دكتور / بدر عبد الحميد هميسه
1430 هـ = 2009 م
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فَلَقَ النواة والحَبْ ، وخلق الفاكهة والأب ، وأبغَضَ وكرِه وأحب ، وأَمْرضَ وداوى وطَبْ ، أنشأ الإنسان والحيوان بقدرته فَدَبْ ، فالعجب كل العجب لمربوب يجحد الرب ، وأشهد أن لا إله إلا الله ويفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، سبحانه وسِعت آثار رحمته أهل الأراضي وسكان السماوات .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أشرفُ الخلائقِ خُلْقاً وخَلْقاً ، ورضي الله عن أصحابه حازوا كل الفضائل سبقى ، فما حَمَلَتْ من ناقةٍ فوق ظهرها أبر وأوفى ذمةً من محمدٍ .
وبعد . . ؛
فقد اعتنى الإسلام عناية كبيرة بصحة الإنسان , وسن له التشريعات والمبادئ التي تحقق له حياة آمنة مطمئنة , حياة خالية من الأمراض والعدوى , فجعل مبدأ الوقاية قبل العلاج أو ما يسمى بالطب الوقائي أساسا لصحة نفسية وجسمانية سليمة .
فالصحة كما قيل " تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى" وهي نعمة لا يحس بها إلا من فقدها , وقد مدح الله تعالى طالوت في القرآن الكريم بأن الله أعطاه قوة في العلم , وقوة في الجسم , قال تعالى : " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) سورة البقرة .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ.أخرجه أحمد 1/258(2340) و"الدارِمِي" 2707 و"البُخَارِي" /109(6412) و(اابن ماجة) 4170 والتِّرْمِذِيّ" 2304 .
وقال بشار بن برد:(1/1)
إنِّي وإن كان جمع المال يعجبني * * * فليس يعدل عندي صحَّة الجسد
في المال زينٌ وفي الأولاد مكرمةٌ * * * والسُّقم ينسيك ذكر المال والولد
قال اللَّه تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الصف 10-13.
وقال: " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) سورة النحل .
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا. "البُخَارِي" ، في "الأدب المفرد"300 و"ابن ماجة"4141 و"التِّرمِذي" 2346 .(1/2)
قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : قَدْ يَكُون الْإِنْسَان صَحِيحًا وَلَا يَكُون مُتَفَرِّغًا لِشُغْلِهِ بِالْمَعَاشِ ، وَقَدْ يَكُون مُسْتَغْنِيًا وَلَا يَكُون صَحِيحًا ، فَإِذَا اِجْتَمَعَا فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْكَسَل عَنْ الطَّاعَة فَهُوَ الْمَغْبُون ، وَتَمَام ذَلِكَ أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآخِرَة ، وَفِيهَا التِّجَارَة الَّتِي يَظْهَر رِبْحهَا فِي الْآخِرَة ، فَمَنْ اِسْتَعْمَلَ فَرَاغه وَصِحَّته فِي طَاعَة اللَّه فَهُوَ الْمَغْبُوط ، وَمَنْ اِسْتَعْمَلَهُمَا فِي مَعْصِيَة اللَّه فَهُوَ الْمَغْبُون ، لِأَنَّ الْفَرَاغ يَعْقُبهُ الشُّغْل وَالصِّحَّة يَعْقُبهَا السَّقَم ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْهَرَم كَمَا قِيلَ : يَسُرّ الْفَتَى طُول السَّلَامَة وَالْبَقَا فَكَيْف تَرَى طُول السَّلَامَة يَفْعَل يَرُدّ الْفَتَى بَعْد اِعْتِدَال وَصِحَّة يَنُوء إِذَا رَامَ الْقِيَام وَيُحْمَل . ابن حجر فتح الباري 18/219 .
قال ابن رجب : " مَنْ حفظ الله في صباه وقوته : حفظه الله في حال كبَره وضعف قوته ، ومتَّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله ، وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله ، فوثب يوماً وثبةً شديدةً فعوتب في ذلك ، فقال : هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغَر فحفظها الله علينا في الكبَر ، وعكس هذا : أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس فقال : إن هذا ضعيف ضيَّع الله في صغره فضيَّعه الله في كبَره " جامع العلوم والحكَم " ( 1 / 186 ) .
قال الشاعر :
يَسُرّ الْفَتَى طُول السَّلَامَة وَالْبَقَا *** فَكَيْف تَرَى طُول السَّلَامَة يَفْعَل
يَرُدّ الْفَتَى بَعْد اِعْتِدَال وَصِحَّة *** يَنُوء إِذَا رَامَ الْقِيَام وَيُحْمَل(1/3)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ.قَالَ : فَمَاذَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.أخرجه أحمد 3/119(12224) و"أبو داود" 521 والتِّرْمِذِيّ" 212 و3595 و"النَّسائي" ، في "عمل اليوم والليلة" 68.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ الْمَدَنِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، َتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، ثُمَّ أَتَاهُ الْغَدَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، فَقَدْ أَفْلَحْتَ. أخرجه أحمد 3/127(12316) و"البُخَارِي" ، في (الأدب المفرد) 637 و"ابن ماجة" 3848 والتِّرْمِذِيّ" 3512 .
وخرَّج الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي من حديث ابن عمر ، قال : لم يكن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَعُ هؤلاء الدَّعوات حين يُمسي وحين يُصبح : " اللهمّ إني أسألُكَ العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إنِّي أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهمَّ استُر عورتي، وآمن روعتي ، واحفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي ، وأعوذُ بعظمتك أنْ أُغتَالَ من تحتي " . أخرجه : أحمد 25/25 ، وأبو داود ( 5074 ) ، والنسائي 8/382 ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 698 ) و( 1200 ) ، وابن ماجه ( 3871 ) ، وابن حبان ( 961 ) والحاكم 1/517 ، وهو حديث صحيح .
قال منصور الفقيه:
رأيت البلاء كقطر السَّماء * * * وما تنبت الأرض من نامية(1/4)
فلا تسألنّ: إذا ما سألت إلهك شيئاً سوى العافية
ومن مبادئ الوقاية قبل العلاج التي وضعها الإسلام :
1- الحث على النظافة والطهارة .
2- الفوائد الصحية للصلاة .
3- في الصوم وقاية وعلاج .
4- أهمية ممارسة الرياضة .
5- إعطاء الجسم حقه من الراحة .
6- الحث على حماية البيئة من التلوث.
7- تحريم بعض الأشربة والأطعمة.
8- الاحتراز من الأوبئة وأماكن العدوى.
إلهي يا من لا يرجى إلا فضله، ولا يسأل إلا عفوه. سَألْنَاكَ ربنا تَذَلُّلاً، فَأَعْطِنَا تَفَضُّلاً واسْتَجِبْ لَنَا تَكَرُّمًا , يا سابغ النعم, ويا دافع النقم, ويا فارج الغم , ويا كاشف الظلم,و يا أعدل من حكم, ويا حسيب من ظلم , ويا أول بلا ابتداء , ويا آخر بلا انتهاء . اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا , اللهم يا سامع كل شكوى , ويا منتهى كل نجوى, ويا عالم كل خفية ,ويا كاشف كل كرب وبلية, يا قريب غير بعيد . اللهم فرج همنا, ونفس كربنا, وأقض عنا ديننا, واشف مرضانا, وارحم موتانا, اللهم ارزقنا العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
راجي عفو ربه
دكتور / بدر عبد الحميد هميسه hamesabadr@yahoo.com
المواسير – إيتاي البارود – البحيرة
في 12 شوال 1430 هـ = 1 /10 / 2009 م
1- الحث على النظافة والطهارة .
اعتنى الإسلام بالنظافة عناية فائقة، واهتم بها اهتماما بالغا، وأولاها رعاية خاصة، وذلك لما للنظافة من أثر عظيم على صحة الأفراد والمجتمعات، وسلامة الأبدان ونضارتها، فهي عنوان المؤمنين، وسمة من سمات المسلمين , قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)سورة البقرة .(1/5)
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ ، وَالْحَمْدُ ِللهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ ِللهِ تَمْلآنِ ، أَوْ تَمْلأُ ، مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو ، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا ، أَوْ مُوبِقُهَا. أخرجه أحمد 1/123(1006) و"الدارِمِي" 687 قال و"أبو داود" 61 و618 . الألباني :حسن صحيح ، المشكاة ( 312 و 313 ) ، الإرواء ( 301 ) ، صحيح أبي داود ( 55 ).
