاب حيث تجده معظم وقته أمام تلك الألعاب منطوٍ على نفسه فإذا خرج للمجتمع لا يعرف كيف يتعامل معه لأنه لم يحتك بالمجتمع ليتعلم كيفية السلوك الاجتماعي .
7- ضعف البصر بعد فترة لكثرة نظره إلى الشاشة التي تخرج منها العديد من الإشعاعات الضارة بالعين .
8- ضعف الصحة وخمول الجسد لأن الجسد يضل فترة طويلة بلا حراك فتضمر العضلات ويصيبها الخمول .
9- الإصابة بنوبات الصرع المتكرر بعد فترة قد تطول من الإدمان عليها وهذا ما جاء في تقرير يقول بأن اليابان بدأت تشتكي من آثار تلك الألعاب لكونها تنشط كهرباء المخ مما ينتج عنه التعرض لحالات الصرع المتكرر .(1/238)
10- غرس العدوانية في نفوس الأولاد،ويشهد لذلك قصة عاينتها من قريب حيث كان هناك طفل اشتكت المدرسة من سلوكه العدواني مع زملاءه الطلاب وأنه يبطش بهم بطشاً شديداً يفوق الأحوال العادية وبعد التحري والتأمل وُجِدَ أن سبب تلك المشكلة هو جلوسه لساعات طويلة أمام أشرطة العنف في تلك الألعاب .
11- الإصابة بالأمراض النفسية و إليكم قصة فتى سمعتها في موسم عيد هذا العام وحدثني بها من رآها رأي العين،حيث كان أب يجلب لابنه كل حديث في هذا المجال وإذا بالأب يفاجأ بإصابة ابنه بحالة غريبة لطول الأوقات التي يمضيها أمام تلك الألعاب أصبح يستيقظ من النوم فزعاً يصرخ بلا سبب،ثم أصبحت حركته بطيئة جداً وكذلك حديثه وكأنه آلة تتحرك ويفزع ويرتجف من أدنى صوت إلى جواره،وفشل في دراسته! فها هو الأب أراد إسعاد ابنه فجنى عليه .
ومن المخاطر التي سمعتها من بعض من يتعاملون بتلك الألعاب أن النوع الجديد منها بداخله كرت للفيديو ويأتي الشريط في صورة لعبة ثم بحركة معينة وإدخال كلمة السر أو رقم سري تتحول تلك اللعبة إلى فلم جنسي فاضح ! ومع الأسف أُخبرت أن طلاباً في المرحلة المتوسطة أصبحوا يتبادلون مثل هذه الأشرطة،ناهيكم عن تأثيرها على العقيدة حيث أنتجت بعض الشركات العالمية لعباً عن صراع الحضارات بها من الخطورة على العقيدة ما بها .
أيها الأحبة في الله هذا غيض من فيض حول هذه الألعاب ولعل بعضكم يعلم عنها أكثر مما علمت، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115)}(المؤمنون)
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد : فأرجو من اخوتي الذين يقتنون مثل هذه الألعاب ألا يعجلوا علي في الحكم بأني أحرم هذه الألعاب ولكني أقول أنه لا بد من الاستفادة من إيجابياتها واجتناب سلبياتها وأرى أن ذلك يكون بأمور من أهمها يلي :
1- عدم السماح للأولاد بإحضار أشرطة عن طريق التبادل مع الزملاء لأن هذا الباب باب شر مستطير فأرى أن يغلق وأن يتم شراء جميع الأشرطة بواسطة الوالد أو عن طريق إشرافه .
2- تقنين وقت اللعب بها بأن يحدد بنصف ساعة على الأكثر يومياً أو بساعة في نهاية عطلة الأسبوع على أن يكون اللعب بوجود أحد الوالدين وتحت إشراف أحدهما على الأقل وألا يترك الولد للعب في غرفة خالية .
3- أن يحاول الأب تعلم أساليب تلك الألعاب وكيفية اكتشاف أشرطتها حتى لا يكون ظاهرها البراءة وهي تحوي ما يثير الغرائز ويهدم الأخلاق .
4- وأخيراً أن يبين الأب لأولاده وأن يربيهم أنهم لم يخلقوا ليضيعوا أوقاتهم في اللعب فقط وإنما خلقهم الله لغاية أسمى حيث قال : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)}.أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يقينا وجميع المسلمين شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يصلح لنا أزواجنا وأولادنا وبيوتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه .
------------------
([1]) المجتمع ، عدد (1383)،السنة (30)،27رمضان - 11 شوال 1420هـ / 4-17 يناير -2000م،ص64 (استراحة)
([2]) سنن الترمذي ، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع ، حديث 2341، قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
============
أفكار رمضانية تساعدك بمطبخك
ام يوسف
أخواتي
بعد أيام نستقبل شهرنا العظيم، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، شهر الصيام والذكر، شهر التوبة والغفران، شهر العزة والكرامة.. اللهم بلغنا رمضان.. الهم بلغنا رمضان، فكم من آمل أن يصوم هذا الشهر ففاجأه أمله فسار قلبه إلى ظلمة القبر، كم من مستقبل يوم لا يستكمله ومؤمل غداً لا يدركه..
يامعاشر المسلمات:
إن رمضان آت بعد أيام، وفى الآمة تُعساء يستقبلونه على أنه شهر؛ جوع نهار وشبع ليل، نوم في الفراش إلى ما بعد العصر؛ وسمر في الليل إلى الفجر، تراهم ذئاباً في الليل جيفاً في النهار، جعلوا من رمضان موسم طرب وسهر ودعايات وقنوات، انهم يقتلون رمضان ويفسدون حلاوته وطعمه، حُرموا وحَرموا غيرهم من جمال رمضان وروعة الحياة فيه، عبادة للبدن والجسد بنزواته ولذاته، وأسر للروح والعقل؛ مساكين هؤلاء.. ولكن نعمل واحبتنا بدون اسراف او تضيع وقت بالمطبخ
أخواتي اليكم هذه الافكار التي تساعدك برمضان
1) عليك شراء بعض الأشرطة الدينية التي تخص شهر رمضان وأشغالها وقت عملك بالمطبخ
2) نغسل الأبازير وننقيها ونربطها بالشاش لأستخدامها فى الشوربة والباقي عليك طحنة
3) عند شراْ مقاضي رمضان ابدئي بالأشياء الضروية وتجنبى الإسراف
4) عليك تفريز مايمكن تفريزة للأستخدام وقت الزنقات
5) عليك عصر بعض الفواكة المحببة لك ووضع منها بقوالب الثلج لكي توضع على العصير بدلا من الماء المثلج
6) عليك با البحث والنبش بالمطبخ لما هو منتهى الصلاحية من أطعمة
7) عليك بعمل الشيرة ووضعها بجالون الزيت بعد غسلة لتوفير الوقت
8) اذا كنت أمرأة عاملة عليك عمل الحلى من الليل لتفادي الوقت
9) اذا كنت أمرأة عاملة عليك أقتناء قدر الضغط لاختصار الوقت
10) اقتناء انبوبة غاز أحتياطية خوفا من انتهاء الأنبوبة وقت عملك بالمطبخ
11) اقتناء صحون بلاستيكية عند عدم توفر من يساعدك بالمطبخ
12) عند أرادتك بأخراج اللحم للأفطار عليك بوضعها فى صحن ويوضع فى أحد رفوف الثلاجة من الليل
13) عليك بتجهيز الأدوات التي تستخدميها للسفرة بوضعها فى صينية وتغطيتها بمنشفة ووضع التمر بصحون ولفها بالقصدير
14) عليك بوضع قصدير على البوتجاز ليخفف عليك تنظيفه من القلي ويحافظ علية
16) اذا وجد لديك أطفال لا يصوموا عليك بابقاء أكل لهم من قبل أو إصنعي لهم مايرغبون
15) أذا بقي لديك أطعمة نظيفة من الفطور أو السحور لاترميها لكن ضعيها بأكياس وأعطيها من هم فى حاجة لها
16) اذا تبقى لديك خبز عليك بتقطيعة ووضعة بالفريزر لوقت الأستخدام للأطباق التي يحتاجها
17) عليك بتنظيف مكان عملك بالمطبخ أول بأول حتى لايتراكم عليك الشغل
18) وعليك بتقطيع الخضار مثل البقدونس والكزبرو والشبت ووضعها بعلب حافظة بالفريزر للستخدام
وأهم شئ لاتنسى نفسك بالأكل وتنسى أهم شئ وهو قراءة القرآن الكريم وهو الذي سوف ينفعك ويشفع لك يوم القيامة أكثرن من التسبيح والاستغفار في كل وقت .
تذكروا هذه الأفعال
لاتقضوا أكثر الوقت في المطبخ واجعلوا
من فطوركم أجرا لكم وافطروا صائما
وأرسلوا للفقراء ولاتنسوا جيرانكم واهلكم فهذا باعث للمحبة والوصل
أيها المسلمات:
أكرموا هذا الوافد الكريم.. استقبلوه بالتوبة الصادقة والرجوع إلى الله؛ أروا الله من أنفسكم في هذا الشهر المبارك.. فإن لله نفحات من حرمها فقد حرم خيراً كثيراً، جاهدوا أنفسكم؛ أخلصوا النية لله في الاستعداد له؛ فربما قطع هادم اللذات تلك الأماني فبلغ صاحبها بنيته ما لم يبلغه بعمله.. كم من إخواننا الذين كانوا يخططون لشهر رمضان وعمل الخيرات فيه، وقد حملناهم على الأكتاف ودفناهم تحت الأحداث لكنهم بلغوا إن شاء الله بنياتهم .
=============
كيف تنجز أكثر في وقت أقل
113 وسيلة وحيلة
لمساعدتك علي رفع معدل الإنتاج
والتغلب على عادة التأجيل
تأليف
روبرت بودش
ترجمة
منال مصطفى محمد
مقدمة(1/239)
نعيش في عالم تتسارع فيه الأحداث ويطوي الزمن . ونكاد لا نشعر بوقتنا كيف يمر وفيما نقضيه . كلنا في أمس الحاجة إلى أن ننظم أفكارنا وأوقاتنا ونحاول الاستفادة من كل دقيقة في حياتنا ، إذا كنا ننشد حياة افضل وعملاً مميزاً يقود إلى نجاح مؤكد . هذا الكتاب الرائع البسيط المسلسل يضع أيدينا علي مفاتيح هامة نحتاجها بشدة لنستطيع من خلالها تحقيق أقصى إنجاز ممكن بأقل مجهود في زمن قياسي . لقد كان هذا الكتاب نقطة تحول في أسلوب تفكيري وعملي . وكما استفدت منه ، أرجو أن تعم فائدته علي الجميع .
المترجمة
المحتويات
الموضوع الصفحة
1. مقدمة 4
2. التفكير 6
3. التخطيط 7
4. التنظيم 12
5. ابدأ فوراً 13
6. أبدع أفكارا منتجة . 15
7. وسائل وتقنيات وخطوات فاعلة 18
8. راقب وقتك 25
9. تغلب على عادة التأجيل 27
التفكير
1 ـ لا يوجد وقت كافي لعمل كل شئ ، تقبل هذه الحقيقة ببساطه . لذا من الضروري التركيز على الأشياء الأكثر أهمية . وإذا فعلت ذلك فى كل من عملك وحياتك الشخصية ، فإنك ستنجز أكثر بحسن إدارة الوقت .
2 ـ صفى ذهنك . اهدأ . وركز على مهمتك . تجاهل أي شئ آخر . فالتوتر الزائد يجعل مهمتك تبدو أصعب مما هى عليه . يمكنك التحكم فى صفائك الذهنى بحيث لا تجعل الضغوط الخارجية تؤثر عليك . تفهم جيداً ما يجب عليك فعله وقم به فى هدوء وراحة وثقة .
3 ـ لا تحاول أن تنشد الكمال . فمن السهل أن تقع فى فخ المحاولات لجعل العمل أفضل قليلاً . لكن فى أغلب الأحيان تؤثر محاولات تحسين العمل فى النتيجة العامة ، بالإضافة إلى زيادة استهلاك الوقت والمجهود بدون داعى .
4 ـ تقبل عيوب إنتاجك لأنها طبيعة بشرية . فمن الغير مفيد لوم نفسك . وعندما يقل معدل إنتاجك فإنك تحتاج للتوقف وإعادة التفكير . لا تفكر فى محاولاتك الفاشلة السابقة ، تقبلها لأنها ببساطة طبيعة البشر . واصل عملك .
5 ـ تعامل مع مكان عملك كموقع للإنتاج . هيئ ذهنك للتفكير فى مكتبك كمكان لإنجاز المهام ، فكر باستمرار بهذه الطريقة ، وستجد نفسك أكثر إنتاجاً كلما تواجدت هناك . خصص مكان آخر للأعمال والأحداث والأنشطة الأقل أهمية . وأجعل مكان عملك حصرياً للأنشطة الأكثر أهمية .
التخطيط
6 ـ جهز قائمة بالمهام التى يجب إنجازها. أدرج بها كل الأفكار التى ترد لذهنك. تكمن الفكرة فى أن تدون كل شئ على الورق . لا تتوقف لصياغة أسلوبك أو للتفكير فى أحد النقاط . كل ما عليك هو الاستمرار فى كتابة القائمة حتى تكتمل .
7 ـ درج قائمتك تبعاً للأهمية . وأسهل طريقة للقيام بذلك هى تصنيف كل مادة إلى ثلاثة أقسام رئيسية :
أ ـ عاجل وهام. ب ـ هام وليس عاجل. ج ـ لا هام ولا عاجل.
النقاط ( أ ) هى الأكثر أهمية لذلك تأخذ الأولوية القصوى دائماً .
والنقاط (ب ) تليها فى الأهمية .
أما ( ج ) فلا تستحق تضييع الوقت بها .
اتخاذ الوقت اللازم لتحديد الأولويات سيساعدك على إنجاز المهام واحدة تلو الأخرى ، دون التوقف لتحديد أهمية الخطوات لإنجاز المهمة .
8 ـ خمن بإحساسك أكثر الخطوات أهمية ، فإنه نادراً ما يخذلك .
9 ـ قم وببساطه بحذف أي خطوه غير هامة مدرجه بالقائمة . اسأل نفسك " ما هو أسوأ ما يمكن حدوثه إن أسقطت هذه كلياً من القائمة ؟ . وإن رأيت أنك تستطيع تحمل النتائج دون خسارة ، احذفها فوراً .
10ـ أجل المهام الغير ملحة لصالح الأكثر إلحاحاً . فليس من الضرورى عمل كل شئ الآن . أحياناً يعطل العمل من قبل الممولين أو المنفذين أو المستفيدين أنفسهم . احذف ما استطعت ، ثم استغل هذا الوقت لتنفيذ الخطوات الأكثر إلحاحاً لإنجاز المهمة .
11ـ طور عادة تدوين خطه على الورق لإنجاز المهام ، سواء كانت كبيرة أم صغيرة . فالنجاح الذى يتمتع به الكثيرون يرجع إلى دقة تخطيط حياتهم . ارسم طريقك ثم أسلكه هكذا ، عمل بسيط لكن فعال جداً .
12ـ استثمار الوقت عامل مطلوب لإنجاز كل مهمة على قائمتك . احسب الوقت اللازم لإنجاز كل مهمة مثل السفر والمقابلات والتخطيط .. إلخ . لا تنسى إضافة وقت ضائع للوقت الفعلى لإنجاز هذه المهام .
13ـ توقف وفكر فيما تخطط له . كيف يمكن إنجازه بشكل أكثر فاعلية ؟ استغرق دقائق معدودة لتلخيص وبلورة وتبرير خططك . فالخلاصة البسيطة تغنيك عن ساعات من التردد .
14ـ حدد أهدافك . اكتبها واجعلها أمامك . حدد ما تعمل من أجله . سجل أهدافك فى خطتك اليومية وارجع إليها باستمرار . ثم ضع تسلسل زمنى منطقى لإنجاز كل هدف .
15ـ ضع خطه مرنه لكل مشروع . سجل الهدف المراد إنجازه فى قمة القائمة . يمكن تقييم كل مهمة إلى خطوات لكل منها ميعاد نهائى لإنجازها . الفكرة من الخطة المرنة هى أن تقسم الخطوات باستمرار لخطوات أصغر ، وفى كل سلسلة قم بتدريج الأعمال حسب الأهمية . تزودك الخطة المرنة بحلول للمواقف الحرجة مما يؤدى مباشرة لإنجاز مهمتك .
16ـ خطط لكل ساعة من عملك اليومى . حدد أوقات لمهام جدولك اليومى . أعطى لكل مهمة الوقت اللازم لإنجازها . استغل وقتك لمعالجة الأمور ذات الأولوية . وإذا انتهيت من المهمة مبكراً ، ابدأ مباشرة فى إنجاز التالية . استغل الأوقات التى تكون فيها فى ذروة طاقتك لإنجاز المهام الأكثر إلحاحاً. وكلما أكثرت من استعمال تقنية الوقت المحدد لكل مهمة ، كلما أصبحت أكثر مهارة فى تحديد الوقت المطلوب .
17ـ استعد جيداً قبل كل اجتماع . ضع هدف محدد لكل اجتماع . أجعل المجتمعين متوقعين بالضبط ما المطلوب من كل منهم . أخطرهم بجدول الأعمال مسبقاً، وبهذا يمكن أن يساهم كل الحاضرين بشكل أكثر فاعلية . قبل نهاية الاجتماع يجب أن يكون كل شخص قد أدى مهمته السابقة ويكلف بمهمة جديدة . أظهر التزامك لقيمة أوقات الحاضرين بإنهاء الاجتماع فى الوقت المحدد .
18ـ ركز . حتى وإن كنت مطالب بإنجاز (101) مشروع ، يجب أن تعمل على زيادة مجهودك . هناك الكثير من الإغراءات التى تصرف انتباهك . الكثير من الأشياء الشيقة لتعملها والأماكن لتذهب إليها والناس لتختلط بهم ، فبإمكانك قضاء وقتك بعدة طرق أخرى . لكن إذا أردت أن تنجز فما عليك إلا أن تركز على ما هو أكثر أهمية ، هكذا ببساطه .
19ـ فى نهاية اليوم اقضي 10 دقائق للتحضير لعمل الغد . اكتب قائمة بأولويات اليوم التالى مسبقاً . سيوفر لك هذا وقتاً ثميناً فى الصباح . يمكنك أن تدخل مباشرة فى عملك دون الحاجة لعمل قوائم واختيارات . إتباع هذه الاستراتيجية يضمن لك استغلال اليوم من أوله والعمل على إنجاز أكثر المهام أولوية .
20ـ حدد باستمرار الوقت اللازم لإنجاز كل مهمة . عندما تبدأ فى إنجاز المهام ، فإنك تحتاج للعمل دون أى عوائق وعندها ستشعر بحدوث النتائج المطلوبة بشكل أسرع .
21ـ قسم الأهداف إلى مهام أساسية . لا يهم إن كان الهدف كبيراً أم صغيراً . أى هدف قد يبدو مثل حلم بعيد المنال حتى تبدأ فى تقسيمه إلى خطوات عمل صغيرة جداً يمكن أن تبدأ بها فى الحال . تقسيم الهدف إلى مهام أساسية يجعلك تنجز خطوات توصلك إلى ما كنت تحلم به . إذا فشلت فى عمل هذا، ستصبح أهدافك أحلاماً بعيدة المنال .
22ـ أعط كل مهمة الوقت الكافى لإنجازها ، هذه هى الطريقة الصحيحة . إنك تحتاج لإنهاء المهمة بالشكل الصحيح من أول محاولة حتى لا تتعرض لضغوط تسارع الوقت المحدد . فلن تستفيد شيئاً من تكرار العمل مرتين .(1/240)
23ـ حدد خطوات عملك قبل أن تبدأ . خذ وقتك فى عمل خلاصة سريعة للمشروع . قسمه إلى خطوات . وقم بتحديد الوقت . دقيقة واحدة من التخطيط الفعال تغنيك عن ساعة من التفكير . فالتلخيص الجيد للمشروع هو خريطتك لإنجازه بنجاح .
24ـ عد ملف رئيسى لمواعيد التسليم النهائية . اعرف أين تقف فى أى وقت فيما يتعلق بأى مشروع تنجزه . كن مدركاً لماهية الخطوات ومتى يجب أن تنجز. الغرض من ملف مواعيد التسليم النهائية هو أن يساعدك فى الالتزام وتنظيم كل موعد نهائى بشكل مناسب . وعندما يبدو لك أن الموعد النهائى ليس ببعيد ، فمن الأفضل أن تبدأ فوراً بالعمل على المشروع .
25ـ توقع ما لا يتوقع . انتبه للتأخيرات عندما يشترك معك آخرون بمشروعك . إن خططت لها ستكون أقل إحباطاً وقادراً على الالتزام بالموعد النهائى . كن واضحاً مع الآخرين حول ما يجب أن يفعلوه ومتى ؟ لكن عليك إدراك أنه ما من أحد غيرك ملزم بالإنجاز . راجع بشكل دورى بدلاً من الانتظار للدقائق الأخيرة وهذه هى الوسيلة المثلى لتبقى على الطريق الصحيح .
26ـ ضع خططك لتطوير زيادة قليلة جداً فى معدل إنتاجك اليومى . التركيز على التحسن القليل يؤدى إلى تحسن ثابت كل يوم . اتخذ قراراً رفع إنتاجك الشخصى بنسبة مئوية صغيرة يومياً . قد يجعلك هذا حذراً فى التخطيط ، لكن تزايد معدل الإنتاج سيكون كبيراً كما أنك ستصبح أكثر كفاءة .
27ـ ضع الخطط التفصيلية المكتوبة للمشاريع الأكبر . أكتب خلاصة تتضمن نقاط تحدد اتجاه كل خطوه على طول الطريق . أجعل النقاط واضحة ومفصله كما لو أنك تخطط لتنفيذ شئ آخر . إذا حصلت على المساعدة ، يمكنك عملياً إنجاز خطوات إضافية. أما إذا كنت تقوم بالمشروع كله بنفسك، فليس عليك أن تقف وسط العمل لتدرس الخطوة العملية القادمة .
28ـ أفسح وقتاً إضافياً لبعض التأخيرات الروتينية المؤكدة الحدوث . عندما تحدد نشاطك اليومى إعطى نفسك من 10 : 15 % زيادة فى الوقت . القيام بمثل هذا التدبير للوقت سيجعلك أكثر فاعلية وأقل إرهاقاً .
التنظيم
29ـ هيئ مكتبك لتقوم بأداء عالى وكفء. الكثير من الضوء الطبيعى بقدر المستطاع، مساحة فارغة كافية على المكتب ، كرسى مريح ، وأى شئ تحتاجه لأداء المهمة المطلوبة على أكمل وجه .
30ـ ضع كل شئ فى مكانه . فى نهاية اليوم ، أفرغ مكتبك وارجع كل ملف أو مستند لمكانه المعهود . بهذه الطريقة ستجد كل شئ فى مكانه عندما تحتاجه فى المرة القادمة .
31ـ قبل أن تبدأ المشروع ، أحرص على توفر الأساسيات أجمع كل المواد التى تحتاج إليها مسبقاً . بالنسبة للكاتب قد تكون هذه المواد مجموعة أبحاث . وبالنسبة لعامل البناء قد تكون أدوات ومواد البناء التى يحتاجها . جهز ما تحتاجه مسبقاً لتندمج بالعمل دون انقطاع حتى تكمل مهمتك .
32ـ تفادى تكديس الورق فوق مكتبك . أحفظه لتعرف مكانه بالضبط . وقلل عدد مرات استخدامك لكل ورقة .
33ـ استفد من كل المصادر القيمة التى أمامك . يمكنك الاعتماد على حدسك الخاص للوصول إلى ما تحتاج ، دون تضييع الوقت فى البحث ومن الأفضل الاستعانة بسكرتير للبحث عن المعلومات . أشياء مثل الأرشيف الحكومى والإنترنت والدليل التجارى قد تكون ذو قيمة كبيرة كمصادر للمعلومات دون تضييع الوقت . استخرج هذه المصادر .
ابدأ فوراً
34ـ قم اليوم بوضع قائمة للغد . يكون معظمناً أقل إنتاجاً فى نهاية اليوم . عندما ترى أن أكثر المهام صعوبة لهذا اليوم قد اكتملت، فإنه وقت الاستعداد لليوم التالى . من الأفضل أن تحتفظ بجدول أعمالك فى ملف مخططك اليومى أو تجمعها كلها على شكل كتيب . بهذه الطريقة سيكون لديك دائماً كل الأعمال والأنشطة اليومية . تحضير جدول أعمالك فى وقت سابق يجعلك تبدأ بداية أفضل فى يومك الجديد . ويجعلك أيضاً تفكر بالخطوات التالية .
35ـ ابدأ كل صباح على مكتب نظيف . وفى المساء قبل أن تنصرف تخلص من أى تراكم للعمل . إن داومت على تنظيف مكتبك كعادة يومية ضمن عملك اليومى ، ستقهر أى عقبه تؤدى إلى الفوضى وتمنعك من التفكير الواضح المبدع . ببساطه ، لا يمكنك القيام بأداء مميز إذا واجهت كل من العمل الكتابى ، ومجموعة من المهام التى يجب أن تنجز فى وقت واحد .
36ـ قم بعمل أبغض المهام أولاً . وذلك عند ما تواجه بقائمة من المهام الثقيلة ، قم بالأكثر بغضاً واحدة تلو الأخرى . ستشعر بعد ذلك أن كل ما يأتى لاحقاً سهل . وستشعر أنك لا تقهر باقى اليوم .
37ـ ابدأ فوراً . اتخذ شعار " قم بعملك الآن " . وإن لم تبدأ فلن تنتهى . إذا انتظرت انتظام بعض الأمور ، فقد تفقدها كلها . إنجاز بعض الخطوات كل يوم يصل بك إلى تحقيق هدفك . لا تؤجل عملك . قم به الآن .
38ـ كن دقيقاً . طور دقة المواعيد إلى عادة . وفى وقت قصير جداً ستنجز أكثر من غيرك بـ 97% . الدقة فى المواعيد ستجعلك تبدو ملتزماً ويوفر لك الوقت والمال . ويجعلك كذلك تحترم وقت الآخرين . حضورك للعمل مبكراً يتيح لك الفرصة للتعرف على الموظفين والإمدادات الجديدة ، ويتيح لك وقتاً للراحة ، ووقت للاستعداد الذهنى أو حتى على الأقل وقت لمراجعة ملاحظاتك .
39ـ استفد من البداية المبكرة فى الصباح . استيقظ ساعة مبكراً عن المعتاد وأستغل هذه الساعة للقيام بأفضل أداء . جرب هذا لمدة شهر وستدهش لما يمكن أن تفعله هذه الساعة لك . إنها وسيلة سهلة لكسب فوائد مميزة.
40ـ ابدأ كل مشروع بخطوة إيجابية . ابدأ بعمل شئ هام وستشعر بالإنجاز الذى سيساعدك على إكمال يومك . ابدأ قائمتك اليومية بالمهام أو الأعمال البسيطة وقم بوضع خطة عمل مفصلة للمهام الأكثر تعقيداً . تذكر هذه الفكرة البسيطة فى بداية كل مهمة أو مشروع وستبدأ بداية موفقه كل مرة.
أبدع أفكارا منتجة .
41ـ إذا توفر لديك وقت إضافى أعمل فيه على الخطوة الأكثر أهمية . لأنها هى التى تعطيك القيمة الأعلى أو المردود الأكبر . اسأل نفسك باستمرار
" ما هو الاستثمار الأمثل لوقتى ، الآن ؟ وعندها قم بأكثر الأعمال إنتاجية .
42ـ واصل التركيز على أي خطوة مهملة ذات أولوية . أعمل عليها باستمرار . واصل العمل عليها بقدر ما تستطيع دون أن تشتت تركيزك، لا يهم مدى صعوبتها أو بغضها أو التحدى الذى سيواجهك . وغالباً ما يتطلب ذلك أن تكون ذو إرادة قوية ، ولكن النتيجة تستحق هذا العناء .
43ـ انتقل للخطوة التالية في الأهمية على قائمتك. ركز انتباهك 100% على هذه المهمة حتى تكتمل . إذا ما أنجزتها أو بذلت فيها أقصى جهد ممكن ، انتقل إلى المهمة التى تليها على قائمتك . واحدة تلو الأخرى ، هكذا ستنهى مهماتك ، وأعمل دائماً على إنجاز الأكثر أهمية .
44ـ أنجز المهام التى تعود عليك بقيمة مميزة . إعطى المهام السهلة الباقية لمن يؤديها . وهذه وسيلة فعالة جداً لرفع معدل الإنتاج . قم بالمهام الرئيسية التى ستنجزها أنت فقط بأفضل ما يمكن . مهما كانت مهارتك وتجربتك وخبرتك عليك استغلالها عملياً ، بما تحتاجه المهمة . استثمر وقتك وخبرتك بحكمة . دقق فى كل مهمة وقرر أى من الإمكانات المتاحة أكثر فاعلية لإنجازها .(1/241)
45ـ حول وقتك لأفعال منتجة . حدد الوقت الذى تكون فيه أكثر إنتاجية ، استجمع كل قوتك ، ثم قم بالعمل . استخدم الأوقات الأقل فى معدلات الإنتاج للرد على المكالمات الهاتفية أو إرسال الفاكسات أو للاجتماعات وإدارة المناقشات. لا يمكن لأحد أن يحافظ على معدل إنتاج مرتفع طوال اليوم . يمكن السر فى أن تعرف أكثر أوقاتك نشاطاً . وتقوم فيها بما هو أكثر أهمية من متطلبات العمل .
46ـ استخدم الكمبيوتر بكفاءة . أتبع عادة كتابة الأشياء مرة واحدة ثم قم بتحريرها عند الضرورة على الشاشة . تجنب كتابة الملاحظات التحضيرية باليد والتى تحتاج لتسجيلها على الكمبيوتر فيما بعد . تعلم استخدام قواعد البيانات ومخططات المشاريع وبرامج الجدولة وأى برنامج يفيد عملك وأداءك.
47ـ وفر وقتك . أنجز المهام بأقل الخسائر .كلما قلت الخطوات المطلوبة لإنجاز مهمة ما كلما كان أفضل . أعمل على رفع كفاءتك من خلال استقطاع دقائق أو حتى ثوانى من أعمال روتينية . أنتبه إلى الخطوات المعقدة والغير هامة والمبالغ بمعالجتها مما يضاعف العمل .
48ـ نوع من حجم المهام لتتفادى الإجهاد . بدلاً من تناول مشروعين فى أربعة ساعات ، قم بواحد تلو الأخر ، قسمهم إلى مهام تنجز كل واحدة فى 30 دقيقة . حاول أن ترتب مهامك من الصغير للكبير ، عندها ستشعر بالإنجاز وتكون أقل خمولاً فى آخر اليوم .
49ـ تحد نفسك لإنهاء المهام المدرجة على جدول أعمالك . ابحث باستمرار عن أكثر وأسرع وأفضل الوسائل إنتاجاً للقيام بالمهام . ثم كافئ نفسك لزيادة معدل الإنتاج .
50ـ أبذل جهدك لزيادة معدل التحسن . التحسن القليل والثابت فى المجهود والنتائج ينتج عنه اختلاف كبير على المدى البعيد . كل ما تحتاجه هو أن تحسن من أدائك أكثر من المعتاد قليلاً وباستمرار وعندها ستكون فى قمة الـ 5% من العاملين الأكثر إنجازاً .
51ـ طور أداءك فى العمل . لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد . أبدأ فى العمل فوراً وستنجز خلال عشر سنوات ما ينجزه الآخرون طوال حياتهم . قم بعملك الآن وستشعر بإحساس الإنجاز الرائع . كيفية استثمارك لوقتك تحدد نوعية حياتك التى تصنعها .
52ـ حدد ما تريد إنجازه أكثر من أى شئ أخر . ما هى الخطوة الأولى على قائمتك أو الهدف الأكثر أهمية والذى يجب إنجازه الآن . تلك هى المهمة التى تحتاج التركيز عليها . اتبع هذه الوسيلة أولاً . وعندها تستطيع إنجاز كل ما تحتاجه ، ولكن بشرط عمل كل مهمة على حدة .
53ـ قم بزيادة إنجازك بالانتقال فوراً للمهمة التالية . كلما أنجزت مهمة تلو الأخرى ، كلما تضاعفت احتمالية زيادة إنتاجك . فالنجاح يولد نجاح . كل مهمة تنتهى بنجاح تزيد من حماسك وتعزز من ثقتك لإنجاز المزيد . كل إنجاز ناجح يعزز من قدرتك على مواجهة التحدى التالى . قم بعمل كل خطوة على حده ثم انتقل للتالية فوراً .
54ـ حول أنشطتك اليومية الأساسية إلى عادة قوية . فالعادة هى شئ تقوم به تلقائياً ، دون تحكم العقل الواعى . كل واحد منا لديه مهام بغيضه أو مقيتة ، ومع ذلك هامة . بمجرد أن تصبح عادة ، سيسهل تحملها . وليس عليك حينها أن تتوقف وتفكر بها .
55ـ غير العادات القديمة عديمة الفائدة إلى عادات مفيدة . قرر أن تستثمر وقتك بفاعلية أكثر ، وابدأ من اليوم وسيلاحظ الآخرون قدرتك على إنجاز الأشياء المهملة . سيقدرونك أكثر علاوة على أنك تستطيع الاستمتاع بوقت فراغك .
56ـ تخيل أن لديك نصف يوم فقط لإنجاز عمل يوم كامل . ماذا ستفعل ؟ بماذا ستبدأ؟ ما الذى يجب أن يقدم وما يمكن أن يأتى لاحقاً؟ عندما تفاجأ بقلة الوقت المتاح أمامك للعمل ، فإنك مضطر لوضع خطة على أعلى مستوى من الكفاءة .
وسائل وتقنيات وخطوات فاعلة .
57ـ ابتعد عن المقاطعات الشخصية . عندما تؤدى عملك ، فإن آخر ما تحتاجه هى التدخلات الغير ضرورية . يحدث أكبر إنجاز عند ازدياد حماسك واندماجك بالعمل كلما اقتربت نحو النتيجة الناجحة . يمكن أن تعيق المقاطعات نجاحك . لذا لا تدعها تحدث . استخدم وسائل عدم الإزعاج مثل علامات على الباب أو البريد الصوتى . وإن كنت مضطراً ابحث عن مكان بعيد للعمل حيث لا يجدك الآخرون . أو غير أوقاتك لتكون فى قمة نشاطك حيث لا يكون وقت الذروة عند الآخرين .
58ـ تعلم أن تتجاهل المهام التى لا تؤدى لنتائج . فما أسهل أن تشغل نفسك بعمل أقل أهمية . إن كانت الخطوة غير هامة اليوم ، فلا تضيع وقتك بها ، كلما ابتعدت عن المهام الأقل إنتاجاً ، كلما كنت منتجاً .
59ـ الغ أى سفر غير ضرورى . استخدم التكنولوجيا الحديثة التى توفر الوقت. إن كان فى الإمكان استخدام الهاتف أو الفاكس أو البريد الإلكترونى للتعامل مع قضايا اليوم الهامة . تجنب الزيارات الشخصية لتوفير المزيد من الوقت ورفع معدل الإنتاج .
60ـ سجل أفكارك على مسجل ، أو استعمل برامج الصوت فى الكمبيوتر ، ثم حرر الكلمات إلى صيغة ملائمة . فهذه طريقة سهلة للتعبير عن أفكارك ، دون عناء محاولة الكتابة المنمقة . الكتابة لكثير من الناس عمل مضجر ، ولكن التحدث أسهل طالما أنه ليس أمام جمهور . وغالباً تكون الكتابة أكثر فاعلية إذا كانت بغرض الاتصال بين شخصين .
61ـ ضع مواعيد نهائية يومية . سواء قبلتها أم لا ، فالمواعيد النهائية تزيد من معدل الإنتاج . كلما اقتربنا من الموعد النهائى لإتمام العمل ، كلما بذلنا ما فى وسعنا لإنهائه، ضع سلسلة من المواعيد النهائية شهرياً وأسبوعياً ويومياً. فكلما اقترب الموعد النهائى كلما بدأ العمل الحقيقى . تعمل المواعيد النهائية كقوة دفع هامة لزيادة إنتاجك كلما التزمت بها .
62ـ قف أثناء تحدثك بالهاتف . فالوقوف يجعلك تتحدث فى الموضوع مباشرة وبسرعة وتكون المكالمة مثمرة . من السهل أن تجلس جلسة قصيرة ومريحة جداً وعندها ستطول المكالمة .
63ـ جمع عدد من المهام المتشابهة الصغيرة وقم بها فى نفس الوقت . رد على كل المكالمات الهاتفية التى تتعلق بموضوع واحد فى اليوم ويفضل القيام بذلك بعد الانتهاء من جدول الأعمال اليومى . إتمام عدد من المهام الصغيرة يكون أسهل فى وسط زحام العمل . حيث يساعدك دعم جهودك على الاستفادة القصوى من وقتك . جمع المهام الصغيرة معاً مثل الأعمال المصرفية والبريد والتسليم والتسلم أو تجديد قاعدة البيانات والرد على البريد الإلكترونى . عندما تجبر على الانتقال من نشاط لآخر والعودة مرة أخرى ، فإنك تستهلك الوقت فى محاولة إعادة التركيز والاندماج .
64ـ أدر الاجتماعات بكفاءة . أعلن مسبقاً عن موعد الاجتماع والتزم به . أغلق الباب لتبدأ الاجتماع . لا تحرج ممن يأتى متأخراً . فلتكن معروفاً بأنك ملتزم تماماً بمواعيد الاجتماعات , وسرعان ما سيتفهم العاملون أنك رجل أعمال جاد وعندها ستصبح الاجتماعات مثمرة . حدد الاجتماعات فى أوقات غير تقليدية من اليوم مثل الساعة 1.50 مساءاً أو 3.45 مساءاً مما يساعد على الالتزام بدقة المواعيد .
65ـ تحدى نفسك . حاول دائماً أن تتفوق على نفسك . ركز تفكيرك لإيجاد وسيلة أكثر كفاءة لأداء نفس المهمة المكلف بها . وبتحويلها للعبة ، فإنك تحول حتى أكثر المهام بساطه لإثارة ومرح.(1/242)
66ـ أكتب قائمة مهامك على صفحة واحدة كبيرة . أكتب كل المهام ، دون الاهتمام بالتسلسل المناسب . بعد تسجيل كل المهام ، حلل 3 مجموعات مختلفة من المهام ( أ ، ب ، ج ) باستخدام أقلام التعليم الملونة . بمجرد تقسيمهم ، يمكنك إعادة ترتيبهم بالتسلسل الصحيح بسهولة فى مخططك اليومى . وبهذه الطريقة ، ستتعرف فى بداية العمل كل يوم ، على المهام الصعبة التى ستواجهك .
67ـ جمع كل سجلاتك الهامة معاً . احتفظ معك بخطة مهام ليوم واحد فقط . ومن الأفضل أن تكون قائمة المهام جزء من جدول أعمالك . احتفظ بالملفات الدائمة وتجنب وضع الملاحظات على الأظرف أو قصاصات الورق الصغيرة . واستخدم ملف خططك لتدوين كل الملاحظات . محاولة استخدام أكثر من خطة تزيد من فرصة نقص الإنتاج. كما أنك بنقل البيانات تخاطر بفقد عنصر أو خطوة هامة.
68ـ فى كل الاتصالات الهاتفية أدخل إلى الموضوع مباشرة تجنب الثرثرة المضيعة للوقت . أجعل رسالتك مختصرة ومفيدة بقدر الإمكان . أدخل فى لب الموضوع . قدر وأحترم وقت الآخرين وسيعاملونك بالمثل .
69ـ أنشئ سجلات إلكترونية لواجباتك ومسئولياتك. إذا اعتمدت بشكل خاص على الكمبيوتر للتسجيل باستمرار ، فإنك عاجلاً أم أجلاً ستنهى حالة الإحباط التى يمكن أن تحطم كل شئ . وقد ينجح استعمال الكمبيوتر أو يفشل . وإذا كان كل ما تملكه مسجل فقط على الحاسوب دون امتلاك مرجع مكتوب ، عندها قد تواجه الإحباط الحقيقى . أعمل مسودة على الورق ، وبالتالى سيكون عندك مرجع لمنع أى ضياع للمعلومات .
70ـ فلتكن منجزاً وكافئ نفسك بالمدح الجميل . الحياة فى كثير من الأمور ، لعبة ذكاء . أحياناً نقوم مع أنفسنا ببعض الخدع والألعاب الصغيرة والتى يمكن أن تحفز مستويات جديدة من الإنتاج والإنجاز ، تشجيع نفسك بكلمات إيجابية قليلة كتحية لإنجازك يساعدك على إنجاز المزيد .
71ـ أضف حوافز للتشجيع على بذل المزيد من الجهد . اقطع وعداً لنفسك أو لفريق عملك ، بعمل شئ ممتع حقاً ، إذا وصلت للهدف فى وقت قياسى .
72ـ احتفظ بخطتك . الاحتفاظ بسجل مرئى لتقدمك فى إنجاز مشروعك الصعب يمكن أن يدفعك لإنجاز أكبر . استخدم خطتك كقائمة مراجعة واشطب كل مهمة يتم إنجازها . مما يساعدك على الاستمرار ويبقيك متحفزاً ويعطيك برهان مرئى لإنجازك .
73ـ ليس من الضرورى البدء بتنفيذ أول نقطة . أحياناً يكون من الأفضل البدء بأى نقطة فى المشروع . محاولة التمسك بالبداية تطبيقاً لما تعلمته ، قد يكون ذو نتيجة عكسية . فإن كانت البداية صعبة ، ابتعد عنها وانتقل مباشرة إلى ما يمكنك القيام به . اختر المهمة الأسهل ، وقم بها أولاً . وبعدها يصبح إنجاز المهام التالية أسهل .
74ـ قم بنوع من الإجراء المنتج فوراً . أعلم أن قمة قوتك فى هذه اللحظة ، الآن لا شئ أهم من اللحظة الحالية لا فى الماضى ولا المستقبل . بلا أدنى شك ، الوقت الوحيد الذى تعتمد عليه هى لحظات يومك الحالى . لا تهدرهم.
75ـ هئ الأشياء التى توفر من بذل الجهد . قم بتجهيز المستندات التى استعملتها سابقاً لإنجاز مهام مماثلة ، مراراً وتكراراً ، الملخصات وجداول الأعمال والاجتماعات والاستفتاءات والطلبات المدونة ، كل هذه أمثلة بسيطة للمستندات التى غالباً ما تستخدم .
76ـ كن رقيباً على نفسك ، فى الأيام التى تحاول فيها التخلص من النقاط الهامة ، أحكم نفسك وعدل منهجك . اسهل وسيلة لتطوير الحافز الذاتى هى أن تحتفظ برؤية واضحة لهدفك طوال الوقت . الهدف هو سبب فعل ما تفعله الآن . تذكر الهدف دائماً ، شئ تسعى لإنجازه ، لكى يعطيك الوقود اللازم لتخطى الصعوبات .
77ـ واجه التحديات والصعوبات وجهاً لوجه . غالباً ما يكون الوقت المحدد للخطوة الأكثر أهمية لا يكفى لإتمامها . إذا كان هذا هو الحال ، فإن أفضل ما تفعله هو أن تستجمع قوتك وتبدأ بالعمل . أعمل بهمة . فعادة لا تكون الأمور بالصعوبة التى تتخيلها .
78ـ كلف آخرين بالعمل كلما أمكن . داوم على المتابعة للتأكد أنهم على الطريق الصحيح وفى الوقت المحدد . غالباً ما يمكن أن يتولى الآخرون المهام الفردية . فتوظيف طاقات الآخرين يمكن أن يكون عوناً كبيراً خاصة إذا ما زودوا بالتوجيهات والتدريبات الكافية .
79ـ أسس نظام جيد للملفات . لا شئ أكثر إحباطاً من معرفتك أنك تملك المواد التى تحتاجها ولكنك لا تستطيع تحديد مكانها . وأحد طرق تأسيس هذا النظام هو أن تضع دليل للملفات فى الأدراج . ويمكن تصنيفها بنظام الأرقام أو الحروف الهجائية ، طالما أن هناك مكاناً يتسع للإضافات المرتبطة بنفس التصنيف . كلما أضفت ملفاً جديداً بالدرج ، سجله فى الدليل . ضع كل شئ فى مكانه المناسب وستجده عندما تحتاجه .
80ـ احتفظ بخطتك اليومية أو دفتر ملاحظاتك بالقرب منك دائماً . سجل كل أفكارك وملاحظاتك وأى معلومات أخرى تقفز إلى ذهنك فى أى وقت ، وغالباً ما يحدث ذلك فى أوقات انشغالك بأعمال أخرى . دون ملاحظاتك الغير هامة والتى تود مشاركة الآخرين بها فى نهاية اليوم .
81ـ اتخذ القرارات بسرعة وحزم . يشترك الذين صنعوا النجاح فى حياتهم فى صفة اتخاذ القرار السريع والتمسك به . لا تضيع الوقت فى التردد . قدر الموقف بأفضل ما يمكنك ثم اتخذ القرار . ليست كل القرارات تتخذ بسرعة ، لكن العديد من القرارات اليومية تكون كذلك . كلما مارست ذلك كلما تحسنت وزادت كفاءتك .
82ـ اختصر الوقت الذى تقضيه فى تحضير الردود . تعلم أن تستخدم الهاتف بفاعلية لتوصيل الردود المتأخرة . حاول بقدر الإمكان استخدام الهاتف للرد على المراسلات ، فليس من الضرورى الرد على الخطابات والفاكسات بنفس الطريقة . مكالمة هاتفية صغيرة تؤدى المهمة فى الوقت الذى قد تستهلكه فى التحضير لإرسال الخطاب .
83ـ حافظ على صحتك العقلية والبدنية . لأنها ضرورية للقيام بأفضل إنجاز . نظم وقتك من أجل حياة أفضل ، فهو يؤدى لصحة جيدة وحياة منظمة . فأنت تحتاج لصحة جيدة لكى تستمتع بإنجازاتك كما ينبغى . لا شئ أهم من صحتك . فبقاؤك فى حالة صحية جيدة يعطيك طاقة وقدرة على التحمل . ويجعلك كذلك أكثر تفتحاً وأقل توتراً .
84ـ مارس الرياضة بانتظام . عامل جسدك كميكنة تخضع للصيانة وعندها ستعمل بشكل أكثر كفاءة ، لفترات أطول . يساعدك أى نوع من الرياضة المنتظمة على أن تبدو أكثر حيوية ونشاطاً . والراحة بعد المجهود الجسدى يقوى ويعيد بناء الجسم .
85ـ تعلم القراءة السريعة . فالعديد من الدورات والكتب متوفرة لمساعدتك . من السهل جداً لمتوسطى السرعة فى القراءة مضاعفة سرعة قراءتهم بمساعدة بعض الأفكار والتقنيات البسيطة . صممت بعض الدورات للذهاب إلى ما هو أبعد من مضاعفة سرعتك ، لكن ذلك يتطلب الممارسة المستمرة. مضاعفة سرعة القراءة ستوفر لك نصف الوقت ، مما يتيح لك المزيد من الوقت لمهام أكثر حيوية .
86ـ ركز على الهدف فى جميع الأوقات . اعرف هدفك . كن مدركاً لهدفك وعندها ستشعر بالإنجاز عند إكمال كل مهمة . تذكر ما تسعى إليه بشكل واضح فى عقلك ، ستدرك عندها أنه من الضرورى العمل بجد لإنجاز الأعمال .
87ـ تمسك بجدول أعمالك . مع أنه من الطبيعى أن تظهر أشياء أخرى تعمل على تشتيت انتباهك ، إلا أنك لا يجب أن تنجرف وراءها . عندما يحدث شئ يشتت الانتباه ، لاحظه ، سجل تفاصيله ، أجله لوقت آخر . بعد أن تنهى عمل اليوم الهام ، ارجع إلى ملاحظاتك وتعامل مع أسباب المقاطعة .
راقب وقتك .(1/243)
88ـ أعر انتباه خاص للأشياء الصغيرة . بمرور الوقت تكون تلك الأشياء هى اللحظات التافهة التى تؤدى إلى قلة الإنتاج على مدار العمر ، تبدو تلك الأيام والساعات والدقائق مدة كبيرة من الزمن كان يمكن أن تستثمرها بشكل أفضل.
89ـ طوال يوم العمل ركز اهتمامك دائماً على إنجاز أكثر الأعمال أهمية . سيجعلك هذا الإجراء متميزاً عن الباقين . الفاشلون دائماً مشغولون جداً ، لكنهم نادراً ما ينجزون المهام الأكثر إنتاجاً .
90ـ أنشئ نظام تنبيه لتذكيرك مسبقاً بالمهام القادمة والمناسبات والتواريخ الخاصة ومواعيد التسليم التنبيه هو رسائل تذكير دورية تصنيفها إلى جدولك اليومى. حيث يتيح لك كل من التحضير ورسائل التذكير المنتظمة وقتاً للقيام بأى عمل أو مهمة .
91ـ راقب وقتك فى أسبوع . سجل كل ساعة وكل دقيقة . ثم راجع ما سجلته فى نهاية الأسبوع . ارصد عدد الساعات وكيفية استغلالها . إذا فرقت بصدق بين الوقت الذى أنتجت فيه وأوقات الأنشطة الأخرى فى حياتك ، تأكد أنك ستكتشف فرص مؤكدة للتحسن المؤثر .
92ـ لاحظ متى يجب أن تغير اتجاهك . إذا كانت خطتك أو استراتيجيتك لا تسفر عن شئ بينما أنت مستمر فى العمل ، توقف وأبدأ التغيير . قلل خسارتك فى الوقت والطاقة عندما لا تسفر مجهوداتك عن شئ . عدل نظرتك . صحح مسارك .. اتبع طريقه أخرى تؤدى لك المهمة .
93ـ انتبه للأشياء الصغيرة التى تضيع الوقت . توفير دقيقتين كل يوم يصنع اختلافاً كبيراً على مدار العمر . فكر بشكل عملى . ركز على هذه النقطة جداً . ثم انتبه للوقت الذى تضيغه أمام خزانة ملابسك محاولاً تقرير ماذا ترتدى ، أو فى البحث عن مفاتيح سيارتك عندما تنسى مكانها . حياتك ليست أكثر من مجموعة من الدقائق والساعات والأيام .
94ـ ضع سجل دقيق للوقت اللازم لإتمام كل مشروع أو عمل أو مهمة . ستساعدك مثل هذه الوثيقة مستقبلاً على تقدير الوقت المطلوب . رؤية خطة مكتوبة للوقت على الورق ستوحى لك فى أغلب الأحيان . وستكتشف الأوقات التى يمكن أن تحسن فيها من كفاءتك .
95ـ قم بالدراسة مسبقاً . أعرف متى يسلم المشروع وما يجب عمله لإنجاز الخطوات المحددة . قبل بداية أول خطوة لإنجاز العمل ، حدد كل الخطوات المطلوبة لإنجازه . استقطع وقتاً لمداخلات الموظفين والعاملين بالمشروع. وقد تشمل المداخلات المكتبية وزملاء العمل والباعة والزبائن . ما الوقت المطلوب لكل منها ؟ ما العمل الذى يمكن إنجازه فى المكتب ؟ ما هى المعلومات أو التجهيزات التى قد تستعين بها من مكان آخر ؟ تعطيك الدراسة السريعة مجالاً أفضل للعمل القادم .
96ـ استثمر وقتك فى إنجاز العمل الحقيقى ـ ذلك العمل الذى سيساعدك على إنجاز مهمة تلو الأخرى . انشغل بعمل كل ما هو مهم ويخص المشروع الذى أمامك . اترك كل التخطيط والترتيب لنهاية اليوم ، بعد انتهاء العمل اليومى الهام .
تغلب على عادة التأجيل .
97ـ قيم المهمة التى تتهرب منها . ما الذى يمنعك للبدء بها؟ غالباً ما تبدو المهمة شاقة . طريقة التغلب على ذلك هو أن تقسمها إلى مهام صغيرة . قسم المهمة الكبيرة إلى مهام ثانوية تنجز أسرع وأسهل . قسمها وستصبح أقل صعوبة . انظر إليها كسلسلة من المهام الصغيرة ، ثم أنجزهما واحدة تلو الأخرى .
98ـ قدر النتائج . ما أسوأ ما يمكن أن يحدث إذا أجلت أو أخفقت فى إكمال هذه المهمة ؟ وفى المقابل ؟ ما هى أفضل نتيجة محتملة لإنجاز هذا العمل فى الوقت المحدد ؟ قم الآن بالخطوة الصائبة وأبدأ العمل فوراً .
99ـ ابدأ فوراً . ابدأ الآن . قيم الوضع فى الحال وقم بالخطوة الأولى لبدء العمل. حتى أكثر المهام صعوبة يمكن أن تصبح أكثر سهولة عندما نعقد العزم ونبدأ بها . ابدأ بتكوين سمعه بقدرتك على إنجاز الأعمال . فتأجيل العمل الهام يجعلك تبدو أقل التزاماً بالإنجاز .
100ـ أفصح للجميع عن التزامك لتتمسك به . عليك أن تجد شخصاً مما تكون محرجاً منه إن لم تفي بالتزامك . شارك هذا الشخص فى هدفك وتوقيتك لإنجازه . ثم ابدأ بالعمل مباشرة . إعلان التزامك يجبرك علي أن تكون مسئولاً . ستكون أقل تضييعاً للوقت وأكثر حرصاً على تحطيم الوقت القياسى وعمل المهام الضرورية .
101ـ قم بأى شئ يساعدك على الاقتراب من إنجاز مميز لمهمتك . افتح ذلك الملف ، اتصل بأول رقم على قائمتك ، أو حتى اكتب السطر الأول فى رسالتك ـ أو كل ما يمكن أن يساعدك على الاستمرار ، وبهذا تبدأ الاندماج بالعمل .
102ـ فكر قبل أن تفعل . إذا واجهت صعوبة فى البدء ، خذ خمس دقائق للتفكير فى الموضوع أولاً . ابحث عن أسباب التأجيل . حفز نفسك لتحليل سبب تأخيرك هذا المشروع . ثم واجه هذا السبب . واجه مخاوفك باتخاذ إجراء إيجابي .
103ـ قم بعمل ما أجلته أولاً . أنجز هذه المهمة المزعجة فى بداية اليوم . وعندما تكتمل ستشعر بالنشاط وسيكون باقى اليوم سهلاً .
104ـ انتبه للأعذار التى تتخذها لإرجاء بعض المهام ، من أجل مهام أخرى . أرجع دائماً للخطوة الأكثر أهمية فى هذه اللحظة وأعمل على إنجازها . من السهل الوقوع فى فخ العمل بجد أكثر لإنجاز مهمة أخرى كوسيلة لتجنب عمل ما يجب عمله فعلاً . تحكم فى نفسك وعدل طريقة عملك .
105ـ روح عن نفسك . ابعد الملل وحول العمل للعبة مرحة . تحدى نفسك لتحطيم رقمك القياسى فى السرعة أو لتصبح أكثر كفاءة ، أو لإيجاد طرق أكثر إنتاجاً لإنجاز هذه المهمة . وعندها تحسن معدل إنتاجك ، استمتع قليلاً ، أكمل هذا العمل الممل وقد تكتشف شئ ثورى حقيقى يمكن أن يغير من تفكيرك التقليدى .
106ـ أعرف ماهية أسباب تأخيرك ثم أتخذ بعض الإجراءات . خذ بعض الوقت وتحدث مع نفسك قبل القيام بشئ ما قد يكون صعباً أو غير مناسب أو مضجر جداً ؟ استمع إلى صوتك الداخلى لكن كن مستعداً لإنهائه إذا منعك عن عمل الأشياء المهمة . نادراً ما تكون المهمة صعبة كما تبدو . عادة يكون " التحضير للعمل أسوأ من العمل نفسه " .
107ـ غير موقفك تجاه هذه المهمة أو أى مهمة بحيث تصبح أكثر قابلية لإنجازها. امنع نفسك عن الشكوى من العمل الذى يجب أن تقوم به ، وأجعل هذا التغيير ثابتاً . فقد تضيع معظم الوقت لتحفيز نفسك للقيام بمهمة ما بينما يكون من السهل إنجازها بمجرد البدء بها .
108ـ اكتشف سبب تأجيلك للعمل . وتلك بعض الأسباب الرئيسية للتأجيل :
أ ـ قد تبدو أشياء أخرى أكثر أهمية .
ب ـ قد تبدو المهمة مضجرة بحيث يكون من الأسهل عمل شئ آخر .
ج ـ قلة ثقة الشخص فى قدرته على إنجاز المهمة .
109ـ أعد تخطيط المهام المضجرة لجعلها أكثر قبولاً لإنجازها . ما من شئ فى حد ذاته يكون جيد أو سئ . إنما التفكير تجاه هذا الشئ هو الذى يجعله كذلك . وما من شئ سهل ولا صعب حتى نقرر نحن ذلك . كيفية نظرتك للمهمة هى التى تحدث فرقاً كبيراً . أنظر إليها بشكل إيجابى وستنجزها أسرع وبقبول أكثر . وعندما تتقن هذه المهارة ، ستقهر وسواس التأجيل .
110ـ حول المهمة إلى عمل شيق وعندها سيصبح إنجازها أسهل . لأننا لا نؤجل عمل الأشياء التى تشعرنا بالراحة . اجعلها متعة . اخلق منها تحدى أو منافسة . حولها إلى مغامرة مثيرة . فى أغلب الأحيان يكون الإرهاق الجسدي هو سبب التأجيل . وفر بيئة مريحة بقدر الإمكان وعندها سيهدأ الألم وتنساه وتعمل على إنجاز المهمة .
111ـ تخيل أن المهمة قد اكتملت بنجاح . عزز مشاعر البهجة بالنجاح والإنجاز. واحتفظ بهذه التجارب الحسية فى عقلك واسترجعها من وقت لآخر . استرجع هذه الأحاسيس وسيعمل العقل على تنفيذها واقعياً .(1/244)
112ـ أعمل قائمتين على ورقة واحدة . قم أولاً بتقسيم الصفحة طولياً إلى عمودين متساويين . على اليسار، أكتب كل أسباب تأجيل المهمة . وعلى اليمين ، أكتب أسباب القيام بها . والآن قم بلعبة صغيرة . لا تحاول تكديس الأسباب التى تبدو فى مصلحة القيام بالعمل ، لأن هذه خطوة واختيار خاطئ ، والأحمق وحده هو من يحاول عمل ذلك .
113ـ هاجم المشكلة معتبراً نفسك سيد الموقف . فكر بأشخاص تعرفهم وتعجب بإنجازاتهم . والآن ، تخيل أنك كل هؤلاء الأشخاص . كيف سيواجهون الموقف ؟ ما الإجراء الذى سيتخذوه ؟ وماذا سيفعلون لإنجاز العمل ؟ ثم لخص الخطوات التى قام بها الشخص المميز الذى أكمل المهمة الموكلة إليه. وعندها اتبع خطواته
=============
صفحة من قاموس الأمراض الاجتماعية والأخلاقية
د. نهى قاطرجي
كثيراً ما يتساءل الناس عن اسباب هلاك الأمم وزوالها مع تمتعها لحظة الزوال بالقوة والقدرة والجبروت ... إن الجواب عن هذا التساؤل شغل المفكرين قديماً وحديثاً وصيغت في أجوبته الكتب والمجلدات، والجواب كان دوماً واحداً ، إنها الأخلاق والقيم التي بفقدانها تبدأ الأمة بالتراجع والذوبان .
هذا على صعيد الدول والأمم أما على الصعيد الاجتماعي والفردي ، فتلعب الأخلاق والقيم دوراً مهماً في حماية المجتمعات من الجرائم والرذائل كما تؤمن للفرد السعادة النفسية ، والفوز في آخرته.
من هنا فإن الإقرار بوجود الأمراض الاجتماعية والأخلاقية داخل المجتمعات يعتبر خطوة أولى على طريق الشفاء من هذه الأمراض التي تشكل خطراً أكبر بكثير مما تشكله الأمراض العضوية لأنها تصيب عقول الناس فتعطلها وعواطفهم فتبلدها، وتكون الخطوة الثانية في السعي والعمل على التغيير وفقاً لقول الله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .
من هذا المنطلق كانت فكرة تأليف قاموس للأمراض الاجتماعية المنتشرة في العصر الحالي، ولتوضيح الفكرة اكثر هذه صفحة من هذا القاموس ...
- التبرج: خلق سيئ جاء نتيجة الدعوات إلى تحرير المرأة، ومعنى التبرج هو إظهار المرأة زينتها لمن لا يحل لها أن تظهرها له، ولقد كان من أسباب ازدياد هذه الظاهرة تلك الموجة التغريبية الاستهلاكة التي تشيئ المرأة، وتركز على جمالها الخارجي من أجل ترويج السلع والبضائع، وكان من أهم نتئاج هذه النظرة الشيئية للمرأة قيام بعض النسوة بتغيير خلق الله عبر عمليات التجميل، والوشم والنمص وتصغير الأنف وغير ذلك من التصرفات التي تتناغم مع دعوة الشيطان : " وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً * ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ..." .
- تبلد الإحساس: هو خلق مذموم قائم على قصر الأهداف في الحياة الدنيا على الأكل والشرب والنوم، أصحاب هذا الخلق قلوبهم ميتة، يخطئون بحق الآخرين ولا يشعرون بالذنب، يشاهدون مآسي ومصائب إخوانهم من المسلمين وكأنهم يشاهدون فيلماً سينمائياً عنيفاً، شعارهم:" ما لنا ولهم، هؤلاء بعيدون عنا، هؤلاء في بلد بعيدة "متجاهلين مفهوم (الأمة الواحدة) التي بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" .
- التحاسد: هو خلق مذموم نابع عن الأنانية والرغبة في زوال النعم عن الآخرين، وإن لم يحصل الحاسد على هذه النعم، وينتشر التحاسد بين الأقارب والمعارف، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسد فقال عليه الصلاة والسلام" لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابورا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخه فوق ثلاث ليال" .
هذا ويكثر التحاسد نتيجة ضعف الإيمان بالقضاء والقدر وتقسيم الأرزاق، والإحساس بالحرمان من الملذات الدنيوية المادية والمعنوية، والتفاوت الطبقي مما يؤجج مشاعر الغيرة والحسد بين الناس .
- التشبه بالكفار: هو تقليد الكفار في زيهم ولباسهم وفي نوعية طعامهم وطريقة أكلهم، واتباعهم في شتى "ألوان الحياة وأنماط السلوك والأخلاق، وفي الاعتقاد والتصور والفكر والفلسفة والسياسة والاقتصاد والأدب والفن والثقافة والنظم والتشريع، من غير اعتبار للعقيدة والشريعة الإسلامية والأخلاق الفاضلة، ومن غير إلزام للمنهج الإسلامي الأصيل".
- تضييع الوقت: هو الجهل بقيمة الأوقات ومحاسبة الله عز وجل عليها يوم القيامة، ولقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لخطورة تضييع الوقت بقوله: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه" . فترى الشباب بدلاً من أن يستفيدوا من أوقاتهم بالعلم والعمل والعبادة تجدهم يبحثون عن الطريقة التي يضيعون فيه هذا الوقت ويتخلصون منه، فيتسكعون في الشوارع والطرقات ويمضون الساعات الطوال أمام شاشات التلفزيون وأجهزة الحاسوب غير مدركين أن استغلال الأوقات بالعلوم والاكتشافات هي التي ساهمت في تقدم الأعداء وتفوقهم.
- التطاول على الدين: هي دعوة إلى نسف السنة النبوية الشريفة والتطاول على الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، والاستهزاء بالعلماء والمشايخ، ومعاونة الأعداء في الدس والافتراء على الإسلام، وأكثر من يقوم بهذا الفعل هم الكتّاب والأدباء الذين يستترون بستار الإبداع والحداثة وحرية التعبير كي يتهجموا على المقدسات الإسلامية ويهدموا قلاع الحياء والعفة، متناسين قول الله عز وجل: " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً* والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً و إثماً عظيماً" .
- التغريب : هي دعوة إلى "تذويب الشخصية الإسلامية في الشخصية الغربية حتى لا ترى إلا بالمنظور الغربي، ولا تعجب إلا بما يعجب به الغرب، وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلاقها المستمدة من الإسلام"، وقد بدأت هذه الدعوة إثر الحملات العسكرية على بلاد المسلمين، ثم تطورت مع الوقت حتى باتت تعرف اليوم بالعولمة الثقافية التي تهدف إلى اقتفاء أثر الثقافة الغربية في كل الميادين، في العلم والفكر والسياسة وفي العادات والتقاليد والقيم .
- تقبل المنكر: هو فعل ناتج عن التآلف مع المنكرات والتعايش معها، ومن هذه المنكرات: الفواحش، الرشوة، السرقة، العقوق، الكذب، قطع الأرحام، الخيانة، الغش والغدر، وما إلى ذلك من المعاصي التي تقبل في بعض المجتمعات الإسلامية تحت حجج واهية مثل تيسير الأمور والحرية الشخصية، والعجز وغيرها من الحجج التي يستترون خلفها متناسين تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من مغبة السكوت عن المعاصي، قال عليه الصلاة والسلام: " ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا" .
- التكبر: هو خلق ممزوج بالاستهزاء بالغير وبالاعتقاد بالأفضلية، وبحب الظهور والرياء والسمعة على حساب الآخرين، وأسباب هذا الفعل عديدة منها امتلاك المال والقوة والعلم، أما مظاهره فعديدة أيضاً منها سوء المعاملة وعدم مخالطة الناس والتعالي عليهم، وعدم مشاركتهم همومهم ومصائبهم، أما نتائجه فالهوان والذل والسقوط بين الناس في الدنيا والخلود في النار في الآخرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر".(1/245)
- التملق: هو فعل قائم على إظهار مشاعر الحب والتودد والتقدير بشكل منافي لما في القلب، وأبرز صور هذا المرض تظهر لدى ذوي الوجاهة والسلطان إرضاء لهم أو طمعاً بما في أيديهم، أما الدافع النفسي وراءه فهو الخوف والطمع. "والتملق مرض نفسى واجتماعى ينتشر بين الناس كالوباء فى عصور الانحطاط وهى العصور التى يبتعدون فيها عن دينهم ويضعف اعتزازهم به وذلك لأنه يضعف إيمانهم بالله فيضعف خوفهم منه ورجاؤهم فيه فى حين يقوى إيمانهم بالحياة الدنيا ويشتد حرصهم عليها ومن ثم تزداد أهمية الناس عندهم فيزداد الخوف منهم والطمع فيما بأيديهم ولاسيما المال والجاه" .
-التهاون بأمور الدين: هو تصرف ناتج عن الجهل وعدم الإدراك للعواقب، فمن تهاون بالعبادات من صلاة وزكاة وحج وصيام وعقوق للوالدين إلى تهاون بالقيم والأخلاق من قطع للرحم وإساءة للجوار والغش والكذب وأخذ أموال الناس بالباطل، وتهاون بصغائر الذنوب التي تتحول مع الإصرار إلى كبائر، وأيضاً تهاون بالوقت وتهاون بالكلمة وما إلى ذلك من أمور يقوم بها بعض الناس نتيجة اغترارهم بالله عز وجل وتسويفهم للتوبة، متناسين بذلك عظمة الخالق وشدة عقابه وكأنهم لم يقرءوا قول الله عز وجل: "ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب" .
===============
برنامج علمي وعملي خلال إجازة الصيف
نموذج (1)
برنامج رقم (1) للمسافرين
1) درس في القرآن الكريم خاص بالكبار في السن، عن طريق حلقة يومية خلال الإجازة يهتم فيها : بتصحيح التلاوة ، ومراعاة أهم أحكام التجويد كالإظهار والإدغام والإقلاب والإخفاء والغنة والمد .. ، ويفضل أن يكون الفاتحة و جزء عمّ وتبارك ، مع حفظ من الناس إلى البروج - فأكثر إن تيسر . مع حفظ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وأذكار الصباح والمساء مع شرح لما تحويه من معاني عظيمة . (ويجب أن يختار الوقت المناسب حسب عادة أهل الحيّ أو القرية ؛ والأفضل أن يكون بعد الفجر أو قبل صلاة العشاء) [ يحاول الأخ أن يستفيد أكبر عدد من الناس ، حتى لو أضطر إلى أن يجعله إقراءً جماعياً]
2) درس في القرآن الكريم للصغار ، ويركز فيه على القراءة الصحيحة ، مع حفظ من الناس إلى النبأ - على الأقل ، مع حفظ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وأذكار الصباح والمساء . ويحض الناس على حضور أبنائهم ومشاركتهم حتى تعم الفائدة . ويعلمهم نهاية كل درس شيء من أحكام الصلاة وأذكارها نظرياً وعملياً .
3) كلمة يومية عن أحكام الإسلام تعتني بالتعريف بمقصد الإسلام من مشروعية الأحكام ، وبعض الحكم في ذلك من خلال الآيات التي تناولت تلك الأحكام وملاحظة ختام الآيات ، وذكر بعض الفوائد الصحية والإجتماعية الثابتة في بعض الأحكام . والتعريف بأهم الأحكام التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية 0 كبعض القضايا في مسائل العقيدة ،أو العبادات ، أو القضايا الأخلاقية ، أو أمور غفل الناس عنها ، أو عبادات قصروا فيها،والأفضل أن يدرس كتاب الدروس المهمة لعامة الأمة لابن باز حفظه الله فهو شامل لها ، وفقه العبادات لابن عثيمين ويختار الوقت المناسب لمثل هذا الدرس كعقب إحدى الصلوات المفروضة ، بما لا يتجاوز ثلاثين دقيقة يومياً .
4) درس آخر في مواضيع عامة : كبعض آداب الإسلام وأخلاقه العظام وشيء من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومواقف من حياة الصحابة والتابعين وعلماء الإسلام . ويمكن الاستعانة بمثل كتاب (رياض الصالحين، ومختصر سيرة ابن هشام لعبد السلام هارون ، ونزهة الفضلاء مختصر سير الذهبي ، مناقب الأئمة الأربعة لابن عبدالهادي، مواضيع تهم الشباب للجار الله) ويختار الوقت المناسب لمثل هذا الدرس كعقب إحدى الصلوات المفروضة وقبل الجمعة ، بما لا يتجاوز ثلاثين دقيقة .
5) إقامة الصلاة بالناس أو معهم جماعةً وحثهم على ذلك وتخصيص مكان للنساء إن أمكن للاستفادة ، مع أهمية مراعاة الناس وحال أهل البلد ، وعدم الوقوع معهم في خلافات مذهبية مما يسع الخلاف فيه ، فإذا أراد تطبيق سنةٍ مهجورة فيعلمها للناس قبل تطبيقها ويرغبهم فيها ويمكن الرجوع إلى كتب صفة الصلاة ، أو أحكام الإمامة والإئتمام في الصلاة للمنيف .
6) القيام بمشروع مصغّرٍ : بجمع الزكاة والصدقات وتوزيعها على المستحقين ، وإعلام الناس أن إخراج الزكاة ينبغي عدم التساهل فيه للأحاديث الواردة في ذلك ، ولما في إخراجها من الفوائد المالية والاجتماعية والأخروية ، مع بيان عظم الصدقة وتفريج همّ المسلم ، وفضل السعي في طلب الرزق من وجهه الحلال والحذر من الحرام .
7) استغلال الدعوات والمناسبات العامة والخاصة للتوجيه والتعليم والتنبيه على الأخطاء ، مع الحرص على بث روح المحبة والمودة والأخوة ، وتعليم الناس الآداب النبوية في حياتهم عامّةً .
8) تشغيل الطاقات الموجودة في المنطقة في العمل الدعوي ، والأفضل تشغيل الجميع و ذلك بحسب ما يناسبهم مع مراعاة التدرج في ذلك .
9) يرجع إلى مثل كتاب زاد المعاد لابن القيم ، وتفسير ابن سعدي ، و رياض الصالحين ، والسلسبيل في معرفة الدليل للبليهي ، بهجة الناظرين في أحكام الدنيا والدين للجار الله ،الآداب الشرعية لابن مفلح ، مواضيع تهم الشباب للجار الله ، الوابل الصيب لابن القيم ، وكتاب فتاوى إسلامية جمع المسند وبعض الكتب الخاصة بفتاوى أركان الإسلام، والإيمان، والدعوة ، والمرأة ،وغيرها .
نموذج (2)
برنامج رقم (2) للمسافرين
1) درس في القرآن الكريم لطلبة العلم والدعاة في المنطقة أو المدينة ، ويتضمن حفظ جزء كامل من القرآن - وليكن على الأقل جزء عمّ إذا لم يحفظوه من قبل و العناية بالمعنى العام للآيات ، مع حفظ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وأذكار الصباح والمساء مع شرح لما تحويه من معاني عظيمة .
2) درس عن أحكام الصلاة مع الاعتناء بالأدلة ، وبيان الأخطاء التي يقع فيها عامة الناس في ذلك البلد . وذلك من كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لابن باز و لابن عثيمين ، وأحكام الإمامة والإئتمام في الصلاة للمنيف، غيرها من كتب الفقه والحديث عامّة .
3) درس عن منهج الدعوة إلى الله تعالى ومراعاة المصالح والمفاسد ويرجع إلى مثل كتاب فضل الدعوة إلى الله وحكمها لابن باز، والحكمة في الدعوة إلى الله للقحطاني ،وأخلاق الدعاة للعودة ، ومنهج ابن تيمية في الدعوة إلى الله وغيرها .
4) درس عن آداب المسلم مع ربه عزّ وجل ، ومع نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومع نفسه وإخوانه ؛ بل وأعدائه وكيفية معاملة المسلمين والكافرين .
5) قراءة في كتاب عن أحكام الإسلام وتعتني بالتعريف بمقصد الإسلام من مشروعية الأحكام ، وبعض الحكم في ذلك من خلال الآيات التي تناولت تلك الأحكام وملاحظة ختام الآيات ، وذكر بعض الفوائد الصحية والإجتماعية الثابتة من بعض الأحكام . والتعريف بأهم الأحكام التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية 0 كبعض القضايا في مسائل العقيدة ،أو العبادات ، أو القضايا الأخلاقية ، أو أمور غفل الناس عنها ، أو عبادات قصروا فيها 0 والأفضل أن يدرس كتاب الدروس المهمة لعامة الأمة لابن باز حفظه الله فهو شامل لها ،وفقه العبادات لابن عثيمين ، وزاد المعاد لابن القيم ، ويختار الوقت المناسب لمثل هذا الدرس ، بما لا يتجاوز أربعين دقيقة يومياً .(1/246)
6) توزيع الطلاب على المساجد والقرى القريبة لإقامة صلاة الجمعة وإلقاء الدروس (إن تيسر)، ووضع برنامج لهم - قدر الإمكان- ومراقبة تنفيذه وتصحيح أخطاء الشباب ، ومساعدتهم ، وتدريبهم على العمل مباشرة .
7) القيام بمشروع مصغّرٍ : بجمع الزكاة والصدقات وتوزيعها على المستحقين ، وإعلام الناس أن إخراج الزكاة ينبغي عدم التساهل فيه للأحاديث الواردة في ذلك ، ولما في إخراجها من الفوائد المالية والاجتماعية والأخروية ، مع بيان عظم الصدقة وتفريج همّ المسلم ، وفضل السعي في طلب الرزق من وجهه الحلال والحذر من الحرام.
8) استغلال المناسبات العامّة من اجتماعات الناس لتوجيه الناس فيها ، وتذكيرهم بالله وعظمته ، والرسول صلى الله عليه وسلم وحقوقه ...الخ .
9) رسم منهج للشباب بعد الصيف - حسب المستطاع وظروفهم - علميّ ، وعملي ، يقومون به بعد سفر الأخ عنهم حتى يعود إليهم مرّة أخرى بمشيئة الله وذلك مثل :-
• برامج الدورات العامة (1-2-3) .
• تعيين أجزاء من القرآن لحفظها وكتب معينة لإنهائها مثل حفظ الأربعين النووية وتتمتها وكتاب منهج السالكين لابن سعدي والفصول في سيرة الرسول لابن كثير وزاد المعاد لابن القيم ، مناقب الأئمة الأربعة لابن عبدالهادي،مواضيع تهم الشباب للجار الله .
• وبرامج العمل ومنه : تعليم الإسلام وأحكامه لعشرة أشخاص، وإمامة مسجد القرية ، وإقامة دروس تعريفية بالإسلام بالمدينة أو الحي و في القرى المجاورة ، وزيارة المرضى والمساجين وتذكيرهم بالتوبة وسعة عفو الله ، وترغيبهم في التمسك بالإسلام .
• وبرامج العبادة ومنه : صلاة الوتر ،وقراءة القرآن كل شهر أو أقل ، وصيام أيام البيض ، وأيام الاثنين والخميس ....الخ .
• ونحو ذلك مما يتناسب مع قدراتهم . ثم يتم تقويمه ، ووضع برنامج آخر على ضوء النتائج الأولى .
10) رصد الأحداث وما يمكن عمله ومالا يمكن وكيفية الوصول إلى الناس بأسهل الطرق وأيسرها والناجح منها في طريق الدعوة إلى الله عزّ وجلّ 0 ويعتني بكتابة ذلك .
11) الالتقاء بعدد من مشائخ المنطقة أو البلد والجلوس معهم والاستماع لنصائحهم ، وحثهم على تربية الشباب ، والصبر على الدعوة إلى الله ، وإبلاغهم سلام إخوانهم ، وإهدائهم ما تيسر حمله في الرحلة .
12) يمكن الرجوع إلى مثل كتاب : رياض الصالحين للنووي ، بهجة الناظرين في أحكام الدنيا والدين للجار الله ،الآداب الشرعية لابن مفلح ، الوابل الصيب لابن القيم ، زاد المعاد لابن القيم ، منهج السالكين لابن القيم ، منهج السالكين لابن سعدي ، منهج ابن تيمية في الدعوة للحوشاني ، والسلسبيل في معرفة الدليل للبليهي ، بهجة الناظرين في أحكام الدنيا والدين للجار الله ،الآداب الشرعية لابن مفلح ، مواضيع تهم الشباب للجار الله ، أحد شروح عمدة الأحكام أو بلوغ المرام ، مناقب الأئمة الأربعة لابن عبدالهادي ، الهوى وأثره في الخلاف ، وكتاب فتاوى إسلامية جمع المسند وبعض الكتب الخاصة بفتاوى أركان الإسلام ، والإيمان ، والدعوة ، والمرأة ، وغيرها .
المصدر لجنة الدعوة والتعليم بالمدينة النبوية
نقله أخوكم صوت الدعوة
============
جدول رمضاني يومي للمرأة بتنظيم دقيق
أم البراء
أن الحمد لله نحمده و نستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله… وبعد: أخيه … قد أقبل عليك شهر عظيم شأنه… واسع فضله… يزخر بصيب الغنائم وخيرات عظائم….. فليلة محراب العباد…
ونهاره زاد للعباد … وأيامه جسر النجاة يوم المعاد…
وشهر ذاك وصفه … وذاك فضله حقيق عليك أن تستعدي لاستثماره، وتتهيئي لقطف ثماره … في ليله ونهاره.
بشري العوالم أنت يا رمضان *** هتفت بك الأرجاء والأكوان
لك في السماء كواكب وضاءة *** ولك النفوس المؤمنات مكان
أخواتي وحبيباتي ..
هذا جدول مقترح لاستغلال ساعات هذا الشهر العظيم وأيامه بالذات في قراءة القرآن وختمه أكثر من مرة , فإن كثير من الأخوات يخرجن من رمضان ولم تختم كتاب الله إلا مرة واحدة أو مرتين على الأكثر .
لذلك راينا وضع هذا الجدول المقترح والمجرب لترتيب وقتك أخيتي في رمضان فسارعي ونافسي واحرصي أيتها المباركة
يبدأ نظام هذا الجدول المقترح من وقت السحر وحتى اليوم الثاني في الوقت نفسه .
وبالطبع يختلف وقت السحر والثلث الأخير من الليل من بلد إلى آخر مع مراعاة فارق التوقيت .
ونقول :
كيف تحسبين وقت الثلث الأخير من الليل ؟
الجواب :
يحسب وقت الثلث الأخير من الليل بتقسيم الوقت من صلاة المغرب إلى وقت صلاة الفجر 3 أجزاء .
فلو فرضنا أن المغرب يؤذن في بلد الساعة السادسة والفجر يؤذن الساعة الثالثة , فأصبح عدد الساعات من المغرب إلى الفجر 12 ساعة نقسمها على 3 فتصبح أربع ساعات .
من 6 المغرب إلى 10 ليلا ( الثلث ألول )
من 10 ليلا إلى 2 ليلا ( الثلث الثاني )
من 2ليلا إلى 6 فجرا ( الثلث الثالث )
وفيه يكون التنزل الإلهي
ومن هنا تكون نقطة بداية تلك المرأة الصالحة القانتة
تنطلق من الثانية أو الثالثة من جوف الليل تقف بين يدي الله تناجيه وتتلو آياته وتصلي ماشاء الله لها من ركعات .
وقت السحر :
هو وقت قبل طلوع الفجر الصادق بنصف ساعة أو أقل تقريبا , فتكون المرأة معدة فيه لقيمات للسحور تعين على صيام اليوم تحتسب فيها الأجر وامتثال أمر سيد البشر صلى الله عليه وسلم ( تسحرو فإن في السحور بركة )
فإذا أذّن المؤذن لصلاة الفجر تردد معه وتدعو بالدعاء المأثور ( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة .... الحديث )
ثم تصلي رغيبة الفجر التي هي خير من الدنيا ومافيها وتجلس تدعو الله في مصلاها بين الآذان والإقامة ولها أن تضطجع على شقها الأيمن تأسيا بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم , ثم تقوم لصلاة الفجر .
وبعد أن تردد أذكار مابعد الصلاة وأذكار الصباح في مصلاها تشرع في قراءة جزئين من كتاب الله حتى يحين وقت صلاة الإشراق فتصلي ركعتين بأجر حجة وعمرة تامة تامة .
ثم إن شاءت أخذت قسطا من الراحة .
وقبيل الظهر تستعد لصلاة الظهر ثم تصلي الراتبة القبلية والبعدية لصلاة الظهر وتقرأ حزبا من كتاب الله ثم تنطلق لأعمالها المنزلية وتجهيز الإفطار لأسرتها محتسبة في ذلك وحتى قبل صلاة العصر وبنصف ساعة تقريبا تنطلق إلى محرابها لتستعد لصلاتها وتقرأ حزبا من كتاب الله حتى يؤذن العصر فتصلي ركعتين بين الأذان والإقامة ثم تصلي فريضة العصر .
وبهذا تكون أنهت قراءة ثلاثة أجزاء من كتاب الله .
ثم تستأنف أعمالها المنزلية ومع أبنائها وقبيل صلاة المغرب بثلث ساعة أقل شئ تتفرغ المرأة لتغتنم اللحظات المباركة والنفحات الرحمانية في ذلك الوقت الفضيل .
وقد أعدت إفطار أسرتها .
وبعد صلاة المغرب تقضي مابقي عليها من واجبات تجاه زوجها وأبنائها تراجع لهم دروسهم وتنظر وترعى المحتاج لها منهم . ثم تتوجه لكتاب الله لتقرأ حزبا من كتاب الله.
وقبيل صلاة العشاء تقوم متطهرة لتستعد لصلاة العشاء والتراويح إما في بيتها أو في مسجد حيها مع الضوابط الشرعية .
وبعد انتهاءها من صلاة العشاء والتراويح تتوجه لتنظيم أحوال أبنائها وأمورها المعشية وتكون هنا قد دخلت في الثلث الثاني من الليل , فتجلس في مصلاها تقرأ حزبا من القرآن يستغرق منها 15دقيقة تقريبا .(1/247)
ثم تتوجه للنوم وحتى يحين الثلث الأخير من الليل تستيقظ لتستأنف باقي طاعاتها مبتدأة بقراءة جزءا من كتاب الله .
وبهذا تكون قد أتمت قراءة خمسة أجزاء في يومها وليلتها وبهذا التنظيم تستطيع أن تختم كتاب الله في رمضان خمس مرات بفضل الله وتوفيقه وترتيبها لأوقاتها وبعدها عن الفوضوية في الوقت .
* جزئين بعد صلاة الفجر
* حزبا بعد صلاة الظهر
* حزبا قبل صلاة العصر
* حزبا بعد صلاة المغرب
* حزبا بعد صلاة التراويح
* جزءا في الثلث الأخير من الليل
أخيرا أخواتي أذكر نفسي وإياكن بإخلاص العمل لله وحده ومجاهدة النفس في ذلك والتقوي على طاعة الله بالدعاء بأن يوفقك الله إلى طاعته ويتقبلها منك .
ولاننسى قوله سبحانه :
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
اللهم سلمنا لرمضان , وسلم رمضان لنا , وتسلمه منا متقبلا
============
كيف تستوعب ما تقرأ ؟
مبارك عامر بقنه
التعليم والتثقيف يعتمد بشكل أساسي على الكتب؛ لذا من أراد أن يتعلم ذاتياً أن يتقن مهارات القراءة الصحيحة، فالقراءة مهارة وفن لا يجيده كثير من الناس، فكم من القراء الذين يبذلون جهداً وأوقاتاً طويلة في القراءة، ومع ذلك فإن حصيلتهم قليلة جداً. ولاشك أن الخلفية العلمية والثقافية للشخص لها أثر كبير في عملية الاستيعاب، إلا إن طريقة القراءة وكيفية التعامل مع الكتاب تؤثر بدرجة عالية في مستوى الفهم والاستيعاب.
وفي هذه المقالة سوف يكون حديثي عن كيفية القراءة والذي تعتبر محور أساسي في عملية الاستيعاب. فالقراءة مهارة تكتسب بالتعلم وتتطور بالممارسة والتمرين، وبقدر ما تكون مهارتك عالية بقدر ما يكون استيعابك لما تقرأ عالياً. وسأذكر باختصار بعض القواعد الأساسية في كيفية القراءة الصحيحة، فإن معرفة القواعد يشكل مرونة أو على الأقل هي شرط لاكتساب المهارة.
قبل القراءة:
أولاً: القراءة الفعالة تبدأ قبل القراءة، فالقارئ الجيد يحدد هدفه من القراءة، فقبل كيف تقرأ، أسأل: لماذا أقرأ؟ ما الهدف من وراء قراءتي؟ وقد حدد خبراء القراءة ستة أهداف رئيسة للقراءة لا يكاد القارئ يخرج عن هذه الأهداف:
أـ لفهم رسالة محددة ب ـ لإيجاد تفاصيل هامة
جـ ـ للرد على سؤال محدد د ـ لتقييم ما تقرأ
هـ ـ لتطبيق ما تقرأ و ـ للتسلية والمتعة
ومعرفة الهدف ووضوحه في الذهن أمر أساسي وضروري لعلمية الاستيعاب والفهم. فحدد هدفك قبل القراءة، فإذا كان هدفك أن تقرأ من أجل القراءة فقط، فأجهد نفسك قليلاً لتخرج بسبب أفضل، فالقراءة مع هدف محدد هو بأهمية فهم ما تقرأ. وفي قراءة الكتب الشرعية يجب أن يكون هدفك مرضاة الله ـ عز وجل ـ ، فلا تقرأ العلم الشرعي من أجل تماري به السفهاء أو تكاثر به العلماء أو تريد أن تصرف به وجوه الناس إليك فإن ذلك يقودك إلى النار عياذاً بالله من ذلك.
ثانياً : حدد المكان الذي سوف تقرأ فيه الكتاب. ويشترط في المكان أن يكون خالياً من الملهيات والصوارف التي تعيقك أو تقطع عليك تركيزك خلال القراءة. وكذلك لابد أن يكون المكان بعيداً عن الضوضاء والإزعاج فالقراءة نشاط فردي تتطلب هدوءاً لزيادة درجة الاستيعاب. فاختر المكان الهادئ، على أن تكون إضاءة المكان صحية.
واجعل كل ما تحتاج إليه من أدوات أساسية كالأقلام والأوراق والملفات في هذا المكان قريبة من متناول يدك، فكثير من الوقت يضيع في البحث عن الأساسيات التي تحتاجها مما يسبب إزعاجاً وإرباكاً. وأفضل مكان للقراءة هو المنزل فخصص مكان فيه للقراءة، وبإمكانك أن تقرأ في أماكن أخرى هادئة كالمكتبة مثلاً إلا إن هناك قيوداً تجعل القراءة في هذه الأماكن صعبة فالمكتبة تغلق الساعة التاسعة وأنت لا زلت تشعر بنشاط ورغبة في القراءة، وتفتح في وقت متأخر، بالإضافة أنها قد تكون بعيدة عن المنزل مما يعني ضياع كثير من الوقت في الذهاب والإياب. كما أن القراءة في المنزل لها أثر سلوكي تربوي ينعكس على الأبناء في حب القراءة.
ثالثاً: حدد طريقة قرأتك مع الكتاب فهل ستكون قراءتك متقيدة بالزمن أم بالكمية، وأعني بالزمن هل ستقرأ مثلاً نصف ساعة من الكتاب يومياً بصرف النظر عن كم قرأت من الكتاب، ففي هذه الحالة يكون الاهتمام بالوقت، أم أن قراءتك تهتم بالمقدار، فمثلاً تقرأ عشرين صفحة يومياً ـ مهما أخذت من وقت ـ فالاهتمام للكمية وليس للوقت. أم أنك ستقرأ خلال يومين أو ثلاثة قراءة مستمرة دون انقطاع. يجب في البداية أن تحدد طريقة تعاملك مع الكتاب لكي تحدد زمن الانتهاء وتستطيع تقييم نفسك هل أنت منضبط بوقتك أم لا؟ وهل أنت قارئ جيد أم لا؟
رابعاً: اقتن الكتاب الذي يحقق لك هدفك، فمثلاً لو أردت أن تقرأ عن العولمة فإنك ستجد كتب كثيرة تناولت موضوع العولمة بطرق مختلفة. يجب أن تكون أكثر تحديداً، ماذا تريد عن العلومة؟ هل تريد فقط معرفة عامة لمعنى العولمة دون الدخول في الجزئيات والتحليلات الدقيقة؟ فهنا يكفيك كتاب مختصر تقرأ فيه الخطوط العريضة عن العلومة. أما أنك تريد التوسع في معرفة العلومة ودراستها دراسة تحليله ومعرفة منطلقاتها وأهدافها وآثارها على العالم برمته. فهنا لابد أن تبحث كتاب شامل واسع؛ بل أحياناً يتطلب الأمر أكثر من كتاب لتحقيق الهدف. فكن متقناً في اختيار الكتاب.وكما يراعى في اختيار الكتاب أن يكون متوافقاً مع مستواك المعرفي أو أن يكون لديك القدرة في استيعاب ما فيه.
خامساً: قبل شراء الكتاب اجعل لك عادة أن تقرأ فهرس الكتاب ومقدمته والخاتمة وما كتب خلف الكتاب ومقتطفات سريعة ومختصرة من ثنايا الكتاب. فهذه القراءة لهذه المواقع تبين لك: هل أنت بحاجة لشراء هذا الكتاب؟ وهل الكتاب يحقق هدفك؟
وتبين لك أيضاً ـ من خلال هذه النظرة السريعة ـ جودة قلم الكاتب. فإن الكتاب الجيد المتقن السبك له أثر كبير على الارتقاء بالمستوى الفكري والبلاغي القارئ، بالإضافة ما يشكله من أثر عميق في ثبات أو تغير أو تزعزع قناعات القارئ، لهذا احرص دائماً باقتناء الكتاب الرصين في عباراته، المحكم في معانيه. ويعرف الكتاب القيم: بسلامة عقيدة مؤلفه، فالكاتب لا يكاد يخرج عن معتقداته وتصوراته. وكذلك عن طريق معرفة الكاتب وعلاقته بالموضوع فهل هو متخصص فيما كتب أم متطفل. وكذلك عن طريق استشارة أهل التخصص عن الكتاب وعن أفضل ما كتب في مجال تخصصهم. فإن هذا يعينك على تجاوز كثير من الوقت والجهد.
سادساً: حدد جدول زمني ثابت للقراءة، وإن كان القارئ الجيد يقرأ في كل وقت؛ ولكن لوجود أعمال أخرى ضرورية في حياتنا فإننا بحاجة شديدة إلى تحديد وقت زمني يومي ثابت للقراءة. واجعل هذا الوقت المخصص للقراءة في الفترة التي تقل أو تنعدم فيها المقاطعات والصوارف، على أن يعلم جميع أفراد أسرتك وأصدقائك بهذا الوقت المخصص للقراءة كي يعينوك في في الاستمرار.(1/248)
سابعاً: لا تذهب إلى القراءة وأنت في حالة عصبية منفعلة، أو تشعر بالضغط النفسي والإكراه فإن عملية الاستيعاب تعتمد بدرجة عالية على مقدار حضورك الذهني. احرص دائماً أن تقرأ وأنت بشوق ومحبة للقراءة. فقراءة الراغب المحب ليست كقراءة المكره المضطر. اجعل عقلك ومشاعرك وعواطفك تدفعك إلى القراءة، انطلق إلى القراءة بكلك لا ببعضك لكي لا يتشتت ذهنك وتضيع وقتك. وقد حذر أسلافنا من القراءة في حالات انشغال البال، فيقول الكناني رحمه الله:" ولا يدرس في وقت جوعه أو عطشه أو همه أو غضبه أو نعاسه أو قلقه، ولا في حال برده المؤلم، وحره المزعج، فربما أجاب أو أفتى بغير الصواب، ولأنه لا يتمكن مع ذلك من استيفاء النظر" فالقراءة نشاط ذهني يشترط فيها هدوء الذهن واستقراره كي يفهم ما يقرأ.
ثامناً: فكر كثيراً في الكتاب، وحاول دائماً أن تحدث نفسك عن قراءة الكتاب الذي اخترته، وأنك سوف تنهيه في الوقت المحدد، حدّث نفسك أنك لن تجعل أحد يعوقك عن المضي في مشروعك هذا، اجعل الدافع ينبعث من ذاتك لكي يكون أدائك أكثر إبداعاً. ومما ينبغي ذكره، ويجمل العمل به هو الاستعانة بالله عز وجل ودعاءه في قراءة هذا الكتاب والاستفادة منه، فالاعتماد على الله عز وجل من أقوى الطرق في تحقيق ما تصبو إليه مع سلوك ما أمر الله به من اخذ الأسباب الصحيحة لتحقيق ما تريد.
خلال القراءة:
أولاً: لا يكن همك من القراءة إنهاء صفحات الكتاب؛ بل اجعل الغاية هي فهم ما بين يديك، ومن العبارات المشهورة الصحيحة: لا تسأل كم قرأت ولكن كم فهمت، فإذا كان هدفك إنهاء الكتاب فقط فإنك بهذا تسعى إلى إجهاد نظرك من غير طائل، والقراءة الجيدة الإيجابية يجب أن يصاحبها التفكير والاستنتاج وأعمال الفكر في المقروء فالهدف الأساسي من القراءة هو فهم ما تقرأه، ولا يتم الفهم إلا بالتفكير في المقروء، ووضع الأسئلة واكتشاف الأجوبة من خلال القراءة.
وخلال قراءتك ستجد أشياء لا تستطيع فهمها، فلا تتذمر أو تتضجر فهذا أمر طبيعي يحدث لكل واحد منا، ولفهم ما أشكل عليك حاول قراءة ما استعصي عليك مرة أخرى ولكن بطرقة مغايرة:
• دوّن في ورقة خارجية تلخيصاً لما قرأت.
• اقرأ بصوت مسموع وببطء.
• حاول أن تتخلى عن استنتاجك السابق واقرأ بنظرة جديدة ومغايرة.
إذا لم تفهم فلا تيأس، استمر في قراءتك فهناك احتمال كبير أن تفهم هذه الإشكالية بعد الانتهاء من قراءة الكتاب. وهنا ألفت نظرك إلى أمر مهم وهو في حالة عدم فهمك لجزئية معينة لا تستعجل في السؤال عنها؛ بل أعط نفسك الفرصة للتفكير والتأمل والمدارسة مع الكتاب، فربما قليل من التفكير يقودك إلى فهم ما تريد، ونحن بحاجة إلى بناء عقول قادرة على الاكتشاف والاستنتاج، تعتمد على قدراتها وطاقتها، فالاعتماد كثيراً على قول الشيخ والمعلم يعني بذلك تهميش عقولنا، فاجعل دوماً قراءتك عملية بحث واكتشاف مستصحباً الصبر والجلد لكي تفهم وتستوعب ما تقرأه.
ثانياً: أقرا بتركيز، فالتركيز هو لب القراءة وجوهرها الأساسي، وقراءة بدون تركيز ضياع للوقت والجهد، فمستوى نجاحك في القراءة يعتمد ـ بعد توفيق الله ـ على درجة تركيزك، والتركيز عملية تحكم وانضباط وترويض للنفس حتى يكون لدى الشخص القدرة على الاستغراق في عملية القراءة، فهو مهارة يتعلمه المرء كما يتعلم أي مهارة أخرى. ونحن قد نستطيع القراءة لفترة طويلة ولكننا قد لا نستطيع أن نملك المتابعة الذهنية والتركيز فيما نقرأ. فما سبب ذلك؟
لا شك أن هناك معوقات تصد القارئ عن مواصلة التركيز ومن تلك المعوقات التي يجب الحذر منها تشتت الذهن والاسترسال مع الأفكار الجانبية، والشرود في خيالات وهمية، ولقوة التركيز لا تدع الأفكار العشوائية تسيطر على مسار تفكيرك وتقودك حيثما شاءت، فلا تنجذب مع كل فكرة أو خاطرة تراودك، اهتم بما في يدك، وإن شعرت أنك لن تستطيع أن تتغلب على شرودك الذهني فحاول أن تغير مكانك أو اشغل نفسك بشيء آخر غير القراءة حتى ترحل هذه الأفكار العارضة، حاول أن تقلل من ارتباطاتك وأشغالك فإن ذلك يشتت الذهن.
وكذلك مما يعوق عملية التركيز عدم الثبات على أمر والانتقال من كتاب إلى آخر ومن علم إلى علم آخر، فلا يكاد ينجز في حياته كتاباً أو يتقن فناً من فنون العلم وهذا داء علاجه العزم والإصرار على إتمام ما بدأ به.
وكذلك من عوائق التركيز خلال القراءة الضجر والملل، والقراءة عملية ذهنية تتطلب نفساً تئدة صابرة. جدّد همتك وعزيمتك بقراءة سير أولي الإنجازات الضخمة. أجلس مع ذوي الهمم العالية. تذكر دائماً هدفك، ضع أهدافك دائماً نصب عينيك ولو أن تكتب هدفك على المكتب وجدار الغرفة أمامك، غير جدول قراءتك، وغير بين الكتب إذا مللت، إذا تعبت وأجهدت فخذ قسطاً من الراحة، لا ترهق نفسك فالإنسان له طاقة محدودة فإن احتجت إلى النوم فنم، ثم عد بعد ذلك وأنت أكثر نشاط.
إن الحياة اليوم أصبحت أكثر صعوبة وتعقيداً؛ فمتطلباتها أصبحت أكثر، مما نتج عن ذلك الضغط النفسي ـ مرض العصر ـ فنحن مطالبون بالتعلم والعمل والإنتاج أكثر مما كان يطالب به أسلافنا، وحالة التركيز تتطلب منك أن تقلل من مستوى الضغط النفسي خلال قراءتك؛ لذا يجب أن يكون لديك المهارة في التخلص أو تقليل الضغط النفسي الذي نشعر به كي تكون أكثر تركيزاً، ومن العوامل المساعدة في تخفيف الضغط النفس هو إتقان مهارة إدارة الوقت والتنظيم وكيفية التعامل مع الذات.
ابحث عن كل طريقة تبعث فيك الحماس والنشاط، فالأمر يتطلب تربية جادة للنفس حتى تكون قادر على التركيز والاستغراق فيما تقرأ. فإن ضعف التركيز له آثار سلبية أشدها أنه ينتج لدى الشخص عدم الفهم أو سوء فهم وتصور خاطئ لما يقرأ. قد تكون بحاجة إلى قدر من الانضباط لتتغلب على الاتجاه الطبعي نحو الكسل أو الملل أو السآمة والإحباط أو الرغبة في عمل شيء آخر فمما تدركه العقول السليمة أن الإنجاز والنجاح يسبقه آلام ومصاعب تتطلب صبر وتحمل وهمة عالية، فلا بد من إجبار النفس وترويضها وتربيتها وبذل جهد شاق لتتغلب على مشاعرك ورغباتك حتى يكون التركيز والاستغراق والانهماك في القراءة جزء أساسي من شخصيتك.
ثالثاً: دون ما تقرأ، فمن أساسيات القراءة تدوين المذكرات، فبقدر ما تستطيع اكتب كل شيء تراه مفيداً وهاماً حتى وإن كنت صاحب ذاكرة قوية فذة فأنت مطالب بكتابة المذكرات لتكون قارئ جيد، فكتابتك للمذكرات يعني استخدام أكثر من حاسة، والمذكرات تعتبر حجر الزاوية لنجاحك في هذا الطريق فهي تساعدك على التركيز، والفهم، والتذكر، وكذلك تحفزك للبحث أكثر في الموضوع، وتسد الثغرات العلمية لديك، مع إثارة لكثير من الأسئلة، بالإضافة إلى أن التحليل المنطقي للمذكرات يعتبر الخطة الأولى لإيجاد معلومات تفصيلية أدق في البحث فهي الخطو الأولى لكتابة الأبحاث والأعمال الطويلة.(1/249)
ولا يقتصر دور المذكرات لكتابة النقاط الهامة؛ حتى لكتابة القضايا التي لم تفهمها وتتطلب توضيح أكثر، أو زيادة تفصيل وشرح. وليس هناك طريقة وحيدة لكتابة المذكرات بل كل شخص له أسلوبه الخاص في تدوين المذكرات، ولكن الأمر المشترك في كتابة المذكرات أن المذكرة يجب أن تحتوي على اسم المرجع، ورقم الصفحة، ويشترط أن تكتب لك مذكرة عنوان خاص يميزها عن غيرها ويدل على محتوى المذكرة، وكذلك لا بد أن تكتب المذكرة بأسلوبك فلا تنسخ ما هو موجود في الكتاب وإنما دون بأسلوبك وعباراتك ما استخلصته من معلومات هامة، ويفضل في كتابة المذكرات أن تكون بعد قراءة كل فصل كاملاً حتى تكون قادراً على الربط بين التفاصيل والأحداث الهامة.
رابعاً: قبل أن تشرع في قراءة الكتاب، يجب أن تضع أسئلة، ـ فمن صفات القارئ الرديء أنه لا يضع أسئلة ولا يجيب على أي سؤال يتبادر إليه ـ اكتب هذه الأسئلة في ورقة وضعها على غلاف الكتاب: ماذا يبحث الكتاب بمجمله؟ ما مدى أهمية المعلومات التي طرحها؟ هل الكتاب شامل في تناوله للموضوع؟ كيف تناول الكتاب عرض أفكاره؟ ثم تضع أسئلة متعلقة بخصوصية الموضوع وتبحث عن أجوبة لجميع أسئلتك. فلو كنت تقرأ كتاباً عن "الجهاد" فاكتب قبل ما تقرأ جميع ما يثيرك حول موضوع الجهاد على أن تكون الكتابة على شكل أسائلة، أجهد نفسك لكتابة كل ما يمكن أن يثار حول موضوع الجهاد، فهذه الأسئلة تجعلك أكثر فعالية وكلما كانت الأسئلة أكثر وأوضح كلما كانت القراءة أكثر قوة ونقداً. وخلال قراءتك ابحث عن أجوبة لأسئلتك.
خامساً: ناقش الكتاب، ضع الإشارات والعلامات على الكتاب، وإن كان هناك بعض القراء يرفضون هذه الطريقة ولكنني أجد أنها أسلوب فعّال لعملية الاستيعاب وهي تدل على مقدار التفاعل مع الكتاب، وإيجاد نوع من النقاش البناء مع ما هو مدون في الكتاب. إن موافقتك للكتاب و مخالفتك و علامات التعجب والاستفهام يجب أن تظهر واضحة في الكتاب.
وهناك وسائل كثيرة يمكن استخدامها لعلمية الحوار مع الكتاب وأشهر تلك الطرق وأكثرها استعمالاً هي وضع خطاً تحت أو فوق الجمل الرئيسة، أو وضع خطاً شاقولياً لعدة فقرات في هامش الفقرات المهمة، وكذلك وضع خطاً أحمراً تحت الجمل الهامة، أو وضع علامة استفهام لما استكشل عليك، ووضع نجمة بجانب الفقرات التي تحمل فكرة هامة وتتطلب دراسة أكثر، ووضع دائرة دلالة على أن هذه الفقرة لها علاقة بفقرات سابقة أو لاحقة، أو طوي أسفل الصفحة، وبعضهم يستخدم الورقة الفارغة الموجودة في أخر الكتاب لكتابة ملخصات صغيرة أو عناوين عن المواضيع الهامة وبجوارها أرقام الصفحات التي وردت في الكتاب، أو يستخدم قصاصات ورق يجعلها في الكتاب ويدون فيها الأشياء الهامة.
بعد القراءة:
عند انتهاءك من قراءة الكتاب لا يعني إنهاء العلاقة بالكتاب، فلتثبيت المعلومات يتطلب الأمر مراجعة ما قرأت، ولكن قبل المراجعة يجب أن تجاوب على هذه الأسئلة:
• ما المواضيع التي احتاج إلى مراجعتها؟
• كم من الوقت احتاج لمراجعة كل موضوع؟
• ما أماكن القوة والضعف لدي؟
وخلال مراجعتك لابد أن تجاوب على جميع الأسئلة التي دونتها خلال قراءتك، فلا تعني المراجعة إعادة القراءة بشكل سريع على أمل أن تستعيد ذاكرتك كل المعلومات؛ بل هي أكثر من مجرد القراءة فهي تتطلب الكتابة، والتحدث، والنقاش، وتحليل الأفكار المتعلقة بالموضوع؛ بل أحياناً يتطلب الأمر إعادة قراءة فصول كاملة كي تفهم ما قرأت بشكل واضح.
والمراجعة أحياناً تتطلب وجود شخص يناقشك، فالمناقشة طريقة قوية لتحسين مستوى التعليم والتذكر، يقول النووي ـ رحمه الله ـ :" فإن بالمذاكرة يثبت المحفوظ ويتحرر ويتأكد ويتقرر ويزداد بحسب كثرة المذاكرة، ومذاكرة حاذق في الفن ساعة انفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أيام" وإن لم تجد أحداّ تراجع معه فليس هناك خيار أن تراجع لوحدك، قال الكناني ـ رحمه الله ـ :" فإن لم يجد الطالب من يذاكره ذاكر نفسه بنفسه وكرر ما سمعه ولفظه على قلبه ليعلق ذلك على خاطره فإن تكرار المعنى على القلب كتكرار اللفظ على اللسان سواء بسواء وقل أن يفلح من يقتصر على الفكر والتعقل بحضرة الشيخ خاصة ثم يتركه ويقوم ولا يعاوده." وطرداً للملل قسّم الموضوع إلى وحدات على أن تكون المراجعة في وقت نشاطتك الذهني، وعند انتهاءك من المراجعة لا يعني قطع الصلة بالكتاب؛ بل لا بد من إعادة المراجعة بعد أسبوع تقريباً وقد يتطلب الأمر مراجعة الكتاب عدة مرات فيعتمد ذلك على مقدرة ذاكرتك وعلاقتك بالموضوع. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
=============
مناسك الحج إنجاز في العمل وضبط للمواعيد
أ.د/ ناصر بن سليمان العمر
عجيب أمر هذا الدين، إنه دين عملي واقعي، بعيد عن المثاليات والتنظير، مع العظمة والسمو والكمال، تنزيل من حكيم حميد.
لقد بعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- في أمة كانت تعيش قمة الفوضى والجهالة، وقلة الإنتاج، عالة على غيرها؛ اعتداء، أو استجداء، أو تكسباً، ليس لديها ما تقدمه للآخرين سوى وجود بيت رب العالمين في أرضها، وهذا لا فضل فيه ولا منة، بل هو تقدير واختيار الحكيم العليم.
وما هي إلا سنوات معدودة، من بعثة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فإذا أولئك القوم يصبحون مضرب المثل في القدوة والجهاد والإحسان للآخرين، وبذلك استحقت أن تكون:" خير أمة أخرجت للناس".
ما سرُّ ذلك؟ وأين تكمن الحقيقة؟ وكيف الوصول إلى هذه القمة الشمّاء؟ إنه بكلمة واحدة: الالتزام العملي بالكتاب والسنة، وتحويل (نصوصهما) إلى واقع حي يمشي على الأرض.
دعونا نقرب المسألة أكثر فنقول: لو أن رجلاً ذهب إلى أبرع المهندسين، وأقواهم رؤية وتخطيطاً، ثم صمّم له بيتاً؛ يحسده من نظر إليه؛ لجماله وحسن مرآه، ولكن ذلك الرجل اكتفى بهذا المخطط، ولم يضع منه لَبِنَةً على الأرض، هل يقيه ذلك من الحر أو البرد؟ أو يحميه من العدو وهوام الأرض؟.
وهب أنه نفّذه تنفيذاً قاصراً، بخلاف ما رسمه له مصممه، كيف سيكون شكله؟ وهل سيتحقق الغرض من بنائه؟ بل قد يخرّ عليه السقف من فوقه فيكون فيه هلاكه وذهاب حياته، وسيقول له الناس: على نفسها جنت براقش، ويداك أوكتا وفوك نفخ، وهذه حال كثير من الناس -اليوم-، فمنهم المسلم بالاسم، ويصدق عليهم ما صدق على الأعراب من قبل:" قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا"، وآخرون "خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم"، وفئة اقتفت الأثر، وسارت على الطريق وقليل ما هم، " وقليل من عبادي الشكور".
وبالجملة "فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير". وأمتنا -اليوم- أحوج ما تكون إلى القوة، والانضباط، والاستغناء عن الآخرين، وبالأخص عن أعدائها؛ استعداداً للمعركة الفاصلة، مع هذا العدو الشرس الذي كشّر عن أنيابه، وأعلن عن أهدافه، فلم يعدِ الأمرُ سرّاً، ولا يحتاج إلى فراسة أو تنبّؤ، "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر"، وتكافؤ المعركة يُوجب:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم".
إن هذا الدين سهلٌ ممتنع، يسير وعظيم، إنه مدرسة كبرى تتربى فيها الأجيال، ويعدّ فيها عظماء الرجال، تلك المدرسة التي خرّجت أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، وسعداًَ، وخالداً، والمثنى، وأبا عبيدة، وأفذاذ الرجال من الصحابة والتابعين وخير القرون المفضلة -رضي الله عنهم أجمعين-.(1/250)
إننا ونحن نعيش هذه الأيام -هذا الموسم العظيم- موسم الحج؛ الذي قال الله فيه:" ليشهدوا منافع لهم" بأمسّ الحاجة لتدارسه، واستخراج ما فيه من كنوز ودرر حتى لا يكون مروره كضيف عابر؛ مرّ مرور الكرام مر في أعوام خلت، وأزمان مضت.
ولأن هذه المساحة لا تتسع لبيان ما فيه من منافع تربو على الحصر، وبخاصة أن غيري قد يتناول منها ما يفتح الطريق، ويدل الناس إلى سواء السبيل.
لذا فسأكتفي بالإشارة -التي تناسب المقام- إلى أمر عظيم من تلك المنافع الكبرى، وهو ما يتعلق بالإنجاز، وضبط المواعيد؛ وذلك لسببين:
الأول: أن الأمة الإسلامية تعيش -منذ سنوات طويلة- في فوضى وبطالة وقلة إنتاج مع ما حباها الله من إمكانات هائلة؛ مادية ومعنوية، دينية ودنيوية، لا توجد عند غيرها من الأمم، ولذلك فهي اليوم عالة على غيرها، وبالأخص على عدوها، في أهم شؤونها، من مأكلها ومشربها وصنائعها وثقافتها، بل وعدّة جهادها، حتى أصبحت تلك الأمم قدوتها، وملاذها ومطلب الحماية منها -إلا من رحم ربي- وبالله عليكم كيف نرجو النجاة:(إن يكن الذئب راعي الغنم)؟؟.
الثاني: بروز هذا الأمر -إنجاز العمل العظيم الكثير، في وقت قصير وظروف صعبة- وضبط المواعيد، وأداء الأعمال في أوقاتها، بدقة متناهية، تصل في بعضها إلى أن الدقائق مؤثرة في صحة العمل وسلامته، أو في فضله وكماله، قال جابر:" فلم يزل واقفاً -أي عند المشعر الحرام- حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس". ومع بيان هذا الجانب ووضوحه في جميع أركان الإسلام، وبخاصة الصلاة، إلا أنه في الحج أكثر بروزاً وأثراً وجلاء، وستكون تلك الوقفات مختصرة، تناسب المقام وتدل على المقصود، والحر تكفيه الإشارة، وسأكتفي من القلادة ما أحاط بالعنق، فليس المراد هو الحصر والاستقصاء، وإنما المهم هو التذكير والاعتبار، ومراجعة النفس، واستثمار هذه الفرص العظيمة، والمواسم الجليلة، وتحويلها من نصوص، وعادات وأشكال إلى عبادة خالصة وواقع علمي، وأثر تربوي، وكائن يمشي على الأرض، فـ:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وإليكموها، -بارك الله فيكم-، وتقبّل منا ومنكم:
1) بادئ ذي بدء فـ"الحج أشهر معلومات" ليس في كل وقت وحين، كالعمرة وكثير من العبادات، بل حددت بدايته ونهايته، ورسم لكل نسك وقت يناسبه، ويكون فيه أداؤه، لا يصح قبله ولا بعده، وهو على أنواع، فمن تلك المناسك ما هو واسع الوقت، يصح تقديمه أو تأخيره، ولكنه ضمن دائرة التحديد، لا يتجاوز أشهر الحج وأيامه، كسعْي الحج للقارن والمفرد، ومنه ما هو مضيق الوقت محدد الساعات، لا يصح أداؤه في غير تلك الساعات المحددة له، وقد يترتب على ذلك فوات الحج أو نقصانه "الحج عرفة"، "وقفت ههنا وجمع كلها موقف"، وفي حديث عروة بن مضرس، قال-صلى الله عليه وسلم-:"من شهد صلاتنا هذه -يعني بالمزدلفة- فوقف معنا حتى دفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه". وبينهما واجبات وأركان تتفاوت مددهما، ووقت أدائهما؛ كطواف الإفاضة ونحر الهدْي...وهلمّ جرّاً.
