الوجيز
في حقوق الأولاد في الإسلام
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنَّة
علي بن نايف الشحود
الطبعة الثانية
1430هـ -2009 م
(( ماليزيا))
((بهانج- دار المعمور ))
((حقوق الطبع لكل مسلم ))(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد اعتنى الإسلام بكل جوانب حياة الإنسان،وشرع له من الأحكام ما يجعله سعيدا في الدنيا والآخرة،قال تعالى ممتنًّا على عباده:{وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (72) سورة النحل .
وقد جعل الإسلام للأولاد حقوقاً على والديهم،لابد لهم من مراعاتها والالتزام بها .
وهذه الحقوق منوعة مادية ومعنوية،من قبل أن يتزوج أبوه أمَّه حتى يصبح رجلاً .
وقد كتبت بحوث منوعة ومتعددة في هذا الموضوع.
وكثير منها متأثر بما يصدَّر للأمة المسلمة من هنا وهناك،أو بالواقع المر الذي تعيش به أمة الإسلام اليوم وهي مغزوة في عقر دارها ماديا ومعنويا .
وغالب هذه القوانين المستوردة لا تناسب فطرة الأولاد،ولا القيم الأخلاقية،بل كثير منها نابع من وحي الشيطان لا وحي الرحمن .
والقليل من الأبحاث الذي استقى هذه الحقوق من القيم والمثل العليا في الإسلام .
وفي هذا الكتاب ذكرت أهم هذه الحقوق،وقد قسمته لتمهيد وبابين على الشكل التالي :
الباب الأول=حقوق المولود قبل الولادة
الحقُّ الأول-اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح
الحقُّ الثاني-اتباع السنَّة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح
الحق الثالث-حقوق الجنين
الباب الثاني=حقوق المولود منذ الولادة حتى البلوغ
الحق الأول-استحباب البشارة بالمولود(1/1)
الحق الثاني-اتباع السنَّة في استقبال المولود
الحقُّ الثالث-الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات ...
الحقُّ الرابع-الرضاعة إلى الحولين والفطام
الحقُّ الخامس-أن تحضن الأم ابنها
الحق السادس-الاهتمام بالطفل في السنوات الست الأولى من حياته
أولا: تعريف الطفل بخالقه بشكل مبسط
ثانياً: تعليم الطفل بعض الأحكام الواضحة ومن الحلال والحرام
ثالثا: تعليم الطفل تلاوة القرآن
الحقُّ الثامن-ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال
الحقُّ التاسع-أن يعلِّمه الصلاة ويعوِّده عليها
الحقُّ العاشر-أن يدربه على الصوم
الحقُّ الحادي عشر-تربية البنات على الحجاب
الحقُّ الثاني عشر-أن يعلَّم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول
الحقُّ الثالث عشر-أن يعدل الوالدان بين أولادهم
الحقُّ الرابع عشر-تخيِّرُ الصحبة الصالحة لهم
الحقُّ الخامس عشر-توفير أسباب اللهو واللعب المفيد
الحق السادس عشر-أن يعوله حتى سن الرشد
الحقُّ السابع عشر-الرحمة وما يتفرع عنها من حب وحنان وعطف
الحقُّ الثامن عشر-من حق الأولاد التأديب
الحقُّ التاسع عشر-تعليم الطفل حقوق الوالدين
الحق العشرون-ربط الطفل بالقدوات العظيمة في الإسلام ...
الحقُّ الواحد والعشرون-تعليم الطفل الآداب الاجتماعية العامة ...
الحقُّ الواحد والعشرون-تعليم الولد أحكام المراهقة والبلوغ ...
الحقُّ الثاني والعشرون-تزويجه إذا بلغ امرأة صالحة(1/2)
أسأل الله تعالى أن ينفع بها كل متزوج وكل مقبل على الزواج،وأن ينفع بها كاتبها ويصلح ذريته وذريات المسلمين،وأن يجازي من قرأها ونشرها ودل عليها خير الجزاء .قال تعالى عن عباد الرحمن:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان.
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 3 رجب 1430 هـ الموافق ل26/6/2009 م
روجع وعدل بتاريخ 16 رمضان 1430هـ الموافق ل 6/9/2009م
- - - - - - - - - - - - -(1/3)
تمهيد
جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية،من 25 جمادى الآخرة 1421 ـ 1 رجب 1421هـ الموافق 23-28 أيلول (سبتمبر) 2000م.
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع في موضوع "حقوق الأطفال والمسنين"،وعلى التوصيات الصادرة عن الندوة الطبية الفقهية التي عُقدت في دولة الكويت بالتعاون بين مجمع الفقه الإسلامي الدولي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الفترة من 9-12 رجب 1420هـ،الموافق 18-21 تشرين الأول (أكتوبر) 1999م.
وحيث إن الطفولة الكريمة أساس المجتمع السوي،وقد أعطاها الإسلام اهتمامًا بالغًا،فحض على الزواج وعلى حسن اختيار كل من الزوجين للآخر؛لما في ذلك من أثر في حسن العشرة والنشأة الكريمة للأطفال.
وعليه قرر المجمع ما يلي :
1-حماية الجنين في رحم أمه من كل المؤثرات التي تلحق ضررًا به أو بأمه - كالمسكرات والمخدرات - واجب في الشريعة الإسلامية.
2-للجنين حق الحياة من بدء تكونه؛فلا يعتدى عليه بالإجهاض أو بأي وجه من وجوه الإساءة التي تحدث التشوهات الخلقية أو العاهات.
3-لكل طفل بعد الولادة حقوق مادية ومعنوية،ومن المادية حق الملكية والميراث والوصية والهبة،والوقف،ومن المعنوية الاسم الحسن والنسب والدين والانتماء لوطنه.
4-الأطفال اليتامى واللقطاء والمشردون وضحايا الحروب وغيرهم ممن ليس لهم عائل لهم جميع حقوق الطفل،ويقوم بها المجتمع والدولة.
5-تأمين حق الطفل في الرضاعة الطبيعية إلى حولين كاملين.(1/4)
6-للطفل حق في الحضانة والرعاية في جو نظيف كريم،والأم المؤهلة أولى بهذا الحق من غيرها،ثم بقية أقربائه على الترتيب المعروف شرعًا.
7-الولاية على الطفل -من أهله أو القضاء،في نفسه وماله لحفظهما- حق من حقوقه لا يجوز التفريط فيها،وبعد بلوغه رشده تكون الولاية له.
8-التربية القومية والتنشئة الأخلاقية الحسنة والتعلم والتدريب واكتساب الخبرات والمهارات والحرف الجائزة شرعًا المؤهلة للطفل للاستقلال بنفسه واكتسابه رزقه بعد بلوغه.. من أهم الحقوق التي ينبغي العناية بها،مع تخصيص الموهوبين منهم برعاية خاصة لتنمية طاقاتهم،وكل ذلك في إطار الشريعة الإسلامية.
9-يحظر الإسلام على الأبوين وغيرهما إهمال العناية بالأطفال؛خشية التشرد والضياع،كما يحظر استغلالهم وتكليفهم بالأعمال التي تؤثر على طاقاتهم الجسدية والعقلية والنفسية.
10-الاعتداء على الأطفال في عقيدتهم أو أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم أو عقولهم جريمة كبيرة.والله أعلم .
--------------
فالولد الصالح هو خير كنز يتركه المسلم من بعده،فهو نافع لأبويه في حياتهما وبعد موتهما. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ:صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ،أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ،أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. (1) .
بل إن الذرية الصالحة يجمع شملها مع آبائها الصالحين في الجنة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21].
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم في الإيمان،وألحقنا بهم ذريتهم في منزلتهم في الجنة،وإن لم يبلغوا عمل آبائهم; لتَقَرَّ أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم،فيُجْمَع بينهم على أحسن الأحوال،وما نقصناهم شيئًا من ثواب أعمالهم. كل إنسان مرهون بعمله،لا يحمل ذنب غيره من الناس. (2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (7 / 286) (3016) وصحيح مسلم- المكنز - (4310 )
(2) - التفسير الميسر - (9 / 326)(1/5)
فعلى المسلم أن يأخذ بالأسباب لنيل الولد الصالح .
فما هي الحقوق المشروعة للولد على والديه؟ وما علاقة هذه الحقوق بالتربية؟
عدد العلماء كثيرا من هذه الحقوق وهي نوعان :
ما قبل الولادة،وما بعدها :(1/6)
الباب الأول
حقوق المولود قبل الولادة
الحقُّ الأول
اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح
إن الأسرة هي الرابطة بين الرجل والمرأة والأولاد وهي أساس بناء المجتمع.
ولتكوين هذه الأسرة لا بد من زواج مبني على أساس ودعائم ايمانية لإنشاء جيل واع راشد مستخلف في الأرض.
" فالزواج فطرة إنسانية ومصلحة اجتماعية للمحافظة على النوع البشري وعلى الإنسان ولسلامة المجتمع من الإنحلال الخلقي والأمراض،وهو سكن روحاني ونفساني،ويبدأ هذا الزواج باختيار الزوجة الصالحة " (1)
أسس اختيار الزوجة من أجل طفل أفضل :
" هذه هي أهم خطوة في طريق بناء الأسرة،فزوجة الرجل هي رفيقة عمره وأمينة سرِّه،وأم ولده وألصق شيء بنفسه وحسِّه،ولهذا كان على الزوج حين يريد ويعزم على اختيار شريكة حياته أن يتحرَّى عن الأسس التي تساعد على استقرار الحياة الزوجية ووقايتها من الاضطراب والانحلال،وتمكنه من حسن اختيار شريكة حياته لأن سعادة الإنسان وتعاسته يكون رهن هذا الاختيار،الذي ينبغي أن يخضع لمنطق العقل لا لحكم الهوى،وأن يصدر عن حكمه وروية،وذلك لأن من أكثر وأهم مشكلات الزواج يكون نتيجة التسرع في اختيار شريك أو شريكة حياة دون معرفة وبحث دقيق،فلهذا يجب بذل المزيد من الجهد في سبيل حسن اختيار الأم لما لها من أثر عميق ودور كبير في حياة الأسرة
__________
(1) - د. ابراهيم الخطيب،زهدي محمد عيد ،تربية الطفل في الإسلام،ص 14-15 باختصار،عمان،دار الثقافة،الدار العلمية الدولية،ط1،1423 هـ - 2002 م(1/7)
وتماسك بنيانها،فالأم الصالحة تنشئ أطفالاً متكاملين في تكوينهم العقلي والخلقي والنفسي والجسمي " (1)
على المسلم أن يختار لأبنائه الأم المسلمة التي تعرف حق ربها،وحق زوجها،وحق ولدها،والأم التي تعرف رسالتها في الحياة،الأم التي تعرف موقعها في هذه المحن،الأم التي تغار على دينها،وعلى سنة نبيها - صلى الله عليه وسلم - .
وذلك لأن الأم هي المصنع الذي سيصنع فيه أبناؤك وهي المدرسة التي سيتخرجون منها فإن كانت صالحة أرضعتهم الصلاح والتقوى،وإن كانت غير ذلك فكذلك.
وصدق الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذة الأستاذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
" والزواج عقد شراكة،الأصل بقاؤه مستمراً حتى نهاية الحياة لذلك كان من حق الطرفين اختيار شريكه،ولذا كان من حق الفتاة أن تختار الكفؤ المناسب لها ولا يجوز لأوليائها أن يكرهوها على من لا ترغب في مشاركته حياة زوجية،أسها الأول أن يرضى الطرفان بإنشائها " (2)
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ،وَلاَ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ »،فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ « إِذَا سَكَتَتْ » (3) .
1 - الدين والخلق الحسن :
وقد وضح الرسول - - صلى الله عليه وسلم - - أهمية الدين في انتقاء الزوجة فهي الدعامة الأرسخ والأقوى،فعَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ
__________
(1) - سهام مهدي جبار،الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية،ص 105-106
(2) - حلبي.عبد المجيد طعمه،التربية الإسلامية للأولاد،منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص 21.وانظر إلى كشك، عبد الحميد، بناء الأسرة المسلمة، ص33،دار المختار الإسلامي.
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6968 )(1/8)
وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ،إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،وَإِنْ كَانَ فِيهِ،قَالَ:إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ،ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا،فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ » (2)
والمقصود بالدين الفهم الحقيقي للإسلام،والتطبيق العملي السلوكي له،وآدابه الرفيعة،ونقصد كذلك الإلتزام الكامل بمنهاج الشريعة ومبادئها الخالدة على مدى الزمان والأيام . (3)
ومما لاشك فيه أن المرأة المطيعة لزوجها،المحبة له،هي المرشحة أولاً وقبل غيرها للنجاح في تربية الجيل تربية صالحة فيها نفع للدين والأمة والوطن،وهي المؤهلة لأداء الطاعة للزوج لأن ربها أمرها بذلك .
وكذلك الزوج الصالح التقي،الوقّاف عند حدود الله هو المؤهل دون غيره،لرعاية الزوجة المؤتمن عليها،وهو القادر على إعطائها حقها غير منقوص مما يجعل مستقبل الأسرة زاهراً مضموناً.
وأما الجمال والنسب والحسب فهي خصال محموده شريطة أن تتوافق مع الخصلة الأساس الدين والأخلاق ؛لأن الدين والأخلاق هو الخصلة التي تحيط تلك الخصال بسياج منيعه ودرع،وتمنع هذه الخصال من الإيقاع بالمرأة بمهاوي المهالك،وبراثن المعاصي (4)
2 - المال :
إن المتتبع لأحكام الإسلام العامة يرى أنها جامعة لخاصتيّ العاطفية والمثالية،فلم يجعل من العاطفة الشرط الوحيد لنجاح الحياة الزوجية مهما كانت جياشة قوية،إذ خشي الإسلام
__________
(1) -سنن الترمذى- المكنز - (1108) حسن
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5090 ) وصحيح مسلم- المكنز -(3708 )
(3) - عبد الله ناصح علون،تربية الأولاد في الإسلام،جـ 1/38
(4) - حلبي،عبد المجيد طعمه،التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص 22(1/9)
ألا تصمد العواطف العارمة أمام قسوة الحياة المادية،وشظف العيش الشديد،لذا عالج الإسلام الواقع البشري معالجة ميدانية واقعية أولاً،ثم ارتفع بها نحو المثالية شيئاً فشيئاً. (1)
عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ،وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ،فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ،فَسَخِطَتْهُ،فَقَالَ:وَاللَّهِ مَا لَكَ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ،فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ،فَقَالَ:لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ،وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ،ثُمَّ قَالَ:تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي،فَاعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ،فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى،فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي،قَالَتْ:فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ،وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالُ لَهُ،انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ،قَالَتْ:فَكَرِهْتُهُ،ثُمَّ قَالَ:انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ،فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا،وَاغْتَبَطْتُ بِهِ (2) .
قال النووي: " وأما إشارته - - صلى الله عليه وسلم - بنكاح أسامه،فَلِما علمه من دينه وفضله وحسن طرائقه وكرم شمائله فنصحها بذلك " (3)
فإن كان الرجل تقي ذو خلق وميسور الحال فهذا جيد،أما إذا كان كثير المال،قليل التقوى ففي هذه الحالة يقدم التقيُّ على كل من سواه،فميزان التقوى هو الإساس للزوج والزوجة.
3 -الحسب والمكانة الاجتماعية:
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات
" الزواج كفعل اجتماعي يقوّي من إدراك أهمية التنوع المؤدي إلى التعاون والتعارف القائمين على أساس الوعي والفهم المتبادل بين الشعوب،...،وإنَّ الشرائح الاجتماعية المتقاربة المستوى والعادات والأعراف قادرة على فهم بعضها أكثر من المستويات الأخرى
__________
(1) - حلبي،عبد المجيد طعمه،التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص 23
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (3770 ) وصحيح ابن حبان - (9 / 356) (4049)
(3) - النووي، يحيى بن شرف صحيح مسلم بشرح النووي،جـ 10/85.(1/10)
المتباينة،وبالتالي فإنَّ فرص نجاح الحياة الزوجية بين الشرائح المتقاربة أكبر من فرص النجاح بين الشرائح المتباينة،ومع كل ذلك فهذا لا يعني أنَّ الزوجين المنتميين إلى شريحتين اجتماعيتين مختلفتين فاشلان مخفقان في حياتهما الزوجية حتماً،فقد تنجح الحياة الزوجية بينهما لأن حكمنا الغالب الأعم وليس على المطلق " (1)
" حث النبي - - صلى الله عليه وسلم - - كل راغب في الزواج أن يكون الإنتقاء على أساس الأصالة والشرف والصلاح والطيب" (2)
4- الجمال :
" حب الجمال فطرة في الإنسان،...،لذا حث الإسلام الخاطب على رؤية مخطوبته لعله يجد ميلاً تجاهها،أو يتعرف على عيوب جسدية أو معنوية وذلك حرصاً على استقرار الحياة المستقبلية لكليهما " (3)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ،فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا يَعْنِي صَغَرًا. (4)
ولكن الرجل " في درامة الإعجاب بالفتاة الجميلة وتحت وطأة الحب الذي يعمي ويصم،لا يرى الخاطب آثار الدماء في معارك الطلاق " (5)
إن على رأس الأسس في اختيار الزوج والزجة التقوى والدين والأسس الأخرى مساعدة إن توفرت زادت فرصة النجاح وقلَّ الفشل." فتربية الأولاد في الإسلام يجب أن تبدأ أول ما تبدأ بزواج مثالي يقوم على مبادئ ثابتة لها في التربية أثر في إعداد الجيل تكويناً وبناءً.
إن من أوجد في بيته حجر الأساس الذي يبني عليه ركائز التربية القوية ودعائم الإصلاح الاجتماعي ومعالم المجتمع الفاضل،ألا وهو المرأة الصالحة،فقد وصل إلى المطلوب" (6)
__________
(1) - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص 24
(2) - عبد الله ناصح،تربية الأولاد في الإسلام،ص42
(3) - المصدر السابق،ص24
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (3550 ) وصحيح ابن حبان - (9 / 349) (4041)
(5) - عمارة محمود محمد،تربية الأولاد في الإسلام من الكتاب والسنة،ص37
(6) - علوان،عبد الله ناصح،تربية الأولاد في الإسلام،ص48(1/11)
5- الولود الودود :
ورغب الإسلام في المرأة الولود الودود عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ،وَلَكِنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ،ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ،فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ:فَنَهَاهُ،ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ،فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ:فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - :تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ." (1) .
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَانَا عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ: " تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ،فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكَمُ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " (2)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ ». وفي رواية« ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ ». فِى الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ. (3)
ومن هنا يرى علماء التربية أن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب؛وذلك لكثرة ملازمتها للطفل منذ تكوينه جنينا في بطنها حتى يكبر. وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول (4) :
لا تحسبنَّ العلم ينفعُ وحدهُ مالم يتوَّج ربُّهُ بخلاقِ
منْ لي بتربية النساءِ فإنَّها في الشرق علَّةُ ذلك الإخفاق
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراقِ
الأم روضٌ تعهّدهُ الحيا بالريّ،أورقَ أيَّما إيراق
الأمُّ أستاذُ الأساتذةِ الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
- - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (9 / 363)(4056) وسنن أبي داود - المكنز - (2052) صحيح
(2) - شعب الإيمان - (7 / 340)(5099 ) صحيح
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (2162 ) حسن
(4) - جواهر الأدب - (1 / 417)(1/12)
الحقُّ الثاني
اتباع السنَّة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح
وذلك بذكر الأدعية التي تحصن المولود وهو نطفة من الشيطان الرجيم عملاً بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِى أَهْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ،اللَّهُمَّ جَنِّبْنِى الشَّيْطَانَ،وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا،ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِى ذَلِكَ،أَوْ قُضِىَ وَلَدٌ،لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا » (1) ..
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ،قَالَ:بِسْمِ اللهِ،اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ،وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا،ثُمَّ رُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ. (2)
وهذا جانب من جوانب التربية الروحية المبكرة للطفل قبل ولادته.
وعلى المسلم أن يدعو الله أن يرزقه الولد الصالح الذي ينفعه في حياته وبعد مماته والله عز وجل يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]،وقال سبحانه وتعالى في وصف عباد الرحمن {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان-: 74].
ومن صِفَاتِ المُؤمنينَ أَيضاً أنهمْ يَسْألُونَ اللهَ تَعالى أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أصْلاَبِهمْ وذُرِّياتهمْ مَنْ يُطيعُ الله ويعبُدُهُ وحْدَه لا شريكَ له،لِتَقَرَّ بِهِ أعيُنُهُمْ في الدنيا والآخرةِ،وأنْ يجعلَ لهمْ مِنْ أزواجِهِمْ منْ يطيعُ الله تعالى،ويَهْتَدي بِهُدَاه،ويسألونَ ربَّهُمْ أن يجْعَلَهم أَئِمَّةً يُقْتَدى بِهم في الخَيرِ . (3)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5165 )
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 264)(983) صحيح
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2811)(1/13)
الحق الثالث
حقوق الجنين
الجنين في اللغة:من الفعل الثلاثي جَنَنَ:أي استتر،وجنَّ الليل أظلم،والجنين الولد ما دام في الرحم والجمع أجنه وأجنن (1) ،وكل شيء سُتر عنك فقد جنَّ عنك (2)
والجنين عند الأطباء:ثمرة الحمل في الرحم حتى نهاية الأسبوع الثامن،وبعده يدعى بالحمل.
والجنين في علم الحياء:النبات الأول في الحبة،والحيّ من مبدأ انقسام اللاقحه حتى يبرز الى الخارج . (3)
قال تعالى:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (32) سورة النجم.
" إن الشريعة تعتبر الجنين كائناً مستقلاً يتمتع بالحقوق الإنسانية التي يتمتع بها الآخرون دون أن يؤثر في ذلك أنه مستظل بحياة أمه داخل في كينونتها وغير منفصل عنها " (4)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِى أَهْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ،اللَّهُمَّ جَنِّبْنِى الشَّيْطَانَ،وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا،ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِى ذَلِكَ،أَوْ قُضِىَ وَلَدٌ،لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا » (5) .
جَوَازُ الْفِطْرِ لِلْحَامِل وَالْمُرْضِعِ فِي رَمَضَانَ:
__________
(1) - ابراهيم مصطفى وآخرون، الوسيط، ص 161
(2) - ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم،لسان العرب،جـ3/92.
(3) - المصدر السابق( المعجم الوسط)، ص162
(4) - العك،خالد عبد الرحمن،تربية الأبناء والبنات في ضوء القرآن والسنة،ص 30،بيروت،دار المعرفة،ط4، 1422هـ -2001م.
سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 143. انظر إلى عمارة ،محمود محمد،تربية الأولاد في الإسلام، ص71.محمد خير، فاطمه، منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ،ص 147
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (5165 )(1/14)
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَامِل وَالْمُرْضِعَ لَهُمَا أَنْ تُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ بِشَرْطِ أَنْ تَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدِهِمَا الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ أَوِ الضَّرَرَ أَوِ الْهَلاَكَ وَالْمَشَقَّةَ (1) .
الاعتناء بصحة الحامل :
الإسلام يدعو المرأة الحامل أن تأكل الطعام الطيب المفيد للجنين،حيث تحتوي الوجبات الغذائية على نسبة كبيرة من الكالسيوم لبناء العظام والأسنان،والحديد المهم للدم والفيتامينات وغير ذلك من الطعام المفيد المغذي للأم والجنين،وأيضاً من الأشياء المهمة للمرأة عدم الانفعال حيث أنه حين الانفعال يفرز هرمون الأدرينالين من الغدة الكظرية إلى دم الأم ثم يصل الدم إلى الجنين،وبالتالي يؤدي ذلك إلى تأثر الجنين فيخرج في المستقبل أكثر انفعالاً بسبب ذلك.
وبالتالي فإن حالة الأم النفسية والصحية تؤثر على الجنين،فمثلاً عند تقرب الأم لله -سبحانه وتعالى - بالطاعات كالصلاة وقراءة القرآن،فإن الجنين يشعر بالطمانينة كأمه.
مَنْعُ الإِْجْهَاضِ:
يُطْلَقُ الإِْجْهَاضُ فِي اللُّغَةِ عَلَى صُورَتَيْنِ:إِلْقَاءِ الْحَمْل نَاقِصَ الْخَلْقِ،أَوْ نَاقِصَ الْمُدَّةِ،سَوَاءٌ مِنَ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرِهَا،وَالإِْطْلاَقُ اللُّغَوِيُّ يَصْدُقُ سَوَاءٌ كَانَ الإِْلْقَاءُ بِفِعْل فَاعِلٍ أَمْ تِلْقَائِيًّا . (2)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ إِجْهَاضٍ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنِ الإِْجْهَاضِ بِمُرَادِفَاتِهِ كَالإِْسْقَاطِ وَالإِْلْقَاءِ وَالطَّرْحِ وَالإِْمْلاَصِ (3) .
مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ،وَبَيْنَ حُكْمِهِ قَبْل ذَلِكَ وَبَعْدَ التَّكَوُّنِ فِي الرَّحِمِ وَالاِسْتِقْرَارِ،وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ مَوْضِعَ اتِّفَاقٍ
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (37 / 330)
(2) - المصباح والقاموس واللسان ( جهض ).وفي المعجم الوسيط : أن مجمع اللغة العربية أقر إطلاق كلمة إجهاض على خروج الجنين قبل الشهر الرابع،وكلمة إسقاط على إلقائه ما بين الشهر الرابع والسابع.وهذا اصطلاح متأخر بعد القرن الثالث عشر الهجري .
(3) - البحر الرائق 8 / 389،وحاشية البجيرمي 2 / 250(1/15)
كَانَ الأَْنْسَبُ الْبَدْءَ بِهِ ثُمَّ التَّعْقِيبُ بِحُكْمِهِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ،مَعَ بَيَانِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ وَاتِّجَاهَاتِهِمْ فِيهِ. (1)
أ - حُكْمُ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ :
نَفْخُ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا،كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ:إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا،ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ،ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ،ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ،فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ،وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ:رِزْقِهِ،وَأَجَلِهِ،وَعَمَلِهِ،وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ،فَوَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ،إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ،حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ،فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ،فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ،فَيَدْخُلُهَا،وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ،حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ،وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ،فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ،فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ،فَيَدْخُلُهَا. (2)
وَلاَ يُعْلَمُ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ.فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَتْ فِي الْجَنِينِ الرُّوحُ حُرِّمَ الإِْجْهَاضُ إِجْمَاعًا.وَقَالُوا إِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ،بِلاَ خِلاَفٍ. (3)
وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ إِطْلاَقِ الْفُقَهَاءِ تَحْرِيمَ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ أَنَّهُ يَشْمَل مَا لَوْ كَانَ فِي بَقَائِهِ خَطَرٌ عَلَى حَيَاةِ الأُْمِّ وَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.وَصَرَّحَ ابْنُ عَابِدِينَ بِذَلِكَ فَقَال:لَوْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا،وَيُخْشَى عَلَى حَيَاةِ الأُْمِّ مِنْ بَقَائِهِ،فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ ؛لأَِنَّ مَوْتَ الأُْمِّ بِهِ مَوْهُومٌ،فَلاَ يَجُوزُ قَتْل آدَمِيٍّ لأَِمْرٍ مَوْهُومٍ (4) .
