مقدمة
لا ينتاب المسلم الصادق أدنى شك في عظمة كتاب الله -تبارك وتعالى-، واشتماله على خيري الدنيا والآخرة، فما من شيء يحتاج الناس إليه في معادهم ومعاشهم إلا بينه الله تعالى في كتابه إما نصًا أو إيماءً، وإما منطوقًا أو مفهومًا، وقد وصف الله جل وعلا القرآن الكريم بقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}[النحل:89](1)، وما دام الأمر كذلك فإنه لا سعادة ولا نصر ولا اطمئنان ولا أمان إلا إذا تمسكت الأمة بكتاب ربها، والنهل من معينه.
وما دام الأمر كذلك فإن من علامات التوفيق الظاهرة البارزة للأمة عنايتها بكتاب ربها؛ تلاوةً وحفظًا، وفهمًا وتطبيقًا، وهو ما نجده -ولله الحمد والمنة- متوفر في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية التي قامت على كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأولى قادتها منذ انبثاق فجرها عنايتهم الفائقة بكتاب الله تعالى، بل لقد تميزت بمزيد العناية؛ فما مجمع خادم الحرمين الشريفين لطباعة المصحف الشريف إلا مثال حي على تلك العناية، ومثله رعاية هذه الدولة الكريمة –المملكة العربية السعودية- للجمعيات التي تُعنى بالقرآن الكريم تدريسًا وتحفيظًا؛ حيث تمنح قيادة هذا البلد المعطاء هذه الجمعيات كل العون والرعاية، وهذا من دلائل توفيقها وتسديدها.
__________
(1) …انظر: الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع، محمد بن صالح العثيمين (موقع الشيخ محمد العثيمين على الشبكة المعلوماتية:
…http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_16913.shtml(1/1)
ويأتي هذا الملتقى العلمي الذي تعقده الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض، ليؤطر عمل هذه الجمعيات المباركة، وينطلق به في فضاءات فسيحة لترسيخ الجوانب العلمية المهمة، لاسيما في التأكيد على التواصل المهم الذي ينبغي أن يكون بين الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم والمجتمع، في جوانبها المتعددة؛ الإيماني والنفسي والتربوي والأخلاقي والاجتماعي والأمني والعلمي، وغيرها من الجوانب مما يفعل رسالة جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في خدمة المجتمع، ويعزز التصور الإيجابي في المجتمع عن جمعيات تحفيظ القرآن الكريم؛ والذي أصابه مؤخرًا بعض المساس، بسبب هجوم غير مبرر من بعض المتعجلين في أطروحاتهم، الذين لم يسلكوا السبل المثلى لمعالجة ما قد يعتقدونه خطأ.
ولعل من أهم وأبرز الأمور التي يُحتاج إليها من هذه الجمعيات، هو الإسهام في وقاية المجتمع وحمايته من الزلل والانحراف؛ سواء أكان في الشهوات والمعاصي، أو في الشبهات والانحرافات الفكرية، التي ما لم يعالجها أهل القرآن وحملته فإنها لا شك ستترسخ وتقوى ويصعب علاجها على غيرهم، وهذا يفرض ولا شك التواصل مع جميع شرائح المجتمع، بشكل جيد وفاعل، ليتحقق الخير المتوقع من هذه الجمعيات المباركة .
ولأجل ما سبق وغيره أحببت أن أدلي بدلوي مشاركًا في هذا الملتقى الخيّر ببحث بعنوان:
الواجب الدعوي على حملة القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} وأهم تطبيقاته المعاصرة في خدمة المجتمع.
ضمن المحور الثالث الذي جاء تحت عنوان: إسهام جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في تنمية المجتمع (الواقع والمأمول).(1/2)
أما منهج البحث الذي سأسلكه في هذه الدراسة فهو منهج وصفي تحليلي، حيث سأدرس الآية الكريمة من جوانبها الدعوية، استنبط الدروس المستفادة منها بعد تحليلها، ثم سأشير إلى بعض التطبيقات المعاصرة المستفادة إجمالاً منها ومن غيرها.
هذا وسوف يشتمل البحث على ما يلي:
-مقدمة: وتتضمن أهمية البحث وخطته، ثم ثلاثة مباحث وقبلها تمهيد:
المبحث الأول: نظرات دعوية في مناسبة الآية الكريمة للآيات قبلها وبعدها.
المبحث الثاني: فقه الدعوة إلى الله في الآية الكريمة: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} .
المبحث الثالث: من أهم تطبيقات الواجب الدعوي على حملة القرآن الكريم في خدمة المجتمع.
ثم الخاتمة وفيها أبرز النتائج وأهم التوصيات.
التمهيد
القرآن الكريم هو كلام الله الذي أنزله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أثنى الله تبارك وتعالى على القرآن الكريم بما لا مزيد عليه، ووصفه بأوصاف يتضح منها عظمة هذا القرآن وجلالة قدره، وكفى بكونه كلام الله جل وعلا عظمة وجلالاً.(1/3)
فمما ورد في وصف هذا القرآن أنه مبارك، وذلك في قول الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29]، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [الأنعام:92]، وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155]، وقوله: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [الأنبياء:50]، ووصف القرآن الكريم بأنه مبارك يتضمن الكثير من المعاني العظيمة الجليلة، فمن ذلك: أنه وصف بأنه مبارك لكثرة خيراته وسعة مبراته(1)؛ ففيه خير كثير، وعلم غزير، وفيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يُستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب ما كان به أجل كتاب طرق العالم منذ أنشأه الله(2).
__________
(1) …تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر السعدي: ص(264) (ط1، 1420هـ، طبعة المجلد الواحد، مؤسسة الرسالة، بيروت).
(2) …نفسه: ص(712).(1/4)
ولعل من تلك البركة، التي جعلها الله جل وعلا لكتابه القرآن الكريم؛ ما يكون في حامل القرآن؛ الحافظ لآياته، الواعي لمعانيها، والمدرك لمضامينها، والعامل بمقتضاها، فإنه ولا شك يكون مباركًا ببركة هذا القرآن، مسددًا بتسديده، ومؤيدًا بآياته وسوره، وهو في الناس مقبول محبوب ومثله كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب، كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُترجة طعمها طيب وريحها طيب ... الحديث )) (1)، وهذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - فيه إشارة ظاهرة إلى طيب الباطن والظاهر(2).
وحفظة كتاب الله تبارك وتعالى هم في الأمة كالروح في الجسد، فهم يحملون في صدورهم كلام الله، يحفظون آياته، ويدركون معانيها ويعلمونها بمقتضاها، ويلمونها للناس جميعًا، حفظهم لكلام الله جعلهم الأقرب إليه تعالى؛ إذا ما حققوا شروط ذلك، ولعل من أعظم ذلك: قيامهم بدورهم الفاعل المنوط بهم في مجتمعاتهم، ذلك أن المرء لا يعيش بمفرده، وهو في ظل الاجتماع مع غيره لا شك تجب عليه أمور لا بد من قيامه بها، في تفاعل إيجابي مع مجتمعه، وحملة كتاب الله تبارك وتعالى عليهم واجب عظيم في إبلاغ كلام الله للناس، وتعليمهم آياته؛ تدريسًا لهم في قراءته وتلاوته، وشرحًا لمعانيه ومضامينه، ومساعدة لأبناء المجتمع في الالتزام بما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى؛ من خلال الاستجابة لأوامر الله فعلاً، ولما نهى الله عنه تركًا، إلى غير ذلك مما يجب على هذه الصفوة من أبناء المجتمع التي يفترض أن تكون أنفع الناس للناس ببركة هذا القرآن الكريم.