2) تأمل معي-بارك الله فيك- أيام الحج الخاصة، ابتداء من يوم الثامن -يوم التروية- إلى اليوم الثالث عشر آخر أيام التشريق، ستة أيام فقط إذا أردنا مراعاة الأفضل والأكمل، وإلا فهي ثلاثة أيام بلياليها، بل أقل من ذلك حيث لا تزيد على (60) ساعة؛ لمن أراد الاقتصار على الواجب دون سواه، ومع ذلك كم يُنجز في هذه الأيام، أو بالأصح في هذه الساعات من أعمال عظيمة، لو ترك الأمر لاختيار المسلم وظروفه لربما بقي عشرات الأيام لم ينجزها، إن لم تكن شهوراً أو أعواماً؛ ممن طبيعتهم التسويف والتأجيل، وتأخير عمل اليوم إلى الغد، وقد تأتيه منيّته قبل أن يجيء غده.
وأشير إلى أهم تلك الأعمال؛ ابتداء من الإحرام يوم التروية، ثم الانتقال إلى منى والمبيت، ثم الذهاب إلى عرفة وما فيها من أعمال عظيمة ترتبط بعاجل المسلم وآجله، ويأتي الذهاب إلى مزدلفة والمبيت فيها، ومن ثم الوقوف عند المشعر الحرام وما فيه من دعاء وابتهال، ثم الانصراف إلى منى والبدء في رمي الجمرة، ثم النحر والحلق والإفاضة، كل ذلك قد يكون في ساعات معدودة، وبقية أيام التشريق لها أعمال معروفة، ومع ضيق الوقت وقصره، فهو ليس بالعمل الهيّن ولا اليسير نظراً لا جتماع الناس وازدحامهم.
وبعد أن تنتهي أيام التشريق يتعجب المرءُ من نفسه!
هل حقيقة أدى تلك الأعمال الكثيرة العظيمة في تلك الأيام القصيرة؟ بل يجد لديه في أيام العيد والتشريق من الوقت والفراغ ما يستثمره في كثير من العبادات وطلب العلم وزيارة الحجّاج، مما ليس مفروضاً عليه، حيث تكون البركة، والحسنات بعضها يأخذ برقاب بعض، بل هناك من يمارس التجارة والتكسب مع قيامه بمناسك الحج أخذاً بقوله -تعالى-:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم".
ومن هنا فإن العبرة ليست بطول الوقت وقصره، وإنما بما يجعله الله فيه من بركة ونفع، ولذلك أسباب كثيرة كالإخلاص، والترتيب، والأخذ بالعزيمة والحزم، ولو فعلنا ذلك في كل أيامنا وليالينا لتغيرت أحوالنا:
نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير حق *** ولو نطق الزمان بنا هجانا
3) ولننظر إلى هذه الدقة المتناهية في الالتزام بالوقت، وتأثير ذلك على العبادة؛ إما صحة أو كمالاً، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقف في عرفة ولا ينصرف حتى تغيب الشمس ويختفي القرص، مع حاجته الماسة، وحاجة الناس إلى أن يسيروا إلى مزدلفة في النهار، وما خيّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، وهو الذي قال:" خذوا عني مناسككم"، ولذلك فالقول الراجح: أن من انصرف قبل مغيب الشمس بدون عذر، ولم يرجع فقد أَثِمَ وعليه دم.
وفي مزدلفة يكون الانصراف -إن تيسر-بعد الإسفار جداً وقبل طلوع الشمس، وهو زمن يسير لا يتعدى دقائق معدودة؛ كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ورمي الجمار أيام التشريق يكون بعد الزوال ولا يكون قبله، فمن رمى الجمار قبل الزوال فعليه إعادة الرمي على القول الصحيح، إلا أصحاب الأعذار يوم الثاني عشر، فيجوز لهم التقديم، على القول الراجح.
ومن غابت عليه الشمس يوم الثاني عشر وتأخر في الخروج من منى بضع دقائق دون عذر؛لزمه المبيت ورمى الثالث عشر.
إنها تربية للمسلم على أداء الأعمال في أوقاتها وتعويد له على الدقة في الالتزام، وسرعة الإنجاز، وضبط المواعيد، "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا"، وبعد:
إن من مقتضيات المرحلة المقبلة، والمواجهة المحتملة؛ الإعداد المتكامل، والتربية الشاملة، وبناء المجتمع على أصول أصيلة، وقواعد متينة، تحقيقاً لقوله -تعالى-:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، فمن الخطأ تغليب جانب على جانب، أو العناية بركن دون آخر، ومن أهم الميادين التي تتربى فيها الأمة تربية متكاملة متوازنة؛ أداء أركان الإسلام وواجباته كما شرع الله، " وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه"، وهذه الشعائر والأركان ليست عبادات مجردة؛ لا علاقة لها بأمور دنياه، بل إن آثارها الدنيوية ظاهرة جلية، ولذلك قال -سبحانه-:" واستعينوا بالصبر والصلاة"، وقال:" إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، وقال:" ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
وقال -صلى الله عليه وسلم-:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج -إلى أن قال- ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لو وجاء".(1/251)
فالارتباط وثيق بين أمور الدنيا والآخرة، بعضها آخذ برقاب بعض، والحج من أعظم تلك الميادين التي جمعت بين أمور الدين والدنيا، وتكاملت فيها العبادات القلبية، والبدنية، والمالية، بل هو نوع من أنواع الجهاد؛ كما ثبت عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة "جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة"، وبذلك نحقق أمر الله لأبينا إبراهيم -عليه السلام-:"وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام".
ومن أجل أن يكون الحج مقبولاً، ويؤتي ثماره في العاجل والآجل؛ لابد من التزام المنهج الصحيح، والحج كما حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال:" خذوا عني مناسككم"، مع البعد عن تعقيد مناسك الحج والإتيان بتفصيلات لم ترد في السنة، والأحاديث الواردة في مناسك الحج محدودة، ومن أعظمها حديث جابر الصحيح، وكثير من كتب المناسك المتداولة، جعلت الحج شاقاً وعسيراً، بينما كان هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-التيسير ودفع المشقة، "فما سئل -يومئذ- عن شيء عما يقدم أو يؤخر إلا قال افعل ولا حرج"، بل قال سبحانه":وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم".
وأنصح الشباب بالبعد عن الخلاف في المسائل الفرعية، فقد قال ابن مسعود -رضي الله عنه-:" الخلاف شر"، وكان ذلك في الحج في قضية إتمام الصلاة في منى أيام الحج.
تقبّل الله منا ومنكم، وجعلنا ممّن وصفهم بقوله -في آيات الحج-:" ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار* أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
المصدر شبكة الإسلام اليوم
=============
عمرك في يومك !
لا يشك أحد بأن الوقت هو الحياة , فعمر الإنسان عبارة عن أيام , كما قال الحسن البصري : "يا ابن آدم, إنما أنت أيام, إذا ذهب يوم ذهب بعضك". والأيام ما هي إلا ساعات ودقائق لهذا على المرء أن يتفكر أين يذهب يومه , والإسلام اهتم بإدارة الوقت الخاص إضافة إلى إدارة وقت العمل, ذلك أن الإسلام اهتم بوقت المسلم بصفة عامّة, وحثه على اغتنامه وعدم إضاعته, فهو من الأمور التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة فعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال : عن عمره فيم أفناه, وعن شبابه فيم أبلاه, و عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن علمه ماذا عمل فيه " , والإسلام نظم حياة المسلم ووقته فقد نظم نومه واستيقاظه, وأداءه للشعائر, وانطلاقه إلى ميدان الحياة, ليجعل عمله كله عبادة لله عز وجل يقوم على أساس الشعائر كلها وعلى أساس من ذكر الله الملازم له..
وإذا أردنا أن نقدر أعمار هذه الأمة فقد روي عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَليْهِ وسَلَّم:" أعمارُ أمَّتي ما بينَ السِّتِّينِ إلى السّبعِينِ وأقَلُّهُم مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ " , فإذا أخذنا بفرضية أن العمر سبعون سنة , اعلم رحمك الله بأن كل خمس دقائق تقضيها يومياً تقدر من إجمالي عمرك بـ ثلاثة أشهر تقريباً , وأن كل ساعة تقضيها يومياً تقدر بـ ثلاث سنوات من إجمالي عمرك.
وبناء على هذه الفرضية فوقت الإنسان يتوزع يومياً على ما يلي ( قد تختلف المعادلة من شخص إلى آخر ولكن قد تكون هذه هي الغالبة على الناس ) :
• 7 ساعات نوم
• 8 ساعات عمل (للموظفين)
• 2 ساعة بالسيارة
• 1 ساعة بالهاتف
• 1.5 ساعة أكل
• 0.5 ساعة في الحمام
• 1 ساعة استرخاء
• 1 ساعة بين الأصحاب والأصدقاء
بهذا يكون إجمالي الوقت المستهلك يومياً 22 ساعة بما يعادل 66 سنة من إجمالي السبعين سنة !! فما تبقى من عمرك هو 4 سنوات تقريباً فما أنت فاعله ؟!
قد يتساءل المرء ما المقصود بهذه الإحصائية ؟! هل لا ننام أم لا نأكل أو لا نركب السيارة ولا نجلس مع الأصحاب؟!!
ليس هذا المقصود !! ولكن هذا هو يومك فاعرف قيمة وقتك أولاً , وعليك بتجديد النية في أعمالك كلها لكي لا تحرم الأجر ثانياً , فإن أردت أن تأكل فجدد نيتك بأن إطعامك لأطفالك لك فيها أجر " في كل كبد رطبة أجر ".
إذا علمت ذلك فعليك استثمار وقتك الاستثمار الأمثل بحيث لا تضيعه وحاول أن تقدر الأمر كما ينبغي فتسأل نفسك لم ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وأين ؟ ونظم وقتك لكي لا تفقد الكثير منه بدون فائدة وتأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون وتقول ليتني فعلت وليتني قلت !!!
واعلم غفر الله لي ولك إنك مساءل عن هذا الوقت , فإن لم يكن لك فهو عليك !!! وأن المغزى من خلق الخلق هو عبادة الله ,وهذا هو الهدف الحقيقي والرئيس الذي يجب أن يكون في حياتك , وعلى جوارحك أن تتحرك وتعمل لتحقيق هذا الهدف وأن باقي الأعمال يفترض أن تصب في صالح هذا الأمر.
قال أحد العلماء: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا. أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازجه نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا.
والإمام ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقوله : "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة, وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم, ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم, وهو يمر مرَّ السحاب, فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره, وغير ذلك ليس محسوباً من حياته... . فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة, فموت هذا خير من حياته" .
ويقول ابن الجوزي : "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته, فلا يضيع منه لحظة في غير قربة, ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل, ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل " .
وفي هذا يذكر الله تعالى موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم:-
أولهما: ساعة الاحتضار, حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو منح مهلة من الزمن ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات: ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ). ويكون الجواب على هذه الأمنية: ( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ).
ثانيهما: في الآخرة, حيث توفى كل نفس ما عملت وتجزى بما كسبت, ويدخل أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار, هنالك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى على الحياة ليبدؤوا من جديد عملا صالحا. ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ).
وإذا عرفنا ذلك يا معشر المسلمين, فلنحرص على الاستفادة الكاملة من الوقت, فإن إضاعة الوقت علامة من علامات المقت, وما أحسن ما قاله الحسن البصري: أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم, فلنحرص على الوقت ولنحافظ عليه ولنستفيد منه كله فيما ينفعنا في الدين والدنيا وفيما يعود على الأمة بالخير والسعادة والنماء الروحي والمادي.(1/252)
فعندما تفكر في تمضية وقتك , فكر بما يعود عليك بالنفع في آخرتك لأن معظم وقتك ذاهب بالحسبة السابقة!!
فإن أردت ركوب السيارة للتنقل فقل دعاء الركوب لكي لا تحرم الأجر عَن أبي إِسْحَاقَ عَن عليِّ بنِ ربيعةَ قَالَ: شَهِدْتُ عليَّاً أتى بدابَّةٍ ليركَبَهَا فلمَّا وضَعَ رِجْلهُ في الرِّكابِ قَالَ: بسمِ اللَّهِ, فلمَّا استوى عَلَى ظهرِهَا قَالَ الحمدُ للَّهِ. ثُمَّ قَالَ: {سُبحانَ الَّذِي سخَّرَ لنَا هَذَا وما كُنَا لهُ مُقْرِنين. وإنَّا إلى ربِّنَا لمُنْقَلِبونَ} ثُمَّ قَالَ: الحمدُ للهِ ثلاثاً اللَّهُ أكبرُ ثلاثاً سُبحانكَ إنِّي قَدْ ظَلمتُ نفسي فاغفرْ لي فإنَّهُ لا يَغفرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ ثُمَّ ضَحِكَ. فقُلتُ مِنْ أيِّ شيءٍ ضَحِكْتَ يا أميرَ المؤمنين؟ قَالَ رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليْهِ وسَلَّم صنَعَ كمَا صَنَعْتُ ثُمَّ ضحكَ فقلتُ منْ أيِّ شيءٍ ضَحِكْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ إنَّ ربَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عبدِهِ إذا قَالَ ربِّ اغفِر لي ذُنُوبي إنَّهُ لا يغفِرُ الذُّنوبَ غَيْرُكَ"
وجدد نيتك وحرك شفتيك بذكر الله وتذكر(( عَن جُويريَّةَ بنتِ الحارثِ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مرَّ عليها وهي في مسجدها, ثُمَّ مرَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بها قريباً من نصفِ النَّهارِ فقَالَ لهَا ما زِلتِ على حالكِ؟ قَالَتْ نعمْ, فقَالَ ألا أُعلِّمكِ كلماتٍ تقولينها: سُبْحَانَ اللَّهِ عددَ خلقهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ عدد خلقهِ, سُبْحَان اللَّهِ عدد خلقهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ رضى نفسهِ, سُبْحَان اللَّهِ رضى نفسهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ رضى نفسهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عرشهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عرشهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عرشهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ مدادَ كلماتهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ مدادَ كلماتهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ مدادَ كلماتهِ,")) أو شغل المسجل بالقرآن أو المحاضرة لكي لا تحرم الأجر ولا يضيع الوقت , وبهذا تكون أضفت لصحيفة حسناتك ساعتين يومياً أي بما يعادل 6 سنوات من إجمالي عمرك.
إذا أردت النوم فاذكر دعاء النوم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره, فإنه لا يدري ما خلفه عليه, ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه, إن أمسكت نفسي فارحمها, وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)
واحتسب نومتك لقيام الليل وللتقوي على الطاعة لكي لا تحرم الأجر ولا تضيع الوقت فعن أبي بردة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن, قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف, قال: واليمن مخلافان, ثم قال: (يسرا ولا تعسرا, وبشرا ولا تنفرا). فانطلق كل واحد منهما إلى عمله, وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه, فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى, فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه, وإذا هو جالس, وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه, فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟ قال: هذا الرجل كفر بعد إسلامه, قال: لا أنزل حتى يقتل, قال: إنما جيء به لذلك فانزل, قال: ما أنزل حتى يقتل, فأمر به فقتل, ثم نزل فقال: يا عبد الله, كيف تقرأ القرآن؟ قال أتفوقه تفوقا, قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل, فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم, فأقرأ ما كتب الله لي, فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
وعن أبي الدرداء يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه عز .
وتذكر أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم صدقة". قالوا: يا رسول الله ! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا" وبهذا تكون أضفت لصحيفة حسناتك 7 ساعات يومياً أي بما يعادل 21 سنة من إجمالي عمرك !!
إن أردت الذهاب للمسجد فتذكر بأن " وما من عبد مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يمشي إلى صلاة إلا كتب الله عز وجل له بكل خطوة يخطوها حسنة أو يرفع له بها درجة أو يكفر عنه بها خطيئة" فجدد نيتك واكسب الأجر.
إذا جلست مع الأصحاب فتذكر... عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم; "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى. فأرصد الله له, على مدرجته, ملكا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا, غير أني أحببته في الله عز وجل, قال: فإني رسول الله إليك, بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" فاعقد النية وأخلصها فالأجر عظيم والجزاء جزيل , والمنة لله وحده.
وأيضاً لا تنس "ما جلسَ قومٌ مجلساً لم يذكرُوا اللَّهَ فيهِ ولمْ يُصلُّوا عَلَى نبيِّهِم إلاّ كَانَ عليهم تِرَةً فإنْ شاءَ عذَّبهمْ وإنْ شاءَ غقرَ لهمْ".
ولا تنس أخي كفارة المجلس " سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك". وتذكر " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر, فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا, قال: فيسألهم ربهم, وهو أعلم منهم, ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك, قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك, قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة, وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً, قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنة, قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها, قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً, وأشد لها طلباً, وأعظم فيها رغبة, قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار, قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها, قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً, وأشد لها مخافة, قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم, إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم).
إذا أردت الذهاب للحمام فتذكر ألا تسرف في استعمال الماء امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم , وعند الوضوء فجدد النية باتباعك لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال لأمر الله , وتذكر عن أبي هريرة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه, خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتى يخرج نقيا من الذنوب" واستشعر ذلك الفضل. وتذكر أيضاً لكي لا يفوتك الأجر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ (أو فيسبغ) الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية, يدخل من أيها شاء". الله أكبر عمل خفيف وأجر كبير ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.(1/253)
إن أمر تجديد النية وإخلاصها عظيم , فعلى المرء أن يضع ذلك نصب عينيه فقد لا يستغرق ذلك منك إلا ثواني معدودة تأتي بحسنات كالجبال !!
وتجديد النية وإخلاصها يضيف إلى صحيفة أعمالك من الحسنات ما لا يعلمها إلا الله , وهي ليست بالأمر السهل , وتحتاج العزيمة والإرادة القوية بعد توفيق الله , ومن السلف من كان يعالج نيته , قال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد بن حنبل عن النية في العمل, قلت كيف النية: قال يعالج نفسه, إذا أراد عملاً لا يريد به الناس.
قال ابن القيم رحمه الله: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها, وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب, فتكون صورة العملين واحدة, وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض.
وكان سفيان الثوري يقول: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي لأنها تتقلب علي.
وقال بعض السلف: من سره أن يكمُل له عمله, فليحسن نيته, فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا أحسنت نيته حتى باللقمة.
قال سهل بن عبد الله التستري : ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص, لأنه ليس لها فيه نصيب.
وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني استغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت.
وهذا خالد بن معدان كان رحمه الله: إذا عظمت حلقته من الطلاب قام خوف الشهرة.
وهذا محمد بن المنكدر يقول: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
ولأهمية أمر النية اقرأ حديث أبي كبشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم أن لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل, وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً, فهو صادق النية فيقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان, فهو بنيته, فأجرهما سواء, وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يتخبط في ماله بغير علم, لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم فيه لله حقاً, فهذا بأخبث المنازل, وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً وهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان, فهو بنيته, فوزرهما سواء)). وكذلك الحديث: ((من سأل الله الشهادة بصدق نية بلّغَه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه)). أرأيت ما الذي عملته النية!!
قال الغزالي رحمه الله : " فمهما كان قصده بطلب المال مثلاً التعفف عن السؤال ورعاية ستر المروءة على الأهل والعيال والتصدق بما يفضل عن مبلغ الحاجة صار هذا المباح بهذه النية من أعمال الآخرة . "
وأخيراً , إن الموضوع طويل , والهمة قد قصرت والله المستعان هذا وأسأل الله أن يعيننا على الإخلاص في القول والعمل , وأن يعيننا على تجديد النية في أعمالنا وألا يحرمنا وإياكم من الأجر العظيم.
المصدر : ابوفهد11 .. الساحات
تعليق من الأشوس
جزاك الله خيرا ... الحقيقة من أجمل ما قرأت عيناي في الساحة ... أضيف كلمات بسيطة مستقاه من موضوعك
استغلال الوقت
قال عليه الصلاة والسلام( ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة ( اي نقص وحسرة ) وما من رجل مشى طريقا فلم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة وما من رجل أوى إلى فراشة فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة ) رواه احمد
النوع الأول : التسبيح المضاعف :
عن جويريه أم المؤمنين ( رضي الله عنها ) أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : " مازلت على الحال التي فارقتك عليها " قالت نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته " .
فانظر إلى العبارة النبوية القصيرة كم اختصرت من الوقت . قال البنا في شرح هذا الحديث : " انها لو قالت هذه الكلمات الأربع كل كلمة ثلاث مرات لكان ثوابها أكثر من ثواب ما ما أجهدت نفسها فيه من التسبيح في هذه المدة الطويلة ، ويستفاد منه كذلك أن من قال سبحان الله عدد كذا وزنه كذا كتب له ذلك القدر وفضل الله واسع ، ولا يتجه هاهنا أن يقال أن مشقة من قال هكذا أخف من مشقة من كرر لفظ الذكر حتى يبلغ الى مثل ذلك العدد ، فان هذا باب منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم ودلهم عليه تخفيفا عليهم وتكثيرا لأجورهم من دون تعب ولا نصب فلله الحمد ".
أخي القاريء لو أجهدت نفسك في التسبيح المتواصل طوال اليوم فلن تبلغ مئات آلاف من المرات فضلا على ملايين المرات مع ما سيفوتك من المصالح الأخرى ، ولكن جاء فضل الله على هذه الأمة ليدلنا على كلمات قصيرة جامعة يكتب الله بها ثوابا لا يحصيه العدد . تخيل عدد خلق الله في هذا الكون وتخيل ضخامة هذا الرقم الفلكي الذي يحوي بلايين من كل من الأنس والجن والملائكة والنجوم والبهائم والطيور والأسماك والحشرات والميكروبات والنباتات والرمال وغيرهم كثير . فهؤلاء لا يمكن أن يحصيهم بشر ولكن الله يعطيك بعددهم حسنات اذا قلت ثلاث مرات سبحان الله وبحمده عدد خلقه .
وتخيل ما مقدار حجم عرش الرحمن الذي ستحظى بوزنه حسنات ان شاء الله . قال ابن زيد : حدثني أبي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما السماوات السبع في الكرسي الا كدراهم سبعة القيت في ترس " . فاذا كانت المسافة بين بعض النجوم تقدر بالسنوات الضوئية وكل ذلك في السماء الدنيا . والمسافة بين السماء الأولى والسماء الثانية مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء وسماء مثل ذلك حتى السماء السابعة ، ثم يأتي بعد ذلك الكرسي والمسافة بينه وبين السماء السابعة مسيرة خمسمائة عام ، ونسبة السماوات السبع له كنسبة سبع دراهم ألقيت في ترس ، وقد وصف الله تبارك وتعالى سعة كرسيه فقال جل وعلا { وسع كرسيه السماوات والأرض } ، ثم يأتي بعد ذلك الماء ثم عرش الرحمن جل وعلا وهو أعظم مخلوقات الله ، ونسبته الى الكرسي كنسبة قطعة حديد ألقيت في صحراء . فعن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الكرسي في العرش الا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض " . والله سبحانه وتعالى بعظمته وجلاله أكبر من كل شيء . فبعد هذا التصور لعظمة مخلوقات الله وبالأخص عرش الرحمن فان لك أخي المسلم بوزن هذا العرش العظيم حسنات متى قلت ثلاث مرات سبحان الله وبحمده زنة عرشه .
هل ستفارق مثل هذا التسبيح الجامع ؟ وهل ستفارق هذه الحسنات الهائلة ؟ أليس تسبيحك بمثل هذه العبارات وتكرارك لها خير لك من أن تردد كلمات أغنية أو لهو أو فجور ولا تكسب من ورائها شيئا من الحسنات ؟ بل تكسب اثما ، لقد أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم أصنافا من التسبيحات فلماذا لا نرطب ألسنتنا بها ؟
اضافة لذلك الأجر فان من فوائد هذا الحديث العظيم أنه يعينك على التفكر في عظم مخلوقات الله ومن ثم التفكر في عظمة الله الذي خلق هذا الخلق المتناسق . فلا غرابة أن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نكبره في الأذان وفي داخل الصلاة ودبرها أكثر من مائتين وثمانين مرة في اليوم والليلة حتى لا يعظم في نفوسنا غيره ولئلا نطلب النصرة الا منه جل وعلا .(1/254)
اننا نجد طائفة من الناس يتفكرون في قدرة البشر وما وصل اليه من تقنية أكثر من تفكرهم في عظمة الله جل جلاله . فبعض الناس اذا رأوا جهاز حاسب آلي ( كمبيوتر ) ذا سرعة فائقة ودقة متناهية وصغر حجم ، قالوا وهم يهزون رؤوسهم عجبا : هذه صناعة دولة كذا فانها لا تدخل في صناعة شيء الا أتقنته . والبعض الآخر يقول اذا نويت أن تشتري سلعة فابحث عن سلعة دولة كذا . لماذا هذه الثقة ؟ لأنهم أيقنوا من جودة صناعتها . وفي مقابل ذلك لا نجد التفكر في حكمة الله وأنه هو الحكيم الخبير وأنه لا يأتي بشيء الا هو متقنه لأنه أتقن كل شيء خلقه . كما قال تبارك وتعالى : { صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون } ، ولا يأمر بشيء إلا وهو خبير بمصلحتنا فيه سواء كان تشريعا سياسيا أم اقتصاديا أم اجتماعيا أو نحوه . فإلى متى ننزع الثقة من تشريع الله ونضع الثقة في قوانين البشر مع إنهم لا يعلمون من الحياة إلا الظاهر منها ويخفى عليهم فيها الكثير لقوله تبارك وتعالى : { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } .
النوع الثاني : الاستغفار المضاعف
أخي القاريء هل ترغب في أن تكسب في اليوم الواحد على الأقل ألف مليون حسنة ؟ فكيف لو كسبت هذا العدد وأكثر منه في جلسة واحدة بل في جملة واحدة ؟ وما رأيك لو كررت ذلك أكثر من مرة ! فكم تتوقع أن يرتفع رصيدك من الحسنات ؟ فلنقف عند هذه المسابقة والتجارة الرابحة فإني لا أظنك ستفرط فيها ولا تمر عليك مرور الكرام دون أن تنهل منها أو تتاجر فيها مع ربك .
فعن عبادة بن الصامت ( رضي الله عنه ) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات ، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة " .
لعل بصرك وذهنك ينصرف في باديء الأمر إلى كلمة حسنة فتستصغر الحسنات التي ستكسبها من هذا الدعاء ، ولكن لا تحجر بذهنك وانظر بعين أوسع من ذلك . فمن المعلوم أن عدد المسلمين اليوم في العالم يتجاوز الألف مليون مسلم ولو افترضنا أن عدد المؤمنين منهم ألف مليون موحد ، فإن دعاءك واستغفارك لهم كفيل أن يعطيك الله بعددهم حسنات . لو ظللت طوال حياتك تسبح الله لما استطعت أن تصل إلى هذا الرقم من الحسنات لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات لننال بهذه العبارة القصيرة الجامعة ما لم نحلم به من حسنات في أقصر وقت ممكن . فكيف لو قلت هذا الدعاء في اليوم أكثر من مرة أو جعلته مع كل دعاء لك ؟ وكم تتوقع أن تزداد حسناتك لو أشركت أموات المؤمنين في الدعاء ؟ فأتوقع أن تكون مليونيرا إن شاء الله ليس من الريالات أو الدولارات وإنما من الحسنات .
أن هذا الحديث يعطينا دروسا كثيرة وأهمها :
(1) عمق رابطة الأخوة الإيمانية بين المسلمين . فالإسلام يحث كل المسلمين أن يدعوا بعضهم لبعض في ظهر الغيب الأمر الذي قد لا نجده في دين آخر . ومتى استشعر المسلم ذلك زالت الأحقاد التي يثيرها الشيطان في النفوس بين آونة وأخرى ، إذ كيف يعقل أن يحقد المسلم على أخيه وهو يستغفر له في ظهر الغيب ؟
(2) إن الذي يحتجز الدعاء لنفسه ولا يذكر إلا ذاته ويتناسى إخوانه المسلمين إنسان أناني قد حرم نفسه من كثير من الخير والحسنات .
(3) من دعا لأخيه بظهر الغيب ضمن الإجابة من الله تعالى لما رواه صفوان ( رضي الله عنه ) قال : قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت أتريد الحج ؟ فقلت نعم . قالت فادع الله لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة . عند رأسه ملك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل : آمين ولك بمثل " . فحري بك أخي المسلم أن تشرك إخوانك المسلمين في دعائك لتكسب من ثمرات ذلك الشيء الكثير .
احتساب الأعمال المباحة في حياتك :
من استغلال الوقت احتساب الأعمال المباحة في حياتك . والمباح ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه . فمن المباحات : الأكل والشرب والنوم والنزهة وتعلم أي فن من العلوم غير الشرعية المباحة واللهو البريء ونحو ذلك .
إن هذه الأمور المباحة والتي لا غنى للإنسان عنها تقتطع جزءا غير يسير من عمره وبالأخص فترة النوم التي تمثل ثلث عمره تقريبا - كما ذكرنا من قبل - فإن احتساب مثل هذه المباحات عند الله بأن تنوي بها التقوي على الطاعة والكف عن المعاصي قد تؤجر عليها إن شاء الله وهذا قول كثير من أهل العلم . وبهذا الأسلوب تكون قد استغللت جزءا كبيرا من عمرك الزمني في كسب مزيد من الحسنات لتضيفه إلى عمرك الإنتاجي .
يقول ابن الشاط " إذا قصد بالمباحات التقوي على الطاعات أو التوصل إليها كانت عبادة كالأكل والنوم واكتساب المال " . وقال الدكتور الأشقر " فالمسلم إذا قصد بنومه وأكله وشربه أن يتقوى بها على طاعة الله ، كي يتمكن من قيام الليل والجهاد في سبيل الله ، فهذا مثاب على هذه الأعمال بهذه النية " .
إن احتسابك للعمر الضائع من حياتك كالنوم ونحوه لهو وسيلة إضافية في إطالة العمر الإنتاجي كي تكسب فيه مزيدا من الحسنات . فإن المسلم الحريص على وقته والذي يتمنى أحيانا أن يكون اليوم أطول من أربع وعشرين ساعة ليستغله في عمل الطاعات ، فإنه إذا احتسب عند الله فترة نومه وهي محسوبة من عمره وستضيع عليه لا محالة لأنه مكره على ذلك ، فإن الله جل وعلا قد يثيبه على ذلك إنشاء الله . وكذلك فترة تناوله للطعام وقضائه للحاجة ونحو ذلك .
============
عن اللامبالاة وأسبابها
محمد حسن يوسف
تعاظمت حالة اللامبالاة بيننا بصورة مرضية، بحيث أدى استفحالها إلى لفت الانتباه لضرورة البحث عن العلاج الناجع لها قبل أن تؤدي لقصم ظهر الأمة بأكملها!! إن الأمة تمر بها أحداث عصيبة، بحيث تظن - حين سماعها - أن الجميع سيقف ويراجع نفسه ويتخذ قرارات هامة ومصيرية لمواجهة ما يحدث. ولكن على عكس جميع التوقعات، تأتي ردود الأفعال غريبة تافهة ليس لها معنى!!! فما سبب ذلك؟!!
لقد كان أهم ما يميز هذه الأمة هو حيويتها واستجابتها للأحداث من حولها. فتروي لنا كتب السيرة ثورة أحد أفراد الأمة لما رأى اليهود يعرّون امرأة في سوقهم، فقتل من فعل ذلك، ليتجمع حوله اليهود فيقتلوه. ثم تثور الأمة وتتحرك في سبيل الدفاع عن أفرادها بإعلان الحرب على اليهود وإجلائهم من المدينة.
ويتكرر المشهد ثانية، يقوم الأعداء بتعرية امرأة أخرى، فتصرخ الصرخة المدوية " وا معتصماه "، فيجيبها المعتصم بجيش أوله عندها، وآخره عنده!!! فمن العجب الآن أن تجد هذه الأمة تتلهى الآن وهي تشاهد اغتصاب نسائها في فلسطين وفي العراق، وكأن هذه البنات ليست من بنات المسلمين!!! فما الذي تغّير؟!!
قبل الاحتلال الفرنسي لمصر عام 1798 من ميلاد المسيح عليه السلام، كان الشعب يتحرك إيجابيا مع الأحداث. لم يكن شيئا ليقف أمامه إذا ما حاول كائنا من كان النيل من مقدساته أو معتقداته!! ولكن هل يعقل أن الشعب الذي تحرك بشدة إبان الاحتلال الفرنسي ولم يهدأ حتى أخرج المحتل - هل يعقل أن يصاب بهذه السكتة القلبية القاتلة، التي جعلته وكأنه أصيب بالصمم لما يحدث من حولنا؟!(1/255)
فمع مرور الأيام، تبدلت الأحوال. وفي الوقت الذي جاءت فيه أمريكا إلى عقر دارنا بالدبابة والإعلام، فإننا وإلى الآن نتغافل عن هذه الأحداث بمشاهدة مباراة أو متابعة فيلم أو سماع أغنية!! والأدهى من ذلك، أننا ننفق أموالنا على توافه الأمور بدلا من إنفاقها على مشروعات جادة من قبيل مخاطبة الغربي بلغته التي يفهمها. ولا يحق لنا أن نتساءل بعد الآن: لماذا انتصرت أمريكا في واقعنا الإسلامي والعربي؟ ولا لماذا انتصر اللوبي الصهيوني في الغرب؟[1]
وأفرزت مقاومة الاحتلال - الأمريكي أو الصهيوني - في هذه الأيام ثقافة جديدة هي ثقافة المقاومة، وضرورة مواجهة القوة بالقوة. وبدأ يتشكل منطق القوة عند " بعض " شعوب المنطقة. فالقبول بالهيمنة الاستعمارية لم يعد واردا. والمقاومة بكل صورها وأبعادها هي الخيار الأمثل الذي ترسخ في الوعي الإسلامي.[2] ولكن لم يترسخ ذلك في نفوس الجميع بعد، وإن كنا لا ننكر ارتفاع صوت المنادين بهذا الخيار إلى حد ما عن ذي قبل.
فما زالت الأمة في عمومها في حالة سبات. ففي الوقت الذي تواجه الأمة خطر الاستئصال عن طريق الخيار العسكري في كل من فلسطين والعراق ولبنان، وخطر الانهيار المعنوي عن طريق الرسوم المسيئة لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم، وخطر الاستبدال من خلال الفيضانات وغرق السفن وتفشي وباء أنفلونزا الطيور ... في هذا الوقت الذي تواجه فيه الأمة كل هذه التحديات، إذا بقطاعات عريضة منها تفرح بالفوز في مباراة!!!
والواقع إذا كنا نحاول البحث عن أسباب هذه الظاهرة الغريبة التي أصابت المجتمع في مقتل، فأدخلته في هذه الحالة من الغيبوبة الطويلة، فإننا نفعل هذا من باب محاولة وصف العلاج الذي يمكن أن يُخرجنا من محنتنا. فوصف العلاج لا يأتي إلا بعد رصد الظاهرة رصدا فعالا وحقيقيا بحيث يشمل جميع أوجهها ومظاهرها.
قال تعالى: ? وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ? [ النحل: 89 ]. فإذا كان الأمر كذلك فلابد لنا من دراسة هذه الظاهرة في هذا الإطار. ومن الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة ما يلي:
1- البعد عن كتاب الله:
تتجلى أولى أسباب حالة اللامبالاة في بُعد أفراد الأمة عن كتاب الله: هذا الكتاب المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فألقيناه وراءنا ظهريا، وأصبحنا لا نتعامل معه إلا من قبيل التبرك وحسب. لقد كان القرآن مصدر عزة المسلمين في صدر الإسلام، وسبب قوتهم. استطاعوا دحر أعدائهم وقهر خصومهم بالتزامهم بالتمسك بتعاليم كتابهم والتقيد بأوامره وتلاوتهم إياه. أما الآن فقد بعدنا تماما عن كتاب الله. وأصبحنا ندرس أية ظاهرة تحدث من حولنا بمعزل عن كتاب الله. هذا البعد عن كتاب الله أورثنا قسوة في القلب وغلظة. كما أن خطورة الحلول التي تأتي بعيدة عن كتاب الله تكمن في عدم تمسك المسلمين بالالتزام بها، بل ومحاولة خرقها. فما لم يكن النهي في صورة تعاليم موجهة من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن يتمسك بها أحد، وهذا هو الواقع الذي نعيشه الآن. وهذا هو سر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره، أذلنا الله.
2- ازدياد الفقر بصورة غير مسبوقة وتلهي الناس وراء لقمة العيش:
من أهم أسباب عدم مبالاة الناس بما يحدث من حولهم، تلهيهم وراء لقمة العيش، بحيث أصبح انشغالهم في أمور أخرى غير تحصيل لقمة العيش هو نوع من الترف الذي لا يطيقونه ولا يستطيعونه.
وبالطبع ليست مشكلة الإسلام اليوم - على عكس ما يشيع البعض - النقص المادي في الأموال والعتاد، الذي لو استطاعوا تحصيله وتكثيره فستكون لهم الغلبة ولا شك، بل جُل المشكلة التي تواجههم الآن هي في الضعف المعنوي الذي أصابهم وخدّر قواهم. فالمسلمون اليوم منهزمون نفسيا منقادون لغيرهم يعوزهم التمسك بتعاليم دينهم والاعتزاز بقيمهم.
ومن المعلوم أن الفقر لا يُخشى منه على الأمة إذا كانت نفوس أبنائها كبيرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَوَ اللَّهِ َلا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ.[3]
إن جعل سعادتنا مرتبطة على نحو جوهري بالحصول على المزيد من المال، يشكل تركة في الاتجاه الخاطئ، لأن المطلوب من المال سيظل باستمرار أكثر من المعروض، ومن ثم فإن مشاعر الحرمان ستظل مسيطرة على أعداد هائلة منا على نحو ما نلمسه اليوم حيث اتجهنا.[4]
3- تلاشي الطبقة المتوسطة:
يرتبط بالسبب السابق مباشرة، تلاشي الطبقة المتوسطة في المجتمع تحت معول الفقر. فمن المعلوم أن الطبقة المتوسطة هي الطبقة التي تمسك طرفي التضاد في المجتمع: الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية، وهي التي يقع عليها عبء دفع المجتمع نحو التحرك، يحدوها في ذلك الأمل في الانتقال من وضعها الحالي للالتحاق بالطبقة الأعلى.
على أن السنوات الأخيرة من القرن الماضي والقليلة من القرن الحالي شهدت عدة تغييرات جذرية في الظروف الاقتصادية العالمية تركت بصماتها واضحة على التركيبة المجتمعية في معظم دول العالم، ومنها الدول الإسلامية. وتعرضت الطبقة التي الوسطى التي كانت تمثل دعامة أساسية من دعائم حماية النسيج الاجتماعي للمجتمع، تعرضت لهزات قوية في أوضاعها، مما أدى في آخر الأمر إلى تلاشيها وانتهائها.
وأصبح المجتمع في معظم دول العالم الآن يتشكل من طبقتين متمايزتين: الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة. وأصبحت الطبقة الفقيرة تضم في داخلها عدة طبقات: الطبقة الفقيرة الغنية والطبقة الفقيرة المتوسطة والطبقة الفقيرة المدقعة. هذا أدى - مع العامل السابق مباشرة - على ازدياد تلهي الناس وراء لقمة العيش، مما أصبح التكلم في الأوضاع الحياتية والاجتماعية ضربا من الرفاهة الذي لا يطيقونه لأنه يحرمهم من تكريس مزيد من الوقت للعمل، وانتزاع مزيد من المال للمساعدة على الظروف المعيشية.[5]
4- ضآلة حجم الهدف المبتغى تحقيقه في الشقة والسيارة:
ويرتبط بالسببين السابقين ضآلة الأهداف التي أصبح الفرد منا يبتغي تحقيقها. فتحت ضغط الفقر، اُختزل الحلم في نفس كل فرد في اقتناء شقة وسيارة، وابتعد بالتالي عن حلم الأمة بنشر الدين والتخلص من الغاصبين.
ومع تلاشي حلم العمل للأمة، تعددت الأهداف الفردية. وما أن ننتهي من تحقيق حلم حتى نسارع إلى تبني العمل لهدف آخر جديد.
إن الأشياء التي نتطلع إليها تتمتع بقدرة فائقة على جذبنا إليها، وكلما كانت تلك الأشياء بعيدة المنال كان إغراؤها أعظم، وكلما اقتربنا منها تراجع لمعانها. وحين نظفر بها فإن قدرتها على إمتاعنا تصبح ضئيلة، وسرعان ما يقفز بنا الخيال إلى ما يمكن أن يأتي بعدها، لنبدأ رحلة جديدة من التشهي وخداع النفس.[6]
5- خلل الموازين وتعجل التغيير:
لقد اختلت الموازين التي أصبحنا نقيس الأشياء بها من حولنا. وانظر الآن إلى ما يحدث في مجتمعاتنا من سلوكيات، وخاصة في مجال الدين:
تطور مفهوم الحجاب فأصبح يخضع للموضة، وبدلا من كونه وسيلة لكي تتستر المرأة به، أصبح وسيلة لإغراء المرأة، حتى ليمكننا أن نطلق عليه وبحق: حجاب التبرج!!
أصبحنا نؤدي الصلاة في أوقات الفراغ نختطفها خطفا وننقرها نقرا. فإذا تعارض وقت العمل على وقت الصلاة، قدّمنا العمل على الصلاة، بحجة أن " العمل عبادة "!!(1/256)
نرى إخواننا يتضورون جوعا، وهم يعانون مخاطر الاستئصال والتشريد، ومع ذلك لا تجود أنفسنا إلا بأقل القليل لمساعدتهم!!
تجد المرء منا يجلس لسماع درس ديني في الجامع، فإذا به يخرج منه وكأنه أصبح عالما في أمور الدين فقيها في الفتوى!!
وهكذا ... نجد أن جميع سلوكياتنا قد تغيرت. ومع كل هذه المظاهر المرضية التي أصابت الأمة، تجد الأفراد متعجلين لنصر الله لهم على الأعداء. فإذا ما قاموا بالدعاء لإخوانهم بالنصر والتمكين في الأرض، وتأخر نصر الله قليلا – لحكمة يعرفها جل شأنه – ترى الأمة متبرمة متأففة لطول زمن الابتلاء!!
إن الله لن يغير واقعنا الذي نحياه إلا إذا بدأنا نحن في تغيير أنفسنا. فعلينا طريق شاق وطويل من التغيير يجب أن نجتازه أولا، حتى ينعم الله علينا بنصرنا الموعود. وعلينا ألا نتعجل الأمور، وأن نثق بوعد الله، فهو نعم الناصر وهو نعم المعين.
6- غياب القدوة الفعالة وانتشار القدوات الفاسدة:
مما لا شك فيه أن القدوة تعطي الإنسان دفعة قوية للعمل. فوجود نموذج حي أمام الشخص يجسد النماذج النظرية التي نسمع بها ويحولها إلى واقع معاش هو أمر مساند ودافع لمن حوله لكي ينتهجون طريقه ويحتذون بسيره. أما في الوقت الراهن، فقد انتشرت نماذج تافهة تم تسليط الأضواء عليها مما أعطاها هالة كبيرة وأصبحت وكأنها هي النماذج الرئيسة التي يجب على جميع فئات الأمة الإقتداء بها والسير على نهجها. ونظرا لتسليط الأضواء عليها بشدة، فقد تاقت إليها نفوس شباب الأمة، وأصبح جل همهم أن يسعوا سعيهم ويقتدوا بأمرهم. هذه القدوات – هكذا – هي قدوات فاسدة لا يمكن أن تقود الأمة لانتشالها من الواقع الأليم الذي تعيشه، بل أنها تدفعها إلى هاوية سحيقة لا تستطيع الفكاك منها إذا انحدرت إليها. علينا الإقتداء بسير الصحابة، وبسير العلماء الربانيين الذين تم حجب سيرهم عن عمد، حتى تحيد الأمة عن طريقها وتخرج عن طريقها.
7- ضياع الأمانة بتوسيد الأمر لغير أهله:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ. فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ. حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ، قَالَ: أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟ قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه! قَالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتْ اْلأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ. قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ اْلأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ.[7] ووسد بمعنى أسند.
وجاء عن ابن حجر العسقلاني في تفسيره لهذا الحديث: أجاب عن كيفية الإضاعة بما يدل على الزمان لأنه يتضمن الجواب، لأنه يلزم منه بيان أن كيفيتها هي الإسناد المذكور. والمراد من " الأمر " جنس الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والإمارة والقضاء والإفتاء وغير ذلك ... وقيل: معنى " أسند الأمر إلى غير أهله " أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم، فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها.
وفي الوقت الراهن، نجد أن الأمة تسند الأمور لغير أهلها على صعيد الأمور الدينية، بل وتعدى الأمر هذا إلى الأمور الدنيوية كذلك. إن تضييع الأمانة يضرب بمعوله في الأمة من جهتين: فهو يؤدي بمن كان صاحب الحق في تولي المنصب للشعور بالنقمة على المجتمع لأنه اختار من هو أقل منه علما وكفاءة ويؤدي به للإحباط وعدم التفاعل مع المجتمع بل والانعزال عنه بما يحرم المجتمع من جهوده التي كان مؤهلا لأدائها.
ومن ناحية أخرى، فإن الأفراد الذين يرون حدوث ذلك يصابون بحالة كبرى من اللامبالاة واليأس والإحباط، وينعدم داخلهم الأمل في التعلم والتدريب، لأنهم يرون ارتفاع قيم الفهلوة واللباقة على معايير الكفاءة في الاختيار.
ولقد كان هذا العامل هو السبب الرئيسي وراء انهيار المجتمع الروسي. فلقد قال أحد ضباط المخابرات السوفيتية – بعد تجنيده للمخابرات الأمريكية – معللا السبب وراء انهيار الاتحاد السوفيتي، إنهم كانوا يرشحون ذوي الكفاءات المنخفضة والمعدمة لتولي المناصب الحساسة والهامة في البلد، وهذا ما أصاب البلد ككل في مقتل وأدى إلى انهيارها واندحارها.
8- الخوف من الأنظمة البوليسية
لاشك أن ما يلقاه المرء في سجون بلاده من ذل وهوان، وهو ما يتم الكشف عنه في شكل المذكرات التي يكتبها من يتعرضون للاعتقال، لا شك أن ذلك قد أثر كثيرا في إضفاء شعور اللامبالاة على سلوكه. ولقد أصبحت الممارسات البوليسية من الظواهر المزعجة التي تميز نظم الحكم في البلاد الإسلامية. ولذا لم يكن عجيبا أن نسمع الرد الأمريكي على الأصوات العربية التي تأذت من ممارسات الجنود الأمريكيين مع المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب المتمثل في قولهم بأن ما فعلناه ليس بأكثر مما يجري عندكم في بلادكم. وهذا حق!!!! فما فعلوه هم هناك يعد أقل وبكثير مما يجري في بلادنا. ولذا انتشرت بين المواطنين الأمثال المسكوكة التي تكرس حالة الانعزالية و" الأنامالية "، من قبيل: " امشي جنب الحيط " و " الحيطان لها ودان " ... الخ.
النتائج: ما أصبحنا عليه الآن:
لقد تفاعلت جميع العوامل السابقة في إفراز حالة غريبة ومزعجة من اللامبالاة وانعدام التفاعل مع الأحداث، تمخض بشكل فج في عدم رد الفعل على ما يحدث لإخواننا من حولنا على أيدي قوى البطش والجبروت الأمريكية والإسرائيلية في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان.
كما كان من نتائج هذه العوامل ظهور عدة سمات جديدة أصبحت تطبع بخاتمها على تصرفات الأفراد في مجتمعاتنا، وتتجلى هذه السمات الجديدة فيما يلي:
o تحول كل فرد منا في داخله إلى فرعون، إذا ما ساد القوم أو تولى منصبا شرفيا حاول بكل السبل قطع رقاب من حوله، والاستئثار بكل السلطات في يده لتعذيب من حوله.
o أصبح كل فرد منا يريد للدين أن ينتصر، ولكن ليس من خلاله. أي أن كل منا يريد أن يضحي بالآخرين في سبيل انتصار الدين، لا أن يتم نصر الدين عن طريق تضحيته هو.
o الغلظة في التعامل مع بعضنا البعض، فأصبح بأسنا بيننا شديدا وليس هناك مجال للإخاء والرحمة في تعاملاتنا.
o عدم الشورى فيما بيننا حتى في أبسط الأمور، وأصبح هم كل فرد أن يسود رأيه، حتى ولو كان خاطئا. فأصبحنا نتفنن في كسر القوانين وخرقها، خاصة أنها قوانين وضعية ليس لها صفة الإلزام الشرعي.
*****
وليس من شك أن من أولى الأمور التي على المسلمين أن يبدءوا بها هي العودة إلى دينهم والتمسك بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم والالتزام بآدابه وهديه.
نريد أن يتحول الغضب الكامن في صدورنا إلى برنامج عملي يؤدي بنا للرجوع لطلب العلم الشرعي وفهم قضايا ديننا، وألا يكون همنا إذا ما حدث حادث أن نجري سريعا لأي شيخ لكي يرد ويفسر لنا الأمور – فلماذا لا نتعلم نحن حتى نستطيع الرد بأنفسنا؟(1/257)
تروي لنا إحدى الوقائع التاريخية أن المسلمين قاموا بحصار الكفار في حصونهم مدة تعدت الثلاثة شهور. فلما طالت المدة عليهم، رجعوا إلى أنفسهم وفكروا في أمرهم، وقالوا: ما استعصى علينا فتح هذا الحصن إلا بتركنا لسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم. فأخذوا يراجعون ما تركوه من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن هداهم تفكيرهم إلى أن هذه السنة المهجورة هي سنة السواك. فقاموا جميعا بتقطيع أشجار الأراك لاستخدامها كسواك. فلما رأى الأعداء ذلك، قالوا: والله ما يقوم المسلمون إلا بسنّ أسنانهم تمهيدا لكي يأكلوننا. فأصابهم الرعب والهلع، ثم قاموا بتسليم أنفسهم وحصونهم خوفا على حياتهم.
وسواء صحت هذه الرواية أم لم تصح، فإن العبرة منها هي أن الله سبحانه وتعالى ينعم علينا بالنصر حين نرجع إلى دينه، ونتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم - فهل نفعل ذلك؟!!!
29 من جمادى الآخرة عام 1427 ( الموافق في تقويم النصارى 24 من يوليو عام 2006 ).
-------------------------------
[1] مجلة البيان، رجب 1425، ص: 71 ( بتصرف كبير ).
[2] مجلة البيان، رجب 1425، ص: 5.
[3] رواه البخاري: 3158 و4015 6425.
[4] مجلة البيان، العدد 221، المحرم 1427 هـ، التمتع بالموجود، د/ عبد الكريم بكار، ص: 32.
[5] لمزيد من التفصيل حول الوضعية الجديدة للطبقة المتوسطة، انظر: رمزي زكي، وداعا للطبقة الوسطى، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
[6] مجلة البيان، العدد 221، المحرم 1427 هـ، التمتع بالموجود، د/ عبد الكريم بكار، ص: 32.
[7] صحيح. رواه البخاري 57 و6015 وأحمد في مسنده، وراجع جامع الأصول 103.
==============
36 طريقة تجعل أطفالنا يقرؤون
القراءة أعظم ثروة يمكن أن يمتلكها الإنسان، وفي هذا المعنى قال أحد الشعراء الإنجليز: «قد تكون عندك ثروة ضخمة لا تساويها ثروة أخرى، تملأ بها الكثير من الخزائن، ولكنك لن تكون أبدًا أغنى مني فقد كانت لي أم اعتادت أن تقرأ لي».
أشارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إلى أن متوسط القراءة في العالم العربي 6 دقائق في السنة للفرد!! ولن نبحث في هذه الدراسة الأسباب التي أدت إلى ذلك، فسوف نفندها في دراسة أخرى، وما يعنينا هنا هو أن السبب الرئيس في تدني قيمة القراءة عندنا هو عدم تحبيب وتدريب الإنسان العربي منذ صغره على القراءة.
لماذا تقرأ لطفلك؟
اقرأ لطفلك لتعوده القراءة منذ الصغر، فمن لم يقرأ له في الصغر، فلن يقرأ لنفسه في الكبر. ولنا في التاريخ نماذج عديدة من اهتمام الكبار بالقراءة لأبنائهم، ففي حضارتنا الإسلامية النصيب الوافر من هذا الاهتمام، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يروون لأطفالهم سيرة الرسول [ والمعارك والغزوات، كما كانوا يعلمونهم السورة من القرآن، وفي عصرنا الحديث سل العلماء والمفكرين عن تأثير قراءات آبائهم عليهم، فستجد إجاباتهم أن ما توصلنا إليه إنما الفضل فيه يعود بعد الله عز وجل إلى قراءات وتشجيع الوالدين لهم، فهذا هو الدكتور زغلول النجار والدكتور أحمد زويل ويوسف السباعي، وغيرهم الكثير والكثير كلهم أكدوا تمتعهم بحكايات الوالدين، وسردهم الحكايات والسيرة النبوية لهم، ومن ثم شبوا على حب العلم والثقافة والتفوق.
اقرأ لطفلك لتحقق له المتعة، وتكسبه بعض المعارف والخبرات المختلفة، ولتفتح معه الحوار فهناك الكثير من الأمور تريد أن تحدّث طفلك فيها، ولكنك لا تجد مفتاحًا لبدء الحديث، لذلك فقراءة قصة أو موقف من السيرة يمكن أن يكون وسيلة لفتح الحوار في الموضوع الذي تريد التحدث مع طفلك فيه، ولنقل القيمة التي تريد أن تعوده إياها.
اقرأ لطفلك لتعرف وتكتشف إمكاناته وطموحاته، ومن ثم توجهه نحو الأسلوب الأمثل لتنمية هذه المواهب والإمكانات، وفي الوقت نفسه تتجنب الوقوع في مشكلة التوجيه الخاطئ، حتى لا تكون العاقبة على غير ما تريد.
اقرأ لطفلك لأن القراءة وسيلة هامة للحصول على المعرفة والاستزادة من الثقافة، ومن ثم زيادة الوعي والفهم عند طفلك. تساعد طفلك على التفوق الدراسي، فهي تساعده على سرعة الفهم، ومن ثم تحصيل دروسه بسرعة كبيرة، وجهد أقل، ووقت أقصر، كما أكدت العديد من الدراسات.
اقرأ لطفلك لأن القراءة تساعده على مواجهة المشكلات التي قد يتعرض لها، حيث يستطيع التعبير عنها بطريقة سليمة، وفي الوقت نفسه يستطيع الاستفادة من خبراته المختلفة التي كونها من خلال القراءة، ومن ثم ينجح في التوصل إلى الحل الأمثل لها. كما يجعله يصدر أحكامًا موضوعية في الأمور المختلفة، وتكون هذه الأحكام بناء على فهم واقتناع جذل للموضوعات.
أي القصص تقرأ لطفلك؟
بداية يجب أن تعلم حقيقة أساسية، ألا وهي أن كل ما تقرؤه لطفلك سوف يتأثر به، وسوف يكون عاملاً هامًا في تحبيبه بالقراءة، أو النفور منها، ولذلك يجب أن تحرص كل الحرص وأنت تقرأ لطفلك، فالاختيار السليم لمادة القراءة المعول الأساس لنجاح الهدف والمقصد من القراءة، وطفلك في هذه المرحلة ـ من 3 سنوات إلى 7 سنوات ـ يحب القصص، وهي أكثر المواد مناسبة له، وليست أي قصة تتناسب معه، ولذلك يجب مراعاة ما يلي عند اختيار قصة لطفلك:
* اختر لطفلك القصة التي تدور حول ما يعرفه من حيوانات وطيور ونباتات، وكذلك الشخصيات المألوفة لديه كالأب والأم والإخوة والأصدقاء، أي لا تأت له بالغريب من الأشياء لتحدثه عنها.
* اختر لطفلك القصة التي يمتزج فيها الخيال بالواقع الذي يحياه، فالعصفورة ـ على سبيل المثال ـ عنصر من عناصر الواقع الذي يحسه طفلك، ولكن كلامها وحديثها معه غير واقعية، ومع ذلك فهي من الأمور المقبولة لديه، لأنها تشبع رغبته في التخيل، حيث لا يبتعد هذا التخيل عن الحقائق البيئية التي تحيط به.
* اختر لطفلك القصة القصيرة، قليلة الأحداث والأشخاص، حتى يمكنه أن يتابعها، ويتأثر بها دون ملل أو إجهاد وتشتت ذهني وفكري.
* اختر لطفلك القصة ذات الصور الجذابة التي تجذبه إليها، ولذلك يجب أن تكون كبيرة الحجم، واضحة الألوان، معبرة عن أحداث وشخصيات القصة.
* اختر لطفلك القصة وثيقة الصلة بالحاضر الذي يعيش فيه، فلا تجره إلى الماضي الذي لا يهتم به، أو المستقبل الذي يجهله. فعلى سبيل المثال، في إحدى القصص ذكرت آلة الري الطنبور، فإذا نظر الطفل إلى صورتها فلن يعرفها، وإذا ذكرنا له اسمها استعجمها واستصعبها، لذلك كن واعيًا وأنت تختار كتبًا وقصصًا لطفلك.
* اختر لطفلك القصة ذات الأسلوب السهل السائغ الذي يفهمه طفلك بغير مشقة أو عناء، وفي الوقت نفسه تتوافر بها عوامل الإثارة والتشويق، كالجدة والطرفة والخيال والحركة.
* اختر لطفلك القصة التي تبتعد عن إثارة فزع وقلق طفلك، فلا تختر له قصص العفاريت كأم الغولة، وأبو رجل مسلوخة، وأشباح نصف الليل حتى لا تقع في مشكلات القلق وتطبع طفلك على الخوف والجبن منذ الصغر.
* اختر لطفلك القصة التي تبتعد عن تناول القيم الأخلاقية السيئة، كالتي يظهر فيها أحد الأشخاص يدخن أو يكذب، أو يذكر ألفاظًا بذيئة، فكما قلت ـ آنفًا ـ فطفلك يتأثر بكل شيء. فعلى سبيل المثال في إحدى القصص يظهر جحا (الشخصية الفكاهية المحببة للأطفال) وهو يستحم ويغني في الحمام، ويعتقد أن صوته حسنًا، ويسعى للعمل مطربًا، فهذه القصة تتنافى مع الآداب الإسلامية التي تدعو إلى عدم التحدث في الحمام، والتزام الصمت والتفكر في فضل الله ورحمته بالإنسان، بل وعدم المكوث فيه كثيرًا.(1/258)
* لا تركز على نوعية واحدة من القصص لطفلك، بل اهتم بتنويع موضوعات القصص، فهناك القصص الدينية والخيالية والاجتماعية والتاريخية والفنية والعلمية المبسطة إلى غير ذلك من أنواع القصص التي يمكن اختيار المناسب منها.
* لا تنخدع بما يعلنه بعض الناشرين عن أن كتب وقصص سلسلة كذا مناسبة لأطفال ما قبل المدرسة أو الفترة السنية كذا، بل كن ناقدًا لها قبل أن تقدمها لطفلك، فإن لم تستطع الحكم عليها فقم بمناقشتها مع أحد أصدقائك أو من تتوسم فيه الصلاح والمعرفة.
* حاول أن تجعل طفلك يشاركك في اختيار قصته، فمثلاً ضع أمامه مجموعة من القصص، واجعله يختار إحداها واقرأها له، وبذلك تستطيع معرفة ميول طفلك واتجاهاته لتعمل على تنميتها.
متى وأين تقرأ لطفلك؟
اقرأ لطفلك بعيدًا عن المشتتات المغرية له، فمثلاً لا تجلس أمام شاشة التلفاز وتروي لطفلك إحدى القصص، فهو لن يلتفت إليك، بل ستجذبه الصور المختلفة بالتلفاز، وتجعله ينتظر فراغك من القصة، حتى يتفرغ لمشاهدة ما يحب.
اقرأ لطفلك وهو شبعان لا يشعر بالجوع، فإذا كان طفلك منتظرًا للطعام، فإنه لن يلتفت إلى ما تقول، حتى ولو كان أسلوبك جذابًا وممتعًا، بل سيفكر في الطعام أكثر من الاستمتاع بالقصة.
اقرأ لطفلك في الوقت الذي لا يشعر فيه طفلك بالإرهاق، فهو إن كان متعبًا فلن تكون للقراءة ثمرة.
كن مراعيًا بأن وقت القراءة لا يحرمه من ممتع آخر يريد أن يشارك فيه، فهو يعلم أن قصتك يمكن تأجيلها، أما هذا الممتع فقد ينتهي وقته، ولا يستطيع الاستمتاع به مرة أخرى. فعلى سبيل المثال إذا كنت في إحدى المتنزهات ووجدته منسجمًا مع أقرانه فلا تأخذه منهم كي تقص عليه قصة أيًا كان مستواها، وبالمثل إذا كان طفلك يشاهد برامج الأطفال بالتلفاز أو يمارس نشاطًا معينًا كالرياضة أو ألعاب الحاسوب.
اقرأ لطفلك وأنت تشعر بالارتياح وعدم الإرهاق حتى تستطيع تقديم ما يمتعه بصورة مناسبة وممتعة، وإياك إياك أن تغضب طفلك، وتقول له إنك مرهق ولن تقرأ له، بل حقق له ذلك بوساطة أحد أفراد الأسرة، فإن لم تجد فاعتذر له بطريقة شيقة، وشوقه إلى قصة ستقدمها له في وقت آخر حدده، ترى أنها ستجذبه وتحقق له الابتهاج والسعادة، وإياك أن تنسى هذا الموعد، أو تقدم له قصة سيئة.
اقرأ لطفلك في أية صورة، جالسًا أو قائمًا أو نائمًا، فالمهم أن تقرأ له بطريقة ممتعة وسليمة، فإذا نجحت في ذلك فستجد طفلك حريصًا كل الحرص على وقت سماع القصة. وحتى تقدم لطفلك القصة بطريقة سليمة تابع معي النقطة التالية.
كيف تقرأ لطفلك؟
تروي الكاتبة كاترين باترسون أنها قابلت طفلاً فسألها: كيف أقرأ كل كتب العالم؟ وعندما بحثت عن السبب الذي جعل هذا الطفل يسألها هذا السؤال، وجدت أن معلمة هذا الطفل تقدم له القصص بطريقة مشوقة جدًا، ما جعله يحب القراءة، وهو في سنواته الأولى من عمره، ويريد أن يقرأ كل كتب العالم.
ولذلك أدعو من أراد أن يقرأ على أطفاله من الآباء والمربين أن يتعرف على الطرق السليمة للقراءة الموجهة للأطفال وهي:
* قبل أن تقرأ لطفلك اقرأ أنت القصة حتى تتعرف على ماهيتها، وحتى لا تقابلك ـ في أثناء تقديمها لطفلك ـ كلمات صعبة لا تستطيع أن تعبر عن معناها له. ولذلك يفضل تعاون الوالدين في تحضير ومناقشة القصة قبل تقديمها للطفل، على أن يقدمها للطفل أفضلهما أسلوبًا.
* حاول إحضار أية أدوات أو أشياء من المنزل ذكرت في القصة، من أجل ربط القصة بالواقع.
* ابدأ القصة بحوار مع طفلك، واجعله يستنبط المعلومات المختلفة بنفسه، فعلى سبيل المثال اسأله عن صورة الغلاف، فيقول ـ مثلاً ـ عصفورة، ثم اسأله عن المكان الذي تقف عليه ولونه وعدد العصافير وكيف تطير؟... إلى غير ذلك من أسئلة تستوحيها من غلاف القصة، ثم أتبع ذلك بقولك: هيا نتعرف على قصة (العصفورة)، كما يمكنك أن تذكر الحدث الذي في القصة وتتركه يستكمل آخره، كأن تقولوطار العصفور حتى وصل إلى...) فيرد طفلك: إلى العش، وبذلك تجعله منسجمًا مع القصة، ولا يمل منها، أو يشرد بعيدًا عنك.
* انفعل بحوادث القصة، وتقمص شخصياتها عند الإلقاء، فعلى سبيل المثال تغيرات الوجه ونبرات الصوت اجعلها تعبر عن مواقف الفرح أو الحزن، وكذلك أحداث القوة والشجاعة والتعاون تظهرها إشارات اليد. وقد تقوم واقفًا، أو تجلس لتعبر عن أحداث القصة، كما يمكنك تقليد أصوات الحيوانات والطيور والآلات لتعريف طفلك بها. ومن الأفضل أن تجعله يقلدها بعدك، أي لا تكن مجرد سارد لأحداث القصة.
* استخدم عند تقديم القصة لطفلك لغة مناسبة، لا هي بالعربية الفصحى التي لا يستطيع فهمها، ولا هي بالمبتذلة الدارجة، فلغتنا العربية يسر لا عسر، وبها الكثير من الألفاظ البسيطة التي يمكن أن نعبر بها عن أي شيء بسهولة، أما إذا صادفك موقف ولا تستطيع أن تعبر عنه بالعربية الفصحى، فيمكنك عندئذ أن تذكره باللغة العامية حتى لا يستعجم طفلك ما تقوله، واعلم أنك لا تقدم له درسًا في القراءة، بل تقدم له قصة ليستمتع بالقراءة.
* لا تكثر من تكرار بعض الكلمات أمام طفلك حتى لا تؤخذ لازمة (لزمة) عليك.
* لا تقدم الهدف أو الموعظة من القصة بصورة مباشرة، بل اسرد القصة كاملة، ثم ناقشه فيها، واستخرج معه ما ينفعه من مواعظ وقيم.
* اطلب من طفلك إعادة رواية القصة، وشجعه على ذلك بتقديم الهدايا التي يحبها، واعلم أن الشيء القليل يسعد الطفل.
كيف تحبب القراءة لطفلك؟
حتى تجعل طفلك محبًا للقراءة، كن أنت محبًا لها، أو بصورة أخرى كن أنت قارئًا أمام طفلك، فأنت بالنسبة له القدوة والمثل، فأمسك بالكتاب أمامه واجعله يراك تقرأ، ويا حبذا لو رأى طفلك الأسرة كلها تخصص وقتًا للقراءة معًا، فهذا الأمر سيجعله أكثر حبًا لها، وسوف يزداد حبًا لها إذا وجدك تمدح القراءة، وتبين أنك استفدت منها الكثير والكثير، أما إذا كنت كارهًا للقراءة، وغير مقبل عليها، فكيف يمكنك أن تطلب منه شيئًا لا تفعله أنت، ففاقد الشيء لا يعطيه أبدًا.
* أحسن اختيار قصة طفلك، وأحسن تحضيرها له، وقدمها له بأسلوب مشوق جذاب، واجعل من وقت رواية القصة وقتًا مقدسًا عندك، فلا تنشغل بشيء آخر عنه، حتى يشب طفلك على حب القراءة، وعدم الانشغال عنها بشيء آخر مهما كانت درجته.
* قدم لطفلك القصة والمعلومة في المناسبات المختلفة، فيذكر الأستاذ الدكتور زغلول النجار أن والده كان يقدم له ولإخوته في صغرهم ـ في أثناء الطعام ـ السيرة النبوية والكثير من القصص والمواقف الأخلاقية، ما جعلهم ينتظرون وقت الطعام ليستمتعوا بأسلوب والدهم الجذاب، والمعلومات القيمة.(1/259)
* اقرأ لطفلك منذ صغره، ولا تنتظر عندما يدخل الحضانة أو يتعلم القراءة، فهناك الحكايات التي يمكنك قصها عليه منذ الثالثة من عمره، ويقوم هو بروايتها بعدك عن طريق الصور. ومن المعروف أن التقدم في مهارات القراءة مرتبط بالمواظبة عليها، وبما أن صغار الأطفال لا يستطيعون القيام بذلك بمفردهم فإنهم يعتمدون على الاستماع إلى ما يقرؤه لهم الكبار، بل إن كثيرًا من الدراسات التربوية الأخيرة تؤكد أنه من الضروري أن يستمر الوالدان في القراءة لأبنائهما حتى سن الرابعة عشرة، لأن متعة الاستماع إلى الكتاب المقروء تلازم الإنسان معظم سنوات حياته، لذلك نرى الآن كتبًا مسجلة على أقراص الحاسوب يستمع إليها الكثيرون في أثناء قيادتهم لسياراتهم، ولقد ذكرت ـ أنفًا ـ كيف كانت فرحة الشاعر الإنجليزي بحكايات أمه وقراءتها له، وكيف أنه جعلها أغلى من ثروات الذهب والجواهر.
* اربط القصة التي تقرؤها لطفلك بالواقع الذي يعيشه، فمثلاً إذا فعل شيئًا مشابهًا لإحدى القصص أو مواقف السيرة والصحابة فاربطه به وذكره فإنه يفعل مثل فلان، فإذا كان الموقف جيدًا زدته حسنًا، وإذا كان سيئًا فستذكره بنهاية أو عقوبة الشخصية التي فعل مثلها.
* اصطحب طفلك إلى مكتبات الأطفال التي تقدم خدمات جذابة للطفل، خصوصًا في أثناء مهرجانات القراءة، ويا حبذا لو كانت هذه المكتبات بها ركن للأطفال، فتقرأ أنت ويقرأ طفلك، ومن ثم تحقق له متعة الذهاب للمكتبة، ورؤيته لقدوته وهو يقرأ.
* احرص على تنويع طرق تقديم القصة، فبدلاً من الاقتصار على سرد القصة، يمكن مشاهدتها على صورة فيلم أو تمثيلها مع إخوته أو أقاربه، كما يمكن قيام طفلك بإعادة قص القصة، وكذلك قيامه برسم وتلوين صور القصة.
مجلة المعرفة
==============
عالم اشترى كتابا بألف درهم وعكف على قراءته ، واقتصر على الفرائض حتى ختمه
عبد الرحمن بن صالح السديس
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة ، والسلام نبينا محمد، وآله ، ومن تبعه إلى يوم الدين ، أما بعد:
ففي هذه القصة التي أسوقها لك ، أريد أن نعالج معا موضوعا مهما يمس أغلى ما نملك ، وهو الوقت ، وكيف نستفيد منه ، ونحاول تخيف الزخم الهائل من الصوارف والشواغل ..
وليكن بعد هذه الحكاية ..
قرأتُ في كتاب "الطالع السعيد الجامع أسماء علماء نجباء الصعيد"
للمؤرخ الفقيه كمال الدين أبي الفضل جعفر الأُدْفُوي الشافعي
في ترجمة الإمام العلامة المجتهد ابن دقيق العيد .
قال الأُدْفُوي ص580:
وأخبرني شيخنا الفقيه سراج الدين الدَّنْدري أنه لما ظهر الشرح الكبير للرافعي(1) اشتراه [ابنُ دقيق العيد] بألف درهم(2) ، وصار يصلي الفرائض فقط ، واشتغل بالمطالعة إلى أن أنهاه مطالعة ، وذكر عنده هو ، والغزالي في الفقه فقال : الرافعي في السماء . اهـ .
ومما يشبه هذا الجهد والحرص لكنه في المذاكرة ، وليس في المطالعة ما جاء عن الإمام أحمد ،
قال عبد الله بن أحمد: لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي ، فكان كثيرَ المذاكرة له ، فسمعت أبي يوما يقول: ما صليت غير الفرائض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي.
وروى الخلال في أخلاق أحمد: أن إسحاق قال: كنا عند عبد الرزاق أنا ، وأحمد بن حنبل قال: فمضينا معه إلى المصلى يوم عيد ، قال: فلم يكبر عبد الرزاق ، ولا أنا ، ولا أحمد بن حنبل !
قال: فقال لنا: رأيت معمرا ، والثوري في هذا اليوم كبّرا ؛ فكبرتُ ، ورأيتكما لا تكبران فلم أكبر ، أو قال: ورأيتكما لا تكبران ؛ فهبت !
قال عبد الرزاق: فلمَ لَمْ تكبرا ؟
قال فقلنا: نحن نرى التكبير ، ولكن شغلنا بأي شيء نبتدئ من الكتب .اهـ
من الآداب الشرعية 2/165-166 .
وأخبار العلماء في مثل هذا كثيرة ..
أقول: رحمهم الله ، أين نحن اليوم من مثل هذا ؟!
وكيفَ يَفعلُ مثلَ هذا اليوم مَنْ ثلث يومه في وظيفة تهلك الحفظ ، والفهم !
وسدسه ، أو أكثر في النوم !
وقل كم يذهب من الوقت في الأكل ، وعند إشارات المرور ، والزحام في الطرقات ، ثم حاجات الأهل ، وصلة الوالدين ، والأقربين ...ونحوها !
ثم التردد على المكتبات لمتابعة الجديد .
واجتماعات الإخوان التي لا تنتهي ، والمناسبات .
ثم ما يقال في الترويح عن النفس ... وكأنها قد أنجزت شيئا !
وهكذا يمضي العمر ، وتنصرم الأيام ، ولم نحصل شيئا !
فما الحل إذن ؟
أقول: مع أني غيرُ سالمٍ مما ذكرتُ ..
أولا: من أهم الأمور هنا الالتجاء إلى الله ، أن يوفقك ، ويبارك في وقتك .
ثانيا : شد المئزر ومحاولة الاستفادة من كل وقت ، حتى وأنت في السيارة تستطيع سماع الدروس المسجلة ... ، وهكذا في العمل اصحب معك كتابا ، وانظر فيه كلما سنحت فرصة ..
وقلل من حضور المناسبات ، ولا تحضر إلا ما يتعين عليك حضوره ، أو تخشى من مفسدة عند عدم الحضور ..
واجعل معك كتابا في السيارة طالعه عند إشارات المرور ، أو استغل وقتك بأي شيء فيه نفع ، وتكون قد أنجزته وسلم لك مكانه . وهكذا ...
ومِلاك ذلك كله الشعور بقيمة الزمن ، وأنه هو العمر ، فتضييعه أعظم من تضييع الذهب والفضة ..
ومما يعين على ذلك مطالعة سير العلماء الأوائل المجتهدين في حفظ أوقاتهم كما هو مسطر في كتب التراجم ، والسير .
وفي كتاب " قيمة الزمن عند العلماء" للشيخ عبد الفتاح أبو غدة من هذا شيء نفيس ..
ولو جُمِعَ ذيلٌ على الكتاب لكان أمرا حسنا ، فهناك حكايات ليست بقليلة توازي بعض ما في الكتاب ، بل قد تفوق ، وإن كان الرجل لم يقصد الاستيعاب .
وكذا التواصي بين الإخوة .. ، واستغلال الوقت في المفيد حال الاجتماع بهم .
ومن أكثر الأمور تضييعا للوقت كثرة الفضول بتتبع الأخبار والتفاصيل غير المفيدة ..
في الصحف ، أو الانترنت ، والدخول للمواقع غير المفيدة ، ومتابعة ما يكتب فيها من سقط الكلام ، والقيل والقال ..
فإنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهل نحن منتهون ؟
ولعلي أختم بهذه الحكاية الطريفة من ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ قال في صيد الخاطر ص209
أهل الفراغ بلاء ، أعوذ بالله من صحبة الباطلين ، لقد رأيت خلقا كثيرا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة ، ويسمون ذلك التردد خدمة ، ويطلبون الجلوس ، ويجرون فيه أحاديث الناس ، وما لا يعني ، و يتخلله غيبة ، وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس ، وربما طلبه المَزُور وتشوق إليه ، واستوحش من الوحدة ، وخصوصا في أيام التهاني ، والأعياد فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض ، ولا يقتصرون على الهناء ، والسلام ، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان ، فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء ، والواجب انتهابه بفعل الخير كرهت ذلك وبقيت مهم بين أمرين :
إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف ، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان .
فصرت أدافع اللقاء جهدي ، فإذا غلب قصرت في الكلام لأتعجل الفراق .
ثم أعددت أعمالا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغا .
فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد [الورق] ، وبري الأقلام ، وحزم الدفاتر فإن هذه الأشياء لا بد منها ، ولا تحتاج إلى فكر ، وحضور قلب ، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي .
نسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر وأن يوفقنا لاغتنامه .
ولقد شاهدت خلقا كثيرا لا يعرفون معنى الحياة ، فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله ، فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظر إلى الناس ، وكم تمر به من آفة ، ومنكر .(1/260)
ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج ، ومنهم من يقطع الزمان بكثرة الحوادث من السلاطين ، والغلاء والرخص إلى غير ذلك .
فعلمت أن الله تعالى لم يطلع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلا من وفقه وألهمه اغتنام ذلك " وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم " . اهـ
------------------------
(1) اسمه : فتح العزيز شرح الوجيز.
(2) لا تظن أنه كان غنيا بل ربما مَرَّ عليه الوقت ، وليس عنده درهم ، وهو في منصب قاضي القضاة ! وقد رفع مرة للقاضي بسبب مال عليه .. فقال: هذا بسبب حبي للكتب.
والله أعلم.
=============
نعمتان
الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
أيها الأحبة فى الله .. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .. وأهلاً بكم ومرحباً فى حلقة جديدة من برنامجنا (قبس من نور النبوة)
أيها الإخوة المستمعون الكرام ..
يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه الله:
"فى أحضان البطالة تولد آلاف الرذائل، وتَختمر جراثيمُ التلاشى والفناء وإذا كان العمل رسالة الأحياء، فإن العاطلين موتى .. وإذا كانت دنيانا هذه غراساً لحياةٍ أكبَر تعقُبها؛ فإن الفارغين أحرى الناس أن يُحشروا مفلسين لا حصاد لهم إلا البوار والخسران .. وقد نبه النبى صلى الله عليه وسلم إلى غفلة الألوف عما وُهبوا من نعمة العافية والوقت، فروى البخارى من حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال:
= قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
أجل فكم من سليم الجسم ممدود الوقت، يضطَرب فى هذه الحياة بلا أملٍ يحدوه، ولا عملٍ يشغله، ولا رسالةٍ يُخلص لها ويكرس عمره لإنجاحها.
ألهذا خلق الناس؟ كلا .. فالله تعالى يقول (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ..) [المؤمنون 115].
أخى المستمع الكريم .. لم يخلقِ اللهُ الناسَ عبثاً ، ولن يتركهم سدى، فهو سبحانه يقول (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) [المؤمنون 115 - 116] بل خلقهم الله لغاية عظمى ورسالة سامية تتطلب همة عاليه وقلوباً صافية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات 56]. والمرء لا قيمة له بغير أداء هذه المهمة:
إذا مر بى يوم ولم أقتبس هدًى *** ولم أستفد علماً فما ذاك من عمرى.
أخى الحبيب .. كم يخسر الإنسان حين يمر عليه وقت فراغ لا يملؤه بما ينفعه فى الدنيا والآخرة.
لقد هاج الفراغ علىَّ شغلاً *** وأسبابُ البلاء من الفراغ
وقد أحسن من قال:
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أى مفسدة
معاشر الشباب .. كم امتُدح الشباب فى ديننا، وكم حمل العبءَ شبابٌ من خيرة الأمة، وكم نادى الحبيب صلى الله عليه وسلم الشباب فى سنته المطهرة، يدعوهم إلى كل خير، ويحذرهم من كل شر. فهل من مجيب نحو العُلا، واستثمار العمر فى النافع من أمور الدنيا والآخرة ؟
إن هناك رجالاً تظل وقدة الشباب حارة فى دمائهم، وإن نيّفوا على الستين والسبعين، لا تنطفئ لهم بشاشة، ولا يكبو لهم أمل، ولا تفترُ لهم همة. وهناك شباب يَحْبون حبوًا على أوائل الطريق، لا ترى فى عيونهم بريقا، ولا فى خطوهم عزما، شاخت أفئدتهم وهم فى مقتبل أعمارهم، وعاشوا ربيع حياتهم لا زَهْرٌ ولا ثمرُ ..
فمن علم أن الشباب ضيف لا يعود، وفرحة إذا مرت لا رجوع لها، شُغِل بطاعة الله، واستعان به على الصالح لدينه ودنياه. ومن أتبع نفسه هواها، وقاده الشيطان بزمام الشباب إلى الذنوب والمهالك ندم أشد الندم حين يشيخ، ولات ساعة مندم.
انظر أخى المستمع إلى شباب الإسلام فى عهوده الزاهرة، وتأمل ما كان يشغلهم من معالى الأمور، وتذكر معى أسامةَ بنَ زيد الذى يقود جيشاً يسير فى ركابه أبو بكر الصديق رضى الله عنه، وتذكر على بن أبى طالب الذى كان يصول ويجول فى ساحات الوَغَى، يقاتل الأشداء من الكفار مبارزة، وتذكر ابن عباس الذى كان جامعة علمية، يعلم التفسير والفقه واللغة وغير ذلك وتذكر أنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، ومصعب بن عمير، وغيرهم وغيرهم كما تذكر معى محمد بن القاسم الذى فتح الهند عن طريق السند، وقال فيه القائل:
إن السماحة والمروءة والندى *** لمحمد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة *** يا قرب ذلك سؤدداً من مولد
وتذكر الإمام الشافعى، والبخارى، وأحمد بن حنبل، ومحمد الفاتح، وصلاح الدين، وغير هؤلاء ممن أشرقت صفحات التاريخ بذكرهم ومآثرهم.
كرر علىّ حديثهم يا حادى *** فحديثهم يجلو الفؤاد الصادى
ثم قارن أخى الحبيب هؤلاء الشباب بشباب اليوم الذى انصرف أغلبه عن معالى الأمور إلى سفاسفها، وراح يجرى وراء شهواته وملذاته لا يعبأ فى حرام أو حلال، وما يدرى من دينه إلا النزر اليسير، وهذا ما حدا بأحد الشعراء إلى أن يقول:
سلوا الشباب شباب العصر كم حفظوا *** من سورة العصر أو من سورة القلم
وكم حديثا لخير الخلق قد فهموا *** وهو المصدَّق بعد الوحى فى الكلم
والراشدون نسوا أسماءهم وهمُ *** كالشمس فى الغيم أو كالبدر فى الظلم
وهؤلاء هم الذين يستنزفون أعمارهم فى قوارع الطرق وعلى المقاهى
وفى المقاهى جموع لا تصدقها *** وفى المساجد لا تلقى سوى الهرم
أخى الحبيب .. لا تظن أنى بعدت بك عن حديث اليوم، فإن الوقت هو رأس مالنا فى هذه الحياة، وكثير منا من يتفلت الوقت من بين أيديهم، ولا يحسنون استثماره، ولذا وجب التذكير بأهميته وقد شبه النبى e الإنسان المكلّف بالتاجر، وشبه الصحة فى البدن والفراغ من الشواغل عن الطاعة برأس المال، لأنهما من أسباب الأرباح ومقدمات نيل النجاح ..
واعلم أخى الكريم أن الاشتغال بالندم على الوقت الفائت تضييع للوقت الحاضر، فشمر عن ساعد الجد واستثمر الساعة التى تعيشها:
ما مضى فات، والمؤمَّل غيب *** ولك الساعة التى أنت فيها
واستمع معى إلى القائل:
مضى أمسك الماضى شهيداً معدَّلا *** وأعقبه يوم عليك جديدُ
فيومُك إن أغنيته عاد نفعُه *** عليك، وما فى الأمس ليس يعود
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءةً *** فَثَنِّ بإحسان وأنت حميد
فلا تُرجِ فعل الخير يومًا إلى غدٍ *** لعل غداً يأتى وأنت فقيدُ
فهيا بنا أخى المستمع نغتنم أوقاتنا لنلبى دعوة ابن القيم رحمه الله حين قال:
فحىّ على جنات عدن فإنها *** منازلك الأولى وفيها المخيّمُ
ولكننا سَبْى العدوّ فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونُسلَّمُ
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى *** وشطّت به أوطانُه فهو مُغرمُ
وأى اغترابٍ فوق غربتنا التى *** لها أضْحَت الأعداءُ فينا تحكَّمُ
أخى المستمع .. إن من عامل الله تعالى بامتثال أوامره وابتدر الصحة والفراغ يربح ويسعد فى جنات عدن، ومن أضاع رأس ماله ندم حيث لا ينفع الندم.
وللحديث بقية إن شاء الله فى حلقة قادمة،
وحتى ذلك الحين أستودعكم الله ..
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
==============
الشباب والإجازة
سامي بن خالد الحمود
مقدمة :
الحمد لله مدبر الشهور والأعوام .. ومصرف الليالي والأيام .. والصلاة والسلام على سيد الأنام ، وعلى آله الكرام وأصحابه الأئمة الأعلام ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد .
كان الوالدان في ترقب وحذر، وتخوف وأمل .. ينتظران على أحر من الجمر ، ما تؤول إليه نتيجة الأبناء في الامتحانات ، وقد أُبرمت الوعود، وزفت البشائر، بالهدايا القيمة والرحلات الممتعة ، إذا كانت النتائج مرضية مشرفة.(1/261)
وأعلنت النتائج ، وبدأت الإجازة الصيفية الطويلة ، تلك الإجازة التي ينتظرها ملايين الطلاب والطالبات من أبنائنا وبناتنا ؛ ليستريحوا من عناء السهر والمذاكرة ، والذهاب يومياً إلى المدارس والجامعات والمعاهد .
نعم .. لقد بدأت الإجازة ، والله أعلم بما قضى الله فيها من الأقدار والأخبار .. الله أعلم كم فيها من رحمة تنتظر السعداء !! وكم فيها من بلية ومصيبة تنتظر الأشقياء !! نسأل الله العظيم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين أن يجعل ما وهب لنا من زيادة العمر زيادة لنا في كل خير ، وأن يعصمنا فيها من كل بلاء وشر .
والكلام حول الشباب والإجازة سيكون بإذن الله تعالى في عناصر :
1. الوقت هو الحياة
2. أحوال الشباب في الإجازة
3. مشاريع في الإجازة
4. الشباب والسفر
5. منغصات الإجازة
1. الوقت هو الحياة :
اعلم أن الوقت الذي أنت فيه هو حياتك، إذا عمرته فإنما تعمر حياتك، وإذا قتلته فإنما تقتل نفسك .
ولأهمية الوقت ، فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به في أوائل سور كثيرة .
{وَالْعَصْرِ إن الإنسان ...}
{وَالْفَجْرِ } ، {وَالضُّحَى} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، إلى غير ذلك من الآيات .
والله سبحانه يقول : ((فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة .
الوقت هو ثمرة العمر ، فهل ثمارنا طيبة أو خبيثة؟
يقول ابن القيم رحمه الله : ( السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل ) .
قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم .
وعامر بن عبد قيس - أحد التابعين - قال له رجل مرة : كلّمني . فقال له : أمسك الشمس ! وما ذلك إلا ليشعره بقيمة الوقت .
فماذا عسانا أن نقول بعد هذا ، وفينا من يتفنّن في تضييع الأوقات بتوافه الأمور والأشياء ، بل وبما يُغضب الله .
وههنا سؤال يحتاج إلى إجابة : متى يعرف المفرط قدر الوقت وقيمة العمل فيه؟
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم موقفين عظيمين يندم فيهما الإنسان على ضياع الوقت والحياة ، ويعلم أنه كان مغبوناً خاسراً في حياته .
الموقف الأول : ساعة الاحتضار .. حينما ينزل الموت بالعبد المفرط (فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) .. إنه يريد تأخير الأجل ولو قليلاً من الوقت (إلى أجل قريب) .. إنه يريد فرصة من الوقت ليتدارك حياته بالعمل الصالح .
الموقف الثاني : في يوم القيامة .. حين يقول المفرط في جنب الله حين يرى العذاب (لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) .. (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين)
خصائص الوقت :
وإذا أردنا أيها الأحبة أن ندرك أهمية الوقت وخطورته فلنتأمل بعض خصائصه . فمن خصائص الوقت:
1. أن ما مضى منه لا يعود ولا يمكن تعويضه . كما قيل : الوقت كالسيف ، إن لم تقطعه قطعك .
يقول الحسن : ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني لأني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة .
قد تعوض المال .. قد تعوض الأولاد .. أم الوقت فلا يمكن تعويضه.
2. سرعة مروره وانقضائه ، فالوقت يمر مر السحاب ولا سيما بالنسبة للصحيح المعافى من الأمراض والهمومذ، فإنه سرعان ما يمر به الوقت ، كما قيل :
فقصارهن مع الهموم طويلةٌ وطوالهن مع السرور قصار
ومن العجيب ، ما جاء في السنة من أن الوقت يتقارب ويمضي سريعاً في آخر الزمان .
فعن أنس t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار" رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع .
3. أنه محدود بأجل مسمى ، وهذا الأجل مجهول بالنسبة للإنسان ، فأنت لا تدري متى تنقطع أنفاسك ويحل أجلك ، (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .
4. أنه أنفس ما يملكه الإنسان ، وليس كما قيل : الوقت من ذهب ، بل هو أغلى من الذهب .
5. أنه على الرغم من نفاسته وأهميته فإن أكثر الناس مغبونون فيه ، يقول الناطق بالوحي صلى الله عليه وسلم : {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ} [رواه البخاري عن ابن عباس ] .
قال ابن بطال: (كثير من الناس) أي أن الذي يوفق لذلك قليل.اهـ
وإنما يعرف قدر هاتين النعمتين من حرمها .
هل تأملت أخي الشاب ذلك الشاب الذي تعرض لحادث سيارة فأصبح مشلولاً مقعداً طوال حياته لتعلم كم أنت مغبون في صحتك .. وهل تأملت آخرين ممن يعيشون خلف القضبان وبين الجدران في السجون لتعلم كم أنت مغبون في فراغك .
ومن العجيب أنك قد ترى بعض المرضى والمشلولين والمسجونين يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة ، أما الذين أصح الله أجسادهم ، وعافاهم من الأمراض والمشغلات المقلقة ، فإنهم يتسابقون في تضييع الأوقات وقتلها .
أخونا أحمد الشهري شاب مشلول من نزلاء مستشفى النقاهة ، لا يتحرك منه إلا رأسه !! وقد وضع له جهاز مطاطي تحت ذقنه لتحريك كرسيه لليمين أو الشمال ، ومع ذلك فهو يدعو إلى الله ويلقي الكلمات يحضر الدروس ويصلي على الجنائز .. وإذا تحدث لا تمل من حديثه وعلمه ، نسأل الله تعالى أن ينفع به ويبارك فيه .
ومن النماذج المشرقة مل نقله أحد الإخوة عن الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله ، من حرصه العجيب على اتباع الجنائز وزيارة المريض والصدقة .. وربما كان للشيخ كلمة يوم الخميس بجامع الراجحي ، فيلقي الكلمة ، ثم يتبع الجنازة ، ويزور مريضاً ، ويتصدق .. يطبق حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر : أنا . قال فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال : أبو بكر : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال : أبو بكر : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة " .
ويضاف إلى هذا الأمر ما عرف عن الشيخ من اشتغاله بالعلم وملازمة الدروس ، والحرص على الفوائد والمسائل ، وقد أدركت دروس شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في أواخر عمره ، فكنت أتعجب عندما أرى الشيخ عبد العزيز الراجحي وقد شابت لحيته يزاحم صغار الطلاب بعد الدرس ليسمع إجابات الشيخ ابن باز وهو يمشي بعد الدرس . فنسأل الله ان يثبت الشيخ ويبارك في عمره .
6. أن هذا الوقت هو محل الحساب يوم القيامة ، وكل إنسان محاسب على أوقات عمره كلها وما يشغلها به من أعمال وأقوال، قال الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) .
روى الترمذي وغيره بسند صحيح عن أبي برزة الأسلمي عن النبي قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيم فعل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه) . وفي رواية (وعن شبابه فيما أبلاه) كما في حديث ابن مسعود عند الترمذي ومعاذ عند البيهقي وغيره .
إذا عرفنا خصائص الوقت وشرفه وأهميته ، فإننا لا بد من استغلال الوقت بالأعمال النافعة في الدنيا والآخرة .
2. أحوال الشباب في الإجازة :(1/262)
لقد بدأت الإجازة .. فيا ترى ماذا أعددننا لقضائها؟
من المؤسف أن نرى هذا الضياع الذي يعيشه الكثير من الشباب والفتيات في الإجازة .
بل إن كثيراً من المشاكل التي تحدث للشباب والفتيات تأتي في أوقات الإجازة؛ نظراً لوجود هذا الفائض الضخم الفراغ الذي قد يؤدي بالبعض إلى اتخاذ وسائل جديدة وربما سيئة لقضاء الوقت، إضافة لغياب الرقابة عليهم .
في حوارات سريعة مع بعض الطلاب في المرحلة المتوسطة بالمنطقة الشرقية ، حول قضاء الوقت في الإجازة ، كانت النتائج مدعاة للضحك وهي في ذات الوقت تنم عن مأساة يقع فيها أولادنا في الإجازة . ما هو أبرز شيء عملته في الإجازة؟ هذا يقول:
1. في السهر مع الاصدقاء على الكورنيش الى الفجر .
2. الدوران على السيكل من الساعة 8 مساء الى 10 صباحاً.
3. في النوم ولعب السوني .
4. مع أصحابي الأكبر مني سناً بالدوران بالسيارة متنقلاً بين مدن المنطقة الشرقية .
5. الوناسة مع اصحابي وجلسات الغناء والرقص .
6. الذهاب لشاطيء نصف القمر والتفحيط والتطعيس .
وهكذا عند الفتيات .. ففي استبيان أجراه موقع (لها أون لاين) على مائة فتاة تراوحت أعمارهن بين 15 إلى 24 سنة في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعيات حول وجود التخطيط لقضاء الإجازة تبين أن 60% من العينة ليس بذهنهن أي مخطط لقضاء الإجازة الصيفية بينما 40% لديهن مخطط يسعون إلى تنفيذه .
- وبسؤالهن عن كيفية قضاء الإجازة غلبت السلبيةُ على الإجابات.
50% من الإجابات قالت بأنه لا شيء محدد تنوي فعله أو تفكر فيه وهي تعيش أيام الإجازة يوماً بيوم .
30% قالت أنها ستسافر لتستمتع بالإجازة، ومنهن من قالت إنها ستقضي إجازتها في التسوق وأخرى في المناسبات والأفراح .
وبلغت نسبة من رغبن بالالتحاق بدورات علمية أو حاسب أو تعلم الطبخ أو مركز صيفي 10% من العينة فقط .
- أما بالنسبة للنوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة .
أجابت 46% أنهن يسهرن الليل وينمن بالنهار .
46% قلن: إنهن ينمن بالليل ويجعلن النهار للاستمتاع والزيارات .
13% قلن: أحياناً نسهر الليل وأحياناً ننامه .
ولعل نتيجة هذا الاستبيان تشير بوضوح إلى ضياع ثلاثة أشهر على الأقل من كل سنة من عمر أبنائنا وبناتنا دون الاستفادة منها، هذا إن لم تتسبب هذه الأشهر في ظهور بعض العادات السلبية .
وقد روي عنه r أنه قال : ((إن الله يبغض كلَّ جَعْظَريٍ جَوَّاظ ، سَخَّابٍ في الأسواق ، جيفةٍ بالليل ، حمارٍ بالنهار ، عالمٍ بالدنيا جاهلٍ بالآخرة)) . والحديث رواه ابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة وفي سنده كلام ، فقد صححه الألباني في صحيح الجامع ثم رجع عن تصحيحه في السلسلة الضعيفة .
والجعظري هو الفظ الغليظ المتكبر . والجواظ هو الجموع المنوع .
وتأمل في آخر الحديث .. كم من شاب ينطبق عليه هذا الوصف: سخاب في الأسواق (من السَّخَب وهو الضجة ورفع الصوت) ، جيفة بالليل ، حمار بالنهار ، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة !!.
اسأل الشباب عن أسماء الفنانين والفنانات والممثلين والممثلات تجد علماً واسعاً بهذه القدوات السيئة وأخبارهم ونشاطاتهم ، وفي المقابل اسألهم عن المسائل الكبار المشهورة في التوحيد أو العبادات الواجبة تجد الجهل الذريع بهذه المسائل .
أخي الشاب .. الإجازة جزء من أعمارنا .. فلا ينبغي أن تكون عطلة من العمل ، ليس المسلم بالعاطل الباطل، بل هو عامل كادح حتى الموت ، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}.
الإجازة يا أخي ليست مضيعة للأوقات ، وليست فرصة للمعاصي والمنكرات ، فما دمنا نأكلُ من رزق الله ، ونمشي على أرضه ، ونستظلُ بسمائه ، ونستنشقُ من هواءه ، فلا ينبغي لنا أن نعصيه طرفة عين .
ذكر ابن قدامة في كتاب التوابين عن يوسف بن الحسين قال : كنت مع " ذي النون المصري " على شاطئ غدير ، فنظرت إلى عقرب عظيمة على شط الغدير واقفة ، فإذا بضفدع قد خرجت من الغدير ، فركبتها العقرب فجعلت الضفدع تسبح حتى عبرت الغدير .
قال ذو النون : إن لهذه العقرب لشأنا ً، فامض بنا نتبعها .
فجعلنا نتبع أثرها ، فإذا رجل نائم سكران ..!! وإذا حية سامة قد جاءت فصعدت من ناحية سرته إلى صدره وهي تطلب أذنه ، فتمكنت العقرب من الحية السامة فضربتها ، فانقلبت الحية وهربت!! ورجعت العقرب إلى الغدير ، فجاءت الضفدع فركبتها فعبرت .
فحرّك ذو النون الرجل النائم ففتح عينيه ، فقال : يا فتى ، انظر مما نجّاك الله !! هذه العقرب أرسلها الله إليك ، فقتلت هذه الحية التي أرادتك بسوء !! ثم أنشد ذو النون يقول:
يا غافلا ً والجليل يحرسهُ من كل سوء يدب في الظلمِ
كيف تنام العيون عن ملكٍ تأتيه منه فوائد النعمِ
فنهض الشاب وقال : " إلهي ومولاي : هذا فعلك بمن عصاك !! فكيف رفقك ورحمتك بمن يطيعك ..؟!! "
ثم ولى ذاهبا ً ، فقلت : إلى أين ؟؟ فقال : إلى بيوت الله وإلى طاعة الله !! .
3. مشاريع في الإجازة :
أيها المبارك .. إذا أردت أن تستفيد من الإجازة ، وتكون فيها من الفائزين ، فلا بد من تحقق أمرين :
1. أن تستشعر قيمة الوقت، وأن له شأناً عند الله . وأن هذا الوقت هو رأس مالك؛ فإن ضيعته ضاعت حياتك ، وإن حفظته كنت أحد السابقين المفلحين .
2. لا بد من التخطيط والتنظيم والبعد عن الفوضى في استغلال الوقت .
من الصعب أن يترك الإنسان نفسه كريشة في مهب الريح، أينما تأخذه الرياح يمضي؛ لابد من تخطيط في استثمار الوقت واستغلاله .
بالتخطيط والتنظيم يمكن أن نحول الإجازة إلى فترة إيجابية في حياتنا نجني منها الأجر والفائدة وبناء النفس من جهة ، ونجد فيها المتعة والترويح عن النفس من جهة أخرى .
ولعلي أطرح بعض المشاريع التي يمكن أن نقوم بها في الإجازة ، وهذه المشاريع متنوعة يمكن للشاب أن يختار ما يناسبه من هذه المشاريع ، بحسب عمره ، أو مستواه العلمي ، أو درجة تدينه ، أو محل إقامته ، ونحو ذلك من المتغيرات .
1. المشاريع التعبدية : فنحن يمكن أن نجعل من الإجازة فرصة للتزود بالتقوى والعمل الصالح . مثل : أداء العمرة وقضاء بعض الأيام الإيمانية بجوار الحرمين الشريفين .. الاجتهاد في تلاوة القرآن الكريم ، وقيام الليل ، وغير ذلك من أنواع العبادة .
2. المشاريع العلمية : كحفظ القرآن الكريم ، وحفظ السنة ، وحفظ المتون ، وحضور دروس المشايخ ، وحضور المحاضرات والندوات ، وحضور الدورات العلمية ، ودورات تجهيز الجنائز ، وإعداد البحوث ، وسماع الأشرطة ، وتلخيص الكتب والأشرطة ، وغير ذلك من المشاريع العلمية .
هذا الأمر وهو طلب العلم الشرعي هو أولى ما شغلت به الإجازات ، وهو أعظم ما تُعبِّدَ اللهُ به .. ووالله ما وقع بعض شباب الأمة في الفتن إلا بضياع العلم المؤصل ، المؤسس على الكتاب والسنة .
3. المشاريع المعرفية المهاراتية : والتي تهدف إلى بناء النفس وتطوير الذات:
أبناؤنا وبناتنا بحاجة إلى اكتساب مهارات أساسية هي من أعظم أسباب النجاح في الحياة العملية ، مثل : القراءة السريعة - الكتابة السريعة - البحث والتعامل مع المراجع - فهرسة المعلومات - النسخ على الآلة الكاتبة أو الحاسب - تصنيف المكتبات- ترتيب الأفكار وإعداد التقارير - العلاقات العامة - الخطابة والإلقاء - تشغيل الحاسب الآلي - استخدام برامج الحاسب الآلي ، وغيرها .
هذه المعارف والمهارات مهمة جداً في بناء الشاب .(1/263)
خذ على سبيل المثال : القراءة .. من المؤسف أننا لا نقرأ ولا نشجع إخواننا وأبناءنا على القراءة والاطلاع .
في استبيان أجرته إحدى الصحف المحلية اتضح أن 90% من المواطنين لا يرون أن هناك تشجيعا لارتياد المكتبات العامة ، بل إن الغالبية منهم يجهل موقع المكتبة العامة في مدينته .
الكثير من أطفالنا لا يقرأون .. عقولهم متبلدة ، ورؤوسهم خاوية كالكرة .
نعم .. هناك بعض النشاطات القليلة المشكورة في بعض المؤسسات التعليمية أو الأهلية كمسابقات القراءة ومعارض الكتاب .
وقد زرت قبل أشهر معرض الكتاب للطفل بالرياض ، ورأيت فيه من إقبال الأسر والأطفال على الكتب والوسائل التعليمية ما يفرح ولله الحمد ، وهو جزء مما يجب علينا تجاه أبنائنا وبناتنا .
4. مشاريع دعوية : جولات دعوية للقرى خارج المدينة .. نشاطات دعوية في الأسواق والمتاجر والأرصفة وتجمعات الشباب.
هؤلاء الشباب الذين يجلسون على الأرصفة أو الطرق وقد يوجد معهم بعض المنكرات كالشيشة أو الموسيقى أو الآلات الموسيقية ، من حقهم علينا أن نمر عليهم مرور الكرام دون تنفير أو إثقال ، ونهدي لهم الكلمة الطيبة ، والمطوية الجميلة ، والشريط المؤثر .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : (هذا العصر عصر الرفق والصبر والحكمة ،وليس عصر الشدّة .. الناس أكثرهم في جهل ، في غفلة وإيثار للدنيا ، فلا بدّ من الصبر ، ولا بدّ من الرفق ؛حتى تصل الدعوة ، وحتى يبلّغ الناس ، وحتى يعلموا ، نسأل الله للجميع الهداية) . اهـ مجموع فتاوى ابن باز 8/376 ، 10/91
ولا شك أن شبابنا فيهم خير كثير بحمد الله .. وقد قام مجموعة من الأخوة قاموا بعمل استبيان حول من يجلسون في الطرقات وعلى الأرصفة واتضح أن 70% من الشباب يحبون الشباب المتدينين ، وقال 10% منهم إنهم يحبون بعض الشباب المتدينين ، وقال10% لا يحبون الشباب المتدينين لسبب أو لآخر .
وقد سئل كثير من الشباب هل تحب أن تكون متدينا ؟ فكانت النسبة 5ر99% يرغبون أن يكونوا متدينين .
5. مشاريع النشاط الجماعي : كالمراكز الصيفية ، والمخيمات الدعوية والتربوية ، والمخيمات البحرية ، والرحلات الطويلة أوالقصيرة ، مع العائلة أو مع الأقارب ، مع المركز ، مع الزملاء.
وهذه المشاريع تسهم في بناء شخصية المشارك ، واكتسابِه مهارات التواصل مع الآخرين ، والقدرة على التحمل ، والتكيف مع الظروف المتغيرة .
6. مشاريع إغاثية : كالمشاركة في الجمعيات الخيرية ، والقيام على الفقراء والمساكين ، وجمع ما يحتاجونه وتوزيعه عليهم .
7. مشاريع تجارية ووظيفية : كالتجارة الصغيرة في سوق الخضار أو عند المساجد ، وكالوظائف المؤقتة في الشركات والمتاجر أو في الجهات الخيرية والدعوية .
8. الزيارات : كزيارة المكتبات ، والمعارض ، وصالات الألعاب ، وحدائق الحيوانات ، والمشاريع الخيرية ، والمشاريع الدعوية ، والمستشفيات ، ودور المعاقين ، وغيرها.
9. المشاريع المهنية : كتعلم مهنة في المصانع ، أو مراكز التدريب المهنية: كهرباء ، الكترونيات ، سباكة ، تبريد ، نجارة ، وغيرها من المهن .
10. الألعاب الرياضية المفيدة : كالدفاع عن النفس ، والسباحة والغوص ، وتعلم الفروسية ، وغيرها من الرياضات المفيدة للجسم .
والرياضة أمر مطلوب في حياة الشاب ، بشرط أن لا تفوّت واجباً ولا تضيع حقاً ولا تشتمل على أمر محرم ولا تكون غاية تستنوف حياة الشاب .
وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ، وحث على تعلم الرمي ، وسابق بين الخيل في المدينة .
ومن لطائف ما روي عن الإمام البخاري ما نقله عنه محمد بن أبي حاتم ، قال: ((كان يركب إلى الرمي كثيراً ، فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمُه الهدفَ إلا مرتين ، وكان لا يُسبَق)) .
4. الشباب والسفر :
أخي الشاب .. إلى أين تسافر ؟ وهل تعود من سفرك مأجوراً ، أو تعود مأزوراً ، أو تعود سالماً لا لك ولا عليك.
هذا التفصيل يجرنا إلى الحديث عن أنواع السفر .
السفر أنواع ، منه الواجب والمستحب والمباح والمحرم والمكروه .
فمن السفر المشروع : السفر لطلب العلم النافع .
وقد ألف أهل العلم وصنفوا في الرحلة في طلب العلم ، وجمع ميراث محمد r . ورحل جابر بن عبد الله الصحابي الجليل، من المدينة مسيرة شهر في حديث عن رسول الله بلغه عن عبد الله بن أُنيس، حتى سمعه عنه .
قال الإمام الشعبي: لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً.
ولهذا لما سئل الشعبي عن هذا العلم الغزير الذي وهبه الله ، من أين لك هذا العلم؟ قال : بنفي الاعتماد ، والسير في البلاد (يعني السفر في طلب العلم) ،وصبر كالجماد ، وبكور كبكور الغراب .
من السنن الحسنة التي انتشرت في بلادنا المباركة سنة الدورات العلمية المكثفة التي تعقد في كثير من المدن ، ويسافر إليها الشباب من شتى الأماكن ليتلقوا مفاتيح العلوم ، والتأصيل العلمي في فنون العلم . فعلى الشاب أن يختار من هذه الدورات أو من مواد كل دورة ما يناسب مستواه العلمي ، ثم بعد ذلك يحرص على الاستفادة وجمع الفوائد ومراجعة العلم ، مع التأدب بآداب مجالس العلم . والتي ذكرها العلماء في كتب فضل العلم وآداب العالم والمتعلم ، وطرق الاستفادة من الشيوخ ، ومن الكتب المعاصرة النافعة كتاب (معالم في طريق طلب العلم) للشيخ عبد العزيز السدحان وفقه الله فهو كتاب مفيد مليء بالفوائد والتجارب في تلقي العلم وتحصيله والتأدب بآدابه .
ومن السفر المشروع أيضاً السفر إلى بيت الله الحرام أو مدينة الرسول r ، أولصلة الرحم وزيارة الأقارب ، فيرجع الشاب إن رجع من سفره مثاباً مأجوراً ، وإن مات مات على عمل صالح.
وتأملوا معي قصة هذا الشاب الذي خرج مع إخوانه لأداء العمرة .. وعندما وصلوا إلى مكة دخلوا المسجد الحرام ، وهم بلباس الإحرام ، كانوا مسافرين فقالوا : لعلنا نصلي أولاً ثم نؤدي العمرة ، صفوا للصلاة ، وتقدم الشاب يصلي بهم ، وبدأ يقرأ القرآن ، (والضحى والليل إذا سجى ، ما ودعك ربك وما قلى ، وللآخرة خير لك من الأولى ، ثم قال: ولسوف يعطيك ربك فترضى ، فتوقف لسانه ، ثم توقفت أنفاسه ، وخر بين يدي ربه ميتاً ، محرماً مصلياً قارئاً للقرآن . وسوف يرضى بإذن الله تعالى .
ومن أنواع السفر : السفر المباح : كالسفر للترويح البريء وإجمام النفس وهذا مباح في الأصل ، وقد يتحول إلى عبادة مستحبة كأن يكون عوناً للإنسان على الطاعة ، أو توسعة على الأهل والأولاد وإدخالاً للسرور عليهم في حدود الاعتدال .
ومن أنواع السفر : السفر المحرم ،كالسفر لبلاد الكفر بلا ضرورة ، وقد ذكر أهل العلم شروطاً ثلاثة لجواز السفر إلى بلاد غير المسلمين، أولها: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات، ثانيها: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات، ثالثها: وجود الحاجة للسفر كالعلاج أو الدعوة إلى الله أو تعلم علم ينفع المسلمين أو للتجارة، وكل ذلك مشروط بأن يكون مظهراً لدينه، عالماً بما أوجب الله عليه، قوي الإيمان بالله، قادراً على إقامة شعائره، ولديه من العلم والتقوى ما يحول بينه وبين التأثر بالشبه والشهوات .
ومن السفر المحرم أيضاً: السفر لبعض البلدان الفاسدة ، وقضاء الأوقات فيها على المحرمات.
يتهافت الشباب على وكالات السفر ليسافروا إلى تلك البلدان ، بل وحتى بعض كبار السن لم يسلموا من هذه المنكرات .(1/264)
فهذا شيخ قد جاوز عمره الستين سنة ، سافر من هذه البلاد إلى إحدى البلدان المعروفة ليتعاطى الخمور ويقع في أحضان المومسات -عافاني الله وإياكم- فشرب في اليوم الأول ست زجاجات من الخمر، وشرب في اليوم التالي أكثر من ذلك، وشرب في اليوم الثالث اثنتي عشرة زجاجة؛ وبينما هو جالس مع أصحابه شعر بنوع من الغثيان ، فذهب ليتقيأ (أكرمكم الله) في دورة المياه . انتظره أصحابه طويلاً ثم ذهبوا إليه ليجدوه ميتاً ورأسه في محل قضاء الحاجة عافانا الله و إياكم من ذلك .
تحولت السياحة في عرف الكثير من الشباب إلى صياعة .. تحرر من الواجبات .. وارتكاب للمحرمات ، وتعاطي للمسكرات والمخدرات ، وسهرات مع النساء العاهرات .. يسافرون عبر بوابات المطار ، فيعودون عبر بوابات الإيدز والمخدرات ، بل قد يعود بعضهم وقد انسلخ من عقيدته ، وتمرد على دينه وأهله.
أخي الكريم .. يا من أعد العدة للسفر الحرام ، اسأل نفسك وأنت تدعو دعاء السفر : اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى .
هل تريد حقاً بهذا السفر البر والتقوى .
وإذا عدت إلى بلادك بعد سفرك وأنت تقول: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ، فاسأل نفسك: أزاد إيمانك في سفرك هذا أم لا؟ أيسوؤك أن يعلم الناس ما الذي صنعته خلال سفرك أم لا؟.
هل بلغك خبر ذاك الشاب الذي ابتعد عن أهله فقلت غيرته واختلى بالمعاصي فمات بين يدي عاهرة؟ وهل سمعت بخبر من مات وقد ملأ بطنه بالشراب المحرم؟ أو ما علمت بوباء الإيدز والأمراض الجنسية التي فتكت بالملايين ممن ولغوا في المحرمات .
ومن المؤسف أن إحصائيات الإيدز في العالم لا زالت في ازدياد ، بما في ذلك الدول العربية والخليجية .
إنهم صرعى الشهوات الذين شغلتهم لذة الشهوة المحرمة عن تأمل عواقبها وعقابها .. مثلهم كما يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر كمثل الكلب .
يقول ابن الجوزي : إن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع ، غيّر اسمي فإنه قبيح . فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم . قال: فجربني ، فأعطاه شقة لحم ، وقال: احفظ لي هذه إلى غد وأنا أغيّر اسمك . فجاع وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر . فلما غلبته نفسه قال: وأي شيء باسمي وما كلب إلا أحسن اسم ، فأكل.
وهكذا الخسيس الهمة ، القنوع بأقل المنازل ، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل ، فالله الله في حريق الهوى إذا ثار ، وانظر كيف تطفئه . اهـ
كيف يكون السفر مباركاً :
القاعدة النبوية بإيجاز هي :(اتق الله حيثما كنت) .. كما عند الترمذي عن أبي ذر ، وهذا من جوامع الكلم .
تقوى الله تعني : المحافظة على أوامر الله ، واجتناب نواهيه .