عن أبي بكر . ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله بذلك الذنب إلا غفر الله له . سنن أبي داود 1/475 , قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 5738 في صحيح الجامع.
... ولما كانت الطهارة الروحية هي بوابة الإيمان ومدخل الإسلام كانت الطهارة البدنية شرطاً لصحة كثير من العبادات، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) سورة المائدة .(1/6)
ومن أسرار الطب الوقائي في الإسلام أنه جعل النظافة أمراً تعبدياً مما جعل فيها روحاً وديمومة لا يستطيعها أي قانون آخر.
فقد حث الإسلام على الاعتناء بنظافة البدن بصفة دائمة , فأوجب الاغتسال عند حدوث الجنابة , وبعد انقطاع دم الحيض والنفاس للمرأة , كما سن الاغتسال أيام الجمع والأعياد , وعند لبس الإحرام ودخول مكة والطواف .
عنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَأَحْسَنَ غُسْلَهُ ، وَتَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ، وَمَسَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ ، وَلَمْ يَلْغُ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. أخرجه الحميدي "أحمد" 5/177(21872) و"ابن ماجة" و"ابن خزيمة" 1763 ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6064 في صحيح الجامع .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ.
أخرجه أبو داود (4/76 ، رقم 4163) ، قال الحافظ في الفتح (10/368) سنده حسن . والبيهقى في شعب الإيمان (5/224 ، رقم 6455) . وأخرجه أيضًا : الطبرانى في الأوسط (8/230 ، رقم 8485) لألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 819 .
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ:أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَرَأَى رَجُلاً شَعِثًا ، قَدْ تَفَرَّقَ شَعَْرُهُ ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعَْرَهُ ؟ وَرَأَى رَجُلاً آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ ، فَقَالَ : أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ.(1/7)
- لفظ عِيسَى بن يُونُس : أَتَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَرَأَى رَجُلاً ثَائِرَ الرَّأْسِ ، فَقَالَ : أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ. أخرجه أحمد 3/357(14911) و"أبو داود" 4062 و"النَّسائي" 8/183 ، وفي "الكبرى" 9261 الألباني :صحيح ، الصحيحة ( 493 ).
وأمر المسلم أن لا يؤذي إخوانه برائحة الثوم والبصل وأن عليه اعتزال أماكن اجتماع الناس وبخاصة المساجد , عَنْ عَطَاءٍ ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ زَعَمَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:مَنْ أَكَلَ ثُومًا ، أَوْ بَصَلاً ، فَلْيَعْتَزِلْنَا ، أَوْ قَالَ : فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا ، فَسَأَلَ ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ ، فَقَالَ : قَرِّبُوهَا ، إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، كَانَ مَعَهُ ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا ، قَالَ : كُلْ ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لاَ تُنَاجِي.
- وفي رواية : مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الْخَبِيثَةِ ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ، أَوِ الْمَسْجِدَ. أخرجه أحمد 3/380(15135) و"البُخَارِي" (854) و"مسلم" 2/80(1190) .
هذا وتلك الأطعمة مما أحله الله تعالى , فما بالكم عافانا الله وإياكم ممن يؤذي الناس برائحة التدخين , وبرائحة ثيابه .(1/8)
وقد أمرنا الله تعالى بأخذ الزينة والاعتناء بطهاة الثوب , والتطيب وبخاصة في أماكن العبادة , قال تعالى : " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) سورة الأعراف.
هذا عن طهارة البدن وأما عن طهارة الثوب فقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) سورة المدثر.
عن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ الله , صلى الله عليه وسلم , يَقُولُ: إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ , فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ , وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ , حتى تكون كأنكم شامة في الناس , فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ. أخرجه أحمد 4/179(17767) و"أبو داود" 4089 .
وتكلم المناوي في فيض القدير عن إهمال نظافة الثياب من قبل بعض العامة بحجة الزهد والسلوك والاشتغال بنظافة الباطن فقال : وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب أحدهم إلى حد يذم عقلاً وعرفاً، ويكاد يذم شرعاً.(1/9)
سوّل الشيطان لأحدهم فأقعده عن التنظيف بنحو نظف قلبك قبل ثوبك لا لنصحه بل لتخذيله عن امتثال أوامر الله ورسوله وإقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة، ولو حقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن . ومن ثم ورد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يتسخ له ثوب قط كما في المواهب وغيرها , قال الإمام فخر الدين الرازي : إذا ترك لفظ الثياب والتطهر على ظاهره وحقيقته، فيكون المراد منه أنه عليه الصلاة والسلام أمر بتطهير ثيابه من الأنجاس والأقذار.
وقال الشافعي : المقصود منه الإعلام بأن الصلاة لا تجوز إلا في ثياب طاهرة من الأنجاس.
وأما عن الاعتناء بطهارة ونظافة المكان وبخاصة أماكن العبادة التي هي مكان اجتماع الناس , ومصدر انتقال العدوي وانتشارها , فقد قال تعالى : " قال تعالى : " وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) سورة البقرة .
عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِى حَسَّانَ , قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ , نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ , كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ , جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ , فَنَظِّفُواأَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ. أخرجه الترمذي (2799) - قال أبو عِيسَى التِّرْمِذِي : هذا حديث غريب.
ومن المحافظة على المكان إماطة الأذى عنه , عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا فَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.أخرجه أحمد 2/445(9746).(1/10)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ - أَوْ قَالَ : إِلَى الْمَسْجِدِ - صَدَقَةٌ.
- وفي رواية : كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ ، فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ. أخرجه أحمد 2/312(8096) و"البُخاري" 2707 و"مسلم" 2298 و"ابن خزيمة" 1494 و"ابن حِبَّان" 472.
وكذا المحافظة على مصادر الهواء النقي , فنهي عن قطع الأشجار , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِى النَّارِ. أخرجه أبو داود (5239) و"النَّسَائي" في "الكبرى" 8557.
ويكفي في ذلك أن المسلم يعرف يوم القيامة بأماكن النظافة والطهارة فيكون شامة وعلامة بين جميع الأمم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :" إِنَّكُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ.أخرجه أحمد 2/362(8726). و((أبو يعلى)) 6410 .
إن الإسلام طهارة ونظافة وعبادة ولطافة، والنظافة جمال وكمال، والطهارة ركن وقائي من الأمراض السارية، فتحلّوا بهما وربوا أولادكم عليها وساهموا في نشرهما في المجتمع ؛ كي تنال رضا ربكم .(1/11)
يحكى أن طالباً مسلماً كان يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت.كان هذا الطالب السوداني المسلم محافظاً على أداء فرائضه الدينية , وفي أحد الأيام لاحظه أحد مدرسيه في هذه الجامعة يتوضأ للصلاة, فصاح فيه غاضباً كيف تغسل قدميك في حوض نغسل فيه وجوهنا؟ إنها حيلة الذئب المعروفة مع الحمل.فقال له:الطالب السوداني:كم مرة تغسل وجهك في اليوم؟الأستاذ الأمريكي:مرة واحدة في كل صباح طبعاً .الطالب السوداني:أما أنا فأغسل رجلي على الأقل خمس مرات في اليوم .ولك أن تحكم بعد ذلك أيهما أكثر نظافة رجلي أم وجهك؟ !! .
2- الفوائد الصحية للصلاة .
وتنقسم الفوائد إلى قسمين : أولاً : قبل الصلاة :
فالوضوء يقاوم أكثر من 17 مرضاً من أهمها : الرمد الجيبي والأنفلونزا والسعال الديكي والتهاب اللوزتين وأمراض الأذن وأمراض الجلدية .