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (2 / 56)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 25)(3624) وصحيح البخارى- المكنز - (3208 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6893 )
(3) - الشرح الكبير المطبوع مع حاشية الدسوقي 2 / 267 ط عيسى الحلبي،وحاشية الرهوني على شرح الزرقاني 3 / 264 ط سنة 1306.وانظر البحر الرائق 8 / 233 ط العلمية الأولى،وحاشية ابن عابدين 1 / 602،5 / 378 ط 1272،وفتح القدير 2 / 495 ط بولاق،ونهاية المحتاج 8 / 416 ط مصطفى الحلبي،وحاشية الجمل 5 / 490 ط الميمنية،وحاشية البجيرمي 3 / 303 ط مصطفى الحلبي،والزرقاني على التحفة 6 / 248،والإنصاف 1 / 186،والفروع 1 / 191،والمغني 7 / 815 ط الرياض،والمحلى 11 / 29 - 31 ط المنيرية سنة 1352
(4) - الدر وحاشية ابن عابدين 1 / 602،وانظر البحر الرائق 8 / 233،والمجموع 5 / 301 ط المنيرية.
واللجنة ترى أنه إذا كان الفقهاء منعوا هتك حرمة جسد الأم وهي ميتة وضحوا بالجنين الحي.فإن الحفاظ على حياة الأم إذا كان في بقاء الجنين في بطنها خطر عليها أولى بالاعتبار لأنها الأصل وحياتها ثابتة بيقين،علما بأن بقاء الجنين سيترتب عليه موت الأم وموت الجنين . قلت : وهذا هو الأنسب اليوم .(1/16)
ب - حُكْمُ الإِْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ :
فِي حُكْمِ الإِْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ اتِّجَاهَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ،حَتَّى فِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ،فَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالإِْبَاحَةِ مُطْلَقًا،وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ،فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُبَاحُ الإِْسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْل،مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ.وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلُّقِ فِي عِبَارَتِهِمْ تِلْكَ نَفْخُ الرُّوحِ (1) .
وَهُوَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا قَبْل الأَْرْبَعِينَ يَوْمًا (2) ،وَقَال بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْل الأَْرْبَعِينَ أَيْضًا،وَقَال الرَّمْلِيُّ:لَوْ كَانَتِ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّل الْجَوَازُ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ (3) .
وَالإِْبَاحَةُ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَوَّل مَرَاحِل الْحَمْل،إِذْ أَجَازُوا لِلْمَرْأَةِ شُرْبَ الدَّوَاءِ الْمُبَاحِ لإِِلْقَاءِ نُطْفَةٍ لاَ عَلَقَةٍ،وَعَنِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ مَا لَمْ تَحِلَّهُ الرُّوحُ لاَ يُبْعَثُ،فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لاَ يَحْرُمُ إِسْقَاطُهُ،وَقَال صَاحِبُ الْفُرُوعِ:وَلِكَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ وَجْهٌ (4) .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالإِْبَاحَةِ لِعُذْرٍ فَقَطْ،وَهُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.فَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ كَرَاهَةِ الْخَانِيَّةِ عَدَمَ الْحِل لِغَيْرِ عُذْرٍ،إِذِ الْمُحْرِمُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ ضَمِنَ لأَِنَّهُ أَصْل الصَّيْدِ.فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ فَلاَ أَقَل مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا - مَنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا - إِثْمٌ هُنَا إِذَا أَسْقَطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ،وَنُقِل عَنِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ مِنَ الأَْعْذَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بَعْدَ ظُهُورِ
__________
(1) - فتح القدير 2 / 495،وحاشية ابن عابدين 2 / 380
(2) - حاشية الرهوني على شرح الزرقاني 3 / 264 ط الأولى .
(3) - تحفة الحبيب 3 / 303،وحاشية الشررواني 6 / 248،ونهاية المحتاج 8 / 416
(4) - الفروع 6 / 191،والإنصاف 1 / 386،وغاية المنتهى 1 / 81،والروض المربع 2 / 316 ط السادسة،وكشاف القناع 6 / 54(1/17)
الْحَمْل وَلَيْسَ لأَِبِي الصَّبِيِّ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ ( الْمُرْضِعَ ) وَيَخَافُ هَلاَكَهُ،وَقَال ابْنُ وَهْبَانَ:إِنَّ إِبَاحَةَ الإِْسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ (1) .
وَمَنْ قَال مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالإِْبَاحَةِ دُونَ تَقْيِيدٍ بِالْعُذْرِ فَإِنَّهُ يُبِيحُهُ هُنَا بِالأَْوْلَى،وَقَدْ نَقَل الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ:أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ لِشُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الإِْجْهَاضُ فَيَنْبَغِي أَنَّهَا لاَ تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ (2) .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا.وَهُوَ مَا قَال بِهِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ.فَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْهُ:أَنَّهُ يُكْرَهُ الإِْلْقَاءُ قَبْل مُضِيِّ زَمَنٍ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ؛لأَِنَّ الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ،فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ،كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ (3) .
وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا قَبْل الأَْرْبَعِينَ يَوْمًا (4) ،وَقَوْلٌ مُحْتَمَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.يَقُول الرَّمْلِيُّ:لاَ يُقَال فِي الإِْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ إِنَّهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى،بَل مُحْتَمَلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ،وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لأَِنَّهُ جَرِيمَةٌ (5) .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالتَّحْرِيمِ،وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.يَقُول الدَّرْدِيرُ:لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْل الأَْرْبَعِينَ يَوْمًا،وَعَلَّقَ الدُّسُوقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.وَقِيل يُكْرَهُ.مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي عِبَارَةِ الدَّرْدِيرِ التَّحْرِيمُ (6) .
كَمَا نَقَل ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ مَالِكًا قَال:كُل مَا طَرَحَتْهُ الْمَرْأَةُ جِنَايَةٌ،مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ،مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ،فَفِيهِ الْغُرَّةُ (7) ،وَقَال:وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْغُرَّةِ (8) .
__________
(1) - حاشية ابن عابدين 2 / 380 ط 1272
(2) - الإقناع بحاشية البجيرمي 4 / 129 فما بعدها
(3) - حاشية ابن عابدين 2 / 380
(4) - حاشية الدسوقي 2 / 266 - 267 ط عيسى الحلبي
(5) - نهاية المحتاج 8 / 416
(6) - الشرح الكبير بحاشية الدسوقي 2 / 266 - 267
(7) - والغرة كما في كتب اللغة عبد أو أمة
(8) - بداية المجتهد 2 / 453 ط 1386 هـ(1/18)
وَالْقَوْل بِالتَّحْرِيمِ هُوَ الأَْوْجَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ؛لأَِنَّ النُّطْفَةَ بَعْدَ الاِسْتِقْرَارِ آيِلَةٌ إِلَى التَّخَلُّقِ مُهَيَّأَةٌ لِنَفْخِ الرُّوحِ (1) .
وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ،وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ،وَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلاَمُ ابْنِ قُدَامَةَ وَغَيْرِهِ بَعْدَ مَرْحَلَةِ النُّطْفَةِ،إِذْ رَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا،وَعَلَى الْحَامِل إِذَا شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَلْقَتْ جَنِينًا (2) .
بَوَاعِثُ الإِْجْهَاضِ وَوَسَائِلُهُ :
بَوَاعِثُ الإِْجْهَاضِ كَثِيرَةٌ،مِنْهَا قَصْدُ التَّخَلُّصِ مِنَ الْحَمْل سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْل نَتِيجَةَ نِكَاحٍ أَمْ سِفَاحٍ،أَوْ قَصْدُ سَلاَمَةِ الأُْمِّ لِدَفْعِ خَطَرٍ عَنْهَا مِنْ بَقَاءِ الْحَمْل أَوْ خَوْفًا عَلَى رَضِيعِهَا،عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ .
كَمَا أَنَّ وَسَائِل الإِْجْهَاضِ كَثِيرَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا،وَهِيَ إِمَّا إِيجَابِيَّةٌ وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ.فَمِنَ الإِْيجَابِيَّةِ:التَّخْوِيفُ أَوِ الإِْفْزَاعُ كَأَنْ يَطْلُبَ السُّلْطَانُ مَنْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ بِسُوءٍ فَتُجْهَضُ فَزَعًا،وَمِنْهَا شَمُّ رَائِحَةٍ،أَوْ تَجْوِيعٌ،أَوْ غَضَبٌ،أَوْ حُزْنٌ شَدِيدٌ،نَتِيجَةَ خَبَرٍ مُؤْلِمٍ أَوْ إِسَاءَةٍ بَالِغَةٍ،وَلاَ أَثَرَ لاِخْتِلاَفِ كُل هَذَا .
وَمِنَ السَّلْبِيَّةِ امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنِ الطَّعَامِ،أَوْ عَنْ دَوَاءٍ مَوْصُوفٍ لَهَا لِبَقَاءِ الْحَمْل.وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا شَمَّتْ رَائِحَةَ طَعَامٍ مِنَ الْجِيرَانِ مَثَلاً،وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَأْكُل مِنْهُ أُجْهِضَتْ فَعَلَيْهَا الطَّلَبُ.فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ،وَلَمْ يَعْلَمُوا بِحَمْلِهَا،حَتَّى أَلْقَتْهُ،فَعَلَيْهَا الْغُرَّةُ لِتَقْصِيرِهَا وَلِتَسَبُّبِهَا (3) .
عُقُوبَةُ الإِْجْهَاضِ :
__________
(1) - تحفة الحبيب 3 / 303،وحاشية الشرواني 6 / 248،ونهاية المحتاج 8 / 416
(2) - الإنصاف 1 / 386،والمغني 7 / 816 ط الرياض.و الموسوعة الفقهية الكويتية - (2 / 59)
(3) - حاشية ابن عابدين 5 / 377،وحاشية الدسوقي 4 / 268،وشرح الخرشي 5 / 274،ومواهب الجليل 6 / 257،والإقناع 4 / 129،130(1/19)
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ هُوَ غُرَّةٌ.لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى،فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا،فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِغُرَّةٍ:عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ (1) ..
وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْغُرَّةِ فِي ذَلِكَ هُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ،وَأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُرَّةِ كُل جِنَايَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْفِصَال الْجَنِينِ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا،سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ أَمْ قَوْلٍ أَمْ تَرْكٍ،وَلَوْ مِنَ الْحَامِل نَفْسِهَا أَوْ زَوْجِهَا،عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً. (2)
وعلى ضوء ذلك،لا يجوز تناول الأدوية التي تشكل خطراً على الجنين أو التعرض المباشر للأشعة في فترة معينة من الحمل،مما يؤدي إلى إسقاطه أو تشوهه. (3)
تأجيل إقامة الحد على المرأه الحامل حتى تضع حملها:
وذلك حرمة للجنين وإبقاء على حياته،فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:جَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ،فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ،وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي،وَإِنَّهُ رَدَّهَا،فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ،قَالَتْ:يَا نَبِيَّ اللهِ،لِمَ تَرُدَّنِي ؟ فَلَعَلَّك أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ،فَوَاللَّهِ إِنِّي لِحُبْلَى،قَالَ:إِمَّا لاَ،فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي،فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ،قَالَتْ:هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ،قَالَ:اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ،حَتَّى تَفْطِمِيهِ،فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ،وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ،فَقَالَتْ:هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ،وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ،فَدُفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا،وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوا،فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا،فَانْتَضَخَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ،فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبَّهُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6904) وصحيح البخارى- المكنز - (6904 ) و صحيح ابن حبان - (13 / 373) (6017)
(2) - حاشية ابن عابدين 5 / 377،وبداية المجتهد 2 / 407،وأسنى المطالب وحاشية الرملي 4 / 89 فما بعدها،والمغني،والشرح الكبير 9 / 557،ومنتهى الإرادات 2 / 431،432 ط مكتبة دار العروبة. وانظر التفاصيل في الموسوعة الفقهية الكويتية - (21 / 62)
(3) - العك،خالد عبد الرحمن،تربية الأبناء والبنات في ضوء القرآن والسنة،ص 32(1/20)
إِيَّاهَا،فَقَالَ:مَهْلاً يَا خَالِدُ بْنَ الْوَلِيدِ،فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ،ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصُلَّيَ عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. (1)
قال النووي رحمه الله :
" وفِيهِ : أَنَّهُ لَا تُرْجَم الْحُبْلَى حَتَّى تَضَع،سَوَاء كَانَ حَمْلهَا مِنْ زِنًا أَوْ غَيْره،وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ لِئَلَّا يُقْتَل جَنِينهَا،وَكَذَا لَوْ كَانَ حَدّهَا الْجَلْد وَهِيَ حَامِل لَمْ تُجْلَد بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَع .
وَفِيهِ : أَنَّ الْمَرْأَة تُرْجَم إِذَا زَنَتْ وَهِيَ مُحْصَنَة كَمَا يُرْجَم الرَّجُل،وَهَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُحْصَنَة ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَالْإِجْمَاع مُتَطَابِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرْجَم غَيْر الْمُحْصَن .
وَفِيهِ : أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهَا قِصَاص وَهِيَ حَامِل لَا يُقْتَصّ مِنْهَا حَتَّى تَضَع،وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ،ثُمَّ لَا تُرْجَم الْحَامِل الزَّانِيَة وَلَا يُقْتَصّ مِنْهَا بَعْد وَضْعهَا حَتَّى تَسْقِي وَلَدهَا اللَّبَن وَيَسْتَغْنِي عَنْهَا بِلَبَنِ غَيْرهَا " (2) .
وهذا الاهتمام كله بالجنين قبل أن يولد،مفخرة من مفاخر هذا الدين. (3)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 542)(29405) وصحيح مسلم- المكنز - (4528)
(2) - شرح النووي على مسلم - (6 / 117)
(3) - العك،خالد عبد الرحمن،تربية الأبناء والبنات في ضوء القرآن والسنة،ص 34(1/21)
الباب الثاني
حقوق المولود منذ الولادة حتى البلوغ
الحق الأول
استحباب البشارة بالمولود
" يستحب للمسلم أن يبادر إلى مسرَّة أخيه المسلم إذا ولد له ولد مولود،وذلك ببشارته وإدخال السرور عليه،وفي ذلك تقوية للأواصر،وتمتين للروابط،ونشر لأجنحة المحبة والإلفة بين العوائل المسلمة "
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ». (1)
والقرآن الكريم ذكر البشارة بالولد في مواطن عدة قال تعالى:{فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} (39) سورة آل عمران.
وقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ الْحَسَنِ:يَهْنِيكَ الْفَارِسُ،فَقَالَ الْحَسَنُ وَمَا يَهْنِيكَ الْفَارِسُ ؟ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَقَّارًا أَوْ حَمَّارًا،وَلَكِنْ قُلْ:" شَكَرْتَ الْوَاهِبَ،وَبُورِكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ،وَبَلَغَ أَشَدَّهُ،وَرُزِقْتَ بِرَّهُ " (2)
وهذه البشارة والتهنئة تكون للذكر مثل الأنثى دون تفرقة وإشعار الأسرة أنه جاءها ضيف عزيز وأنَّ أمامها مسؤولية كبيرة في تربيته .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6751 )
(2) - مُسْنَدُ ابْنِ الْجَعْدِ(2866 ) ضعيف(1/22)
الحق الثاني
اتباع السنَّة في استقبال المولود
من رفع الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى وتحنيكه بالتمر والدعاء له وحلق رأسه والعقيقة عنه وتسميته بأحب الأسماء وختانه..
وذلك للأدلة التالية:
يُستحب حين الولادة أن يقوم الوالد بالأذان بالأذان في أذن المولود اليُمنى ويُقيم في اليسرى وذلك ليكون أول شيء يصل المولود من أمور الحياة بعد الهواء هو التوحيدُ المنافي للشرك،فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - :" أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ " (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - :" أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَوْمَ وُلِدَ،فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى،وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى " (2)
-لكي يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات التوحيد وشعار الإسلام.
-وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به،وإن لم يشعر.
- هروب الشيطان من كلمات الأذان،لأن الشيطان يترصده عند ولادته.
- فيه معنى من معاني انتصار الإنسان على الشيطان.
- فيه إشارة إلى أن وظيفة المسلم في الحياة هي الدعوة إلى الله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} {آل عمران: 110].
قال ابن قيم الجوزية من سر التأذين :
أ) أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنه لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام،فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى
__________
(1) - شعب الإيمان - (11 / 104)(8252 ) وشرح السنة للبغوي -(2717) حسن لغيره
(2) - شعب الإيمان - (11 / 107)(8255 ) فيه ضعف(1/23)
الدنيا،كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها،وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر مع ما في ذلك من فائدة أخرى.
ب) وهي هروب الشيطان من كلمات الآذان،وهو كان يرصده حتى يولد،فيقارنه للمحبة التي قدرها الله وشاءها فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ،فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ،حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ،أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ:اذْكُرْ كَذَا،اذْكُرْ كَذَا،لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ،حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى. (1)
جـ) أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام،وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان،كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها ولغير ذلك من الحكم " (2)
- التحنيك سنة مؤكدةٌ من سُنن الهدى التي سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته والدعاء له،جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ،فَأَتَيْتُ بِهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ " (3) .
وعَنْ أَسْمَاءَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،قَالَتْ فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ،فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ،فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ،فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ،ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعْتُهُ فِى حِجْرِهِ،ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ،فَمَضَغَهَا،ثُمَّ تَفَلَ فِى فِيهِ،فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ،وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِى الإِسْلاَمِ . (4)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (608 ) وصحيح ابن حبان - (4 / 548)(1663)
(2) - ابن قيم الجوزية،شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي،تحفة المودود بأحكام المولود، ص ص 30،انظر إلى فاطمه،محمد خير،منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ،ص 165.علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام،جـ1/75
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5467) وصحيح مسلم- المكنز -(5739) وشعب الإيمان - (11 / 107)(8256 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (3909 )(1/24)
التحنيك معناه (مضغ التمرة ودلك حنك المولود بها وذلك بوضع جزء من الممضوغ على الإصبع،وإدخال الإصبع في فم المولود،ثم تحريكه يميناً وشمالاً بحركة لطيفة،حتى يتبلغ الفم كله بالمادة الممضوغة،وإن لم يتيسر التمر فليكن التحنيك بأية مادة حلوة).
ولعل الحكمة في ذلك تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكين بالتلميظ،حتى يتهيأ المولود للقم الثدي،وامتصاص اللبن بشكل قوي،وحالة طبيعية،ومن الأفضل أن يقوم بعملية التحنيك من يتصف بالتقوى والصلاح. (1)
قال النووي:" اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى اِسْتِحْبَاب تَحْنِيك الْمَوْلُود عِنْد وِلَادَته بِتَمْرٍ،فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَا فِي مَعْنَاهُ وَقَرِيب مِنْهُ مِنَ الْحُلْو،فَيَمْضُغ الْمُحَنِّك التَّمْر حَتَّى تَصِير مَائِعَة بِحَيْثُ تُبْتَلَع،ثُمَّ يَفْتَح فَم الْمَوْلُود،وَيَضَعهَا فِيهِ لِيَدْخُل شَيْء مِنْهَا جَوْفه،وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون الْمُحَنِّك مِنَ الصَّالِحِينَ وَمِمَّنْ يُتَبَرَّك بِهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ اِمْرَأَة،فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْد الْمَوْلُود حُمِلَ إِلَيْهِ." (2)
وللتمر فوائد جمة للطفل وللأم اكتشفها الطب الحديث ففيه نسبة عالية من الكربوهيدرات التي تمد الجسم بالطاقة،وغير ذلك وقد خاطب الله- سبحانه وتعالى- مريم -عليها السلام -بإن تأكل التمر. قال تعالى:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ..(26) {[مريم:25-26]
وبذلك ندرك اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - - بالتمر وتخصيصه بالذات لتحنيك المولود.
وعن استحباب الحلق والتصدق بوزنه فضة ما رواه الإمام مالك في الموطأ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ:وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَعَرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً. (3) .
والحكمة في ذلك تتعلق بشيئين :
__________
(1) - انظر علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام،جـ1/77
(2) - شرح النووي على مسلم - (7 / 268)
(3) - موطأ مالك- المكنز - (1071 ) والسنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (9 / 299)(19746) صحيح مرسل(1/25)
الأول:حكمة صحية،لأن في إزالة شعر رأس المولود تقوية له،وفتحاً لمسام الرأس،وتقوية كذلك لحاسة البصر والشم والسمع.
الثاني:حكمة اجتماعية،لأن التصديق بوزن شعره وفضه،ينبوع آخر من ينابيع التكافل الاجتماعي،وفي ذلك قضاء على الفقر،وتحقيق لظاهرة التعاون والتراحم في ربوع المجتمع . (1)
وعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:عَقَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحَسَنِ بِشَاةٍ،فَقَالَ:يَا فَاطِمَةُ،اِحْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ،فَوَزَنُوهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا،أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ (2) .
والسبب في التصديق بالفضة أن الولد لما انتقل من الجنينية إلى الطفلية كان ذلك نعمة يجب شكرها،وأحسن ما يقع به الشكر ما يؤذن ( يشعر ) أنه عوَّضه،فلما كان شعر الجنين بقية النشأة الجنينية وإزالته إمارة الاستقلال بالنشأة الطفلية وجب أن يؤمر بوزن الشعر فضه،فأما تخصيص الفضة فلأن الذهب أغلى ولا يجده إلا غني وسائر المتاع ليس له بال بزنة شعر المولود " (3)
سنن المولود والحكم التربوية :
ومن سنن المولود العقيقة،وهي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه عند حلق شعره،عن الذَكر شاتان والأنثى شاة.
من آداب الإسلام،إظهار السرور بالوليد،عن طريق العقيقة التي تذبح تكريماً له،وشكراً لله -عز وجل- على نعمة الذرية (4)
عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ،قَالَ:دَخَلْنَا عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،فَسَأَلْنَاهَا عَنِ الْعَقِيقَةِ فَأَخْبَرَتْنَا أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ. (5)
__________
(1) - علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام ،جـ1/78
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (12 / 318)(24716) حسن لغيره
(3) - محمد خير،فاطمه ،منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ،ص 179 بواسطة الدهلوي،حجة الله البالغة ،جـ 2/108
(4) - عمارة ،محمود محمد،تربية الأولاد في الإسلام، ص 82
(5) - صحيح ابن حبان - (12 / 126)(5310) وسنن الترمذى- المكنز - (1595) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 9)(24028) 24529- صحيح(1/26)
وعَنْ أُمِّ بَنِي كُرْزٍ الْكَعْبِيِّينَ،قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي الْعَقِيقَةِ:عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ،وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ فَقُلْتُ لَهُ،يَعْنِي عَطَاءً:مَا الْمُكَافِئَتَانِ ؟ قَالَ:مِثْلاَنِ ذُكْرَانُهُمَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ إِنَاثِهِمَا. (1)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْعَقِيقَةِ ؟ فَقَالَ:لاَ أُحِبُّ الْعُقُوقَ،وَمَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ،عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ،وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ. (2)
وعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ أَرِيقُوا عَنْهُ دَمًا،وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى (3) .
فالرسول - - صلى الله عليه وسلم - - ينتقل بهذا العمل من مجرد إظهار السرور والتفاخر،ليأخذ أهميته ضمن العبادات التي يتقرب بها الى الله " (4)
" ذكر الحليمي أن الحكمة في كون الأنثى على النصف من الذكر ان المقصود استبقاء النفس فاشتبهت الدية " (5)
" إن فرحة الوالدين بالذكر تصل بهما إلى درجة التشبع،...،هذه الفرحة التي تنحسر موجتها قليلاً أو كثيراً في حال ولادة الأنثى.ومعنى ذلك:أن واقعية الإسلام تعترف بهذه الفرحة وتقدرها قدرها.وبدل أن ينفس الوالدين عنها بطرق غير مشروعة،يدعو الإسلام إلى استيعاب هذه الفرحة واحتوائها،وإفراغ شحنتها لهذه المظاهرة الأسرية أي بذبح شاتين لا شاه واحده " (6)
من فوائد العقيقة :
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (12 / 129)(5313) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 662)(6822) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 137)(17875) 18031-وصحيح البخارى- المكنز - (5472 ) معلقاً صحيح
(4) - المصدر السابق، ص82
(5) - ابن حجر العسقلاني،أحمد بن علي،فتح الباري شرح البخاري ،جـ 2/690
(6) - عمارة ،محمود محمد،تربية الأولاد في الإسلام، ص83-84(1/27)
-"طاعة الله سبحانه وتعالى التي تجلب بركتها على الوليد الجديد،وإحياء لسنة النبي - - صلى الله عليه وسلم - -.
-إشاعة المودة بين المدعوين إلى وليمة العقيقة.
-التمسك بالشخصية الإسلامية في زحام الصدام بين القيم المتحاربة.
- اتباع داعية البذل والعطاء وعصيان داعية الإمساك والبخل .
-ومن فوائدها أنها تفك رهان المولود فإنه مرتهن بعقيقته قال الإمام أحمد:" مرتهن عن الشفاعة لوالديه ." (1)
-ومن فوائدها أنها فدية يفدي بها المولود كما فدى الله -سبحانه وتعالى- اسماعيل - عليه السلام- الذبيح،بالكبش. (2)
" إن العقيقة عن المولود سنة مستحبة عند جمهور الأئمة والفقهاء،فعلى الأب إن ولد له مولود وكان مستطيعاً قادراً أن يحيي سنة رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - حتى يحظى بالفضيلة والأجر عند الله -سبحانه وتعالى- وحتى يزيد من معاني الألفة والمحبة والروابط الاجتماعية بين الأهل والأقرباء والجيران والأصدقاء جميعاً،وذلك حينما يحضرون وليمة العقيقة ابتهاجاً بالمولود وفرحاً بقدومه،وحتى يساهم كذلك في تحقيق التكافل الاجتماعي،وذلك حينما يشرك في الانتفاع بالعقيقة بعض ذوي الحاجة ومن الفقراء والمساكين " (3)
تسميته باسم حسن :
يتأثر الطفل نفسياً بنوع الكُنية أو الاسم الذي يُعطى له،ويشير الإمام ابن القيم رحمه الله إلى أن هناك علاقة وارتباطاً بين الاسم والمسمى،وأن للأسماء تأثيراً على المسميات،فقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحسين الأسماء،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "
__________
(1) - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً ،ص59-60
(2) - ابن قيم الجوزية،شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي،تحفة المودود بأحكام المولود، ص 59
(3) - علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام،جـ1/99.(1/28)
مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَلْيُحْسِنِ اسْمَهُ وَأَدَبَهُ،فَإِذَا بَلَغَ فَلْيُزَوِّجْهُ فَإِنْ بَلَغَ وَلَمْ يُزَوِّجْهُ فَأَصَابَ إِثْمًا،فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى أَبِيهِ " (1)
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ،تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى " (2) .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ،فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ " (3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ». (4)
ومن ذلك استحباب التكنية جاء في الصحيحين عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا،وَكَانَ لِى أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ - وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ « يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ».نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ،فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِى بَيْتِنَا،فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِى تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ،ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا (5) .
عدم تسمية الاسم القبيح الذي يمس كرامته ويكون مدعاة للاستهزاء والسخرية عليه.وعدم تسمية الطفل بالأسماء المختصة بالله سبحانه،فلا يجوز التسمية بالأحد ولا الصمد،وعدم تسمية الطفل بالأسماء المعبده لغير الله،كعبد العزى،وعبد الكعبة،وعبد النبي وما شابهها فإن التسمية بهذه محرمة باتفاق .