المبحث الأول:
__________
(1) …السنن الكبرى، أحمد بن شعيب النسائي: (6/253) (ط1، 1421هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت).
(2) …من كنوز السنة دراسة أدبية لغوية، محمد علي الصابوني: ص(69) (ط3، 1409هـ، دار القلم، دمشق).(1/5)
نظرات دعوية في مناسبة الآية الكريمة للآيات قبلها وبعدها
الدعوة إلى الله تعالى من أعظم القربات وأجل الطاعات، فهي عبادة جليلة عالية القدر، عظيمة الأجر، ولقد تعرضت هذه الآية الكريمة لأمور عديدة متعلقة بالدعوة إلى الله تعالى في ذاتها، وفيما سبقها ولحق بها من الآيات الكريمات، ولفقه ذلك بشكل جيد ينبغي أن نرجع إلى الآيات في سياقها القرآني حيث يقول الله جل وعلا: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ(1/6)
الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) } [آل عمران:98-108].
أولاً: فقه الدعوة في الآيات السابقة :
أ ) التحذير من مشابهة أهل الكتاب ومتابعتهم:
المتأمل لهذه الآيات الكريمات يلاحظ أن الخطاب القرآني جاء موجهًا في البداية لأهل الكتاب في أمور متعددة؛ ففيه توبيخ من الله تبارك وتعالى لأهل الكتاب على كفرهم بآيات الله التي أنزلها على رسله(1)، وهو متضمن لبيان حقيقة موقفهم ومجابهة لهم به(2)، وفيه التحذير من ذلك الموقف، فالخطاب على الرغم من أنه جاء رقيقاً متبعًا أسلوب الاستفهام؛ لكنه كان في غاية التكذيب والتعجيز لهم، فكأنه يقول: هاتوا عذركم إن أمكنكم(3).
ثم ينتقل الخطاب القرآني إلى ما هو أشد وأنكى، وذلك بانتقاله من التقريع بسبب شرودهم عن الحق الذي يعلمونه ويدركون صدقه؛ إلى بيان جمعهم بين الضلال والإضلال وهو أمر في غاية القبح والسوء، والإجرام والإيغال في الشر، والاستخفاف برب العزة والجبروت، وتؤكد الآيات على أمر آخر في غاية الأهمية؛ وهو بيان سياسة الكفر التي لا تكتفي بالضلال بل تسعى معه إلى الإضلال المتعمد(4)، وفيها تأكيد على أن سبيل الله هو الطريق المستقيم وهو الإسلام، وما عداه عوج غير مستقيم(5).
__________
(1) …تيسير الكريم المنان، ابن سعدي: ص(141).
(2) …في ظلال القرآن، سيد قطب: (10/436).
(3) …صفوة التفاسير، عبدالرحمن الدوسري: (4/234).
(4) …نفسه: (4/235).
(5) …في ظلال القرآن، سيد قطب: (1/437).(1/7)
ومن خلال ما سبق نجد الآيات تضمنت التحذير من منهج أهل الكتاب؛ الذي هو في حقيقته كفر بما جاء عن الله من آيات عظيمات بينات، وهو كفرٌ متعمدٌ، حيث يعلمون الحق ويعرفونه؛ وهم "شهداء" عليه أنه الحق لكنهم يكفرون به، وليس الأمر متوقف على ذلك بل يتعداه إلى الصد عن الإيمان بما يعلمون أنه حق، والدعوة إلى الكفر به، والسعي في صرف الناس عنه، بما يلقونه من الأباطيل والشبه، أو باللجوء إلى التهديد والتعذيب والقتل، أو الترغيب والإغراء بالمال والجاه والشهوات.
وبعدما سبق يأتي التحذير الإلهي لهذه الأمة أن تصغي إلى أقوال غيرهم، لاسيما وأنها أمة لها خصائصها التي تميزها عن غيرها؛ من خلال القواعد التي بني عليها منهجها وتصوراتها لجميع قضايا الحياة، وأنها مستقلة، ولا يجوز أن تستقي من غيرها، وأن ذلك سيؤول بهم إلى سوء المصير(1)، ولعلّ بيان حال أهل الكتاب في الآيات السابقات فيه أعظم دعوة إلى الحذر من اتباع منهجهم، ذلك أن أمة كفرت بالله تعالى، ولم تقبل الحق الذي تعرف يقينًا أنه الحق؛ أمة لا تستحق أن تكون قدوة، ولا يتبعها من لديه أدنى ذرة عقل، فمن لم ينفع نفسه ويقبل هدى الله الذي أنزله على عباده، بل تجاوز ذلك الانحراف والكفر إلى السعي لصرف الناس عن الحق، وصدّهم عنه؛ غير جدير بالاتباع ولا بالتصديق في ما يدعو إليه.
والمناسبة ظاهرة في أمر الله تعالى عبادة المؤمنين بالدعوة إلى الخير الذي هو الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو نقيض ما كان يفعله المنحرفون من أهل الكتاب، فالتحذير من حال أهل الشر دعوة واضحة للبعد عن منهجهم، والحذر من سلوك دربهم.
ب) بيان أسباب انحراف أهل الكتاب، وسبيل السلامة منها:
__________
(1) …صفوة التفاسير، عبدالرحمن الدوسري: (4/237).(1/8)
بعد ما سبق ينتقل الخطاب القرآني إلى المؤمنين مبينًا لهم أساس البلاء وأصله وهو: فقدان التقوى، فلما فقد أهل الكتاب تقوى الله، وتضعضع إيمانهم به، واستهانوا بقدره جل وعلا، كفروا به وصدوا الناس عن سبيله، فالدواء لهذا الداء، والعلاج لهذا البلاء هو تقوى الله جل وعلا والاعتصام به، فلا سبيل إلى الهداية والصلاح والبعد عن الانحراف والخذلان إلا بالاعتصام بالله جل وعلا وتقواه، {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، والنداء هنا لأهل الإيمان بوصف الإيمان، وأمرهم بتقوى الله حق التقوى والاعتصام بهداه يجيء في مقابل بيان الله جل وعلا لكفر أهل الكتاب، وهذا فيه من حسن المقابلة في التقسيم ما فيه(1).
ولا شك أن الدعوة إلى إرشاد الناس ودعوتهم إلى الحق والهدى والخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر هو سعي إلى تكميل الآخرين، والحق الذي لا مرية فيه أن يسعى المرء في تكميل نفسه مقدم على سعيه في تكميل غيره، كما أن دعوة الآخرين إلى الخير فيها دعوة مبطنة من المرء لنفسه بلزوم سبيل الخير والحق والبعد عما سواه.
ج) بيان قواعد مهمة لاستقامة بناء الأمة لاسيما فيما يأتي من أمر الدعوة:
__________
(1) …تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور: (3/37) (ط د، 1984م، الدار التونسية للنشر، تونس).(1/9)
حيث ينتقل الخطاب إلى بيان قاعدتين أساسيتين لابدّ للأمة منهما ليستقيم بناؤها، وتتمكن من القيام بدورها، الذي ناطه الله بها، وأخرجها للوجود من أجله، وهاتان القاعدتان المتلازمتان هما الإيمان بالله والأخوة فيه، فالإيمان بالله الركن الأساس مع ما يتضمنه من تقوى الله ومراقبته والاعتصام به جل وعلا، والأخوة في الله التي تجعل من الجماعة المسلمة حية قوية صامدة، قادرة على أداء دورها العظيم في حياة البشرية وفي التاريخ الإنساني(1)، وأساس ذلك ورأسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعوة الناس إلى الخير والهدى، المتمثل في سبيل الله تعالى المبين وصراطه المستقيم، ألا وهو الإسلام الدين الخاتم الذي لا يقبل الله من أحد سواه {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85]، {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران:19].
