بسم الله الرحمن الرحيم
النسيج الكوني ... رؤية قرآنية
لقد نزل القرآن في عصر انتشرت فيه الخرافات، وسيطرت فيه الأساطير على عقول البشر، فجاء الإسلام لينير الطريق وليصحح المعتقدات، وليقدم الحقائق العلمية والتي سيكتشفها الإنسان على مر العصور، ومن هذه الحقائق ما سمّاه العلماء بالنسيج الكوني.
هذه الحقيقة العلمية لم يتم إثباتها بالصور إلا منذ أشهر قليلة، وذلك عندما قام فريق من العلماء برسم صورة للكون ثلاثية الأبعاد باستخدام السوبر كمبيوتر، وكانت المفاجأة أن المجرات لا تتوزع عشوائياً في الكون، بل تصطفّ على خيوط طويلة، وترتبط هذه الخيوط بعقد، وتشكل نسيجاً كونياً رائعاً!
وبعد دراسة طويلة لهذا النسيج والتعرف على مئات الأبحاث الصادرة حديثاً حوله، فقد تأكدتُ أن هذا النسيج هو ما تحدثت عنه الآية الكريمة: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7]. وبخاصة بعدما اطلعتُ على أقوال المفسرين وعلماء اللغة فوجدتهم يؤكدون على أن كلمة (الْحُبُكِ) تشير إلى النسيج المحكم.
في رحاب التفسير
لنبدأ هذا البحث بسؤال: كيف فهم الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم هذه الآية زمن نزولها؟ وكيف نقل لنا المفسرون رحمهم الله تعالى أقول السلف الصالح؟
هذا هو الإمام القرطبي يقول في تفسيره لكلمة (الحُبُك): «قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: الخَلْق الحسن المستوي، وقاله عكرمة قال: ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه ، يقال منه حبك الثوب يحبِكه حبكاً، أي أجاد نسجه. قال ابن الأعرابي كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد احتبكته»(1).
__________
(1) تفسير الإمام القرطبي، المجلد التاسع تفسير سورة الذاريات، دار ابن خلدون، 1996.(1/1)
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: «وقال الضحاك والمنهال بن عمرو وغيرهما: مثل تجعد الماء والرمل والزرع، إذا ضَربَتْه الريح فينسُج بعضُه بعضاً طرائق طرائقَ، فذلك الحُبُك». ثم يقول: «وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: (ذَاتِ الْحُبُكِ) حُبكت بالنجوم»(1). أما الإمام الزمخشري فقد تناول هذه الآية وقال في تفسيرها: «(الحُبُك) الطرائق مثل حُبُك الرمل والماء إذا ضربته الريح، وكذلك حُبُك الشَعر: آثار تثنيه وتكسّره. وإذا أجاد الحائك الحياكة قالوا: ما أحسن حبكه(2)». ونستطيع أن نتلمس من هذه التفاسير إشارة إلى النسيج والحَبْك والإحكام. وأن خيوط هذا النسيج هي النجوم، من خلال قول الحسن: «حُبكت بالنجوم».
أما علماء الإعجاز العلمي حديثاً فقد فهموا هذه الآية بشكل يوافق الحقائق العلمية المكتشفة في القرن العشرين، ومنهم الدكتور زغلول النجار الذي تحدث عن هذه الآية بقوله: «وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء , بأنها ذات (حُبُك) أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها , من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة , إلى أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمى إلى كل الكون».
__________
(1) تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير، ص 1505، دار المعرفة، بيروت 2004.
(2) تفسير الكشاف للزمخشري، المجلد الرابع، دار الكتب العلمية، ط3 ، بيروت 2003.(1/2)
ثم يختم بحثه بقوله: «وقد يرى القادمون في هذا الوصف القرآني ما لا نراه الآن , لتظل اللفظة القرآنية مهيمنة على المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفة الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد , وليس هذا لغير كلام الله ...!!! (1)».
والآن وبعدما رأينا جانباً من فهم المفسرين والعلماء لهذه الآية الكريمة، نطرح السؤال: ما هي نظرة علماء اللغة العربية لكلمة (الحُبُك)، وكيف فهموا هذه الكلمة؟
في رحاب اللغة
يقول ابن منظور في معجمه لسان العرب حول معنى قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ): «قال أبو إسحاق: وأهل اللغة يقولون: ذات الطرائق الحسنة»(2).