وغسل اليدين جيداً ثم الاستنشاق ثلاث مرات في كل وضوء قبل الصلوات الخمس يومياً ، يقضي تماماً على 11( ميكروباً ) بكتيرياً خطيراً توجد في الأنف وتصيب الإنسان بأمراض الجهاز التنفسي والالتهاب الرئوي والحمى الروماتيزمية والجيوب الأنفية والحساسية وبعض المضاعفات الأخرى . إن كمية المكروبات بالأنف تقل إلى النصف بعد الاستنشاق الأول ، ثم إلى الربع بعد الاستنشاق الثاني ثم تتضاءل كمية الميكروبات بعد الاستنشاق الثالث . أن عملية الوضوء وتكرار الاستنشاق خمس مرات يومياً قبل كل صلاة هي الوسيلة الفعالة لتطهير الأنف ونظافته والحد من خطورة حملة للميكروبات ونشر الأمراض .
كما يسن السواك عند الوضوء حيث يطهر الفم من الجراثيم ويقضي على اصفرار الأسنان ويجنب التهاب اللثة.
والمشي إلى المساجد باستمرار علاج للعديد من الأمراض منها :
أ – أمراض القلب . ب – أمراض السمنة .
ج – مرض الربو . د – التعب الذهني(1/12)
وكذا ينشط الدورة الدموية ، ويقوي عضلات الجسم ، ويزيد مرونة المفاصل ، وينشط الدماغ والذاكرة ، و يعمل على إذابة الدهون ، وإزالة التوتر وتحرير الجسم من الرخاوة .
ثانياً : أثناء الصلاة :
- الصلاة أحسن سبيل للتخلص من التوتر.
- تنشط الدورة الدموية أثناء حركات الصلاة .
- الصلاة تقوم بأهم دور في الوقاية من مرض دوالي الساقين .
- الصلاة تقي من الإصابة بمرض خمور العظام في السن المتأخرة .
- الصلاة تساعد على الوقاية من تصلب المفاصل وتآكلها المفاصل و تقويها .
- الصلاة توفر أفضل طريقة للياقة الجسم.
- تعتبر الصلاة أحسن وسيلة لتقوية عضلات العمود الفقري .
- إن ذبذبة صوتية مثل كلمة ( أمين ) وتنطق ( آآآ م ي ي ي ن ) تزيل كل توتر في الجسم ،
وخاصة إذا قيلت بصوت مرتفع تشعر به من أعماقك ، وهي تعد من التنفس العميق البطيء الذي هو علاج لارتفاع ضغط الدم وإرهاق القلب والأعصاب ، وهو يجدد الحيوية ، ويطهر الدم ، وينعش الفؤاد.
- في الفجر يوجد غاز الأوزون ويستعان به في علاج أنواع التليف الذي يحدث في الرئة والكبد ، وعلاج أمراض الكبد الوبائية ، وانسداد الشرايين ، وتصلب الأوعية الدموية ، ومضاعفات أمراض السكري كالجروح والقروح ، وتنشيط جريان الدم في الأوعية ، وحالات الربو وبعض حالات الحساسية وكان المجال الأهم لاستخدامات غاز الأوزون هو ما توصلت إليه البحوث في مجال استخدامه في علاج وباء العصر )الإيدز.(
-وضع اليد اليمنى على اليسرى يمنع ركود الدم الوريدي بالأوردة التابعة للأطراف العليا منعاً لتخثر الدم بها .
وفي شهر رمضان يؤدون صلاة التراويح بعد فريضة العشاء.(1/13)
وأوضح هؤلاء أن هذه الصلاة الرمضانية، ويتراوح عدد ركعاتها بين ثماني إلى عشرين ركعة، تعتبر تمرينا بدنيا معتدلا لكل عضلة من عضلات الجسم، حيث تنقبض بعض العضلات بطول متساوٍ، وتنقبض الأخرى بنفس التوتر، وتزيد الطاقة اللازمة لعمليات أيض العضلات خلال تأدية الصلاة، مما يؤدي إلى نقص في مستويات الأكسجين والعناصر الغذائية في العضلات، ويؤدي هذا النقص بدوره إلى توسع الأوعية الدموية، مما يسمح للدم بالتدفق بسهولة عائدا إلى القلب، فيعمل هذا العبء المتزايد مؤقتا على القلب، على تقوية العضلة القلبية وتحسين التدفق الدموي فيها.
وأشار العلماء أن لصلاة التراويح دورا مهما في تنظيم مستويات السكر بعد الإفطار، فنسبة السكر والأنسولين في الدم تكون في أدنى مستوياتها قبل وجبة الإفطار، وبعد ساعة من تناول الوجبة، يبدأ الجلوكوز والأنسولين بالارتفاع، فيعمل الكبد والعضلات على سحب جلوكوز الدم، إلا أن سكر الدم يصل إلى مستويات عالية خلال ساعة أو ساعتين، وهنا تأتي فائدة صلاة التراويح، حيث يتم معالجة السكر وحرقه إلى أكسجين وماء خلال هذه الصلاة.
ولفت الأطباء إلى أن صلاة التراويح تساعد في حرق السعرات الزائدة، وتحسن مرونة الجسم وتوازنه، وتقلل الاستجابات الذاتية المرتبطة بالتوتر عند الأصحاء، وتخفف حالات القلق والكآبة.
وأفاد الباحثون في مؤسسة البحوث الإسلامية الأمريكية، أن صلاة التراويح تحسن السيطرة على وزن الجسم وحرق السعرات الحرارية دون زيادة الشهية أو الرغبة في الأكل، لذلك فان تناول أغذية صحية معتدلة في وجبتي الإفطار والسحور، وأداء صلاة التراويح يحقق أفضل النتائج من حيث تخفيف الوزن، وتقليل تراكم الدهون في الجسم.(1/14)
وقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يحافظون على صلوات الفرض والنافلة، سواء من الرجال أو النساء، يتمتعون بكثافة عظمية أعلى ويكونون أقل عرضة لهشاشة العظام عند تقدمهم في السن، وينعمون بصحة أفضل في مراحل الشيخوخة، ويقل خطر وفاتهم من الأمراض بحوالي النصف.
قال الشاعر :
قال الشاعر:
خسر الذي ترك الصلاة وخابا * * * وأبى معاداً صالحا ومآبا
إن كان يجحدها فحسبك أنه * * * أضحى بربك كافراً مرتابا
أو كان يتركها لنوع تكاسل * * * غطى على وجه الصواب حجابا
فالشافعي ومالك رأيا له * * * إن لم يتب حد الحسام عقابا
والرأي عندي للإمام عذابه* * * بجميع تأديب يراه صوابا
3- في الصوم وقاية وعلاج .
وكما حث الإسلام على النظافة والطهارة وكذا على الصلاة لما في ذلك من وقاية وعلاج , فكذا قد حث على الصوم وجعله من سبل الوقاية والعلاج , قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)سورة البقرة .
يقول ابن القيم:" الصوم جنة من أدواء الروح والقلب والبدن ؛ مَنافِعُه تفوت الإحصاء، وله تأثير عجيب: في حفظ الصحة، وإذابة الفضلات، وحبس النفس عن تناول مؤذياتها، ولاسيما: إذا كان باعتدال وقصد في أفضل أوقاته شرعاً، وحاجة البدن إليه طبعاً، ثم إنّ فيه: من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها، وفيه خاصية تقتضي إيثاره، وهي: تفريجه للقلب عاجلاً وآجلاً، فهو أنفع شيء لأصحاب الأمزجة الباردة والرطبة، وله تأثير عظيم، في حفظ صحتهم .(1/15)
وهو يدخل في الأدوية الروحانية والطبيعية، وإذا راعى الصائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعاً وشرعاً، عظم انتفاع قلبه وبدنه به، وحبس عنه المواد الغريبة الفاسدة التي هو مستعِدّ لها، وأزال المواد الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه ويحفظ الصائم مما ينبغي أن يتحفظ منه، ويعينه على قيامه بمقصود الصوم وسره وعلته الغائية ". الطب النبوي لابن القيم ( ص: 258 - 259 ) .
" يفيد الصيام صحة النفس والجسم كليهما، فيشحذ الذهن ويقوي الإرادة، ويخفف العبء عن أجهزة الجسم جميعها وبخاصة جهاز الهضم وجهاز الدوران والكلى , كما أنه ينشط تجدد خلايا الجسم، فمن المعروف أنّ في جسم الإنسان نحو من ( 125 ) ألف مليار خلية، وأنّه يموت ويحيا كل دقيقة نحو من ( 7 ) مليارات خلية، أي أن خلايا الجسم جميعها تتجدد خلال اثني عشر يوماً تقريباً، أما في الصوم فتتجدد جميعها خلال ( 5 - 6 ) أيام فقط .