د) بعد ما سبق يأتي الامتنان الرباني على عباده المؤمنين، وذلك بتذكيرهم بنعمة الله عليهم، حيث ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا أعداء متناحرين، وخصومًا متباعدين، وأشد من ذلك وأعظم أن أنقذهم بالإيمان به من العذاب والنار، حيث لو أنهم ماتوا على ما كانوا عليه في جاهليتهم لكانوا من أصحاب النار لكن الله امتن عليهم وأنقذهم منها(2)، والرابط هنا بين هذا الامتنان وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والهدى هو أن الله أظهر لهم نعمة نقلهم من حالتي شقاء وشناعة إلى حالتي نعيم وكمال، وكانوا قد ذاقوا بين الحالتين الأمرين ثم الأحلويين فحلبوا الدهر شطرين كانوا أحرياء بأن يسعوا بكل عزمهم إلى انتشال غيرهم من سوء ما هو فيه إلى حُسن ما هم فيه حتى يكون الناس أمة واحدة واحدة خير(3).
__________
(1) …في ظلال القرآن، سيد قطب: (1/441).
(2) …انظر: تيسير الكريم المنان، ابن سعدي: ص(142).
(3) …تفسير التحرير والتنوير، ابن عاشور: (3/36).(1/10)
بعدما بيّن الله جل وعلا سوء حال أهل الكتاب وامتنانه على أهل الإسلام كان حريًا بأن أول الآية {ولتكن منكم ..} أن تعطف بالفاء، ولو عطف بها لكان أسلوبًا عربيًا إلا أنه عُدل عن العطف بالفاء تنبيهًا على أمر مهم وهو: أن مضمون هذا الكلام مقصود لذاته بحيث لو لم يسبق بما سبق من كلام لكان هو حريًا بأن يؤمر به فلا يكون مذكورًا لأجل التفرع عن غيره والتبع(1).
هـ) بين الآيات السابقة وهذه الآية: {ولتكن منكم .. الآية} حسن مقابلة(2)، وذلك أنه أنكر على أهل الكتاب كفرهم وصدهم الناس عن الإيمان فقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. وقابل ذلك بأن أمر المؤمنين بالإيمان به والدعاء إليه إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وهذا هو الترتيب الحسن(3).
__________
(1) …نفسه.
(2) …نفسه: (3/36-37).
(3) …تهذيب التفسير وتجريد التأويل مما أُلحق به الأباطيل ورديء الأقاويل، عبدالقادر شيبة الحمد: (3/27) (ط1، 1414هـ، مكتبة المعارف، الرياض).(1/11)
و) الإشارة إلى نعمة العلم، وأنها الأساس للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقد ختمت تلك الآيات بكلمة جاءت كآخر كلمة قبل آية {ولتكن ..} وهي: {...كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، وهي نعمة أخرى حيث يبين لهم من الآيات ما تحصل به الهداية التي تؤهلكم للاهتداء الدائم المستمر، وهي نعمة التعليم والإرشاد وإيضاح الحقائق حتى تكتمل عقولهم ويتبنوا ما فيها من صلاح(1)، وبهذا الاهتداء لن يعودوا إلى شيء من أعمال الجاهلية، ولن تتحكم فيهم الأهواء فيضلوا في دينهم(2)، أو يكون حالهم مثل حال أهل الكتاب الذين كفروا بالله، ولم ينتهوا عن ذلك؛ بل تجاوزوه إلى الصد عن سبيل الله تعالى بكل الطرق والوسائل، بل سيكون حالهم مخالفًا لذلك تمامًا؛ من خلال الإيمان بالله ثم الدعوة إلى الخير والهدى، والقيام بالشعيرة العظيمة التي جاءت في الآية التالية وهي شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ الهداية تحصل بمعرفة الحق والعمل به(3)، ومن أهم مفردات العمل بالحق الدعوة إليه، وبيانه للآخرين؛ ليكون واضحًا لديهم غير ملتبس، وهذا ما جاء الأمر به في الآية التالية مباشرة في الأمر به.
__________
(1) …انظر: تفسير التحرير والتنوير، ابن عاشور: (3/36).
(2) …انظر: صفوة التفاسير، عبدالرحمن الدوسري: (4/255).
(3) …تيسير الكريم المنان، ابن سعدي: ص(142).(1/12)
ز) لما أمر الله جل وعلا عباده بالاعتصام بحبله، ونهاهم عن التفرق، وذكرهم بحالهم قبل الإسلام؛ وكيف كانوا أعداء متفرقين، وأنه امتن عليهم فجمعهم بعد فرقتهم، وألّف بين قلوبهم، حتى غدو لحمة واحدة؛ إخوانًا متحابين، دلهم على ما يحفظ لهم تلك النعمة العظيمة، التي امتن بها عليهم، وما يساعدهم على القيام بواجبهم في الاعتصام بحبله، وعدم التفرق والتعادي، وذلك من خلال قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو حفاظ الوحدة التي أمرنا الله بها وسياجها الذي يحميها(1).
ثانياً: فقه الدعوة في الآيات اللاحقة :
أ) التحذير من أخطر أسباب الانحراف الذي يمنع من القيام بأجل وظيفة وأعظم مهمة: وهو الاختلاف في أصول الدين، فإن الإشارة هنا إلى اليهود والنصارى الذين اختلفوا في أصول الدين، وهذا الاختلاف قادهم إلى التفرق، ولأجل هذا قدم في الآية الكريمة التفرق على الاختلاف، والاختلاف المراد هنا هو الاختلاف المذموم، وهذا النوع من الاختلاف هو الذي ينتج عنه ولا بد التفرق، وهذا الاختلاف يكون في أصول الديانة، حيث يقود إلى التكفير؛ فيكفر بعض الأمة بعضًا أو يفسقه؛ مما يورث بين أفراد الأمة العداوة والبغضاء، ويجلب التنافر والتباعد، فيكونوا فرقًا وأحزابًا، لا تقبل من الآخر صرفًا ولا عدلاً(2).
والعجيب هنا أن افتراق اليهود والنصارى وقع بعد ما جاءهم من البينات، التي يجدر بهم الاهتداء بها، والاستفادة منها(3)، ولكن لم يُقيض لهذه البينات والدلائل، التي فيها عصمة من الوقوع في الاختلاف؛ أفهامًا تدرك معانيها، وتفهم مراميها(4).
__________
(1) …تفسير القرآن الحكيم، محمد رشيد رضا: (4/26) (ط2، ت د، دار الفكر).
(2) …انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور: (3/43).
(3) …تيسير الكريم المنان، ابن سعدي: ص(142).
(4) …التحرير والتنوير، ابن عاشور: (3/43).(1/13)
ولأجل ذلك كان لزامًا على هذه الأمة التي اصطفاها الله تعالى للقيام بهذه المهمة العظيمة أن لا يشغلها عن تلك البينات شاغل؛ وأعظم وأخطر تلك الشواغل: الانصراف إلى الاختلاف في ما وضحه الشارع الحكيم؛ من أصول الديانة وقواعدها، إذ الواجب علينا أن نسلم بها، ونعمل على نشرها، وإرجاع المخالفين عنها، وعن بقية شرائع الإسلام إلى جادة الطريق.
