النصيحة هي المسؤولية المشتركة
في
العمل الدعوي
بقلم
العلامة
ربيع بن هادي عمير المدخلي
مقدّمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم .
أما بعد ... فهذا بحث متواضع قمت بإعداده تحت عنوان((النصيحة هي المسؤولية المشتركة في العمل الدعوي )) أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع به وأن يوفق الدعاة إلى الله في كل مكان للنهوض بهذه المسؤولية على أكمل الوجوه وأبرها وأرشدها ولا شك أن الدعوة إلى الله القائمة على البصيرة والعلم والمنطلقة من الإخلاص لله رب العالمين والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، هي من أفضل ما وَرِثَهُ الدعاة إلى الله بحق عن أنبياء الله ورسله الكرام ، الهداة الناصحين وقدوة الدعاة إلى الله الصادقين الذين لا غرض لهم من وراء دعوتهم إلا مرضاة ربهم وهداية عباده وإرشادهم إلى تحقيق الغاية الكبرى التي خلقهم الله تعالى من أجلها وسخر لهم ما في السموات والأرض عوناً لهم على القيام بهذه المهمة العظمى وحقوقها ومستلزماتها .
ولعل من متطلبات البحث التعريج إلى تعريف الدعوة إلى الله وأفضل تعريف لها في نظري ما قاله شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله وإن كان على غير طريقة المنطقيين ومن قلدهم .
الدعوة إلى الله : هي الدعوة إلى الإيمان به وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا ، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج البيت .(1/1)
والدعوة إلى الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ورسله ، والبعث بعد الموت ، والإيمان بالقدر خيره وشره والدعوة إلى أن يَعبُد العبد ربه كأنه يراه فإن هذه الدرجات الثلاث التي هي ( الإسلام ) و(الإيمان ) و(الإحسان ) داخلة في الدين ، كما قال في الحديث الصحيح : [ هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم ] بعد أن أجابه عن هذه الثلاث ، فبين أنها كلها دين .
فالدعوة إلى الله تكون بدعوة العبد إلى دينه وأصل ذلك عبادته وحده لا شريك له كما بعث الله بذلك رسله وانزل به كتبه قال تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) [ الشورى : 13 ] وقال تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [ الزخرف : 45 ] وقال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ... .) [ النحل: 36 ] ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] [ مجموع الفتاوى (15 / 160 )[ .
ولعل من أحسن ما قيل في مكانة الدعاة إلى الله ما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله :(1/2)
قال تعالى : ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) [ فصلت : 33 ] . فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم وهم خلفاء الرسل في أمتهم والناس تبع لهم والله سبحانه وتعالى قد أمر رسوله أن يبلغ ما أنزل إليه وضمن له حفظه وعصمته من الناس . وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ الله وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه وتبليغهم له وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالتبليغ ولو آية ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثاً . وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو ؛ ولأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء و خلفاؤهم في أممهم جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه.{ بدائع التفسير ( 4/103) } .
المسؤولية المشتركة في العمل الدعوي
هي النصيحة للأمة المسلمة
إذ للنصيحة مكانة عظيمة في الإسلام . النصيحة للمسلمين في عقيدتهم وعبادتهم في الدرجة الأولى . وفي دنياهم ومصالحهم وأمور معاشهم وفي كل شأن من شؤونهم . ذلك هو منهج الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم . وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتن فيرقق بعضها بعضاً وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع . فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ) [ أخرجه مسلم في الإمارة حديث 1844 ] .(1/3)
هذه هي دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نهاية النصح والأمانة : الدلالة الكاملة على كل خير وفي مقدمته التوحيد والتحذير من كل شر وفي مقدمة ذلك الشرك . لقد أخبر الله جل وعلا عن المسؤولية المشتركة في عملهم الدعوي أنها الدعوة إلى التوحيد وضد الشرك فقال : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) { النحل 36 } . فلما كذبهم من كذبهم وضللهم وسفههم من أممهم قال أولهم نوح عليه الصلاة والسلام (يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون ) { سورة الأعراف: 61-62 } وقال هود ( يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) { سورة الأعراف 68} وقال صالح بعد أن أهلك الله قومه المكذبين ( فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) { سورة الأعراف : 79 } وأخبر الله عن عدد من رسله في سورة الشعراء أن كل واحدٍ منهم قال لقومه (إني لكم رسول أمين).{ سورة الشعراء : 178،162،143،125،107 } .
فتبليغ رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على وجهها بدءاً بالدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك يجب أن يكون سمة بارزة ودعامة مكينة وقاعدة صلبة للدعاة إلي الله وذلك هو مقتضى النصيحة والأمانة وبرهان الوراثة الصحيحة وصحة المنهج الذي يسيرون عليه.
ولقد ركز رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم على قضية النصيحة وذلك من البراهين على أهميتها في الدعوة إلى الله تعالى.
فعن تميم ابن أوس الداري- رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وآله و سلم :[الدين النصيحة (ثلاثاً) قلنا لمن، قال:لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم] رواه مسلم وأحمد وأبو داود.(1/4)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:[ إن الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويسخط لكم ثلاثا. يرضى لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ، ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويسخط لكم ثلاث : قيل وقال ،وكثرة السؤال، وإضاعة المال].رواه مسلم ومالك وأحمد.
وعن جرير بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه- قال: [بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم]{ أخرجه البخاري في الإيمان حديث (57 )ومسلم في الإيمان حديث ( 56 ) } ، وعن زياد بن علاقة قال :] سمعت جرير بن عبد الله يقوم يوم مات المغيرة بن شعبة، قام فحمد الله و أثنى عليه، و قال : عليكم باتقاء الله و حده لا شريك له و الوقار و السكينة حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن ثم قال: استعفوا لأميركم ، فإنه كان يحب العفو ثم قال أما بعد : فإني أتيت النبي صلى الله عليه و سلم قلت :أبايعك على الإسلام ، فشرط عليّ (و النصح لكل مسلم ) فبايعته على هذا ورب هذا المسجد إني لناصح لكم ثم استغفر ونزل].{ أخرجه البخاري في الإيمان حديث (57 )ومسلم في الإيمان حديث ( 56 ) }
أورد البخاري هذين الحديثين في كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه و سلم الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
و أورد مسلم أولهما في كتاب الإيمان –أيضاً- باب بيان أن الدين النصيحة.وهذا يدل على مكانة النصيحة عند الله وعند رسوله وأئمة الإسلام رحمهم الله تعالى.
أبرز مجالات النصيحة والأمانة أمران هما:
... 1- الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك ووسائله كافة .
