قال تعالى:
{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }
وقال - صلى الله عليه وسلم - :
«من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف».
[رواه أبو داود والترمذي]
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. ثم أما بعد:
فهذه مذكرة بسيطة من باب { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } الغرض منها لفت نظر المسلم ولا سيما الغارق في ذنوبه ليعرف مدى كرم الله تعالى عليه وكيف أنه عز وجل قد جعل فرص النجاة أكثر من أن تحصى في حين أن للهلاك طريقًا واحدًا؛ وهي إن وصل تفريط العبد أقصى حد وبلغ منتهاه عندها -يكن هو الذي جنى على نفسه وأوردها مورد الهلاك.
ولا أريد أن أطيل، أسأل الله تعالى (أن) ينفع بها كل قارئ ومستمع، هو ولي ذلك والقادر عليه.
المؤلف
* * * *
نصيحة:
اعلم أخي المسلم أن السلف -السلف الصالح هو لفظ يطلق على القرون الثلاثة الأولى- كانوا يقولون: «لا يهلك على الله إلا هالك». والمعنى أنه لن يدخل النار إلا من استحقها بجدارة واستحقاق؛ لماذا؟ لأن فرص الفوز بالجنة والنجاة من النار كثيرة ولا حصر لها، فمن فرط في كل ذلك وأضاع كل تلك الفرص فهو ولا شك هالك لا يستحق النجاة من النار وهو ليس أهلاً لأن يفوز بالجنة. وسنتذاكر سويًا من خلال هذه المذكرة مدى فرص الفوز بالجنة والنجاة من النار.
* * * *
أولاً: الحسنات والسيئات
1- كفة الحسنات والسيئات:(1/1)
اعلم أخي المسلم أن الله تعالى من رحمته أنه لم يجعل الحسنات والسيئات في الميزان سواء، قال تعالى في محكم التنزيل: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } [الأنعام: 160]. وقال تعالى: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [القصص: 84]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك؛ فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة». [متفق عليه].
ومن ذلك يتضح لنا عظم رحمة الله تعالى ولطفه بالعباد، فكيف لو كانت الحسنات كالسيئات في الميزان سواء؛ لهلك الناس جميعًا.
فالحسنات تحسب بعشر إلى أضعاف كثيرة والسيئات تحسب بواحدة فقط، وعلى ذلك فلو فرضنا أن شخصًا عمل في يومه أعمال خير وشر بنفس العدد لكان من الناجين، لماذا؟ لأن الحسنات تضاعف والسيئات تكتب بواحدة لا تتضاعف.
2- بقاء الحسنات وزوال السيئات:
ومن كريم رحمة الله تعالى وعظيم عفوه ولطفه أنه سبحانه جعل الحسنات ثابتة؛ بمجرد فعلها تكتب في صحيفة العبد، أما السيئات فهي معرضة للزوال ولِأَنْ تُبدَّل إلى حسنات، ويظهر من ذلك أن الحسنات في ازدياد كلما زاد عمر الإنسان، أما السيئات فهي في تناقص دائم كلما عمل المسلم صالحًا كفرت سيئاته وكلما تاب واستغفر تناقصت وتبدلت إلى حسنات.
3- تبديل السيئات إلى حسنات:(1/2)
وليس ذلك فحسب بل إنه سبحانه وتعالى يبدل السيئات ويقلبها إلى حسنات فتزداد بذلك كفة المسلم، تزيد حسناته وتتناقص سيئاته، وكل الذنوب والمعاصي التي اقترفها في زمن عصيانه تتحول إلى جبال من الحسنات تثقل بها صحيفة المسلم. قال تعالى في كتابه العزيز: { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان: 70]. وقال - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث السابق: «... وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة...» [متفق عليه].