ب) بيان حال ومآل من تركوا القيام بهذه الشعيرة العظيمة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ففي الآية إشارة عظيمة إلى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفضي إلى التفرق والاختلاف، إذ تكثر النزعات، والنزغات، وتنشق الأمة بذلك انشقاقًا شديدًا(1)، وذلك يقع من خلال أمور أهمها:
1-أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقع بسببه الجهل بشرع الله؛ ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه تعليم لشرع الله، فقد يقع إنسان في المنكر لجهله أنه منكر، أو يترك معروفًا لجهله بأنه معروف، فإذا ما أُمر ونُهي عرف، فعدم الأمر والنهي يوصل ولابدّ إلى الجهل، الذي هو أهم سبب في كل نزاع وفرقة.
2-عدم القيام بهذه الشعيرة قد يتطور؛ حيث يجعل الناس يعتقدون أن المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا، ولأجل ذلك كان لا بدّ من القيام به.
3-أن التهاون بالقيام بهذه الشعيرة قد يصل بالناس إلى اعتقاد أن ممارسة الأمر والنهي هو تدخل في الشؤون الخاصة، فيرفضونه ولا يقبلون به، مما يجلب معه الجدال والنزاع، وقد يصل الأمر إلى ما هو أخطر من ذلك؛ لكن إذا كانت هذه الشعيرة ممارسة بشكل دائم فإن ذلك يجعل الناس لا يستنكرون ممارستها معهم، ويقبلون بها بل ويتفهمون دوافعها ومسوغاتها؛ وأنها شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام.
المبحث الثاني:
__________
(1) …نفسه: (3/42)، وانظر: أحاديث الدعوة والتوجيه (حديث من رأى من منكم منكرًا) رواية ودراية، فالح محمد الصغير: ص(60) (ط1، 1422هـ، دار ابن الأثير، الرياض).(1/14)
فقه الدعوة إلى الله في الآية الكريمة
هذه الآية الكريمة اشتملت على جملة من الأحكام والآداب والفوائد الدعوية المهمة؛ التي يجب على أهل الإسلام عمومًا، والعلماء وطلبة العلم خصوصًا، أن يعنوا بها؛ استنباطاً ودراسة، وفهمًا وإدراكًا، ونشرًا وتعليمًا، وأداءًا وتطبيقًا، ولعل من أهم ذلك ما يلي:
أولاً: حكم الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وفيه مسائله:
أ ) هل هناك فرق بين الدعوة إلى الله وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لا شك ولا ريب أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من عناصر الدعوة إلى الله، فالدعوة إلى الله بابها واسع وهي أشمل وأعم، ولأجل ذلك قال الإمام الشوكاني: ( وقوله: (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) من باب عطف الخاص على العام، إظهارًا لشرفهما وأنهما الفردان الكاملان من الخير الذي أمر الله عباده بالدعاء إليه ) (1)، وبه قال الطاهر ابن عاشور(2) في تفسيره.
ب ) اللام في قوله {ولتكن} هي لام الأمر(3)، وهي هنا مسكنة، وأصلها الكسر، فالأصل (ولِتَكن منكم) ولكن الكسرة حذفت؛ لأن الواو صارت مع الكلمة كحرف واحد وألزمت الحذف(4).
وهذه الآية أصل في الاستدلال على حكم الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها خلاف كبير بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنها فرض كفاية، ومنهم من ذهب إلى أنها فرض عين، والخلاف نابع من اختلافهم في فهم قوله تعالى: (منكم) فهل (من) هنا تبعيض أو بيانية يقول الناظم:
ولقد تخالف قولهم في "ولتكن" .:. في "منكم" قولان مشهوران
__________
(1) …فتح القدير، الشوكاني: (1/423) (ط1، 1414هـ، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، بيروت، دمشق).
(2) …التحرير والتنوير: (3/40).
(3) …معالم التنزيل، الحسين بن مسعود البغوي: (2/85) (ط4، 1417هـ، دار طيبة، الرياض).
(4) …معاني القرآن وإعرابه، إبراهيم الزجاج: (1/451) (ط1، 1408هـ، عالم الكتب، بيروت).(1/15)
"للبعض" قول قدر رآه أئمة .:. ويراها قوم قد أتت لبيان
وبه أتانا الأمر من معبودنا .:. في آية من سورة "ال عمران"(1)
فمن ذهب إلى أنها فرض كفاية الإمام القرطبي إذ يقول: (قلت: القول الأول أصح، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية)(2)، ويقول الإمام البيضاوي: ("من" للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية ولأنه لا يصلح له كل أحد ..) (3)، ومن المعاصرين يرى الشيخ عبدالرحمن السعدي أنها فرض كفاية حيث يقول في تفسيره لآية أهل السبت في سورة الأعراف: (..ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين..) (4).
وذهب إلى أنها فرض عين جمهور العلماء، يقول الإمام البغوي: ({وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ} أي: كونوا أمة، "من" صلة ليست للتبعيض)(5)، ويقول الإمام الزجاج: (ومعنى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ} -والله أعلم- ولتكونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير وتأمرون بالمعروف، ولكن "من" تدخل هنا لتخص المخاطبين من سائر الأجناس، وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين(6)، وهذا يسمى في اللغة العربية التجريد؛ حيث جردت من المخاطبين أمة أخرى للمبالغة في الحكم، كما يقال: لفلان من بنيه أنصار(7).
__________
(1) …منظومة في قواعد وأصول الدعوة إلى الله تعالى، صالح بن عبدالله الفريح: (مخطوط).…
(2) …الجامع لأحكام القرآن، محمد القرطبي: (4/165) (ط2، 1372هـ، دار الشعب، القاهرة)، وانظر: الكشاف عن حقائق التنزيل، محمود الزمخشري: (1/425) (ط1، 1417هـ، دار إحياء التراث، بيروت).
(3) …تفسير البيضاوي، البيضاوي: (1/174).
(4) …تيسير الكريم المنان، ابن سعدي: ص(307).
(5) …معالم التنزيل، البغوي: (2/84).
(6) …معاني القرآن وإعرابه، الزجاج: (1/452) (ط1، 1408هـ، عالم الكتب، بيروت).
(7) …التحرير والتنوير، ابن عاشور: (3/38).(1/16)
والمتأمل لرأي الفريق القائل بأنها فرض كفاية؛ يجد أنهم يركزون على قضية مهمة يعترضون بها على القول بفرض العين، وهي -كما ذكرها محمد رشيد رضا في تفسيره بقوله- : (أنه يشترط فيمن يأمر وينهى أن يكون عالماً بالمعروف الذي يأمر به، والمنكر الذي ينهى عنه، وفي الناس جاهلون لا يعرفون الأحكام، ولكن هذا الكلام لا ينطبق على ما يجب أن يكون عليه المسلم من العلم، فإن المفروض الذي ينبغي أن يحمل عليه خطاب التنزيل؛ هو: أن المسلم لا يجهل ما يجب عليه، وهو مأمور بالعلم، والتفرقة بين المعروف والمنكر، على أن المعروف عند إطلاقه يراد به ما عرفته العقول والطباع السليمة، والمنكر ضده وهو ما أنكرته العقول والطباع السليمة، ولا يلزم لمعرفة هذا قراءة حاشية ابن عابدين على الدر، ولا فتح القدير ولا المبسوط، وإنما المرشد إليه -مع سلامة الفطرة- كتاب الله وسنة رسوله المنقولة بالتواتر، والعمل، وهو ما لا يسع أحدًا جهله، ولا يكون المسلم مسلمًا إلا به) (1).
