النبذة اللطيفة
في فضائل المدينة الشريفة
الشيخ أبو محمد أحمد شحاته السكندرى
بسم الله الرحمن الرحيم
عونَك اللهمَّ وتأييدَك
وإرشادَك إيَّانا سُبلَ الخَيرِ وتسديدَك
الحمد لله خالقِ الإنسانِ من ماءٍ يجرى بين الصلبِ والترائبْ ، والمرتجى فرجُهُ عند حلولِ الشدائدِ والنوائبْ ، والمأمولِ كرمُهُ إذا قصرتْ عن بلوغِ الأمانى الفرائضُ والرغائبْ ، والباسطِ يدَه بالليلِ والنَّهارِ ليتوبَ إليه عبادُهُ وينتهوا عن الأوزارِ والمعائبْ .
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، شهادة تُرجى للنجاةِ من العذابْ ، وتُدخر ليوم البعثِ والحسابْ ، وتولجُ قائلَها الجنَّة إذا حالتْ بينه وبينها الوسائلُ والأسبابْ . وأشهدُ أن مُحَمَّداً عبدُ اللَّه ورسولُه المصطفى لختمِ رسالاتِ السماءْ ، والمبعوثُ بالهدايةِ العامةِ والشريعةِ السمحاءْ ، والمهاجرُ إلى دار الإيمانِ : المدينةِ الفيحاءْ ، صلَّى اللَّهُ عليه ما دامتْ الأرضُ والسماءْ .
وبعد ،، . فهذا كتابٌ جامعٌ لفضائل دار الإيمان والأنصار ، قُبةِ الإسلامِ الظاهرة ، المدينةِ المشرَّفةِ الطاهرة ، على ساكنها أفضلُ الصلواتِ وأزكاها ، وأعظمُ التحياتِ وأنماها .
وقد بالغتُ فى اختصار أبوابه وتنميقِها ، واختيار أحاديثه وتحقيقِها ، حتَّى جاءت أبوابُه دالةً على المعانى المقصودة ، وآثارُه حاويةً على الأحكام المنشودة ، ففاق ما سبقه من التصانيف فى (( فضل طابة )) ، فهو الدرُّ النضيدُ والروضةُ المستطابةُ .
وقد طالعت كتابَ (( فضائل المدينة )) لأبى سعيدٍ المفضلِ بن محمد بن إبراهيم الجَنَدِى المتوفَّى سنة 308 هـ ، فوجدتُه غيرَ وافٍ بالمقصود على التمام ، فقد فاتته أحاديث كثيرة متعلقة بهذا المقام ، فأوردتها فى كتابى إيرادَ المستزيد ، ابتغاءَ رؤيةِ وجه الله تعالى يومَ المزيد ، وسمَّيتُه حين أتممتُه :(1/1)
النبذة اللطيفة فى فضائل المدينة الشريفة
وقد بنيته على ثمانية أبواب ، استبشاراً بعدد أبواب الجنَّة ورجاءَ دخولها يومَ المآب ، وهاك بيانها :
الأول : أبواب فضل المدينة .
الثانى : أبواب تحريم المدينة .
الثالث : أبواب فضل المسجد النبوى .
الرابع : أبواب فضل مسجد قباء .
الخامس : أبواب فضل البقيع ومقابر المدينة .
السادس : أبواب فضل العقيق وأودية وآبار المدينة .
السابع : أبواب فضل أحد وجبال المدينة .
الثامن : أبواب معالم وأحداث تاريخية بالمدينة .
وشفعتُ هذه الأبواب الثمانية بملحقين اثنين :
الأول : فى ذكر ما قيل من الأشعار فى الشوق إلى المدينة .
الثانى: فى ذكر آداب زيارة قبر الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، وذكر كلماتٍ حُفظت عن زوَّاره وأحوالٍ جرت لهم .
وقد أودعتُ الكتابَ من الأحاديثِ صِحَاحَها ، ومن الاختيارات الفقهية أرْجَحَها ، ومن شروحِ الغريبِ أوْضَحَها ، ومن الأشعارِ والمُلحِ أفْصَحَها ، فجاء ـ وللَّهِ الحمدُ والمنَّةُ ـ على أنموذجٍ أنيق ، وترتيبٍ بالإفصاح عن المقصود حقيق .
ولم ألو جهداً فى الإيفاء بما اشترطت ، من غيرِ إخلالٍ بطرائقِ الإيجاز ، فما أسهبتُ ولا أطنبت . ولربما فصَّلتُ القولَ وأطلتُ البيان ، إذا تيَّسر ذلك فيما يُستقبلُ من الزمان ، إذ الموضوع من المطلوبات المهمات ، ويتعلَّق به جملة من الأحكام الفقهيات .
ولقد كنتُ شديدَ الشوقِ إلى هذا الفجِّ ، فداويتُ شوقى بالعمرةِ والحجِّ ، فإذا الشوقُ يزيدُ على المألوفِ بعد الوداع ، فبان لى أن المعاينةَ ليستْ كالسماع ، ورأيتُنى كما قال الشاعر :
أيُّها الراكبُ المُجدُّ ابتكارا قد قضى من تهامةَ الأوطارا
إنْ يكن قلبُك الغداة خَليَّاً ففؤادى بالخيفِ أمسى مُعَارا
ليتَ ذا الدهرَ كان حتماً عليـ نا كلَّ يومين حَجَّةً واعتمارا(1/2)
وكما قال محمد بن عبد الملك بن حبيب الأسدى :
ألا ليتْ شِعْرِى هلْ أبيتَنَّ ليلةً بسلعٍ ولم تُغْلَقْ علىَّ دروبُ
وهلْ أحُدٌ بادٍ لنا وكأنَّه حَصَانٌ أمامَ المَقْرُباتِ جَنيبُ
فإنَّ شِفائى نظرة إنْ نَظَرْتُها إلى أحُدٍ والحرَّتانِ قريبُ
وإنِّى لأرعى النَّجمَ حتَّى كأنَّنى على كلِّ نجمٍ فى السماءِ رقيبُ
وأشتاقُ للبرقِ اليمانىِّ إنْ بدا وأزدادُ شوْقاً أنْ تَهُبَّ جَنُوبُ
واللهَ المأمولَ قبوله صالح القُرُبَات ، والتجاوز عما لا ينفكُ عنه بنو آدم من الخطيئات ، وأن يمُنَّ علينا بغفران الذنوب والأوزار ، ويرزقَنا وفاة فى بلد النَّبىِّ المختار .
والحمد لله العزيز المنَّان ، وصلَّى الله على محمَّدٍ عبدِه ورسولِه عددَ ما خلقَ من مَلَكٍ وإنسٍ وجان .
أبواب فضل المدينة
(1) باب بيان فضل المدينة وعلوها بالإسلام .
(2) باب بيان أن الله تعالى سمَّى المدينة طابة .
(3) باب بيان أن من أسماء المدينة طَيْبَة .
(4) باب ذكر دعاء النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للمدينة بتضعيف البركة .
(5) باب بيان أن النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا دعا لأهل المدينة توضأ وضوءه للصلاة واستقبل القبلة ثمَّ دعا .
(6) باب بيان بأن صاع المدينة أصغر الصيعان وأنه المعتبر فى مكيلة الزكاة دون ما أحدث من الصيعان .
(7) باب بيان أن المدينة تنفى خبثها وشرارها كما ينفى الكيرُ خبث الحديد .
(8) باب دعاء النَّبىِّ ربَّه أن يحبِّب إلينا المدينة كحبنا مكَّة أو أشد وأن يصحِّحها من الحمى والوباء .
(9) باب ذكر ما ورد فى إثم من كادَ أهلَ المدينة .
(10) باب بيان أن الإيمان فى آخر الزمان يأرز إلى المدينة .
(11) باب بيان أنه لا يدخل المدينة رعب الدجال ولا الطاعون .(1/3)
(12) باب بيان أن تمر المدينة شفاءٌ من السحر والسم .
(13) باب ذكر إثبات الشفاعة لمن صبر على جهد المدينة ، ومن يموت بها من أمَّة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم .
أبواب فضل المدينة
باب بيان فضل المدينة وعلوها بالإسلام
(1)عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( أمرت بقَرْيَةٍ تأكلُ القُرى ، يقولون يثربَ وهى المدينة ، تنفى النَّاس كما ينفى الكِيرُ خبثَ الحديد )) .
( بيانٌ ) قولُهُ (( أمرتُ بقريةٍ تأكلُ القُرى )) ؛ قال الإمام النووى فى (( شرح مسلم )) :
(( معناه : أمرت بالهجرة إليها واستيطانها . وذكروا فى معنى أكلها القرى وجهين : أحدهما أنها مركز جيوش الإسلام فى أول الأمر ، فمنها فتحت القرى وغنمت أموالها وسباياها . والثانى أن أكلها وميرتها من القرى المفتتحة وإليها تُساق غنائمُها )) .(1/4)
وقال الزرقانى فى (( شرح الموطأ )) : (( قولُهُ (( أمرت بقرية )) أى أمرنى ربى بالهجرة إلى قرية . قوله (( تأكلُ القُرى )) أى تغلبها وتظهر عليها ، يعنى أن أهلها تغلبُ أهلَ سائر البلاد فتفتحُ منها ، يقال : أكلنا بنى فلان أى غلبناهم وظهرنا عليهم ، فإن الغالب المستولى على الشئ كالمفنى له إفناء الآكل إياه . وفى ((موطأ ابن وهبٍ)) : قلت لمالك : ما تأكل القرى ؟ قال : تفتح القرى ، لأنه من المدينة افتتحت القرى كلها بالإسلام . قال السهيلى : فى التوراة (( يقول اللَّه : يا طابة يا مسكينة إنِّى سأرفع أجاجيرك على أجاجير القرى )) ، وهو قريب من (( تأكل القرى )) ، لأنها إذا علت عليها علو الغلبة أكلتها ، ويكون المراد يأكلُ فضلُها الفضائلَ ، أى يغلبُ فضلُها الفضائلَ ، حتى إذا قيست بفضلها تلاشت بالنسبة إليها وجاء فى مكَّة أنها (( أم القرى )) ، لكنْ المذكورُ للمدينة أبلغُ من الأمومة ؛ إذ لا يمحى بوجودها وجود ما هى أمٌ له ، لكنْ يكون حقُّ الأمومة أظهر ، ـــــــــ
(1) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/84. تنوير الحوالك ) ، وأحمد (2/237) ، والبخارى (1/321) ، ومسلم (9/154) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/482/4261و6/430/11399) ، وابن حبان (3715) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج على صحيح مسلم ))(4/48/3196) جميعاً من طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن يسار أبى الحباب عن أبى هريرة .
وتابعه سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد . أخرجه الحميدى (1152) ، وأحمد (2/247) ومسلم (9/154) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج على مسلم ))(4/48/3197) جميعاً من طريق سفيان عن يحيى بن سعيد عن أبى الحباب عن أبى هريرة مرفوعاً بنحوه .
ومعنى تأكل القرى من الفضائل تضمحل فى جنب عظيم فضلها حتى يكون عدماً ، وما تضمحل له الفضائل أفضل وأعظم مما تبقى معه الفضائل اهـ .(1/5)
وفى كلامه تفضيل المدينة على مكَّة ، قال المهلَّب : (( لأن المدينة هى التى أدخلت مكَّة وغيرها فى الإسلام ، فصار الجميع فى صحائف المدينة )) . وأجيب : بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكَّة فيهم كثيرٌ من أهل مكَّة ، فالفضل ثابت للفريقين ، فلا يلزم من ذلك تفضيل إحدى القريتين . قلنا : لا نزاع فى ثبوت الفضل للقريتين، كما أنه لا نزاع فى أن مكَّة من جملة القرى التى أكلتها المدينة ، فيلزم تفضيلها عليها )) اهـ .
قلت : المشهور عن الإمام مالكٍ وأصحابه تفضيل المدينة على مكَّة ، ويحتجون لذلك بأخبار ثابتة ، لكنْ ليس فيها التصريح بتفضيل المدينة على مكَّة ، والنصوص من الكتاب والسنَّة أدلُّ على تفضيل مكَّة أم القرى على المدينة المشرَّفة . ومن أقرَّ بكرامة المدينة ولم يُنكر فضلها ، وأقرَّ أنه ليس على وجه الأرض أفضل بعد مكَّة منها ، فقد أنزلها منزلتها .