والصوم له أثر كبير في وقاية كل أجهزة الجسم من الأمراض :
1- الصيام والجهاز الهضمي :الصوم له الأثر الكبير في راحة الجهاز الهضمي المُتْعَبْ طيلة أيام السنة، وفي الصوم حثٌ على الاستفادة من مخزون الشحوم في الجسم كافة، فتتحول هذه الشحوم وتتفتت وتنتج لنا الطاقة اللازمة لإدامة الحياة بدل الطعام ".
2- الصيام وأمراض الكليتين :الصيام يريح الكليتين وجهاز البول، بإقلاله فضلات استقلاب الأغذية المنطرحة عن طريق الجهاز.
3- الصيام وعلاج البدانة :يستفيد السمين من الصيام كثيراً ؛ لأن الصائم بعد حرقه الغذاء الوارد في السحور يستمد 83 % من القدرة الضرورية من استهلاك المدخرات الذهنية وتزيد فائدته إن لم يسرف في الطعام، وقلل من الأغذية الدهنية والنشوية وباقي السكريات.
4- الصيام يحمي الأسنان من التسوس , ويمنع إصابة اللثة بالأمراض :".(1/16)
يقول أحد الأطباء: إن الامتناع عن الأكل من السحور حتى الفطور يحمي الأسنان من التلف الناتج عن تخمر فضلات الطعام في الأسنان، وبالتالي فإن ذلك يحول دون إصابة الأسنان بالتسوس، ويقلل من الإفرازات اللعابية التي تسبب زيادة ترسب المواد الجيرية والدهنية على الأسنان، وتظل اللثة معرضة للأمراض ".
5- أمراض الروماتيزم :" يؤكد أخصائيو الأمراض الروماتيزمية والأمراض المزمنة أن الصيام يفيد مرضى الروماتيزم، وخاصة السيدات وكبار السن من الجنسين، فهو يخفض الوزن ويتخلص من السموم في الجسم ".
6- أمراض الكبد :" يقول أخصائيو الأمراض الباطنية: إِنَّ حالات كثيرة من أمراض السكر قد أفادت إفادة كبيرة في شهر رمضان؛ لأنّ الصيام يعمل على خفض مستوى السكر في الدم وانخفاضه في البول كما ينصح الأطباء مَرْضَى الكبد أن يستفيدوا من تجربة شهر الصيام طوال العام بعد الإفراط في الأكل وتنظيمه " .
7- ترك الدخان : والصوم حافز كبير يساعد على التخلص نهائياً من الإدمان في شرب السجائر والمنبهات، والصوم يعطي مناعة وقوة تزيدهم تحملاً للمسؤوليات وأعباء الحياة، وتزيدهم صبراً على تحمل الحرمان، وبذلك يمكن الإقلاع عن التدخين، وتتحسن صحتهم النفسية والجسمية.
8- الصوم ومرض السكر :" والصوم يحمي الإنسان من مرض السكر: ولتفسير ذلك نقول إن في الصوم تقل كمية السكر في الدم إلى أدنى المعدلات، وهذا يعطي غدة البنكرياس فرصة للراحة، فمن المعروف أن البنكرياس يفرز الأنسولين، وهذه المادة بدورها تؤثر على السكر في الدم، فتحوله إلى مواد نشوية ودهنية تترسب وتخزن في الأنسجة، ولكن إذا زاد الطعام عن قدرة البنكرياس في إفراز الأنسولين، فإن هذه الغدة تصاب بالإرهاق والإعياء، ثم أخيراً تعجز عن القيام بوظيفتها، فيتراكم السكر في الدم، وتزيد معدلاته بالتدريج سنة وراء سنة، حتى يظهر مرض السكر، وخير حماية للبنكرياس من هذا الإرهاب؛ هو الصوم المعتدل".(1/17)
9- الصوم والمعدة : ففي الصيام تخلو المعدة تماماً من الطعام خلال 12 ساعة في اليوم الواحد، ولمدة شهر كامل، وهذه المدة تكفي لإخلاء المعدة من كل طعام متراكم وتعطيها فرصة للراحة من غير إرهاق، ولذلك نجد أنه أثناء فترة الصيام يتخلص الإنسان من عادة التكرع أو ( التجشوء ) التي يسببها أكل الطعام على الطعام مما ينجم عنه تخمر الأطعمة في المعدة قبل أن تتمكن من هضمها ".
10- الصوم والأمعاء : والصيام يريح الأمعاء والمصران الغليظ أيضاً من الطعام المتراكم، وبذلك يتخلص الصائم من الغازات والروائح الكريهة التي تنتج عن التخمة وسوء الهضم والتخمر في الأمعاء بسبب عدم قدرتها على امتصاص الطعام أو التخلص منه، وقد كان الناس فيما مضى قبل الأدوية الحديثة يعالجون حالات الإسهال بالصيام وحده أو باستعمال المسهلات للمساعدة على طرد المواد السامة من المصارين" .راجع : كتاب الحقائق الطبية في الإسلام لعبد الرازق كيلاني( ص: 184 ) وما بعدها .
وقد ثبت أيضا أن الصوم يعالج بعض الأمراض الجلدية فهو يقلل من حدة الأمراض الجلدية التي تنتشر في مساحات كبيرة من الجسم مثل مرض الصدفية.
ويخفف أمراض الحساسية والحد من مشاكل البشرة الدهنية.
ومع الصيام تقل إفرازات الأمعاء للسموم وتناقص نسبة التخمر الذي يسبب دمامل وبثوراً مستمرة.
يقول الشاعر :
وأغبى العالمين فتى أكول * * * لفطنته ببطنته انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري * * * لصمت فكان ديدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم * * * تكاثر في فطورهم الطعام
فإن وضح النهار طووا جياعا * * * وقد هموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تجعنا * * * فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا متخمين على امتلاء * * * وقد يتجشئون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض * * * ألا ما هكذا فرض الصيام
4- أهمية ممارسة الرياضة .(1/18)
حث الإسلام على ممارسة الرياضة المفيدة النافعة , وجعلها أداة لتقوية الجسم ؛لأنه يريد أن يكون أبناؤه أقوياء في أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم, ولقد مدح الله تعالى القوة في كتابه الكريم , فقد وصف الله تعالى نفسه فقال : " ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " سورة الذاريات : 58.
ومدح أمين الوحي جبريل عليه السلام بالقوة فقال : " إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) سورة : التكوير .
وامتن على الخلق بنعمة القوة فقال : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)الروم.
وقال على لسان نبيه نوح عليه السلام : " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ "(52)هود.
وافتخرت ملك سبأ بذلك فقالت : " قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)النمل .
وأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأن يعدوا لأعداء الله كل ما يستطيعون من قوة فقال " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ. (60) سورة الأنفال.(1/19)
فالمؤمن القوي , سليم الجسم لا شك أنه خير وأحب الله من المؤمن الضعيف , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ فَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا . وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. أخرجه أحمد 2/366(8777) و"مسلم" 8/56 و"النَّسائي" في "الكبرى" 10383 . انظر حديث رقم : 6650 في صحيح الجامع .
لأن الجسم القوي أقدرُ على أداء التكاليف الدينيّة والدنيويّة، وأن الإسلام لا يُشَرِّع ما فيه إضعاف الجسم إضعافًا يُعجزه عن أداء هذه التكاليف، بل إن الإسلام خفّف عنه بعض التشريعات إبقاءً على صحّة الجسم، فأجاز أداء الصلاة من قعود لمَن عجز عن القيام، وأباح الفِطر لغير القادر على الصّيام، ووضع الحجّ والجهاد وغيرهما عن غير المُستطيع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد أرهق نفسَه بالعِبادة صيامًا وقيامًا: "صُمْ وأفْطِرْ وقُمْ ونَمْ، فإنّ لبدنِك عليك حَقًّا وإنّ لعينِك عليك حقًّا" (رواه البخاري ومسلم.)