وهنا أمرٌ آخر في رد ما ذهبوا إليه، وهو: أن الدعوة إلى الخير والأمر والنهي لها مراتب، وليست مرتبة واحدة، فمنها ما هو بيّن يستطيع القيام به كل مسلم(2)، وهناك مراتب يسقط عنه التكليف فيها لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]، {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]، فالقول بأنها فرض عين لا يعني أنها بكل حال، وإنما إذا استطاع ذلك، وأول الاستطاعة وأعلاها أن يملك العلم الذي يأمر وينهى بموجبه، وإلا فإن الجاهل لا يجب عليه ذلك، فهي واجبة على كل فرد بحسبه(3).
__________
(1) …تفسير القرآن الحكيم، محمد رشيد رضا: (4/27).
(2) …التحرير والتنوير، ابن عاشور: (3/39).
(3) …تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: (1/391) (ط1، 1401هـ، دار الفكر، بيروت).(1/17)
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن الذين قالوا بأنها فرض عين استدلوا على ما ذهبوا إليه في فهم الآية الكريمة، بالنصوص الشرعية الأخرى التي وردت في هذا الباب، يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: (والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل")(1)، ويقول الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد: (ولا شك أن قوله - عز وجل - {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} يشعر بحتمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على جميع أفراد المكلفين من الأمة بحسب معارفهم وقدراتهم على تغيير المنكر والأمر بالمعروف وإدراكهم لجدوى ما يقومون عليه..)(2)، ويقول الشيخ محمد رشيد رضا: (ويدل على العموم قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، فإن التواصي هو الأمر والنهي) (3).
__________
(1) …تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: (1/391).
(2) …تهذيب التفسير، عبدالقادر شيبة الحمد: (3/28).
(3) …تفسير القرآن الحكيم، محمد رشيد رضا: (4/27).(1/18)
وعلى كل حال فإن توجيه الخطاب إلى الكل، مع إسناد الدعوة إلى البعض لتحقيق معنى فرضيتها على الكفاية وأنها متحتمة على الجميع، إلا أنه إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، ولو أخل بها الكل أثموا جميعًا كسائر فروض الكفاية(1)، وهنا تكمن خطورة فرض الكفاية، فإن فرض العين يخص إثمه ولا يعم، إذ لا يأثم بتركه إلا من تركه، بينما فرض الكفاية يعم الإثم به، إذ لو قصر فيه أهل مصر أو عصر حتى تركوه أثموا جميعًا من حيث لا يشعرون(2).
وأخيرًا فإن العلماء أجمعوا على أمور يكون فيها القيام بواجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضًا عينيًا على كل مسلم تنطبق عليه هذه الأحوال أو أحدها وهي:
1-من ينصبه ولي الأمر للقيام بواجب الدعوة أو الحسبة.
2-إذا لم يكن أحد يملك القدرة والعلم للأمر أو الإنكار سواه.
3-إذا كانت الدعوة أو الحسبة تحتاج إلى جدال كان فرضًا عينيًا على من يصلح لذلك.
4-على القادر إذا لم يقم به غيره.
5-الإنكار القلبي فلا يسقط عن مكلف بوجه من الوجوه؛ إذ لا عذر يمنعه(3).
__________
(1) …تهذيب التفسير، عبدالقادر بن شيبة الحمد: (3/27-28).
(2) …الإنصاف في بيان أسباب الخلاف، أحمد الدهلوي: (1/74) (ط2، 1404هـ، دار النفائس، بيروت).
(3) …أحاديث في الدعوة والتوجيه: حديث (من رأى منكم منكرًا)، فالح الصغير: ص(33-34).(1/19)
وأما قوله: {يدعون إلى الخير} فالمراد بالخير: الإسلام وشرائعه التي شرعها الله - عز وجل - لعباده، وجميع ما يجلب للناس المنافع ويدفع عنهم الأذى والضرر في معاشهم ومعادهم، وسائر أبواب الخير التي تُدخل على الناس المسرة وتحميهم من المضرة؛ كإفشاء السلام، وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، وإقامة المساجد والمدارس، والمستشفيات، ونشر العلوم النافعة(1)، وبعبارة مختصرة فإن الخير يجمع خصال الإسلام(2)، ففي حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - (( قلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ )) (3)، فالخير هو الإسلام وكل ما جاء به الإسلام فهو خير.
ثانياً: لقد عبر القرآن الكريم عن حال ومآل القائمين بهذه الفريضة العظيمة: الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلمة موجزة شاملة لأعظم المعاني: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فما هو الفلاح؟
المفلح هو الفائز بما يغتبط به(4)، والفلاح في اللغة هو: الفوز والنجاة والبقاء في الخير(5)، ومن مظاهر الفلاح التي منحها الله لهذه الأمة إذا قامت بهذه الفريضة العظيمة ولكل أمة تؤمن به وتحقق شرطه ما يلي:
__________
(1) …تهذيب التفسير، عبدالقادر شيبة الحمد: (3/28).
(2) …التحرير والتنوير، ابن عاشور: (3/40).
(3) …صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج: (2/1475) ح(1847) (ط د، ت د، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت).
(4) …معاني القرآن وإعرابه، للزجاج: (1/453).
(5) …القاموس المحيط، محمد الفيروزآبادي: ص(300) (ط2، 1407هـ، دار الرسالة، بيروت).(1/20)
أ ) الفوز بما يغتبط به، ونيل الخيرية على كل أمم الأرض؛ ذلك أن الله جل وعلا قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، فهذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل هذه الشروط؛ من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله(1)، ولا يستحق هذه الخيرية من لم يقم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولا يجوز التفريط بشهادة الله، هذه فضلاً عن استرخاصها والانسلاخ عنها، بل يجب على المسلمين أن يحتفظوا بهذه الشهادة ويعتزوا بها بل ويتفانوا في تحصيلها(2).
فتفضيل هذه الأمة على من قبلها من الأمم؛ إنما حصل لأجل قيامهم بهذه الشعيرة العظيمة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وقد ذهب بعض أهل العلم في تلمس الحكمة من تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الآية السالفة: {كنتم خير أمة...} إلى أقوال توضح مكانة القائم بهذا الواجب وعظيم شأنه؛ فذهب بعضهم إلى أن الحكمة في تقديم الأمر والنهي هو كونه محمودًا في عرف جميع الناس -مؤمنهم وكافرهم- يُعترف للقائم به بالفضل، ولما كان الكلام في خيرية هذه الأمة على غيرها؛ قدم الوصف المتفق على حسنه عند المؤمنين والكافرين، وقيل بل لأن الإيمان بالله أمر مشترك بين جميع الأمم المحقة، ثم فضل الله هذه الأمة على سائر الأمم المحقة؛ بكونها أقوى حالاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من سائر الأمم(3).
__________
(1) …المحرر الوجيز، ابن عطية: (1/489).
(2) …صفوة الآثار والمفاهيم، عبدالرحمن الدوسري: (4/267).