تقوى الله ليست محددة بزمان ولا مكان ، وأنت عبد لله في جميع الأحوال .
ولا يليق بالعبد أن يعطي نفسه إجازة دينية في السفر ، والله يقول (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) .
مهمة الإنسان في هذه الحياة عبادة الله ، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).
المسلم الحق ثابت على مبادئه، معتز بدينه وعقيدته، في كل زمان ومكان ، فمحياه كله لله، وأعماله جميعها لمولاه، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) .
وعلينا أن نتذكر قبل أن نسافر ، أننا كلنا مسافرون ، مسافرون في حياتنا وسائرون إلى الله.
كل إنسان في هذه الحياة مسافر إلى ربه كما يقول ابن القيم فمن الناس من يحط رحله في الجنة ومنهم من يحط رحله في النار ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور .
إنه السفر الذي لا بد له من التزود ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)
تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد
5. منغصات الإجازة :
وكما أن للإجازة فوائد ومشاريع وثمرات ، فإن لها منغصات ومكدرات .
ولعلي أذكر بعض المنغصات التي يقع فيها الشباب في الإجازة الصيفية ، وهذه المنغصات على قسمين :
أ- منغصات محرمة في الأصل .
ب- منغصات مباحة في الأصل ، ولكن قد يقترن بها أو يطرأ عليها ما ينقلها من الحلِّ إلى الحرمةِ أو الكراهة .
أ - المنغصات المحرمة :
1. السفر إلى بلاد الكفار :
فمن المعلوم أن الأصل في السفر إلى بلاد الكفار محرم .
فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أنا بريء من كلِّ مسلمٍ يُقيمُ بين أظهُرِ المشركين " 1
ويستثنى من ذلك ما دعت إليه الحاجة كطلب علم دنيوي أو طب أو تجارة لا توجد إلا عندهم أو لدعوتهم إلى الإسلام ونشره بينهم .
ولا شك ان السفر لبلاد الكفر له مفاسد كثيرة .. كم من مآسٍ رجع بها جمع من المسافرين من ديارهم بلغت ببعضهم إلى درجة الردة عن الدين والكفر بربِّ العالمين !
وكم عاد آخرون بالأمراض الفتاكة والأوبئة المهلكة أو بالإدمان على الخمور والمخدرات أو بالهزيمة النفسية والتردي المعنوي والكره للإسلام وأهله ودياره !
2. ضياع الصلوات :
قال تعالى :[ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيَّا * إلا من تاب ...] .
والإجازة يفترض أن تكون من أعظم أسباب الحرص على الصلوات والمحافظة عليها في بيوت الله كما أمر الله ، لتفرغ العبد عمَّا يشغله عنها ، فكيف تصبح الإجازة سبباً من أسباب تضييعها والتفريط فيها؟!
ترى بعض الشباب يضيع صلاته لانشغاله بالتفاهات كمتابعة المباريات أو الأفلام والمسلسلات أو لكثرة النوم والجلسات ، وغير ذلك مما يندى له الجبين وينقطع له حبل الوتين .
وقد ثبت عنه r في البخاري أنه قال: "مَن تركَ صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه" .. فكيف بمن يضيع الصلاة تلو الصلاة .
كيف يصل إلى السعادة من هجر محراب العبادة ؟! .. وكيف يتمتع بالإجازة من قطع صلته بالله سبحانه؟!
3. الترفيه المحرم :
يكثر الناس في الإجازة الصيفية من ألعاب التسلية والترفيه ، ولا شك أن الترويح عن النفس وإجمامها ببعض المباحات أمر مطلوب .
لكن هذا الأمر قد يتحول إلى منغص وأمر سلبي ، من وجهين :
1. أن هذه الألعاب قد تستغرق الوقت آناء الليل وأطراف النهار ، وهذا من العبث الذي يضيع الأوقات ويهدر الطاقات .
ولهذا لا بد من ضبط الوقت وإعطاء كل أمر حقه .
2. اشتمال بعض الألعاب على محظورات شرعية ، كالشطرنج ، أو القمار ، أو الموسيقى ، والصور المحرمة بل الخليعة كما في بعض ألعاب البلاي ستيشن ، وغيرها من المحظورات .
4. متابعة المسلسلات والأفلام والقنوات الفضائية :
إنها صورة محزنة لمن مضى عمره هباءً ، وهو ينظر إلى المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية المليئة بالمنكرات من صور بعض الرجال العصاة والنساء الفاسقات في أوضاع مزرية وصورة مخزية ومناظر مشينة ، يلين لها الحديد ، وتذوب بها الجلاميد ، ويتابعها المحروم في كلِّ يوم ، متغافلاً عن آثارها السيئة وثمارها المرَّة .
عجباً لمن يرى الفتنة أمامه ، فيلقي فيها أقدامه ! .
وقد روى عمران بن حصين t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" في هذهِ الأمَّةِ خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ " فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله! ومتى ذلك ؟ . قال :" إذا ظَهرتِ القيانُ والمعازفُ وشُربتِ الخُمُور " رواه الترمذي وصححه الألباني . والقيان جمع قينة وهي المغنية من الإماء .
كيف لو رأى عليه الصلاة والسلام مغنيات الفيديو كليب ، وفنانات أفلام السهرة ، والأفلام المدبلجة ، وغيرها من البرامج السيئة .(1/265)
لقد قادت الفضائيات الكثير من شبابنا وبناتنا إلى مسالك غير سوية.
فحدث عن شرخ التوحيد وتضليل الفكر والتلبيس على عقائد المسلمين .. وحدث عن الفجور وتأجيج الشهوات ، وتحريك الغرائز وظهور السافرات المتبرجات في التمثيليات والأفلام ونشرات الأخبار ، وإفساد الأزواج والزوجات والأبناء والبنات .. وحدث عن العنف وتعليم الجريمة والسرقة والمخدرات .
في تحقيق مع بعض المدمنات في الرياض قالت إحداهن: "رأيت فتيات يشربن كثيرا في الأفلام الأجنبية فحاولت التجربة" .
وتقول أخرى: "أشاهد الأفلام الأجنبية الجديدة وعندما أرى الأمريكيين يشربون ويضحكون أحس بأنهم هم الأشخاص الذين يعيشون حياة حقيقية "! .
أيها الأحبة .. ماذا نتوقع من أبناء مراهقين وفتيات مراهقات يتسمرون طوال اليوم أمام طبق قيمته 400 ريال في الملاحق والاستراحات يضع بين أيديهم أكثر من 300 قناة ، تعرض الخزي والعار في بيوت المسلمين .
5. الذهاب إلى المقاهي لشرب المحرمات :
فبعض الشباب تمضي عليه الساعات الطويلة وهو جالس في هذه المقاهي والملاهي مع غيره من الشباب يلعبون البلوت ، ويشربون الشيشة أوالمعسل ، إن نظروا نظروا إلى المحرمات في القنوات ، وإن استمعوا استمعوا المعازف المحرمة والكلمات الآثمة ، وإن تكلموا تكلموا في الغالب فيما لا ينفع ولا يرفع ، ويضر ولا يسر .
6. الذهاب للأماكن المحرمة كالحفلات الغنائية وأماكن الاختلاط :
بعض الحفلات الصيفية يكون فيها شيء من المنكرات والمخالفات الشرعية ، كسماع المعازف المحرمة ، والأغاني الماجنة ، أو اختلاط الرجال بالنساء .
وهذه الحفلات والأماكن يحرم على العبد المسلم أن يحضرها أو يشارك في إقامتها أو الدعوة إليها ، لأنها من مجالس الحرام كما أفتى بذلك أهل العلم .
7. مجالس الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء :
فقد يجلس بعض الشباب المجالس الطويلة يأكلون في لحوم الناس بالغيبة والنميمة ، والسخرية والاستهزاء ، واللعن والطعن ، والهمز واللمز ، والفحش والتفحش ، والقذف والعيب ، والرجم بالغيب ، وغيرها من آفات اللسان مما يغضب الرحيم الرحمن .
ب - المنغصات المباحة الأصل وطرأ عليها التحريم :
بعض المخالفات التي يقع فيها بعض الناس وهم يظنون أنها ليست كذلك لأن أصلها الجواز .
1. السفر إلى البلاد المسلمة التي يكثر فيها الفساد :
وكأنما السفر سبب من أسباب التفلُّت على أوامر الله ، وموسم من مواسم انتهاك حدود الله ، كالتفريط في الحجاب ، وتضييع الصلوات ، وحضور أماكن الرقص والفجور ، ومواطن الخلاعة والخنى والفواحش والزنى .
2. النوم الكثير بالنهار :
النوم مطلوب ، لكن المبالغة فيه تخرجه عن غايته والحكمة التي خلق من أجلها ، فيكون من أسباب الخسارة في الدنيا والآخرة .
وقد ابتلي بعض الناس بحب النوم والإكثار منه ، فجعل الإجازة الصيفية كالبيات الشتوي .
وكثيراً ما يترتب على كثرة النوم ضياع الصلوات ، والتفريط في الواجبات ، والتفلت من الأعمال والالتزامات .
3. السهر الطويل بالليل :
تحوَّل بعض الناس إلى ما يشبه الخفَّاش الذي يظهر في الليل ويختفي في النهار ، فليله سهر طويل ، ويومه نوم عميق ، فيسهر على لهوه وغفلته ، وربما على معاصيه وآثامه ، حتى إذا دنا الفجر ، أقبل الشيطان على رأسه فثقّله ، وإلى جسده فكسَّله ، فأصبح يترنح ذات اليمين وذات الشمال ، وغلب عليه النوم ، واحتواه الكسل ، وقال له عدو الله : ارقد ، فإن عليك ليلٌ طويل !! ثم تكون صلاة الفجر أولى الضحايا .
4. التسكع في الأسواق :
لقد أصبحت الأسواق ـ وهي أبغض البقاع إلى الله ـ أفضل الميادين عند بعض الغافلين ليقتلوا فيها الوقت الثمين ، ويهدروا فيها العمر الغالي ، ويعرضوا أنفسهم لما لا قِبل لهم به من البلايا والرزايا .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها " رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم أن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال:" لا تكوننَّ إن استطعت أوَّل من يدخل السُّوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنَّها معركة الشيطان ، وبها ينصب رايته".
5. عالم الإنترنت :
مع ثورة المعلومات والاتصالات رأينا من يتفنن في تضييع وقته الثمين ، ويبدع في إهداره ، كحال أولئك الذين يمضون الساعات الطوال ، وهم عاكفون على الشبكة العنكبوتية [الإنترنت] وهم يتقلَّبون بين الصفحات والمواقع ، وقد يدفعهم الفضول إلى اختراق الممنوع ، والبحث عن كلِّ مثير أو محظور ، فيقعون في شراك هذه الشبكة المليئة بفتن الشبهات والشهوات .
وفي الآونة الأخيرة ظهر ما يسمى الحب الإلكتروني أو الحب عبر الإنترنت هو تلك العلاقات التي تقوم بين طرفين يتصلان ويتواصلان عبر الشبكة العنكبوتية، ويتبادلان المشاعر والعواطف على الشات المكتوب أو الصوتي .
ولعلي أطرح بعض مآسي هذه القضية :
فهذه الأم س . س من إحدى دول الخليج تشكو وتقول : ألزمت ابنتي بالحجاب في سن12، وأطاعاني برضا، وكانت العلاقة بيننا كلها ود واحترام ومصارحة، ولما بلغتا سن الخامسة عشرة والسابعة عشرة تغيرت طباعهما، ورفضتا الحجاب ، وأصبحتا تناقشاني بسوء أدب .
ثم اكتشفت من خلال مراقبتي لهما أنهما تتحدثان في الشات مع بعض الشباب، وعندما قررت أن أكون معهما أثناء جلوسهما على الانترنت؛ غضبتا علي وقاطعتاني لمدة أسبوعين .
وشاب متزوج يقول : أنا شاب في بداية الثلاثينات من عمري، متزوج منذ 8 سنوات، في بداية حياتي الزوجية كنت مضرب المثل في العفة وغض البصر، لكن مع الأسف الشديد في السنوات الثلاث الأخيرة اتخذت اتجاها آخر؛ حيث بدأت أنظر إلى الفواحش في التلفاز وعبر الإنترنت وأصبحت الآن مدمنا، وحاولت جاهدا أن أتخلى لكن هيهات .. لم أرتكب فاحشة الزنى، لكني أشاهد بالعين وأتصل عبر الشات، وكم من مرة أخرج من بيتي للقاء إحداهن وأتراجع في آخر لحظة وأندم عن اللقاء، ثم أعود .
ومشرف في أحد المنتديات يقول: أنا مشرف بأحد المنتديات على النت، وأحببت مشرفة معي، أكلمها كثيرا على الماسنجر، وأستمتع بالحديث معها، وأترك كل شيء إلا هي، وأنتظرها لأوقات طويلة، وهى أيضا تنتظرني، ولكني لم أرها مطلقا .
وامرأة أخرى تكتشف أن زوجها كبير السن الذي يعمل معلماً بإحدى المدارس يحادث بعض الفتيات عن طريق الماسنجر .
هذه بعض المآسي ، وهي مؤشر خطر لتدارك الأمر ، وضبط استخدام شبكة الانترنت فيما ينفع دون ما يضر بالفرد والأسرة والمجتمع .
من آداب الدخول على مواقع ومنتديات الانترنت :
1. اختيار المواقع السليمة والمفيدة ،وعدم تجاوز الساحات المفيدة المعينة على الخير إلى غيرها.
2. الحذر من إضاعة الأوقات ؛ فإن عدداً من الناس يستزف معظم وقته في التصفح أو ساحات الحوار .
3. أن يتحلى المشارك في المواقع والمنتديات الإخلاص لله ، والبعد عن حب الثناء أو الإعجاب بالنفس ، أو الانتصار الشخصي .
4. لا بد أن يدرك الداخل إلى ساحات الحوار أنه يتعامل مع شخصيات كثيرة مجهولة ، ومن المعلوم عند أهل العلم أن المجهول لا يمكن أن يوثّق حديثه ، فكن على حذر من أخبار المجاهيل .
5. الحذر من الفتوى بغير علم ، وخوض الشاب فيما لا يحسنه ، فقد قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) ، وقال سبحانه: ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) .(1/266)
6. التزام الأدب الشَّرعي في المحادثة أو الرد أو النقد ، وعفّة اللسان حتى مع المخالف ، ولله كم من فكرة نبيلة رد الناس عن قبولها سوء أدب حاملها ، وفضاضة خلقه ، وصدق الله (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) .
7. الالتزام بعدم المحادثة مع الجنس الآخر لأن الغالب أن يكون ذلك مثيراً لكوامن النفس وإثارة الغرائز والشهوة ، وربما أدى ذلك إلى الفتنة والمفسدة .
8. عدم الدخول في الغرف المريضة البعيدة عن الأخلاق والقيم الاسلامية ، مثل الغرف الإباحية التي تثير الفاحشة والرذيلة ، وتفسد الشباب عن طريق الشذوذ والانحراف الجنسي .
9. الابتعاد عن المواقع التي تبث السموم في أفكار الشباب وتزعزع عقيدتهم ، مثل مواقع أهل البدع والفرق المنحرفة ، أو مواقع التنصير . ولا يجوز الدخول على هذه المواقع بدافع حب الاستطلاع ، أو الدخول معهم في المناقشة بدون علم .
10. التحلي بالحكمة في إنكار المنكر، ويجب أن لا يُستدرج المسلم إلى فخّ الدّعاية والإعلان لمواقع تعادي الإسلام فيروّجها - عن غير قصد - بين المسلمين فيكون الأثر عكسياً عليهم .
وختاماً .. أسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أوقاتنا ، وأن يجعل خير أعمارنا أواخرها ، وخير أعمالنا خواتمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه .. وأن يصلح لنا النيات ، والأزواج والذريات ، وأن يجعلهم قرة أعين في الحياة وبعد الممات ، ويجعلنا للمتقين إماماً .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
=============
*** الملاهي ***
الحياة قائمة على ساق الجد والعمل..
من يعمل يغنم، ومن يهمل يغرم..
كل الدواب والطير تعرف أهمية الجد والسعي والعمل، فتمضي وقتها كله: إما في الاستعداد للعمل، أو في الشروع فيه، ووقت لهوها هو وقت عملها، فهي لا تلهو من أجل اللهو، بل من أجل ترويض نفسها على أسباب الحياة...
وعلى هذا القانون سارت، وبها عاشت ما قدر الله لها..
وإذا كانت تلك المخلوقات، غير المكلفة شرعا بالأوامر والنواهي، ترتب حياتها على أساس العمل والجد، فالإنسان الذي قد خلقه الله لعبادته وعمارة الأرض، بما فيه تحقيق العبادة لله، هو أولى وأحرى أن يقيم حياته على ذلك الأساس:
- فهو مخلوق لغاية سامية، لأجلها كتب له البقاء في الدار الآخرة، بخلاف البهائم فإنها فانية..
- وهو موعود بالثواب والأجر على قدر تحقيقه لتلك الغاية، وقد جعلت له الدنيا مزرعة حصادها في الآخرة..
فالحكمة تقتضي بأن يكون الإنسان أكثر المخلوقات سعيا وجدا وعملا..
لكن الذي يحدث العكس..؟؟؟؟..!!!!!!!......
إذ يصبح الإنسان أكثرها لعبا ولهوا، واتخاذا للترفيه والملاهي، فتصبح الدواب أكثر حكمة منه: حين يكون الأصل في حياتها العمل والجد..
ومن هنا قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم:
(كل لهو باطل، ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، فإنهن من الحق) رواه أبو داود في الجهاد، باب في الرمي..
وفي رواية: (كل شيء ليس من ذكر الله لهو ولعب، إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة) رواه النسائي في عشرة النساء، صحيح الجامع رقم 4534..
هذه هي ملاهي المسلم الذي عرف حقيقة الدنيا والآخرة وما لأجله خلق، إذا لهى فإنما يلهو بما فيه ترويح نفسه مع النفع في دنياه وأخراه:
- فملاعبة الرجل أهله بث للود والرحمة بينهما، ودعم لاستقرار البيت، وتحصيل للولد..
- والرمي بالقوس والنبل وتدريب الفرس وتعلم السباحة تدريب على القوة ومقارعة الأعداء..
وكل لهو في معنى هذه الملاهي فهو مما يمدح في الشرع..
وكل لهو لا يحقق فائدة دنيوية أو أخروية فهو باطل، ضرره أكبر من نفعه، والشارع ينهى عن كل ما عم ضرره وقله نفعه..
ومن ذلك نعلم أن كثيرا مما اتخذه الناس من الملاهي خارج عن حد اللهو الشرعي المحمود، ومن ثم فهو باطل، ضرره أكبر من نفعه، مثل الملاهي العامة التي عم ضررها وعظم خطرها، بما فيها من:
- اختلاط...
- وإظهار للعورات..
- وإهدار للأموال في غير فائدة..
والتي أنشأت خصيصا لقتل الوقت باسم الترويح، فكل هذه الملاهي إن سلمت من الضرر في ذاتها، فهي غير سالمة من ذلك في آثارها، فمن أضرارها:
1- أنها تصد عن ذكر الله، فالتجربة تؤكد أن هذه الملاهي تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن أداء الواجبات الشرعية، فإن الإنسان إذا اعتادها وأحبها ثقلت عليه الطاعة إذا تعارضت معها، والذاهبون إلى الملاهي كثيرا ما يضيعون الصلوات، وإن أدوها أدوها بقلوب مشغولة بتحصيل الملاهي.
2- أنها هدر للمال فيما لا ينفع، فأي فائدة تعود على مرتادي الملاهي؟.
3- أن الملاهي العامة مجال خصب لشيوع المنكرات، كالحفلات الغنائية والموسيقى ونحوها، وكالاختلاط بين الجنسين، وهذا الاختلاط بحد ذاته محرم، وفيه من المخاطر ما هو معلوم، ولو لم يكن في هذه الملاهي بلية إلا هذه لأجلها يجب التحذير منها لكان ذلك كافيا.
4- أن هذه الملاهي تنتكس بالإنسان حيث ينقلب القانون الذي يجب أن يعيش عليه، فبدل أن تكون حياته قائمة على الجد والعمل إذا به يقيمها على اللهو والعبث، وبدل أن يكون الأصل هو العمل، يصبح الأصل هو اللعب، وبدل أن يجد ويعمل ليحقق مراد الله منه، من عمارة الأرض وعبادة الله تعالى، يصبح عمله وجده وسعيه من أجل جمع المال لأجل الملاهي، فهو يتعب نفسه ليل نهار لا لشيء إلا ليفرق ما جمع في الترفيه والمباهج...
----
نحن لا نحرم شيئا لم يحرمه الله تعالى، لكن الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان:
((..أن قانون الدنيا يوجب العمل الدائم، والأمة التي لا تتخذ من.. "العمل الدائم".. شعارا لها، أمة لا تجد مكانا لها ببين الأمم القوية المتقدمة...)).
إن الأمم المتقدمة ما تقدمت إلا لأن أبناءها عملوا وجدوا لأجل العمل والإتقان، والأمم النامية تحتاج إلى رفع شعار:
" العمل الدائم من أجل التقدم"...
حتى تتقدم وتنافس تلك الأمم، وإلا بقيت مكانها............
لكن العجيب أن هذه الأمم بالرغم من تأخرها إلا أنها أكثر الأمم اتخاذا للملاهي، وكان يفترض أن تتدارك انحطاطها بالعمل والجد وترك اللهو، لكن الذي حدث عكس ذلك؟؟؟!!!!....
قبيح بالفقير أن يستعلي، لأنه بذلك يلبس لباسا غير لباسه:
فالغرب يلهو وعنده المبرر لذلك، حيث بلغ الغاية في التقدم والقوة...
أما الشرق العربي المسلم فلا يزال متأخرا في ميادين كثيرة، فكان الواجب عليه أن يسعى في الجد والتحصيل ويترك عبادة الملاهي حتى يحقق التقدم والحياة الكريمة لأفراده، لكنه صار يتخذ الملاهي ويجعلها هاجسه الأول....؟؟؟؟؟؟!!!!!!....
فالشباب لا هم لهم إلا الكرة..!!!..
والفتيات لا هم لهن إلا الأفلام والأزياء..!!!..
والكبار لا هم لهم إلا الشطرنج والنرد والورق...!!!!..
والمجتمع لا هم له إلا المهرجانات والملاهي العامة...!!!..
والتجار لا هم لهم إلا توفير تلك الملاهي بشتى أنواعها، دون اعتبار لمحظور أو مكروه في الشرع...!!!..
وتصرف لها الأموال الطائلة والدعايات الكثيرة، مما يضطر الناس جميعا إلى مجاراتها والعناية بها، فيحكم على من لم يعتن بها بالشذوذ ومخالفة قانون المجتمع؟؟!!!!..
من المؤلم أن تكون القاعدة في أمة لا تملك أسباب القوة والتقدم اتخاذ الملاهي واختراع الطرق العابثة لتفريغ الجهد والطاقات الناهضة والطموحة...(1/267)
إن الشباب مرحلة هامة ذات طاقة هائلة تحتاج إلى توجيه وعناية بما يعود بالنفع عليهم وعلى غيرهم، فمن الخطأ توجيه طاقتهم، ذكورا وإناثا، إلى الملاهي بشتى أنواعها، وإلى الرياضة، التي صارت نوعا لا يتجزأ من الملاهي..
ومن الخطأ أن ينخرط المجتمع بأسره بكافة فئاته في الملاهي، وأن يصبح همه الأول في الإجازات وأوقات الفراغ: هدر الوقت والمال، فيما لا يعود بالنفع الحقيقي عليه.....
ولو أن تلك الأموال الطائلة التي تصرف في الملاهي، سواء كان من منشئيها من التجار أو من مرتاديها من الناس صرفت:
- في توظيف العاطلين..
- وفي رفع الكفاءة العلمية والعملية لدى الأفراد..
- وفي إجراء البحوث التي تمس حاجة المجتمع الحقيقية..
- وفي إطعام الفقراء وسد خلتهم..
- وسد كافة أوجه الخلل الذي يعاني منه المجتمع لكان أحرى وأجدى..
------
لقد كان من أهداف الصليبية والصهيونية إغراق المجتمعات الإسلامية بالذات في اللهو حتى تضمن تخلفها وتضمن بذلك السيطرة عليها في مقدراتها، يقول البروتوكول الثالث عشر:
" ولكي نبعد الجماهير من الأمم غير اليهودية عن أن تكشف بأنفسها عن أي خطة عمل جديد لنا، سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي والألعاب"..
وبالفعل أغرقت هذه الأمم في تلك الملاهي، حتى صرت ترى الأمة الفقيرة التي لا تملك شيئا من أسباب الغنى والقوة تملك كل أنواع الملاهي المناسبة لكافة فئاتها.. ؟؟!!!!...
هزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية ووقعت في أسر الغرب، لكنها لم تستسلم، بل علمت شعبها الجد والعمل، فما زالت تعمل حتى هزمت الغرب في ميادين العلم والاقتصاد، فصارت شبحا ضخما يخيف الأعداء، لكن كثيرا من الدول الإسلامية لم تستفد من تلك التجربة، لكونها لم تأخذ بمبدأ العمل لأجل التقدم، بل العمل لأجل الترويح واتخاذ الملاهي.. ؟!!..
----
هذه الدنيا ميدان فسيح لمعركة لا تنتهي إلا بانتهائها، والغالب فيها صاحب القوة، وصاحب القوة والكلمة اليوم هو صاحب الاقتصاد والعمل، وليس صوابا أن نظن أن حياة اللهو واللعب ترقى بنا إلى القمم، لذا:
- يجب أن يحاصر مد الملاهي..
ـ وأن يعلم الناس أن الجد والعمل خير من تضييع الوقت فيما لا ينفع..
- وأن اللهو المباح هو ما كان مع ترويحه يعين على خير أو يفتح بابا إلى الخير..
ونحن نوصي كل ولي أمر:
- أن يعلم أهله وأبناءه أهمية العمل والجد..
- وكيفية استغلال أوقات الفراغ..
- وأن يبغض إليهم تضييع الوقت فيما لاينفع…
إن نظرتنا لملء أوقات الفراغ لابد أن تختلف عن نظرة الكافر:
فلسنا مثله، وليس هو مثلنا...
نحن المسلمون لنا أهداف ومبادئ ليست لهم، هم يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور، فغاية متاعهم في الدنيا، وليس لهم هدف إلا المتع كالبهائم تماما، بل هي خير منهم..
أما المسلم فهو مأمور بأن يخرجهم من ظلماتهم إلى نور الإيمان بدعوتهم إلى الإسلام، وذلك يقضي بمهام شاقة وكبيرة لايجد معها وقتا للهو والمتع، إنه يشعر بعظم المهمة حيث جعله الله من أمة وسط شاهدة على الناس وأمره بهداية الضالين:
وكم هم الضالون؟..
إنهم يملؤون الأرض، وكلهم يحتاج إلى من يعلمهم ويهديهم..
فكيف له ذلك إذا كان غاية همه هو اللهو واللعب؟..
إنه يظلم نفسه ويظلمهم حين يحرمهم مما هو عليه من الهداية حين ينتكس فيصبح هو وهم سواء في الأهداف والغايات، فلا بد على المسلم أن يعي حقيقة دوره في هذه الحياة:
- { وما أرسلنا إلا رحمة للعالمين }..
- { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }..
ومن الأمر بالمعروف الدعوة إلى الإسلام، ومن النهي عن المنكر النهي عن الكفر، وهو أعظم أمور هذه الشعيرة.
كان أهل الجد يقولون:
" الواجبات أكثر من الأوقات"..
وصدقوا في ذلك، فمن تأمل حقيقة هذه الحياة وجد واجباتها أكثر من وقتها:
- فهناك العبادات التي يجب القيام بها..
- وهناك قضاء الحوائج والإحسان إلى الآخرين..
- وهناك تعلم العلم وتعليمه، هناك السعي والعمل..
- وهناك إعداد العدة لإرهاب العدو..
- وهناك تربية الأبناء..
- وهناك الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
وكل واحدة من هذه الأمور كافية في استهلاك وقت الإنسان وملئه، فكيف إذا اجتمعت؟..
لذا فإن الشاكي من كثرة أوقات فراغه لم يصل بعد إلى المعرفة الحقيقية، ولم يلامس حقيقة الدنيا، بل لم يدر بعد لماذا خلق؟..
ومثل هذا يجب عليه أن يعيد النظر في حاله وأهدافه، وإلا نالته الحسرة يوم الحسرة، حين يقضى الأمر وهو في غفلة عما يراد منه.
في الختام:
........إلى متى نلهو......؟؟!!!....
أبو سارة
==============
خطبة (منغصات الإجازة )
سامي بن خالد الحمود
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أما بعد .. فموضوع هذه الخطبة : منغصات الإجازة .
الأجازة سلاح ذو حدين ، وكما أن لها فوائدَ وثمرات ، فإن لها منغصاتٍ ومكدرات .
ومن أعظم هذه المنغصات :
1) ضياع الصلوات :
قال تعالى :[ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيَّا * إلا من تاب ...] .
والإجازة يفترض أن تكون من أعظم أسباب الحرص على الصلوات والمحافظة عليها في بيوت الله كما أمر الله ، وذلك لتفرغ العبد عمَّا يشغله عنها ، فكيف تصبح الإجازة سبباً من أسباب تضييعها والتفريط فيها؟!
ترى بعض الشباب يضيع صلاته لانشغاله بالتفاهات كمتابعة المباريات أو الأفلام والمسلسلات أو لكثرة النوم والجلسات ، وغير ذلك مما يندى له الجبين وينقطع له حبل الوتين .
وقد ثبت عنه r في البخاري أنه قال: "مَن تركَ صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه" .. فكيف بمن يضيع الصلاة تلو الصلاة .
كيف يصل إلى السعادة من هجر محراب العبادة ؟! .. وكيف يتمتع بالإجازة من قطع صلته بالله سبحانه؟!
2) ومن منغصات الإجازة : السفر المحرم .
كالسفر إلى بلاد الكفار بلا حاجة .
فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أنا بريء من كلِّ مسلمٍ يُقيمُ بين أظهُرِ المشركين " رواه الترمذي وصححه الألباني .
وقد أفتى أهل العلم بتحريم السفر إلى بلاد الكفار . واستثنوا من ذلك ما دعت إليه الحاجة كطلب علم دنيوي أو طب أو تجارة أو لدعوتهم إلى الإسلام ونشره بينهم .
ولا شك ان السفر لبلاد الكفر له مفاسد كثيرة .. كم من مآسٍ رجع بها جمع من المسافرين بلغت ببعضهم إلى درجة الردة عن الدين والكفر بربِّ العالمين !(1/268)
وكم عاد آخرون بالأمراض الفتاكة والأوبئة المهلكة أو بالإدمان على الخمور والمخدرات أو بالهزيمة النفسية والتردي المعنوي والكره للإسلام وأهله ودياره !
ومن السفر المحرم السفر إلى البلاد المسلمة التي يكثر فيها الفساد .
فقد أصبحت الإجازة عند بعض الناس فرصةً للتمرد على أوامر الله ، وموسماً من مواسم تضييع فرائض الله وانتهاك حدود الله ، والتخلي عن كثير من المسئوليات ، والوقوع في عدد من المحرمات ، كالتفريط في الحجاب ، وتضييع الصلوات ، وحضور أماكن الرقص والفجور ، ومواطن الخلاعة والخنى والفواحش والزنى .
3) ومن منغصات الإجازة :الألعاب المحرمة :
يكثر الناس في الإجازة الصيفية من ألعاب التسلية والترفيه ، ولا شك أن الترويح عن النفس وإجمامها ببعض المباحات أمر مطلوب .
لكن هذا الأمر قد يتحول إلى منغص وأمر سلبي ، من وجهين :
الأول: أن هذه الألعاب قد تستغرق الوقت آناء الليل وأطراف النهار ، وهذا من العبث الذي يضيع الأوقات ويهدر الطاقات .
ولهذا لا بد من ضبطِ الوقت وإعطاءِ كل أمر حقه .
الثاني: اشتمال بعض الألعاب على محظورات شرعية ، كالشطرنج ، أو القمار ، أو الموسيقى ، والصور المحرمة بل الخليعة كما في بعض ألعاب البلاي ستيشن ، وغيرها من المحظورات .
4) ومن منغصات الإجازة : متابعة المسلسلات والأفلام والقنوات الفضائية :
إنها صورة محزنة لمن مضى عمره هباءً ، وهو ينظر إلى المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية المليئة بالمنكرات من صور بعض الرجال العصاة والنساء الفاسقات في أوضاع مزرية وصورة مخزية ومناظر مشينة ، يلين لها الحديد ، وتذوب بها الجلاميد ، ويتابعها المحروم في كلِّ يوم ، متغافلاً عن آثارها السيئة وثمارها المرَّة على الفرد خاصَّة والمجتمع بعامَّة .
عجباً لمن يرى الفتنة أمامه فيلقي فيها أقدامه ! .
عن عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" في هذهِ الأمَّةِ خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ " فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله ! ومتى ذلك ؟ . قال :" إذا ظَهرتِ القيانُ والمعازفُ وشُربتِ الخُمُور " [1]
لقد قادت الفضائيات الكثير من شبابنا وبناتنا إلى مسالك غير سوية.
فحدث عن شرخ التوحيد وتضليل الفكر والتلبيس على عقائد المسلمين .. وحدث عن الفجور وتأجيج الشهوات ، وتحريك الغرائز وظهور السافرات المتبرجات في التمثيليات والأفلام ونشرات الأخبار ، وإفساد الأزواج والزوجات والأبناء والبنات .. وحدث عن العنف وتعليم الجريمة والسرقة والمخدرات .
في تحقيق مع بعض المدمنات في الرياض قالت إحداهن: "رأيت فتيات يشربن كثيرا في الأفلام الأجنبية فحاولت التجربة" .
وتقول أخرى: "أشاهد الأفلام الأجنبية الجديدة وعندما أرى الأمريكيين يشربون ويضحكون أحس بأنهم هم الأشخاص الذين يعيشون حياة حقيقية "! .
أيها الأحبة .. ماذا نتوقع من أبناء مراهقين وفتيات مراهقات يتسمرون طوال اليوم أمام طبق قيمته 400 ريال في الملاحق والاستراحات يضع بين أيديهم أكثر من 300 قناة ، تعرض الخزي والعار في بيوت المسلمين .
5) ومن منغصات الإجازة : الذهاب إلى المقاهي لشرب المحرمات كالشيشة والدخان :
فبعض الشباب تمضي عليه الساعات الطويلة وهو جالس على أريكته في هذه المقاهي والملاهي مع غيره ممن هم على شاكلته يلعبون البلوت ، ويشربون الشيشة أوالمعسل ، إن نظروا نظروا إلى المحرمات في القنوات ، وإن استمعوا استمعوا بالمعازف المحرمة والكلمات الآثمة ، وإن تكلموا تكلموا في الغالب فيما لا ينفع ولا يرفع ، ويضر ولا يسر .
6) الذهاب للأماكن المحرمة كالحفلات الغنائية وأماكن الاختلاط :
فبعض الحفلات الصيفية يكون فيها شيء من المنكرات والمخالفات الشرعية ، كسماع المعازف المحرمة ، والأغاني الماجنة .
وهذه المجالس المحرمة يحرم على العبد المسلم أن يحضر إليها أو يشارك في إقامتها .
7) ومن منغصات الإجازة : التسكع في الأسواق :
لقد أصبحت الأسواق ـ وهي أبغض البقاع إلى الله ـ أفضل الميادين عند بعض الغافلين ليقتلوا فيها الوقت الثمين ، ويهدروا فيها العمر الغالي ، ويعرضوا أنفسهم لما لا قِبل لهم به من البلايا والرزايا .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها " رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم أن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال:" لا تكوننَّ إن استطعت أوَّل من يدخل السُّوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنَّها معركة الشيطان ، وبها ينصب رايته ".
8) ومن منغصات الإجازة : الاستخدام السيء لشبكة الإنترنت :
الوقت وعاء العمر وإناء الحياة ، وهو أغلى من الدراهم والدنانير .
وقد بُلينا بمن يتفنن في تضييع وقته الثمين ، ويبدع في وسائل إهداره ، ويبرع في أساليب تضييعه ، كحال أولئك الذين يمضون الساعات الطوال ، وهم عاكفون على الشبكة العنكبوتية [ الإنترنت ] وهم يتقلَّبون بين الصفحات والمواقع يدفعهم الفضول لاختراق الممنوع ، والبحث عن كلِّ مثير ، فيقعون في شراك هذه الشبكة المليئة بالفتن في دينهم والمضيعة لثمرة أعمارهم دون حدود أو قيود .
تقول إحدى الأمهات : لاحظت تغير سلوك ابنتي اللتين تبلغان من العمر الخامسة عشرة والسابعة عشرة ، وبدأتا تتساهلان في الحجاب ، وعندما راقبتهما اكتشفت أنهما يتحدثان مع بعض الشباب في الشات على الانترنت ، فلفما أنكرت عليهما ثارا وغضبا وقاطعاني لمدة أسبوعين .
وشاب متزوج يقول : أنا شاب في بداية الثلاثينات من عمري، متزوج منذ 8 سنوات، في بداية حياتي الزوجية كنت مضرب المثل في العفة وغض البصر، لكن مع الأسف الشديد في السنوات الثلاث الأخيرة اتخذت اتجاها آخر؛ حيث بدأت أنظر إلى الفواحش في التلفاز وعبر الإنترنت وأصبحت الآن مدمنا، وحاولت جاهدا أن أتخلى لكن هيهات .. لم أرتكب فاحشة الزنى، لكني أشاهد بالعين وأتصل عبر الشات، وكم من مرة أخرج من بيتي للقاء إحداهن وأتراجع في آخر لحظة وأندم عن اللقاء، ثم أعود .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله ، وعلى أصحابه وإخوانه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد .
أمام هذا السيل الجارف من الشهوات والشبهات على شبكة الانترنت يجدر بكل من يريد الدخول إلى الشبكة أن يراعي الآداب التالية :
1. اختيار المواقع السليمة والمفيدة ،وعدم تجاوز الساحات المفيدة المعينة على الخير إلى غيرها.
2. الحذر من إضاعة الأوقات ؛ فإن عدداً من الناس يستزف معظم وقته في التصفح أو ساحات الحوار.
3. أن يتحلى المشارك في المواقع والمنتديات الإخلاص لله ، والبعد عن حب الثناء أو الإعجاب بالنفس ، أو الانتصار الشخصي .
4. لا بد أن يدرك الداخل إلى ساحات الحوار أنه يتعامل مع شخصيات كثيرة مجهولة ، ومن المعلوم عند أهل العلم أن المجهول لا يمكن أن يوثّق حديثه ، فكن على حذر من أخبار المجاهيل .
5. الحذر من الفتوى بغير علم ، وخوض الشاب فيما لا يحسنه ، فقد قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) ، وقال سبحانه: ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) .
6. التزام الأدب الشَّرعي في المحادثة أو الرد أو النقد ، وعفّة اللسان حتى مع المخالف ، وصدق الله تعالى حيث يقول: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) .(1/269)
7. تجنب المحادثة بين الجنسين من الذكور والأناث ،لأن الغالب أن يكون ذلك مثيراً لكوامن النفس وإثارة الغرائز والشهوة ، وربما أدى ذلك إلى الفتنة والمفسدة .
8. عدم الدخول في الغرف المريضة البعيدة عن الأخلاق والقيم الاسلامية ، مثل الغرف الإباحية التي تثير الفاحشة والرذيلة ، وتفسد الشباب عن طريق الشذوذ والانحراف الجنسي .
9. الابتعاد عن المواقع التي تبث السموم في أفكار الشباب وتزعزع عقيدتهم ، مثل مواقع أهل البدع والفرق المنحرفة ، أو مواقع التنصير . ولا يجوز الدخول على هذه المواقع بدافع حب الاستطلاع ، أو الدخول معهم في المناقشة بلا علم .
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم اغفر لنا في هذه الساعة المباركة أجمعين، اللهم واغفر لآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا يا أرحم الراحمين. اللهم واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والكافرين، وعليك بأعدائك أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك في كل مكان، يا قوي يا عزيز، انصرهم نصرًا مؤزرًا، وكن لهم يا رب العالمين .
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين عامة وولاتنا خاصة، واجعلهم حصنًا حصينا للدفاع عن دينك ومقدساتك، اللهم وفقهم لتحكيم كتابك واتباع سنة نبيك .
اللهم رد المسلمين إليك ردا جميلاً، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
----------------------------
[1] صحيح سنن الترمذي (2/242) (1801) .
==============
المسارعون إلى الله تعالى
دكتور عثمان قدري مكانسي
قال تعالى في سورة آل عمران الآيات 133- 136:" وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض ، أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء ، والكاظمين الغيظ ، والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين ، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم - ومن يغفر الذنوب إلا الله؟- ، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم ، وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، ونعم أجر العاملين "
فما المسارعة ؟ هي المبادرة والاستباق إلى ما يوجب المغفرة . وهي الطاعة . ويندرج تحتها أمور كثيرة كأداء الفرائض ، وهو قول علي رضي الله عنه . والإخلاص في التوجه ، وهو قول عثمان رضي الله عنه . وقيل التوبة إلى الله ، والبعد عن الربا ، والثبات في القتال . والآية عامّة في الجميع .
وقد ذكر الحث على المبادرة مرات في القرآن يدعو إلى التنافس وبذل الجهد للوصول إلى الهدف المنشود من وجودنا أحياء . يقول تعالى " فاستبقوا الخيرات " .
وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه في الاستباق والمسارعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصلاة على وقتها :" إنما مثل المهجّر إلى الصلاة كمثل الذي يُهدي البدنة ، ثم الذي على أثَره كالذي يُهدي البقرة ، ثم الذي على أثَره كالذي يُهدي الكبش ، ثم الذي على أثَره كالذي يُهدي الدجاجة ، ثم الذي على أثَره كالذي يُهدي البيضة . " ويشجع الحبيب المصطفى على الإسراع في أداء الصلاة في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو محذورة عن أبيه عن جده " أول الوقت رضوان الله ، ووسط الوقت رحمة الله ، وآخر الوقت عفو الله . " فقال أبو بكر رضي الله عنه : رضوان الله أحب إلينا من عفوه . فإن رضوانه عن المحسنين ، وعفوه عن المقصّرين .
وإلى أين المسارعة؟..إنها إلى مغفرة من الله تعالى تفتح آفاق النفس وتقرب العبد من مولاه .. إلى رضوان الله وكرمه ، وهذا يستدعي الإخلاص والهمة ، وبذل الجهد للوصول إلى الهدف . ومن غفر الله تعالى له نال السعادة كلها، ونال مع رضوان الله تعالى ثوابَه وجودَه ، إنها جنة عرضها السماوات والأرض . فهي واسعة لا يعلم مداها إلا الذي خلقها - سبحانه - وعرْضُ هذه الجنة السماوات السبع والأرضين السبع مقترنة بعضها إلى بعض مبسوطة كما تبسط الثياب . فكم عرضها يا ترى؟ . الله أعلم ...وإذا كانت السماوات والأرض عرضَها فكم طولها يا ترى؟!! والطول أكثر امتداداً من العرض . والجنان أربعة : جنة عدْن وجنة المأوى وجنة الفردوس وجنة النعيم . وكل جنة منها كعرض السماوات والأرض . وفي الصحيح : " إن أدنى أهل الجنة منزلة من يتمنّى ويتمنّى حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله تعالى : لك ذلك وعشرة أمثاله ."
قال يعلى بن أبي مرة : لقيت التنوخيَّ رسول هرقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحمص شيخاً كبيراً ، قال : قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل ، فتناول الصحيفة رجل عن يساره , قال : فقلت : من صاحبكم الذي يقرأ ؟ قالوا معاوية . فإذا كتاب صاحبي - هرقل - : إنك تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبحان الله ، فأين الليل إذا جاء النهار؟ " .
لمن أعِدّت الجنة؟ إن أصحابها المتقون ." أعدت للمتقين " والمتقي من ابتعد عن غضب الله وعذاب جهنم . إن المتقين ذوو صفات عدة ، ذكرها القرآن في مواطن كثيرة تتعدد حسب الفكرة المقصودة في كل آية . فما صفات المتقين في هذه الآيات الكريمة ؟
بعض صفات المتقين : نسأله تعالى أن نكون منهم :
1- الذين ينفقون في السراء والضراء : من صفات الله تعالى الكرم والجود ، والسعيد من يحاول التحلي ببعض هذه الصفات التي يحبها المولى سبحانه . ومن كان جواداً كريماً كان هماماً واضح الإحساس زكي النفس ذكي الفؤاد ، يحب الخير للعباد ، ويساعد ذا الحاجة الملهوف ، يقصده الناس لقضاء حوائجهم وتفريج كروبهم . " الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله " و" من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة " . والكرم والجود من أخلاقه في حالاته كلها . قال المفسرون : في حالة السراء والضراء ، والعسر واليسر ،والرخاء والشدة ، والرضا والغضب ، في حال الصحة والمرض . فالإنفاق - على هذا- متأصل في نفوسهم ، وسجية في طبائعهم .(1/270)
2- ، والكاظمين الغيظ ، والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين . ثلاث صفات رائعات يتدرج المتقي فيها ليصل إلى أفضلها . أولها: كظم الغيظ - حبسه ومنعه من الثوران والتصرف الهائج - فهو الصبر إذاً ...والصبر نور في البصر والبصيرة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :" والصبر ضياء " وقال تعالى " إن الله يحب الصابرين " وعلى المسلم الداعية أن يتجاوز عن إساءات الناس إذا أراد أن يصل إلى قلوبهم ، ويلج عقولهم ، فيحبوه ويتبعوه ، وقد جبل الناس على الضعف والخطأ الذي يولد الأذى فقد قال صلى الله عليه وسلم :" المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم . "ولا ننس أن كظم الغيظ لا يعني نسيانه ، إنما تناسيه ، والفرق بينهما واضح جليّ . فإذا نجح المسلم في السيطرة على نفسه فحبس غيظه دخل في المرتبة الثانية : العفوعن الناس والعفو نسيان ما كان منهم ، ومسامحتهم، وكأن شيئاً لم يكن . فقد كان الرسول الكريم يعفو عمّن ظلمه ، والسيرة مليئة بهذه المواقف النبوية الرائعة في العفو والصفح عن المسيء، وتاريخ الصالحين من أسلافنا شاهد على ذلك . والعفو دليل سمو الأخلاق ورجاحة العقل ، ولن يكون الداعية ناجحاً إذا عامل الناس بالمثل . إنه إن عاملهم كذلك لم يتميّز عنهم . والقرآن الكريم يدعونا إلى العفو " وأن تعفوا أقرب للتقوى " ويقول : " وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم " هذا مع المسلمين . وكذلك مع غير المسلمين فإن العفو عنهم رفع مقام للمؤمن ، وزيادة في عقاب الكافر " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون " وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصُرَعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " بل إن الإنسان إذا تحمّل أذى الآخرين نال ثواباً عظيماً يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من جَرعة يتجرعها العبد خيرٌ له وأعظم أجراً من جرعةِ غيظ في الله . فإذا نجح المسلم في الدرجة الثانية جازها إلى الدرجة الأخيرة الراقية الإحسان الذي يحبه الله تعالى ويحب أهله " والله يحب المحسنين " ودرجة الإحسان أنك تعبد الله " كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " فأنت على هذا في المعية الإلهية . قال سريٌ السقَطيّ : الإحسان أن تحسن في وقت الإمكان ، فليس كل وقت يمكنك الإحسان فيه . وقال الشاعر أبو العباس الجمّني :
ليس في كل ساعة وأوانِ *** تتهيّا صنائع الإحسان
وإذا أمْكَنَتْ فبادر إليها *** حذراً من تعذّر الإمكان
وقد أورد القرطبي في المحسن : من صحح عقد توحيده ، وأحسن سياسة نفسه ، وأقبل على أداء فرائضه ، وكفى المسلمين شرَّه .
3- ، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم
ا- ذكروا الله ..........
ب- فاستغفروا لذنوبهم - ومن يغفر الذنوب إلا الله؟- ،
ج- ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون .
ما من أحد لم يقترف ذنباً ، أو يجترح إثماً فالإنسان خطّاء كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وخطّاء تعني كثير الأخطاء . لكن التائب بصدق يتوب الله تعالى عليه ، وهؤلاء في هذا الصنف دون الصنف الأول ، فألحقهم الله بهم منّاً منه وكرماً ، وهؤلاء هم التوّابون . الذين يقعون في الفاحشة ، ثم يستدركون ويتوبون إلى الله تعالى ، فيتوب عليهم ويغفر لهم . أما ظلم النفس هنا فالخطأ دون الكبائر .. هؤلاء يذكرون الله تعالى ويعلمون أنهم أغضبوه فيسارعون للاستغفار والتوبة والأوبة إليه سبحانه فهو وحده الذي يقبل توبتهم، ويقيل عثرتهم . فإذا كان الله وحده من يغفر الذنوب فاللجوء إليه وحده الطريق الصحيح للتخلص من الذنوب والآثام . والتوبة لها شروط ثلاث كما ذكر العلماء اعتماداً على هذه الآية الكريمة أن : 1- يقلع الإنسان عن المعصية . 2- وأن يندم على فعلها 3- وأن يعزم أن لا يعود إليها . فإذا كانت المعصية بحق غير الله زيد شرط رابع 4- أن يعيد الحق لصاحبه وأن يستسمح منه . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يذنب ذنباً ، ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ، ثم يستغفرُ الله ،إلا غفر له " ثم تلا الآية الكريمة " والذين إذا فعلوا فاحشة ...." ومن علم أنه واقف يوماً أمام الله تعالى - " وهم يعلمون " - خاف ورجا، ورغب ورهب ، فأسرع تائباً إلى الله عز وجل .
جزاء المتقين
أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم ،
وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ،
ونعم أجر العاملين " .
فهؤلاء الذين ينفقون من أموالهم ابتغاء مرضاة الله ، ويكظمون غيظهم ، ويعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى الناس ، ويتوبون إلى الله ويستغفرونه ، ويعلمون أنهم محاسبون على ما يعملون فيحترسون لهم جزاء عظيم يقود إلى نتيجة عظيمة .
أما الجزاء العظيم فالمغفرة من الله تعالى ومن رضي الله عنه رضي كل شيء عنه وأحبه ، وعفا عنه وأبدل سيئاته حسنات . ومن نال هذه الفضائل العظيمة استحق الجنة ونعيمها الأبدي الخالد بأنهارها العذبة من ماء غير آسن ولبن لم يتغير طعمه وعسل مصفى وخمر لذة للشاربين .
، ونال مايتمناه من ثمار الجنة وأُكُلها ، وجميل حورها . وما أحسن هذا الجزاء الكريم من رب كريم . وأنْعِمْ بالخلود أبد الآبدين
===========
الإجازة الصيفية
ماجد بن جعبل
ليس من المجازفة ولا من واقع الخيال إذا قلنا بأن ثلاثة أرباع المجتمع في ظرف يوم أو يومين على الأكثر يصبحون في عالم من الفوضى بسبب الفراغ الذي يغطي معظم الأوقات بالنسبة لهم ؛ وهذا إن دل على شيء فالدلالة واضحة وهي عدم الانضواء تحت برنامج منظم يحفظ الوقت ويحمي من سوء ما يجلبه الفراغ من مساوئ . إن بعض الناس وهم الأغلبية يرى في البرنامج المنظم مصطلحاً واحداً وهو كبت الحرية وأخذ الراحة المزاجية من العطلة الصيفية . ونرجو أن تكون هذه الأسطر إيضاحاً لأحبائنا ودليلاً لهم إلى ما فيه صلاح الدنيا ومن ضمنها الإجازة الصيفية وصلاح الآخرة .
الوقت أغلى ما عني الإنسان بحفظه ، وإذا كان هذا الوقت هو ريحان العمر وريعان الشباب فيا ترى كيف ستكون هذه الخسارة ؟
وإن مما ينفع الإنسان في آخرته شغله فراغه في الدنيا بما يرضي الله ؛ وعلى ذلك فللإجازة أمور تشغل بها منها :
حلقات تحفيظ القرآن الكريم : والتي يخرج منها الدارس برضى الله وبالتقوى وحسن الأخلاق وتعلم شرع الله والبعد عن أماكن الفساد والمعاصي ، وهذا لا يقتصر على شخص دون آخر ، بل حتى الأطفال في العاشرة فما فوقها على الآباء توجيههم إلى تلك الحلقات ؛ فلعل الله أن يجعلهم بذرة صالحة ونواة طيبة لبناء مجتمع طاهر محافظ .
المراكز الصيفية : لقد أدت المراكز الصيفية عبر الأعوام السابقة دوراً كبيراً في الإجازات ، وذلك لما تقوم به من نشاطات مختلفة تنمي الشباب على الخير والإصلاح ؛ فمن الأنشطة الثقافية إلى الأنشطة الرياضية إلى بقية الأنشطة التي تتلاءم مع النشء .
طلب العلم الشرعي : ليست الإجازة حكراً على سن معين ، ومن هذا المنطلق فإن بين أولئك شباب الصحوة الذين هم عماد الأمة بعد علمائها الأفذاذ ، ولذلك فإن الإجازة ساحة للتنافس في طلب العلم الشرعي وتحصيله وتحصين النفس به من الشبهات المتتابعة عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : « تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً : كتاب الله ، وسنتي » .(1/271)
الخروج إلى القرى والهجر : للدعوة إلى الله ونشر دينه ؛ وهذه النقطة ليست « لكل من هب ودب » ولكن لمن آتاهم الله علماً واسعاً وأخذوا على عواتقهم الوفية لله الدعوة إلى سبيله ، وما أجمل لو نظم هذا العمل ونسق له كي يؤتي ثماره بإذن الله .
الالتحاق بدور التحفيظ النسائية : وهي والله عصمة للفتاة من السوء وأهله ، ودليلٌ لها إلى مرضاة الله عز وجل . إن فتيات المسلمين اليوم هن غداً أمهات رجالهم الأفذاذ ؛ فهل من شيء أحق بالحفظ منهن ؟
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض بالمال
تنظيم برنامج أسري : ويكون فيه كل متطلبات النفسيات الأسرية فيكون مثلاً متضمناً لدروس السيرة المتناسبة مع الأطفال ، ودروس السيرة المتناسبة مع الكبار إلى جانب الرحلات البرية والتنزه .
ختاماً : إن بالإمكان أن يُشغل الفارغ بأي شيء ؛ ولكن ما دام أن هناك سؤالاً وجزاءاً عن هذا الفراغ وعمَّا شغل به فإنه لا بد من التفكير في الذي سوف يحل محل الفراغ ما هو : نعيم ، أم جحيم ؟
=============
وقفة محاسبة مع النفس
أم عاتكة
أدعو الله أن تكون القلوب فائقة لعبادة الله .. . والشوق لرضا الله .. . ابعث بكلمات من نور قلبي إلى قلوب اخوتي في الله .. . داعية بان ينير قلوبنا جميعا ويهدينا إلى ما يحبه ويرضاه .
اخوتي وأخواتي في الله … إني والله احبكم في الله … ولعلكم تتسألون كيف عرفتنا لتحبنا … أقول والله أنا لا اعرف غير أننا أصحاب دين واحد هو الإسلام الذي نستظل تحت ظله جميعا … ولا اعرف غير اله واحد نعبده ولا نشرك به شيئا … فلذلك ما رايته منكم يااخوتي أحزنني وأهمني ولذلك حرصت على أن نكون جميعا في جنة الخلد أجمعين وان نحشر مع خير الرسل والنبيين … ولذلك في هذه الرسالة نهمس همسات في أذان النائمين … حتى يفيقوا من غفلتهم أجمعين … فهيا بنا نسعى إلى الحق المبين … ونعوذ بالله من شرور الشياطين … ونفتتح رسالتنا بنداء بل عتاب للمقصرين … والله إني أخاف عليكم أجمعين … فاتقوا الله يا مسلمين .
وبعد: انك ياخى وياختاه لم تقفوا لحظة واحدة وتتخيلوا ما هو مصيركم … بل ما هو أخر أعمالكم … أو كيف يكون لقائكم برب العالمين … لم تقفوا وقفة محاسبة مع نفسك … تخيل في يوم القيامة والخلائق موقوفون للحساب وقام الله عز وجل وفصل بينهم … بينما أهل ذاهبون إليها مشتاقون أهل النار إليها يساقون ووجدت نفسك في مكان ربما لم تتخيل نفسك فيه أو تفكر فيه كثيرا وأنت في الدنيا … أتدرى أين أنت الان ؟ انك على الأعراف .
نعم يااخى لقد تساوت حسناتك وسيئاتك وبقيت في هذا المكان حتى يفصل الله عز وجل في أمرك .
تخيل نفسك وأنت تقف تنظر لاهل الجنة وهم ينعمون وتتمنى انك كنت معهم أهل النار في السموم والزقوم وتدعوا الله عز وجل أن لا يجعل مصيرك معهم .
ماذا كان ينقصك يااخى لتدخل الجنة ؟! أتدرى ماذا كان ينقصك ؟!انه شيء بسيط جدا … إنها حسنة واحدة فقط… ماذا؟! نعم والله حسنة واحدة فقط . نعم … أتذكر يوم مررت على جيرانك ولم تلق عليهم السلام !! ليتك سلمت عليهم . أتذكر يوم مررت على زميل لك ولم تبتسم في وجهه !! ليتك تبسمت فتبسمك في وجه أخيك صدقة .
أتذكر يوم وجدت أذى على الطريق ولم تزيله!! ليتك أزلته فإزالة الأذى من الطريق شعبة من الإيمان … أتذكر يوم كنت جالسا تضيع الوقت في أي شيء!! ليتك جلست تذكر الله .
أتذكر .. أتذكر .. أتذكر... أتذكر.. فبادر ياخى بالتوبة والأعمال الصالحة ولا تتأخر في فعل الخيرات قال الله تعالى " إن الحسنات يذهبن السيئات " فلعل حسنة واحدة تكون هي سبب النجاة ولعل سيئة واحدة هي سبب في العذاب . فكيف حالك إذا كانت السيئات اكثر في الميزان يوم القيامة من الحسنات والله يااخى لا ينفع الندم في هذا الوقت وفى هذا الموقف كيف حالك ستذكر كل ما فعلته عندما تعرض عليك الصحف وتقرا كل ما فعلته .
أخي في الله :- إن الوقت أمامك فلا تتأخر فان العمر أنفاس لا تعود ، صدقني يااخى إني احبك في الله واحب أن تكون في جنة الخلد مع خير الخلق معلمنا الأكبر والقدوة والمثل الأعلى أتدرى من هو انه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم . ألا تريد أن تكون معه ؟! ألا تريد صحبته في الجنة ؟! ألا تريد أن تكون من جيرانه يوم القيامة ؟! ألا تريد أن ترى الصحابة وتجلس معهم وتحدثهم ؟! وأنت يا أختاه ألا تريدي أن ترى المصطفى وتجلسي معه ؟! ألا تريدي أن ترى أزواجه خديجة وعائشة وبناته فاطمة ورقية؟! يا أختاه أفيقي فان الموت آت آت لا شك في ذلك بل هي الحقيقة في هذه الدنيا قال تعالى " لكل اجل كتاب " فهل تدرى متى يكون أجلك ونهاية عمرك لا والله " كلا إنها كلمة هو قائلها" يا أختاه لا يدرى أحد مننا هذا الأمر لانه بيد الله الواحد القهار . نعم يا أختاه أسرعي في ارتداء الحجاب واتركي كل هذه الموضة العمياء التي ستغرقك في بحار الشهوات والمحرمات والله إني أخاف عليكى ولذلك إني احب أن أضع قدمك على أول طريق الجنة بل وتكوني من أهل الجنة وتجلسي مع من أحببت من الدنيا مع أمنا خديجة وعائشة أختاه إني أخصك بالذكر في هذه الرسالة لانك الأم والأخت والابنة والزوجة فالعدو يركز على اساس هذه الأمة وأنت اساس هذه الحياة بدون ضياع وشتات وبدون الأم الصالحة لا تنجب الرجال الذين يحملون هم هذا الدين وبدون الزوجة الحانية الملتزمة لا تجد البيت السعيد الهادئ وبدون الفتاة الملتزمة في الجامعة أو الشارع أو حتى في وسائل المواصلات يفسد هذا المجتمع وتظهر الفتن وهذا ما نحن فيه إلا من رحم الله . وصى رسولنا الرحيم بنا على النساء كثيرا في احاديثه قال صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيرا"
وقال أيضا " رفقا بالقوارير " أرايت أهميتك في هذا الكون واذا لم تكوني مهمة وغالية ما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم عليكى في كثير من الأحاديث ولم يعزك الله بالحجاب الذي يحفظك من نظر العابثين وغدر الماكرين . أختاه أنت الأمل لهذه الأمة فبالله عليكى لا تكوني سببا دمار أمة الإسلام قال الله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " فلا تكوني أداة تحطيم هذه الأمة الذي وصفها ربنا بأنها خير الأمم .
هل تدرى ياختاه ماذا قال أحد اليهود ؟! قال كأس وغانية يفعلان في تحطيم أمة محمد ما لا تفعله الصواريخ والدبابات .
نداء :- أفيقي يا أختاه من هذه الغفلة وابتعدي عن صديقة السوء التي تجرك إلى الهلاك والفساد وتنسى هذا الدين العظيم الذي هو همك الحقيقي ولا يكون همك فستان جديد أو تسريحة جديدة فالدين هذا غالى وعزيز فاعتزي به ولا تكوني ممن نسوا هذا الدين فنسيهم الله يوم القيامة .
إني أريد منك ياختاه أن تدركي ما بقى من العمر قبل فوات الأوان قال تعالى " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض "
فكوني ممن سارع إلى هذه الجنة واليكى بعض الأمثال والنماذج لكي تقتضي بها في حياتك وتضعيها أمام عينك .(1/272)
*** انظري معي يا أختاه إلى القدوة والمثل الأعلى سيد البشر أجمعين محمد صلى الله عيه وسلم كان يستغفر ربه في اليوم من سبعين إلى مائة مرة وهو من هو المعصوم من الخطأ المغفور له ما تقدم وما تأخر من ذنبه فكيف بك أنت يا أختاه ويااخى هل اهتميتم بان يكون لسانكم رطب بذكر الله وقال الله تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " ألا تستغفروا الله حتى يغفر الله لكم ذنوبكم وعصيانكم أيها الشباب لا بد أن تحاسبوا أنفسكم مثلما قال عمرو بن الخطاب : حاسبوا أنفسكم قيل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن .
*** انظروا معي إلى أحد الصحابة وهو من العشرة المبشرون بالجنة ألا وهو عثمان بن عفان كان يقف الليل كله بركعة واحدة يختم القران كله فيها هل قرأتم القرآن كله مرة واحدة ى الشهر أو في السنة أو في العمر كله أم تذكرتم القرآن في رمضان فقط!!
أيها الشباب :- الذي تخافون منه في رمضان هو رب رمضان ورب الشهور كلها فلا تقصروا في جنب الله حتى لا تندموا في وقت لا ينفع فيه الندم .
*** انظروا معي إلى عالم النساء الذي ليس لهم مثيل في هذه الآونة إلا من رحم ربى إنها أمنا خديجة كيف كانت تدعوا إلى الله بكل ما تملك وبكل مالها وعندما حاصر الكفار المسلمين في شعب آبي طالب وهى معهم ولم يجد المسلمون شرابا ولا طعاما وقالت الكفار لامنا خديجة اخرجي من هنا انك من اكرم واشرف الناس في قريش فرفضت الخروج وجاءوا إليها بالطعام والشراب وهى في سن الستين من عمرها قالت والله لا آكل ولا اشرب حتى يأكل المسلمون وأطفالهم اتدروا أيها الشباب ما الذي فعلته أمنا خديجة انه الجهاد والتضحية من اجل هذا الدين الحنيف فهل حملتهم انتم هم هذا الدين أو فكرتم في المسلمين في فلسطين والعراق وكل بلاد الإسلام هل بكت أعينكم على الأطفال الذين لا يجدون الطعام ولا يجدون ما يستروا عوراتهم به .
النماذج كثيرة ولكن اكتفى بهذا حتى لا تملوا من حديثي فربما أطلت عليكم ولكن هذا من منطلق حبي وخوفي عليكم من الهلاك وحتى تدخلوا الجنة وتعيشوا الحياة الوردية والسعادة الحقيقية بأن تقتربوا من الله اكثر واكثر .
تذكر فيا لنجاة المتذكرين … واقبل فيافوز المقبلين … واجعل من حياتك وقفات … تسال نفسك … ماذا أريد ؟! والى أين المصير؟!هل قدمت ما ينفعك يوم موقفك بين يدي ربك أم كنت من الآهين ؟!… هل اغتنمت فرص عمرك أم كنت من الخاسرين؟!.
نسأل الله صلاحا عاجلا *** إنما الغافل في البلوى هلك
وكفانا ما مضى من بؤسنا *** ربنا اكشف ما بنا فالأمر لك
رجاء :- أن لا تنسونا من دعوة صالحة ولا تنسوا اخوتكم وأمهاتكم في بلاد المسلمين المحتلة وكلما وقعت أعينكم على هذه الكلمات أن تدعوا لمن أعدها وساعد في الوصول إليكم بها بان تقولوا " اللهم أنله مراده" ليقول لك الملك ولك بمثل .
==============
مابالنا قد أضعناه ! مابالنا ما حفظناه ! وهو الذي إن مضى فلن يعود أبدا !
الغادة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه
اللهم لك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالإيمان عزجاهك وجل ثناءك وتقدست أسمائك ولا إله غيرك
لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى
وصلي اللهم وسلم وبارك على النعمة المهداة والرحمة المهداة وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
أحبتي في الله
حديثي معكم عن شيئ قد ضيعناه وما حفظناه وهو أشد من الموت علينا
لأن الموت يقطعنا عن الدنيا وأهلها وهو يقطعنا عن الله والدار الأخرة
أخالكم عرفتموه ......؟
إنه أغلى ما نملك في هذه الدنيا إنه..
الوقت
أيام مضت وسنين ضيعت وها هى الباقيات تمر كلمح البصر
كل يوم يمضي ينقص من أعمارنا ويدني من أجالنا
إليك أخي .. أختي ..
يامن يمضي أيامه وسويعاته وأوقاته في السعي وراء هذه الدنيا الفانية ويلهث وراء شهواتها
يامن يفرح بمرور تلك الأيام وسرعة انقضائها
أما علمت بأن كل دقيقة بل كل لحظة تمضي من عمرك تقربك من الأخرة وتباعدك عن الدنيا
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم يدني من الأجل
أخوتي في الله
عكفت على كتابة هذه الرسالة لما وجدته في قلبي من الألم والحسرة والشفقة على نفسي أولا و على أبناء وبنات أمتي
من تضييع للاوقات والسعي وراء الملذات
فكات كلماتي من القلب المحب الذي يريد لكم السعادة والفلاح والنجاح في هذا الدنيا وفي الأخرة فأسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم
أحبتي ..
نظرت في سير من كان قبلنا فوجدت الشيئ العجاب !!
كانوا أعرف الناس بقيمة أوقاتهم وأشدهم حرصا على ألا يمر يوما أو بعض يوم إلا ويتزودا بعلم نافع وعمل صالح
كانوا يبكون أعمارهم وشبابهم ... أما حالنا اليوم فيرثى لها ولاحول ولا قوة إلا بالله
أسأل الله تعالى أن يبدل الحال ..
لننظر أخواتي في أخبارهم لعلنا نتدارك ما بقي من أعمارناا
دخل عمر بن الخطاب رضى الله عنه المسجد يوما فراى احد أصحابه جالسا
فقال له : مالك مهموم ؟
قال : هم لازمني ..وغم صاحبني !
فقال له عمر: مالك
قال : نمت البارحة عن صلاة الليل
فقال له عمر ثكلتك امك قم فصلي ثم تلا قوله تعالى ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا )
ياسبحان الله !! كيف نحن إن فاتتنا الفريضة وليست النافلة !!
لقد امتن الله بالليل والنهار على عباده ليطيعوه ويعبدوه لاليعبثوا باوقاتهم في ليلهم ونهارهم والله المستعان
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى كان جدي في حفظ الوقت عجبا .. كان إذا دخل الخلاء قال لأحد أبنائه أقرأ الكتاب وارفع صوتك حتى أسمع
وهذا أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي كان يأكل الكعك ولا يأكل الخبر
فقيل له: لما لاتأكل الخبز ؟
فقال : حسبت الوقت بين أكل الكعك والخبز قراءة خمسين آية
وها هو ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه يقول ما ندمت على شيئ ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي
قيل لأحد الصالحين اجلس معنا فقال : احبس الشمس أجلس معك ( أي إن استطعت أن تحبس العمر فأنا أجلس معك )
لله درهم ما أشد حرصهم على أوقاتهم !!
ونحن أيها الأحباب كم ضيعنا من أوقاتنا وكم هدمنا أيامنا وكم عطلنا ساعاتنا !!
فولله الذي لاإله إلا هو لنحن مسئولون عن أعمارنا وأوقاتنا
ففي الحديث عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لاتزولا قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ) رواه الترمذي وحسنه الالباني
وقال جل في علاه ( أولم نعمركم ما يتذكر من تذكر وجاءكم النذير )
أما أمهلناكم .. أما تركناكم .. أما أخرناكم .. مالكم لاتتفكرون ... مالكم لا تعتبرون
فولله ما طلعت شمس نهار أو غربت إلا قال الليل والنهار ياابن ادم اغتنمني قبل أن أغيب فلن أعود إليك أبدا
فيا من ضيع أوقاته في سماع المحرمات ..وقراءة المجلات .. ومشاهدة الفضائيات .. واتباع اللذائذ والشهوات ..
متى تعود ؟ متى تتوب ؟ أما أنذرك الشيب !
إلى متى الغفلة ! إلى متى التسويف أما علمت كم في االمقابر من قتيل سوفا
فبادروا اخوتي باغتنام أوقات أعماركم في طاعة بارئكم واستغلوا أوقات فراغكم فالفراغ نعمة عظيمة والنفس إن لم
تشغلها في وقت فراغها بطاعة الله أشغلتك بمعصيته
قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) رواه البخاري(1/273)
وقال الله عزوجل لرسولنا عليه الصلاة والسلام ( وإذا فرغت فانصب ) أي إذا انتهيت من شغلك وعملك فانصب في العبادة وطاعة الواحد الأحد
وللأسف كم نسمع من أناس شغلتهم دنياهم بقولهم حين دعوتهم لحفظ أوقاتهم فيما ينفعهم (( ساعة لي وساعة لربي ))
يا سبحان الله أما علمو ا قوله تعالى (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )
وقوله سبحانه ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )
فيا أخوتي الوقت أنفاس إن مضت لن تعود إليك أبدا
فقدم ما شئت تجده بين يديك وأخر ما شئت فلن يعود إليك ..
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها ***فالذكر للإنسان عمر ثان
احبتي ولقد حثنا رسولنا الكريم على اغتنام وقت الشباب والصحة أيضا فلا تقل بأني شاب والعمر أما مي طويل
لا فإياك اياك فالموت لايعرف صغيرا ولا كبيرا ...صحيحا أو سقيما .. فاغتنم شبابك وصحتك يا أخي ويا أختي واسمعوا
معي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ( اغتنم خمس قبل خمس شبابك قبل هرمك وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك )
فإذا لم تغتنم هذا .. فابكي على نفسك ..!
بكيت على الشباب بدمع عيني *** فلم يغني البكاء ولا النحيب
ألا ليت الشباب يعود يوما *** فأخبره بما فعل المشيب
فسارعوا اخوتي باغتنام الأوقات واستدراك ما فات وأسالوا الله الثبات عله يغفر لنا تقصيرنا واسرافنا في امرنا إنه ولي ذلك والقادر عليه
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم وان يرزقنا حسن الأستفادة من أوقاتنا ..
وعذرا على الاطاله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
الكاتبة / الغادة
===========
جدد حياتك في رمضان
م. عبد اللطيف البريجاوي
" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى والفرقان "
" ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " متفق عليه .
إن الرتابة الدائمة في الحياة والسير على وتيرة واحدة تضفي على الحياة السآمة والملالة ونتيجة لذلك ترى كثيرا من الناس يسأمون حياتهم ويملونها
لكن الإسلام أعطى للحياة طعما مختلفا ترمي خلف ظهرها كل سآمة وكل ملالة حتى تصبح الحياة طيبة كما قال الله تعالى " فلنحيينهم حياة طيبة ."
وما الصلوات الخمس إلا كسرا لرتابة اليوم وما صلاة الجمعة في وجه من وجوهها إلا كسرا لرتابة الأسبوع وما ليلة القدر إلا كسرا لرتابة الليالي وما شهر رمضان إلا كسرا لرتابة السنة وفي كل محطة من هذه المحطات يجدد الإنسان حياته ويقف أمام معان جديدة تعيده على جادة الصواب
ورمضان هو المحطة الكبرى من هذه المحطات إذ يساعد الله فيها العباد فيصفد لهم الشياطين ويبسط يده فيعطي ويجزل
ورمضان نفحة إلهية وعطية ربانية للعالم فيه يستطيع المرء أن يجدد حياته ويبعث فيها الأمل
ومن الوسائل التي تجدد الحياة في رمضان :
1- وقت السحر وهو الوقت المبارك الذي يضيعه أغلب الناس في أغلب العام فيأتي رمضان لينبههم عليه فيوقظهم ليتقووا من خلال الطعام ولكن كثيرا من الناس يقضون هذا الوقت في الطعام وينسون الحديث الشريف " إن الله ينزل في الثلث الأخير من كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول ألا هل من مسترزق فأرزقه ألا هل من مستغفر فأغفر له ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر "
كم نحن بحاجة لهذا الوقت المبارك نجدد حيلتنا ونطلب من الله ما يصلح ديننا ودنيانا و آخرتنا .
2- صلاة الفجر في المسجد وهي كذلك يضيعا الناس في سائر أوقات السنة فيأتي رمضان ليوقظ في أنفسهم أن هناك صلاة مشهودة في المسجد " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا "
" بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزعون"
3- الدعاء والإكثار منه ولاسيما في هذا الشهر المبارك حيث إن دعاء الصائم مستجاب كما ورد في الحديث الشريف " ثلاثة لاترد دعوتهم ....الصائم حتى يفطر " وفي رواية الصائم حين يفطر "
وقال العلماء إن الله وضع آية الدعاء بين آيات الصيام إشعارا منه بأن الدعاء في الصيام
لا يرد فكم عندنا من الحاجيات نري أن تقضى !
4- قراء القرآن والتفكر والتدبر فهذا الشهر هو شهر القرآن " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " ويستحب للمسلم أن يختم المصحف ولو مرة واحدة مع مراعات التفكر والتدبر
5- صلاة الجماعة في المسجد " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح "
وهناك كثير من الوسائل التي تجعلنا نجدد حيلتنا في رمضان منها الإكثار من النوافل وقيام الليل والتصدق وصلة الأرحام وإدراك معان الأخوة في الله ومراعات شعور المسلم فكلها تعطي للحياة معنى آخر غير المعنى الذي كنا قد اعتدناه
وأهم هذه الوسائل التي تجدد الحياة أول كلمة نزلت في رمضان من القرآن وهي كلمة اقرأ والقراء باسم الله فهي الوسيلة الأولى لرفع مستوى الثقافة الإسلامية ونشر الوعي بين الصفوف
فليجعل المسلم لنفسه في رمضان ساعة على الأقل يقرأ فيها وليبدأ من سيرة الرسول عليه السلام فهي الوعاء الذي نزل فيه الإسلام
كل هذه الوسائل تشكل البداية وليست النهاية فكثير من الناس يظن أنه في رمضان يفعل هذه الواجبات ليتركها بعده وهذا ما يسبب لنا تراجعا دائما فرمضان يمثل الشرارة التي يجب أن تقدح في كل واحد منا التقدم والاستمرارية والارتقاء لا أن يكون موسما كباقي المواسم نخلعه عند انتهائه.
والله ولي التوفيق
============
تذكرة مسافر
أنواع السفر :
1ـ سفر حرام ، وهو أن يسافر لفعل ما حرمه الله أو حَرّمه رسوله r، مثل : من يسافر للتجارة في الخمر، والمحرمات، وقطع الطريق، أو سفر المرأة بدون محرم .
2ـ سفر واجب، مثل : السفر لفريضة الحج، أو السفر للعمرة الواجبة ، أو الجهاد الواجب.
3ـ سفر مستحب، مثل : السفر للعمرة غير الواجبة، أو السفر لحج التطوع، أو جهاد التطوع.
4ـ سفر مباح ، مثل السفر للتجارة المباحة، وكل أمر مباح .
5ـ سفر مكروه، مثل : سفر الإنسان وحده بدون رفقة إلا في أمر لابد منه ؛ لقوله r : "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده) .
فهذه أنواع السفر التي ذكرها أهل العلم، فيجب على كل مسلم أن لا يسافر إلى سفر محرم، وينبغي له أن لا يتعمد السفر المكروه، بل يقتصر في جميع أسفاره على السفر الواجب، والمستحب، والمباح .
آداب ووصايا قبل السفر :
يستحب لمن أراد السفر أن يشاور من يعلم منه النصيحة والشفقة والخبرة ويثق بدينه ومعرفته قال تعالى {وشاورهم في الأمر} وإذا شاور وظهر أنه مصلحة استخار الله سبحانه وتعالى في ذلك فصلى ركعتين من غير الفريضة ودعا بدعاء الاستخارة [أفاده الإمام النووي في الأذكار] .
ـ فإذا استقر عزمه على السفر فليجتهد في تحصيل أمور منها :
1ـ أن يوصي بما يحتاج إلى الوصية به وليشهد على وصيته ويرد الودائع التي عنده أو يوصي غيره بردها إذا حدث له في سفره ما يمنه من تأدية هذه الودائع إلى أهلها .
2ـ يرد المظالم إلى أهلها ويتحلل منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم الحديث" رواه البخاري .
3ـ يسترضي والديه وشيوخه ومن يندب إلى بره واستعطافه .
4ـ يتوب إلى الله ويستغفره من جميع الذنوب والمخالفات وليطلب من الله تعالى المعونة على سفره.(1/274)
5ـ يجتهد في تعلم ما يحتاج إليه في سفره فإذا كان غازياً تعلم ما يحتاج إليه الغازي من أمور القتال، وإن كان حاجاً أو معتمراً تعلم مناسك الحجّ والعمرة أو استصحب معه كتاباً لذلك، وإن كان تاجراً تعلم ما يحتاج إليه من أمور البيوع ما يصح منها وما يبطل وما يحل وما يحرم... إلى غير ذلك . [أفاده النووي في الأذكار] .
6ـ وعلى المسافر أن يترك النفقة لأهله ولكل من يجب عليه نفقته عند سفره قال النبي صلى الله عليه وسلم : "كفى بالمرء إِثماً أن يحبس عمّن يملك قوته" أخرج مسلم .
7ـ ويستحب للمسافر أن يقول أذكار المقيم ويزيد عليها الأذكار الخاصة بالسفر .
8ـ وعلى المسافر أن يعلم علم القبلة وعلم أوقات الصلاة لأنه في الحضر يكفيه من محراب متفق عليه يغنيه عن طلب القبلة، ومؤذن يراعي الوقت فيغنيه عن طلب علم الوقت، والمسافر قد يشتبه عليه علم القبلة وقد يلتبس عليه الوقت فلا بد من العلم بأدلة القبلة والمواقيت . [أفاده الغزالي في الإحياء] .
استحباب التوديع للمسافر :
يستحب للمسافر أن يودع أهله وقرابته وإخوانه، قال ابن عبد البر : إذا خرج أحدكم في سفر فليودع إخوانه، فإن الله جاعل في دعائهم بركة. قال : وقال الشعبي: السنة إذا قدم رجل من سفر أن يأتيه إخوانه فيسلموا عليه، وإذا خرج إلى سفر أن يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعاءهم. وفي التوديع سنة مهجورة قل من يعملها، ألا وهي توديع المسافر بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فعن قزعة قال: قال لي ابن عمر : هلمَّ أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أستودع الله دينك، وأماناتك، وخواتيم عملك" . [رواه أبو داود] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (أراد رجل سفراً، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني، قال: "أوصيك بتقوى الله عز وجل، والتكبير على كل شرف" فلما مضى، قال : "اللهم ازوِ له الأرضَ، وهوّن عليه السفر" . [رواه البغوي] .
استحباب السفر يوم الخميس أول النهار :
من هديه في أسفاره ، أنه كان يحب الخروج في يوم الخميس، وكان يخرج في أول النهار، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس" . [رواه البخاري] . وعند أحمد : "قلَّ ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا أراد سفراً إلا يوم الخميس" . وعن صخر الغامدي ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم بارك لأمتي في بكورها" وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم من أول النهار، وكان صخر رجلاً تاجراً، وكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر ماله [رواه أبوا داود] .
استحباب لتأمير في السفر إذا كانوا ثلاثة فأكثر :
نادى الشرع بالاجتماع وعدم التفرق، وحث على ذلك ورغب فيه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" [رواه أبو داود] . ولما كان السفر من الأمور التي يحصل بها الاجتماع والملازمة بين الناس، استحب للقوم المسافرون ـ الذين يبلغون ثلاثة فأكثر ـ أن يؤمروا أحدهم يسوسهم ويأمرهم بما فيه مصلحتهم ، وعليهم الطاعة والاتباع ما لم يأمر بمعصية الله، فإن فعلوا ذلك حصل لهم من اجتماع الكلمة، وسلامة الصدور، ما يجعلهم يقضون حاجتهم من سفرهم دون منغصات أو مكدرات تحدث بينهم . وفي حث النبي صلى الله عليه وسلم على تأمير الثلاثة في السفر لأحدهم تنبيه منه r على الاجتماع الأعظم، والله أعلم .
كراهية الوحدة في السفر :
وفيه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده" [رواه البخاري ]. وفي الحديث فوائد: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر أمته بما يعلمه من الآفات التي تحدث من جراء سفر الرجل وحده مبالغة منه في التحذير من التفرد في السفر، وثانيها: أن النهي يعم الليل والنهار، وخص الليل في الحديث لأن الشرور فيه أكثر والأخطار فيه أكبر، وثالثها: أن النهي يعم الراكب والراجل، ولعل قوله صلى الله عليه وسلم : "ما سار راكب بليل" أنه خرج مخرج الغالب، وإلا فالراجل في معنى الراكب، والله أعلم. وفي النهي عن الوحدة في السفر ـ أيضاً ـ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب" [رواه أبو داود] .
النهي عن سفر المرأة بدون محرم :
نهى الشرع المطهر عن سفر المرأة بدون محرم ، لما قد يترتب عليه من الفتنة لها ولمن حولها من الرجال. والأحاديث الواردة في ذلك صريحة صحيحة لا مجال لتوهينها، ولا تأويلها، فقد روى الشيخان وغيرهما أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم" ولفظ مسلم : "لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها" [رواه البخاري، ومسلم] . وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم" .
فقام رجل فقال يا رسول الله : اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخَرَجَتْ امرأتي حاجّةً قال: اذهب فحج مع امرأتك" . [رواه البخاري، ومسلم] . وكما ترى فإن النهي صريح في منع المرأة من السفر مسيرة يوم وليلة دون محرم لها، زوجها، أبوها، ابنها، أخوها، ونحوهم من محارمها . بل إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي اكتتب في الغزو أن يلحق بأهله الذين خرجوا للحج لهو أبلغ دليل على تحريم سفر المرأة بدون محرم. قال النووي : فيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة، لأنه لما تعارض سفره في الغزو وفي الحج معها، رجح الحج معها لأن الغزو يقوم غيره في مقامه عنه بخلاف الحج معها [شرح صحيح مسلم] .
النهي عن اصطحاب الكلب والجرس في السفر :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اصطحاب الكلب والجرس في الأسفار، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس" [رواه مسلم] .
وسبب النهي عن الجرس لأنها مزامير الشيطان، جاء ذلك مصرحاً عند مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الجرس مزامير الشيطان" . [رواه مسلم] .
دعاء السفر وما ورد فيه من أذكار :
حفلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بأدعية وأذكار، يقولها المسافر ابتداءً من وضع رجله على المركوب وحتى عودته لمحمله. فمنها :
أ / دعاء ركوب وسيلة السفر : عن علي بن ربيعة قال : شهدت علياً رضي الله عنه وأُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله. فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال : {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: 13ـ14] ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . ثم ضحك، فقيل له، يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت يا رسول الله: من أي شيء ضحكت؟ قال "إن ربك يعجب من عبده إذا قال افر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري" [رواه أبو داود، وصححه الألباني] .(1/275)
ب/ ومن دعائه ـ أيضاً عند سفره وعودته . ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال : {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: 13ـ14] اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل .
وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون" [رواه مسلم].
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد ، هو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده ، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" [رواه البخاري، ومسلم] .
ت/ الذكر عند علو الثنايا والهبوط من الأودية : ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، السابق ـ أنه قال في آخره : "وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا، فوضعت الصلاة على ذلك" . [رواه أبو داود، وصححه الألباني] .
ث/ دعاء دخول القرية ونحوها : قال ابن القيم: وكان r إذا أشرف على قرية يريد دخولها يقول: "اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها" [صححه الحاكم، ووافقه الذهبي] .
ج/ ما يستحب ذكره للمسافر في السحر . روى أبو هريرة ري الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول : "سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذاً بالله من النار" [رواه مسلم] .
فائدة :
ينبغي للمسافر أن يغتنم سفره، يدعو لنفسه وآبائه وأهله ومن يحب وأن يجتهد في ذلك، ويتحرى الدعاء الجامع، مع الإلحاح والخضوع فللمسافر دعوة مستجابة فلا ينبغي التفريط فيها. روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم" [رواه أبو داود، وحسنه الألباني] .
دعاء نزول المنزل :
قد يحتاج المسافر إلى النزول من مركوبه، للنوم، أو الأكل، أو قضاء الحاجة، والبرية فيها من الهوام والسباع والشياطين ما الله به عليم، فكان من نعمة الله علينا أن شرع لنا على لسان نبينا r ، دعاءً نقوله يحفظنا ـ بإذن الله ـ من شر كل مخلوق. فعن خولة بنت حكيم السُلمية رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك" . [رواه مسلم] .
استحباب الاجتماع عند النزول وعند الأكل :
جعل الله في الاجتماع القوة والعزة والمنعة والبركة، وجعل في التفرق الوهن والضعف وتسلط الأعداء ونزع البركة. والقوم إن كانوا يسافرون جميعاً استحب لهم أن يجتمعوا في مكان نزولهم ومبيتهم، وكذا يجتمعون على أكلهم لتحصل البركة لهم .
أما الاجتماع عند النزول : فقد روى أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان. فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال لو بسط عليهم ثوب لعمهم" [رواه أبو داود وصححه الألباني] .
والاجتماع على الطعام تحصل به البركة والزيادة، فعن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: "فلعلكم تفترقون" قالوا نعم. قال : "فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه" [رواه أبو داود، وحسنه الألباني] .
رخص السفر :
من قواعد الشريعة (المشقة تجلب التيسير) ولما كان السفر قطعة من العذاب؛ لقوله r السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه، ونومه، فإذا قضى نهمته فليجعل إلى أهله" ، رتب الشارع ما رتب من الرخص، حتى ولو فُرِضَ خَلُّوه عن المشاق؛ لأن الأحكام تعلَّق بعللها العامة، وإن تخلفت في بعض الصور والأفراد فالحكم الفرد يُلحق بالأعم، ولا يفرد بالحكم، وهذا معنى قول الفقهاء رحمهم الله: "النادر لا حكم له" يعني لا ينقص القاعدة ولا يخالف حكمه حكمها، فهذا أصل يجب اعتباره، فأعظم رخص السفر وأكثرها حاجة ما يلي :
1ـ القصر؛ ولذلك ليس للقصر من الأسباب : غير السفر؛ ولهذا أضيف السفر إلى القصر لاختصاصه به، فتقصر الرباعية من أربع إلى ركعتين .
2ـ الجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء في وقت إحداهما : والجمع أوسع من القصر، ولهذا له أسباب أُخر غير السفر: كالمرض، والاستحاضة، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة، ونحوها من الحاجات، والقصر أفضل من الإتمام، بل يكره الإتمام لغير سبب، وأما الجمع في السفر فالأفضل تركه إلا عند الحاجة إليه، أو إدراك الجماعة، فإذا اقترن به مصلحة جاز.
3ـ الفطر في رمضان من رخص السفر .
4ـ الصلاة النافلة على الراحلة وسيلة النقل إلى جهة سيره .
5ـ وكذلك المتنفل الماشي.
6ـ المسح على الخفين، والعمامة، والخمار، ونحوها، ثلاثة أيام بلياليهن لحديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم" وأما التيمم فليس سببه السفر، وإن كان الغالب أن الحاجة إليه في السفر أكثر منه في الحضر، وكذلك أكل الميتة للمضطر عام في السفر والحضر، ولكن في الغالب وجود الضرورة في السفر.
7ـ ترك الرواتب في السفر، ولا يكره له ذلك، مع أنه يكره تركها في الحضر، أما راتبة الفجر وصلاة الوتر، والصلوات المطلقة فتصلى حضراً وسفراً .
8ـ من رخص السفر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا مرض العبد أو سافر كُتبت له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" . فالأعمال التي يعملها في حضره: من الأعمال القاصرة على نفسه، والمتعدية يجري له أجرها إذا سافر، وكذلك إذا مرض، فيا لها من نعمة ما أجلها وأعظمها . أ،هـ.
صلاة التطوع في السفر :
من السنن المهجورة، صلاة المسافر التطوع على مركوبه ، فقلّ من تراه يصلي النافلة أو الوتر في الطائرة أو في غيرها من وسائل السفر. ونبينا r كان يفعل ذلك على راحلته، ولا يلزم تحري القبلة في صلاة النافلة للمسافر إن كان راكباً لمشقة ذلك، والأفضل أن يستقبل القبلة عند الإحرام. روى ابن عمر رضي الله عنهما، قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومي إيماءً ، صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته" [رواه البخاري، ومسلم] . ولذا فإنه يستحب للمسافر ، أن يصلي النافلة والوتر على آلة السفر اقتداء بنبينا r .
حكم صلاة الفريضة على الطائرة أو غيرها :
مسألة : هل يجوز للمسافر أن يصلي الفريضة على الطائرة أو السيارة أو القطار إذا اضطر لذلك؟ أم يؤخرها حتى يصل إلى المكان الذي يتمكن أن يؤديها فيه؟ وهل يلزم التوجه إلى القبلة؟(1/276)
الجواب : أجابت اللجنة الدائمة عن سؤال مماثل فقالت: إذا كان راكب السيارة أو القطار أو الطائرة أو ذوات الأربع، يخشى على نفسه لو نزل لأداء الفرض، ويعلم أنه لو أخرها حتى يصل إلى المكان الذي يتمكن أن يصلي فيه فات وقتها، فإنه يصلي على قدر استطاعته، لعموم قوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286] ، وقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16] ، وقوله تعالى : {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج:78] . وأما كونه يصلي أين توجهت المذكورات، أم لابد من التوجه إلى القبلة دوماً واستمراراً، أو ابتداءً فقط، فهذا يرجع إلى تمكنه ، فإذا كان يمكنه استقبال القبلة في الصلاة وجب فعل ذلك، لأنه شرط في صحة صلاة الفريضة في السفر والحضر، وإذا كان لا يمكنه في جميعها، فليتق الله ما استطاع، لما سبق من الأدلة [فتاوى اللجنة الدائمة] .
النوم في السفر :
قد يضطر المسافر على الطرق البرية على النوم للراحة من عناء السفر، ولما كان الشرع المطهر يرشد الناس لما فيه مصلحتهم العاجلة والآجلة؛ كان من جملة ذلك إرشاد المسافر لمكان نومه، حتى لا يؤذى من هوام الأرض ودوابها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها، وإذا عرستم [المعرس : الذي يسير نهاره ويعرس أي ينزل أول الليل، وقيل: التعريس النزول في آخر الليل] فاجتنبوا الطريق ، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل" [رواه مسلم] .
قال النووي : وهذا أدب من آداب السير والنزول أرد إليه r ؛ لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق لسهولتها، ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه، وتجد فيها من مرة ونحوها، فإذا عرس الإنسان في الطريق ربما مر منها ما يؤذيه، فينبغي أن يتباعد عن الطريق [شرح صحيح مسلم] .
ثم إنه ينبغي على المسافر إذا أراد نوماً، أن يتخذ ما في وسعه من الوسائل التي تعينه على الاستيقاظ لصلاة الفجر ، وفي زمننا هذا أصبحت تلك الوسائل ـ ولله الحمد ـ متيسرة وبأبخس الأثمان. ورسولنا r كان يحتاط لذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى [أي: النعاس أو النوم] عُرس وقال لبلال: أكلأ لنا الليل" [رواه مسلم] ، وعند النسائي وأحمد من وراية جبير بن مطعم رضي الله عنه : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سفر له : من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الصبح؟ قال بلال: أنا ... ألحديث" .
وروى أبو قتادة رضي الله عنه قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فعرّس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرّس قبيل الصبح نصب ذراعه ورأسه على في كفه" [رواه مسلم] .
كراهية قدوم المسافر على أهله ليلاً :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً" وعند مسلم: "إذا قدم أحدكم ليلاً فلا يأتين أهله طروقاً حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة" وعنده أيضاً : "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم، أو يلتمس عثراتهم" [رواه البخاري، ومسلم] .
فينبغي للمسافر إذا رجع إلى أهله أن لا يدخل عليهم ليلاً، حتى لا يرى ما يكره في أهله من سوء المنظر. قال النووي : ... أنه يكره لمن طال سفره أن يقدم على امرأته ليلاً، بغتة، فأما من كان سفره قريباً تتوقع امرأته إتيانه ليلاً فلا بأس، كما قال في إحدى الروايات: إذا أطال الرجل الغيبة. وإذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم واشتهر قدومهم ووصولهم وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم وأنهم الآن داخلون فلا بأس بقدومه متى شاء لزوال المعنى الذي نهي بسببه، فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك ولم يقدم بغتة [شرح مسلم] قلت : ومثله إذا علموا بقدومه عن طريق أجهزة الاتصال ونحوها .
استحباب رجوع المسافر لأهله بعد قضاء حاجته وعدم الإطالة :
يستحب للمسافر إذا نال مراده من سفره أن يعود سريعاً إلى أهله، ولا يمكث فوق حاجته. وقد أرشد إلى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "السفر قطعة من العذاب: يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه. فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله" [رواه البخاري، ومسلم] . قال ابن حجر: وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة ، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا ، ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة "فتح الباري" .
استحباب صلاة ركعتين في المسجد عند قدوم البلد :
من هديه r أنه كان إذا قدم من سفر، فإن أول شيء كان يبادر إليه هو الصلاة في المسجد ركعتين. قال كعب بن مالك رضي الله عنه : [ إن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا قدم من سفر ضحى دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس ] [رواه البخاري، ومسلم] وهذه من السنن المهجورة، التي قل من يطبقها، فنسألك اللهم اتباعاً لسنة نبيك r ظاهراً وباطناً، وبالله التوفيق،،
ما يقوله المسافر إذا أشرف على مدينته :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفلة من عسفان ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وقد أردف صفية بنت حيي، فعثرت ناقته فصرعا جميعاً ، فاقتحم أبو طلحة فقال: يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال : علينك المرأة. فقلب ثوباً على وجهه وأتاها فألقاه عليها، وأصلح لهما مركبهما فركبا واكتنفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما أشرفنا على المدينة قال : آئبون، تائبون، عابدون لربنا حامدون، فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة" .
============
عوائق الفهم
يتعجب البعض عند حديثه للآخرين عدم فهمه ويرُجع السبب إلى أمر واحد وهو غباء المقابل ، أو عدم قدرته على الاستيعاب ، وبالرغم من أن هذا السبب قد يكون صحيحاً عند البعض ولكنه ليس صحيحاً عند الآخرين أو ربما لا يكون هو السبب الوحيد في هذه القضية ، فلا بد من البحث عن أسباب عدم الفهم لأحاديثنا عند البعض أو ما يسمى بعوائق الفهم ، ومن أبرز هذا العوائق :
1ـ استخدام العبارات الصعبة .
خاصة تلك المفاهيم أو المصطلحات الأدبية أو السياسية المعربة من لغات أخرى مثل التكنقراط أو الكنفدرالية أو الشيوفونية وأمثالها من المصطلحات أو بعض العبارات الأدبية العميقة التي لا يفهمها الجميع .
2ـ مخاطبة الناس على أنهم ذو مستوى واحد سواء كان هذا المستوى المظنون هو مستوى ثقافي مرتفع أو متدن فالخطاب يجب أن يشمل الجميع لكيلا يحرم من فهمه البعض الآخر كأن يأتي في عرض حديثه …
3ـ نقص الأدلة فالحديث عندما لا يدعم بالأدلة يكون ضعيفا وقد لا يفهمه الكثير لأن الناس تختلف في قدراتها على الاستيعاب والأدلة تأتي لتسهل عملية الفهم عند هذه الفئات لما تجلبه من توضيح للفكرة المطروحة .
4ـ كراهية السامع للمتحدث :
فالحاجز النفسي من أكبر عوائق الفهم وما لم يكن المتكلم مقبولاً على الأقل فإن حاجزاً يتكون بين السامع والمتكلم يحول دون الفهم الصحيح لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يختار رسله للملوك والأمراء يختارهم من أجمل الصحابة وجهاً وجسما وفصاحة .
5ـ استعمال العبارات المطاطة :
أو تلك التي تحتمل اكثر من تأويل تجعل المستمع في حيرة من المقصود وتحدث خلافا بين المستمعين في مقصود المتحدث وكلما كان الكلام واضحا والعبارات مباشرة كان الفهم أكبر من المستمع .
6- ومن عوائق الفهم انشغال المستمع بشيء آخر(1/277)
فلا بد للقائمين على تنظيم المحاضرة أو المحاضر بذاته إن كان الكلام محفوفاً في بيته أو بيت زميل له أو مكتبه عليه أن يزيل كل ما من شأنه أن يشغل المستمع عن حديثه ، ومثالا على ذلك ألا يتحدث في مكان فيه من الزخارف والملفتات ما فيه ، ويتعمد الحديث في بيوت الله ، أو القاعات المخصصة لذلك ، إلا أن يكون الانشغال في قضايا تخص المستمع ، فلا يملك المتحدث في هذا الأمر شيئاً إلا أن يكون المستمع قريبا له فيعالج ما يشغله عما يتحدث فيه إن استطاع .
7ـ مقاطعة المتحدث :
وهذه المقاطعة لها عدة صور كأن يقاطعه المقدم ليعلن إعلانا أو لأي شيء آخر كتنبيه أو تحذير أو ما شابه ، أو بمرور ساقي الماء أمامه ، أو إعطائه قهوة أو شايا أثناء حديثه .
أو حدوث جلبة في قاعة المحاضرة كتوزيع طعام أو شراء أو حدوث صوت مرتفع قريبا من مكان الحديث .
أو وضع مزهرية كبيرة تحجب صورة المتحدث عن المستمع ، أو أنه يجلس في مكان منخفض أو متساو مع المستمعين أو صياح طفل ، أو حديث بين اثنين وغيرها من الأمور التي تقاطع المتحدث وهذه من الأمور التي كان يحرص عليها الإسلام في آدابه في الحديث ، وأيضاً نلحظ حرصه على أن يكون المتحدث في مكان مرتفع كما هي السنة في خطبة الجمعة .
8ـ عدم اختيار الوقت المناسب .
فاختيار الوقت له أكبر الأثر في فهم المستمع فالحديث في منتصف النهار أو أوله ليس كالحديث في بداية الليل أو منتصفه ، وكذلك يتأكد اختيار الوقت المناسب عند حدوث الظروف غير المتوالية للحديث ، كالحديث عن القبر وعذابه في مناسبة الأفراح والأعراس والحديث عن الأفراح في مناسبة الموت والعزاء .
المصدر : كتاب وقفة تربوية .
============
مفسدات القلب
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما مفسدات القلب الخمسة فهي التي أشار إليها من كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله، والشبع، والمنام. فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب.
المفسد الأول: كثرة المخالطة:
فأما ما تؤثره كثرة الخلطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما، وضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشثغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم. فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟
هذا، وكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية. وهل آفة الناس إلا الناس؟
وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا، وقضاء وطر بعضهم من بعض، تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة، ويعض المخلط عليها يديه ندما، كما قال تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، ياويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني [الفرقان:27-29] وقال تعالى: الأخلآء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين [الزخرف:67]، وقال خليله إبراهيم لقومه: إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين [العنكبوت:25]، وهذا شأن كل مشتركين في غرضك يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامة وحزناً وألماً وانقلبت تلك المودة بغضاً زلعنة، وذماً من بعضهم لبعض.
والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج، وتعلم العلم، والجهاد، والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات.
فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر، ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر أن يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر. ولكن أذى يعقبه عز ومحبة له، وتعظيم وثناء عليه منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين، وموافقتهم يعقبها ذل وبغض له، ومقت، وذم منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين. فالصبر على أذاهم خير وأحسن عاقبة، وأحمد ما لا.
وان دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه.
المفسد الثاني من مفسدات القلب: ركوبه بحر التمني:
وهو بحر لا ساحل له. وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس. فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية، ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية، بل اعتاضت عنها بالأماني الذهنية. وكل بحسب حاله: من متمن للقدوة والسلطان، وللضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان والمردان، فيمثل المتمني صورة مطلوبة في نفسه وقد فاز بوصولها والتذ بالظفر بها، فبينا هو على هذا الحال، إذ استيقظ فإذا يده والحصير!!
وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره. فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خداع وغرور.
وقد مدح النبي متمني الخير، وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله.
المفسد الثالث من مفسدات القلب: التعلق بغير الله تبارك وتعالى:
وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق.
فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به. وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه. فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل. قال الله تعالى: واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ، كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [مريم:81-82]، وقال تعالى: واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون [يس:74-75].
فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله. فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، أوهن البيوت.
وبالجملة: فأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله. ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى: لا تجعل مع الله إلاها أخر فتقعد مذموما مخذولا [الإسراء:22] مذموما لا حامد لك، مخذولا لا ناصر لك. إذ قد يكون بعض الناس مقهوراً محموداً كالذي قهر بباطل، وقد يكون مذموماً منصوراً كالذي قهر وتسلط بباطل، وقد يكون محموداً منصوراً كالذي تمكن وملك بحق. والمشرك المتعلق بغير الله قسمه أردأ الأقسام الأربعة، لا محمود ولا منصور.
المفسد الرابع من مفسدات القلب: الطعام:
والمفسد له من ذلك نوعان:
أحدهما: ما يفسده لعينه وذاته كالمحرمات. وهي نوعان:
محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي الناب من السباع والمخلب من الطير.
ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه، إما قهرا وإما حياء وتذمما.(1/278)
والثاني: ما يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط، فإنه يثقله عن الطاعات، ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان ووسعها، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يطرقها ويوسعها. ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا. وفي الحديث المشهور: { ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه } [رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه ا لألبا ني].
المفسد الخامس: كثرة النوم:
فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدا، ومنه الضار غير النافع للبدن.
وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره ، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه، وكثر ضرره، ولاسيما نوم العصر. والنوم أول النهار إلا لسهران.
ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؟ فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول ا لأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة. ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه علي حكم تلك الحصة. فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.
بالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات. وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل، عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. وكان رسول الله يكرهه. فهو مكروه شرعا وطبعا. والله المستعان.
اللهم علق قلوبنا برجاءك واقطع رجاءنا عمن سواك
اللهم اجعلنا نحبك بقلبنا كله , ونرضيك بجهدنا كله
وصلى الله على سيد الأولين والآخرين
نقله أخوكم غربة السنة
شبكة أنا المسلم
==============
عيدكم مبارك
تهنئة :
أخي الفاضل.. أختي الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال ..
ثم إنه يسرنا أن نهنئكم بقدوم أيام عيد الفطر المبارك ، جعلها الله أيام عز للإسلام والمسلمين
أخي الحبيب.. أختي الحبيبة
من تأمل أحول الناس وعرف كيف يقضون أوقاتهم، وكيف يمضون أعمارهم، وخاصة أيام العيد ـ والأولى منها بالذات، علم أن أكثر الناس محرمون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت ومن هنا يسعدنا أن نشارككم فرحة هذا العيد بقطوف من بستان النصح نهديها لكم، متمثلين بذلك قول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وذلك حتى يكون عيداً سعيداً بإذن الله..
نصائح وإرشادات:
ـ في ليال العيد الأولى يكثر الازدحام والاختلاط في الشوارع والأسواق والأماكن الترفيهية، حاولوا أن تجنبوا أسرتكم مثل هذه الأماكن وفكروا كيف يمكنكم أن تغتنموا أيامكم بعيداً عن ذلك كله.
ـ علموا أولادكم أن ليس معنى العيد الإسراف أو التبذير في المال والوقت، بل إن للعيد معنى أكبر من هذا بكثير، قال صلى الله عليه وسلم "لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال،.... وذكر منها: عن عمره فيم أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه .." رواه الترمذي.
ـ قال صلى الله عليه وسلم "كلكم راع ومسؤول عن رعيته" الحديث، والأبناء من أغلى المسؤوليات وأعظم الأمانات رعاية وحفظا، فحافظ على ما أتمنكم الله عليه من الأولاد واحذروا من أن تسرق أماناتكم أو تخدش أو تمس بسوء.
ـ يقول الله جل وعلا {والعصر، إن الإنسان لفي خسر} ويقول الأول:
الوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليكـ يضيع
فإضاعة الأوقات فيما لا فائدة منه وإشغالها بمشاهدة أو حضور المحرمات أو المنكرات وأماكن اللهو وميادين العبث من أعظم التضييع لأمانة الوقت.
وعند الصباح يحمد القوم السرى.
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بتاريخ 15ـ 3 ـ 1420 ورقم 20856 عن
حكم إقامة المهرجانات والحفلات التي تتضمن اللهو والغناء والطرب.... وعن حكم حضور هذه الاحتفالات والمهرجانات ومشاهدتها؟
فأجابة: يحرم على المسلم إقامة حفلات أو مهرجانات مشتملة على أمور منكرة كالغناء والموسيقى واختلاط الرجال بالنساء وإحضار السحرة والمشعوذين ....وإذا تقرر أن أقامة هذه الحفلات والمهرجانات محرم فحضورها وبذل الأموال فيها وتشجيعها والدعاية لها كل ذلك محرم أيضاً لأنه من إضاعة المال والأوقات فيما لا يرضي الله سبحانه، ومن التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
ـ أختي الكريمة.. نخصك بالخطاب، كما خصك الله تعالى عن خلقه فأكرمك بالحجاب، إن تميزك الحقيقي بعفافك، وعزتك في حجابك، فلا تهتكي ستر الله عنك بيديك فتخسري بذلك الدنيا والآخرة..
مقترحات :
ـ زيارة الأقارب وصلة الأرحام، فهي سبب دخول الجنة وحصول الرحمة قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه" رواه البخاري ، وللزيارات والرحلات العائلية في العيد شعوراً خاصاً، فشمروا في مضمار الخير عسى أن يكون لكم قدم السبق فيه.
ـ الرحلات البرية.. {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} وهذه الرحلات ذات طابع ترويحي مميز جداً، وخاصة مع هطول الأمطار واعتدال الأجواء، بعيداً عن الازدحام والاختلاط المفسدين، وأماكن اللهو والمنكرات.
ـ زيارة المسجد النبوي الشريف، وأداء العمرة في الحرم المكي، فإن ذلك من أنفع ما استغلت به الأعمار قال صلى الله عليه وسلم" .. والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، ما اجتنبت الكبائر"
ـ تنتشر الاستراحات الخاصة في كل مكان بعيداً عن أجواء الازدحام والضوضاء وهي تتميز بالترفيه الجيد مع المحافظة على خصوصية العائلة التامة.
ـ يمكن للإنسان أن يستغل العيد بتقديم عمل لدينه يشهد له غداً عند الله، أو بالتدرب على مهارة مفيدة حتى يكون عضواً فعالا في أمته.
ضدان ما اجتمعا لطالب عزة *** شرف النفوس وراحة الأجساد
ـ هناك من الناس من يعيش معنا هذا العيد دون أن يعيش فرحته وذلك لأن قلبه لم يحمل نور الإسلام بعد، ماذا قدمت لهؤلاء.. وهلا مددتم لهم أيديكم لتشعلوا في ظلام أرواحهم وقلوبهم قنديل الإيمان فيبصروا السعادة الحقيقية.
أخيراً:
أخي العزيز.. أختي العزيزة
لا تنسوا أن لكم أبناء آخرين، وإخوة آخرين، وعائلة أخرى.. يربطون بكم بأواصر هذا الدين فلا تنسوا في غمرة فرحتكم بهذا العيد أن تمدوا أيديكم لهم بالدعاء والصدقة والمعونة.
والله يتولاكم ويحفظكم ويرعاكم ،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقفات مع العيد
المصدر : المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في الصناعية القديمة
=============
حكم إقامة المآتم وأجور القراء
بحث لفضيلة الشيخ الدكتور علي الشريف
مقدمة
بقلم أحمد بن محمد الشرقاوي 1(1/279)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد : فهذه رسالة موجزة لشيخي وأستاذي الدكتور على الشريف ، حول موقف الإسلام من بدعة المآتم :
تلك البدعة الشائعة في بعض البلدان لدى كثير من العوام ، بل وبعض المتعلمين ، مع كونها من عادات الجاهلية التي حرمها الإسلام ، ومع ما فيها من إضاعة الدين والمال والوقت والجهد .
فترى الناس في بعض البلدان الإسلامية إذا فقدوا حبيبا أقاموا المآتم ونصبوا الولائم ، وأنفقوا الآلاف ، وصموا آذانهم عن صوت الدعاة المخلصين الغيورين الذين يحاربون تلك البدع وينكرون على أصحابها وينصحون بالتمسك بالسنة وإحيائها سيما في الأحوال التي تطرأ على الإنسان من أفراح وأتراح ، فيعلو صوت التقليد الأعمى والتفاخر المقيت والتباهي الكاذب ، و يقدَّم مراعاة الخواطر ومداراة الناس وإرضاؤهم ، والبذخ على حساب " الميت " يقدم ذلك على الحرص على ما ينفعه ، ويرضي الله ورسوله وصالح المؤمنين ، فلو كان أهل الميت محبين له مخلصين لذكراه لبحثوا عما ينفعه من قضاء دينه والتصدق عليه والاستغفار له ورعاية أولاده والسعي على أرملته ، ولكنها المظاهر الكاذبة والتقاليد البالية هي الغالبة على من لا خلاق لهم .
وأعظم من مصيبة الموت : مصيبة الخميس والأربعين حيث يجتمع أهل الميت ومعهم الأقارب والأصدقاء والمحبين بعد أول خميس يمر على الميت ويسميه العوام في بعض البلاد "خميس الطين" ، وبعده الخميس الصغير ويليه الخميس الكبير، وربما استعانوا فيه بمقرئ وأقاموا فيه الولائم والعزائم وعطلوا فيه المصالح ، وضيعوا الأوقات في البدع والخرافات في زمن صار الوقت يحسب فيه " بالفيمتو ثانية " ومع ذلك فلا بأس من إهدار الطاقات وإضاعة الأوقات لإحياء بدعة وتجديد الأحزان وفتح جروح كادت أن تلتئم .
* لقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يدركون قيمة الوقت وأهميته ويستشعرون أنه أمانة ومسئولية فيحافظون على أوقاتهم في كل نافع ومفيد ويحرصون على الوقت حرص أولئك المبتدعة على الدراهم والدنانير :
* فهذا أبو يوسف القاضى صاحب الإمام أبي حنيفة ، كان شديد الملازمة لشيخه ، لازم مجلسه أكثر من 17 سنة ، ما فاته صلاة الغداة معه ، ولا فارقه في فطر ولا أضحى إلا من مرض ، روى محمد بن قدامة ، قال : سمعت شجاع بن مخلد ، قال : سمعت أبا يوسف يقول : مات ابن لي ، فلم أحضر جهازه ولا دفنه وتركته على جيراني وأقربائي ، مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شئ لا تذهب حسرته عنى ) 2. (1)
* ومات ولد لوكيع بن الجراح المحدث الفقيه فخرج يوم وفاة ولده وروى للناس أربعين حديثا زيادة على ما كان يروي في كل درس .
* ومات ولد للقائد المظفَّّّر صلاح الدين الأيوبي وجاءه الخبر وهو في إحدى المعارك فاستقبله بالصبر الجميل وتجلَّد واحتسب ولم يحدث أحدا ولم يظهر عليه شيء من الألم سوى دمعة ذرفت من عينيه : يقول القاضي ابن شداد الذي كان يرافقه :" فانظر إلى هذا الصبر والاحتساب وإلى أي غاية بلغ هذا الرجل ؟ اللهم إنك ألهمته الصبر والاحتساب فلا تحرمه ثوابه يا أرحم الراحمين 3 (2)
وورد أن حاتم الأصم بلغه أن رجلا يدعى معاذا الكبير أصابته مصيبة فأعلن الحداد ولبس السواد واستدعى النائحات وكسر الأواني فاتفق حاتم الأصم مع تلميذ له أن يذهبا إليه ، وأن يسأله إذا جلسا عنده عن تفسير قوله تعالى } إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ {6} { سورة العاديات.