* * * *
ثانيًا: جزاء الأعمال
1- مضاعفة أجر بعض الأعمال:(1/3)
اعلم أخي المسلم أن من لطف الله تعالى بعباده أن جعل أجر بعض الأعمال ليس بقدر الحسنة ولا بقدر مضاعفتها إلى عشر، بل إلى سبعمائة ضعف بل إلى أضعاف كثيرة، وأحيانًا لا تحصى، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : «... وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة...» [متفق عليه]. وكأجر صلاة الجنازة قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» [رواه مسلم]. وكأجر الصيام قوله - صلى الله عليه وسلم - : «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به...» [متفق عليه]. وكأجر سنة الضحى قوله - صلى الله عليه وسلم - : «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» [رواه مسلم]. والسلامى: الأعضاء الدقيقة؛ كالمفاصل، والمعنى: وجوب شكر الله تعالى على كل عضو أصبح سالمًا. وكأجر السير للمساجد قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من خرج من بيته إلى المسجد كتب له بكل خطوة يخطوها عشر حسنات، والقاعد في المسجد ينتظر الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين حتى يرجع إلى بيته». [رواه أحمد وأبو يعلى]. وكأجر الصبر قوله سبحانه وتعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10]. وكأجر الكثير من الأعمال قال - صلى الله عليه وسلم - : «الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها». [رواه مسلم].(1/4)
والمعنى أن الطهور يضاعف الأعمال، وقيل: لأنه كفارة لما قبله من الذنوب، والصدقة برهان: أي أنها حجة على إيمان صاحبها، والصبر ضياء: أي أن صاحبه لا يزال مهديًا مستضيئًا ما دام صابرًا.
والكثير الكثير الكثير من الأعمال غيرها التي لها أجر غير محدد، أو التي لها أجر كبير.. وأمثال هذه الأعمال ترجح بها ولا شك كفة الحسنات؛ فهي مع كونها كبيرة الأجر إلا أنها مع ذلك أعمال يسيرة وسهلة، ويستطيع أي مسلم أن يفعلها وأن يداوم عليها فينال أجرها.
2- بعض الأعمال جزاؤها الجنة:
وليس ذلك فحسب أخي المسلم؛ بل إن بعض الأعمال ليس لها جزاء إلا الجنة، وذلك من عظيم منته تعالى على عباده، كجزاء الحج المبرور قوله - صلى الله عليه وسلم - : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». [متفق عليه]. وكجزاء الرباط في سبيل الله قوله - صلى الله عليه وسلم - : «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله». [رواه الترمذي]. وكجزاء كفالة اليتيم قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا». وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئًا. [رواه البخاري]. وكجزاء سنن الظهر قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار». [رواه أبو داود والترمذي والنسائي]. وكأجر السنن الرواتب قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة». [رواه مسلم].
وغيرها من الأعمال التي علق سبحانه وتعالى على فعلها الفوز بالجنة؛ فقد يعمل المسلم عملاً يكتب الله تعالى له الفوز والنجاة من النار أو يرفع درجته ومنزلته في الجنة أو ينجيه من مصائب ومصائب وبلايا عظام.
* * * *
ثالثًا: الكفارات(1/5)
اعلم أخي المسلم أن كل أعمال الخير والبر، بل وكل قدر على المسلم -هو في الأصل يعد من باب تكثير الحسنات، وهي في نفس الوقت من باب تكفير الخطايا ومحو السيئات، وذلك من عظيم كرمه ومنِّه سبحانه وتعالى؛ فهي رفعة للدرجات ومكفرات للذنوب والآثام والسيئات.
والكفارات كثيرة:
1- العبادة بأنواعها (الصلوات والوضوء الذكر...):(1/6)
فالعبادة أخي المسلم بأنواعها تعتبر كفارات للخطايا والذنوب والآثام؛ فهي إلى جانب كونها حسنات في رصيدك وصحيفتك البيضاء، تزيل معها الكثير من سيئاتك وخطاياك، قال - صلى الله عليه وسلم - : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر». [رواه مسلم]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًا من الذنوب» [رواه مسلم]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». [رواه البخاري]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر» [رواه مسلم]. وقال تعالى لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - : «... هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم. قال: في الكفارات». والكفارات: المكث في المساجد بعد الصلوات والمشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباع الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه.(1/7)
وقال: «يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» قال: والدرجات «إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام» [رواه الترمذي وأحمد والحاكم وغيرهم]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «.. وأتبع السيئة الحسنة تمحها...» [رواه الترمذي وأحمد والدارمي]. وغير ذلك كثير من الأحاديث في هذا المجال، والتي لا يخفى عظيم أجرها على أحد من المسلمين...