(3) …صفوة الآثار، عبدالرحمن الدوسري: (4/269).(1/21)
ولما ذكر الله جل وعلا صفات وأفعال الفرقة الفاسقة من أهل الكتاب عرج بالذكر على الأمة المستقيمة منهم، وفرق بينهم فقال: (ليسوا سواء) وذكر صفاتهم التي ميزتهم، وكان من تلك الصفات التي نالوا بها الفوز والفلاح أنهم قاموا بهذه الشعيرة العظيمة، والفريضة الكريمة، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبهذا حققوا سمة الأمة المسلمة التي انضموا إليها، والتي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس بسبب قيامها بهذه الفريضة العظيمة(1).
ب ) النجاة من الآفة، والسلامة من البلاء، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ينجيهم بفضله إذا أنزل بأسه بأهل الكفر والعصيان؛ الذين نصحهم هؤلاء فلم ينتصحوا، وزجروهم عنهم عن الكفر والمعصية فلم ينزجروا، وقد ضرب الله لنا في كتابهم الأمثال، وحكى لنا أحوال بعض من سبقنا، مما يبيّن ويوضح مآل القائمين بهذه الشعيرة العظيمة، وكيف أنه ينجيهم ويهلك عدوهم، ومن لم يرفع بهذه الفريضة رأسًا، ولو لم يكن عاصيًا أو مشاركًا بالفعل لأهل المخالفة والعصيان قد يدخل معهم، ومن الأمثلة على ذلك قصة أصحاب السبت التي جاءت في كتاب الله تعالى:
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف:165]. يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي: (وهكذا سنة الله في عباده أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر) (2)، وقد ذكر بعض المفسرين أن ظاهر النظم القرآني أنه لم ينج من العذاب إلا الفرقة الناهية التي لم تعص، أما الساكتة فقد ظلمت نفسها بالسكوت عن النهي وعتت عما نهاها الله عنه من ترك النهي عن المنكر(3).
__________
(1) …في ظلال القرآن، سيد قطب: (1/450).
(2) …تيسير الكريم الرحمن، ابن سعدي: ص(307).
(3) …فتح القدير، الشوكاني: (2/257-258).(1/22)
وفي ذات السياق يقول الإمام الشوكاني عند تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ} [هود:116]: ("من" في (ممن) بيانية، لأنه لم ينج إلا الناهون(1)؛ فالذين نجوا من تلك القرون هم الذين نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون للنهي، فالنجاة كانت للناهين وحدهم بدليل قوله: {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ}[الأعراف:165])(2).
وبما سبق يتحقق الفلاح للمسلم المستقيم على أمر الله القائم بما أوجب عليه؛ لاسيما هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير الذي جاء به الإسلام، فوز وفلاح في الدنيا، ومرتبة عالية، ومنزلة رفيعة، وسلامة وعافية، ونجاة من عذاب الله وسخطه الذي أعده للمتهاونين بشعائره، المعتدين على محارمه، وحامل القرآن الكريم من أولى الناس بهذا الفوز والفلاح؛ استقامةً على مضامين القرآن الكريم والتزامًا بها، وتعليمًا للناس، وقيامًا بواجبه المناط به في الدعوة إلى الخير والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي افترضه الله على عباده.
المبحث الثالث:
تطبيقات الواجب الدعوي على حملة القرآن في خدمة المجتمع
مقدمة:
لا شكّ أن لحملة كتاب الله الكريم مكانة عالية رفيعة في المجتمع الإسلامي الذي يعيشون فيه، فهم يحملون كلام الله في صدورهم، ولأجل ذلك فأفراد المجتمع يجلونهم ويحترمونهم، ومكانتهم في صدورهم عظيمة جليلة؛ وهذا الأمر ولا شك يُحملهم مسؤولية عظيمة من جانبين:
__________
(1) …نفسه: (2/534).
(2) …مدارك التنزيل وحقائق التأويل، النسفي: (2/208) (ط د، ت د، دار الفكر).(1/23)
الجانب الأول: أن هذا الاحترام والإجلال والحب القلبي الصادق، النابع من حب الناس لكتاب الله تعالى؛ يجعل حملة القرآن محل قبول لدى الناس، إذ يقبلون منهم من التوجيه والإرشاد ما قد لا يقبلونه من غيرهم، وهذا يحملهم مسؤولية في وجوب قيامهم بالدعوة والإرشاد لمن زلت به قدم، أو انحرف به مسلك، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
الجانب الثاني: هو أن هذه المحبة و التقدير تجعل الأعين متجهة إليهم؛ تقلدهم في أفعالهم وتصرفاتهم، وحركاتهم وسكناتهم، وهذا أمر مشاهد ومعلوم، ولا ينبغي لحامل القرآن الغفلة عنه، ويجب عليه إزاءه الحذر والتحرز فيما يأتي وما يذر.
المراد مما سبق أن لهذه الكوكبة النيرة مكانة عزيزة في قلوب الناس؛ يجب استثمارها وتفعيلها في خدمة المجتمع الذي يقيمون فيه، والذي يمثلون فيه الشيء الكثير، فهم من بُناته ومؤسسيه وموجهيه، ولعل من أهم تطبيقات الواجب الدعوي المتمثلة في الأدوار التي يمكن أن يقوم بها حملة القرآن الكريم في خدمة مجتمعهم ما يلي:(1/24)
أولاً: مواصلة تدبر القرآن الكريم، والمحاولة الجادة لفهم معانيه ومراميه، فالأصل في من يتعلم كتاب الله ويسعى في حفظه أن ينتهج منهج الصحابة - رضي الله عنهم - في ذلك، فقد كانوا يتعلمون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر آيات فلا يتجاوزوها إلى العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه العشر من العلم والعمل، ولأجل ذلك جمعوا بين العلم والعمل(1)، وإذا تعذر هذا المنهج فليس أقل من الحذر البالغ من المنهج المضاد الذي حدث عنه ابن عمر رضي الله عنهما بقوله: (( ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما أمره وزاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه )) (2)، فهذا المنهج خطير للغاية وهو من أكبر أسباب الخلل الحاصل في المجتمعات الإسلامية، إذ الخلل ينتقل من الطبقات الأعلى إلى ما دونها، وهذا أمر معلوم ومشاهد.
__________
(1) …زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي: (1/4) (ط3، 1404هـ، المكتب الإسلامي، بيروت).
(2) …الدر المنثور، عبدالرحمن السيوطي: (2/69) (ط د، 1993م، دار الفكر، بيروت).(1/25)
والمراد هنا أن على حامل القرآن أن يسعى جاهدًا في مواصلة تدبر كتاب الله تعالى وفهم معانيه التي لأجلها أنزل، وقد جاء في آيات متعددة الحض على تدبر القرآن وتوبيخ من لم يتدبره، ولا بد أن يُعلم في هذا المقام أن الإعراض عن تفهم معاني كتاب الله العظيم؛ سبيل إلى الاستغناء عنه، وهذا مؤدي ولا شك الاعتياظ عنها بأفكار البشر وآرائهم، ولعلّ هذا من الدواهي العظيمة التي أصيب بها المسلمون اليوم، وكانت من أسباب ضعفهم وانحطاطهم وهوانهم على الناس(1)، ولأجل ذلك كان من الضروري للغاية أن يُعني متعلم القرآن والحافظ له بتفهم معانيه ومراميه، وأن يكون هذا نهجًا تسير عليه الجمعيات الخيرية والحكومية التي تُعنى بتحفيظ القرآن الكريم؛ إذ نحن اليوم أحوج ما نكون إلى فهم الشباب لدينهم على صورته الصحيحة السليمة من الغلو والإفراط، وكذا الجفاء والتفريط، ولا يكون ذلك إلا بالفهم لما أنزله الله جل وعلا هاديًا للبشرية وهو القرآن الكريم مدار حديثنا هنا.