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه دائماً على ممارسة الرياضة , وينتهز الفرص السانحة في تطبيق ذلك عملياً , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتُرْسٍ وَاحِدٍ ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ ، فَكَانَ إِذَا رَمَى يُشْرِفُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ.أخرجه أحمد 3/265(13836) و"البُخَارِي" 4/46(2902) .(1/20)
وعنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شَِمَاسَةَ ، أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِيَّ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ ، وَأَنْتَ كَبِيرٌ ، يَشُقُّ عَلَيْكَ ؟ قَالَ عُقْبَةُ : لَوْلاَ كَلاَمٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ أُعَانِهِ ، قَالَ الْحَارِثُ : فَقُلْتُ لاِبْنِ شَِمَاسَةَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ قَالَ:مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ، ثُمَّ تَرَكَهُ ، فَلَيْسَ مِنَّا ، أَوْ قَدْ عَصَى. أخرجه مُسْلم 6/52(4987).
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ ، فَهُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ ، إِلاَّ أَرْبَعٌ : مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ ، وَمَشْيُهُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ. أخرجه النَّسَائِي ، في "الكبرى" 8889 أخرجه النسائي في " كتاب عشرة النساء " ( ق 74 / 2 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( 1 / 89 / 2 ) الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 562 .
وهناك رياضات كثيرة حث عليها الإسلام منها :
1-الرماية ، عنْ أَبِي عَلِيٍّ ، ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، يَقُولُ : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. أخرجه أحمد 4/156(17568) و"مسلم" 6/52(4984) و"أبو داود"2514 .(1/21)
2 – ومنها المصارعة: وقد صارع النبي جماعة ، منهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب ، وكان بمكة ويحسن الصراع ويأتيه الناس من البلاد فيصرعهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، قَالَ كَانَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَشَدّ قُرَيْشٍ ، فَخَلَا يَوْمًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكّةَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رُكَانَةُ أَلَا تَتّقِي اللّهَ وَتَقْبَلُ مَا أَدْعُوك إلَيْهِ ؟ قَالَ إنّي لَوْ أَعْلَمُ أَنّ الّذِي تَقُولُ حَقّ لَاتّبَعْتُك ، فَقَالَ ( لَهُ ) رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفَرَأَيْت إنْ صَرَعْتُك ، أَتَعْلَمُ أَنّ مَا أَقُولُ حَقّ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقُمْ حتى أُصَارِعَك . قَالَ فَقَامَ إلَيْهِ رُكَانَةُ يُصَارِعُهُ فَلَمّا بَطَشَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَضْجَعَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا ، ثُمّ قَالَ عُدْ يَا مُحَمّدُ فَعَادَ فَصَرَعَهُ فَقَالَ - يَا مُحَمّدُ . وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْعَجْبُ أَتَصْرَعُنِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إنْ شِئْت أَنْ أُرِيَكَهُ إنْ اتّقَيْتَ اللّهَ وَاتّبَعْت أَمْرِي ، قَالَ مَا هُوَ ؟ قَالَ أَدْعُو لَك هَذِهِ الشّجَرَةَ الّتِي تَرَى فَتَأْتِينِي ، قَالَ اُدْعُهَا ، فَدَعَاهَا ، فَأَقْبَلَتْ حَتّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَقَالَ لَهَا : ارْجِعِي إلَى مَكَانِك .(1/22)
قَالَ فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا قَالَ فَذَهَبَ رُكَانَةُ إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ سَاحِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ الْأَرْضِ فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَسْحَرَ مِنْهُ قَطّ ، ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بِاَلّذِي رَأَى وَاَلّذِي صَنَعَ " ابن هشام : السيرة النبوية 1/390, السيوطي : الخصائص الكبرى 209 .
وقال البلاذرى : إن السائل للمصارعة هو ركانة ، فقال له : تهيأ للمصارعة ، فقال : تهيأت ، فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم صرعه ، فتعجب من ذلك ركانة ، ثم سأله الإقالة مما توافقا عليه ، وهو الإيمان والعودة إلى المصارعة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا : فوقف ركانة متعجبا وقال : إن شأنك لعجيب ، وأسلم عقبها ، وقيل أسلم في فتح مكة . رواه الحاكم وأبو داود والترمذي .
كما صارع النبي ابن ركانة واسمه يزيد، فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلثمائة من الغنم ، فقال : يا محمد هل لك أن تصارعني؟ قال : وما تجعل لي إن صرعتك ؟ قال : مائة من الغنم ، فصارعه فصرعه ، ثم قال : هل لك في العود؟ قال : وما تجعل ؟ قال : مائة أخرى . فصارعه فصرعه ، وذكر الثالثة، فقال : يا محمد، ما وضع جنبي في الأرض أحد قبلك ، ثم أسلم ورد عليه غنمه ، روى عنه أنه قال : ماذا أقول لأهلي؟ شاة افترسها الذئب ، وشاة شذت منى ، فماذا أقول في الثالثة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما كنا لنجمع عليك فنصرعك فنغرمك ، خذ غنمك وانصرف (ذكره الزرقانى في شرح المواهب ج 4 ص 293) .(1/23)
3 - وركوب الخيل والمسابقة عليها ، والله سبحانه وتعالى قد نوَّه وأقسم بها في قوله تعالى وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) سورة العاديات ، فهي من أهم أدوات الحرب ، كما نوه بها في السلم فقال سبحانه " وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) النحل : 8 ، وأوصى رسوله بالعناية بها فقال { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } الأنفال : 60 ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين : " يا خيل الله اركبي " وقال "اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل " وقد سابق النبي أيضا على الجمال فسابق على ناقته العضباء .
وذكر الجاحظ في البيان والتبيين أن عمر أرسل كتابه إلى الأمصار يقول فيه :علموا أولادكم السباحة ، والفروسية . وفى رواية ومروهم يثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر .
4 -العَدْوُ: وهو تدريب على سرعة المشى، يلزم للأسفار من أجل الجهاد ونشر الدعوة والسعي لتحصيل الرزق وغير . عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " من مشى بين الغرضين -علامتين لتحديد المسافة-كان له بكل خطوة حسنة" . أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (5/269) قال الهيثمى : فيه عثمان بن مطر وهو ضعيف .
عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أنها قَالَتْ :سَابَقْتُ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ . فَلَمَّا حَمَلْتُ مِنَ اللَّحْمِ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي . فَقَالَ : يَاعَائِشَة ، هَذِهِ بِتِلْكَ. أخرجه احمد 6/39 و"ابن ماجة" .1979(1/24)
5 -اللعب بالسلاح - الشيش : وكان معروفا عند العرب باسم "النقاف " وهو أصل المبارزة بالسلاح المعروفة في شكلها الحالي ، وكان من صوره رقص الحبشة الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم منهم في المسجد، فكان عبارة عن حركات رياضية تصاحبها السهام ، ففي رواية عن أبى سلمة أن الحبشة كانوا يزفنون ويلعبون بحرابهم يتلقونها . وكانت المبارزة تتقدم الحروب والغزوات أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومن أشهر المبارزين على بن أبى طالب ومواقفه في بدر والخندق وغيرهما معروفة .
6- رفع الأثقال ومثله ألعاب القوى: وكان يعرف عند العرب باسم "الربع " وهو أن يُشال الحجر باليد ، يفعل ذلك لتعرف شدة الرجل ، والربيعة والمربوع هو الحجر الذي يرفع ، وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يربعون حجرا أو يتربعون فقال : عمال الله أقوى من هؤلاء (ذكره في لسان العرب ) وأول من فكر في تلك اللعبة جابر بن عبد الله الأنصاري ، وكان مشهورا بقوته البدنية ، وقد اشتهر بالقوة البدنية على بن أبى طالب فإنه في غزوة خيبر لما ضاع ترسه أمسك بباب كان عند الحصن فتترس به عن نفسه ، وكان سبعة نفر ينوءون بحمله (ذكره في الروض الأنف ج 2 ص 239) .