باب بيان أنَّ الله تعالى سمَّى المدينة طابة
(2)عن جابر بن سمرة قال سمعت النَّبىَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : (( إنَّ الله تعالى سمَّى المدينةَ طابَةَ )) .
(3)عن أبى حُميْدٍ الساعدى قال : خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فى غزوة تبوك ، وساق الحديث وفيه : ثُمَّ أقبلنا حتَّى قدمنا وادى القرى ، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إنى مُسْرعٌ ، فمَنْ شاء منكم فليُسرعْ معى ، ومَنْ شاء فليمكُثْ )) ، فخرجنا حتى ـــــــ
(2) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (( المصنف ))(6/405/32422) ، وأحمد (5/94) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(490) ، ومسلم (9/156) ، وعبد الله بن أحمد (( زوائد المسند ))(5/97) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/482/4260) ، والطبرانى (( الكبير ))(2/236/1987) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج على صحيح مسلم ))(4/49/3200) جميعا عن أبى الأحوص عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة .(1/6)
(3) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (7/423/37006) ، وأحمد (5/424) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(487) ، والبخارى (1/259،321و3/90) ، ومسلم (9/162) ، وابن حبان (4500) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/54/3214) ، والبيهقى (6/372) جميعا عن عمرو بن يحيى عن عباس بن سهل بن سعد الساعدى عن أبى حميد الساعدى به .
أشرفنا على المدينة ، فقال : (( هذه طابَةٌ )) .
باب بيان أن من أسماء المدينة طيْبَة
(4)عن زيد بن ثابت أن رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرج إلى أحُدٍ ، فرجع أناسٌ خرجوا معه ، فكان أصحابُ رسولِ الله فيهم فرقتان : فرقةٌ تقول نقتلهم ، وفرقةٌ تقول لا ، فأنزل اللهُ (( فَمَا لكُمَ فى المُنَافِقينَ فِئتين )) ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
(( إنَّها طَيْبةُ ـ يعنى المدينة ـ ، وإنَّها تنفى الخبثَ كما تنفى النَّارُ خبثَ الفضَةِ )) .
( بيانٌ ) (( طابة )) و(( طيبة )) اسمان للمدينة مشتقان من الطاب والطيب ، وهى الرائحة الحسنة .
قال العلامة ابن منظور فى (( لسان العرب )) : (( الطَّاب : الطَّيِّبُ والطِّيبُ أيضاً ، يُقالان جميعاً . وشئٌ طابٌ أى طيِّبٌ ، إما أن يكون فاعلاً ذهبت عينه ، وإما أن يكون فِعْلاً .
قال كُثيِّرُ بن كُثيِّرٍ النوفلى يمدح عمر بن عبد العزيز :
يا عُمَرَ بْنَ عُمَرَ بْنَ الخَطَابْ
مُقَابِلَ الأعَراقِ فى الطَّابِ الطَّابْ
بَيْنَ أبى العاصِ وآلِ الخطَّابْ
إنَّ وُقُوفاً بفِناءِ الأبوابْ
يَدفعُنِى الحَاجبُ بعدَ البوَّابْ
يَعْدِلُ عنْدَ الحُرِّ قَلْعَ الأنْيابْ
قال ابن سِيده : إنما ذهب به إلى التأكيد والمبالغة . ويُروى : فى الطَّيبِ الطابْ . وهو طيِّبٌ وطابٌ ، وهى طيِّبةٌ وطابَةٌ .(1/7)
ومعنى قوله (( مقابل الأعراق )) أنه شريف من قِبَل أبيه وأمه ، فقد تقابلا فى الشرف والجلالة لأن عمر هو ابن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص ، وأمه أم عاصم ــــــــ
(4) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (7/372/36789) ، وأحمد (5/184، 187،188) ، والبخارى (3/120. سندى) ، ومسلم (9/155. نووى ) ، وعبد بن حميد (( المسند ))(242) ، والترمذى (3028) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (4/49/3199) جميعا عن عدى بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت به .
بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ، فجده من قِبَل أبيه أبو العاص ، وجده من قِبَل أمه عمر بن الخطاب )) اهـ .
وأما المدينة ؛ ففيها قولان لأهل اللغة :
أحدهما : وبه جزم قطرب وابن فارس أنها مشتقة من دان إذا أطاع، سميت به لأنه يُقام فيها طاعة وإليها . قال النابغة الجعدى :
بُعثتَ على البريَّة خيرَ داعٍ فأنتَ إمامُها والنَّاسُ دِينُ
الثانى : أنها مشتقة من مدن بالمكان إذا أقام ، والجمع مُدن ومدائن ومداين(1) .
( إيقاظ ) قال عمر بن شبة فى (( تاريخ المدينة )) : حدَّثنا محمد بن يحيى قال : لم أزل أسمع أن للمدينة عشرة أسماء هى : المدينة ، وطيْبَة ، وطابة ، والطَّيِّبة ، والمسكينة ، والعذراء ، والجابرة ، والمجبُورة , والمحبَّبة ، والمحبُوبة .
حدَّثنا محمد بن يحيى حدَّثنى عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن أبى سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار قال : نجد فى كتاب اللَّه الذى أنزل على موسى أنَّ اللَّه قال للمدينة (( يا طيبة يا طابة يا مسكينة ، لا تقبلى الكنوز ؛ أرفع أجاجيرك على أجاجير القرى )) .
باب ذكر ما ورد من دعاء النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
للمدينة بتضعيف البركة(1/8)
(5)عن أبى هريرة قال : كان النَّاسُ إذا رأوا أوَّل الثمر جاءوا به إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، فإذا أخذه قال : (( اللهمَّ بَارِكْ لنا فى ثمرنا ؛ وبَاركْ لنا فى مدينتنا ؛ وبَاركْ لنا ــــــــــ
(1) ذكروا للمدينة نحو أربعين اسماً . وأما يثرب فهى أرض وقعت المدينة فى ناحيةٍ منها ، وهى مأخوذة من الثرب وهو الفساد ، أو من التثريب وهو اللوم والتبويخ .
(5) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/83) ، ومسلم (9/145) ، والترمذى (3454) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/83/10134) و(( عمل اليوم والليلة ))(302) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة ))(3) ، وابن حبان (3739) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/43/3180،3181) جميعا من طريق مالك عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة .
تابعه سفيان بن عيينة عن سهيل . أخرجه الدارمى (2072) ، والبخارى (( الأدب المفرد ))(362) ، ومسلم (9/146) وابن ماجه (3329) جميعا عن سفيان عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة بنحوه .
فى صاعنا ؛ وبارك لنا فى مُدِّنا . اللهمَّ إنَّ إبراهيمَ عبدَك ونبيَّك ، وإنِّى عبدُك ونبيُّك ، وإنَّه دعاك لمكَّة ، وإنَّى أدعُوك للمدينةِ بمثل ما دعاك به لمكَّة ومثله معه )) . ثمَّ يدعو أصغرَ وليدٍ يراه ، فيُعْطِيه ذلكَ الثمَرَ .
(6)عن أنس بن مالكٍ أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( اللهمَّ بَاركْ لهمْ فى صاعهم وبَاركْ لهمْ فى مُدِّهم )) يعنى أهل المدينة .
(7)عن أنسٍ قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( اللهمَّ اجعل بالمدينة ضِعْفَىْ ما بمكَّة من البركةِ )) .
باب بيان أن النَّبىَّ لما دعا لأهل المدينة بالبركة
توضأ وضوئَه للصلاة واستقبلَ القبلة ثمَّ دعا(1/9)
(8)عن على بن أبى طالبٍ قال : خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى إذا كُنَّا بالحرَّة بالسقيا التى كانت لسعدٍ ؛ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( ايْتُونى بوضوءٍ )) . فلما توضأ قام ، فاستقبل القبلة ثمَّ كبَّر ثمَّ قال : (( اللهمَّ إنَّ إبراهيمَ عبدَك وخليلَك دعاك لأهل مكَّة ، وأنا محمَّدٌ عبدُك ورسولُك أدعوك لأهل المدينة أن تباركَ لهم فى مُدِّهم وصاعهم ، مثل ما باركت لأهل مكَّة مع البركة بركتين )) .
ــــــــ
(6) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/83) ، والدارمى (2575) ، والبخارى (2/15و4/266. سندى ) ، ومسلم (9/141) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/484/4269) ، وابن حبان (3737) جميعاً من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك .
(7) صحيح . أخرجه أحمد (3/142) ، والبخارى (1/323) ، ومسلم (9/142) ، وأبو يعلى (6/273،304/3578،3620) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/40/3172) جميعاً من طريق وهب ابن جرير ثنا أبى عن يونس الأيلى عن الزهرى عن أنس بن مالك به .
(8) صحيح . أخرجه الترمذى (3914) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/484/ 4270) ، وابن خزيمة (209) وابن حبان (3738) ، والمقدسى (( المختارة ))(2/164،165/543،544) جميعاً من طريق الليث بن سعد عن سعيد المقبرى عن عمرو ابن سليم الزرقى عن عاصم بن عمرو المدنى عن على بن أبى طالبٍ به .
باب بيان أنَّ صاعَ المدينة أصغرُ الصيعان ، وكان عيارُه خمسة أرطالٍ وثلث
وأنه المعتبر فى مكيلة الزكاة دون ما أحدث من الصيعان بعده
(9)عن أبى هريرة قال : قيل : يا رسول الله ! صاعُنا أصغرُ الصيعان ، ومُدُّنا أصغرُ الأمداد ، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( اللهمَّ باركْ لنا فى صاعِنا ومُدِّنا ، وقليلِنا وكثيرِنا ، واجعل مع البركة بركتين )) .(1/10)
( إيقاظٌ ) قال الإمام أبو حاتم بن حبان : (( فى ترك إنكار المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم حيث قالوا : (( صاعُنا أصغرُ الصيعان )) ، بيانٌ واضحٌ أن صاع أهل المدينة أصغر الصيعان . ولم يختلف أهلُ العلم من لدن الصحابة إلى يومنا هذا فى الصاعِ وقدره إلا ما قاله الحجازيون والعراقيون ، فزعم الحجازيون أن الصاعَ خمسةُ أرطالٍ وثلث ، وقال العراقيون : الصاع ثمانية أرطال ، فلما لم نجد بين أهل العلم خلافاً فى قدر الصاع إلاما وصفنا . صحَّ أن صاع النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان خمسة أرطال وثلث إذ هو أصغر الصيعان ، وبطل قول من زعم أنه ثمانية أرطال من غير دليلٍ يثبت له صحته )) اهـ .
وقال الإمام الحجة أبو عبيد القاسم بن سلام فى ((كتاب الأموال )) : (( وإنما ذهب أهل العراق إلى أن الصاع ثمانية أرطال لأنهم سمعوا (( أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يغتسل بالصاع )) ، و سمعوا فى حديث آخر (( أنه كان يغتسل بثمانية أرطال )) ، فتوهموا أن الصاع ثمانية أرطال لهذا . وقد اضطرب مع هذا قولهم ، فجعلوه أنقص من هذا .
وأما أهل الحجاز فلا اختلاف بينهم فيه أعلمُهُ ، أن الصاعَ ثلاثةُ أرطالٍ وثلث ، يعرفه عالمهم وجاهلهم ، ويباع فى أسواقهم ، ويحمل علمه قرنٌ بعد قرنٍ . وقد كان أبو يوسف يعقوبُ زماناً يقولُ كقولِ أصحابه فيه ، ثمَّ رجع عنه إلى قول أهل المدينة ، وبه يفتى يزيدُ بن هارون )) .
ــــــــ
(9) صحيح . أخرجه ابن حبان (3273،3736) ، والبيهقى (4/171) من طرقٍ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة به .
باب بيان أن المدينة تنفى خبثها وشرارَها
كما ينفى الكيرُ خبثَ الحديد(1/11)
(10)عن أبى هريرة أنَّ رسول اللَه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : (( يأتى على النَّاس زمانٌ يدعو الرجلُ ابنَ عمِّه وقريبَه : هلمَّ إلى الرخاء . هلمَّ إلى الرخاء ، والمدينة خيرٌ لهم ، لو كانوا يعلمون . والذى نفسى بيده لا يخرج منهم أحدٌ رغبةً عنها إلا أخلف اللهُ فيها خيراً منه ، ألا إنَّ المدينة كالكير تُخْرِج الخبيثَ . لا تقوم الساعةُ حتَّى تنفى المدينةُ شِرارَها كما ينفى الكيرُ خبثَ الحديدِ )) .