... 2-الدعوة إلى اجتماع الأمة على أساس عقيدة التوحيد ، وعلى أساس الكتاب
والسنة ومنهج السلف الصالح من هذه الأمة ، والنهي عن الفرقة والتفرق ، والتكاتف بين الدعاة للقضاء على أسبابه .(1/5)
? أولاً :أما الدعوة إلى التوحيد بكل أنواعه ، فهي قاعدة الرسالات كلها ويجب أن تكون قاعدة الدعاة إلى الله من هذه الأمة في كل عصر من عصورها وكل جيل من أجيالها تأسياً بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام وسيراً على مناهجهم الحكيم الذي كلفهم به مرسلهم رب العالمين حيث يقول ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله وجتنبوا الطاغوت ) [ النحل : 36 ] .
وقال تعالى محذراً لهم ولأممهم من الشرك : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) [ الزمر 65ـــ 66 ] .
ولنعط القوس باريها ليحدثنا عن أهمية التوحيد ومكانته في الإسلام والاحتفاء به في كتاب الله القرآن الحكيم .
قال الإمام بن القيم ـــ رحمه الله تعالى ــ : " وأما التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ، ونزلت به كتبه ، فوراء ذلك كله .
وهو نوعان : توحيد في المعرفة والإثبات . وتوحيد في الطلب والقصد .
فالأول : وهو حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وعلوه فوق سماواته على عرشه ، وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده ، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمه . وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح كما في أول سورة الحديد ، وسورة طه وآخر سورة الحشر ، وأول سورة تنزيل السجدة وأول سورة آل عمران ، وسورة الإخلاص بكمالها وغير ذلك .(1/6)
النوع الثاني : مثل ما تضمنته سورة (قُل يا أيها الكافرون )[ سورة الكافرون : 1 ] ،وقوله : ( قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ... . الآية ) [ آل عمران : 64 ] . وأول سورة ( تنزيل الكتاب ) وآخرها ، وأول سورة ( يونس ) ووسطها وآخرها ، وأول سورة( الأعراف ) وآخرها ، وجملة سورة ( الأنعام ) وغالب سور القرآن ، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد بل نقول قولاً كلياً : إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد وشاهدة به ، داعية إليه فإن القرآن : إما خبر عن الله ، وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو التوحيد العلمي الخبري . وإما دعوة إلى عبادته وحده ، لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه ، فهو التوحيد الإرادي الطلبي .
وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته .
وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا ، وما يكرمهم به في الآخرة ، فهو جزاء توحيده .
وإما خبر عن أهل الشرك ، وما فعل بهم في الدنيا من نكال ، وما يحل بهم في العقبى من العذاب ، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد . فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم . [ مدارج السالكين : 3 / 449 ـــ 450 ] .
ومع أهمية كل أنواع التوحيد وضرورة العناية بها تربية ودراسة وتوجيهاً . فإن أهمها وأولاها بالعناية وتكريس الجهود من الدعاة إلى الله جميعاً أفراداً وجماعات لذلك : التوحيد الذي يحاربه الشيطان أشد الحرب في كل الأحقاب و الأجيال من عهد نوح عليه السلام إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة . ذلكم التوحيد العظيم الذي يبذل الشيطان، وجنوده كل جهودهم ومكايدهم لصرف بني آدم عنه .
عن عياض بن حمار المجاشعي_ رضي الله عنه_ إن النبي صلى الله عليه و سلم خطب ذات يوم فقال في خطبته :[إن ربي عز وجل امرني إن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا كل مال نحلته عبادي حلال(1/7)
وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم ان يشركوا بي مالم انزل به سلطانا] ]أخرجه مسلم في كتاب الجنة حديث 63)[.
إن الدعوة إلى هذا التوحيد والى هدم ضده وهو الشرك بالله الذي لا يغفره الله، لهما موضع الصراع بين الانبياء وأممهم وبين خاتم الرسل صلى الله عليه و سلم وأعداء الله المشركين وبين المصلحين من أئمة الإسلام وأهل البدع من القبوريين من شتى الطوائف الرافضية والصوفية الذين امتلأ كثير من بقاع العالم الإسلامي بمظاهر شركهم. من قبور وأعياد و احتفالات بل كثير من مساجد الله تضج من هذه القبور وما يدور حولها من فظائع الشرك بالله من هتافات واستغاثات، وذل وخضوع، وذبائح ونذور على مرأى ومسمع ورضى وتقرير من كثير من جماعات سياسية وصوفية تنتحل الدعوة إلى الله وتدعي هداية البشر إلى صراط الله.
إنني أذكر القراء بالمنهج السديد الذي سار عليه الرسل كلهم والأنبياء جميعهم وسادات المصلحين وأصدقهم في الدعوة إلى الله ومواجهة الواقع بصرامة وشجاعة دون تحايل ودون تهرب ولا مواربة.(1/8)
هذا واضح بين في مثل قول الله تعالى:[ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين] [ النحل : 36 ] .ومثل قوله تعالى :[وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون] [ الأنبياء : 25 ] ،( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) [ الزمر : 65 ــــ 66 ] . والآيات في دعوات الرسل على التفصيل كثير لا يتسع المقام لسردها . أما دعوة خاتم الرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فمعلومة لدى من له أدنى إلمام بدعوته وسريته صلى الله عليه وسلم فقد ظل ثلاثة عشر عاماً في العهد المكى يدعو إلى هذا التوحيد ولم تفرض الصلاة أهم ركن بعد التوحيد إلا في السنة العاشرة وسائر التشريعات ومنها الأركان العظام إلا في العهد المدني بعد هجرته عليه الصلاة والسلام ولم يشرع الجهاد في العهد المدني إلا لإعلاء راية هذا التوحيد .
قال تعالى : ( وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) [ البقرة : 193 ] . قال ابن جرير : حتي لا يكون شرك بالله وحتي لا يعبد دونه أحد وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة و الأنداد، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان . قال قتادة : حتي لا يكون شرك ، وساق أسانيده بهذا التفسير إلى قتادة ومجاهد والسدي وابن عباس والربيع .(1/9)
ومن السنة ما رواه أبو هريرة وجابر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم {أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله}. [حديث أبي هريرة في مسلم الإيمان حديث 35 وحديث جابر رواه البخاري في الجهاد حديث 102 ومسلم في الإيمان حديث 33 ] وما رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إ له إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) أخرجه البخاري في الإيمان حديث (25) ، ومسلم في الإيمان حديث(36).