أما معجم القاموس المحيط فيعطينا معنى هذه الكلمة كما يلي: «الحَبْكُ هو الشدّ والإحكام، وتحسين أثر الصنعة في الثوب»(3). ولو بحثنا في المعجم الوسيط والذي وضعه مجمع اللغة العربية حديثاً نجد معنى كلمة (حَبَكَ) هو: «حَبَكَ الشيء حَبكاً أحكَمه، ويقال حَبَك الثوبَ: أجادَ نسجه، وحبَك الحبل: شدّ فتله، وحبك العقدة: قوّى عَقدها ووثقها»(4).
__________
(1) مقالة للدكتور زغلول راغب النجار بعنوان: من أسرار القرآن - الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)، جريدة الأهرام، العدد الصادر بتاريخ 3 سبتمبر 2001.
(2) معجم لسان العرب لابن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت الطبعة الأولى الجزء الرابع صفحة 19 حرف الحاء.
(3) معجم القاموس المحيط للفيروز آبادي، ص 259، دارالمعرفة 2005.
(4) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ص 153 دار الدعوة، استنبول 1989.(1/3)
وهذا يدل على أن علماء اللغة يربطون هذه الكلمة دائماً بنسج الثوب وإتقانه وإحكامه، وأنهم يتحدثون عن خيوط تُحبك وتُشد وترتبط بعُقد محكمة. والسؤال: هل يمكن أن نجد في اكتشافات العلماء ما يشير إلى وجود نسيج حقيقي في السماء؟ لنتأمل الآن أحدث اكتشاف كوني حول بنية الكون وشكله، ونتأمل التطابق المذهل بين ما جاء به القرآن قبل أربعة عشر قرناً، وبين ما يراه العلماء اليوم رؤية يقينية.
لقد نظر القدماء إلى السماء وتأملوا ما فيها من نجوم وكواكب، وبقيت المعرفة محدودة بعلم الفلك حتى بدايات القرن العشرين.
تطور المعرفة الإنسانية
يقسّم علماء الفلك اليوم المعرفة الإنسانية بالكون إلى ثلاثة عصور، الأول بدأ مع أبيقراط وأرسطو حيث سادت فكرة ثبات الأرض وحركة الكواكب والنجوم من حولها، وظلت فكرة ثبات الأرض سائدة مئات السنين حتى جاء العصر الثاني والذي بدأ مع كوبرنيكوس حيث أثبت أن الأرض ليست ثابتة إنما تدور حول الشمس، والعصر الثالث بدأ منذ مئة سنة مع آينشتاين الذي قدّم مفهوماً جديداً للزمن والمكان والطاقة والمادة والجاذبية(1).
طالما نظر الناس إلى هذا الكون على أنه ثابت، وأن الأرض في مركز الكون وتدور حولها النجوم والكواكب والشمس والقمر.
ففي مطلع القرن العشرين أيقن العلماء أن معظم النجوم التي نراها في ليلة صافية هي نجوم تابعة لمجرتنا اللبنية، واعتقدوا بأن شكل هذه المجرة هو مثل شكل العدسة، وأسموها الجزيرة الكونية أو المجرة galaxy ، وعلى ذلك فإنه من المحتمل أن يكون هنالك مجرات أخرى غيرها!
لقد أدرك علماء الفلك أخيراً أن كل ما نراه بالعين المجردة من نجوم في السماء ما هو إلا جزء من مجرة صغيرة لا تكاد تُرى بالمقاييس الكونية!
__________
(1) Michael Rowan-Robinson, Cosmology, Oxford University Press, 1996(1/4)
وبعد ذلك لاحظ الفلكيون وجود ما يشبه الغيوم أو الضباب المضيء خارج مجرتنا، فأطلقوا عليها اسم السدم nebulae . وفي العشرينات من القرن العشرين أوضح العالم الأمريكي هابل Hubble أن هذه السدم ما هي إلا مجرات تشبه مجرتنا درب التبانة. ثم اكتشف هذا العالم أن هذه المجرات تتحرك مبتعدة عنا بسرعات كبيرة، ولكننا لا نلاحظ هذه الحركة بسبب المسافات الهائلة التي تفصلنا عنها.
تبين للعلماء بعد ذلك أن الكون مليء بالمجرات وأنه يحوي على الأقل مئة ألف مليون مجرة! وكل مجرة تحوي أكثر من مئة ألف مليون نجم.
ثم تطورت المعرفة في علم الفلك وبدأ العلماء منذ عدة عقود بدراسة بنية الكون Structure of the universe . ومنذ الثمانينات من القرن الماضي بدأ الاهتمام العالمي الكبير بدراسة نشوء الكون وكيف تشكلت النجوم والمجرات(1).
سديم يحوي الكثير من النجوم والغبار الكوني والدخان وغير ذلك، ويحوي الكون من هذه السدم البلايين فلا يعلم عددها إلا الله تبارك وتعالى خالق الكون!