( بيان ) قوله (( لا يخرج أحد رغبة عنها )) ؛ قال القاضي عياض : (( الأظهر أن هذا مختص بزمنه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه لا من ثبت إيمانه ، بخلاف المنافقين وجهلة الأعراب )) . فتعقبه أبو زكريا النووي بقوله : ليس هذا بالأظهر لقوله بعده (( لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها )) . قال : وهذا والله أعلم زمن الدجال حين يقصد المدينة فترجف ثلاث رجفات يخرج منها اللَّه كل كافر ومنافق قال فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال ويحتمل أنه في أزمان متفرقة )) اهـ .
قلت : ويحتمل أن يكون المراد كلا الزمانين ، فأما فى حياته صلى اللَّه عليه وسلَّم فيؤيده قصة الأعرابي الذى أصابه وعكٌ بالمدينة ، فأتى النَّبىَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، فقال : يا محمَّدُ أقلنى بيعتى فأبى فخرج الأعرابىُ ، فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم : (( إنَّما المدينةُ كالكير تنفى خبثها ويَنصعُ طيِّبُها ))
وأما فى آخر الزمان فعندما ينزل بها الدجال فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه . وأما ما بينهما فليس بالمراد ، فقد خرج من المدينة كثير من الصحابة لفتح بلاد الشرك ونشر الدين وجهاد الأعداء والمرابطة على الثغور ، وهم يعلمون ويقرون بفضل المدينة وفضل سكناها .
ــــــــــ(1/12)
(10) صحيح . أخرجه مسلم (9/153) ، وابن حبان (3726) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (4/48/3195) جميعاً عن عبد العزيز الداروردى عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة به .
وأخرجه الطبرانى (( الأوسط ))(3/157/2783) عن روح بن القاسم عن العلاء به مختصراً .
(11)عن جابر بن عبد الله أنَّ أعرابياً بايع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأصاب الأعرابىَّ وعكٌ بالمدينة ، فأتى النَّبىَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : يا محمَّدُ أقلنى بيعتى ، فأبى ، فخرج الأعرابىُ ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( إنَّما المدينةُ كالكير تنفى خبثها ويَنصعُ طيِّبُها )) .
( بيانٌ ) قوله (( يَنصَعُ طيِّبُها )) أى يصفو ويخلُصُ ، والناصع : الصافى الخالص ، والمعنى : يخرج من المدينة من لم يصفو إيمانُه ، ولا يمكث بها صابراً على شدَّتِها إلا من خلُصَ إيمانُهُ .
باب ذكر دعاء النَّبىِّ ربَّه أن يحبِّب إلينا المدينة
كحبنا مكَّة أو أشدّ ، وأن يصحِّحها من الحُمَّى
(12)عن عائشة قالت : لما قدم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة وُعِكَ أبو بكرٍ وبلالٌ ، فكان أبو بكر إذا أخذتُه الحمَّى يقول :
كلُّ امرئٍ مُصَبَّحٌ فى أهلِه والموتُ أدْنَى من شِراكِ نَعْلِه
ــــــــ
(11) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/84 . تنوير الحوالك ) ، وعبد الرزاق (( المصنف )) (9/266/17164) ، والحميدى (1241) ، وابن أبى شيبة ((6/406/32426) ، والبخارى (1/322 و4/233) ، ومسلم (9/155. نووى) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/482/4262 و4/430/7808 و5/220/8718) و(( المجتبى ))(7/151) ، والترمذى (3920) ، وأبو يعلى (4/20/2023) ، وابن حبان (3724،3727 . الإحسان ) جميعا من طريق مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر به .(1/13)
(12) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/87) ، وابن أبى شيبة (5/275/26039) ، وأحمد (6/82،260) ، والبخارى (1/323و2/337و4/4،8) و(( الأدب المفرد ))(525) ، والنسائى (4/354/7495) ، وابن حبان (3716) ، والبيهقى (3/382) من طريق هشام بن عروة عن عروة عن عائشة به .
ورواه سفيان بن عيينة عن هشام ، فجعل الداخل على أبى بكر وبلال هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وزاد ثالثاً هو عامر بن فهيرة ، فقال : كيف تجدك ؟ ، قال :
وجدت طعم الموت قبل ذوقه
إنَّ الجبانَ حتفَه من فوقه
وكان بلالٌ إذا أقلع عنه الحمَّى ، يرفعُ عقيرتَه يقول :
ألا ليْتَ شِعرى هلْ أبيتنَّ ليلةً بوادٍ وحولى إذْخرٌ وجليلُ
وهَلْ أردنْ يوماً مِياهَ مجَنَّةٍ وهلْ يبدُون لى شامةٌ وطفيلُ
قالت عائشةُ : فجئتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبرتُه فقال : (( اللهمَّ حبِّب إلينا المدينةَ كحبِّنا مكَّة أو أشدَّ وصحِّحها ، وباركْ لنا فى مُدِّها وصاعها ، وانقلْ حُمَّاها إلى الجُحْفَة )) .
( بيانٌ ) (الإِذْخِرُ) بكسر الهمزة : حشيشٌ طيِّب الرائحة يُسْقَفُ به البيوت فوق الخشب ؛ واحدتها إذْخِرَة ، وهى تنبت فى الحُزُون والسهول ، وقلما تنبت الإذخرة منفردةً ، ولذا قال أبو كبيرٍ الهذلى :
وأخو الإِباءة إذا رأى خُلانَه
تلَّى شِفاعاً حوله كالإذخرِ
وفى حديث (( فتح مكَّة وتحريمها )) : (( فقال العباس : إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا )) . وإذا جفَّ الإذخرُ ابيضَّ ونوَّر .
و(( الجليل )) : الثُّمام ، وهو نبتٌ ضعيفٌ يُحشى به خَصاص البيوت ، والجمع جلائل ، قال الشاعر :
يلوذ بجَنْبىْ مَرْخَةٍ وجلائلِ
وذو الجليل : وادٍ لبنى تميمٍ يُنبتُ الجليلَ ، وهو الثُّمام .
و(( مَجَنَّة )) : موضعٌ بأعلى مكَّة على أميالٍ منها ، كانت من أسواق العرب فى الجاهلية .(1/14)
و(( شامة وطفيل )) : جبلان مشرفان على مجَنَة ، على مرحلتان أو أكثر من مكَّة فى جهة اليمن .
و(( الجحفة )) : قريةٌ بين مكَّة والمدينة ، سمِّيت بذلك لأن السيول أجْحَفَتْها ، وهى ميقاتُ أهلِ الشامِ ومصرَ والمغربِ . وكانت فى ذاك الوقت داراً لليهود ، فدعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بنقل وباء المدينة إليهم ، وفى روايةٍ للبخارى (( قدمنا المدينة وهى أوبأ أرض الله )) .
ــــــــ
= كالثور يحمى جلده بروقه
أخرجه هكذا الحميدى (223) . وللحديث طرق كثيرة ، وليس ذا موضع بسطها .
باب ذكر ما ورد فى إثم من كاد
أهل المدينة أو أرادهم بسوءٍ
(13)عن أبى هريرة قال : قال أبو القاسم صلَّى الله عليه وسلَّم : (( من أراد أهلَ هذه البلدةِ بسُوءٍ ـ يعنى المدينةَ ـ أذابَه اللهُ كما يذوبُ الملحُ فى الماءِ )) .
ــــــــ
(13) صحيح . أخرجه عبد الرازق (( المصنف ))(9/263/17154) ، وأحمد (2/309) ، ومسلم (9/157:156. نووى ) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة ))(29) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (4/50،49/3201،3202) جميعا من طريق ابن جريج أخبرنى عبد الله بن عبد الرحمن بن يُحَنَّس عن دينار أبى عبد الله القرَّاظ عن أبى هريرة به .
قلت : عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنَّس الحجازى أحد الثقات الذين احتج بهم مسلم فى (( صحيحه )) ، ووصفهم ابن حجر فى (( التقريب )) بقوله : (( مقبول )) ، وتمام عدَّة من على شاكلته ممن احتج بهم الشيخان فى (( الصحيحين )) : مائة وخمسة أنفسٍ من الثقات ، وقد ذكرتهم كلهم فى رسالةٍ سميتها (( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول )) ، وبيَّنت خطأ المتأخرين فى تفسير هذا المصطلح ، وتضعيفهم جملة من الأحاديث الصحيحة بناءاً على هذا الخطأ .(1/15)
وتابعه عمرو بن يحيى بن عمارة ، وموسى بن أبى عيسى أبو هارون ، ومحمد بن عمرو بن علقمة ، وأبو مودود الحنفى أربعتهم عن القرَّاظ .
أخرجه عبد الرزاق (9/264/17155) ، وأحمد (2/279) ، ومسلم (9/157) ، والجَنَدِى (30) ، وأبو نعيم (4/50/3203) ، والذهبى (( سير أعلام النبلاء ))(17/296) جميعاً من طريق ابن جريج أخبرنى عمرو بن يحيى بن عُمارة أنه سمع القرَّاظ عن أبى هريرة مثله.
وأخرجه الحميدى (1167) ، ومسلم (9/157) ، والجَنَدِى (26) ، وأبو نعيم (4/46/3191) ، وابن عبد البر (( التمهيد )) (21/24) جميعا من طريق سفيان بن عيينة عن أبى هارون موسى بن أبى عيسى عن القرَّاظ به ، إلا أنه قال (( أيما جبارٍ أراد أهل المدينة بسوءٍ أذابه اللَّه فى النَّار.. )) .
وأخرجه النسائى (( الكبرى ))(2/483/4268) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة ))(25) ، وأبو نعيم (( حلية الأولياء ))(9/42) جميعاً من طريق أبى مودود الحنفى عن القرَّاظ بنحوه .
وأخرجه أحمد (2/357) ، ومسلم (9/157) ، وابن حبان (3729) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (4/51/3204) جميعا من طريق محمد بن عمرو عن القرَّاظ بنحوه .
(14)عن سعد بن أبى وقاص قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( من أراد أهلَ المدينةِ بسُوءٍ أذابه اللهُ كما يذوبُ الملحُ فى الماءِ )) .
(15)عن سعدٍ قال : سمعتٌ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : (( لا يكيدُ أهلَ المدينةِ أحَدٌ إلا انماعَ كما ينماعُ الملحُ فى الماء )) .
(16)عن السائب بن خلاد عن النَّبىِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : (( من أخافَ أهلَ المدينةِ ظلماً أخافَه اللهُ ، وعليه لعنةُ اللَّهِ والملائكةِ والنَّاس أجمعين ، لا يقبلُ اللهُ منه صرفاً ولا عدلاً )) .
ــــــــ(1/16)
(14) صحيح . أخرجه أحمد (1/180) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(3/244/839) ، ومسلم ( 9/157) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/483/4267) ، والبزار (4/76/1243) ، والطبرانى (( الأوسط )) (9/42/9086) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(21/519) من طرق عن عمر بن نبيْهٍ الكعبى الخزاعى أخبرنى دينارٍ القرَّاظ سمعت سعداً به .
قلت : كلا الطريقين (( القرَّاظ عن أبى هريرة )) و (( القرَّاظ عن سعد بن أبى وقاص )) محفوظان .
عمر بن نُبيْهٍ الكعبى الخزاعى ، عداده فى أهل المدينة . فى (( الجرح والتعديل ))(6/138/757) : (( قال على ابن المدينى : سألت يحيى بن سعيد القطان عن عمر بن نبيه قال : لم يكن به بأس )) .
وذكره البخارى فى (( التاريخ الكبير ))(6/201/2170) فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/185/9585) .
(15) صحيح . أخرجه البخارى (1/322. سندى ) ، والخطيب (( التاريخ ))(11/335) ، والذهبى (( سير أعلام النبلاء ))(9/105) من طريق الفضل بن موسى السينانى عن الجعيد بن عبد الرحمن بن أوس عن عائشة بنت سعد عن أبيها .