__________
(1) - شعب الإيمان - (11 / 137)(8299 ) حسن
(2) - المسند الجامع - (7 / 268)(5003) وشرح مشكل الآثار - (3 / 61)(1033 ) صحيح
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (4950) وشعب الإيمان - (11 / 116)(8265 ) وصحيح ابن حبان - (13 / 135)(5818) حسن
فيه عبد الله بن أبى زكريا الشامى قالوا لم يسمع من أبي الدرداء،وهو ثقة بلا نزاع،وقد روى عن أم الدرداء ورجاء بن حيوة --التهذيب 5/218 ولا يبعد أن يكون سمع هذا الحديث من أم الدرداء الصغرى فيزول الانقطاع ولهذا السبب أدخله أحمد فى مسنده وصححه ابن حبان.وهذا ما أرجحه .
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (5709 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (6203 ) وصحيح مسلم- المكنز -(5747 )
النغير : تصغير نغر وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار(1/29)
وتجنيب الأسماء التي فيها تميع وتشبه وغرام،حتى تتميز أمة الإسلام بشخصيتها
وتجنب الأسماء التي لها اشتاق من كلمات تشاؤم،حتى يسلم الولد من مصيبة هذه التسمية وشؤمها ." (1)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَ يُقَالَ لَهَا عَاصِيَةُ،فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمِيلَةَ (2) .
مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيث تَغْيِير الِاسْم الْقَبِيح أَوْ الْمَكْرُوه إِلَى حَسَن،وَقَدْ ثَبَتَ أَحَادِيث بِتَغْيِيرِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْمَاء جَمَاعَة كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَة،وَقَدْ بَيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - الْعِلَّة فِي النَّوْعَيْنِ،وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا،وَهِيَ التَّزْكِيَة،أَوْ خَوْف التَّطَيُّر . (3)
ومن ذلك سنَّة الختان (4) :
الختان موقع القطع من الذكر والأنثى،والختان: قطع القُلفَة ( أي الجلدة ) التي على رأس الذكر (5) .
وفي الإصطلاح الشرعي:هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة،أي موضع القطع من الذكر (6)
__________
(1) - علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام،ص 84-88 ،انظر إلى محمد خير،فاطمه ،منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ،ص 183-194.الخداش،جاد الله بن حسن، المهذب المستفاد لتربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة، ص12.حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص54-57. ابن قيم الجوزية،شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي،تحفة المودود بأحكام المولود، ص 93 -107.
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 238)(26414) صحيح
(3) - شرح النووي على مسلم - (7 / 261)
(4) - انظر إلى موضوع الختان في :
- علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام،جـ1/109-118
- ابن قيم الجوزية،شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي،تحفة المودود بأحكام المولود، ص124-167
- محمد خير،فاطمه ،منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ،ص 180-181
- سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 160-162
-الخداش ،جاد الله بن حسن، المهذب المستفاد لتربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة، ص 40-48
(5) - إبراهيم مصطفى وآخرون،المعجم الوسيط، ص 241
(6) - علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام،جـ1/109(1/30)
" إن الختان رأس الفطرة،وشعار الإسلام وعنوان الشريعة.وهو واجب على الذكور،وإنَّ من لم يبادر إليه في إسلامه،ولم يقم على تنفيذه قبيل بلوغه،فإنه يكون آثماً،مرتكباً المعصية،واقعاً في الوزر والحرام،لكون الختان شعاراً من شعائر الإسلام " (1)
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:الْفِطْرَةُ خَمْسٌ:الْخِتَانُ،وَالاسْتِحْدَادُ،وَقَصُّ الشَّارِبِ،وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ،وَنَتْفُ الإِبْطِ (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: " عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ:قَصُّ الشَّارِبِ،وَقَصُّ الْأَظْفَارِ،وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ،وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ،وَالسِّوَاكُ،وَالِاسْتِنْشَاقُ،وَنَتْفُ الْإِبْطِ،وَحَلْقُ الْعَانَةِ،وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ " قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَضْمَضَةُ (3)
انتقاص الماء:أراد انتقاص البول بالماء إذا غسل المذاكير به،وقيل:هو الانتضاح به.
البراجم:العقد التى فى ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ واحدتها برجمة .
ويفضل الختان أن يكون في الأسبوع الأول لما رواه البيهقي عَنْ جَابِرٍ قَالَ:عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَخَتَنَهُمَا لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ. (4) .
الحكمة من الختان :
أ - " الحكمة الدينية :
ب - أنها رأس الفطرة وشعار الإسلام وعنوان الشريعة.
ت - أنه من تمام الحنيفية التي شرعها الله على لسان إبراهيم -عليه السلام-
ث - يميز المسلم من غيره من اتباع الديانات والملل الأخرى.
ج - أنه إقرار بالعبودية لله،والامتثال لأوامره والخضوع لحكمه وسلطانه
ح - الحكمة الصحية :
__________
(1) - المصدر نفسه،ص114
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5891)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (627) وشعب الإيمان - (4 / 272)(2505 )
(4) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (8 / 324)(18018) حسن(1/31)
-أنه يجلب النظافة والترتيب وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة
- أنه تدبير صحي عظيم يقي صاحبه كثيراً من الأمراض والاختلاطات.
يقول د. صبري القباني في كتابه حياتنا الجنسية:وفي الختان بعض الفوائد نذكر منها:
-بقطع القلفة يتخلص المرء من المفرازات الدهنية،ويتخلص من السيلان الشحمي المقزز للنفس ويحال دون إمكان التفسخ والإنتان.
- يتخلص المرء من خطر أنحباس الحشفة أثناء التمدد.
- يقلل الختان إمكان الإصابة بالسرطان.
- تجنيب الطفل من الإصابة بسلس البول الليلي.
- يخفف الختان من كثرة استعمال العادة السرية لدى البالغين" (1)
" إن التبكير بالختان يحمي الطفل من الإصابة بتضيق فوهة مجرى البول Phimosis،وكذلك الآلآم والمضاعفات التي قد تنتج عنها كاحتباس البول." (2)
- ولهذه السنن والأعمال المتعلقة بالمولود حكم وفوائد تربوية فرفع الأذان والإقامة في أذن المولود إشعار له بالشهادة والتوحيد والإسلام الذي هو دين الفطرة ودين آبائه وأجداده.. وفيه طرد للشيطان الذي يتربص بالإنسان منذ ولادته لإفساده.
- وفي الدعاء للمولود طلب الصلاح والخير له ليبقى هذا الصلاح نافعاً له ولوالديه فعن أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ:صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ،أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ،أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. (3) .
__________
(1) - علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام،جـ 1/116-117
(2) - النشواتي، محمد نبيل، الطفل المثالي تربيته وتنشئته ونموه والعناية به في الصحة والمرض، ص 160، دمشق،دار القلم، 1423هـ - 2002م.
(3) - المسند الجامع - (18 / 596)(15099) وصحيح مسلم- المكنز - (4310 ) وصحيح ابن حبان - (7 / 286)(3016)(1/32)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:خَيْرُ مَا يَخْلُفُ الرَّجُلَ بَعْدَهُ ثَلاَثٌ:وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ،وَصَدَقَةٌ تَجْرِي يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا،وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ. (1)
- وفي تحنيك المولود بالتمر إشارة إلى أهمية التمر كغذاء رئيسي للتنشئة السليمة وفيه تقوية لعضلات فم المولود ليقوم بالرضاعة على أحسن وجه. (2)
- وفي حلق رأسه تقوية له وفتح لمسام رأسه وتقوية لحاسة البصر والشم والسمع.
- وفي التصدق بشعر رأسه فضة إشارة إلى ضرورة التكافل الاجتماعي والتراحم بين المسلمين والقضاء على أسباب الفقر والحاجة.
- وفي حكمة العقيقة فوائد منها التقرب إلى الله وشكره على نعمة الولد.
- إظهار الفرح والسرور بتكاثر نسل المسلمين.
- إظهار روح المحبة والتراحم بين المسلمين.
- دفع مصارع السوء والمصائب،فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ،وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ،وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ" (3) .
وفي تسمية المولود بأحب الأسماء إليه وتكنيته ما ينمي فيه شعور التكريم والاحترام وينمي فيه قوة الشخصية،لاستشعاره أنه بلغ مرتبة الكبار،وفيه أيضاً ملاطفته وإدخال السرور عليه بمناداته بأحب الأسماء إليه. وفي حكمة الختان يتخلَّص المرء من المفرزات الدهنية والتفسخات ويقلل من خطر الإصابة بالسرطان وسلس البول والتهيجات الجنسية وغير ذلك من الحكم.
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 295)(93) صحيح
(2) - انظر فوائد التمر :
http://55a.net/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=1958&select_page=7
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 300)(7939 ) صحيح لغيره(1/33)
الحقُّ الثالث
الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات
لقول الله تعالى عن حال أهل الجاهلية:{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) [النحل:57 - 59] }
فقد جَعَلُوا إِنَاثاً،وَجَعَلُوهَا،بَنَاتِ اللهِ،يَعْبُدُونَهَا مَعَهُ،فَنَسَبُوا إِلَيهِ تَعَالَى الوَلَدَ،وَهُوَ تَنَزَّهَ اسْمُهُ لاَ وَلَدَ لَهُ،ثُمَّ جَعَلُوا البَنَاتِ لَهُ،وَاخْتَارُوا لأَنْفِسِهِمْ الذُّكُورَ،لأَنَّهُمْ يَشْتَهُونَ أَنْ يَكُونَ أَبْنَاؤُهُمْ مِنَ الذُّكُورِ،وَقَدْ أَنِفُوا لأَنْفُسِهِمْ البَنَاتِ،وَنَسَبُوهَا إِلَى اللهِ
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدٌ من هؤُلاَءِ المَشْرِكِينَ،الذِينَ يَجْعَلُونَ المَلاَئِكَةَ بَنَاتِ اللهِ،بِوِلاَدَةِ أُنْثَى لَهُ اعْتَرَاهُ الحُزْنُ،وَعَلَتْهُ الكَآبَةُ،وَظَلَّ سَاكِناً يَكْظِمُ غَيْظَهُ،وَيُحَاوِلُ أَنْ يُخْفِيَهِ مِنْ شِدَّةِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الحُزْنِ .
يَتَوَارَى عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ خَجَلاً وَحَيَاءً،لِكَيْلاَ يَرَوْهُ مِنْ شِدَّةِ مَسَاءَتِهِ مِمَّا بُشِّرَ بِهِ،وَيَظَلُّ حَائِراً مُتَرَدِّداً فِي أَمْرِهَا،فَإِنْ أَبْقَاهَا أَبْقَاهَا مُهَانَةً ( عَلَى هُونٍ )،لاَ يُورثُها،وَلاَ يَعْتَنِي بِهَا،وَيُفَضِّلُ أَوْلاَدَهُ الذُّكُورَ عَلَيهَا،وَإِلاَّ وَأَدَهَا وَدَفَنَهَا فِي التُّرَابِ وَهِيَ حَيَّةٌ ( يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ )،كَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ.وَهَذا المَخْلُوقُ ( الأُنْثَى ) الذِي يَكْرَهُونَهُ كُلَّ هذِهِ الكَرَاهِيَّةِ،وَيَأْبَوْنَهُ لأَنْفِسِهِمْ،يَجْعَلُونَهُ للهِ؛بِئْسَ مَا قَالُوا،وَبِئْسَ مَا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ،وَبِئْسَ مَا قَسَمُوا ." (1)
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :لاَ تَكْرَهُوا الْبَنَاتِ،فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ." (2)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1958)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 905)(17373) 17508- حسن وقد ضعفه الألباني والشيخ شعيب لظنهما تفرد ابن لهيعة به،وفاتهما الطرق والمتابعات له .!!!!(1/34)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" لَا تُكْرِهُوا الْبَنَاتَ،فَإِنَّهُنَّ الْمُجَهِّزَاتُ الْمُؤْنِسَاتُ " (1)
ولتكريم الأنثى في الإسلام جعل الله سبحانه وتعالى اسمها مقدماً على اسم الذكر فقال تعالى: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) [الشورى:49،50] }.
" فاللهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَالِكُهَا،وَالمُتَصَرِّفُ فِيهَا،يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ،وَيَمْنَعُ عَمَّنْ يَشَاءُ،وَلاَ رادَّ لِحُكْمِهِ وَقَضَائِهِ،فَيَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ذُرِّيةً إِنَاثاً،وَيَهَبُ مَنْ يَشَاءُ ذُريَّةً ذُكُوراً .
أَوْ يُعْطِي مَنْ يَشَاءَ ذُرِّيةً مِنَ الزَّوْجِينِ الذُّكُورِ والإِنَاثِ،وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً بِلاَ نَسْلٍ،وَإِنَّهُ تَعَالَى عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ،قَدِيرٌ عَلَى خَلْقِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَ،فَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ ." (2)
وأكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنايته بالمرأة منذ الولادة فقد روى مسلم عَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ هَكَذَا وَضَمَّ إصْبَعَيْهِ. (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ أَدْرَكَتْ لَهُ ابْنَتَانِ فَأَحْسَنَ إلَيْهِمَا مَا صَحِبَتَاهُ،أَوْ صَحِبَهُمَا،أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِهِمَا. (4)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:لاَ يَكُونُ لأَحَدِكُمْ ثَلاَثُ بَنَاتٍ،أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ فَيُحْسِنُ إلَيْهِنَّ إلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ. . (5)
__________
(1) - شعب الإيمان - (11 / 154)(8328 و8329) حسن
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4200)
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 97)(25948) وصحيح مسلم- المكنز - (6864 )
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 95)(25946) صحيح لغيره
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 96)(25947) صحيح(1/35)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأَوَائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ أَدْخَلْنهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُنَّ،قَالَ رَجُلٌ:واثنتان ؟ قَالَ:وَاثْنَتَانِ،قَالَ رَجُلٌ:وَوَاحِدَةٌ ؟ قَالَ:وَوَاحِدَةٌ. " (1)
وفي ذلك من التربية والتوجيه لاقتلاع العادات الجاهلية ما لا يخفى.
وانظروا إلى هذه التهنئة بمولودة:
"هنأ اللّه سيدي وِرْدَ الكريمة عليه،وثمّر بها أعداد النسل الطيِّب لديه؛وجعَلَها مُؤْذِنةً بأخوة برَرَة،يَعْمُرون أنْدِية الفَضْل،ويَغْبُرون بقيّةَ الدَّهْرِ.
اتصل بي خَبَر المولودة،كرّم الله غُرّتها وأنْبتها نباتاً حسناً،وما كان من تَغَيُّرِك بعد اتِّضَاحِ الخبَر،وإنكارك ما اختاره اللَّهُ لك في سابقِ القَدَر،وقد علمتَ أنهن أقربُ من القلوب،وأنَّ الله تعالى بدأ بهن في الترتيب،فقال جلى من قائل:" يَهَبُ لِمَنْ يشاءُ إناثاً ويَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُكُورَ ".وما سمّاه هبة فهو بالشكر أوْلَى،وبحُسْنِ التقبل أحرَى. أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء،وأُمّ الأبناء،وجالبة الأصهار،وأولاد الأطهار،والمبشّرة بأخوة يتناسقون،ونُجَباء يتلاحقون:
فَلَوْ كانَ النِّسَاءُ كَمِثْلِ هذِي ... لَفُضِّلَتِ النَسَاءُ على الرِّجَالِ
فما التأْنِيثُ لاسْمِ الشَّمْس عَيْبٌ ... ولاَ التذْكِيرُ فَخْرٌ لِلهلاَلِ
والله يعرفُكَ البركةَ في مَطْلعها،والسعادةَ في موقعها،فأدَرع اغتباطاً،واستأنِف نشاطاً. الدنيا مؤنثة،والرجال يخدمونها. والنارُ مؤنثة،والذكور يَعْبُدونها. والأرض مؤّنثة،ومنها خُلِقت البرية،وفيها كثرت الذريّة. والسماءُ مؤنثة،وقد حُلِّيت بالكواكب،وزينت بالنجوم الثواقب. والنفسُ مؤنثة،وهي قوام الأبدان،ومِلاَك الحيوان. والحياةُ مؤنثة،ولولاها لم تتصرَّف الأَجسامُ ولا عُرِفَ الأنام. والجنّة مؤنّثة،وبها وُعِدَ المتقون،وفيها يَنْعَم المرسلون؛فهنأك اللّه ما أُوليت،وأوْزَعك شُكْرَ ما أُعطيت،وأطَالَ اللَّهُ بقاءك ما عُرِفَ النَسْل والوَلد،وما بقي العَصْرُ والأبد؛إنه فعّالٌ لما يشاء. " (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 98)(25949) صحيح لغيره
(2) - زهر الآداب وثمر الألباب - (1 / 141)(1/36)
الحقُّ الرابع
الرضاعة إلى الحولين والفطام
أرضعت الأم:كأن لها ولد ترضعه. والولد جعلته يرضع،فهي مرضع ومرضعه والجمع مراضع (1) ،وفي التنزيل العزيز:{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} (12) سورة القصص
والرضاع:هو مص الطفل اللبن من ثدي المرأة في أول حولين بعد الولادة.
وأفضل الرضاعة ما كانت حولين كاملين لقول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (233) سورة البقرة.
" يُرشدُ اللهُ تَعَالَى الوَالِدَاتِ إلى أنَّ كَمَالَ مُدَّةِ الرَّضَاعَةِ لِلطفْلِ هِيَ سَنَتَانِ.وَعَلَى وَالِدِ الطِّفْلِ نَفَقَةُ الوَالِدَاتِ المُطَلَّقَاتِ،وَكِسْوَتُهُنَّ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أمْثَالِهِنَّ،مِنْ غَيْرِ إِسْرافٍ وَلا إقْتَارٍ،بِحَسَبِ قُدْرَةَ الزَّوْجِ وَيَسَارِهِ.وَيُنَبِّهُ اللهُ الوَالِدَاتِ والآباءَ إلى ضَرُورَةِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ تَحْتَ شُعُورِ الرَّغْبة فِي الإِضْرارِ،فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أنْ تَتْرُكَ رَضَاعَة ابْنِها إلى مُدَّتِهَا ( سَنَتَينِ ) لِلإِضْرَارِ بِالزَّوْجِ.وَلَيْسَ لِلْزَّوْجِ أنْ يَنْتَزِعَ الوَلَدَ مِنْ أمِّهْ قَبْلَ أنْ تَتِمَّ مُدَّةَ رَضَاعَتِهِ لِلإِضْرَارِ بِهَا وَإيذَائِها.وَعَلَى وَارِثِ الطِّفْلِ - إنْ كَانَ وَالِدُهُ قَدْ مَاتَ،أَوْ كَانَ فَقِيراً،أَوْ عَاجِزاً عَنِ الكَسْبِ - أنْ يَقُومَ بِالإِنْفَاقِ عَلَى الطِّفْلِ وَأمِّهِ،وَعَليهِ عَدَمُ الإِضْرَارِ بِهَا.أمَّا إذا أرَادَ أبَوا الطِّفْلِ فِطَامَهُ،قَبْلَ مُضِيِّ الحَوْلَيْنِ،وَرَأيَا فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُ،وَتَشَاوَرا فِي ذَلِكَ،وَاتَّفَقَا عَلَيهِ،فَلاَ جُنَاحَ عَلَيهِما،وَلاَ حَرَجَ وَلاَ بَأْسَ فِي ذَلِكَ .
__________
(1) - إبراهيم مصطفى وآخرون،المعجم الوسيط، ص374(1/37)
وَإذا اتَّفَقَ الوَالِدَانِ عَلَى أنْ يَسْتَلِمَ الوَالدُ الوَلَدَ مِنْهَا،إمَّا لِعُذْرٍ مِنْهَا،أوْ لِعُذْرٍ مِنْهُ فلا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي عَرْضِهِ عَلَيْها،وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهَا فِي قَبُولِهَا مِنْهُ،إذا دَفَعَ إليها أجْرَتَها عَنِ المُدَّةِ المَاضِيَةِ بِالمَعْرُوفِ،وَقَامَ بِدَفْعِ الوَلدِ إلى مُرْضِعَةٍ أُخْرَى.وَيَحُثُّ اللهُ المُؤْمِنينَ عَلَى التَّقْوى فِي جَميعِ الأحْوالِ،وَعَلَى تَرْكِ التَّصَرُّفِ بِرغبَةِ المضَارَّةِ وَالإِيذَاءِ،وَأنْ يَعْلَمُوا أنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَهُ،وَلاَ يَخْفَى عَليهِ مِنْهُ شَيءٌ،وَأنَّهُ سَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيهِ ." (1)
إن على الوالدة المطلقة واجبا تجاه طفلها الرضيع. واجبا يفرضه اللّه عليها ولا يتركها فيه لفطرتها وعاطفتها التي قد تفسدها الخلافات الزوجية،فيقع الغرم على هذا الصغير. إذن يكفله اللّه ويفرض له في عنق أمه.
فاللّه أولى بالناس من أنفسهم،وأبر منهم وأرحم من والديهم. واللّه يفرض للمولود على أمه أن ترضعه حولين كاملين لأنه سبحانه يعلم أن هذه الفترة هي المثلى من جميع الوجوه الصحية والنفسية للطفل .. «لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ» وتثبت البحوث الصحية والنفسية اليوم أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نموا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية. ولكن نعمة اللّه على الجماعة المسلمة لم تنتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم.
فالرصيد الإنساني من ذخيرة الطفولة لم يكن ليترك يأكله الجهل كل هذا الأمد الطويل،واللّه رحيم بعباده.
وبخاصة بهؤلاء الصغار الضعاف المحتاجين للعطف والرعاية.
وللوالدة في مقابل ما فرضه اللّه عليها حق على والد الطفل:أن يرزقها ويكسوها بالمعروف والمحاسنة فكلاهما شريك في التبعة وكلاهما مسؤول تجاه هذا الصغير الرضيع،هي تمده باللبن والحضانة وأبوه يمدها بالغذاء والكساء لترعاه وكل منهما يؤدي واجبه في حدود طاقته:«لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها» ..
ولا ينبغي أن يتخذ أحد الوالدين من الطفل سببا لمضارة الآخر:«لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها،وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» ..
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 240)(1/38)
فلا يستغل الأب عواطف الأم وحنانها ولهفتها على طفلها،ليهددها فيه أو تقبل رضاعه بلا مقابل. ولا تستغل هي عطف الأب على ابنه وحبه له لتثقل كاهله بمطالبها ..
والواجبات الملقاة على الوالد تنتقل في حالة وفاته إلى وارثه الراشد:«وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» ..
فهو المكلف أن يرزق الأم المرضع ويكسوها بالمعروف والحسنى. تحقيقا للتكافل العائلي الذي يتحقق طرفه بالإرث،ويتحقق طرفه الآخر باحتمال تبعات المورث.
وهكذا لا يضيع الطفل إن مات والده. فحقه مكفول وحق أمه في جميع الحالات.
وعند ما يستوفى هذا الاحتياط .. يعود إلى استكمال حالات الرضاعة ..
«فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما» ..
فإذا شاء الوالد والوالدة،أو الوالدة والوارث،أن يفطما الطفل قبل استيفاء العامين لأنهما يريان مصلحة للطفل في ذلك الفطام،لسبب صحي أو سواه،فلا جناح عليهما،إذا تم هذا بالرضى بينهما،وبالتشاور في مصلحة الرضيع الموكول إليهما رعايته،المفروض عليهما حمايته.كذلك إذا رغب الوالد في أن يحضر لطفله مرضعا مأجورة،حين تتحقق مصلحة الطفل في هذه الرضاعة،فله ذلك على شرط أن يوفي المرضع أجرها،وأن يحسن معاملتها:«وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ» ..فذلك ضمان لأن تكون للطفل ناصحة،وله راعية وواعية.
وفي النهاية يربط الأمر كله بذلك الرباط الإلهي .. بالتقوى .. بذلك الشعور العميق اللطيف الذي يكل إليه ما لا سبيل لتحقيقه إلا به:«وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» ..فهذا هو الضمان الأكيد في النهاية. وهذا هو الضمان الوحيد. (1)
ولقد أثبتت البحوث العلمية والصحية أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نموا طبيعيا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية.
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 253)(1/39)
وأكد الطبيب ابن سينا أهمية الرضاعة الطبيعية بقوله: " "أما كيفية إرضاعة وتغذيبته فيجب أن يرضع ما أمكن بلبن أمه فإنه أشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه وهو في الرحم أعني طمث أمه فإنه بعينه هو المستحيل لبناً وهو أقبل لذلك وآلف له حتى إنه قد صح بالتجربة أن لقامه حلمة أمه عظيم النفع جداً في دفع ما يؤذيه ويجب أن يُكتفى بإرضاعه في اليوم مرتين أو ثلاثاً ولا يبدأ في أول الأمر في إرضاعه بإرضاع كثير على أنه يستحب أن تكون من ترضعه في أول الأمر غير أمه حتى يعتدل مزاج أمه والأجود أن يلعق عسلاً ثم يرضع " (1) .
خصائص لبن الأم :
" في حديث مع الأستاذ الدكتور:فتحي الزيات رئيس قسم الفسيولوجي بكلية الطب جامعة الأزهر :
أبان أن لبن الأم يفوق الألبان الحيوانية والألبان الصناعية من زوايا عديدة منها ما يلي :
-إن لبن الأم يحتوي على نسب متوازنة من غذاء الرضيع تتلاءم مع احتياجاته،وتلتقي مع احتياجات الرضيع في فترات الرضاعة المختلفة تمشية مع نموه .
-أنه يحتوي على مواد بروتينية تكسب الرضيع قوة ومناعة ضد بعض الأمراض التي تحصنه منها الأم في الشهور الأولى من عمره.
-أن هذا اللبن لا يتعرض للتلوث حيث أنه يخرج من الأم إلى الطفل مباشرة.
- إنه يقرب الاتصال النفسي بين الأم والطفل الرضيع،وبهذا ترشح عاطفة الأمومة والبنوة بالرباط المتين الصادق الصحيح.
- أن لبن المسمار الذي تفرزه الأم في الأيام الأولى من الرضاع يعمل على تنشيط الأمعاء لدى الطفل،فيحدث اللبن المناسب لدى الطفل ويساعد على عملية الإخراج الطبيعية." (2)
__________
(1) - القانون لابن سينا 1/277
(2) - عمارة ،محمود محمد،تربية الأولاد في الإسلام، ص 102-103. وانظر إلى مجموعة من المؤلفين، موسوعة سفير لتربية الأبناء، المجلدالثاني/321(1/40)
- "يعد حليب الأم الحليب المثالي للنمو العقلي للطفل،ولوحظ انخفاض في نسبة الإصابة بالأمراض النفسية واضطرابات السلوك لدى الأطفال الذين رضعوا من أثداء أمهاتهم بالمقارنة مع الذين رضعوا من الرضاعة الصناعية " (1)
- وعلى الأم أن تغذي نفسها جيداً حتى يتوفر الحليب الجيد.
من فوائد الرضاعة للأم :
-" الإرتباط النفسي والعاطفي بين الأم وطفلها أثناء الرضاعة،من العوامل الهامة لاستقرار الطفل والأم نفسياً.
- عودة الرحم إلى وضعه وحجمه الطبيعي بسرعة أثناء الرضاعة ولولا ذلك لأصيب الرحم بسرعة بالإنتان،ذلك أن امتصاص الثدي يؤدي إلى إفراز هرمون الأوكسيتوسين الذي يؤدي إلى عودة الرحم إلى حالته الطبيعية. " (2)
- " يحمي الإرضاع من الثدي من الإصابة بسرطان الثدي " (3)
- وإن لم يتمكن الطفل الرضاعة من أمه لأي سبب من الأسباب كوفاة الأم وضع العلماء شروط للمرضعة كأن تكون شابة قوية ذات أخلاق حسنة وبعيدة عن الانفعالات النفسية. (4)
الرضيع والفطام تربويا ً:
" رأى بعض علماء النفس أن أول موقف صدمي إحباطي يتعرض له الطفل في حياته هو موقف الصدام،وقد اعتاد هذا الطفل أن يحصل على غذائه من أمه،بكل ما يعنيه من ارتباطه بها سيكيولوجياً،ثمّ فجأة يجد أن هذا الوضع قد تغير،وعليه أن يقبل وضعاً جديداً فيه ابتعاد نفسي عن الأم،فأمام هذه الحالة دعا علماء النفس إلى الفطام التدريجي ليخفضوا
__________
(1) - محمد مرعي مرعي، محمد جهاد السعيد، دليل تربية الطفل صحياً وسلوكياً، ص31، سوريا، دار ربيع.