فلما ذهبا إليه ودخلا عليه بادر التلميذ بالسؤال فقال حاتم : ليس هذا وقت السؤال ، فسكت التلميذ برهة ، ثم أعاد السؤال فقال شيخه حاتم : ليس هذا وقت السؤال ، ثم أعاد التلميذ السؤال مرة ثالثة فأجاب حاتم معنى } إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ {6} { أي عداد للمصائب ، نسّاء للنعم مثل معاذ هذا ، ابتلاه الله بالنعمة عشرين سنة فلم يفكر في جمع الناس عليها ، فلما ابتلاه U بهذه المصيبة جمع النائحات وأعلن الحداد ، فخجل معاذ من صنيعه وندم عليه وتاب إلى الله تعالى ورضى بقضائه " 4 (3)
* وهذه رسالة تضمنت فتاوى حول موقف الإسلام من المآتم وما يلحقها من أجور القراء عليها ، مع استطراد إلى حكم أخذ الأجر على الرقى وتعليم القرآن وقد دفعها لي أستاذي وشيخي ومعلمي أبي محمد على بن محمد بن يوسف الشريف لأقرأها وأنتفع بها فرأيت من المفيد أن تنشر فينتفع بها الجميع فدفعتها إلى أخي محمد فصفَّها لي في ممصر ثم سفرللعممرة وسلمها لي عندما تلاقينا بمكة المكرمة عند باب الحجون في شهر رمضان 1425 هـ ، فأخذتها وقدمت لها بهذه المقدمة المتواضعة فجزى الله أخي خير الجزاء .
* والشيخ الدكتور على الشريف غني عن التعريف يعرفه طلابه في جامعة الأزهر وجامعة الإمارات وكلية التربية للبنات بجدة كما يعرفه العاملون في حقل الدعوة فهو من الدعاة المخلصين ، وله مواقف في الحق شاهدتها بنفسي فضلا عما لمسته بنفسي في مدة ملازمتي له من تمسك بالسنة وحرص على إخماد البدع والإنكار على أصحابها مهما كلفه ذلك فهو لا يخشى في الحق لومة لائم ولقد أصابته بسبب ذلك محن وابتلاءات قابلها بالصبر والثبات ، ولم يسلم من مكائد بعض المتعصبين للبدع ، ومع ذلك فهو ماض على طريق الحق بخطى ثابتة وبصيرة نافذة وروح وثََّابة ، وله حفظه الله كتابات طيبة مباركة منها موقف سورة آل عمران من أهل الكتاب ، ورسالة في أحكام وآداب تلاوة القرآن ، وتفسير سورة الحجرات وتفسير سورة الفتح ، ودراسة لآيات الخمر في القرآن .
* وكتاباته حفظه الله دقيقة وموثقة ، هذا فضلا عما منَّ عليه الرحمن من طلاقة لسان وفصاحة وبيان ولو أتيح له ما أتيح لغيره من منابر إعلامية لكان ملأ القلوب والأسماع ، ولكن شأنه شأن كثير ممن أعرفهم من أصحاب المواهب الخطابية الذين لم تفتح لهم أبواب إعلامية لينشروا العلم ويبينوا السنن على أوسع نطاق . 5
* ولكنه مع ذلك لم يألُ جهدا ولم يترك مجالا ممكنا إلا وأفاد فيه وأجاد ، وأعتذر للقارئ الكريم على هذا الاستطراد ، وأسأله تعالى أن يوفق جميع العاملين في حقل الدعوة وأن يرزقنا القبول .
* وبعد فهذه لمسة وفاء لشيخي وأستاذي أن أقدم للقراء الكرام بعض نتاجه وأن أعرّف بشيخي من لا يعرفه من غير المتخصصين فحقهم علينا أن نعرفهم بأهل العلم وأن نقربهم منهم ، وشيخنا حفظه الله من أهل الشرقية ومقيم في مدينة الزقازيق
والله أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا .
كتب هذه المقدمة
الفقير إلى الله
أحمد بن محمد الشرقاوي
Sharkawe2000@yahoo.com
عنيزة - 0508859385
الأجرة علي القرآن الكريم
اعتاد كثير من الناس في بعض البلدان الإسلامية ومن أمد غير بعيد على إقامة المآتم فى مناسبات وحالات الوفاة فيما يسمي بالسرادقات التي تقام من أجل ذلك أو فيما يسمي بالمضايف التي تقام في بعض القرى ، أو فيما يسمي بدور المناسبات فى بعضها الآخر ، أو في المدن ، اعتاد هؤلاء إقامة ذلك ، ويتبعه بالطبع استئجار مقرئ أو أكثر يقرأ القرآن علي الحاضرين ممن قدِموا لأداء العزاء ، ثم إعطاؤه أجراً علي القراءة .(1/280)
ولقد اختلف العلماء في عمل وإقامة مثل ذلك اختلافا كثيراً ، وسنعرض لبيان أقوال وآراء العلماء في هذين الأمرين ( إقامة المأتم ) و ( إعطاء الأجرة مقابل قراءة القرآن فى هذا المأتم ) ومحور الحديث إنما هو بيان الحكم الشرعي فى أخذ الأجرة علي القراءة ، ولقد جاء الحديث عن بيان الحكم الشرعي فى إقامة المأتم باعتباره سبباً فى دعوة المقرئين لقراءة القرآن فيه .
ونستهل الحديث أولاً عن المأتم باعتباره السبب والمقدمة للقراءة والأجرة عليها فنقول وبالله تعالى التوفيق :-
حكم إقامة المأتم :-
ذكرت فيما سبق أن محور الحديث هو إعطاء الأجرة فى مقابل قراءة القرآن في المأتم وأخذ المقرئين لها نظير تلك القراءة ، هذا هو محور الحديث لما له من الصلة البينة والوثيقة بآداب تلاوة القرآن الكريم ، إذ إن المأتم هو السبب المباشر في الإتيان بالمقرئين للقراءة فى هذه المآتم ، وفى مستهل حديثنا عن بيان الحكم الشرعي فى إقامة المأتم وأخذ الأجرة علي قراءة القرآن وفى مستهل ذلك :-
أولا :
أحببت أن أنبه القارئ إلي مسألة خطيرة وبالغة الأهمية في حياة المسلمين وأذكر بها ، وهي وجوب الرجوع إلي كتابQ تعالي وسنة رسوله r وذلك فى حالة حدوث النزاع والخلاف ، امتثالا لأمر Q تعالي في قوله } فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا { (6) ، والرد إلى Q تعالي إنما هو الرد إلي كتابه ، والرد إلي الرسول r هو الرد إلي سنته ، قال ذلك مجاهد وكثير من علماء السلف من المفسرين وغيرهم ، وذكره ابن كثير عند تفسير الآية الكريمة السابقة من سورة النساء فقال ، قال مجاهد وغير واحد من السلف أى : إلي كتاب Q تعالي وسنة رسوله r ، ثم استطرد ابن كثير مبينا ما تضمنته الآية الكريمة من معان تؤكد وتقرر مسألة الرد إلي Q ورسوله ، وأن هذا أمر واجب علي كل مسلم رضى بالله تعالي رباً ، وبمحمد r نبياً ورسولاً ، يقول رحمه Q تعالي : ’’ وهذا أمر من Q عز وجل بأن كل شئ تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع فى ذلك إلي الكتاب والسنة فما حكم به كتاب Q تعالي وسنة رسوله r وشهدا له بالصحة فهو الحق ، وماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ ولهذا قال تعالي } إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ { أى : ردوا الخصومات والجهالات إلي كتاب Q وسنة رسوله فتحاكموا إليهما ، فيما شجر بينكم } إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ { فدل على أن من لم يتحاكم فى مجال النزاع إلي الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما فى ذلك فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر ، وقوله } ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا { أي : أحسن عاقبة ومآلاً ، كما قال السدي وغير واحد ، وقال مجاهد أحسن جزاءًا ، وهو قريب .
هذا هو ما تضمنته الآية الكريمة وما تؤكده من الأمر برد ما تنازع الناس فيه إلي كتاب Q وسنة رسوله r ، وتقرر هذا المعنى وتأكد بما لا يدع مجالاً لأدنى ريبة ممن فى قلوبهم مرض وتأكد هذا فى قوله تعالى } وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ { (7) .
ومن هذا المنطلق الكريم ، منطلق الوحي الإلهي العظيم ، وحي القرآن والسنة نناقش هذين الأمرين ، إقامة المآتم ، وأخذ الأجرة علي قراءة القرآن فيها .
ونبدأ أولا بعرض وذكر الأدلة من كتاب Q تعالي فنقول وبالله التوفيق :-
الأدلة من القرآن الكريم
لقد نهي Q تعالي عن التبذير والإسراف في كثير من آيات القرآن الكريم وبالغ في النهي عن ذلك إذ وصف المبذرين بأنهم إخوان للشياطين وقرناؤهم ، ذكر Q تعالي ذلك في قوله تعالى } وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا { (8) ، وجاء النهي عن التبذير فى الآية الكريمة عقب الأمر بإعطاء ذوى الحقوق حقوقهم، من القرابة ، والفقراء ، والمساكين ، وأبناء السبيل ، وجاء النهي في هذا السياق استدراكاً أريد به الحفاظ على المال ورعايته والاهتمام بشأنه ولقد أمر Q تعالي بالاعتدال والتوسط فى الإنفاق حتى ولو كان ذلك في سبيل الله فى الصدقة وفى غيرها ، وذلك فى قوله تعالي } وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا { (9) .وفى قوله تعالى } وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {(10).
يقول ابن كثير عند تفسير هذه الآيات : ’’ ففى آية الإسراء لما أمر بالأنفاق نهى عن الإسراف فيه بل يكون وسطاً كما قال فى الآية الأخرى } وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا { ، وقال ابن كثير عند تفسير آية الفرقان : ’’ أي : ليسوا بمبذرين فى إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ولا بخلاء علي أهليهم فيقصرون فى حقهم فلا يكفونهم ، بل عدلاً خيارا وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا (11) .
والإسلام وإن كان قد رغب فى الإنفاق فى سبيل Q وفى أوجه البر والخير وندب إلى الوصية فى المال فإنه قد بين أن ذلك يكون فى حدود ثلث المال لا يتجاوز ذلك ، فقد أخرج أحمد فى المسند والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عمران بن حصين رضى Q عنه أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له وليس له مال غيرهم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال [ لقد هممت أن لا أصلي عليه ] وفى رواية [ فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة ] (12) ويؤخذ من هذا الحديث أنه r أمضي الوصية فى الثلث فقط وأقرها فيه كما أنه غضب من تصرف هذا الرجل عندما أوصى بكل ماله الذي يملكه وهم الأرقاء الستة ولم يقره عليها بل أقرها فى الثلث فقط ، ويؤكد هذا ما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال : عادني رسول Q r فى مرضٍ ( أشفيت ) (13) منه على الموت ، فقلت يا رسول Q بلغنى ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لى واحدة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال لا قال أى : سعد : أفأتصدق بشطره ؟ قال r لا : الثلث ، والثلث كثير ؛ إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ] (14).
ومن هذه الآيات والأحاديث التي أوردناها نتبين أن الله سبحانه وتعالي ينهى عن الإسراف والتبذير فيما هو مباح ، وكذلك ينهى الرسول r فيما هو مباح من الأكل والشرب والتصدق ، إذاً فمن باب أولى النهي عن ذلك فيما ليس من المباحات ، بل يتأكد هذا النهي فى الأشياء التي لا نفع فيها ، والتي تكون سبباً فى ضياع المال ، ووسيلة من وسائل إتلافه فيما لا نفع فيه ، بل يكون فيها من المفاسد والمضار الشيئ الكثير ، ومن بينها بلا ريب المآتم ، يعرف ذلك ويدركه من عنده مسكة من عقل ، ولما كانت المآتم سبيلاً لإتلاف المال وضياعه فيما لا ينفع فهي داخلة فى هذه الأمور المنهي عنها بل إن النهي عنها آكد وأبلغ من غيرها والله تعالى أعلم .
الأدلة من السنة(1/281)
بداية ينبغي على كل مسلم أن يعلم علم اليقين أن طاعة الرسول r أمر قد أوجبه Q تعالي علينا – على جميع المسلمين – فطاعة الرسول r فرض فرضه Q تعالى على كل مسلم ومسلمة ، ويتأكد هذا في قوله تعالي } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ { (15) ، وبين سبحانه أن طاعة رسوله r هي الطريق إلي طاعة Q U وهي عين طاعته سبحانه فقال عزت قدرته } مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا { (16).
يقول ابن كثير فى تفسير آية النساء هذه : ’’ يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد r بأن من أطاعه فقد أطاع Q ومن عصاه فقد عصي Q وما ذاك إلا لأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ’’ (17).
ويأمرنا Q U بأن نأتمر بأوامره وأن ننتهي عما نهانا عنه فنأخذ ما أتانا به ، ونترك ما نهانا عنه ، قال سبحانه وتعالي } وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { (18).، ولقد تأكدت طاعة الرسول r على لسان الرسول نفسه ، فقد أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم علي أنبيائهم ] (19).
ولقد بين صلوات Q وسلامه عليه أن من أطاعه فقد أطاع Q U ومن عصاه فقد عصى Q سبحانه فقال r [ من أطاعنى فقد أطاع Q ومن عصاني فقد عصا Q ] (20) ، رواه مسلم عن أبي هريرة ، فهذه النصوص من كتاب Q تعالي وسنة رسوله r صريحة وواضحة الدلالة فى الأمر بطاعة الرسول r في كل ما جاء به من شرع Q تعالى وفى كل أمر من أمور الدين والدنيا ورد فيه نص صريح صحيح من كتاب Q تعالي أو من سنة رسوله r فى المآتم أو في غيرها .
وكما أمرنا Q تعالي باتباع وطاعة رسوله r فإنه سبحانه يحذرنا من مخالفة أمره r ، ويبين أن فى ذلك فتن عظيمة تصيب من يخالف أمره وكذلك العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة ، قال سبحانه وتعالى } فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { (21).
ونخلص من هذا الذى ذكرناه من كتاب Q تعالي ومن سنة رسوله r أن ما روي عنه مرفوعاً أو ما هو فى حكم المرفوع من موقوفات الصحابة التي رُويت وأُثرت عنهم فيما لا مجال للرأي فيه مما هو من الغيبيات أو من الحلال والحرام ما روي عنه أو عن أصحابه من ذلك فى شأن تحريم المآتم وبيان عدم شرعيتها – ما روي من ذلك فإنه ينبغي اتباعه وقبوله والعمل به امتثالاً للنصوص الآمرة بإتباعه والناهية عما ليس من شرعه ولا من سنته r ومما روي من ذلك في شأن المآتم مما له حكم المرفوع حديث جرير بن عبد Q البجلي رضي الله عنه أنه قال [ كنا نعد – وفى رواية نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة ] (22).
ولا يفوتنا أن نبين هنا أن حديث جرير هذا له حكم الحديث المرفوع إلي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه تضمن حكماً يتعلق بالحلال والحرام ، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وقول الصحابي ( كنا نفعل كذا ، أو كنا نرى كذا ، أو كنا نعد كذا ، أو من السنة كذا ، ) له حكم الحديث المرفوع إذا لم يكن للرأى فيه مجال ، وهذا ينطبق علي حديث جرير هذا ، إذا كان الأمر كذلك فإن هذا الذي أخبر عنه جرير بن عبد الله البجلي من أنهم كانوا يعدون أو يرون الجلوس للعزاء من النياحة أو من أعمال الجاهلية – إنما هو من الأحكام الشرعية التي يحكم بها وأقرها رسول Q r ، إذ هي مما يدخل نطاق الحلال والحرام ، أي الأمور التي ليس للرأي فيها مجال ولا للعقل فيها اجتهاد وبذلك يتضرر ويتأكد تحريم المآتم ، لأنها كانت على عهد الرسول r وأصحابه رضى الله عنهم من النياحة ، ومن أعمال الجاهلية ، ومما لا ريب فيه أن النياحة محرمة ، وكذلك أعمال الجاهلية التي نهى عنها الإسلام فإنها محرمة كذلك ، إذ أن ذكر أعمال الجاهلية هنا فى هذا الحديث حديث جرير ، قد سيقت فى معرض الذم ، وهذا ما يؤكد أنها من المحرمات ، والله تعالى أعلم .
وبعد هذا العرض الموجز لأدلة تحريم المآتم من الكتاب والسنة نود أن نورد على سبيل الإيجاز أقوال الأئمة الفقهاء فى حكم المآتم فنقول وبالله تعالى التوفيق :-
أقوال أئمة الفقه فى تحريم المآتم
لقد بينا فيما سبق الحكم الشرعي فى إقامة المآتم بعد دفن الميت وبينا أن هذا الحكم هو التحريم ، وأقمنا على ذلك الأدلة من كتاب Q تعالى ومن سنة رسوله الكريم r ، وحسب المسلم في إثبات الحكم الشرعي وبيانه أن يكون ذلك من كتاب Q تعالى ومن سنة رسوله r فهما المصدر الأساسي والرئيس والأوحد فى بيان الحكم الشرعي وإثباته وهما الصادقان الصحيحان فى ذلك ، لكن لا حرج ولا مانع فى تأكيد هذا الحكم الشرعي من كلام الأئمة العلماء ولا سيما الفقهاء منهم وذلك لبيان أن أهل العلم من الفقهاء وغيرهم قد قالوا بهذا وأخذوا به ، وأن مرجعهم في ذلك إنما هو كتاب Q تعالي وسنة رسوله r .
ونود أن نلفت النظر هنا ونوقظ العقول إلى أن أهل العلم من الفقهاء وغيرهم إذ حرموا إقامة المآتم فإنهم بنوا ذلك وأسسوه على ما نقلناه من نصوص من كتاب Q تعالى وسنة رسوله r فهم لنا قدوة وأسوة في ذلك إذ أنهم السابقون إليه والدالون عليه .
هذا وأقوال الفقهاء في تحريم المآتم كثيرة وفيما يلي نذكر منها أمثلة وهي :-
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالي وأكره النياحة علي الميت بعد موته وأن تندبه النائحة ، لكن يعزى بما أمر Q U من الصبر والاسترجاع ، وأكره المأتم ، وهي الجماعة وإن لم يكن بكاء ، فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر (23).(1/282)
وللإمام النووي كلام طيب ذكره في المجموع فى شأن المآتم وبيان الحكم الشرعي فيها فقال رحمه Q تعالى ’’ وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف – يريد به الشيرازي – وسائر الأصحاب على كراهته قالوا - يعني بالجلوس لها – أن يجتمع أهل الميت فى بيت فيقصدهم من أراد التعزية قالوا : بل ينبغي أن ينصرفوا فى حوائجهم ، فمن صادفهم عزاهم ، ولا فرق بين الرجال والنساء فى كراهة الجلوس لها ’’ (24) ، والجلوس للتعزية مكروه عند الحنفية وقد نص على ذلك ابن الهمام فى شرح الهداية فقال : ’’ وهي بدعة قبيحة ’’ (25) ، وقد نص على كراهة ذلك الإمام أحمد ، وهو مذهب الحنابلة ، قال أبو الخطاب ’’ يكره الجلوس للتعزية ’’ وقال ابن عقيل : ’’ يكره الاجتماع بعد خروج الروح ’’ لأن فيه تهييجاً للحزن ، وقال الإمام أحمد : ’’ أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعز فيعزي إذا دفن الميت أو قبل أن يدفن ’’ (26) ، ومعنى كلام الإمام أحمد رحمه Q تعالي والمقصود منه أن التعزية تكون قبل الدفن فإن لم يدرك ذلك ويعزى قبل الدفن فإنه يعزي بعد الدفن ، ولا يفوتنا أن ننبه هنا إلي أن المقصود بلفظ ( الكراهة ) فى كلام الأئمة السابق الذي نقلناه عنهم – المقصود بكلمة ( الكراهة ) الواردة في ذلك أنها كراهة التحريم ، لا كراهة التنزيه كما يفهم البعض ، وذلك هو المناسب لسياق الكلام والمناسب أيضاً لحال الحكم الصادر ، فإن هذه الحال هي التحريم ، فإن الجلوس للعزاء هو من النياحة ، ومن أعمال الجاهلية كما ورد ذلك في حديث جرير بن عبد الله البجلي ، والنياحة محرمة ، وأعمال الجاهلية التي نهي عنها الإسلام ولم يقرها محرمة أيضاً ، ومما يدل علي تحريم النياحة وأعمال الجاهلية ودعاواهاما أخرجه البخاري ومسلم بسنديهما عن عبد الله بن مسعود رضى Q عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ليس منا من ضرب الخدود أوشق الجيوب أو دعا بدعوى أهل الجاهلية ] (27) ، فالحديث يدل علي تحريم النياحة ، ودعوى الجاهلية ، ويؤكد هذا ما ذكره ابن حجر عند شرح هذا الحديث حيث قال رحمه الله تعالى : ’’ وهذا يدل علي تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره ’’ (28) .
ومما يدل علي ذلك على أن المراد بكلمة ( الكراهة ) ومشتقاتها إنما هو التحريم – مما يدل على ذلك إطلاقها في مواضع كثيرة من القرآن على ما هو من الكبائر المحرمة ، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالي } كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا { (29) واسم الإشارة في الآية المذكورة يعود على ما سبق وتقدم ذكره في الآيات التي تقدمت هذه الآية المذكورة بدءاً من قوله سبحانه وتعالي } وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا { (30) إلى قوله سبحانه وتعالي } كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا { وقد ذكر في هذه الآيات الكثير من الكبائر المحرمة قطعاً وبلا أدنى ريب ، مثل الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، والتبذير وقتل الأولاد خشية الفقر ، والزنا ، وقتل النفس التي حرم Q تعالي بغير حق ، وتطفيف المكيال والميزان ، وعدم الوفاء بالوعد والعهد ، وأكل مال اليتيم ، والتقوِّل علي Q تعالي بغير علم ، والكبر ، وغير ذلك مما ذكره Q تعالي في هذه الآيات ، ثم أطلق لفظ الكراهة علي كل ما ذكره فالكراهة في هذا السياق مقصود بها التحريم ، إذًا فالأئمة رحمهم Q تعالى عندما أطلقوا لفظ الكراهة على المآتم كانوا يريدون منه ويقصدون به التحريم وذلك كي يتفق هذا مع الأحاديث الواردة في النهي عن المآتم ، ولقد نهج الأئمة هذا النهج في إطلاق لفظ الكراهة وإرادة التحريم منه نهجوا ذلك تأثراً بأسلوب القرآن الكريم الذي أطلق عليه لفظ الكراهة وإرادة التحريم منه وللإشارة إلى أن Q سبحانه يريد تنفير الناس من هذه الأمور التي وصفها بالكراهة ، فإن Q سبحانه وتعالى فصل عن تحريمه لهذه الأشياء المذكورة في الآيات من سورة الإسراء فإنه سبحانه يبغضها ويسخطها ، ويبغض ويسخط من يرتكبها ، وذلك مبالغة في التنفير منها والابتعاد عنها ، ويشير إلي ذلك العلامة أبو السعود رحمه Q تعالي فيقول : ’’ } كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا { أي : مبغضاً غير مرضي وغير مراد ، ووصف ذلك بمطلق الكراهة مع أن البعض من الكبائر للإيذان بأن مجرد الكراهة عنه تعالى كافية في وجوب الانتهاء عن ذلك ’’ (31) .
وكما كان لرسول Q ولأصحابه رضى الله عنهم أجمعين – كما كان لهم موقف من المآتم والذي هو التحريم كما بينا ذلك – ومعهم أئمة المذاهب فإن فريقاً من العلماء المتأخرين ممن سلك ونهج منهج السلف لهم من ذلك نفس الموقف وهو التحريم ، وكان الواحد منهم يذكر ذلك بلفظ الكراهة ، ينقل هذا الكلام ويكتب قبل كلام الشوكاني يذكر ذلك بلفظ الكراهة ويراد به التحريم ومن هؤلاء العلامة ابن القيم رحمه الله إذ يقول : ’’ ولم يكن من هديه r أن يجتمع للعزاء ، ويقرأ له القرآن لا عند قبره ولا غيره ، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة وكان من هديه r السكون والرضا بقضاء Q والحمد لله والاسترجاع ، ويتبرأ ممن خرق لأجل المصيبة ثيابه ، أو رفع صوته بالندب والنياحة أو حلق لها شعره ، وكان من هديه r أن أهل الميت لا يتكلفون الطعام للناس بل أمر أن يصنع الناس لهم طعاماً يرسلونه إليهم ، وهو من أعظم مكارم الأخلاق والشيم (32) .
ومنهم العلامة الشوكاني فقد قال رحمه Q تعالي عند شرح حديث جرير بن عبد الله البجلي : " يعني أنهم كان يعدون الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه وأكل الطعام عندهم نوعاً من النياحة لما في ذلك من التثقيل عليهم وشغلهم مع ما هم فيه من شغل الخاطر بموت الميت وما هم فيه من مخالفة السنة ، لأنهم مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت طعاماً فخالفوا ذلك وكلفوهم صنعة الطعام لغيرهم (33).
ولا يخفى على أحد أن مقصود كل من ابن القيم والشوكاني بكلمة ( مكروه ) إنما هو كراهة التحريم ، وقد صرح بذلك المباركفورى صاحب تحفة الأحوذى شرح جامع الترمذي صرح بالتحريم وذلك عند شرح حديث جرير بن عبد الله البجلي فقال نقلاً عن ابن الهمام : ’’ ويكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة ’’ ثم قال نقلاً عن القارى : ’’ واصطناع أهل الميت الطعام لأجل اجتماع الناس عليه بدعة مكروهة بل صح عن جرير رضى Q عنه ( كنا نعده من النياحة ) وهو ظاهر في التحريم ’’ (34) .(1/283)
وممن أشار إلي حرمة المآتم وتبديعها الشيخ علي محفوظ رحمه Q تعالي وهو من العلماء المعاصرين ومن كبار علماء الأزهر وكان من أساتذة كلية أصول الدين ، وهو الذى أنشأ قسم الوعظ والإرشاد والدعوة في الأزهر الشريف ، ذكر ذلك رحمه الله تعالي في كتابه القيم ( الإبداع في مضار الابتداع ) فقال : ’’ وأما اجتماع الرجال في المآتم لداعية الحزن علي الميت فمعلوم أيضاً ما يستلزمه هذا الاجتماع عادة من النفقات الطائلة لغرض المباهاة والرياء بإعداد محل الاجتماع وإحضار البُسُط والكراسي المذهبة ونحوها ولا شك في حرمة ذلك ، لما فيه من إضاعة المال لغير غرض صحيح ، ولا يفيد الميت من ذلك شيئاً ، بل يعود بالخسارة على أهله ، هذا إذا لم يكن في الورثة قاصر ، فما بالك إذا كان فيهم قاصر ؟ ثم قال بعد ذلك : ’’ وأن ما يقع بعد الدفن من عمل المآتم ليلة أو ثلاثة مثلاً لا نزاع في أنه بدعة ولم يثبت عن الشارع ، ولا عن السلف أنهم جلسوا بقصد أن يذهب إليهم الناس لتعزيتهم ، وكانت سنته r أن يدفن الرجل من أصحابه ينصرف كل إلى مصالحه ، هذه كانت سنة رسول Q r ، وهذه كانت طريقته ، والله تعالي يقول } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { (35) فلنتأس به فيما ترك كما نتأس به فيما فعل (36).
هذه بعض أقوال الأئمة الفقهاء في حكم إقامة المآتم ، وهي صريحة في تحريم ذلك بما لا يدع مجالاً ولا ثغرة لم يشك في هذه الحرمة والله تعالى أعلم .
مفاسد المآتم
إنه مما لا ريب فيه أن الأحكام الشرعية مبينة علي جلب وتحقيق المصالح والمنافع ودفع المضار والمفاسد ، وعلى هذا فإنه إذا تعارضت المفاسد والمصالح بمعنى أنه إذا ترتب على فعل شئ ما وقوع بعض المفاسد والمصالح فإنه يترك فعل هذا الشئ وذلك درءاً لوقوع المفسدة ، وإن فات ما فيه من تحصيل المنفعة والمصلحة ذلك أن عناية الشارع بالمنهيات أعظم وأكد من عنايته بالمأمورات ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول Q r يقول [ ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ] (37) فالرسول r ينهى عن المفاسد نهياً عاماً وقاطعاً وحاسماً ولم يستثن من هذا النهي شيئاً من المفاسد ، وأما ما أمر به مما فيه تحقيق المصالح وجلب المنافع للناس فقيَّد فعله بالاستطاعة ، بمعنى أن المكلف بالفعل يأتي منه ما يستطيع ، وما لم يستطع فعله فإنه لا حرج عليه في تركه ولقد أكد Q تعالى ذلك في قوله } لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَه { (38) ومن ثم فقد قرر علماء الأصول أنه لا تكليف مع العجز قال العلامة ابن القيم : ’’ لا واجب مع عجز ، ولا حرام مع الضرورة ’’ (39) .
وأما قاعدة وأصل دفع المفسدة والمضرة وتقديمه على جلب المصلحة ، فإن دلائله وشواهده من كتاب الله تعالى كثيرة ، ومنها قوله تعالي } يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِم {(40)، ولذلك يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : ’’ أما إثمهما فهو في الدين ، وأما المنافع بثمنها ، ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة لتعلقه بالعقل والدين ، ولهذا قال تعالى } وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِم {’’ (41) .
وأما الدليل من السنة فقوله r من حديث عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها [ يا عائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم ، فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض ، وجعلت له بابين ، بابا شرقياً وباباً غربياً فبلغت به أساس إبراهيم ] (42)، الحديث ، ويتضح من هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك بناء الكعبة وتجديدها على قواعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام السابقة وعلة ذلك درء المفسدة التي ستترتب علي هدم الكعبة من افتتان قريش بذلك ، وهم قريبوا وحديثوا عهد بالشرك والكفر ، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المصلحة من البناء والتجديد خوف هذه الفتنة ، وهذا من باب تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة ، وفي ذلك يقول ابن القيم : ’’ لما فتح الله مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصارت دار إسلام ، عزم r علي تغيير البيت ورده علي قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك – مع القدرة عليه – خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام ، وكونهم حديثي عهد بكفر ’’ (43) .
هذا والمخالفات والمفاسد التي تقع وتوجد في المآتم عند إقامتها كثيرة ومنها : المظاهر التي يتظاهر بها الناس من الفخر والغرور والرياء والمباهاة بذلك أمام الناس ومنها التمييز بين الذين يأتون للعزاء في هذه المآتم وذلك أن ذوي هذه المآتم يفرقون بين هؤلاء المعزين في المجالس ، فذوا الجاه والغنى يجلسون في أماكن وعلى كراسي خصصت لهم ، والمغمورون من الناس الذين لا يعبأ بهم يجلسون في أماكن وعلى كراسي خصصت لهم ، أدنى في المستوى من الأولى ، ومنها ما يحدث في هذه المآتم من شرب الدخان المحرم ومنها : وهو الأسوأ من سابقه – وتعمد الإساءة من السامعين لكتاب Q تعالى ، وذلك بكثرة الكلام أثناء التلاوة وما يترتب على ذلك من الضوضاء ، وهم بذلك يخالفون أمر الله بالإنصات للقرآن عند تلاوته الوارد في قوله تعالي } وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { (44) ، وفي الكلام والضوضاء أثناء القراءة مخالفة صريحة لهذا الأمر الإلهي ، وفيه كذلك خروج ومجاوزة لحدود التأدب والتوقير لكتاب Q تعالي .
ومن هذه المخالفات التي تقع في المآتم ما يحدث من كثير من قراء القرآن فيها ، إذ لا يراعي أكثرهم آداب التلاوة ، ولا أحكامها ، ولا يلتزمون بذلك ، وكل ما يهم الكثير منهم ويعولون عليه المراءاة بالقراءة والتباهي بها أمام الناس ، وذلك بما يستعرضونه من أوجه القراءة التي لا تجوز القراءة بها إلا في مجالس العلم والدراسة لمعرفة أسانيد تلك القراءة وأوجهها الصحيحة ، وهؤلاء القراء يتعمدون القراءة بأوجه القراءة المتعددة ليسترعوا بذلك انتباه واهتمام السامعين طلباً للشهرة والدعاية ، حتي يتسنى لهم المغالاة فى أجرة القراءة والمزايدة والمتاجرة بكتاب Q تعالى والاسترزاق والتآكل به عبر مهنة القراءة في المآتم وغيرها ، وسنبين فيما بعد وعما قريب حكم الشرع في الأجرة على القرآن إن شاء Q تعالى .
ولما ذكرناه وبيناه من هذه المخالفات والمفاسد المنكرة التي تقع وتحدث في المآتم فإن الشارع الحكيم قد نهى عن إقامتها ، بل وحرمها درءاً لما فيها من المفاسد والمخالفات ودرء ذلك ودفعه مقدم على جلب المصالح والمنافع لو افترضنا أن فيها شيء من المنافع أو المصالح .
وبعد أن انتهينا من الحديث عن المآتم وأقوال العلماء فيها وبيان حكمها ، ننتقل إلى بيان حكم أخذ الأجرة على القرآن الكريم فنقول وبالله التوفيق :-
حكم أخذ الأجرة على القرآن الكريم(1/284)
القرآن الكريم كتاب Q تعالى أنزله Q تعالى ليكون للناس هدى ونوراً وروحاً ورحمه وشفاء ، فهو هدى يهدي به Q تعالى من الضلالة ، ونوراً ينير به القلوب والعقول والقبور ، وهو نور في الدنيا والآخرة ، وهو شفاء يشفي به Q تعالى القلوب من الأمراض ، ويشفي به الأبدان من عللها الظاهرة والباطنة والمعنوية والمادية ، قال سبحانه وتعالى } وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا { (45)، وقد أمرنا Q تعالى بتلاوته ما وسعنا ذلك ، قال سبحانه وتعالى لرسوله r } اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ { (46).، وقال سبحانه وتعالى آمراً جميع المسلمين } فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ { (47) وأكد Q تعالى هذا الأمر من نفس الآية مبالغة في الأمر بالقراءة وفي تعهد القرآن والعناية به قال سبحانه وتعالى } فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ { (48) ولقد أكد r ما جاء في القرآن الكريم من الأمر بقراءة القرآن الكريم فأمر r بقراءته ورغب في ذلك ببيان ما يعده Q سبحانه وتعالى لقارئه من عظيم الأجر وجزيل الثواب والعطاء فقال r [ من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ] (49) .
ومن حديث جندب بن عبد الله أن الرسول r قال [ اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا ] (50) .
ومن حديث عثمان بن عفان e أن رسول Q r قال [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] (51).
ولقد عني المسلمون قديماً وحديثاً بكتاب Q تعالى تلاوة ، وحفظاً ، ودراسة ، وتعلىما ، وتعلماً ، وعملاً ، ولا سيما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضى Q عنهم جميعاً ، فليس لهم نظير في العناية بكتاب Q تعالى ، بيد أن الكثير ممن جاء بعدهم قد هجروا العمل بكتاب Q تعالى خصوصاً في العصور المتأخرة ، تلك التي استحوذ على الناس فيها الشح والحرص والتنافس على الدنيا والكثير من هؤلاء حفظ القرآن للمتاجرة به فاستكثروا وتآكلوا واسترزقوا به بما يتقاضونه على تلاوته من الأجور قليلة كانت أو كثيرة هذه الأجور ، وقد غفل هؤلاء عما قاله أهل العلم في أخذ الأجرة على القرآن ، وآداءاً مني لأمانة النصح فإنني آثرت بيان أقوال العلماء في حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن حتى يكون المسلم – ولا سيما قراء القرآن – على بصيرة وعلم بحكم ذلك وحينئذ يحمل كل امرئ تبعة نفسه ، فكل نفس بما كسبت رهينة } وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا { (52) ، وفيما يلي أعرض لأقوال أهل العلم في حكم أخذ الأجرة على القرآن وأقول وبالله التوفيق :-
أقوال العلماء فى حكم أخذ الأجرة على القرآن
الأجرة على القرآن إما أن تكون على الرقية ، وإما أن تكون على التعليم ، وإما أن تكون على غير ذلك من القراءة فيما يسمى بالمآتم ، أو على المقابر ، وغير ذلك من صور أخذ الأجرة على القراءة ، وسنعرض للحديث عن ذلك بالتفصيل بحول Q تعالى على النحو الآتي :-
الأجرة على الرقية :-
الرقية كانت معروفة عند العرب في الجاهلية وكانوا يرقون ، كانت لهم رقي ، يرقي بعضهم بعضاً بها من العقرب ، أي من لدغها ، ومن العين ونحو ذلك ، لكن كانت رقاهم في كثير منها مشوبة بكلام فيه من الشرك ما فيه ، ومما يدل على أن الرقية كانت موجودة في الجاهلية حديث عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا يا رسول Q كيف ترى في ذلك ؟ فقال r [ أعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك ] (53) ، فواضح من هذا الحديث أن الرقي كانت موجودة في الجاهلية وأنها كانت مشوبة بالشرك ، وأنهم لما سألوا الرسول r عن الرقي واستمرار العمل بها في الإسلام ، طلب منهم أولاً عرض ما عندهم عليه ليميز لهم الشرك من غيره ، فينهاهم عن الشرك ويقرهم على ما ليس فيه من الشرك شئ مما ينتفع الناس به بإذن Q تعالى ، ودليل ما ذكرت حديث جابر رضي الله عنه أنه قال [ نهى رسول Q r عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول Q إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب ، وإنك نهيت عن الرقي ،قال فعرضوها عليه فقال [ ما أرى بأساً من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه ] (54).
ففى هذا الحديث أنه r ينهي عما فيه شرك من الرقى ، وعلى هذا يحمل النهي الوارد في الحديث ، وأنه r يقر من الرقى ما ليس فيه شئ من الشرك بدليل أنهم لما عرضوا عليه ما عندهم من الرقى أقرهم عليه وأباحه قائلاً لهم عندما سمعه [ ما أرى بأساً ] مقرراً الانتفاع بما ليس فيه شئ من الشرك من الرقي ، وأكد ذلك بما قال في آخر الحديث [ما أرى بأساً من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه ] (55).
وهكذا نرى ونتبين من هذه الأحاديث جواز الرقية بما ليس فيه شرك مما كان موجوداً في الجاهلية أي بما أقره رسول Q r مما أخذه هو من كتاب Q تعالى كالفاتحة والمعوذات وغيرها مما فعله وأقر الناس عليه r ، وكذلك بما أثر وثبت عنه من الأذكار والأدعية التي ثبت نسبتها إليه مما صح أو حسن من هذه الآثار ، فكل هذا جائز ومباح ومشروع ما دام النفع ، ويتحقق به الخير لعامة المسلمين ، وسواء أكان ذلك من العين أو النظرة ، أو الحُمَّة ، أو لدغ العقرب ، وما في معناها ، والأحاديث في ذلك كثيرة منها : ففي حديث عائشة عند مسلم قالت ( رخص رسول Q r لأهل بيت من الأنصار في الرقية من كل ذى حمة )(56). ، وفي حديث عائشة رضى الله عنها الآخر أنها قالت ( إن رسول Q r كان يأمرها أن تسترقي من العين ) (57).
وفي حديث أنس عند مسلم كذلك قال ( رخص الله في الرقية من العين ، والحمة ، والنملة ) (58).
ويجوز ويصح للمرء أن يرقي نفسه أو يرقيه غيره بما أثر من الرقى ، ودليل ذلك أن رسول Q r كان يرقي نفسه ، فلما اشتد به المرض كانت ترقيه عائشة رضى الله عنها كما جاء عند مسلم من حديثها، فعنها أنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها ) (59) ، وعند مسلم عنها أنها قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذى مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسح بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدى ) (60).
إذا كانت الرقى جائزة شرعاً كما سبق بيانه ، فقد اشترط العلماء لذلك شروطاً نعرضها بإذن الله تعالى فنقول :-
شروط الرقية :-
فيما سبق بينا شيوع الرقي لدى العرب في الجاهلية ومعرفتهم بها وممارستهم لها وأنهم كانوا يرقون من العقرب وغيرها من الأمراض الأخرى ، ثم جاء الإسلام وأقر منها ما كان خالياً من الشرك ، لما فيه من المنافع تعميماً وتحقيقاً لما فيه من الفوائد والمصالح لعامة الناس ، ولكي يسود خلق التعاون والتراحم بينهم .
وبناءاً على ذلك كله وما أوردناه من الأحاديث الثابتة ما يؤكد ويقرر مشروعيته ، ونود بعد ذلك أن نبين ما ذكره العلماء من الشروط اللازم توفرها وتحققها عند ممارسة الرقية ، وذلك على النحو التالي :
1. أن تكون بالقرآن الكريم كالفاتحة والمعوذات ، أو غيرها مما بينه الرسول r وأقر الناس عليه .
2. أن تكون بأسماء Q وصفاته مما بينه الرسول r وأثر عنه من ذلك ، مما تثبت نسبته إليه صحة أو حسناً .(1/285)
3. أن تكون كلمات الرقية باللغة العربية أو بما يعرف ويتضح معناه من غيرها .
4. أن يعتقد الراقي والمرقي أن الشافي في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى ، وأن الرقية ما هي إلا سبب من أسباب الشفاء وأنها لا تؤثر بنفسها ولا بذاتها ، وإنما التأثير هو لله رب العالمين ، ذكر ذلك ابن حجر رحمه Q تعالى عند شرح أحاديث الرقية فقال : " وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط : أن تكون بكلام Q تعالى أو بأسمائه وصفاته ، وباللسان العربي ، أو بما يعرف من غيره ، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها ، بل بذات Q وصفاته ، واختلفوا في كونها شرطاً والراجح أنه لا بد من اعتبار الشروط المذكورة ’’ (61) .
ويضاف إلى هذه الشروط التى ذكرها ابن حجر شروط أخرى لا بد منها وهي :-
1. أن يكون الراقي ممن عُرِفَ واشتُهر بين الناس بصلاحه وتقواه وذلك أن الرقى مبناها على الذكر والدعاء ، وإنما يتقبل Q من المتقين ، وإنه سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيباً .
2. أن يكون من أهل العلم ، ولا سيما العلم بالسنة ، حتى يستطيع أن يميز بين الصحيح وغيره مما أثر عن الرسول r في الرقية
3. إذا كان الذى يرقي امرأة فلا يخلو الراقي بها إذا كانت هي من غير محارمه ، لأن الخلوة بالأجنبية من النساء محرمة شرعاً ، ولأن الخلوة بغير المحارم ذريعة للانحراف والمفاسد فهي في أغلب الأحوال تفضي إلى الفتن التى لا تحمد عقباها ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وما خلا رجل بامرأة أجنبية عنه إلا وكان الشيطان ثالثهما ، ولقد وقع بسبب الخلوة المحرمة كثير من المفاسد والانحرافات .
4. أن لا تكون الرقية مهنة وحرفة للتكسب ، ولا تتخذ طريقاً لجمع المال والاسترزاق ، وإنما تكون بحسب الحاجة والضرورة ، وفي حدود قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق [ من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه ] .
فهذه أهم وأشهر شروط الرقية ذكرناها ليعم بها النفع وليكون المسلم على بينة وبصيرة من هذه الشروط .
هذا وإذا رقى الإنسان غيره فهل له أن يأخذ على ذلك أجراً أم لا يأخذ ؟ .
فيما يلي نوجز كلام العلماء في حكم أخذ الأجرة على الرقية ، وذلك على النحو التالي :-
جواز أخذ الأجرةعلى الرقية
سبق أن ذكرنا أنه يباح للمرء أن يرقي نفسه وهذا هو المستحب وهو الأفضل والأولى ، وقد ذكرنا فيما سبق أن رسول Q r كان إذا اشتكى كان يرقي نفسه بالمعوذات كما في حديث السيدة عائشة رضى الله عنها السابق ، وإذا تعذرعلى المرء أن يرقي نفسه فإنه يشرع ويباح لغيره أن يرقيه ، وأنه كذلك يباح ويشرع له أن يعطي الراقي على ذلك أجرة تكون عوضاً في مقابل تلك الرقية ، وأنه يباح للراقي ويشرع له أن يأخذ هذا الأجر إن قبله ورضى به ، ولا حرج على كل منهما في ذلك ، فإن الأجرة على الرقية مشروعة وجائزة ، ويكاد أن يكون ذلك محل اتفاق وإجماع بين العلماء .
ودليل هذا الجواز حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند البخاري ومسلم وهو عند البخاري بلفظ أتم مما عند مسلم ولفظ البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال ( انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا علىحي من أحياء العرب فاستضافوهم ، فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شئ ولا ينفعه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا : يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ ، وسعينا له بكل شئ لا ينفعه ، فهل عندكم من شيء ؟ فقال بعضهم : نعم والله إني لأرقي ، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً ، فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين ، فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة ، قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم أقسموا ، فقال الذي رقي لا تفعلوا حتى نأتي نبي Q r فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمر فقدموا على رسول Q r فذكروا له ، فقال ( وَما يُدْرِيكَ أنها رُقْيَةٌ ؟ ثم قال: قَدْ أصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لي مَعَكُم سَهماً ) وضحك النبي صلى الله عليه وسلم 000 (62) الحديث .
وفي رواية أبي داود "من أين علمتم أنها رقيةٌ؟ أحسنتم، واضربوا لي معكم بسهمٍ"
وفي شأن أخذ الأجرة على الرقية وجواز ذلك ومشروعيته ما جاء في حديث ابن عباس عند البخاري في نفس قصة أبي سعيد ، وفيه أنه أخذ الأجرة على ذلك ، وكره ذلك أصحابه ، ولما قدموا المدينة قالوا : يا رسول Q آخذ علىكتاب Q أجراً فقال r [ إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ] (63). الحديث .
ومن هذين الحديثين أخذ العلماء مشروعية الأجرة على الرقية وهذا محل اتفاق بينهم ، ولم يذكر عنه خلاف في ذلك فيما أعلم ذلك أن إقرار الرسول r لأبي سعيد ومن معه من أصحابه على أخذ الأجرة ، وطلبه منهم أن يقسموا له معهم ، وكذلك قوله في الحديث الثاني ] إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ] كل هذا صريح في مشروعية الأجرة على الرقية وجواز ذلك ، وعبارات المحدثين شراح الحديث تدل على ذلك وتشير إليه ، ومن ذلك ما ذكره النووى عند شرح حديث أبي سعيد إذ قال (هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر ، وأنها حلال لا كراهة فيها ) ، وكلام النووى هذا صحيح لا خلاف عليه ويدل عليه ويؤكد ما جاء في حديث أبي سعيد بروايته المختلفة ، وكذلك ما جاء في حديث ابن عباس رضى الله عنهما ثم ذكر الإمام النووى بعد ذلك كلام الأئمة في هذه المسألة مبيناً ومشيراً إلي أن جواز الأجرة على الرقية إنما هي محل اتفاق بين الأئمة ، والخلاف فقط إنما هو في التعليم ، ذكر ذلك بعد كلامه السابق في الرقية فقال : ’’ 000 وكذا الأجرة على تعليم القرآن ، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وآخرين من السلف ، ومن بعدهم ، ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن ، وأجازها في الرقية ، وكلام النووى هذا يدل على أنه يشير إلي اتفاق الأئمةعلى جواز الأجرة في الرقية ، واختلافهم في التعليم ، بدليل أنه استثني أبا حنيفة في التعليم ، وضمه إليهم بعد ذلك في الرقية وذلك في قوله : ’’ ومنعها أبو حنيفة في التعليم ، وأجازها فى الرقية (64).
وجملة القول : أن الأجرة على الرقية مشروعة وجائزة ، ولا حرج فيها ، وذلك إذا استوفت شروطها التي ذكرناها والله تعالى أعلى وأعلم .
ننتقل بعد ذلك إلي بيان حكم الأجرة على التعليم فنقول وبالله تعالى التوفيق :
حكم الأجرةعلى التعليم
أنزل Q تعالي القرآن الكريم على رسوله الكريم r هدى ورحمة وشفاء ، ليخرج به الناس من الظلمات إلي النور ، وجعله لهم شرعة ومنهاجاً ، وجعله تبياناً لكل شئ ، وأمره سبحانه وتعالى بتبليغه للناس وبيانه لهم ، وأمر الرسول r بتعليمه وتعلمه ، وتبليغه للناس ، وعلى هذا فقد انتشرت في بلاد المسلمين وعرضها حلقات وكتاتيب تعليم القرآن الكريم للصغار وللكبار ، رجالاً ونساءاً ، وأقبل المسلمون علىكتاب Q تعالي تعلمأً وتعليماً ، وتبليغاً وبياناً ، ودراسة وتدبراً ، وفهما وعملاً ، ولا سيما في عصر النبوة والخلافة الراشدة ، والبعض من هؤلاء ممن يعلِّّم القرآن يتقاضى عليه أجراً ، والبعض الآخر يعلَّم حسبة ، يطلب الأجرعلى ذلك من رب العالمين .
وإزاء هذا فما حكم من يأخذ الأجرعلى هذا التعليم ؟ .
وفيما يلي نستعرض في إيجاز أقوال العلماء في ذلك ، مقرونة بأدلتها ، والله تعالى الموفق ، وهذاعلى النحو الآتي :-
قول المانعين :-(1/286)
ذكرنا فيما سبق عند الحديث عن الأجرة على الرقية اتفاق الأئمةعلى جواز إعطاء وأخذ الأجرة على الرقية بالقرآن الكريم ، وأنه لا حرج في ذلك ، لا على المعطي ولاعلى الآخذ ، وإنما الخلاف وقع فقط في أخذ الأجرة على التعليم ، فمنعها أبو حنيفة ، وأجازها الباقون من الأئمة ، ومعهم فريق من علماء الحديث من السلف ، ومن بعدهم ، وسنبين هذا فيما بعد ، ولقد ذكر الإمام النووى خلاف الأئمة هذا في الأجرة على التعليم مبيناً أن أبا حنيفة وأصحابه قد منعوا ذلك ، وأجازه باقي الأئمة ، ذكر ذلك في سياق كلامه عن الأجرة على الرقية فقال رحمه الله تعالى : ’’ ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن وأجازها في الرقية ’’ (65).
وكذلك ذكر ابن حجر رأي الحنفية في منع الأجرة على التعليم فقال رحمه الله تعالى في سياق حديثه عن الأجرةعلى التعليم : ’’ وخالف الحنفية فمنعوه في التعليم وأجازوه في الرقى كالدواء ، ثم ذكر ابن حجر تعليل الحنفية لمنع الأجرة على التعليم فقال : ’’ قالوا لأن تعليم القرآن عبادة والأجر فيه على الله ’’ (66).
وقد استدل الحنفية بمنع الأجرةعلى التعليم وعدم جواز ذلك ، استدلوا على هذا بأحاديث رويت عن الرسول r بالنهي عن أخذ الأجرة على القرآن وبعض هذه الأحاديث نص على التعليم ، وبعضها الآخر جاء بلفظ وصيغة التعميم ، وهذه الأحاديث هي :-
1. حديث عبد الرحمن بن شبل في كتاب معاوية إليه ، بأن يعلم الناس ما سمع من رسول Q r ، فجمعهم ابن شبل فقال : ’’ إني سمعت رسول Q r يقول [ تعلموا القرآن ، فإذا علمتموه فلا تغلوا فيه ، ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ] الحديث رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني ، وأخرجه الهيثمي في المجمع وعزاه إلى هؤلاء ووثق رجاله بما يدل على صحته فقال : ’’ رواه أحمد وأبو يعلى باختصار والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات (67) ، وأخرجه الهيثمي أيضاً في كتاب التفسير من حديث ابن شبل ولفظه [ اقرأوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ] (68) ، ووثق الهيثمي أيضاً رجال سند هذا الحديث في هذه الرواية مما يدل على صحته أوعلى الأقل على حسنه ولا يقل أبداً عن مرتبة الحسن مما يجعله صالحاً للاحتجاج به في الحلال والحرام كما قال علماء الحديث .
2. حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [ من يأخذ على تعليم القرآن قوساً قلده الله قوساً من نار ] الحديث أخرجه الهيثمي في المجمع وعزاه إلي الطبراني وأشار إلي تصحيحه ، إذ أخبر أن رجاله رجال الصحيح ، فقال ( رواه الطبراني في الكبير من طريق يحيي بن عبد العزيز ، عن الوليد بن مسلم ، ولم أجد من ذكره وليس هو في الضعفاء ، ورجاله رجال الصحيح ) (69). أ.هـ
3. حديث المثنى بن وائل قال ، أتيت عبد الله بن بشر فمسح رأسي ، ووضعت يدي على ذراعه فسأله رجل عن أجر المعلم فقال : ( دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل متنكب قوساً فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أجود قوسك ، اشتريتها ؟ قال : لا ، ولكن أهداها إلي رجل أقرأت ابنه القرآن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فتحب أن يقلدك الله قوساً من النار ؟ قال لا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم [ فردوها ] أخرجه الهيثمي وعزاه للطبراني ووثق رجاله مما يدل على أنه صحيح أو حسن يصلح للاحتجاج ، فقال : رواه الطبراني في الكبير ، والمثنى وولده ذكرهما ابن أبي حاتم ، ولم يجرح واحداً منهما ، وبقية رجاله ثقات ’’ (70).
4. حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت وهو عند ابن ماجة وأبي داودٍ ، عَنْه رضي الله عنه قَالَ: عَلَّمْتُ ناَسَاً مَنْ أَهْلِ الصّفَّه الْقُرْآن وِالْكِتَابَةَ. فَأَهْدَى إِلَى رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْساً. فَقُلْتُ: لَيْسَتْ بِمالٍ. وأَرْمِى عليهاَ فِي سَبِيلِ اللّهِ. فَسأَلْتُ رَسُولُ اللّهِ صلى اللّه عليه وسلم عَنْهْا. فقال: ( إِن سَرَّكَ أَن تُطَوَّقَ بِهاَ طَوْقاً مِنْ نارِ فاقْبَلهْاَ ) (71).
5- حديث أبي بن كعب وهو عند ابن ماجة كذلك وهو مما انفرد به عن أبي رضى الله عنه : ( عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : عَلَّمْتُ رَجُلاً الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إِلّيَّ قَوْساً فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ( إِنْ أَخَذْتَهَا أَخّذْتَ قَوْساً مِنْ نَارٍ ) (72) قَالَ كَعْبٍ فَرَدَدْتُها .
وذكر السندي في شرحه على سنن ابن ماجه أن أبا حنيفة استدل بحديث عبادة بن الصامت على تحريم أخذ الأجرة على القرآن فقال في سياق شرحه لهذا الحديث قوله : ’’ ( إِن سَرَّكَ 000 الخ ) دليل لمن يحرم أخذ الأجرة على القرآن ويكرهه وهو مذهب أبي حنيفة ’’ (73) .
لكن السندي ناقش ذلك مبيناً أن الاستدلال من هذا الحديث على التحريم لا يستقيم وسنبين ذلك فيما بعد .
ولقد رد الحنفيةعلى حديث ابن عباس ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) بأنه في الرقية ، وهذا صحيح .
لكن الأحاديث الأخرى التي استدلوا بهاعلىالتحريم وعدم جواز الأجرةعلى التعليم لا تسلم لهم وسنبين ذلك فيما بعد ، وهي تصلح لهم ولغيرهم في تحريم الأجرة على القرآن في غير الرقية والتعليم ، أي : في المآتم وغيرها .
ونخلص من هذا أن الحنفية يمنعون الأجرةعلىالتعليم ويحرمون ذلك ، وهي عندهم مكروهة كراهة تحريم كما ذكر السندي ، لكن المتأخرين منهم يرخصون في ذلك وسيأتي لذلك مزيد بيان عند الحديث عن جواز الأجرة على التعليم عند من يجوزون ذلك والله أعلم .
قول المجوِّزين :-
بيَّنا فيما سبق قول من يمنع الأجرة على تعليم القرآن وهو أبو حنيفة كما ذكر النووى ، وابن حجر والسندي ، وذكرنا أدلته ، ونود بعد ذلك أن نذكر ونبين قول من يجوِّّز ذلك ، ولقد سبق أن أشرنا إلي هذا عند الحديث عن جواز الأجرة على الرقية .
والذين يجوزون الأجرة على التعليم بالإضافة إلى الرقية – الذين يجوزون ذلك هم : المالكية والشافعية والحنابلة ، ذكر ذلك النووي ، وابن حجر ، وقال النووي في شرح حديث أبي سعيد : ’’ هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر ، وأنها حلال لا كراهة فيها ، وكذا الأجرة على تعليم القرآن ، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وآخرين من السلف ، ومن بعدهم ’’ ، وذكر مثل هذا ابن حجر وذكرناه عند الحديث عن الرقية ، وكذلك رخص في الأجرة علي التعليم المتأخرون من الحنفية ، ذكر ذلك السندي فقال عند شرح حديث عبادة بن الصامت ( إِن سَرَّكَ 000 الخ ) دليل لمن يحرم الأجرة على القرآن ويكرهه ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ورخص فيه المتأخرون من أهل مذهبه ’’ .(1/287)
وقد استدل المجوزون للأجرة على التعليم بحديث الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه أنه r زوجها لأحد أصحابه على ما معه من القرآن ، عندما سأله أن يزوجها إياه ، والحديث رواه البخاري في النكاح من حديث سهل بن سعد الساعدي قال : إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قامت امرأة فقالت: يارسول الله، إنها قد وهبت نفسها لك، فر فيها رأيك، فلم يجبها شيئا، ثم قامت فقالت: يا رسول الله ، إنها قد وهبت نفسها لك ، فَرَ فيها رأيك ، فلم يجبها شيئا، ثم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك، فر فيها رأيك، فقام رجل فقال: يا رسول الله أنكحنيها ، وفي رواية ( إن لم يكن لك بها حاجة ) فقال r : (هل عندك من شيء ؟). قال: لا، قال: (اذهب فاطلب ولو خاتماً من حديد ( وفي رواية التمِس ) ثم جاء فقال: ما وجدت شيئا ولا خاتم من حديد، فقال: (هل معك من القرآن شيء). قال: معي سورة كذا وسورة كذا، قال ( اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن ) (74).
وهذا الحديث صريح في جعل تعليم القرآن عوضاً عن الصداق وقد كان الواجب عليه أن يدفع لها الصداق فأغناه قيامه بالتعليم عن دفع هذا الصداق ، فيصير بذلك كأنه أخذ الأجرة علي التعليم ، ذكر ذلك ابن حجر عند شرح هذا الحديث .
ولقد رد أصحاب هذا الرأي على أحاديث منع الأجرة على التعليم بأنها معارضة بحديث البخاري هذا ، وعند تعارض النصوص مع عدم إمكان الجمع والتوفيق يقدم ما في البخاري علي غيره ، ومع هذا فإنه يمكن الجمع بينها على أن أحاديث المنع على التعليم ما جاء فيها من المال كان على سبيل الهدية لا الأجرة كما في حديث عبادة ، وأبي ، وأما ما صرح فيه بالأجرة فيقدم البخاري علي غيره ، ثم بعد ذلك تبقى أحاديث المنع والنهي عن الأجرة في غير الرقية ، وفي غير التعليم ، والله تعالى أعلم .
حكم الأجرة على غير الرقية والتعليم :-
بينما فيما سبق عند الحديث عن الأجرة على الرقية والتعليم أن ذلك جائز على الرقية والتعليم ، وذكرنا أدلة ذلك ونود أن نبين حكم أخذ الأجرة في غير التعليم والرقية كالمآتم وغيرها من المناسبات الأخرى .
هذا والأجرة على القرآن في غير الرقية والتعليم ، أي في المآتم وغيرها لا تجوز ، ولا يصح أخذها ، ويحرم ذلك ، دليل ذلك ما سقناه وما ذكرناه من كلام الأئمة في الأجرة على القرآن في الرقية والتعليم ، فإنه قد تبين وتأكد من كلامهم هناك أنهم يجوزون الأجرة في الرقية والتعليم فقط ، ويخصونها بذلك ، ولا سيما حديث ابن عباس رضى الله عنهما [ إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب Q ] فإنهم قد خصصوه بالرقية والتعليم ، ودليل التخصيص عند أحاديث النهي عن أخذ الأجرة والهدية ولقد ذكرنا فيها الكثير عن الحديث عن الأجرة علي التعليم ، و نضيف إليها ما أخرجه الترمذي من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل فاسترجع ثم قال : سمعت رسول Q r يقول [من قرأ القرآن فليسأل اللّه به فإنه سيجيئ أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس ] (75).
وكذلك ما روي أن ابن مسعود رضي الله عنه قال ( سيجئ زمان يسأل الناس فيه بالقرآن فإذا سألوكم فلا تعطوهم ) (76) ذكره ابن حجر في الفتح وعزاه إلي أبي عبيد في فضائل القرآن وهذه الأحاديث في مجملها تحرم الأجرة على القرآن ، وذلك في غير الرقية أو التعليم ، وهذا فضلاً عن أن القراءة في المآتم لا تجوز شرعاً ، إذ إن إقامة المآتم محرمة شرعاً كما بينا ذلك عند الحديث عنها ، والأحاديث التي ذكرناها عند الحديث عن الأجرة على التعليم صريحة في النهي عن الاسترزاق والاستكثار والأكل بالقرآن ، إنها صريحة في ذلك ولا تقبل التأويل ، وهي ما بين الصحيح والحسن ، كما بينا ذلك ، وهي لذلك صالحة للاحتجاج بها .
ولقد ذهبنا إلي تحريم الأجرة على غير التعليم والرقية إعمالاً لجميع النصوص ، فما يبيح منها الأجرة على الرقية والتعليم نعمله في موضعه وفي بابه ، وما يمنع من الأجرة منها وينهى عن ذلك نعمله في غير الرقى وفي غير التعليم ، حتى لا تتعارض أو تتناقض النصوص الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا ينطق عن الهوى ، وقد علمه ربه سبحانه وتعالى ، ولا سيما إذا ثبتت نسبة هذه النصوص إليه صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى أعلى وأعلم .
كتبه
الشيخ الدكتور
علي الشريف
الأستاذ بجامعة الأزهر
=============
التخطيط للإجازة عنصر أساس في الترابط الاجتماعي
د. أكرم رضا
تأتي الإجازة الصيفية بعد عام من الدراسة فيشعر الأبناء بالتحرر من القيود والمذاكرة، وتكثر أوقات الفراغ فتعاني الأسر من فراغ الأبناء، لكنَّ الدكتور أكرم رضا- المتخصص في التنمية البشرية والاجتماعية- يرى أنَّ الإجازة الصيفية فرصة جيدة للتقارب الأسري، ويمكن الارتقاء بالأبناء في تلك الإجازة من خلال التخطيط الجيد لها، وفي هذا الحوار يضع تصورًا للإجازة الفعالة وكيفية الاستفادة منها.. فإلى نص الحوار:
مع انتهاء الامتحانات كل عام تشعر الأسر أنها أصبحت في ورطة اسمها الإجازة الصيفية فلماذا يحدث هذا الارتباك؟
- الانتقال من حالٍ إلى حالٍ يحدث نوعًا من الخلل وعدم الاستقرار، والبيوت قبيل فترة الامتحانات وأثنائها لا تفكر سوى في مذاكرة الأبناء التي تُحدِث حالةً من الطوارئ في البيوت، ومع آخر يوم في الدراسة يتغير حالهم 180 درجةً، كما أنَّ فترة الامتحانات وما قبلها لا يكون فيها تفكير من الأسرة ماذا ستفعل في الإجازة، ولو مجرد اقتراحات حتى إذا ما انتهت الدراسة يقف الجميع أمام المشكلة.
وكيف تفكر الأسرة في الإجازة وهي تحاول ألا تعطل أبناءها عن المذاكرة، خاصةً وأنهم يجب أن يشتركوا في وضع برنامج الصيف؟
- بالفعل من المهم جدًا أن يشترك الأبناء في وضع برنامج الصيف حتى لا يشعروا أنهم مجرد منفذين لما يريده الآباء، كما أنَّ ذلك يجعل البرنامج أكثر واقعية؛ حيث إنَّ طموحات وتطلعات الأولاد كثيرًا ما تتعارض مع تصورات الآباء لا سيما عندما يكون الأبناء في مرحلة المراهقة، فالمشاركة في وضع برنامج الصيف يجعله مناسبًا للجميع.
أضف إلى ذلك أنه من الأخطاء الشائعة في فترة الامتحانات أن الأسرة قد تجعل الأبناء في معسكر مغلق ممنوع الحديث مع الغير، ممنوع الأوقات البينية، ممنوع كذا وكذا، لكن الأسلوب الصحيح أن يكون هناك فترات بينية يتم فيها جلوس الأسرة معًا للتخفيف من حدة المذاكرة، ويمكن في هذه الفترات التفكير في برنامج الصيف، وبذلك نشجع الأبناء على المذاكرة، وإذ لم يتوفر ذلك الوقت فليكن في أثناء تناول الطعام، المهم أن يتم التفكير لوضع برنامج عام للأسرة خلال الإجازة، وتكون كل الأسرة مشاركة فيه.
وكيف تضع الأسرة برنامجًا للإجازة الصيفية يتناسب مع رغبات كل الأبناء؟
- أولاً قبل كل شيء يجب أن تتوافر الثقة بين الأبناء والوالدين في أنه ما يتفق عليه سوف ينفذ، وإلا سيشعر الأبناء أنَّ هذا الأمر مجرد وعود وأمان غير قابلة للتحقيق، وعندها سيفكرون في برنامجٍ خارج نطاق الأسرة مع الأصدقاء.
ثم لا بد من إشراك كل الأبناء في وضع الخطة وتحدد المحاور الأساسية والأعمال التي يمكن عملها في فترة الصيف وأهداف الأسرة خلال هذه الأشهر، وكل يقدم اقتراحاته وأمنياته لهذه الفترة ثم بعد ذلك يتم عمل برنامج لهذه الأشهر يُراعى فيه الجانب الترفيهي والثقافي والتربوي.(1/288)
ويجب أن تقسم الخطة من حيث التنفيذ على ثلاثة مستويات: وقت يكون فيه الأب والأم هم المسئولين عن البرنامج، ومعنى ذلك أن تكون الأسرة كلها مع بعضها مثل أوقات المصايف أو الرحلات الأسرية، ووقت آخر يكون أحد الوالدين هو المسئول في حالة انشغال أحدهما للعمل أو لشيء آخر، ووقت يكون للأبناء وحدهم سواء مع بعضهم أو مع الأصدقاء، وبذلك يحقق البرنامج للأسرة متكاملاً.
هذا يدفعنا للحديث عن الأصدقاء، فكثير من الأسر تخشى على أبنائها من الأصدقاء، خاصةً في فترات الإجازة الصيفية، فكيف تُوفق الأسرة في المحافظة على أبنائها من أصدقاء السوء، ومع ذلك لا تجعلهم بمعزلٍ عن الآخرين؟
- الأصدقاء قبل فترة المراهقة غالبًا لا يخشى منهم؛ حيث يمكن للوالدين إبعاد أبنائهم عنهم إذا شعروا بالخطر منهم، والمشكلة الحقيقية تكون في فترة المراهقة خاصةً لدى الأبناء الذكور؛ حيث يشعر الولد بالاستقلالية عن الوالدين، ولا بد للآباء أن يدركوا ذلك فإذا أدركوا هذا الأمر وتعاملوا معه، كما أنَّ العلاقة بين الوالدين والأبناء إذا كانت مبنية على الثقة سارت الأمور بشكل طبيعي؛ حيث تكون الصراحة والوضوح بينهم عالية، وبذلك سيكون أصدقاء الأبناء هم أصدقاء الوالدين، وإذا شعر الوالدان بخطر من أحد أصدقاء الأبناء من خلال الحوار والثقة الموجودة يمكن إقناع الابن بالابتعاد عن هذا الصديق.
وهناك أمور عامة يجب أن تكون متفقاً عليها داخل الأسرة، وهي الضوابط العامة التي تحكم العلاقات والحركة داخل البيت مثل أن تتناول الأسرة معًا أحد الوجبات في اليوم، وأن يكون هناك حد أقصى للأفراد لا يتأخرون فيه خارج المنزل مساءً، أن تكون الثقة والصدق والوضوح صفات حاكمة للعلاقات داخل البيت، وعند ذلك لن يخشى على الأبناء.
في بعض الأحيان تكون الأسرة عاملة، بمعنى أن الأب والأم يعملان ويتركان الأولاد وحدهم خلال فترة الإجازة، فكيف يمكن للآباء في هذه الحالة المحافظة على أبنائهم؟
- الأفضل أن الأب والأم يجب أن ينسقوا أوقاتهم خلال فترة الإجازة الصيفية من حيث الإجازات وأوقات الفراغ حتى يكون أحدهما متواجدًا مع الأبناء فترات كبيرة، كما يجب أن يشارك الآباء الأبناء بعض الأنشطة حتى يشعروا أنهم معًا طول الوقت، وليكن الوقت الذي يكون فيه الوالدان في العمل هو وقت الأبناء مع بعضهم أو مع الأصدقاء.
وسائل الإعلام تستعد استعدادًا خاصًا لفترة الإجازة ولا يخفى حال هذه الوسائل من التركيز على الغرائز والإثارة، خاصةً الفضائيات والإنترنت، فهل يمكن للأسرة الاستفادة من وسائل الإعلام مع المحافظة على قيمها؟
- للأسف الشديد هناك صراع بين الأسرة ووسائل الإعلام، فالأسرة تشعر أنها إذا تركت أبناءها سيقعون فريسة لوسائل الإعلام، وكثير من وسائل الإعلام تحاول جذب الجمهور من خلال التركيز على الإثارة وما يهدم القيم والأخلاق، والخروج من ذلك هو برنامج الأسرة الذي تحدثنا عنه، والذي يشغل الأبناء ولا يتركهم غنيمة سهلة لهذه الوسائل، ويجب أن يشمل البرنامج مساعدة بعض أعمال وسائل الإعلام الجادة حتى لا يشعر الأبناء بالعداء لهذه الوسائل، بل هي مثل كثير من الأشياء بها الجيد والرديء، ويجب أن تكون فقرات وسائل الإعلام أثناء تواجد الأسرة كلها، وذلك بمشاهدة بعض الأعمال الدرامية الجادة أو بعض البرامج المفيدة، فإذا جعلت الأسرة وسائل الإعلام من خطتها فلن تحدث مشكلة، أما الإنترنت فيمكن الاستفادة منه في الحصول على معلومات عن موضوعات معينة أو التواصل مع الآخرين، وذلك أيضًا في إطار العمل الأسري.
فترة الصيف فرصة جيدة لتنمية الوعي الثقافي، فكيف يمكن للأسرة الاستفادة من الإجازة في تنمية ثقافة أبنائها؟
- لا بد من إدراك التطورات التي حدثت الآن في وسائل المعرفة، والأبناء في فترة الصيف يكون جل اهتمامهم بالأعمال الترفيهية، كما أنَّ الأجيال الحالية مختلفة عن جيل الآباء، هذه الحقائق يجب أن يدركها الآباء وعليه يمكن أن يتعاملوا مع أبنائهم في هذا الجانب، فيمكن إشراك الأبناء في أحد النوادي وتشجيعهم على الدخول في المسابقات الثقافية، كما يمكن للأسرة عمل مسابقة داخلها خاصةً إذا كانت أسرة ممتدة بمعنى الأسرة الكبيرة من الأعمام والأخوال، ويتم عمل جائزة لهذه المسابقة والتي يفضل أن تكون في شيء مفيد، وحسب هوايات أبنائها، ويجب تشجيع الأسرة لأبنائها في حفظ القرآن والسنة من خلال المسابقات أيضًا وعمل جوائز محببة للأبناء في ذلك كالرحلات والهدايا.
في المصايف يخشى الوالدان على الأبناء مما يحدث على الشواطئ، فما التصور المثالي للمصيف؟
- المصيف وسيلة ترفيهية تحاول الأسرة من خلاله الخروج من رتابة الحياة اليومية والتواجد معًا فترة كبيرة، ولكن الشواطئ غالبًا ما يكون بها مناظر غير لائقة بالنسبة للأسر المحافظة؛ ولذلك يجب على هذه الأسر أن تختار الشواطئ الهادئة، وأن يكون للأسرة برنامج ترفيهي وثقافي خلال فترة المصيف حتى يمكن الاستفادة من كل لحظة فيه، كما يجب أن يكون به فقرات حرة كل يفعل ما يريد في إطار الضوابط العامة، أما الخروج للشاطئ فيفضل أن يكون إما في الصباح قبيل أشعة الشمس المحرقة وازدحام الشاطئ، أو في آخر اليوم، وعمومًا فإنَّ التربية تلعب دورًا مهمًا في سلوك الأفراد خلال فترات المصايف.
بعض المدارس تقوم بعمل نشاط ثقافي وترفيهي في فترة الإجازة الصيفية، فهل لهذا النشاط جدوى وفاعلية لدى التلاميذ؟
- هذا العمل شيء طيب، لكن البرنامج الثقافي مع الأسرة خلال هذه الفترة أفضل؛ حيث أنه يقوي العلاقات داخل الأسرة، كما أنه يمكن من خلاله تقويم بعض السلوكيات التي يرى الوالدان أنَّ أبناءهم في حاجةٍ إليها، أما إذا كان الوالدان يعملان فإنَّ مثل هذه الأنشطة تكون أكثر إفادةً للأبناء؛ حيث تستوعب أوقاتهم وطاقاتهم.
-=============
وقفات في رحلة الإيمان (يوميات حاجة)
أمة الله
إن في رحلة الحج تذكرة ً لأولي الألباب ..
فيها تبصرة لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد ..
فيها غسل لرين القلوب ..
وشحن للروح .. وقرع لإحساس النقاء والإرتباط الوثيق بالله في ظل زحمة الحياة وتسارع أحداثها ..
تبارك من سن الحج .. تبارك من شرع مناسكه ..
تبارك من أوحى لنبيه بالآذان به .. وعلّق به القلوب ..
في الحج مظاهر عجيبة .. شغفت ُ بها وتعلق بها خاطري ..
الوقفة الأولى :
في مكان صغير تزدحم جماعة هائلة من الناس ...
تلك تصلي وتلك تتقلب في فراشها .. تلك تستعد لتناول إفطار الصباح .. وتلك تعين كبيرة ً في السن .. وتلك ...وتلك ..
ومن بين فوضى النساء التي يعجز عنها أعداد مهولة لتقيم فيها النظام ..
سواء ً كان هذا في الحفلات أوالاجتماعات أوالمدارس أو غيرها ..
فجأة ..
وفي دقائق لا تتجاوز الخمس ..
تتحول الصالة لخلية نحل نشطة لها أزيز عجيب فالكل يرتب فراشه ويزيله ..
يضع حاجايته في حقيبته ..
يرتدي عبائته ..
ويقف للخروج ..
من رتب هؤلاء النسوة...؟
من رزقهن هذا النظام العجيب وهن مئاااااات ..؟؟
اغرورقت عيناي بالدموع وأنا اتأمل في هذا النظام ..
التحقت بمعاهد وزرت جامعات ..
وشاهدت فئات مختلفة المستويات فلم أشهد ما شهدته في هذه الدقائق الخمس ..
سبحان الذي اصطفاهم وعلمهم درسا ً في النظام والانضباط لو ساروا عليه بعد حجهم لصلحت لهم الحياة ..
ياااااه ياربي ما أعظمك ..!
في كل مشعر رأيت لك ِ درسا ً ..
ما أعلمك وأجهلني ..
حكمك في كل مكان ويخفى علي الجل وتأذن لي بكرمك بالبعض ..(1/289)
فاجعلني ياربي ممن يفيده علمه ويهديه إلى العمل ..!
ياااااااارب ..!
الوقفة الثانية :
تحت جسر الجمرات .. ألوف الناس..
لغات مختلفة .. وجنسيات متعددة ..
وألسنة شتى ..
لا رابط سوى "لا إله إلا الله " ..
ويالها من رابط ..!
الكل يسير في اتجاه .. لا أحد يرتب السير ..
ولا نظام يحكم الخلق ..
غير رعاية الله ..
سبحان من ساقهم لمكان ٍ واحد ..
وحفظهم ويسر لكل واحد منهم مقصده ..
منظر مهيب ..
جموع بشرية .. جاءت من كل فج عميق ..
البعض باع مالديه كله ليحظى برؤية هذه المشاعر ..
والبعض سار شهورا ً ..
والبعض جاء على قدميه ..!
البعض أمضى عمره كاملا ً لتطأ قدميه هذه الأرض ..
سبحان من أعطاهم وكفل لهم أمنهم ..
سبحانك رب البيت ..
منظرهم ذكرني بمشهد يوم آخر أكبر..
يوم فيه يجتمع الناس ..من كل فج ..
والفرق هو أن ذاك اليوم يوم فزع عظيم ..
واليوم عمل ..وغدا ً حساب ٌ ولا عمل ..!
رحم الله ضعفي وتقصيري في أمري ..
يااااااارب تقبله مني ويسره لي في قابل ..!
الوقفة الثالثة :
رحلة الحج تعلمك الكثير ..
القناعة والبساطة ..
الرضى باليسير ..
تمضية الحياة بما وجد ..
لم يكن لي واضحا ً كيف يستطيع أناس لا يعرفون بعضهم أن يلتقوا ويجتمعوا بهيئات بسيطة وأحيانا ً رثة ..
ولكن الرؤية اتضحت لي بعد الحج ..
فالحج يعلمك أن لاوقت إلا للعمل ..
وأن المشوار جد ُ قصير مما يعني ألا تقصّره بأي شيء آخر ..
الحج يعلمك بأن الحياة الحقة هي حياة الروح لا حياة البدن ..
وأن الروح هي التي تستحق أن تبحث لها عن السعادة والصفاء ..
الحج يخبرك بأن الوقت عامل مهم للسعادة والإنجاز ..
في خمسة أيام في الحج تؤدي أعمالا ً كثيرة ربما لو لم تحد بزمن لأديتها في أسابيع وربما شهور ..!
في الحج ..الرحمن يقول لك أنك تستطيع أن تستغل طاقتك وأن الحياة رحلة قصيرة بوقتها عميقة بمعناها (إن أحسنت قيامه) كالحج تماما ً ...!
الحج ساعات محدودة سرعان ما انصرمت لكن معانيه تضرب في الناس لها جذورا ً ..
اسأل أن يذوق كل حاج أكلها عاجلا ً غير آجل ..
الوقفة الرابعة :
في أيام ٍ معدودات ..
نسيت أحبابي ..
نسيت مشاغلي ..
دراستي ..
عشت عالما ً آخر ..
تجلى فيه الجمال ..
نسيت متاعب الدنيا ..
منغصات الماضي ..
ومخاوف عدة سكنت قلبي ..
الحج ..
طمأنينة تسكن القلوب المؤمنة ..
هدية من الرحمن لمن شفه الألم ..
أو تعب من ظلم البشر ..
الحج ..
شفاء للجروح النازفة ..
وياليت العمر كله رحلة في صفاء الحج ..!
الوقفة الخامسة :
رحلة الحج .. صورة مصغرة لرحلة الحياة على ظهر الأرض ..
العمر رحلة قصيرة .. بقصر أيام الحج ..
الناس في الحياة كالناس في الحج ..
مابين مسرف على نفسه ومقتصد ..ومسارع بالخيرات ..
النهاية يعرفها كل شخص ..
كل حاج يعلم أن الحج أيام معدودة ..
كما أن كلنا يعلم أن أنفاسه معدودة ..
الفرق ..
أن الحج موعظة لمن يملأ قلبه التدبر ..
لأن الوقت هو العامل الذي يحدد تعاملك مع الآخرين ..
أهدافك ..
أعمالك ..
بل وحتى هيئتك ...!
حين كنت على فراشي في منى ..
كان الوقت هو ما يحكم كل شيء ..
ترى ..
لو حرصت على رحلة الحياة وتعاملت معها كما أراد الله لي ولكل مسلم ..
لو كان العمر رحلة حج ..
هل كنت سأرى غلظة ً من قريب ..
أو إساءة ً من حبيب ..؟!
لو كان المسلم يرى العمر كما يراه في رحلة حجه ..
هل سيكون في القلب سوى الحب والسلام ..؟
في الحج ..
درس في فن التعامل مع الآخر ..
حب الخير والنقاء ..
الوقفة السادسة :
طلب المثالية مثلب يقع فيه البعض ..
وتصور الملائكية تصور مستحيل في دنيا البشر ..
رحلة الحج ..
تدربك بصورة عملية خلال أيام معدودة على أن الحياة يستحيل أن تكون صوابا ً لا خطأ فيه ..
وأن ثمة مفاجآت في الطريق تستلزم من السائر فيه قدرا ً كبيرا ً من المرونة حتى يصل ..
قبل الحج عقدت العزم على أن أفعل كذا وأرمي الجمرات بنفسي وأقوم بالسنة الفلانية وهكذا ..
كان عقلي يرفض مثلا ً أن اقرأ لصفة الإفراد في الحج لأني لا أقبل أن أحج إلا متمتعة ...!
وفي موسم الحج القليل في عدد ساعاته حدثت الكثير من المفاجآت ..
بدءا ً من تأخر رحلات حجاج الداخل بسبب تأخر الرؤية الشرعية للهلال ..
مما استدعى تحول النسك لأغلب الحجاج "وأنا من هؤلاء" إلى الإفراد أو القران نظرا ً لفوات وقت التمتع الشرعي ..!
ومن ثم الأمطار الشديدة التي تضررت منها بعض المخيمات في منى ..
مما لخبط سير اليوم الأخير وترتيب خطواته هناك ..
ثم الزحام الشديد على الجمرات وظروف الأمطار وبالتالي التأخر في الرمي ..
وهكذا ..
في الحج صفعة قوية لمن يعتقد أن الحياة مجرد قوانين بحتة ومعادلات لا تقبل الخرق ..
في الحج تعليم لأدب التيسير ..
وأن الحياة لا تسير وفق التوقعات دائما ً ..
وأن المسلم الحق هو من يوطن نفسه على استقبال الأزمات ويعود روحه على ألا توقفها عثرات الطريق حتى يصل إلى الغاية ..
في الحج دروس عظام ..
وتنبيهات جسام ..
أرجو أن أكون استفدت منها ..وكذلكم أنتم ..!
إضاءة :
" منذ أسلمت ..تعلمت في أسبوعي الحج مالم أتعلمه في أربعين سنة "
مالكوم إكس
الوقفة السابعة :
الحج رحلة حقيقية مع الصبر ..
فالحج ليس مشاعر روحانية لا تعترضها الأكدار ..
أو صفحة نقية لاتنغص صفائها مشاكل الحياة ..!
في الحج ..
سنرى اشتداد الجدال لتأخر وصول الحافلات للمشاعر ..
وسنعيش ساعات من القلق حتى لا تغيب الشمس ونحن على أرض منى ..!
وسنعاني من قلة ذوق بعض المسلمين الذين يعترضون الطرقات .. أو الذين لايخافون من مغبة زحام أخوان لهم في الله !
في الحج ..
قد نعيش ساعات متوترة حتى نصل لعرفات الخير ونشم جزيئات الهواء ونحن على أرضها..
في الحج سلسة من الضغوط ..
ماكان الله ليبتلي بها أولئك الذين حفتهم المهالك حتى يصلوا لبيت الله ..في معاناة جسيمة وشهور عديدة ..
في حجنا هذا ..
درس في اجتراع الصبر ..
ليس الصبر على خوف الطريق ..أو نقص الغذاء ..أو قلة اللباس ..
لا ..بل الصبر على أذى الناس وعقبات الطريق المفاجئة ..
هذا النوع من الصبر هو مايحتاجه مسلم اليوم في وقت شبعت فيه الأجساد وجاعت فيه الأرواح ..
فما أحكم المولى جل جلاله ..
شرع لنا هذا المنسك المليء بالدروس والعبر ..
جعلني الله وإياكم من المعتبرين ..
الوقفة الثامنة :
الناس في الحج تتلبسهم وشائج وراوبط عجيبة ..!
في مناسبات الحياة تتلى الألقاب وتتوسط الكنى أو المسميات أهمية لدى الناس ..
لكن في الحج الأمر مختلف ..
الحج يعلمك أن لا يهم اسم من هو بجانبك ..
ولا يهم من أين بلد هو ..
لايهم عمره ..أو عمله ..أو هيئته ..أو تخصصه ..أو حتى درجته العلمية ..
كلاكما سائر في طريق واحد ..
الطريق إلى الله ..
تبتسم في وجهه ..
تقدم له مايشربه ..
تغطيه إن وجدته نائما ً ..
وتكتشف بعد مرور أيام الحج انك لا تعرف اسمه ..
ولا أين يسكن ..!
لكنك قطعا ً عرفت قلبه ..
رأيته في حواره مع الله ..
في ابتهالاته ..
رأيت اشفاقه في يوم عرفة ..
وفرحته في يوم العيد ..
رأيت أنه مثلك تماما ً ..
له آلام وأحلام ..أبناء وأهل ..
اسم وكنية ..وظيفة أو مركز ..
ولكنه تركها جميعا ً هناك .. في بلده ..
هو مثلك الآن ..
نسي من يكون وماذا يريد ..
وهو مثلك الآن ..
في أنه فهم الحياة ..
وكم هي صغيرة حقيرة ..
هو مثلك لأنه يسجد وهو يدعو بالجنة ..
وينام وهو يدعو بها ..
وأنت مثله ..
وحدتكما الغاية ..
فكليكما فهم الحياة كرحلة من خلال الحج ..
الوقفة التاسعة :(1/290)
في الحج .. تصغر ملذات الدنيا ..
تترآءى لك الحياة من عدسة الحقيقة الصافية ..
في سجودك ..
تسبيحك ..
وحين تردد التلبية ..
تتجرد روحك من كل شيء ..
من كل أمل سوى الجنة ورضا الله ..
وتنسى كل هم سوى هم ذنوبك ..
في الحج ..
تصبح الحياة بعيدة عن مغريات الدنيا ..
أو ضغوط الآلام ..
تتضح الأهداف ..
ولذا ...
تهون الدنيا في عيني الحاج ..
الله أكبر من كل هم ..
الله أكبر من كل ألم ..
الله أكبر من كل خوف ..
الله أكبر تخرج بزفراتها أكدار الدنيا ..
خلت ُ أن عيناي في منى ابدلتا ..
وأن الكدر الذي يعلو بصيرتي أزاحته الحقيقة..
في منى لا يهمك أن تكون بلباس جميل ..
لأنك أدركت أن لا قيمة للباس إن بليت النفس ..
ولا جمال للثوب إن خربت الروح ...!
أرايتم كيف هي الحقيقة التي نتجاهلها هنا ..
الحج ليس تنسكا ً وانقطاعا ً ..
هو قرصة لأذن المنغمسين في بحر الحياة ..
أن ثمة رؤيا تحتاجكم وتحتاجونها ..
وياليت قومي يعلمون ...!
الوقفة العاشرة :
الآخرة ..
الصراط والميزان ..
تطاير الصحف ..
حشر الجمع المهول على الأرض ..
صور تتراءى لك في الحج ..
على صعيد منى ..
وعلى أرض عرفات ..
يتراءى لك يوم الحشر ..
بهوله ..وبأرض ٍ صغيرة تحمل مئات الألوف من البشر ..
من كل أرض اجتمعوا على صعيد واحد ..
فلا يلبث أن يردد اللسان ..
رباه ارحمني في يوم ٍ عظيم ..
رباه ثبت حجتي يوم ألقاك ..
رباه لا تخزني يوم يبعثون ..
هول الموقف في يوم عرفة ..
وذاك الصمت المهيب في ساعات المغيب فيه ذكرى لأصحاب القلوب النيرة ..
ذكرى تقرع القلوب أن تبصري .. هناك يوم قادم ليس هذا إلا نموذجا ً مصغرا ً لهوله ..
في الحج لفتة تذكّر الحاج بهول المطلع ..
وبأرض المحشر سيما مع اشتداد الزحام ..
وفي الحج تذكرة بالموت ..
الذي يستوي فيه الكبير والصغير ..
والذكر والأنثى ..
والغني والفقير ..
وفيه درس ٌ عظيم في المساواة والعدل ..
فيغدوا جمع الحجيج كأسنان المشط الواحد ..
الكل يطوف ببيت الله ..
الكل يرمي الجمار ..
الكل ..يسعى ويحلق رأسه أو يقصر ..
ليس للشريف أن يتخطى ركنا ..أو يفعل محظورا ..
الكل أمام الله برداء أبيض ..
وكأنما هو كفن الميت ..
لا تميز ..
لا تفاخر ..
لا ترف ..
هي الدنيا ..يكفيك منها خرقة بالية ..
فالحياة فيها للروح لا للجسد الفاني ..!
الوقفة الأخيرة :
الأرواح في الحج تسمو ..
لأنها تيقنت الحقيقة ..
تعاملات الحاج يملؤها الصفاء .. ويغلفها النقاء ..
ابتسامة الود ترتسم على وجوه الحجاج ..
كيف لا ..
وقد هانت الدنيا في أعينهم ..
أبصروا الباقية فملأت أراوحهم بحب مايقربهم لها ..
لو كنا نرى الدنيا كما نراها في رحلة الحج لما وقع بين الأحبة كدر .. وما نزل بينهم شر ..
كيف وهم يبحثون عن رضا الله في كل بسمة ..
يلتمسون رحمته في رحمتهم لبعضهم ..
تجود أنفسهم بخدمة الغير لأنهم يطبقون "خير الناس أنفعهم للناس" ..
وحين ينطق أحدهم "أحبك في الله" ..
تحس بها تنحت عروق قلبك صدقا ً ..
لأنك تراها قبل نطقها ..
تراها في يد تمسح جبينك خوفا ً من اصابتك بالحمى ..
تراها في نداء يوقظك لقيام الليل رغبة ً لك بأعالي الفردوس ..
تراها في دمعة ترافق دعوة لك في جوف الليل ..
وتراها في قلب مشفق عليك من الوصب والتعب ..
يالله كم هي الأنفس تعانق السماء طيبا ً في رحلة الحج ..
كم تعطر الأجواء بعبير الإسلام الحق ..
كم تكون قريبة ً من آي الله ورحماته ..
كم تكتسب من عظات الأخلاق ودروس التربية ..
فتبذل حين تبذل لله ..
لا لجاه
ولا لاسم
ولا لمكانة
ولا لشهوات الدنيا ورغباتها ..
تبذل لأنها تريد الله ..
وتحب ماعنده ..
تبذل بصدق المؤمن ..
لذا تكافئ بحلاوة المؤمن الحق ..
ولو جعلت الأنفس الحج رحلة أبدية لعاشت نعيم الدنيا قبل الآخرة ..
في الحج ..
آلاف الدروس ..
وملايين العظات ..
في الحج ..
مئات الوقفات ..
هنا وهناك ..
لا تحتاج إلا للقلب المؤمن ..
"اسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا من المقبولين ..
وأن نكون ممن أبصر عظات الحج فاستفاد وأفاد ..
وعمل وطبق فكانت حياته رحلة حج ..
رحلة عبادة وطاعة لا يوقفها شيء حتى تصل لجنات الفردوس ..
اللهم آمين "
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،
===============
آفاق عملية للداعية في الحج
فهد بن يحيى العماري
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده أما بعد
معشر الدعاة : أحييكم والتحايا مفاتيح القلوب فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
وبدون إطالة ومقدمات فالجميع يدرك أن الحج موسم وغنيمة وفرصة وتجارة للدعاة في تبليغ دين الله لجميع الطبقات والمستويات ومساهمة مني في عطاء أكبر وثمرة أجود ونتاج أعظم ونفع أقوى لذا فهذه إشارات يسيرات ونتف سريعات كتبتها على عجل قد يعتريها الخلل وقد ينقصها جودة الترتيب وحسن العبارة و الأسلوب فعذرا عذرا وأستغفر الله من الزلل .
هي ذكرى ولا بأس أن يذكر المفضول الفاضل .
آفاق عملية للدعاة في الحج وورقة عمل أقدمها لمشايخنا الأجلاء ودعاتنا الفضلاء وطلبة العلم النبلاء فإليكها عبد الله رضي الله عنا وعنك :
1- الإعداد الجيد والمتميز والمؤثر في الطرح .
2- إعداد أكثر من موضوع يتنقل بها الداعية في مساجد مكة والمشاعر ومخيماتها من أمور عقدية أو فقهية أو وعظية أو تربوية .
3- مراعاة أحوال المستمعين فيطرح ما يناسبهم من المواضيع السابقة .
4- يحاول الداعية قبل زيارة المخيم معرفة ماهي الفئة الغالبة من الناس عوام أم شباب وإن كانوا شبابا فما صفتهم وأعمارهم حتى يكون الطرح مناسبا فتفهمه القلوب وتصل الرسالة التي يريد ويحاول معرفة ما طرح في المخيم أو المسجد من محاضرات وكلمات حتى لا يكون الطرح مكررا فتمله الأسماع وتنشغل عنه القلوب والأبدان .
5- التنسيق المسبق والترتيب المنظم بحيث يجعل جزءا من اليوم أو يوما لعدة مساجد أو مخيمات متقاربة وذلك بسبب قلة الوقت وكثرة المخيمات وتباعدها وصعوبة التنقلات فإذا كان التنسيق جيدا والترتيب رائعا استطاع الداعية بإذن الله أن يحقق كثيرا من الزيارات و اللقاءات .
6- محاولة استخدام بعض وسائل النقل السريعة لئلا يختل برنامج المواعيد وحتى يكون العطاء أكبر واللقاءا ت أكثر .
7- عدم إهمال المخيمات العربية وغير العربية من اللقاءات ولو كلمات بعد الصلوات .
8- من المشاهد والمعلوم أن أصحاب المخيمات يحرصون على أن يرافقهم بعض طلبة العلم والدعاة لكي يجيب على أسئلتهم واستفساراتهم ففي رأيي القاصر أن الداعية الزائر لا يجيب على الأسئلة المتعلقة بالحج إذا وجد في المخيم من ذكرت سابقا وذلك له فوائد عدة :
أ - الإجابة على أكبر قدر من الأسئلة المتعلقة بغير الحج .
ب - أنك في الغالب تجد الحاج فد سئل عن مسألته أكثر من شخص طلبا للاطمئنان أو تتبعا للرخص .
ج- بعدا عن إحداث التشويش الذهني عند الحاج لأن جملة من مسائل الحج محل خلاف وخاصة حملات البلدان العربية الأخرى أو غير العربية للاختلاف المذهبي الفقهي .
د- محاولة الاستفادة مما تبقى من الوقت في أماكن أخرى .
9- محاولة التعرف عند زيارة الحملات عمن فيها من طلبة العلم والدعاة
والجلوس معهم ولو لدقائق معدودة للاستفادة والتواصل المستقبلي وتبادل شيئا من الأرآء والأفكار والمواضيع فقد يكونون من نفس البلد فيزداد التواصل أو بلد آخر أو دولة أخرى فيتم التعارف فلعلك تلتقي بأحد الدعاة التي تتمنى أن تلتقي به مما تسمع عنه أوله أو تقرأ عنه أوله .(1/291)
10- يلاحظ أن بعض الحملات مشتهرة بإستضافة كبار الدعاة وطلبة العلم وبعضها فقيرة بذلك بل قد لا يزورها أحد ففي ظني تقدم الثانية في الإجابة والزيارة أولى ولذا على الداعية أن يسأل عن برنامج الحملة في الاستضافات .
وليكن إجابة تلك اللقاءات مبنية على المصالح العامة لا الخاصة .
11- على الداعية وطالب العلم إذا دعته بعض الحملات للحج معها أن يسأل من معها من الدعاة فإن كان معها أحد فليذهب للتي ليس معها أحد حتى يتم النفع أكثر ويستفيد أكبر عدد من الحملات من الدعاة وطلبة العلم من علمهم وتوجيههم فما الفائدة حين يكون في الحملة الواحدة عددا من الدعاة وفي المقابل أخرى ليس بها أحد والحكم العقل لا العاطفة والمصلحة العامة لا مراعاة الأشخاص ولا ننساق وراء بعض المخادعات والأساليب الملتوية والإغراءات من بعض أصحاب الحملات معشر الدعاة فالحذر الحذر .
إشكال : قد يتردد الداعية مع من يحج من الحملات أيحج مع حملات بلده أو حملات من غير بلده ؟ ففي رأيي أن ينظر إلى أمور :
أ - في أيهما سيكون أكثر نشاطا وهمة .
ب - في أيهما سيكون له أثر إيجابي ورائع في نفوسهم .
ج- في أيهما الحاجة أكثر .
د- مراعاة فقه الأولويات .
12- نجد تضييق دائرة العقيدة والتوحيد عند الطرح في قضايا الشرك والتبرك الممنوع مع أن التوحيد والعقيدة أشمل من ذلك كله ولا نهمل جانبا دون آخر فليس من العقل والمنهجية والواقعية أن تحصر له الإسلام والدين والعقيدة طيلة بقاءه قبل الحج وأثناءه وبعده في قضيتين أو ثلاث حتى يقول أحدهم ( إن الدعاة يظنون أننا لا نعرف من التوحيد شيئا وأن حياتنا شرك في شرك ).فالتوازن مطلوب .
13- يحسن بالداعية قبل أن يقدم على مسجد أو مخيم لتذكيرهم أن يعرف جنسيتهم ليأتي بمترجم يترجم للمستمعين حديثه ويكون ذا ثقة وأمانة وعلم حتى لا يخون أو يلبس أو يخطئ في ترجمته وحتى تبلغ رسالته على أكمل وجه .فإنه يلاحظ أن بعض الدعاة يقدم على مسجد أو مخيم ليتكلم فيجد الغالب غير عرب فيلقي ولا مستفيد أو يجد مترجما منهم مجهول الحال فيحاول قدر المستطاع يسدد ويقارب ويفيد .
14- زيارة الحجيج في أماكن نزولهم وإقامتهم .
15- وضع جدول لبرنامجه الدعوي يتضمن ما يلي :
أ- مكان المخيم بوضوح حتى لا يذهب الوقت في البحث .
ب- نوعية الحجاج .
ج- اليوم والوقت .
د- الموضوع .
ه-اسم المنسق ورقم هاتفه .
16- يحسن بالداعية أن يكون له رفيقا من طلبته أو الشباب الأخيار الثقات في برنامجه الدعوي ليكون عونا له في كثير من الأمور و حتى يؤدي رسالته على الوجه المطلوب دون خلل أو كلل أو ملل .
17- يحسن بالداعية أن يتأخر الثالث عشر ليكثر نفعه .
18- زيارة المخيمات الحكومية كالأمن العام بجميع قطاعاته وغيره فقد تكون منسية وخاصة أن حضورهم قبل الحج يكون مبكرا وبقاؤهم بعد الحج يطول .
19- إنشاء دورات علمية في المساجد التي يكثر بها الحجاج وتكون في مالا يسع المرء جهله من الدين في التوحيد والفقه وغيره وإن تيسر ذلك في المخيمات بأنواعها العربية وغير العربية .
20- يشاهد إسراف كبير مؤلم جدا في موضوع توزيع الكتب والأشرطة حتى تجد أن الحاج منذ نزوله وهو يكدس بالكتب والأشرطة حتى يمتلئ ثم يتركها في مخيمه ملقاة فلو جعل آلية للتوزيع من حيث ما يحتاجه الحاج عند دخوله فيعطى وعند خروجه فيعطى وتوحيد الجهود في ذلك بين الشئوون الإسلامية والمؤسسات الخيرية الأخرى من حيث مكان وزمان التوزيع والمادة الموزعة سواء مسموعة أو مقروءة فليكن للدعاة موقفا من ذلك بطرح ودراسة واقتراح .
21- يلاحظ أن كثيرا من الأصوات في المشاعر توجيها وإرشادا وتعليما في جميع النواحي باللغة العربية ونادرا بغير العربية . فلماذا لا يكون في مكاتب الإفتاء المنتشرة والمتنقلة في السيارات وغيرها التي تستخدم مكبرات الصوت إعادة التوجيه والفتوى بعدة لغات بعد ذكره بالعربية .
22- يلاحظ من بعض طلبة العلم والدعاة حين توضيح الفتوى الشرعية يغفل عن جانب التوجيه من حيث تخويف المتعمد في فعل الخطأ وترك الواجب بالله عز جل وأنه يكثر من التوبة والاستغفار و يذكر الجاهل بالتعلم وسؤال أهل العلم قبل العمل وأن يذكر الناسي بالتنبه واليقظة وعدم التفريط ، فلا بد من ربط القلوب بذلك واستشعار عظمة المعبود سبحانه وتعالى فليست القضية أقوال وأفعال وحين المخالفة المتعمدة دماء تراق فتنتهي القضية ولذا نجد على عظم أعمال الحج إلا أنها لا تغير في سلوك الحجاج وحياتهم شيئا كبيرا بعد العودة إلا من رحم الله .
23- يلاحظ ربط الحجاج حين التعليم بأفعال وأقوال وحركات مجردة من معاني تحقيق العبودية لله من صدق وإخلاص و خوف ورجاء ورضا في تلك الأحوال والمقامات وتحقيق معنى الإتباع والإقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام فحري بالداعية أن يربط الناس بذلك .
24- إعداد ورقة عمل بشكل أوسع للدعوة في الحج يقدمها الدعاة للشئون الإسلامية .
أخيرا : داعية الإسلام الجهد الجهد والبذل البذل والعطاء العطاء وإن كلت النفس أو أحسست بتعب ونقص فتذكر حال الرسول المختار وصحبه الأبرار والعلماء الأخيار كيف بذلهم وعطاؤهم واحتسابهم .
تذكر أنها ماهي إلا أيام والجميع يتلهف إلى الرحمة والتوبة والقبول فلعلك تفز بتلك القلوب وترحل بها إلى علام الغيوب .
فكلما خرجت من لقاء وحملة فإلى آخر وحديث النفس والحال : لعل في التي بعدها الأجر والقبول ، لعل في التي بعدها رجل مسرف بالمعاصي والذنوب ، أهلكته الأوزار والآصار فتكون سببا في نجاته وسعادته وفلاحه وهدايته وصلاحه فنعمت الغنيمة !!.
معشر القراء الفضلاء نأمل المزيد من إثراء الموضوع من خلال جميع الوسائل وفق الله الجميع لمايحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن وآلاه .
===============
الإجازة الصيفية بين المتعة والفائدة..
تحقيق ـ سلام شرابي
أخيراً هلّت علينا شهور الإجازة وقد ودعنا المدارس والكراسات والكتب المدرسية وأغلقنا الباب وراء الاستيقاظ باكراً والنوم مع العصافير.. وفتحنا الأبواب على مصراعيها للرحلات والزيارات، للأعراس والسهر. تروج هذه الكلمات في أيامنا هذه وقد سمعتها من عدد من الفتيات وأنا أوزع لهن استبياناً حول الإجازة الصيفية ومدى الاستفادة منها..
لقد عكست نتائج الاستبيان الذي أجراه موقع (لها أون لاين) على مائة فتاة تراوحت أعمارهن بين 15 إلى 24 سنة في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعيات.. واقع الإجازة لدى بناتنا وأسرهم.
ريشة في مهب الريح
من الصعب أن يترك الإنسان نفسه كريشة في مهب الريح، أينما تأخذه الرياح يمضي؛ إذ لابد من تخطيط لحياته يسير وفقه.. وفي الاستبيان الذي أجريناه كان الردُ على سؤالنا حول وجود تخطيط معين لقضاء الإجازة بأن 60% من العينة ليس بذهنهن أي مخطط لقضاء الإجازة الصيفية بينما 40% لديهن مخطط يسعون إلى تنفيذه.
وبالإجابة عمن هو المسئول عن التخطيط للإجازة الصيفية في الأسرة أجابت 33.3% منهن أنه ليس هناك مُخطَط ولا مُخطِط، بينما 26.6 قلن أنهن من يخططن كيفية قضاء أجازتهن، و13.3 كان الأب والأم هما من يضعان خطة الإجازة لأبنائهما، و6.6 كان الأب فقط من يخطط، ومثلها 6.6 الأم من تخطط، و6.6 بالاتفاق مع الأصدقاء.
كيف تقضين إجازتك
وعند سؤالنا عن كيفية قضاء الإجازة تنوعت الإجابات وغلبت السلبيةُ الإيجابيةَ في الاستفادة من أوقات الإجازة.(1/292)
50% من الإجابات قالت بأنه لا شيء محدد تنوي فعله أو تفكر فيه وهي تعيش أيام الإجازة يوماً بيوم.
و 30% قالت أنها ستسافر لتستمتع بالإجازة، ومنهن من قالت أنها ستقضي إجازتها في التسوق وأخرى في المناسبات والأفراح، فيما بلغت نسبة من رغبن بالالتحاق بدورات كمبيوتر وإنكليزي أو تعلم الطبخ أو مركز صيفي 10% من العينة فقط.
كما تنوعت الإجابات حول كيفية قضاء ـ عينة الاستبيان ـ لإجازتهم الصيفية في السنوات الماضية، وكانت في غالبيتها إضاعة للوقت (أعراس، نوم، سهر، هبال ووناسة ـ حسب تعبير البعض ـ، كوفي شوب، التسوق، الملاهي، مشاهدة التلفاز).
وبلغت النسبة 5% فقط لمن يصلن رحمهن أو يلتحقن بدورات ومنتديات أو مراكز صيفية.
وعند المقارنة بين حال أفراد العينة في إجازتهم الماضية وما ينوون فعله في الإجازة الحالية تبين أن منهن من غيرت طريقة تفكيرها في قضاء الإجازة من التسلية وإضاعة الوقت إلى الحرص على استغلال الإجازة والاستفادة منها وهي نسبة قليلة جداً لكنها موجودة حيث جاء في إحدى الإجابات عن سؤالنا كيف أمضيت إجازتك الصيفية الماضية: "العلم عند الله.. لكن بالتخطيط سألتحق بمراكز للمواهب هذه السنة ولن تكون كسابقاتها..".
---------
نتائج استطلاع أجراه موقع لها أون لاين..
---------
فوق الغيوم
وعن سؤالنا هل تودين السفر في أيام الإجازة كانت النسبة الأكبر 86.6% من العينة ممن يرغبن في السفر، بينما 13.33% فقط لا يفضلن السفر وترك بيوتهم.
وبلغت نسبة من يفضلن السياحة خارج المملكة 33.3 ومن الأسباب التي ذكرنها الرغبة في الاستمتاع بالطبيعة والإطلاع على عادات وثقافات الغير وزيارة أماكن جديدة.
وبلغت نسبة من فضلن السياحة في المملكة 26.3% وأسبابهن: المساهمة في دعم السياحة في الداخل، حيث أجابت إحداهن: "لماذا أدعم السياحة في الخارج وبلادنا أولى بذلك؟!".
وأخرى أجابت بأنها لا تحب زيارة بلاد الكفار.. وقالت ثانية بأن المعاصي المنتشرة في الخارج ستنغص عليها استمتاعها بالطبيعة، فلمَ السفر إذًاً؟!.
و 33.3% من الفتيات رغبن في الاثنين معاً (الداخلية والخارجية) المهم أن يحلقن فوق الغيوم.
وعن النوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة أجابت 46% أنهن ينامون النهار ويسهرون الليل، بينما 46% قالت: لا.. الليل للنوم والنهار للاستمتاع والزيارات، و13% قالت أحياناً نسهر الليل وأحياناً ننامه.
ولدى سؤالنا عن التسجيل في الدورات كانت النسبة الأكبر لمن لم يسجلن ولا يرغبن بالتسجيل في أية دورة وقلن أن الإجازة للراحة فقط …
بينما اهتمت النسبة الأقل بالتسجيل في دورات بالحاسب والإنكليزي ومنهن من التحقت بدور تحفيظ القرآن والتدرب على نشر الدعوة عبر الانترنت.
القدوة الحسنة
ولعل نتيجة الاستبيان و النسب الماضية تشير بوضوح إلى ضياع ثلاثة أشهر على الأقل من كل سنة من عمر أبنائنا دون الاستفادة منها، هذا إن لم تعد هذه الأشهر ببعض العادات السلبية على الفرد وبالتالي الأسرة ككل، حول ذلك التقينا بالتربوية هدى حواس الجاسم "أستاذة التربية وعلم النفس" التي حدثتنا عن أهمية تربية أولادنا على الاستفادة من أيام الإجازة فتقول:
إن أهم ما يميز الإجازة هو امتلاكنا للوقت فيها والذي يمكن أن نوظفه بطريقة نستفيد فيها منه، و نربي أولادنا على ذلك، فمن المعروف أن الإجازة هي وقت فراغ، وعلينا أن نربيهم أولاً على الاستفادة من وقت الفراغ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" (رواه البخاري).
ولا تأتي تربيتنا لأولادنا على حسن استغلال الإجازة في وقت الإجازة فقط، بل إن هذه التربية تسبقها في أي وقت فراغ آخر، فعلى سبيل المثال يوم الجمعة يمكن الاستفادة منه، وكذلك أيام الأعياد، وحتى في أوقات المدرسة يوجد وقت فراغ يجب الاستفادة منه، فإن نحن عودنا أولادنا على أن يتم استغلال وقت الفراغ على مدار السنة في العبادة، كارتياد المساجد مثلاً، فإن هذا سينعكس على سلوكهم في الإجازة الصيفية.
كما علينا أن نحرص كل الحرص على أن نكون لأولادنا القدوة الحسنة في الاستفادة من الإجازة؛ لأن الأولاد يُقلّدون الآباء والأمهات في كل شيء تقريباً، فبقدر ما نستفيد نحن من إجازتنا بشكل يرضي الله عز وجل، ونبتعد عن معاصيه، بقدر ما ينعكس ذلك على سلوك أفراد الأسرة.
نقطة أخرى أحب أن أذكرها هنا، وهي أن رفاق السوء يعتبرون من أهم المؤثرات المباشرة على طريقة قضاء الإجازة لأولادنا، فعندما يحدثهم أصدقاؤهم عن رحلة في الدول الأوروبية مثلاً وما فيها من لهو.. فإنهم سينشئون وفي قلوبهم شغف لارتياد هذه الأماكن، وكذلك إذا حدثهم زميل لهم عن قضاء قسم من الإجازة في مكة المكرمة، أو في صلة الرحم، واجتماعات الأسرة الكبيرة، فإنهم سيحبون ذلك.
وسألنا الأستاذة هدى الجاسم: هل ترين أن إجبار أولادنا على الانتساب إلى دورات علمية أو عملية قد يؤدي إلى ضغوطات نفسية عليهم خاصة بعد عام دراسي شاق؟
إذا نظرنا إلى الإجازة على أنها فترة ثلاثة أشهر كاملة تقريباً، عرفنا أن مسألة توظيف الإجازة في الرحلات أو الزيارات أو السفر أو أي شكل من أشكال التسلية لهو أمر صعب.
بالإضافة إلى ذلك فإن الدورات العلمية والعملية عادة ما تأخذ الوقت القليل من الإجازة، لذلك فإنني أرى أن مسألة توظيف الإجازة في إلحاق أبناءنا بالدورات العلمية والعملية، بالإضافة إلى دورات نشاطية ودورات تحفيظ قرآن أو من هذا القبيل لهو أمر ضروري للاستفادة من وقت فراغ كبير وضخم.
أضف إلى ذلك أنَّ تعود الأولاد على قضاء إجازتهم بدون عمل عقلي أو حفظي أو نشاط علمي أو عملي سيؤدي بهم إلى الركود والخمول والنوم، وأحياناً السهر واللهو، وهذا أمر سيئ للغاية، خاصة وأن أبناءنا مقبلين على فترة دراسية أخرى، وإذا تعودوا على الخمول أو الكسل، سيصعب عليهم معاودة النشاط الدراسي مرة أخرى مع بداية العام بشكل جيد.
على أن لا توظف الإجازة في الأمور العلمية والعملية (كما في السؤال) فحسب بل نحرص على التنويع بين ذلك الجانب والجانب الترفيهي أيضاً، مع الاهتمام بأمور الدين أيضاً كدورات تحفيظ القرآن التي تكثر في المساجد أيام الأجازات، وكذلك دورات الفقه والحديث والمحاضرات التي يلقيها بعض العلماء والفقهاء في المساجد والإكثار من أمور الخير التي تفيد في الدنيا والآخرة.
ولا بد أن أنبه هنا بألا تأخذ الدورات العملية أو العلمية كل أو معظم الإجازة لئلا يفقد الطالب إحساسه بالإجازة، ومن المفيد جدا أن تكون هذه الدورات قصيرة وبأوقات مناسبة.
وسألناها أيضاً: برأيك ما هي السلبيات التي قد تنجم على سلوك الأولاد إن تركناهم من غير توجيه أو تخطيط في الإجازة؟
إن قسماً كبيراً من المشاكل التي تحدث للشبان والفتيات تأتي في أوقات الإجازة؛ لأن الإجازة بالإضافة إلى كونها تتيح فرصة كبيرة من الفراغ الذي قد يؤدي بالبعض إلى اتخاذ وسائل جديدة وربما سيئة لتمضية الوقت، يُعتبر أيضاً مجالاً واسعاً لغياب الرقابة عليهم.
ففي أوقات الدراسة تشكل المدرسة عامل رقابة جيد يمتد عدة ساعات من اليوم، بالإضافة إلى ذلك اهتمام الأهل ومتابعة أعمال وإنجاز الأبناء وتحصيلهم العلمي، أما الإجازة، فإن فيها تغيب كامل لرقابة المدرسة، كذلك فإن غياب التحصيل العملي، يغيب معه مراقبة الأهل للأبناء، مما ينشأ عنه وقت فراغ بدون رقابة.(1/293)
فإذا ما زاد عليها عدم التوجيه الصحيح لهم في الاستفادة من الوقت، فإن رفاق السوء يتربصون بهم، والأعمال والعادات السيئة كثيرة وفي متناول اليد.