ولا أريد التطويل بسرد الأحاديث في هذا المعنى إلا أني أريد أن أؤكد شمول الرسالات لكل خير وتحذيرها من كل شر وأشملها وأوسعها و أعمقها رسالة محمد صلى الله عليه و سلم.
ومع هذا الشمول والسعة فإن الترتيب والبدء فالأهم واضح كل الوضوح في الرسالات جميعاً، وفي دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم كما المحنا إلى ذلك فيما سلف ، ومما يؤكد قصد الترتيب توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه بقوله : [ إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ـــ ووفي رواية إلى أن يوحدوا الله ــ وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب[ [ أخرجه البخاري في المغازي؛ حديث ( 4347) ومسلم في الإيمان ؛ حديث ( 29 ، 30 ) .(1/10)
... وحديث بريدة بن الحصيب والنعمان بن مقرن رضي الله تعالى عنهما قالا : [ كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا بعث أميراً علي سرية أو جيش أوصاه بتقوي الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيراً ...] [ أخرجه مسلم في الجهاد ؛ حديث ( 1731 ) . وأبو داود في الجهاد حديث ( 1612 ) والترمذي في السير حديث ( 1617 ) ، وابن ماجة في الجهاد حديث ( 2858 ) ، وفيه أمره بدعوتهم إلى ثلاث خصال ومنها دعوتهم إلى الإسلام فإن أبوا فالجزية فإن أبوا فالقتال . فالترتيب واضح وقاعدة مستمرة في سيرته ووصاياه للدعاة وأمراء الجيوش والسرايا .
ودعوات المجددين المصلحين سارت على هذا المنهج العظيم الحكيم كدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلاميذه ، ودعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وتلاميذه ، ودعوة الصنعاني والشوكاني . ودعوة علماء السنة والحديث في الهند وباكستان ومصر والشام وغيرها . ولم يخرج عن هذا المنهج إلا من جهله وغلب عليه اتجاه آخر إما سياسي وإما صوفي وإما هما معاً .
فالواجب على وراث الأنبياء حقاً التزام هذا المنهج ، ولا يجوز لهم مخالفته شرعاً ولا عقلاً للأمور الآتية :
أولاً : أنه هو المنهج الذي ارتضاه الله لجميع الأنبياء فساروا عليه في دعوات أممهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم . فالخروج عنه منابذة لأمر شرعه الله ونفذه رسله وفيه استدراك على الله وعلى رسله وكتبه وطعن في علم الله وحكمته من حيث لا يشعرون .
ثانياً : أن الأنبياء التزموه وطبقوه مما يدل دلالة واضحة أنه ليس من ميادين الاجتهاد .
ثالثاً: أن الله قد أوجب على رسولنا الكريم الذي فُرِضَ علينا اتباعه أن يقتدي بهم ، ويسلك منهجهم فقال بعد أن ذكر ثمانية عشر رسولاً . ( أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده ) [ سورة الأنعام : 90 ] وقد اقتدى صلى الله عليه وسلم بهم في البدء بالتوحيد وأكد ذلك حق التاكيد وباهتمام شديد .(1/11)
رابعاً: ولما كانت دعوتهم في أكمل صورها تتجلى في دعوة خليل الله إبراهيم أبي الأنبياء وقدوتهم زاد الله الأمر تأكيداً فأمر نبينا محمداً صلي الله عليه وسلم باتباع منهجه فقال : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ) [ سورة النحل : 123 ] . والأمر باتباعه يشمل الأخذ بملته التي هي التوحيد ومحاربة الشرك ، ويشمل سلوك منهجه في البدء بالدعوة إلى التوحيد .
و زاد الله تعالى الأمر تأكيداً أيضاً فأمر أمة محمد صلى الله عليه و سلم –باتباع ملة هذا النبي الحنيف ،فقال تعالى :(قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً و ما كان من المشركين) ]آل عمران 95[.
إذاً فالأمة الإسلامية مأمورة باتباع ملته ، فكما لا يجوز مخالفة ملته لا يجوز مخالفة منهجه في البدء بالدعوة إلى التوحيد وهدم الشرك ورسائله ومظاهره .
خامساً : قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذ لك خيُر وأحسن تأويلاً ) [ سورة النساء : 59 ] . فإذا رجعنا إلى القرآن وجدنا أن رسل الله جميعاً صلوات الله وسلامه عليهم أول ما يبدؤون بالدعوة إليه هو التوحيد وأول شيء ينهون عنه ويحذرون منه هو الشرك . ووجدنا أن الله قد أمرنا باتباعهم وسلوك منهجهم وإذا رجعنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وجدنا أن دعوته قد بدأت بالتوحيد ومحاربة الشرك ثم انتهت بذلك . بل قد حارب كل مظاهر الشرك ووسائله وأسبابه .(1/12)
? ثانياً : وأما الدعوة إلى اجتماع الأمة وائتلافها على الأساس الذي ذكرناه والنهي عن الاختلاف والتفرق والتحزب فنقول : إن الإسلام دين توحيد واجتماع دعا إلى ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأدرك ذلك بعمق صحابته الكرام عليهم الرحمة والرضوان ومن تابعهم بإحسان من أئمة الإصلاح والهدي والنصح للأمة . قال الله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) ]آل عمران:103[ و قال تعالى (و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ]الأنعام:153[ و قال تعالى(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون) ]الأعراف:3[ و أمر الله في آيات كثيرة بطاعته و طاعة رسوله و اتباع كتابه و اتخاذ رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة لتأتلف على ذلك القلوب و النفوس و المشاعر.بعد رجاء الله و اليوم الآخر و الظفر بما عند الله من النعيم المقيم .و أمر باتباع سبيل المؤمنين و هو إجماعهم و اجتماعهم على الحق و توعد من يحيد عن ذلك .فقال جل شأنه (و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيراً) ]النساء :115[ وأخبر تعالى بواقع المؤمنين الذي يجب أن يكون ويجب أن يحققوه عملياً أنه الأخوة قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة ) ]الحجرات : 10[ . وأمر الله ببر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار وذوي القربى وغير ذلك من وجوه البر والإحسان التي توثق أواصر المودة والمحبة وتحقق هذا الاجتماع المشروع والتماسك المطلوب على الوجه الذي يرضي الله وعلى الأساس الذي شرع الاجتماع لتحقيقه .