7 - القفز أو الوثب العالي : وكان يعرف أيضا عند العرب باسم " القفيزى" حيث كانت توضع عارضة خشبية يتقافزون عليها ولها نظام خاص لإجادتها (عيون الأخبار لابن قتيبة ج ا ص 133 ).(1/25)
8-الكرة: وهى تشبه لعبة البولو في هذه الأيام ، وقد وضعوا لها آدابا مذكورة في كتب الأدب ، قال الحارثة بن رافع . كنت ألاعب الحسن والحسين بالمداحى ، والدحو رمى اللاعب بالحجر والجوز وغيره ، والمداحى حجارة كشكل القرصة ، وتحفر حفرة فترسل تلك القرص نحوها، فمن وقعت قرصته فيها فهو الغالب ، وذكر أن ابن المسيب سئل عن الدحو بالحجارة فقال لا بأس به . قال شيخُ الإِسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى: (... ولعبُ الكرةِ إِذا كانَ قصدُ صاحبِة المنفعةَ للخيلِ والرجالِ؛ بحيثُ يستعانُ بها على الكرِّ والفرِّ، والدخولِ والخروجِ ونحوهِ في الجهادِ، وغرضُه الاستعانةُ على الجهادِ الّذي أَمر الله به ورسولُه صلى الله عليه وسلم ـ فهو حسن، وإنْْْْْْْْ كانَ في ذلك مضرةٌ بالخيلِ و الرّجالِ، فإنّه ينهى عنه).علي نايف الشحود : موسوعة البحوث والمقالات العلمية 2.
9 -السباحة: عن عطاء بن أبى رباح قال : رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاري يرميان فملَّ أحدهما فجلس فقال له الآخر :كسلت ؟سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال . مشى الرجل بين الغرضين ، وتأديبه لفرسه وملاعبته أهله ، وتعليم السباحة" رواه الطبراني بإسناد جيد.
وروى البيهقى بسند ضعيف من حديث أبى رافع : حق الولد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي.
وعن ابن عباس قال : ربما قال لي عمر بن الخطاب : تعال أباقيك في الماء ، أينا أطول نفسا ونحن محرمون .(1/26)
وفى تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 264) عندما تغلب معز الدولة أحمد بن بويه على بغداد شجع السباحة والمصارعة ، حتى كان السبَّاح يحمل الموقد عليه القدر باللحم إلى أن ينضج . وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح وهو صغير عندما زارت به أمه أخواله في المدينة ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما هاجر ونظر إلى دار التابعة حيث دفن أبوه قال : هاهنا نزلت بى أمي وأحسنت العوم في بئر بنى عدى بن النجار، واستدل به السيوطي على أن النبي عَامَ وذكر أنه روى أبو القاسم البغوى وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح هو وأصحابه في غدير، فقال ليسبح كل رجل إلى صاحبه ، فسبح صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر حتى عانقه ، وقال : أنا وصاحبى (الزرقانى على المواهب اللدنية ج ا ص 164) .
إن الرياضة المنتظمة و المستمرة تمنع الأمراض الكثيرة بإذن الله تعالى ومنها :
1- الأزمات القلبية ، و الجلطة : فالرياضة تقوي عضلة القلب ، و تقليل نسبة الكوليسترول الضار ، و رفع نسبة الكولسترول الحميد (HDL) ، و خفض ضغط الدم ، و تقوية انسياب الدم في الجسد ، و زيادة قدرة القلب على العمل.
2- ارتفاع ضغط الدم : فالرياضة المنتظمة و المستمرة تخفض ضغط الدم عند من يعانون من ارتفاعه ، و تقلل من نسبة الدهون في الجسم ، و التي أصلاً ترتبط بارتفاع ضغط الدم. الرياضة تمنع ارتفاع ضغط الدم عند الأصحاء ، و تقلله عند المصابين به. بما أن الضخ يزداد ، فإن الجسم يمرّن الشرايين على الاتساع للسماح للدم بالمرور ، مما يريح الشرايين ، و يقلل من مقاومتها و يقلل ضغط الدم.
3- مرض السكري المعتمد على الأنسولين: فالرياضة تقوم بخفض نسبة الدهون في الجسم ، وتتحكم في هذا النوع من مرض السكري.
4- السمنة : فهي تمنع السمنة ببناء و حفظ العضلات ، و تحسين قدرة الجسم على استخدام السعرات الحرارية , وإذا أُضيف إلى الرياضة نظامٌ غذائيٍ صحي ، فإن هذا يتحكم بالوزن ويمنع السمنة.(1/27)
5- ألم الظهر: فهي تقوم بتقوية العضلات و تحملّها ، و زيادة المرونة.
6- هشاشة العظام : فالتمارين المشتملة على رفع أثقال (و منها ثقل الجسم نفسه) تقوي العظام و تمنع أمراضاً كثيرة تصيب العظام مع كبر السن.
7- الضغط النفسي و مشاكل احترام الذات: أثبتت الدراسات النفسية أن الحركة الجسدية المنتظمة تُحسِّن المزاج و النفسية وشعورك تجاه نفسك. وجد الباحثون أن الرياضة يمكنها أن تقلل من القلق ، وتتحكم بالضغط النفسي ، بل وجدوا أن هناك احتمالاً أن تقلل الرياضة من آثار مرض الاكتئاب ، وهو أحد أمراض النفس الخطيرة.
8- العجز و الإعاقة: فإن الرياضة المستمرة تؤجل ظهور الإعاقة و العجز عند كبار السن.
والإسلام لا يمنع من ممارسة الرياضة , بل حث عليها فهي " إكسير الحياة " طالما أنها قد ارتبطت بآداب الإسلام ومبادئه القويمة, وطالما كان مقصدها تقوية الجسم وجعله قادراً على أداء التكاليف الشرعية , والمهام الوظيفية , من العزة والاستخلاف على هذه الأرض.
5- إعطاء الجسم حقه من الراحة .
أكد الإسلام على حق البدن , فالبدن أمانة عند الإنسان، من واجبه أن يحافظ عليه ويلبي احتياجاته من الغذاء الكافي والنوم الكافي , والراحة والملبس اللائق النظيف والمسكن اللائق والأثاث المريح , والمنكح الحلال والتداوي من المرض , والتمتع بما أحل الله من الطيبات في حدود العرف الاجتماعي الذي يكون سائرا وفق شريعة الله تبارك وتعالى. قال سبحانه : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (القصص: من الآية77).
والنصوص الدينية التي تعترف بحاجات البدن وتدعو إلى تلبية هذه الحاجات في حدود الاعتدال ومراعاة قيم الدين والعرف السائد، وتنهى عن التفريط في حق البدن وعن الإفراط والإسراف والتبذير والشره والتكبر والطمع والإنفلات من القيم الدينية والخلقية .(1/28)
لأنه يريد للإنسان المسلم أن يكون صاحب جسم قوي جلد قادر على العمل والإنتاج وتحمل مشاق الحياة وتأدية الفرائض والشعائر الدينية.
من هنا فقد حثنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على العناية والاهتمام بحق البدن .
فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، قَالَ : حدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ؛قَالَ لِي رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا عَبْدَ اللهِ ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ ؟ فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَلاَ تَفْعَل . صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ . فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً . قَالَ : فَصُمْ صِيَامَ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ . قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؟ قَالَ : نِصْفَ الدَّهْرِ.فَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَقُولُ ، بَعْدَ مَا كَبِرَ : يَالَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد 2/188(6762) و"البُخَارِي" 3/51(1974و"مسلم" 3/162(2700) .(1/29)
وعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ:آخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَبَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكِ مُتَبَذِّلَةً ؟ قَالَتْ : إِنَّ أَخَاكَ أَبَا الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا ، قَالَ : فَلَّمَا جَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا ، فَقَالَ : كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ، قَالَ : فَأَكَلَ ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيَقُومَ ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : نَمْ ، فَنَامَ ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ ، فَقَالَ لَهُ : نَمْ ، فَنَامَ ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ ، قَالَ لَهُ سَلْمَانُ : قُمِ الآنَ ، فَقَامَا فَصَلَّيَا ، فَقَالَ : إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَذَكَرَا ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ : صَدَقَ سَلْمَانُ. أخرجه التِّرمِذي 2413 , و"ابن خزيمة"2144.