2- المصائب والبلايا:
حتى المصائب أخي المسلم تعتبر من جملة الكفارات، بل ومن أكبر فرص تكفير الذنوب وزيادة الأجور؛ فالبلايا في حقيقتها عطايا تزيد الأجر وتمحو الذنب. قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30] وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما يصيب المسلم من نصب (تعب) ولا وصب (مرض) ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» [رواه البخاري]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة» [رواه مسلم].
والواجب على المسلم أن يتصبر ويرضى إذا أصابه البلاء، فلا يضجر ويتسخط فيضيع أجره بذلك التصرف، قال - صلى الله عليه وسلم - : «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط» [رواه الترمذي وابن ماجه]. فالعبد قد يصاب بمصيبة فيصبر عليها، فيجازيه الله تعالى الجنة أو يرفع درجته ومنزلته فيها أو يدفع عنه من الشر والبلاء الشيء الكثير أو يكتب له النجاة من النار، وكل ذلك كفارة لذنوبه وزيادة في ثوابه إن صبر.
3- الأمراض والأسقام:(1/8)
ومن جملة الكفارات أيضًا الأمراض والأسقام التي تصيب المسلم في جسده أو في جسد زوجته أو بنيه. قال - صلى الله عليه وسلم - : «ما من مرض أو وجع يصيب المؤمن إلا كان كفارة لذنبه، حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها» [رواه أحمد]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما من مسلم يصيبه أذى في جسده إلا كان كفارة لخطاياه، وهذا أشد الأذى». [رواه الطبراني في الكبير]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وأهله وماله حتى يلقى الله عز وجل وما عليه خطيئة» [رواه مالك والترمذي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد وغيرهم]. والمرض يكفر الله تعالى به خطايا وذنوب المسلم طيلة أيام مرضه ومعاناته ومكابدته للمرض والسقم، ما دام صابرًا محتسبًا غير متضجر ولا متسخط، قال - صلى الله عليه وسلم - : «المريض تحات (تساقط) خطاياه كما يتحات ورق الشجر» [رواه أحمد]. لذا فالواجب على المسلم الرضا والصبر؛ ليفوز بالأجر، وإلا ضاع عليه بجزعه.
4- قلة الرزق:
حتى قلة الزرق تعتبر من الكفارات؛ فالمؤمن قد يسلط الله تعالى عليه قلة الرزق ويضيقه عليه ليكفر بها من خطاياه وذنوبه، قال سبحانه وتعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [البقرة: 155]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر» [رواه ابن ماجه وأحمد والحاكم].(1/9)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب» [رواه أبو داود وابن ماجة]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «يا أيها الناس اتخذوا تقوى الله تجارة، يأتيكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة ثم قرأ { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } ». [رواه الطبراني في الكبير]. والسعي لتحصيل العمل وكسب الرزق واتخاذ أسبابه عبادة -يؤجر العبد عليها ما دام قائمًا بما يرضى الله تعالى، ويؤدي ما عليه من أمانة ومسئولية، قال - صلى الله عليه وسلم - : «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه..» [رواه أصحاب السنن]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده». [رواه البخاري].
رابعًا: الاستغفار
اعلم أخي المسلم أن الاستغفار من أول الأسباب التي يكفر الله تعالى بها الخطايا ويمحو بها الذنوب، ومعنى «أستغفر» أي أعترف بذنبي وأطلب المغفرة منك يا ربي، قال - صلى الله عليه وسلم - : «سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء (أعترف) لك بنعمتك عليَّ وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت». قال: «ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة». [رواه البخاري].(1/10)
والواجب على المسلم أن يستغفر الله تعالى دائمًا، وفي كل وقت وحين؛ ففي ذلك كفارة لذنوبه أولاً بأول، قال - صلى الله عليه وسلم - : «يا أيها الناس توبوا إلى الله -واستغفروه-؛ فإني أتوب إلى الله -وأستغفره- في كل يوم مائة مرة». [رواه مسلم والنسائي في الكبرى وأحمد]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إني لأستغفر الله في اليوم وأتوب إليه أكثر من سبعين مرة» [رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه].