وأتت سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ـــ مؤكدة هذا الأمر العظيم . فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالاعتصام بالكتاب والسنة ونهي عن التفرق .(1/13)
ومن ذلك قوله صلى الله عليه و سلم : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبدٌ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ،و إياكم و محدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) ]أبو داود في السنة حديث (4607)،و أحمد (4/126)،و الترمذي في العلم حديث (2676) [و قوله صلى الله عليه و سلم :(إن الله يرضى لكم ثلاثا و يسخط لكم ثلاث يرضى لكم أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا ،و أن تعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا، و أن تناصحوا من ولاه الله أمركم،و يكره لكم قيل و قال و كثرة السؤال) ]مسلم الأقضية حديث(1715)،و أحمد (2/367)،و مالك في الموطأ 2/990[ و ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال(خط لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم خطاً ثم قال :هذا سبيل الله ،ثم خط خطوطاً عن يمينه و عن شماله و قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه و قرأ (( وأنّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)) ]أخرجه أحمد في المسند حديث(4142)، و الحاكم في المستدرك (2/318)،و الآية من سورة الأنعام رقم 153[ و قوله صلى الله عليه و سلم(ذروني ما تركتكم ،فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم و اختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيئ فاجتنبوه و إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ]البخاري في الاعتصام حديث (7288)،و مسلم في الحج حديث (1337) [ .ُوجِد ذلك الأمر الإد، واستمر وتمادى فيه أهله قروناً و استمرؤوه و ركنوا إليه و لم تبذل الجهود الجادة لإنهائه و تخليص الأمة منه و لم يلتفت قادة الفتن و الفرقة إلى قوله الله تعالى:(فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و أحسن تأويلا) ]النساء :59[ .لم تبذل الجهود للقضاء عليه إلا من أئمة أهل السنة الطائفة الناجية المنصورة .(1/14)
و كل المحاولات من غير هذه الجهة لم تكن موفقة في تلك المحاولات وما كانت تعرف ولا تهتدي إلى طرق العلاج الصحيح بل ما يأتي علاجها إلا من باب وداوني بالتي هي الداء ،بل وما تزيد الطين إلا بلة ، بل تجدها تهون من شأن الخلاف وخطورته وترى أنه أمر ضروري يجب التسليم به بل أضحت المحاولات لإنهائه أو تضيق نطاقه أمراً مستنكراً يفرق الأمة . لا سيما في هذا العصر الذي استهانت فيه الدعوات السياسية الحزبية بقضية الخلاف حتى في العمق العقائدي ونشطت للتقريب بين أهل القبلة كما يزعمون ولا سيما بين أهل السنة والروافض ذلك التقريب الذي يطغى فيه الباطل على الحق ويهان فيه الحق وأهله .
ومع الأسف يعتبر هذا العمل من المناقب والمفاخر عند أناس . فقد قيل : على سبيل الاعتزاز : كان فلان في الأربعينات عضواً نشطاً في جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية من سنة وشيعة مؤمناً بأن الأرضية الإسلامية المشتركة تتسع بل تحتاج لتضافر الجهود كلها ويبقى كل على معتقده أي يبقى الروافض على عقائدهم الباطلة بما في ذلك الطعن في الصحابة وتكفيرهم واعتقاد أن الصحابة حرفوا القرآن وزادوا فيه ونقصوا وامتداداً لهذا الفكر تؤلف اليوم المؤلفات لترسيخ هذه الاختلافات تحت شعار (( جواز التعدد السياسي )) وتحت شعار (( نتعاون فيما اتفقنا عليه )) . ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه دون التفات إلى مقررات القرآن والسنة ومنهج علماء الأمة في خطورة الخلاف وشره وضرره .(1/15)
وفي وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة والقضاء على الخلاف والفرقة أو تضييق نطاقه حسب المستطاع . لقد اشتد البلاء على العقلاء من أهل الحق الذين تسؤهم هذه الإنحرافات ويقض مضاجعهم تفرق هذه الأمة إلى شيع وأحزاب [كل حزب بما لديهم فرحون]المؤمنون: 53 ، الروم 32.ويرون أن من االنصح لهؤلاء السعي الجاد في تبصيرهم وإرشادهم إلى الخروج مما هم فيه من واقع مرير في هذه الدنيا . وأشد منه ما يخشى عليهم من العقاب والعذاب في الآخرة.
لهذا يجب على كل من أدرك قيمة رسالة محمد ( - صلى الله عليه وسلم - التي جمعت القلوب والنفوس على الحق الخالص ورسخت فيها معاني الخير ، ووفرت أسباب الود والإخاء في الله ولله وقضت على أسباب الفرقة والاختلاف وجعلت من أفراد الأمة لبنات صالحة ثم قلعة حصينة يشد بعضها بعضاً.
أما الدعوات إلى مجرد التجميع واللملمة على الدخل والدخن ، والجمع بين المتناقضات من العقائد والمناهج ، والمتنافرات من القلوب والمشاعر ؛ فإن ذلك لا يحقق شيئاً يرضي الله ويرفع سخطه عمن خالفوا ما رضيه وشرعه من الدين عقائد وأحكام ولن يتحقق للدعوات السياسية المستعجلة ما تخيله من قيام دولة قوية تواجه الأعداء من اليهود والنصارى والغزاة والمستعمرين وتقف في وجه الهزات والأعاصير ثم في الوقت نفسه تكون هذه الجهود والمحاولات بعيدة كل البعد عن القيام بواجب النصيحة للأمة في دينها وعقائدها وعباداتها التي بلغت مبلغاً خطيراً من الفساد والحيدة عن صراط الله الحق . فكيف يرضى ربنا عن تجمعات صورية جوفاء. على البدع والضلالات والخرافات وكيف يرضى عن دولة تقوم على المتنافر من العقائد والمسالك والمناهج وعلى الغرائب والعجائب من المتناقضات.(1/16)
إن العقل والفطرة ليرفضان ذلك أشد الرفض فضلاً عن الشرع الذي لا يرضى ولا يقبل من أعمال العباد إلا ما كان خالصاً لله وإلا ما كان ملتزماً لما جاء به وحيه وأرسل به رسله وأنزل به كتبه [ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً] الكهف : 110
فالخالص ما كان لله وأريد به وجهه والتجمعات السياسية على البدع والباطل في الغالب ما تقوم إلا على الأهواء والطموحات الشخصية إلى الكراسي والمناصب.
الأدلة على تحريم الاختلاف بين الأمة الاسلامية وذم ذلك في شرعة الاسلام وموقف العلماء الناصحين من ذلك .