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه. قيل: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق" رواه أحمد والترمذي.(1/30)
وراحة الجسم الطبيعة , وحقه الفطري في النوم يكون بالليل , فبعض الناس قد حولوا نهارهم إلى ليل وليلهم إلى نهار ,وهذا يؤثر على الصحة العامة للجسم ولقد قال الله في كتابه الكريم : " وَالَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) سورة يونس , وقال : " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) سورة الفرقان , وقال : " اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) سورة غافر , وقال أيضا : " وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) سورة النبأ.
وللنوم بالليل فوائد جمة منها :
1- يؤدى النوم إلى زيادة مخزون الطاقة فى الجسم وتجديد خلايا وأنسجة الجسم نتيجة زيادة إنتاج البروتينات وانخفاض نسبة تكسيرها حيث أن البروتينات هى المسئولة عن نمو الخلايا وتعويض ما يتلف منها على سبيل المثال بسبب الأشعة الفوق بنفسجية أو بسبب الضغط النفسى.
2- النوم مهم أيضاً للجهاز العصبى فهو يساعده على أن يعمل بكفاءة. فبالإضافة إلى أن النوم يساعد على تنشيط الذاكرة، فهو يسمح بالراحة لأجزاء المخ المسئولة عن التحكم فى المشاعر والتفاعلات الاجتماعية واتخاذ القرارات مما يتيح استعادة نشاطها والعمل بأعلى كفاءة أثناء اليقظة.(1/31)
3- يتحكم النوم فى شهيتنا ويساعد على فقدان الوزن عن طريق انخفاض إفراز الهرمون الخاص بالضغط النفسى " الكولسترول ". هذا الهرمون هو الذى يتحكم فى شهيتنا وقد يكون هو السبب فى تلهفنا على الأكل حتى ولو لم نكن جائعين. يزيد هذا الهرمون أيضاً مستوى الأنسولين ومستوى السكر فى الدم، كما أن هذا الهرمون يزيد من تخزين الدهون حول البطن.
4- يرتفع هرمون النمو فى الجسم إلى أعلى مستوياته أثناء النوم. هذا الهرمون ليس ضرورياً للأطفال فقط كما قد يعتقد البعض ولكن للكبار أيضاً - إلا أن إفراز هذا الهرمون يقل مع التقدم فى السن. هذا الهرمون يعمل على تجديد وبناء الأنسجة، العضلات، والعظام، كما أنه يقاوم تأثير هرمون " الكولسترول " على أجسامنا.
5- النوم يساعد على تقليل ظهور أعراض كبر السن كما يساعد على تقليل نمو الخلايا السرطانية، وبالتالي فهو يساعد في الحفاظ على الشباب والوقاية ضد بعض الأمراض.
قال الشاعر :
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه * * * هذا محالٌ في القياس بديع
لو كان حبُّك صادقاً لأطعته* * * إن المحبَّ لمن يحبُّ مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمةٍ منه* * * وأنت لشكر ذاك مضيع
6- الحث على حماية البيئة من التلوث.
لقد حرص الشارع على نظافة البيئة التي ستنعكس حتماً على صحة الفرد والمجتمع والتي تتمثل في: نظافة المساكن والأفنية ونظافة الطرقات وأماكن التجمع , عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:عُرِضَتْ عَلَىَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي ، حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا ، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا ، الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا ، النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ. أخرجه أحمد 5/180(21900) و"البُخاري" في "الأدب المفرد" 230 و"مسلم" 2/77 (1170) .(1/32)
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً:(البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
وكذا حفظ الطعام والهواء والماء من التلوث , عَنْ عَائِشَةَ أنَّهَا قالت:كَانَتْ يَدُ رَسُولِ الله ؛ صلى الله عليه وسلم اليمنى لِطُهُورِهِ وَلِطَعَامِهِ ، وَكَانَتِ الْيُسْرَئ لِخَلاَئِهٍ وَمَا كَانَ مِنْ أذًى. أخرجه أحمد 6/265 . و"أبو داود" 34 .
وعنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:غَطُّوا الإِنَاءَ ، وَأَوْكِئُوا السِّقَاءَ ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ ، لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَمْ يُغَطَّ ، وَلاَ سِقَاءٍ لَمْ يُوكَ ، إِلاَّ وَقَعَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ.
وفي رواية : خَمِّرُوا الإِنَاءَ ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ ، فَإِنَّ ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، دَاءٌ يَنْزِلُ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً ، لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ ، لَمْ يُخَمَّرْ ، أَوْ سِقَاءٍ ، لَمْ يُوكَأْ ، إِلاَّ وَقَعَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الدَّاءِ. أخرجه أحمد 3/355(14889) و"مسلم" 6/107(5303) .
وحفظ الهواء من التلوث , فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه) رواه أبو داود.
وحفظ الماء من التلوث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) متفق عليه.
عن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ قِيلَ مَا الْمَلاَعِنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ يَقْعُدَ أَحَدُكُمْ فِى ظِلٍّ يُسْتَظَلُّ فِيهِ أَوْ فِى طَرِيقٍ أَوْ في نَقْعِ مَاءٍ. أخرجه أحمد 1/229(2715) أبوداود (26) و"ابن ماجة"328 .(1/33)
ولوقاية الماء من التلوث أيضاً نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إدخال المستيقظ من نوم يده في الإناء قبل أن يغسلها ويطهرها فلعله مس أو حك بها سوءته أو عضواً مريضاً متقرحاً من جسمه وهو نائم, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَضَعْ يَدَهُ فِي الْوَضُوءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ، إِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَحَدُكُمْ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ".أخرجه أحمد 2/316(8167) . ومسلم 1/161(572) .
7- تحريم بعض الأشربة والأطعمة.
ولتحقيق مبدأ الوقاية قبل العلاج فقد حرم الإسلام بعض الشربة وبعض الأطعمة , قال
تعالى:(وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ).(الأعراف157).
فحرم كل مسكر ومفتر كالخمر والمخدرات , فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة المائدة .
وقال الرسول –صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الخمر فإنها أم الخبائث " . الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 469.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , قَالَ:كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. أَخْرَجَهُ أحمد 2/16(4645) و"مسلم" 6/100(5267.
عَنْ أم سَلَمَةَ ، قَالَتْ:نَهَى رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلًّ مُسْكِرٍ ومُفْتِرٍ. أخرجه أحمد 6/309 و"أبو داود" 3686 .(1/34)
كما حرم الإسلام بعض الأطعمة المضرة , والتي تنقل العدوى ,فحرم أكل لحوم الحيوانات الميتة والدم وأكل لحم الخنزير، والسباع والطيور الجارحة، وأكل الحيوانات والطيور التي تتغذى على القذورات، واقتناء الكلاب والتعامل معها إلا لضرورة، وقد أثبت العلم أن هذه الحيوانات ولحومها تشكل بؤراً لتجمعات هائلة وخطيرة من الكائنات الدقيقة الفاتكة بالإنسان، فماذا قال العلم الحديث فيها ؟ .
ومن اللحوم التي حرمها الإسلام لحم الخنزير, فلقد حرم الإسلام لحم الخنزير لأن الخنزير حيوان قذر يعيش على الأوساخ والقاذورات ، وهو ما تأباه النفس السوية وتعافه وترفض تناوله ، لما فيه من إخلال بطبع الإنسان ومزاجه السوي الذي خلقه الله عز وجل فيه {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} التين (4).
قال تعالى :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) سورة المائدة .(1/35)
وقال : " قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) سورة الأنعام .
ولعل من الجدير بالذكر أن تحريم لحم الخنزير كان قطعيا في أية واحدة، بينما كان تحريم الخمر تدريجيا ونزلت آيات تحريمه على ثلاث مراحل، ولعل هذا الأمر يرجع إلى طبيعة العرب آذاك إذ كان الخمر من أكثر الأمور شيوعا في حياتهم ، وكان من الصعب على النفس البشرية التي اعتادت عليه أن تقلع عنه قطعيا خلال فترة وجيزة وبدون تدرج، أما بالنسبة للحم الخنزير فقد كان التحريم قطعيا بغير تدرج لأن العرب لم يكونوا قد تعودوا على تناوله بشكل مستمر.