لقد وجد العلماء أن المجرات تنتشر بكميات ضخمة، فقدروا عددها بمئات البلايين، وقدروا عدد النجوم في كل مجرة بمئات البلايين أيضاً(2). وبدأوا بطرح العديد من الأسئلة: ما هو شكل هذا الكون إذا نظرنا إليه من الخارج؟ وكيف تتوزع المجرات والغاز والغبار الكوني في الفراغ بين النجوم؟ وهل هنالك من نظام يحكم هذا التوزع؟
الإجابة عن هذه الأسئلة تطلبت تصميم كمبيوتر عملاق يستطيع رسم صورة مصغرة للكون. حيث قام العلماء بإدخال جميع البيانات الضرورية في هذا الكمبيوتر الضخم لإتمام المهمة، وكان هدف هذه العملية هو معرفة التوزع الدقيق للمجرات في الكون.
__________
(1) David Wands, A brief history of cosmology, www-history.mcs.st-andrews.ac.uk, March 1997.
(2) Our own Galaxy - the Milky Way, University of Cambridge,www.cam.ac.uk.(1/5)
مجرة درب التبانة، هذه المجرة تحوي بلايين النجوم، والشمس هي نجم لا يكاد يُرى في هذه المجرة!!
مجرة تسبح في هذا الكون، هذه المجرة لا تُرى بالعين المجردة بل تحتاج لتلسكوبات عملاقة، والأشياء التي لا نراها أكثر بكثير مما نراه في هذا الكون!
يحوي الكون البلايين من المجرات ولا يعلم عددها إلا الله، وجميعها تسير بنظام عجيب لا يمكن أن نتصور أن الطبيعة العلمياء هي التي أحكمت مثل هذا النظام! إنه نظام يشهد على قدرة الصانع سبحانه وتعالى!
ما هو السوبر كمبيوتر؟
لا بدّ أولاً من التعرف إلى هذا الجهاز الجديد وبعض الميزات التي يتمتع بها، لندرك صعوبة هذا الاكتشاف وضخامته. فقد طورت الشركات حديثاً في العام 2000 الكمبيوتر العملاق supercomputer وذلك لاستخدامه في عمليات المحاكاة، وقد بلغت سرعة هذا الجهاز أكثر من 12 تريليون عملية حسابية في الثانية الواحدة، ويزن هذا الجهاز أكثر من مئة ألف كيلو غرام، ويستهلك من الطاقة الكهربائية 1.2 ميغا واط، ويبلغ حجمة حجم ملعبي تنس!! وكان حجم ذاكرة هذا الجهاز 6 مليون مليون بايت.
ويقول مدير الشركة IBM الصانعة للجهاز: إن العمليات التي ينجزها هذا الجهاز في ثانية واحدة، يحتاج الإنسان لإنجازها بواسطة الآلة الحاسبة العادية لمدة 10 مليون سنة(1). فتأمل أخي القارئ ضخامة هذا الجهاز وسرعته الفائقة وحجم التقنيات الموضوعة فيه، ولولا جهاز كهذا لا يمكن أبداً اكتشاف شكل الكون أو رسم صورة مصغرة عنه.
صورة للسوبر كمبيوتر وهو جهاز ضخم يحتاج لمبنى مستقل وفريق من الفنيين والمهندسين والباحثين، ويمكن لهذا الجهاز أ، ينجز أكثر من تريليون عملية حسابية في الثانية الواحدة!
أضخم عملية حاسوبية على الإطلاق!
__________
(1) BBC News Onlin, Supercomputer to simulate bomb tests, news.bbc.co.uk, 30 June, 2000.(1/6)
لقد قام بعض العلماء من بريطانيا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة قريبة بأضخم عملية حاسوبية لرسم صورة مصغرة للكون، وتم إدخال عشرة آلاف مليون معلومة في السوبر كمبيوتر، حول عدد ضخم من المجرات يزيد على 20 مليون مجرة! وعلى الرغم من السرعة الفائقة لهذا الجهاز إلا أنه بقي يعمل في معالجة هذه البيانات مدة 28 يوماً حتى تمكن من رسم صورة مصغرة للكون!!
لقد تم إدخال معلومات عن توسع الكون، وعن سلوك النجوم والتجمعات المجرية، وعن المادة المظلمة في الكون، وكذلك تم إدخال معلومات عن الغاز والغبار الكوني، بهدف تقليد الكون في توسعه، وتحديد الطرق التي تسلكها المجرات والنجوم.
وقد قال البروفسور Carlos Frenk(1)من جامعة درهام ببريطانيا ومدير هذا البرنامج(2):
"It is the biggest thing we have ever done," It is probably the biggest thing ever in computational physics. For the first time we have a replica universe which looks just like the real one. So we can now for the first time begin to experiment with the universe".