(2) - ابراهيم الخطيب ،زهدي محمد عيد، تربية الطفل في الإسلام،ص 47
(3) - المصدر السابق، ص32
(4) - انظر إلى حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص66(1/41)
من وطأة الصدمة المباشرة عن الطفل،ولكي يجدوا الظروف المساعدة على التكيف مع الحياة الجديدة،المعبر عنها بالانتقال من الطعام على ثدي الأم إلى الطعام الخارجي." (1)
" وتؤثر طريقة الفطام على شخصية الطفل ومشاعره تجاه أمه وتجاه المجتمع فيما بعد،فخبراته قد تكون إيجابية،ويعتمد ذلك على أسلوب الأم في الفطام.
ولا شك أن التبكير في الفطام له مساوئ كثيرة،تشعر الطفل بالحرمان من الحب والحنان،لذلك تنعكس على الطفل في مص الأصابع،أو النكوص فيما بعد،لذلك حرص الإسلام أن تكون مدة الرضاعة مناسبة؛وليس معنى ذلك تأجيل عملية الفطام إلى وقت متأخر جداً،وتدليله مما قد يؤدي إلى تثبيت عادات طفلية يتمسك بها الطفل فيما بعد،وتعيق اعتماده على نفسه،وانفصاله عن أمه." (2)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص 70-71
(2) - ابراهيم الخطيب ،زهدي محمد عيد، تربية الطفل في الإسلام،ص 50-51(1/42)
الحقُّ الخامس
أن تحضن الأم ابنها
" الحضانة:الولاية على الطفل لتربيته وتدبير شؤونه،ودور الحضانة:مدارس ينشأ فيها صغار الأطفال " (1)
" وتربية الطفل في أحضان والديه تهيئ له كل أسباب النمو الصالح جسمياً وعقلياً،وتعدُّه نفسياً لاستقبال الحياه والنجاح فيها " (2)
الْحَضَانَةُ وَاجِبَةٌ شَرْعًا،لأَِنَّ الْمَحْضُونَ قَدْ يَهْلِكُ،أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ،فَيَجِبُ حِفْظُهُ عَنِ الْهَلاَكِ،مُحْكِمُهَا الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الْحَاضِنُ،أَوْ وُجِدَ وَلَكِنْ لَمْ يَقْبَل الصَّبِيُّ غَيْرَهُ،وَالْوُجُوبُ الْكِفَائِيُّ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْحَاضِنِ. (3)
وتَثْبُتُ الْحَضَانَةُ عَلَى الصَّغِيرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ ،وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْحَضَانَةَ تَنْقَطِعُ فِي الذُّكُورِ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَجْنُونًا . (4)
ومُقْتَضَى الْحَضَانَةِ حِفْظُ الْمَحْضُونِ وَإِِمْسَاكُهُ عَمَّا يُؤْذِيهِ،وَتَرْبِيَتُهُ لِيَنْمُوَ،وَذَلِكَ بِعَمَل مَا يُصْلِحُهُ،وَتَعَهُّدِهِ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ،وَغُسْلِهِ وَغَسْل ثِيَابِهِ،وَدَهْنِهِ،وَتَعَهُّدِ نَوْمِهِ وَيَقِظَتِهِ . (5)
حَقُّ الْحَضَانَةِ :
لِكُلٍّ مِنَ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونِ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ،فَهِيَ حَقُّ الْحَاضِنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ عَنِ الْحَضَانَةِ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا،لأَِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ،وَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِيهَا سَقَطَ،وَإِِذَا أَرَادَ الْعَوْدَ وَكَانَ أَهْلاً لَهَا عَادَ إِلَيْهِ حَقُّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ،لأَِنَّهُ حَقٌّ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ .
__________
(1) - إبراهيم مصطفى وآخرون،المعجم الوسيط، ص203
(2) - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص163
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 300) والفواكه الدواني 2 / 102،والمغني 7 / 612 .
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 301)
(5) - البدائع 4 / 40،ومغني المحتاج 3 / 452،وكشاف القناع 5 / 496،الشرح الصغير 2 / 755 .(1/43)
وَهِيَ حَقُّ الْمَحْضُونِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَل الْمَحْضُونُ غَيْرَ أُمِّهِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا،أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلأَْبِ وَلاَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ،تَعَيَّنَتِ الأُْمُّ لِلْحَضَّانَةِ وَتُجْبَرُ عَلَيْهَا،وَلِذَلِكَ يَقُول الْحَنَفِيَّةُ:لَوِ اخْتَلَعَتِ.الزَّوْجَةُ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَل الشَّرْطُ .
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَيُوَافِقُهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ،غَيْرَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ فِي عَوْدَةِ الْحَقِّ بَعْدَ الإِِْسْقَاطِ،فَعِنْدَهُمْ إِذَا أَسْقَطَ الْحَاضِنُ حَقَّهُ فِي الْحَضَانَةِ دُونَ عُذْرٍ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَ حَقُّهُ وَلاَ يَعُودُ إِلَيْهِ الْحَقُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ أَرَادَ،وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ يَعُودُ إِلَيْهِ حَقُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْمَحْضُونِ (1) .
والْحَضَانَةُ تَكُونُ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَال مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا،إِلاَّ أَنَّ النِّسَاءَ يُقَدَّمْنَ عَلَى الرِّجَال،لأَِنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ،وَبِهَا أَلْيَقُ وَأَهْدَى إِِلَى تَرْبِيَةِ الصِّغَارِ،ثُمَّ تُصْرَفُ إِِلَى الرِّجَال لأَِنَّهُمْ عَلَى الْحِمَايَةِ وَالصِّيَانَةِ وَإِِقَامَةِ مَصَالِحِ الصِّغَارِ أَقْدَرُ . (2)
وَحَضَانَةُ الطِّفْل تَكُونُ لِلأَْبَوَيْنِ إِذَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا،فَإِِنِ افْتَرَقَا فَالْحَضَانَةُ لأُِمِّ الطِّفْل بِاتِّفَاقِ. (3)
ومن ثم فلا يجوز للأم أن تترك طفلها للخادمات والمربيات؛وذلك لأن الأم مع رضاعة وليدها بالحليب ترضعه العطف والحنان الذي لا يملكه غيرها،ومن هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى في إرجاع موسى إلى أمه كي تقرَّ عينها ولا تحزن قال الله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (13) سورة القصص .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو:أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً،وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً،وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً،وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي ؟ قَالَ:أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي. (4)
__________
(1) - ابن عابدين 2 / 636،والدسوقي 2 / 532،ونهاية المحتاج 7 / 219،ومغني المحتاج 3 / 456،وكشاف القناع 5 / 496،498،والمغني 7 / 624 .
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 301)
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 302)
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 638) (6707) صحيح
حواء : حويت الشيء : إذا ضممته إلى نفسك.(1/44)
ويرى العلماء أن الطفل يحسُّ بالأمن كلما ألصقته الأم إلى صدرها.
مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ:
الْحَضَانَةُ مِنَ الْوِلاَيَاتِ وَالْغَرَضُ مِنْهَا صِيَانَةُ الْمَحْضُونِ وَرِعَايَتُهُ،وَهَذَا لاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَاضِنُ أَهْلاً لِذَلِكَ،وَلِهَذَا يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا خَاصَّةً لاَ تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ إِلاَّ لِمَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ،وَهِيَ أَنْوَاعٌ ثَلاَثَةٌ:شُرُوطٌ عَامَّةٌ فِي النِّسَاءِ وَالرِّجَال،وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِالنِّسَاءِ،وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِالرِّجَال .
أَمَّا الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ فَهِيَ :
1 - الإِِْسْلاَمُ.وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَحْضُونُ مُسْلِمًا،إِذْ لاَ وِلاَيَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ،وَلِلْخَشْيَةِ عَلَى الْمَحْضُونِ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهِ،وَهَذَا شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ،وَمِثْلُهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِنِ الذَّكَرِ ...
2 - الْبُلُوغُ وَالْعَقْل،فَلاَ تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِطِفْلٍ وَلاَ لِمَجْنُونٍ،أَوْ مَعْتُوهٍ،لأَِنَّ هَؤُلاَءِ عَاجِزُونَ عَنْ إِدَارَةِ أُمُورِهِمْ وَفِي حَاجَةٍ لِمَنْ يَحْضُنُهُمْ،فَلاَ تُوكَل إِلَيْهِمْ حَضَانَةُ غَيْرِهِمْ،وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ حَيْثُ إِنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلاً فِي شَرْطِ الْبُلُوغِ .
3 - الأَْمَانَةُ فِي الدِّينِ،فَلاَ حَضَانَةَ لِفَاسِقٍ،لأَِنَّ الْفَاسِقَ لاَ يُؤْتَمَنُ،وَالْمُرَادُ:الْفِسْقُ الَّذِي يَضِيعُ الْمَحْضُونُ بِهِ،كَالاِشْتِهَارِ بِالشُّرْبِ،وَالسَّرِقَةِ،وَالزِّنَى وَاللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ،أَمَّا مَسْتُورُ الْحَال فَتَثْبُتُ لَهُ الْحَضَانَةُ.
4 - الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِشَأْنِ الْمَحْضُونِ،فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ لِكِبَرِ سِنٍّ،أَوْ مَرَضٍ يَعُوقُ عَنْ ذَلِكَ،أَوْ عَاهَةٍ كَالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالصَّمَمِ،أَوْ كَانَتِ الْحَاضِنَةُ تَخْرُجُ كَثِيرًا لِعَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَتْرُكُ الْوَلَدَ ضَائِعًا،فَكُل هَؤُلاَءِ لاَ حَضَانَةَ لَهُمْ إِلاَّ إِذَا كَانَ لَدَيْهِمْ مَنْ يُعْنَى بِالْمَحْضُونِ،وَيَقُومُ عَلَى شُؤُونِهِ،فَحِينَئِذٍ لاَ تَسْقُطُ حَضَانَتُهُمْ .
5 - أَلاَّ يَكُونَ بِالْحَاضِنِ مَرَضٌ مُعْدٍ،أَوْ مُنَفِّرٌ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِِلَى الْمَحْضُونِ،كَالْجُذَامِ،وَالْبَرَصِ وَشَبَهِ ذَلِكَ مِنْ كُل مَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِِلَى الْمَحْضُونِ .(1/45)
6 - الرُّشْدُ:وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ،فَلاَ حَضَانَةَ لِسَفِيهٍ مُبَذِّرٍ لِئَلاَّ يُتْلِفَ مَال الْمَحْضُونِ .
7 - أَمْنُ الْمَكَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحْضُونِ الَّذِي بَلَغَ سِنًّا يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ الْفَسَادُ،أَوْ ضَيَاعُ مَالِهِ،فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ يَعِيشُ فِي مَكَان مَخُوفٍ يَطْرُقُهُ الْمُفْسِدُونَ وَالْعَابِثُونَ.وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّرْطِ الْمَالِكِيَّةُ .
8 - عَدَمُ سَفَرِ الْحَاضِنِ أَوِ الْوَلِيِّ سَفَرَ نُقْلَةٍ ...
أَمَّا الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْحَاضِنِينَ مِنَ الرِّجَال فَهِيَ :
أ - أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لِلْمَحْضُونِ إِذَا كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ أُنْثَى مُشْتَهَاةً فَلاَ حَضَانَةَ لاِبْنِ الْعَمِّ لأَِنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا،وَلأَِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا فَلاَ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا،فَإِِنْ كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ صَغِيرَةً لاَ تُشْتَهَى،وَلاَ يُخْشَى عَلَيْهَا فَلاَ تَسْقُطُ حَضَانَةُ ابْنِ عَمِّهَا .
ب - يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلذَّكَرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْحَضَانَةِ كَزَوْجَةٍ،أَوْ أَمَةٍ،أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لِذَلِكَ،أَوْ مُتَبَرِّعَةٍ .
وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْحَوَاضِنِ مِنَ النِّسَاءِ فَهِيَ :
أَوَّلاً - أَلاَّ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ مُتَزَوِّجَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ،لأَِنَّهَا تَكُونُ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ،وَقَدْ قَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي،فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ،وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ،وَبِالدُّخُول عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ،وَهُوَ احْتِمَالٌ لاِبْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي .
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِزَوَاجِ الْحَاضِنَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ،فَإِِنْ تَزَوَّجَتْ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَالْجَدَّةِ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِجَدِّ الصَّبِيِّ،أَوْ تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبٍ وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَابْنِ عَمِّهِ فَلاَ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا،وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ - الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - فِي الأَْصَحِّ،وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ يَسْقُطُ حَقُّهَا لاِشْتِغَالِهَا بِالزَّوْجِ.وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ مَنْ نَكَحَتْهُ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ،لأَِنَّ شَفَقَتَهُ تَحْمِلُهُ عَلَى رِعَايَتِهِ فَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى ذَلِكَ.كَمَا اشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ رِضَا الزَّوْجِ،وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ بَقَاءَ الْحَضَانَةِ بِمَا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ رَحِمًا مَحْرَمًا،فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا.(1/46)
ثَانِيًا - أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ،فَلاَ حَضَانَةَ لِبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ،وَالْخَال وَالْخَالَةِ،وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ..
ثَالِثًا - أَلاَّ تُقِيمَ الْحَاضِنَةُ بِالْمَحْضُونِ فِي بَيْتِ مَنْ يُبْغِضُ الْمَحْضُونَ وَيَكْرَهُهُ،كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتِ الأُْمُّ وَأَخَذَتْهُ أُمُّ الأُْمِّ،وَأَقَامَتْ بِالْمَحْضُونِ مَعَ الأُْمِّ فَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ حَضَانَةُ أُمِّ الأُْمِّ إِذَا كَانَتْ فِي عِيَال زَوْجِ الأُْمِّ،وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
رَابِعًا - أَلاَّ تَمْتَنِعَ الْحَاضِنَةُ عَنْ إِرْضَاعِ الطِّفْل إِذَا كَانَتْ أَهْلاً لَهُ،وَكَانَ مُحْتَاجًا لِلرَّضَاعِ وَهَذَا فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (1) .
" إن موضوع الحضانة ليس صراعاً بين الأب والأم حول حضانة الطفل بل هو اختيار أفضل السبل لتأمين مناخ تربوي ينشأ فيه الطفل بعناية وود وحب كل من أبويه معاً" (2)
" لقد تقرر أن الأم أحق من الأب في الحضانة لقدرتها على ذلك على نحو يفوق الأب أما الولاية،أي إدارة شؤون الأولاد من الجانب المالي والتأديبي وتوجيههم إلى مهن أو حرف اوتعليم تخصص وغير ذلك فإن الرجال أقدر لما فطروا فيه على جوانب القوة والتحلل والثبات (3)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 305) فما بعدها
(2) - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 165-166 بواسطة محمد أبي زهره،الحضانة : مجلة العربي : ص57 : العدد 33
(3) - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً، ص76(1/47)
الحق السادس
الاهتمام بالطفل في السنوات الست الأولى من حياته
إن المرحلة الأولى من حياة الطفل (السنوات الست الأولى) من أخطر المراحل وأهمها،حيث إن لها أبلغ الأثر في تكوين شخصيته فكل ما يطبع في ذهن الطفل في هذه المرحلة تظهر آثاره بوضوح علي شخصيته عندما يصبح راشدا.
لذا يجب على المربين أن يهتموا كثيرا بتربية الطفل في هذه المرحلة.
ويمكن أن نلخص الجوانب الواجب مراعاتها من قبل الوالدين بما يلي:
أولا: منح الطفل ما يحتاجه من حبٍّ وحنانٍ من قبل الوالدين وخاصة الأم:
وهذا ضروري لتعلم الطفل محبة الآخرين،فإذا لم يشعر الطفل بهذه المحبة فسوف ينشأ محباً لنفسه فقط كارها لكل من حوله،(فالأم المسلمة عليها أن تدرك أنه لا شيء على الإطلاق ينبغي أن يحول بينها وبين منح الطفل حاجته الطبيعية من الحب والحنان والرعاية،وأنها تفسد كيانه كله إنْ هي حرمته من حقه في هذه المشاعر،التي أودعها الله برحمته وحكمته في كيانها بحيث تتفجر تلقائيا لتفي بحاجة الطفل).
فينبغي أن تحرص الأم على هذا الأمر،ولا تنشغل عنه بأي شاغل من عمل خارج المنزل أو خلافات مع الزوج أو غير ذلك.
ثانيا: أن يعوَّد الطفل الانضباط من أول حياته (منذ الأشهر الأولى):
ولا نظن أن هذا أمر غير ممكن فقد ثبت أن تعويد الطفل على أوقات محددة وثابتة للرضاعة،وكذلك قضاء الحاجة في أوقات محددة أمر ممكن مع المحاولة المتكررة،حيث إن الجسم يتعود على هذا وينضبط به.
وينمو الانضباط ويزداد بنمو الطفل حتى يصبح قادرا على التحكم في مطالبه واحتياجاته مستقبلا.
ثالثا: أن يمثل الوالدان قدوة صالحة للطفل من بداية حياته:(1/48)
فيلتزمان منهج الإسلام في سلوكهما عامة وتعاملهما مع الطفل خاصة،ولا يظنان أن هذا الطفل صغير ولا يعي ما يحيط به فيتصرفان تصرفات خاطئة أمامه،فإن لهذا أعظم الأثر على نفسيه الطفل (حيث إن قدرة الطفل على الالتقاط الواعي وغير الواعي كبيرة جدا أكبر مما نظن عادة،ونحن ننظر إليه على أنه كائن صغير لا يدرك ولا يعي. " نعم " حتى وهو لا يدرك كل ما يراه فإنه يتأثر به كله! .
فهناك جهازان شديدا الحساسية في نفسه هما جهاز الالتقاط وجهاز المحاكاة،وقد يتأخر الوعي قليلا أو كثيرا. ولكن هذا لا يغير شيئا من الأمر. فهو يلتقط بغير وعي،أو بغير وعي كامل. وهو يقلد بغير وعي أو بغير وعي كامل كل ما يراه حوله أو يسمعه).
رابعا: يعوَّد الطفل على آداب عامة يلزمها في تعامله منها:
* أن يعوَّد الأخذ والإعطاء والأكل والشرب بيمينه،فإذا أكل بشماله يذكَّر ويحوَّل الأكل إلى يده اليمنى برفق.
* أن يعودَّ التيامن في لبسه،فعندما يلبس الثوب أو القميص أو غيرهما يبدأ باليمين وعندما ينزع ملابسه يبدأ بالشمال. عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي التَّرَجُّلِ وَالاِنْتِعَالِ. (1)
* أن يُنهَى عن النوم على بطنه ويعوَّد النوم على شقه الأيمن. عَنْ يَعِيشَ بْنِ طِخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ،قَالَ:كَانَ أَبِي مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ،فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهِمْ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْقَلِبُ بِالرَّجُلِ،وَالرَّجُلُ بِالرَّجُلَيْنِ،حَتَّى بَقِيتُ خَامِسَ خَمْسَةٍ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : انْطَلِقُوا فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ،فَقَالَ:يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا،فَجَاءَتْ بِجَشِيشَةٍ،فَأَكَلْنَا،ثُمَّ جَاءَتْ بِحَيْسَةٍ مِثْلَ الْقَطَاةِ،فَأَكَلْنَا،ثُمَّ قَالَ:يَا عَائِشَةُ اسْقِينَا فَجَاءَتْ بِعُسٍّ فَشَرِبْنَا،ثُمَّ جَاءَتْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبْنَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنْ شِئْتُمْ بِتُّمْ،وَإِنْ شِئْتُمْ انْطَلَقْتُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ:لاَ بَلْ نَنْطَلِقُ إِلَى الْمَسْجِدِ،قَالَ:فَبَيْنَا أَنَا مِنَ السَّحَرِ مُضْطَجِعٌ عَلَى بَطْنِي،إِذَا رَجُلٌ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (12 / 271)(5456) صحيح(1/49)
يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ،فَقَالَ:إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَبْغُضُهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى،فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . " (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارَهُ،فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ،وَيُسَمِّي اللَّهَ،فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ،وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنَ،وَلْيَقُلْ:سُبْحَانَكَ رَبِّي،بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي،وَبِكَ أَرْفَعُهُ،إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا،وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا حَفِظْتَ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ. (2)
* أن يجنَّب لبس القصير من الثياب والسراويل،لينشأ على ستر العورة والحياء من كشفها،ولاسيما الأنثى.
* أن يمنعَ من مصِّ أصابعه وعضِّ أظفاره.
* أن يعوَّد الاعتدال في المأكل والمشرب ومجانبة الشره. عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:كُلُوا،وَاشْرَبُوا،وَتَصَدَّقُوا،وَالْبَسُوا،غَيْرَ مَخِيلَةٍ،وَلاَ سَرَفٍ،وَقَالَ يَزِيدُ مَرَّةً:فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ،وَلاَ مَخِيلَةٍ. (3)
* أن ينهَى عن اللعب بأنفه.
* أن يعوَّد أن يسميَّ الله عند البدء بالطعام.
* أن يعوَّد الأكل مما يليه وألا يبادرَ إلى الطعام قبل غيره.
* ألا يحدق النظر إلى الطعام ولا إلى من يأكل. عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ،قَالَ:قَالَ لِي،يَعْنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا غُلاَمُ،سَمِّ اللَّهَ،وَكُلْ بِيَمِينِكَ،وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ،فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ،وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ. (4)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 351)(15543) 15628- حسن
بِجَشِيشَة،بالجيم،هي أن تُطْحَن الحِنْطَة طَحنًا جَلِيلاً،ثم تُجْعَل في القُدُور،ويُلقَى عليها لَحْم،أو تَمْر،وتُطْبَخ،وقد يُقال لها دَشِيشَة بالدَّال.وفي بعض النسخ : بِحشِيشَة،بالحاء،وكلاهما بمعنىً واحدٍ.
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7067 ) وصحيح ابن حبان - (12 / 344) (5534)
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 635) (6695) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 591)(16332) 16442- وصحيح البخارى- المكنز - (5376) وصحيح مسلم- المكنز - (5388)(1/50)
* ويعوَّد ألا يسرع في الأكل وأن يجيد مضغ الطعام.
* أن يعوَّد أن يأكل من الطعام ما يجد ولا يتشهي ما لا يجدُ. عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: نَزَلَ بِجَابِرٍ ضَيْفٌ،فَجَاءَهُمْ بِخُبْزٍ وَخَلٍّ،فَقَالَ: كُلُوا،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ،هَلَاكٌ بِالْقَوْمِ أَنْ يَحْتَقِرُوا مَا قُدِّمَ إِلَيْهِمْ،وَهَلَاكٌ بِالرَّجُلِ أَنْ يَحْتَقِرَ مَا فِي بَيْتِهِ يُقَدِّمُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ " (1)
* أن يعوَّد نظافة فمه باستعمال السواك أو باستعمال فرشة الأسنان المعروفة بعد الأكل وقبل النوم وبعد الاستيقاظ. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ،سَمِعْتُ أَبِي،سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدِّثُ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ،مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ مَعَ الْوُضُوءِ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ (3) .
* أن يحببَ إليه الإيثار بما يحبُّ من المأكل والألعاب،فيعوَّد إكرام إخوانه وأقاربه الصغار،وأولاد الجيران إذا رأوه يتمتع بشيء منها. قال تعالى:{.. وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر
* أن يعوَّد النطق بالشهادتين وتكرارها في كل يوم مرات.
* أن يعوَّد حمد الله بعد العطاس وتشميت العاطس بعد أن يحمد الله.
* أن يكظم فمه عند التثاؤب وأن يغطي فيه،ولا يحدث صوتاً عند التثاؤب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ،وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ،فَإِذَا تَثَاءَبَ
__________
(1) - شعب الإيمان - (12 / 132)(9162 ) حسن لغيره
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 349)(1067) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 351)(1069) صحيح(1/51)
أَحَدُكُمْ،فَلْيَرُدَّ مَا اسْتَطَاعَ،وَلاَ يَقُلْ:هَاوْ،فَإِنَّهُ إِذَا،قَالَ:هَاوْ،ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ،فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ،فقَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ فَحَقٌّ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ. (1)
* أن يعوَّد الشكر على المعروف إذا أسدى إليه مهما كان يسيراً. عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ،وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ،وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ،وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ،فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا اللَّهَ لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ. (2)
* أن لا ينادي أمَّه وأباه باسميهما،بل يعود أن يناديهما بلفظ: أمي،وأبي. قال تعالى:{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (4) سورة يوسف.
وقال تعالى:{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} (42) سورة مريم
وقال تعالى:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (26) سورة القصص
وقال تعالى:{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (116) سورة المائدة
وقال تعالى:{وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} (32) سورة مريم
وعَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ،قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ بنتُ أَسَدِ بن هَاشِمٍ أُمُّ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ،دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهَا،فَقَالَ:رَحِمَكِ اللَّهُ يَا أُمِّي،كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي،وتُشْبِعِينِي وتَعْرَيْنَ،وتُكْسِينِي،وتَمْنَعِينَ نَفْسَكِ طَيِّبًا،وتُطْعِمِينِي تُرِيدِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ،ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُغَسَّلَ ثَلاثًا،فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ الَّذِي فِيهِ الْكَافُورُ سَكَبَهُ رَسُولُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6226) وصحيح مسلم- المكنز - (7679) وصحيح ابن حبان - (2 / 359)(598)
(2) - صحيح ابن حبان - (8 / 199)(3408) صحيح(1/52)
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ،ثُمَّ خَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَمِيصَهُ،فَأَلْبَسَهَا إِيَّاهُ وَكَفَّنَهَا بِبُرْدٍ فَوْقَهُ،ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ بن زَيْدٍ،وَأَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ،وَعُمَرَ بن الْخَطَّابِ،وَغُلامًا أَسْوَدَ يَحْفُرُونَ فَحَفَرُوا قَبْرَهَا،فَلَمَّا بَلَغُوا اللَّحْدَ حَفَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ،وَأَخْرَجَ تُرَابَهُ بِيَدِهِ،فَلَمَّا فَرَغَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَاضْطَجَعَ فِيهِ،ثُمَّ قَالَ:اللَّهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ،اغْفِرْ لأُمِّي فَاطِمَةَ بنتِ أَسَدٍ،ولَقِّنْهَا حُجَّتَها،وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا،بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي،فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا،وأَدْخَلُوها اللَّحْدَ هُوَ وَالْعَبَّاسُ،وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ" (1)
* أن لا يمشي أمام أبويه أو من هو أكبر منه في الطريق ولا يدخل قبلهما إلى المكان تكريما لهما. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ فِي بِرِّ أَبِيهِ:" لَا تَمْشِ أَمَامَ أَبِيكَ،وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ،وَلَا تَدَعُوهُ بِاسْمِهِ،وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ " (2)
وعن أَبي هُرَيْرَةَ أنه أَبْصَرَ رَجُلَيْنِ،فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا:مَا هَذَا مِنْكَ ؟ فَقَالَ:أَبِي،فَقَالَ:لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ،وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ،وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ " (3)
* أن يعوَّد السير على الرصيف لا في وسط الطريق. ولاسيما البنت،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسَطُ الطَّرِيقِ. (4)
* أن لا يرمي الأوساخ في الطريق بل يميط الأذى عنه. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ:كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ،وَيُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ،وَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا،وَيَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ،وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ. (5)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (18 / 82)(20324 ) فيه لين
(2) - الْجَامِعُ فِي الْحَدِيثِ لِابْنِ وَهْبٍ (138) حسن لغيره
البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
(3) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (45 ) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 416)(5601) صحيح
قَالَ الشَّيْخُ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسَطُ الطَّرِيقِ لَفْظَةُ إِخْبَارٍ مُرَادُهَا الزَّجْرُ عَنْ شَيْءٍ مُضْمَرٍ فِيهِ،وَهُوَ مُمَاسَّةُ النِّسَاءِ الرِّجَالَ فِي الْمَشْيِ،إِذْ وَسَطُ الطَّرِيقِ الْغَالِبُ عَلَى الرِّجَالِ سُلُوكُهُ،وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَتَخَلَّلْنَ الْجَوَانِبَ حَذَرَ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ مُمَاسَّتِهِمْ إِيَّاهُنَّ.