والاستغفار باب عظيم من أبواب النجاة من النار، وفوائده وعوائده عظيمة في الدنيا والآخرة؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيه: «طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا». [رواه ابن ماجه والنسائي في الكبرى]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب». [رواه أبو داود وابن ماجه]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» [رواه أبو داود والترمذي]. فالله تعالى يغفر للعبد إن استغفر وهو نادم من قلبه، حتى ولو ضعف أمام الذنب وعاد مرة أخرى؛ ما دام صادقًا في استغفاره وندمه وليس عابثًا به ولا مستهزئًا.
* * * *
خامسًا: التوبة النصوح
التوبة أخي المسلم تكون من الذنب المرتكب الذي يقترفه العبد، في حين أن الاستغفار يكون مطلقًا؛ فعلى العبد أن يستغفر دائمًا سواء أذنب أم لم يذنب، والتوبة الصادقة هي أهم أسباب محو الخطايا ومغفرة الذنوب، ولا سيما الذنوب التي لا يكفرها إلا التوبة الصادقة النصوح، والواجب على المسلم مداومة التوبة من كل ذنب وخطيئة وإثم. قال - صلى الله عليه وسلم - : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». [رواه ابن ماجه وأحمد والحاكم]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه» [رواه مسلم].(1/11)
وباب التوبة مفتوح لا يغلق حتى قيام الساعة أو يموت الشخص، وفي ذلك فرصة مفتوحة أمام المسلم لأن يتوب في أي وقت، لا يمنعه من التوبة شيء أبدًا، فليبادر المسلم وقبل أن يفجأه الأجل، قال - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها». [رواه مسلم]. والمعنى أنه تعالى يبسط يديه في كل وقت، وفي ذلك حث للعباد على المبادرة بالتوبة. والعبد قد يذنب ويصر على الذنوب السنين الطويلة والله تعالى يستره ويحلم عنه، وما أن يتوب العبد حتى يجد الله غفورًا رحيمًا، قال - صلى الله عليه وسلم - : «التوبة النصوح تكفر كل سيئة، وهو في القرآن» ثم قرأ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } ». [رواه الحاكم]. والواجب على المسلم أن يبادر بالتوبة الصادقة، وألا يسوف وقتها فتفوته الفرص، قال - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر». [رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد]. فإذا غرغر العبد انقطعت عنه فرص التوبة، وليس له إلا ما قدم من عمله.
* * * *
سادسًا: الدعاء
حتى الدعاء أخي المسلم يعد من الأسباب التي تمحو الذنوب، ولا سيما الدعاء في ظهر الغيب؛ قال - صلى الله عليه وسلم - : «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل». [رواه مسلم]. ومن آدابه الضرع بين يدي الله تعالى، وبالأخص حال السجود، قال - صلى الله عليه وسلم - : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء». [رواه مسلم].(1/12)
وكما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الأدعية الجامعة النافعة، قالت عائشة: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك». [رواه أبو داود وأحمد]. وقال ابن عباس: كان - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن؛ يقول: «قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات». [رواه مسلم].
وكما علمنا - صلى الله عليه وسلم - أن الدعاء هو أساس العبادة والتقرب إلى الله تعالى، والواجب على المسلم ألا يتهاون في شأن الدعاء فيعجز عنه ويزدريه ويتركه، قال - صلى الله عليه وسلم - : «الدعاء هو العبادة { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ». [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «لن ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم بالدعاء عباد الله». [رواه أحمد والحاكم والطبراني في الكبير]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إن أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء». [رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى].