قال الذهبى : (( هذا حديث صحيح غريب ، ولم يخرجه أحد من أرباب الكتب الستة سوى البخاري ، فرواه عن الثقة عن السيناني فوقع لنا بدلا عاليا ))
(16) صحيح . أخرجه أحمد (4/55،56) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/ 483/ 4265،4266) ، والحارث بن أبى أسامة (1/467/395. بغية الحارث) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/171/2152) وابن قانع (( معجم الصحابة ))(1/299) ، والطبرانى (( الكبير ))(7/143،144/6637:6631) ، وأبو نعيم (( حلية الأولياء ))(1/372) من طرق عن عطاء بن يسار عن السائب بن خلاد به .
باب بيان أنه لا يدخل المدينة
رعب الدجال ولا الطاعون(1/17)
(17)عن أبى هريرة قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( على أنقابِ المدينةِ ملائكةٌ ، لا يدخلُها الطاعونُ ولا الدجالُ )) .
(18)عن أبى بكرة عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ((لا يدخل المدينةَ رُعْبُ المسيحِ الدجالِ لها يومئذٍ سبْعةُ أبوابٍ على كلِّ بابٍ ملكان )) .
(19)عن أنس عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( ليسَ من بلدٍ إلا سيطؤُه الدجالُ إلا مكَّةَ والمدينةَ ، ليسَ له من نِقابها نقبٌ إلا عليه الملائكةُ صافِّين يحرسونها ، ثمَّ ترجفُ المدينةُ بأهلها ثلاثَ رجفاتٍ فيُخْرجُ اللَّهُ كلَّ كافرٍ ومنافقٍ )) .
ــــــــ
(17) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/88) ، والبخارى (1/322 و4/232) ، ومسلم (9/153. نووى ) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/485/4273 و4/363/7526) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة ))(15) ، وأبو عمرو الدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(6/1165/ 640) جميعاً من طريق مالك عن نعيم المجمِّر عن أبى هريرة به .
(18) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (( المصنف ))(6/406/32425 و7/492/37483) ، وأحمد (5/43،47) ، والبخارى (1/322 و4/231) ، وابن حبان (3723) ، والحاكم (4/542) ، وأبو عمرو الدانى (( السنن الواردة فى الفتن )) (6/1166/641) جميعاً من طرق عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبى بكرة به .
(19) صحيح . أخرجه البخارى (1/322) ، ومسلم (18/85) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/485/4274) والفاكهى (( أخبار مكة ))(2/263/1481، 1483) ، وابن حبان (6765) ، وأبو عمرو الدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(6/1163/638) جميعاً من طريق أبى عمرو الأوزاعى حدثنا إسحاق بن عبد الله عن أنس ابن مالك به .(1/18)
(20)عن أبى سعيدٍ الخدرى قال : حدَّثنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حديثاً طويلاً عن الدجال ، فكان فيما حدَّثنا به أن قال : (( يأتى الدجالُ ، وهو محرمٌ عليه أن يدخلَ نقابَ المدينةِ ، بعضَ السباخ التى بالمدينة ، فيخرجُ عليه يومئذٍ رجلٌ هو خير النَّاس أو من خير النَّاس ، فيقول : أشهد أنَّك الدجالُ الَّذى حدَّثنا عنك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حديثه ، فيقول الدجالُ : أرأيتَم إنْ قتلتُ هذا ثمَّ أحييتُهُ ؛ هل تشكُّون فى الأمر ؟ ، فيقولون : لا ، فيقتُلُهُ ثمَّ يحْييه فيقولُ حين يحْييه : والله ما كنتُ قطُّ أشدَّ بصيرةً منِّى اليوم ، فيقول الدجال : أقتله ، فلا يُسلِّطُ عليه )) .
(21)عن فاطمة بنت قيسٍ قالت : صليتُ مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فكنتُ فى صفِّ النساء الَّتى تلى ظهور القوم ، فلمَّا قضى صلاتَه جلس على المنبر ، وهو يضحك ، فقال : (( ليلزمْ كلُّ إنسانٍ مصلاه )) ، ثمَّ قال : (( أتدرون لم جمعتكم )) ، قالوا : اللهُ ورسولُه أعلم قال : (( إنَّى والله ما جمعتكم لرغبةٍ ولا لرهبةٍ ، ولكنْ جمعتكم لأنَّ تميماً الدارىَّ كان رجلاً نصرانياً ، فجاء فبايع وأسلم ، وحدَّثنى حديثاً وافق الذى كنتُ أحدِّثكم عن مسيح الدجال .
حدَّثنى أنَّه ركبَ فى سفينةٍ بحريةٍ مع ثلاثين رجلاً من لخمٍ وجذامٍ ، فلعب بهم الموجُ شهراً فى البحرِ ، ثمَّ أرفؤا إلى جزيرةٍ فى البحر حتَّى مغرب الشمس ، واقتصَ الحديث إلى أن قال : ــــــــ(1/19)
(20) صحيح . أخرجه عبد الرزاق (( جامع معمر بن راشد ))(11/393/ 20824) ، وأحمد (3/36) ، والبخارى (1/322 و4/232) ، ومسلم (18/ 72:71) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/485/4275) ، وابن أبى عاصم (( كتاب السنة ))(390) ، وابن حبان (3334) ، وابن منده (( كتاب الإيمان )) (2/937/1028) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة ))(2/575) من طرق عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبى سعيد به .
(21) صحيح . أخرجه مسلم (18/83:78. نووى) ، وأبو داود (4326) ، والطبرانى (24/390/958) وابن منده (( كتاب الإيمان ))(2/952/1058) ، وأبو عمرو الدانى (( السنن الواردة فى الفتن )) (6/1148/626) ، والأصبهانى (( دلائل النبوة ))(52) جميعا من طريق حسين بن ذكوان المعلم حدثنى ابن بريدة حدثنى عامر الشعبى عن فاطمة به .
قلت : تابعه عن الشعبى جماعة : قتادة ، وأبو الأشهب جعفر بن حيان العطاردى ، وسيار أبو الحكم ، وزياد بن كليب أبو معشر ، وأبو الزناد ، وداود بن أبى هند ، وسليمان الشيبانى ، وأبو بكر بن أبى الجهم ، وغيلان ابن جرير ، وعمارة بن غزية ، ومجالد بن سعيد الهمدانى ، وعمران بن سليمان القيسى ، وسعد الإسكاف . وتخريج هذا الحديث على الاستيفاء والاستقصاء مما يحتاج إلى جزءٍ خاص .
(( وإنِّى مُخْبرُكُمْ عنِّى ، إنِّى أنا المسيح ، وإنِّى أوشكُ أن يُؤذنَ لى فى الخروج ، فأخرجُ فى الأرض ، فلا أدعُ قريةً إلا هبطتُها فى أربعين ليلةً غير مكَّة وطَيْبَة ، فهما محرمتان علىَّ كلتاهما ، كلما أردتُ أن أدخل واحدةً منهما استقبلنى مَلَكٌ بيده السيفُ صَلْتاً ، يصدُّنى عنها ، وإنَّ على كلِّ نقبٍ منها ملائكةٌ يحرسونها )) .
قالت : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وطعن بمخصرته فى المنبر ـ : (( هذه طيْبَةُ . هذه طيْبَةُ . هذه طيْبَةُ ـ يعنى المدينة ـ )) .(1/20)
(22)عن أبى هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( يأتى المسيحُ من قبل المشرق همَّتُه المدينة حتَّى ينزل دُبُر أحد ثمَّ تصرفُ الملائكةُ وجهَهُ قِبَلَ الشَّامِ )) .
باب بيان أن الإيمان فى آخر الزمان يأرز إلى المدينة
(23)عن أبى هريرة أن رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( إن الإيمانَ ليأرزُ إلى المدينة كما تأرزُ الحيَّةُ إلى جُحْرِها )) .
(24)عن سعد بن أبى وقاص سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : (( إنَّ الإسلامَ بدأ غريباً ، وسيعودُ غريباً كما بدأ ، فطوبى للغُرباء إذا فسد النَّاسُ . والَّذى نفسى بيده إنَّ الإيمانَ ليأرزُ إلى المدينة كما تأرز الحيَّةُ إلى جُحْرِها )) .
ــــــــ
(22) صحيح . أخرجه أحمد (2/397) ، ومسلم (9/153) ، وأبو يعلى (11/346/6459) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/47/3194) جميعاً عن إسماعيل بن جعفر أخبرنى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة به .
(23) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (6/406/32429) ، وأحمد (2/286، 422،496) ، والبخارى (1/322:321) ، ومسلم (2/176) ، وابن ماجه (3111) ، والجَنَدى (( فضائل المدينة ))(24) ، وأبو عوانة (( المسند ))(1/95) ، وابن حبان (3720 ،3721) ، وابن منده (( الإيمان ))(2/519/ 420) ، وأبو نعيم (( المستخرج ))(1/212/371) جميعا من طريق خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة .
(24) صحيح . أخرجه أحمد (1/184) ، والدورقى (( مسند سعد ))(92) ، وأبو يعلى (2/99/756) ، وابن منده (( الإيمان ))(2/521/424) ، وأبو عمرو الدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(3/635/290) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(3/262/1067) جميعا من طريق أبى صخر حميد بن زياد عن أبى حازم المدنى عن عامر بن سعد عن سعد به .(1/21)
(25)عن ابن عمر قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إنَّ الإسلامَ بدأ غريباً ، وسيعودُ غريباً كما بدأ ، وهو يأرزُ بين المسجدين كما تأرزُ الحيَّة إلى جحرها )) .
( بيان ) قوله ( يأرز ) : هو بياءٍ مثناة من تحت بعدها همزة ثم راء مكسورة ثم زاى معجمة ، هذا هو المشهور ، وحكاه صاحب (( مطالع الأنوار )) عن أكثر الرواة . قال :
(( ومعناه ينضم ويجتمع ، هذا هو المشهور عند أهل اللغة والغريب )) اهـ .
باب بيان بأن تمر المدينة شفاءٌ من السِّحر والسّم
(26)عن عائشة أن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( فى عجوة العالية شفاءٌ ، وإنَّها ترياقٌ أول البكرة )) .
(27)عن سعد بن أبى وقاص أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( من أكلَ سَبْعَ تمَراتٍ مما بين لابتى المدينة حين يُصْبَحُ ، لَمْ يضرُه سمٌّ )) .
ـــــــــ
(25) صحيح . أخرجه مسلم (2/176) ، وابن منده (( الإيمان ))(2/520/ 421) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(1/212/372) ، والبيهقى (( الزهد الكبير ))(2/115/201) ، وابن حزم (( الإحكام فى أصول الأحكام ))(6/287) جميعا من طريق عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر .
(26) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (5/37/23480) ، وأحمد (77،105،152) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(2/534/1117) ، ومسلم (14/3. نووى ) ، والنسائى (( الكبرى ))(4/165/6714) ، وأبو عوانة (( المسند المستخرج ))(5/190/8344) من طرق عن شريك بن أبى نمر عن عبد الله بن أبى عتيق عن عائشة به .(1/22)
(27) صحيح . أخرجه مسلم (14/2) ، والدورقى (( مسند سعد ))(37) ، وأبو يعلى (2/120/786) ، وأبو عوانة (( المسند ))(5/189/8340، 8341) ، وأبو الشيخ (( طبقات المحدثين بأصبهان ))(3/282) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(5/86/5875) جميعا من طريق أبى طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن عامر ابن سعد عن أبيه .
(28)عن سعد قال : سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول : (( من تصبَّحَ بسَبْعِ تمراتٍ عجوةً لم يضرُّه ذلك اليوم سمٌّ ولا سحرٌ )) .
( بيانٌ ) (العالية) ما كان من المدينة مما يلى نجداً ، والسافلة ما كان منها مما يلى تهامة ، وأدنى العالية ثلاثة أميال ، وأبعدها ثمانية أميالٍ من المدينة . وفى هذه الأحاديث فضيلة التصبح بسبع تمراتٍ عجوة من تمر العالية ، وأنها شفاءٌ من السم والسحر ، وتخصيص عدد التمرات ونوعها من الأمور المتلقاة بالسمع وإعلام الشارع ، فيجب الإيمان بها وإن لم يُعلم علتُها (( والله يختص برحمته من يشاء )) .