يظهر أن صحبة السوء مزلق مفسد لكثير من الأبناء، فكيف يمكن ـ يا أستاذة هدى ـ أن تجنب الأمهات بناتها أو أبناءها صحبة السوء التي تصبح خطرة خاصة في أوقات الفراغ والأجازات؟
يأتي هنا في المرتبة الأولى الرقابة الدائمة للأبناء، فمن غير الممكن أن نتركهم طوال فترة العام الدراسي دون رقابة، ثم نأتي ونراقبهم بشكل دقيق في أوقات الإجازة، صداقات المدرسة تشكل في الغالب الصداقات الدائمة بين الطلاب؛ لذلك فمن الملاحظ دائماً أن زميل المدرسة هو نفسه صديق الإجازة، بالإضافة إلى بعض الجيران والأقارب، لذلك معرفتنا السابقة برفاق الأبناء (في أوقات العام الدراسي) تنذرنا برفاق الإجازة، وحرصنا على رفاق الإجازة لأبنائنا تأتي استكمالاً لحرصنا على رفاق العام الدراسي.
ومن هنا يبرز الحرص الشديد من قبل العائلة على مسألة رفاق الأبناء، وأي استهتار أو تقاعس في هذه المهمة التربوية سيؤدي (لا سمح الله) إلى انحرافات خطيرة وكبيرة تحدث في مجتمعاتنا بدون أن يعرف الآباء، ليكتشفوا بعد فوات الأوان هذه الانحرافات التي ما كانت لتحدث لو أن الآباء شددوا على مسألة رفاق الأبناء.
من خلال استطلاع قمنا به تبين لنا أن نسبة كبيرة من الفتيات تفضل السفر في الإجازة وخاصة خارج المملكة، فما رأيك في هذا الموضوع وكيف يمكن أن نوجه أبناءنا إلى السياحة الداخلية؟
إن وسائل الإعلام المختلفة وخاصة الفضائيات، بالإضافة إلى المجلات والإنترنت والوسائل الأخرى تؤدي إلى إظهار صورة السفر إلى الخارج على أنه الإجازة الحقيقة التي يمكن أن ينالها الشاب أو الفتاة بعد عام دراسي حافل.
الإعلانات عن مهرجانات التسوق في الأجازات، وكذلك مهرجانات الصيف ومدن الألعاب تشكل عامل إغراء قوي للجميع. بالإضافة إلى ذلك فإن الأصدقاء والصديقات الذين سافروا خلال الإجازة إلى الخارج، يعطون صورة إيجابية للعطلة في الخارج.
ولكن حرص الآباء على تقديم صورة السياحة الداخلية الملتزمة بشكل إيجابي، مع تقديم عروض أخرى كشراء الأغراض الشخصية والألعاب والألبسة من مدن المملكة، فإن الأبناء سيحبون ذلك إن شاء الله.
وأيضاً كان من نتائج استطلاعنا أنه يغلب على العديد من أولادنا النوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة، كيف يمكن أن تُعالج هذه المشكلة؟
كما قلنا سابقاً فإن القدوة الحسنة يأخذها الأبناء من الآباء والأمهات، ولعل الأب الذي يعود أولاده على صلاة الفجر طوال العام الدراسي، سيكون من الصعب على الابن نفسه أن يترك هذه الصلاة في أيام الإجازة.
بعض العادات الإيجابية التي نربيها في أولادنا وبناتنا، وخاصة الإسلامية منها، تنسجم مع الفطرة التي فطرنا الله عليها، لذلك سيكون من الصعب على الأولاد أو البنات أن يغيروها في أوقات الإجازة.
وتأتي هنا دورات تحفيظ القرآن، وزيارات صلة الرحم، والنشاطات الرياضية والدورات العلمية والعملية، وقضاء قسم من الإجازة في مكة المكرمة والمدينة المنورة لتشكل عوامل إيجابية تساعد أبناءنا على قضاء إجازة مميزة ومفيدة.
إجازة عن العبادة!!
تقول الأميرة جواهر بن فرحان آل سعود للأسف أن مفهوم الإجازة عند البعض هي إجازة حتى عن طاعة الله تعالى بالسهر والنوم عن الصلاة، وإهمال واجباتنا الدينية وأهمها الصلاة في السفر والرحل وننسى أننا خلقنا في هذه الحياة من أجل طاعة الله بل أننا معنيون بعبادة الله بالإجازة أكثر من العمل.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم {إذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب} فنحن مطالبون بتكثيف العبادة في الإجازة لا إهمالها.
وللأسف كثيراً ما نسمع النساء يعاتبن من ترسل أبناءها إلى دار التحفيظ في الإجازة فيقلن لها: حرام عليك حتى في الإجازة.. وينسين بقولهن هذا أن النوم والراحة يمكن أن نُحصّله في أي وقت، لكن العمل الذي نؤجر عليه لا يمكن تحصيله في كل وقت، ولا ندري هل يدوم والى متى.
مقترحات جربيها.. لن تندمي..
- بداية عليك الاتفاق مع والديك كيف ستقضين إجازتك؛ لأنهما أعرف منك وأخبر بأفضل الطرق والوسائل لقضاء إجازة ممتعة ومفيدة، كما أن التشاور معهما سيولد أفكار لم تكن في الحسبان.
وتذكري دائماً قبل القيام بأي أمر احتساب النية عند الترفيه؛ فإن المسلم مأجور في جميع أعماله إن أحتسب، فاحتسبي رحلتك وسفرك وأوقات الترفيه التي تقضينها بأنك تتقوين بها على عبادة الله وتسبحينه على روعة وجمال ما خلق.
- الذهاب في رحل عائلية و استشعار جمال الطبيعة وروعة ما خلق الله تعالى وإقامة مسابقات ثقافية وتقديم جوائز للفائزين.
- السفر والسياحة في مناطق المملكة الجميلة فمن أراد البحر (جدة والدمام) ومن أراد النسائم الباردة (أبها، الباحة) ومن أراد الأجر والمنفعة في الدنيا والآخرة (مكة والمدينة المنورة)
- القيام بزيارات عائلية تتحقق فيها المتعة وصلة الرحم واستغلال هذه الزيارات بالدعوة.
- المواظبة على الألعاب الرياضية كل صباح لما لها من فوائد جسدية ونفسية بالإضافة إلى المحافظة على الرشاقة.
- الذهاب إلى العمرة وحضور الدروس الشرعية في الحرم وزيارة المدينة المنورة وزيارة الأماكن التي وردت في السيرة كـ ( زيارة جبل أحد ـ الصعود إلى جبل الرماة ـ مقبرة شهداء أحد).
- المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية للتعود على حب العطاء والسعادة بتحقيقه وبذل الخير واستغلال الوقت بما هو نافع.
- المشاركة في اللقاءات الصيفية للفتيات وتتضمن هذه اللقاءات برامج هادفة من مسابقات أو فقرات ترفيهية تثقيفية وتعليمية وإنشاء حوار هادف مع الفتيات في أمورهن ومشاكلهن.
- تصفح المواقع المفيدة في الإنترنت ودعم المنتديات الإسلامية واستغلال الرسائل الإلكترونية بالدعوة إلى الله.
- المطالعة وقراءة ما هو مفيد (سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، مجلات إسلامية، قصص مفيدة وممتعة).
- مشاهدة الأفلام الإسلامية والمحاضرات والدروس العلمية.
- استغلال فترات الاجتماعات مثل الأعراس ـ التي تكثر في الإجازة الصيفية ـ وتقديم كلمة أو نصيحة مختصرة للالتحاق بمراكز تحفيظ القرآن الكريم مثلاً أو التذكير بالسنن المهجورة (صلاة الضحى، ركعتي الإشراق، زيارة المقابر، الصيام).
- المشاركة في الكتابة للمجلات ـ لمن تجد لديها ملكة الكتابة ـ بمقالات ومواضيع تود طرحها.
- الانتساب إلى الدورات العلمية ودورات الحاسب الآلي، ولا بأس من الانتساب إلى مطبخ العائلة لتتعلمين من والدتك الطبخ أو بعض أصناف الحلويات لتعدينها لهم في الرحل والزيارات.
- وفري 10 دقائق في كل يوم لحفظ خمس آيات من القرآن الكريم ستجدين رصيدك من الحفظ قد زاد بمقدار 450 آية عند نهاية الإجازة.
- أخيراً لابد أن يكون لك ساعات تناجي فيها ربك، تسبحينه وتستغفرينه وتدعينه فيجيب دعائك إن شاء الله.
=============
وقفات في تعاقب السنين
د.عبد اللطيف بن إبراهيم الحسين (*)
ها نحن أولاء نودع عامًا هجريًّا بعد انقضائه، ونستقبل عامًا جديدًا..
بل إن هذا العام الخامس في بداية عِقْدٍ جديدٍ من تاريخ المسلمين، بعد أن شارفوا منتصف العقد الثالث (رُبْعَ قَرْنِ) من هذا القرن (الخامس عشر الهجري).
فالمسافر حين يجتاز مرحلة طويلة من الطريق فيحط الرحال، ويقف ليستريح، فيتلفت وراءه ليرى كم قطع؟ وينظر أمامه ليبصر كم بقي؟.(1/294)
والتاجر تنتهي سنته؛ فيقيم موازينه ويحسب غلته، ليعلم ماذا ربح؟ وماذا خسر؟ ". (1)
أينقضي عام ويدخل عام، وتمر الأيام والأعوام.. دون أن نقف عليها ساعة نستفيق من غفلتنا ونفكر ونعتبر؟
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فما أحرانا أيها الإخوة الكرام أن نكون أشد حرصًا على أعمارنا وأوقاتنا من التجار والصناع وغيرهم . قال الإمام الحسن البصري-رحمه الله-: "أدركت أقوامًا كان أحدُهم أشحَ على عمره منه على درهمه". (2)
وفيما يلي أقف بعض الوقفات في تعاقب الأعوام والسنين :
1ـ التأريخ الهجري نقطة مضيئة في حياة الأمة :
أجمع الصحابة في عهد عمر بن الخطاب على اختيار التاريخ بهجرة النبي، لما في ذلك الحدث العظيم من نصر وتمكين وقيام دولة الإسلام في مدينة رسول الله ، وقد جرى على ذلك سلف الأمة، ولا يصح استعمال التاريخ الميلادي أو ما أشبهه استقلالاً، فالتاريخ الهجري مرتبطة به عبادات عديدة، كما أن له تاريخًا وثيقًا بتاريخ الأمة وهويتها.
2ـ معادلة معكوسة :
ينقضي العام فنظن أننا عشناه وزدنا عامًا، وفي الحقيقة قد فقدناه ونقصنا عامًا من أعمارنا، وربما يعجب من هذا الكلام ! وهو حق، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذَهَبَ يوم ذَهَبَ بعضك". (3)
فكل عام يمضي من أعمارنا نقترب به من الموت، ونهاية المطاف أشبه بالموظف الذي يأخذ إجازة ثلاثين يومًا، إذا قضى فيها عشرة أيام، يكون قد خسر منها عشرة أيام فصارت عشرين يومًا، فإذا انقضت الإجازة فكأنها لم تكن. (4)
3-الحذر من التسويف والتأجيل :
من الأمراض الاجتماعية الشائعة في مجتمعاتنا كثرة تأجيل الأعمال والتسويف في أدائها، حتى تمر الأيام والسنون الطويلة ولم نفعل شيئًا، ونحن لا ينقصنا العلم، بل ينقصنا الشروع في العمل بما نعلم .
وما أجمل الحكمة المشهورة : "لا تؤجل عمل اليوم إلى غد" . ومع ذلك كله فكثير من الناس يُسوفون ويُؤجلون، ويقولون سوف نعمل كذا، وسوف نتوب! وجاء عن بعض السلف : (أنذرتكم سوْفَ).
وأضرب لذلك مثالاً؛ تبدأ الدراسة فيقول الطالب : أذاكر غدًا -إن شاء الله-، ثم يأتي الغد فيقول بعد غد.. وهكذا يؤجل من يوم إلى يوم، ومن أسبوع إلى آخر حتى إذا اقترب موعد الامتحان، وأصبح أمامه وهو لم يذاكر؛ ندم أشد الندم على ما فات في تسويفه وتفريطه، ولات حين مناص.
وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوصي ألا يؤخر عمل اليوم إلى غد، خشية أن تجتمع الأعمال الكثيرة، فتضيع الواجبات. (5)
وكان عمر بن عبد العزيز-رحمه الله- حريصًا على أداء الواجبات والأعمال وعدم تأجيلها، وذات يوم قال لَهُ أحد أبنائه: لو أخرَّتَ عمل هذا اليوم إلى غد فاسترحت؛ فقال : قد أجهدَنا عمل يوم واحد، فما بالك بعمل يومين مجتمعين .
وقال الشاعر :
إن أنت لم تزرع وأبصرت حاصدًا *** ندمت على التفريط في زمن البذر
4ـ استدراك ما يفوت من العمل واستغلال مواسم الخير :
كثير من الناس يُبذرون في أوقاتِهم، والوقتُ سريعُ الانقضاء، فلا نجدهُ حتى نفقدهُ، ولا يكادُ يبدأُ حتى ينقضي، فلا يعودُ أبدًا.
وإِنْ فات عملُ الخير في النهار؛ فالليلُ خلفة منه قال تعالى : (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا)، وكان من عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا غلبه عن قيام الليل من نوم أو وجع، صَلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة . بمعنى أنه يُصليها في الضحى، أي يستدرك بالنهار ما فاته من الليل، وفي الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: "من نَامَ عن حزبِهِ، أو عن شيءٍ منه، فَقَرَأَهُ فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتِبَ لَهُ كأنَّمَا قَرَأَهُ من الليل"(6). وقال تعالى : (وجعلنا الليل والنهار آيتين فَمَحَونا آيَةَ الليل وَجَعلنَا آيَةَ النهَار مُبْصِرَةً لِتَبتغوا فَضلاً من ربكم ولتعلموا عَدَدَ السنينَ والحسابَ وَكُلَّ شَيءٍ فصلناه تفصيلاً). وكذلك استغلال مواسم الخيرات: استغلال شهر رمضان بالصيام والقيام، وصيام شهر الله المحرم، لا سيما عاشوراء، وصيام ست من شوال، وعشر ذي الحجة، وكذلك قيام الليل والإنفاق والبر والجود وسائر الطاعات.(7)
5ـ لا يأتي عامٌ إلا والذي يليه شرٌ منه.
بوب البخاري -رحمه الله- باب "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه"، وذكر فيه حديث أنس: "لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشرُّ منه حتى تلقوا ربكم" (8)،(9). قال ابن بطال : "هذا الخبر من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بفساد الأحوال، وذلك من الغيب الذي لا يُعلم بالرأي وإنما يُعلم بالوحي" (10). والمقصود لا يأتي زمان إلا والذي بعده أَشَرُّ، مثل كثرة الفتن وابتعاد الناس عن معين الشريعة وانغماسهم في المعاصي كلما مرت السنون والأعوام، وهذا من حيث الأعم .
ويقول عبد الله بن مسعود معلقًا على حديث "لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة": "لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالاً يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله؛ فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون". ومن طريق مسروق عن الشعبي -رحمهما الله- قال: "وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها، ولكن بذهاب العلماء، ثم يحدث قوم يُفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه".(11)
ومصداق ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : "إنَّ الله لا يقبضُ العلم انتزاعًا ينتزعُهُ من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناسُ رُؤوسًا جُهالاً فسُئلوا؛ فأفْتَوا بغير علم، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا" (12).
ففي الأعوام المنقضية القريبة فقدنا كوكبة من العلماء والفضلاء والدعاة، يتصدرهم : سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ مناع القطان، والشيخ عطية محمد سالم، والشيخ مصطفى أحمد الزرقاء، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ أبو الحسن الندوي، والشيخ سيد سابق، والشيخ محمد بن صالح العثيمين وغيرهم..-رحم الله الجميع-، وإن أمة منها هؤلاء لأمة خيرٍ وَهُدى، وفي رحيلهم تبعات ومسؤوليات، وعبر وآيات، وما يعقلها إلا العالمون.
6ـ الحياة قصيرة وإن طالت في نظرنا :
الكل منا يعلم أن الحياةَ الدنيا لها أشكال كثيرة وألوان عديدة، ويريد أن يعب من لذائذها الكثير، ويستمتع بشهواتها، ويحرص على الاستمتاع بلحظاتها، لكن حياتنا الدنيوية متعتها زائلة، وشهواتها رخيصة مهما بذل الإنسان في أثمانها، وساعاتها قصيرة مهما طالت، وكل منا سيلقى حتفه وهلاكه ولو بعد حين .(1/295)
قال مطرف بن عبد الله -رحمه الله-: "إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا نعيمًا لا موت فيه" (13)، ولا ندري من يعيش يومًا آخر أَوْ عامًا جديدًا؛ بل لو تأملنا أعمارنا على اختلاف فيما بيننا لوجدنا أن عمرنا المنصرم سواءً أكان أربعين سنة أم ثلاثين أم عشرين.. أشبه بدقائق مرت مرور الكرام، وهكذا الحياة الدنيا قصيرة؛ فالحذر من التقصير!، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "ما لي وللدنيا، إنما مَثَلي وَمَثَلُ الدنيا كمثل راكبٍ قَالَ في ظِلِّ شجرةٍ، ثم راحَ وتَرَكَهَا"، وعن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بمنكبي، فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابرُ سبيل". وكان ابن عمر يقول : "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" (رواه البخاري)(14) وخرجه الترمذي، وزاد فيه: "وعُدَّ نَفْسَكَ من أصحاب القبور". (15)
فالحذر الحذر من الاغترار بالدنيا والانغماس في شهواتها، قال أحد السلف: "لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد".(16)
فالإنسان المسلم يُؤمن بما بعد هذه الحياة الدنيا فيُدرك قيمة الزمن، ويُسخر ساعات هذه الحياة للبِرِّ والتقوى، وللعمل بما يُرضى الله تعالى (يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم). (17)
7ـ دور الأمة في تسخير الأوقات :
إن الأمم تحسب أعوامها بمقدار ما تبنيه وتقدمه للبشرية جمعاء، فالسلف الصالح-رضوان الله تعالى عليهم- بنوا الحضارة الإسلامية في أزهى صورها في زمن قصير حتى أفاد من حضارتهم المجيدة الأمم الأخرى في الشرق والغرب، وشهد القاصي والداني بعظمة تلك الحضارة في ذلك الزمن القصير بعد ظهور الإسلام وانتشاره، وبقوة أولئك الأفذاذ المؤمنين بالله ورسوله، وسخروا إمكاناتهم العقلية والجسدية والزمنية لخدمة دينهم الذي ارتضاه الله لهم، فكانت أوقاتهم محسوبة منظمة، فلم يضيعوا فرصة، ولم يهدروا طاقة إلا فيما يبني أمتهم ويعلي مكانتهم بين الأمم والشعوب .
ولذا فالأمة التي لا تحسن الإفادة من الوقت لا تكون في مركز الصدارة والقيادة، وإنَّ مما يؤسف له أن غير المسلمين-في الوقت الحاضر- أشد حرصًا على الانتفاع بالوقت في العمل والبناء والجد والانضباط، أما المسلمون فهم أزهد الناس في الإفادة من أوقاتهم، فكثيرًا ما يمضونها في العبث والقيل والقال، وهم مسؤولون عن تضيع أوقاتهم ومغبونون بها، والناس عموما يعرفون قيمة الوقت، ولكن كثيرين لا يعرفون كيف يستغلونه، وذلك مصداق قول نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس:الصحة والفراغ" (رواه البخاري) (18) ، يقول ابن بطال-رحمه الله-معلقًا على الحديث: (كثيرٌ من الناس) "أي أن الذي يوفق لذلك قليل" (19). وجاء عن عمر بن الخطاب قوله : "إني لأكره أحدَكُم سُبهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخره" ومعنى سبهللاً : أي فارغًا.
يقول الوزير ابن هبيرة :
الوقتُ أنفسُ ما عنيت بحفظه *** وأراهُ أسهل ما عليك يضيعُ
مع ملاحظة أن الوقت إذا لم يشغل بالخير شُغِلَ بالباطل، وكما يقال: إن الشيطان يسكن حيث يجد المكان فارغًا.
8ـ التخطيط للمستقبل :
من الأمور المهمة التي ينبغي أن نتوقف عندها في انقضاء الأعوام، مسألة التخطيط للمستقبل، كيف نخطط لمستقبل الأمة الإسلامية مستلهمين الأعوام الماضية، مستشرفين الأعوام القادمة، مقدرين حاجات الأمة وعجزها، ومحاولة سد هذه الثغرات في المستقبل؟ والجواب على ذلك يكمن في وضع الخطط العملية الإيجابية الممكن تحقيقها على مراحل وخطوات؛ فالتخطيط للمستقبل يقوم على الإفادة من أحداث الماضي-قربت أم بعدت- حتى يتكامل البناء الحضاري للأمة الإسلامية، وترجع قيمتها بين الأمم، وهناك دراسات تُعنى بالمستقبل برع فيها الغرب، فما أحرانا -نحن المسلمين- أن نعد العدة لمستقبل الأيام والسنين ونخطط لها ونبتعد عن الأعمال العشوائية والارتجالية في حياتنا.
------------------------------
(*)عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
[1] صور وخواطر للشيخ علي الطنطاوي ص5.
[2] شرح السنة للبغوي (14/225(.
[3] حلية الأولياء للأصبهاني (2/148(
[4] انظر : صور وخواطر، ص6.
[5] انظر : تاريخ عمر بن الخطاب t لابن الجوزي ، ص151 .
[6] رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم الحديث 747 .
[7] للإفادة : يراجع كتاب لطائف المعارف لابن رجب، فهو مفيد في الموضوع .
[8] تلقوا ربكم : أي حتى تموتوا .
[9] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (13/19-20(.
[10] المرجع السابق (13/21(.
[11] المرجع السابق
[12] رواه البخاري، 3-كتاب العلم ح(100)، ومسلم،47-كتاب العلم، ح(2673).
[13] لطائف المعارف، ص32.
[14] ح(6416).
[15] ح(2333) .
[16] لطائف المعارف، ص18 .
[17] ( سورة الشعراء )
[18] ح(6412)
[19] فتح الباري (11/230)
المصدر : الإسلام اليوم
===========
الرحلات . . . وسيلة دعوية . . فكيف نستفيد منها !
الرحلات شيء محبب للنفوس ، ففي الرحلات أُنسٌ بالصديق ، وتفريج للضيق ، وكسب للمهارات والخبرات ، وفوز بالسبق إلى الخيرات .
والرحلات كأسلوب من أساليب الدعوة وسيلة ناجحة ، فهي طريق للقلب المعنّى ليبث فيها الراحل أشجانه وهمومه ويفتح فيها قلبه ومكتوم أسراره ، فجدير بالمربين المخلصين أن لا يفوّتوا مثل هذه السانحة ، لذلك يجدر أن نذكر ببعض المهام والأمور التي تخدم هذه الوسيلة الدعوية الناجحة فنكون أقرب للاستفادة منها .
@ أهمية الرحلات .
السفر والترحال يكسب الإنسان تجربة وخبرة .
فالرحلات ( القصيرة والطويلة ) من أهم وسائل الترفيه عن النفس ، والإعداد الذهني والجسمي للطلاب ( المتربين ) ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب إدخال السرور على صحابته ، وعلى الشباب والفتيان منهم بالممازحة والترويح وغير ذلك مما كان متاحاً لهم في وقتهم .
ومن قبل قال الإمام الشافعي رحمه الله :
تغرّب عن الأوطان في طلب العلى :: :: :: وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرّج همّ واكتساب معيشة :: :: :: وعلم وآداب وصحبة ماجد !
فمن فوائدها :
- توسيع المدارك عند الطلاب ( المتربين ) .
- الترفيه المباح ( كبديل فعّال للبرامج الترفيهية المباحة ) .
- تعويد المشتركين على مبادئ هامة ، وتحقيق معاني قد لا تتحقق إلا بالأسفار والترحال من مثل : ( معاني الأخوة ، والإيثار ، والانضباط ، والترتيب ، والسمع والطاعة ..)
- فيها تلبية لرغبات فطرية في الإنسان من حب المخالطة والمرح والترفيه .
- سهولة إيصال الأفكار وترسيخها في أذهان المشتركين ، إذ أن التربية والتوجيه مع الحدث من أشد ما يساعد على رسوخ المبادئ والمفاهيم .
- " ..ثبت من خلال التجارب العديدة أن طلاب الحلقات يرتفع مستوى أدائهم وعطائهم بعد الرحلات والنشاطات بشكل ملحوظ ؛ ويلتهب الحماس لديهم لتقديم أفضل ما عندهم ، من الحفظ والأخلاق في التعامل .
- وإن النشاطات والرحلات الهادفة تفتح آفاق أذهانهم على الأفكار الابتكارية والإبداعية في الإسهام في إعداد برامج الرحلة والترفيه ، وتقديم ما ينفع إخوانهم في تلك المناسبات "
إلى غير ذلك من الفوائد النفسية والتربوية الدعوية والعبادية التي يخرج بها المشارك في رحلة هادفة .
@ توجيهات هامة .(1/296)
* إخلاص العمل لله : لقد أصبح من الضروري ـ جداً ـ عند بداية كل عمل التذكير بإخلاص العمل لله واحتساب الأجر والثواب من الله جل وعز ، لأنه صار من المشاهد المألوفة ـ المزرية ـ أن ترى الرجل العامل المجتهد ثم هو في منتصف الطريق تموت همته أو تكاد ، أو تجده يمنّ بما عمل وأنه فعل وفعل ، أو ينتظر مدحاً وثناءً من أحد.. وهكذا من الصور المؤسفة والتي أصبحت من قواصم الأعمال ومهلكاتها ، قال الله تعالى : " قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا . الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " لذلك كان من أهم المهمات قبل بداية العمل أن يخلص العبد عمله لله وأن لا ينتظر جزاءً ولا شكوراً من أي أحد كان .
* وراء كل عمل ناجح .. تضحية مجزية : فالأعمال الدعوية ـ خصوصاً ـ تحتاج من الداعية أن يضحي بشيء ـ أو بأشياء ـ من أجل إتمام العمل أو البرنامج المعدّ لعمل دعوي أياً كان وحين توجد التضحية يكون الداعية قد قطع نصف طريق النجاح ، وبقدر ما تقل التضحية يجد الداعية عنتاً ومشقة في إكمال السير وعائقاً عن الانطلاق .والمقصود أن الداعية في أحوال بحاجة إلى أن يضحي بوقته أو ماله أو جهده أو حتى بنفسه التي بين جنبيه كل ذلك لينصر دين الله ولينشر الحق في الأرض ، وما قصة غلام الأخدود عنّا ببعيد !!!
* المسئولية الفاعلة : إن الداعية إلى الله بحاجة إلى أن يكون عنده قدر كبير من تحمّل المسئولية وما يتبعها من تبعات ، وحين تكون الأعمال تحت مسئولية صورية أو مسئولية المنصب فحسب، فإنها سرعان ما تفقد ثمرتها ، لذا كان من المهم التنبيه على الداعية أن يكون على قدر كبير من تحمل المسئوليات ، وأن يتحلّى بالصفات التي تؤهله لأن يكون أهلا للمسئولية من الخبرة والدراية والحكمة والصبر والمشاورة واليقين بالله ...
* التخطيط لا التخبيط : قبل أن تبدأ الرحلة ، عليك بالتخطيط المسبق لها ، وافتراض مستلزماتها ، وتنسيق الأعمال بين أفرادها ، إذ العشوائية والارتجالية من أعظم مقاتل الأعمال وعدم استمرارها من أجل ذلك ننبه هنا إلى بعض الإعدادات المهمة للقيام برحلة دعوية .
عناصر التخطيط لرحلة هادفة .
حتى تكون الرحلة هادفة ومفيدة ولها ذكريات لا تُنسى في نفوس المشتركين ينبغي مراعاة عناصر هامة في التخطيط الجيد لأي رحلة ، هذه العناصر هي :
1- تحديد نوعية الرحلة : ( تربوية ، تعليمية ، دعوية ، ترفيهية ، عبادية- حج ، عمرة - زيارة المدينة النبوية ، جامعة ..)
2- تحديد الهدف أو الأهداف المرحلية من الرحلة ، وذلك يكون على ضوء تحديد نوعية الرحلة .
3- إعداد الميزانية . ( الاشتراكات ، التبرعات ، المساهمات .. )
4- اللوازم الرئيسية للرحلة ( وسائل نقل ، أدوات ومستلزمات الرحلة : خيام ، مفارش ، ملابس ..)
5- البرنامج التفصيلي للرحلة .بنوعيه / المادي الاجتماعي والثقافي .
@ الإستعداد المادي والاجتماعي للرحلة :
* تحديد موعد الرحلة وإعلام المشاركين به قبل موعد الرحلة بوقت كاف .
* الحصول على الإذن المسبق من الجهة المرتبط بها الراحلون ، وكذلك الإذن من ولي أمور الطلاب ( المتربين ) .
* الحصول على الإذن المسبق بالزيارة إذا كانت الرحلة إلى مكان لأحدٍ له عليه مسئولية .
* إعداد الميزانية الكافية للرحلة ، وذلك على ضوء :
1 / حصر عدد المشاركين في الرحلة .
2 / تحديد طبيعة مكان الرحلة ، من حيث مسافة الطريق ذهابا وإيابا ، وطبيعة المكان قربه أو بعده عن المنافع العامة .
* توفر المستلزمات ( أدوات الرحلة ) قبل الرحلة بوقت كاف ، لأن العشوائية والارتجالية تضر بالرحلة ، فهي إمّا :
أ / أن تلغي الرحلة . أو ب / تكون الرحلة عشوائية
* الحرص على أن يكون وقت الرحلة خاصاً بتحقيق أهدافها ، وأن لا يصرف شئ من الوقت في إكمال النواقص أو غيرها .
* من الخطأ أن تصرف الميزانية في شراء المستلزمات الناقصة ، وإغفال الهدف التي جُمعت من أجله .
* ينبغي تحديد المسئوليات تجاه تأمين المستلزمات وهذه المستلزمات إمّا :
أ / مستهلكات ( التغذية ) .
ب / مستلزمات أساسية ( أدوات الرحلة ، وسائل النقل ..) .
ج / مستلزمات شخصية ( الأوراق النظامية ، العفش الشخصي ) .
* ينبغي استكمال المستلزمات الشخصية ( الأوراق النظامية ، العفش ....) .
* الحرص على الاكتفاء الذاتي ، بحيث لا يُلجأ إلى الاقتراض من الآخرين أي مستلزم من مستلزمات الرحلة ( كالمواصلات ، وعدّة الرحلة ...) .
* إذا اضطررت إلى استعارة شئ ما من أحد الناس ، فاحرص على أن تُرجع العارية إلى أصحابها في أحسن صورة .
* الحرص على تأمين أساسيات ( كالصيدلية ، البوصلة ، المكتبة ، ...) .
* الاستفادة من الفائض من المستلزمات الاستهلاكية بعد الرحلة ، وحتى نحقق هذه الاستفادة ينبغي :
أ / النظر قبل الشراء إلى تاريخ المستهلَك .
ب / اختيار نوعية المستهلَك حسب الأيام المقررة للرحلة .
ج / بيع الفائض أو ادّخاره .
* إيجاد صندوق خيري للتبرعات ، للاستفادة من المبلغ في أعمال أُخر .
* التوسط بين الإسراف والتقتير في المستلزمات الغذائية ، ويتحقق ذلك بـ :
أ / معرفة العدد الكلي للمشاركين .
ب / معرفة مستويات المشاركين من حيث العمر والبنية الجسدية للمشارك .
* التنبيه على إخلاء سيارات النقل من الأشياء غير المسموح بها نظاماً .
* الحرص على اختيار المكان المناسب وذلك بأن يكون :
أ / بعيداً عن السيّاح والمصطافين ومساكن الناس .
ب / واسعاً غير ضيّق .
ج / سهلاً غير وعر .
د / قريباً ـ نسبياً ـ من المنافع العامة ( أماكن جلب المياه ، الأسواق ، المستشفيات ..) .
هـ / إن كانت أول رحلة فيفضل أن يكون المكان قريباً غير بعيد . وأن تكون الرحلة قصيرة .
و / أن لا يكون المكان مرعباً ، وخصوصاً في أول رحلة .
ز / تجهيز مكان الرحلة قبل موعدها بوقت كاف ، وذلك بإرسال سريّة استطلاعية إلى مكان الرحلة ، لحجز المكان ، وحتى لا يضيع وقت الرحلة في البحث عن مكان مناسب .
@ الاستعداد الثقافي للرحلة .
البرامج الثقافية في الرحلة هي روح الرحلة وجوهرها ، وبقدر ما يكون البرنامج الثقافي فاعلاً ومفيدا ، بقدر ماتكون الرحلة ناجحة مفيدة لها ذكريات خالدة !!
والبرنامج الثقافي للرحلات على مرحلتين :
المرحلة الأولى : برنامج لحالات التنقل والأسفار ( برنامج الطريق ) .
ومقصود هذا البرنامج إشعال وقت المسير إلى المكان المقصود بالرحلة ، وينبغي أن يراعى في هذا البرنامج :
- أ ن يخدم هذا البرنامج هدف الرحلة ولو في بعض أطروحاته .
- أن تتنوع فقرات هذا البرنامج .
- أن يتيقظ المربي والمشرف على الرحلة خلال هذا البرنامج لاكتشاف المواهب ، التي يفجّرها أُنس المسير وتلاقح أفكار المشاركين ، فإن الطريق قد يُكشّف لك مواهباً قد لا يتسنّى لك اكتشافها إلا من خلال برنامج الطريق .
- التربية بالحدث ، كالتعليق على أي منظر مؤثر قد يصادف أثناء المسير ، أو المرور على منطقة تاريخية أو غير ذلك من المواقف التي يجدر بالمشرف أن لا يغفلها أثناء الطريق .
- من الأفكار لبرنامج الطريق :
( المسابقات السريعة ، الأناشيد والحداء ، التعارف - قصة التزام - الذكر ، سماع شريط والسؤال بعد كل مقطع من المسموع ....... ) .
* فوائد برنامج الطريق *
لبرنامج الطريق عدّة فوائد منها :
- إشعال الوقت بالمفيد .
- التخلص من الشغب الذي قد يحدث نتيجة طول طريق الرحلة .
- اكتشاف المواهب ، فإن نفوس المشتركين في هذا الوقت تكون أشد ما تكون في العطاء والأريحية .(1/297)
- رسوخ المعلومات التي قد يعمد المشرف إلى ترسيخها ، فإن الحدث من اشد ما يعين على ترسيخ الأفكار .
المرحلة الثانية : برنامج لحالات الاستقرار .
هذا البرنامج ، إنما يكون بعد الوصول إلى مكان الرحلة والاستقرار ، ووضع الرحال ، وهو يختلف عن سابقه بالتركيز والانضباط .
عادة ما يشتمل هذا البرنامج على المحاضرات والندوات والأمسيات وحفلات السمر والأنشطة الرياضية ، والتدريبات المهارية والدعوية ، وحتى ننجح في ذلك لابد من مراعاة أمور :
* تأمين الأدوات التي تخدم البرامج الثقافية في الرحلة ( مكبر صوت ، جهاز تسجيل ، لوحات ، أقلام ، دفاتر ، ...) .
* مراعاة التجديد والتغير سواءً في البرامج المطروحة ، أو تغيير أسلوب طرح البرامج ' أو تغير أوقات الطرح مما يبعث في النفس الرغبة في إنجاح البرنامج وعدم الملل .
* في الرحلة الأولى يستحسن أن يغلب فيها البرنامج الترفيهي ، وأن تكون البرامج الجادة فيها متوسطة ، بعكس إن كانت رحلة دوريّة .
* تنسيق البرامج الثقافية وتحديد المسئوليات فيها ( المسابقات الثقافية ، الدروس ، الكلمات ، حفلات السمر ، ... ) .
* الانضباط في أوقات البرامج سواء التربوية أو العبادية ، إذا أن ذلك يعوّد المشترك ( المتربي ) على تقدير أهمية الوقت والحرص عليه .
* على الداعية أن يتحمل أخطاء المشاركين ، وأن يكون عنده البديل الجاهز لأي برنامج قد يعتذر عنه من كُلِّف به .
* أن يتسم الداعية بحسن التصرف في أمثال هذه المواقف ، وأن يكون حكيماً في معالجتها .
* توزيع المشاركين في الرحلة إلى مجموعات أو شُعب ، وينبغي أن يراعى في هذا التقسيم :
أ / مراعاة العدل في تقسيم أصحاب المواهب والطاقات بين الشُعب .
ب / مراعاة فارق العمر بين المشاركين .
ج / أن يكون التقسيم مبني على معرفة مسبقة بالمشاركين من حيث أعمارهم وقدراتهم ...
د / يفضّل أن تتم عملية التقسيم قبل الوصول إلى مكان الرحلة .
@ قبل انتهاء الرحلة .
* إنهاء الرحلة قبل قضاء الوطر منها ، يحيي في النفس حب التشوّق للمزيد والتشوّق إلى رحلة أخرى .
* جلسة ختامية مع جميع الأفراد يستمع فيها المشرف ( المربي ) لآراء المشتركين في الرحلة وتسجيل السلبيات والإيجابيات في الرحلة ، وقد يتخلل هذه الجلسة كلمة وداع واعتذار ويحبذ أن يستغل المشرف هذا اللقاء الأخوي المؤثر في جمع القلوب والتأليف بينها .
* تقسيم مهام العمل الذي سيكون عند الوصول إلى البلد أو المدرسة ( كيفية إيصال مستلزمات الرحلة إلى المستودع ، وكيفية إيصال المشتركين إلى منازلهم ، وتنسيق ذلك قبل مغادرة مكان الرحلة . ) .
* اترك المكان نظيفاً بعد انقضاء الرحلة ، والتنبيه على عدم العبث بالممتلكات الخاصة بالمكان إن وُجد .
* يستحسن الرجوع مبكراً من الرحلة لما فيه من تطييب نفوس أهالي المشاركين في الرحلة .
هذه كلمات أملاها الحرص ، وصقلتها التجربة ، وأفادتها المطالعة والسؤال . .
ما كان فيها من صواب فبتوفيق الله جل وتعالى .
وأبى الله أن لا يكون له الكمال ، فلا يخلوا عمل بشري من نقص ومقال . .فاستغفر الله الجليل المتعال ، فهو حسبي وعليه اتكالي .. وآفة القول : أن هذا لي !!
والحمد لله أولاً وآخراً ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أخوكم : مهذب أبو أحمد
=============
التخطيط ..... مهارة الجادين !!
مهذب أبو أحمد
أولاً :
من البدهي عند كل مسلم أن الله تعالى خلق الخلق لغاية عظيمة ، الآ وهي غاية العبادة لله تعالى ، قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) سورة الذاريات
هذه الغاية العظيمة ( العبودية ) أمرنا الله تعالى بتحقيقها في جانبين :
الجانب الأول : في الذات . كما دلّت عليه الآية السابقة ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
والنفس أولى المخلوقات بالبذل في سبيل تحقيق العبودية فيها .
الجانب الثاني : في الآخرين ، وهو من مقاصد عمارة الأرض في قوله : ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ 61 ) سورة هود
وعلى هذا الوجه أمرنا أن نعمر الأرض ( إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ) !
وفي سبيل تحقيق هاتين الركيزتين من غاية الوجود يسّر الله لعباده كل ما من شأنه أن يعينهم على تحقيق ذلك .
فسخر لهم كل شيء ، وبهذا يمتنّ الله تعالى على عباده بقوله : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ 20 ) سورة لقمان
فسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض - و ( ما ) من صيغ العموم - وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة حتى نحقق غاية الوجود .
وفي سبيل الاستفادة من هذه المسخرات أمر الله تعالى بالضرب والمشي في الأرض لنستفيد مما سخره الله تعالى لنا في تحقيق غاية الوجود فقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ 15 ) سورة الملك .
لكن ليس كل من ضرب في الأرض ومشى فيها فإنه يستفيد من هذا المشي وهذا الضرب ، إنمايستفيد من ذلك العالمون العاقلون ( وما يعقلها إلا العالمون ) !
وبين تحقيق هذه الغاية العظيمة أهداف وأمنيات ..
تتنازع المرء وتتجاذبه ..!
وحين يكون المرء عالما عاقلاً فإنه لن يضيع عمره سبهللة هملا يضرب ويمشي في الأسواق بلا هدف أو قصد !
ومن هنا كان التخطيط مهارة لا يجيدها إلا الجادون ..!
الجادّون في حياتهم ..!
الذين آمنوا أن الحياة مرحلة وجهاد .. !
والآخرة مآل وحصاد . . !
علموا أن الأعمار تفنى . .!
وما تفنى الأعمال ..!
فجعلوا لنفسهم رسماً وطريقاً . .!
ومنهجا وسلوكاً . .
ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم . .
وجهداً مشكوراً . . يجدون جزاءه عند ربهم
عطاء غير مجذوذ .
ثانياً : كارثة ! !
هناك إحصائية تقول : إن 80 % مما نقوم به من العمل المثمر إنما ينتج حقيقة من :
20% من الوقت المصروف ، بمعنى أننا إذا أردنا أن ننجز عملاً يستغرق
10 دقائق نصرف في إنجازه ساعة كاملة !! وذلك نتيجة لسوء التخطيط أو عدمه ..!!!!
حقاً إنها كارثة . !!
ورحم الله أمير الشعراء حين قال :
دقّلأت قلب المرء قائلة له : : : إن الحياة دقائق وثوان ! !
إن غياب التخطيط ( سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعات )
يؤدي إلى عدم وضوح الأهداف ، والخلط في تحديد الأولويات ،وفقدان تحديد الوجهة .
غياب التخطيط السليم يعني ضعف التقويم والمحاسبة وتطوير المنجزات !!
إننا بحاجة أن ننتقل من مرحلة ( عمل ما في الإمكان ) إلى مرحلة ( عمل ما يجب أن يكون ) !!
ثالثاً : الفشل في التخطيط كالتخطيط للفشل !!
ماهي عملية التخطيط .؟!
التخطيط هو : عملية تجميع المعلومات ، وافتراض توقعات في المستقبل من أجل صياغة النشاطات اللازمة لتحقيق الهدف .
ويمكن أن نقول أن التخطيط هو نوع من " ارتكاب الخطأ على الورق " أي قبل الشروع في التنفيذ ، وحين نفشل في التخطيط فإننا خططنا للفشل !!!
المرء في طريقه إلى الهدف قد يعترض له في طريقه منعطفات وطرق(1/298)
جانبية ، وإذا لم يتم ضبط وتسديد اتجاه المسير فإنك قد لاتصل إلى
الهدف ، أو قد تصل إلى مكان آخر ، أو قد تصل متأخراً ...!
رابعاً :
أين ..؟!
ومتى ..؟!
وكيف ..؟!!
ثلاثة أسئلة قبل الانطلاق تحدد لك محاور التخطيط السليم :
* الهدف ، وهو يجيب على السؤال : أين .؟!
* الإطار الزمني لتحقيق الهدف ، وهو يجيب على السؤال : متى .؟!
* الوسائل ، ويجيب على التساؤل : كيف .؟!
حين تجيب على هذه الأسئلة الثلاث إجابة صحيحة واضحة واقعية ،فإنك بذلك تكون قد وضعت قدميك على عتبات الطريق السليم .
وحتى يكون تخطيطنا سليماً .. أسطر لك بعض الإلمالحات نحو تخطيط جاد ..
خامساً : نحو تخطيط جاد ..
التخطيط فن إداري ، وبقدر ما يكون التخطيط منطقياً يتواكب مع المعطيات والإمكانات الموجودة بقدر ما يكون وسيلة من وسائل تحقيق الوقت الفعّال وحتى يكون تخطيطنا سليماً منطقياً لابد من مراعاة أمور في التخطيط السليم :
- قبل أن تضع قدمك .. انظر أين تضعها ..! ( فكّر قبل أن تنجز ! )
مرة كان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ورضي عنه يمشي فأخطأت قدمه فوطئ رجلاً ..!
فصاح به : أمجنون أنت ؟!!
فقال عمر بن عبد العزيز : لا ..!
في التخطيط . . .
لا تباشر التخطيط وأنت مكدود الذهن ، بل تأنَّ في التخطيط ، وأعمل فكرك
في حال رويّة من أمرك ، وتذكّر أن بضع دقائق من التفكير - في هدوء -
يوفر عليك بضع ساعات من العمل الشاق .
كثير من الناس يحب أن يعمل أكثر من محبته أن يفكّر !!
لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه صواب !
والسرّ في ذلك أن الإنسان فيه غريزة حب الإنجاز ورؤية الثمار والنتائج والتعجّل في ذلك ،
والعمل يُشبع هذه الغريزة ، بخلاف التخطيط والتفكير فنتائجه ليست
مباشرة ، ولا تظهر إلا بعد فترة من الزمن . ومن يعمل العمل بدون
تخطيط تقنعه أقل النتائج الحاصلة ، بخلاف من يخطط فإنه لايرضى
إلاّ بأكبر قدر ممكن من النتائج !!
موقف : : !!!
يذكر أن إحدى الشركات المتخصصة في صناعة الخشب ، استأجرت من بلدية المدينة غابة من غابات البلدة حتى تستفيد من خشب شجر الغابة الكثيفة ،فوافقت بلدية المدينة على أن تؤجرهم الغابة لمدة ثلاثة أيام فقط !!
ولما كان يوم تقطيع الأخشاب اجتمع مدير الشركة بالعمّال وخطب فيهم خطبة حمّسهم فيها على إنجاز أكبر قدر ممكن من تقطيع الأشجار ، وحذّرهم من التهاون في العمل ، ولمّا بدأت صافرة العمل بدأ العمّال في جد ونشاط يقطّعون الأشجار ، ومدير الشركة من خلفهم يحمّسهم ويقوّي عزائمهم ، وفجأة يصرخ بهم أحد العمّال ليتوقّفوا ..
عن العمل ، ومدير الشركة يشير إليهم أن استمروا ولا تسمعوا له ..
فصاح بهم ذلك العامل أن الغابة التي تعملون فيها ليست هي الغابة التي استأجرناها ، بل استأجرنا تلك الغابة المجاورة ..!!!
- معلومات .. معلومات !
توفّر المعلومات عن العمل الذي تسعى لإقامته ، أو إيجاده ، من حيث الأهداف و الوسائل ، ومدى فائدة العمل ، ومدى الحاجة إليه ، والزمن الذي يستغرقه ومن سيقوم به ، واللوازم المادية أو البشرية اللازمة لإنجازه .
إن السعي وراء إقامة أعمال بلا أهداف ضياع وهُراء ...
والسعي إلى تحقيق أهداف بدون وسائل ممكنة لتحقيق تلك الأهداف حُمقٌ وغباء .....
والسعي إلى تكرار أعمال تغص الساحة بمثلها ، إهدار للطاقات والجهد والأوقات .....!
لذلك كان من الضروري في التخطيط أن تتوفر المعلومات الكافية عن العمل المزمع إقامته
- سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أو على مستوى العمل الجماعي - وهناك ثمانية أسئلة مهمّة في ذلك لابد من الإجابة عليها بواقعية حتى ينطلق الإنسان أو الجماعة في التنفيذ :
س1 : ما هدف مهمة التخطيط ؟
س2 : لماذا كان هذا الهدف ذا قيمة ؟
س3 : من سيقوم بالتنفيذ ومن الذين تستهدفهم الخطة ؟
س4 : كيف سيتم تحقيق هذا الهدف وتقويم النتائج ؟
س5 : متى يكون التنفيذ أكثر فعالية ؟
س6 : أين يكون الحدث أكثر نشاطاً وفعالية ؟
س7 : ماهي التكاليف البشرية والزمنية والمالية اللازمة لإنجاح الخطة ؟
س8 : ما الفائدة التي تهدف الخطة إلى تحقيقها بشكل عام ؟
* تطبيق : سفينة نوح عليه السلام . : : !!!
س1/ ما هدف التخطيط في هذه الحالة ؟
الهدف : نقل مجموعة من الكائنات الحيّة إلى مكان آخر
س2 / لماذا كان هذا الهدف ذا قيمة ؟
لأنه يحافظ عل ى استمرار الحياة والعبادة على الأرض
س3 / من القائم على التخطيط ومن المستفيد منه ؟
النبي نوح عليه السلام ومن آمن معه ، ومجموعة أزواج من المخلوقات .
س4 / كيف سيتم تحقيق هذا الهدف ؟
باستخدام وسيلة نقل بحرية .
س5 / متى سيكون العمل أو الحدث أكثر فاعلية ؟
عند بداية الفيضان مباشرة .
س6 / أين سيكون النشاط أكثر فاعلية ؟
في ضاحية شرقي المدينة .
س7 / ما تكاليف العمل من موارد بشرية ومالية وزمنية ؟
أن يتفرغ نوح عليه السلام وعدد من المؤمنين للعمل التطوعي لفترة أسابيع عدّة وبذلك لن تزيد النفقات عن ثمن المواد المطلوبة لبناء السفينة .
س8 / ما المنفعة التي ستتحقق من هذا العمل ؟
عمارة الأرض بالحياة البشرية والحيوانية الخاضعة لله سبحانه وتعالى .
- حدد أولويات العمل .
إن تحديد أولويات العمل والتفريق بين العمل المهم و الأهم ، والعمل العاجل المهم ، والمهم وليس بعاجل أمر يعين على إنجاح الخطة وسلامتها .
تحديد الأولويات معناه : اعطاء كل عمل قيمته من الأهمية ليتميز من الأعمال المهم والأهم من غير المهم .
وهناك معايير خاطئة في تحديد الأولويات :
أ / تقديم العمل المحبوب على العمل غير المحبوب .
ب / تقديم العمل السهل على الصعب .
ج / تقديم الأعمال ذات الوقت القصير على ذات الوقت الطويل .
د / تقديم الأعمال العاجلة على غير العاجلة - وإن كانت مهمة - .
غالباً ما تكون الطموحات الجادّة والأهداف النبيلة فيها مشقة على النفس ، وتحتاج إلى همّة عالية ، وحين ترضى النفس بالقليل والدّعة فهي لا تحقق إلا ما لا يجاوز أرنبة الأنف .
والله تعالى يقول : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ 216 ) سورة البقرة .
فليس دائماً أن العمل المحبوب أو السهل هو أهم في الإنجاز من العمل غير المحبوب .
وابن القيم عليه رحمةالله يعطينا نفيسة من نفائسه حين سئل : عن أي أعمال القربات أفضل ؟!
فقال في كلام معناه : أن لكل وقت عبادة لا تنفع في غيره ، وأفضل القربات ما كانت في وقتها .
فالجهاد افضل عند النداء والتقاء الصفين .
والصدقة أفضل حال وجود المحتاج لها .
وتأمل في وصية الصديق حين أوصى المحدّث الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله :
... واعلم أن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار ، وأن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل .
فحين تبدأ في مهمة التخطيط فلا تخلط بين الأعمال ، واجعل لكل وقت وحال ما يناسبه من العمل فإن الله جلّ وعز جعل النهار للضرب في الأرض والكسب ، وجعل الليل للقيام والمناجاة ...
وللصحة عمل . . وحال المرض عمل آخر !
فلا تكن كحاطب ليل !!!
بل حدد أولوية العمل على ضوء جدواه وواقعيته وأهميته !
-البديل بعد التعويل ..!
قد تخطط لهدف ما ، وترسم له خطته ومساره ، ثم تسلك الدرب في سبيل تحقيق الهدف ..!
في الطريق قد يعوقك معوق ، أو يصادفك مذهل !
فانظر البديل عند التعطيل ...!(1/299)
إيجاد البدائل في حالة عدم التمكن من القيام بالعمل على الصورة المرسوم له ، فمثلاً :
عندما يتخلّف الطرف الآخر عن الموعد يُفترض أن تستفيد من وقتك وتستثمره في شئ آخر
عندما يعتذر أحد الحضور في مجمع تربوي عن تحضير الدرس المكلّف به ، فيُفترض أن يكون البديل جاهزاً .
يُذكر عن النملة أنها حين تحاول الصعود على جدار أو مرتفع ثم تسقط قبل أن تصل إلى منتهاه فإنها تحاول مرة أخرى !
لكنها لا تسلك نفس الطريق الأول ..!
فهل نستفيد من النملة درساً ؟!
- ما خاب من استخار ولا ندم من استشار .
ثبت في الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا
السورة من القرآن . . . .
والله تعالى يقول : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ .. ) .
من علامات نجاح التخطيط وسلامته . . .
الاستخارة والمشاورة . .
الاستخارة . . . خطوة نحو تحقيق الهدف !
وفي الاستخارة رضا ويقين . . !
والإستشارة والمشاورة أمارة نضج ونباهة ، والإستبداد والإنطوائية أمارة خسّة ودناءة ، قيل في الأمثال : ما خاب من استخار ولا ندم من استشار !!
العاقل الفطن هو من يضم إلى عقله عقول الآخرين من أهل الرأي والتجربة والدراية .
قال الحافظ ابن عبد البر : الإستبداد مذموم عند جماعة الحكماء ، والمشورة محمودة عند عامة العلماء ، ولا أعلم أحداً رضي الإستبداد وحمده إلا رجل مفتون ، مخادع لمن يطلب عنده لذته فيرقب غرته ، أو رجل فاتك يحاول حين الغفلة ويترصّد الفرصة ، وكلا الرجلين فاسق مائق !!
قال الإمام علي رضي الله عنه : الإستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه ، والتدبير قبل العمل يؤمّنك من الندم !!
* فوائد الاستشارة : !!!
للمشاورة فوائد جمّة منها :
1 - امتثال أمر الله جل وعز .
2 - اقتداء بالرسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال عقله ، وتأييده بالوحي -
3 - اختصار للوقت .
4 - أكثر أسباب إصابة الصواب .
5 - تلقيح الأذهان .
6 - ترك المشاورة يُخمد الأفكار ويضيّع الفرص التي يضر تضييعها .
7 - من أسباب الألفة بين المؤمنين .
وأخيراً :
فوائد التخطيط :
التخطيط خطوة جادّة نحو تحقيق الهدف ، وبقدر ما يكون التخطيط سليماً بقدر ما يكون الإنسان أقرب إلى تحقيق الهدف بدقّة ، ومراعاة جوانب التخطيط السليم يفيد أموراً :
1/ اختصار الوقت ، وكسب الأوقات الفائضة التي تُهدر في قضاء أعمال ثانوية لا توصل إلى الهدف مباشرة .
2 / تنمية الذهن وإعْماله ، وذلك يولّد لدى الإنسان روح المبادرة والجدّية .
3 / الإنجاز والإتقان .
4 / تحديد المسئوليات ، ومعرفة كل فرد لدوره في سبيل تحقيق الهدف .
اللهم وفقنا ووفق لنا . .
واغفرلنا زلة القلم واللسان . .
واعف عما سلف وكان . .
واقبلنا وتقبّل منّا يا حنّان يا منّان .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه ومن لهداه سلك بعد ما استبان .
أخوكم : مهذب أبو أحمد
===========
العلم فريضة شرعية وضرورة عصرية
أحمد محمد الشرقاوي
• العلم من أجل نعم الله علينا ؛ منحه الله ومدحه وكرم أهله وأجزل لهم العطاء ، ورفع لهم الدرجات ، فهو هداية ورحمة ونور وعصمة ، وسمو ورفعة .
قال تعالى في سورة المجادلة { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {11 } وقال تعالى في سورة الزمر (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ {9} ))
• ومن البراهين القاطعة والحجج الساطعة على فضل العلم وأدواته ووسائله افتتاح الله عز وجل كتابه الكريم بصدر سورة العلق (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ {5} اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }{5}
فكما أنعم الله عز وجل على الإنسانية بنقلها من ظلمة العدم إلى نور الوجود كذلك أنعم عليها بنعمة العلم الذي يُخرج الناس به من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة .
• ومن شرف العلم وفضله : أن الله عز وجل حثنا على الاستزادة منه وأمر بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (وقل ربِّ زِدني عِلمَاً )[1] وفي هذا ما يدل على شرف العلم وفضيلة الاستزادة منه قال قتادة : لو كان أحد يكتفي من العلم بشئ لاكتفي موسى عليه السلام ، ولكنه قال للخضر عليه السلام : (هل أتبعُكَ على أن تعلمَني مما عُلِّمتَ رُشداً ) [2]. [3]
وفي السنة أحاديث كثيرة في فضل العلم ومكانة العلماء : نذكر منها :
• ما رواه البخاري ومسلم عن معاوية رضي الله عنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يُرِدِ اللهُ به خيراً يفقهه في الدين ) [4].
• وما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ... ". ) [5] .
وروى الترمذي في السنن عن أنس رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم ( من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع )[6] .
ومن الحكم المأثورة عن السلف في فضل العلم ما أخرجه ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه أنه قال:" تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ؛ وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، ومنار سبيل أهل الجنة ، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة يقتصّ آثارهم، ويحتذى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في ظلهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومداومته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء " . [7]
العلم أساس نهضتنا :
• وفي ظل تعاليم الإسلام السمحة وحضارته الوارفة وترغيبه في طلب العلم وتكريمه للعلماء نبغ المسلمون في العلوم كلها والتمسوا المعرفة من الشرق والغرب فترجموا كتب العلوم الفارسية واليونانية وغيرها وشجع الخلفاء على هذه الحركة العلمية ، حتى كان الخليفة المتوكل يعطي حنين بن إسحاق أشهر المترجمين وزن ما يترجمه ذهباً.
• ولم يقتصر المسلمون على الترجمة، بل تابعوا البحث والدراسة، والتعديل والتطوير ، حتى ابتكروا وطوروا وسبقوا غيرهم .(1/300)
ففي ظل إدراك المسلمين لحقيقة العلم وقيمته : برز أبو بكر الرازي أول من عمل عملية إزالة الماء من العين ، وظهر ابن سينا الذي كان كتابه الطبي (القانون) يدرس في جامعتي (كمبردج، وأكسفورد) وغيرهما من مشاهير الأطباء كثيرون ، وبرع جابر بن حيان في علم الجبر، واكتشف كثيرا من أسرار الكيمياء، وسبر العرب علم الفلك ، فكانوا أول بناة للمراصد الفلكية في العالم، وأول صانعي المناظير [التليسكوبات] فضلا عن تقدمهم في فنون الهندسة المختلفة، ومحاولة الطيران في السماء التي كان أول من فكر فيها عباس بن فرناس.
• إن العلم الذي تنهض به أمتنا هو كل علم نافع ، سواء كان من علوم الشريعة أو من علوم الطبيعة أقصد كل العلوم التي يحتاجها الناس في حياتهم كالطب والهندسة والزراعة والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الفيزياء وعلم الإحصاء وسائر العلوم التي تعد من المقومات الأساسية للنهضة الحضارية ، العلوم التي توجَّه الإنسان وتأخذ بيده وتيسر له القيام بمهمته في الوجود.
منزلة العلم من الدين
• ولقد تحدث العلماء عن فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين ، وإذا لم يقم بها أحد أثم كل قادر على القيام بها ، ومن هذه الفروض تعلم العلوم التي تستغني بها الأمة عن أعدائها وتدافع بها عن كيانها ، والله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنفال { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }{60} .
فكل قوة يستطيع المسلمون إعدادها ثم يقصّرون فإنهم آثمون ، والعلوم الحديثة بكل جوانبها واجبة على الأمة ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وكل ما يحتاج إليه المسلمون من العلوم ليحقق لهم التفوق على غيرهم ولتكون لهم القوة على عدوهم ، فهو فرض كفائي عليهم ، تأثم الأمة إذا فرطت فيه [8].
بين العلم والإيمان :
وحين نتأمل في موقف الإسلام من العلم نجد ترابطاً وثيقاً بين العلم والإيمان فكلما ازداد الإنسان علماً كلما ازداد يقينًا ومعرفة وخشية لله عز وجل ،قال تعالى مبيان أن العلماء هم أشد الناس خشية له ومعرفة بمقامه {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ {27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {28} }سورة فاطر ، فالعلم يهدى إلى الإيمان ويقوي دعائمه ، والإيمان يدعو إلى العلم ويرغّب فيه ، هذه العلاقة الوثيقة لا نجدها في غير الإسلام يقول روجيه جارودي ( ولم يفصل الإسلام الحكمة عن العلم ولم يقبل معالجة أي فرع من فروع العلم بمعزل عن العقيدة التي هي هدف في ذاتها ) [9].
ولكي ترقى الأمم وتتقدم فلا بد لها من الإيمان والعلم معاً ؛ أما العلم وحده : " فقد يرفع أمة حتى تعانق السماء رفاهية ورغداً ، ولكنها سرعان ما تتداعى مثلما تتساقط أوراق الخريف التي تعصف بها الرياح [10] " وكم من أمة غنية قوية ولكنها تعيش على شقوة مهددة في أمتها مقطعة الأواصر بينها يسود الناس فيها القلق ويظهر الانحلال ، قوة بلا أمن ومتاع بلا رضا وحاضر زاهٍ يترقبه مستقبل نكد ، إنه الابتلاء الذي يعقبه النكال " [11].
وصدق القائل :
والعلم إن لم تكتنفه شمائل *** تعليه كان مطية الإخفاق
رب ركب قد أناخوا عيسهم *** في ذرى مجدهم حين بسق
سكت الدهر زمانا عنهم **** ثم أبكاهم دما حين نطق
ولقد فاق المسلمون غيرهم قرونا وعقوداً من الزمان حين سمت عندهم مكانة العلم وأخلصوا في طلبه وأكرموا أهله 0
أرى الركب إن سرنا كانوا لنا تبعا *** وإن نحن أومأنا لهم وقفوا
وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا ترقد في ظلام دامس وتغطُّ في سبات عميق كان المسلمون قد سبقوا عصرهم في شتى العلوم ، وهانحن في هذا الزمان وقد تبدّل حالنا وصرنا في مؤخرة الركب بعد أن كنا في مقدمته ، صرنا تابعين بعد أن كنا متبوعين لأننا فصلنا بين العلم والدين ، بحجة مواكبة الغرب ونسينا أن ديننا يرغب في العلم ويدعو إليه ويمهّد طريقه ، ويدعو إلى رعاية طلابه وأساتذته مادياّ ومعنوياً .
ومن هنا فلا عودة لنا إلى سابق عزنا ومجدنا إلا إذا أقبلنا على العلم من منطلق إيماني خالص ، عندئذ نعود إلى سالف مجدنا وسابق عزنا .
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ( فإذا أراد العالم الإسلامي أن يستأنف حياته ، ويتحرر من رق غيره ، وإذا كان يطمح إلى القيادة فلا بد من الاستقلال التعليمي ، بل لا بد من الزعامة العلمية وما هي بالأمر الهيّن ، إنها تحتاج إلى تفكير عميق ، وحركة التدوين والتأليف الواسعة ، وخبرة إلى درجة التحقيق ، والنقد بعلوم العصر مع التشبع بروح الإسلام والإيمان الراسخ بأصوله وتعاليمه ، إنها لمهمة تنوء بالعصبة أولى القوة ، وهى من شأن الحكومات الإسلامية ، تنظم لذلك جمعيات ، وتختار لها أساتذة بارعين في كل فن فيضعون منهاجاً تعليمياً يجمع بين محكمات الكتاب والسنة وحقائق الدين التي لا تتبدل وبين العلوم العصرية النافعة والتجربة والاختبار ، ويدونون العلوم العصرية للشباب الإسلامي على أساس الإسلام وبروح الإسلام وفيها كل ما يحتاج إليه النشء الجديد ، مما ينظمون به حياتهم ويحافظون به على كيانهم ويستغنون به عن الغرب ... ، ويستخرجون به كنوز أرضهم وينتفعون بخيرات بلادهم ، وينظمون مالية البلاد الإسلامية ، ويديرون حكوماتها على تعاليم الإسلام بحيث يظهر فضل النظام الإسلامي في إدارة البلاد ، وتنظيم الشئون المالية على النظم الأوربية ، وتنحل مشاكل اقتصادية عجزت أوربا عن حلها.
وبالاستعداد الروحي والاستعداد الصناعي والحربي والاستقلال التعليمي ينهض العالم الإسلامي ، ويؤدى رسالته وينقذ العالم من الانهيار الذي يهدده ، فليست القيادة بالهزل ، إنما هي جد الجد ، فتحتاج إلى جد واجتهاد ، وكفاح وجهاد ، واستعداد أيما استعداد )[12].
المسئولية العلمية للأسرة المسلمة
وواجب الأسرة أن تدفع أبناءها إلى طلب العلم وترغبهم فيه وتحفزهم على التفوق والنبوغ حتى يرتقوا بأنفسهم ومجتمعاتهم وينهضوا بأمتهم.
• ينبغي أن يوجَّه الصبي من صغره إلى طلب العلم لأن العلم في الصغر كالنقش على الحجر والعلم في الكبر كالنقش على الماء ، والطفل يملك من الاستعداد الفطري والصفاء الذهني ما يعينه على حفظ القرآن والأحاديث النبوية ومتون علوم اللغة والشريعة .
• كما ينبغي أن يُعلم الطفل آداب طلب العلم حتى يتحلى بها : ومن أهمها الإخلاص والتقوى والصدق والصبر وتوقير المعلم وتنظيم الأوقات والاعتدال في المأكل والمشرب والنوم [13] .
• كذلك ينبغي أن يشجع على القراءة والمطالعة والتدبر والتفكر وأن تراعى المواهب الناشئة والعبقريات المبكرة ويهيأ لها الجو المناسب للتفوق والابتكار.
• وأن يكون في البيت مكتبة نافعة لجميع أفراد الأسرة إلى جانب ترغيب الطفل في الذهاب إلى المكتبات الثقافية ، وحضور الندوات والمؤتمرات في المساجد والمنتديات وسائر المؤسسات .(1/301)
• كما ينبغى توجيه الأولاد إلى مدارسة حياة العلماء فهي حياة زاخرة وحافلة بالعبر والعظات، والمؤلفات في ذلك كثيرة وغزيرة .
• ومما ينبغي أن يعود عليه الطفل قراءة الصحف والمجلات الدينية والعلمية والثقافية ، ومشاهدة البرامج الهادفة البناءة في التليفزيون والفيديو ، والتدريب على الحاسب الآلي و الاشتراك في شبكات الإنترنت والمشاركة في الرحلات والمسابقات العلمية والثقافية ، ومتابعة الأولاد في المدارس وحفزهم على الجد والاجتهاد ، وتجشم الصعاب في طلب العلم .
• كما ينبغي تبصيرهم بحاضر الأمة الإسلامية وتذكيرهم بماضيها حتى يأخذوا من ماضيهم لحاضرهم ، ويعرفوا مآثر أسلافهم وحضارتهم التي أضاءت الكون ، والتي اقتبس الغرب من أنوارها وبدءوا من حيث توقفت ، وأن دور هذا النشء أن يعيد أمجاد أسلافه من خلال اجتهاده في طلب العلم فهو دعامة أساسية للنهوض الحضاري .
حلية طالب العلم من لطائف الآداب
• للعلم آداب وأخلاق لا بد لطالب العلم أن يتحلى بها: فهي حليته ووسيلته إلى الفلاح والنجاح .
فالعلم إن لم تكتنفه فضائل *** تعليه كان مطية الإخفاق
ومن جملة هذه الأخلاق
1. إخلاص النية لله عز وجل
فالعلم طاعة وعبادة ، والإخلاص لله تعالى واجب في جميع العبادات وسائر الطاعات قال تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {5}) [14]
والإخلاص في العلم أن يبتغي به وجه الله تعالى ، فإذا كان هم طالب العلم تحصيل شهادة أو تبوء منصب لكسب منافع مادية فحسب: فإنه لا يكن مخلصا في طلب العلم .
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ: (من تعلم علما مما يبتغي بِهِ وجه اللَّه، لاَ يتعلمه إِلاَّ ليصيب بِهِ عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يَوْم القيامة) يعني ريحها.[15]
2. تقوى الله عز وجل : فالعلماء هم أعرف الناس بالله وأتقاهم له وبالتقوى يزداد العالم علما ، وبالعلم يزداد التقي تقوى قال تعالى (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {282}[16] (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {28})
والتقوى هي جماع كل خير ، ووصية الله للأولين والآخرين قال تعالى في سورة النساء {وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا {131}}
وقال عز وجل في سورة الأنفال {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {29}}
أي يجعل لكم ما تٌفرقون به بين الحق والباطل، وبين الصحيح والسقيم ، وبين الغث والسمين وذلك إنما يكون بنور العلم وميزانه ، ونبراسه ومقياسه فالعلم ثمرة من ثمرات التقوى والتقوى سبيل إلى نيل العلم ، والعلم يرقى بصاحبه إلى أعلى درجات المعرفة بالله والخشية من الله ولهذا يؤثر عن الشافعي رحمه الله أنه قال :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور *** ونور الله لا يهدى لعاصي .
3. استحضار القلب عند الطلب ؛ إذ لا بد من ذلك لطالب العلم لأنه إن طلبه دون استحضار قلب وحضور ذهن فلن يحصّل شيئا ، وعلى المعلم أن يستعين بالوسائل المفيدة التي تعين على الانتباه والالتفات إلى العلم والإقبال عليه، كالأسئلة والمحاورات مع الطلبة وتنبيه الغافل منهم والثناء الحسن على النابهين المجتهدين ورصد الجوائز والحوافز لهم وتذكيرهم دوما بفضائل العلم وثمراته العاجلة والآجلة .
4. علو الهمة : فلا بد لطالب العلم أن تسمو همته في طلبه فيبذل ما في وسعه لتحصيله ولا يركن إلى الكسل والتواني ولا يسوّف ، ويجعل قدوته العلماء العاملين الذين جدوا وتسابقوا في هذا الميدان .
** فهذا ابن أبى حاتم الرازى يقول :
مكثت في مصر سبع سنوات ، لم أذق فيها مرقة ، نهاري أمر على الشيوخ وبالليل أنسخ وأقابل النسخ ، وفي يوم ذهبنا لموعد شيخ فوجدناه عليلاً فمررنا بالسوق فوجدت سمكة فأعجبتني فاشتريتها وانطلقنا إلى البيت فجاء موعد شيخ فتركناها وانشغلنا عنها ثلاثة أيام حتى كادت أن تنتن فأكلناها وهى نيئة 0
ومن النماذج المهمة في علو الهمة : الإمام أبو يوسف القاضي، كان شديد الملازمة لشيخه أبى حنيفة ، لازم مجلسه أكثر من 17 سنة ، ما فاته صلاة الغداة معه ، ولا فارقه في فطر ولا أضحى إلا من مرض ، ( روى محمد بن قدامة ، قال : سمعت شجاع بن مخلد ، قال : سمعت أبا يوسف يقول : مات ابن لي، فلم أحضر جهازه ولا دفنه وتركته على جيراني وأقربائي ، مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شيء لا تذهب حسرته عنى )[17].
• أيضا من تلك النماذج الرائعة : الإمام الفقيه المؤرخ المحدث المفسر : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، الذي نشأ الشيخ وترعرع وطلب العلم منذ نعومة أظفاره ، وسرعان ما تفتح عقله ، وبدت عليه علامات النجابة وأمارات النبوغ حتى قال عن نفسه : " حفظت القرآن ولي سبع سنين ، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين ، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة ".
ومما يدل على علو همته وقوة تحصيله ما أخبر به عن نفسه قال : " جاءني يوماً رجل فسألني عن شيء في علم العروض ، ولم أكن نشطت له قبل ذلك ، فقلت له : إذا كان غداً فتعال إلىَّ " ، وطلب سِفْرَ العروض للخليل بن أحمد ، فجاءوا له به فاستوعبه وأحاط بقواعده وكلياته في ليلة واحدة ، يقول : " فأمسيت غير عروضي ، وأصبحت عروضياً ". [18]
5. الحرص على الوقت : ، فالوقت نعمة إلهية تستوجب منا الشكر ، ولقد خلق الله الليل والنهار لتستقيم الحياة ، قال تعالى في سورة إبراهيم ] اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ {32} وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {33} وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ {34} ( .
وفي هذه الآيات الكريمة يمتن تعالى على عباده بجملة من نعمه التي لا تحصى ، ومن هذه النعم نعمة الليل والنهار الذي يدور الوقت حولهما ويقوم عليهما وكثير من الناس يغفلون عن هذه النعمة مع جلائها ، قال تعالى في سورة النحل { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (12) .
من هنا تتجلى لنا تلك النعمة الإلهية التي غفل عن شكرها الغافلون ، وتنافس في تبديدها وإهدارها البطالون المبطلون ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) [19].
فعلى المؤمن العاقل أن يجدّ في شكر المنعم على نعمة الوقت وأن يوظفه في كل مفيد نافع.(1/302)
والوقت أمانة ومسئولية: شأنه في ذلك شأن سائر الأمانات وكافة المسئوليات التي سيسأل عنها الإنسان يوم العرض على الملك الديان ، قال صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به ) [20].
والوقت من أغلى ما يمتلكه الإنسان: فالوقت هو الحياة ، وهو رأس مال الإنسان ، وإذا ضيعه فلا يمكن بأى حال من الأحوال أن يستردّه ، وشبهه بعض العقلاء بالذهب ، ولكنه أغلى وأنفس من كل نفيس.
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه ** وأراه أيسرَ ما عليك يهون
فالوقت أنفس من كل نفيس لأنه جزء من كيان الإنسان ، لأنه أنفاسه المعدودة في هذه الحياة.
حياتك أنفاس تعدّ فكلما ** مضى نفس منها انتقصت به جزءاً
والمؤمن وحده هو الذي يعرف قيمة الوقت ، لمعرفته بالغاية التي من أجلها خلق ، قال عز وجل ] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ {58} فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ {59} ( .
وصدق من قال
إذا كنت أعلم علم اليقين *** بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنينا بها **** وأنفقها في صلاح وطاعة
*****
إنما دنياك ساعة *** فاجعل الساعة طاعة
واحذر التقصير فيها *** واجتهد ما قدر ساعة
وإذا أحببت عزا *** فالتمس عز القناعة .
حرص السلف الصالح على أوقاتهم
وقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم حريصين أشد الحرص على الانتفاع بأوقاتهم واغتنامها واستثمارها ، فقد كانوا يسابقون الساعات ويبادرون اللحظات ضنّا منهم بالوقت ، وحرصاً على أن لا يذهب منهم سدى .
قال الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( ما ندمت على شئ ندمى على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ، ولم يزد فيه عملى ).
وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما ).
وقال الحسن البصرى رضي الله عنه : يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ، ويوشك إذا ذهب بعضك أن يذهب كلك وقال أيضاً : أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم [21].
•• أثقل الساعات على الخليل بن أحمد ساعة يأكل فيها ! .
قال أبو هلال العسكرى في كتابه ( الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه )[22] كان الخليل بن أحمد – الفراهيدى البصرى أحد أذكياء العالم (100 :170) هـ يقول أثقل الساعات على : ساعة آكل فيها ، فالله أكبر ما أشد الفناء في العلم عنده ؟! ، وما أوقد الغيرة على الوقت لديه ؟!.
•• حرص الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل القاضى على العلم !
وروى الخطيب البغدادى في كتابه ( تقييد العلم )[23] عن أبى العباس المبرد ، قال : ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة : الجاحظ – عمرو بن بحر إمام أهل الأدب ، ( 163 -255 ) والفتح بن خاقان – الأديب الشاعر أحد الأذكياء ، من أبناء الملوك ، اتخذه الخليفة المتوكل العباسي وزيرا له وأخاً ، واجتمعت له خزانة كتب حافلة من أعظم الخزائن ، (ت247 هـ)0
وإسماعيل بن إسحاق القاضي – الإمام الفقيه المالكى البغدادى ( 200 – 282 هـ )
فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع بيده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أى كتاب كان ، حتى إنه كان يكترى دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر في الكتب.
وأما الفتح بن خاقان فإنه كان يحمل الكتاب في كمه ، فإذا قام من بين يدى المتوكل للبول أو للصلاة ، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي ، حتى يبلغ الموضع الذي يريده ، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه ، إلى أن يأخذ مجلسه ، فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة أخرج الكتاب من كمه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده .
وأما إسماعيل بن إسحاق القاضى فإنى ما دخلت عليه قط إلا رأيته وفي يده كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه أو ينفض الكتب .
•• وقال عبيد بن يعيش : أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدى بالليل ، كانت أختى تلقمنى وأنا أكتب الحديث [24].
وهذا الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله وقد عاش قرابة خمسين سنة وألف ما يزيد عن خمسين مؤلفاً وكانت حياته زاخرة بالعلم والدعوة والكفاح ، ومع ذلك كان يقول : يا ليت الوقت يباع فأشتريه.
" وبحرص سلفنا الصالح على أوقاتهم علا قدرهم وسما شأنهم ، وخلد ذكرهم ، أما في زماننا هذا فإن من أبرز أسباب تخلف المسلمين تفننهم وتفانيهم في تدمير وإهدار أوقاتهم في المقاهي والملاهي والطرقات وأمام التلفاز والتسجيلات الصوتية والمرئية وفي غير ذلك من المجالات التي لا فائدة منها ولا ثمرة من ورائها " [25].
6. الصبر والتحمل
فطريق العلم ليس مفروشا بالورود والرياحين بل إنه يحتاج إلى صبر ويقين وعزيمة لا تلين ، فالطريق طويل والنفس داعية إلى الملل والسآمة والدعة والراحة فإذا طاوع طالب العلم نفسه قادته إلى الحسرة والندامة .
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ****** فإن أطمعت تاقت وإلا تسلتِ
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ***** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
" ومن أعظم ميادين الصبر : الصبر في طلب العلم : فلا سبيل إلى طلب العلم إلا بالصبر ، فالصبر يضئ لطالب العلم طريقه ، وهو زاد لا يستغني عنه ، وخلق كريم لا بد وأن يتحلى به ، صبره على مشقة الترحال إلى الشيوخ وطول المكث عندهم والتأدب معهم ، وصبره على المذاكرة والتحصيل ، وفي قصة موسى والخضر دار هذا الحوار بين نبي الله موسى وبين الخضر عليهما السلام قال تعالى في سورة الكهف } قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا {66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا {68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا {69} { " [26]
• كذلك ينبغي على المعلم أن يتحلى بجميل الصبر مع تلاميذه وأن يتسع صدره لأسئلتهم فلا يضيق بهم ذرعا وأن يتحملهم ويحلم بهم ويترفق ويسهّل لهم التحصيل ، اقتداء بنبينا ومعلمنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي مدحه ربه بقوله {َفبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {159} }
7. المثابرة : فطالب العلم لا يعرف الملل ولا الكلل ولا يتوقف عن الطلب ؛ فالعلم بحر لا ساحل له ونهر لا ينقطع ، .. يقول بعض السلف : اطلب العلم من المهد إلى اللحد، أي منذ الطفولة إلى الموت، وكان كثير من السلف يطلبون العلم ويكتبونه، فيدخل أحدهم إلى الأسواق ومعه المحبرة - الدواة التي فيها الحبر - وسنه كبيرة فيُقال : لا تزال تحمل المحبرة ؟ فيقول : مع المحبرة إلى المقبرة، أي لا نزال نواصل العلم.
البيروني يتعلم مسألة في الفرائض وهو في مرض موته !.
جاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي في ترجمة الإمام الفلكي الرياضي الفذ ، والمؤرخ اللغوي الأديب الأريب ، والعالم بالشريعة ومقارنة الأديان : الجامع لأشتات العلوم أبى الريحان البيروني ( محمد بن أحمد الخوارزمي ( 362 - 440 هـ) :(1/303)
حدث الفقيه أبو الحسن على بن عيسى الولوالجي قال : دخلت على أبى الريحان وهو يجود بنفسه ، قد حشرج نفسه ، وضاق به صدره – قد بلغ من العمر 78 سنة – فقال لي في تلك الحال : كيف قلت لي يوماً : حساب الجدات الفاسدة – وهى التي تكون من قبل الأم - ؟.
فقلت له إشفاقاً عليه : أفي هذه الحالة ؟ قال لي : يا هذا أودّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ، ألا يكون خيراً من أن أخليها وأنا جاهل بها ، فأعدت ذلك عليه ، وحفظ ، وخرجت من عنده وأنا في الطريق فسمعت الصراخ ! ) انتهى.
8. مذاكرة العلم : وقد قيل :
إحياء العلم مذاكرته *** فأدم للعلم مذاكرته
ولقد كان سلفنا الصالح يتواصون بمذاكرة العلم ، يقول أحدهم: مذاكرة ليلة أحب إلي من إحيائها. يعني : جلوسي في هذه الليلة أتذكر العلم وأتذكر ما حفظته أحب إلي من أن أقومها قراءة وتهجدا وصلاة وركوعا وسجودا .
9. كتابة ما استفاده : فكلما استفاد فائدة أثبتها معه في دفتر أو ورقة وكررها إلى أن يحفظها . يقول العلماء : " إن ما حفظ فر وما كتب قر " ، أي أن ما كتبته ستجده فيما بعد .. ويشبهون العلم بالصيد، فيقول بعضهم:
العلم صيد والكتابة قيده *** فاحفظ لصيدك قيده أن يفلت
10. أن لا يمنعه خجله من السؤال ؛ ولذلك قال بعض السلف : " لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر " ، يحمله تكبره على أن يعجب بنفسه ويبقى على جهله، وكذلك أيضا يحمله خجله عن أن لا يطلب أو يستفيد ممن معه علم فيبقى على جهله.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة؛ قالت:
جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم. إذا رأت الماء" فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وتحتلم المرأة؟ فقال "تربت يداك. فبم يشبهها ولدها". [27] .
وهذا ابن عباس رضي الله عنهما : مع حرصه على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، ودعائه له صلى الله عليه وسلم كان مجتهدا في طلب العلم من فقهاء الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير قال فقال واعجبا لك أترى الناس يفتقرون إليك قال فترك ذلك وأقبلت أسأل فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني فيقول يا ابن عم رسول الله ما جاء بك هلا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول لا أنا أحق أن آتيك فأسأله عن الحديث فعاش الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني فقال هذا الفتى كان أعقل مني " [28] .
11. العمل بالعلم : فالعلم إن لم يترجم إلى عمل فما الفائدة منه ، فعلى طالب العلم كما يجد في الطلب أن يجد في العمل فإنه أولى الناس بقطف ثمرات علمه ، ولقد مدح الله عز وجل في كتابه الكريم العاملين بما علموا : قال تعالى (فبشر) أجر العاملين وحذرنا الله عز وجل من أن نقول ما لا نفعل قال تعالى (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ {17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {18}) سورة الزمر .
كما ذم الله أولئك الذين لا ينتفعون بما يحملونه من علم وشبههم عز وجل بالحمار الذي يحمل أسفارا لا يعرف قيمتها فضلا عن جهله بما تحويه من درر قال تعالى في سورة الجمعة { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {5}
وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلانا ما شأنك؟ أليس كنت تأمرننا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه). [29]
12. الدعوة إلى الله تعالى والاجتهاد في نشر العلم : أن يوظف هذا العلم في الدعوة إلى الله تعالى على هدى وبصيرة قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {108}) فالداعية لا بد وأن يستغل كل مناسبة ويدعو إلى تعالى في شتى الميادين في المسجد وفي المدرسة وفي المعهد وفي السوق وفي الأعياد والمناسبات ، ولقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على نشر العلم ورغبنا فيه فعَن أنس بْن مالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صَلى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (نضر اللّه عَبْدا سمع مقَالَتي فوعاها، ثُمَّ بلغها عَنْي. فرب حامل فقه غَيْر فقيه. ورب حامل فقه إِلَى من هُوَ أفقه منه). [30]
وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن يجعلنا من " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب "
--------------------
[1] - سورة طه 114
[2] - سورة الكهف 66
[3] - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1 / 419 ) دار ابن الجوزي الطبعة الأولى 1414 هـ
[4] - رواه البخاري كتاب العلم باب: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. 1/25 ، ومسلم – كتاب الإمارة باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هي المنفقة، وأن السفلى هي الآخذة. – رقم / 1037
[5] - رواه مسلم كتاب الذكر والدعاء – باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر. الحديث رقم: 38 - (2699)
[6] -رواه الترمذي : في السنن باب فضل طلب العلم - . 5/29 حديث (2785) وقال: حديث حسن غريب .
[7] - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر
(1) يراجع في هذا المقام كتاب /التخلف العلمي في واقع المسلمين المعاصر تأليف د/ أنس أحمد كرزون ، ط دار ابن حزم بيروت لبنان ، وكتاب( الرسول والعلم ) للدكتور القرضاوي ط مؤسسة الرسالة بيروت وكتاب ( الإسلام والطاقات المعطلة ) للشيخ الغزالى ط دار الكتب الحديثة.
11- لماذا أسلمت للمفكر الفرنسي روجيه جارودي ص 73 ط مكتبة القرآن.
12- العلم والإيمان د / عبد الغنى الراجحي ص 54 بتصرف .
13 في ظلال القرآن 3 / 1339
(1) ماذا خسر العالم الإسلامي بانحطاط المسلمين ص 391 : 392.
[13] يراجع في هذا المقام أدب الدنيا والدين للماوردي وإحياء علوم الدين للغزالي والجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي 0
[14] - سورة البينة
[15] - أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2 / 338، وأبو داود في السنن، كتاب العلم، باب : طلب العلم لغير الله تعالى حديث 3647. وابن ماجة في السنن المقدمة، باب : الانتفاع بالعلم والعمل به حديث 252
[16] - سورة البقرة
1- مناقب أبى حنيفة للإمام الموفق المكى 1/472 .(1/304)
[18] - تراجع في ترجمته طبقات الشافعية الكبرى 3 /120 وغاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 2 / 106 وشذرات الذهب 2 / 260 ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/332 وطبقات المفسرين للداودي 2 /110
[19] -الحديث رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما صحيح البخاري، كتاب الرقاق 1 - باب: ما جاء في الصحة والفراغ، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة. الحديث رقم: 6049 [وقوله (مغبون) من الغبن وهو النقص، وقيل: الغبن وهو ضعف الرأي. (الصحة) في الأبدان. (الفراغ) عدم ما يشغله من الأمور الدنيوية].
[20] - الحديث رواه الترمذي في السنن عن ابن مسعود كتاب صفة القيامة باب في القيامة في شأن الحساب والقصاص رقم /2418/ و/2419/ وقال حسن صحيح. ورواه الطبراني والبزار بنحوه عن معاذ بن جبل ورجال الطبراني رجال الصحيح غير صامت بن معاذ وعدي بن عدي الكندي وهما ثقتان. يراجع مجمع الزوائد للهيثمي كتاب البعث. باب ما جاء في الحساب. ح 17493 0
2 نفس المرجع ص 27.
3 الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه لأبى هلال العسكرى ص 87 .
2- تقييد العلم للخطيب البغدادى ص 139.
24 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/178 ، وعبيد بن يعيش شيخ البخاري ومسلم تراجع ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبى 11/45.
[25] - يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر للدكتور أحمد الشرقاوي توزيع دار السلام بالقاهرة
[26] - نفس المرجع ص 77
[27] - صحيح مسلم. (7) باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها. الحديث رقم: 32 (313)
[28] - الإصابة لابن حجر ترجمة عبد الله بن عباس 4 / 90
[29] - صحيح البخاري 10 - باب: صفة النار، وأنها مخلوقة. الحديث رقم: 3094وأخرجه مسلم في الزهد والرقائق، باب: عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، رقم: 2989
[30] - سنن ابن ماجة. افتتاح الكتاب في: الإيمان، وفضائل الصحابة، والعلم (18) بَاب من بلغ علما. الحديث رقم: 236 -
==============
حوارُ الغافلين والجادين المُهْمَلين مع النصارى .
( توصيف وإرشادات لمن يريد المشاركة )
محمد جلال القصاص
صورتان :
الأولى : لمجموعة من المُنَصرين . . . المتمرسين . . .المتفرغين . . . الحاقدين على الإسلام والمسلمين ، يجلسون مع مجموعة منتقاة من موظفي الدين الرسميين .. . عديمي الكفاءة العلمية . . . محدودي الصلاحيات فيما يسمى بالحوار بين الأديان .
والجلسة أشبه ما تكون بين محقق ومتهم ، الطرف الإسلامي في وضع اعتذاري . . . تسويغي ، يدافع عن الإسلام ضد تُهم الطرف النصراني ، ويحاول جهده أن ( يحسن ) صورة الإسلام أمام الطرف الآخر ، فمرة ينكر الجهاد ( جهاد الطلب بل والدفع أحيانا ) ، ومرة يتنكر للتعدد ــ تعدد الزوجات ـــ أو يقيده بقيود ما أنزل الله بها من سلطان ، ومرة يتكلم عن محبة ( الآخر ) ، وأن الإسلام نزع من قلوبنا بغض من حاد الله ورسوله ولو كانوا مقاتلين مُغتصبين ، ويتلجلج في نطقه ويتصبب عرقا حين يسأل عن جهاد نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـــ وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، ناهيك عما يفعله ( الإرهابيون ) اليوم .!!
والطرف الثاني في هذا المشهد هم الغافلون .
غافلون عن أن للطرف الأول ـــ النصراني ــ أهدافاً أخرى يرمي إليها , فالحوار بمثابة الاعتراف به من جهة إسلامية ( رسمية ) تعطي الكنائس شرعية لما تمثله من عقائد ودعاوى ، وهذا الأمر في غاية الخطورة ، فهم يُثَبِّتون قومهم على الكفر بهذا الاعتراف ، يقولون لهم ( مشايخ ) الإسلام يعترفون بنا ويقرون بشرعيتنا ، وهم يُدْخِلون الناس في الكفر بهذا الاعتراف ـــ الذي يأخذونه من هذه الحوارات ـــ حين يُسَوِّقونه في الأماكن التي ينشط فيها التنصير ، يُظهرون لهم أن ( مشايخ ) الإسلام لا تُخَطِئهم ــ في الجملة ـــ . وهذا صدٌّ صريح عن دين الله .
في كثير من حوارات البالتوك مع النصارى تكلم أكثر من فرد ــ من النصارى ــ مستشهدا بأقوال نفر من المسلمين على صحة ما يعتقدون . يقول : وقد اعترف بهذا فلان وفلان ممن يحملون أسماء إسلامية واشتهروا بين الناس بأنهم من علماء الدين الرسميين ، أقول هذا لتعرف خطورة الأمر .
وهم غافلون لأنهم بحوارهم بهذه الطريقة يُعدِّلون المفاهيم الإسلامية مثل الجهاد وأوضاع المرأة ، وتحديد النسل ... الخ .
وهم غافلون عن أن هذا الطرف النصراني هو هو بأم عينه الذي يمارس التنصير في بلاد العالم الإسلامي كلها ، في ذات الوقت الذي يتحاور فيه معهم .
وهم غافلون عن أن هذا الطرف النصارني المتحاور هو الذي يحرك العداء الديني للإسلام في الغرب برمته ، وهو هو الذي يساند الأقليات الكافرة في بلاد المسلمين لخلق البلبلة والتشتت حتى أصبحت الكنائس في العالم الإسلام مراكز قوى .
ولولا غفلتهم لتساءلوا لماذا الحوار فقط مع الكنائس ولم يكن مع عوام النصارى ومثقفيهم ؟
ولماذا الحوار فقط في الإسلاميات ـــ الشبهات المثارة حول الإسلام ــ دون النصرانيات ــ ضلالات النصارى وما يفترونه على ربهم ونبيهم ـــ ؟
والصورة الثانية التي في خيالي :
لأحمد ديدات وهو يحمل كتبه ويرفع لا فتة كتب عليها قول الله تعالى " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين "
لقد خط أحمد ديدات خطا جديدا وسن سنة حسنة في الحوار بين الأديان ، فتح جبهة على القوم ما كانوا يحسبون لها حساب .
وحين تَرِد صورة أحمد ديدات ومن على دربه في خاطري أردد قول الله تعالى " فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا " .وقد بارك الله له في جهده ،وأتى سعيه أُكله ضعفين ، فأسلم عدد غير قليل على يده ، وصار على دربه ثلة من الشباب ، والله أسأل أن يتقبل منه ومنهم وأن يكتب أجره وأجرهم أضعافا مضاعفة .
وأحمد ديدات ومن على دربه هم الجادون المُهْمَلون.
والعجب أنهم مُهملون . مع أن الكل يتكلم عن أهمية إيصال صورة واضحة للإسلام لعامة النصارى في الغرب والشرق .
والعجب أن الكل يقف عند حد التنبيه على أهمية هذا الأمر دون التحرك للتحاور مع عوام النصارى ، أو التوجه إليهم بخطاب ينقض معتقداتهم الباطلة في المسيح أو الأحبار والرهبان ، أو يحسن لهم صورة محمد صلى الله عليه وسلم .بعد أن رماه قساوستهم بالخنا والفجور وعظائم الأمور .
والعجب أن الجامعات الإسلامية تخرج أساتذة متخصصين في ما يسمى بعلم ( مقارنة الأديان ) ولا وجود لهم في الميدان ، اللهم نفر أو نفران .
والعجب أننا نبادر بالحديث إلى المثقفين ونترك العوام ، وغالب الظن أن المثقفين لا يجهلون الإسلام ، وهم هم الملأ الذين يمكرون على قومهم بالتعاون مع الساسة ، ونترك عوام الناس الذين يريدون أن يعبدوا ربهم .
والعجب أننا نرفع عقيرتنا بالشكاية من التنصير ، الذي اجتاح كل بلاد المسلمين ، من المغرب العربي إلى أندونسيا مرورا بأفريقيا التي كاد يأكلها والجزيرة العربية وباقي دول المسلمين ، ثم لا نقوم بنشر ثقافة مضادة له تواجه شبهاته أو معتقداته التي يبثها في أرضنا بين شبابنا .
والعجب أن يصرح المسئولون في الكنيسة المصرية الأرثوذكسية الحاقدة الثائرة أن النشاط التنصيري في مصر بلد الأزهر والصحوة الإسلامية مُرضي للغاية . وأنهم موجودون حتى في الجزيرة العربية .!!
والعجب كل العجب من هذا البليد الذي يسمع سبَّ نبيه ـــصلى الله عليه وسلم ـــ ويرى الناس تكفر بربهم ولا يتحرك.!!
إرشادات للمشاركة(1/305)
ميدان التصدي الفكري للنصرانية المحرفة ـــ أو حملات التنصير خصوصا ـــ وكذا دعوة عوام النصارى الذين يبحثون عن الحق ، هو من الطريق الذي شقه أحمد ديدات وتبعه عليه كثيرون في كل بقاع العالم ، وهم متواجدون الآن في البالتوك بصفة أساسية ، وعلى أرض الواقع ، ولهم إصدارات مكتوبة ومسموعة ، والملاحظ أنهم ــ وكذا شيخهم أحمد ديدات رحمه الله رحمة واسعة ـــ ليسوا بطلبة علم شرعيين ، وربما كانت هذه هي الثغرة في فكر الرجل ، وهم يحتاجون لطلبة العلم الشرعي للانضمام إليهم . فهل من مجيب ؟
ومن يريد المشاركة . . . من يريد التعرف على شبهات النصارى والرد عليها ، أو إيجاد طرح إيجابي مضاد لطرح النصارى ، فعليه فقط أن يدخل للبالتوك يوما أو يومين وينصت إلى النصارى ، أو يتكلم مع المسلمين المتمرسين في غرف البالتوك وهم يُعَرِّفوه .
ـــ لا يُفهم من كلامي أبدا أنها دعوة للتوجه للمشاركة في غرف البالتوك ، وإنما هي دعوة للتصدي للتنصير بدراسة شبهاتهم ، ثم تكوين مادة علمية مضادة لهذه الشبهات وطرحها على عوام النصارى الذين يكذب عليهم الأحبار والرهبان وكذا عوام المسلمين الذين يستهدفهم التنصير .
أرجو قراءة الثلاثة أسطر الأخيرة مرة ثانية .!!
ــ شيوخنا الأفاضل الذين من الله عليهم بانتشار خطبهم عن طريق الشريط معنيون بهذا الأمر أكثر من غيرهم فمنبرهم عال وجمهورهم غفير ومن كل المستويات ، والشريط طويل العمر واسع الانتشار .
ولا يحتج علينا أحد بضيق الوقت وكثرة الشواغل ، فهل هناك أعظم من الذب عن عرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـــ ؟!
ثم إنه تنزل النوازل ـــ كالسيول والإعصار والعمليات ( التفجيرية ) ـــ فينقطع لها جدول أعمال الشيوخ للتعقيب عليها ، وسب نبينا وكفر أبناءنا وإخواننا والله إحدى الكُبر التي ينقطع لها القلب لا الوقت .
والمطلوب تحديدا هو :
عرض موجز لعقيدة النصرانية وكيف فسادها ، وسرد شبهات النصارى والرد عليها.
أيها السادة !
وقد خالطنا التنصير ونزل بساحتنا فلم نجلس عن مواجهته ؟!
ونريد من الأكادميين والمتخصصين حوارا بمستوى عال يخاطب علمائهم الدينيين و منظريهم ، ولا مانع من أن يأخذ الحوار صفة الالتفاف عليهم ، أو أي صفة أخرى كتسكينهم وفتح دوامات فكرية لهم بإثارة الشبهات وطلب الرد عليها من أجل إشغالهم ، فأولئك الملأ ،ويجوز في حقهم مالا يجوز في حق غيرهم .
ــ في افتتاح المركز الإسلامي الذي قام به الشيخ الدكتور سفر الحوالي ــ حفظه الله من كل سوء ــــ وحضره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ، اقترح الشيخ سفر ترجمة ( الجواب الصحيح على من بدل دين المسيح ) لشيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ ، وقد توقف العمل أو تأخر ، واقترح الشيخ ابن عثيمين في مؤتمر الافتتاح ، أن تفرد ــ من الكتاب ــ رسائل صغيرة ــ مطويات ــ في المواضيع ذات الشأن . فلم لا ننشط لهذا ؟
لم لا يوضع كشف زيف النصرانية إحدى موضوعات الدروس والخطب والمطويات ؟ لم ؟ ولو بمحاضرة أو محاضرتين من كل شيخ؟
واختم بهمسة في أذن أولي الألباب وأصحاب النظرة البعيدة أقول :
الحوار له أهمية في إضعاف معنويات الخصم ، وتجنيد طابور خامس فهناك من يُسلم في السر ــ من العوام ومن القساوسة وهذا أمر مشاهد معلوم ـــ ولا تدري عله ينفعنا يوما . وما أمر نعيم بن مسعود منكم ببعيد .
محمد جلال القصاص
Mgalkassas@hotmail.com
==============
السيف في حياتنا
من الأمثال الشائعة المعروفة قولهم: ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك). وهو تشبيه رائع يوحي بأهمية هذه الدقائق والثواني في حياتنا .. والتي أصبحت أهون شيء تضيع على المرء ... وأصبح السيف يقطعنا قطعاً دون أن نشعر !!
لقد تربينا منذ الصغر على المحافظة على المال والمحافظة على الصحة ، لكننا .. وللأسف الشديد لم نترب على المحافظة على الوقت !!
مع أن الإسلام بيّن أهمية الوقت واعتباره حتى الدقائق والثواني اعتبرها .. فلو أن شخصاً صلى الصلاة قبل وقتها بدقائق لم تصح .. ولو أن حاجاً خرج من عرفات قبل غروب الشمس بدقائق لزمته الفدية إذن فهذا الوقت أمانة سيسأل عنها العبد أمام الله تعالى كما جاء في الحديث عن أبي برزه الأسلمي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه فيم فعل ؟ وعن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه ) رواه الترمذي وقال : حسن صحيح .
وقال الحسن - رحمه الله - : )ابن آدم ، إنما أنت بين راحلتين مطيتين يوضعانك يوضعك الليل إلى النهار ، والنهار إلى الليل حتى يسلمانك إلى الآخرة ، فمن أعظم منك يا ابن آدم خطراً) أ.هـ .
ولو أراد أحدنا أن يعرف كم يستفيد من وقته ، فعليه أن يحسب مقدار ما يهدر منه وهنا ستكون المفاجأة !!
ولا شك أن هناك أسباب هي السبب في ضياع أوقاتنا وهي:
• طول الأمل والتسويف .
• العقلة والاستغراق فيما لا يفيد .
• عدم وجود رسالة في الحياة ، وعدم وجود أهداف سامية .
• أن الوقت معنوي وليس حسي ولذا لا نشعر بضياعه .
• الانشغال بأعمال لا تجدي وقد تكون محرمة ..!!
ولو سأل سائل الآن كم يستغرق الناس هذه الأيام في مشاهدة القنوات والأفلام ، وفي الانترنت لهالك الأرقام والإحصائيات. وإذا كان المرء يقضي ثلث عمره أو أكثر في النوم فكم يكون الناتج وكما يقول ابن الجوزي - رحمه الله -
ومن تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة .... فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا فرضنا ستين سنة مثلا فإنه يمضي منها ثلاثون سنة في النوم ونحو من خمس عشرة في الصَّبا ، فإذا حسب الباقي كان أكثره الشهوات والمطاعم والمكاسب ، فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيرا فبماذا تشتري الحياة الأبدية وإنما الثمن هذه الساعات " أ.هـ.
• البحث عن الكمال الزائف ! والتردد في اتخاذ القرار .
• الشعور بالنقص لدى المرء ، فيشعر أنه لا يحسن أن يعمل عملا فيرضى بالدون وضياع العمر !!
• سوء ترتيب الأعمال وسوء استخدام الإمكانات المتاحة وسوء الاتصال .
• الزيارات غير الهادفة ، والاجتماعات العشوائية وهي أغلب ما يقضي على الأوقات ، فكثيراً ما نتعامل بالخجل مع الأهل والأقارب ومن لا يهتمون بالوقت ، وقد نهدر كثيرا من الوقت مجاملة لمن نجالسه !!
بل قد نعتذر عن محاضرة مهمة أو موعد عاجل لأجل أمر من هذه الشاكلة مع عدم أهميته !!
لذا أقول: إن علينا تحمل مسئولية تربية المجتمع على حمل الرسالة وحفظ الوقت واستغلاله حتى لا يقطعنا السيف ! ولا يكن عدم تعود المجتمع على ذلك عاملا يثبطنا ويغير هممنا...
بل نقيس ذلك على النجاح الذي حققه المهتمون بأمور المجتمع الأخرى كالمظاهر . والزنية ... واللباس ...ووسائل المواصلات والعادات الاجتماعية التي استطاعوا بتصميمهم تغييرها ، وجبر الناس عليها في زمن يسير ..!! بل والأعجب أن بعضها قد يخالف الشريعة والسنة فتندثر بسببها تلك السنن وتظهر البدع ...
ولا شك أن الإنسان الذي لديه هدف واضح في حياته ينتج ويبتكر وتتولد لديه أفكار عظمى وكما يقول ابن القيم - رحمه الله - :( لو أن رجلا وقف أمام جبل وعزم على إزالته وكان مأمورا بذلك لأزاله )(1/306)
والأنبياء كانوا يحملون هم إعادة الأمم إلى التوحيد ، فحقق الله لهم ما أرادوا ... وهكذا الهمم والأهداف تكبر على قدر منزلة حامليها .. ٹ ٹ چ ? ? ? ? ?? چ [العنكبوت: 69] فلنعد حساباتنا وترتيب أوقاتنا ولنجعلها عزيمة وإرادة وليس أماني وعجز .... وليكن سلاحنا الصبر والذكر والعبادة والاستعانة بالله العظيم .
=============
قيمة الزمن
بسم الله الرحمن الرحيم
إن بداية كل طريق نحو المستقبل هي نقد الذات ، وهذا يحمل في طياته دعوة ...للانتماء إلى العصر والمستقبل ، الانتماء الواعي المنتج المساهم المُوجِّه .
وإنّ من أهم عوامل هذا الانتماء الالتفات إلى قيمة الوقت . إن التفنن الذي تعيشه أمتنا في تضييع أوقاتها على الصعيدين العام والخاص ، أدّى إلى أن يمضي العالم بدوننا إلى المستقبل ، واعتبارنا من أيتام التاريخ .
وإنْ لم يتحوّل هذا التفنن إلى تفنن في استغلال هذه الأوقات وإعمارها على الوجه الصحيح فستبقى الهوة بيننا وبين المستقبل كبيرة .
إنّ قضية قيمة الزمن ، ثمة قضية حضارية ، ولبعد غورها ، وكبير أثرها ، وشديد مساسها .
لا يكتفى في طرحها ومعالجتها بعقد مؤتمرات أو حلقات دراسية ، على أهمية ذلك وفائدته إنها تحتاج إلى أن تُرضَع مع لبن الأمهات ، وأن تكون في مسلك الآباء والمجتمع أفراداً ومؤسسات واضحة المقصد ، سامية الهدف باختصار من سوانح وتأملات في قيمة الزمن ( 7-9 )
قيمة الزمن في الكتاب :
يقول تعالى في معرض الامتنان ، وبيان فضل الله على الإنسان چ ? ? ? ? ? ںں ? ? ?? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ چ النحل: 12 وقال چ ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? چ الفرقان: 62 فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار ، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل . تفسير ابن كثير ( 6/130 )
وقد أقسم سبحانه بالزمن نفسه ? والعصر إن الإنسان لفي خسر .. ? والعصر هو الدهر- الزمن - في قول أكثر المفسرين ، وبه قال ابن عباس ، واختاره الطبري وابن القيم . تفسير الطبري ( 30/187 ) تفسير ابن الجوزي ( 8/224 ) وقال ابن القيم : ( أقسم سبحانه بالعصر لمكان العبرة والآية فيه . فإنَّ مرور الليل والنهار على تقدير قدرة العزيز العليم منتظم لمصالح العالم على أكمل ترتيب ونظام ) التبيان في أقسام القرآن ( 52- 53 ) .
قيمة الزمن في السنة
قال r « لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه » طب- بز- عن معاذ مرفوعاً وهو صحيح ، الترغيب والترهيب ( 4/299 ، رقم 5267 ) فالعبد محاسب عن مدة أجله فيما صرفه بعامة ، وعما فعل بزمانه وقت شبابه خاصة ، فإن فيه أكثر العطاء وأمضاه السوانح ( 18 ) .
ارتباط قيمة الزمن بالغاية من الخلق :
إن الإنسان لا يدرك قيمة الزمن في حياته ، إلاّ إذا علم الغاية التي من أجلها خلقه الله .
وإنه لمستحيل أن يكون كونه ومخلوقاته جلا وعلا ، أو جدت عبثاً أو لهواً أو ضرباً من الباطل ، دونما غاية أو مقصد ، قال تعالى : چ ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? چ ص: 27 وقال چ ے ے ? ? ? ? ? ? ? چ المؤمنون: 115 وقد بيّن لنا المولى جل شأنه ، الغاية التي من أجلها خلق الإنسان ، فقال ? وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ? وخلقه ليكون خليفة في الأرض ، وسيداً لهذا الكون .
فسخَّر له سائر مظاهره وموجوداته ، وصيَّرها في خدمته ، چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? چ لقمان: 20 جعله خليفة وسخّر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، ثم أوكل إليه عمارة الأرض بقوله چ ? ? ? ? ? ? ? چ هود: 61.
وإنّ قاعدة هذا الاستخلاف ، وأساس تلك العمارة : العبودية لله عز وجل چ ? ? ? ? ? ? ? چ الذاريات: 56 ومن ثَمَّ كان النداء الأول لكل رسول چ ? ? ? ? چ الأعراف: 65 ، ورسالتهم إنما كانت لإبلاغ هذه الغايةچ ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ گ چ النحل: 36 إن هذه العبادة التي من أجلها خُلق الجن والإنس ، قد ظلمها فئام من الناس كثير فحرّف بعضهم مفهومها ، وقَصرها البعض الآخر على بعض معانيها ، والعبادة كمما جاء بها الكتاب والسنة " تشمل الدين كله ، وتشمل الحياة كلها ، وتشمل كيان الإنسان كله ظاهره وباطنه " .العبادة في الإسلام "49" . إنها كما يقول ابن تيمية " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة " .-العبودية- مجموعة التوحيد "2/454، 474 " .
إن بدون هذا المفهوم الجامع للعبادة ، لايمكن للمرء أن يدرك قيمة الزمن وأهميته ، وبالتالي أن يغتنمه ويتوجّه نحو إعماره ، السوانح « 20- 23 » فكان لا بد لزاماً أن يدرك الإنسان وجوده وإنسانيته ووظيفته ، فيعمر أوقاته كلها بطاعة الله .
وقبل أن نتحدث عن كيفية استغلال الأوقات وعن العوامل المساعدة على استغلالها ، نعرض وإياكم العوائق التي تقفُ حَجَر عثرة أمام استغلال الوقت .
عوائق استغلال الوقت :
1- اتباع الهوى ، والهوى « الحب والبغض الذي في النفس » قاله ابن تيمية في رسالته
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( 50 ) والإنسان لا يُلام على مجرد الحب والبغض ، ولكي يُلام على اتباع الهوى فيهما ، كأن يجمل في نظره مجالسة الفارغين أو أن يصرفه هواه إلى كثرة الدعة والراحة والترف فيضيع وقته أو أن يكون مدمن مباحات يتزين الهوى له ، إن الهوى يأمر صاحبه بالميل إلى الشهوات والملذات ، وكل ما لا يعود على الإنسان بفائدة أخروية حتى يصل الإنسان إلى درجة العبادة چ ? ? ? ? ? ? چ الجاثية: 23 الوقت عمار أو دمار ( 1/103- 104 ) .
قالr: « ثلاث مهلكات ، وثلاث منجيات وثلاث كفارات وثلاث درجات ، فأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه . وأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية .... » طب عن ابن عمر مرفوعاً وهو حسن صحيح الجامع ( 1/584 برقم 3045 ) .
2- طول الأمل ، إنّ طول الأمل ، مرض عضال ، وداء مزمن ، إذا أصاب الإنسان أباده عن بكرة أبيه ، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه ، واشتد علاجه ، وحقيقة الأمل : الحرصُ على الدنيا والانكبابُ عليها ، والحبُ لها والإعراض عن الآخرة ، ويتولّد عن طولِ الأمل أمراض كثيرة منها : « الكسل عن الطاعة ، والتسويف بالتوبة ، والرغبة في الدنيا ، والنسيان للآخرة ، والقسوة في القلب .. » تفسير القرطبي ( 10/4 ) الفتح ( 11/237 ) .
وقال الحسن ( ما أطال عبد الأمل ، إلا أساء العمل ) تفسير القرطبي 10/4
وقال القرطبي مُعلِّقاً ( وصدق رضي الله عنه ، فالأمل يُكسل عن العمل ويُورث التراخي والتواني ، ويُعقب التشاغل والتقاعس ، ويخلد إلى الأرض وتميل إلى الهوى ، وهذا أمر قد شُوهد بالعيان فلا يحتاج إلى بيان ، ولا يُطلب صاحبه ببرهان ، كما أن قصر الأمل يبعث على العمل ، ويُحيل على المبادرة ، ويحث على المسابقة ( تفسير القرطبي 10/4 الوقت 104/106 ) .(1/307)
3- العوائق السبعيه والغنائم الخمسيه . وهي عبارة عن سبع عوائق ، تعوق الإنسان على وجه العموم ، والدعاة إلى الله على وجه المخصوص ، وقد أبانها النبيr بقوله « بادروا بالأعمال سبعاً ، هل تنتظرون إلاّ : فقراً منسياً ، أو غنى مطغياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً أو الدجال فشر غائب يُنتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر » ت- ك ، عن أبي هريرة مرفوعاً وهو ضعيف. ضعيف الجامع ( 341 برقم 2315 ) هذا بالإضافة إلى خمس غنائم ، حثنا رسولنا الكريم rعلى أن نغتنمها ، بقوله « اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك » ك - هب عن ابن عباس مرفوعاً وهو صحيح . صحيح الجامع ( 1/244 ) برقم ( 1077 ) الوقت ( 106 - 108 ) .
4- خواء القلب ، فإذا كان القلب خاوياً فارغاً انعكس ذلك على الجوارح ، فأصبح الإنسان لا يعرف قيمة الزمن ولا كيف يستغله ، لأنه يتحرك من فراغ بخلاف ما لو كان القلب ممتلئاً بالإيمان والأخلاق القلبية ، وهذا ما قرّره العلامة المناوي بقوله : « إن الإنسان إذا تعطل عن عمل ، يشغل باطنه بمباح يستعين به على دينه ، كان ظاهره فارغاً ولم يبق قلبه فارغاً ، بل يعشعش الشيطان ويبيض ويفرخ، فيتوالد فيه نسله توالداً أسرع من توالد كل حيوان ، ومن ثم قيل : الفراغ للرجل غفلة ، وللنساء غِلمة ( فيض القدير 2/290 )
فالمُعوّل عليه هو القلب ، وبحياته وشغله ، ينعم الإنسان .الوقت ( 108-109 ) .
5- عوائق من ساحة الدعاة ، وهي تتلخص في عدة نقاط :
1. عدم معرفة تنظيم الوقت .
2. الفوضى أثناء تنفيذ التكاليف المطلوبة .
3. حب الدعة والراحة والجدل ، وبالأخص كثرة الأكل والنوم .
4. المزاجية وسيطرة الهوى على النفس .
5. فتور النفس وعدم استمرارها على الطاقة والإنتاج .
6. ضعف الهمة .
7. عدم الإحساس بأهمية الوقت .
8. عدم التربية منذ الصغر بكيفية استغلال الوقت .
9. ضعف النفس وميلها إلى اللهو ومجالس الفارغين .
10. عدم مجالسة من يستغلون أوقاتهم استغلالاً حسناً . الوقت ( 109-110 ) .
وبعد معرفة هذه العوائق ، والعمل على تخطيها وعلاجها ، نبدأ الحديث على العوامل المساعدة على استغلال الوقت .