والمسلم قد تصيبه دعوة رجل صالح أخ له في الله في أقصى الأرض ينفعه الله تعالى بها فتكون سببًا في تيسير أمره، وكلنا يلحظ ذلك؛ فقد ينام الشخص على ضائقة ألمت به، فما أن يستيقظ حتى تتيسر ويفرجها الله تعالى عليه بدعوة من مسلم مخلص آخر في أقصى الأرض، دعا الله تعالى له وللمسلمين أجمعين فاستجابها سبحانه له. ولذلك فمن اتقى الله تعالى دومًا جعل له نصيبًا من دعاء الصالحين، فكلما دعا رجل صالح لعموم المسلمين أصابه من دعوته نصيب وحظ وافر.(1/13)
ومن جملة الدعاء المرغب فيه صباح مساء هو طلب الجنة والتعوذ من النار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة. ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار». [رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه].
وكل ذلك مما يكفر الله تعالى به خطايا العبد ويكثر حسناته، والمؤمن العاقل يعلم عظم شأن الدعاء، فيدعو الله تعالى دومًا بالعافية والمغفرة والرحمة له ولذويه وللمسلمين أجمعين. والحقيقة أن ديننا كله دعاء، والعبادة أصلاً في مجملها هي الدعاء؛ فالصلاة دعاء والذكر دعاء والأوراد والأذكار اليومية دعاء وكل عمل صالح من جملة الدعاء، ولذلك تبوء الدعاء مكانة كبيرة في ديننا الحنيف، فلا يجب أن نزدريه.
سابعًا: الصدقة
اعلم أخي المسلم أن الصدقة من أهم الأمور التي تكفر السيئات وتزيد الحسنات، بل وترفع الدرجات، وهي باب كبير من أبواب حلول رضا الله تعالى، ومن أهم ما يستجلب رحمته وعفوه ويبعد عن المسلم المصائب والبلايا والنكبات، قال - صلى الله عليه وسلم - : «إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع عنه ميتة السوء». [رواه الترمذي وابن حبان]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وأعدوا للبلاء الدعاء». [رواه البيهقي والطبراني في الكبير].(1/14)
والله سبحانه من رحمته ينمي الصدقات عمومًا، ويجعلها جبال من الحسنات، إلى جانب كونها مكفرات للخطايا والذنوب والسيئات، قال - صلى الله عليه وسلم - : «ما تصدق أحد بصدقة من طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل؛ كما يربي أحدكم فلوه (ولد الحصان) أو فصيله». [رواه مسلم]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره، حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد» وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ } و { يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } ». [رواه الترمذي]. لذا فاحرص أخي المسلم على كثرة بذل الصدقات؛ فهي مجال كبير لتكفير السيئات ولزيادة الأجور ورفع الدرجات، ولا تزهد في ذلك ولا تبخل فتبخل عن نفسك، وتذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - : «كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس» أو قال: «يحكم بين الناس». [رواه أحمد والحاكم وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم]. والمعنى أن الله تعالى يستر العبد يوم القيامة بصدقته في الدنيا، فليستكثر المسلم ليومٍ حره شديد.
* * * *
ثامنًا: مواسم الرحمة والمغفرة(1/15)
اعلم أخي المسلم أن من الفرص التي هيأها الله تعالى لتكثير الحسنات وتكفير السيئات مواسم الخيرات والرحمات؛ كموسم رمضان قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه». [متفق عليه]؛ وكعشر ذي الحجة قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا: ولا الجهاد. قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء». [رواه البخاري]. وكأيام الجمع قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إن يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده». [رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم]. وكأفضلية بعض الأيام قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك ومشاحن». [رواه ابن ماجه وأحمد]. ومواسم الخيرات كثيرة وعلى مدار السنة؛ كصيام الاثنين والخميس وما فيهما من عرض الأعمال، ويوم عاشوراء ويوم عرفة والأيام البيض وأوقات السحر وبين الأذانين وحال المطر والسفر وغيرها كثير.. وعلى المسلم استغلال تلك الأوقات لزيادة حسناته ولتكفير سيئاته.