ثانياً: العمل بالقرآن الكريم، وتطبيقه في واقع الحياة، بحيث يتخلق حافظ القرآن بالقرآن فيما يأتي وما يذر، وقدوته في ذلك خير البشرية وأزكاها رسولنا محمد بن عبدالله -عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم- الذي كان خلقه القرآن، كما أوضحت ذلك أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها وأرضاهما- إذ قالت لما سُئلت عن خلقه - صلى الله عليه وسلم - : (( كان خلقه القرآن )) (2).
__________
(1) …أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي: (7/32، 582-583) (ط د، 1408هـ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة).
(2) …المسند، أحمد بن حنبل: (6/163) ح(25341) (ط د، ت د، مؤسسة قرطبة، القاهرة).(1/26)
يجب أن يكون القرآن وما يتضمنه من معاني سامية، وتوجيهات راقية، هو الحاكم لأخلاق المسلم في جميع أحواله، ولكل تصرفاته؛ في حال الرضا وفي حال الغضب، كما كان حال رسولنا - صلى الله عليه وسلم - الذي كان خلقه القرآن يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه(1).
وإن من أبشع الصور، وأقبح المناظر؛ أن ترى حافظ القرآن وهو مخالف لما يتضمنه، متخلق بما يخالف ما جاء فيه، وقد ورد في ذم الخوارج ما يشير إلى هذا الأمر العظيم، فقد أخبر عنهم الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - ، وأوضح أنهم قوم قرأوا القرآن وحفظوه؛ لكنه لم يصغ أفعالهم وتصرفاتهم وعقيدتهم، كما صاغ عبادتهم فقال: (( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية )) (2).
وهكذا يكون من لم تصغه توجيهات القرآن ولم يتخلق بآدابه وأخلاقه.
__________
(1) …المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان الطبراني: (1/30) ح(72) (ط د، 1415هـ، دار الحرمين، القاهرة)، و: شعب الإيمان، أبو بكر أحمد البيهقي: (2/154) ح(1428) (ط1، 1410هـ، دار الكتب العلمية، بيروت).
(2) …صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج: (2/741) ح(1064).(1/27)
ثالثاً: من أهم الأدوار التي يمارسها حامل القرآن في مجتمعه دعوته إلى العناية بكتاب الله تعالى، والحث على حفظه وتعلمه، فهو مسلم منّ الله عليه بهذه النعمة الجليلة، فوجب عليه أن يسعى لتعم بين المسلمين؛ فهو يحثهم على العناية بكتاب الله تعالى؛ من خلال اللقاءات الفردية، بين جيرانه وإخوانه، وأسرته وأقاربه، كما لابدّ أن يعنى بالسالكين أول الطريق في حفظ القرآن الكريم، يوصيهم بالصبر على ما قد يعرض لهم من مشقة، ويدلهم على السبل المعينة على حفظ القرآن ومراجعته، مما يكون فيه دعم لهم، وتأييد لمسلكهم؛ الأمر الذي يساعدهم في الصبر على ما قد يعرض لهم من مشاقّ في هذا السبيل، لاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه المشغلات والملهيات؛ التي تلهي الكبير والصغير، والرجل والمرأة، عن كتاب ربهم، مما يجعل الجميع في أمس الحاجة للدعم والمساعدة في هذا الباب.
ولعلّ من أهم الخطوات العملية في هذا الباب بعد التواصي بهذا الأمر مع المحيطين به من أقاربه وجيرانه وغيرهم؛ التعاون مع القائمين بهذه المهمّة الجليلة في الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، واحتساب الأجر في ذلك، ومنها حثّ المتبرعين على دعم هذه الجمعيات الخيرية؛ وإيضاح دورها الفاعل في خدمة المجتمع، والحفاظ على إيمانه، ودورها المهم في الإسهام في إخراج الجيل القرآني الذي ينشأ على تلقي كتاب الله وتعلّمه، إلى غير ذلك من الأدوار المهمّة، ولقد جاء في الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( من دل على خير فله مثل أجر ما فاعله )) (1).
__________
(1) …صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج: (3/1506) ح(1893).(1/28)
رابعاً: تدريس القرآن الكريم وإقراؤه للناس ومساعدتهم على حفظه، وهذا من أهم وأعظم الأدوار التي ينهض بها حملة القرآن الكريم؛ إذ الواجب على من منّ الله عليهم بحفظ كتابه وإتقانه؛ أن يسعوا في إيصال هذا الخير للآخرين، فيقوموا بتعليمه لغيرهم، وقد جاء في حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - المشهور قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) (1)، وهذا الحديث العظيم رتب النبي - صلى الله عليه وسلم - صفة عظيمة على تعلم القرآن ومن ثم تعليمه، والمعنى أي خير المتعلمين والمعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن لا في غيره؛ إذ خير الكلام كلام الله، فكذا خير الناس بعد النبيين من اشتغل به، والمراد: خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه(2).
وحامل القرآن إذا بخل بهذا الخير الذي منحه الله إياه فتعلم ولم يعلم، فَقَدَ الخيرية التي جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن علم غير القرآن الكريم.
__________
(1) …صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري: (4/1919) ح(4739) (ط3، 1407هـ، تحقيق: د.مصطفى البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت).
(2) …فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبدالرؤوف المناوي: (3/499) ح(4111) (ط1، 1356هـ، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة).(1/29)
وأمر آخر لا بدّ من العناية به وهو مما يحفز حافظ القرآن لينطلق في مجال تعليمه لغيره، وذلك ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))(1)، فأي أجر أعظم من أجر من يعلم الناس القرآن إذا علمنا أن الله يكتب بكل حرف حسنةً، والحسنة بعشرة أضعافها، إلى سبعمائة ضعف، كما جاء في الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (آلم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف )) (2). فكم سيكون له من الأجر من علم الناس القرآن: صوب نطقهم به، أو ساعدهم في حفظه وإتقانه، لاسيما وأنهم يتلونه في عباداتهم وصلواتهم وأورادهم، كما أن الحفظة منهم يكثرون مراجعته، فيكون من علمهم إياه شريكًا لهم في تلك الأجور العظيمة.
ولا شكّ أن الجلوس لتدريس القرآن فيه مساهمة فاعلة في ربط الناس بكتاب ربهم بصورة صحيحة، كما أنها تمثل وسيلة للتواصل بين حامل القرآن وأفراد مجتمعه؛ يستطيع من خلال تدريس القرآن وتعليمه؛ أن يوصل للناس الخير ببيان معاني الآيات أو شرح الغامض منها، كما أنه يمثل مصدرًا مأمونًا للمعلومات الصحيحة الصادقة؛ عما قد يشكل على الناس ويحتاجون لمن يستعلمون منه حول بعض الإشكالات، أو الأسئلة التي يحتاجون للجواب عليها، ومن ذلك أيضًا تربية الجيل الصاعد من النشء على آداب القرآن وأخلاقه، لاسيما وأنهم يتعلمون القرآن في المسجد؛ مما يسهم في تخلقهم بأخلاق القرآن، وتأدبهم بآدابه.
__________
(1) …صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج: (3/1506) ح(1893).