وفى (( الطب النبوي ))(1/75) لابن القيِّم : (( فصل في هديه صلَّى الله عليه وسلَّم في علاج المفؤود . روى أبو داود في (( سننه )) من حديث مجاهد عن سعدٍ قال : (( مرضت مرضاً ، فأتاني رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعودني ، فوضع يده بين ثديي ، حتَّى وجدت بردَها على فؤادي ، وقال لي : إنك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلدة من ثقيف ، فإنَّه رجل يتطبب ، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة ، فليجأهن بنواهن ، ثم ليلدك بهن )) .(1/23)
المفؤود : الذي أصيب فؤاده فهو يشتكيه ؛ كالمبطون الذي يشتكي بطنه . واللدود : ما يسقاه الإنسان من أحد جانبي الفم . وفي التمر خاصية عجيبة لهذا الداء ، ولا سيما تمر المدينة ولا سيما العجوة منه ، وفي كونها سبعاً خاصية أخرى تدرك بالوحي . وفي (( الصحيحين )) من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر )) .
وفي لفظ : (( من أكل سبع تمرات مما بين لا بتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي )) .
والتمر حار في الثانية ، يابس في الأولى ، وقيل رطب فيها ، وقيل معتدل ، وهو غذاء فاضل حافظ للصحة لا سيما لمن اعتاد الغذاء به كأهل المدينة وغيرهم ، وهو من أفضل الأغذية في البلاد الباردة ، والحارة التى حرارتها في الدرجة الثانية ، وهو لهم أنفع منه لأهل ـــــــــ
(28) صحيح . أخرجه الحميدى (70) ، وابن أبى شيبة (5/36/23477) ، وأحمد (1/181) والدورقى (( مسند سعد ))(28) ، والبخارى (3/21 و4/21،2. سندى) ، ومسلم (14/2) ، وأبو داود (3876) ، والنسائى (( الكبرى ))(4/165/6713) ، وأبو يعلى (2/120/787) ، وأبو عوانة (( المسند )) (5/190/8342،8343) ، والبيهقى (9/345) جميعا من طريق هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبى وقاص به .(1/24)
البلاد الباردة ، ولذلك يكثر أهل الحجاز واليمن والطائف وما يليهم من البلاد المشابهة لها من الأغذية الحارة ؛ مالا يتأتى لغيرهم كالتمر والعسل ، وشاهدناهم يضعون في أطعمتهم من الفلفل والزنجبيل فوق ما يضعه غيرهم ؛ نحوعشرة أضعاف أو أكثر ، ويأكلون الزنجبيل كما يأكل غيرهم الحلوى ، ولقد شاهدت من يتنقل به منهم كما يتنقل بالنُّقل ، ويوافقهم ذلك ولا يضرهم ، لبرودة أجوافهم ، وخروج الحرارة إلى ظاهر الجسد . وأما أهل المدينة ، فالتمر لهم يكاد أن يكون بمنزلة الحنطة لغيرهم ، وهو قوتهم ومادتهم . وتمر العالية من أجود أصناف تمرهم ، فإنه متين الجسم .. لذيذ الطعم .. صادق الحلاوة . والتمر يدخل في الأغذية والأدوية والفاكهة ، وهو يوافق أكثر الأبدان ، مقو للحار الغريزي ، ولا يتولد عنه من الفضلات الرديئة ما يتولد عن غيره من الأغذية والفاكهة ، بل يمنع لمن اعتاده من تعفن الأخلاط وفسادها .
وهذا الحديث من الخطاب الذي أريد به الخاص كأهل المدينة ومن جاورهم ، ولا ريب أن للأمكنة اختصاصاً ينفع كثير من الأدوية في ذلك المكان دون غيره ، فيكون الدواء الذي قد نبت في هذا المكان نافعا من الداء ، ولا يوجد فيه ذلك النفع إذا نبت في مكان غيره لتأثير نفس التربة أو الهواء أو هما جميعاً ، فإن للأرض خواص وطبائع يقارب اختلافها اختلاف طبائع الإنسان ، وكثير من النبات يكون في بعض البلاد غذاء مأكولاً ، وفي بعضها سماً قاتلاً ورب أدوية لقوم أغذية لآخرين ، وأدوية لقوم من أمراض هي أدوية لآخرين فى أمراضٍ سواها ، وأدوية لأهل بلاد لا تناسب غيرهم ولا تنفعهم .(1/25)
وأما خاصية السبع ، فإنها قد وقعت قدراً وشرعاً ، فخلق اللَّه عزَّ وجلَّ السموات سبعاً ، والأرضين سبعاً ، والأيام سبعاً ، والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار ، وشرع اللَّه لعباده الطواف سبعاً ، والسعي بين الصفا والمروة سبعاً ، ورمي الجمار سبعاً سبعاً ، وتكبيرات العيدين سبعاً في الأولى ، وقال صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : (( مروه بالصلاة لسبعٍ )) ، (( وإذا صار للغلام سبع سنين خير بين أبويه )) ، وفي راوية أخرى (( أبوه أحق به من أمة )) ، وفي ثالثه (( أمه أحق به )) ، وأمر النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في مرضه (( أن يُصب عليه من سبع قرب )) ، وسخر الله الريح على قوم عادٍ سبع ليالٍ ، ودعا النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يعينه اللَّه على قومه بسبعٍ كسبع يوسف ، ومثَّل الله سبحانه ما يضاعف به صدقه المتصدق بحبةٍ أنبتت سبعَ سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعاً ، والسنين التي زرعوها دأباً سبعاً ، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرة ، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حسابٍ سبعون ألفا . فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره ، والسبعة جمعت معاني العد كله وخواصه ، فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان ، والوتر كذلك ، فهذه أربع مراتب : شفع أول وثان ، ووتر أول وثان ، ولا تجتمع هذه المراتب في أقل من سبعة ، وهي عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة ، أعنى الشفع والوتر والأوائل والثواني . وللأطباء اعتناء عظيم بالسبعة ، ولا سيما في البحارين ، وقد قال أبقراط : كل شي في هذا العالم فهو مقدر على سبعة أجزاء ، والنجوم سبعة ، والأيام سبعة ، وأسنان الناس سبعة : أولها طفل إلى سبع ، ثم صبي إلى أربع عشرة ، ثم مراهق ، ثم شاب كهل ، ثم شيخ ، ثم هرم إلى منتهى العمر . والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقدره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره ، ونفع هذا العدد(1/26)
من هذا التمر من هذا البلد من هذه البقعة بعينها من السم والسحر ؛ بحيث تمنع أصابته من الخواص التي لو قالها أبقراط وجالينوس وغيرهما من الأطباء ، لتلقاها عنهم الأطباء بالقبول والإذعان والإنقياد مع أن القائل إنما معه الحدس والتخمين والظن ، فمن كلامه كله يقين وبرهان ووحي أولى أن تُتلقى أقواله بالقبول والتسليم ، وترك الاعتراض !! )) اهـ .
قلت : لقد كان حرياً بالعلامة ابن القيِّم ألا يخوض غمرة التخصيص بالعدد سبع بمثل هذا التمثيل ، (( فلا تضربوا لله الأمثال إنَّ الله يعلم وأنتم لا تعلمون )) ، فكذلك خواص العدد واحد واثنين وثلاثة وخمسة وغيرها ، قد وقعت قدراً وشرعاً ، وتعلَّق بكل عددٍ منها ما لا يُحصى من المنافع المقسومة ، وقُل ذلك إن شئت فى العدد واحد ، فإنَّك لن تُحصى لها عدداً ، ولن تبلغ بخواصه أمداً !! . وسوف تقنع أن الحكمة الشرعية فى تخصيص كل أمرٍ قدرى بعددٍ ما ؛ ليست موقوفة على هذه المعانى ، وإن جامعتها قدراً وشرعاً ! وثمة أمرٍ آخر، وهو إدعاء اختصاص أهل المدينة ومن شابههم بالانتفاع بالتمر فى علاج السم والسحر ، وليس فى الحديث ولا فى واقع الأمر ما يدل على اختصاصهم وانتفاعهم وحدهم بهذا ، وما مثاله إلا كما صحَّ من قول الصادق المصدوق (( لقد حجبتها عن ناسٍ كثيرٍ )) ، بل لقد عاينَّا من تأثير التصبِّح بتمر العالية على الريق فى علاج المسحورين فى البلدان الباردة ، بل والشديدة البرودة ؛ ما اللَّه مؤيِّدٌ به شرعَه ومصدِّقٌ عليه رسولَه ؛ الذى لا ينطق عن الهوى ، (( إن هو إلا وحىٌّ يُوحى )) والله أعلم(1) .
ـــــــــ
(1) أطلت الكلام فى هذا المعنى فى رسالةٍ لطيفةٍ سميتها (( كشف المستور عن منافع الألبان والتمور )) .
باب إثبات الشفاعة لمن يصبر على جهد المدينة
ومن يموت بها من أمَّة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم(1/27)
(29)عن أبى هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( لا يصبرُ على لأواء المدينة وشدَّتِها أحدٌ من أمَّتى إلا كنتُ له شفيعاً يوم القيامة أو شهيداً )) .
(30)عن يُحَنَّسَ مولى الزبير أنَّه كان جالساً عند ابن عمر فى الفتنة ، فأتته مولاةٌ له تسلِّمُ عليه ، فقالت : إنِّى أردتُ الخروج يا أبا عبد الرحمن ، اشتدَّ علينا الزمان ، فقال لها عبد الله : اقْعُدى لَكَاعِ ، فإنِّى سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : (( لا يصبرُ على لأوائها وشدَّتِها أحدٌ إلا كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة )) .
ــــــــ
(29) صحيح . أخرجه أحمد (2/397) ، ومسلم (9/152) ، وأبو يعلى (11/372/6487) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/46/3190) جميعا من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة به .
تابعه عن أبى هريرة : أبو صالح السمان ، وأبو عبد الله دينارالقراظ .
أخرجه أحمد (2/287،343)، والبخارى (( التاريخ الكبير))(4/283/2825)، ومسلم (9/152) والترمذى (3924) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة ))(33) ، وابن حبان (( الثقات ))(6/460/8586) ، وأبو نعيم (( المستخرج ))(4/47/3192) ، والمزى(( تهذيب الكمال )) (13/57) جميعا من طريق هشام بن عروة عن صالح بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة .
وأخرجه الحميدى (1167) ، مسلم (9/152) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة))(26) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/46/3191) ، وابن عبد البر(( التمهيد ))(21/24) جميعا من طريق سفيان بن عيينة عن موسى ابن أبى عيسى عن أبى عبد اللَّه القراظ عن أبى هريرة .(1/28)
(30) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/83) ، وأحمد (2/113،119،133) والبخارى (( التاريخ الكبير ))(7/190/844) ، ومسلم (9/151) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/487/4281) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة ))(32) ، وأبو يعلى (10/167/5790) ، وابن حبان (3731) ، والطبرانى (( الكبير ))(12/347/13307) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/45/3188) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(21/22،25) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(23/622) جميعاً من طريق مالك بن أنس عن قطن ابن وهب بن عمير بن الأجدع عن يحنَّس مولى الزبير عن ابن عمر به .
قلت : ليس لقطن بن وهب الليثى المدنى فى (( الكتب الستة )) غير هذا الحديث الذى خرَّجه مسلم .
(31)عن أفلح مولى أبى أيوب أنَّه مرَّ بزيد بن ثابتٍ وأبى أيوبٍ ، وهما قاعدان عند مسجد الجنائز ، فقال أحدُهما لصاحبه : تذكر حديثاً حدَّثناه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فى هذا المجلس الَّذى نحن فيه ؟ قال : نعم عن المدينة ، سمعته وهو يقول : (( سيأتى على النَّاس زمانٌ يُفْتحُ فيه فتحات الأرض ، فيخرجُ إليها رجالٌ يصيبون رخاءً وعيشاً وطعاماً ، فيمرون على إخوانٍ لهم حُجاجاً أو عُمَّاراً ، فيقولون : ما يقيمُكُم فى لأواء العيش وشدَّة الجوع )) .
قال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : (( فذاهبٌ وقاعدٌ )) حتَّى قالها مراراً (( والمدينةُ خيرٌ لهم . لا يثبُتُ بها أحدٌ ، فيصبرُ على لأوائها وشدَّتِها حتَّى يموتَ إلا كُنتُ له يومَ القيامةِ شهيداً أو شفيعاً )) .(1/29)
(32)عن سفيان بن أبى زهيرٍ قال : سمعتُ رسولُ اللَّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم يقول : (( يُفتحُ اليمنُ ، فيأتى قومٌ يبِسُّون ، فيتحمَّلون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خيرٌ لهم لو كان يعلمون ويُفتحُ الشَّامُ ، فيأتى قومٌ يبِسُّون ، فيتحمَّلون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون ، ويُفتحُ العراقُ ، فيأتى قومٌ يبِسُّون ، فيتحمَّلون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون )) .