قال تعالى [ وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين* من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون] الروم :31-32 .(1/17)
وقال تعالى [ ولا تنازعوا فتشلوا وتذهب ريحكم] الأنفال: 46 وقال تعالى [ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه] الشورى 13 ، وقال تعالى [وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة] البينة 4 وقال تعالى [ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم] آل عمران 105 وقال تعالى [إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون] الأنعام 159 ذكر ابن جرير وغيره من المفسرين أن في قوله تعالى [فرقوا دينهم] قراءتين إحداهما [ فارقوا دينهم] أي خرجوا فأرتدوا عنه من المفارقة وثانيهما [فرقوا دينهم] قال ابن جرير: و هذه قراءة عبد الله بن مسعود وعليها قراء (المدينة والبصرة) وعامة قراء الكوفيين قال: وكأن عبد الله تأول بقراءته أن دين الله واحد ، وهو دين إبراهيم الحنيفية السمحة المسلمة ففرق ذلك اليهود والنصارى فتهود قوم وتنصر آخرون فجعلوه شيعاً متفرقة. ثم ذهب ابن جرير إلى أن معنى القراءتين واحد فهم لدين الله مفارقون وله مفرقون. قال ابن جرير في التفسير (8/105-106) ثم اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله [ إن الذين فرقوا دينهم] فقال بعضهم عنى بذلك اليهود والنصارى ، وروى ذلك بأسانيده إلى قتادة والسدي وابن عباس ومجاهد ، ثم قال:و قال آخرون عني بذلك أهل البدع من هذه الأمة الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه وساق أسانيده إلى أبي هريرة – رضى الله عنه-.(1/18)
ثم قال : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أخبر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه بريء ممن فارق دينه الحق وفرقه ،وكانوا فيه أحزاباً وشيعاً وأنه ليس منهم ولا هم منه ، لأن دينه الذي بعثه الله به هو الاسلام دين ابراهيم الحنيفية كما قال له ربه وأمره أن يقول [ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ، ديناً قيماً ملة ابراهيم حنيفاً ، وما كان من المشركين]الأنعام 161. فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم من مشرك ووثني ويهودي ونصراني ومتحنف مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم ملة ابراهيم المسلم فهو برئ من محمد - صلى الله عليه وسلم - ومحمد بريء منه وهو داخل في عموم قوله تعالى [ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيئ[الأنعام 159.(1/19)
ووافق ابن جرير في رواية هذين القولين البغوي(في تفسيره 2/145) و ابن الجوزي (زاد المسير 3/158) و ابن كثير (في تفسيره 2/196) و القرطبي (في تفسيره 7 /104_107 _ ساق كذلك آثاراً تبين أن أهل البدع داخلون في معنى الآية ) و ساق البغوي أحاديث لبيان أن الآية تتناول أهل البدع منها : حديث العرباض بن سارية رضى الله عنه وفيه [ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وأياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة[ أبو داود في السنة حديث (46007) ، وأحمد حديث (4/126).وساق حديث افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وحديثاً في اسناده نظر عن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [ يا عائشة إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً هم أهل البدع والشبهات من هذه الأمة]. وساق كذلك ابن كثير آثاراً تفيد أن أهل البدع والضلال داخلون في عموم الآية الكريمة . ثم قال: " والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق . فمن اختلف فيه [وكانوا شيعاً] أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات ، فإن الله تعالى قد برأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما هم فيه . وهذه الآية كقول الله تعالى: [ شرع لكم من الدين ... الآية].
دعوة أئمة السنة البارزين إلى وحدة المسلمين واجتماعهم على الحق وإلى نبذ التفرق والتحزب والاختلاف
لأئمة السلف كتب لا تحصى تتضمن الدعوة إلى اجتماع الأمة واعتصامها بكتاب ربها وسنة نبيها والسير على هدي السلف الصالح من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين وإلى نبذ البدع والتفرق والاختلاف.(1/20)
وسوف اقتصر على النقل عن بعض الأئمة المعتبرين الذين سارت كتبهم مسير الشمس بين خيار الأمة فلا تحظى منهم إلا بالقبول والتسليم. وهي مصادر أساسية لمن جاء بعدهم من دعاه الحق وأئمة الهدى.
فمن أولئك الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العُكْبَري المتوفي سنة 387هـ .قال: في كتابه الشهير بـ " الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة": (1)
باب ذكر ما نطق به الكتاب نصاً في محكم التنزيل
بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة
أما بعد : فاعلموا يا إخواني وفقنا الله وإياكم للسداد والائتلاف وعصمنا واياكم من الشتات والاختلاف ، أن الله عز وجل قد أعلمنا اختلاف الأمم الماضين قبلنا وأنهم تفرقوا واختلفوا فتفرقت بهم الطرق حتى صار بهم الاختلاف إلى الافتراء على الله عز وجل والكذب عليه والتحريف لكتابه والتعطيل لأحكامه والتعدي لحدوده ، وأعلمنا تعالى أن السبب الذي أخرجهم إلى الفرقة بعد الألفة ، والاختلاف بعد الائتلاف، هو شدة حسد من بعضهم لبعض وبغي بعضهم على بعض فأخرجهم ذلك إلى الجحود بالحق بعد معرفته ، وردهم البيان الواضح بعد صحته وكل ذلك وجميعه قد قصه الله عز وجل علينا وأوعز فيه إلينا وحذرنا من مواقعته وخوفنا من ملابسته . ولقد رأينا ذلك في كثير من أهل عصرنا وطوائف ممن يدعي أنه من أهل ملتنا وسأتلو عليكم من نبأ ما قد أعلمناه مولانا الكريم وما قد علمه إخواننا من أهل القرآن وأهل العلم وكتبة الحديث والسنن.(1/21)
وما يكون فيه إن شاء الله بصيرة لمن علمه ونسيه ولمن غفله أو جهله ويمتحن الله به من خالفه وجحده بألا يجحده إلا الملحدون ولا ينكره إلا الزائغوان قال الله عز وجل: [ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم] البقرة: 213 .
وقال تعالى [تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد].البقرة 253 .
وقال تعالى: [ إن الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب].آل عمران:19
وقال تعالى: [ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون] الأنعام:159 .
وقال تعالى: [ ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون]يونس:93
وقال تعالى: [ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب]الشورى:14.
وقال تعالى[ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة]البينة 4-5 .(1/22)
قال الشيخ: إخواني فهذا نبأ قوم فضلهم الله وعلمهم وبصرهم ورفعهم ومنع ذلك آخرين إصرارهم على البغي عليهم والحسد لهم إلى مخالفتهم وعداوتهم ومحاربتهم فاستنكفوا أن يكونوا لأهل الحق تابعين وبأهل العلم مقتدين فصاروا أئمة مضلين ورؤساء في الإلحاد متبوعين رجوعاً عن الحق وطلب الرياسة وحباً للأتباع والاعتقاد.