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (2989 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2382) وصحيح ابن حبان - (8 / 174)(3381)(1/53)
* ألا يتبول أو يتغوط في الطريق أو الأمكنة العامة،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ،قَالَ:قَالَ رَجُلٌ لأَبِي هُرَيْرَةَ:قَدْ أَفْتَيْتَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ،يُوشِكُ أَنْ تُفْتِيَنَا فِي الْخَرَءِ،فَقَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:مَنْ سَلَّ سَخِيمَةً عَلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةُ وَالنَّاسُ أَجْمَعِينَ" (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ،قَالُوا:وَمَا اللَّعَّانَانِ ؟ قَالَ:الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طُرُقِ النَّاسِ وَأَفْنِيَتِهِمْ. (2)
* أن يسلِّم بأدب على من لقيه بقوله: السلام عليكم ويرد السلام على من سلَّم. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ،وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ،وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ " (3)
* أن يلقَّن الألفاظ الصحيحة ويعوَّد النطق باللغة الفصحى.
* أن يعوَّد الطاعة إذا أمره أحد الأبوين أو من هو أكبر منه بأمر مباح.
* أن يعالجَ فيه العنادُ،ويردَّ إلى الحق طوعاً إن أمكن وإلا أكره على الحق،وهذا خيرٌ من البقاء على العِناد والمكابرة.
* أن يشكره أبواه على امتثال الأمر واجتناب المنهي عنه،وأن يكافئاه أحياناً على ذلك بما يحبُّ من مأكل أو لعبة أو نزهة.
* ألا يحرمَ من اللعب مادام آمنا،فيمكَّن من اللعب بالرمال والألعاب المباحة حتى ولو اتسخت ملابسه،فإنَّ اللعب في هذه المرحلة ضروريٌّ لتكوين الطفل جسميا وعقليا.
* أن يحببَ إليه الألعاب المباحة،مثل الكرة أو السيارة الصغيرة والطائرة الصغيرة وغيرها ويكره إليه الألعاب ذوات الصور المحرمة من إنسان وحيوان.
__________
(1) - المعجم الصغير للطبراني - (2 / 77) (811) حسن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (641) وصحيح ابن حبان - (4 / 262)(1415) - يتخلى : يتغوط
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6231 )(1/54)
* أن يعوَّد احترام ملكية غيره،فلا يمدَّ يده إلى ما لغيره من ألعاب ومأكولات،ولو كانت لعبة أخيه. (1)
خامسا- تنمية جانب الثقة في النفس وتحمل المسئولية عند الطفل
إن أطفال اليوم هم رجال ونساء الغد ،فلابد من إعدادهم وتدريبهم على تحمل المسئوليات والقيام بالأعمال التي لابد لهم من القيام بها في المستقبل.
ويمكن أن تحقق ذلك في نفوس الأطفال عن طريق بناء ثقتهم في أنفسهم واحترام ذواتهم ،وإعطاء الطفل الفرصة للتعبير عن آرائه وما يدور في خلده ،وتشجيعه على القيام بشؤونه الخاصة، بل وتكليفه بما يناسبه من أعمال البيت ،مثل أن يكلف بشراء بعض مستلزمات البيت من البقالة المجاورة للمنزل ،وتكليف البنت بتنظيف بعض الأواني أو العناية بأخيها الصغير، ويتدرج مع الأطفال في التكاليف شيئا فشيئا حتى يتعوَّدوا على تحمل المسؤوليات والقيام بالأعمال المناسبة لهم.
(ومن تحميل الطفل المسئولية) أن يتحمل تبعة ما يقوم به من أعمال فيعلم أنه هو المسئول عما يرتكبه من أخطاء ويطالب بإصلاح ما قد أفسده والاعتذار عن أخطائه.
وهذه بعض الأمثلة التاريخية والأحاديث النبوية التي تعطي للمربين جميعاً القدوة الصالحة في تربية السلف الصالح أبناءهم على الجرأة،ومعالجة ظاهرة الخجل في نفوسهم:
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ،فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي.قَالَ عَبْدُ
__________
(1) - انظر :
http://www.al-raqi.net/showthread.php?p=2463547
وhttp://74.125.153.132/search?q=cache:7Hx2T008Ha8J:www.geocities.com/boraie_eg/waqez.doc+%22%D8%A3%D9%86%D9%92+%D9%8A%D8%B9%D9%88%D9%91%D9%8E%D8%AF%D9%8E+%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85+%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9+%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D9%87%D8%8C+%22&cd=5&hl=ar&ct=clnk(1/55)
اللهِ:وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ،فَاسْتَحْيَيْتُ،ثُمَّ قَالُوا:حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:هِيَ النَّخْلَةُ،فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ،فَقَالَ:لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ:هِيَ النَّخْلَةُ،أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا،وَهِىَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ،حَدِّثُونِى مَا هِىَ » .فَوَقَعَ النَّاسُ فِى شَجَرِ الْبَادِيَةِ،وَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ .قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَاسْتَحْيَيْتُ .فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَخْبِرْنَا بِهَا .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هِىَ النَّخْلَةُ » .قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِى بِمَا وَقَعَ فِى نَفْسِى فَقَالَ لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِى كَذَا وَكَذَا . (2)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِىَ بِشَرَابٍ،فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ،فَقَالَ لِلْغُلاَمِ « أَتَأْذَنُ لِى أَنْ أُعْطِىَ هَؤُلاَءِ » .فَقَالَ الْغُلاَمُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِى مِنْكَ أَحَدًا .قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى يَدِهِ (3) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ:كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا،وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ.قَالَ فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ،وَدَعَانِى مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّى فَقَالَ مَا تَقُولُونَ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ،إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا.وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ نَدْرِى.أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا.فَقَالَ لِى يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لاَ.قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فَتْحُ مَكَّةَ،فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) قَال عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. (4)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (61) وصحيح مسلم- المكنز - (7276 ) وصحيح ابن حبان - (1 / 481) (246)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (131 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7280 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2451 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5412 ) -تله:دفعه إليه
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (4294)(1/56)
وحكي أن البادية قحطت في أيام هشام،فقدمت عليه العرب،فهابوا أن يكلموه،وكان فيهم درواس بن حبيب،وهو ابن ست عشرة سنة،له ذؤابة،وعليه شملتان،فوقعت عليه عين هشام،فقال لحاجبه:ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان،فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقاً فقال:يا أمير المؤمنين إن للكلام نشراً وطياً،وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره،فإن أذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته،فأعجبه كلامه،وقال له:أنشره لله درك،فقال:يا أمير المؤمنين إنه أصابتنا سنون ثلاث سنة أذابت الشحم وسنة أكلت اللحم،وسنة دقت العظم،وفي أيديكم فضول مال،فإن كانت لله ففرقوها على عباده،وإن كانت لهم،فعلام تحبسونها عنهم،وإن كانت لكم،فتصدقوا بها عليهم،فإن الله يجزي المتصدقين،فقال هشام:ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثلاث عذراً،فأمر للبوادي بمائة ألف دينار،وله بمائة ألف درهم،ثم قال له:ألك حاجة؟ قال:ما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين،فخرج من عنده وهو من أجل القوم. (1)
فيؤخذ من هذه الأمثلة التي سردناها أن أبناء السلف كانوا يتربون على التحرر التام من ظاهرة الخجل،ومن بوادر الانكماش والانطوائية،وذلك بسبب تعويدهم على الجرأة،ومصاحبة الآباء لهم حضور المجالس العامة،وزيارة الأصدقاء،ثم بالتالي تشجيعهم على التحدث أمام الكبار،ثم دفع ذوي النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الخلفاء والأمراء،ثم استشارتهم في القضايا العامة،والمسائل العلمية في مجمع من المفكرين والعلماء.
وهذا كله مما ينمّي في الأولاد الجراءة الأدبية ويغرس في نفوسهم أنبل معاني الفهم والوعي،ويهيب بهم في أن يتدرجوا في مدارج الكمال وتكوين الشخصية،والنضج الفكري والاجتماعي..وإذا تربى الأطفال على الثقة بالنفس أمكنهم تحمل المسئوليات الجسام كما كان أبناء الصحابة يسعون جاهدين ليكونوا مع المجاهدين في سبيل الله ويبكي أحدهم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجزه ليقاتل مع الجيش فيرق الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحاله ويجيزه فيكون في النهاية من شهداء المعركة، ويؤمِّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسامة ابن زيد على جيش فيه أبو بكر وعمر مع صغر سنِّه لأنه كفؤا لهذه الإمارة. فأين أبناؤنا اليوم من هذه القمم الشامخة.
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - المستطرف في كل فن مستظرف - (1 / 46)(1/57)
الحقُّ السابع
الاهتمام بالطفل فيما بعد السنوات الست الأولى من حياته
في هذه المرحلة يصبح الطفل أكثر استعداداً للتعلم المنظم فهو يتقبل التوجيه بشكل أكثر،ويكون أكثر انسجاماً مع أقرانه في اللعب،فيمكننا القول بأنه أكثر إدراكاً وحرصاً على التعلم واكتساب المهارات فيمكن توجيهه بشكل مباشر لذا فإن هذه الفترة من أهم الفترات في تعليم الطفل وتوجيهه.
وسوف نتحدث بمشيئة الله تعالى عن أهم الجوانب التي لابد للمربين من الحرص عليها في هذه المرحلة وهي:
أولا: تعريف الطفل بخالقه بشكل مبسط:
فيعرف الطفل بالله عز وجل بطريقة تناسب إدراكه ومستوى تفكيره.
- فيعلم أن الله واحد لا شريك له. قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (19) سورة محمد .
- ويعلم أنه الخالق لكل شيء فهو الخالق للأرض والسماء والناس والحيوانات والأشجار والأنهار وغيرها،ويمكن أن يستغلَّ المربي بعض المواقف فيسأل الطفل وهم في نزهة في بستان أو في البرية عن خالق الماء والأنهار والأرض والأشجار وغيرها ليلفت نظره إلى عظمة الله.قال تعالى :{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (64) سورة غافر
وقال تعالى:{أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (61) سورة النمل
وقال تعالى :{وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (11) سورة فاطر(1/58)
- ويعلَّمُ الطفلَ محبة الله ويرغبه فيها،وذلك بلفت نظره إلى ما أسبغه الله عليه وعلى ذريته من النعم،فيقال له مثلاً :من الذي أعطاك السمع والبصر والعقل؟ من الذي أعطاك القوة والقدرة على الحركة؟ من الذي أعطالك وأسرتك الرزق والطعام؟ وهكذا يلفت نظره للنِّعم الظاهرة ويحثه على محبة الله وشكره على هذه النعم الغامرة،وهذا الأسلوب ورد في القرآن حيث أن الله في آيات عديدة يلفت نظر العباد إلى نعمه عز وجل مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} (20) سورة لقمان.
وقوله عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (3) سورة فاطر .
وقوله تعالى: { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (73) سورة القصص.
ويعلم كذلك محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ:أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا،وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ،وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا. (1)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » (2) .
ثانياً: تعليم الطفل بعض الأحكام الواضحة ومن الحلال والحرام:
فيعلم الطفل ستر عورته والوضوء وأحكام الطهارة ويعلم أداء الصلاة،وينهى عن المحرمات والكذب والنميمة والسرقة والنظر إلى ما حرَّم الله،وبالجملة يؤمر بما يؤمر به الكبار من التزام شرع الله وينهى عما ينهى عنه الكبار مما لا يحلُّ،حتى يشبَّ على ذلك ويألفه،ومن
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (16) وصحيح مسلم- المكنز - (174 ) وصحيح ابن حبان - (1 / 474) (238)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (15 ) وصحيح مسلم- المكنز - (178)(1/59)
شبَّ على شيء شاب عليه. عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِى فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ». (1)
ويحرص على تعليمه العلم،قال أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ،يَقُولُ: " يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُكْرِهَ وَلَدَهُ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ،يَقُولُ: فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْهُ ". (2)
ثالثا: تعليم الطفل تلاوة القرآن:
فإن القرآن هو النهج القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،فالخير كل الخير أن يعوَّد الطفلُ قراءة القرآن بصورة صحيحة،ويبذل الجهد والطاقة في تحفيظه إياه أو جزء كبير منه،ويشجع على ذلك بشتى الوسائل،فليحرص الوالدان على أن يلتحق الطفل ولدا كان أو بنتا بأحد مدارس تحفيظ القرآن،فإنْ لم يتيسر ذلك فليحرص على التحاقه بأحد حلقات تحفيظ القرآن المنتشرة- ولله الحمد-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" سَبعةٌ يُظلهمُ اللهُ تَحتَ ظِلهِ يَومَ لاَ ظِلَّ إِلا ظِلّهُ:إِمامٌ مُقسطٌ،وَرجلٌ لَقيتهُ امرأةٌ ذَاتُ جَمالٍ وَمنصبٍ فَعرضتْ نَفسهَا عَليهِ فَقالَ:إِنى أَخافُ اللهَ رَب الْعالمينَ،وَرجلٌ قَلبهُ مُتعلقٌ بِالمساجدِ،وَرجلٌ تَعلمَ الْقرآنَ فِي صِغرهِ فَهوَ يَتلوهُ فِي كِبرهِ،وَرجلٌ تَصدقَ بِيمينهِ فَأخفاهَا عَنْ شِمالهِ،وَرجلٌ ذَكرَ اللهَ فِي بَرِّيَّةٍ فَفاضتْ عَيناهُ خَشيةً مِنَ اللهِ،وَرجلٌ لَقيَ رَجلاً فَقالَ: إِِنى أُحبكَ فِي اللهِ،فَقالَ لَهُ الرجلُ:وَأنَا أُحبكَ فِي اللهِ" (3) .
والوالدان اللذان يهتمان بتعليم أولادهما القرآن لهما الثواب العظيم أخرج أبو داود عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (2522 )
(2) - شعب الإيمان - (11 / 133)(8292 ) صحيح
(3) - شعب الإيمان للبيهقي (807 ) صحيح غريب(1/60)
فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْؤُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِى بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِى عَمِلَ بِهَذَا » (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِخَيْرٍ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَوَلَمْ تَرَوْهُ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ." (2)
ولا شك أن تربية الأطفال على القرآن الكريم منذ نعومة أظفارهم من شأنه أن يوسع مداركهم ويزودهم بالحكمة والهداية والنور قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.
وقد أدرك المسلمون السابقون أهمية التربية على القرآن فتسابقوا في هذا الميدان وتنافسوا،فعَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:كَانَ عَلِيُّ فِي الْمَسْجِدِ أَحْسِبُهُ قَالَ:مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَسَمِعَ ضَجَّةً شَدِيدَةً فَسَأَلَ مَا هَؤُلاَءِ ؟ فَقَالُوا:قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ أَوْ يَتْلُونَ الْقُرْآنَ،فَقَالَ:أَمَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . (3)
وقال ابن عَبّاس " سَلُونِي عَن التَّفسِير فَإِنِّي حَفِظت القُرآن وأَنا صَغِير" (4)
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: " حَفِظْتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ،وَحَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ " (5) .
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: يقصد (قَاضِي المَرَسْتَانِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ) كَانَ إِمَاماً فِي فُنُوْنٍ،وَكَانَ يَقُوْلُ: حفظتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعٍ،وَمَا مِنْ علمٍ إِلاَّ وَقَدْ نَظرتُ فِيْهِ،وَحصَّلْتُ مِنْهُ الكُلَّ أَوِ البَعْضَ،إِلاَّ هَذَا النَّحْوَ،فَإِنِّي قَلِيْلُ البِضَاعَةِ فِيْهِ،وَمَا أَعْلَمُ أَنِّي ضَيَّعْتُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِي فِي لَهْوٍ أَوْ لَعِبٍ ". (6)
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (1455 ) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 91)(24374) 24878- حسن
(3) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (3 / 95)(874) فيه ضعف
(4) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (9 / 84) صحيح
(5) - سير أعلام النبلاء - (10 / 11) وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع - (14 / 308) فيه جهالة
(6) - سير أعلام النبلاء - (20 / 26)(1/61)
وذكر لي وليّ الله الشيخ ياسين بن يوسف المرّاكشي قال: رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بنوى،والصبيان يكرهونه على اللعب معهم،وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم،ويقرأ القرآن في تلك الحال،قال: فوقع في قلبي محبته،وكان قد جعله أبوه في دكان،فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن،قال: فأتيت معلّمه فوصيته به،وقلت له: إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم،وينتفع الناس به،فقال لي: أمنجِّم أنت؟ فقلت: لا،وإنما أنطقني الله بذلك. قال: فذكر المعلّم ذلك لوالده،وحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم. (1)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - المنهل العذب الروي - (1 / 2)(1/62)
الحقُّ الثامن
ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال
عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ». رواه الترمذي (1) .
وما يغذى به الأولاد ينبغي أن يكون حلالاً فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ،فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :" يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ .." (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا،وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ } [المؤمنون: 51] وَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ،يَا رَبِّ،وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ،وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ،وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ " (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" ..مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ " (4)
فيعوَّدُ الطفلُ على أكل الحلال وكسب الحلال وإنفاق الحلال حتى ينشأ على التوسط والاعتدال بعيدا عن الإسراف والتقتير.
- - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2602 ) صحيح
(2) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (6683 ) ضعيف
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (2393) وشعب الإيمان - (2 / 388)(1118 )
(4) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (3059 ) حسن لغيره(1/63)
الحقُّ التاسع
أن يعلِّمه الصلاة ويعوِّده عليها
لقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طه .
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِإِقَامَةِ الصَّلاَةِ فِي أَوْقَاتِهَا،لِتُنْقِذَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ،وَاصْبِرْ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأَدِّهَا كَامِلَةً حَقَّ أَدَائِهَا،فَالوَعْظُ بِالفِعْلِ أَشَدُّ أَثَراً مِنْهُ بِالقَوْلِ.وَإِذَا أَقَمْتَ الصَّلاَةَ أَتَاكَ الرِّزْقُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَحْتَسِبْ،وَلَمْ تُكَلَّفْ أَنْتَ رِزْقَ نَفْسِكَ.وَكَانَ الأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ أَمْرٌ فَزِعُوا إِلَى الصَّلاَةِ (1) .
فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ،وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ،وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ،وَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ،أَوْ أَجِيرَهُ،فَلاَ يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ،فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ." (2)
فيؤمر الصبي بالصلاة في سِنِّ السابعة وهي بداية مرحلة التعليم التي نبَّه إليها الإسلام ويؤخذ بالنصح والتوجيه إذا قصَّر في صلاته حتى سنِّ العاشرة،فإنْ تهاون في هذه المرحلة جاز لوالده استخدام الضرب تأديباً له على ما فرط في جنب الله.ويشجع الطفل في هذه السِّن على صلاة الجماعة وحضور صلاة الجمعة والعيدين ومن أنجح الوسائل في تحبيب الأطفال لصلاة الجماعة اصطحاب الأب لأبنائه وأخذهم معه لأداء صلاة الجماعة في المسجد.من أمثلة ذلك ما كان من فعله - صلى الله عليه وسلم - مع علي بن أبي طالب حينما دعاه إلى الإسلام وعمره لم يتجاوز العاشرة فأسلم ولازمه في الخروج إلى الصلاة مستخفياً في شعاب مكة حتى عن أهله وأبيه.
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2441)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 648)(6756) حسن(1/64)
الحقُّ العاشر
أن يدربه على الصوم
وهذا من العمل المستحب إذ يرى جمهور العلماء أنه لا يجب على من دون سن البلوغ ولكن يستحب للتمرين.. أخرج البخاري ومسلم عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ،قَالَتْ:أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ،الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ:" مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا،فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ،وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا،فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ " " فَكُنَّا،بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ،وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ،وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ،فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ،فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ " (1)
وعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ،قَالَتْ:أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ:مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ،وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ذَلِكَ،قَالَتْ:فَكُنَّا نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ وَنَذْهَبُ بِهِمْ إِلَى الْمَسْجِدِ،وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ،فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ." (2)
قال الحافظ ابن حجر معلقاً: " وفِي الحَدِيث حُجَّة عَلَى مَشرُوعِيَّة تَمرِين الصِّبيان عَلَى الصِّيام كَما تَقَدَّمَ لأَنَّ مَن كانَ فِي مِثل السِّنّ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذا الحَدِيثِ فَهُو غَير مُكَلَّف،وإِنَّما صَنَعَ لَهُم ذَلِكَ لِلتَّمرِينِ.
وأَغرَبَ القُرطُبِيُّ فَقالَ:لَعَلَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَم يَعلَم بِذَلِكَ،ويَبعُد أَن يَكُونَ أَمَرَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ تَعذِيب صَغِيرٍ بِعِبادَةٍ غَيرِ مُتَكَرِّرَةٍ فِي السَّنَةِ،وما قَدَّمناهُ مِن حَدِيث رَزِينَةَ يَرُدُّ عَلَيهِ.
مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِند أَهل الحَدِيث وأَهل الأُصُول أَنَّ الصَّحابِيّ إِذا قالَ فَعَلنا كَذا فِي عَهد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ حُكمُهُ الرَّفعَ لأَنَّ الظّاهِر اطِّلاعُهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ذَلِكَ،وتَقرِيرهم عَلَيهِ مَعَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (2725 )
(2) - صحيح ابن حبان - (8 / 385)(3620) صحيح(1/65)
تَوفُّرِ دَواعِيهم عَلَى سُؤالهم إِيّاهُ عَن الأَحكام،مَعَ أَنَّ هَذا مِمّا لا مَجالَ لِلاجتِهادِ فِيهِ فَما فَعَلُوهُ إِلاَّ بِتَوقِيفٍ،والله أَعلَمُ. " (1)
والصوم من الوجهة التربوية يغرس في النفس البشرية حقيقة الإخلاص لله تعالى ومراقبته في السر وتقوية الإرادة وكبح جماح الشهوات ويؤمر به الأطفال عند طاقتهم منذ السابعة وبالتدريج.
- - - - - - - - - -
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (4 / 201)(1/66)
الحقُّ الحادي عشر
تربية البنات على الحجاب
تعوَّد البنت على لبس الحجاب منذ الطفولة ليكون لها شرفاً وحفظاً ويرى العلماء أن تعود البنت على لبس الحجاب في سِن السابعة قياساً على حديث الأمر بالصلاة. ومن فوائد الحجاب للبنت صيانتها والحفاظ،على عفتها وشرفها ويدخل في دائرة الحجاب إبعاد البنت عن الاختلاط بالأجانب.. قال الله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور.
" وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبَصَارِهِنَّ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُنَّ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ،وأَنْ يَغْضُضْنَ بَصَرَهُنَّ عَنِ النَّظَرِ إِلى الرِّجَالِ الأَجَانِبِ عَنْهُنَّ،لأَنَّهُ أَوَلى بِهِنَّ وَأَلْيَقُ،وَأَنْ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ عَنْ الفَوَاحِشِ،وَعَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُنَّ،وَعَنْ أن يَراهُنَّ،أَحَدٌ،وَأَنْ لاَ يُظْهِرْنَ شَيئْاً مِنَ الزِّينَةِ للأَجَانِبِ إِلاَّ مَا لاَ يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ كالرِّدَاءِ والثِّيَابِ والخلخَالِ ( وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ:الوَجْهِ والكَفَّيْنِ والخَاتَمِ )،وأَنْ يُلْقِينَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى فَتْحَاتِ ثِيَابِهِنَّ عِنْدَ الصُّدُورِ ( جُيُوبِهِنَّ ) لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورَهُنَّ وَأَعْنَاقُهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ حَتَّى لاَ يُرى مِنْهَا شَيءٌ،وَأَنْ لاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ( كالسِّوارِ والخَاتَمِ والكُحْلِ والخِصَابِ...) إِلاَّ للأَزْوَاجِ وآبَاءِ الأَزْوَاجِ والإخْوَةِ وأَبْنَائِهِمْ،وَأبْنَاءِ الأَخَوَاتِ،وأَبْنَاءِ الأَزْوَاجِ،وَبَقِيةِ المَحَارِمِ الذينَ عَدَّدهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ،أو لِلنِّسَاءِ المُسْلِمَاتِ ( نِسَائِهِنَّ - وَقِيلَ إِنَّ نِسَاءَهُنَّ تَعْنِي النِّسَاءَ المَخْتَصَّاتِ بِصُحْبَتِهِنَّ وخِدْمَتِهِنَّ )،أو لِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ مِنْ عَبِيدَ مُسْلِمِينَ ( وَقِيلَ حَتَّى لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ )،أو الاتباع المُغَفَّلِينَ وَفِي عُقُولِهِمْ وَلَهٌ،وَلاَ يَشْتَهُونَ النِّسَاءَ ( وَهُمْ(1/67)
التَّابِعُونَ غَيْرُ أوْلِي الإِرْبَةِ مِن الرِّجَالِ )،أو لِلأَطْفَالِ الصِّغَارِ الذين لاَ يَفْهَمُونَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَعَوْرَاتِهِنَّ،أَمَّا إذَا كانَ الطِّفْلُ مُرَاهِقاً أَوْ قَرِيباً مِنْهُ،يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَدْرِيهِ،وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْهَاءِ والحَسْنَاءِ فَلاَ يُسْمَحُ لَهُ بالدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ)
كَمَا أَمَرَهُنَّ بِأَنْ لاَ يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ وَفِي أَرْجُلِهِنَّ الخَلاَخِيلُ فَيَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ الأَرْضَ ليُسمَعَ صَوْتُ مِشْيَتِهِنَّ،وَلِتَلْتَفِتَ الأَنْظَارُ إِلَيْهِنَّ،كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ نِسَاءُ الجَاهِلِيَّةِ .