(2) …الجامع الصحيح، محمد بن عيسى الترمذي: (5/175) ح(2910) (ط د، ت د، تحقيق: محمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت).(1/30)
خامسًا: دعوة الناس عمومًا للمبادئ التي جاء بها القرآن ودعا إليها، والعلم حجة على صاحبه، يجب عليه أن يبلغه لغيره، وفي الحديث أن المسلم يُسأل يوم القيامة عن علمه ماذا عمل به، ففي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( لا تزول قدمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه )) (1)، وعلم المرء بما جاء في كتاب الله جل وعلا؛ يوجب عليه القيام بواجب الدعوة إلى تطبيق الأوامر والنهي عن ما نهى الله عنه في كتابه، والحافظون لكتاب، العالمون بما جاء فيه؛ هم أولى الناس بخطاب القرآن في قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، فعلى القول بأن الدعوة إلى الله والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، فحملة القرآن العالمون بما فيه هم أولى الناس بهذا الأمر والفرض، ومتى ما تنحى حملة القرآن الكريم عن التصدر لهذا الواجب؛ قيامًا به كما يجب سيتصدر له من ليس أهلاً مما سيورث الفساد العريض، إذ تصدر من ليس أهلاً؛ مجلبة للنزاع والشقاق، فمن لا يملك الأهلية فإنه يذهب ليصلح ويكون قد وقع في عين الفساد والإفساد.
كل ما سبق غيض من فيض مما يمكن لحملة القرآن أن يقوموا به في خدمة مجتمعهم، والحقيقة أن حملة القرآن الكريم هم الصفوة التي يجدر بها النهوض بمجتمعنا الإسلامية، ولن تحقق المجتمعات الإسلامية عزتها ومكانتها إلا بهم بعد توفيق الله وتسديده.
الخاتمة
وفيها أبرز النتائج والتوصيات:
__________
(1) …سنن الدارمي، عبدالله الدارمي: (1/144) ح(537) (ط1، 1407هـ، دار الكتاب العربي، بيروت).(1/31)
بحمد الله تم هذا البحث الذي تناولت فيه الإشارة إلى واجب حملة القرآن الكريم من خلال التأمل في قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وأهم تطبيقاته المعاصرة في خدمة المجتمع.
ومن خلال هذا البحث يمكن الخلوص إلى النتائج التالية:
1 ) أهمية العناية بفهم معاني القرآن الكريم مع حفظه، وعدم إغفال هذا الجانب لأنه المقصود الأصلي من نزول القرآن الكريم.
2 ) عظمة كلام الله وتناسب آياته وتناسق بنائها والإعجاز العظيم في ذلك.
3 ) تضمن الآيات الكريمات على بيان الداء والدواء في أسلوب قرآني رائع ومتميز ببيان أحوال الأمم السابقة وكيف ضلوا سبيل النجاة من ذلك.
4 ) عظم الواجب على حملة القرآن الكريم في القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى.
أما أهم التوصيات التي خرج بها البحث:
1 ) لا بد من الاهتمام والعناية الفائقة بتفهيم القرآن الكريم مع تحفيظه، واستحداث برامج لذلك تؤدي الغرض بصورة متميزة وناجحة.
2 ) ضرورة العناية بدور حلق وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم في تفعيل حفاظ كتاب الله تعالى لأداء دورهم المنوط بهم في خدمة مجتمعهم والإسهام في الإصلاح والرقي به.
3 ) وجوب التأكيد على أهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى، ودورها الفاعل في خدمة المجتمع والحفاظ عليه مؤمنًا بالله، مستمسكًا بدينه وشريعته، محبًا لولاته موالياً لهم ولأبناء وطنه.
هذا وأسأل الله التوفيق والسداد وأن يمن بالقبول..
إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
فهرس المصادر والمراجع
الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع، محمد بن صالح العثيمين، موقع الشيخ محمد العثيمين على الشبكة المعلوماتية:(1/32)
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_16913.shtml
أحاديث في الدعوة والتوجيه (حديث من رأى من منكم منكرًا) رواية ودراية، فالح محمد الصغير، ط1، 1422هـ، دار ابن الأثير، الرياض.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، ط د، 1408هـ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
الإنصاف في بيان أسباب الخلاف، أحمد الدهلوي، ط2، 1404هـ، دار النفائس، بيروت.
تفسير البيضاوي، البيضاوي.
تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، ط د، 1984م، الدار التونسية للنشر، تونس.
تفسير القرآن الحكيم، محمد رشيد رضا، ط2، ت د، دار الفكر.
تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ط1، 1401هـ، دار الفكر، بيروت.
تهذيب التفسير وتجريد التأويل مما أُلحق به الأباطيل ورديء الأقاويل، عبدالقادر شيبة الحمد، ط1، 1414هـ، مكتبة المعارف، الرياض.
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر السعدي، ط1، 1420هـ، طبعة المجلد الواحد، مؤسسة الرسالة، بيروت.
الجامع الصحيح، محمد بن عيسى الترمذي، ط د، ت د، تحقيق: محمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
الجامع لأحكام القرآن، محمد القرطبي، ط2، 1372هـ، دار الشعب، القاهرة
الدر المنثور، عبدالرحمن السيوطي، ط د، 1993م، دار الفكر، بيروت.
زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، ط3، 1404هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.
سنن الدارمي، عبدالله الدارمي، ط1، 1407هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.
السنن الكبرى، أحمد بن شعيب النسائي، ط1، 1421هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
شعب الإيمان، أبو بكر أحمد البيهقي، ط1، 1410هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، ط3، 1407هـ، تحقيق: د.مصطفى البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت.
صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، ط د، ت د، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.(1/33)
صفوة الآثار والمفاهيم، عبدالرحمن الدوسري.
صفوة التفاسير، عبدالرحمن الدوسري.
فتح القدير، الشوكاني، ط1، 1414هـ، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، بيروت، دمشق.
في ظلال القرآن، سيد قطب.
فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبدالرؤوف المناوي، ط1، 1356هـ، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة.
القاموس المحيط، محمد الفيروزآبادي، ط2، 1407هـ، دار الرسالة، بيروت.
الكشاف عن حقائق التنزيل، محمود الزمخشري، ط1، 1417هـ، دار إحياء التراث، بيروت.
المحرر الوجيز، ابن عطية.
مدارك التنزيل وحقائق التأويل، النسفي، ط د، ت د، دار الفكر.
المسند، أحمد بن حنبل، ط د، ت د، مؤسسة قرطبة، القاهرة.
معالم التنزيل، الحسين بن مسعود البغوي، ط4، 1417هـ، دار طيبة، الرياض.
معاني القرآن وإعرابه، إبراهيم الزجاج، ط1، 1408هـ، عالم الكتب، بيروت.
المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان الطبراني، ط د، 1415هـ، دار الحرمين، القاهرة.
من كنوز السنة دراسة أدبية لغوية، محمد علي الصابوني، ط3، 1409هـ، دار القلم، دمشق.
منظومة في قواعد وأصول الدعوة إلى الله تعالى، صالح بن عبدالله الفريح: (مخطوط).…
فهرس الموضوعات
مقدمة… ب
التمهيد…1
المبحث الأول: نظرات دعوية في مناسبة الآية الكريمة للآيات قبلها وبعدها…3
المبحث الثاني: فقه الدعوة إلى الله في الآية الكريمة…12
المبحث الثالث: من أهم تطبيقات الواجب الدعوي على حملة القرآن في خدمة المجتمع…22
الخاتمة…29
فهرس المصادر والمراجع…31
فهرس الموضوعات…34(1/34)