إنه أعظم شيء قمنا به حتى الآن، ربما يكون الأكبر على الإطلاق في الفيزياء الحاسوبية. إننا وللمرة الأولى نملك نسخة طبق الأصل عن الكون، والتي تبدو تماماً كالكون الحقيقي، ولذلك يمكننا وللمرة الأولى أن نبدأ التجارب على الكون.
__________
(1) Carlos Frenk, Ogden professor of fundamental physics at the University of Durham, UK, and co-author on the Nature report.
(2) Tim Radford, A duplicate universe, trapped in a computer, www.guardian.co.uk, June 2, 2005.(1/7)
وهذا تصريح من عالم ومكتشف كبير بأنها المرة الأولى في التاريخ التي يستطيع فيها العلماء رؤية حقائق يقينية عن شكل الكون، وتوزع المجرات فيه. وقد كانت الصورة التي رسمها الكمبيوتر للكون تشبه إلى حد كبير نسيج العنكبوت، ولذلك فقد أطلق عليها العلماء مصطلح «النسيج الكوني».
صورة للنسيج الكوني وتظهر فيه المجرات وكأنها تصطف على خيوط محكمة، سبحان الخالق العظيم!
لقد تبين أن كل خيط من خيوط هذا النسيج يتألف من آلاف المجرات، وهذه المجرات قد رصفت بطريقة شديدة الإحكام، أي أن هذا النسيج محكم إحكاماً شديداً. ولذلك قال عنه هذا العالم:
these collections of thousands of very bright galaxies very tightly packed together."
"هذه المجموعات من آلاف المجرات شديدة اللمعان قد رُصّت بإحكام شديد".(1)
يبدو كوننا الذي نعيش فيه إذا نظرنا إليه من الخارج مثل نسيج تم حبك خيوطه بإحكام! ولذلك فإن صفة (الحبك) هي صفة يقينية للسماء وهذه الصفة لم تكن معروفة زمن نزول القرآن.
من أين جاءت هذه التسمية؟
إن مصطلح «النسيج الكوني» هو مصطلح حديث جداً، وقد أطلقه العلماء للتعبير عن بنية الكون لأنهم رأوا المجرات تصطف على خيوط دقيقة. فلو تأملنا أي خيط كوني سوف نجده خيطاً دقيقاً جداً بالمقاييس الكونية، فإذا علمنا بأن النجم الواحد يمتد في الفضاء لمسافة تساوي عدة ثوان ضوئية، فإن الخيط الكوني يمتد لعدة بلايين من السنوات الضوئية(2)!
__________
(1) Biggest ever cosmos simulation, news.bbc.co.uk, 1 June, 2005.
(2) Heather Hasan, How Mathematical Models, Computer Simulations and Exploration Can Be Used To Study The Universe,p134, The Rosen Publishing Group, 2005.(1/8)
ولو قمنا مثلاً بتصغير خيط كوني حتى يصبح قطره ميليمتراً واحداً فإن طول هذا الخيط سيبلغ عدة مئات من الأمتار!! فتأمل دقة هذا الخيط الكوني، فهو رفيع جداً وطويل جداً، وعلى الرغم من ذلك نجده محكماً ومشدوداً بقوى كونية عظيمة(1). والسؤال: ألا يدل هذا على عظمة هذه الخيوط ودقة صنعها وإتقانها؟ ومن هنا ربما ندرك لماذا أقسم الله بها في كتابه المجيد.
خيط كوني يمتد لملايين السنين الضوئية ويتألف من آلاف المجرات تصطف بطريقة مدهشة تحير العقول وهذا ما يجعل العلماء يقفون منبهرين أمام عظمة هذا النسيج بل ويتساءلون: كيف حُبكَت هذه الخيوط؟؟!
العلماء يستخدمون تعابير القرآن!
إن العلماء اليوم لا يشكّون أبداً في وجود هذا النسيج، بل إنهم بدأوا يبحثون عن الكيفية التي تمت بواسطتها نسج هذه الخيوط الكونية العظمى. ومن أغرب ما صادفته في هذه الدراسة أنني وجدتُ بأن علماء الفلك اليوم يستخدمون التعبير القرآني ذاته في أبحاثهم! فقد صدر مؤخراً بحث لعدد من كبار الباحثين الغربيين يتساءلون فيه عن الكيفية التي تم بواسطتها حبك الخيوط في النسيج الكوني!!! وقد وجدتهم يستعملون كلمة weave(2)وهي تعني (حبك)، والسؤال: أليس هذا منتهى الوضوح والدلالة لآيات كتاب الله تعالى؟؟
والسؤال: ماذا يعني أن نجد علماء الفلك في القرن الحادي والعشرين يستخدمون الكلمة القرآنية ذاتها؟ إنه يعني أن هؤلاء العلماء مهما بحثوا ومهما اكتشفوا من حقائق علمية فلا بدّ في النهاية أن يعودوا إلى كتاب الحقائق – القرآن، لأن الله تعالى الذي خلق الكون هو الذي أنزل القرآن وحدثنا فيه عن هذه المخلوقات.