وارْجِعُوا تَائِبينَ إِلَى طَاعَةِ اللهِ يا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ،وافْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ ربُّكُم مِنَ التَّخَلُّقِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الجَمِيلَةِ والأَخْلاقِ الحَمِيدَةِ،واتْرُكُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ أهلُ الجَاهِلِيَّةِ مِنَ الصِّفَاتِ والأْخْلاقِ الذَّمِيمَةِ،فإِنَّ الفَلاَحَ فِي فِعْلِ ما أَمَرَ اللهَ وَرَسُولُه بِهِ،وَتَرْكِ مَا نَهَيا عَنْهُ ." (1)
ومع الأسف لما أهمل الحجاب وسمح بالاختلاط بين الجنسين وقع ما حذر منه الإسلام من هتك الأعراض وضياع الشرف وانتشار الفساد والوقوع في الحرام.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا:قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُؤُوسُهُنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،وَلاَ يَجِدُونَ رِيحَهَا،وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا." (2)
وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ،قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَلْقَمَةَ حَلِيفٌ فِي بَنِي هَاشِمٍ،فَتَتَابَعْتُ إِلَيْهِ أَنَا وَعَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ،فَكَانَ مِمَّا حَدَّثَنَا أَنْ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالشُّحُّ،وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ،وَيُخَوَّنَ الْأَمِينُ،وَتَظْهَرَ ثِيَابٌ كَأَفْوَاجِ السَّحَرِ،يَلْبَسُهَا نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ،وَيَعْلُو التُّحُوتُ الْوُعُولَ " أَكَذَاكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَمِعْتَهُ مِنْ حِبِّي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: نَعَمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ،قُلْتُ: وَمَا التُّحُوتُ الْوُعُولَ ؟ قَالَ: فُسُولُ الرِّجَالِ،وَأَهْلُ الْبُيُوتَاتِ الْغَامِضَةِ،يُرْفَعُونَ فَوْقَ صَالِحِيهِمْ وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ " (3)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2704)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5704 ) وصحيح ابن حبان - (16 / 500)(7461)
(3) - شرح مشكل الآثار - (10 / 79)(3933 ) حسن(1/68)
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى سُرُوجٍ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ،يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ،نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ،عَلَى رُؤُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ،لَوْ كَانَ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ خَدَمَهُنَّ نِسَاؤُكُمْ،كَمَا خَدَمَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ. (1)
ويخاطب الله المؤمنات جميعاً فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب.
" يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى رَسُولَه - صلى الله عليه وسلم - بأَنْ يَأْمُرَ نِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ والنِّسَاءَ المُؤْمِنَاتِ،بِأَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ،وَأَن يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِنَّ،وَأَنْ يُغَطِّينَ ثَغْرَةَ نُحُورِهِنَّ بِالجَلابِيبِ التِي يُدْنِينَهَا عَلَيهِنَّ.وَالغَايَةُ مِنْ ذَلِكَ التَّسَتُّرُ،وَأَن يُعْرَفْنَ بِأَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلا يُؤْذِيهِنَّ أَحَدٌ،وَلا يَتَعَرَّضُ لَهُنَّ فَاسِقٌ بِأَذى وَلا رِيبَةٍ،وَرَبُّكُمْ غَفَّارٌ لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ صَدرَ مِنَ الإْخْلاَلِ بالسِّتْرِ،كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِمَنِ امْتَثَلَ أَمْرَهُ،وَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ عَمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَّرَ فِي مُرَاقَبَتِهِ فِي أُمُورِ التَّسَتُّرِ يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ - يُرْخِينَ وَيُسْدِلْنَ عَلَيْهِنّ ." (2)
وينهى الله المؤمنات عن التبرج :{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (33) سورة الأحزاب
وَلاَ تُبِديَنَّ زِينَتَكُنَّ وَمَحَاسِنَكُنَّ لِلرِّجَالِ،كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ نِسَاءُ الجَاهِلِيَّةِ،وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ عَلَى الوَجهِ الأَكْمَلِ،وأَدِّينَ الزَّكَاةَ عَنْ أَموَالِكُنَّ كَمَا أَمَرَ اللهُ،فَاللهُ تَعالى يُريدُ أَنْ يُطَهِّرَ أَهلَ بَيْتِ رَسُولِهِ تَطهيراً لا تُخَالِطُهُ شُبْهَةٌ مِنْ دَنَسِ الفِسْقِ والفُجُورِ،وأَنْ يُذْهِبَ عَنْهُم السُّوءَ والفَحْشَاءَ . (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 64) (5753) صحيح
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3473)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3447)(1/69)
الحقُّ الثاني عشر
أن يعلَّم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول
وقد جاء هذا التوجيه في القرآن الكريم بأسلوب تربوي متدرج فطلب من الأطفال وهم صغار أن يستأذنوا في ثلاث أوقات مهمة:
1- من قبل صلاة الفجر 2- ووقت الظهيرة عند القيلولة 3- وبعد صلاة العشاء. فإذا بلغ الأولاد سنَّ البلوغ وجب عليهم الاستئذان في البيت للدخول على والديهم في كل وقت،قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)} سورة النور.
" يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه مُروا عبيدكم وإماءكم،والأطفال الأحرار دون سن الاحتلام أن يستأذنوا عند الدخول عليكم في أوقات عوراتكم الثلاثة: من قبل صلاة الفجر؛لأنه وقت الخروج من ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة،ووقت خلع الثياب للقيلولة في الظهيرة،ومن بعد صلاة العشاء؛لأنه وقت للنوم،وهذه الأوقات الثلاثة عورات لكم،يقل فيها التستر،أما فيما سواها فلا حرج إذا دخلوا بغير إذن؛لحاجتهم في الدخول عليكم،طوافون عليكم للخدمة،وكما بيَّن الله لكم أحكام الاستئذان يبيِّن لكم آياته وأحكامه وحججه وشرائع دينه. والله عليم بما يصلح خلقه،حكيم في تدبيره أمورهم.(1/70)
وإذا بلغ الأطفال منكم سن الاحتلام والتكليف بالأحكام الشرعية،فعليهم أن يستأذنوا إذا أرادوا الدخول في كل الأوقات كما يستأذن الكبار،وكما يبيِّن الله آداب الاستئذان يبيِّن الله تعالى لكم آياته. والله عليم بما يصلح عباده،حكيم في تشريعه." (1)
فالخدم من الرقيق،والأطفال المميزون الذين لم يبلغوا الحلم يدخلون بلا استئذان. إلا في ثلاثة أوقات تنكشف فيها العورات عادة،فهم يستأذنون فيها. هذه الأوقات هي : الوقت قبل صلاة الفجر حيث يكون الناس في ثياب النوم عادة أو أنهم يغيرونها ويلبسون ثياب الخروج. ووقت الظهيرة عند القيلولة،حيث يخلعون ملابسهم في العادة ويرتدون ثياب النوم للراحة. وبعد صلاة العشاء حين يخلعون ملابسهم كذلك ويرتدون ثياب الليل ..
وسماها «عورات» لانكشاف العورات فيها. وفي هذه الأوقات الثلاثة لا بد أن يستأذن الخدم،وأن يستأذن الصغار المميزون الذين لم يبلغوا الحلم،كي لا تقع أنظارهم على عورات أهليهم. وهو أدب يغفله الكثيرون في حياتهم المنزلية،مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية،ظانين أن الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة! وأن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون لهذه المناظر. بينما يقرر النفسيون اليوم - بعد تقدم العلوم النفسية - أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها.
والعليم الخبير يؤدب المؤمنين بهذه الآداب وهو يريد أن يبني أمة سليمة الأعصاب،سليمة الصدور،مهذبة المشاعر،طاهرة القلوب،نظيفة التصورات.
ويخصص هذه الأوقات الثلاثة دون غيرها لأنها مظنة انكشاف العورات. ولا يجعل استئذان الخدم والصغار في كل حين منعا للحرج. فهم كثيرو الدخول والخروج على أهليهم بحكم صغر سنهم أو قيامهم بالخدمة : «طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ» .. وبذلك يجمع بين الحرص على عدم انكشاف العورات،وإزالة الحرج والمشقة لو حتم أن يستأذنوا كما يستأذن الكبار.فأما حين يدرك الصغار سن البلوغ،فإنهم يدخلون في حكم
__________
(1) - التفسير الميسر - (6 / 262)(1/71)
الأجانب،الذين يجب أن يستأذنوا في كل وقت،حسب النص العام،الذي مضت به آية الاستئذان. (1)
وفي تربية الأولاد على هذه الآداب تعويد لهم على غض البصر عن العورات وحفظ لهم من أسباب الإثارات التي قد تسبب لهم بعض الأضرار النفسية والاجتماعية والخلقية.
- - - - - - - - - -
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2532)(1/72)
الحقُّ الثالث عشر
أن يعدِل الوالدان بين أولادهم
فلا يفضل أحد على أحد ولا يميز الذكور على الإناث،والعدل بين الأولاد مطلوب في جميع الحالات سواء كان في العطاء أو في المحبة والقبلة أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في المعاملة فإنه يلزم الوالدين معاملة أولادهم بالعدل والمساواة.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا - قَالَ يَعْنِى الذُّكُورَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ». وَلَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ يَعْنِى الذُّكُورَ. (1) .
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ انْطَلَقَ بِى أَبِى يَحْمِلُنِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّى قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِى. فَقَالَ « أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِى - ثُمَّ قَالَ - أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِى الْبِرِّ سَوَاءً ». قَالَ بَلَى. قَالَ « فَلاَ إِذًا» (2) .
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَنَحَلَنِي نُحْلًا لِيُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: " أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ " فَقَالَ: لَا،قَالَ: " أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ كُلُّهُمْ سَوَاءً ؟ " قَالَ: بَلَى،قَالَ: " فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي " (3)
وبهذا العدل يستقيم أمر الأسرة وتنشأ المحبة بين الجميع وتغرس الثقة بين أفراد الأسرة فلا مكان للأحقاد والبغضاء عندئذ،فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ تَصَدَّقَ عَلَىَّ أَبِى بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّى عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَانْطَلَقَ أَبِى إِلَى
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (5148 ) فيه ضعف
يئدها : من الوأد،وهو دفن الرجل ابنته حية،كما كانوا يفعلون في الجاهلية،وهي الموؤدة التي ذكرها الله - عزَّ وجلَّ - فقال: {وإذا الموؤدة سُئلت بأيِّ ذنب قُتلت } [التكوير: 8،9] .جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 414)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (4272 )
(3) - شرح مشكل الآثار - (13 / 71)(5072 ) صحيح(1/73)
النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ ». قَالَ لاَ. قَالَ « اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِى أَوْلاَدِكُمْ ». فَرَجَعَ أَبِى فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. (1) .
وعَنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ،يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ أَبَاهُ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ أَعْطَاهُ عَطِيَّةً،قَالَتْ أُمُّهُ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: أَشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَأَتَاهُ أَبِي لِيُشْهِدَهُ،فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لا،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :اتَّقُوا اللَّهَ،وَاعْدِلُوا فِي أَوْلادِكُمْ." (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (4267 )
(2) - مسند أبي عوانة (4600 ) صحيح(1/74)
الحقُّ الرابع عشر
تخيِّرُ الصحبة الصالحة لهم
حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار وحذر من صحبة الأشرار،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ،قَالَ:لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا،وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ. (1)
وقال تعالى مبينا آثار الصحبة السيئة:{ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) } [الزخرف:36 - 39]
ومن يُعْرِض عن ذكر الرحمن، وهو القرآن، فلم يَخَفْ عقابه، ولم يهتد بهدايته، نجعل له شيطانًا في الدنيا يغويه; جزاء له على إعراضه عن ذكر الله، فهو له ملازم ومصاحب يمنعه الحلال، ويبعثه على الحرام.
وإن الشياطين ليصدون عن سبيل الحق هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله، فيزيِّنون لهم الضلالة، ويكرِّهون لهم الإيمان بالله والعمل بطاعته، ويظن هؤلاء المعرضون بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلال أنهم على الحق والهدى.
حتى إذا جاءنا الذي أعرض عن ذكر الرحمن وقرينُه من الشياطين للحساب والجزاء، قال المعرض عن ذكر الله لقرينه: وددت أن بيني وبينك بُعْدَ ما بين المشرق والمغرب، فبئس القرين لي حيث أغويتني. (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ،فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ. " (3)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 314)(554) صحيح
(2) - التفسير الميسر - (9 / 2)
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 195)(8028) 8015- صحيح(1/75)
وعَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ،وَكِيرِ الْحَدَّادِ،لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ،أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ،وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً » (1) .
وعَنْ أَبِي مُوسَى،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ،كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ،فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ،وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً،وَنَافِخُ الْكِيرِ،إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ،وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً. (2)
وفي تخير الأصحاب الصالحين للأبناء حماية لهم من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى. ولقد أحسن من قال:
واختر من الأصحاب كل مرشد إن القرين بالقرين يقتدي
فصحبة الأخيار للقلب دواء تزيد للقلب نشاطاً وقوى
وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد للقلب السقيم سقماً
- - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2101 ) وصحيح مسلم- المكنز -(6860)
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 321) (561) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْمُقَايِسَاتِ فِي الدِّينِ.(1/76)
الحقُّ الخامس عشر
توفير أسباب اللهو واللعب المفيد
من سباحة ورماية وركوب الخيل وما جرى مجراهم في النفع،فعَنِ ابْنِ جُدْعَانَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ قَالَ عَلِىٌّ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَاهُ وَأُمَّهُ لأَحَدٍ إِلاَّ لِسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ « ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى ». وَقَالَ لَهُ « ارْمِ أَيُّهَا الْغُلاَمُ الْحَزَوَّرُ » ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى » (1) .
وعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ - رضي الله عنهم - قَالَ مَرَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « ارْمُوا بَنِى إِسْمَاعِيلَ،فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِى فُلاَنٍ ».قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ ».قَالُوا كَيْفَ نَرْمِى وَأَنْتَ مَعَهُمْ.قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ » (2) .
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ،قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ،فَقَالَ:ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ،فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا،وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ لأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ،فَأَمْسَكُوا أَيْدِيَهُمْ،فَقَالَ:مَا لَكُمُ ارْمُوا،قَالُوا:كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلاَنٍ ؟ قَالَ:ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلُّكُمْ. (3)
وعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّهَا قَالَتْ:دَخَلَ عَلَيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَلْعَبُ بِاللُّعَبِ،فَرَفَعَ السِّتْرَ،وَقَالَ:مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟ فَقُلْتُ:لُعَبٌ يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:مَا هَذَا الَّذِي أَرَى بَيْنَهُنَّ ؟ قُلْتُ:فَرَسٌ يَا رَسُولَ
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3063 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الحزور : الغلام إذا اشتد وقوى
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (2899 )
(3) - صحيح ابن حبان - (10 / 547) (4693) صحيح(1/77)
اللهِ،قَالَ:فَرَسٌ مِنْ رِقَاعٍ لَهُ جَنَاحٌ ؟ قَالَتْ:فَقُلْتُ:أَلَمْ يَكُنْ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ خَيْلٌ لَهَا أَجْنِحَةٌ ؟ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . (1)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:سَابَقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَبَقْتُهُ،فَلَبِثْنَا حَتَّى إِذَا أَرْهَقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :هَذِهِ بِتِلْكَ. (2)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأنا خَفِيفَةُ اللَّحْمِ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" تَقَدَّمُوا " ثُمَّ قَالَ لِي:" تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقَنِي فَسَبَقْتُهُ " ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ آخَرَ،وَقَدْ حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" تَقَدَّمُوا " ثُمَّ قَالَ لِي:تَعَالَيْ أُسَابِقُكِ " فَسَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَضَرَبَ بِيَدِهِ كَتِفِي وَقَالَ:" هَذِهِ بِتِلْكَ " (3)
وعَنْ مُوَرِّقٍ،عَنْ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ قَالَ:قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ فَاسْتَقْبَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ،وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُمَا (فَجَعَلَ - صلى الله عليه وسلم - أَكْبَرَهُمَا) خَلْفَهُ،وَحَمَلَ أَصْغَرَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ." (4)
ولهذا الجانب أهمية بالغة في التربية فهو يكسب الأطفال الثقة بأنفسهم فيشبوا على تعلم مهارات كثيرة تكون أساساً لكثير من الأنشطة الحياتية إذا كبروا. وهناك فائدة أخرى مهمة في توفير الوالدين والمربين الألعاب بين يدي الأطفال وهي تفريغ طاقاتهم المكبوتة وتوجيهها الوجهة الصحيحة وصرفهم عن اللهو الحرام والسلوك الخاطئ.
- - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 174) (5864) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (10 / 545) (4691) صحيح
(3) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 64)(54-7709) وأبو داود برقم(2580) وأحمد برقم(27031) والببيهقي في السنن برقم ( 20252 و20253) والحميدي برقم (278) صحيح
(4) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (11 / 639)(2636 ) حسن(1/78)
الحق السادس عشر
أن يعوله حتى سن الرشد
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،أَنَّهَا قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ بَنِي أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي،وَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ،وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ كَذَا وَلاَ كَذَا،أَفَلِي أَجْرٌ إِنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ،فَإِنَّ لَكِ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ. " (1)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِى مِنْ أَجْرٍ فِى بَنِى أَبِى سَلَمَةَ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ،وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا؟،إِنَّمَا هُمْ بَنِىَّ.قَالَ: « نَعَمْ لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ » . (2)
وعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ،عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ ؟ فَإِنِّي أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ،وَإِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ،فَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا تَقُولُ:كَانَ لِي أَجْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :نَعَمْ لَكِ فِيهِمْ أَجْرٌ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ." (3)
وعَنْ رَيْطَةَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أُمِّ وَلَدِهِ،وَكَانَتِ امْرَأَةً صَنَاعًا،وَلَيْسَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَالٌ،وَكَانَتْ تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ مِنْ ثَمَرَةِ صَنْعَتِهَا،وَقَالَتْ:وَاللَّهِ لَقَدْ شَغَلْتَنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ عَنِ الصَّدَقَةِ،فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ مَعَكُمْ،فَقَالَ:مَا أُحِبُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ أَنْ تَفْعَلِي،فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ وَهِيَ،فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي امْرَأَةٌ وَلِيَ صَنْعَةٌ فَأَبِيعُ مِنْهَا،وَلَيْسَ لِي،وَلاَ لِزَوْجِي،وَلاَ لِوَلَدِي شَيْءٌ،وَشَغَلُونِي فَلاَ أَتَصَدَّقُ،فَهَلْ لِي فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْرٍ ؟ فَقَالَ:لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ،فَأَنْفِقِي عَلَيْهِمْ. (4)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 623)(26642) 27177- صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5369 ) وصحيح مسلم- المكنز -(2367)
(3) - صحيح ابن حبان - (10 / 56)(4246) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (10 / 57) (4247) صحيح(1/79)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لأَصْحَابِهِ:تَصَدَّقُوا،فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدِي دِينَارٌ،قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى زَوْجَتِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ." (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى دِينَارٌ فَقَالَ :« أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ ».
قَالَ:عِنْدِى آخَرٌ. قَالَ :« أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ ». قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى آخَرُ. قَالَ :« أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ ». قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى آخَرُ. قَالَ :« أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ ». قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى آخَرُ. قَالَ :« أَنْتَ أَعْلَمُ ». قَالَ سَعِيدٌ:ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ:يَقُولُ وَلَدُكَ أَنْفِقْ عَلَىَّ إِلَى مَنْ تَكِلُنِى؟ تَقُولُ زَوْجَتُكَ:أَنْفِقْ عَلَىَّ أَوْ طَلِّقْنِى،يَقُولُ خَادِمُكَ:أَنْفِقْ عَلَىَّ أَوْ بِعْنِى." (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ. (3)
وعَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو،سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:" كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ " (4)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (8 / 126)(3337) صحيح
(2) - مسند الحميدي - المكنز - (1229) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (10 / 51) (4240) صحيح
(4) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 196)(279-7933 ) صحيح
وفي فيض القدير، شرح الجامع الصغير - 6237 - (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) أي من يلزم قوته قال الزمخشري: قاته يقوته إذا أطعمه قوتاً ورجل مقوت ومقيت وأقات عليه أقاته فهو مقيت إذا حافظ عليه وهيمن ومنه {وكان اللّه على كل شيء مقيتاً} وحذف الجار والمجرور من الصلاة هنا نظير حذفهما في الصفة من قوله تقدس {واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً} إلى هنا كلامه وهذا صريح في وجوب نفقة من يقوت لتعليقه الإثم على تركه لكن إنما يتصور ذلك في موسر لا معسر فعلى القادر السعي على عياله لئلا يضيعهم فمع الخوف على ضياعهم هو مضطر إلى الطلب لهم لكن لا يطلب لهم إلا قدر الكفاية لأن الدنيا بغيضة للّه وسؤال أوساخ الناس قروح وخموش يوم القيامة قال الحرالي: والضيعة هو التقريظ فيما له غناء وثمرة إلى أن لا يكون له غناء ولا ثمرة.(1/80)
وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ،أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَرَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ،فَقَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ،وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ،وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيَعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللهِ،وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ،وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى تَفَاخُرًا وَتَكَاثُرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ". (1)
ولا يخفى ما في ذاك من فوائد تربوية إذ فيه حسن إعداد الأطفال ليتجاوبوا مع التربية في سن الصغر فلا ينشغلوا عن ذلك بطعامهم وشرابهم. ومن أجل ذلك قال العلماء: ويلزم الوالدين إن كانا أغنياء أن ينفقا على أولادهما حتى ما بعد الرشد إن كانوا فقراء. (2)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (13 / 491)(15619) حسن
(2) - انظر عشرة النساء للنسائي كاملة -بتحقيقي - ط2 - (1 / 253) والفتاوى الكبري لابن تيمية - (4 / 434) ومجموع الفتاوى لابن تيمية - (34 / 105) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 4702) -رقم الفتوى 24713 النفقة على الابن الفقير واجبة على الأب(1/81)
الحقُّ السابع عشر
الرحمة وما يتفرع عنها من حب وحنان وعطف
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،قَالَ:سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ،يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُنَا،إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ،عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ،فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:صَدَقَ اللَّهُ:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن] نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ،فَلَمْ أَصْبِرْ،حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي فَرَفَعَتْهُمَا. (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ ». (2)
وعَنْ سَعْدٍ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :وَالْحَسَنُ،وَالْحُسَيْنُ،يَلْعَبَانِ عَلَى بَطْنِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولِ اللهِ:أَتُحِبُّهُمَا ؟ فَقَالَ:وَمَالِي لاَ أُحِبُّهُمَا رَيْحَانَتَايَ." (3)
وعَنِ الْحَسَنِ،أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا،وَكَانَ الْحَسَنُ يَجِيءُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَكَانَ كُلَّمَا سَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَثَبَ عَلَى رَقَبَتِهِ وَظَهْرِهِ،فَيَرْفَعُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ رَفَعًا رَقِيقًا حَتَّى يَضَعَهُ،فَقَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّكَ تَصْنَعُ بِهَذَا الْغُلاَمِ شَيْئًا مَا رَأَيْنَاكَ تَصْنَعُهُ بِأَحَدٍ،فَقَالَ:إِنَّهُ رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا،إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ،وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (4)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 403)(6039) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6170 )
(3) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (3 / 286)(1078) صحيح لغيره
الريحانة : النبت طيب الرائحة،والمراد شدة الحب
(4) - صحيح ابن حبان - (15 / 418) (6964) صحيح لغيره(1/82)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ،فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ،فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ،أَخَذَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ أَخْذًا رَفِيقًا،فَيَضَعُهُمَا عَلَى الأَرْضِ،فَإِذَا عَادَ عَادَا،حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ،أَقْعَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ،قَالَ:فَقُمْتُ إِلَيْهِ،فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَرُدُّهُمَا،فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ،فَقَالَ لَهُمَا:الْحَقَا بِأُمِّكُمَا.قَالَ:فَمَكَثَ ضَوْؤُهَا حَتَّى دَخَلاَ. (1)
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ،فَيَجِيءُ الْحَسَنُ أوِ الْحُسَيْنُ فَيَرْكَبُ ظَهْرَهُ،فَيُطِيلُ السُّجُودَ،فَيُقَالُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ،أَطَلْتَ السُّجُودَ ! فَيَقُولُ:" ارْتَحَلَنِيَ ابْنِي ; فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ ".رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى (2)
وعَنْ عُمَرَ قَالَ:رَأَيْتُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا عَلَى عَاتِقَيِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ:نِعْمَ الْفَرَسُ تَحْتَكُمَا قَالَ:وَنِعْمَ الْفَارِسَانِ هُمَا. (3)
وروى أحمد في مسنده عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،قَالَتْ:بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي يَوْمًا إِذْ قَالَتِ الْخَادِمُ:إِنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ بِالسُّدَّةِ،قَالَتْ:فَقَالَ لِي:قُومِي فَتَنَحَّيْ لِي عَنْ أَهْلِ بَيْتِي قَالَتْ:فَقُمْتُ فَتَنَحَّيْتُ فِي الْبَيْتِ قَرِيبًا،فَدَخَلَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَمَعَهُمَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَهُمَا صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ،فَأَخَذَ الصَّبِيَّيْنِ،فَوَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ،فَقَبَّلَهُمَا.قَالَ:وَاعْتَنَقَ عَلِيًّا بِإِحْدَى يَدَيْهِ،وَفَاطِمَةَ بِالْيَدِ الأُخْرَى،فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ وَقَبَّلَ عَلِيًّا،فَأَغْدَفَ عَلَيْهِمْ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ،فَقَالَ:اللَّهُمَّ إِلَيْكَ،لاَ إِلَى النَّارِ،أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي قَالَتْ:فَقُلْتُ:وَأَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ:وَأَنْتِ." (4)
وفي الحديث فوائد تربوية عظيمة منها:
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 749)(10659) 10669- حسن
(2) - مسند أبي يعلى الأسد - (2 / 415)(3428) والفوائد لتمام 414 - (2 / 457)(1788) حسن لغيره
(3) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (1 / 417) (293) والمطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (16 / 203)(3968) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 594)(26540) 27075- فيه جهالة(1/83)
ضرب المثل الحسن في معاملة الأب لأولاده وأحفاده وزوج بنته ومنها أن الرحمة مع أفراد الأسرة ولاسيَّماالصغار مصدر سدادة وسرور.
ومنها: أن العطف على الصغار يولد فيهم حب آبائهم والسير على منهاجهم وطريقتهم ويجنبهم مخاطر العقوق والتمرد.
ومنها: الحرص بين أفراد الأسرة على التهادي ودعاء رب الأسرة لأهله وأولاده وأحفاده بالخير وسؤال الجنة لهم وإعاذتهم من النار.
ومنها أن تقبيل الأطفال له أثر فعال في تحريك مشاعرهم وتسكين غضبهم وهو دليل رحمة ومحبة للطفل ودليل تواضع من المربي معهم.
- - - - - - - - - -(1/84)
الحقُّ الثامن عشر
من حق الأولاد التأديب
عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ نُحْلاً أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ (1) . ونحل أعطى.
وعَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ،قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَوَالِدِي،إِلَى أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى،فَقَالَ أَيُّوبُ: ابْنُكَ هَذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ،قَالَ: فَأَحْسِنْ أَدَبَهُ،حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ جَدِّي،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ: " مَا نَحِلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ " (2)
وعَنْ سَالِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ." (3)
وروى الطبراني عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: " لَأَنْ يُؤَدِّبَ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ كُلَّ يَوْمٍ بِنِصْفِ صَاعٍ " (4)
ومن هنا قال العلماء: إذا بلغ الولد ست سنين أدب فإذا بلغ تسع سنين عزل فراشه فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة يضرب على الصلاة فإذا بلغ ست عشرة سنة زوجه أبوه.
وقَالَ عُثْمَانُ الْحَاطِبِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: " أَدِّبِ ابْنِكَ،فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ،مَاذَا أَدَّبْتَهُ ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ،وَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ " (5) .