ــــــــ
(31) صحيح . أخرجه الطبرانى (( الكبير ))(4/153/3985) قال : حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب ثنا علي بن المديني ثنا عاصم بن عبد العزيز الأشجعي ثنا سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن واقد بن عمرو ابن سعد بن معاذ عن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري أنه مر بزيد بن ثابت وأبي أيوب فذكره .
قلت : هذا إسناد مدنى رجاله ثقات كلهم غير عاصم بن عبد العزيز الأشجعى ، وقد وثق .
قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(6/348/1919) : (( عاصم بن عبد العزيز الأشجعي أبو عبد الرحمن روى عن : أبى سهيل بن مالك ، والحارث بن أبى ذباب . روى عنه : معن بن عيسى ، وأبو إسحاق الطالقاني ، وأبو موسى الخطمي. قال : سمعت أبى يقول ذلك . حدثني أبى نا إسحاق بن موسى الخطمي قال : سألت معن بن عيسى عن عاصم بن عبد العزيز الأشجعي فقال : اكتب عنه ، وأثنى عليه خيرا )) .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(8/505/14698) .(1/30)
(32) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/85) ، وعبد الرزاق (9/265/17159) ، وأحمد (5/220) ، والبخارى (1/321) ، ومسلم (9/158،159) ، والنسائى (( الكبرى )) (2/482/4263،4264) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة ))(36) ، وابن حبان (6638) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(1/313) ، وأبو عمرو الدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(4/879/453) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(11/147) جميعا من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن ابن أبى زهير به .
( بيان ) قوله (( يَبِسُّون )) : بفتح المثناة التحتية ثمَّ باء موحدة تضم وتكسر ، وروى بضم التحتية وكسر الموحدة ، قال أبو عبيد : يسوقون ، والبسُّ سوق الأبل ، وقيل : يدعون النَّاس إلى بلاد الخصب ، وقيل : يزينون للناس البلاد المفتوحة ويدعونهم إلى الرحيل إليها .
قال أبو زكريا النووى : (( والصواب أنه الإخبار عمن خرج من المدينة متحمِّلاً بأهله باسَّاً فى سيره مسرعاً إلى الرخاء فى الأمصار التى فُتحت )) .
(33)عن محجن بن الأدرع قال : بعثني رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لحاجةٍ ، ثم عرض لي وأنا خارجٌ من طريق المدينة ، فأخذ بيدي فانطلقنا حتَّى صعدنا إلى أحدٍ ، فأقبل على المدينة ، فقال : (( ويل أمِّها قرية يدعها أهلها كأينع ما يكون )) قلت : يا نبي الله ! من يأكل ثمرها ؟ ، قال : (( عافية الطير والسباع ، ولا يدخلها الدجال ، كلما أراد أن يدخلها تلقاه بكل نقبٍ من أنقابها مَلَكٌ مُصلِتٌ )) ، ثم أقبل حتى إذا كان بباب المسجد إذا رجل يصلِّي ، فقال : أيقوله صادقاً !، قلت : يا نبيَّ اللَّه، هذا فلانٌ ، هذا أكثر أهل المدينة صلاة ، قال : لا تسمعه فتهلكه )) .
ــــــــ(1/31)
(33) صحيح . أخرجه أحمد (5/32) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(1/165/614) ، والطبرانى (( الكبير ))(20/297/706) و(( الأوسط ))(3/60/2476) ، والحاكم (4/427) ، وأبو نعيم (( حلية الأولياء ))(6/214) جميعاً من طريق كهمس بن الحسن عن عبد اللَّه بن شقيق العقيلى عن محجن بن الأدرع به .
وخالف أبو بشر جعفر بن أبى وحشية كهمساً ، فرواه (( عن عبد الله بن شقيق عن رجاء بن أبى رجاء الباهلى عن محجن )) ، فزاد فى إسناده رجاء ، والأول أشبه بالصواب .
أخرجه هكذا ابن أبى شيبة (7/492/37484) ، وأحمد (4/338 و5/32) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة )) (1/165/613) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/349/2383) ، والطبرانى (( الكبير )) (20/297/705) جميعا من طريق شعبة ، والطيالسى (1295) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد )) (4/350/2384) ، والطبرانى (( الكبير ))(20/296/704) ثلاثتهم من طريق أبى عوانة ، كلاهما ـ شعبة وأبو عوانة ـ عن أبى بشر عن عبد الله بن شقيق عن رجاء الباهلى عن محجن بن الأدرع به نحوه .
وقد أطلت فى بيان علته فى (( ترجمان الأفذاذ ببيان الأحاديث الشواذ )) .
( بيان ) قال الحافظ فى (( فتح الباري ))(4/90) : (( قال القرطبي تبعا لعياض : وقد وجد ذلك حيث صارت معدن الخلافة ومقصد الناس وملجأهم ، وحملت إليها خيرات الأرض ، وصارت من أعمر البلاد ، فلما انتقلت الخلافة عنها إلى الشام ، ثم إلى العراق ، وتغلبت عليها الأعراب ، تعاورتها الفتن وخلت من أهلها ، فقصدتها عوافى الطير والسباع .
والعوافي : جمع عافية ، وهي التي تطلب أقواتها ، ويقال للذكر : عاف . قال ابن الجوزي : اجتمع في العوافى شيآن : أحدهما أنها طالبة لأقواتها من قولك : عفوت فلانا أعفوه فأنا عاف ، والجمع عفاة : أي أتيت أطلب معروفه . والثاني من العفاء وهو الموضع الخالي الذي لا أنيس به ، فإن الطير والوحش تقصده لأمنها على نفسها فيه .(1/32)
وقال النووي : المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ، ويؤيده قصة الراعيين ، فقد وقع عند مسلم بلفظ (( ثم يحشر راعيان )) ، وفي البخاري (( أنهما آخر من يحشر )) . قلت : ويؤيده ما روى مالك عن ابن حماس ـ بمهملتين وتخفيف ـ عن عمه عن أبي هريرة رفعه (( لتتركن المدينة على أحسن ما كانت ، حتَّى يدخل الذئب فيعوي على بعض سواري المسجد أو على المنبر، قالوا : فلمن تكون ثمارها ؟ قال : للعوافى الطير والسباع )) أخرجه معن بن عيسى في (( الموطأ )) عن مالك ، ورواه جماعة من الثقات خارج الموطأ ، ويشهد له أيضا ما روى أحمد والحاكم وغيرهما من حديث محجن بن الأدرع الأسلمي قال :(( بعثني النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم لحاجةٍ ، ثم لقيني وأنا خارج من بعض طرق المدينة ، فأخذ بيدي حتَّى أتينا أحداً ، ثم أقبل على المدينة ، فقال : ويل أمها قرية ، يوم يدعها أهلها كأينع ما يكون ، قلت : يا رسول الله ! من يأكل ثمرها ؟ ، قال : عافية الطير والسباع )) ، وروى عمر بن شبة بإسناد صحيحٍ عن عوف بن مالك قال : (( دخل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم المسجد ، ثم نظر إلينا ، فقال : أما والله ، ليدعنها أهلها مذللة أربعين عاماً للعوافي . أتدرون ما العوافى ؟! ، الطير والسباع )) . قلت : وهذا لم يقع قطعاً )) اهـ .
(34)عن عوف بن مالك الأشجعي : أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرج عليهم ، وقِنَاءٌ معلقةٌ ، وقنوٌ منها حَشَفٌ ، ومعه عصا ، فطعن بالعصا في القنو ، وقال : (( لو شاء ربُّ هذه الصدقة تصدَّق بأطيب منها ، إن صاحب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة )) ، ثم أقبل علينا فقال : (( أما والله يا أهل المدينة ! لتدعُنَّها مذللةً أربعين عاماً للعوافي )) ، قلنا : الله ورسوله أعلم ، ثم قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( أتدرون ما العوافي )) ، قالوا : لا ، قال : (( الطير والسباع )) .(1/33)
( بيان ) قوله (( لتدعُنَّها مذللةً )) ، قال العلامة ابن الأثير فى (( النهاية في غريب الحديث )) (2/166) : (( فى الحديث (( يتركُون المدينة على خير ما كانت مُذَلَّلة ، لا يَغْشاها إلا العَوَافي )) ؛ أي ثِمَارُها دانيةٌ سَهلةُ المُتَنَاوَل ُمخلاَّة غير مَحْمِيَّةٍ ولا مَمْنُوعةٍ على أحسن أحوالها ، وقيل : أراد أنّ المّدِينة تَكونُ مُخلاَّة ، خالِية من السُّكَّان لا يَغْشَاها إلا الوُحُوش ، ومنه الحديث (( اللهم اسْقنا ذُلُلَ السَّحاب )) ؛ هو الذى لا رَعْد فيه ولا بَرْق ، وهو جمع ذَلُول من الذِل ـ بالكسر ـ ضدّ الصَّعْب ، ومنه حديث ذِي القَرْنين (( أنه خُيِّر في ركوبه بين ذُلُل السَّحاب وصِعابه ، فاختار ذلُله )) ، ومنه حديث عبد الله (( ما من شيءٍ من كتاب الله إلا وقد جاء على أذلاَلِه )) ، أي على وجُوهِه وطرُقه ، وهو جمع ذِلٍّ ـ بالكسر ـ ، يقال : ركبُوا ذِلَ الطَّريق ، وهو ما مُهِّد منه وذُلِّل ، ومنه خطبة زياد (( إذا رأيتمُوني أُنْفذ فيكم الأمر فأنْفِذُوه على أذْلاله )) .
وفي حديث ابن الزبير (( بعض الذُّلِّ أبْقَى للأَهْلِ والمال )) ؛ معناه أَن الرجل إِذا أَصابته خُطَّة ضَيْم يناله فيها ذُلٌّ ، فصبَر عليها ، كان أَبْقَى له ولأَهله وماله ، فإِذا لم يصبر ومَرَّ فيها طالباً للعزِّ، غَرَّر بنفسه وأَهله وماله ، وربما كان ذلك سبباً لهلاكه )) اهـ . ــــــــ
(34) حسن . أخرجه عمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(1/170/634) ، والرويانى (1/389/591) ، والحاكم (2/285و4/425) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/136) جميعاً من طريق عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبى عريب عن كثير بن مرة الحضرمى عن عوف بن مالك به مطولاً .(1/34)
وأخرجه بذكر قصة قنو الحشف والدعاء على صاحبه ، أحمد (6/28) ، وأبو داود (1608) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/23/2272) و(( المجتبى ))(5/43) ، وابن ماجه (1821) ، والبزار (7/190،193/2759،2763) ، وابن خزيمة (4/109/2467) ، والرويانى (1/388/590) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(6/85) ، والمزى (13/73) جميعا من طريق عبد الحميد بن جعفر به مختصراً .
(35)عن عمر بن الخطاب قال : (( اللهمَّ ارزُقْنى شهادةً فى سبيلك ، واجعلْ موتى فى بلد رسولك )) .
ـــــــــ
= قال أبو عبد الله الحاكم : (( صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) .
قلت : هذا حديث صالح الإسناد ، رجاله موثقون . وعبد الحميد بن جعفر الأنصارى صدوق ربما أخطأ . وثَّقه ابن معين ، وقال ابن عدى : أرجو أنه لا بأس به وهو ممن يكتب حديثه . وذكره ابن حبان فى (( الثقات )) (7/122/9277) . وكان يحيى القطان يضعفه ، وسفيان الثورى يحمل عليه . وقال أبو حاتم : لا يحتج به .
وقد احتج به مسلم فى (( الصحيح )) .
وأما صالح بن أبى عريب ، فقد ذكره ابن أبى حاتم ((4/410/1804) ولم يذكر فيه جرحا أو تعديلا . وذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات ))(6/457/8570) . وقال الذهبى (( الكاشف ))(1/497/2355) : (( صالح بن أبى عريب الحضرمي . عن كثير بن مرة ، وخلاد بن سائب . وعنه : الليث وابن لهيعة . ثقة )) . (35) صحيح . أخرجه البخارى (1/323. سندى ) ، ومن طريقه الذهبى (( معجم المحدثين ))(1/258) من طريق الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضى الله عنه .