دقة كلمات القرآن
__________
(1) Manolis Plionis, Spiros Cotsakis, Modern Theoretical and Observational Cosmology, Springer, 2002.
(2) J. Richard Bond, Lev Kofman & Dmitry Pogosyan, How filaments of galaxies are woven into the cosmic web, Nature 380, 603 - 606 ,18 April 1996.(1/9)
والعجيب أن العلماء يتحدثون اليوم عن طرق في السماء!!! فهم ينظرون إلى الصور التي تم إعدادها بواسطة السوبر كمبيوتر للكون ويلاحظون أنها تشبه طرقاً تؤدي إلى مدينة كبيرة. ولذلك نجد العلماء اليوم يصرحون بالحرف الواحد:
"Such structures look like highways converging onto a large city, but with the important difference that clusters feeding filaments are organized in three-dimensional space".
"بعض البنى الكونية تبدو مثل الطرق السريعة التي تلتقي في مدينة كبيرة، ولكن مع اختلاف مهم بأن تجمعات المجرات المتوضعة على الخيوط منظمة في فضاء ثلاثي الأبعاد"(1).
وبما أن هذه الخيوط تتوزع على شبكة ثلاثية الأبعاد، فهذا يعني وجود نُسُج متعددة تنتشر في كافة الاتجاهات، فقد عبَّر القرآن عن هذه الحقيقة بصيغة الجمع فقال (الحُبُك) ولم يقل: (حبيكة) بصيغة المفرد، وهذا يدل على دقة ألفاظ القرآن الكريم.
إن العلماء اليوم يعملون باستمرار لاكتشاف قوى الجاذبية الهائلة التي تشد هذه الخيوط وتربطها وتُحكمها ويتحدثون عن جسور تربط هذه الخيوط بقوى فائقة من الجاذبية، وهذا يؤكد أن العلماء اليوم يدركون أن هذا النسيج هو محكم ومترابط ومتماسك. ولذلك فإن الله تعالى لم يقل (ذات النُسُج) أو (ذات الخيوط) لأن النسيج قد يكون محكماً وقد يكون مفككاً، والخيوط قد تكون قوية وقد تكون ضعيفة، أما كلمة (الحُبُك) فهي تجمع عدة صفات أهمها:
1- تشير هذه الكلمة إلى نسيج متعدد.
2- خيوط محكمة ومترابطة.
3- وتشير هذه الكلمة أيضاً لوجود نظام ما في هذه الخيوط، لأن الحائك عندما ينسج الثوب فإنه يستخدم نظاماً محدداً لنسج الخيوط، وهذا النظام يجعل النسيج محكماً، وإلا فإنه سيكون مفككاً وضعيفاً.
4- خيوط قوية ومتينة ومتماسكة.
__________
(1) Gemini, Subaru & Keck, Discover large-scale funneling of matter onto a massive distant galaxy cluster, www.gemini.edu, 30 June 2004.(1/10)
5- وجود طرق في السماء.
وجميع هذه المعاني جمعتها كلمة (الحُبُك)، وهذا من إعجاز القرآن أيضاً، أنه يعطينا التعبير الدقيق ويترك البشر ليبحثوا ويكتشفوا ويغيروا مصطلحاتهم مع مر الزمن، ولكنهم في النهاية عندما يتوصلون إلى الحقيقة اليقينية فإنهم يجدونها واضحة في كتاب الله تعالى، فهل هنالك أعظم من هذا القرآن!!
يقول العلماء إن الخيوط الكونية قد حُبكت بإحكام مذهل، وأن هذا النسيج ينتشر في الاتجاهات الثلاثة ويتألف من نسيج متعدد (أي نسيج داخل نسيج) وبالتالي فهي نُسج كونية، وهذا ما لخصه لنا القرآن بكلمة واحدة هي (الحبك)!