وقَال النَّوَوِيُّ:إِنَّ عَلَى الأَْبِ تَأْدِيبَ وَلَدِهِ وَتَعْلِيمَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ،وَهَذَا التَّعْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَى الأَْبِ وَسَائِرِ الأَْوْلِيَاءِ قَبْل بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ (6) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 716)(16710) 16830- وشعب الإيمان - (11 / 130) (8285 ) وسنن الترمذى- المكنز - (2079 ) حسن لغيره
(2) - شعب الإيمان - (11 / 131) (8286 ) حسن لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (10 / 458) (13056) حسن لغيره
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (2 / 352) (2000) وشعب الإيمان - (11 / 131)(8288 ) ضعيف
(5) - شعب الإيمان - (11 / 135)(8295 ) حسن
(6) - شرح النووي على صحيح مسلم 8 /44(1/85)
فَالطِّفْل كَمَا قَال الْغَزَالِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ،وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُل نَقْشٍ وَصُورَةٍ،وَهُوَ قَابِلٌ لِكُل نَقْشٍ،وَقَابِلٌ لِكُل مَا يُمَال بِهِ إِلَيْهِ،فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ،وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ،يُشَارِكُهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُل مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ،وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِل إِهْمَال الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ،وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ وَالْوَالِي لَهُ (1) .
بَل ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَسْأَل الْوَالِدَ عَنْ وَلَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَبْل أَنْ يَسْأَل الْوَلَدَ عَنْ وَالِدِهِ . (2)
وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالنَّظَرِ وَالاِعْتِبَارِ أَنَّهُ مَا أَفْسَدَ الأَْبْنَاءَ مِثْل إِهْمَال الآْبَاءِ فِي تَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ مَا يُصْلِحُ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتَهُمْ،وَتَفْرِيطِهِمْ فِي حَمْلِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَزَجْرِهِمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ،وَإِعَانَتِهِمْ عَلَى شَهَوَاتِهِمْ،يَحْسَبُ الْوَالِدُ أَنَّهُ يُكْرِمُهُ بِذَلِكَ وَقَدْ أَهَانَهُ،وَأَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَقَدْ ظَلَمَهُ وَحَرَمَهُ،فَفَاتَهُ انْتِفَاعُهُ بِوَلَدِهِ،وَفَوَّتَ عَلَيْهِ حَظَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ . (3)
من صور تأديب الأولاد
من واجب الآباء والأمهات والمربين تعليم الأطفال منذ الصغر النطق بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله " وإفهامهم معناها عندما يكبرون: لا معبود بحق إلا الله قال الإمام ابن القيم رحمه الله في أحكام المولود: "فإذا كان وقت نطقهم أي الأطفال فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا" (4) .
ومن أساليب التأديب غرس محبة الله ورسوله،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ:أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا
__________
(1) - إحياء علوم الدين 3/ 62،وانظر المدخل لابن الحاج 4/ 295
(2) - تحفة المودود لابن القيم ص 137 .
(3) - تحفة المودود ص 147.وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (45 / 169)
(4) - موسوعة كتب ابن القيم - (235 / 3)(1/86)
سِوَاهُمَا،وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ،وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا (1) .
وتعويدهم أن يسألوا الله وحده ويستعينوا به وحده،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " يَا غُلَامُ أَوْ يَا بُنَيَّ أَوَ لَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ ؟ " قُلْتُ: بَلَى،قَالَ: " احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ،احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ،تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ،إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ،وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ،قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ،فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ،وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ،وَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ فِي الْيَقِينِ،وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ،وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ،وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " (2) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ،كَذَا قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " يَا غُلَامُ،أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِنَّ ؟ " قُلْتُ: بَلَى،يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ: " احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ،احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ،تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ،إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ،وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ،قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ،فَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا،وَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا،فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ بِالرِّضَا وَالْيَقِينِ فَافْعَلْ،وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا،وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ،وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ،وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (16) وصحيح مسلم- المكنز - (174) و صحيح ابن حبان - (1 / 474) (238)
(2) - شعب الإيمان - (2 / 350) (1043 ) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (12 / 354)(9528) صحيح(1/87)
ومن تأديب الأولاد تعويدهم على الصدق قولاً وعملاً بأن لا نكذب عليهم ولو مازحين وإذا وعدناهم فلنوف بوعدنا،لما ورد في صحيح البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ،وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ،وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ » (1) .
ومن صور التأديب غرس العقيدة الصحيحة في الله وأسمائه وصفاته والتأكيد على قضية الإيمان والتوحيد،والتحذير من الشرك لأنه الظلم العظيم،قال تعالى:{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) } [لقمان:13 - 19]
ولقد أعطينا عبدًا صالحًا من عبادنا(وهو لقمان) الحكمة،وهي الفقه في الدين وسلامة العقل والإصابة في القول،وقلنا له: اشكر لله نِعَمَه عليك،ومَن يشكر لربه فإنما يعود نَفْع ذلك عليه،ومن جحد نِعَمَه فإن الله غني عن شكره،غير محتاج إليه،له الحمد والثناء على كل حال.
واذكر -أيها الرسول- نصيحة لقمان لابنه حين قال له واعظًا: يا بنيَّ لا تشرك بالله فتظلم نفسك؛إن الشرك لأعظم الكبائر وأبشعها.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (33 ) وصحيح مسلم- المكنز - (220)(1/88)
وأَمَرْنا الإنسان ببرِّ والديه والإحسان إليهما،حَمَلَتْه أمه ضعفًا على ضعف،وحمله وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين،وقلنا له: اشكر لله،ثم اشكر لوالديك،إليَّ المرجع فأُجازي كُلا بما يستحق.
وإن جاهدك- أيها الولد المؤمن- والداك على أن تشرك بي غيري في عبادتك إياي مما ليس لك به عِلم،أو أمراك بمعصية مِن معاصي الله فلا تطعهما؛لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،وصاحبهما في الدنيا بالمعروف فيما لا إثم فيه،واسلك- أيها الابن المؤمن- طريق مَن تاب من ذنبه،ورجع إليَّ وآمن برسولي محمد - صلى الله عليه وسلم - ،ثم إليَّ مرجعكم،فأخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا،وأجازي كلَّ عامل بعمله.
يا بنيَّ اعلم أن السيئة أو الحسنة إن كانت قَدْر حبة خردل- وهي المتناهية في الصغر- في باطن جبل،أو في أي مكان في السموات أو في الأرض،فإن الله يأتي بها يوم القيامة،ويحاسِب عليها. إن الله لطيف بعباده خبير بأعمالهم.
يا بنيَّ أقم الصلاة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها،وأْمر بالمعروف،وانْه عن المنكر بلطفٍ ولينٍ وحكمة بحسب جهدك،وتحمَّل ما يصيبك من الأذى مقابل أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر،واعلم أن هذه الوصايا مما أمر الله به من الأمور التي ينبغي الحرص عليها.
ولا تُمِلْ وجهك عن الناس إذا كلَّمتهم أو كلموك؛احتقارًا منك لهم واستكبارًا عليهم،ولا تمش في الأرض بين الناس مختالا متبخترًا،إن الله لا يحب كل متكبر متباه في نفسه وهيئته وقوله.
وتواضع في مشيك،واخفض من صوتك فلا ترفعه،إن أقبح الأصوات وأبغضها لصوت الحمير المعروفة ببلادتها وأصواتها المرتفعة. (1)
ومن معاني التأديب غرس عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره وغرس عقيدة اليوم الآخر وما فيه من حساب وصراط وجنة ونار،قال تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ
__________
(1) - التفسير الميسر - (7 / 256)(1/89)
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة .
وعَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ،قَالَ:أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ:وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ،فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّهُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ قَلْبِي،فقَالَ:إِنَّ اللَّهَ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ،وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ،وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ فِي سَبِيلِ اللهِ،مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ،وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ،وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ،وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا،لَدَخَلْتَ النَّارَ،قَالَ:ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ،فقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ،ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ،فقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ،ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ،فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ ذَلِكَ. (1)
ومن وسائل التأديب: تعويد الأطفال على الآداب الاجتماعية كآداب الطعام والشراب وآداب السلام وآداب المجلس وآداب العطاس والتثاؤب وآداب النوم والآداب مع الوالدين والأخوة والآداب مع الجيران. (2)
فعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ،وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ (3) .
- ومن أدب البنين والبنات تحذيرهم من تشبه البنات بالرجال وتشبه الأولاد بالنساء سواء كان في الملبس أو في الحركة فإن ذلك من الاسترجال المنافي للأنوثة عند الفتيات ومن الميوعة والتخنث المنافي للرجولة عند الأولاد.
روى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ،وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ (4) . .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 506) (727) صحيح
(2) - انظر كتاب الآداب الإسلامية للناشئة
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5376 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (5885 )(1/90)
وعَنِ الْحَسَنِ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لُعِنَ مِنَ الرِّجَالِ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ وَلُعِنَ مِنَ النِّسَاءِ الْمُتَشَبِّهَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ." (1)
وعَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ:الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ،لَيْسَتْ مِنَّا وَلَسْنَا مِنْهَا. (2)
الخلاصة في عقوبة الأطفال :
العقوبة في مفهوم التربية الإسلامية عقوبة هادفة وموجهه فليس المقصود منها الانتقام من المخطئ أو إلحاق الضرر به أو إقامة الحد عليه،كما أنها ليست هي الوسيلة الوحيدة في تقويم اعوجاج الأبناء.. العقوبة وسيلة واحدة من وسائل التربية الإسلامية المتعددة وهي تستهدف خير الأبناء وصلاحهم وتكون مشفوعة بالرحمة والشفقة ومنضبطة بضوابط مشروعة لا تنفصل عنها وهي في حالة التطبيق تأخذ شكل التدرج والبدء بالعقوبة الأخف فالأشد. ومن هذه العقوبات:
1- النصح والإرشاد والتنبيه:
وقد مارس الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الأسلوب تجاه أحد الأبناء المخالفين فقد رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - غلاما تطيش يده في الطعام فقال له يعلمه طريقة الأكل: فعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ،وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ . (3)
2- الإعراض:
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْكَذِبِ،وَمَا اطَّلَعَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَيَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ تَوْبَةً. (4) .
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 485)(27025) صحيح لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 486)(27026) صحيح مرسل
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5376 )
(4) - كشف الأستار - (1 / 108)(193) صحيح(1/91)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْكَذِبِ،وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَهُ الْكَذْبَةَ فَمَا تَزَالُ فِي نَفْسِهِ،حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً. (1)
3- التعبيس:
قد يفيد بعض النفوس فيردعها عن أخطائها. فعن عَبْدِ اللَّهِ بِن مَسْعُودٍ:"لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلا مِنَ الْجِنِّ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الإنْسِيُّ،فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ: عَاوِدْنِي،فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ،فَقَالَ لَهُ الإنْسِيُّ: إِنِّي لأَرَاكَ ضَئِيلا شَحِيبًا كَانَ ذُرَيِّعَتَيْكَ ذُرَيِّعَتَا كَلْبٍ،فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْجِنِّ أَوْ أَنْتَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ،قَالَ: لا وَاللَّهِ إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ،وَلَكِنْ عَاوِدْنِي الثَّالِثَةَ فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ،قَالَ: هَاتِ عَلِّمْنِي،قَالَ: هَلْ تَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ،قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَهَا فِي بَيْتٍ إِلا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ لَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ لا يَدْخُلُهُ حَتَّى يُصْبِحَ"،قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ،مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: فَعَبَسَ عَبْدُ اللَّهِ،وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ،وَقَالَ: مَنْ يَكُونُ هُوَ إِلا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. (2)
4- الزجر:
ومثاله زجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي رضي الله عنهما فعَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِى فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ». (رواه مسلم) (3) .
5- الكف عن العمل:
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 45) (5736) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 80) (8738 ) حسن لغيره
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (2522 )
كِخْ كِخْ : زجر للصبيان،وردع عما يلابسونه من الأفعال.(1/92)
فقد طلب الرسول المربي - صلى الله عليه وسلم - من الشخص الذي تجشأ في حضرته أن يدع ذلك،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِى الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » (1) .
وعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَكَلْتُ ثَرِيدَ بُرٍّ وَلَحْمًا،فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَنَا أَتَجَشَّأُ فَقَالَ: " اكْفُفْ أَوِ احْبِسْ عَنَّا مِنْ جُشَائِكَ يَا أَبَا جُحَيْفَةَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا،أَطْوَلُكُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالَ: فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ،حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا،كَانَ إِذَا تَعَشَّى،لَمْ يَتَغَدَّ،وَإِذَا تَغَدَّ لَمْ يَتَعَشَّ (2) .
6- الهجر:
إذا احتاج إليه المربي كأن يترك الولد الصلاة أو تصدر منه بعض الكلمات المخلة بالآداب،فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ،فَنَهَاهُ،وَقَالَ:إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - :نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ:إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا،وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا،وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ،وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ قَالَ:فَعَادَ،فَقَالَ:أُحَدِّثُكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهُ،ثُمَّ عُدْتَ،لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. (3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:دَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ:مَا يُبْكِيكِ ؟ لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَكِ ؟ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَكِ وَرَاجَعَكِ مِنْ أَجْلِي وَاللَّهِ لئِنْ طَلَّقَكِ لا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا " (4)
وعَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَهُوَ يُؤَذِّنُ فَقَالَ يَا أَبَا مَرْيَمَ أَتُؤَذِّنُ إِنِّى لأَرْغَبُ بِكَ عَنِ الأَذَانِ. فَقَالَ زِرٌّ أَتَرْغَبُ عَنِ الأَذَانِ وَاللَّهِ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. (5)
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2666 ) حسن
تجشأ : خرج من فمه ريح مع صوت من الشبع
(2) - شعب الإيمان - (7 / 443) (5256 ) حسن لغيره
(3) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (4 / 378) (3226) صحيح
(4) - الآحاد والمثاني - (5 / 221)(3051) وصحيح مسلم- المكنز - (5165 )
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (3674 ) صحيح(1/93)
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ:حَدَّثَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلاً بِحَدِيثٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَجُلٌ:قَالَ فُلاَنٌ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ:أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ قَالَ فُلاَنٌ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. (1)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جِبْرِيلٍ،مَوْلَى أَبِي لُبَابَةَ،وَيَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ،عَنِ ابْنَتَهِ لُبَابَةَ،قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا صَاحَبْتَهُ،فَكَانَ يَقُولُ: شُدِّي وَثَاقَ عَدُوِّ اللهِ الَّذِي خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ،فَمَرَّ بِهِ أَبُو رِفَاعَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَنَادَاهُ: يَا أَخِي،هَلُمَّ أُكَلِّمْكَ ؟ فَقَالَ: لَا وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا حَتَّى يَرْضَى الله عَنْكَ وَرَسُولُهُ،فَسَأَلَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالُوا: هُوَ فِي الْمَسْجِدِ،وَأَخْبَرُوهُ بِخَبَرِهِ،فَقَالَ: " لَوْ جَاءَنِي لَكَانَ لِي فِيهِ أَمْرٌ " فَنَزَلَتْ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ } [الأنفال: 27] الْآيَةُ،وَنَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُخْرَى فِيهِ: { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ } [التوبة: 106] " (2)
وقال النووي رحمه الله:"فِيهِ:هِجْرَان أَهْل الْبِدَع وَالْفُسُوق وَمُنَابِذِي السُّنَّة مَعَ الْعِلْم.وَأَنَّهُ يَجُوز هِجْرَانه دَائِمًا،وَالنَّهْي عَنْ الْهِجْرَان فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظّ نَفْسه وَمَعَايِش الدُّنْيَا،وَأَمَّا أَهْل الْبِدَع وَنَحْوهمْ فَهِجْرَانهمْ دَائِمًا،وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُؤَيِّدهُ مَعَ نَظَائِر لَهُ كَحَدِيثِ كَعْب بْن مَالِك وَغَيْره " (3)
7- التوبيخ :
وهو عبارة عن شدة في القول يفعله المربي لمن لا يقبل النصح. فعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَنَّهُ خَرَجَ فِى جَنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا خُرُوجًا عَلَى دَوَابِّهِمْ رُكْبَانًا فَقَالَ لَهُمْ ثَوْبَانُ:أَلاَ تَسْتَحْيُونَ،مَلاَئِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ رُكْبَانٌ." (4)
وعَنْ ثَوْبَانَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ فِي جَنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا عَلَى الدَّوَابِّ فَقَالَ أَلاَ تَسْتَحْيُونَ ؟ مَلاَئِكَةُ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ رُكُوبٌ عَلَى ظُهُوَرِ الدَّوَابِّ. (5)
__________
(1) - سنن الدارمى- المكنز - (449) حسن
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (6 / 3438) (7828 ) فيه ضعف
(3) - شرح النووي على مسلم - (6 / 444)
(4) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (4 / 23)(7103) فيه ضعف
(5) - مسند الشاميين 360 - (1 / 273)(476) حسن(1/94)
وعن عَوْنَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ،أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ،" لَمَّا رَأَى مَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْغَوْطَةِ مِنَ الْبُنْيَانِ وَنَصْبِ الشَّجَرِ،قَامَ فِي مَسْجِدِهِمْ فَنَادَى:يَا أَهْلَ دِمَشْقَ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:أَلَا تَسْتَحْيُونَ ؟ أَلَا تَسْتَحْيُونَ ؟،تَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ،وَتَبْنُونَ مَا لَا تَسْكُنُونَ،وَتَأْمَلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ،قَدْ كَانَتْ قَبْلَكُمْ قُرُونٌ يَجْمَعُونَ فَيُوعُونَ وَيَبْنُونَ فَيُوثِقُونَ وَيَأَمِّلُونَ فَيُطِيلُونَ فَأَصْبَحَ أَمَلُهُمْ غُرُورًا وَأَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُورًا وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا،أَلَا إِنَّ عَادًا مَلَكَتْ بَيْنَ عَدْنَ وَعُمَانَ خَيْلًا وَرِكَابًا،مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي مِيرَاثَ عَادٍ بِدِرْهَمَيْنِ ؟ " (1)
وعَنْ عَلِيٍّ قال:أَمَا تَغَارُونَ أَنْ تَخْرُجَ نِسَاؤُكُمْ ؟ وَقَالَ هَنَّادٌ فِي حَدِيثِهِ:أَلاَ تَسْتَحْيُونَ،أَوْ تَغَارُونَ ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ يَخْرُجْنَ فِي الأَسْوَاقِ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ. (2)
8- تعليق العصا أو السوط:
يستحب للمربي أباً كان أو مدرسا أن يعلق السوط على الجدار ليراه الأولاد فينزجروا،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ،فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ (3) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلِّقْ سَوْطَكَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُكَ. (4)
فالضرب وسيلة لاستقامة الولد،لا أنه مرادٌ لذاته،بل يصار إليه حال عنت الولد وعصيانه.
والشرع جعل نظام العقوبة في الإسلام وذلك في الإسلام كثير كحد الزاني والسارق والقاذف وغير ذلك،وكلها شرعت لاستقامة حال الناس وكف شرهم .
فتربية الأولاد تكون ما بين الترغيب والترهيب،وأهم ذلك كله إصلاح البيئة التي يعيش بها الأولاد بتوفير أسباب الهداية لهم وذلك بالتزام المربيين المسؤولين وهما الأبوان . (5)
__________
(1) - تَفْسِيرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (14786) وشعب الإيمان - (13 / 237)(10255 ) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 377)(1118) حسن
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 153) (10523 ) صحيح لغيره
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 153) (10524 ) صحيح لغيره
(5) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 13) وفيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (9 / 392)(1/95)
ولتنويع هذه الأساليب في العقوبة حكمة تتناسب مع اختلاف النفوس وتنوعها فنفس ينفع معها النصح ولا يجدي معها الزجر وأخرى يردعها الزجر ولا تقبل الهجر ونفس لا تنصاع للحق وترعوي عن الشر إلا بالتخويف والترهيب والضرب.. وهكذا الناس مشارب مختلفة.. وكل ميسر لما خلق له.
- - - - - - - - - - -(1/96)
الحقُّ التاسع عشر
تعليم الطفل حقوق الوالدين
لم يقرن الله تعالى إلى عبادته وحده شيئا سوى الإحسان إلى الوالدين،ولم يعطف شكر أحد إلى شكره وهو مصدر كل نعمة وخير وفضل وعطاء سوى شكر الوالدين: قال تعالى:{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (36) سورة النساء
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان.
وأَمَرْنا الإنسان ببرِّ والديه والإحسان إليهما،حَمَلَتْه أمه ضعفًا على ضعف،وحمله وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين،وقلنا له: اشكر لله،ثم اشكر لوالديك،إليَّ المرجع فأُجازي كُلا بما يستحق. (1)
وليس بعد ذلك الشرف العظيم،والوسام الكريم،والحكم الالهي الحكيم تفصيل لمتكلم،ولا تعقيب لمعقب،ولا زيادة لمستزيد.
إنها وصية الله جلّ ذكره {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (8) سورة العنكبوت.
ووصية نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - ،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ،وَقَتْلُ النَّفْسِ،وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ».رواه البخاري (2) .
وعن أَبِى بَكْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ،وَشَهَادَةُ الزُّورِ،وَشَهَادَةُ الزُّورِ - ثَلاَثًا - أَوْ قَوْلُ الزُّورِ ».فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ (3) .
__________
(1) - التفسير الميسر - (7 / 258)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6675 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6919 )(1/97)
ومن واقع الحياة ننظر إلى الموقفين الصالحين المحبوبين المرزوقين فنجدهم بارين بوالديهم وننظر إلى الأشقياء المحرومين وإلى غلاظ القلوب والمرذولين فنجدهم عاقين لوالديهم.
أهم الآداب الإسلامية مع الوالدين:
العلم بأن الله تعالى أوصى ببرهما،وحسن صحبتهما،والإحسان إليهما،وقرن ذلك بعبادته،وتعظيما لشأنهما،وتكريما لقدرهما،وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بصلتهما وطاعتهما وخدمتهما،وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر.
قال تعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24)} الإٌسراء.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبُوكَ » البخاري (1) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أَبُوكَ،قَالَ:فَيَرَوْنَ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيِ الْبِرِّ. (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ».ثَلاَثًا.قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ».وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ « أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ ».قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ . (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5971 )
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 176) (433) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2654 )(1/98)
السلام عليهما عند الدخول عليهما والخروج من عندهما،وقرن السلام بتقبيل يديهما. عَن جَهْمٍ،أَنَّهُ قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ،فَقَالَ: " هَلْ مِنْ أَبَوَيْكَ مِنْ حَيٍّ ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ أُمِّي،قَالَ: " فَالْزَمْ رِجْلَهَا " قَالَ: فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا،فَقَالَ: " وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا،فَثَمَّ الْجَنَّةُ " (1)
تعظيم قدرهما،وإكرام شأنهما وإجلال مقامها،والوقوف لهما احتراما عند دخولهما.
التأدب عند مخاطبتهما،ولين القول لهما،وعدم رفع الصوت فوق صوتهما.
تلبية ندائهما،والمسارعة لقضاء حوائجهما،وطاعة أمرهما،وتنفيذ وصاياهما،وعدم الاعتراض على قولهما،إلا إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،قال تعالى:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} لقمان.
إدخال السرور على قلبيهما بالإكثار من برّهما،وتقديم الهدايا لهما،والتودد لهما بفعل كل ما يحبانه ويفرحان به. فعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِمَا مَعَ صَلاَتِكَ،وَأَنْ تَصُومَ عْنهُمَا مَعَ صِيَامِكَ،وَأَنْ تَصَدَّقَ عَنْهُمَا مَعَ صَدَقَتِك." (2)
المحافظة على أموالهما وأمتعتهما،وعدم أخذ شيء منهما إلا بإذنهما.المحافظة على سمعتهما،والحذر من التسبب في شتمهما. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ « نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ » (3) .
__________
(1) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (2 / 634)(1703 ) حسن
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (3 / 387) (12210) معضل
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (273 )(1/99)
تفقد مواضع راحتهما،وتجنب إزعاجهما أثناء نومهما،أو الدخول عليهما في غرفتهما إلا بإذنهما.تجنب مقاطعتهما في كلامهما،أو مجادلتهما،أو معاندتهما،أو لومهما،أو السخرية منهما،أو الضحك والقهقهة بحضرتهما.تجنب مد اليد إلى الطعام قبلهما،أو الاستئثار بالطيبات دونهما.تجنب التقدم في المشي عليهما،أو الدخول أو الخروج أو الجلوس قبلهما.
تجنب الاضطجاع أو مد الرجل أمامهما،أو الجلوس في مكان أعلى منهما.استشارتهما في جميع الأمور،والاستفادة من رأيهما وتجربتهما وقبول نصائحهما.الإكثارمن الدعاء لهما،والطلب من الله تعالى أن يجزيهما كل خير على فضلهما وإحسانهما وتربيتهما.الإكثارمن زيارة قبريهما إن توفيا،والإكثارمن ذكرهما والترحم عليهما.العمل بوصيتهما،وصلة أرحامهما،وخدمة أحبابهما من بعدهما،عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِىِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَىَّ شَىْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ « نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا ».. رواه أبو داود (1) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ ». (2)
تجنّب الأمور المؤدية إلى العقوق ومنها:
الغضب منهما،والنظر شزر لهما،والإعراض بالوجه عنهما،والتأفف من قولهما أو فعلهما،والتضجر منهما،ورفع الصوت عليهما،وقرعهما بكلمات مؤذية أو جارحة،وجلب الإهانة لهما،والاستعلاء عليهما،واعتبار الولد نفسه مساويا لأبيه أو أفضل من والديه،والحياء من الانتساب إليهما لفقرهما بعد أن يصبح ذا مركز أو نعمة أو جاه،والبخل عليهما ونسيان فضلهما،وتفضيل غيرهما عليهما،ومصاحبة إنسان غير بار بوالديه.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (5144 ) حسن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6678 )(1/100)
الحق العشرون
ربط الطفل بالقدوات العظيمة في الإسلام
وقدوتنا الأولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،ثم شخصيات الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم ومن تبعهما بإحسان ممن ضربوا أروع الأمثلة في مناحي الحياة المختلفة،فيربط الطفل بهم ويعلَّم من أخبارهم وقصصهم ليقتدي بجميل فعالهم ويتأسى بصفاتهم الحسنة من شجاعة وفداء وصدق وصبر وعزة وثبات على الحق وغيرها من الصفات.
وينبغي أن تتناسب القصة أو الموقف الذي يروَى للطفل مع إدراكه،وأن لا تكون مملة وأن يركز فيها على الجوانب الحسنة فتبرز وتوضح ليسهل على الطفل استيعابها.