* * * *
تاسعًا: أفضلية بعض الأماكن(1/16)
حتى لفضل الأماكن أخي المسلم فرص ذهبية لتكثير الحسنات وتكفير السيئات؛ كزيارة مكة للحج أو العمرة، والصلاة في المساجد الثلاثة قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ إلى المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى». [متفق عليه]. والسير إلى المساجد والجلوس فيها للذكر والعبادة قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين». [رواه أبو داود وأحمد والبيهقي]. وكأماكن حلق العلم وأفضلية عرفة والدعاء على صعيدها قوله - صلى الله عليه وسلم - : «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». [رواه الترمذي]. وأفضلية أماكن الجهاد والرباط في سبيل الله قوله - صلى الله عليه وسلم - : «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها» [رواه البخاري]. والواجب على المسلم أن يستغل فرص تواجده في الأماكن الفاضلة فيستكثر من الأعمال الصالحات ويسعى لتكثير حسناته وتكفير سيئاته.
عاشرًا: عقبة الموت وما بعده
وإذا مات المسلم ولم يكن سبحانه وتعالى راضيًا عنه عسر عليه سكرات الموت وجعل ذلك كفارة لذنوبه، وإذا بقي عليه من الذنوب والآثام شيء ضيق عليه قبره وربما كان القبر حفرة من حفر النار، ثم يخلصه سبحانه وتعالى من عذاب النار برحمته، وعذاب القبر حسب ذنوب العبد؛ فقد يدوم، وقد ينقطع بدعاء أو بصدقة جارية.(1/17)
وإذا كثرت ذنوب العبد عن ذلك ولم تخلصه من ذنوبه غصصُ الموت وسكراتُه وعذابُ القبر وضيقُه صعَّب الله تعالى عليه الحشر ووقوفَه وجعل ذلك سببًا في تكفير ذنوبه.
وإذا فاقت ذنوب العبد وخطاياه كل تلك العقبات والتي هي في حقيقتها كفارات عسَّر الله تعالى عليه الحساب، وكان نقاشه عقابا له وتكفيرا لذنوبه. قال - صلى الله عليه وسلم - : «من نوقش الحساب عذب»، قالت عائشة: أليس يقول الله تعالى: { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } . قال: «ذلك العرض». [رواه البخاري]. ومعنى العرض أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه دون محاسبة له.
وإذا تعدت ذنوب العبد وآثامه كل ذلك كان الصراط آخر فرص النجاة؛ فتخدشه كلاليب جهنم فينجو، فتكون كفارة له ولذنوبه. قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الصراط: «... فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم...» [متفق عليه]. وفي الحديث الآخر قوله - صلى الله عليه وسلم - : «... فمنهم المؤمن بقي بعمله ومنهم المجازي حتى ينجى...» [رواه مسلم]. والمعنى منهم من يجوز على الصراط فتخدشه الكلاليب وينجو، ومنهم من يوبق بعمله فيسقط في النار.
وإذا تجاوزت ذنوب العبد كل حد كان الجزاء الوفاق له هو النار، يعذب فيها حسب ذنوبه ومعاصيه؛ حتى ينقى في النار، ثم يُخْرِجُ سبحانه وتعالى من النار كلَّ من آمن به عز وجل ممن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان أو أقل من ذلك، برحمته سبحانه وتعالى، فله الحمد والمنة والثناء الحسن، قال - صلى الله عليه وسلم - : «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير» [متفق عليه].
* * * *
حادي عشر: شفاعته - صلى الله عليه وسلم -(1/18)
اعلم أخي المسلم أن العبد مهما عمل من ذنوب ولو كانت كالجبال واسودت صحيفته بها، فليس ذلك بعظيم على أرحم الراحمين، فإذا بلغت ذنوب العبد ما بلغت بقيت له فرصة أخيرة وهي فرصة شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - له، فيرحمه الله تعالى ويشمله برضاه، فيشفع له - صلى الله عليه وسلم - فينجو من النار برحمة الله تعالى وعظيم كرمه ومنته. ولذلك فاحرص أخي على كل عمل يهيئ لك شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثبتها لك، ومن ذلك الدعاء المأثور بعد الأذان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة» [رواه البخاري]. ومنها قول لا إله إلا الله بإخلاص ويقين تام؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة لما سأله: مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه» [رواه البخاري]. ومنها كثرة الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - ، ولا سيما يوم الجمعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة» [رواه الترمذي وغيره]. وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي...» [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه].