وذكر البخارى الاختلاف عليه ، ورجَّح هذا الوجه وصحَّحه .
أبواب تحريم المدينة(1/35)
(1) باب ذكر البيان بأن رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حرَّم المدينة كما حرَّم إبراهيمُ مكَّة .
(2) باب ذكر الأخبار المفسِّرة للتحريم بألا يهراق فيها دمٌّ ، ولا يُحمل فيها سلاحٌ ، ولا يصاد صيدها ، ولا يختلى خلاها .
(3) باب ذكر بيان حدود حرم المدينة .
(4) باب ذكر إثم من أحدث فى المدينة حدثاً أو آوى محدثاً .
(5) باب ذكر بيان ما ورد فى سلب من قطع من شجر المدينة أو أصاب فيها صيداً .
أبواب تحريم المدينة
باب بيان أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
حرَّم المدينة كما حرَّم إبراهيم عليه السلام مكَّة
(36)عن عبد الله بن زيد بن عاصم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( إنَّ إبراهيم حرَّم مكَّة ودعا لأهلها ، وإنِّى حرَّمتُ المدينة كما حرَّم إبراهيمُ مكَّة ، وإنِّى دعوتُ فى صاعِها ومدِّها بمِثلىْ ما دعا به إبراهيمُ لأهلِ مكَّة )) .
(37)عن أنس بن مالكٍ أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم طلع له أحدٌ ، فقال : (( هذا جبلٌ يحبُّنا ونحبُّه ، اللهمَّ إنَّ إبراهيمَ حرَّمَ مكَّة ، وأنا أحرِّمُ ما بين لابتيها )) .
(38)عن رافع بن خَديجٍ قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إنَّ إبراهيمَ حرَّم مكَّةَ ، وإنِّى أحرِّمُ ما بين لابتيها )) .
(39)عن نافع بن جبير أنَّ مروان بن الحكم خطب النَّاس ، فذكر مكَّةَ وأهلها وحُرمتها ، ولم
ــــــــــ
(36) صحيح . أخرجه البخارى ( 2 /15. سندى) ، ومسلم (9/134،135) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/192) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/36/3161،3162) ، والبيهقى (( الكبرى )) (5/197) من طرق عن عمرو بن يحيى المازنى عن عبَّاد بن تميم عن عمِّه عبد الله بن زيد بن عاصم المازنى به .(1/36)
(37) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى الليثى (( الموطأ ))(3/86) ، وأحمد (3/149) ، والبخارى (2/239 و 3/27 و 4/266) ، والترمذى (3922) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/193) ، وأبو يعلى (6/369/3702) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/197) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(2/318) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(20/176) جميعاً من طريق مالك بن أنس عن عمرو بن أبى عمرو مولى المطلِّب عن أنس بن مالك به .
(38) صحيح . أخرجه مسلم (9/135) ، والطبرانى (4/257،258/4325،4326،4327) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/36/3163) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/197) جميعا من طريق يزيد بن الهاد عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان عن رافع بن خديج به .
(39) صحيح . أخرجه مسلم (9/135) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/192) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج على صحيح مسلم ))(4/37/3164) ، والبيهقى (( الكبرى))(5/198) جميعا من طريق سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع ابن جبير عن رافع بن خديج به .
يذكُرِ المدينةَ وأهلها وحُرمتها ، فناداهُ رافعُ بن خَديجٍ فقال : ما لى أسمعُك ذكرت مكَّة وأهلها وحُرمتها ، ولم تذكُرِ المدينة وأهلها وحُرمتها ، وقد حرَّم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما بين لابتيها ، وذلك عندنا فى أديمٍ خولانىٍّ إن شئت أقرأتُكُه ، قال : فسكت مروانُ .
(40)عن سهل بن حُنيفٍ قال : أهوى رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بيده إلى المدينة ، فقال : (( إنَّها حَرّمٌ آمنٌ )) .
باب ذكر الأخبار المفسِّرة للتحريم بألا يُهراق فيها دمٌ
ولا يُحمل فيها سلاحٌ ، ولا يُصاد صيدُها ، ولا يُختلى خلاها
(41)عن سعد بن أبى وقاصٍ قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إنِّى أحرِّمُ ما بين لابتى المدينة ؛ أن يقُطعَ عضاهُها أو يُقتلَ صيدُها )) .(1/37)
( بيان ) اللابتان : الحرَّتان واحدتهما لابة ، وهى الأرض الملبسة حجارة سوداء ، وللمدينة حرَّتان شرقية وغربية ، وهى بينهما . عضاهها : العِضَاه ـ بكسر العين وتخفيف الضاد ـ كل شجر فيه شوك ، واحدتها عِضاهة وعضيهة .
(42)عن أبى هريرة أنَّه كان يقول : لو رأيت الظِّباء ترتعُ بالمدينة ما ذعرتها ، قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( ما بين لابتيها حرامٌ )) .
ــــــــ
(40) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (6/406/32431) ، ومسلم (9/150) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/192) ، والمحاملى (( الأمالى ))(246) ، والطبرانى (( الكبير ))(6/92/5610،5611،5612) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/44/3185) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/198) جميعا من طريق سليمان ابن فيروز الشيبانى عن يسير بن عمرو عن سهل ابن حنيف به .
(41) صحيح . أخرجه أحمد (1/181،184) ، والدورقى (( مسند سعد ))(38) ، ومسلم (9/136 . نووى) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/486/4279) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/191) ، وأبو يعلى (2/58/699) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/197) جميعا من طريق عثمان بن حكيم عن عامر بن سعد عن سعد ابن أبى وقاص به .(1/38)
(42) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى الليثى (( الموطأ ))(3/86. تنوير الحوالك ) ، وأحمد (2/236) ، والبخارى (1/321. سندى) ، ومسلم (9/145) ، والترمذى (3921) ، والنسائى (( الكبرى )) (2/488/4286) ، وابن الجارود (510) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/193) ، وابن حبان (3743) ، (43)عن أبى سعيدٍ الخدرى عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( اللهمَّ إنَّ إبراهيمَ حرَّم مكَّة فجعلها حَرَمَاً ، وإنِّى حرَّمتُ المدينةَ حراماً ما بين مَأْزمَيْها ، أن لا يهُراقَ فيها دمٌ ، ولا يُحملَ فيها سلاحٌ لقتالٍ ، ولا تُخبط فيها شجرة إلا لعلفٍ . اللهمَّ بارك لنا فى مدينتنا . اللهمَّ بارك لنا فى صاعنا . اللهمَّ بارك لنا فى مُدنا . اللهمَّ بارك لنا فى صاعنا . اللهمَّ بارك لنا فى مُدنا . اللهمَّ بارك لنا فى مدينتنا . اللهمَّ اجعلْ مع البركة بركتين )) .
(44)عن أبى أيوب الأنصارى أنَّه وجد غلماناً قد ألجؤُا ثعلباً إلى زاويةٍ ، فطردهم عنه .
وقال : لا أعلمه إلا قال : فى حَرَمِ رسولِ اللَّهِ يُفعلُ هذا .
(45)عن شرحبيل بن سعدٍ المدنى قال : أتانا زيد بن ثابتٍ ، ونحن فى حائطٍ لنا ، ومعنا فخاخٌ ننصب بها ، فصاح بنا وطردنا ، وقال : ألم تعلموا أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حرَّم صيدها .
ـــــــــ
= وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/42/3178) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/196) جميعا من طريق مالك عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة به .
(43) صحيح . أخرجه مسلم (9/147) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/485/4276) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/201) من طريق وهيب عن يحيى بن أبى إسحق عن أبى سعيد مولى المهرى عن أبى سعيدٍ الخدرى.(1/39)
(44) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى الليثى (( الموطأ ))(3/86) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/192) ، والطبرانى (( الكبير ))(4/137/3918) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(1/293) جميعا من طريق مالك عن يونس بن يوسف عن عطاء بن يسار عن أبى أيوب به .
قلت : هذا إسناد صحيح على رسم مسلم . ويوسف بن يونس هو ابن حماس بن عمرو الليثى . قال فى (( تهذيب الكمال )) : (( روى عنه : بكير بن عبد الله بن الأشج ، وعبد الله بن عبد الله الأموي ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وعبد الملك بن جريج ، ومالك بن أنس . قال أبو حاتم : محله الصدق لا بأس به . وقال النسائي : ثقة . وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) فيمن اسمه يوسف قال : وهو الذي يروي عبد الله بن يوسف عن مالك عنه ويقول يونس بن يوسف يخطىء فيه ، وكان من عباد أهل المدينة ؛ لمح يوما امرأة فدعا الله فأذهب عينيه ، ثم دعا فرد عليه بصره . روى له مسلم والنسائي وابن ماجة )) .
(45) حسن الإسناد . أخرجه الحميدى (400) ، وأحمد (5/190) ، والطحاوى (( شرح المعانى )) (4/192) ، والطبرانى (( الكبير ))(5/151/4913) جميعا من طريق سفيان بن عيينة عن زياد بن سعدٍ عن شرحبيل بن سعدٍ المدنى عن زيد بن ثابت به .
باب بيان حدود حرم المدينة(1/40)
(46)عن على بن أبى طالبٍ : ما عندنا شئٌ نقرؤُه إلا كتاب اللَّه ، وهذه الصحيفة فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات ، وفيها قال النَّبىُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : (( المدينة حَرَمٌ ما بين عيْرٍ إلى ثوْر ، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً ؛ فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين لا يقبل اللهُ منه صرْفاً ولا عدْلاً ، وذمَّة المسلمين واحدةٌ ، يسعى بها أدناهم ، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين ، ومن ادَّعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنةُ الله والملائكة والنَّاس أجمعين ، لا يقبلُ اللهُ منه يومَ القيامةِ صرْفاً ولا عدْلاً )) .
( إيقاظ ) قوله (( ما بين عيرٍ إلى ثور )) استشكل هذا اللفظ جماعة ، وقالوا : ليس بالمدينة ثور ؛ إنما هو بمكة ، واستظهر القائلُ ذلكَ بما جاء فى رواية البخارى (( من عائر إلى كذا )) قال : فكأنه يرى أن ذكر(( ثور )) وهم فأسقطه . وحُكى مثل ذلك عن مصعب الزبيرى ، وأبى عبيد ، وأقرَّه الحافظ أبو بكر الحازمى . قال فى (( المؤتلف فى أسماء الأماكن )) فى حديث (( حرم المدينة ما بين عير إلى أحد )) : (( هذه الرواية صحيحة ، وقيل إلى ثور ، ــــــــــ
= قلت : هذا أثبت وأصح أسانيد هذا الحديث ، ورجاله ثقات كلهم غير شرحبيل بن سعد المدنى ؛ أبو سعد الخطمى . وثقه ابن حبان ، وضعَّفه ابن أبى ذئب ، ومحمد بن إسحاق فى جماعة من أهل المدينة ، وأنكر يحيى القطان على ابن إسحاق توهينه وقال : (( العجب من رجلٍ يحدِّث عن أهل الكتاب ، ويرغب عن شرحبيل بن سعدٍ ، وهاهنا من يحدِّث عنه )) . وقد احتج به مالك إلا أنه أبهم اسمه .
قال يحيى (( الموطأ ))(3/86) : عن مالك عن رجلٍ قال : دخل علىَّ زيد بن ثابت وأنا بالأسواف قد اصطدت .(1/41)
(46) صحيح . أخرجه الطيالسى (184) ، وعبد الرزاق (9/263/17153) ، وابن أبى شيبة (7/295/6221) ، وأحمد (1/126،181) ، والبخارى (1/321 و4/169،260. سندى) ، ومسلم (9/144:142) ، وأبو داود (2034) ، والترمذى (2127) ، والنسائى (( الكبرى )) (2/486/4277،4278) ، وابن أبى عاصم (( الديات ))(1/25) ، وعبد الله بن أحمد (( كتاب السنة )) (1259،1260) ، وأبو يعلى (1/228/263) ، وأبو عوانة (( المسند ))(3/239/4816:4812) ، وابن حبان (3709) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/40/3173) و(( الحلية ))(4/215) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/196) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(2/140/1285) من طرق عن الأعمش عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن على بن أبى طالبٍ به .
وليس لها معنى )) .
قال ابن السِّيد فى (( المثلث )) : (( عيْرٌ اسم جبلٍ بقرب المدينة ، وهو بفتح العين المهملة ، وسكون الياء آخر الحروف )) .