فمثلا لو روي للطفل قصة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع ذلك اليهودي الذي كان يطالب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدين كمثال على حسن خلقه:
فعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ سُعْنَةَ كَانَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِثَمَانِينَ دِينَارًا،ثُمَّ قَالَ: أُعْطِيكَهَا عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي وُسُوقًا مُسَمَّاةً مِنْ حَائِطٍ مُسَمًّى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا آخَذُهَا مِنْكَ عَلَى وُسُوقٍ مُسَمَّاةٍ مِنْ حَائِطٍ مُسَمًّى،وَلَكِنْ آخَذُهَا مِنْكَ عَلَى وُسُوقٍ مُسَمَّاةٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " ثُمَّ إِنَّ زَيْدَ بْنَ سُعْنَةَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَاضَاهُ،فَجَبَذَ ثَوْبَهُ عَنْ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ،ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَصْحَابُ مَطْلٍ،وَإِنِّي بِكُمْ لَعَارِفٌ،فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَا وَهُوَ كُنَّا إِلَى غَيْرِ هَذَا أَحْوَجَ مِنْكَ: أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْقَضَاءِ،وَتَأْمُرَهَ بِحُسْنِ التَّقَاضِي،انْطَلِقْ يَا عُمَرُ إِلَى حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَأَوْفِهِ حَقَّهُ،أَمَا إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ أَجَلِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَزِدْهُ ثَلَاثِينَ صَاعًا لِرَدِّكَ عَلَيْهِ " (1)
وهذه قصة في الشجاعة وقوة التحمل،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ،وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا قَدْ حَدَّثَنِي ذَلِكَ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ،أَخُو بَنِي سَلَمَةَ قَالَ: " سَمِعْتُ الْقَوْمَ،وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ: أَبَا الْحَكَمِ لَا تَخْلُصْ إِلَيْهِ قَالَ:
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (11 / 107) (4330 ) حسن(1/101)
فَلَمَّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتَهُ مِنْ شَأْنِي،فَصَمَدْتُ نَحْوَهُ،فَلَمَّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ،فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطَنَّتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ،فَوَاللهِ مَا شَبَّهْتُهَا حِينَ طَاحَتْ،إِلَّا بِالنَّوَاةِ حِينَ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَحَةِ النَّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا قَالَ: وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي،فَطَرَحَ يَدَيَّ،فَتَعَلَّقَتْ بِجِلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي،وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ،وَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامَّةَ يَوْمِي،وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي،فَلَمَّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمَيَّ،ثُمَّ تَمَطَّيْتُ بِهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا - قَالَ: ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ زَمَنُ عُثْمَانَ - ثُمَّ مَرَّ مُعَوِّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقِيرٌ،فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ،فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ،وَقَاتَلَ مُعَوِّذٌ حَتَّى قُتِلَ،فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى،وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا بَلَغَنِي: " انْظُرُوا إِنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى إِلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ،فَإِنِّي ازْدَحَمْتُ أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ،وَنَحْنُ غُلَامَانِ،وَكُنْتُ أَشَفَّ مِنْهُ بِيَسِيرٍ،فَدَفَعْتُهُ،فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتِهِ،فَجُحِشَ فِي إِحْدَيْهِمَا جُحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ بَعْدُ " قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَأَدْرَكْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ،فَعَرَفْتُهُ،فَوَضَعْتُ رِجْلَيَّ عَلَى عُنُقِهِ،قَالَ: وَقَدْ كَانَ ضَبِثَ بِي مَرَّةً بِمَكَّةَ،فَآذَانِي وَلَكَزَنِي،ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللهُ يَا عَدُوَّ اللهِ ؟ قَالَ: وَبِمَا أَخْزَانِي أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنِ الدَّبْرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: للَّهِ وَلِرَسُولِهِ"
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: قَالَ لِي: لَقَدِ ارْتَقَيْتَ يَا رُوَيْعِيَّ الْغَنَمِ مُرْتَقًى صَعْبًا،ثُمَّ حَزَزْتُ رَأْسَهُ،ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقُلْتُ: هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللهِ أَبِي جَهْلٍ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ " ؟ - وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ،آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ،ثُمَّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَحَمِدَ اللهَ " (1)
وتاريخ المسلمين مليء بالشخصيات العظيمة والقصص الرائعة المعبرة أصدق تعبير عن الفضائل والمعاني الجميلة.
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (5 / 2442)(5970 ) حسن(1/102)
الحقُّ الواحد والعشرون
تعليم الطفل الآداب الاجتماعية العامة
ومما لا شك فيه،ولا جدال معه أن الفضائل الخلقية والسلوكية والوجدانية هي ثمرة من ثمرات الإيمان الراسخ،والتنشئة الدينية الصحيحة...
فالطفل منذ نعومة أظفاره حين ينشأ على الإيمان بالله،ويتربّى على الخشية منه،والمراقبة له،والاعتماد عليه،والاستعانة به،والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع..تصبح عنده الملكة الفطرية،والاستجابة الوجدانية لتقبل كل فضيلة ومكرمة،والاعتياد على كل خلق فاضل كريم..لأن الوازع الديني الذي تأصل في ضميره،والمراقبة الإلهية التي ترسخت في أعماق وجدانه،والمحاسبة النفسية التي سيطرت على تفكيره وإحساساته..كل ذلك بات حائلاً بين الطفل وبين الصفات القبيحة والعادات الآثمة المرذولة،والتقاليد الجاهلية الفاسدة..بل إقباله على الخير يصبح عادة من عاداته،وتعشقه المكارم والفضائل يصير خُلقاً أصيلاً من أبرز أخلاقه وصفاته...
وحينما تكون التربية للطفل بعيدة عن العقيدة الإسلامية،مجردة من التوجيه الديني،والصلة بالله عز وجل..فإن الطفل - لا شك - يترعرع على الفسوق والانحلال،وينشأ على الضلال والإلحاد،بل سيُتبع نفسه هواها،ويسير خلف نوازع النفس الأمارة،ووساوس الشيطان،وفقاً لمزاجه وأهوائه وأشواقه الهابطة.
فلا عجب بعد الذي ذكرناه أن تُولي شريعة الإسلام اهتمامها البالغ بتربية الأولاد من الناحية الخُلقية،وأن تصدر توجيهاتها القيمة في تخليق الولد على الفضائل والمكارم،وتأديبه على أفضل الأخلاق،وأكرم العادات!.
عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ نُحْلاً أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ. (1)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 716) (16710) 16830- صحيح(1/103)
وعن الْحَارِثَ بْنِ النُّعْمَانِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « أَكْرِمُوا أَوْلاَدَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ » (1) .
وعَنْ أَبِي الضُّحَى،قَالَ:كَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ،عَلِّمُوا أَوْلاَدَكُمْ وَأَهْلِيكُمَ الْقُرْآنَ،فَإِنَّهُ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَاكْتَنَفَاهُ فَقَالاَ لَهُ:اقْرَأْ وَارْتَقِ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْزِلوا بِهِ حَيْثُ انْتَهَى عَمَلُهُ مِنَ الْقُرْآنِ. (2)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:{ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم:6] قَالَ:" عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ " (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"حَافِظُوا عَلَى أَبْنَائِكُمْ فِي الصَّلاةِ،وَعَوِّدُوهُمُ الْخَيْرَ فَإِنَّ الْخَيْرَ عَادَةٌ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"تَعَوَّدُوا الْخَيْرَ فَإِنَّمَا الْخَيْرُ بِالْعَادَةِ". (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنَّ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهَ،وَأَنْ يُحْسِنَ أَدَبَهُ. (5)
فيؤخذ من مجموعة هذه الأحاديث التربوية على المربين - ولاسيما الآباء والأمهات - مسؤولية كبرى في تأديب الأولاد على الخير،وتخليقهم على مبادئ الأخلاق.
فيؤخذ من مجموعة هذه الأحاديث التربوية على المربين - ولاسيما الآباء والأمهات - مسؤولية كبرى في تأديب الأولاد على الخير،وتخليقهم على مبادئ الأخلاق.
ومسؤوليتهم في هذا المجال مسؤولية شاملة بكل ما يتصل بإصلاح نفوسهم،وتقويم اعوجاجهم،وترفّعهم عن الدنايا،وحسن معاملتهم للآخرين..فهم مسؤولون عن تخليق الأولاد منذ الصغر على الصدق،والأمانة،والاستقامة،والإيثار،وإغاثة الملهوف،واحترام الكبير،وإكرام الضيف،والإحسان إلى الجار،والمحبة للآخرين..
__________
(1) - سنن ابن ماجه- المكنز - (3802) ضعيف
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 375) (35938) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (11 / 156) (8331 ) صحيح
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 165) (9054 و9055) صحيح
(5) - كشف الأستار - (2 / 411)(1984) حسن لغيره(1/104)
ومسؤولون عن تنزيه ألسنتهم من السباب،والشتائم والكلمات النابية القبيحة،وعن كل ما ينبئ عن فساد الخلق،وسوء التربية..
ومسؤولون عن ترفعهم عن دنايا الأمور،وسفاسف العادات،وقبائح الأخلاق،وعن كل ما يحط بالمروءة والشرف والعفة..ومسؤولون عن تعويدهم على مشاعر إنسانية كريمة،وإحساسات عاطفية نبيلة،كالإحسان إلى اليتامى،والبر بالفقراء،والعطف على الأرامل والمساكين..إلى غير ذلك من هذه المسؤوليات الكبيرة الشاملة التي تتصل بالتهذيب،وترتبط بالأخلاق..
وترتبط الآداب بالعقيدة الإسلامية ارتباطاً وثيقاً،ذلك أن العقيدة هي التي تحفز الإِنسان نحو السلوك الطيب،وأن انتفاء العقيدة عنده سيقود إلى كل الاحتمالات السلبية والتفكك والانحراف،وبناء على ذلك فإن الآداب الإسلامية هي وليدة العقيدة التي تستقر في قلب الإنسان،وهي العامل المحرك المؤثر وبدون ذلك لا مكانة للآداب بغير عقيدة.ولهذا تنقلب الآداب إلى نتائج عكسية تتمثل في السلوك الذميم كالرذائل والفواحش مثلا،ذلك إذا لم يكن هناك عقيدة ثابتة صحيحة تتهذب معها النفس ويتقوم بها الاعوجاج. (1)
والآداب هي مثل آداب السلام والاستئذان وآداب البصر والأكل والشرب وآداب الحديث والمعاملة مع الآخرين،فيعلم كيفية يعامل والديه الكبار وأصدقاء والده ومعلميه وأقرانه ومن يلعب معهم.
ويعلم كذلك ترتيب غرفته والمحافظة على نظافة البيت،وترتيب ألعابه،وكيف يلعب دون أن يزعج الآخرين،وكيف سلوكه في المسجد وفي المدرسة. وكل هذه الأمور وغيرها إنما يعتمد في أخذها على سنَّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الدرجة الأولى،ومن سيره السلف الصالح رحمهم الله تعالى ثم من كتابات المتخصصين في التربية والسلوك. (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - - معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه
(2) - انظر كتابي الخلاصة في أصول التربية الإسلامية - (1 / 142) وكتابي المهذب في الآداب الإسلامية(1/105)
الحقُّ الواحد والعشرون
تعليم الولد أحكام المراهقة والبلوغ
في هذه المرحلة يسرع نمو الجسم ويأخذ العقل في الاتساع وتقوى عواطف الناشئ وتشتد اشتدادا كبيرا وتتيقظ الغريزة الجنسية. وتعتبر هذه المرحلة تمهيد لمرحلة البلوغ.
فيعلم الولد هذه الأحكام أو ما يسمَى بالثقافة الجنسية سواء كان الولد ذكراً أم أنثى،فيعرف الصبي إذا بلغ الحلم وهو السن الذي يتراوح ما بين 12 إلى 15 سنة أنه إذا نزل منه مني ذو دفق وشهوة فقد أصبح بالغاً ومكلفاً شرعاً يجب عليه ما يجب على الرجال الكبار من مسؤوليات وتكاليف،ويجب على الأم أن تصارح ابنتها إذا بلغت سن التاسعة فما فوق وتذكرت احتلاماً ورأت الماء الرقيق الأصفر على ثوبها بعد الاستيقاظ أصبحت بالغة ومكلفة شرعاً يجب عليها ما يجب على النساء الكبار من مسؤوليات وتكاليف.
وعلى المربي أن يهتم بالأمور التالية في تعامله مع المراهق:
1- أن يشعر الناشئ أو المراهق بأنه قد أصبح كبيرا سواء كان صبيا أو فتاة ؛لأنه يطالب بأن يعامل معاملة الكبار/ وأن لا يعامل على أنه صغير.
2- يعلَّم الناشئ أحكام البلوغ،ويروى له بعض القصص التي تنمي جانب التقوى والابتعاد عن الحرام في نفسه.
3- يشجع الناشئ على أن يشارك في تحمل بعض أعباء البيت كممارسة عملية تشعره بأنه قد أصبح كبيرا.
4- يحرص المربي على مراقبة المراهق وإشغال وقته بما ينفع وربطه بأقران صالحين.
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِى مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ ». فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ قَالَتْ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -(1/106)
- صلى الله عليه وسلم - « نَعَمْ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ ». (1)
روى الإمام أحمد عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ،أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ ؟ فَقَالَ:لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَاءُ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ حَتَّى يُنْزِلَ. (2) .
وعَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ:دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَرَأَيْتَكَ الْمَرْأَةَ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ ؟ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:فَضَحْتِ النِّسَاءَ،قَالَتْ:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ،قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْكُنَّ فَلْتَغْتَسِلْ (3) .
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،قَالَتْ:جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ،هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ ؟ قَالَ:نَعَمْ،إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ. (4)
وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ ؟ قَالَ:إِذَا أَنْزَلَتِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ. (5)
ويعلَّم الولد أن نزول المني على سبيل الدفق والشهوة يوجب الغسل وتعلم الفتاة أن انقطاع مدة الحيض والنفاس يوجب الغسل على المرأة ويعلم كل منهما فرائض الغسل وسننه وكيفيته.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:قَالَ لِى جَابِرٌ: أَتَانِى ابْنُ عَمِّكَ يُعَرِّضُ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ :كَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ؟ فَقُلْتُ:كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا عَلَى
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (736)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 821)(27312) 27855- صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 757)(27114) 27655- صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 440)(1165) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (3 / 439) (1164) صحيح(1/107)
رَأْسِهِ،ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ.فَقَالَ لِى الْحَسَنُ إِنِّى رَجُلٌ كَثِيرُ الشَّعَرِ.فَقُلْتُ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا . (1)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: كُنْتُ إِذَا وَضَعْتُ لَهُ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ،ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ،ثُمَّ أَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى يَرَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ الْبَشَرَةَ،ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ" (2)
وعَنْ مَيْمُونَةَ،قَالَتْ:سَتَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَاغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ فَبَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ،ثُمَّ صَبَّ عَلَى شِمَالِهِ بِيَمِينِهِ،فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ،ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوِ الأَرْضِ،ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ إِلا رِجْلَيْهِ،ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ،ثُمَّ نَحَّى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا" (3)
وجانب التربية الجنسية جانب مهم يكمل صورة التربية الشاملة التي دعا إليها الإسلام والتي تستوعب الإنسان في كل جزئياته. (4)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (256 )
(2) - مسند أبي عوانة (670 ) صحيح
(3) - مصنف عبد الرزاق(998) صحيح
(4) - انظر كتابنا (( الفتاوى المعاصرة في الحياة الزوجية ))(1/108)
الحقُّ الثاني والعشرون
تزويجه إذا بلغ امرأة صالحة
أن يبحث الوالدان لولدهما عن الزوجة الصالحة،ولبنتهما عن الزوج الصالح وينفقا على زواجهما إن كانا غنيين .فقد حثُّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على زواج الشباب في سن مبكرة فقال في الحديث الصحيح عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً.فَخَلَيَا فَقَالَ عُثْمَانُ هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِى أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا،تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ،فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَىَّ فَقَالَ يَا عَلْقَمَةُ،فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » ..رواه البخاري (1)
وينصح الشيخ عبد الله ناصح علوان رحمه الله الآباء في كتابه القيم تربية الأولاد في الإسلام فيقول:" إن كنت ميسوراً أيها الأب من الناحية المادية فينبغي أن تساهم مساهمة فعالة في تسهيل أسباب الزواج لولدك لتنقذه من الهواجس النفسية والتأملات الجنسية التي تسيطر على عقله وتفكيره وتقف عائقاً في طريق غايته أو تعلمه وتنقذه أيضاً من الانحلال الخلقي الذي يفتك بصحته ويسيء إلى سمعته ولا يأتي هذا إلا بتيسير أسباب الزواج من ناحية وإمداده بالنفقة من ناحية أخرى وكل تهاون أو تقصير في هذه السبيل يعرِّضُ ولدك الشاب إلى أوخم النتائج وأخطر العواقب".
والواقع أن عدداً كبيراً من الشباب أصبح يعاني من مشكلات كثيرة وعلى رأسها المشكلة الجنسية نتيجة للجهل بأحكام البلوغ والأخذ بفكرة الزواج المتأخر التي وفدت إلى مجتمعاتنا.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5065 ) -الباءة : النكاح -الوجاء : الحماية(1/109)
أهم المصادر
1. صحيح ابن حبان
2. صحيح مسلم- المكنز -
3. التفسير الميسر
4. د. ابراهيم الخطيب،زهدي محمد عيد ،تربية الطفل في الإسلام،،عمان،دار الثقافة،الدار العلمية الدولية،ط1،1423 هـ - 2002 م
5. سهام مهدي جبار،الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية،
6. حلبي.عبد المجيد طعمه،التربية الإسلامية للأولاد،منهجاً وهدفاً أسلوباً
7. كشك، عبد الحميد، بناء الأسرة المسلمة،،دار المختار الإسلامي.
8. صحيح البخارى- المكنز -
9. سنن الترمذى- المكنز
10. عبد الله ناصح علون،تربية الأولاد في الإسلام
11. حلبي،عبد المجيد طعمه،التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص
12. النووي، يحيى بن شرف صحيح مسلم بشرح النووي
13. عمارة محمود محمد،تربية الأولاد في الإسلام من الكتاب والسنة
14. سنن أبي داود - المكنز -
15. شعب الإيمان
16. جواهر الأدب
17. أيسر التفاسير لأسعد حومد
18. ابراهيم مصطفى وآخرون، الوسيط،
19. ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم،لسان العرب
20. لعك،خالد عبد الرحمن،تربية الأبناء والبنات في ضوء القرآن والسنة،،بيروت،دار المعرفة،ط4، 1422هـ -2001م.
21. محمد خير، فاطمه، منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ
22. الموسوعة الفقهية الكويتية
23. حاشية البجيرمي
24.(1/110)
مسند أحمد (عالم الكتب)
25. الشرح الكبير المطبوع مع حاشية الدسوقيط عيسى الحلبي
26. حاشية الرهوني على شرح الزرقاني ط سنة 1306
27. البحر الرائق ط العلمية الأولى
28. حاشية ابن عابدين
29. فتح القدير ط بولاق
30. نهاية المحتاج ط مصطفى الحلبي
31. حاشية الجمل ط الميمنية،
32. الزرقاني على التحفة
33. الإنصاف
34. الفروع
35. المغني ط الرياض
36. المحلى ط المنيرية سنة 1352
37. المجموع ط المنيرية.
38. حاشية الرهوني على شرح الزرقاني ط الأولى .
39. الروض المربع ط السادسة
40. كشاف القناع
41. الإقناع بحاشية البجيرمي
42. حاشية الدسوقي ط عيسى الحلبي
43. بداية المجتهد ط 1386 هـ
44. منتهى الإرادات ط مكتبة دار العروبة.
45. مصنف ابن أبي شيبة
46. شرح النووي على مسلم
47. مُسْنَدُ ابْنِ الْجَعْد
48. شعب الإيمان
49. شرح السنة للبغوي
50. ابن قيم الجوزية،شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي،تحفة المودود بأحكام المولود
51.(1/111)
موطأ مالك- المكنز
52. السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد
53. الدهلوي،حجة الله البالغة
54. عمارة ،محمود محمد،تربية الأولاد في الإسلام
55. مسند أحمد (عالم الكتب)
56. ابن حجر العسقلاني،أحمد بن علي،فتح الباري شرح البخاري
57. المسند الجامع
58. شرح مشكل الآثار
59. الخداش ،جاد الله بن حسن، المهذب المستفاد لتربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة
60. النشواتي، محمد نبيل، الطفل المثالي تربيته وتنشئته ونموه والعناية به في الصحة والمرض دمشق،دار القلم، 1423هـ - 2002م.
61. انظر فوائد التمر :
62. http://55a.net/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=1958&select_page=7
63. المعجم الكبير للطبراني
64. زهر الآداب وثمر الألباب
65. فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع
66. القانون لابن سينا
67. موسوعة سفير لتربية الأبناء
68. محمد مرعي مرعي، محمد جهاد السعيد، دليل تربية الطفل صحياً وسلوكياً، سوريا، دار ربيع.
69. إبراهيم الخطيب ،زهدي محمد عيد، تربية الطفل في الإسلام
70. الفواكه الدواني
71. مغني المحتاج
72. الْجَامِعُ فِي الْحَدِيثِ لِابْنِ وَهْبٍ
73. الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ
74. المعجم الصغير للطبراني
75.(1/112)
http://www.al-raqi.net/showthread.php?p=2463547
76. وhttp://74.125.153.132/search?q=cache:7Hx2T008Ha8J:www.geocities.com/boraie_eg/waqez.doc+%22%D8%A3%D9%86%D9%92+%D9%8A%D8%B9%D9%88%D9%91%D9%8E%D8%AF%D9%8E+%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85+%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9+%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D9%87%D8%8C+%22&cd=5&hl=ar&ct=clnk
77. المستطرف في كل فن مستظرف
78. مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار -
79. فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة -
80. سير أعلام النبلاء
81. وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع
82. المنهل العذب الروي
83. الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ
84. جامع الأصول في أحاديث الرسول
85. مسند أبي عوانة
86. عشرة النساء للإمام للنسائي بتحقيقي- الطبعة الثالثة -
87. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية
88. مسند الحميدي - المكنز -
89. صحيح ابن حبان - (10 / 51) (4240) صحيح
90. فيض القدير، شرح الجامع الصغير
91. الفتاوى الكبري لابن تيمية
92. مجموع الفتاوى لابن تيمية
93. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
94. مسند أبي يعلى- الأسد
95. الفوائد لتمام
96.(1/113)
إحياء علوم الدين
97. المدخل لابن الحاج
98. موسوعة كتب ابن القيم
99. التفسير الميسر
100. الآداب الإسلامية للناشئة
101. كشف الأستار
102. سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة
103. الآحاد والمثاني
104. سنن الدارمى- المكنز -
105. معرفة الصحابة لأبي نعيم
106. مسند الشاميين
107. تَفْسِيرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ
108. فتاوى الإسلام سؤال وجواب
109. معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه
110. الخلاصة في أصول التربية الإسلامية للمؤلف
111. المهذب في الآداب الإسلامية للمؤلف
112. مسند أبي عوانة
113. مصنف عبد الرزاق
114. الفتاوى المعاصرة في الحياة الزوجية للمؤلف
115. الشاملة 3
116. برنامج قالون
117. كيف نربي أولادنا تربية صالحة حمد قريط(1/114)
الفهرس العام
تمهيد ... 4
الباب الأول ... 7
حقوق المولود قبل الولادة ... 7
الحقُّ الأول ... 7
اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح ... 7
أسس اختيار الزوجة من أجل طفل أفضل : ... 7
1 – الدين والخلق الحسن : ... 8
2 – المال : ... 9
3 -الحسب والمكانة الاجتماعية: ... 10
4- الجمال : ... 11
5- الولود الودود : ... 12
الحقُّ الثاني ... 13
اتباع السنَّة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح ... 13
الحق الثالث ... 14
حقوق الجنين ... 14
جَوَازُ الْفِطْرِ لِلْحَامِل وَالْمُرْضِعِ فِي رَمَضَانَ: ... 14
الاعتناء بصحة الحامل : ... 15
مَنْعُ الإِْجْهَاضِ: ... 15
أ - حُكْمُ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ : ... 16
ب - حُكْمُ الإِْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ : ... 17
بَوَاعِثُ الإِْجْهَاضِ وَوَسَائِلُهُ : ... 19
عُقُوبَةُ الإِْجْهَاضِ : ... 19
تأجيل إقامة الحد على المرأه الحامل حتى تضع حملها: ... 20
الباب الثاني ... 22
حقوق المولود منذ الولادة حتى البلوغ ... 22
الحق الأول ... 22
استحباب البشارة بالمولود ... 22
الحق الثاني ... 23(1/115)
اتباع السنَّة في استقبال المولود ... 23
سنن المولود والحكم التربوية : ... 26
من فوائد العقيقة : ... 27
تسميته باسم حسن : ... 28
ومن ذلك سنَّة الختان: ... 30
الحكمة من الختان : ... 31
الحقُّ الثالث ... 34
الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات ... 34
الحقُّ الرابع ... 37
الرضاعة إلى الحولين والفطام ... 37
خصائص لبن الأم : ... 40
الرضيع والفطام تربويا ً: ... 41
الحقُّ الخامس ... 43
أن تحضن الأم ابنها ... 43
حَقُّ الْحَضَانَةِ : ... 43
مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ: ... 45
الحق السادس ... 48
الاهتمام بالطفل في السنوات الست الأولى من حياته ... 48
أولا: منح الطفل ما يحتاجه من حبٍّ وحنانٍ من قبل الوالدين وخاصة الأم: ... 48
ثانيا: أن يعوَّد الطفل الانضباط من أول حياته (منذ الأشهر الأولى): ... 48
ثالثا: أن يمثل الوالدان قدوة صالحة للطفل من بداية حياته: ... 48
رابعا: يعوَّد الطفل على آداب عامة يلزمها في تعامله منها: ... 49
خامسا- تنمية جانب الثقة في النفس وتحمل المسئولية عند الطفل ... 55
الاهتمام بالطفل فيما بعد السنوات الست الأولى من حياته ... 58
أولا: تعريف الطفل بخالقه بشكل مبسط: ... 58
ثانياً: تعليم الطفل بعض الأحكام الواضحة ومن الحلال والحرام: ... 59
ثالثا: تعليم الطفل تلاوة القرآن: ... 60
الحقُّ الثامن ... 63
ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال ... 63
الحقُّ التاسع ... 64
أن يعلِّمه الصلاة ويعوِّده عليها ... 64(1/116)
الحقُّ العاشر ... 65
أن يدربه على الصوم ... 65
الحقُّ الحادي عشر ... 67
تربية البنات على الحجاب ... 67
الحقُّ الثاني عشر ... 70
أن يعلَّم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول ... 70
الحقُّ الثالث عشر ... 73
أن يعدِل الوالدان بين أولادهم ... 73
الحقُّ الرابع عشر ... 75
تخيِّرُ الصحبة الصالحة لهم ... 75
الحقُّ الخامس عشر ... 77
توفير أسباب اللهو واللعب المفيد ... 77
الحق السادس عشر ... 79
أن يعوله حتى سن الرشد ... 79
الحقُّ السابع عشر ... 82
الرحمة وما يتفرع عنها من حب وحنان وعطف ... 82
الحقُّ الثامن عشر ... 85
من حق الأولاد التأديب ... 85
من صور تأديب الأولاد ... 86
الخلاصة في عقوبة الأطفال : ... 91
1- النصح والإرشاد والتنبيه: ... 91
2- الإعراض: ... 91
3- التعبيس: ... 92
4- الزجر: ... 92
5- الكف عن العمل: ... 92
6- الهجر: ... 93
7- التوبيخ : ... 94
8- تعليق العصا أو السوط: ... 95
الحقُّ التاسع عشر ... 97
تعليم الطفل حقوق الوالدين ... 97
أهم الآداب الإسلامية مع الوالدين: ... 98(1/117)
تجنّب الأمور المؤدية إلى العقوق ومنها: ... 100
الحق العشرون ... 101
ربط الطفل بالقدوات العظيمة في الإسلام ... 101
الحقُّ الواحد والعشرون ... 103
تعليم الطفل الآداب الاجتماعية العامة ... 103
الحقُّ الواحد والعشرون ... 106
تعليم الولد أحكام المراهقة والبلوغ ... 106
الحقُّ الثاني والعشرون ... 109
تزويجه إذا بلغ امرأة صالحة ... 109(1/118)