خيوط من المادة المظلمة
هنالك إثباتات أن الكون يحتوي مادة مظلمة تسيطر على الكون، هذه المادة لا تزال مجهولة ولا تُرى. ويقول العلماء اليوم بأن كل ما نراه لا يتجاوز 4 % من حجم الكون، والباقي هو مادة مظلمة نسبتها 22 % وطاقة مظلمة بنسبة 74 %، والعجيب أنهم اكتشفوا أن المادة المظلمة تتوزع على نسيج محكم أيضاً! فالمادة المظلمة هي التي تربط المجرات بعضها ببعض عبر جسور كونية وهذه الجسور ما هي إلا خيوط أيضاً(1).
المادة المظلمة يمثلها في هذا النسيج الكوني اللون الأسود وهي المادة التي تملأ المكان بين المجرات وتسيطر على توزع المادة في الكون المرئي، وقد رسمت هذه الصورة الكونية بواسطة السوبر كومبيوتر حيث تمثل كل نقطة فيها تجمع يضم آلاف المجرات وربما الملايين، ويمثلها اللون الأصفر، والمناطق الزرقاء هي أماكن الكثافة الأقل من المجرات. فتأمل عظمة الكون وعظمة خالق الكون سبحانه وتعالى الذي أبدع هذا النسيج الرائع!
__________
(1) Maggie McKee, Washington DC, Mini-galaxies may reveal dark matter stream, New Scientist, 12 January 2006.(1/11)
تشكل المادة المظلمة والطاقة المظلمة نسبة 96 % من الكون (23 % مادة مظلمة، 73 % طاقة مظلمة)، وكل ما نراه من هذا الكون أقل من 4 % وهنا ينبغي على الإنسان أن يتفكر في خلق السموات والأرض ليدرك عظمة قول الحق تبارك وتعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [غافر: 57].
العلماء يؤكدون رؤيتهم لخيوط هذا النسيج
يرفض بعض القراء فكرة الإعجاز العلمي بحجّة أن العلم هو عبارة عن فرضيات تتغير مع تطور المعرفة البشرية، أما القرآن فهو الحقيقة الثابتة، ولذلك هم يعترضون على تفسير القرآن المطلق والثابت بنظريات متغيرة وقد تكون خاطئة. والسؤال الذي نود إثارته: هل يمكن أن يكتشف العلماء في المستقبل شيئاً يخالف ما كشفوه اليوم؟
يمكن القول إن هنالك حقائق علمية يراها الإنسان ويلمسها مثل حقيقة وجود المجرات وحقيقة كروية الأرض وحقيقة وجود الشمس والقمر، وهذه حقائق يراها كل إنسان. وهنالك نظريات مثل نهاية الكون وعمر الكون وكيفية نشوء الكون لم يستطع العلماء التأكد منها.
ومما لا شك فيه أن المجرات تتوضع في هذا الكون بنظام محكم وبناء نسيجي وهذا ما يقره جميع العلماء ولا ينكره أحد، وقد تكشف الأبحاث العلمية القادمة تفاصيل جديدة عن هذا النسيج، ولكن لا يمكن أن نكتشف مثلاً أن الكون عشوائي أو غير منظم، لأن ذلك سيؤدي إلى انهيار الكون.
بما أن هذه الحقيقة العلمية تطابقت مع النص القرآني فلا يمكن أبداً أن يكتشف العلم مستقبلاً أشياء تناقض هذا النص الكريم، ولكن العلم قد يكشف أشياء جديدة في هذا النسيج كأن يكتشفوا صورة أفضل عنه أو يستطيعون أن يروه بتفاصيل أكثر دقة.
إذن كما نرى ونلمس أن الأرض كروية، كذلك العلماء يرون بأعينهم خيوطاً من المجرات تتشابك وتترابط بنظام محكم، ولا يمكن أن يكون هذا المشهد وهماً.(1/12)
إن العلماء اليوم يرون طرقاً وجسوراً كونية تربط هذه الخيوط وتشدَها بإحكام، ومن هؤلاء العلماء الدكتور «بول ميلر» الذي يؤكد أن هنالك طرقاً للنجوم تسير عليها وتتدفق وتلتقي وتجتمع لتشكل المجرات، كما أنه يتحدث عن خيوط filaments وعن عقد nodes وعن نسيج web(1)، أليست كلمة (الحُبُك) تتضمن هذه المعاني جميعاً؟!
رسم ثلاثي الأبعاد للنسيج الكوني، وهذا هو شكل الكون قبل 13 بليون سنة، أي عندما كان عمر الكون 2 بليون سنة، ونرى فيه التجمعات المجرية تتوضع كالخيوط المحبوكة في النسيج، وتأمل قوله تعالى: {والسماءِ ذاتِ الحُبُك}.
يقول العالم بول ميلر أحد كبار علماء الفلك مؤكداً رؤيته لهذا النسيج(2):
"We have little doubt that for the first time, we are here seeing a small cosmic filament in the early universe".