وصية أخيرة
أوصيك أخي المسلم في ختام هذه المذكرة التي أسأل الله تعالى أن تكون نافعة ومفيدة، أوصيك بثلاث نقاط:(1/19)
الأولى: حافظ على أصول الدين وأركانه الخمسة مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - ، كما في الحديث: أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «خمس صلوات في اليوم والليلة فقال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تَطَّوَّع، وصيام شهر رمضان. فقال له: هل عَلَيَّ غيره؟ فقال: لا، إلا أن تطَّوع. وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفلح إن صدق. أو: دخل الجنة إن صدق» [متفق عليه].
والثانية: أمسك عليك لسانك واتق كل شروره وآفاته، فلا تتكلم به شيئًا يغضب الله تعالى، ولا تذكر به عورات الناس، ولا تغتاب ولا تنم ولا تكذب ولا... ولا... مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعقبة بن عامر لما قال له: يا رسول الله ما النجاة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : «أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك» [رواه الترمذي وأحمد].(1/20)
والثالثة: أد الحقوق والواجبات التي هي لله تعالى ثم التي هي للناس من غيرك كما تحب أن يؤدوها لك، وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك؛ فالمسلم مرآة أخيه المسلم؛ مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [متفق عليه]. وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير» [رواه أحمد]. في رواية قوله - صلى الله عليه وسلم - لأحد الصحابة: «أتحب الجنة. قال: قلت: نعم. قال: فأحب لأخيك ما تحب لنفسك» [رواه أحمد]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن؛ يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه». [رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد]. والمعنى: أن يمنع عن أخيه التلف والخسران ويحفظه ويذب عنه ويصونه. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «المؤمن مرآة أخيه؛ إذا رأى فيه عيبًا أصلحه». [رواه البخاري في الأدب المفرد].
* * * *
الخاتمة
وأخيرًا أخي المسلم، إن تجاوزتك كل محطات المغفرة والرحمة والنجاة تلك، وإن تخطتك كل تلك الفرص وفاتتك ولم تستفد منها ووقعت في سبل الهلكة واستحوذتك الذنوب والمعاصي، فأنت ولا شك يكون قد تحقق فيك قول السلف: «لا يهلك على الله إلا هالك». فلا تلومن عند ذلك إلا نفسك؛ لأنك تكون قد فرطت لدرجة كبيرة أوصلتك إلى سبل الهلكة والنار والعياذ بالله العظيم.
وتذكر قوله تعالى: { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 81]. وتذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه» [رواه أحمد والبيهقي والطبراني في الكبير].
* * * *
الفهرس
المقدمة ... 6
نصيحة: ... 6
أولاً: الحسنات والسيئات ... 6
1- كفة الحسنات والسيئات: ... 6
2- بقاء الحسنات وزوال السيئات: ... 6
3- تبديل السيئات إلى حسنات: ... 6
ثانيًا: جزاء الأعمال ... 6(1/21)
1- مضاعفة أجر بعض الأعمال: ... 6
2- بعض الأعمال جزاؤها الجنة: ... 6
ثالثًا: الكفارات ... 6
والكفارات كثيرة: ... 6
1- العبادة بأنواعها (الصلوات والوضوء الذكر...): ... 6
2- المصائب والبلايا: ... 6
3- الأمراض والأسقام: ... 6
4- قلة الرزق: ... 6
رابعًا: الاستغفار ... 6
خامسًا: التوبة النصوح ... 6
سادسًا: الدعاء ... 6
سابعًا: الصدقة ... 6
ثامنًا: مواسم الرحمة والمغفرة ... 6
تاسعًا: أفضلية بعض الأماكن ... 6
عاشرًا: عقبة الموت وما بعده ... 6
حادي عشر: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - ... 6
وصية أخيرة ... 6
الخاتمة ... 6
الفهرس ... 6
* * * *(1/22)