والناس في زماننا هذا أسراب كالطير يتبع بعضهم بعضاً لو ظهر لهم من يدعي النبوة مع علمهم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الانبياء ، أو من يدعي الربويبة لوجد على ذلك اتباعاً وأشياعاً . فقد ذكرت ما حضرني من الآيات التي عاب الله فيها المختلفين وذم بها الباغين ، وأنا الآن أذكر لك الآيات من القرآن ، التي حذرنا فيها ربنا تعالى من الفرقة والاختلاف ، وأمرنا بلزوم الجماعة والائتلاف ، نصيحة لإخواننا وشفقة على أهل مذهبنا ، قال تعالى: [ وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم]آل عمران : 103 ثم حذرنا من مواقعة ما أتاه من قبلنا من أهل الكتاب فيصيبنا ما أصابهم ، فقال تعالى:[ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم]آل عمران:105 فأخبرنا أنهم عن الحق رجعوا ومن بعد البيان اختلفوا ، وقال تعالى [ وأن هذا صراطي مستقيماً فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون]الأنعام: 153 وقال تعالى [ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الذين ولاتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه]الشورى:13.
وقال تعالى: [ منيبين إليه وأتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين* من الذين فرقوا دينهم وكانو شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون]الروم: 31-32(1/23)
فهل بقي رحمكم الله أوضح من هذا البرهان أو أشفى من هذا البيان . وقد أعلمنا الله تعالى أنه قد خلق خلقاً للاختلاف والفرقة وحذرنا أن نكون في ديننا كهم واستثنى أهل رحمته لنواظب على المسألة أن يجعلنا منهم فقال تعالى: [ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين] هود: 118-119 ثم حذر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتبع أهل الأهواء المختلفين وآراء المتقدمين فقال عز وجل [ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك] المائدة:49 .وقال تعالى: [ فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً] المائدة:48 وقال تعالى [ ولقد آتينا بني اسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين * وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون* ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين]الجاثية:15-19 .
وقال عز وجل فيما ذم به المخالفين: [فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون]المؤمنون: 53 .
حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر الحافظ، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالي: [ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره] الأنعام: 68.
وقوله: [ فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه]آل عمران:7 .
وقوله: [ ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله]الأنعام: 153 .
وقوله: [ وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه]الشورى: 13.(1/24)
وقوله: [ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً] الأنعام: 159.
وقوله: [ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا] آل عمران: 105.
وقوله: [ وتقطعوا أمرهم بينهم] الأنبياء:93.
ونحو هذا في القرآن كثير ، قال ابن عباس: أمر الله تعالى المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنه أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
حدثنا أبو القاسم بن عمر ، قال: حدثنا أبو حاتم ، قال: حدثنا الربيع بن نافع ، قال: حدثنا محمد بن المهاجر الأنصاري ، قال: سئل عيسى بن مريم عن الفرقة والاختلاف ما يوقعهما بين الناس ، قال: البغي والحسد وما يلائمهما من المعصية وما يريده الله تعالى بالعامة من النقمة.
ومنهم الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي المتوفي سنة 418هـ رحمة الله عليه قال في كتابه " شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم". ( 1/9-20).
" أما بعد فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين وما كلف الله به عباده من فهم توحيده ، وصفاته ، وتصديق رسله بالدلائل واليقين والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين . وكان من أعظم مقول وأوضح حجة ومعقول كتاب الله الحق المبين ثم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار المتقين . ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين ، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثه المضلون.(1/25)
فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة والآثار المحفوظة المنقولة وطرائق الحق المسلوكة ، والدلائل اللائحة المشهورة والحجج الباهرة المنصورة التي عملت عليها الصحابة والتابعون ومن بعدهم من خاصة الناس وعامتهم من المسلمين واعتقدوها حجة فيما بينهم وبين الله رب العالمين ثم من اقتدى بهم من أئمة المهتدين ، وأقتفى آثارهم من المتبعين ، واجتهد في سلوك سبيل المتقين ، وكان من الذين اتقوا وهم محسنون.
فمن أخذ في مثل هذه المحجة وداوم بهذه الحجج على منهاج الشريعة أمن في دينه التبعة في العاجلة والآجلة وتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها واتقى بالجنة التي يتقى بمثلها ليحصن بحمايتها ويستعجل بركتها ويحمد عاقبتها في المعاد والمآل إن شاء الله.
ومن أعرض عنها وابتغى في غيرها مما يهواه أو يروم سواها مما تعداه أخطأ في اختيار بغيته وأغواه وسلك سبيل الضلالة وأرداه في مهاوي الهلكة فيما يعترض على كتاب الله وسنة رسوله بضرب الأمثال ودفعهما بأنواع المحال و الحيدة عنهما بالقيل و القال مما لم ينزل الله به من سلطان ،ولا عرفه أهل التأويل واللسان ولا خطر على قلب عاقل بما يقتضيه من برهان ، ولا انشرح له صدور موحد عن فكر أو عيان ، فقد أستحوذ عليه الشيطان وأحاط به الخذلان وأغواه بعصيان الرحمن حتى كابر نفسه بالزور والبهتان.
ثم تحدث عن أهل البدع المعتزلة وغيرهم وبين فساد مناهجهم وما وقعوا فيه من الضلال والانحراف وافتراءهم على أهل السنة وكيف كان موقفهم من أهل السنة وموقف أهل السنة منهم.(1/26)
ثم قال: فهلم الآن إلى تدين المتبعين وسيرة المتمسكين وسبيل المتقدمين بكتاب الله وسنته والمنادين بشرائعه وحكمته الذين قالوا: [ آمنا بما أنزلت وأتبعنا الرسول فأكتبنا مع الشاهدين] آل عمران: 53. وتنكبوا سبيل المكذبين بصفات الله وتوحيد رب العالمين فاتخذوا كتاب الله إماماً وآياته فرقاناً ونصبوا الحق بين أعينهم عياناً وسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنة وسلاحاً ، وأتخذوا طرقها منهاجاً وجعلوها برهاناً ، فلقوا الحكمة، ووقوا من شر الهوى والبدعة ، لامتثالهم أمر الله في اتباع الرسول ، وتركهم الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق.
يقول الله عز وجل فيما يحث على اتباع دينه والاعتصام بحبله والاقتداء برسوله - صلى الله عليه وسلم - [واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون.]آل عمران: 103.
ثم ساق آيات كريمة في الاعتصام بالكتاب والسنة ووجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحاديث في هذا المعنى منها حديث العرباض بن سارية [ وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب ... الحديث].
وحديث ابن مسعود رضي الله عنه [ خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا خطاً ... الحديث].