العوامل المساعدة على استغلال الوقت :
1. معرفة أهمية الوقت ، إن الوقت هو الحياة ، ومن لم يعرف أهمية الوقت عاش ميتاً ، وإن كان يتنفس على وجه الأرض ، وهذا سرّ قول الكافرين عند سؤالهم چ گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? چ المؤمنون: 113. وهم في حقيقة الأمر ، منهم من عاش ستين سنة ، ومنهم ثمانين ومنهم مائة ، ولكنهم لم يعرفوا أهمية وقتهم ولم يستغلوه فيما ينفع ويفيد ، ولذلك لم يبارك الله في حياتهم ، فهم جاهلون بأمر الآخرة ، عالمون بأمر الدنيا ، كل وقتهم ضياع في ضياع ، وفي الحديث « إن الله يبغض كلَّ جعظري جواظ ، سخابٍ في الأسواق جيفة بالليل ، حمارٍ بالنهار ، عالمٍ بالدنيا ، جاهل بالآخرة » هق عن أبي هريرة مرفوعاً وهو صحيح . صحيح الجامع ( 1/382 برقم 1878 ) . قال ابن الجوزي : ( العاقل من علم أن الدنيا لم تخلق للتنعيم فقنع بدفع الوقت على كل حال ) وقال أيضاً : ( ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته ، فلا يضيع منه لحظه من غير قربة ، ويُقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل ، ولتكن نيته في الخير قائمة ، من غير فتور بما يعجز عنه البدن من العمل ) صيد الخاطر « 50 » لأن" الزمن لا يقف محايداً ، فهو إما صديق ودود أو عدو لدود" . قاله الغزالي في خلق المسلم « 227 » الوقت « 75 - 76 » .
2. الزهد في الدنيا ، إن الدنيا إذا دخلت قلب ابن آدم وحبَّها ، وحبَّ شهواتِها وملذاتِها ، فإنه حتماً سوف يصرف وقته في نيل محبوباته الدنيوية ، وأوصى رجلٌ رجلاً فقال « دع الدنيا لأهلها ، وكن في الدنيا كالنحلة إن أكلت أكلت طيباً وإن أطعمت أطعمت طيباً وإن سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه » ( الفوائد 214 ) ولا يعني ذلك أن يعتزل الرجل الناس ، بل إن الزهد هو كما قال الزهري : « ليس تشعيث اللمة ولا قشف الهيئة ، ولكن صرف النفس عن الشهوة » . إذ الإنسان إذا أطلق لنفسه العنان ، وأصبح دينه رياله،وامرأته قبلته ، وآلهته بطنه ، فإنه ليتحسر أشد التحسر على ضياع وقته بشهوة نفسه الوقت ( 76-77 ).
3. الخوف من الله ، لأن الخوف من الله يجعل الإنسان يلوذ إلى الله بالطاعات ، ونكتفي بأنموذج واحد ، يدل على أن الخوف من الله سبيل لصرف الوقت بما ينفع إيمان المستغل وقته ، قالت فاطمة بنت عبد الملك زوج عمر بن عبد العزيز ، تصف زوجها عمر « ما رأيت أحداً أكثر صلاةً ولا صياماً منه ، ولا أحداً أشد فرقاً من ربه منه ، كان يصلي العشاء ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه ، ولقد كان معي في الفراش ، فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما ينتفض العصفور من الماء ويجلس يبكي فأطرح عليه اللحاف » قاله ابن كثير البداية والنهاية ( 9/212 - 213 ) .
ولهذا يقول ابن السماك : خف الله كأنك لم تطعه * وارجُ الله كأنك لم تعصه . وفيات الأعيان ( 4/302 ) الوقت ( 79 - 81 )
4. تنمية الهمة العالية ، إنّ لذة كل أحد على حسب قدره وهمته وشرف نفسه ، فأشرف الناس نفساً وأعلاهم همة وأرفعهم قدراً ، من لذته في معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقاءه ، والتردد إليه بما يحبه ويرضاه . قاله ابن القيم ، الفوائد ( 269 ) .
ولذا فإن "علامة صحة الإرادة أن يكون هم المريد رضا ربه واستعداده للقائه ، وحزنه على وقت مرَّ في غير مرضاته ". قاله ابن القيم ،الفوائد ( 214 ) .
وقديماً قيل :" إذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة ، وردفه قمر العزيمة ، أشرقت أرض القلب بنور ربها" . قاله ابن القيم، الفوائد ( 92 ) قال ابن الجوزي : ( من علامة كمال العقل ، علو الهمة والراضي بالدون دنيء ) صيد الخاطر ( 46 ) .
فإذا حرص المرء على تنمية همته بفعل الأمور المحمودة ، التي لا يفعلها إلا الإنسان الهمام فإن ذلك يدفعه دفعاً حثيثاً لاستغلال أوقاته ، قال ابن القيم ( العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة ) الفوائد "373 " الوقت " 83" .
5. معرفة أثر البطالة ، إن الصحة والفراغ والمال ، هي الباب الذي تلج منه الشهوات المستحكمة، ويتربع في فنائها الهوى الجامح ، فيأتي على صاحبه ، وقد صدق من قال : من الفراغ تكون الصبوة . فيض القدير( 6/288 ) وفي هذا المعنى ، يقول الشاعر : لقد هاج الفراغ عليه شغلاً * وأسبابه البلاء من الفراغ . فيض القدير ( 6/288 ) .
وصدق من قال : « الفراغ والصحة والمال ، ثالوث مدمر ، إذا لم يوجه التوجيه السليم » . الوقت ( 84 ) وكم كان أبو العتاهية موفقاً ، عندما سأله : سليمان بن أبي شيخ بقوله : أي شعر قلته أجود وأعجب إليك ؟ قال : قولي :
إن الشباب والفراغ والجدة * مفسدة للعقل أي مفسدة . وقولي أيضاً
إن الشباب مجد التصابي * روائع الجنة في الشباب
مجمع الحكم والأمثال ( 223 ) السوانح ( 19 ) .
وهكذا كان شعور عمر بن الخطاب ، حيث كان « يرى الرجل فيعجبه ، فيسأل عن عمله ، فإن لم يكن له عمل ، سقط من عينيه » فيض القدير 2/290
وقال عبد الله بن مسعود « إني لأمقت الرجل أره فارغاً ، لا في أمر الدنيا ، ولا في أمر الآخرة » حم في الزهد وطب وغيرهما وفيه ضعف. الزهد لوكيع ( 2/652 ) برقم ( 369 ) .
إن " البطالة هي أشر شيء في العالم" . هق عن ابن الزبير. فيض القدير ( 2/290 ) .(1/308)
ويكفي أن تعلم أنَّ " الجهل والبطالة توأمان أهمها إيثار الكسل ". الفوائد ( 373 ) .
وصدق ابن القيم يوم أن قال « نزول همة الكُسَّاح دلاَّه في جب العذرة » الفوائد ( 90 ) .
فالبدار البدار ، عباد الله إلى حسن استغلال الأوقات ، قال r: « ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم ، لم يذكر الله عز وجل فيها » طب وهب . عن معاذ مرفوعاً وهو ضعيف، الترغيب ( 2/375 ) برقم ( 2222 ) صحيح الجامع ( 2/958 ) برقم ( 5446 ) .
ناهيك قوله تعالى : ? أن تقول نفس .. ? الوقت ( 84 – 86 )
6. تنويع البرامج التي تستغل ، فمن طبيعة الإنسان أنه إذا داوم على عمل معين ، ولفترة محدودة ، فإنه يمل من هذا العمل . الوقت ( 81 – 82 ) .
7. الدعاء ، وهو من أقوى الأسلحة التي يستخدمها المرء ، لملئ فراغ وقته وطلبه للعلم ، قال ابن الجوزي : « إذا وقعت في محنه يصعب الخلاص منها ، فليس لك إلاّ الدعاء » صيد الخاطر ( الوقت : 82 ) .
وبعد هذا ، يطيب لنا أن نذكر شيئاً مما يقضي به المرء وقته ، وهي :
1. الحركة الهادفة ، ولكم كانت رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم تسيح في البوادي ، تبلّغ الأعراب كلمة الإسلام وتبشّر به ، ولم يكن ثمة انتظار ورودهم إلى المدينة ، وفي الحديث « يا محمد أتانا رسولك ، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك » م . عن أنس بن مالك مرفوعاً شرح مسلم ( 1/283 ) برقم ( 12 ) .
أتاهم رسول الله داعياً ، وكذلك الناس تؤتى ، ومن انتظر أن يأتيه الناس فليس بداعية» المنطلق ( 119 – 120 ) الوقت ( 29 – 30 ) .
2. المخالطة ، إذ الإنسان لابد له من خليل ، لابد له من صديق ، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله : « المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم » حم – ن عن ابن عمر مرفوعاً وهو صحيح ، صحيح الجامع ( 2/1129 ) برقم برقم ( 6651 ) .
وهذا ما أشار إليه طلحة القرشي بقوله « إن أقل العيب على المرء أن يجلس في داره » . طبقات ابن سعد ( 3/221 ) والدعاة إذا اعتزلوا الناس ، يكونوا قد اختاروا لأنفسهم أيسر السبل وأقلها مؤونة . ولكن العظمة الحقيقية أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف . قاله سيد قطب أفراح الروح ( 14 ) الوقت ( 1/30 – 31 ) .
3. حب المساعدة وقضاء الحاجات ، يقول r موجهاً البشرية على التحرك في قضاء الحاجة « أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله إلى مسلم أو يكشف عنه كربة ، أو يقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبَّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهراً .. ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام .. » ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل عن ابن عمر – مرفوعاً وهو حسن. الصحيحة ( 2/608 برقم 906 )
ولهذا كان الليث بن سعد « يجلس للمسائل يغشاه الناس فيسألونه ، ويجلس لحوائج الناس لا يسأله أحد من الناس فيرده ، كبرت حاجته أو صغرت » وفيات الأعيان ( 4/131 )
هذا هو إسلامنا ، دين معايش للواقع ، لا دين نظريات ومثل .
قال r : « من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة .. » م . عن أبي هريرة مرفوعاً . شرح مسلم ( 17/24 ) برقم 2699 ( الوقت : 31 – 33 )
4. الحرص على ملازمة الصالحين العاملين ، فهؤلاء عندهم من الأنشطة والبرامج ، ما يحفظ به الشباب أوقاتهم من التيه والضياع ، قال r : « عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، ومن أراد بحبحة الجنة فعليه بالجماعة » ابن أبي عاصم عن ابن عمر مرفوعاً وهو صحيح. المسند ( 42 برقم 88 )
وقال علي بن أبي طالب : « كدر الجماعة خير من صفو الفرد » وقال الشافعي : « ليس لأحد إلاّ وله محب ومبغض ، فإذْ لا بد من ذلك ، فليكن المرء مع أهل طاعة الله عز وجل » بستان العارفين ( 42 ) الوقت ( 43 – 44 ) .
5. عمارة المسجد ، ومن فعل ذلك فهو دليل على أن قلب المعمّر له مفعم بالإيمان ، بتلاوة كتاب الله ومدارسته ، أو تعلم العلم فيه ، أو حضور حلقة من حلقات العلم فيه ، أو بأداء الصلوات الخمس جماعة فيه ، أو بالاعتكاف أو نحو ذلك ، وهكذا تُستغل الأوقات فيه .
قال عبد الباقي بن يوسف « قعودي في هذا المسجد ساعة أحب إليّ من أن أكون ملك العراقيين » طبقات الشافعية ( 3/219 ) .
وهاهو الأعمش بلغ من العمر سبعين سنة ولم تفته التكبيرة الأولى . وفيات الأعيان ( 2/401 ) ورحم الله البخاري ، يوم أن كان يُردد دائماً :
اغتنم في الفراغ فضل ركوع * فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم * ذهبت نفسه الصحيحة فلته
طبقات الشافعية ( 2/15 ) الوقت ( 35 – 36 ) .
6. تلاوة القرآن الكريم ، إذْ هو الروح الذي يحرك الأمة ، وهو مصنع الرجال الذي يخرّج الأجيال المجاهدة ، فالداعية إذا شغل وقته بالجلوس مع كتاب الله ، كان حظه من الأجر والثواب عظيماً عند ربه .
قال r: « إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه » بخ .عن عثمان مرفوعاً الفتح ( 9/74 ) برقم ( 5028 ) .
وهذا ما فقهه عثمان بن عفان رضي الله عنه ، حيث قال : « وما أحب أن يأتي عليّ يوم ولا ليلة إلاّ أنظر في الله يعني القراءة في المصحف » حم في الزهد ( ص : 188 ) برقم ( 679 ) الوقت ( 37 ) .
7. القراءة ، وإنها لمصرف عظيم ، ومن كبير أهميتها أن كان العلم قبل العمل چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? چ محمد: 19 فاعلم أولاً ثم اعمل بما تعلم ، وقديماً قيل « العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر » . فتاوى ابن تيمية ( 2/13 ) وقد سئل أحمد عن رجل يكثر من كتابة الحديث وطلبه ، أيسوغ له ذلك : فقال « ينبغي أن يكثر العمل به على قدر زيادته في الطلب » المنطلق ( 37 – 38 ) .
وتتضح أهمية القراءة في استطاعة الإنسان ومقدرته على ردِّ الشبهات الباطلة ، وتفنيد الآراء الزائفة ، لأنه بذلك يملك قاعدة فكرية ، ومن فقد ذلك ، فقد عرّض نفسه إلى الضلال والضياع ، وقديماً قيل « الكتب غذاء النفوس » الأمثال في القرآن ( 90 ) .
ومن كثرت قراءته واطلاعه في الكتب المختلفة ، ينظر الناس إليه نظرة إكبار وتقدير ، قال أبو حنيفة وهو يتكلم عن شيخه حماد بن مسلم « ما مددت رجلي نحو داره وإن بيني وبينه سبع سكك » مع الرعيل الأول ( 62 ) .
إن القراءة المستمرة ، والنظر في بطون الكتب تعطي صاحبها القدرة على التحليل وإبداء الرأي السليم ، وإذا نقد فإنه ينقد بعين بصيرة .(1/309)
جاء رجل إلى أبي حنيفة ، فبادره سائلاً « ما تقول في رجل لا يرجو الجنة ولا يخاف النار ، ولا يخاف الله تعالى ، ويأكل الميتة ، ويصلي بلا ركوع ولا سجود ، ويشهد بما لا يرى ، ويبغض الحق ، ويحب الفتنة ويفر عن الرحمة ، ويصدق اليهود والنصارى . فالتفت أبو حنيفة على أصحابه فقال لهم : ما تقولون ؟ فقالوا : إنها صفة كافر . فقال : بل هو من أولياء الله ، فهو يرجو رب الجنة ويخاف رب النار ، ولا يخاف الله تعالى أن يجور عليه ، ويأكل ميتة السمك ، ويصلي صلاة الجنازة أو على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعنى شهادته بما لا يرى أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويبغض الحق وهو الموت ليطيع الله ، ويحب الفتنة وهو المال والولد ، ويفر عن الرحمة وهي المطر ، ويصدق اليهود في چ ? ? ? ? ? پ ? چ البقرة: 113 ويصدق النصارى في چ پ پ پ پ ? ? ? ? چ البقرة: 113. الخيرات الحسان ( 63 ) .
ومن بالغ أهمية القراءة قول أحمد : « الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب ، لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين ، وحاجتة إلى العلم بعدد أنفاسه » تهذيب المدارج ( 2/770 ) .
وهو ابن المبارك يرسم خطاً للدعوة وللدعاة من بعده ، وهو التزود بالزاد الإيماني العلمي من خلال النظر في كتب الأقدمين ، وذلك لما افتقده بعض أصحابه من مجلسه ، فقيل له : مالك لا تجالسنا ، فقال « أنا أذهب فأجالس الصحابة والتابعين » صيد الخاطر ( 211 ) . وصايا ونصائح لطالب العلم ( 55 ) .
وهذه نماذج ، فيها الحرص الشديد على القراءة وتعلم العلم ، فهذا مصعب الزبيري يقرأ كتباً قد بال عليها الفأر ، ويقول : كنتُ أقرأ ما استبان لي منها وأدع مالا أعرفه . تذكرة الحفاظ ( 1/217 ) وهذا أبو داود يحافظ على كتبه ، ويجعل لها من ثوبه كماً واسعاً يجعلها فيه كما روى عنه ابن دارسة بقوله « كان لأبي داود كم واسع وكم ضيق فقيل له في ذلك ، فقال : الواسع للكتب ، والآخر لا يحتاج إليه » تذكرة الحفاظ ( 2/592 ) .
ونقول للأزواج ، لا تضجروا من كثرة شكاية النساء لكم على كثرة قراءتكم ، فقد أكثر الزهري من القراءة ، فقالت له زوجته : « والله إن هذه الكتب أشدّ عليّ من ثلاث ضرائر » . شذرات الذهب ( 1/63 ) .
وهذا الجد ابن تيمية ، كان إذا دخل الخلاء ، يقول لبعد الرحمن بن تيمية « اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك حتى أسمع » روضة المحبين ونزهة المشتاقين ( 70 ) .
السبيل إلى محبة القراءة :
1. النظر بالقلب ، فيجب التركيز على الصفحة التي يقرؤها ، مع تفريغ القلب ، قال ابن تيمية : « وكذلك من نظر إلى الأشياء بغير قلب ، أو استمع إلى كلمات أهل العلم بغير قلب ، فإنه لا يعقل شيئاً ، فمدار الأمر على القلب ، وعند هذا تستبين الحكمة من قوله تعالى ? أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ? الفتاوى ..
2. العمل بما يقرأ ، لأنه السبيل إلى تثبيته في القلب والعقل ، وبالتالي سبب في حب العلم .
3. قراءة ما تميل إليه النفس مع التدرج من فقه أو سيرة أو تفسير ، حتى إذا وطّن نفسه على حب القراءة وطلب العلم ، وواصل قراءته في فنٍ ما يختاره ، فهو لن يكل بإذن الله .
4. التنويع بالقراءة ، وذلك مراعاة للنفس ، وتكميلاً للشخصية ، وقد أدرك يحيى بن خالد هذا فقال لابنه وهو يوصيه بتنويع القراءة « عليك بكل نوع من العلم ، فإن المرء عدو ما جهل ، وأنا أكره أن تكون عدو شيء من العلم .. » أدب الدنيا والدين ( 47 ) .
5. معرفة همة علماء السلف ، وكيف كانوا يضحون من أجل الحصول على العلم ، يقول الرازي : « أول ما رحلت أقمت سبع سنين ، ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ، ثم تركت العدد ، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً ، ثم إلى الرملة ماشياً ثم إلى طرسوس ولي عشرون سنة » . تذكرة الحفاظ ( 2/567 ) . وروى المعافى بن زكريا عن بعض الثقات ، أنه كان بحضرة أبي جعفر الطبري قبل موته ، وتوفي بعد ساعة أو أقل منها ، فذكر له دعاء ، فاستدعى محبرة وصحيفة فكتبه ، فقيل له : أفي هذا الحال ؟ فقال : « ينبغي للإنسان ألاّ يدع اقتباس العلم حتى الممات » . كنوز الأجداد ( 123 ) وكان عبد الرحمن بن أبي حاتم أحرص من أبيه على طلب الحديث ، حتى قال عن والده : « ربما كان يأكل وأقرأ عليه ، ويمشي ، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه » سير أعلام النبلاء ( 13/250 – 251 ) السوانح( 31 – 32 ) .
6. اختيار الوقت المناسب ، وهو من أقوى الأسباب المعينة على حب القراءة وطلب العلم . قال أحد السلف : « أجود الأوقات للحفظ الأسحار ، وللبحث الأبكار ، وللكتابة وسط النهار ، وللمطالعة والمذاكرة الليل » بالإضافة إلى اختيار المكان الأنسب ، قال أحد السلف : « وأجود أماكن الحفظ ، الغرف ، وكل موضع بعيد عن الملهيات ، وليس بمحمودٍ الحفظ بحضرة البنات والخضرة والأنهار ، وقوارع الطرق وضجيج الأصوات ، لأنها تمنع من خلو القلب غالباً » تذكرة السامع والمتكلم ( 72 )
7. الدعاء ، وهذا أولاً وأخيراً ، فهو عون المؤمن في مشاكله المادية وغيرها . قال ابن تيمية : « وكما أن لله ملائكة موكله بالسحاب والمطر فله ملائكة موكلة بالهدى والعلم ، هذا رزق القلوب وقوتها وهذا رزق الأجساد وقوتها » الفتاوى ( 4/41 ) الوقت ( 1/39 – 59 ) .
ونختم الحديث بقواعد عامة في قيمة الزمن ، فيها العوائق والعوامل والكيفية ، ينبغي على الإنسان أن يعيها ويفهمها حق فهمها .
قواعد في قيمة الزمن :
1- الزمن هو أجل وأشرف ما يحصّله العقلاء بإجماع العلماء .
يقول الحسن البصري : « أدركت أقواماً كل أحدهم أشح على عمره منه على درهمه » شرح السنة ( 14/225 ) .
يقول المناوي : « من أمضى يومه في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه وظلم نفسه » فيض القدير ( 6/288 ) .
ومن إدراكهم لذلك ، ما رواه الخطيب البغدادي « أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه : أتنشطون لتفسير القرآن . قالوا : كم يكون قدره ؟ فقال : ثلاثون ألف ورقة ، فقالوا : هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ! فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة . ثم قال : هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا ؟ قالوا : كم قدره ؟ فذكر نحواً مما ذكره في التفسير ، فأجابوه بمثل ذلك . فقال : « إنا لله ، ماتت الهمم ! ، ثم أملاه على نحو قدر التفسير » تاريخ بغداد ( 2/163 – 164 ) .
ويقول أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي « إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري ، حتى إذا تعطّل لساني عن مذاكرة ومناظرة ، وبصري عن مطالعة ، أعملتُ فكري في حال راحتي وأنا مستطرح ، فلا أنهض إلاّ وقد خطر لي ما أسطره ، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنتُ أجده وأنا ابن عشرين » المنتظم ( 9/214 ) .
ويقول أيضاً : « وأنا أقصِّر بغاية جهدي أوقات أكلي ، حتى أختار سفَّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبز ، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ توفراً على مطالعة ، أو تسطير فائدة لم أدركها » ذيل طبقات الحنابلة ( 1/177 ) .
وإنك لتجد ثمرة ذلك الاستغلال ، ما قاله عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي ، - على المنبر في آخر عمره - « كتبتُ بإصبعي هاتين ألفي مجلدة ، وتاب على يديّ مائة ألف ، وأسلم على يديّ عشرون ألف يهودي ونصراني » ذيل طبقات الحنابلة ( 1/410 ) .(1/310)
ويقول أيضاً « ولو قلتُ : إني قد طالعتُ عشرين ألف مجلد كان أكثر ، وأنا بعد في الطلب » وعشرون ألف مجلد ، صفحات المجلد الواحد في المتوسط ( 300 ) ثلاثمائة صفحة ، فيكون مقدار ما قرأ ستة ملايين صفحة . صيد الخاطر ( 375 – 376 ) .
ويقول أيضاً مبيناً كراهية تضييع وقته في غير فائدة ، وأنه يعزّ عليه أن يترك من يطرق عليه بابه فلا يجلس معه « ثم أعددتُ أعمالاً لا تمنع من المحادثة ، لأوقات لقائهم لئلاً يمضي الزمان فارغاً .
فجعلت من الاستعداد للقائهم قطع الكاغد وبري الأقلام وحزم الدفاتر ، فإن هذه الأشياء لابد منها ولا تحتاج إلى فكرة وحضور قلب ، فأرصدتها لأوقات زيارتهم ، لئلا يضيع شيء من وقتي » صيد الخاطر ( 206 – 207 ) .
ومن عجب ما يُذكر عن ابن النفيس « أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى ، وأول من أشار إلى الحويصلات الرئوية والشرايين التاجية وكان في العلاج أعظم من الحسين بن عبد الله الرئيس ابن سينا» أنه إذا أراد التصنيف ، توضع له الأقلام مبرية ، ويدير وجهه إلى الحائط ، ويأخذ في التصنيف إملاءً من خاطره ، ويكتب مثل السيل إذا انحدر ، فإذا كلَّ القلم وحفي ، رمى به وتناول غيره ، لئلا يضيع عليه الزمان في بري القلم .. . طبقات الشافعية ( 8/305 ) قال الوزير بن هبيرة :
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه * وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
ذيل طبقات الحنابلة ( 1/281 ) السوانح ( 27 – 39 ) .
2- من شرف الزمان أن العاقل يحرص على اغتنامه إلى حال النزع والذَّماء – النَّفَس الأخير - : قالr« إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع ألاّ يقوم حتى يغرسها فليغرسها » حم . عن أنس مرفوعاً وهو صحيح. الصحيحة ( 1/11 ) برقم ( 9 ) فلا يعيش لحظة بغير عمل .
وقال المناوي « إن كسرى خرج يوماً يتصيد فوجد شيخاً كبيراً ، يغرس شجر الزيتون ، فوقف عليه ، وقال له : يا هذا ، أنت شيخ هرم ، والزيتون لا يُثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلِمَ تغرسه ! فقال : أيها الملك : زرع لنا من قبلنا فأكلنا ، فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل . فيض القدير ( 3/31 ) .
وقيل لابن المبارك : إلى متى تطلب العلم ؟ قال : حتى الممات إن شاء الله . جامع بيان العلم ( 1/96 ) .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم « منهومان لا يشبعان : منهوم في العلم لا يشبع منه ، ومنهوم في الدنيا لا يشبع منها » ك وصححه ووافقه الذهبي عن أنس مرفوعاً وهو صحيح المشكاة ( 1/86 ) برقم ( 260 ) السوانح ( 40 – 42 ) .
3- الاشتغال بالندم على الوقت الفائت تضييع للوقت الحاضر
يقول الحسن البصري : « ما من يوم ينشق فجره ، إلا وينادي : يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني ، فإني إذا مضيتُ لا أعود إلى يوم القيامة » السوانح ( 43 – 45 ) .
4 – التسويف عجز وكسل :
ما أعظم وصية ذلك الرجل ، لما قيل له : أوصنا ، فقال : احذروا « سوف » فإنّ يوم العاجزين غد .
وقال ابن الجوزي : « وإياك والتسويف ، فإنه أكبر جنود إبليس » صيد الخاطر ( 179 ) .
ومن ذا الذي يضمن غده ؟ وإن كان له غد ، أيا من معوقات نوازله ! السوانح ( 46 – 48 ) .
5- اعتقاد التفرغ من الشواغل في مستقبل الأيام : وهم وسراب .
وهذا ليس بصحيح ، أن المستقبل سوف يصفو من المكدَّرات والعوائق ، والوقع أنه : كلما كبرت سنك ، كبرت مسؤلياتك ، وزادت علاقاتك ، وضاقت أوقاتك ، ونقصت طاقاتك ، فالوقت في الكبر أضيق ، والجسم فيه أضعف ، والصحة فيه أقل ، والنشاط فيه أدنى، والواجبات أكثر من الأوقات ! فبادر ساعات العمر وهي سانحة ، واحذر الأماني والأحلام ، فإنها لا تصنع حاضراً ولا تبني مستقبلاً ، قال علي بن أبي طالب وهو يوصي ابن له « إياك والاتكال على المُنى ، فإنها بضائع النوكى » الحمقى .
وقال الأحنف بن قيس : « كثرة الأماني من غرور الشيطان » .
وقال الشاعر :
إذا تمنيت بت الليل مغتبطاً * إن المنى رأس أموالِ المفاليس
بهجة المجالس ( 1/125 ) .
وما شأن هذا الذي يرى أن التفرغ من الشواغل في مستقبل الأيام آتٍ ، إلا كشأن ذلك الرجل الذي قال للإمام ابن سيرين : إني رأيت في منامي أني أسبح في غير ماء ، وأطير بغير جناج ! فما تفسير هذه الرؤيا ؟ فقال له :
أنت رجل كثير الأماني والأحلام . السوانح ( 49 – 50 ) .
6- إنما تضيع الأزمان بصحبة البطالين
إنه لا أعدم لقيمة الزمن من مصاحبة أهل التبطل والتعطل ، فهم من أضيع الناس لزمن ، وأكثرهم تعطيلاً لعقل ، وأسوأ الناس لصاحب ، وأهدرهم لطاقة .
لا يعرف العمل سبيله إليهم ، ولا الجد محلاً فيهم ، ولا المعالي مكاناً في نفوسهم ، فحذار من مجالستهم والاختلاط بهم ، فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري .
إن صحبة هؤلاء العلماء ، تعلم منافسة الزمان ، وصحبة البطالين تعلم تضييع الزمان .
قال ابن مسعود : « اعتبروا الرجل بمن يصاحب ، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله » هب .
ورحم الله ابن عقيل يوم أن قال : « .. فما خالطت لعاباً قط ، ولا عاشرت إلاّ أمثالي من طلبة العلم » المنتظم ( 9/213 ) السوانح ( 51 – 52 ) .
7- إنما تكمل العقول بترك الفضول
من عرف قيمة الزمان لا يكون إلاّ صاحب قصد واعتدال في أموره كلها ، فلا يرهق نفسه بما لا مصلحة له فيه .
يقول الحسن البصري : إياكم وكثرة الأشغال ، فإنه من فتح على نفسه باب شغل من الدنيا ، فتح الله عليه أكثر من ذلك » وكيع وابن المبارك في الزهد وهو ضعيف. الزهد لوكيع ( 2/643 ) برقم ( 361 ) .
ولا يتوسع في المطعم ، فهو يعلم أنه سبب للنوم ، والشبع يعمي القلب ويهزل البدن ويضعفه .
فتراه لا يتناول منه إلاّ حاجته التي تقيم صلبه ، ولذا قالr: « المؤمن يأكل في معىً واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء » بخ . عن ابن عمر مرفوعاً الفتح ( 9/536 ) برقم ( 5393 ) .
وما أعجب سهل بن عبد الله التستري ، لما أتاه الرجل وسأله ، فقال : الرجل يأكل في اليوم أكله ؟ قال : أكل الصديقين ، قيل له : فأكلتين ؟ قال : أكل المؤمنين ، قيل له : فثلاث أكلات ؟ فقال : قل لأهله يبنوا له معلفاً . الفوائد ( 315 ) وهو يدري أن الزينة مباحة ، بل هي مطلوبة ، ولكن المبالغة فيها ، ستكون على حساب الزمن ، ولذلك نجد النبيr يدعو إلى الاقتصاد في الزينة والاعتدال في التجمل ، وفي الحديث « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثير من الإرفاه ، قلنا : وما الإرفاه ؟ قال : الترجل كل يوم » ن واللفظ له وغيره عن عبد الله بن ... مرفوعاً وهو صحيح. الصحيحة ( 2/3 ) برقم ( 502 )
وهكذا هو في زيارته لا يتعدى مقصدها ، لحديث « من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه » ت . عن أبي هريرة مرفوعاً وهو حسن. الترغيب والترهيب ( 3/521 ) برقم ( 4247 ) .
وهو في قوله لا يتجاوز النافع الخير المحتاج إليه ، وفي الحديث : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )
بخ عن أبي هريرة مرفوعاً . "الفتح" (11/308) برقم (6475)
وهو في صلاته ودعائه يكون مقتصداً ، وقد قيل لابن عمر : لو دعوت لنا بدعوات ، فقال : "اللهم اهدنا وعافنا وارزقنا" فقال له رجل : لو زدتنا يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال : أعوذ بالله من الإسهاب .
"بهجة المجالس" (1/60) ، فالتوسع في الدعاء من الفضول "السوانح" (53-56)
8- ترويح النفس بقدره ووجهه كسب الزمان ، والقلب إذا كلَّ عمي :(1/311)
لقد كان من جملة هديه صلى الله عليه وسلم مؤانسته لصحبه ، وممازحته لإخوانه ، وقد قال الصحابة : يا رسول الله ، إنك تداعبنا ؟ قال : « إني لا أقول إلا حقا » ت عن أبي هريرة مرفوعاً وهو صحيح. "الصحيحة" (4/304) رقم (726) . وكذا كان مداعباً لأهله ، وفي الحديث : « أن عائشة كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، قالت : فسابقته فسبقته على رجليّ ، فلما حملتُ اللحم ، سابقته فسبقني ، فقال : هذه بتلك السبقة » د عن عائشة مرفوعا ، وهو صحيح (1/204) برقم (131) بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك حقيقة النفس البشرية ، فمكنها من حقها في الراحة والترويح بأضرب من اللهو المباح . قالت عائشة رضي الله عنها : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم» . بخ عن عائشة "الفتح" (1/549) رقم (454) وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : « إني لأستجمُّ لقلبي بالشيء من اللهو ، ليكون أقوى لي على الحق » الأدرعي . وقال ابن مسعود : « لا تُكره قلبك ، إن القلب إذا أُكره عمي » "جامع بيان العلم" (1/104) .
وإن الرياضة مصرف نافع ، فهي تحسّن الدورة الدموية ، وتزيد من نشاط الرئتين وتقوي القلب ، ولقد كان البخاري رياضيًّا ، وليس أي رياضي ، بل كان منافساً لغيره ، ومبدعاً في رياضة الرماية ، قال محمد بن أبي حاتم : « فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين ، وكان لا يسبق » طبقات الشافعية ( 2/10 ) .
قال ابن القيم : وأي عضو كثرت رياضته قوي ، فمن استكثر من الحفظ قويت حافظته ، ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة ، ولكل عضو رياضة تخصه ، فللصدر القراءة ، ورياضة السمع بسمع الأصوات ، وكذلك رياضة اللسان في الكلام ، ورياضة النفوس بالتعلم والتأدب ، ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن ، وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة ، ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة ، ومن أنشط شيء للبدن والروح والقلب . زاد المعاد ( 4/247 – 248 ) .
وكان ابن عباس رضي الله عنه « إذا كلّ من الكلام ، قال : هاتوا ديوان الشعراء » تذكرة السامع والمتكلم ( 79 )
ومن ذلك النقاش والمطارحة وقد قيل « مطارحة ساعة خير من تكرار شهر » تذكرة السامع والمتكلم ( 207 ) .
وقال الزهري : « إنما يُذهب العلم النسيان وترك المذاكرة » البداية والنهاية ( 9/359 ) .
وكل ذلك يجمعه قولهr« وإن لجسدك عليك حقاً » بخ . عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً. الفتح ( 4/217 ) برقم ( 1975 ) .
وهذا الترويح ، يكون بقدرٍ محكماً بالضوابط الشرعية ، وفي الحديث « .. ولكن يا حنظلة ، ساعة وساعة » م . عن حنظلة مرفوعاً شرح مسلم ( 17/71 ) برقم ( 2750 ) السوانح ( 57 – 59 ) الوقت ( 1/68 – 71 ، 81 – 82 ) .
9- دوام العطاء ولو كان قليلاً ، يكون منه ما يُعجز. السوانح ( 60 – 62 ) .
10- من شغل نفسه بغير المهم ، ضيّع المهم وفوّت الأهم :
قال أبو الفضل العباس بن الحسن « اعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء ، ففرغه للمهم ، وأنَّ مالك لا يغني الناس كلهم ، فخصّ به أهل الحق ، وأن كرامتك لا تطيق العامة ، فتوّج بها أهل الفضل ، وأن ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجتك وإن دأبت فيهما فأحسن قسمتهما بين عملك ودعتك من ذلك .. » تاريخ بغداد ( 12/126 ) .
وأوصى المأمون بعض بنيه فقال : « اكتب أحسن ما تسمع ، واحفظ أحسن ما تكتب ، وحدِّث بأحسن ما تحفظ » تقييد العلم ( 141 ) السوانح ( 63 – 65 ) .
11- لكل وقت ما يملؤه من العمل ، فيحرص الإنسان على أعمار وقته كله بالطاعة من حين أن يستيقظ إلى أن ينام .
واعلم أنّ كل ظرف مملوء بواجبه ومطالبه ، فالعمل إذا كان في غير وقته الموضوع له ، لم يقع موقعه ولم يثمر ثمرته ، وجاء في وصية أبي بكر لعمر رضي الله عنهما حينما استخلفه ، قوله « إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل ، ولله في الليل حق لا يقبله بالنهار » مناقب عمر ( 56 – 57 ) .
وإنّ مما يندى له الجبين ، أنْ ترى أمتنا ، دائماً أعمالها وقراراتها تأتي متأخرة عن أوقاتها الموضوعة لها ، ضائعة مضيِّعة ، ولا أريد بياناً ، فبلاغتنا في ذلك واضحة ! فوجب أن تكون أقوالنا وأعمالنا مؤقته ، كل في وقته ، حتى لا تجتمع أعمال أيام في يوم ، ومن هنا نضيع ونهيم .
وقال بعض أخوة عمر بن عبد العزيز لعمر : يا أمير المؤمنين ، لو ركبت وتروّحت ، قال : فمن يجزي عني عمل ذلك اليوم ؟ قال : تجزيه من الغد . قال : فدحني عمل يوم واحد ، فكيف إذا اجتمع عليّ عمل يومين » سيرة عمر بن عبد العزيز ( 55 ) السوانح ( 66 – 67 ) .
12- لله في أيام دهرنا نفحات ، فالموفَّق من تعرّض لها :
قال كعب الأحبار : « إن الله تبارك وتعالى اختار ساعات الليل والنهار ، فجعل منهن الصلوات المكتوبة ، واختار الأيام ، فجعل منها الجمعة ، واختار منها الشهور ، فجعل منها رمضان ، واختار الليالي ، فجعل منها ليلة القدر ، واختار البقاع فجعل منها المساجد » هناد بن السري الزهد ( 2/473 ) برقم ( 959 ) .
فاحرص على أن تلقى ربك ولو في جوف الليل الآخر وفي الحديث « ينزل الله تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر ، كل ليلة إلى السماء الدنيا ، فيقول : من يسألني فأعطيه ، من يدعوني فأستجيب له من يستغفرني فأغفر له » بخ . عن أبي هريرة مرفوعاً الفتح ( 3/29 ) برقم ( 1145 ) .
وفي يوم الجمعة نفحة ، الموفق من فاز بها ، وفي الحديث « التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس » ت . عن أنس مرفوعاً وهو حسن. وفي الآخر .. فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر . د – ن عن جابر مرفوعاً وهو صحيح. الترغيب ( 1/553 ) برقم ( 1039 ، 555 ) برقم ( 1043 ) .
وما أعظم يوم عرفة ، وفي الحديث « ... وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ، فيقول : انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين ، جاؤوا من كل فج عميق ، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي ، فلم يُرَ يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة » . أبو يعلى والبزار عن جابر مرفوعاً وهو حسن. مسند أبي يعلى ( 4/69 ) برقم ( 2090 ) .
فاحرص على استغلال أوقاتك بهذه الساعات الفاضلات . السوانح ( 68 – 71 ) .
13- من طوى منازل في منازل أوشك أن يفوته ما جدَّ لأجله :
إنّ من أكبر أدواء المسلمين ، اليوم حركات وأفرادا ، علماء وقادة ، غياب سمة التوازن القائمة على مراعاة الأهم فالمهم ، فترى بروزاً في جانب ، وقصوراً في آخر ، ترى إقبالاً على علم ومعارف ، مع تفويت لغيرها يكون فيه رقي الأمة ، بل وجودها وكرامتها فيه .
فاجعل أوقاتك مُوزَّعة لكل مهمة ، ولكل صنعة ، ولكل علم .
قال أبو هريرة رضي الله عنه : « جزأت الليل ثلاثة أجزاء : ثلثاً أصلي ، وثلثاً أنام ، وثلثاً أذكر فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم » الخطيب البغدادي. الجامع لأخلاق الراوي ( 2/319 – 320 ) .
بل إن نبينا محمد r لما قال له أبو الدرداء تلك الحادثة التي جرت له مع سلمان ، وفيها : إن لربك عليك حقاً ، ولنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه » قال : صدق سلمان » بخ عن أبي جحيفة مرفوعاً. الفتح ( 4/209 ) برقم ( 1968 ) .(1/312)
بل وللإنسان أن يعمل ولو بأمور دنياه ، فهي معاشه وقوته ، وفي الحديث « كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام - بن ملحان - وهو يريد أن يسقي نخله ، فدخل المسجد ليصلي في القوم ، فلما رأى معاذاً طول في صلاته لحق بنخله يسقيه ، فلما قضى معاذ ، قيل له : إن حراماً دخل المسجد ، فلما رآك طوّلت تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه . وعند السراج إني كنت أعمل في نخل لي ، وخفت عليه الماء - فقال : إنه منافق ! أيستعجل الصلاة من أجل سقي نخلة ؟ فجاء حرام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ عنده ، فقال : يا نبي الله ! أردت أن أسقي نخلي ، فدخلت المسجد لأصلي مع القوم ، فلما طوّل تجوزت في صلاتي - وعند السراج فانصرف ، وهو دليل القطع ، والاستئناف من جديد - ولحقت بنخلي أسقيه ، فزعم أني منافق فأقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم على معاذ ، فقال : أفاتن أنت ؟ لا تطوّل بهم ، اقرأ بهم سبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوها » السراج - حم عن أنس مرفوعاً وهو صحيح . الفتح ( 2/300 ) برقم ( 705 ) الإرواء ( 1/328 ) برقم ( 295 ) .
فالنص غني عن أي تعليق ، إن طالب العلم واجب عليه تقسيم زمانه ، زمن للحفظ ، وزمن للمطالعة وزمن للنسخ ، وزمن لراحة بدنه ، وزمن لأخذ حظه ، ولا ينبغي أن يقع الغبن بين الشركاء ، فإنه متى أخذ أحدهم فوق حقه أثرَّ الغبن وبان أثره ... ومن انحرف عن الجادة طالت طريقه . ومن طوى منازل في منازل أوشك أن يفوته ماجدَّ لأجله .. » . صيد الخاطر ( 189 - 190 ) السوانح ( 72 - 77 ) .
14- بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى :
إن زماننا هذا ، زمن العجز ، وإن شئت فقل : زمن الدعة والرفاه وموت الهمم ، قصور في حياتنا العلمية والفكرية ، فمات الإبداع وغابت القمم .
ولقد أدرك سلفنا عظم الأمانة وضخامة التبعة، فضحوا من أجل رسالتهم ، وبذلوا في سبيلها النفس والنفيس ، فكان لهم ما أرادوا ، فهنيئاً لهم .
قال ابن القيم : « فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة ، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يمر أسرع من مرَّ السحاب ، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً في حياته ، وإن عاش فيه عاش عيش البهائم ، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة ، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة ، فموت هذا خير له من حياته » الجواب الكافي ( 163 ) السوانح ( 78 - 81 ) اهـ .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين
============
صفحات مشرقة في عبادات العلماء
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن هذه المحاضرة أو هذا الدرس ليس لي فيه خيار، ولو استشرت فيه لما قبلت، نعم أنا موافق على إلقاء درس في الوقت نفسه، لكن لو عُرض عليَّ مثل هذا العنوان لما قبلت، ولا أقول في مقدمة هذا الدرس إلا ما قلته في مقدمة الهمة في طلب العلم، يعني كمن يضرب مثل بشجاعة أجبن الناس، أو بكرم أبخل الناس، يعني يؤتى بمثلي ليلقي درساً عن عبادات العلماء والتقصير معروفٌ لدى الخاص والعام؟! نسأل الله -جل وعلا- أن يمن علينا وعليكم بالعمل بالعلم، وأن يتفق الظاهر مع الباطن، هذا الموضوع يحتاج إلى شخصٍ يتحدث عن نفسه، وطالما تحدثت عن نفسي في محاضرات كثيرة في الآفات التي تعتري طالب العلم، وأضرب الأمثلة من نفسي، وإن لم يعلم السامع، أقول: هذا الموضوع يحتاج إلى شخصٍ يتحدث عن نفسه.
ويمكن أن أبرر القبول -بعد الإعلان- بصنيع ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى-: المنهج الذي يسير عليه المقربون من استيقاظهم إلى نومهم، ذكر خطة عمل يسيرون عليها، ماذا يصنعون إذا انتبهوا من النوم قبل الصبح؟ ثم بعد ذلك ما صنيعهم إذا دخلوا المسجد لأداء صلاة الصبح، ثم بعد ذلك جلوسهم حتى ترتفع الشمس، ثم بعد ذلك انصرافهم إلى أعمالٍ أخرى من أعمال الآخرة، وليس من أعمال الدنيا، ثم يأتون لصلاة الظهر، والصلاة شغلهم الشاغل، فمنهم من يقضي ما بين الصلاتين بالعبادة من ذكر وتلاوة وصلاة، ومنهم من يقضيه في العلم والتعليم، ثم بعد صلاة العصر لهم برنامج ذكره ابن القيم في كتابه، فليرجع إليه، ثم بعد المغرب كذلك، ثم بعد صلاة العشاء، يأتي وقت الوظيفة، وإذا أووا إلى فرشهم كما قال ابن القيم: ذكروا أذكار النوم، وهي كما قال: تقرب من الأربعين، ومن منا يستحضر أربعة فضلاً عن أربعين، ابن القيم لما ذكر هذا البرنامج الذي يسير عليه المقربون، أقسم بالله لئلا يُظن أنه يتحدث عن نفسه، والمظنون به أنه يتحدث عن نفسه، هذا الذي يغلب على الظن، ومع ذلك يقسم ابن القيم -رحمه الله تعالى- أنه ما شمَّ لهم رائحة، هذا ابن القيم هو يرسم هذا المنهج للمقربين، فضلاً عن غيرهم من الأبرار، وأصحاب اليمين.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- وهذه زيادة في الإيضاح والفائدة- ذكر أنهم إذا جلسوا بعد صلاة الصبح يذكرون الله تعالى حتى ترتفع الشمس، يقول: منهم من يصلي، ومنهم من ينصرف دون صلاة، لكن لما ذكر حال الأبرار، قال: إنهم لا ينصرفون إلا بعد الصلاة، يعني صلاة الضحى؛ لأن المقربين ينصرفون من عبادة إلى عبادة، ولن ينسوا صلاة الضحى؛ لأن وقتها الفاضل لم يأتِ بعد، المذكور في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال)).
وأما بالنسبة للأبرار فإنهم لا ينصرفون إلا بصلاة؛ لأنهم ينصرفون بعد ذلك إلى أعمالهم في أمور الدنيا، ويخشى أن ينسوا صلاة الضحى.
والظاهر من كلام ابن القيم أنه لا يصحح الحديث الوارد في ذلك، أن من جلس ينتظر طلوع الشمس وصلى الصبح بجماعة، وجلس بمصلاه حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، انقلب بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
كأنه لا يصحح هذا الخبر، وإلا لو صح عنده لما انصرف أحد لا من المقربين ولا من الأبرار إلا بعد هذه الصلاة، والحديث بطرقه يقوي القول بتحسينه، وإن صححه بعضهم، لكن الكلام لأهل العلم فيه ظاهر، يقوى القول بتحسينه، إذا عرفنا هذا ابن القيم رسم الخطة، ويغلب على الظن لما عرف عنه من عبادات متنوعة، بعضها إذا سمعه القارئ يظنه ضربٌ من الخيال، أو أساطير، مع هذه العبادات المتنوعة يقسم بالله أنه ما شمَّ لهم رائحة.
فماذا نقول إذا كان هذا ابن القيم يقسم بالله أنه ما شم لهم رائحة؟ ونحن نذكر في هذه المحاضرة شيء من عبادات العلماء، وهم من المقربين، فماذا نقول؟
وأعتذر عما قاله الأخ الذي قدم، وذكر ما ذكر مما يخالف الواقع، وليس من عادتي أن أقاطع أحد في كلامه، وإلا لا شك أنه جاوز في الوصف، فأسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عني وعنه وعنكم.
إذا عرفنا هذا فعنوان المحاضرة: "إشراقات" هذا لمن عرف حقيقة الأمر، وإلا فكثيرٌ من الناس يظن أن العبادة والإكثار منها، يعني في عرف عامة الناس ومن في أحكامهم ظلمات، لماذا؟ لأنه يحبس نفسه في مكانٍ ضيق ينزوي به عن الناس، فهو في ضيق، وهذا لم يجرب ما جرب القوم، ولو جرب عرف حقيقة الأمر، وأنها هي السعادة وهي النعيم، وهي جنة الدنيا، التي تحدث عنها شيخ الإسلام وابن القيم، وكثيرٌ من أهل العلم.
عبادات العلماء:
بعد هذه المقدمة أقول: عبادات العلماء:(1/313)
العلماء الذين يستحقون أن يوصفوا بهذا الوصف هم أهل العلم والعمل، ولا يستحق الوصف بالعالم إلا من عمل، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ثم قال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[(9) سورة الزمر] فدل على أن أهل العلم المستحقين لهذا الوصف هم أهل العمل، فالذين لا يعملون بالعلم ليسوا من أهل العلم.
وفي الحديث المختلف في تصحيحه عند أهل العلم وممن صححه الإمام أحمد -رحمه الله-: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) فأهل العلم هم العدول، ومفهومه أن الذين لا يتصفون بهذا الوصف من أهل الفسق والتفريط الذين لا يستحقون الوصف بالعدالة ليسوا من أهل العلم ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) فالذين لا يعملون بالعلم ليسوا بعدول، إذاً الذي يحملونه ليس بعلم.
ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- له رأي مشهور، ووافقه عليه جمعٌ من أهل العلم: أن كل من عرف بحمل العلم فهو ثقة عدل مرضي؛ لهذا الحديث، كل من حمل العلم فهو عدل لهذا الحديث.
يقول الحافظ العراقي:
ولابن عبد البر كل من عني
فإنه عدلٌ لقول المصطفى
...
...
بحمله العلم ولم يوهنِ
يحمل هذا العلم لكن خولفَا
خولفَا ابن عبد البر يعني على فهمه العكسي، الذي فهمناه من الحديث أن الذي ليس بعدل لا يسمى ما يحمله علم، وفهم أن كل من يحمل العلم وله عناية به أنه عدل، لكن الواقع يرد هذا القول؛ لأننا نرى من يحمل هذا العلم ممن هو متصفٌ بالفسق، فكيف يعدل مثل هذا؟ ولذا يقول الحافظ العراقي: "لكن خولفَا" خولف ابن عبد البر في فهمه؛ لأننا نرى ورأينا ورأيتم ممن يُعد من بحور العلم بحسب الظاهر، ومع ذلك علامات وآثار الفسق ظاهرة، هذا في الحقيقة ليس بعلم.
ومن أقوى الأدلة على هذا الفهم قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ}[(17) سورة النساء] هل التوبة خاصة بالجهال الذين لا يعرفون الأحكام، أو أنه لو كان عارفاً بالحكم، يعرف أن الزنا حرام ويزني، يعرف الحكم بدليله، يعرف أن شرب الخمر حرام ويشرب، يعرف الحكم بدليله، ويعرف أن السرقة حرام ويسرق، ويعرف أن الربا حرب لله ورسوله ويرابي، ثم بعد ذلك يتوب؟ نقول: هل هذا مقبول التوبة أو غير مقبول؟ إذا أخذنا الجهالة على عدم العلم بالحكم، قلنا: هذا ليست له توبة، ولم يقل بهذا أحدٌ من العلم {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ}[(275) سورة البقرة] التوبة تهدم ما كان قبلها، المقصود أن هذا الجاهل المنصوص عليه هو الذي يقدم على المعصية ولو كان عارفاً بالحكم بدليله، فالذي يعصي هذا جاهل ولو عرف الحكم، وهذا لا يشكل معنى الحديث مع وجود من يحمل العلم من غير العدول، فالعلم يقتضي العمل، والعلم ثمرته العمل.
للخطيب البغدادي كتاب مختصر أسماه (اقتضاء العلم العمل) يقول في مقدمته:
"ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية بطلبه، وإجهاد النفس على العمل بموجبه، فإن العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يُعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً، فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل، ولكن اجمع بينهما، وإن قل نصيبك منهما".
لأنه قد تحصل المزاحمة، العلم يحتاج إلى وقتٍ طويل، نقول: اعمل بما علمت، ولن يعوقك هذا عن تحصيل العلم؛ لأنه يكثر السؤال من كثيرٍ من الطلبة يقول: أن العمل قد يعوقنا عن تحصيل العلم، ولا سيما العمل الميداني الذي يتطلب وقتاً، كإنكار المنكرات في الأسواق وغيرها، نقول: سدد وقارب، إذا بلغك عن الله وعن رسوله أمر أو نهي فاعمل به، بادر بالعمل به؛ لأن هذا هو الثمرة.
يقول: "وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته".
لا شك أن عامة الناس يُحسنون الظن بأهل العبادة، وما حصلت الفجوة التي نعيشها بين العلماء والعامة؛ وما حصل من وقوع الناس في أعراض أهل العلم إلا بسبب تقصيرهم في العمل، عامي يحضر إلى المسجد مع الأذان فإذا التفت بعد الصلاة إذا شخص من أهل العلم يقضي بعض الصلاة، هذا نفسه لا توافقه على سؤاله، وإن كان بعضهم يقول: خذ من علمه، ولا تأخذ من عمله، هذا الكلام ليس بصحيح.
وفي صحيح مسلم: جاء شخص من العراق إلى ابن عمر، يريد أن يسأله عما مسألة في المناسك، فقال: عليك بابن عباس، ابن عباس علم وعمل، لكن في مجال العمل لا شك ابن عمر معدود من العباد، وسيأتي شيء من طريقته وعمله، قال: عليك بابن عباس، شهادة حق وإنصاف، فقال: ذلك رجل مالت به الدنيا ومال بها، يعني أنه ليس في زهده مثل ابن عمر، ولا يظن به أنه يزاول المنكرات، أو يأكل مشتبهات، أبداً، حَبر الأمة وترجمان القرآن، لكن عامة الناس ثقتهم بالعامل، فإذا رأوا من أهل العلم من يظهر عمله عليه على جوارحه وفي سرته وعلانيته يقتدون به.
قال -رحمه الله- بعد ذلك: "وهل أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا".
يعني كل شيء له ضريبة، توسعت في أمر الدنيا يكون على حساب الآخرة؛ لأنها ضرة، ومع ذلك {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[(77) سورة القصص] لكن كم ممن يقال له هذا الكلام في وقتنا هذا؟ الناس بحاجة حتى من أهل العلم مع الأسف ومن طلابه أن يقال له: لا تنس نصيبك من الآخرة؛ لأنه وجد بعد انفتاح الدنيا، شاهدنا وسمعنا أشياء حتى من بعض من ينتسب إلى العلم شيء لا يخطر على البال، من الانصراف، وإن لم يكن من ذلك إلا انصراف القلب.
يعني إذا حدث، قصة حصلت هذه الأيام أن مجموعة صلوا صلاة الظهر وجهر الإمام وأمنوا، هؤلاء ماذا بقي للآخرة في قلوبهم؟! وسمع من يقول -وهو ساجد-: آمين، لا شك أن هذا سببه الانصراف عن الآخرة، والإقبال على الدنيا؛ لأن القلب ما يحتمل كل هذه الأمور إلا ممن وفقه الله -جل وعلا-.
فشخص من أهل الدنيا ويملك مليارات، يقول: دعانا في يوم من الأيام فإذا بمجلسه غاص بالناس، هل هم الأعيان؟ هل هم الوجهاء؟ هل هم الملأ من القوم؟ لا، كلهم فقراء، وبعد ذلك يجلس وبدون مبالغة، جلس نصفه خارج المجلس ونصفه داخل، متكئ على الباب، وهؤلاء الفقراء في صدر المجلس، ومع ذلك لما وضع الوليمة رفض أن يجلس معي، جلس معهم، وكان من عادته وديدنه أن يدخل المسجد يصلي العصر ولا يخرج إلا بعد صلاة العشاء، يعني هل الآخرة تعوقهم من تحصيل الدنيا؟ في سلف هذه الأمة أثرياء، ومع ذلك هم النجوم في العلم والعمل، وهذا لا يعوق، والدنيا لا تضر إلا لمن رأى أنه استغنى {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[(6-7) سورة العلق] فإذا رأى في نفسه أنه استغنى الآن وقعت الهلكة، أما إذا كانت الدنيا تحت تصرفه، وفي يده لا في قلبه، فإن هذا نِعَم على نِعَم.
يقول -رحمه الله- في مقدمة كتابه آنف الذكر:
"وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي والرضا بالميسور، وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم".
ثم عاد بدأ بنا، قال: "وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب، وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما، وهل المغرم بحبها إلا ككانزهما".
ثم ذكر حديث أبي برزة إلى آخر كلامه -رحمه الله-.(1/314)
جامع الكتب الذي يجمع من الكتب يملأ الدور بالكتب، لكنه لا يفيد منها، ولا يبذل منها، هذا لا شك أنه ككانز الذهب والفضة. وابن خلدون يقول: "أن كثرة التصانيف من عوائق التحصيل".
وهذا شيء مجرب، جربانه وجربه غيرنا، يعني يحتار الإنسان إذا أراد أن يختار تفسير آية من بين خمسين تفسير، أو ينظر شرح حديث من بين عشرات الشروح، يحتار قبل أن يبدأ، فإذا بدأ قال: لعل فلان تكلم أكثر، ولعل علان تكلم أكثر، ثم يضيع الوقت بمثل هذا، وحدث ولا حرج عما يضيع من الأوقات في ترتيبها، ترتيب هذه الكتب، وتنظيفها، ونقلها من مكان إلى مكان، هذا لا شك أنه شيء عائق عن التحصيل.
وأدركنا شيوخنا ممن ليس لديهم من الكتب إلا الأصول المهمة في ثلاثة دواليب لا تزيد عن ثلاثمائة مجلد، أربعمائة مجلد، ومع ذلكم إذا فُتح أي مجلد وجد عليه أثر، أثر قراءة، وأثر في العلم وأثر في العمل، فليس جمع الكتب مما يمدح به الشخص إذا لم يكن ممن يستفيد من هذه الكتب، ويعمل بما علم، ولذا قال: "هل جامع الكتب إلا كجامع الذهب والفضة".
أثر هذه الكتب إذا دخلت في القلب، ولم يفد منها الفائدة المرضية، كأثر الذهب والفضة، يعني شخص من الأشخاص منهوم بالكتب، ومع ذلك قد تضيع عليه صلاة الجماعة بسبب الكتب، يعني عنده موعد مع شخص عنده كتب....... يبيع، ثم بعد ذلك يمتطي السيارة مع الأذان ليصلي عنده، فإذا وصل إليه فإذا الجماعة قد صلوا، وهذا كثير، لماذا؟ لأن الوسائل حلت محل الغايات عندنا، وقاصر النظر عن إدراك المطلوب، ولا أريد أن أطيل في مثل هذا؛ لأنها حقيقة مرة نعاني منها، ويعاني غيرنا منها، فالقصد القصد، ولا يعني هذا أن طالب العلم لا يشتري كتب، يشتري ما يحتاجه من الكتب، والكتب متوفرة وميسورة -ولله الحمد-، لكن إما أن يجمع كل كتاب وكل طبعة من كل كتاب! هذا لا شك أنه يعوق عن التحصيل.
ثم ذكر -رحمه الله- حديث أبي برزة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟)) وهذا هو الشاهد ((وعن علمه ماذا عمل به؟)) فهو سوف يسأل عن هذا العلم الذي نام عنه، وكتمه عن الناس، وسئل فلم يجب، ولم يبذله، وقد جاء في الخبر: ((ابن آدم علم مجاناً كما علمت مجاناً)) وكثيرٌ من أهل العلم يتورع عن بذله، وليس هذا بورع، نعم قد يكون بالنسبة لبعض الناس الذي لا يملك نفسه عن قول: لا أعلم، قد يكون عليه خطر، قد يسأل عما لا يحسن ولا يتقن، ثم بعد ذلك تصاب المقاتل، على الإنسان أن يبذل، ولكن لا يبذل إلا ما يعلم، ولا يتشبع بما لم يعطَ.
قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل".
ولا شك أن العمل هو الذي يثبت العلم، ولذا لو سألت شخصاً يبلغ من العمر خمسين سنة مثلاً، وسألته عن المناسك وقد حج في أول عمره، ما تجده يدرك من أحكام المناسك إلا الشيء اليسير، لكنه يدرك أحكام الصلاة، لا سيما إذا كان لديه أهلية، ومن أهل العلم من أخطأ في كثير من أحكام المناسك؛ لأنه لم يحج، ومنهم من حج بعد تأليفه في المناسك فأحرق ما ألفه؛ لأنه لم يعمل بهذا العلم، ثم لما عمل استنار له الطريق، واتضح له الحق.
وعن الحسن -رضي الله عنه- قال: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني"، يعني الإنسان يدعي ويتشبع ويتصنع لكن هذا لا يكفي "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال".
وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج، يضيء للناس ويحرق نفسه)) والحديث لا بأس به جيد.
((مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج، يضيء للناس ويحرق نفسه)) والنصوص في هذا كثيرة جداً.
ولو لم يكن إلا حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، وفيهم العالم الذي يعلم الناس، أفنى عمره في العلم والتعليم، ثم بعد ذلك في النهاية يكون من أول من تسعر بهم النار، وإنما يعلم ليقال: عالم، نسأل الله السلامة والعافية.
فالإخلاص لله -جل وعلا- في العلم أمرٌ لا بد منه، بل هو من أول شروطه، فالعلم من أمور الآخرة المحضة، التي لا تقبل التشريك، وإذا قلنا العلم فالمراد به العلم بالكتاب والسنة، وما يعين على فهم الكتاب والسنة.
مسألة الإكثار من العبادة:
المسألة التي يشار إليها قبل الدخول في الموضوع، مسألة الإكثار من التعبد، من أهل من قال: أنه بدعة، فمثلاً الصلاة لو تتبعنا مما نُص عليه من فعله -عليه الصلاة والسلام- غير الأدلة الإجمالية، وجدناه يصلي الفرائض سبع عشرة ركعة، والرواتب والوتر، فيكون المجموع أربعين، منهم من قال: من زاد على ذلك دخل في حيز الابتداع، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن النصوص العامة والخاصة من فعله -عليه الصلاة والسلام- تدل على خلاف ذلك، نعم من تعبد لله -جل وعلا- بما لم يشرعه مما لم يسبق له شرعية من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه مبتدع؛ لأن البدعة العمل الذي يتعبد به مما لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة، والبدع كلها ضلالة، وإذا اشتغل أحدٌ ببدعة، لا شك أنه على حساب سنة. فليحرص الإنسان على تحرير المقام، فلا يفرط بسنة، ولا يرتكب بدعة؛ لأن بعض الناس قد يقصر في هذا الباب علمه وفهمه، ويزيد حرصه، ثم بعد ذلك يدخل في حيز البدع وهو لا يشعر، ومر بنا ومر بغيرنا أننا قد نتذكر ما حفظناه من بعض الأذكار الصحيحة، فلا نذكر، وقد نذكر بعضها ونترك بعضها، فإذا تأملنا أننا زدنا في أذكار عن الحد المشروع مثلاً من الأذكار المحددة، قد يكون زدنا فيها، ثم بعد ذلك لم نوفق للأذكار الثابتة.
فعلى الإنسان أن يحرص أن لا يعمل عملاً إلا وعنده فيه أصل من الكتاب والسنة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قبل ذلك ما ثبت أصله في الكتاب والسنة كالصلاة والذكر والتلاوة والصيام والحج والإنفاق في سبيل الله، والجهاد والدعوة وغير ذلك، هذا كلها أصولها ثبتت في الكتاب والسنة، فالإكثار منها على الهيئة المشروعة في الأوقات التي جاءت من قبل الشارع، جاء عدم المنع منها ليس ببدعة، للأدلة العامة والخاصة التي تذكر، بل الممنوع من ذلك كما تقدم في حد البدعة ما لم يسبق له شرعية من كتاب أو سنة.
الاجتهاد في التعبد حسب الطاقة ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد قام -عليه الصلاة والسلام- في الليل حتى تفطرت قدماه، وصلى بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران بركعة واحدة، فماذا عن بقية الصلاة؟ ماذا عن الركوع والسجود؟ فإطالة الصلاة مطلوبة؛ لأنها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكثرة الركعات أيضاً مطلوبة؛ لأنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- الإطلاق ((صلاة الليل مثنى مثنى)) وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أجاب من سأله مرافقته في الجنة فقال: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وهذا يتطلب إكثار من الركعات، فالتطويل ثبت بفعله -عليه الصلاة والسلام-، والإكثار ثبت بقوله وحثه -صلى الله عليه وسلم-.(1/315)
ثم يأتي من يأتي ويقول: أن الإكثار من التعبد بدعة، ما عرف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قام ليلة كاملة، وهذا عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر شد المئزر وأحيا الليل، فهذا وارد على هذا الحديث، فإذا دخل التخصيص بمثل هذا النص، عموم خبر عائشة أضعفه، هذا مقرر عند أهل العلم, وما دام ثبت أنه أحيا الليالي العشر، عشر رمضان، يدل على أن إحياء الليل ليس ببدعة، وقد عرف عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين فمن دونهم ممن يأتي ذكره في الأمثلة -إن شاء الله تعالى- هذا بالنسبة للصلاة.
الصيام ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يصوم حتى يقال: لا يفطر، وثبت عنه أنه كان يفطر حتى يقال: أنه لا يصوم، وكان يصوم من الأشهر الحرم، يصوم في المحرم، ويصوم من شعبان أكثره، فلا يقال: أن مثل هذا العلم بدعة، مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفضل الصلاة صلاة داود، وأفضل الصيام صيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه)) بالنسبة للصيام يصوم يوماً ويفطر يوماً، ثم يأتي من يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- نجزم أنه ما صلى يوم وأفطر يوم؛ لأنه ثبت أنه كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم.
من كان وضعه في احتياج الناس إليه مثل حال الرسول -عليه الصلاة والسلام- يفاضل بين هذه العبادات، وأهل العلم يقررون أن العبادات المتعدية النفع مقدمة على العبادات الخاصة.
في مسلم عن عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يصوم العشر، وثبت من حديث بعض أزواجه أنه كان يصوم العشر، فعائشة تذكر من حاله الغالب أنه كان لا يصوم العشر؛ لأنه مشغول بحاجات الناس. وأيضاً ثبت في الحديث الصحيح: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خيرٌ وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) ثم بعد ذلك ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) فإذا ضممنا هذا الحديث إلى هذا الحديث، قلنا بمشروعية صيام العشر، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لا يصوم العشر أحياناً مثل ما قال: ((عمرةٌ في رمضان تعدل حجة)) ومع ذلك ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه اعتمر في رمضان، هل نقول: أن العمرة في رمضان ليست مشروعة؟ يكفينا قوله -عليه الصلاة والسلام-.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد يترك العمل رأفة بأمته، خشية أن يفرض عليهم، لو تظافر قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) مع فعله، ماذا يكون الواقع؟ الآن الناس يموتون، يعتمر في رمضان أكثر من ملونين شخص، يجتمعون في ليلة واحدة، لو تظافر فعله مع قوله كيف يكون العمل؟ لكن من الناس من يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في رمضان، والحمد لله لنا أعمال بدائل، نقول: يكفينا ما ثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام-.
لكن إذا عمل عملاً وندم عليه ولم يحثنا عليه، اقتدينا به في مثله، فلا نكلف أنفسنا في مثل هذا العمل، كدخول الكعبة مثلاً، ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حثنا على دخولها، لكنه دخلها، ومع ذلك ندم على ذلك؛ لئلا يشق على أمته.
فانظروا لما لم يتظافر القول مع العمل صار الأمر أقل، ولو تظافر القول مع العمل في عمرة رمضان لوجدنا الزحمة التي لا تطاق، فبعض الناس يتشبث بكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يعتمر في رمضان، ويتسلى بذلك.
تقول عائشة -رضي الله عنها-: "وأيكم يطيق ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيق؟!" بذله وتضحيته في الصلاة والصيام والدعوة والجهاد شيء لا يطاق، لكن تجد مثلاً بعض الناس يذكر عنه في التلاوة أشياء، يذكر عنه ما يتعجب منه في التلاوة، لماذا؟ لأنه صارت على حساب أعمال أخرى، وبعضهم يذكر عنه على ما سيأتي من ذكر الأمثلة من الصلاة ما لا يخطر على البال، وصار هذا على حساب عبادات أخرى، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يفاضل، ويوازن بين هذه العبادات، ووقته مشغول ومعمور بالطاعة، والتبليغ ودعوة الناس إلى الخير. تقول عائشة: "وأيكم يطيق ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيق؟!" ومحل ذلك كما قال ابن حجر: "ما لم يفضِ إلى الملل" لما جاء في الحديث الصحيح: ((أكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وأخرج البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: ((عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وجاء في الحديث الصحيح: ((أفضل الأعمال ما داوم عليها صاحبه)).
بعده -عليه الصلاة والسلام- وجد الاجتهاد في العبادة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم من غير نكير، فلا يمكن أن يوصف مثل هذا بالابتداع؛ لأنه عمل سلف هذه الأمة، وخير هذه الأمة، اقتداءً بنبيها -عليه الصلاة والسلام-، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: ((الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر)) فجاء الحث على الذكر والتلاوة في الكتاب والسنة، قال الله -جل وعلا-: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[(35) سورة الأحزاب] وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((سبق المفردون... الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) وجاء الترغيب بتلاوة القرآن، ففي كل حرفٍ من القرآن عشر حسنات، عبادات أجورها لا يمكن أن يحاط به، ممن لا تنفذ خزائنه، ومع ذلك لا تكلف شيئاً، والمحروم لا تنفعه مثل هذه النصوص، إلا أن الله -جل وعلا- قال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}[(45) سورة ق] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[(17) سورة القمر] ما هو كل الناس، ولذلك تجد بعض الناس يصعب عليه أن يفتح المصحف، وتجده حافظ ومع ذلك لا يقرأ، ولا شك أن هذا حرمان، وبكل حرف عشر حسنات، والختمة الواحدة بأكثر من ثلاثة ملايين حسنة، يعني الجزء الواحد الذي يقرأ بربع ساعة مائة ألف حسنة.
وهذا أمرٌ في غاية اليسر، مصداقاً لقول الله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[(17) سورة القمر] يعني: الإنسان إذا جلس بعد صلاة الصبح ينتظر الشمس إلى أن ترتفع بإمكانه أن يقرأ القرآن في سبع، وهو مرتاح، وهذا لا يعوقه عن شيء من أعماله، لكن هذا الأمر يحتاج إلى شيء من المجاهدة، ثم بعد ذلك التلذذ كغيره من العبادات، وإلا فالأصل أن هذه العبادات تكاليف، ومما حفت به الجنة، والجنة حفت بالمكاره، يعني خلاف ما تشتهيه النفوس، فإذا جاهد نفسه، وعلم الله -جل وعلا- منه صدق الرغبة والنية أعانه، حتى تلذذ بذلك، وأثر عن السلف أنهم كابدوا قيام الليل، وما أشق قيام الليل على من لم يعتاده، تجده مستعد يجلس في القيل والقال إلى قرب الفجر، ثم بعد ذلك صراع مع نفسه، هل يوتر بركعة أو يقول الوتر سنة؟ ولئلا يشبه بالفرائض نتركه أحياناً، هذا شيء مجرب، وما كُره السهر والحديث بعد صلاة العشاء إلا لهذا الأمر؛ لأنه يعوق عن ذكر الله وعن الصلاة؛ لأنه على حساب الذكر، فإذا صلى العشاء ونام نام على خير، والصلاة كفرت ذنوبه ((الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس كفارات لما بينهما ما لم تغش كبيرة)) نام على ذنوب مكفرة، ولذا كان ابن عمر إذا تحدث بعد صلاة العشاء صلى قبل أن ينام، لينام عن صلاة.(1/316)
هذا الحديث القيل والقال لا شك أنه يعوق صاحبه عن الذكر والتلاوة، ولذا نرى مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) بعض الناس يقول: الحج أربعة أيام، بالإمكان أن تضبط النفس ولا يتكلم بكلمة، لكن إذا كان قد عود نفسه على القيل والقال يستطيع أن يملك نفسه ثلاثة أيام؟ وبعض الناس يجاور في العشر الأواخر، ويجلس من صلاة العصر إلى صلاة المغرب في المسجد الحرام، فالمتوقع أنه ترك أهله وترك أمواله وجاور في هذه البقعة طلباً للثواب، والإكثار من العبادات، تجده يفتح المصحف إذا صلى العصر، ثم إذا قرأ صفحة أخذ يلتفت يميناً وشمالاً؛ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء يعرفه في الشدة، ثم بعد ذلك إن رأى أحداً ممن يعرفه وإلا أطبق المصحف ثم يؤنبه ضميره لماذا أنا جئت؟ يفتح المصحف مرة ثانية، ثم يقوم من مكانه يبحث عمن يبادله الحديث، وتجد بعض الناس نظره في الساعة خشية أن يؤذن المغرب قبل أن يتم حزبه، هذا تعود في حال الرخاء، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[(4) سورة الليل].
الذكر:
الذكر من أفضل العبادات، وذكر له ابن القيم فوائد عظيمة جداً في مقدمة الوابل الصيب، وهو لا يكلف شيئاً، سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، يعني هذه تقال بدقيقة ونصف، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، والمائة عشرة من ولد إسماعيل، مع ما فيها من حفظ ورفع درجات، وحط سيئات، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره مائة مرة بعشر دقائق.
والاستغفار شأنه عظيم، وجاء التنصيص عليه بالكتاب، وصحيح السنة، والإنسان تجده إما بالقيل والقال، أو بالسكوت، عرفنا أن هذا الشيء لا يكلف شيئاً، لكن على الإنسان أن يري الله -جل وعلا- من نفسه خيراً، ويعزم، ويترك أو يسد منافذ الشيطان إلى قلبه ليوفق لمثل هذه الأعمال.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) كثير من المصلين الآن يصلي خلف إمامٍ لا تزيد صلاته على خمس دقائق، ومع ذلك ينظر في الساعة في كل ركن من أركان الصلاة، ويراوح بين رجليه، وثبت من خلال التجربة -من أهل العلم والعلم- أن الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، فشخصٌ يناهز المائة، يصلي خلف شخصٍ قراءته عادية، يقرأ في كل تسليمة بجزء من القرآن، ويلوم الإمام لما استعجل في التسليمة الأخيرة، وشباب في العشرين والخمسة والعشرين والثلاثين ممن يطلب العلم، ويحرص على طلب العلم، تجده إذا صلى الإمام التسليمة من التراويح بعشر دقائق ضاق به ذرعاً، وبحث عن مسجدٍ آخر، والمساجد تمتلئ من طلاب العلم إذا كان الإمام لا يطيل القراءة، والله المستعان.
وقال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى هممت بأمرِ سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه" وهذا الحديث في الصحيحين.
ومرض -عليه الصلاة والسلام- ليلةً فلما أصبح قيل: يا رسول الله: "إن أثر الوجع عليك لبين، فقال: ((إني علا ما ترون -بحمد لله- قد قرأت السبع الطوال)) نحن إذا زكم الإنسان وأصيب برشح، أول ما يتبادر إلى ذهنه حديث أن الإنسان إذا مرض أو سافر يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً، من أجل أيش؟ ألا يصلي، ولا يقرأ، يمكن ولا يذكر الله -جل وعلا-.
وكان مع ذلك -عليه الصلاة والسلام- يخشع في صلاته ويبكي، فعن عبد الله بن الشخير -رضي الله تعالى عنه- قال: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" وربما قام ليلة بآية واحدة، فعند ابن خزيمة وابن ماجه بسند لا بأس به أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قام بآية حتى أصبح يرددها" قوله -جل وعلا-: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[(118) سورة المائدة].
الله -جل وعلا- أمر نبيه -عليه الصلاة والسلام- إذا فرغ أن ينصب {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[(7-8) سورة الشرح] قال ابن عباس: "فإذا فرغت من صلاتك فانصب" أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك، وقال ابن مسعود: "إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل" وقال الحسن وقتادة: "إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب لعبادة ربك" فهو مأمور بهذا، والنصب هو التعب، ولا يمكن النصب والتعب بأداء أربعين ركعة في اليوم والليلة، بل لا بد من المزيد على ذلك في الكم والكيف؛ ليتحقق النصب المأمور به.
عبادة الصحابة:
الصحابة -رضوان الله عليهم- اقتدوا بنبيهم وقدوتهم وأسوتهم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وعن بقية الصحابة، فقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- خير الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وفي سيرته من نصرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وبذله نفسه وماله في نصرته -عليه الصلاة والسلام- مما لا يحتاج إلى إطالة، إضافة إلى ما عرف عنه من كثرة الصلاة، وأنه كان -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كما في الحديث الصحيح رجلاً أسيفاً، إذا قرأ الآية تسمع قراءته من البكاء.
وذكر الحافظ ابن كثير عن ليل عمر -رضي الله عنه- أنه كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر.
ولا يقال إن عمر -رضي الله تعالى عنه- في هذه الحالة مخالف لما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يكره الحديث بعدها؛ لأنه جاءه سائل فقال له ذلك الحديث، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكره النوم قبلها -أي صلاة العشاء- والحديث بعدها، قال: "إني سائلك عن شيء من العلم" قال: اجلس، فجلس حتى أصبح، فمثل هذا لا يعارض ذلك الحديث. فالمقصود به -الحديث بعدها- الذي يعوق عن الصلة بالله -جل وعلا-، أما ما يعين ويوثق هذه الصلة فهو مطلوب، فقد سهر النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض الليالي للنفع والصلاة وغيرهما.
وقد ترجم الإمام البخاري وغيره -رحمة الله على الجميع- (باب السمر في العلم) وذكروا أمثلة من ذلك. وقال -رضي الله تعالى عنه - يعني عمر- لمعاوية بن خديج: "لأن نمت بالنهار لأضيعن الرعية، ولئن نمت بالليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟!".
الإشكال أن هذه الحقائق قد تخفى على بعض طلاب العلم كيف؟ يأتي طالب علم دافعه الحرص على التعلم إلى شيخ، فيجده في المسجد يقرأ القرآن بعد الصلاة، ثم يقول له: أنا أريد أن أقرأ عليك الكتاب الفلاني، فيقول: يا أخي أنا مشغول، ما أستطيع، ثم يذهب يتحدث في المجالس، الشيخ يقول: أنا مشغول، وهو جالس يقرأ قرآن، خلل في التصور يا أخي، إذا نسي نفسه كيف ينفع الناس؟! لا بد أن يتخذ ويقتطع من عمره ومن جهده ما يعينه على نفع الناس، فهذا عمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: "لئن نمت بالليل لأضيعن نفسي، فيكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟!".
ثبت عن عثمان -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ القرآن في ركعة، وأقل ما يتصور في الختمة الواحدة ست ساعات، أقل ما يتصور في الختمة كاملة ست ساعات، ومع ذلكم عرف من حالهم -أعني سلف هذه الأمة- أنهم إذا قرؤوا تأثروا، فإذا تأثروا بالليل يعادون بالنهار.(1/317)
أقول: عرف من سلف هذه الأمة عن أكثر من واحد منهم أنهم إذا قرؤوا تأثروا، فإذا تأثروا يعادون من الغد، يعادون، يزارون، مرضى، ونحن نسمع من يبكي في قراءة القرآن، وهو موجود -ولله الحمد- في هذه الأمة، لكن ما الأثر بعد هذه القراءة؟ تجده يبكي في أول الآية، ثم في آخرها الصوت لم يعتدل بعد، ثم في الآية التي تليها كأنه الآن دخل في الصلاة، فأين التأثر؟!.
القلوب غطاها الران وغطتها المكاسب، وغطاها التخليط في المآكل، الشبهات لم يتورع عنها كثير من طلاب العلم فضلاً عن المباحات التي كان سلف هذه الأمة يتورعون عنها ويتركونها خشية أن تجرهم إلى الحرام.
ذُكر عن علي -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، لكن شيخ الإسلام بن تيمية في منهاج السنة يقول: الوقت لا يستوعب.
يعني لو افترضنا ألف ركعة، كل ركعة بدقيقة، يعني تصور أن تصلى ركعة مجزئة بدقيقة، ألف ركعة كل ركعة بدقيقة تحتاج إلى ألف دقيقة، ألف دقيقة كم هي ساعة؟ العشرة الساعات ستمائة دقيقة، وتسعمائة، خمسة عشر ساعة، والمائة تحتاج إلى ساعة ونصف، يعني ستة عشر ونصف ساعة صلاة، فقط صلاة. شيخ الإسلام يقول: الوقت لا يستوعب.
وابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين ذكر عن بعضهم أنه يصلى أربعمائة ركعة، فعلق المعلق -الشيخ حامد الفقيه - رحمه الله- فقال: إذا اعتبرنا أن كل ركعة بدقيقتين فالوقت لا يستوعب، لكن صلاة ركعة بدقيقة تحصل به الصلاة المجزئة.
ولهذا ثبت عن الإمام أحمد أنه كان يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، والحافظ عبد الغني كما سيأتي في ذكره -إن شاء الله تعالى- يصلي ما بين طلوع الشمس وارتفاع وقت النهي إلى الزوال ثلاثمائة ركعة، لكنه يقتصر في قراءته على الفاتحة والمعوذتين، والله المستعان.
في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)) قال سالم ابنه: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً، مبادرة في الامتثال، لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يا عبد الله، كن كأنك غريب، أو عابر سبيل)) فكان عبد الله يقول: إذا أصبحت لا تنتظر المساء، وإذا أمسيت لا تنتظر الصباح.
بنى بيته بأسبوع بيده، بأسبوع، فكم تبنى البيوت الآن؟ بيوت سوقة الناس، وأقلهم شأناً يحتاجون إلى أقل تقدير سنة، ثم بعد ذلك انظر ما تحملوه من الديون التي جاء الوعيد بشأنها، والشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، وابن عمر يبني بيته في أسبوع بيده؟!.
الناس إلى عهد قريب قبل انفتاح الدنيا إذا خرج صاحب الحاجة من بناء بيت أو شبهه من المسجد وقف عند الباب وقال: أعان الله من يعين، وساعدوه، الآن من يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام؟ والله المستعان.
حال السلف في العبادة:
وعن أبي عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل أثلاثاً، يصلي هذا ثم يوقظ هذا.
وقال ابن المبارك: ما بلغني عن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من العبادة ما بلغني عن تميمٍ الداري.
وعن عثمان بن طلحة قال: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة، شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة.
وعن الربيع بن خثيم قال: أتيت أويساً القرني -هذا سيد التابعين، وجاء مدحه في صحيح مسلم، وعمر طلب منه أن يدعو له بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: فوجدته قد صلى الصبح، وقعد فقلت: لا أشغله عن التسبيح، فلما كان وقت الصلاة قام فصلى إلى الظهر، فلما صلى الظهر صلى إلى العصر، فلما صلى العصر جلس يذكر الله إلى المغرب، فلما صلى المغرب صلى إلى العشاء، ثم نعس بعد صلاة العشاء أخذته عينه فلما انتبه، يقول: سمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من عينٍ نوامة، وبطنٍ لا تشبع، ذكر ذلك الشاطبي في الاعتصام.
وعن ابن المسيب قال: ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة، مبادرة إلى الفرائض، والفرائض أولى بالاهتمام من النوافل، وإذا اهتم بالفرائض وفق للنوافل، وإذا فرط في الفرائض كيف يوفق للنوافل؟! قال: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت في قفا رجلٍ في الصلاة منذ خمسين سنة، ذكر ذلك الذهبي في السير.
وعن عثمان بن حكيم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. وثبت عن بعضهم أنه قال: أن الذي لا يأتي إلى الصلاة حتى يدعى إليها إنه لرجل سوء.
وقال سعيد بن جبير: لقيني مسروق فقال: يا سعيد ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا بالتراب، وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى.
وعن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: كان مسروق يرخي الستر بينه وبين أهله، ويقبل على صلاته ويخليهم ودنياهم، ذكر ذلك أبو نعيم في الحلية.
وعن شرحبيل أن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني -عبد الله بن ثُوب- فلم يجداه في منزله، فأتيا المسجد فوجداه يركع، فانتظراه فأحصى أحدهم أنه ركعة ثلاثمائة ركعة.
وقال أبو الأحوص: قال لنا أبو إسحاق السبيعي: يا معشر الشباب اغتنموا -يعني قوتكم وشبابكم- قلما مرت بي ليلة إلا واقرأ فيها ألف آية، وإني لأقرأ البقرة في ركعة.
ألف آية تكون: في جزء، ألف آية تكون: أقل من جزء، يعني إذا قلنا: القرآن ستة آلاف، إذا قسمناها على الثلاثين كم يكون في الجزء؟...... إذا قلنا: ثلاثين؟.. لا أقل... لعلها تكون خمسة أجزاء أو أربعة أجزاء، يعني ورد خاص، قال: ما مرت بي ليلة إلا واقرأ فيها ألف ليلة، وإني لأقرأ البقرة بركعة، وإني لأصوم الأشهر الحرم وثلاثة أيام من كل شهر والاثنين والخميس.
المقصود أنه من أهل العلم إضافة إلى العلم، أبو إسحاق السبيعي من كبار المحدثين، من الرواة الحفاظ، ومع ذلك لم يشغله ذلك عن العمل، ويخبر الشباب بهذا، وليس هذا من إظهار العمل الذي يقلل الأجر، وإنما هو من أجل الاقتداء، فإذا غلب على الظن أنه يقتدى به كان الأثر المترتب على إظهاره أكثر من الأثر المترتب على إخفاءه، قال: ذهبت الصلاة مني وضعفت، وإني لأصلي فما اقرأ وأنا قائم إلا بالبقرة وآل عمران.
وقال حماد بن سلمة: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله -عز وجل- فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعة صلاة وجدناه يصلي، وإن لم تكن في ساعة صلاة وجدناه إما يتوضأ أو عائداً مريضاً أو مشيعاً جنازة أو قاعداً في المسجد، قال: فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله -عز وجل-.
وقال معتمر بن سليمان التيمي لمحمد بن عبد الأعلى: لولا أنك من أهلي ما حدثتك عن أبي بهذا، مكث أبي أربعين سنة يصوم ويفطر يوماً، ويصلي الصبح بوضوء العشاء، وربما أحدث الوضوء من غير نوم.
وقال يحيى ابن المغيرة: زعم جريرٌ أن سليمان التيمي لم تمر ساعة إلا تصدق بشيء، فإن لم يكن صلى ركعتين.
وأما ما يروى عن أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري فكثيرٌ جداً، فعن معمر بن إسماعيل قال: قام سليمان بمكة سنة فما فتر من العبادة سوى من بعد العصر إلى المغرب، وكان يجلس مع أصحاب الحديث وذلك عبادة.(1/318)
وعن ابن مهدي قال: كنت لا أستطيع سماع قراءة الثوري من كثرة بكاءه، وقال ابن مهدي: ما عاشرت في الناس رجلاً آسف من الثوري. وقال الفريابي: كان سفيان يصلي ثم يلتفت إلى الشباب فيقول: إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟. وقال الأوزاعي -رحمه الله-: من أطال قيام الليل هون الله عليه وقوف يوم القيامة. وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أكثر اجتهاداً في العبادة من الأوزاعي. وقال أبو مسهر عنه: كان يحيي الليل صلاة وقرآناً وبكاءً. قال حدثني بعض إخواني من أهل بيروت أن أمه كانت تدخل -يعني أم هذا الأخ- كانت تدخل منزل الأوزاعي، وتتفقد موضع الصلاة، صلاة الإمام الأوزاعي، فتجده رطباً من دموع في الليل. ودخلت امرأة لها صلة بزوج الأوزاعي فنظرت فوجدت بللاً في مسجده في موضع سجوده، فقالت لها: ثكلتك أمك، أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ، فقالت لها: ويحك، هذا يصبح كل ليلة من أثر دموع الشيخ في سجوده.
وعن عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة أنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً. قال الحافظ الذهبي: كانت أوقاته -يعني حماد بن سلمة- معمورة بالتعبد والأوراد. وقال موسى بن إسماعيل: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً، لصدقت، كان مشغولاً إما أن يحدث أو يقرأ أو يسبح أو يصلي، قد قسم النهار على ذلك. مات حماد بن سلمة في الصلاة في المسجد.
لكن لا شك أن التبسم حصل منه -عليه الصلاة والسلام-، وحصل -وهو نادر- أن ضحك -عليه الصلاة والسلام- حتى بدت نواجذه، لا شك أن هذا من شدة التحري؛ لأن بعض الناس لا يستطيع أن يوازن في مثل هذه المضايق؛ لأن بعض الناس لو ضحك استمر، وبعض الناس لو غفل ذهل، فهو يحزم نفسه على هذا لئلا يسترسل، بعض المضايق لا يستطيعها كثيرٌ من الناس، فمثلاً: مزاولة الأسباب مع قوة التوكل، هذا صعب جداً، يعني يذهب الإنسان إلى الطبيب، ثم بعد ذلك يحصل من التوكل على مثل ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- بعيد، فإما أن يحسم المادة ويترك التطبب، أو يحصل في قلبه ما يحصل، بعض الناس لا يستوعب، كيف يموت أعز الناس عليه ولا يجد في نفسه شيء؟! كيف تدمع عيونه ويبكي ويحزن، ومع ذلك لا يحصل في نفسه شيء من الاعتراض على القدر؟ كما كان من حاله -عليه الصلاة والسلام-؟. تضيق الأنظار في مثل هذه المواقف، حتى إن بعضهم لما مات ولده ضحك، ما استطاع أن يستوعب، فهذا حماد ما رؤي ضاحكاً، والله المستعان.
وقال يحيى بن أيوب: حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا يلزمونه أن وكيعاً كان لا ينام حتى يقرأ جزأه من كل ليلة ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل ثم يجلس، فيأخذ بالاستغفار حتى يطلع الفجر. وقال عبد الله بن أحمد: كان أبي -رحمه الله- يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض بسبب الجلد، حينما ثبت في المحنة كان يصلي كل يومٍ وليلة مائة وخمسين ركعة، وهذا ذكره أكثر من ترجم له. وقال إبراهيم بن هانئ النيسابوري: وكان -يعني الإمام أحمد- رأساً في العبادة وعلو الهمة، كان أبو عبد الله حيث توارى من السلطان عندي. وذكر من اجتهاده في العبادة أمراً عجباً قال: وكنت لا أقوى معه على العبادة، وأفطر يوماً واحداً واحتجم.
وقال أحمد بن سلامة النيسابوري الحافظ: كان هناد بن السري -رحمه الله- كثير البكاء، فرغ يوماً من القراءة لنا، يعني يقرئهم الحديث، توضأ فجاء إلى المسجد فصلى إلى الزوال، وأنا معه في المسجد، ثم رجع إلى مسجده فتوضأ وجاء فصلى من الظهر، وأخذ يقرأ في المصحف حتى صلى المغرب، قال فقلت: لبعض جيرانه ما أصبره على العبادة، فقال: هذه عبادته بالنهار منذ سبعين سنة، فكيف لو رأيت عبادته بالليل؟.
وكان محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله تعالى- يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح في كل ثلاثة ليالٍ بختمة. وقال بكر بن منير: كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى الصلاة قال: انظروا أيش آذاني؟ وفي رواية وقد تورم جسده، فقيل له: لما لم تخرج من صلاتك؟ قال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها.
وكان بقي بن مخلد الإمام الحافظ المعروف صاحب المسند الكبير يختم القرآن كل ليلة في ثلاثة عشرة ركعة، وكان يصلي بالنهار مائة ركعة، ويصوم الدهر، وكان كثير الجهاد فاضلاً.
على كل حال صوم الدهر معروف حكمه عند أهل العلم، وجاء في الحديث الصحيح: ((لا صام من صام الأبد)) وجاء أن صيام الدهر مفضول، وأن أفضل الصيام صيام داود، لكن بعض الناس إذا فتح له باب من باب العبادة استرسل فيه ونسي نفسه، ونسي ما جاء فيه من نصوص.
وكان الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي لا يضيع شيء من زمانه بلا فائدة، فإنه كان يصلي الفجر ويلقن القرآن، وربما أقرأ شيئاً من الحديث، ثم يقوم فيتوضأ فيصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين، كما سبق الإشارة إليه إلى قبل الظهر، وينام نومةً، فيصلي الظهر، ويشتغل إما بالتسميع -تسميع الحديث- أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائماً أفطر وإلا صلى من المغرب إلى العشاء، ويصلي العشاء وينام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنساناً يوقظه فيصلي، ثم يتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، فهذا دأبه.
وقال موفق الدين بن قدامة: كان الحافظ عبد الغني جامعاً للعلم والعمل، كان رفيقي في الصبا وفي طلب العلم، وما كنا نستبق إلى خيرٍ إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم، وابن قدامة ذكر في ترجمته من العبادة الشيء الكثير، فما ترك قيام الليل من شبابه إلى أن مات، فإذا رافق ناساً في السفر ناموا وحرسهم يصلي. ومع ذلك ترك هذا الأثر الكبير في العلم، يعني قد يقول قائل: كيف يؤلف المغني وهو يصلي بالليل والنهار؟! ولا يدري أن هذا خيرٌ معين للتأليف والعلم والتعليم. وقال الحافظ الذهبي في السير: كان قدوة صالحاً عباداً قانتاً لله ربانياً، خاشعاً مخلصاً عديم النظير، كبير القدر، كثير الأوراد والذكر والمروءة والفتوة والصفات الحميدة، قل أن ترى العيون مثله، وكان يكثر الصيام، ويتلو كل ليلة سُبعاً مرتلاً في الصلاة.
وأما ما ذكر عن شيخ الإسلام بن تيمية -نختصر باعتبار أن الوقت قرب- من العلم والعمل فشيء يشبه المستحيل، فمع كثرة مؤلفاته ذكر من عبادته وتهجده وأذكاره وصيامه وجهاده، ويقرر في ذلك أن هذا هو السبب في إعانته على العلم، وكان مع ذلك مجبولاً على الكرم، وما شد على دينار ولا درهمٍ قط، بل كان مهما قدر على شيء من ذلك يجود به كله، وكان لا يرد من يسأله شيئاً يقدر عليه من دراهم ولا دنانير ولا ثياب ولا كتب، حتى الكتب يعطيها.
وقال ابن رجب في ذيل الطبقات عن الإمام المحقق ابن القيم -رحمه الله تعالى-: وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمراً يتعجب منه.
وقال ابن القيم في مقدمة مفتاح دار السعادة الذي ألفه بمكة، وكان هذا من بعض التحف التي فتح الله بها عليّ حين انقطاعي إليه عند بيته، وإلقاء نفسي ببابه مستكيناً ذليلاً... إلى أن قال: فما خاب من أنزل إليه حوائجه وعلق به آماله، وأصبح ببابه مقيماً، وبحماه نزيلاً.(1/319)
وهكذا يستمر العلماء المحققون على هذا المنهج، وهو الجمع بين العلم والعمل، فمن قرأ سيرة الشيخ محمد الإمام المجدد -رحمه الله- محمد بن عبد الوهاب رأى العجب، فيتعجب من هذه الأعمال الخاصة من صلاة وتلاوة وذكر مع ما قام به من جهاد بالسنان واللسان، وكذلك أبناءه وأحفاده وتلاميذهم إلى عصرنا.
وهذه البلاد أيضاً لها القدح المعلى من هذا النوع من أهل العلم والعمل، فمن أدرك الشيخ عمر بن سليم -رحمه الله- والعبادي والمفدى والخريصي والمطوع -رحمهم الله- جميعاً وأضرابهم وأمثالهم فهؤلاء يضرب بهم المثل في العبادة.
يعني لا يقال: أن هذا شيء غير مقدور عليه، هذا خاص بسلف هذه الأمة، فهناك أمثلة، وهذا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- مضرب المثل في التضحية، حيث بذل جميع وقته للدعوة والتعليم، وقضاء الحاجات، وحدثتنا زوجته أنه في ليلةٍ من الليالي جاء من المستشفى، ولاحظت عليه آثار التعب، فضبطت الساعة بعد عادته في القيام بساعة رأفةً به، فانتبه على العادة، وسألها لمَ لم يشتغل منبه الساعة، فأخبرته فلامها على ذلك، وأخبرته أنها فعلت ذلك من أجل راحته، فقال -رحمه الله-: الراحة في الجنة، وكان معدل نومه لا يزيد في اليوم والليلة لا يزيد على أربع ساعات.
ومن شيوخنا الأحياء الآن الموجودين من يزاول العمل الوظيفي، ويؤدي العمل من أوله إلى آخره بمقدار ست ساعات في اليوم، ومع ذلك يكون لديه الدروس اليومية، وقته معمور، وتجده يحرص على الصلاة على الجنائز، ويتردد على المساجد التي يصلى فيها على الجنائز، والآن خرج من الدوام، فيصلي على الجنازة ويتبعها، والمغرب عنده درس، وفي الليل قيام، فهذا ليس بالمستحيل، لكن الموفق من وفقه الله، فعلى كل حال نقتصر على هذا؛ لأن الوقت يزاحمنا، فالذي يُريَ الله -جل وعلا- من نفسه خيراً يعينه، وأكرر ما ذكرته في البداية أن هذا الموضوع لو أسند لشخص يحكي واقعه في العلم والعمل لكان أنفع؛ لأن القول الكلام الذي ينبع من القلب ويصدقه العمل هو المقبول، أما يسند إلى شخص لم يعرف بشيء من هذا، فهذا لا شك أنه حسن ظن من الإخوان، ولا نقول إلا خيراً، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسئلة:
هذا يقول: كيف يبلِّغ الإنسان علمه وهو غير مؤهل كتدريس الحلقات أو عقد الدروس، وما قولكم فيمن يقول: أنا لا أحفظ القرآن خوفاً أن يكون حجة عليَّ؟
أولاً: كونه يقدم على التعليم قبل أن يتأهل هذا لا شك أنه استعجال للثمرة، فعليه أن يتأهل قبل ذلك، ثم بعد ذلك إذا تأهل ودعت الحاجة إلى أن يعلم عليه أن يبادر بالتعليم فهذه زكاة العلم.
أما كونه لا يحفظ القرآن خشية أن يكون حجة عليه فلا شك أن هذا من تلبيس الشيطان، فعليك أن تحفظ القرآن وأن تجاهد نفسك، وأن تخلص عملك لله -جل وعلا-، وهذا سؤال يرد كثير من الطلاب في الدراسة النظامية، في الكليات الشرعية، كثيرٌ منهم من يقول: أنا دخلت الكلية الشرعية، ونصب عيني التخرج والشهادة وبناء الأسرة، وظروف الحياة، ولا شك أن هذا يخدش في الإخلاص، نقول: نعم يخدش في الإخلاص، فيقول: هل الحل أن أترك الدراسة؟ نقول: لا، ليس الحل أن تترك الدراسة، الحل أن تجاهد نفسك بالإخلاص، وإذا علم الله -جل وعلا- منك صدق النية أعانك.
يقول: كيف نكثر من العبادة والعلم والدعوة وزماننا مليءٌ بالشواغل، كحق الوالدين، والأسرة، والانشغال بالأجهزة الحديث، كالحاسب والجوال ونحوهما، مع انفتاح المنكرات فكيف نقاومها؟ ونعطي كل ذي حقٍِ حقه، وننتفع من الأجهزة، ونكثر من العلم والعبادة والدعوة مع قصر العمر؟
أقول: مثل هذه الأعذار لم تعق من كان قبلك، أنت عندك صوارف صحيح وجدت في هذا الزمن، لكن أنت بهذه الوسائل تدرك ما أدركه من سبقك من العلم بمراحل، بسبب هذه الوسائل، بإمكانك أن تركب السيارة وتصل إلى المسجد بخمس دقائق، لكن من تقدم الذين ليست عندهم هذه الشواغل يحتاج إلى ساعة إلى أن يصل إلى المسجد الذي فيه درس.
أيضاً هذه الآلات التي تعتذر بها هي خير معين لك على التحصيل، ما الذي يمنعك إذا تعارض درس مع آخر أن تقتني من الأشرطة التي شرحت فيها الكتب من أهل العلم الموثوقين، وتنظر في المتن تحفظ من المتن وتسمع الشرح وتعلق عليه، هذا درس، وهذا لم يكن موجود بالنسبة لمن تقدم، لا شك أنه موجود الصوارف موجودة، والشواغل كثيرة، ومع ذلك المعين والميسر موجود، لكن ابذل من نفسك تجد -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هل يجوز السهر على قراءة الكتب مع ذكر دليل ذلك؟
ترجم أهل العلم ومنهم الإمام البخاري، وذكرنا هذا سابقاً (باب السمر في العلم) وذكر ما يدل على ذلك، وأخبار السلف كثيرة في هذا، فمنهم من يجزئ الليل إلى ثلاثة أجزاء، ينام ثلث، وينظر في العلم ثلث، ثم يصلي ثلث، ومُدح بهذا، ولا يتعارض بهذا أبداً مع حديث: (كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها) والنبي -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة العشاء تحدث مع أهله ساعة، فالمسألة موازنة بين المصالح والمفاسد، ولا شك أن النوم أفضل من السهر على المباحات، فضلاً عن السهر مع التخليط، فضلاً عن السهر مع المحرمات، نسأل الله السلامة والعافية.
يكثر السؤال عما جاء ذكره من حال السلف أنهم كانوا يقرؤون القرآن كل يوم، وهذا مستفيض عنهم.
قراءة القرآن عند الماهر، ومع ذلك بإمكانه أن يتدبر، وقد رأينا من يقرأ القرآن كل يوم مع أن الدموع تنهمر من عينيه، فليس بالمستحيل، وليس بصعب، وهو موجود إلى الآن، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) مثل هذا الكلام منه -عليه الصلاة والسلام- إنما هو علاج للمندفع، المندفع يعالج بمثل هذا الكلام، ابن عمرو أراد أن يقرأ القرآن ليل نهار، ويترتب على هذا تضييع بعض الحقوق، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحد منه هذا الاندفاع، فقال له: ((اقرأ القرآن في شهر)) فقال: نطيق أكثر من ذلك، فقال: ((اقرأه في عشرين ليلة)) فقال: إني أطيقه أكثر من ذلك، فقال: ((اقرأه مرتين في الشهر)) فقال: أطيق أكثر من ذلك، ((في عشر)) يطيق أكثر من ذلك، قال: ((اقرأ القرآن في سبعٍ ولا تزد)) فإذا كان النهي للرفق بالمنهي، إذا كان النهي من أجل الرفق بالمنهي فتنظر بالنسبة لغيره النصوص الأخرى، ففي كل حرف من القرآن عشر حسنات، وجاء في الحديث عند أبي داود وغيره أنه: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث، والعلماء يقررون أن القراءة بأقل من ثلاث ممكنة وقد يفقه، لكن هذا بالنسبة لمن لديه أعمال أخرى، وانشغال بأمور دنياه، فمثل هذا لا يفقه، لكن لو قال لنا شخص: أنا أقرأ خمسة بعد صلاة الصبح، وخمسة بعد صلاة الظهر، وخمسة أجزاء بعد صلاة العصر، وأستطيع أن أقرأ القرآن في يومين، هل نقول لك: إنك لا تفقه، لا تقرأ بعد صلاة الظهر؛ لأجل أن تفقه، هل لهذا المنع من القراءة في وقتٍ من هذه الأوقات أثر على الفقه؟ لكن غالب الناس إذا قرأ عشرة في اليوم لا يفقه، فهو محمول على الغالب، ومنهم من يرى كابن رجب وغيره أن هذا في الأوقات العادية، أما في الأوقات الفاضلة فتغتنم هذه الأوقات، ولا مانع أن يختم القرآن في رمضان في كل ليلة.(1/320)
وذكر العلماء -وهذا لا بد من التنبيه عليه- أن منهم من يختم بالنهار وبالليل ختمة، ومنهم من يختم ختمتين بالليل، وذكر الحافظ ابن كثير والنووي عن ابن الكاتب الصوفي أنه كان يختم أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار، وهذا ليس بالمقدور، والوقت لا يستوعب، وذكر القسطلاني عن شخصٍ أنه كان يقرأ القرآن في أسبوع، قلنا أسبوع ممكن، ثم قال: وقيل في شوط، وعرفنا أن الأسبوع الطواف بالبيت سبعاً، وهذا لا يمكن، ولا شك أن هذا من تلبيس الشيطان على بعض الناس، يريه أنه قرأ وهو في الحقيقة لم يقرأ، والقراءة التي تترتب عليها آثارها لا شك أنها إذا كانت على الوجه المأمور به، بالتلاوة والتدبر، وبنية الانتفاع من القرآن.
شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: "وقراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب من العلم والعمل والإيمان والطمأنينة والراحة ما لا يدركه إلا من جرَّب". ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول:
فتدبر القرآن إن رمتَ الهدى
...
...
فالعلم تحت تدبر القرآنِ
وأما قراءة الهذّ من غير ترتيل ولا تدبر لا شك أن أثرها في النفس ضعيفة، لكنها إذا أخرجت الحروف من مخارجها، ونطق بها الإنسان نطقاً كاملاً لا شك أن أثرها في تحصيل الحسنات المرتبة على مجرد القراءة يثبت -إن شاء الله تعالى-، بكل حرف عشر حسنات.
وجاء عن الدارمي وأحمد بإسناد جيد: ((أن قارئ القرآن يقال له: اقرأ، وارتق في درج الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا هذّاً كان أو ترتيلاً)) لكن العلم والإيمان الذي تورثه القراءة لا تكون مع هذا الهذّ، والمسألة على التعود، إذا تعود الإنسان أن يقرأ بهذّ لا يستطيع أن يتريث، بل يكون نظره إلى آخر السورة.
وعلى كل حال علينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا-، ففيه العلوم كلها، وفيه الخير كله، ومن قام يقرأه كأنما يخاطب الرحمن مباشرة؛ لأنه كلامه.
هو الكتاب الذي من قام يقرأه
...
...
كأنما خاطب الرحمن بالكلم
بعض الناس إذا انتهى من دوامه وارتاح بعد العصر، بعد المغرب للجرائد والمجلات، وبعد العشاء للمساهير، وليس لكتاب الله -جل وعلا- منه نصيب.
مع الأسف بعض طلاب العلم لا يعرف القرآن إلا أن تقدم قبل الصلاة بدقائق، يفتح المصحف وإلا فلا يعرفه، وهذا خلل، يعني إذا لم نعنَ بكتاب الله فكيف نعنى بكلام البشر؟ هو الغاية، والسنة مفسرة للقرآن، فكيف نترك الغاية ونشتغل بالوسائل؟ والسنة كما جاء: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[(3-4) سورة النجم] فالسنة أيضاً غاية، فعلينا أن نعنى بالأصلين بالوحيين، وما يعين على فهمهما، بحيث إذا تعارض النظر في غيرهما مع النظر مع غيرهما قدم النظر فيهما إلا إذا قدمنا الوسائل على المقاصد لفهم المقاصد، وأما إذا عرفنا الوسائل فيكون اهتمامنا منصباً على هذه الغايات، والله أعلم.
,صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
==============
اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة
عن عائشة رصي الله عنها قالت: "دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصره فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى، ثلاثاً، ثم قضى". [أخرجه البخاري].
إنّ المُوفَّق لا يُفرِّطُ بشيءٍ من السُّنن حتى في أحلك الظُّرُوف والأحوال.
وكثيرٌ من النَّاس تُشاهِدُونهُ في الأوقات التِّي تضيق بالنِّسبة لهُ يُهدر كثيراً من الواجبات فضلاً عن السُّنن، فهو يتخفَّف من الواجبات لأدْنَى سبب، ويعْذُر نفسهُ بأدْنَى عُذْر بتخلفه عن الواجبات، فمثلاً: يترك الصَّلاة مع الجماعة لأدْنى عُذر، كأن يُصاب بزُكام، أو وعكة خفيفة، فيترك الصَّلاة، أو يُؤخِّرها حتى يخرج وقتُها، ويتخفَّف متعللاً بقوله: الله غفورٌ رحيم!.
نعم الله غفورٌ رحيم، ورحمتُه سبحانه وتعالى وسعت كُلَّ شيء.
يقول سبحانه: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ). [سورة الأعراف، الآية: 156].
لكن السؤال: لمن سيكتبها؟!.
هل سيكتبها للمُفرِّطين للذِّين يُزاولُون المُنكرات، ويعتمدُون على سعة رحمة الله؟!.
الجواب: لا، فهو سبحانه أخبر عن نفسه أنّه غفورُ رحيم، وأخبر عن نفسِهِ أيضاً أنه شديدُ العقاب، يقول سبحانه: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). [سورة البقرة، الآية: 196].
والله سبحانه وتعالى يغار، ولذا حُدَّت الحُدُود، فكيف يزني الزَّاني ويقول: الله غفورٌ رحيم؟! وكيف يسرق السَّارق ويقول: الله غفورٌ رحيم، وأن ورحمة الله - جل وعلا - لا تُحد، فقد وسِعت كل شيء؟!.
نعم، إن مع هذا الوعد هناك وعيد، وعلى المُسلم أنْ ينظر إلى النُّصُوص مُجتمعة، فلا ينظر إلى الوعيد فقط فيُصاب باليأس والقُنُوط، ويسلك مسالك الخوارج، وعليه أيضاً ألا ينظر إلى نُصُوص الوعد مُعرضاً عن نُصُوص الوعيد فيسلك مسلك الإرجاء، وينسلخ من الدِّين وهو لا يشعر.
فعلى الإنسان أنْ يتوسَّط في أُمُورِهِ كما هو مذهب أهل الحق مذهب؛ أهل السُّنة والجماعة.
إذاً النبي - عليه الصلاة والسلام- ما فرَّط في هذه السنة رغم ما يُكابِدُهُ من آلام وأوجاع، ومن عرف الله، وتعرَّف على الله في الرَّخاء، عرفهُ في الشِّدَّة.
من أراد أنْ ينظر الشَّواهد الحيَّة على ذلك على ذلك فليزر المرضى في المُستشفيات، لاسيَّما من كانت أمراضُهُم شديدة مُقلِقة؛ بل ينظر إلى أماكن العِناية، وينظر الفُرُوق.
دخلنا المُستشفى مرَّةً، فإذا بشخص عمُره أكثر من ثمانين، وهو في آخر لحظاتِ حياتِهِ، وعلى لسانِهِ اللَّعن والسَّب والشَّتم، ويلعن باللعن بالصَّريح، لا يفترُ عن ذلك!.
وخرجنا من عندهُ وهو على هذه الحال؛ لأنَّهُ عاش أيَّام الرَّخاء على هذه الحال.
وشخصٌ، بل أشخاص بغرف العناية، لا يعرف الزَّائِرين من حوله، ويُسْمع القرآن منهُ ظاهراً، يُرتِّل القرآن ترتيلاً، وهو لا يشعر بمن حوله، لأنه مُغمىً عليه!.
وكم من شخص في حال إغماء، فإذا جاء وقتُ الأذان أذَّن أذاناً واضحاً وظاهراً يُسْمَع منهُ؟!.
وكم من شخص يُلازم الذِّكر وهو يرقد بالعناية المركّزة، وتُرى علاماتُ الذِّكر على وجهِهِ.
قدِّم تجِد، وتعرَّف على الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة.
أما لأدنى سبب تعذر نفسك وتترك الواجبات فضلاً عن المُستحبَّات، ففي النِّهاية لن تُعان.
كثير من طُلاَّب العلم - مع الأسف الشَّديد - ليس لهم نصيب كما ينبغي من كتاب الله -عز وجل- ، فإذا ذهب إلى الأماكن الفاضلة، في الأوقات المُفضَّلة في العشر الأواخر من رمضان في مكة يتفرَّغ للعبادة، فيجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب يتعرَّض لِنفحات الله في ذلك الوقت، يفتح المُصحف؛ لكن ليس لهُ رصيد سابق طُول عُمره، ويُريد أنْ يستغل هذه الأيام، فهل يُعان على قراءة القرآن؟!.
لا، لن يُعان أبداً على هذا موجُودة!.
تجد شخص من خيار النَّاس يفتح المُصحف بعد صلاة العصر خمس دقائق ثُم يغلق المُصحف، يمل ويتلفَّت يمنة ويسرى لعلُّه يرى أحداً يقضي معه بعض الوقت يُنفِّس عن نفسه!.
فهل أنت في كُربة حتى يُنفِّس عنك؟!.(1/321)
لكن رأينا من ينظر إلى السَّاعة، وكيف أن الأوقات تنقضي بسُرعة قبل أنْ يُكمل ما حدَّدَهُ من تِّلاوة حِزبهُ الذِّي اعتادهُ!.
في الحديث: "من حجَّ فلم يرفُث ولم يَفْسُق خرج من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّه".
والحج أربعة أيَّام، فماذا على العبد لو سكت عما لا يحل أربعة أيام؟!.
لكن: هل سيُعان على السُّكُوت، وهو طول أيَّامِهِ أيَّام الرَّخاء في قيل وقال؟!.
والله لن يُعان على السُّكُوت!.
فعلى الإنْسان أنْ يتعرَّف على الله في الرَّخاء ليُعرف في مثل هذه اللحظات.
وكما قال الله جل وعلا: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى). [سورة الليل، الآية: 4] ففي العناية كما قلنا: شخص يلعن، ويسبُّ ويشتم، وشخص آخر يقرأ القُرآن.
فهل هذا يعني أنّ الله - جل وعلا - ظلم هذا، ولطف بهذا؟!.
أبداً، تعالى الله عن ذلك.
لكن هذا الذي يلعن و يسبُّ ويشتم ما قدَّم لنفسه، وهذا الذي يقرأ القُرآن قدَّم لنفسه، والنَّتيجة أمامه.
النَّبي - عليه الصلاة والسلام - يُكابد من المرض ما يُكابد، ومع ذلك يحرص على تطبيق السُّنَّة: "فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى، ثلاثاً، ثم قضى".
فبعد ما فرغ، وبمُجرَّد فراغه - صلى الله عليه وسلم - رفع يدهُ أو إصبعه، ثُمَّ قال: "في الرفيق الأعلى، ثلاثاً، ثم قضى". - عليه الصلاة والسلام - وخرجت رُوحُهُ الشَّريفة إلى بارئِها.
وكانت عائشة تقول: "مات بين حاقنتي وذاقنتي". وهي الوهدة المُنخفضة ما بين الترقوتين، والذِّقن معروف: مكان اللحية.