وقد أجمع العلماء على تحريم جميع أجزاء الخنزير، وذكر الآية للحم الخنزير هو من باب المجاز اللغوي ، إذ أطلق الله عز وجل الجزء ( وهو اللحم) وأراد الكل ( وهو جميع الخنزير) ، لأن اللحم هو الجزء الأهم والمأكول من الخنزير ، وقد أثبت العلم الحديث الحقائق التالية المتعلقة بلحم الخنزير.(1/36)
أما الخنزير فإننا نوجز القول فيه حيث يقول ربنا سبحانه عنه: (فإنه رجس) والرجس الشيء القذر، والأقذار والنجاسات هي السبب الأكبر في إصابة الإنسان بالأمراض المختلفة لما فيها من جراثيم وطفيليات ممرضة، فالخنزير ينقل إلى الإنسان كثيراً من الكائنات الدقيقة الخطرة حيث يصاب الخنزير بعدد كبير من الأمراض الوبائية لا تقل عن (450) مرضاً ويقوم بدور الوسيط لنقل أكثر من (75) مرضاً وبائياً للإنسان غير الأمراض العادية الأخرى التي يسببها أكل لحمه، مثل تليف الكبد وعسر الهضم والحساسية الغذائية وتصلب الشرايين وتساقط شعر الرأس وضعف الذاكرة والعقم، وتنشيطه لمرض الربو والروماتيزم وكثرة الأكياس الدهنية وعلاوة على آثارة السيئة على العفة والغيرة في التكوين النفسي.
وينقل الخنزير بمفرده (27) مرضاً إلى الإنسان وتشاركه بعض الحيوانات في بقية الأمراض على أنه يقوم بدور المخزن والمصدر الأساسي لهذه الأمراض في نقلها إلى الإنسان مباشرة بنقلها إلى الحيوانات القابلة للعدوى، ثم منها إلى الإنسان.
وينتقل أكثر من (16) مرضاً من الخنزير إلى الإنسان عن طريق تناول لحمه ومنجاته.
وأهم هذه الأمراض هي الحويصلات الخنزيرية والحمى المتموجة والدودة الكبدية وداء وايل، وداء المكسيات اللحمية، والتهاب السحايا والمشيمة، وداء اليرقانات الشريطية الجوالة، والدودة الوحيدة المسلحة، وداء المصورات الذيفانية المقوسة وداء الشعريات الحلزونية، والديدان السوطية، وداء السل، وداء المبيضات الفطرية، والالتهابات المعوية بجراثيم السالمونيلات والشايجالا وغير ذلك.(1/37)
وتكمن خطورة "أنفلونزا الخنازير" في أنه فيروس معدي ينتقل إلى الإنسان ويشكل خطراً لا يمكن توقع عواقبه على حد قول خبراء منظمة الصحة العالمية ، مؤكدين أن أعراض المرض مشابهة لأعراض الأنفلونزا الموسمية وتكون بارتفاع درجة الحرارة وسعال وألم في العضلات، وإجهاد شديد ولكن تزيد بعض الأعراض عن صورتها الطبيعية كالإسهال والقيء ، وللأسف لا يوجد مصل يقي الإنسان من هذا المرض القاتل.
ويؤكد الأطباء أن النظافة هي السلاح الأول للوقاية من الإصابة بتلك الفيروسات وغيرها ،
ولتجنب خطر الإصابة بأنفلونزا الخنازير ينصح بضرورة الحرص على التالي :
- غسل الأيدي بالماء والصابون أكثر من مرة وحين العودة إلى المنزل خاصة بعد التعامل مع الحيوانات.
- تجنب الاقتراب من الشخص المصاب بالأنفلونزا.
- إتباع بعض الوسائل البسيطة للمحافظة عليك وعلى من حولك كتغطية الأنف والفم بمناديل ورق عند السعال.
- تجنب لمس العين أو الأنف في حالة تلوث اليدين منعا لانتشار الجراثيم.
- إذا كنت تعانى أنت أو أحد أفراد أسرتك من أعراض تشبه أعراض الأنفلونزا ، يجب إبلاغ الطبيب بأنك مخالط للخنازير، أو على مقربة من منطقة بها مزارع للخنازير.
ومن اللحوم المحرمة أيضا والتي تنقل العدوى : أكل لحوم الجلاّلة وشرب ألبانها: قلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الجلالة وشرب ألبانها وأكل الحمر الأهلية , عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا.أَخْرَجَهُ أبو داود (3785) و(ابن ماجة) 3189 والتِّرْمِذِيّ" 1824 .
وفي رواية - نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ ، عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ ، وَعَنِ الْجَلاَّلَةِ : عَنْ رُكُوبِهَا ، وَأَكْلِ لَحْمِهَا. أخرجه أحمد 2/219(7039) و"أبو داود" 381 .(1/38)
والجلالة هي كل دابة تأكل الأقذار وخصوصاً العذرة، التي تعتبر بيئة خصبة لنمو وتكاثر الديدان والطفيليات والجراثيم الضارة، إذ تحتوي على عدد هائل منها، يزيد على المائة بليون جرثومة في الجرام الواحد، لذلك فالعذرة تشكل مخزناً ومصدراً رئيسياً للخطر.
والإسلام حريص على وقاية الإنسان من كل ما يؤثر على صحته , وينقل إليه الأمراض .
8- الاحتراز من الأوبئة وأماكن العدوى.
تفرد الإسلام بوضع أسس الطب الوقائي التي أثبت العلم الحديث إعجازها، وزعم الغرب أنه مكتشفها، بينما هي متأصلة في جذور العقيدة الإسلامية، وفي الأحاديث النبوية الشريفة التي أرست قواعد الوقاية من الأوبئة من خلال سلوكيات فردية مردودها الإيجابي جماعي ويمس الصالح العالم.
فكان الإسلام من أول من سن ما يسمي بعزل المرضى أوالحجر الصحي: َعَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ. أخرجه "أحمد" 2/267(7609) و"البُخاري" 5717 و"مسلم" 5842.
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ ، فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ وَأَنْتُمْ بِأَرْضٍ ، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ.أخرجه مالك "الموطأ" 2612 و"أحمد" 5/200(22094) و"البُخَارِي" 4/212(3473) و"مسلم" 7/26(5825) .
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ.أخرجه ابن أبي شَيْبَة 8/132(24533). الصحيحة برقم 783 .
عن أبي هريرة : "لا عدوى و لا طيرة و لا هامة و لا صفر و فر من المجذوم كما تفر من الأسد " أخرجه البخاري معلقا ( 10 / 129 ) ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7530 في صحيح الجامع .(1/39)
قال الألباني : " و اعلم أنه لا تعارض بين هذين الآخرين ؛ لأن المقصود بهما إثبات العدوى و أنها تنتقل بإذن الله تعالى من المريض إلى السليم و المراد بتلك الأحاديث نفي العدوى التي كان أهل الجاهلية يعتقدونها , و هي انتقالها بنفسها دون النظر إلى مشيئة الله في ذلك .و جملة القول : أن الحديثين يثبتان العدوى و هي ثابتة تجربة و مشاهدة .
و الأحاديث الأخرى لا تنفيها و إنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى الخالق لها . سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/478.
قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: أتفر من القضاء؟ قال: أفر من قضاء الله إلى قدر الله (انظر: بصائر ذوي التمييز 4/278، وهذا شطر من حديث طويل أخرجه البخاري في الطاعون، وفيه: (فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. ) فتح الباري 10/179).
وقانا الله وإياكم شر الآفات والأمراض, ورزقنا جميعا الصحة والعافية, ووقانا شر مصارع السوء.
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
مقدمة ... 2
1- الحث على النظافة والطهارة . ... 7
2- الفوائد الصحية للصلاة . ... 13
3- في الصوم وقاية وعلاج . ... 17
4- أهمية ممارسة الرياضة . ... 22
5- إعطاء الجسم حقه من الراحة . ... 32
6- الحث على حماية البيئة من التلوث. ... 36
7- تحريم بعض الأشربة والأطعمة. ... 38
8- الاحتراز من الأوبئة وأماكن العدوى. ... 44
الفهرست ... 46(1/40)