وساق أبواباً تدور في فلك الدعوة إلى السنة والتمسك بها ثم قال: باب ماروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحث على التمسك بالكتاب والسنة.
وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم و الخالفين لهم علماء الأمة: رضي الله عنهم.
وساق قبله [سياق ما فسر من كتاب الله عز وجل من الآيات في الحث على الاتباع وأن سبيل الحق هو السنة والجماعة.(1/27)
ثم قال: سياق ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحث على اتباع الجماعة و السواد الأعظم و ذم تكلف الرأي و الرغبة عن السنة و الوعيد في مفارقة الجماعة.
ثم قال: سياق ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم المحدثة وآرائهم الخبيثة.
وساق اللالكائي تحت هذه الأبواب آيات وأحاديث وآثار كثيرة استغرقت صحائف كثيرة من ( ص 69-150) من الجزء الأول ولا يتسع المقام لاستقصاء ما ساقه هذا الإمام من أبواب ومما حوته من نصوص وآثار عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم في هذا المهيع.
وقال الإمام الحافظ محي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516هـ في كتابه الشهير( شرح السنة):
باب الاعتصام بالسنة وأورد في الباب آيات منها [ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا]آل عمران: 103 وساق أحاديث كثيرة منها حديث عبد الله بن مسعود [ خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاً ثم قال:هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه و عن شماله،و قال:هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ... . الحديث] أخرجه أحمد في المسند حديث (4142) ، والحاكم في المستدرك (2/318).
ثم عقد باباً قال فيه باب رد البدع والأهواء صدره بقول الله تعالى: [ ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله]القصص: 50 وقوله تعالى: [ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله] ص: 26 وساق آيات ثم أحاديث في الباب منها حديث [ أن بني إسرائيل تفرقت إلى اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة] .وساق آثاراً.(1/28)
ثم قال: باب ( مجانية أهل الأهواء) (1/219) وساق فيه آيات منه قول الله تعالى: [فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً]المؤمنون: 53 وقوله تعالى [ فما أختلفوا إلا من بعد جاءهم العلم] الجاثية: 17. وذكر فيه أحاديث منها: حديث عائشة رضى الله عنها قالت: [ تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية [ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب] قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم]حديث متفق عليه في البخاري التفسير الحديث ( 4547) ، ومسلم في العلم الحديث (2665) .
وحديث أبي هريرة – رضى الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا أباؤكم فإياكم وإياهم] مسلم في المقدمة حديث (6) ، وشرح السنة ( 1/232) .
ثم قال رحمه الله: " وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن افتراق هذه الأمة ، وظهور الأهواء والبدع فيهم وحكم النجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه رضى الله عنهم ، فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلاً يتعاطى شيئاً من الأهواء والبدع معتقداً أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه ، ويتركه حياً وميتاً ، فلا يسلم عليه إذا لقيه ، ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته ويراجع الحق" (1/224) .
ثم ساق حديث كعب بن مالك في تخلفه ومن معه عن غزوة تبوك وفيه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهجرانهم.(1/29)
ثم قال الإمام البغوي عقبه: [ وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد ، وكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم (1/266-230). ثم ساق كلام ومواقف بعض أئمة السلف من أهل البدع من الهجران والذم وتكفير الغلاة منهم وغير ذلك رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأصل الدين أن يكون الحب لله والبغض لله والموالاة لله ، والمعاداة لله والعبادة لله ، والاستعانة بالله ، والخوف من الله ، والرجاء لله ، والإعطاء لله ، والمنع لله ، وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله ، الذي أمره أمر الله ، ونهيه نهي الله ، ومعاداته معاداة الله ، وطاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله.
وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه ، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ، بل ولا يرضى لرضى الله ورسوله ، ولا يغضب لغضب الله ورسوله ، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ، ويكون مع ذلك معه شبهة دين : أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة ، وهو الحق ، وهو الدين ، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الاسلام ، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء ، ليعظم هو ويثني عليه ، أو فعل ذلك شجاعة وطبعاً ، أو لغرض من الدنيا – لم يكن لله ولم يكن مجاهداً في سبيل الله ، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره ، معه الحق وباطل ، وسنة وبدعة ، ومع خصمه حق و باطل وسنة وبدعة؟.(1/30)
وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ، وكفر بعضهم بعضاً ، وفسق بعضهم بعضاً ، ولهذا قال تعالى فيهم : [ وما تفرق الذين أتوا الكتاب إلا بعدما جاءتهم البينة * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة] البينة (4-5).
وقال تعالى : [ كان الناس أمة واحدة]البقرة: 213. يعني فاختلفوا ، كما في سورة يونس ، وكذلك في قراءة بعض الصحابة ، وهذا على قراءة الجمهور من الصحابة والتابعين : أنهم كانوا على دين الإسلام . وفي تفسير ابن عطية عن ابن عباس : أنهم كانوا على الكفر ، وهذا ليس بشيء .و تفسير بن عطية عن ابن عباس ليس بثابت عن ابن عباس ، بل قد ثبت عنه أنه قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.
وقد قال في سورة يونس [ وما كان الناس إلا أمة واحدة فأختلفوا]يونس: 19. فذمهم على الاختلاف بعد أن كانوا على دين واحد ، فعلم أنه كان حقاً.
والاختلاف في كتاب الله على وجهين : أحدهما أن يكون كله مذموماً ، كقوله: [ وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد]البقرة:176.(1/31)
والثاني أن يكون بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل ، كقوله [ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد] البقرة : 253 لكن إذا أطلق الاختلاف فالجميع مذموم ،كقوله تعالى: [ ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم] هود: 118- 119. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :[ إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ] ولهذا فسروا الاختلاف في هذا الموضع بأنه كله مذموم قال الفراء: في اختلافهم وجهان : أحدهما: كفر بعضهم بكتاب بعض ، والثاني تبديل ما بدلوا وهو كما قال، فإن المختلفين كل منهم يكون معه حق وباطل ، فيكفر بالحق الذي مع الآخر ، ويصدق بالباطل الذي معه ، وهو تبديل ما بدل] مجموع الفتاوي ( 15/225-2558).
واختلاف أهل البدع هو هذا النمط- إشارة منه رحمه الله إلى قوله تعالى:( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقال النصارى ليست اليهود على شيء)-. فالخارجي يقول : ليس الشيعي على شيء ، والشيعي يقول :ليس الخارجي على شيء.و القدري النافي يقول: ليس المثبت على شيء والقدري الجبري المثبت يقول: ليس النافي على شيء . والوعيدية تقول: ليست المرجئة على شيء . والمرجئة تقول : ليست الوعيدية على شيء.