قولها رضي الله عنها: "مات بين سحري ونحري". هذا من مناقبها، رضي الله عنها.
وفي لفظٍ: "فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يُحب السواك" فقلت: "آخذه لك؟" فأشار برأسه: أن نعم". وهذا لفظُ البُخاري، ولمسلم نحوه.
فعلينا أنْ نحرص أشدَّ الحرص على الواجبات، وما تقرَّب أحدٌ إلى الله بأفضل مما افترض عليه.
وأيضاً ينبغي الحرص على تطبيق السُّنن في الرَّخاء ليُمكَّن منها العبد في الشِّدَّة، ولِيَأْلَفها، ولِيَتجاوز مرحلة الاختبار إلى مرحلة التَّلذُّذ بالطّاعة والعبادة، فيكُون لهُ نصيب من الذِّكر، ومن التِّلاوة، ومن الانكسار بين يدي الله - عز وجل - وكلُّ ذلك ليُعرف إذا احتاج فيما بعد، وليُكْتب لهُ هذا العمل إذا مرض وعجز عنهُ، فيستمر لهُ أجرُ هذا العمل، وتُجرى عليه حسناته.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين
=============
قيمة الزمن
إن التفنن الذي تعيشه أمتنا رجالاً ونساءً في تضييع أوقاتها على الصعيدين العام والخاص ، أدى إلى أن يمضي العالم بدوننا إلى المستقبل ، واعتبارنا من أيتام التاريخ ، وإن لم يتحول هذا التفنن إلى تفنن في استغلال هذه الأوقات وإعمارها على الوجه الصحيح ، فستبقى الهوة بيننا وبين المستقبل كبيرة.
إن قضية قيمة الزمن ، ثمة قضية حضارية ، ولبعد غورها ، وكبير أثرها ، وشديد مساسها ، لا يكتفى في طرحها ومعالجتها بعقد مؤتمرات أو حلقات دراسية ، أو إلقاء محاضرات ، على أهمية ذلك وفائدته .
إنها تحتاج إلى أن ترضع مع لبن الأمهات ، وأن تكون في مسلك الآباء والمجتمع أفراداً ومؤسسات ، واضحة المقصد ، سامية الهدف ، إن فئاماً من الناس كثير ، ظنوا أن العبادة مقصورة على شعائر محددة ، وبعضهم حرف مفهومها ، وحقيقة الأمر بخلاف ذلك ، إذ العبادة تشمل الدين كله ، وتشمل الحياة كلها ، وتشمل كيان الإنسان كله ، ظاهره وباطنه.
بل هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة
إنه بدون هذا المفهوم الجامع للعبادة لا يمكن للمرء أن يدرك قيمة الزمن وأهميته وبالتالي أن يغتنمه ، ويتوجه نحو إعماره ، فكان لزاماً أن يدرك الإنسان وجوده وإنسانيته ووظيفته ، فيعمر أوقاته كلها بطاعة الله تبارك وتعالى.
وليعلم أن العادات والمباحات ، إذا حسنت النية فيها ، صارت عبادات .
قال ابن القيم :" فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة ، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يمر أسرع من مر السحاب ، فما كان من وقته لله وبالله ، فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً في حياته ، وإن عاش فيه عاش عيش البهائم ، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة ، وكان خير ما قطعه به النوم البطالة ، فموت هذا خير له من حياته.... " أ.هـ (1)
هذا ، وقد درج كثير من التربويين في طرح مثل هذا الموضوع بالحديث عن عوائق استغلال الوقت ، والعوامل المساعدة على استغلال الوقت والسبيل إلى القراءة بدون ملل ولا ضجر .
وقد كان الأجدر التنويع في الطرح ، تبعاً لاختلاف أجناس الناس ، وطبيعة التركيبات البشرية التي خلق عليها الإنسان . ومن هذا المنطلق أود في هذه العجالة ، أن أضع بين يدي القارئ الكريم ، قواعد في قيمة الزمن ، تجديداً في طرح معالجة مشكلة ضياع الأوقات ، وأعد القارئ الكريم في المستقبل بشرحها وبيانها ،
وإليك القواعد: ــ (2)
1. الزمن هو أجل وأشرف ما يحصله العقلاء ، بإجماع العلماء .
2. من شرف الزمان أن العاقل يحرص على اغتنامه إلى حال النزع والذماء
3. الاشتغال بالندم على الوقت الفائت ، تضييع للوقت الحاضر .
4. التسويف عجز وكسل .
5. اعتقاد التفرغ من الشواغل في مستقبل الأيام ، وهم وسراب .
6. إنما تضيع الأزمان بصحبة البطالين.
7. إنما تكمل العقول بترك الفضول .
8. ترويح النفس بقدره ووجهه كسب للزمان ، والقلب إذا كل عمي.
9. دوام العطاء ولو كان قليلاً ، يكون منه ما يعجز.
10. من شغل نفسه بغير المهم ضيع المهم وفوت الأهم .
11. لكل وقت ما يملؤه من العمل .
12. لله في أيام دهرنا نفحات ، فالموفق من تعرض لها .
13. من طوى منازل في منازل ، أو شك أن يفوته ما جد لأجله.
14. بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى .
وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــ
المراجع
(1) الجواب الكافي ، لابن القيم ص163
(2) سوانح وتأملات في قيمة الزمن لخلدون الأحدب ص27ــ 81 بتصرف
=============
عبر وخواطر حول الصيفية
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان،
أمَّا بعدُ:
أيها المسلمون:
إن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فبعد تعب وجهد وعناء تميل النفوس إلى التجديد والتنويع، وترنو إلى الترويح واللهو المباح دفعاً للكآبة ورفعاً للسآمة ليعود الطالب بعدها إلى مقاعد الدراسة بهمة وقادة، ويرجع الموظف إلى عمله بعزيمة وثابة ذلك أن القلوب إذا سئمت عميت.
والإجازة - يرعاكم الله - تجديدٌ للنشاط وإذكاء للحركة وصفاء للأذهان وترويض للأجسام وتعليل لها حتى لا تصاب بالخمول والركود، فيصبح جسماً هامداً وعقلاً غائباً.
عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً: فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ؟!.(1/322)
قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ قُمِ الْآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَ سَلْمَانُ". [رواه البخاري].
هنا يبين الإسلام عن مراعاةٍ لحاجات الإنسان النفسية ومتطلباته الروحية.
الإسلام دين السماحة واليسر، فهو يساير فطرة الإنسان وحاجاته، فحين شاهد النبي صلى الله عليه وسلم الحبشة يلعبون قال: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني أرسلت بحنفية سمحة". [رواه أحمد].
فبعض الناس لا يرى في الحياة إلا الجد المرهق، والعمل المتواصل، وآخرون يرونها فرصة للمتعة المطلقة والشهوة المتحررة، وتأتي النصوص الشرعية فيصلاً لا يشق له غبار، فيشعر بعدها هؤلاء وهؤلاء أنّ هذا الدين وسط، وأن التوازن في حياة المسلم، مطلب قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا...). [سورة القصص، الآية: 77].
يا عباد الله:
نعم، إنها الموازنة المطلوبة بين سائر الحقوق والواجبات، فها هو الإسلام يراعي الإنسان عقلاً له تفكيره، وجسماً له مطالبه ونفساً لها أشواقها.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كأن النبي صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا". [رواه البخاري ومسلم] وفي رواية: "كان يتخولنا أن نتحول من حالة إلى حالة".
لأن السآمة والملل يفضيان إلى النفور والضجر.
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إنّ القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم". ويقول أيضاً: "روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلب إذا أُكره عمي".
ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: "إني لاستجم قلبي باللهو المباح ليكون أقوى لي على الحق".
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "تحدثوا بكتاب الله وتجالسوا عليه وإذا مللتم فحديث من أحاديث الرجال".
وهذا إمامهم وقدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "يا حنظلة، ساعة وساعة". [رواه مسلم].
وربنا سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). [سورة الأعراف، الآية: 32].
وبعد قراءة أحوالهم واستقراء سيرهم يحدد لنا سلف الأمة ضوابط اللهو المباح والترويح، فهاهم يروّحون عن أنفسهم فلا يتجاوز أحدهم حدود الشرع المطهر، وذلك كله بعيداً عن المحرمات أو المكروهات.
ولم يكن ترويحهم هدفاً لذاته، بل كان وسيلةً لتجديد الهمّة مع تصحيح النية لعمل أفضل وإنتاج أكمل، لذا لم يكن ترويحهم لمجرد تزجية الأوقات وتضييعها، وإمضاء الساعات دون مردود يقوي الجسم وينمي العقل.
كان الصحابة يروحون عن أنفسهم بالمرح والمِزاح والتسلية، ولا يقصّرون في شيءٍ من حق الله تعالى، وإذا جَدَّ الجِدُ كانوا هم الرجال، كما ثبت من فعلهم أنهم كانوا يتبادحون - أي يترامون - بالبطيخ فإذا جد الجد كانوا هم الرجال، وكما قال الأوزاعي عن بلال بن سعد: "أدركت أقواماً يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهباناً". وهكذا كانوا، رضي الله عنهم، كما قال ابن تيمية رحمه الله: "فرساناً بالنهار رهباناً بالليل".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كان القوم يضحكون والإيمان في قلوبهم أرسى من الجبال".
لقد كان ترويحهم وضحكهم وسمرهم وسفرهم وترفيههم لا يضعف إيمانهم، ولا يفسد أخلاقهم، لا يتعدى وقتُ الترويح على أوقات الصلاة وذكر الله وصلة الرحم وقراءة القرآن، أولئك هم الرجال: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ). [سورة النور، الآية: 37].
كانوا يروّحون عن أنفسهم بعيداً عن سهر في ليل طويل، وسمر فارغ هزيل، يخل بحقوق كثيرة، ومنها حق الجسم، وحق الأهل، وفوق ذلك حق الله تبارك وتعالى.
إذا قرأنا سيرهم وتاريخهم نرى عدم الإفراط في استهلاك المباح لعلمهم بأن المهمة الكبرى للإنسان هي عبادة الله ولأن الوقت ثمين ومن منهج الإسلام عدم الإفراط في كل شيء حتى ولو كان في الصوم والصلاة والجهاد فكيف باللهو والترويح، كل ذلك حتى لا تُضَّيع الحقوق الأخرى وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة رضي الله عنه: "صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً". [رواه البخاري].
الصيد - كما تعلمون - مباح في الأصل، وقد يُفرِط فيه البعض فيهدر أوقاته، ويهلك أيامه يتتبعه من مكان إلى مكان مطارداً باحثاً ولاهثاً غافلاً، هنا نهى الإسلام عن هذا الإفراط حفاظاً على وقت المسلم الغالي ليكون في طاعة مديدة ومتوازناً لأداء حقوق كثيرة فقال صلى الله عليه وسلم: "من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل". [رواه أحمد].
هذا فيمن يفرّط في اللهو المباح، فكيف بمن يفرط ويصرف أوقاته الثمينة وساعات عمره في أنماط ترويحية محرمة ينتهك فيها محارم الله، ويتجاوز مناهيه؟!.
وكيف بمن يقدّم حضور حفل أو وليمة أو فرح أو مباراة على فريضة من فرائض الله.!.
وكيف بمن يلهو ويمزح، ويضحك ويمرح بالسخرية من أحكام الله، أو الاستهزاء بعباد الله، يتهكم بأعراضهم، ويسخر من أحوالهم؛ سهرٌ وعبثٌ ونومٌ عن صلاة الفجر أو الظهر والعصر، هكذا يقضي بعضهم الإجازة.
أليس هذا نكراناً لنعم الله، وجريمة تنذر بالشؤم وتوجب سخط الإله؟!.
كان رسول الله يداعب أصحابه حتى تعجب الصحابة من مداعبته لهم وقالوا: "يا رسول الله إنك تداعبنا؟! قال: إني لا أقول إلا حقاً". [رواه الترمذي].
عباد الله:
الإجازة نعمة، وقد تكون نقمة إذا لم تستثمر في ترويح مباح، ولهو بريء، وعمل مفيد يستغرق الصباح والمساء، فإن هذا الفراغ الرهيب يعدّ مشكلة تقلق كل أب لبيب.
وهل فساد الأبناء إلا من الفراغ؟!.
لقد هاج الفراغ عليه شغلاً ... وأسباب البلاء من الفراغ
فهو كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل".
فكم سهرة عابرة أسقطت فتى في أتون المسكرات والمخدرات؟!.
وكم من جلسةٍ عاصفة وقع البريء فيها في المهلكات؟!.
الفراغ جرثومة فساد تنتشر وتستفحل في مجتمعات الشباب، فتحطم الجسد، وتقتل الروح، الفراغ لص خابث، وقاطع عابث، وسارق خارب، أفسد أناساً، ودمر قلوباً، وسبب ضياعاً.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى غفلة الكثير عما وُهبوا من نعمة الوقت والعافية، فقال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ". [رواه البخاري من حديث ابن عباس].
قال ابن بطّال: "(كثير من الناس ) أي: أن الذي يوفق لذلك قليل". أ. هـ.(1/323)
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين.
وأشهد أنّ محمَّداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً، أمَّا بعدُ:
أخي المسلم:
إنّ الإجازة جزء من عمرك وحياتك ترصد فيها الأعمال وتسجل الأقوال، وأعلم أنك موقوف للحساب بين يدي ذي العزة والجلال، فإنّ الدنيا دار اختبار وبلاء، قال صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلا،ه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه".
واستشعار ذلك - عباد الله - يجعل للحياة قيمة أعلى ومعان أسمى من أن يحصر المرء همه في دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، أو منصب يطلبه، أو رفاهية ينشدها، أو مال يجمعه، حتى إذا انتهى راح يطلب المغريات الكاذبة.
كلّا، ليس الأمر كذلك، فالله عزّ وجل يقول: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). [سورة الذاريات، الآية: 56]. ويقول سبحانه: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ). [سورة المؤمنون، الآية: 115].
عباد الله:
إنّ من الأمور التي تساهم وتساعد على استثمار الإجازة:
• العناية بالقران الكريم، والاشتغال به حفظاً وتلاوةً، وتعلماً وتعليماً، قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
فيا أخي المسلم، إذا أخذت قسطك من النوم والراحة، وتنعمت بأنواع الطعام، وحقّقت شيئاً من السعادة، فلا تنس غذاء قلبك بقراءة القرآن، طلباً للحسنى وزيادة، لا تبخل على كتاب الله بساعة من أربع وعشرين ساعة.
• ومن الأمور المهمّة: السفر إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة، وزيارة مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي أفضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مائة ألف صلاة فيما سواه". [رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني].
• وكذلك السفر في بر الوالدين وصلة الأرحام، وزيارة العلماء والصالحين في الله تعالى، وعيادة المرضى، وإجابة دعوات الأفراح والمناسبات التي ليس فيها منكرات، قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم".
• وكذلك السفر لأجل الدعوة إلى الله على علمٍ وهدىً وبصيرة قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ). [سورة فصلت، الآية: 33]. وقال صلى الله عليه وسلم: "فوالله، لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم".
• ومن الأمور المعينة على استغلال الإجازة وشغل الفراغ، وهذا نوصي به الناس عامة، والشباب خاصة، وهو: طلب العلم وتحصيله، والسفر لأجله، قال صلى الله عليه وسلم : "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة". [رواه مسلم].
ولقد كان السلف يرحلون في طلب العلم والمعرفة، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: "لو أعلم مكان أحد أعلم مني بكتاب الله تناله المطايا لأتيته". وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : "رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد". أ. هـ.
وقال الشعبي رحمه الله: "لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في سبيل كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً". أ. هـ.
ويحمد لهذه البلاد المباركة المعطاءة ما وفّرته من محاضن تربوية وبرامج نافعة للشباب المسلم من حلق ومدارس لتحفيظ القران الكريم.
وها هي المراكز والنوادي الصيفية تأتي لتحفظ فلذات الأكباد من الضياع، ولتملأ الفراغ، وتحرك الطاقات، وتستثمر القدرات... إلخ.
فهي فرصة لإلحاق البناء والشباب بها.
• ومن البدائل المتاحة والمتيسرة بحمد لله: السياحة النقية، والنزهة البريئة إلى ربوع البلاد الإسلامية المحافظة التي تنعي أبناءها الذين هجروها، ويمكن للمسلم أن يجمع بين الراحة والعبادة، فيزور مكة ويذهب للطائف، ومن ثم إلى جدة.
أيها المسلمون:
ختاماً نريدها إجازة في طاعة الله، ليس فيها امرأة تتبرج، أو شهوة تتهيج، أو نزعة إلى الشر تتأجج.
نريدها إجازة على ما يرضي الله، لا على ما يسخطه، إجازة تبني الجسم، وتغذي العقل، وتروّح عن النفس.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
اللهم اصلح الراعي والرعية والأمة الإسلامية.
اللهم آمنا في الأوطان والدور، واصلح الأئمة وولاة الأمور، واعصمنا من الفتن والشرور، وانصر عبادك المجاهدين في الثغور، يا عزيز يا غفور.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المجاهدين الموحدين.
==============
كي لا نسقط في الهاوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فقد أخفق العلمانيون في محاولتهم إقناع الأمة بأفكارهم، واستمروا على اختلاف اتجاهاتهم شراذم قليلة معزولة لا تمت إلى عامة الأمة بِصِلَةٍ، وبعد فترة طويلة اتجهوا إلى تطوير استراتيجيتهم؛ فمن محاولة التأثير على الأفكار إلى محاولة تغيير السلوك والأخلاق وتفكيك الأسرة وإفساد المجتمع وطمس هويته من داخله، والقيام بتفريغ عقول الأمة من قيمها وإغراقها بالشهوات من دون ضابط شرعي أو حاجز أخلاقي.
والمتأمل في واقع الأمة اليوم يلمس نجاحًا كبيرًا تحقق للقوم في هذا الاتجاه، وكان المدخل الكبير والباب العريض الذي ولجوا منه إلى ذلك هو التأثير على المرأة دفاعًا عن حريتها وإرجاعًا لحقوقها المهدرة ـ فيما زعموا ـ.
ويعود هذا النجاح إلى أسباب عديدة يمكن إجمالها في جوانب ثلاثة:
الأول: أسباب تعود إلى المرأة والمجتمع، وأهمها:
- الجهل المفرط في أوساط كثير من النساء بقيم الإسلام وأحكامه ومقاصده، وقد زاد من خطورة هذا الأمر عمليات التشويه التي يمارسها العلمانيون تجاه التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمرأة عن طريق تناولها بشكل مجزأ يجعلها بعيدة عن التشريعات التي وردت في سياقها، مع إغفال متعمد لبيان مقاصد الإسلام من تشريعها؛ بهدف إظهار قصورها وتجاوز العصر لها ووقوفها حجر عثرة في طريق نيل المرأة لحريتها وحقوقها.
- ظاهرة ضعف الإيمان لدى كثير من النساء نتيجة عدم قيام المؤسسات التربوية في المجتمعات الإسلامية بالدور المنوط بها تجاه هذا الأمر، وتركها الحبل على الغارب لصواحب السوء وذوي الشهوات ليقوموا عبر الوسائل المختلفة بالسيطرة على عقل المرأة ومشاعرها ومن ثَمَّ تحديد اتجاهاتها وتوجيه ميولها حسب ما يشتهون.
- غفلة كثير من النساء عن حقيقة رسالتهن في الحياة، والدور المنوط بهن في بناء الأمة وصيانتها من عوامل الزيغ والانحراف.
- قيام بعض النساء المترفات بتبني دعوات العلمانيين وبروزهن واجهة لكثير من الأنشطة المقامة، وتوفيرهن للدعم المعنوي والمادي الذي تحتاجه بعض الأنشطة،إضافة إلى تغريرهن بقطاع عريض من النساء اللاتي جرت العادة بقيامهن بتقليد مترفات المجتمع وكبرياته لعظم جهلهن وضعف إيمانهن.(1/324)
- أن جزءًا كبيرًا من المحافظة الظاهرة لدى كثيرات يعود إلى أعراف قبلية وتقاليد اجتماعية متوافقة مع الشرع دون أن يكون لها بعدٌ إيماني في نفوس كثيرات، ومن المعلوم أن الأعراف والتقاليد ليس لها طابع الثبات بل هي قابلة للتبدل بمرور الوقت خصوصًا متى تغيرت أوضاع المجتمع: علمًا وجهلاً، غنىً وفقرًا، انفتاحًا وانغلاقًا، ويتسارع هذا التغير حين توجد جهات تخطط للتغيير وتستخدم سبلاً ملتوية تحتفي فيها بالقديم ـ إذا احتفت ـ معتبرة إياه تراثًا لعصر مضى، وتلمِّع فيها ما تريد نشره وتجعله من متطلبات التقدم وعلامات الرقي والنهضة.
- الانحراف العام والانحطاط الشامل الذي أصاب المجتمع المسلم في كثير من جوانب الحياة المختلفة،والذي بدوره كان له أكبر الأثر في ضعف كثير من النساء وقيامهن بالتفاعل مع الطروحات العلمانية بشكل ظاهر.
الثاني: أسباب تعود إلى العلمانيين، وأهمها:
- عملهم بهدوء وبأساليب خافتة حرصًا على عدم الدخول في مواجهات مكشوفة، وسعيهم إلى تحقيق أغراضهم المشبوهة عن طريق لافتات وشعارات مقبولة، مع الحرص على الاستفادة بأقصى مدى ممكن من بعض أهل العلم وبعض المحسوبين على الدعوة لقبول أعمالهم من قِبَل العامة وتسويغها أمامهم شرعًا من جهة، ولإحداث شرخ في صفوف العلماء والدعاة من جهة أخرى.
- استفادتهم من مرحلة الضعف والهوان التي تمر بها الأمة، ومن قوة الغرب النصراني - حيث يرتبطون به ويعملون على تحقيق مصالحه بصورة فجة - والذي يضغط بقوة في سبيل فرض حضارته وهيمنة قيمه وشيوع سلوكياته في المنطقة تحت مسميات مختلفة كالعولمة والديموقراطية ودعاوى حقوق الإنسان وحرية المرأة وحرية الاعتقاد إلى آخر القائمة.
- إبرازهم لصور الظلم التي تقع على المرأة في مجتمعاتنا، واتخاذها موضوعاً ومدخلاً للحديث عنها بهدف تحقيق مآربهم وإشاعة السلوكيات والأخلاق التي يروجون لها ويدعون النساء إلى تطبيقها.
- العمل على زعزعة الثقة بين العلماء والدعاة من جهة والمرأة من جهة أخرى بهدف إيجاد فجوة بينها وبين الدين، وذلك عن طريق وصمهم لأهل العلم والدعوة بالتخلف والجمود وعدم عيش الواقع وإدراك متطلبات العصر والوقوف حجر عثرة في طريق نهضة المرأة ورقيها، والتسبب في صور الظلم الحاصلة عليها في بعض مجتمعاتنا الإسلامية.
استهواء المرأة وإغرائها وتزيين ما يشتهون لها عن طريق الاستفادة من بعض الخصائص التي تتمتع بها إجمالاً كقوة العاطفة وسرعة التأثر وضعف الخبرة في مجريات الحياة ومكائدها،وحب التزين والرغبة في الترفيه.
- تحسين صورتهم لدى المرأة وكسب ثقتها عن طريق إقامة بعض المؤسسات الطوعية التي تقدم بعض الأنشطة الاجتماعية والجمعيات التي ترفع عقيرتها بالمطالبة بحقوق المرأة وإنصاف المجتمع لها.
- الاستفادة من الخلاف الفقهي وشذوذات بعض أهل العلم في بعض المسائل الشرعية المتعلقة بالمرأة في محاولة إيجاد مسوغات شرعية لما يدعون المرأة إليه عن طريق التلفيق بين تلك الآراء والأخذ من كل عالم فتواه التي تخدم أهواءهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى سعيهم إلى الاستفادة من ذلك في تشويه صورة بعض أهل العلم والدعوة، وزعزعة الثقة بينهم وبين المرأة عن طريق ضرب آراء بعض أهل العلم ببعض، ووصم أصحاب الاجتهادات التي لا تتوافق مع أهوائهم بالتشدد والجمود وإرادة التعسير على المرأة وكبتها والتضييق عليها.
- التدرج في تحقيق أهدافهم؛ فمن المطالبة بحقوق مشروعة هي من صميم قيم الإسلام وتعاليمه إلى مزج ذلك بحقوق تتناقض مع قيم الإسلام إلى العمل على إحلال قيم الغرب وتقاليده محل قيم الأمة وتقاليدها ومطالبة أفراد المجتمع بتغيير هويتهم للوصول إلى الوضع المرتجى لهم.
- سعيهم إلى الفصل بين ما يزعمون أنه الدين الصحيح الذي يرفعون شعار التمسك به والدفاع عنه، وبين العلماء والدعاة الذين يزعم العلمانيون بأن دعوتهم للمرأة ليست من الدين الصحيح في شيء وإنما هي مجرد تشدد وتحكم في المرأة بأمر لا أصل له في الدين.
- تضخيم أخطاء العلماء والدعاة ونسبة بعض الشنائع زوراً إليهم، والاستفادة من ذلك في عملية التشويه وزيادة الفجوة بينهم وبين بعض نساء المجتمع،وفي المقابل تضخيم العلمانيين لأعمالهم والمنكرات التي يروجونها لتضخيم وزنهم في المجتمع،ولتصوير أن جل النساء معهم، ولتيئيس العلماء والدعاة من إمكانية الإصلاح.
الثالث: أسباب تعود إلى العلماء والدعاة، وأهمها:
- ضعف مستوى الجهود والأنشطة العلمية والدعوية الموجهة للمرأة، وقلتها وعدم كفايتها لسد احتياج الساحة، وذلك يعود في ظني إلى قلة الاهتمام وضعف عملية التخطيط وتشتت الأفكار والجهود وعدم التركيز مما أدى إلى عدم استثمار الطاقات بصورة مرضية.
- عدم وجود طروحات متكاملة لقضية المرأة والقيام بطرح النظرة الشرعية مجزأة مما يفقدها قيمتها ويظهرها ـ في كثير من الأحيان ـ بأنها غير صالحة للتطبيق؛ لأنها تتصادم مع جوانب من الواقع المعاش؛ علماً بأن الواقع السيئ للمرأة يرجع إلى عدم أخذها بالتوجيه الشرعي في كافة جوانبه.
- مجاملة بعض العلماء والدعاة للواقع السيئ، ومحاولتهم التعايش مع رغبات بعض أفراد المجتمع المتجهة نحو التغريب، وقيامهم بإصدار الفتاوى المتسقة مع ذلك.
- الرتابة والتقليدية في جل البرامج والأنشطة العلمية والدعوية الموجهة للمرأة، وعدم وجود إبداع أو تجديد فيها مما أدى إلى ضعف التفاعل معها وقلة الإقبال عليها من كثير من النساء.
- عدم أخذ زمام المبادرة في التعامل مع القضايا والأحداث، والتفاعل حسب ردود الأفعال دون أن يكون هناك مشاركة في صنعها أو تأثير في تحديد اتجاهها في غالب الأحيان، وهو مما أفرغ الساحة الاجتماعية أمام العلمانيين، ومكنهم من فعل ما يحلو لهم تخطيطًا وتنفيذًا وتوجيهًا وقطفًا للثمار بما يخدم مصالحهم ويحقق أغراضهم.
- عدم بيان أهل العلم والدعوة لدائرة المباح المتعلق بالمرأة بشكل جيد، وأخذهم لها بالأمثل عن طريق طرحهم للأفكار وتبنيهم للحلول المثلى في كثير من المواقف والقضايا بطريقة يفهم منها بأنها الطرح الشرعي الوحيد في الجانب المتناول.
وقضية الأخذ بالأمثل من الأمور التي لا يطيقها سوى قلة من الصالحات، أما غيرهن من نساء الأمة فقد وسَّع الله عليهن بما أباحه لهن، وواجب العلماء بيانه، وعدم التثريب على من أخذت به ما دامت لم تتعد حدود الله و لم تنتهك محارمه.
- عدم مراعاة بعض الدعاة لتعدد الفتوى ووجود خلاف بين أهل العلم في بعض المسائل الاجتهادية، وقيامهم بمحاولة إلزام المرأة برأي معين مع أنها ليست مكلفة شرعاً إلا بتقليد الأوثق لديها في دينه من أهل العلم لا صاحب رأي أو بلد بعينه.
- حساسية بعض الدعاة المفرطة في التعامل مع المرأة وقضاياها، وانغلاقهم الشديد الذي يمنعهم في أحيان كثيرة من تناول الأمور بموضوعية؛ مما جعل الأمور تتجاوزهم بشكل أدى إلى انفتاح صارخ غير منضبط.(1/325)
- الخلط بين الأعراف والتقاليد والمنهج، وعدم تمييز بعض العلماء والدعاة بين الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة والمبنية على نصوص الشرع وقواعده وبين آرائهم التي تكون مبنية على أعراف وتقاليد اجتماعية، ولا ريب في أن لهم الحق كغيرهم من أبناء المجتمع في أن يتخذوا ما يشاؤون من مواقف تجاه أعراف المجتمع وتقاليده التي لا تتعارض مع الشرع، وأن يحاولوا إقناع من يشاؤون بمواقفهم تلك كما يحاول غيرهم، لكن الواجب عليهم إيضاح أن تلك الآراء مردها إلى العرف والتقاليد من غير محاولة إلباسها لباساً شرعياً متكلَّفاً فيه، وأن لكل أحد أن يتخذ الموقف الذي يشاء ما دام رأيه غير متعارض مع الشرع، وهذا بخلاف الأحكام الشرعية الثابتة التي يجب على الناس التزامها كل حسب وسعه وطاقته.
- التعميم: بعض من الدعاة يقومون بمحاربة المشاريع والأنشطة النسوية التي تتضمن بعض المخالفات الشرعية في المجتمع بشكل مطلق بدل محاولة مد جسور التفاهم والثقة مع أصحاب تلك المشاريع وتنمية جوانب الخير لديهم، والقيام بترشيد مناشطهم وتوجيهها الوجهة السليمة، مما يدفع القائمين عليها ـ من ذوي النفوذ ورجال الأعمال ـ في أكثر الأوقات إلى استخدام كافة ما يملكون من أوراق لمضي الأمر على ما يريدون.
- هيمنة الأعراف والتقاليد وخوف بعض الدعاة من تجاوزها؛ إلى جانب إغفال بعض المناشط الملائمة للمرأة التي أثبتت نجاحها في مجتمعات أخرى وفسح المجال أمام العلمانيين ليسدوا الفراغ الذي تعاني منه نساء المجتمع من خلال البرامج والأنشطة التي يقيمونها.
- عدم إدراك كثير من العلماء والدعاة لطبيعة التحول الذي حصل في عقلية النساء وسلوكياتهن واحتياجاتهن في وقتنا وحجم ذلك، واستصحابهم لواقع المجتمع في زمن ماض، أو تعميمهم لواقع بيئاتهم الخاصة على البيئة العامة مما جعلهم لا يشعرون بأهمية إعطاء دعوة المرأة أولوية ومزيد عناية.
- إغفال العناية بالجوانب التي فطر الله المرأة على الاهتمام بها كأمر الزينة والجمال، والأمور التي لكثير من النساء تعلق قوي بها في وقتنا كالترفيه بحيث لم يتم تقديم برامج ومشاريع حيوية مباحة في هذا المجال تسد حاجة المرأة وتقطع الطريق على العلمانيين الذين يكثرون من الولوج إلى المرأة عبر هذه البوابة ولا يجدون أدنى منافسة من العلماء والدعاة حيالها.
- ضعف الرصد والمتابعة لجهود العلمانيين وأنشطتهم مع عدم المعرفة بكثير من أعمالهم إلا بعد وقوعها مما يؤخر من مواجهتها ويجعل العلماء والدعاة يتعاملون مع آثارها ويتناسون ـ في الغالب ـ أهدافها والأسباب التي هُيِّئت لنجاحها وشجعت القوم على المضي فيها.
- ضعف كثير من العلماء والدعاة في بناء العلاقات وتكوين الصلات والقيام بواجبهتم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ـ تعالى ـ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، مما هيأ الفرصة للعلمانيين لكسب كثير من ذوي النفوذ ومثقفي المجتمع ورجال الأعمال لخدمة طروحاتهم ودعم مشاريعهم مع أنهم ليسوا منهم.
الانفصام لدى بعض الدعاة بين النظرية والتطبيق في التعامل مع المرأة فبينما يوجد لدى جلهم إدراك نظري جيد لما يجب أن تكون عليه الأمور، نجد ممارسة سيئة لدى كثيرين تمشياً مع الأوضاع البيئية ورغبة في الراحة وعدم المعاناة في مواجهة شيء من ذلك.
كيف ندافع العلمانيين؟
تعد النجاحات التي حققها العلمانيون في مجال المرأة ثمرة التقصير والغفلة التي عانى منها قطاع كبير من العلماء والدعاة وتيار الصحوة، وعليه فإن المدخل الصحيح للمدافعة يقتضي استشعار الخطر وإدراك ضخامة المسؤولية والتفكير بموضوعية والتنفيذ بجدية للخطوات المراد تحويلها إلى واقع، وما لم يتم ذلك فإن الخطر سيستفحل والخرق سيتسع على الراقع، ولن يجدي عندها كثير من خطوات الحل المؤثرة والمتاحة الآن.
وقبل أن أتطرق إلى ذكر بعض السبل التي يمكن بواسطتها مدافعة القوم وكبح جماحهم أو التخفيف من شرهم، لا بد من ذكر بعض القواعد والمنطلقات التي لا بد من استيعابها قبل الدخول في مواجهة معهم، ومنها:
- لا بد من التوكل التام على الله وصدق اللجوء إليه والاستعانة به والتضرع بين يديه وطلب عونه وتسديده مع الأخذ بالأسباب وإعداد العدة، وذلك لأن من ينصره الله فلا غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له كما قال ـ تعالى ـ: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) [آل عمران: 160].
- الاعتناء بالوضوح الإسلامي في الطرح، والمطالبة بجلاء لكافة أفراد المجتمع بتحقيق العبودية الحقة لله ـ تعالى ـ والانقياد التام له والتسليم لشرعه وعدم الخروج عن أمره والتأكيد على الدعاة بعدم إخفاء حقيقة دعوتهم في طروحاتهم سعياً في استصلاح جوانب الانحراف في المجتمع، وإقامةً للحجة على العباد وإبراءاً للذمة أمام الله ـ تعالى ـ.
الحذر من التفلت الشرعي الذي يقع فيه بعض الدعاة أثناء طروحاتهم عن المرأة، ومع إدراك أن الدافع لبعضهم قد يكون الحرص على الدعوة والسعي إلى تقريب الكثيرات إلى الإسلام؛ إلا أنه قد فاتهم تذكُّر أن الانضباط بالشرع شرط لصحة العمل وأن الغاية مهما كانت شريفة لا تسوِّغ الوسيلة، وأن الباري ـ عز وجل ـ لا يُتقرب إليه بمعصيته ومخالفة أمره بل بطاعته وامتثال شرعه.
- التوجه إلى التخطيط الجاد والمتكامل في دعوة المرأة وتربيتها، والمبني على إدراك عميق للماضي ومعايشة للحاضر واستشراف للمستقبل، وترك الارتجال والعفوية وسطحية التفكير والتنبه إلى أن ذلك وإن قُبِلَ في أزمنة ماضية فإنه غير مقبول بحال اليوم نظراً لضخامة الاستهداف للمرأة والعمق في التخطيط والدقة في التنفيذ لدى العلمانيين، والحذر من أن ينشغل العلماء والدعاة بردود الأفعال تجاه قضايا وأحداث جزئية يصنعها العلمانيون تتصف بالإثارة والهامشية على حساب قضايا جوهرية سواء في جهة البناء والتربية أم في جهة مواجهة القوم ودفع أخطارهم.
- العمل على طرح مبادرات إصلاحية جذرية تتسم بالعمق والشمول والواقعية بدلاً من الحلول الترقيعية وتجزئة القضايا بشكل يمكن العلمانيين من التلاعب بالأمر والمزايدة فيه بالدعوة إلى إصلاحات جزئية هامشية لها بريق تستغل في تخدير فئات كثيرة من المجتمع وتحييدهم عن الوقوف في صف العلماء والدعاة والذين يسعون إلى القيام بإجراء إصلاحات جوهرية في القضايا والمجالات الأساسية.
- الاعتناء بالقيام بإجراء تقييم شامل لأنشطة الدعاة وبرامجهم المختلفة والموجهة إلى المرأة، ومراجعتها من حيث الكم والكيف، ويتأكد ذلك اليوم نظراً لتغير الاحتياجات وتبدل الأحوال وتطور الإمكانات، وما لم يتم ذلك وتهيأ له الفرص الكفيلة بالنجاح فإن الزمن سيتجاوز أنشطة الدعاة وبرامجهم، ويجعلهم كمن يوصل الرسائل بين البلدان عبر الأقدام والدواب في زمن الأقمار الصناعية و الإنترنت.
- توحيد الصفوف ولمّ الجهود وسعة الصدر لرأي أهل العلم الأثبات المخالف في مسائل الاجتهاد، والتطاوع فيما لا إثم فيه، والمحاورة بالتي هي أحسن، وحسن الظن بالآخرين، والتماس العذر لهم، ومغفرة زلاتهم، والتجاوز عن هفواتهم... من أهم المهمات التي على العلماء والدعاة العناية بها؛ لأن الاختلاف شر والفرقة عذاب، وتضرر الدعوة من كون بأسها بينها وعدوها من داخلها أعظم عليها جداً من تربص أعدائها بها وكيدهم لها.(1/326)
-إدراك الدعاة لحقيقة الوضع وأنهم في صراع مع قوم ينتمون إلى جهات تريد اجتثاث قيم الإسلام وأخلاقياته وإحلال قيم وأخلاقيات حضارة أخرى تناقضها مكانها، وعليه فالواجب عليهم طول النفَس وبعد النظر ومحاسبة الذات وإدراك صعوبة الطريق وأن الهدم أسهل من البناء وتهيئة النفْس لتحمل الهزيمة والمواصلة بعدها لأن العاقبة للمتقين، ومعرفة أن الانتصار الحقيقي يكمن في الثبات على المبدأ، أما شيوع المبدأ فالداعية يسعى له ويجد في سبيل ذلك، ولكن ليس من شأنه تحققه، وله أسوة بالأنبياء ـ عليهم السلام ـ إذ قتل بعضهم وطرد آخرون، ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد، والنبي ومعه سواد كثير قد سد الأفق.
- أهمية أن تتجه برامج الدعاة إلى تربية كافة شرائح النساء في المجتمع والبناء الصحيح لشخصياتهن وبخاصة تلك التي لم تؤثر فيها طروحات العلمانيين بعدُ، أو أن تأثيرهم محدود فيها، وأن تشتمل تلك البرامج على جرعات تحصينية ضد أساليب العلمانيين في الطرح، وذلك لأن الوقاية خير من العلاج وما استدفع الشر بمثل الاستعاذة بالله منه، والتعرف عليه للحذر من التلبس به.
- الإقرار بوقوع صور متعددة من الظلم الواقع على المرأة في مجتمعاتنا بسبب الجهل بالشرع وعدم تطبيقه، وهو ما يجب إفهامه للمرأة التي يريد العلمانيون تشويه صورة الإسلام في ذهنها، والإسلام لا يتحمل نتاج البعد عنه.
- الاعتناء بتحلي صغار شباب الصحوة بصفات الحكمة والصبر والحلم والروية وعدم الاستعجال، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والتعامل مع الأحداث بعقل لا بعاطفة مجردة، ومشاورة أهل العلم والخبرة في سبل مدافعة العلمانيين حتى لا تُجَر الصحوة إلى مواقف غير محمودة العواقب، وبخاصة أنه لا توجد لدى (القوم) أي معايير أخلاقية تمنعهم من فعل أي شيء في سبيل تحقيق أغراضهم ومآربهم.
إقامة تعاون إيجابي في المجالات الدعوية والتربوية بين البيئات والمناطق المختلفة يتم بواسطته تبادل الأفكار والخبرات، والبدء في البرامج المختلفة من حيث انتهى الآخرون، وهذا ولا شك سيشجع على مزيد انطلاق، ويوسع دائرة الاختيار أمام الدعاة ويمنع من هدر الطاقات والإمكانات في إقامة برامج ثبت إخفاقها متى امتلك الدعاة الشجاعة الأدبية للتراجع عن أنشطتهم ذات العائد الدعوي والتربوي الأقل، وتجاوز المألوف مما لا بعد شرعياً له وتحمل الضغوط البيئية الناتجة عن ذلك.
سبل المدافعة:
السبل المقترحة لمدافعة العلمانيين في مجال المرأة كثيرة، ومن أبرزها:
أولاً: سبل تتعلق بالمرأة والمجتمع ومن أبرزها:
العناية بتأهيل المرأة وبناء شخصيتها بناءاً متكاملاً في كافة الجوانب التي تحتاجها و من أبرز ذلك:
أ- تعميق قضية الهوية والانتماء لهذا الدين لديها وتوضيح مقتضيات ذلك ولوازمه كوجوب المحبة الكاملة لله، والانقياد التام لشرعه فيما وافق هوى العبد وفيما خالفه، "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"(1).
ب - تجلية رسالة المرأة المسلمة في الحياة والدور المنوط بها في عصرنا في سبيل نهضة الأمة ورقيها واستعادتها لعزتها، والسبل المعينة لها على أداء ذلك.
ج - العناية بالجوانب الإيمانية والعبادية لدى المرأة، وتزويدها بالعلم الشرعي، وبخاصة فيما تحتاج إليه ولا يسعها جهله في مراحل حياتها المختلفة.
د - رفع مستوى ثقافة المرأة وتحبيبها بالقراءة وتدريبها على ممارسة التثقيف الذاتي والاستفادة من الوسائل التقنية المتاحة في ذلك.
هـ - رفع مستوى وعي المرأة وإدراكها لواقعها والتغيرات الضخمة الحاصلة فيه، وما يحاك ضد الأمة عموماً والمرأة خصوصاً من مخططات تهدف إلى إبعادها عن دينها، وتهميش دورها في الحياة بشكل يجعلها تعيش في عزلة شعورية عن حاضرها.
و - الرقي باهتمامات المرأة وتعميقها وإبعادها عن السطحية، وتعويدها على الجدية وترتيب الأولويات وعدم الانشغال بالترهات والتوافه.
- تقرير الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة، نحو: كون الأصل قرارها في البيت، والتزام الحجاب، وعدم إبداء الزينة والتبرج تبرج الجاهلية الأولى، ودعوة المرأة إلى التزامها.
- رصد المشكلات التي تعاني المرأة منها في كافة الجوانب المختلفة، والسعي إلى تلافيها والتقليل من نتائجها السلبية.
- العناية بوقت المرأة وشغله بالمفيد واقتراح السبل الملائمة لتحقيق ذلك(2).
- تقوية البناء الأسري وبخاصة في المجال الدعوي؛ إذ إن للدعوة العائلية أهمية فائقة في تعليم المرأة دينها وتحصينها ضد طروحات العلمانيين ومكائدهم.
- تفعيل دور المرأة في مواجهة مخططات العلمنة الساعية لإفسادها، وتشجيعها على القيام بدعوة بنات جنسها؛ لأنها الأعرف بمجتمعاتهن والأكثر تأثيراً فيهن والأقدر على الاتصال بهن والبيان لهن فيما يخصهن، مع أهمية العناية بجانب التحفيز لها وإيجاد الدوافع لديها لمواصلة نشاطها الدعوي حتى لا تفتر أو تصاب باليأس والإحباط نتيجة طول المسير ومشقته(3).
- مطالبة النساء بالعناية ببيئاتهن الخاصة ـ أزواجاً وأولاداً ـ والقيام بالدور المنشود منهن في استصلاحها وإمدادهن بالوسائل والآليات والسبل المناسبة، وخاصة فيما تجهله المرأة مما يناسب في خطابها للرجال من محارمها؛ لأنهن الأكثر دراية بها، والأقدر على توجيهها والتأثير فيها متى استخدمن الحكمة. تفعيل دور الصالحات في المجتمع وإفساح المجال وفتح القنوات والميادين الملائمة أمامهن، ومحاولة إعداد بعض المتميزات ـ علماً وتفكيراً وسلوكاً ـ ثم إبرازهن بصفتهن قدوات لنساء المجتمع.
- توعية المجتمع بأهمية دور المرأة في نهضة الأمة ورقيها، ومطالبة أفراده بمؤازرتها والتواصي برفع صور الظلم المختلفة عنها والموجودة في بعض البيئات، وترك اللامبالاة والغفلة والتهميش للمرأة الذي يقع فيه بعض الأفراد، اقتداءاً بنبينا صلى الله عليه وسلم في تعامله مع المرأة.
ثانياً: سبل تتعلق بمجابهة العلمانيين، ومن أهمها:
- إبانة أهداف العلمانيين والتي من أبرزها:
أ - التشكيك بالأصول وإزاحة ثوابت الأمة العقدية وأسسها الفكرية والسلوكية وإحلال حضارة الغرب وقيمه مكانها.
ب - إخراج المرأة عن العبودية لله ـ عز وجل ـ والاستمساك بشرعه، وجعلها مجرد متاع في مسارح الرذيلة وملاهي الخنا ووسائل الإعلان وأوراق الصحف والمجلات وشاشات التلفزة والقنوات الفضائية.
ج - الدعوة إلى التفلت الديني والفوضى الاجتماعية تحت مسمى الحرية والمساواة.
د - إيضاح أن حقيقة الحقوق المزعومة التي يطالبون بإعطائها للمرأة حق الإلحاد والزنا والعري والحمل السفاح والشذوذ الجنسي سالكين طريقة التلميع للوسائل والتزوير للحقائق والإظهار للباطل بمظهر أخاذ.
- تتبع العلمانيين وكشف تاريخهم ودراسة إنتاجهم الفكري ورصد أنشطتهم ووزنها بميزان الشرع وإبانة ما فيها مما يتناقض مع ثوابت الأمة والسعي إلى زعزعتها لكي يتم فضح القوم وكشف انعزالهم عن قيم الإسلام وحضارته، وارتباطهم خدمة وتربية وفكراً وسلوكاً بجهات خارجية معادية تسعى إلى استئصال هوية الأمة وإحلال قيمها مكانها، وذلك من شأنه أن يمكن العلماء والدعاة من نقل الطرف الآخر من مرحلة الهجوم إلى الدفاع.
- تتبع مداخلهم النفسية وأنشطتهم الجاذبة لكثير من النساء والعمل على الحد منها والتخفيف من آثارها وإيجاد بدائل إسلامية عنها.
- العمل على استمالة القريبين فيهم من الحق ودعوتهم والعمل على كسبهم إلى جانب الموقف الشرعي الصحيح.(1/327)
- تحديد الشبهات التي يثيرونها حول النظام الإسلامي في مجال المرأة مما يتخذونه وسيلة لتشكيك المرأة في دينها وزعزة عقيدتها، والقيام بتفنيدها(4) والإثبات ـ عقلاً وواقعاً - أن النظام الإسلامي هو الطريق الأمثل لحماية المرأة من الظلم وصيانة المجتمع من الفساد، وإعطاء كل ذي حق حقه.
- بيان حقيقة واقع المرأة في الغرب وكشف ضخامة الأمراض والمشكلات التي تواجهها على كافة الأصعدة(5)، وفي ذلك أعظم تعرية للعلمانيين والذين يطالبون المرأة في مجتمعاتنا بمحاكاة المرأة الغربية والسير على منوالها إن هي أرادت سلوك طريق التقدم والمضي في دروب الحضارة ـ كما زعموا ـ.
ثالثاً: سبل تتعلق بالعلماء والدعاة، ومن أهمها:
-إدراك الواقع إدراكاً جيداً وتحليل جوانب القوة والضعف لدى الطرفين(6)، والاستفادة من ذلك في تحديد أهداف المرحلة والسبل المثلى للمدافعة. إبانة حقيقة النظام الإسلامي في معاملة المرأة، وتجلية محاسنه وإزالة الشبهات التي تثار حوله؛ لأنه لن يدحض الظلام إلا النور كما قال ـ تعالى ـ: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) [الإسراء: 18].
- إيضاح الاختلاف الجذري بين النظام الإسلامي وواقع المجتمعات الغربية، والذي من أبرزه:
أ - أن الأسرة في النظام الإسلامي تعد اللبنة الأولى في تكوين المجتمع؛ بينما يعد الفرد في الغرب هو الركيزة الأساس.
ب - أن العلاقة بين الجنسين في النظام الإسلامي علاقة تكامل وتلاحم وحرص من كلا الطرفين على مصالح الآخر كحرصه على مصالحه، وطبيعة العلاقة في كثير من أرجاء الغرب اليوم قائمة على التنافس والتنافر بين الجنسين وحرص كل من الطرفين ـ وبخاصة المرأة التي تشعر بالاستضعاف ـ على فرض هيمنته على الآخر.
ج - أن النظام الإسلامي يعطي المرأة حقوقها الشرعية كاملة وفي المقابل يطالبها بالقيام بالواجبات الشرعية التي يفرضها عليها والتي لا تقوم الحياة السوية إلا بها، وفي الغرب نجد أن كثيراً منهم ـ يتبعهم العلمانيون في بلداننا ـ يوهمون المرأة بسعيهم لإعطائها حقوقاً هي في واقع الأمر بوابتهم الرئيسة لاستعبادها واستخدامها استخداماً جسدياً قذراً بعيداً عن مراعاة متطلبات روح المرأة وعقلها وقيم المجتمع وأخلاقياته.
- إقامة لجان ومراكز أبحاث مهمتها العناية بالجوانب الإعلامية وإبراز جهود العلماء والدعاة ـ أفراداً ومؤسسات ـ في قطاع المرأة عموماً والأسرة خصوصاً في الجوانب المختلفة: العلمية، الاجتماعية والصحية، وإعداد المعلومات والإحصائيات عنها، ونشر ذلك بشكل دوري عبر وسائل الإعلام لإظهار ضخامة الجهد المبذول وضآلة ما يقوم به العلمانيون مقارنة بها.
- العناية بالنساء في البيئات الخاصة بالدعاة تعليماً وتربية؛ نظراً لإمكانية التأثير القوي والاتصال المباشر لكي يتم تلافي الإهمال غير المتعمد لها الناتج عن الانشغال بالبيئة الخارجية وإبراز قدوات نسائية للمرأة ذات عمق في التفكير وجدية في الاهتمامات وقوة في الأخذ بالإسلام.
- تفعيل دور العلماء والواجهات الاجتماعية الخيرة ـ ذكوراً وإناثاً ـ وكافة أفراد المجتمع ومطالبتهم بالقيام بالدور المنشود منهم في مواجهة طروحات العلمانيين ودفع خطرهم، استفادةً منهم من جهة وتوسيعاً لدائرة المعركة من جهة أخرى بدلاً من جعلها كما يريد العلمانيون بينهم وبين الدعاة فقط.
- زيادة المناشط الدعوية والاجتماعية وتحسينها والاعتناء بتناول الموضوعات المختلفة التي تحتاجها المرأة مع الحرص على التجديد في الأساليب والإبداع في الوسائل لضمان تفاعل المرأة معها بشكل أكبر.
- توثيق الصلة بالمثقفين ورجال الأعمال ومد الجسور معهم لترشيد أعمالهم من جهة والحيلولة دون أن تكون عوناً للعلمانيين على إفساد المرأة من جهة أخرى، وللتنسيق معهم في اقتحام مجالات جديدة تحتاجها المرأة كصناعة الترويح والملابس ونحوها وفق الضوابط الشرعية.
- توسيع دائرة الانفتاح الدعوي على كافة مجتمعات النساء: ملتزمات وغير ملتزمات، مثقفات وعاميات، متزوجات وغير متزوجات، أمهات وأخوات وبنات، وعدم قصر النشاط على فئة دون أخرى.
- اقتحام ميادين وقنوات دعوية جديدة في مجال المرأة، ومن أهم ذلك:
أ - قيام العلماء والدعاة بإنشاء جمعيات تنادي بالحقوق الشرعية للمرأة لقطع الطريق على العلمانيين الذين يَلِجُون من هذا الباب لتحقيق مآربهم.
ب -إقامة مراكز أبحاث نسوية خاصة بشؤون المرأة.
ج - إنشاء مؤسسات إنتاج ودور نشر متخصصة بقضايا المرأة ودعوتها.
العمل على تغيير هيكلة تعليم المرأة ليناسب وضعية المرأة ورسالتها في الحياة، والسعي لتطوير المناهج وفتح التخصصات التي تساعدها على القيام بدورها الأساس المنوط بها زوجةً وأماً ومربية.
وختاماً: فلا بد من إدراك أن الخطب جسيم، ويحتاج إلى استعانة صادقة بالله ـ تعالى ـ وعمل جاد، وتضافر قوي لكافة جهود المخلصين؛ وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة والمصير غير محمود، وعندها سيهيئ الله لدينه جيلاً ينصره ويقوم بأمره، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) تاريخ بغداد للخطيب: 4/963، شرح السنة للبغوي: 1/312، وصححه النووي في الأربعين واستبعد ذلك جداً ابن رجب في جامع العلوم والحكم: 2/493، وقال الحافظ في الفتح: 31/203: (أخرجه الحسن بن سفيان وغيره، ورجاله ثقات).
(2) من الأمور الهامة التي ينبغي تحريض المرأة على ممارستها: العبادة والذكر، مدارسة القرآن والأحاديث النبوية، القراءة المبرمجة، الاستماع إلى الأشرطة النافعة، إدارة المشاريع النسوية التعليمية والاجتماعية ودعمها، التعرف على الأرامل والأسر المحتاجة ومساعدتها، تعلم الأعمال المهنية والأنشطتة الملائمة من خياطة وحاسوب وأشغال فنية ومسائل الأمومة والاهتمام بالطفل ونحو ذلك.
(3) من أهم الحوافز التي ينبغي العناية بها: بيان ما أعد الله للداعين للهدى، وإيجاد الشعور بالتحدي ببيان ضخامة الاستهداف العلماني الموجه للمرأة، وذكر نماذج متميزة لبعض داعيات الحق وأخرى لداعيات الضلال.
(4) من أبرز الجوانب التي يكثر القوم من الطعن فيها: أحكام التعدد والميراث والحجاب والخلوة والاختلاط، ومسائل القوامة والولاية والطلاق.
(5) من الأمور التي لا بد للدعاة من الحديث عنها في هذا المجال: نسب العفة والزواج والطلاق والأولاد غير الشرعيين والخيانة الزوجية في الغرب، ومشكلات العنوسة والخروج عن الفطرة والتحرش بالمرأة والأمراض الجنسية والنفسية والتفكك الأسري وواقع الأبناء بعد خروج المرأة للعمل والمعاناة التي تلقاها الفتاة حتى تتزوج هناك، ومسائل النفقة والمعاملة التي تلقاها المرأة الغربية في أطوار حياتها المختلفة: أماً وأختاً وابنةً وزوجةً ومسنةً، متزوجة ومطلقة وأرملة.
(6) من أبرز جوانب قوة العلماء والدعاة: جلاء الحق الذي يدعون إليه، وعمق انتمائهم إليه، والعاطفة في المجتمع نحو الدين، وكراهية أفراده لأعدائه والعاملين لحساب جهات خارجية تريد تقويضه، والعودة الصادقة لكثيرات من نساء المجتمع نحو الالتزام بالإسلام عقيدة وسلوكا
===============
الوقت وكيفية تنظيمه للأم العاملة-1
الوقت وكيفية تنظيمه للأم العاملة
سؤال:
• تقول أختٌ سائلة: قليلاً ما أجد وقتاً للاستغفار ولذكر الله وقراءة القرآن.. وأشعر بنقص وفراغ؟
• كيف أنظم وقتي بين كوني زوجة وأم وأعمل بوظيفة، وبين كوني مسلمة يلزمها الحرص على فعل الطاعات والتقرب إلى الله؟(1/328)
الجواب:
• أختاه لا تتصوري أنك أنت الوحيدة بين النساء التي تواجه في حياتها عبء العمل ورعاية الأسرة.
• في الوقت نفسه تحمل في نفسها الشوق لطاعة الله، فالتوفيق بين رعاية الأسرة والعمل، وبين طاعة الله قد فعلته نساء كثيرات قبلك.
• عليك أن تعلمي أن عملك ورعايتك لأسرتك هو نوع من العبادة التي تتقربين بها إلى الله عز وجل، فبالعمل تؤدين خدمة لمجتمعك وأمتك، كما أنه بحصولك على مرتب من هذا العمل تؤدين خدمة لأسرتك حيث ترفعين من مستواها المادي.
• في النهاية فأنت الوحيدة التي تقدرين على التوفيق بين ما ترغبين في فعله من الطاعات للتقرب من الله، وبين ما تؤدينه من واجبات تجاه عملك وأسرتك.
• المهم في الأمر هو أن تجعلي نيتك في عملك ورعايتك لأسرتك في سبيل الله، وبذلك يصبح يومك كاملا في طاعة الله.
• عليك أن تقدري الأمر في حياتك، بحيث تجعلين طاعة الله ثم رعايتك لأسرتك في المرتبة الأولى.
• ثم عليك أن تقيسي مدى احتياجك للعمل وأثره على الجانبين السابقين، فإذا كان العمل يؤثر تأثيراً سلبياً على رعايتك لزوجك وأسرتك مثلا فعليك أن تشركي زوجك في الأمر، وتستشيرينه واضعة في اعتبارك أن طاعتك لله ثُم لزوجك مقدمان على أي شيء آخر.
نذكر بعض الخطوات العملية لتنظيم وقتك بين العمل والعبادة ورعاية البيت والزوج:
1. إخلاص النية لله في أداء العمل، ورعاية الأسرة.
2. الحرص على أداء الفرائض في أوقاتها.
3. إتمام النوافل القبلية والبعدية للصلوات المكتوبات
4. عمل قائمةٍ تسمَّى: "أعمالٌ يجب إنجازها اليوم"، صمِّمي جدولاً أو قائمةً بأوقات اليوم بالساعات، ثمَّ ضعي هذه الالتزامات أمامك، حدِّدي منها ما لها مواعيد لا يمكن تأجيلها أو تغييرها كالعمل مثلاً، ضعي هذه المواعيد الثابتة في الجدول، ثمَّ انظري في الباقي، وحاولي ترتيبه في الجدول حسب طبيعته وأفضل أوقاته، وهكذا حتى تنتهي منها كلِّها.
5. بعد ترتيب هذه الأعمال وتحديد أوقاتها، اختاري منها ما يجب إنجازه في هذا اليوم.. فإن كانت أكثر من الوقت المتاح، رتِّبيها حسب أولويَّاتها وضروراتها " وقومي بتنفيذ الأَوْلَى فالأَوْلَى.
6. قال صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل" متفق عليه. فحددي لنفسك زادا إيمانيا كل يوم واحرصي على الالتزام به ولو كان قليلاً، إذ يخبرنا علماء النفس أنَّ الإنسان لا يستهلك كلَّ طاقته، وبالتالي يبقى في قدرة الإنسان جزءٌ يمكن الاستفادة منه، فحاولي أن تمدِّدي وقت تعبك قليلاً، فإذا كنت متعوِّدةً أن تنهي كلَّ أعمالك والتزاماتك الخارجيَّة والداخليَّة الساعة العاشرة مساءً مثلاً، اجعليها العاشرة والنصف، وهذه النصف ساعة ليست بالوقت الكبير، ولا تحتاج إلى مجهودٍ فائق، فقط ثلاثون دقيقة، خذي فيها زاداً إيمانيّا؛ قيام، قراءة قرآن، قراءة كتابٍ في الرقائق...، وثقي بأنَّ هذه الفترة الزمنيَّة البسيطة ستزوُّدك بالكثير ما التزمت بها.. ولن أذيع لك سرًّا حين أقول: ستجدين -بعد فترةٍ ليست بالطويلة- أنَّ هذه الثلاثون دقيقةً قد تمدَّدت وتطاولت أضعافاً مضاعفة.
7. استثمري يوم الأجازة في التفكر في خلق الله أثناء النزهة، أو حضور درسٍ، أو قراءة قرآن، أو قيام ليلٍ أو ما إلى ذلك.. كما يمكنك عمل جلسة إيمانية للذكر وقراءة القرآن مع زوجك وأولادك، لكي تنمي عند أبنائك الوازع الديني، وتجعلي من زوجك عوناً لكِ، ومشجعاً على القرب من الله تعالى.
8. أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن عمل المرأة في بيتها وتربيتها لأبنائها من أعظم القربات إلى الله عز وجل، ففي الحديث الصحيح قال: صلى الله عليه وسلم (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) صححه الألباني.
9. لا تنشغلي عن واجباتك تجاه أبنائك وزوجك، لذا يجب فقط تصحيح النية في هذا الأمر، فلطالما نسمع النساء يتذمرن من أشغال البيت ومن مسؤوليات الأبناء، في حين أن عملهن هذا يؤجرن عليه خاصة إذا صاحب الأمر إتقان.
10. اغتنام الأوقات الفاضلة، حيث يضاعف الله تعالى الأجر والثواب ولذا كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لنا بالحرص على التماس هذه النفحات ففي الحديث "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها"، فاغتنمي الأوقات الفاضلة، ومن ذلك وقت السحر (الثلث الأخير من الليل) حيث قرب الزمان والمكان من الله سبحانه وتعالى.
11. اغتنام الأوقات البينية: فاجعلي لسانك دائماً رطباً بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ، فكثيراً ما تضيع منا ساعات طويلة ولا ننتبه إليها، فيمكنك أن تشغلي الوقت الذي يقتطع منك وأنت في طريقك إلى العمل وعند رجوعك يمكن الاستفادة من هذا الوقت بقراءة القرآن أو الاستماع أو شغله بذكر الله تعالى، وكذلك الحال وأن تقومين بأعمال البيت اليومية، فلماذا يخيم عليك الصمت ولماذا لا تجعلين لسانك مرددا للذكر في مثل هذه الساعات؟!
12. الإقدام على فعل الخيرات، ومساعدة المحتاجين قدر الاستطاعة في العمل وغيره.
13. المحافظة على صلة الرحم بالتزاور والاتصال أو المراسلة؛ حسبما تتيسر الظروف.
14. المحافظة على أذكار الأحوال المختلفة التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم (عند النوم، وعند الاستيقاظ، وقبل الخروج من المنزل، وعند الرجوع للبيت، والمأثور من الدعاء عقب الأذان، والدعاء قبل الطعام وعند الفراغ منه، وقبل دخول مكان قضاء الحاجة وبعده، إلخ.. فهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم في كل هذه الأحوال المختلفة وبهذا لن تمر عليك ساعة من ليل أو نهار إلا وهي في طاعة الله تعالى.
15. المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
وختاماً:
نذكر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).
فإن استطعت أن تحافظي على هذه الوسطية فأنت في نعمة من الله وتعالى وفضل ، فإذا لم تكن أوقاتك كلها في طاعة الله عز وجل فلا أقل من أن تجتنبي معاصيه.
==============
المقومات الشخصية للداعية (1/2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الداعية أمام جمهور الناس، لا بدّ له وأن يكون على هيئة حسنة في كلامه وتصرفاته، حتى يكون داعية ناجحاً، ولما كان كذلك فإنه واجب - ولا محالة - بيان ذلك للناس.
فهو وقت قد تكالبت فيه قوى الشر جميعها بشتى ألوانها وأشكالها على الحركة الإسلامية، يتنافسون فيما بينهم للقضاء عليها. إن الواجب علينا أن نبين الصفات الأصيلة للدعاة من كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسير علماء السلف -رضوان الله عليهم-.
وسوف نتناول بعض الصفات المهمة والخطوط الرئيسة فقط؛ لأن صفات الداعية هي الإسلام كله.
ذكر بعض الآيات الواردة في ذلك والتعليق عليها:(1/329)
قال -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}آل عمران159، قال سيد قطب: فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم، ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم، ولا يعنيهم بهمّه، ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والمودة والرضاء. ا.هـ. [الظلال 1/494].
إن الداعية أمام جمهور الناس، لا بدّ له وأن يكون على هيئة حسنة في كلامه وتصرفاته، حتى يكون داعية ناجحاً، ولما كان كذلك فإنه واجب - ولا محالة - بيان ذلك للناس
وقال -تعالى-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }الأعراف199، قال سيد قطب: خذ العفو الميسّر الممكن من أخلاق الناس في المعاشرة والصحبة، ولا تطلب إليهم الكمال، ولا تكلّفهم الشاق من الأخلاق، واعف عن أخطائهم وضعفهم ونقصهم، وبذلك تمضي الحياة سهلة لينة.
فالإغضاء عن الضعف البشري، والعطف عليه، والسماحة معه، واجب الكبار الأقوياء تجاه الصغار والضعفاء. ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راعٍ وهادٍ ومعلم ومربٍّ، فهو أولى الناس بالسماحة واليسر والإغضاء، وكل أصحاب الدعوة مأمورون بما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالتعامل مع النفوس البشرية لهدايتها يقتضي سعة صدر، وسماحة طبع، ويسراً وتيسيراً في غير تهاون ولا تفريط في دين الله، وأمر بالعرف: هو الخير المعروف الواضح السليم الذي تقبله الفطر السليمة والنفوس المستقيمة، والنفس حين تعتاد هذا المعروف، فإنها تكون بعد ذلك مطواعاً لألوان من الخير دون تكليف، فرياضة النفوس أولاً تقتضي أخذها بالميسور المعروف شيئاً فشيئاً إلى حد التمام.
وأعرض عن الجاهلين: من الجهالة ضد الرشد، والجهالة ضد العلم، وهما قريب من قريب.
والإعراض يكون بالترك والإهمال، وعدم الدخول معهم في جدال لا ينتهي إلى شيء إلا الشد والجذب، وإضاعة الوقت والجهد، بل إن الإعراض والسكوت عنهم كما هو صريح الآية قد يؤدي إلى تذليل نفوسهم وترويضها، بدلاً من الفحش في الرد، واللجاج في العناد، فإن لم يؤدِّ إلى هذا فإنه يعزلهم عن الآخرين الذين في قلوبهم خير، وما أجدر صاحب الدعوة أن يتبع هذا التوجيه الرباني العليم بدخائل النفوس.
ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر، وقد يثور غضبه على جهالة الجهال، وسفاهة السفهاء، وحمق الحمقى ولنعلم جميعاً أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدر عليها، فقد يعجز عنها من وراءه من أصحاب الدعوة، وعند الغضب ينزغ الشيطان في النفس، وهي ثائرة هائجة مفقودة الزمام؛ لذا يأمره ربه أن يستعيذ بالله. ا.هـ. [الظلال 3/1419].
وقال -تعالى-: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}النحل125، لنعلم أن الدعوة، دعوة إلى سبيل الله، لا لشخص الداعي ولا لقومه، فليس له إلا تأدية واجب لله، لا فضل له يتحدث به، لا على الدعوة ولا على من يهتدون به، وأجره بعد ذلك على الله.
الدعوة بالحكمة: إن النظر في أحوال المخاطبين وظروفهم وفي القدر الذي بينه لهم في كل مرة حتى لا يُثقل عليهم وفي الطريقة التي يخاطبهم بها والتنويع في هذه الطريقة تكون حسب مقتضياتها، فلا تستبد به الحماسة والاندفاع والغيرة فيتجاوز الحكمة في هذا كله وفي سواه.
الموعظة الحسنة: بعدم فضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية، والإتيان بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ، فإن الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلف القلوب النافرة.
الجدل بالتي هي أحسن: أن يكون بلا تحامل ولا ترذيل له ولا تقبيح، وفائدته:
أ - اطمئنان المدعو وشعوره بأن هدف الداعي هو الوصول إلى الحق، ليس الغلبة وهزيمة الآخرين.
ب - أنه يطامن من الكبرياء الحساسة والعناد والجدل وشعوره بأن ذاته مصونة، وقيمته كريمة، ولما كانت النفس البشرية تعد تنازلها عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها؛ حفظ الله لها ذلك فأمر جدالها بالحسنى.
إنه خوف من اندفاع الداعية بحماسه، أرشدنا إلى الفصل في مسألة مهمة، وهي:
الداعية إذا لم يجد تجاوباً من المدعو، كيف يكون العمل؟
الله هو الأعلم بمن ضل عن سبيله وهو الأعلم بالمهتدين، فلا ضرورة للحاجة في الجدل، إنما هو البيان والبلاغ والأمر بعد ذلك كله لله. [الظلال بتصرف 4/2201-2202].
والله -جل جلاله- قد أبان ذلك في كتابه، فقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41، وقال: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }فاطر8، وقال:{اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ,مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }المائدة99,98.
ذكر بعض الأحاديث الواردة في ذلك والتعليق عليها:
أخلاق الداعية:
عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث مهلكات وثلاث منجيات:
ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المر بنفسه.
وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا" حديث حسن، أخرجه البزار والبيهقي والطبراني وغيرهم. [الترغيب 1/286، 3/381]، [الصحيحة 4/412] (1802).
إن الأخلاق المشار إليها هي النبائل كلها، والفضائل جمعاء، هي البعد عن كل سوء، والقرب من كل خير.
ومن الأخلاق السيئة التي ينبغي تجنبها: إعجاب المرء بنفسه! ويزيد ذلك سوءاً إذا وافقه جهل من البعض، فيتّبعون هذا المُعجَب بنفسه -عياذاً بالله-، علماً أنّ مثل الاتباع وحده عند كثير من العلماء الربانيين، مكروه مُستقبَح، فلقد رأى عاصم بن ضمرة قوماً يتبعون رجلاً، فقال: "إنها فتنة للمتبوع؟ مَذلّة للتابع" [أخرجه أحمد في العلل 2/16].
فكيف بمُعجَب بنفسه، يطعن بغيره، ليكثِّر أتباعه! فمثل هذا يجمع سوءاً على سوء على سوء!!
فأخلاق الداعية الفاضلة تدفعه دفعاً حثيثاً لأن يحافظ على:
سياج الدعوة:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَفْرُك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" [حديث صحيح، أخرجه مسلم 1469].(1/330)
إن هذا الأدب الذي أرشد إليه -صلى الله عليه وسلم- ينبغي سلوكه واستعماله مع جميع المعاشَرين والمعامَلين فإن نفعه الديني والدنيوي كثير، وصاحبه قد سعى في راحة قلبه، والكمال في الناس متعذّر، وحسب الفاضل أن تُعد معايبُه. إن من لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- بل عكس القضية، فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن، فلا بد أن يقلق ويتكدّر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطّع كثير من الحقوق التي على كلٍّ منهما المحافظة عليها ثم لا ننسى أن هذا الحديث أصل في معاملة الزوجة وكل من بينك وبينه عَلَقة واتصال وأنه لا بد من الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن وبهذا تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة. إن معرفة الداعية لسياج الدعوة يجعله بالمحل الأعلى من: [الوسائل المفيدة للسعدي ص25].
تقدير الأمور:
عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة! لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرتُ بالبيت فهُدِم، فأدخلتُ فيه ما أخرج منه، وألزمته بالأرض، وجعلت له بابين: باباً شرقياً، وباباً غربياً، فبلغتُ به أساس إبراهيم" [أخرجه البخاري 3/439 (1586)، ومسلم 9/91].
فبتقدير الأمور يوضع كل شيء في نصابه، وتتجلى حكمة الداعية في أعلى صورها، فلا يُضخِّم صغيراً، ولا يصغِّر عظيماً، ويتأمل السياسة الشرعية في سائر أفعاله.
فنحن لا نسكت عن الحق وتبليغ السنة، وفي الوقت نفسه، نبلِّغها بكل حكمة وبكل أسلوب حسن، فإذا رأينا أن هناك أشياء عكسية حصلت أو ستحصل، اكتفينا بالذكرى { فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55.
وهذا هو أسلوب النبي -صلى الله عليه وسلم- في:
طريقة التربية.
عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه" [أخرجه مسلم 16/146].
فالمنهج إذاً: الدعوة برفق ويسر ولين، والبُعد عن العنف والشدة والقسوة، فبهذا يستجيب لنا الناس والمدعوّون في الدنيا، ونحظى برضا الله وعفوه في الآخرة.
ومن الأمور الكلية التي ينبغي معرفتها:
الفرق بين النظرية والتطبيق:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت ليلة أُسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟" [حديث حسن أخرجه ابن حبان وأبو يعلى وأحمد وغيرهم وصحّحه الألباني (الصحيحة 1/524 برقم 291)].
وهذه قضية من أهم ما يواجهها الدعاة إلى الله -سبحانه-، فترى الداعية أو الخطيب يتحدّث عن الزهد وهو عنه بمعزل، أو يتكلم عن الغيبة وهو لها صاحب ورفيق، أو يذكّر بالآخرة وهو آخر من يُفكّر فيها أو يُعدّ لها!! إنهم خطباء قوالون، ومن كان كذلك فالخوف عليه كبير، والبُعد عنه مغنم وفير، إلا لنصح أو تذكير! [الأربعون حديثاً في الدعوة والدعاة، لعلي حسن علي عبد الحميد، 50-61].
عوامل في تكوين شخصية الداعية:
1 - أن يتصوّر الشاب الأخطار المحدقة التي تكتنف بلاد الإسلام:
إن من الأمور التي يجب أن تدركوها أيها الشباب أن المخططات التي تُتخَذ في أوكار الصهيونية والماسونية والصليبية والشيوعية والاستعمار أكثر من أن تُحصى، وكلها تستهدف إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق الخمر والجنس وإطلاق عنان الغرائز والشهوات، إن المرأة عند هؤلاء هي أول الأهداف في هذا الميدان الماكر، فهي العنصر الضعيف العاطفي التي تنساق وراء الدعاية والفتنة والإغراء بلا رويّة ولا تفكر.
ومما قاله القس زويمر في مؤتمر المبشرين الذي عُقِد منذ أكثر من 60 سنة في جبل الزيتون في القدس: (إنكم أعددتم نشئاً في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً ما أراد له الاستعمار، لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلّم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات...).
وجاء في بروتوكولات أشقياء صهيون ما يلي (يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان، فتسهل سيطرتنا، إن فرويد منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدّس، ويصبح همّه الأكبر هو إرواء غريزته الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه).
بل وصل الأمر باليهود أيها الشباب أن رسموا لإفساد الإنسانية منهجاً أخذوا في تنفيذه عن طريق وسائل الإعلام ودور النشر وغيرها، واستطاعوا بمكرهم وخبثهم أن يفسدوا الشعوب عن طريق الثقافات العامة والفنون والملاهي ودور الدعارة وأشباهها، كما أنهم استطاعوا بدهائهم وتلاعبهم أن يستولوا على كراسي علم النفس وعلم الاجتماع في كثير من جامعات أمريكا وأوروبا وذلك بغرض إفساد عقائد الناس وأخلاقهم؛ فاستولوا على ما يقرب من 90% من هذه الكراسي، لتتم لهم القيادة الفكرية والفلسفية في العالم كله، ويجب ألا يغيب عن البال أنّ من أعظم هذه المخططات التي تسيّرها الماسونية واليهودية والاستعمار في بلاد الإسلام في العصر الحديث إقامة دولة إسرائيل في قلب البلاد العربية التي هي مهد الإسلام وقلبه النابض.
إن أحلام اليهود وآمالهم ومؤامرتهم الكبرى تمتد من الفرات إلى النيل بل الاستيلاء على المدينة المنورة والمسجد الحرام كما صرّح بذلك موشى ديان.
أيها الشباب: أقولها كلمة صريحة مدوية: لا استقرار في بلاد الإسلام، وإسرائيل موجودة قائمة... لا سلام ولا أمن في البلاد العربية، وإسرائيل تفرض وجودها، وتنفّذ يوماً بعد يوم مخططها!!
إنها السرطان الذي ينمو شيئاً فشيئاً في جسم الأمة الإسلامية.. إنها الأفعى التي تنفث سمومها في أجواء العالم الإسلامي، ولا يمكن للسرطان أن يبرأ إلا بالاستئصال، ولا يمكن للأفعى أن يُمنَع أذاها إلا باقتلاع شوكة السُّم المتأصلة فيها، إنه لا بد للشباب من معرفة الغزو من الداخل عن طريق العملاء، وعبيد الفكر الغربي، والأحزاب الموالية من ليبرالية، ويسارية.. وعن طريق الفِرَق المنشقة على الإسلام كالبهائية والقاديانية، والنصيرية، والإسماعيلية، والدرزية، وغيرها من الفرق الباطنية الكافرة.
إن الشباب حين يعلمون أبعاد هذه المؤامرات؛ ويدركون وسائل هذه المخططات... يكون اندفاعهم للإصلاح أقوى، ويكون تحركهم للدعوة إلى الله أعظم.
2 - أن يتفاءل الشاب بالنصر؛ ويقطع من إحساسه دابر اليأس والقنوط:
أيها الشباب: صحيح أن الدول الغربية عامة، وأمريكا خاصة هي التي صنعت إسرائيل.
وصحيح أن الاستعمار له وسائله وأساليبه في إخراج المسلم من الإسلام، وإدخاله في تيار اللادينية والإباحية.
وصحيح أن الشيوعية العالمية لها مخططها الأكبر في تلحيد الجيل المسلم وإفساد خلقه وعيدته.
وصحيح أن اليهودية العالمية لها مخططاتها وأساليبها في القضاء على الأديان غير اليهودية، والسيطرة على العالم العربي والإسلامي، وصحيح أن الدول الكبيرة في العالم سواء أكانت شرقية أو غربية تعمل جاهدة لتقوية إسرائيل، وتحرص على وجودها لغايات سياسية، وأهداف اقتصادية، ومصالح ذاتية، صحيح أن التآمر على الإسلام وأهله بلغ هذا الحد الكبير والمدى الواسع...
ولكن ينبغي على المسلمين ولا سيما الشباب ألا يتملكهم القنوط في بناء العزة، وأن لا يستحوذ عليهم اليأس في تحقيق النصر، وذلك:(1/331)
أ – لأن القرآن الكريم حرّم اليأس، وندّد باليائسين، قال -تعالى-:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }يوسف87 فجعله قريناً للكفر، وقال: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ }الحجر56 فجعله قريناً للضلال، إن اليأس قاتل للرجال، وهازم للأبطال، ومدمر للشعوب.
إن اليأس لا يجوز في دين الله، قال أحمد شوقي:
فعلم ما استطعت لعل جيلاً ... سيأتي يحدث العجب العجابَ
ولا ترهق شباب الحي يأساً ... فإن اليأس يخترم الشبابَ
أيها الشباب: احذروا من وجهات النظر اليائسة التي تقول "انتهى كل شيء وعجزنا"، "الزم حلس بيتك فليس في الجهاد فائدة"، "نحن اليوم في آخر الزمان".
إن هذه الطائفة اليائسة عندما تتبنى هذه الوجهة من اليأس والقنوط، إنما تُدلِّل على هلاكها لا على هلاك المسلمين. قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال هلك المسلمون فهو أهلكهم" [حديث صحيح، أخرجه مسلم 16/175]. والعجيب أن تجد من يتصدى للدعوة والإرشاد من ينادي بالعزلة الكاملة، والتزام أحلاس البيوت؛ اعتقاداً منهم أن لا سبيل إلى إصلاح هذه الأمة، وأن لا أمل إلى استعادة مجدها، واسترجاع عزتها وكيانها... وآن الأوان في نظرهم أن يخرج المسلم ببضع غنيمات يتّبع بها شعف الجبال... يفر بدينه من الفتن حتى يدركه الموت!!
صحيح أيها الشباب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن" [حديث صحيح أخرجه البخاري 1/69] وغيره.
ولكن الحديث محمول على من يُفتَن في دينه، ويُجبَر على الردّة!!
أما ما دام أنه توجد جماعات إسلامية تدعو إلى إقامة حكم الله في الأرض، فإنه يجب على المسلمين التعاون لإقامة حكم الله في ربوع الإسلام، وأن يحرّروا الأرض المقدسة من براثن يهود، وأن يسعوا في تكوين وحدة المسلمين الكبرى تحت ظل الخلافة الراشدة.
ب – لأن التاريخ برهن على انتفاضات الأمم المنكوبة في وجه أعدائها:
من كان يظن يا شباب أن تقوم للإسلام قائمة في الأيام الأولى التي انتقل فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، ففي هذه الأيام عظم الخطب، واشتد الحال، ونجم النفاق، وارتد من ارتد من أحياء القرب، وظهر مدّعوا النبوة، وامتنع قوم عن أداء الزكاة، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة.
وأصبح المسلمون كما يقول عروة بن الزبير رضي الله عنه: "كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم، وقلة عددهم وكثرة عدوهم" حتى وُجد من المسلمين من قال لأبي بكر -رضي الله عنه-: "يا خليفة رسول الله: اغلق بابك، والزم بيتك، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"!!
ولكنّ أبا بكر -رضي الله عنه- لم يعتره اليأس، ولم يمتلكه القنوط.. وإنما واجه هذه الأحداث والفتن بإيمان راسخ يزن الجبال، وبعزيمة ثابتة متينة دونها العواصف الهوج، وبتفاؤل وأمل يعيد للإسلام إشراقه، ولوحدة المسلمين تماسكها!! هو الذي قال: "أينقص الدين وأنا حي" وهو الذي وقف في وجه عمر، وصاح حين جاءه يعاتبه في قتال مانعي الزكاة "مَه يا عمر، رجوت نصرتك، وجئتني بخذلانك!! أجبار في الجاهلية، وخوار في الإسلام، ماذا عسيتُ أن أتألفهم بسحر مفتعل أو بشعر يفترى؟ هيهات، هيهات... مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانقطع الوحي، فوالله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي، فوالله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فوالله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه"!! وهو الذي أنفذ جيش أسامة وقال: "ما كنت أحل عقداً عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده". هكذا أيها الشباب تغلّب أبو بكر -رضي الله عنه-على الصعاب؛ وقضى على الثورات والفتن، وانتصر على المرتدين ومدّعي النبوة، ومانعي الزكاة، حتى استطاع أن يرجع للمسلمين عزتهم ووحدتهم، ولليائسين تفاؤلهم وأملهم، وللخلافة هيبتها وسلطانها...
وهكذا يصنع أقوياء الإيمان، وعظماء الرجال!!
من كان يظن أيها الشباب أن تقوم للمسلمين قائمة لما استولى الصليبيون على كثير من البلاد الإسلامية، والمسجد الأقصى ما يقارب مائة عام، حتى ظن الكثير من الناس أن لا أمل في انتصار المسلمين على الصليبيين، وأن لا رجاء في رد أرض فلسطين مع مسجدها الأقصى إلى حوزة المسلمين.
من كان يظن أن هذه البلاد ستتحرر في يوم ما، على يد البطل المغوار (صلاح الدين) في معركة حطين الحاسمة، ويصبح للمسلمين من الكيان والقوة والعزة والسيادة ما شرّف التاريخ!!
من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة لما خرّب المغول والتتار العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، ونهبوا الأموال، وداسوا القيم، وفتكوا في الأنفس والأعراض فتكاً ذريعاً؛ حتى قيل: إن جبالاً شامخة، وأهرامات عالية، أقامها (هولاكو) من جماجم المسلمين!!
ومما قاله المؤرخ (ابن الأثير الجزري) في فداحة هذا المصاب: "لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها؛ فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني!! ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً!!".
من كان يظن – أيها الإخوة – أن بلاد الإسلام ستتحرّر في يوم ما على يد البطل المقدام (قطز) في معركة (عين جالوت) الحاسمة، ويصبح للمسلمين من العظمة والمجد والرفعة.. ما تفخر به الأجيال!!
وهكذا يصنع أقوياء الإيمان، وعظماء الرجال!!
إن التفاؤل بالنصر – أيها الشباب – هو الذي يهيئ النصر، ويحقق المزيد من الانتصارات الحاسمة في كل زمان ومكان.. وإن الله _جل جلاله_ مع المتقين المخلصين المجاهدين، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والحافظين لحدود الله {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }القصص5، فما عليكم يا شباب الإسلام إلا أن تقطعوا من نفوسكم دابر اليأس والقنوط، وتقبلوا على الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله، بروح متفائلة، وأمل بسّام... عسى الله أن يحقق على أيديكم نصر الإسلام الأكبر، ودولة المسلمين العتيدة.. وما ذلك على الله بعزيز..
3 – أن يعلم الشاب فضل الدعوة والداعية:
أتعرفون يا شباب فضل الدعوة والداعية عند الله؟
أتعرفون المنزلة الكبرى التي خصّ الله بها دعاة الإسلام؟
أتعرفون ماذا أعد الله للدعاة من مثوبة وأجر وكرامة؟
يكفي الدعاة منزلةً ورفعةً أنهم خير هذه الأمة على الإطلاق {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}آل عمران110.
يكفي الدعاة سمواً وفلاحاً أنهم المفلحون والسعداء في الدنيا والآخرة {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104.
ومن معالم الأسلوب الأقوم في التأثير، دراسة البيئة التي يتم فيها تبليغ الدعوة، فعلى الداعية أن يعرف مراكز الضلال ومواطن الانحراف، وأسلوب العمل الذي يتفق مع عقلية الناس واستعداداتهم ومستوى تفكيرهم، ومبلغ استجابتهم وتقبلهم(1/332)
يكفي الدعاة شرفاً وكرامة أن قولهم في مضمار الدعوة أحسن الأقوال، وأن كلامهم في التبليغ أفضل الكلام {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }فصلت33.
يكفي الدعاة منّاً وفضلاً أن الله _سبحانه_ يشملهم برحمته الغامرة، ويخصهم بنعمته الفائقة {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71.
يكفي الدعاة أجراً ومثوبة أنّ أجرهم مستمر، ومثوبتهم دائمة، قال _صلى الله عليه وسلم_: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً..." [حديث صحيح، أخرجه مسلم].
يكفي الدعاة فخراً وخيرية.. أن تسبّبهم في الهداية خير مما طلعت عليه الشمس وغربت، قال _صلى الله عليه وسلم_: "... فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" [حديث صحيح، أخرجه البخاري 7/70 برقم 3701]، وفي حديث آخر "خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت" [حديث ضعيف، أخرجه الطبراني في الكبير (ضعيف الجامع 4646)].
هل رأيتم يا شباب منزلة تضاهي منزلة الدعوة؟
هل سمعتم في تاريخ الإنسانية كرامة تعادل كرامة الداعية؟
فإذا كان الأمر كذلك فانطلقوا أيها الشباب في مضمار الدعوة إلى الله مخلصين صادقين.. لتحظوا بالأجر والمثوبة، والرفعة والكرامة.. في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. في مجمع من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقاً!!
4 – أن يعرف الشاب الأسلوب الأقوم في التأثير على الآخرين:
إن من معالم الأسلوب الأقوم في التأثير أيها الشباب أن يكون فعل الداعية مطابقاً لقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ,كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }الصف3، وفي الآية تنديد بالذين يدعون غيرهم إلى الخير وينسون أنفسهم {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة44.
ومن معالم الأسلوب الأقوم في التأثير، دراسة البيئة التي يتم فيها تبليغ الدعوة، فعلى الداعية أن يعرف مراكز الضلال ومواطن الانحراف، وأسلوب العمل الذي يتفق مع عقلية الناس واستعداداتهم ومستوى تفكيرهم، ومبلغ استجابتهم وتقبلهم.
فبلد انتشرت فيه الشيوعية أو الوجودية أو الماسونية، وأصبحت عند أهله انحرافات فكرية وعقدية وخلقية، مثل هذا البلد تختلف الكتب التي ينبغي أن تُنشر فيه، ونوعية المحاضرات التي تُحاضَر فيه، وموضوع الأسئلة والمناقشات التي تُطرَح فيه، تختلف كلياً عن بلد فيه نصارى، وفيه أفكار رأسمالية، وفيه نزعة إلى الحرية والديمقراطية، قال _صلى الله عليه وسلم_: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" [حديث ضعيف، أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس، ضعيف الجامع 23].
ومن معالم الأسلوب الأقوم في التأثير البدء بالأهم فالمهم: البدء في الدعوة بعقيدة التوحيد قبل العبادة، وبالعبادة قبل مناهج الحياة، وبالكليات قبل الجزئيات، وبالتكوين الفردي قبل الخوض في غمار السياسة.
وهذه هي طريقة النبي _صلى الله عليه وسلم_، وطريقة أصحابه الكرام _رضوان الله عليهم_ في الدعوة كما في حديث معاذ المشهور، كل هذا حتى يستطيع أن يؤثر على الآخرين، وينتشلهم من وهدة الضلال إلى رياض الهداية.
ومن معالم الأسلوب الأقوم في التأثير، الملاطفة الخالصة في دعوة الآخرين إلى الإسلام.
وما أجمل ما عبر عنه القرآن في أسلوب الدعوة وأخلاق الداعية حين قال: {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }آل عمران159، وقوله: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }طه44، ويحضرني الآن – أيها الشباب – قصة الرجل الواعظ الذي دخل على أبي جعفر المنصور، وقد أغلظ عليه في الكلام، فقال له أبو جعفر: يا هذا ارفق بي، أرسل الله _سبحانه_ من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل الله موسى إلى فرعون فقال له: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }طه44، فخجل الرجل على ما بدر منه، وعرف أنه لم يكن أفضل من موسى _عليه السلام_، وأن أبا جعفر لم يكن أشد شراً من فرعون!!
وقد جاء غلام شاب إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ فقال له: يا نبي الله أتأذن لي في الزنى؟ فصاح الناس به، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "قربوه، اُدن، فدنا حتى جلس بين يديه، فقال _عليه السلام_: أتحبه لأمك؟ قال: لا، جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟ قال: لا، جعلني الله فداك، قال: فكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟ قال: لا، جعلني الله فداك، قال: فكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم" حتى ذكر العمة والخالة، ثم وضع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يده على صدره وقال: "اللهم طهّر قلبه، واغفر ذنبه، وحصِّن فرجه" فلم يكن شيء أبغض عليه من الزنا!! [حديث صحيح، أخرجه أحمد 5/256-257، الصحيحة 1/645 برقم 370].
أيها الشباب: إن مطابقة أفعالكم لأقوالكم؛ الناس يستجيبون لكم ويثقون بكم..
أيها الشباب: إن دراستكم للبيئة التي تدعون؛ تجعل جهودكم مباركة ولا تذهب أدراج الرياح..
أيها الشباب: إن بدئكم الدعوة إلى الله بالأهم فالمهم.. يحقق الله الهدى والخير على أيديكم..
أيها الشباب: إن ملاطفتكم للناس حين تبلّغون رسالات ربكم، القلوب ترنوا إليكم، والنفوس تتعلق بكم، والناس يقبلون على دعوتكم، فاحرصوا يا شباب أن تكونوا الدعاة الموفقين، والهداة الناجحين، والجنود العاملين المخلصين، فالله لا يخيّب مسعاكم، ولن يتركم أعمالكم، إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم...
5 – أن يعمق الشاب في نفسه عقيدة القضاء والقدر:
إنه ينبغي أن يترسخ في نفس المسلم، ولا سيما الداعية إلى الله...
إن معنى ذلك أن تعتقد أن الآجال بيد الله، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضره إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وعليه أن يضع نصب عينيه قوله _تعالى_: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }التوبة51، وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً }آل عمران145، وبهذا يتحرّر الداعية من الخوف والجزع، ويتحلى بالشجاعة والإقدام، ويهتف بما هتف به علي _رضي الله عنه_حين كان يجابه الأعداء، ويقارع الكفار في غمرات الحروب والوغى:
أيُّ يوميّ من الموت أفرّ ... يوم لا يُقدر أم يوم قُدِر
يوم لا يُقدر لا أرهبه ... ومن المقدور لا ينجو الحَذِر(1/333)
إن معنى ذلك أن يؤمن الداعية من أعماق نفسه أن الأرزاق بيد الله، وأن ما بسطه الله على العبد من رزق لم يكن لأحد أن يمنعه، وأن ما أمسكه عليه لم يكن لأحد أن يعطيه... وعليه أن يضع نصب عينية قول الحق _سبحانه_: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }الإسراء30، وأن يردد صباح مساء قوله _جل جلاله_: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ,فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }الذاريات23,22.
وبهذا يتحرّر الداعية من الذل والبخل، والشح بالنفس.. ويتحلى بالعزة والإيثار والإنفاق في سبيل الله... ويهتف بما هتف به الإمام الشافعي حين كان يتغنى بعزة النفس، وطلب المعالي، والاقتناع بكفاف العيش:
أنا إن عشتُ لست أعدم قوتاً ... وإذا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي ... نفسُ حرٍّ ترى المذلة كفرا
وإذا ما قنعت بالقوت عمري ... فلماذا أخاف زيداً وعمروا
إن معنى ذلك أن يرضى الداعية بما كتبه الله عليه من ابتلاءات الخوف والجوع والمرض ونقص في الأموال والأنفس والثمرات، وأن كل ما يصيبه إنما يجري بقضاء الله وقدره، وبمشيئته وإرادته... وأنه لا كاشف لكرب إلا هو، ولا واهب للنعمة إلا من اتصف بالغنى والقدرة _سبحانه_.. وعليه أن يضع نصب عينيه قول الحق _سبحانه_: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ , الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }البقرة156,155، وأن يردّد صباح مساء قوله _جل جلاله_: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ }الأنعام17.
وبهذا يتحرّر الداعية من نزعة الهواجس النفسية والأفكار المخيفة والتحسّب للابتلاء...
ويتحلى برباطة الجأش، والاستسلام لقضاء الله وقدره في كل ما ينوب ويروع، ويبيت وهو مطمئن النفس، مرتاح البال، هادئ الشعور... ويهتف بما هتف به الطغرائي في لاميته حين قال:
حب السلامة يُثني هم صاحبه ... عن المعالي ويغري المرء بالكسل
فإن جنحت إليه فاتخذ نفقاً ... في الأرض أو سلماً في الجو فاعتزل
إن الذين يعتذرون عن واجب الدعوة، وتبليغ رسالة الإسلام بكلمات مقنعة يرضون بها أنفسهم وضمائرهم، ويعتذرون بالضعف والأهل والعيال وقطع الرزق.. ويعتذرون بما يتحسّبون به من أذى في تبليغ الدعوة وإعلان كلمة الحق... نقول لهؤلاء جميعاً:
إن الإسلام بنى حقيقة التوحيد على الإيمان بالله، والرضا بقضائه وقدره، والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع... أمّا أن يخاف الناس على رزقهم ومعاشهم، ويحسبون ألف حساب للأذى والاضطهاد.. فهذا شأن الرعديد الجبان الذي لم يذق في قلبه طعم الإيمان، والذي لم يفهم بعدُ أن الله _سبحانه_ هو المُغني والمُفقر، والمعطي والمانع، والمُعز والمذل، والقاضي والمقدِّر، وهو على كل شيء قدير.
وإليكم يا من تحسبون لقطع الرزق حساباً، قصة هذه المرأة المؤمنة الصابرة التي تربّت في مدرسة الإيمان، ورتعت في روضة اليقين، ونشأت على حب الله والرسول والإسلام...
إليكم موقفها الرائع، وجوابها المفحم، وذلك حين خرج زوجها للجهاد، وجاءها من يستثير حزنها وأساها ويهيّج عاطفتها وإحساسها... جاءها من يقول لها: أيتها الأم المسكينة، من يقوم على عيالك، ويرعى أولادك، إذا قدّر الله على زوجك الموت، وكتب له الشهادة؟
فما كان منها إلا أن صرختْ في وجهه، وقالت له في ثقة وإيمان واطمئنان: إني أعرف زوجي أكّالاً ولم أعرفه رزّاقاً، فإذا مات الأكّال بقي الرزاق.
وإليكم يا من تتهيّبون الموت، وتخشون المعارك، وتحرصون على الحياة... إليكم ما قاله سيف الله خالد بن الوليد _رضي الله عنه_: "إني حضرت مئة حرب أو زهاءها وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف، أو طعنة رمح، أو رمية سهم... أهكذا أموت على فراشي كما يموت العَيْر (الحمار)؟ فلا نامت أعين الجبناء!!..".
وتعلمون يا شباب، أن من سنن الله في الأنبياء والمصلحين، والدعاة إلى الله.. التعرض لأصناف الابتلاء في تبليغهم، والتصدي لمكائد الأعداء في دعوتهم.. وهذا أمر طبعي حين يقف الحق والباطل وجهاً لوجه، وإليكم ما يقوله الحق _جل جلاله_: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ,وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}العنكبوت3، وقوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }آل عمران195.
وإليكم ما يقوله سيد الدعاة، وقائد المجاهدين _صلوات الله وسلامه عليه_ لما اشتد إيذاء قريش على ضعفاء المؤمنين، وقد جاؤوا إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ – وهو متوسد بردة في ظل الكعبة – يقولون: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال لهم النبي _صلى الله عليه وسلم_: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" [حديث صحيح، أخرجه البخاري 12/315 (6943)].
فما عليكم يا شباب الدعوة إلا أن توطنوا أنفسكم على الصبر، وأن توطدوها على التحمل والثبات، وأن تعمّقوا في نفوسكم عقيدة القضاء والقدر... حتى تَصِلوا في نهاية المطاف إلى نهاية النصر المؤزر، وتحظوا برضوان الله وجنته، وتلقوا الله _عز وجل_ في مجمع من الملائكة والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً... [انظر هذا وما قبله في دور الشباب في حمل رسالة الإسلام لعبد الله علوان، ط دار السلام – بيروت].
6 – أن يؤصّل الشاب بينه وبين الجماعة العاملين التحاب والتواثق والتعاون:
وذلك بالتناصح والتواصي بينهم بالحق والصبر، إنه لا غنى عن هذه العوامل لنظام أي جماعة في الأرض..
إنه لو تخلّق كل فرد بأعلى ما يكون من الصفات الجميلة والأخلاق المحمودة وليس بينه وبين غيره من العاملين تلكم الصفات المذكورة، فإنهم لا يستطيعون أبداً أن يقوموا في وجه الباطل ويقارعوا أهله مقارعة الند للند، إن الأمة الإسلامية ما زال ولا يزال منها أفراد متحلون بأعلى الصفات والأخلاق الحسنة؛ إننا لو تحدينا أمم العالم أن تأتي إحداها بمثل هذا؛ فلعلها لا تستطيع الرد على هذا التحدّي.
وإنها لقضية قاصرة إلى حدّ الصلاح الفردي... إنها تلكم التربية الإيمانية...
إن بهلواناً، مهما كان شجاعاً قوياً في حد ذاته، ويستطيع أن يحمل أكبر كمية من الوزن ويصرع عدة أفراد في المصارعة، فإنه لا يستطيع على جل حال أن يقوم في وجه فرقة عسكرية منظمة...(1/334)
وهكذا فإن كان فينا أفراد قد قطعوا كل ما للصلاح الفردي من المراحل، ولكن بدون أن يكون لهم نصيب من الارتباط والتعاون الاجتماعي، فإنما هم بمثابة البهلوان الذي لا يعمل كعضو فعال لفرقة منظمة ومع ذلك يدعو لمصارعته فرقة منظمة من أعدائه...
إننا نستطيع أن نقول وذلك باعتبار الصلاح الفردي، إن من الشباب من قد خصهم الله بعلوٍ في الأخلاق، وطهارة في السيرة، وإنا لنغبطهم على ذلك، راجين من الله أن يثبتنا وإياهم على طريق الخير والهدى إنه من الظاهر أن كل فرد في هذه الدنيا إنما يعيش متعاملاً مع غيره من الأفراد، فإذا لم يكن بين الأفراد حسن التظان والمساواة والإخلاص والإيثار والتضحية من بعضهم لبعض.
أو نقول بعبارة أوجز وأشمل "صلاح القلوب" فإن الاختلاف في طبائعهم لا بد أن يقضي على ما يبت.... من التعاون بينهم، إذا لا يسير نظام العمل إلا على مبدأ: أن تترك شيئاً لخاطر غيرك، ويترك هذا الغير شيئاً لخاطرك.. أيها الشباب: إذا كنتم لا تجدون أنفسكم مستعدين لها فلا تتفكروا أبداً في إحداث انقلاب في الحياة الاجتماعية في الأسر المسلمة... [انظر هذا في تذكرة دعاة الإسلام لأبي الأعلى المودودي 48-51، المكتب الإسلامي - دمشق].
إنه وبعد ذلك كله من المقدمة في كيفية تكوين شخصية الداعية إلى الله وتربيتها وتذكيرها بهذه المعاني السامية تكون عزيزة كريمة، بل وداعية عظيمة، فتكمل بذلك ذاتيتها وشخصيتها؛ فكان من المناسب لها أن تتصف بالصفات اللازمة لها حتى تكون نفس مؤمنة مسلمة حتى حوت الإسلام كله بتلكم الصفات الحق
============
نظرية صناعة الحياة...الجزء الأول
هي دعوة لفهم العلاقات الحيوية وعوامل التأثير فيها وكيفية تقلبها في مجاريها ومساربها، وهى استثمار لحقائق علمية، واستعمال لأسرار اكتشفناها، كما أنها نتائج لمقدمات غرستها الطريقة المنهجية التي توصل له كبار علماء السلف من أمتنا.
إن هذه النظرية تؤدي إلى إعادة توزيع الواجبات وتقاسم الأدوار، في محاولة لاختصار بقية الوقت، وتقليل الجهد، مع الدخول إلى ساحات التأثير من المداخل الطبيعية الفطرية البريئة من التكلف بحيث يشعر الناس أننا نحمل همومهم، ونتكلم بلغاتهم، ونتجانس مع عواطفهم، وندلى بالرأي لا بلهجة الأمر، وإنما بهيئة الناصح المشير الخبير، الذي ارتاد لقومه فأطلعته الريادة على ما لا يعلمون.
وتسميتنا لهذه النظرية بصناعة الحياة تعنى أننا ننظر إلى إدارة الحياة على أنها (صنعة) لها فنونها الخاصة، وتجودها الخبرة المكتسبة إذا تراكمت، كمن يشتغل حداداً فتجب عليه الإحاطة بخصائص الحديد، أو نجاراً فتلزمه معرفة أنواع الخشب.
فكذلك الحياة، بما فيها من بشر وعلاقات وأموال وعلوم وفنون، فوجبت علينا معرفة خصائص البشر الفطرية وأسرار علاقاتهم. ولأننا نمارس (صنعة) فإن المهارة فيها تكون واجبة.
نحن في تصرف وتغيير للموجود، والحداد قد يطرق قطعة الحديد فيؤلمها، من أجل أن يضيف إلى حوزة الحياة آلة منتجة، والنجار قد ينحت الخشب ويهدر منه الكثير من أجل الجمال، وكذلك الداعية مهندس الحياة.
لكنه صراع وتنافس، كمثل ما في أي سوق: أيهم أسبق إلى الشاري، إذ الكافر يفعل ما يوازي فعلنا، وينطلق أيضاً من نظرية وتخطيط، ويضع هندسة مغايرة. وحين تكون الخطة الإسلامية واسعة شاملة فإن التأثير يتعدى توجيه الجيل الواحد، أو استثمار حفنة أموال، ليكون تأثيراً (حضارياً) يمتد إلى أجيال، ويضرب في عمق الزمن ورحابه المكان، ولذلك تحتاج نتائجه هذه إلى مقدمات تناسبها تمتد ربما إلى عشرات السنين. وكذلك الخطة الكفرية أيضاً قد تؤدي إلى حضارة معاكسة تستولي، ويكون الكافر قد صبر على التقديم لها دهراً طويلاً.
قد نستطيع إيجاز الأمر بسؤال صيغته : كيف نمسك بزمام الحياة؟
الإمساك بزمام الحياة يستدعى نزولاً إلى الساحة بأفق حضاري شامل، فيه إصلاح للأدب، وبناء للاقتصاد، وحيازة للمال، وسيطرة على العلوم، ونفاذ إلى مراكز القوة.
في الحياة طاقات كثيرة ومجاميع بشرية هائلة، وجعل هؤلاء البشر يؤدون واجب العبادة لله تعالى إنما يكون حين يعرف دعاة الإسلام كيف يكون علوهم على تيار الحياة ليمسكوا بزمامه، ومن ثم توظيفه لأداء هذه العبادة، وليس هو السير في خضم التيار، بحيث تتقاذفنا أمواجه وينعدم اختيارنا، كما أنه ليس السير في معاكسة التيار الهادر، بحيث يجرفنا بزخمه، وإنما هو الجر معه أو بموازته بمستوى التفوق والعلو والاستواء.
وعلى المسلم أن يفهم هذه الطبيعة ذات البعد الحضاري لعمله وخطة دعوته، ليتهيأ لها بما يوازيها، نفسياً: بالصبر، وأداءً: بالعلم، واستعانة: بالمال، ورمزاً : بأطياف الجمال.
ويؤكد هذا أننا نقبل اليوم على حقبة حياتية تمثل بدء الجولة الجديد للحضارة الإسلامية، ولقد كانت بلغت الأوج أولاً، ثم انحسرت تحت ضغط عوامل كثيرة، بيد أن هذه العوامل مهما تعددت لدى أهل التحليل والاستقراء فإن عامل النخر الداخلي يبقى أهمها وأظهرها تأثيراً، وهو درس يعظ صناع الحياة في جولتهم الجديدة بوجوب المبالغة في الوحدة ونبذ الفتن وأسباب الخلاف.
لم يكن هولاكو بطلاً في ساحة الحرب نقلته بطولته إلى التفوق بمقدار ما كان سباقاً إلى الاستفادة من عوامل الفوضى السياسية والترديات الأخلاقية أواخر الزمن العباسي وكذلك في الجانب المعاكس أيام فتح القسطنطينية : أعان الجدل البيزنطي الفارغ وقلق البلاط الحاكم جيوش محمد الفاتح على الاقتحام.
ومن أصدق ما قاله مالك بن نبي : إن قبل قصة كل استعمار هناك قصة شعب خفيف يقبل الاستخذاء، وهو مثل ضربه رحمه الله يفسر ظواهر حيوية كثيرة، وكما تبدأ تراجعات كل حضارة بالنخر لتخلى مكانها إلى حضارة منافسة.
الولاء ناموس الكون
أول مكونات نظرية صناعة الحياة إنما تشير لها ظاهرة الوحدة والتناسق والتماثل في سلوكيات المخلوقات وعلاقاتها، وهذه الظاهرة الحيوية تتجلى في صور كثيرة، بعضها مكشوف لكل ذي عينين يراه واضحاً في سلوك النبات والحيوان، وبعضها لا ينكشف إلا لذي علم أو ذي آلة ومختبر.
ومن أبرز ما تظهره هذه السلوكيات المتماثلة :(ظاهرة الولاء)، أو : الانتساب.
أو ما قارب هذه الألفاظ . وخلاصتها: دوران بعض الخلق في فلك خلق آخر مصطفي وأقوى منه، بحيث يكون هذا الأقوى مركزاً للدوران، ومحوراً، أو بؤرة تتجمع حولها مخلوقات أخرى، ويكون مؤهلاً لأسر الأضعف وربطه به ومنعه من التفلت والاختيار.
من ذلك ما عليه بناء الكون الواسع، وبناء الذرة ندرسهما كمثلين غير متناهيين في الكبر والصغر، وعلى طرفين متباعدين ف ظن الظان، بينما يجمعهما نسق واحد في الحقيقة. وإذا رأينا صدق القانون الرابط لأجزائهما ووحدته : سهل علينا من بعد تصور ما بينهما من خلق كثير لا يحصيه إلا خالقه سبحانه، يرتبط على المثال نفسه، ومن هذا الخلق : البشر.(1/335)
أما الكون : فقد رأيت مدير مرصد كاليفورنيا يتحدث في برنامج تلفزيوني علمي يشرح ما اكتشفه هو وأصحابه من علماء الفلك من كيفية بناء الكون، وذكر أن صورة النجوم المتناثرة إنما هو مقدار ما تراه العين المجردة أو التلسكوبات الصغيرة، وأما المراصد الضخمة فقد أظهرت في الثلاثينيات من هذا القرن أن الكون يتألف من لبنات مبنية بعضها فوق بعض وتحته وعن يمين ويسار ووراء وأمام، بتكرر لا ينتهي في الجهات الست، وأن اللبنة الواحدة تتكون من نجمة ضخمة قوية تكون بؤرة أو مركزاً تتجمع حولها نجوم كثيرة أضعف منها على شكل مجرة، وأطلقوا على هذه المجموعة اسم ( العنقود النجمي)، وتقل كثافة النجوم المتجمعة كلما بعدت عن المركز، حتى يكون نوع فراغ، ثم تتلوه عناقيد أخرى مماثلة من جميع الجهات.
قال : وفى أواسط الثمانينيات حين تضاعف قوة الرصد : التقطنا ألفين وستمائة صورة للسماء من جميع الزوايا، فظهر لنا أن كل مجموعة من العناقيد النجمية تتجمع بدورها حول عنقود منها يكون أقوى من الأخريات ويعتبر مركزاً لها، ويكثف توزع العناقيد قرب هذا العنقود القوي، وتقل كثافة التوزع بالابتعاد.
قال : وسمينا ذلك (المجموعة العنقودية)، وما زال ظننا أن هذه المجاميع العنقودية هي لبنات بناء السماء، وأن الصور قد أظهرت توزعها في جهات الكون على وتيرة واحدة، في نسيج متماثل، في هندسة متناظرة، وما هي بمتناثرة، وما زال الله تعالى يخلق العناقيد في قياس موزون، وما زال الكون يتمدد، ويزيد الله في الخلق ما يشاء.
عناصر عديدة .... والولاء واحد
أما الذرة في الطرف القصي المقابل فإنها مخلوقة على المثال نفسه، وقد بدأت الميكروسكوبات الالكترونية القوية في أواخر الثمانينيات تراها من بعد ما كنا نفهم مكوناتها من آثارها، وقد وضح بما لا يقبل الشك منذ أمد أنها تتكون من نواة قوية ذات شحنة موجبة، وأبسط أنواع الخلق هو غاز الهيدروجين الذي تكون نواته من بروتون واحد، فيأسر له جسيماً سالباً يسمى الإلكترون يدور حوله مرتبطاً به. فإذا صار في النواة بروتونان اثنان فإن ذلك يعنى أننا أمام عنصر آخر هو الهيليوم، وأسرت نواته إلكترونين مواليين يدوران في فلك تلك النواة. وهكذا خلق الله جميع العناصر من غازات وفلزات ومعادن، كلما ازدادت النواة بروتوناً: نتج عنصر جديد يختلف في خواصه، ودارت الكترونيات حول النواة مساوية لعدد البروتونات، ويسمى ما في نواة ذرة كل عنصر من عدد هذه المخلوقات: (العدد الذري)، وقد ميز علماء الفيزياء العدد الذري لكل العناصر، ورتبوه في ترتيبه التصاعدي وفق جدول سموه : (الجدول الدوري للعناصر)، فالكاربون مثلاً عدده الذري( 6)، والأوكسجين( 8)، والألمونيوم( 13) والكالسيوم( 20 )، والحديد(26)، والنحاس ( 29 )، والزنك ( 30 )، والفضة ( 47 ) ، واليود ( 53 ) ، والذهب ( 79 )، والزئبق ( 80 )، حتى أنهم وضعوا كمية من الزئبق في الفرن الذري، وقذفوها بأشعة ذرية تستطيع إخراج برتون واحد من نواة ذرة الزئبق، فكانت ذرات الزئبق تتحول تباعاً إلى ذهب، حتى تم تحويلها كلها وصارت كتلة ذهب أصلها زئبق، وهى معروضة اليوم في أحد المتاحف الأمريكية كبرهان على صدق النظرية الذرية، وهذه المعلومات يعرفها طلاب الأقسام العلمية في المدارس الثانوية، وفيها تفصيل كثير، بل أصبح العلم بها شائعاً من خلال برامج التليفزيون والصحف.
المرجع: صناعة الحياة-محمد أحمد الراشد.
نظرية صناعة الحياة...الجزء الثاني
ذكرنا في الجزء الأول ظاهرة الولاء في الكون وظاهرة الولاء في الذرة
وهنا نقول:
السلوكيات البشرية تماثل السلوك الذري
إن صورتي الذرة واللبنة الكونية تفصحان بوضوح أن (الولاء ) حقيقة حيوية راسخة، ولذلك يمكن إسقاطها على العلاقات البشرية وانتظار تبعية بعض البشر لبعضهم الآخر الذين هم أنوية ومحاور، وهذا ما يظهره التاريخ الإنساني جلياً وتؤكده الحقبة الحالية التي نعيشها، ولذلك يؤذن لدعاة الإسلام أن يطلبوا لأنفسهم المكان المحوري ليحوزوا ولاء الآخرين.
هذا الاستنتاج مهم في تفهيم نظرية صناعة الحياة، لذلك أرى أن تمسك به أيدينا لنقرنه بمعان أخرى سنستنتجها من بعد.
ولكن إذ نحن نمشى لاكتشاف هذه المعاني الأخرى يحسن أن نتوقف عند معان فرعية كامنة في ظاهرة الولاء بين المخلوقات:
(المعنى الأول): أن الولاء يتكرر، فالقوي الآسر لغيره يستأسر بدوره لآخر أقوى منه، وهذا واضح في أن العنقود النجمي قد انتمى مع أصحاب له إلى عنقود متميز متفوق صار بؤرة للعناقيد، وهذا هو أصل ظاهرة (القيادة) في الحياة البشرية، وأن الحائزين لولاء الناس يحتاجون آخر ينسق بينهم ويمنع التناطح والتظالم.