"إننا لا نكاد نشك بأننا وللمرة الأولى نرى هنا خيطاً كونياً صغيراً في الكون المبكر".
وتأمل معي كيف يستخدم هذا العالم كلمة (نرى) للدلالة على أنه يرى فعلاً خيطاً من خيوط النسيج الكوني. ويؤكد أيضاً أنها المرة الأولى التي يرى فيها البشر خيوط هذا النسيج.
نتائج البحث ووجوه الإعجاز
__________
(1) Palle M?ller, Johan Fynbo, Bjarne Thomsen, A Glimpse of the Very Early Universal Web, European Southern Observatory (www.eso.org), 18 May 2001.
(2) إنه عالم الفلك بول ميلر من معهد الفيزياء الفلكية بألمانيا، ولمزيد من التفاصيل يرجى الاطلاع على البحث المنشور عام 2001، لهذا العالم وزملائه جون فينبو من نفس المرصد وبارن تومسون من معهد الفيزياء والفلك بالدانمرك ، وذلك على موقع المرصد الأوروبي الجنوبي بألمانيا على الرابط:
http://www.eso.org/outreach/press-rel/pr-2001/pr-11-01.html(1/13)
- من جمال هذه الآية وعظمة إعجازها أنه لا يوجد أي تناقض في فهمها على مر العصور، فمن خلال تفسير الآية نستنتج أن النص القرآني واضح في دلالاته، فمنذ نزوله فهم منه العرب أن السماء التي أقسم الله بها هي ذات نسيج محكم، ومع أنهم لم يروا هذا النسيج إلا أنهم آمنوا به!! وهذا يعني أنه لم تكن هنالك مشكلة في فهم هذه الآية عند أجدادنا رحمهم الله تعالى، فهم فهموا من هذه الآية على قدر معلومات عصرهم، ونحن نفهم من هذه الآية على قدر معلومات عصرنا، وقد يأتي غداً من يكتشف أشياء كونية جديدة في هذا النسيج، وسوف يفهمون هذه الآية بشكل أوسع. وهذا وجه من وجوه الإعجاز العلمي يمكن أن أسميه إعجاز فهم النص القرآني على مر العصور والأجيال.
وهذا من عَظَمَة كتاب الله تعالى، فهو كتاب مناسب لكل عصر من العصور، ففي عصر نزوله فهم المسلمون هذه الآية على أنها تشير إلى بناء محكم في السماء وطرق مليئة بالنجوم، وهذا صحيح، وفي القرن العشرين فهم علماؤنا هذه الآية على أنها تتحدث عن القوى المحكمة التي تربط أجزاء الكون وتشده بإحكام، وهذا صحيح أيضاً، ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين نفهم الآية على أنها تتحدث عن حقيقة كونية جديدة وهي حقيقة النسيج الكوني، وعلى الرغم من تعدد هذه التفاسير إلا أننا لا نجد أي تناقض أو اختلاف بينها، وهذا ما نجد له صدى في قول الحق تبارك وتعالى عن كتابه: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].
وقد يتطور العلم ويكشف لنا أشياء جديدة في المستقبل، وسوف تبقى هذه الآية متجددة ومناسبة لتفهمها الأجيال القادمة، وفي هذا إعجاز لا نجده في أي كتاب من كتب البشر، لأن العلماء من البشر يغيرون مصطلحاتهم ويغيرون نظرياتهم ولكن الحقيقة المطلقة هي في كتاب الله تعالى، وهو المعجزة الخالدة على مر العصور.(1/14)
- إن النسيج العادي يتألف من خيوط مشدودة بإحكام، وهنالك قوى شدّ بين هذه الخيوط، والنسيج الكوني يتألف من خيوط دقيقة أيضاً يسميها العلماءFilaments ، ولكن مادة هذه الخيوط هي المجرات، وهنالك قوى تجاذب كوني عظيمة تربط بين هذه الخيوط، بل إن العلماء يتحدثون عن "عقد knots" تلتقي فيها خيوط النسيج الكوني حيث تشكل تجمعات ضخمة من المجرات وتظهر في الصور على شكل نقاط شديدة الإضاءة. ولكن ماذا يعني ذلك؟
إنه يعني أن القرآن دقيق جداً في كلماته، فكلمة (الحُبُك) هي أفضل كلمة من الناحية العلمية لوصف البنية النسيجية للكون. حيث إن العلماء يستخدمون عدة كلمات مثل "نسيج، خيوط، عقد، بنية محكمة، قِوى عظيمة" ولكن القرآن اختصر كل هذه التعابير بكلمة واحدة جامعة هي (الحُبُك)، أليس هذا إعجازاً بيانياً يُضاف لرصيد الآية الإعجازي؟؟
- يتحدث علماء الفلك اليوم عن ضخامة هذا النسيج وعن قوته وإتقان صنعه، ويعتبرونه شيئاً عظيماً جداً، بل إن اكتشاف البنية النسيجية للكون يعد من الاكتشافات العظيمة في العصر الحديث، ومن هنا ربما ندرك لماذا أقسم الله بهذا النسيج والله لا يقسم إلا بعظيم!!