بل ويوجد شيء من هذا بين أهل المذاهب الأصولية والفروعية المنتسبين إلى السنة . فالكلابي يقول: ليس الكرامي على شيء . والكرامي يقول: ليس الكلابي على شيء والأشعري يقول السالمي على شيء . والسالمي يقول: ليس الأشعري على شيء.
ويصنف السالمي كأبي علي الأهوازي كتاباً في مثالب الأشعري ويصنف الأشعري كابن عساكر كتاباً يناقض ذلك من كل وجه ، وذكر فيه مثالب السالمية.(1/32)
وكذلك أهل المذاهب الأربعة وغيرها ، ولا سيما وكثير منهم قد تلبس ببعض المقالات الأصولية ، وخلط هذا بهذا فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيئاً من أصول الأشعرية والسالمية وغير ذلك . ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد وكذلك الحنفي يخلط بمذهب أبي حنيفة شيئاً من أصول المعتزلة والكرامية والكلابية ، ويضفه إلى مذهب أبي حنيفه.
وهذا من جنس الرفض والتشيع ، ولكنه تشيع في تفضيل بعض الطوائف والعلماء ، ولا تشيع في تفضيل بعض الصحابة.(1/33)
والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لاشريك له وطاعة رسوله يدور على ذلك ، ويتبعه أين وجده ، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة ، فلا ينتصر لشخص انتصاراً مطلقاً عاماً ، إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا لطائفة انتصاراً مطلقاً عاماً إلا للصحابة رضى الله عنهم أجمعين . فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا ، فإذا إجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط،بخلاف أصحاب عالم من العلماء،فإنهم قد يجمعون على خطأ، بل كل قول قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ ، فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليس مسلماً إلى عالم واحد وأصحابه ، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيراً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم ولا بد أن يكون الصحابة والتابعون يعرفون ذلك الحق الذي بعث الله به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،قبل وجود المتبوعين الذين تنسب إليهم المذاهب في الأصول و الفروع و يمتنع أن يكون أحدهم علم من جهة الرسول صلى الله عليه و سلم ما يخالف الصحابة والتابعين لهم بإحسان فإن أولئك لم يجتمعوا على ضلالة ، فلابد أن يكون قوله إن كان حقاً مأخوذاً عما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،موجوداً فيمن قبله ، وكل قول قيل في دين الإسلام مخالف لما مضى عليه الصحابة والتابعون ، لم يقله أحد منهم بل قالوا خلافه ، فإنه قول باطل.
والمقصود هنا أن الله تعالى ذكر أن المختلفين جاءتهم البينة ، وجاءهم العلم ، وإنما إختلفوا بغياً ولهذا ذمهم الله وعاقبهم ، فإنهم لم يكونوا مجتهدين مخطئين ، بل كانوا قاصدين البغي ، عالمين بالحق ،معرضين عن القول والعمل به.( مجموع الفتاوى (15/260-263).(1/34)
ويمكن أن يكون كلام شيخ الإسلام الآتي نواة لمشروع يتخلص به الدعاة من الخلافات السياسية والعقائدية والفقهية ويخلصون من قدروا على تخليصه ممن يقبل الحق ويستجيب لداعيه.
قال رحمه الله:
" وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعاً من السياسات الجائرة من أخذ أموال لا يجوز أخذها وعقوبات على الجرائم لا تجوز، لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه ، ووضعوه حيث يسوغ وضعه طالبين بذلك إقامة دين الله لا رئاسة أنفسهم ، وأقاموا الحدود المشروعة على الشريف والوضيع ، والقريب والبعيد ومتحرين في ترغيبهم وترهيبهم للعدل الذي شرعه الله لما أحتاجوا إلى المكوس الموضوعه ، ولا إلى العقوبات الجائرة ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستبعدين ، كما كان الخلفاء الراشدون وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من أمراء بعض الأقاليم.
وكذلك العلماء إذا أقاموا كتب الله ، وفقهوا ما فيه من البينات التي هي حجج الله ، وما فيه من الهدى الذي هو العلم النافع والعمل الصالح وأقاموا حكمة الله التي بعث الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهي سنته لوجدوا فيها من أنواع العلوم النافعة ما يحيط بعلم عامة الناس ولميزوا حينئذ بين المحق والمبطل من جميع الخلق بوصف الشهادة التي جعلها الله لهذه الأمة حيث يقول عز وجل: [ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس]البقرة:143.
ولا استغنوا بذلك عما أبتدعه المبتدعون من الحجج الفاسدة التي يزعم الكلاميون أنهم ينصرون بها أصل الدين ومن الرأي الفاسد الذي يزعم القياسيون أنهم يتمون به فروع الدين.
وما كان من الحجج صحيحاً ومن الرأي سديداً ، فذلك له أصل في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهمه من فهمه وحرمه من حرمه.(1/35)
وكذلك العباد إذا تعبدوا بما شرعه الله من الأقوال والأعمال ظاهراً وباطناً ، وذاقوا الكلم الطيب والعمل الصالح الذي بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لوجدوا في ذلك من الأحوال الزكية والمقامات العلية والنتائج العظيمة ما يغنيهم عما حدث من نوعية كالتغيير ونحوه من السماعات لمبتدعة الصارفة عن سماع القرآن ، وأنواع من الأذكار والأوراد لفقها بعض الناس.
أو في قدره كزيادات من التعبدات أحدثها من أحدثها لنقص تمسكه بالمشروع منها ، وإن كان كثير من العباد والعلماء بل و الأمراء قد يكون معذوراً فيما أحدثه لنوع اجتهاد ، فالغرض أن يعرف الدليل الصحيح وإن كان التارك له قد يكون معذوراً لاجتهاده. اقتضاء الصراط المستقيم ، ص 281-282.
هذه هي أخطر مشاكل المسلمين وأعوصها ، وأعظم مسؤولية الدعاة إلى الله علاجها في ضوء كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهدي السلف الصالح وأئمتهم رضوان الله عليهم أجمعين.
ويبدو أن هذا هو الطريق الوحيد للعلاج والطريق الوحيد لسيادتهم وعزتهم وكرامتهم في الدنيا ولنجاتهم وسعادتهم في الأخرى [ أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون]المائدة: 50. [ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً] النساء: 65.
وختاماً أسأل الله أن يجمع الأمة على كتاب ربها وسنة نبيها وأن يبارك في دعاتها ويغرس في نفوسهم حب الحق والجد الدائب لتحقيق هذه الغاية الكبيرة التي شرعها ربنا ورضيها .إن ربي لسميع الدعاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(1/36)