(المعنى الثاني): أن ازدياد بروتونات النواة الذرية تجلب الكترونات زائدة بعددها، كما قلنا، ولكن ما لم نقله: أن هذه الالكترونيات لها مستويات وطبقات محدودة تدور فيها، ولذلك تكون قلقة جداً إذا صار عددها أكثر من تسعين، فتخرج بأدنى سبب، وتتفلت، وكذلك الأمر في الحياة البشرية، إذا ازداد الموالون في عمليات التجميع الواسع: أصبح التفلت أكثر حدوثاً، إذ لا يستطيع العنصر الذي جمعهم حوله أن يمنحهم مدارات خطية كثيرة تشبع رغباتهم وتطلعاتهم، فيسيطر نوع من القلق على العلاقة، ويكون الخروج، وربما ولد ذلك إحباطاً لدى العنصر المحوري تقل به كفاءته، إذ في الذرة يخرج بروتون من النواة في حالات القلق متزامن مع خروج الإلكترون ربما، وهذا أمر يعظنا أن يكون تجميعنا موزوناً. ولنا أن ننظر إلى هذه الظاهرة من زاوية أخرى فنقول : إن العنصر المحوري إذا ازدادت قوته العلمية وملكاته وزاد أتباعه في المرحلة الأولى فإنهم يتحلقون حوله ما دامت لذة الارتباط غامرة، ثم قد لا يواكبونه في اجتهاده المتقدم وفكره الثاقب ولا يفهمونه، فيكون التفلت، وهو أمر يعظ بوجوب أن نسير بسيرة النمط الأوسط، وأن فري العباقرة قد يحصل للمسلم، ولكن لا يستطيع تسويق عبقريته والعثور على متفهم لها.
(المعنى الثالث): إن عدد الالكترونات المأسورة يتناسب مع قوة النواة وعدد البروتونات فيها، وذلك صانع الحياة يتبعه عدد من الناس يتناسب مع مقدار علمه وقوة ملكاته، كلما زاد ذخيرة: زاد أتباعه.
(المعنى الرابع): إن الذرة من عنصر تتتحد مع ذرة من عنصر آخر فتتكون جزئية ذات خواص جديدة، وهذه المركبات كثيرة جداً، وعليها مدار الانتفاع في الأغذية والأدوية، حتى أن الكيمياء العضوية لتوجد سلاسل من المركبات مستحدثة بإضافة ذرة هيدروجين أو كربون إلى التركيبة الأصلية، وتتجدد الخواص مع كل ذرة مضافة أقول: فهذه الظاهرة هي أصل ظاهرة الحلف في الحياة البشرية والحيوانية، حين يكون التحالف مع الشبيه والقرين والقريب، وعلى التخطيط الدعوى أن يستفيد من هذه النزعة.
على الولاء والطاعة جميعاً
وفى أنواع المخلوقات التي تحتل الفجوة الواسعة بين الكون القصي والذرة الدقيقة شواهد فوق الحصر على ظاهرة الولاء والتبعية هذه.
فشمسنا منها، وربطت بها أرضنا والمريخ وزحل وبقية الكواكب السيارة، وهناك ملايين الشموس ذوات التوابع، ثم للأرض قمر تابع ولبعض الكواكب أقمار عديدة.
وأسراب الطيور في هجرتها تتبع قائداً.
والحياة النظامية في خلايا النحل والنمل مشهورة، وتكتشف الرقابة العلمية لها كل يوم جديداً مدهشاً من أحوالها وتقاسمها لأدوارها.
وقد ضربنا لك أمثلة، فانح منحى هذا في فهم أسرار الخلق.
دقة في التعامل ... وسرعة في الأداء(1/336)
إن ظاهرة (الولاء) الحياتية مردفة ومقترنة بظاهرة أخرى ثانية يمكن أن نطلق عليها: ظاهرة (الحركة). وأراها كامنة في (القدر) الرباني. فهذه الحياة ليست ساكنة، وإنما هي سائرة وليس سيرها هذا بالعشوائي التصادفي، وإنما هي متحركة بحركة هادفة. وهذا القدر لا يحكم مفاصل الحياة الكبرى فقط، وإنما هو مترجم بشكل (رقابة ربانية) دائمة على كل حركة وسكنة في الحياة. ويفترض في كل مسلم أن يؤمن بذلك، ولكن هناك فرق بين إيمان راسخ تؤيده شواهد عيانية يمر بها المسلم المنتبه لما يدور حوله، الرابط للأحداث بهذه الرقابة الربانية، وبين إيمان عام لا يسنده تفكر.
وهذا النوع من الإيمان تنطق بها أحوال العبد في الساعات التي تلي فعله للحسنة أو السيئة، كما كان بعض السلف يقول : إني لأعرف طاعتي من معصيتي من خلق دابتي. أي يأتيه الثواب أو العقاب معجلاً في الساعة نفسها، غير ما يأتيه من ذلك في بقية حياته أو في الآخرة.
النهاية يحتكرها المؤمن والمصلح والمظلوم
ومن تام هذا الفهم لهذه الأمثلة أن نفهم ما هو أكبر منها مما يجرى على وتيرتها في حياة الأمم وأجيال المسلمين، فإن الموازين الإيمانية لا تقتصر صحتها على المعنى الوجداني فيها، وهو ما يسبق إلى ذهن المستعجل في فهم الإيمان، وإنما تتعداه إلى معنى التأثير الفعلي في الحياة
فمن الموازين مثلاً: (أن الكاذب لابد أن يفتضح). وعلينا كمؤمنين أن ننتظر ساعة يفتضح فيها من يكذب ولابد أن ننتظرها كما ننتظر أي حدث مادي، كشروق الشمس.
ومن الموازين: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ }يونس81.
ومنها: { وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ }يوسف52.
ومنها: أن الخطيئة الأولى تجلب ثانية، والثانية تجلب ثالثة، عقوبة من الله، حتى يغلق القلب على ظلمة.
ومنها: التوفيق الذي يحيط المهتدي والصادق وفق ميزان: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }محمد17.
وكل هذه الموازين نتداولها وكأننا ننتظر الآخرة ليحيق المكر السيء بأهله ويثاب المؤمن، وهذا جزء من الحق، وجزؤه الآخر هو الاعتقاد بأن الحياة البشرية الدنيا محكومة بهذه الموازين جزماً، ولكن لا يرى بعضهم آثارها لأنها لا تظهر دائماً بسرعة، بل قد تمتد لفترة زمنية لتظهر، فينسى الرابط بين الفعل والعقوبة أو الثواب. فكما أن النظرة الفلكية الأولى لم تفصح عن وجود لبنات بناء الكون حتى توسعت الرقعة المدروسة وتضاعفت مساحة العين التلسكوبية الباصرة، فكذلك نحتاج امتداداً زمنياً ومكانياً لتكون المادة المختبرية لبرهان صدق الموازين الإيمانية كافية، وبدلاً من أن ندرس آثارها على مدى سنوات: ندرسها على مدى أجيال أحياناً، مع اعتقادنا بأن العقوبة قد تأتي في اللحظة نفسها أحياناً، مثل مئات قصص يرويها الثقات على مدى الأجيال عن شاهد زور حلف بالقرآن أمام القضاء كاذباً، فعمي فوراً، أو مغتاب يغتاب فيكوى لسانه بلقمة حارة فوراً، وأشباه ذلك.
فدراسة آثار موازين الإيمان على فترة ممتدة وأجيال ترينا بوضوح نتائج مشخصة مرئية يؤول فيها أمر أهل الباطل إلى تراجع وأمر أهل الحق إلى تمكين، وفى القرآن الكريم شواهد، وفى كتب التاريخ، وفى مرويات المعمرين.
ولمحمود شيت خطاب- وهو مسلم وافر الصدق- كتاب عنوانه :(عدالة السماء) يروى فيه بعض قصص مدارها على هذه الموازين، حتى أن قاتلاً قتل قتيلاً ورماه في حفرة، وبعد دهر طويل أراد رجل ثالث قتل القاتل، فهرب منه، وظل يركض ساعة يتنقل من مخبأ إلى مخبأ، ثم لم يجد في النهاية ما يواريه إلا الحفرة التي رمى فيها ضحيته القديمة، فجاء الآخر فقتله فيها!!
وحدثني ثقة قال: إن جندياً تركياً انخذل عن وحدته يوم انسحاب الجيش العثماني من بغداد أمام ضغط الجيش البريطاني، ووقف هذا الجندي بباب جامع أبى حنيفة، فجاء شقي فسلبه ثم قتله ظلماً في وقفته بالباب، وبعد عشرين سنة تشاجر الشقي مع آخر فطعن، فهام على وجهه من حرارة الطعنة لا يدرى ما يفعل، وظل يهرول بلا وعي مئات الأمتار، حتى وصل باب الجامع فخر ميتاً في الموضع نفسه الذي قتل فيه التركي البريء.
ولو أننا فتحنا مثل هذا الموضوع في مجلس المعمرين في الحضر أو البدو، وفي بلاد العرب أو الهند أو الصين، لأقسموا لنا على صدق عشرات من مثل هذه القصص رأوها بأنفسهم رأى العين.
ومن أعجب الأمور أن العقوبة قد لا تظهر في الفاعل وإنما في ولده، لحكمة ربانية، فقد حدثني أحمد جمال الحريري رحمه الله، المطوف بمكة، قال :
يا بني: كلنا قد استهجن سحل جثة الأمير عبد الإله صبيحة ثورة 14 تموز ببغداد، ولكن هل تظن أن ذلك جاء من غير مقدمة؟ قال : لقد رأيت أباه علياً صبيحة التاسع من شعبان بمكة يوم أعلنت الثورة العربية التي قادها لورنس يصعد إلى قلعة مكة التي ما زالت شاخصة حتى الآن، فأعطى الحامية العثمانية أماناً إذا سلمت بغير قتال، فسلموا ونزلوا بذاك الأمان وكرهوا القتال بمكة، فأطلق سراح الجنود، وكانوا أربعمائة، ووضع الحبال في أرجل ستة عشر ضابطاً وسحلهم أتباعه وهم أحياء، والغوغاء تركض وراءهم، فماتوا بعد بضع مئات أمتار، واستمروا يسحلونهم حتى بلغوا البطحاء التي بين مكة ومنى، وما أظن الذي حدث لعبد الإله إلا عقوبة مثلية لتلك السيئة !!
وبقابل هذا : هل رأيت أحداً سار على سنن العدل ثم ساءت أموره؟ لم تر ذلك في فرد أو حكومة.
وانظر للظالم : وسوء الذكر يلحقه حتى بعد مماته، وأولاد المرابى أول من يلعنه.
وكم من رهط مؤمن عجز عن دفع ظلم يقع عليه، فينجيه الله ويبطش بالظالم، تصديقاً لميزان: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }الحج38.
وهلاك الأمم حين يشيع المنكر وتنتشر المعاصي يشاهده المرء في المدن الخربة، ومدينة بومبي الفاسقة بجنوب إيطاليا محفوظة من يوم أهلكها بركان فيزوف قبل ألفى سنة، وقد تجولت بها ورأيت دنان الخمر وصور النساء العرايا كأنها رسمت أمس!
وهل ما حدث بالكويت من هزة اقتصادية بسبب سوق المناخ بعيد عن معنى عقوبة منطقة شاع بها الربا.
إن معيشتنا في أجواء الإعلام الرأسمالي المادي بدأت تنسينا هذه المعاني الإيمانية الأساسية مع الأسف، وهى من الحق الذي لا مراء فيه وإن أنكرها الذين لا يفهمون.
المرجع: صناعة الحياة-محمد أحمد الراشد.
==============
كيف يقضي أبناؤنا إجازة سعيدة؟
وأخيرًا جاءت الإجازة الصيفية ليتنفس الأبناء والآباء الصعداء بعد عناء عام دراسي حافل بالواجبات والامتحانات، ثم يأتي السؤال الذي يشغل الجميع: كيف يقضي أبناؤنا الإجازة الصيفية؟!.
بداية أيها المربي الكريم..
ينبغي أن تعلم أن الإجازة لا تعني الفوضى وتضييع الأوقات دون استفادة، وأن المتعة الحقيقية سيشعر بها الابن عندما تنتهي الإجازة ويجد نفسه قد حفظ قدرًا جيدًا من القرآن أو استمتع بقراءات مفيدة أو تعلم مهارة جديدة، وعليك أن تعلمه أيضًا أن وقت الفراغ نعمة يجب الاستفادة منها امتثالاً لأمر النبي- صلى الله عليه وسلم-: (اغتنم حمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) (رواه الحاكم).(1/337)
ولكن.. انتبه عزيزي المربي!! فلن يستمتع أولادك بإجازتهم إن لم تشركهم في وضع برنامجهم الصيفي.. فالمشاركة بالرأي تُولد لديهم الحماس الذي يدفعهم لتطبيق عناصر برنامجهم وتذهب عنهم غضاضة الالتزام بمواعيده والسعي لتحقيق أهدافه.. ويا حبَّذا لو وُجدت بعض المحفزات لتطبيق البرنامج كإخبارهم أن هناك حفلاً كبيرًا وجميلاً في نهاية الإجازة لتقييم المستوى خلالها وتكريم من التزم بالبرنامج واستفاد منه الاستفادة المطلوبة.
وهناك عدة أمور ينبغي أن تكون ضمن البرنامج الصيفي للأبناء، وبإمكانك أن تضيف إليها ما يناسب أولادك وما يرغبون هم في إضافته، مع ملاحظة أن البرنامج يجب أن يكون شاملاً؛ بحيث ينمي الجانب الإيماني والأخلاقي والثقافي والبدني والاجتماعي بوسائل محببة وممتعة للأبناء، من هذه الأمور:
1- أداء الصلاة في المسجد: وحبَّذا لو صحبت أبناءك إلى المسجد لتثبيت هذه العبادة الجليلة في نفوسهم.
2- حفظ قدر معيَّن من القرآن الكريم يوميًّا: وذلك حسب طاقة الابن، سواءٌ عن طريق حلقات التحفيظ بالمسجد أو الكتاتيب، أو من خلال محفِّظ بالبيت، مع ضرورة المتابعة الشخصية والمستمرة له.
3- حفظ الحديث الشريف: وليكن بمعدل حديث واحد أسبوعيًّا، مع مراعاة اختيار الأحاديث التي تحضُّ على مكارم الأخلاق، أو التي ترتبط بالصفات التي تريد غرسها في أولادك خلال الإجازة.
4- الصيام والصدقة: فمن الممكن تدريب الابن على صيام ثلاثة أيام من كل شهر وإخراج صدقة أسبوعية.
5- زيادة الوعي الثقافي: ويتم ذلك من خلال الاشتراك في المكتبات العامة أو عمل مكتبة في المسجد أو في المنزل، ويمكن التعاون مع المسئولين في ذلك، كأن يكون في المقرات ركنٌ للطفل يستطيع ارتياده والانتفاع بما فيه، ويشمل مكتبةً للكتب والقصص والشرائط الفيديو والكاسيت والسي دي للاستعارة، ويحوى جهاز فيديو وتلفزيون لعرض الشرائط المناسبة، ويكون فيه حاسب آلي للاستخدام، وبعض الألعاب الجذابة للأبناء مثل تنس الطاولة، كما يمكن القيام بالرحلات والمسابقات والندوات للأبناء والمربِّين.
6- الوعي السياسي للطفل: بقصد الإلمام بالقضايا المثارة على الساحة، وتكوين رأي تجاهها، وذلك عن طريق المشاهدة الموجهة لنشرات الأخبار وللبرامج السياسية، وكذلك قراءة الجرائد والمجلات، والدخول على مواقع النت الخاصة بوسائل الإعلام.
7- تنمية المهارات والهوايات: مثل الرسم والتلوين والشعر والكتابة والإنشاد والخط العربي وغيرها، بالإضافة إلى تعلم بعض المهارات المفيدة مثل الكهرباء والنجارة والسباكة والدهان وغيرها.
8- تعلم بعض برامج الكمبيوتر: ليكون جلوسهم أمام الشاشة أكثر إفادة مثل برنامج الورد word وبرنامج الرسام، وبإمكانك تكليفه ببعض المهام مثل كتابة آيات قرآنية أو لوحات إرشادية، ويمكن الاستفادة من الكمبيوتر أيضًا في حفظ القرآن الكريم عن طريق الـ c d الخاصة بذلك، ويمكن إتقان الطفل للكمبيوتر عن طريق إلحاقه ببعض الدورات وجلوسه بجوارك أثناء استخدامه مع شرح هذه البرامج بصورة ميسرة.
9- الالتحاق ببعض الدورات المفيدة: مثل دورات اللغة الإنجليزية ودورات الدفاع المدني والهلال الأحمر وغيرها.
10- الرياضة: يجب أن يمارس الأبناء التمارين الرياضية يوميًّا، وحبذا لو تم الاشتراك في بعض الألعاب الرياضية بالنوادي أو مراكز الشباب أو النوادي الصيفية بالمدارس المنتقاة بعناية حسب المستطاع، مع المتابعة الدقيقة للأبناء وملاحظة الإيجابيات والسلبيات.
11- التعاون والمساعدة في أعمال المنزل: ويفضل عمل جدول لتنظيم هذا الأمر ولضمان المشاركة الفعلية للأبناء في أعمال المنزل.
12- العالم الإسلامي: تعريف الطفل بقضايا العالم الإسلامي وخاصةً القضايا الساخنة (كفلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والسودان... الخ)، وحثُّه علي الدعاء والتبرع والمقاطعة.
13- الميادين: تفعيل الميادين القائمة التي يتواجد فيها الأبناء وذلك بتكثيف الأنشطة الجذابة الهادفة فيها، وابتكار ميادين جديدة (كميدان المجتمع العام) وإفادة الأبناء فيه بالأنشطة المناسبة وخاصة الرياضية والفنية وعمل دورات رياضية مثل: كرة قدم، كرة طائرة، اختراق ضاحية... إلخ، وطاولة للتنس يتجمع عليها الأبناء، ويتم تشغيل شرائط الكاسيت بأناشيد هادفة، وتعلق بعض اللوحات الإرشادية حولها، وتُجرى مسابقة خفيفة مع توفير جوائز رمزية هادفة، وإقامة بعض المسابقات الثقافية والأدبية والفنية لكشف المواهب.
14- العلاقات الاجتماعية وصلة الأرحام: وحبذا أن يوضع جدول لزيارة الأقارب والاتصال بهم تليفونيًّا لتعويد الأبناء على التواصل مع أقاربهم وبالإمكان وضع بعض الواجبات الاجتماعية الأخرى، كالتعاون مع الجيران وزيارة أصدقاء المدرسة والمسجد مع انتقاء الأصدقاء الصالحين.
15- الرحلات: احرص على أن تخرج مع أبنائك في رحلات طويلة وقصيرة، وليكن لك أكثر من رحلة قصيرة خلال الشهر، وبإمكانك الاستفادة من طاقات الأبناء في هذه الرحلات كإعداد الطعام أو المشاركة في تنفيذ فقرات البرنامج، ولا تنس الثناء على مجهوداتهم في نهاية الرحلة، ويمكن القيام بمجموعة رحلات تحت عنوان (اعرف بلدك) يتم من خلاله زيارة المتاحف والحدائق والمعالم السياحية المختلفة ودور الأيتام والمعاقين، ويتم تعويد الأبناء من خلاله على النظام والبذل والعطاء ومساعدة الآخرين.
16- تحديد جدول مشاهدة التلفزيون: اتفق مع أبنائك على أوقات مشاهدة التلفزيون وعلى أسماء البرامج التي سيشاهدونها، وأوقات الدخول على النت، والمواقع التي سيزورنها، ويفضل أن يكون ذلك تحت إشرافك.
17- جدول المحاسبة: وهو جدول متابعة يومية لعناصر البرنامج يقيم الأبناء من خلاله أنفسهم، وتطمئن من خلاله على سير البرنامج بصورة جيدة؛ حتى يمكن التعديل أو الإضافة حسب المطلوب، وحبذا تشجيع المتميزين عن طريق الجوائز.
وإليك أيها المربي الفاضل نموذجًا ليوم الابن في الإجازة:
1- الاستيقاظ لصلاة الفجر بالمسجد.
2- قراءة أذكار الصباح.
3- القيام ببعض التمارين السويدية الخفيفة.
4- مساعدة الأم في تجهيز الإفطار وتناول الإفطار.
5- المساعدة في أعمال المنزل (ترتيب الغرف- شراء المطلوبات- ...).
6- حفظ القرآن بالمسجد أو بالبيت.
7- حضور حلقة المسجد في مواعيدها.
8- تعلم بعض المهارات وممارسة بعض الهوايات (خط- رسم على الزجاج...)،
أو ممارسة رياضة (فردية أو جماعية).
9- صلاة الظهر.
10- الجلوس إلى الكمبيوتر نصف ساعة كتابةً ونصف أخرى لعبًا ونصف ثالثة نت.
11- الغداء، ثم صلاة العصر.
12- فقرة حرة.
13- تلاوة أذكار المساء وصلاة المغرب.
14- مشاهدة شريط فيديو هادف أو مشاهدة برامج مفيدة في التلفاز.
15- صلاة العشاء.
16- الجلوس مع العائلة ساعةً للحديث والسمر.
17- النوم المبكر.
مختارات مقترحة لطفلك
أولاً: الكتب والقصص
{ قصص الأبناء الأستاذ/ عبد الحميد جودة السحار.
{ صور من حياة الصحابة الأستاذ/ رأفت الباشا.
{ قصص الحيوانات الأستاذ/ أحمد بهجت.
{ سلسلة أخلاقيات من حكايات.
{ موسوعة المسابقات الإسلامية الأستاذ/ محمد سعيد مرسي.
{ سلسلة كيف نرسم ونلون؟!
{ سلسلة الكمبيوتر للأطفال.
{ علماء صغار يبتكرون.
{ كيف تعمل الأشياء للأطفال؟!
{ أسئلة وأجوبة علمية.
{ المعارف الطبية للأطفال.
{ حكايات من التراث
{ سلسلة الرشاد في تربية الأبناء.
{ سلسلة أطفال الغد.
{ سلسلة انصر دينك.
ثانيًا: المجلات
(مجلة أسامة- مجلة ماجد- مجلة سعد- مجلة الفرسان)(1/338)
ثالثًا: أشرطة الكاسيت
(أشرطة تعليم وتحفيظ القرآن الكريم- سلسة قصص الأنبياء- أناشيد أطفال).
رابعًا: مكتبة c d
(المصحف المرتل- انصر دينك (1، 2)- كان يا ما كان (وهي أفلام تعليمية عن جسم الإنسان بأسلوب شيق)- جزيرة النور- الجرة- رحلة سلام- الابن البار- السند باد المسلم- محمد الفاتح- الفاتحون- صقور الأرض- أصحاب الأخدود- صلاح الدين بطل حطين- أسد عين جالوت- طارق بن زياد- البطل نور الدين- مسابقات ثقافية (كنز المعلومات الإسلامية- أسد الفرات).
واحذر عزيزي المربي من بعض الأخطاء التربوية التي قد تُفسد عليك أهدافك من البرنامج، ومنها:
• التهديد.
• إصدار الأحكام المسبقة.
• التحذير المستمر.
• الاستجواب عند الخطأ ووضع العقوبات الصارمة.
• استعجال النتائج وطلب الكمال.
• عدم تنوع الأنشطة.
• الحرية الكاملة بلا ضوابط.
• كثرة الوعظ على حساب اللعب والترويح.
• التعامل مع الأعداد الكبيرة دون الاستعانة بآخرين.
• تقديم المعلومات القديمة دون الاهتمام بالتحضير.
• عدم فهم شخصية الابن وكيفية التعامل معه.
وإليك بعض النصائح التي قد تيسِّر لك التعامل مع الأبناء:
• الإخلاص والدعاء بالتيسير.
• خفف من حدة شخصيتك عند بداية الإجازة، واجعلها فترة للتعارف والتآلف.
• حدِّد أهدافك واحرص على الوقت، فهو رأس مالك.
• ادعم روح الفريق والتعاون لدى الأبناء.
• كافئ كل مجتهد وتذكَّر أن الذي يعمل ولا يجيد أفضل من الذي لا يعمل.
• استعن ببعض الأبناء في إدارة برنامجك.
نصائح للتعامل مع بعض الأبناء المشاغبين
• امنحهم مزيدًا من الاهتمام والمتابعة بصورة خاصة.
• تحبَّب إليهم وازرع احترامهم لك في أنفسهم.
• أشعرهم بأهميتهم، واشكر لهم ما يقومون به من أعمال.
• الفت انتباههم إلى أخطائهم بصورة غير مباشرة.
• امنحهم فرصة توضيح أخطائهم وقدِّم لهم النصح بحبٍّ.
• ابدأ بمدحهم قبل لومهم.
وفقك الله أيها المربي، وبارك في جهدك وجهادك، وتقبَّل منك، وجعلها لك ولأبنائك إجازةً مفيدةً سعيدةً.
المصدر: مجموعة متخصصين.
============
كيف تصبح عبقريًا؟ [1]
الذكاء اللغوي- الذكاء البصري-الذكاء المنطقي
أخي القارئ: أنت عبقري بالفعل ولكن المشكلة أنك لا تستغل ذكائك وقدراتك الذهنية التي أعطاها الله إياك.
لقد أوضحت الدراسات العلمية أن الناس يعتمدون فقط على 10% أو أقل من الموارد العقلية لديهم حتى عندما يبذلون أكبر جهد لديهم في التفكير. ونهدف من خلال تلك المقالات إلى كشف تلك العبقرية الكامنة لديك، بما يمكنك من استغلال أكبر كم ممكن من الـ90% الباقية من قدراتك الذهنية.
ولعل المشكلة التي يعاني منها أغلب الناس أنهم يعتقدون أن هناك نوعًا واحدًا فقط من الذكاء ألا وهو الذكاء المنطقي، وإذا سألتم عن معنى الذكاء قالوا لك إنه القدرة على تكوين المفاهيم وحل المشكلات والحصول على معلومات وتفسيرات مع أن هذا جزء واحد فقط من الذكاء فللذكاء ستة أجزاء. هذا الفهم الخاطئ يؤدي بلا شك إلى عدم استغلال الطاقة الذهنية بصورة متكاملة وإهدار معظمها.
أنواع الذكاء
للذكاء ستة أنواع:
1. الذكاء اللغوي: يشمل الكلمات ـ الحديث- الكتابة ـ القراءة والاستماع.
2. الذكاء البصري: يشمل عالم المشهد والرؤية.
3. الذكاء المنطقي: يشمل عالم المنطق والتفكير الواعي.
4. الذكاء الإبداعي: يشمل عالم الأصالة, الابتكار, البصيرة, وابتكار أفكار جديدة.
5. الذكاء البدني: يشمل الجسم, التنسيق, البراعة, واكتساب مهارات بدنية.
6. الذكاء العاطفي:يشمل المشاعر كما يشمل علاقة الشخص بذاته وبالآخرين.
ماذا لو كان باستطاعتك أن ترفع من كفاءتك الذهنية في كل هذه المحاولات الست بنسبة 10% فقط؟ هذا يعني أن ما أضفته إلى القدرة الذهنية سيكون بمعدل 60 %. يمكنك تحقيق ذلك بسهولة ولكن بالتدريب عليه بشكل مستمر تمامًا كما تتدرب على تقوية عضلاتك، باختصار تستطيع بناء عضلاتك الذهنية كما تبني عضلاتك الجسمانية.
أولاً: الذكاء اللفظي
إن الذكاء اللفظي هو النظام العقلي المسئول عن كل شيء يتعلق بالكلمات؛ فهو يمكنك من تذكرها وفهمها والتفكير فيها والتحدث بها وقراءتها وكتابتها وقد أشاد الناجحون العظماء بأهمية الذكاء اللفظي المتمرس حتى أن 'د. ويلفر فانك' معلم ومؤسس دار النشر فانك ووجنالس قال: بعد إجراء كثير من التجارب وسنوات طويلة من الاختبارات اكتشف العلماء أن أيسر الطرق وأسرعها للتحرك قدمًا هو ترسيخ معرفتك بالألفاظ. فمهما كان سلوكك المهني فمن الحكمة أن توسع من ذكائك اللفظي، فهو جواز مرورك إلى قمة الكثير من المهن. وسنعرض لك أيها القارئ الكريم ثلاث وسائل لتطوير ذكائك اللفظي:
الوسيلة الأولى : الجمل القوية:
لقد اكتشف علماء اللغة في بداية القرن الماضي أن للجمل قدرة فريدة على التنبيه والتحفيز. فالجملة القوية هي توليفة حية من كلمتين أو أكثر 'أكثرها لا يتعدى أربع كلمات' تقوم بتوصيل المعنى المقصود في التو وتبرز قوتها من بين الكلمات الأخرى حيث إنها تحفز ذهن القارئ والمتلقي ولذا فأهم سمات الجملة القوية:
1- قوية وتنبض بالحياة.
2- سهلة التصور والفهم.
3- تنبئ عن جملة جريئة.
4- تحتوي على معلومات هامة أو تدعو إلى حديث ما.
5- تجذب الانتباه.
6- موجزة مختصرة.
ست خطوات لتكوين الجملة القوية:
1- قم بصياغة ما تريد في أسلوبك الخاص.
2- قم بإعادة صياغته في عجلة.
3- قم بتمييز العديد من الصيغ المعدلة.
4- ضع خطًا تحت أكثر الألفاظ قوة.
5- جمع تلك الألفاظ بشكل إبداعي.
6- قم بمقارنة نتائجك بالمعايير الستة للجمل القوية.
شخصية ذكية: كانت 'ويندي' تعمل كسمسار عقاري وكانت أهم ما تتميز به وضعها جمل قوية تجذب الناس وكسبت من وراء ذلك الكثير من الأموال من أمثلة جملها القوية:
1- جيرة آمنة 2- متع نظرك بمرأى حديقة وارفة 3- لا يهم عدد الأطفال.
الوسيلة الثانية: التحدث الفعال
هناك سر بسيط جدًا لإحكام القدرة على التحدث ألا وهو أن تكون على سجيتك وقد اتفق العلماء جميعهم على أفضل وسيلة لتحقيق النجاح، وهي أن تتصرف بطريقة طبيعية فقل ما تريده وكأنك تتحدث إلى نفسك أثناء استرخاء. ولذا إذا وجدت نفسك بصدد إلقاء خطبة ما أو في مواجهة مناسبة اجتماعية احتفظ بالمبادئ التالية:
1- تحدث بطريقة طبيعية. استرسل في التحدث بنغمة صوتك الحقيقية لا تحاول تغيير لهجتك الرصينة أو نبرات صوتك الرنانة فلهجتك توحي بطبيعتك الخاصة وخبراتك الواسعة.
2- اعكس خبرتك السابقة على طريقة تحدثك. فلكل وظيفة أو مهنة أو موهبة لغة خاصة بها ألفاظًًا وجملاً فانتق بعضًا من الجمل المتأصلة المتعلقة بوظيفتك أو هوايتك وقم بإدراجها ضمن ما تبغي قولة من الآن فصاعدًا. حيث إن لغة خفية كهذه من شأنها إمدادك بقوة إضافية أثناء التحدث. ولك في هدهد سليمان علية السلام أعظم مثال فقد استخدم لغة بحثه عن الرزق لينكر على أهل سبأ عبادتهم للشمس قال تعالى على لسان الهدهد {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل:25].
3- التزم بما تقول. إذ إنك عند تركيزك على مواطن المهارة لديك ستتحدث بثقة ووضوح ومن ثم ينتبه المتلقون إلى نبراتك، وينصتون لما تقول.
4- اعترف بعدم معرفتك للإجابة إذا وجه إليك سؤال لا تعرفه حتى لا تفقد مصداقيتك مع جمهور الحاضرين.(1/339)
5- أفسح مجالاً لانفعالك أثناء عرض مادتك. لا ترهق نفسك بمحاولة جذب انتباه الجميع إلى مادتك أو الإبقاء على حالة الهياج الشديد التي تظهر عليهم دون أن تترك لهم مجالاً للاستجابة ولكن أتح الفرصة لحماسك وانفعالك واهتمامك وغضبك بل وفكاهتك أيضًا للظهور.
الأسلوب الثالث: الإنصات الفعال:
نستطيع من خلال الإنصات بفاعلية أن نجني ثمارًا كثيرة، منها:
1- تذكر الحقائق والأرقام ذات الدلالة الهامة حتى وإن قيلت ارتجاليًا بأحد المؤتمرات.
2- استخراج كل ما هو أساسي من خطبة طويلة تبعث على الملل دون أن تجهد أذنيك بالاستماع لكل كلمة بها.
أربع خطوات لإنصات الفعال:
1- ركز جيدًا في بداية وخاتمة الحديث حيث غالبًا ما يعرض المتحدث فكرته الرئيسة والأفكار الفرعية التي سيتناولها أو التي تناولها بالفعل جيدًا.
2-استمع جيدًًا للألفاظ الدلالية: التي تذكر بالأفكار الرئيسة والفرعية والتي تحوي معلومات هامة بالنسبة لك.
3-انتبه لألفاظ تغيير محور الحديث التي تشير لفكرة جديدة بصدد طرحها مثل
'وعلى صعيد آخر' 'ولكن' 'وبالتالي' 'وهكذا' 'وعلى خلاف ذلك'.
4- لا تلتفت إلى التفاصيل بالطبع أنت في حاجة لكشف مزيد من التفاصيل ولكن عادة ما تشتمل تلك التفاصيل على النوادر والإحصائيات الإضافية بهدف تدعيم أفكار المتحدث فإذا كنت تسعى وراء الأفكار فحسب فلا تعر اهتمامًا لأكوام من المواد المتراكمة بغية إبراز الفكرة الرئيسة.
النوع الثاني من أنواع الذكاء الستة الذكاء المرئي [البصري]
الذكاء البصري، هو ذلك النظام العقلي المسئول عن معالجة وتخزين كل الصور المرئية حقيقة كانت أو خيالية, فالرؤية هي مظهر يشمل حياتنا اليومية بشكل كبير. وعندما تكثف من ذكائك البصري تصبح أكثر إدراكًا ووعيًا لكل الأشياء التي تراها وأكثر قدرة على تذكّر واسترجاع ما تشاهده؛ ولذا فإن هؤلاء الذين يمتلكون الذكاء البصري يحصلون على درجات عالية في الفن والهندسة ويستجيبون بشكل أفضل للمعلومات والدروس التي يتم شرحها بشكل مرئي.
وإليك أيها القارئ وسيلتين لتنمية ذكائك البصري.
الوسيلة الأولى: معرفة الأشكال:
وهي قدرة ذهنية جبارة وهبها الله سبحانه وتعالى لنا, وكلّما عملنا على تنميتها أكثر كلما ارتفع ذكاؤنا بصورة مذهلة. ونعني بها: القدرة الذهنية على تجميع وتصور صورة كاملة من أجزاء غير متكاملة.
أمثلة على ذلك:
إذا وقفت أمام سور من حجر لم يتم بناؤه بعد تستطيع معرفة أين سيوضع الحجر الناقص ليتم بناء السور, وفي السُّنة حديث يشير إلى هذا النوع من الذكاء البصري؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية, فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة!! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين'.
1- إذا كنت تقرأ في كتاب وصادفت جملة ناقصة بعض الكلمات ليتم معناها, تستطيع استرجاع هذه الكلمات بسهولة ليتم المعنى.
2- في رحلات الصيد نستطيع التمييز بين أنواع الطيور من مسافات بعيدة جدًا, وذلك عن طريق وقفة الطير أو طول ذيله.
كيف يعمل ذكاؤك البصري في معرفة الأشكال والأنماط؟
عندما تحصل على أي شكل أو نمط معين يقوم ذكاؤك البصري على الفور بالطواف مسرعًا عبر ملايين من الصور المخزنة مسبقًا بحثًا عما يتوافق مع تلك الأشكال والأنماط. وهكذا يحوّل ذكاؤك البصري تلك الأشكال وأجزاء الصور والأنماط التي حصل عليها إلى صورة متكاملة.
كيف تنمي هذا النوع من الذكاء 'معرفة الأشكال'؟
1. ركز نظرك على المباني والأسوار والمدائن:
فتش عن الأشكال التي تكونها هذه المباني أو الأسوار. قد تكون الأسوار على شكل حرف 'X' كبير. قد يكون المبنى على شكل سفينة.
2. ركز نظرك على الطريقة التي يتعامل بها الناس:
فقط تلاحظ أن صديقك يغضب كلما حدث شيء معين, أو أن زوجتك تبتهج في كل مرة تعدها بالنزول للتنزه... وهكذا بجمع الانطباعات تستطيع معرفة شخصية الآخرين وأهدافهم.
3. ركز نظرك على مشكلة واقعية ذات عناصر مرئية تصارعت معها:
على سبيل المثال: قد تلاحظ أن زميلك في المكتب يهدر ما يقرب من ساعة يوميًا أثناء قيامه بقطع مسافة مساحة الحجرة ذهابًا وإيابًا لاستخدام ماكينة التصوير.
4. ركز نظرك على الأشكال 'الأنماط' لتجد الحل:
في الواقع إن الحل أحيانًا ما يكون واضحًا كل الوضوح في رؤيتك لتكوين المشكلة, فبسهولة تستطيع حل مشكلة زميلك في المكتب عن طريق وضع آلة التصوير بالقرب من مكتبه أو العكس أو وضع مكتبه بالقرب من آلة التصوير.
الوسيلة الثانية: القدرة على التخيل:
التخيل ببساطة هو قدرتك على تصور الأشياء والأدوات تصورًا مرئيًا في مخيلتك. وللتخيل فوائد وثمرات عظيمة جدًا؛ منها:
1- تعلم المهارات:
تخيل قيامك بالفعل وأنت تقوم بمهارة ما تود اكتسابها، فإن ذلك يثير نفس العضلات والأعصاب وخلايا المخ في جسدك، وبالتالي يمكنك تعلم أو تحسين أية مهارات بأن تتخيل نفسك تفعلها بالمثل عندما تقوم بها في الواقع.
2- تغيير الذات بسهولة:
وهذه تعتبر من أعظم فوائد التخيل. فقد توصل العلماء إلى مبدأين مهمين:
• المبدأ الأول: أننا قبل فعل أي شيء ينبغي أن يشكل عقلنا صورة ذهنية لما نبغي أن نفعله [مثال: قبل أن تسير في الغرفة يتخيل عقلك أنك تسير فيها بالفعل].
• المبدأ الثاني: أنه بمرور الوقت تصبح معظم المواقف والتصرفات تلقائية طبقًا للصورة التي ثبتت في أذهاننا.
هذان المبدآن يفسران لنا السر وراء فشل أغلب الناس في تغيير عاداتهم السيئة, ألا وهو استمرار صورة هذه العادة السيئة في مخيلته, فيتصرف وفقًا لهذه الصورة. فالذي اعتاد التدخين هناك صورة في مخيلته أنه بعد الأكل يشرب السيجارة, والذي اعتاد الغضب عند حدوث تصرف معين يتصرف كل مرة نفس التصرف ويغضب؛ لأن هناك صورة في مخيلته تدفعه إلى ذلك.
والذي نريد أن نصل إليه أنك لا تستطيع تغيير سلوكياتك السيئة حتى تغير أولاً الصورة اللاشعورية التي في مخيلتك والاستمرار في التصرف طبقًا لهذه الصورة الذهنية.
ويمكنك استخدام قدرة التخيل كنوع من المصارعة الذهنية لتغيير صورة رد الفعل تلقائيًا غير المرغوب فيه إلى رد فعل إيجابي وسلوك مستحب.
مثال: إذا كنت مثلاً تعاني من الإحباط إذا زاد عليك ضغط العمل، وتريد أن تكون سعيدًا وواثقًا من نفسك أنك ستنهي جميع أعمالك في ساعات الضغط, فأكثر من تخيل هذه الصورة الجديدة حتى تثبت في الذهن وتتلاشى الصورة القديمة.
النوع الثالث: الذكاء المنطقي
بعض الناس يعتقدون أن الذكاء المنطقي صعب التحصيل وأنه أصعب أنواع الذكاء مع أن الأمر سهل. الذكاء المنطقي ببساطة ما هو إلا تقرير ما إذا كانت الأشياء تعني شيئاً أو تضيف شيئاً أو لا .
كم مرة استخدمت مثل هذه الجمل 'هذه التعليمات المدونة على الخلاط لا تعني لي شيء ' أو 'إن تفسير المدير لسبب عدم حصولنا على مكافآتنا هذا العام لا يضيف شيئاً' . مثل هذه العبارات تصدر من ذكائك المنطقي.
فأساس الذكاء المنطقي يدور حول فكرة [اثنين + اثنين] يساوي أربعة.
وتستطيع أن تذهل بتطور ذكائك المنطقي الرهيب لو استطعت أن تقوم بهذين الشيئين البسيطين:
1- اعترف إذا ما كان الدليل يؤيد الفكرة أو لا يؤيد الفكرة:
مثال أعتقد أن موسى محق فأربع حوادث في ستة أشهر يعني أن عمرو لا يحسن قيادة السيارة.
2- اعترف إذا ما كان الشيئان يضيفان لبعضهما أولا يضيفان لتبرير النتيجة:(1/340)
مثال 'أعتقد أنك محق.... النوم والنافذة مفتوحة طوال الليل خلال عاصفة ثلجية هوجاء ربما يكون له علاقة بالزكام الذي أصابني' .
هذا هو المرادف المنطقي لإضافة اثنين إلى اثنين للحصول على أربعة أي ترتيب وبناء الحقائق على بعضها لتصل إلى النتائج .
بيل لير 'السهل الممتنع'
بيل لير مهندس شاب تألق في أوائل القرن الماضي, أستخدم معادلة منطقية أسهل من [2+2=4] ألا وهي [1+1=2] أستخدم هذه المعادلة البسيطة للوصول إلى أكثر من ابتكار وجنى الملايين من وراء ذلك, ولذا تستطيع أيها الأخ أن تحقق نجاحاً مذهلاً إذا استخدمت هذه المعادلة المنطقية البسيطة [1+1=2].
من أمثلة ما فعلة بيل لير :
1- رأى الناس تهوى قيادة السيارة ومن ناحية أخرى يحبون الاستماع إلى الراديو فكانت فكرة ابتكار راديو السيارة.
2- كان الطيران في عصره مقصوراً على فترة النهار فقط فوجد أن الطيارين يحتاجون إلى طريقة دقيقة لتحديد مسارهم في الجو والإشارات اللاسلكية يمكن انتقالها على بعد أميال, فقام باختراع جهاز ليروسكوب لإرشاد الطيارين, وصار الطيران ممكن ليلاً.
وإليك بعض الوسائل لتطوير ذكائك المنطقي:
الوسيلة الأول: التغلب على المشكلة:
هناك أنواع عدة من المشاكل, وهذا يجعل من عملية حل المشاكل عملية مهيبة, لكن في الواقع تستطيع باستخدام ذكائك المنطقي أن تجعل من مشكلة هائلة الحجم مشكلة تافهة في ست خطوات بسيطة:
1- حدد المشكلة التي يتعين عليك أن تجد لها حل, أو السؤال الذي يتعين عليك إجابته, دون المشكلة أو السؤال في جملة أو اثنين .
2- حدد لماذا تريد حل هذه المشكلة ثم دون هدفك الإجمالي.
3- استعرض الأدلة وفكر في عناصر المشكلة, اسأل نفسك ما الذي يبدوا أكثر ارتباطا بالموضوع؟ ما الذي يبدو أقل ارتباطا بالموضوع؟
4- اسأل نفسك واضعاً في الاعتبار المشكلة والدليل: ما الذي يبدوا منطقيا, كيف تستفيد من هذا الدليل؟ هل هناك قيود تقود نحو الحل؟ حاول أن تطرح أكبر عدد ممكن من الأسئلة التي تتضمن أكثر من إجابة, ثم احصل على أكبر قدر ممكن من الحلول.
5- انتق الحل الذي يبدوا أكثر منطقية وحاول تطبيقه.
6- إذا قدر للحل الأول أن يفشل راجع تفكيرك وعد إلى ما يبدوا أنه ثاني أكثر الحلول منطقية.
الوسيلة الثانية: تفكير بدون شوائب:
وهو تدريب يسهل حيث تقوم بمراجعة تفكيرك بعد الانتهاء منه لتتأكد من صحته, وسمي هذا النوع من التفكير المراجع لتفكيرك الأول 'تفكير لا تشوبه شائبة' لأنه يحدد الهفوات الذهنية ويمحوها بسرعة, وبهذه التقنية يمكنك أن تحمل مجهراً ذهنياً وتسلطه على فكرك وفكر الآخرين لتضع يدك على الأخطاء التي تقع كل دقيقة, وهذا سيمنحك سبباً وجيهاً في عملياتك الذهنية.
خطوات نحو تفكير لا تشوبه شائبة:
1- افحص صياغتك وتفسيرك للمشكلة مرتين, اسأل نفسك: هل حددت المشكلة بصورة واضحة؟ هل تستوعب المشكلة من منظور واقعي؟
2- افحص الأخطاء المحتملة أثناء صياغتك وتفسيرك للمشكلة مرتين, اسأل نفسك ما هي الافتراضات التي أقمت عليها صياغتك؟ هل هي صحيحة؟
3- افحص مرتين إذا كانت الأدلة تدعم حلك, اسأل نفسك هل كانت الأدلة دقيقة غير منحازة؟ هل تم تطبيقها بطريقة عادلة وملائمة؟ هل هي ذات صلة حقاً؟
4- فكر مرتين في النتيجة المتوقعة, أسأل نفسك ما هي العواقب طويلة وقصيرة المدى المترتبة على تطبيق هذا الحل؟ هل وضعت نصب عينك كلا من الاحتمالات الإيجابية والسلبية؟
وفقاً لخبراء التفكير الجدي؛ فإن هذه الخطوات الأربع من شانها أن تعمق من قدرتك على رؤية ما وراء السطح, وفهم وجهات نظر بديلة, وتجنب التأثر بطريقة غير سليمة بما يقوله الآخرون, وتدبر فيما تفكر ولماذا, وتبني مواقفك وتدافع عنها بطريقة صحيحة.
الوسيلة الثالثة: اكتشاف المنطق الزائف
كثيراً ما نتعرض للخداع من قبل الآخرين الذين يحاولون أن يخدعونا باستخدام المنطق الزائف, مثل أن يضعوا الكلمات والحقائق جنباً إلى جنب وكأنها تعني شيئاً, ولكنها في الحقيقة تعني شيئاً آخر, ولكن بمقدور ذكائك المنطقي أن يعمل على تطوير قرن استشعار يمكن أن يتحرك عن أي منطق تضليلي متعمد, وذلك بتدريبه بصورة مناسبة ومتكررة.
فتعال يا أخي لنتعرف على طرق المنطق الزائف.
الأفخاخ الذهنية السبعة للمنطق الزائف:
ما يجعل المنطق الزائف ينجح هو تشتيت الانتباه يشتت انتباهك عن المنطق الخاطئ بأي شيء آخر وإليك الفخاخ السبعة للمنطق الزائف:
1- خيار زائف:
لكي يثنيك عن اتجاه معين فانه يخمن وبطريقة مضلله أن كل العواقب ستكون سليبة, بينما توجد في نفس الوقت احتمالات إيجابية أيضاً.
2- الاستشهاد الزائف وهو نوعان :
1] الاستشهاد بأحد الخبراء:
وكونه خبيراً لا يجعله على صواب دائماً, فهناك الكثير من الخبراء الذين يعلمون في نفس المجال ويختلفون فيما بينهم عدة سنوات, زعم اثنان من علماء الطبيعة أنهما اكتشفا اللحام البارد, وكان هناك علماء آخرون في نفس المجال شككوا في ذلك وقد كانوا على حق حيث ثبت زيف هذا الزعم.
2] الاستشهاد بشخصية شهيرة:
وقد تكون هذه الشخصية الشهيرة ليست لها خبرة في هذا المجال الذي تتحدث فيه.
3- استغلال التعاطف:
يتم خداعك كي تغفل عن ضعف فكرة ما وذلك بوصف يحرك المشاعر للحالة التي عليها بعض التعساء, على سيبل المثال 'ثلاثون مليون طفل يعلنون الجوع, في هذه الخطة سوف يحصلون على وجبات مغذية' تشتيت انتباهك عن عيوب الخطة بالتعاطف مع الأطفال الجياع.
4- مهاجمة الشخص:
وهو عدم قبول أي منطق من شخص معين وتتخذ شكلين رئيسين:
1] مهاجمة الشخص لذاته: ويسوغ رفض كل ما يقوله بسبب بعض أخطاء وقع فيها مثلاً.
2] مهاجمة الشخص بسبب معارفة: ويسوغ ألا يعتد بكل ما يصرح به لأن لديه معارف وأتباع لا يعتمد عليهم.
5- شيء حدث بعد شيء آخر ويثبت علاقة بينهما غير صحيحة :
مثال: ' منذ أن بدأ استخدام الحاسوب وأنا أعاني من مرض الحكة لابد وأن إشعاع الحاسوب كان السبب وراءها'.
6- تعميمات زائفة: ويتخذ ذلك شكلين:
1] تعميمات متسرعة: القفز إلى النتيجة بناءاً على أدنى حد من المعرفة قبل أن تزن كل الأدلة, مثال إن أصدقائي الستة كانوا يعتقدون أن فكرتي بشأن قفاز الأنف رائعة وسوف يرغبون جميعاً في شرائه'
2] تعميمات مطلقة: مثال 'أنت لا تزورني ولا تتصل بي أنت لا تحبني'.
7- مقارنة زائفة:
لخلط الأمور يتم بناء حوار على شيئين لا يجوز المقارنة بينهما, مثال' العمال كالجياد عليك أن تخضعها تحت السيطرة, وإلا سيفلت زمام الأمور من بين يديك, وكذلك الموظفون'.
الوسيلة الرابعة: البراعة في الرياضيات
لا يمكن أن تدخل معترك الحياة وتنجح فيها ما لم تكن على وعي بالرياضيات, والذين يمكنهم إجراء العمليات الحسابية في أذهانهم بسرعة؛ لن يتمكن أحد من خداعهم في سعر شيء أبداً, ومن الصعب أن تتخيل شخصاً يرتقي السلم في أي مهنة دون أن يكون ملماً ببعض المهارات الهامة في الرضيات.
أربع قواعد تساعدك على البراعة في الرياضيات:
1- عندما تقوم بعملية جمع في ذهنك [ولنقل 38و 64] غير العدد[38] إلى [40] اجمع ثم أطرح في النهاية 2.
2- عندما تقوم بعملية طرح في ذهنك ولنقل [57و96] غير العدد [57] إلى [60] أطرح من [96] ثم اجمع في النهاية [3].
3- عندما تقوم بعملية ضرب في ذهنك بعددين ينتهي كل منهما باختصار مثل [300*8000] أضرب العددين الأولين [3*8] ثم أضف إلى ناتجها إجمالي عدد الأصفار وهو [5] لتحصل على [2400000] .(1/341)
4- عندما تضرب أعداد مختلفة لا تنتهي بأصفار [25*34]. اجعل هذه المسألة الحسابية مسألتين
[لنقل 20*34 + 5*34] أجمع بينهما في النهاية [680+170]=[850].
================
كيف تصبح عبقريًا؟ [2]
الذكاء الإبداعي-الذكاء العاطفي
النوع الرابع: الذكاء الإبداعي
الذكاء الإبداعي هو السبب وراء كل فكرة جديدة تطرأ بذهنك, ووراء كل ابتكار أو تقدم جديد. ومن مميزات الذكاء الإبداعي أنه يعينك على تخطي مشاكلك اليومية التي قد شغلتك طويلاً إذ يوفر لك حلاً بديلاً جديداً للاستمرار بعملك ولتطويره.
ولكنه ثمة عامل يفصلنا عن قدراتنا الإبداعية، ألا وهو اعتقادنا الخاطئ بحتمية أن المبدعين أذكياء فوق العادة وأن درجة ذكائنا لا تصل إلى هذا المستوى. ولكن في حقيقة الأمر ووفقاً لدراسة أجراها أستاذ علم النفس الدكتور "دين سيمونتون" فإن النابغين المبدعين من المؤلفين والراسمين والعلماء ورجال الأعمال أقل ذكاء من أي شخص آخر. ولذلك فتأكد أن لديك كل القدرات التي تحتاجها كي تبتكر وتبدع أشياء جديدة.
وإليك بعض الأمور العملية التي تجعل ذكاءك الإبداعي يرتفع بشدة إذا فعلتها بانتظام:
1) جدد فيما تقوم به يومياً؛ فالرتابة اليومية تقلل الإبداع بينما يعد التنوع والإثارة وسيلتين للاستعانة التامة بقدراتك الإبداعية فاتخذ طريقاً مختلفاً أثناء ذهابك إلى المكتب مثلاً، قم بشراء حاجاتك من محلات مختلفة, نوع من نشاطاتك في أوقات فراغك.
2) أحبب ما تكره؛ عندما تتعرض لموقف بغيض أو تكون بصحبة شخصية منفرة حاول إيجاد أو قول شيء محبب لك في هذا الموقف البغيض, حاول محبة هذا الشخص الذي تكرهه وعامله كأنه صديق حميم، وصدق الله تعالى إذ يقول: " {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت34 .
3) ضع نفسك مكان الآخرين؛ سيزيد ذلك من مرونة ذهنك وتنمية قدراتك على استشعار المشاكل من منظور مختلف.
إن الإبداع عضلة كأي عضلة في جسمك إذا أحسنت تدريبها واستعمالها نمت وقويت أما إذا أهملتها وتركتها ضمرت وضعفت، لذا فأنت تحتاج إلى تدريب قوة الإبداع لديك.
وسنقدم لك تدريبين يساعدانك على تنمية قوة الذكاء الإبداعي لديك:
أولاً: تدريب الإلهام الفوري:
هل حدث لك مرة وأرهقتك مشكلة ما واجتهدت في التفكير في حلها دون جدوى، ثم بعد فترة قصيرة وأنت تجلس على الأريكة تسترخي ولا تفكر في المشكلة مطلقاً أُلهمت الحل بسهولة ويسر؟
هذا هو الإلهام الفوري الذي نريد أن نصل إليه ولكن كيف السبيل إلى ذلك..؟
قبل أن نشرح لك السبيل إلى ذلك عليك أن تعرف بدايةً أن العلماء قد اتفقوا تقريباً على أن العقل اللاواعي هو مصدر إلهامنا الإبداعي، حيث كتب الباحث في مجال الوعي د. "ويلين هارمان": ((إنه لمن المعترف به حالياً أن العقل الباطن ينبوع لا ينضب للإبداع البشري)).
أمر آخر عليك معرفته؛ ألا وهو أن الإيماءات الإبداعية التي تأتي من العقل الباطن غالباً ما تأتي بينما يكون ذهنك شارداً، هذه الإيماءات والإشارات تأتيك يومياً أكثر من عشر مرات... !!
ولذا فحتى تحصل على هذه الإيماءات والإرشادات الإبداعية من عقلك الباطن وتحسن استثمارها اتبع الخطوات الآتية:
1) ركز انتباهك قليلاً على مراجعة العناصر الأساسية والمشاكل الأساسية التي تواجهك وكل ما تريد تحقيقه.
2) نح القضية جانباً وحول انتباهك لأي شيء آخر (أيام صباك مثلاً؛ حينما كنت تلعب بالدراجة)، فأنت بذلك تتيح المجال لعقلك الباطن لتقليب كافة أوجه المشكلة ثم استرح فوق مقعدك أو فوق أريكتك.
3) بينما تستغرق أنت في التفكير ملياً في أي شيء آخر دع الفرصة لأحلام اليقظة أن تأتيك في لحظة ما, ستأتيك فجأة وستحصل على لإلهام الذي تريده.
4) إذا لم تصل إلى الإلهام الذي تريده قم بتكرار الخطوات من 1-3 مرات، تقول "جين ماري ستاين" معلقة على ذلك ((ففي معظم الحالات، ينبغي أن تتوصل إلى فكرة سديدة في نهاية اليوم)).
5) قم بتطبيق الأفكار التي توصلت إليها بعد تقليب التفكير فيها ووزنها جيداً، فمن الجائز ألا تكون كل الأفكار مناسبة أو قابلة للتطبيق، بينما قد يغرك شدة وميضها لحظة ظهورها في عقلك، ولذا لا تتعجل وفكر فيها جيداً، ثم قم بتطبيقها واختبر مدى جدواها.
* من الملاحظ في هذا التدريب هو أنه عليك بذل مجهود في الخطوة الأولى فقط، بينما تأتي الخطوة الثانية والثالثة بتلقائية تامة وكنتيجة للخطوة الأولى، فقم بالخطوة الأولى وسيتولى عقلك الباطن القيام ببقية المهمة.
ثانياً: تدريب الانعكاس:
هذه الوسيلة بسيطة جداً وفعالة للغاية ألا وهي عكس الأمور؛ عندما لا تستطيع أن تجد فكرة جديدة أو حل, فببساطة ابن الافتراضات العميقة وقم بعكسها، وإليك الخطوات العملية لتطبيق هذا التدريب:
1) سجل افتراضاتك الأساسية عن مشكلتك، دونها كمجموعة من الجمل الخبرية التي تعبر عن الواقع وتصف ماهية الشيء؛ فمثلاً إذا كنت تريد أن تصبح صاحب مطعم وتبحث عن مفهوم مبتكر للمطعم ليساعدك على المنافسة بقوة فلعلك تكتب افتراضاتك على هذا النحو: (المطعم عبارة عن مؤسسة تجارية أو بناء حيث يأتي الناس إليه ليتناولوا الطعام وهو مكان يستطيعون فيه أن يجدوا الطعام المتنوع لكي يرضي جميع الأذواق).
2) اكتب مجموعة من الجمل كل جملة تأتي مضادة لكل افتراض افترضته في الخطوة السابقة وابدأ بما تعتبره أهم افتراض؛ فمثلاً:
أ ) من الممكن أن تعكس افتراض أن المطعم مكان يأتي إليه الناس إلى مكان يرسل الطعام إلى الناس، (من هنا نشأت فكرة إبداعية كالتي تمثلت في دومينوز بيتزا).
ب ) من الممكن أن نعكس الافتراض (أن الناس يستطيعون فيه أن يجدوا الطعام المتنوع, إلى أن المطعم يركز على طبق رئيسي واحد ونوعية طعام محددة)، ومثال ذلك فكرة دجاج كنتاكي حيث يركز على نوعية طعام محددة ألا وهي الدجاج المقلي).
3) راجع الافتراضات المعكوسة, وقيمها واختر منها ما يصلح للتطبيق.
والحقيقة أن الكلام عن الذكاء الإبداعي لا ينتهي إلا أننا نرجو أن نكون قد أعطيناك فكرة سريعة و فعالة عنه تؤهلك لتطويره وتقويته لتلحق بركب المبدعين.
، وإلى أن نلقاك في المرة القادمة مع نوع جديد من أنواع الذكاء، فلك منا أطيب التحية, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
النوع الخامس: الذكاء العاطفي.
الذكاء العاطفي هو المفتاح الخامس للوصول إلى عبقريتك الكامنة فهو يشمل كل أوجه تفاعلاتك مع الآخرين ومن يطمح في تحقيق شيء في هذه الحياة دون أن يكون لديه شيء من الذكاء العاطفي إنما هو كمن يحاول الإبحار بسفينة في خضم الأمواج العاتية والرياح القاسية دون شراع, ففي ظل هذا الوضع قد تبذل كل ما في وسعك لتحافظ على مسارك ولكن لا أمل في أن تحقق تقدماً كبيراً.
بعض الوسائل لتطوير ذكائك العاطفي:
الوسيلة الأولى: الوعي بالذات
إنها القدرة على إدراك عواطفك وأفكارك وأفعالك وتصرفاتك واعتبارك لنفسك ومعرفة من أنت ومن تريد أن تكون.
أجرى عالم النفس روبرت ديلتس العشرات من المقابلات مع كبار رجال الأعمال ووجد أنه لدى كل منهم إجابة على ثلاث أسئلة هامة للغاية ترتبط بالناحية العاطفية وهي:
1. من أنت ؟
2. ما هي رسالتك أو هدفك بالحياة؟
3. ما الذي تشعر به الآن؟.(1/342)
فإذا لم تعرف من أنت فلا تنتظر من مديرك أن يفهمك ولا تنتظر أن تقيم علاقات قوية مع زملائك وإذا لم تعرف رسالتك وهدفك في الحياة فلا تنتظر أن ترضى بعملك وإذا لم تعرف مشاعرك فكيف لك أن ترجو أن تكون استجابتك للأمور صحيحة؟
ثلاث خطوات للوعي بالذات:
اجلس في مكان هادئ واسترخ وامسك قلماً وورقة واتبع الخطوات التالية:
1. تعرف على ما تشعر نحوه بمشاعر سيئة في حياتك وأكمل كتابة هذه الجملة (ما اشعر نحوه بمشاعر سيئة هو..). لا تستبعد أي شيء.
2. تعرف على الأشياء التي تشعر نحوها بمشاعر إيجابية في حياتك وأكمل الجملة الآتية"ما اشعر نحوه بمشاعر إيجابية في حياتي هو.....) لا تستبعد أي شيء.
3. اعرف ما تشعر به الآن ثم أكمل الجملة الآتية "ما يمكنني أن أتعلمه وأقوم به لتحسين الأشياء التي أشعر نحوها بمشاعر قوية هو....).
الوسيلة الثانية : الثقة القوية:
هذا الأسلوب يوضح لك كيفية التعامل مع المشاعر السلبية من خلال تنمية نوع من الثقة الصلبة صلابة الصخر والتي تمثل الفاصل بين النجاح والفشل في أوقات الأزمات والشخص الذي يثق في نجاحه غالباً ما يميل إلى خط النهاية أكثر من أولئك الذين تملأهم الشكوك في نجاحهم ومع ازدياد ضغوط العمل للأسف نجد شعوريين ينتابان كثيراً من الناس ألا وهو الشعور بالإرهاق والشعور بالضغط وترى شارماين ويليز المستشار المالي أن ارتفاع الذكاء العاطفي أمر لابد منه للتغلب على الضغط الشديد وتقول " لقد وجدت أن الخروج من حالة القلق تستغرق من الوقت ضعف ما يستغرقه منع القلق قبل حدوثه.
ويمكنك استخدام الذكاء العاطفي في خلق ثقة بالنفس ثابتة تمثل حائط صد ضد المشاعر السلبية التي تؤدي للضغط والإرهاق وقد كشفت الأبحاث أن المكون الأساسي للثقة هو إدراك أنك مهيأ للكارثة وسوف تتغلب عليها إن شاء الله, وهذه المعرفة تساعد الناجحين على الاستمرار في طريقهم مهما كانت العوائق, ويرى ألان كلتر الصحفي الرياضي وخبير التحفيز أن أساس الثقة التي لا تتزعزع هو معرفة أنك على استعداد لأسوأ الاحتمالات.
ست خطوات للثقة القوية:
1. أسأل نفسك ما الذي أدى بالتحديد إلى تولد الشعور السلبي, (قد يكون بسبب الإهانة التي وجهها لك الموظف أو حينما طلب منك عملاً زائداً على عملك الأصلي أو رجل يشهر إشاعات عليك).
2. ما هي أسوأ النتائج التي يمكن أن تترتب على الموقف الذي تسبب في هذا الشعور ؟ وحاول أن تتخيل أسوأ ما يمكن حدوثه.
3. كيف سأتعامل مع وطأة الموقف في حالة حدوث هذا الأمر الأسوأ ؟(من الذي ستلجأ إليه ليمدك بالدعم العاطفي؟ كيف ستتعامل مع الضيق الذي ستشعر به وكذلك مع الشعور بفقدان زمام الأمور؟)
4. ما الذي ستؤول إليه الأمور في الواقع إذا حدث هذا الشيء السيء ؟ فمهما بلغت مرارة الألم في بداية الأمر ماذا بعد حدوث أسوء الاحتمالات: هل ستموت؟ هل ستقتل نفسك؟ هل ستظل محطماً طوال حياتك؟ أو هل ستنهض على قدميك وتحاول مرة أخرى؟ تماماً كما فعلت في التحديات الأخرى التي واجهتك في حياتك ؟ (إذا كنت تنوي النهوض مرة أخرى فمعنى ذلك أنك قد بدأت تشعر بثقتك بنفسك).
5. ماذا يكفي أن أفعل للتخفيف من الآثار التي ستنجم عن الاحتمال الأسوأ عند وقوعه ؟ هل هناك أي طريقة لإعادة الأمور إلى نصابها؟ (قد يكون من الأفضل أن تضع قائمة الاختيارات المتاحة).
6. ما الذي يمكنني فعلة الآن لأزيد من فرص حدوث نتيجة ما إيجابية؟
الآن لم يعد هناك مبرر لك لتضيع الوقت في القلق بشأن أسوأ السيناريوهات المتوقعة وأصبحت لديك فرصة لتركيز جهدك على إيجاد استراتيجية وقائية من أجل منع هذا الأمر من الحدوث.
الوسيلة الثالثة: التقمص العاطفي الهائل:
هذه وسيلة أساسية من وسائل الذكاء العاطفي تمكنك من إقامة علاقات مع الآخرين وهي ببساطة عبارة عن القدرة على معرفة وفهم مواقف الآخرين ومشاعرهم ورد فعلهم.
وهناك حكمة تقول: إذا كنت ترغب في فهم شخص ما فعليك أولاً أن تسير بجواره" فحتى تنجح في علاقاتك مع الآخرين عليك أن تفهم كيف يفكرون وكيف يشعرون وتتفاعل معهم على وفق تفكيرهم ومشاعرهم.
ست خطوات للتقمص العاطفي الهائل:
1. اختر مشكلة لك مع شخص ما أثارت مشاعرك.
2. ركز في معرفة الأسباب الدقيقة التي أطلقت هذه المشاعر.
3. استحضر الصورة التي كان عليها الشخص الآخر أثناء حدوث الموقف وحاول أن تتخيل الدوافع وراء تصرفه.
4. غير موضعك وضع نفسك مكان الشخص الأخر وفكر من وجهة نظره في التصرفات التي تصرفتها أنت في هذه المشكلة.
5. ابحث عن درس يمكنك تطبيقه بحيث يؤدي إلى نتائج أكثر إيجابية أو يزيد من فهمك وتعاطفك مع الشخص الآخر مستقبلاً.
6. في النهاية قم بالمراجعة هل كانت طريقة تعاملك معه صحيحة أم أن عليك أن تغير من طريقة تعاملك وتفاعلك معه ؟
أهم المراجع:
1- القدرة الذهنية الخارقة 6مفاتيح للكشف عن عبقريتك الكامنة لـ"جين ماري ستاين".
=============
-الهجرة.. احتفالية التغيير
الهجرة.. احتفالية التغيير
مقدمة:
- تهل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام، فتهب علينا رياح التغيير العظيمة التي غيرت وجه التاريخ عبر هذا الحدث العظيم الذي يجب أن تكون لنا معه وقفات مهمة؛ لنعيد قراءة واقعنا على أضواء دروسه العظيمة، وليكون لنا محطة جديدة للانطلاق نحو تغيير أحوال أمتنا والهجرة بها نحو الأفضل.
- هذا هو سر توفيق الله تعالى لسيدنا عمر بن الخطاب بأن اختار الهجرة النبوية عنوانًا للتاريخ الإسلامي، وكان أمامه عدة مناسبات قوية يمكن أن يستخدمها للتأريخ مثل غزوة بدر أو فتح مكة أو ميلاد أو بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- وكان اختيار الهجرة حتى تكون محطةً للتغيير الدائم لأمة الإسلام عبر السنين وصعودًا نحو المعالي بالهجرة والانتقال من الضعف إلى القوة، ومن قهر الضلال وسيطرة الباطل إلى زيادة الإيمان وأستاذية العالم.
مقومات التغيير الناجح من خلال الهجرة
(1) أن يكون هناك هدف عظيم يسعى الجميع من أجل تحقيقه: وهو إعلاء كلمة الله تعالى وهذا ما وضحه لنا القرآن الكريم في التعقيب على الهجرة {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (التوبة: الآية 40).
(2) من أهم دعائم التغيير الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: وكسب الأنصار الجدد وتهيئة الأرض الجديرة بحمل الرسالة, وتمثَّل هذا في بيعتي العقبة الأولى والثانية، وبعثِ سيدنا مصعب بن عمير لنشر الدعوة في المدينة، فكان نشر الدعوة أهم وسائل النجاح وأعظم دعائم البناء الإسلامي.
(3) التضحية وتقديم الغالي والنفيس من أجل الفكرة وترك التثاقل إلى الأرض: وتمثَّل هذا في ترك الأموال والبيوت والديار في مكة المكرمة والذهاب إلى المدينة المنورة، فكان الإسلام هو أغلى شيء في حياة المسلمين، وكانت النتيجة النصر والتمكين.(1/343)
(4) الاعتصام بالله تعالى: فالاعتصام بالله هو الفرج والمخرج، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخرج من بيته المحاصر بأربعين رجلاً لقتله، وهو يقرأ القرآن{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } (يس: الآية 9) ولا يخرج سالمًا فقط، بل ويضع التراب فوق كل الرؤوس، وهذا شأن المعتصم بالله الآوي إلى ركنه الركين.
(5) تأمين الدعم الاقتصادي وتسهيل وصول الدعم اللوجستي: فأبو بكر الصديق وفَّر المال اللازم لشراء الراحلتين، ودفع أجر الخبير الطوبوغرافي، وأسماء بنت أبي بكر كانت توصل الطعام، واختيارها كامرأة تتحرك بسهولة لا يتعرض لها العرب بطبيعتهم سهَّل وصولَ الدعم اللوجستي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في رحلة الهجرة.
(6) التخطيط الجيد والعمل المنظم: وتتمثَّل في الآتي:
1- تأمين حياة أفراد الأمة: فتأخير هجرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والأمر بخروج الأفراد سرًّا وفرادى حتى لا يعلم أحد مقصودهم الجديد، فينقضوا عليهم جميعًا فيه تأمين لخروجهم.
2- خروج الرسول- صلى الله عليه وسلم- في وقت غير معهودٍ الخروجُ فيه: وقت الظهيرة واشتداد الحر في ومضاء مكة.
3- استئجار خبير في الطوبوغرافيا (عبد الله بن أريقط): حتى لا يسير في طريقٍ معهود، فيسهل الإمساك بهم.
4- استخدام الإخفاء والتمويه: وهو أحد وسائل الحرب الحديثة وتمثَّل ذلك في الآتي:-
أ- مبيت سيدنا علي رضي الله عنه مكان الرسول حتى يظلوا ينتظرون خروجه، وذلك في المرحلة الأولى حتى يتمكن من الخروج من مكة.
ب- عامر بن فهيرة يسير بقطيع من الغنم خلفهم لتغطية الآثار؛ حتى لا يستطيع أحد أن يقتفيَ أثرَهم.
ج-البقاء في الغار ثلاثة أيام في الوقت الذي تنتشر فيه قوى الشر في كل مكان للبحث عنهم.
د- تغيير اتجاه المسير فبدلاً من الانطلاق في اتجاه الشمال، وهو التفكير المنطقي لمن يريد الملاحقة، يتجهون إلى الجنوب أولاً حيث لا يخطر ذلك ببال أحد.
(7) توزيع الأدوار:
أ - الكبار يوفِّرون الدعم المادي للمساندة والصحبة.
ب- الشباب والفتيان يقومون بالأعمال الفدائية والاستخباراتية.
ج- المرأة تقوم بالدعم اللوجستي.
د- باقي الأفراد يهيئون الدولة والأرض الجديدة ويرتبون احتفالية الاستقلال: (طلع البدر علينا من ثنيَّات الوداع).
(8) الشجاعة والقوة في الحق وتحدي الباطل وعدم الاستكانة إليه: وتمثَّل ذلك في موقف سيدنا عمر بن الخطاب وبطولته العظيمة، حين صعد على الجبل وأعلن هجرته حتى يعلِّم الظالمين درسًا في قوة الحق، وأن المسلمين لم يهاجروا خوفًا ولا جبنًا، ولكن هاجروا من أجل مصلحة الدعوة، ولبناء دولة الإسلام في أرضٍ جديدة، وكانت هذه رسالةً لا بد من توصيلها في موقف سيدنا عمر بن الخطاب.
(9) رعاية جميع الحقوق حتى حقوق الأعداء: وتمثل ذلك في مقام سيدنا علي في مكة لتوصيل الأمانات إلى أهلها، وهم الكافرون أعداء الدعوة.
(10) الفدائية: يحتاج التغيير إلى شباب فدائي على استعداد لتقديم روحه فداءً لدعوة الله، وتمثَّل هذا في مبيت سيدنا علي في فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في موقف يعرضه للقتل على يد أربعين رجلاً متربِّصين بالخارج.
(11) استشعار معية الله لإنقاذ الأمة في أحلك الأوقات: في لحظةٍ من لحظات الإحساس بقرب سيطرة الأعداء وبطشهم بالأمة وقضائهم عليها واستئصالهم لشأفتها لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، وتأتي النجاة باستشعار معية الله{ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ} (التوبة: من الآية 40).
(12) الاستطلاع الجيد والمخابرات النشطة الفاعلة: وتمثل هذا في تكليف عبد الله بن أبي بكر الغلام الصغير أن يعمل (ضابط مخابرات) لحساب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهو صغير يجلس في وسط القوم، فلا يعملون له حسابًا، ويتكلمون بما يريدون وينقل هو كل خططهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولسهولة حركته أيضًا كغلام لا يلتفت له أحد، فهو يجلس معهم طوال النهار، وينطلق في الليل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جهاز مخابرات ذكي ونشط وفاعل ولا يخطر على بال أحد.
(13) نفوس قوية لا يصيبها الحزن ولا يعتريها الإحباط: مهما كانت قوة الأعداء ومهما اختلَّت موازين القوى الظاهرة، فمعية الله أقوى من أية قوة، وتأييد الله بجنود غير مرئية يُلقِي في قلوب المؤمنين الهدوء والسكينة والثقة والطمأنينة بحتمية نصر الله {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} (التوبة: من الآية 40).
(14) الأمل في نصر الله: ارجع ولك سوارا كسرى كمن يقول الآن ارجع عن محاربة المسلمين ولك البيت الأبيض كلام يقوله رسول الله لسراقة، وهو خارج مطارد تطلبه قوى الشر في كل مكان.
طريق الهجرة
طريق الهجرة دائم مستمر عبْر نهج رسمه لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد قطعت أمتنا بعض الأشواط في طريق هجرتها، ولكنَّ الأمر ما زال يحتاج إلى جهود كبيرة وأشواط كثيرة حتى نكمل طريق الهجرة، ويتمثل ذلك فيما يأتى:
(1) الجهاد والنية: فلا يكتمل طريق الهجرة بدون النية الصالحة لبناء الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة بأكملها، ونجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
ولا يكتمل طريق الهجرة بدون جهاد النفس والشيطان ومقاومة المادية وأصحاب الأهواء الذين يضيِّعون الأمة، وكذلك محاربة المحتلين أعداء الأمة الذين يستذلونها، وبذلك نحقق حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية).
(2) هجر ما نهى الله عنه: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) (رواه البخاري) فهيا لنهجُر السيئات.. هيا نهجُر كل ما نهى الله عنه في كل الميادين وعلى كل المستويات بدءًا بالفرد وانتهاءً بالأمة، فتهجر الأمة معاصيَها الكبيرة المتمثلة في الآتي (على سبيل المثال):
1- الاحتلال وتدنيس الأراضي ومقدسات المسلمين من قِبَل الأعداء.
2 - التخلف عن ركب العلم والحضارة وكونها في وسط ما يسمى بالعالم الثالث.
3 - التفرق والتشرذم وعدم اتحاد الكلمة.
(3) الأخذ بمقومات التغيير لإصلاح شأن الأمة: وخاصةً الاهتمام بنشر دعوة الإسلام عبر وسائل الإعلام، فدعوتنا تحتاج إلى الابتكار وتكريس الجهود لتوصيل الفكرة بأسلوب راقٍ ومتميز عن طريق الفضائيات والإنترنت وبشتى لغات العالم، فنقدِّم رسالة الرحمة والإنسانية لكل أمم الأرض.
ومع استمرار الجهود واحتفالنا بالهجرة كل عام عبر التغيير والارتقاء بشأن أمتنا وهجرها لأوضاعها غير السليمة في شئون الدنيا والآخرة سيحدث التغيير المنشود، ويأتي النصر المؤزر المبين بإذن الله.
(4) تحقيق العبادة هجرة إلى الله تعالى: هيا نأخذ بيد أمتنا إلى عبادة الله تعالى، فنقيم الفرائض وننشر الفضائل ونحقق العبادة بمعناها الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعًا.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن معقل بن يسار-:(العبادة في الهرج كهجرة إليَّ).
المرجع:الهجرة احتفالية التغيير-رشاد لاشين.
================
1-الوقت وتنظيِمه
الوقت وتنظيِمه
مقدمة:
• مربعات تنظيم الوقت تعني أن نقسِّم الأنشطة التي تنتظرنا أو نتوقع القيام بها على حسب أهميتها, وحسب السرعة المطلوبة بها إلى أربعة أقسام (مربعات) كالتالي:
المربع الأول: أنشطة هامة وعاجلة:(1/344)
• هي الأعمال المطلوبة على وجه السرعة ولا تحتمل التأجيل، مثل : الأزمات الطارئة سواء على مستوى العائلة أو المؤسسة, والأعمال المطلوب تسليمها فوراً, وبعض المكالمات التليفونية والإجتماعات الهامة فعلاً!
المربع الثاني: أنشطة هامة وليست عاجلة:
• مثل التخطيط للمستقبل وتوقع الأزمات ومعالجتها قبل وقوعها.
• الاهتمام بالصحة وممارسة الرياضة واكتساب الثقافة والمعرفة.
• الاهتمام بشؤون الأسرة والأصدقاء، وغيرها.
المربع الثالث : أنشطة عاجلة وليست هامة:
• كالرد على المكالمات التليفونية العادية والخطابات سواء الشخصية أو المتعلقة بالعمل, أو الاجتماعات الدورية التي لا تقدم ولا تؤخر كثيراً بالنسبة لأهداف العمل, أو مثلا مشاهدة البرامج التلفزيونية والمباريات الرياضية.
المربع الرابع : أنشطة غير عاجلة وغير هامة :
• مثل معظم المكالمات التليفونية وأنشطة الترفيه وإضاعة الوقت.. كالتلفزيون والفيديو وممارسة ألعاب الكمبيوتر. وغيرها.
كيف يقضي الناس أوقاتهم؟
1- يقضي الكثير من الناس معظم وقتهم في معالجة الأزمات والمشاكل الطارئة (المربع الأول) , بالتأكيد الكثير منا يفعل ذلك بعض الأحيان.
• لكن المشكلة هي أن تتحول حياتنا إلى سلسلة من الأزمات العاجلة.
• إن هؤلاء الذين لا يهتمون بأمر إلا إذا حان موعده أو كان مطلوباً على وجه السرعة يعيشون في توتر دائم, ولا يجدون الوقت الكافي للإعداد الجيد لهذه الأعمال، وفي الغالب لا يجدون وقتًا كافياً للاهتمام بشؤونهم الصحية أو العائلية, وكثيراً ما تتفكك العائلات لهذا السبب.
2- أما النوع الثاني من الناس فهم من يقضون حياتهم في المربع الثاني، غير مدركين أن صفة عاجل لا تعني بالضرورة هام حيث أن الرد على كثير من المكالمات التليفونية ومشاهدة البرامج التليفزيونية أو المباريات الرياضية قد يكون عاجلاً، إلا أنه ليس هاماً على الإطلاق - إلا إذا كان داخل نطاق عملهم.
• مع الأسف فإن الكثيرين تستغرقهم هذه الأعمال فلا يجدون الوقت الكافي للاهتمام بالأنشطة الهامة فعلا في حياتهم!
3- هناك نوع ثالث من الناس ممن يقضون معظم أوقاتهم في أنشطة المربعين الثالث والرابع ( الأنشطة الغير هامة, سواء كانت عاجلة أم غير عاجلة ).
• هؤلاء عادة يتسمون بعدم المسؤولية , لأنهم يضيعون معظم أوقاتهم في أنشطة لا تسهم في الوصول لأهدافهم , أو تحدث أي تقدم ملحوظ في حياتهم.
4- أما الأشخاص الأكفاء حقيقة فهم الذين يبتعدون بقدر الإمكان عن أنشطة المربعين الثالث والرابع مهما كان إغراؤها لهم, كما لا يقضون معظم أوقاتهم في أنشطة المربع الأول (الهام والعاجل).
• بل يحاولون قضاء أكثر وقتهم في أنشطة المربع الثاني (الهام وغير العاجل) لكي يقوموا بالإعداد الجيد للأمور قبل أن يحين موعدها.
• بمعنى آخر : يقومون بالإعداد للمستقبل قبل أن يأتي بوقت كاف.
• كثير منا يشعر بأهمية بعض الأنشطة في حياته إلا أنه يؤجلها حتى تصبح عاجلة ولا يستطيع أن يعطيها الكم الأفضل من العناية والاهتمام.
خاتمة:
• هل يمكنك أن تسأل نفسك سؤالاً هاماً : ما هو الشيء الذي تتمنى أن تفعله بانتظام أكثر سواء في حياتك الشخصية أو العملية, والذي تعتقد بأنه سوف يؤثر تأثيراً إيجابياً كبيراً على نجاحك في حياتك وعملك؟
• أغلب الظن أنك لو أجبت على هذا السؤال بأمانة وبتفكير عميق سوف تجد العديد من الأنشطة التي تقع في المربع الثاني (الهامة غير العاجلة) والتي يجب أن تخصص لها الكثير من وقتك.
المرجع: تنظيِم الوقت-ستيفن كوفي.
==============
-العمل المؤسسي
العمل المؤسسي
مقدمة:
• من أخطر ما تعانيه الأمة الإسلامية: غياب الروح الجماعية.
• لقد انعكس هذا الواقع على الفكر - كما للأخير انعكاس عليه - فصار من عللنا الفكرية: ممارسة التفكير بطريقة فردية، ومنها أيضاً: نمو التفكير في شؤون الفرد على حساب التفكير بشؤون المجتمع.
• وعليه: فإن الفقه المتعلق بشؤون الفرد وحركته وحقوقه وواجباته ظل أكثر نمواً من الفقه الذي يهم الجماعة، ففُصِّلت الفروض العينية، وبقيت الفروض الكفائية - والتي تصير عينية بالتقصير فيها - بقيت عند بعضهم عائمة، كمسألة: كفاية الأمة في كل جوانبها، وكمسألة: أهل الحل والعقد، وبيان تشكيلهم، ودورهم.
• وبقيت الدراسات التي تتناول أبنية المجتمعات الإسلامية التاريخية ومشكلاتها وأطوارها محدودة؛ ونتيجة لذلك فقد رأينا سجل التاريخ حافلاً بالمآثر الفردية ضامراً في الأعمال الجماعية.
• والسبب أن الوعي المدني لم يتم تنظيمه بشكل كافٍ، فهو بحاجة إلى المؤسسات المختلفة.
• لقد تأصلت فكرة الفردية اليوم، ثم تأزم الموقف حين ورث كثير من الدعاة إلى الله-تعالى- ذلك المرض من أمراض التخلف الحضاري، فلا تزال ترى اليوم كثيراً من التجمعات الإسلامية محكومة بعقلية الفرد، تعيش مركزية القرار، رغم ازدياد التحديات، وتوالي المحن، وتفاعل الأزمات.
• ولئن كان بعض الدعاة في العقود الماضية يسعون إلى مجرد الانتشار الأفقي للدعوة، فإنه لا يقبل من أحد اليوم التفكير بعقلية تلك المرحلة.
• فلقد صارت الصحوة اليوم معادلة صعبة في الموازين العالمية، والخطر الأوحد أمام الأنظمة الغربية، بل نستطيع القول: إن كثرة الأتباع غير الواعين أصبح يمثل هاجساً للدعاة والمصلحين أنفسهم.
• وعليه فلا بد من مراجعة أساليب العمل الدعوي اليوم.
• كما أنه من الضروري العناية بتنمية الفكر الجماعي، وأسلوب العمل المؤسسي المحكم الذي صار أسلوب القوة والتحدي في هذا الزمان.
• يكفي برهاناً من الواقع أن الدول الكبرى في الوقت الحالي دول مؤسسية ليست مرتبطة ارتباطاً كلياً بالأفراد؛ فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً هي بجملتها مؤسسة ضخمة تضم في ثناياها عدداً هائلاً من المؤسسات مختلفة التخصصات، ولا تتغير استراتيجياتها الرئيسة بتغير أفراد حكوماتها إلا من منطلق جماعي.
• في هذه المقالة: محاولة لتأصيل الفكر الجماعي، وبيان معنى العمل المؤسسي، وتحديد المراد به، ثم عرض شيء من مزاياه وفوائده، وبعض أسباب تقصير الدعاة في الأخذ به، ثم ذكر مقومات نجاحه.
نحو وعي أعمق للروح الجماعية:
• إن تغيير واقع الأمة يتطلب في المستوى الأول تغيير النفوس.
• ومن عناصر ذلك التغيير: تعميق الفهم، وتجديد الفكر، وتصحيح المفاهيم التي من أهمها: مفهوم الفرد، والجماعة، وهو - بحمد الله - مفهوم في غاية الوضوح.
• إن الفرد هو العنصر الأساس في بناء الأمة، ولكن شرط قيامه بدوره الأكمل هو تعاونه مع بقية أفراد الأمة.
• الأمة التي يتعاون أفرادها هي أمة الريادة؛ لأن تعاونهم يضيف كل فرد إلى الآخر إضافة كيفية لا كمية، ومن ثم تتوحد الأفكار والممارسات من أجل تحقيق رسالة الأمة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي صحابته على الروح الجماعية، روح الأمة، كما ضرب مثلاً - للمجتمع - بقوم أقلَّتهم سفينة، إن أراد أحدهم خرقها وجب على الجميع الأخذ على يده، وإلا غرقوا جميعاً.
• فالمسؤولية في بلوغ الريادة تقع على الأمة جميعاً في مقابل أمة الكفر.
• العودة بالناس إلى روح الأمة يستدعي إجراءات.
1. أولها: فك الارتباط القائم بين العمل الإسلامي والأُطُر الحزبية الضيقة؛ ليتقبل العمل الإسلامي الإستراتيجية الصائبة الموصلة إلى الهدف، سواء انبعثت من داخله أو خارجه.(1/345)
2. ثانيها: تنمية الصفات التي تحقق التفاعل بين الأفراد وتعميقها، كالأخوة، والشورى، والتواصي بالحق وبالصبر، والعطاء المتبادل، والقدرة على التجميع، مع موالاة الأمة، لا الحزب. ولا بد من تحقيق التوازن بين الروح الفردية والروح الجماعية، وهذه مهمة التربية المتوازنة التي لا تحيل الأفراد أصفاراً، وأيضاً لا تنمي فيهم الفردية الجامحة، بل توفر لهم المناخ المناسب لتنمية شخصياتهم، مع اختيار أساليب العمل التي تحول دون التسلط، وتنمي المبادرات الذاتية، وترسخ الشورى.
3. ثالثهما: تحويل العمل من أسلوب المركزية في اتخاذ القرار وتطبيقه ومراقبة تنفيذه إلى أسلوب المشاركة التي تُحسِّن الأداء وتنمي الشخصية، فيلتقي نموها مع روح الفرد التي أثمرها التعاون فيزداد التفاعل وتتكامل الجهود. إن الجماعة والتنظيم في الإسلام يعني كلٌ منهما: التعاون والعلمية أي تعاون الجهود في خطة يضعها العلم؛ فجوهر الجماعة وحقيقة التنظيم إنما هو التعاون بين المسلمين، والتكامل بين نشاطاتهم في طريق التمكين لشريعة الله، وإقامة دولة الإسلام، وإحياء الأمة الإسلامية.
تعريف العمل المؤسسي:
كل تجمع منظم يهدف إلى تحسين الأداء وفعالية العمل، لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بتوزيع العمل على لجان كبرى وفرق عمل وإدارات متخصصة: علمية، ودعوية، واجتماعية؛ بحيث تكون لها المرجعية وحرية اتخاذ القرار في دائرة اختصاصها.. يعتبر عملاً مؤسسياً.
وليس المراد بالعمل المؤسسي العمل الجماعي المقابل للعمل الفردي؛ إذ مجرد التجمع على العمل، وممارسته من خلال مجلس إدارة، أو جمعية أو مؤسسة لا يجعله مؤسسياً، فكثير من المؤسسات والمنظمات والجمعيات التي لها لوائح ومجالس وجمعيات عمومية إنما تمارس العمل الفردي؛ لأنها مرهونة بشخص منها؛ فهو صاحب القرار، وهذا ينقض مبدأ الشورى الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي.
مزاياه وفوائده:
1. تحقيق مبدأ التعاون والجماعية الذي هو من أسمى مقاصد الشريعة.
2. تضييق الفجوة بين عمل الدعاة، وردم الهوة بينهم بتحقيق ذلك المبدأ، وتأسيس الأعمال المشتركة بينهم؛ فإن ذلك يقلل التصادم والنزاع، وهي الطريقة المتبعة بين ادول في تأسيس اللجان والمجالس المشتركة، وهو ما لم يشعر بعض الدعاة بأهميته وضرورته بعد.
3. تحقيق التكامل في العمل، وذلك في عمل الفرد عزيز، فكثيراً مما يحصل من القصور في عمل الفرد يتلاشى في عمل المؤسسة؛ إذ المفترض حدوث التكامل باجتماع الجهود، والمواهب، والخبرات، والتجارب، والعلوم، مع التزام الشورى، والتجرد للحق. وأيضاً: فإن العمل الفردي يصطبغ بصبغة الفرد، بينما المفترض أن يخلو العمل المؤسسي من ذلك.
4. الاستقرار النسبي للعمل، بينما يخضع العمل الفردي للتغير كثيراً - قوة وضعفاً أو مضموناً واتجاهاً - بتغير الأفراد، أو اختلاف قناعاتهم.
5. القرب من الموضوعية في الآراء أكثر من الذاتية؛ حيث يسود الحوار الذي يَفْرض قيامُه وضعَ معايير محددة وموضوعية للقرارات تنمو مع نمو الحوار، في حين ينبني العمل الفردي على قناعة صاحبه.
6. دفع العمل نحو الوسطية والتوازن؛ إذ اجتماع الأفراد المختلفين في الأفكار والاتجاهات والقدرات يدفع عجلة العمل نحو الوسط، أما الفرد فلو توسط في أمر فلربما تطرف - إفراطاً أو تفريطاً - في آخر.
7. توظيف كافة الجهود البشرية، والاستفادة من شتى القدرات الإنتاجية؛ وذلك لأن العمل المؤسسي يوفر لها جو الابتكار والعمل والإسهام في صنع القرار، بينما هي في العمل الفردي أدوات تنفيذية رهن إشارة القائم بالعمل، ويوم أن أعرض المسلمون عن هذا العمل خسروا كثيراً من الطاقات العلمية والعملية، فانفرد أصحابها بالعمل، أو فتروا عنه.
8. ضمان استمرارية العمل - بإذن الله تعالى - لعدم توقفه على فرد يعتريه الضعف والنقص والفتور، ويوحشه طول الطريق وشدة العنت وكثرة الأذى.
9. وللمثال: فقد كان من أقوى أسباب استمرار التعليم قوياً في الدولة الإسلامية - حتى في عصور الضعف السياسي: قيامه على المؤسسات العلمية القوية التي تمدها الأوقاف، كما تمد سائر الجهود الدعوية والإغاثية - التي لم يُتجرأ عليها إلا في العصر الحديث - واليوم نرى استمرار المؤسسات الغربية قوية تساندها جمعيات كثيرة.
10. عموم نفعه للمسلمين؛ لعدم ارتباطه بشخصية مؤسسه، وهذا بدوره ينمي الروح الجماعية الفاعلة، ويحيي الانتماء الحقيقي للأمة، وهذا مكمن قوتها.
11. مواجهة تحديات الواقع بما يناسبها؛ فإن الأمة اليوم يواجهها تحدٍّ من داخلها، في كيفية تطبيق منهج أهل السنة مع الاستفادة من منجزات العصر، دون التنازل عن المبادئ، كما يواجهها تحدٍّ من خارجها مؤسسي منظم؛ والقيام لهذا وذاك فرض كفاية لا ينهض به مجرد أفراد لا ينظمهم عمل مؤسسي، كما لا ينهض أفراد الناس لتحدي العمل المؤسسي في مجالات الحياة الاقتصادية، أو السياسية، أو الإعلامية، أو غيرها.
12. الاستفادة من الجهود السابقة والخبرات التراكمية، بعد دراستها وتقويمها بدقة وإنصاف وحيادية، وبذلك يتجنب العمل تكرار البدايات من الصفر الذي يعني تبديد الجهود والعبث بالثروات.
سبب الإحجام عن العمل المؤسسي:
1. طبيعة المجتمعات الإسلامية المعاصرة عامة، وعدم ترسخ العمل المؤسسي في حياتها؛ لما اعتراها من بُعد عن الدين أدى إلى تأصل الفردية، وضعف الروح الجماعية، والحوار والمناقشة والمشاركة، ولما حلّ بها من تخلف حضاري أقعدها عن الأخذ بأسباب الفاعلية والنجاح، فأصابها التأخر وتبدد الطاقات.
2. ضعف الملكة الإدارية لدى كثير من العاملين في الحقل الإسلامي، بسبب إهمال العلوم الإنسانية التي أفاد منها الغرب، وهذا مما ورثه العاملون عن مجتمعاتهم. وقد أدى هذا الضعف إلى الجهل بالعمل المؤسسي ومقوماته وأسباب نجاحه فتلاشت الخطط، وأغلقت دراسة الأهداف وإقامة المشاريع، وصار العمل مجرد ردود أفعال غير مدروسة أو عواطف غير موجهة.
3. حاجة الدعوة إلى الانتشار، مع قلة الطاقات الدعوية المؤهلة؛ مما حدا بكثير من الدعاة إلى التركيز على الكم لا الكيف، والغفلة عن قدرة العمل المؤسسي على الموازنة بين الكم والكيف، وتحقيق أكبر قدر منهما.
4. الخلط بين العمل الجماعي والمؤسسي، والظن بأن مجرد قيام الجماعة يعني عملاً مؤسسياً، في حين أن كثيراً من التجمعات والمؤسسات لا يصدق عليها حقيقة هذا الوصف؛ لانعدام الشورى، والمركزية في اتخاذ القرار.
5. الشبهات العارضة التي يتذرع بها المانعون من العمل الجماعي، بحجة بدعيته؛ فأحجموا بذلك عن العمل المؤسسي انطلاقاً من هذه الشبهة.
6. حداثة العمل الإسلامي المعاصر، فإنه إذا ما قورن عمره بعمر المؤسسات الغربية بان قصيراً جداً. يقال هذا لئلا تُهضم الحقوق، ولكي نقترب بالحديث من الإنصاف لهذه الصحوة المباركة؛ حيث نرى بوادر الاهتمام بالمجالات الإدارية أكثر من ذي قبل.
مقومات نجاح العمل المؤسسي:
للتربية الإيمانية المتكاملة أكبر الأثر في بناء الطاقات، وتنميتها، واستثمارها استثماراً مناسباً، وهذا عماد العمل المؤسسي، ويمكن تفصيل المقومات اللازمة لنجاحه على النحو الآتي:
1- توفر القناعة الكافية بهذا الأسلوب من العمل؛ بإدراك ضرورته، وخاصة في زمن القوة، وبمعرفة مزاياه وثمراته، وفهم مقومات نجاحه للوصول به إلى المستوى المطلوب.(1/346)
2- صدور القرارات عن مجالس الإدارة، أو اللجان ذات الصلاحية، حرصاً على خروجها من أدنى مستوى ممكن، لتكون أقرب إلى الواقعية وقابلية التنفيذ، ولا يجوز أن يكون المصدر هو الفرد أو المدير؛ فإنه يستمد صلاحياته - هو أيضاً - من المجالس، لا العكس، ويجب أن تملك المجالس واللجان صلاحية مراجعة قرارات المديرين ونقضها.
3- أن تكون مجالس الإدارة أو اللجان غير محصورة في بيئة واحدة محكومة بأطر تنشئة وتربية وتفكير محددة مما يؤثر على طبيعة اتخاذ القرار، فوجود أفراد من بيئات مختلفة ضمن هذه المجالس يثري العمل المؤسسي بتوسيع أنماط التفكير وتعديد طرق التنفيذ.
4- أن تسود لغة الحوار، حتى تتلاقح الآراء للخروج بأفضل قرار، وأيضاً حتى يخضع الرأي الشخصي لرأي المجموعة. ويذكر هنا بالمناسبة:نزول النبي صلى الله عليه وسلم على رأي أصحابه في أحد،وخروجه من المدينة تلبية لرغبتهم، مع ميله للبقاء في المدينة، وتأييد رؤياه لرأيه)، وبعدما حصل ما حصل لم يصدر منه لَوْم لأولئك المقترحين للخروج.
5- تحديد ثوابت ومنطلقات مشتركة للعاملين في المؤسسة تكون إطاراً مرجعياً لهم، توجه خطة العمل، وتناسب المرحلة والظروف التي تعيشها المؤسسة.
6- التسامي عن الخلافات الشخصية، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وهذا يتم بتحسين الاتصال والتواصل بين أفراد المؤسسة بعضهم مع بعض، وبينهم وبين سائر العاملين في الحقل الإسلامي.
وهذا أساس قوي للنجاح؛ ففي استفتاء لعدد من القياديين الناجحين اتضح أن الصفة المشتركة بينهم هي القدرة على التعامل مع الآخرين، ولن يتم ذلك لأحد ما لم تتربَّ أنفسنا على العدل والإنصاف، ومعرفة ما لدى الآخرين من حق، ومحاولة فهم نفسياتهم من خلال نظرتهم هم لأنفسهم، لا من خلال نظرتنا نحن.
7- الاعتدال في النظرة للأشخاص؛ فإنه في حين يصل الأمر لدى المنحرفين عن أهل السنة والجماعة في نظرتهم للأشخاص إلى حد الغلو والتقديس، فإنَّا نجده عند بعض أهل السنة - الذين سلموا من الغلو - بالغاً إضفاء هالة على بعض الأشخاص تؤثر في مدى استعدادهم لمناقشة رأيهم، أو احتمال رفضه مع بقاء الاحترام الشخصي، وهؤلاء يشكلون ضغطاً على العمل المؤسسي وتوجيهاً غير مباشر للآراء. وكأن هذا ما أراده عمر - رضي الله عنه - حين عزل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - خشية تعلق الناس به، وربطهم النصر بقيادته.
8- إتقان التخطيط، وتحديد الأهداف لتنفيذها، وتوزيع الأدوار، وهذا يتطلب مستوى جيداً في إعداد القادة والمسؤولين، وتدريب العاملين مع الاستفادة من كل الإمكانات، وتوظيف جميع الطاقات، بعد التعرف عليها جيداً.
والمهم هو التركيز في جداول الأعمال على المنطلقات والأسس والخطوط العامة، دون الانهماك في المسائل الإجرائية، والتي قد لا تحتاج إلا لمجرد قرار إداري أو إجراء تقليدي، ودون المسائل التي يكثر الجدل والخلاف حولها.
ولضبط الخطط، وإتقان تنفيذها، وبلوغ الأهداف، يراعى الآتي:
أ - الأناة في التخطيط، والحماسة في التنفيذ؛ فالأول: لمراعاة القدرات والإمكانات، ومعرفة التحديات وحسن تقدير العواقب، وتحاشي مخاطر السرعة، والثاني: لاستباق الخيرات، وكسب الزمان، واغتنام الهمة، ومبادرة العزيمة.
ب - أهمية قيام المؤسسات بأداء أعمالها بأساليب علمية حكيمة تكفل استمرارها وأداءها لعملها على الوجه المطلوب، وحتى لا تتعرض لكيد الكائدين وأساليب المغرضين، ولا ينبغي أن يكون أهل النفاق أكثر حنكة منا؛ فكم نالوا أهدافهم من جمعياتهم وأعمالهم حتى بلغوا مناهم.
المرجع: العمل المؤسسي-عبد الحكيم بلال.
=============
خصائص الإدارة الخمس بين النظرية والتطبيق
المقدمة:
مما لا شك فيه أن التنظيم في الحياة البشرية حاجة ملحة , وترتيب أوراق الإنسان المبعثرة تعينه في إنجاز ما يخطط له , و الإدارة في حسنها أو سوئها مؤثر في التحصيل , و النفس الإنسانية بطبعها تميل للترتيب ولكنها كثيراً ما تجهل كيف تتوصل إليه , و الإدارة السليمة توفر على الإنسان وقته وتطور له عمله , وتحقق له طموحاته وآماله, فما أجمل الأعمال محكمة التخطيط, وما أروع ثمارها الطيبة, وحري بنا نحن خير أمة أخرجت للناس أن نكون على مستوى عالٍ من التنظيم والقيادة, لننال شرف السيادة, ويقتدي بنا الآخرون ونكون لهم رواد.
مفهوم الإدارة: الجانب النظري:
تعريف الإدارة: هي استخدام الموارد المتاحة بكفاءة وفاعلية عن طريق التخطيط, والتنظيم, والتوجيه, والمراقبة, والتقييم لتحقيق أهداف الجماعات أو المؤسسات (1).
والإدارة أيضاً: هي حالة من العمل المنظم المتكامل, الذي يحقق الأهداف التي رصدها المسئولون.
والإدارة: أن يكون للمجموعة أهدافاً , وخططاً, وكادراً ينفّذ. وعناصر الإدارة حسب التعريفات أعلاه تتلخص بما يلي : الموارد , الكفاءة, الفاعلية, الأهداف (2). وهي العناصر التي تشكل أساسيات العمل الإداري , ومنها نستطيع أن نميّز تشابها منسجماً بين مفهوميّ الإدارة و العمل الجماعي.
مفهوم العمل الجماعي: هو التقاء مجموعة من الأفراد على أهداف واضحة واتفاق وترتيب الأدوار الداخلية لتشكيل الهيكلة وبرمجة الخطط التنفيذية, ومراقبة العمل والاحتياجات, إلى جانب تقييم لتقويم التحصيل.
ولكل إدارة قيادة, ولكل جماعة أمير.
والقيادة: هي عملية تحريك مجموعة من الناس باتجاه محدد ومخطط وذلك بتحفيزهم على العمل باختيارهم (3).
والمدير: هو المشرف على تنفيذ الوظائف الإدارية. وتجنّباً للفوضى , وحفاظاً على ديناميكية الوقت والجهد ولا بد من أتباع واضح ودقيق لجزئيات الإدارة الخمس :
الخاصية الأولى للإدارة: التخطيط: وهي عملية اجتماع الأفكار والعقول على تحديد الغايات وتوقع المستقبل لها, إلى جانب وضع تصور تفصيلي للسبل والوسائل والاحتياجات المطلوبة لإنهاء الأعمال المخطط لها بنجاح كبير.
والتخطيط أربعة أنواع :
• التخطيط الاستراتيجي: وهو التخطيط بعيد المدى, به تبين الجماعة أهدافها وقيمها وتطلعاتها وهي غالباً تحددها رؤية المؤسسة أو بما يعرف وثيقة الجماعة الإستراتيجية التي تلزم حينما تدخل المجموعة معترك التنافس في المجتمع فتعلن للآخرين عن توجهاتها وخطوطها المرسومة و التي تميزها عن غيرها من الجماعات.
• التخطيط التكتيكي: وهو التخطيط قصير المدى المحدد بمراحل وجدول زمني وله بداية ونهاية تجعله جزءاً من جزء ومرحلة قبلية للمراحل البعدية التي بانتهاء تنفيذ مخططاتها تنتقل مباشرة لما هو بعدها في سلسلة حتى درجات بلوغ الهدف العام.
• التخطيط التنفيذي: هو الخطة التي بها نحدد كل ما يتعلق بالعمل مثل : مالعمل ؟ من يقوم به ؟ أين؟ متى؟ كيف؟ وما هي البدائل؟
• خطط الطوارئ: من البديهي أن لا تركن المجموعة للخطة العامة فتضع تصوراً لخطة بدائل تتوقع فيها معيقات فيها حلول منقذة تضمن استمرارية العمل حسب ما وضعت له الأهداف.
الفرق بين الغاية والهدف:
الغاية: هي كل ما يمكن اعتباره مبدأً سامياً, عاماً, بعيد المدى, تحدد فيها النوعية, ويمكن الوصول لدرجات منها وليس كلها (4).
الهدف: هو إجراء ملموس, قابل للقياس, يحدد كمية, متغيّر, ويمكن تحقيقه كاملاً.
وللخطط شروط تساعد في عملية التنفيذ أو بلوغ الأهداف :
- المرونة والوضوح.
- القابلية للقياس والتحقيق.
- الواقعية ذات مطالب حقيقية تتناسب مع الواقع.
- لها محددات زمنية, وهي مغلقة وليست مفتوحة.
الخاصية الثانية للإدارة: التنظيم:(1/347)
التنظيم: هي عملية تجميع وتوزيع سليم للكادر, إلى جانب توفير المادة اللازمة للخطط التنفيذية. والتنظيم يكون حول الوظائف وليس حول الأشخاص (5) , والتنظيم له واجبات منها:
• تقسيم العمل: واختيار الكفاءة المخصصة للمهمات, والتخصصات تفرض نفسها هنا على الشخص المنظٍّم فيرى المناسب للوظيفة وليس المناسب للشخص من الوظيفة.
• تحديد الصلاحيات: وهي المحددات والأدوار التي يمّيز بها كل فرد داخل المجموعة وما له وما عليه, وما هو أهل له وما هو ليس أهل له(6).
• تحديد المرجعية: وتبقى قضية المرجعية ومركزية العمل مهمة جداً لتوفير حالة من الهدوء والانسيابية داخل الجماعات, والرجوع إلى الأصل للحفاظ على وحدة المصدر ويكون أيضاً بها تحديد قنوات الاتصال لكل فريق وترتيب الهيكلية ووضع كلُ في مكانه حسب ما يناسب, والدرجات طبعاً تؤخذ ولا تمنح حسب جهد العامل وفهمه.
الخاصية الثالثة للإدارة:التوجيه:
والتوجيه للعاملين يكون على نوعين:
• توجيه معنوي: بكلمات طيبة يلقي بها المشرف على العامل المجّد, أو يرمي بكلام يلتمس به العامل المقصّر بؤرة العمل الناقص فتكون له إعادة في نظر و إتقان جديد.
• توجيه عملي: يساعد به المشرف الأفراد في أعمالهم ويعزز في نفوسهم روح العمل الدؤوب.
والتوجيه أيضا يجمع ما بين التحفيز والتصويب و يؤدي غالباً إلى:
- زيادة الإنتاجية كمّاً ونوعاً.
- دعم قدرات العاملين وزيادة ثقتهم.
- ربط مصالح الفرد وأهدافه بالمؤسسة.
- حلّ المشاكل المرتبطة برضا العاملين(8).
الخاصيّتان الرابعة والخامسة المراقبة والتقييم:
وهما متلاصقتان وتعتمدان على بعضهما البعض:
المراقبة والتقييم: هما عمليّتان لقياس مستوى التنفيذ مقارنةً بالمخططات. فالمراقبة هي الخاصية التي تراقب أداء المنظمة وتحديد ما إذا كانت حققت أهدافها أم لا (9).
ونستطيع وصف عملية المراقبة كالتالي:
- المتابعة والمشاهدة من قبل المراقب عن طرق الحضور لموقع العمل.
- تكليف لجنة ميدانية تكتب تقارير حول العمل في الميدان وترفعها عن طرق قنوات الاتصال للجهة العليا.
أما عملية التقييم فتكون:
- بتعديل أخطاء العمل وتصويبه.
- سد الثغرات المعيقة.
- قياس الجهد بالنتائج.
وبهذا تكتمل خصائص الإدارة الخمس في الجانب النظري.
الجانب العملي:
وتبقى أصول الإدارة مفهوماً نظرياً وقاعدة ودليل للجماعات وهي علم مشروط بفهم العاملين له واكتساب للمهارات المخصصة لكل مجال إلى جانب ما يلي:
• اجتماع الأفراد على هدف تغيب عنده المصالح الخاصة وتطوّع له الظروف.
• انتخاب قيادة حكيمة واعية وأصيلة.
• تنظيم لأهل الشمول (10) وحسن انتقاء الأفراد.
• تدريب للكادر بالتربية والعلم.
• توفير المال والأمن.
والمطّلع على نماذج الإدارات المختلفة يرى صنوفاً منها جيد وسيّئ, ويستطيع الواعي منّا إدراك من هو الأنموذج الأفضل من بينها.
نماذج الإدارات :
1- الإدارات الديكتاتورية المتسلطة: التي يحكمها الفرد الواحد حيث تلغى الأعمال إن غاب, و تنفّذ بقرار واحد إن حضر, وكثيراً ما يكون النظام داخل هذه المؤسسات بيروقراطي بحت حيث تبقى الاقتراحات والشكاوى والمخططات والتقييمات طويلاً في طريق وصولها إلى المسئول حتى ينظر بها ويقر بشأنها قراره الشخصي.
ومن صفات هذا النوع من المدراء أيضاً:
- لديه قدر قليل من الثقة في قدرات الأعضاء, والتفويض لديه غائب كليّاً.
- يعتقد أن الثواب المادي وحده هو الذي يحفز الناس للعمل.
- يصدر الأوامر لتنفّذ لا لتناقش(11).
2- الإدارات الوسطية التشاورية: وهي أفضل أنماط الإدارات, حيث تكون ما بين شدة ولين, واتخاذ قرارات بالشورى, وسماعٍ لآراء الحكماء, والنظر البعيد المدى المحقق لمصالح العامة بغير ضررٍ أو مفسدة.
ومن صفات المدير الوسطي أيضاً:
- يشرك الأعضاء في اتخاذ القرار.
- يشرح لأتباعه الأسباب الموجبة للقرارات المتخذة.
- يعبّر عن احترامه أو نقده لآخرين بموضوعية(12).
- واسع الصدر, طويل النفس, يخاطب الناس على قدر عقولهم.
- يفوّض العاملين , ويعطي صلاحيّات ويوزع الأعمال بطريقة عادلة.
وهناك نوعان من الإدارات مابين الاستبداد والشورى, وهما:
1- قيادة مستبدّة وطيبة في نفس الوقت, فيها المسئول:
- ينصت المسئول بعناية لما يقوله الأتباع.
- يعطي الانطباع بأنه ديمقراطي شوري.
- ولكنّه يتخّذ قراراته بشكل فردي وشخصي غالباً.
2- قيادة ليبرالية متساهلة , فيها المسئول:
- ضعيف الثقة في قدراته القياديّة فهو يأتي إلى الاجتماع دون إعداد مسبق ويقول: ما أنا إلا واحد منكم. أخبروني ما هو المطلوب وسأبذل جهدي لأكون معكم فيما تقررونه على الطريق! (13).
- لا يقوم بتحديد أي أهداف لأتباعه.
- قليل الاتصال بالأفراد و التعامل معهم.
** النموذج الأفضل للإدارات ما قام على أساس الشورى والوسطية فهو أقربها لروح الشريعة (وأمرهم شورى بينهم)(14) . وإنما يقود النّاس البصير:
وهي القيادة التي تغرس في نفوس أتباعها:
1- احترام الوقت وحسن تنظيمه وإمساك بزمامه.
2- التركيز على عوامل القوة.
3- التمحور حول أنواع رئيسة وقليلة, فالتشعّب مضيّع للجهد وتنعدم به جودة الأعمال.
4- تعزيز جانب الثقة بالله, والطموح, وعدم الرضا بالسهل.
أما نماذج العاملين وأنماطهم النفسيّة فهي كالتالي:
1- المبتدئ المتسرع: صاحب الانتماء الشديد الحماسي, والفهم الجزئي السطحي, فهو محبًّ للعمل غير أنّه متسّرع, لا ينظر بشموليّة, ولا يحسب حساب الخطوات القادمة, لديه أصول طيّبة ولديه قابلية للعطاء, يحتاج لتعليم وتربية وتدريب على العمل كثير, ولا يجب أن تضعه الإدارات في الثغور الحسّاسة.
2- التنفيذي الواعي: هو الجنديّ المعدّ إعداداً عميقاً, وهو أفضل وأجود أنواع العاملين, به ينظّم العمل ويحسّن, وتجنى بفضل جهده وإيمانه وفهمه العميق الثمرات اليانعة, فلا تترك الإدارة مثله دون عمل, إنما تحوّله مباشرة إلى الميادين الصعبة.
3- التنفيذي المنتقد: وهو من جمع بين المهارة في التنفيذ ونقصٍ في الجندية, كثير الانتقاد للقرارات , مجادل , هذا النوع يستفاد من قدراته العملية غير أنه يجب أن يدخل محضن التربية ويدرّب على الفهم , ولا يجب أن تفرّغه الإدارة بل تشغله بالأعباء حتى لا يلتقي مع الأفراد على إشاعة.
4- التنفيذي المتشائم: هو جندي محب للدعوة, جدير, لديه طاعة وانتماء, غير أنه لا تكاد تشرق شمسه حتى تفلّ فيضعف ويفتر ويجلد نفسه ويظل ما بين مدٍ وجزرٍ. وهذه النوعية تحتاج لرفع في المعنويات وتركيز على فقه المحاسبة.
5- الدخيل المتطفل: نحذره, فهو متسّرب في الخفاء للعمق, يهدف لفتنة ونقلاّ للأخبار, يعلن الاستقامة ثم لا تكاد تطفو على السطح شوائبه , يحتاج إلى فراسة الفرسان, وبتر من الجذر.
معايير الاختيار تضمن نخبة وأساس متين: فتختار المجموعة خلاصة المجتمع لا الغثاء (15) وتحدد لجنة للاختيار فيها اختبار للعامل واتفاق على مدة زمنية محددة للعمل التجريبي وبعدها إمّا موافقة أو رفض, ورضى لكلا الجانبين بلا حرج.
من مسؤوليّات القيادة صوب العاملين لإنتاج أفضل الأعمال:
• توفير الأجواء النفسية الهادئة للعاملين: فلا تقسو عليهم قسوةً منفرّة, ولا تحرمهم من بوح للمشاعر ولا تخفي مدحاً, ولا تحرم حافزاً, ولا تنسى ترقية المجتهد, وتدريب المقصّر, وتدافع عنهم وتحميهم من الأخطار وتؤمن لهم الوصول والخروج.(1/348)