يقول العلماء إن أعظم اكتشاف في القرن الحادي والعشرين هو النسيج الكوني، وإن هذا النسيج يمثل أعظم بناء كوني رآه الإنسان في تاريخ البشرية، ولذلك فإن الله تعالى أقسم بهذا النسيج أن القرآن حق فقال: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات: 23].(1/15)
- من خلال المعلومات التي قدمها هذا البحث عن تاريخ تطور المعرفة الإنسانية بالكون، وتأكيد علماء الفلك بأنها المرة الأولى التي يتعرفون فيها إلى النسيج الكوني، يتبين لنا أن مفهوم النسيج الكوني والحُبُك لم يكن معروفاً زمن نزول القرآن. والتفسير الوحيد لحديث القرآن عن هذا النسيج هو أن الذي أنزل القرآن هو الله القائل: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 6].
- في هذا البحث ردّ على أولئك الذين يروّجون لفكرة يسمونها «أكذوبة الإعجاز العلمي»، وحجَّتهم في ذلك أننا نقفز فوق المعنى اللغوي للآية الكريمة، ونأتي بتفسيرات لا توافق أقوال المفسرين. ونقول لهؤلاء: أليست معاجم اللغة العربية تؤكد بأن معنى كلمة (حَبَكَ) هو أجاد نسج الثوب؟ أليس المفسرون رحمهم الله تعالى قد تحدثوا في تفاسيرهم لهذه الآية عن «النسيج المحكم»؟
وعندما يأتي العلماء في القرن الحادي والعشرين ليثبتوا لنا بالصور وجود نسيج حقيقي في السماء، ويتحدثون عن خيوط لهذا النسيج ويتحدثون عن طريقة حبك هذه الخيوط!! أليس هذا تطابقاً تاماً بين ما جاء به القرآن قبل أربعة عشر قرناً وبين ما نراه وندركه اليوم من حقائق علمية يقينية؟؟
- يعتبر هذا البحث وسيلة فعالة لدعوة غير المسلمين وبخاصة العلماء منهم لتأمل هذه المعجزة والتأكد من وضوحها وأنها لا يمكن أن تكون من عند بشر، ولذلك ينبغي عليهم أن يطرحوا سؤالاً على أنفسهم: من الذي كان يعلم بأن الكون ذو بنية نسيجية محكمة؟ ولو فكروا بشيء من العدل والإنصاف فسيجدون الجواب واضحاً في قوله تعالى: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [النساء: 166].(1/16)
- إن الذي يتأمل قول الله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)، ويتأمل الصورة التي رسمها الكمبيوتر للكون والتي تُظهر النسيج المحكم، سوف يلمس التطابق الكامل بين النص القرآني والحقيقة العلمية التي تم البرهان عليها بالصورة والمشاهدة. إن هذا التطابق يدل على أن الذي أنزل هذه الآية هو الذي خلق هذا النسيج وأبدعه وقال: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].
وخلاصة القول
لقد رأينا كيف يتعدد ويتطور التفسير العلمي للآية الكريمة، فالسماء ذات خلق حسن، وذات بناء محكم، وذات طرائق، والسماء ذات نجوم تزينها، والسماء ذات نسيج تم حبكه بإتقان. وجميع هذه التفاسير صحيحة، وهذا من عظمة الكلمة القرآنية أنها جمعت كل هذه المعاني. والعجيب أن العلم قد جاء اليوم ليكشف عن جميع هذه المعاني، فنحن أمام حقائق كونية، تتطابق تماماً مع الحقائق القرآنية، وهذا هو إعجاز القرآن العظيم في عصر الفضاء الذي نعيشه اليوم.
وملخص ما وصل إليه العلماء اليوم هو أن الكون مليء بالمادة المظلمة وتخترق هذه المادة خيوط دقيقة جداً ويلتقي بعضها ببعض في أماكن تشبه العقد، وشكل هذه الخيوط يشبه النسيج، وقد تم حبك هذه الخيوط بدقة وبقوى شديدة. إن هذا المنظر الذي يراه العلماء اليوم، هو ما صورته لنا الآية الكريمة بكل دقة!
ـــــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
أحبتي في الله! ساهموا معنا في نشر هذا البحث المجاني.(1/17)