وقال الحافظ الزركشى فى (( إعلام الساجد )) : (( وذكر الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصرى : إنه لما خرج رسولاً من صاحب المدينة إلى العراق كان معه دليلٌ ، يذكر له الأماكن والأجبل ، فلما وصلا إلى أحد إذا بقربه جبلٌ صغيرٌ ، فسأله : ما اسم هذا الجبل ؟ قال : هذا يسمى ثوراً . قال شيخنا : وسمعت الشيخ محمداً أبا المليحى يقول : إن المحب الطبرى قال : ثور جبل بالمدينة رأيته غير مرَّةٍ وحددتُه .
وقال المطرى : بل خلف أحُدٍ من شماليه ؛ تحته جبلٌ صغيرٌ مدوَّرٌ يسمى ثوراً ، يعرفه أهل المدينة ، خلفٌ عن سلفٍ ، ووعرة شرقية ، وهما حد الحرم )) .(1/42)
قلت : ليس بعجيبٍ أن يتناسى الناس بعض المعالم والأماكن ، وأن يغيروا أسمائها ، فلا يعلمها مع تعاقب الأزمنة وتطاولها كثيرٌ منهم ، حتى أكابر العلماء ، واعْتَبرْ ذلك بالمشهور المتداول بين النَّاس من تسمية ميقات المدينة بآبار على ، حتى نسى الكثيرون بهذا الاسم (( ذا الحليفة )) ، واعْتَبرْه كذلك بجبل (( قزح )) ، وهو جبلٌ صغيرٌ بالمزدلفة يتعلق به نسكٌ معروفٌ من مناسك الحج ، ولا يعرفه الآن عُظم أهل مكة . وعليه فلا ينبغى توهيم ثقات الرواة وأثباتهم بمثل هذه الاحتمالات .
(47)عن أبى هريرة قال : (( حرَّم رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ما بين لابتى المدينة )) . قال أبو هريرة : فلو وجدتُ الظِّباء ما بين لابتيها ما ذعرتُها. وجعل حول المدينة اثنَىْ عشر ميلاً حمىً .
( إيقاظ ) قوله (( ما بين لابتيها )) بيان لحد الحرم من جهتى المشرق والمغرب ، وقوله (( ما بين مأزميْها )) و (( ما بين جبليها )) و (( ما بين عيرٍ وثور )) بيان لحد الحرم من جهتى الشمال والجنوب . وعليه فحدود حرم المدينة الحرَّتان الشرقية والغربية طولاً ، والمأزمان الشمالى والجنوبى عرضاً .
ـــــــ
(47) صحيح . أخرجه عبد الرزاق (9/260/17145) ، وأحمد (2/279) ، ومسلم (9/145) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/196) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(1286) جميعاً عن معمر عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة به .
باب ذكر إثم من أحدث فى حرم المدينة حدثا أو آوى محدثا
(48)عن أنس عن النَّبىِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : (( المدينة حَرَمٌ من كذا إلى كذا ، لا يُقطع شجرُها ، ولا يُحْدَثُ فيها حَدَثٌ ، من أحْدَثَ حَدَثَاً فعليه لعنةُ الله والملائكة والنَّاس أجمعين )) .(1/43)
(49)عن أبى هريرة عن النَّبىِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : (( المدينةُ حَرَمٌ ، فمن أحْدَثَ فيها حَدَثاً ؛ أو آوى مُحْدِثاً فعليه لعنةُ اللَّه والملائكة والنَّاس أجمعين ، لا يُقبلُ منه يومَ القيامة عَدْلٌ ولا صَرْفٌ )) .
( إيقاظ ) قوله (( لا يقبل منه عدل ولا صرف )) قد يكون المعنى : لا تقبل فريضته ، ولا نافلته قبول رضاً ، وإن قبلت قبول إجزاء . وقد يكون معنى العدل : أنه لا يجدُ فداءً يفتدى به بخلاف غيره من المذنبين .
باب ذكر ما ورد فى سَلبِ من قطع
من شجر المدينة أو أصاب صيداً
(50)عن عامر بن سعد بن أبى وقاصٍ أنَّ سعداً ركب إلى قصره بالعقيق ، فوجد عبداً يقطع شجراً أو يخْبُطُه فَسَلَبَه ، فلما رجع سعدٌ جاءه أهل العبد ، فكلموه أن يرُدَ على غلامهم ، أو عليهم ما أخذ من غلامهم ، فقال : معاذ الله أن أرُدَّ شيئاً نفَّلَنِيه رسول الله صلَّى الله عليه ـــــــــ
(48) صحيح . أخرجه أحمد (3/238،242) ، والبخارى (1/320 و4/262) ، ومسلم (9/140،141) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))( 4/39/3170) جميعا من طرق عن عاصم الأحول عن أنس به .
(49) صحيح . أخرجه أحمد (2/398 ،526) ، ومسلم (9/145) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج على صحيح مسلم ))(4/41/3175،3176،3177) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/196) من طرق عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة به .
(50) صحيح . أخرجه أحمد (1/168) ، ومسلم (9/138) ، والبزار (3/311/1102) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة ))(68) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/191) ، والحاكم (1/555) ، والبيهقى (5/1999) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(1290) جميعا عن عبد الله بن جعفر المخرمى عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه .
وسلَّم ، وأبى أن يرُدَّ عليهم .(1/44)
(51)عن سليمان بن أبى عبد الله قال : رأيتُ سعد بن أبى وقاص أخذ رجلاً يصيد فى حَرَم المدينة الذى حرَّم رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ؛ فَسَلبَه ثيابه ، فجاء مواليه فكلَّموه فيه فقال : إنَّ رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حرَّم هذا الحرم ، وقال : (( من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه )) ، فلا أرُدُّ عليكم طُعمةً أطعمنيها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولكن إن شئتم دفعتُ ثمنه .
( إيقاظ ) قال الإمام أبو زكريا النووى فى (( شرح صحيح مسلم )) : (( فى هذا الحديث دلالة لقول الشافعى القديم : أن من صاد فى حرم المدينة أو قطع من شجرها أخذَ سلبُه ، وبهذا قال سعد بن أبى وقاص وجماعة من الصحابة . قال القاضى عياض : ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلا الشافعى فى قوله القديم ، وخالفه أئمة الأمصار .
قلت : ولا تضر مخالفتهم إذا كانت السنَّةُ معه ، وهذا القول القديم هو المختار لثبوت الحديث فيه ، وعمل الصحابة على وفقه ، ولم يثبت له دافع . وفى كيفية الضمان وجهان : أحدهما يضمن الصيد والشجر والكلأ كضمان حرم مكة ، وأصحهما وبه قطع جمهور المفرعين على القديم أنه يُسلب الصائدُ وقاطع الشجر والكلأ . وفى المراد بالسلب وجهان : أحدهما أنه ثيابه فقط ، وأصحهما أنه كسلب القتيل من الكفار كفرسه وسلاحه ونفقته . وفى مصرف السلب ثلاثة أوجه لأصحابنا : أصحها أنه للسالب وهو الموافق للحديث ، والثانى أنه لمساكين المدينة ، والثالث أنه لبيت المال . وإذا سُلب أخذ جميع ما عليه إلا ساتر العورة ، ويُسلب بمجرد الاصطياد سواء أتلف الصيد أم لا والله أعلم )) اهـ .
ـــــــ(1/45)
(51) حسن . أخرجه أحمد (1/170) ، وأبو داود (2037) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/191) ، وأبو يعلى (2/230/806) ، والبيهقى (5/199) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(12/19) من طريق يعلى بن حكيم البصرى عن سليمان ابن أبى عبد الله عن سعد بن أبى وقاص به .
قلت : وإسناده حسن ، رجاله كلهم ثقات غير سليمان بن أبى عبد الله . قال أبو حاتم : ليس بالمشهور يعتبر بحديثه . وذكره ابن حبان فى (( الثقات )) . وقال الذهبى (( الكاشف ))(1/461/2106) : (( سليمان بن أبي عبد الله . عن : سعد وصهيب . وعنه : يعلى بن حكيم . وثق )) . وقد تابعه عن سعدٍ جماعة عند البيهقى .
(52)عن محمد بن زيادٍ الجمحى قال : كان جدى مولىً لعثمان بن مظعون ، وكان يلى أرضاً لعثمان بن مظعون فيها بقلٌ وقثاءٌ ، قال : فربما أتانى عمر ابن الخطاب نصف النهار واضعاً ثيابه على رأسه ، يتعاهد الحمى أن لا يعضدَ شجرُهُ ولايُخبطَ ، قال : فيجلس إلىَّ فيحدَّثنى واُطعمه من القثاء والبقل ، فقال يوماً : أراك لا تخرج من هاهنا ؛ قلت : أجل ، قال : إنِّى أستعملك على ما هاهنا ، فمن رأيتَ يعضدُ شجراً أو يخبُطُ فخذْ فأسه وحبله ، قلت: آخذ رداءه ، قال : لا .
( إيقاظ ) قال الحافظ أبو محمد ابن حزم فى (( المحلى ))(7/263) : (( وأما من احتطب فى حرم المدينة فحلالٌ سَلَبُه ، كلُّ ما معه ، وتجريدُه إلا ما يستر عورته فقط )) . وذكر الحديثين عن عمر بن الخطاب ، وسعد ابن أبى وقاصٍ ، ثم قال : (( ولا مخالف لهما من الصحابة ، وليس هذا فى الحشيش لأن الأثر إنما جاء فى الاحتطاب ، وستر العورة فرضٌ )) اهـ .
ــــــــ
(52) صحيح . أخرجه على بن الجعد (( المسند ))(3383) ، والبيهقى (5/200) كلاهما عن القاسم بن الفضل الحدانى عن محمد بن زياد الجمحى عن جده سالم مولى عثمان بن مظعون به .(1/46)
أبواب فضل المسجد النبوى
(1) باب ذكر أصل المسجد وكيفية بنائه .
(2) باب بيان أن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجد المدينة .
(3) باب استحباب شدِّ الرحال إلى المسجد النبوى .
(4) باب بيان أن الصلاة فى المسجد النبوى أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام .
(5) باب بيان أن الصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة صلاةٍ فى المسجد النبوى .
(6) باب ذكر قول النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (( ما بين بيتى ومنبرى روضةٌ من رياض الجنَّة )) .
(7) باب ذكر قول النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (( قوائم منبرى رواتب فى الجنَّة )) .
(8) باب ذكر بدء شأن المنبر بالمسجد النبوى .
أبواب فضل المسجد النبوى
باب ذكر أصل المسجد وكيفية بنائه
(53)عن أنس قال : قدم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة ، فنزل فى عُلو المدينة فى حَىٍّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف ، فأقام فيهم أربعَ عَشْرَة ليلةً ، ثمَّ إنَّه أرسلَ إلى ملأِ بنى النَّجَّار ، فجاؤا متقلِّدين السيوفَ ؛ كأنِّى أنظرُ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكرٍ ردفُهُ ، وملأُ بنى النَّجَّار حوله ، حتَّى ألقى بفناء أبى أيوب فكان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلِّى حيث أدركتُه الصلاة ويصلِّى فى مرابضِ الغنمِ ، ثمَّ إنِّه أمر ببناء المسجد ، فأرسل إلى ملأ بنى النَّجَّار ، فقال : يا بنى النَّجَّار ! ثامنونى بحائطكم هذا ، قالوا : لا والله لا نطلبُ ثمنه إلا إلى الله . قال أنس : فكان فيه ما أقول ، كان فيه نخلٌ وقبورُ المشركين وخربٌ فأمر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالنخل فقُطع ، وبقبور المشركين فنُبشت ، وبالخرب فسُوِّيت ، فصفُّوا النخل قبلةً المسجد وجعلوا عضادتيه حجارةً ، قال : فكانوا يرتجزون والنَّبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم معهم وهم يقولون :(1/47)
اللهمَّ لا خيرَ إلا خيرُ الآخرة فاغفرْ للأنصار والمُهَاجِرَة
باب ذكر البيان بأن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجد المدينة
(54)عن أبى سعيدٍ الخدرى قال : تمارى رجلٌ من بنى خُدرة ، ورجلٌ من بنى عمرو بن عوفٍ ــــــــ
(53) صحيح . أخرجه الطيالسى (2085) ، وأحمد (3/211) ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى ))(1/240) ، والبخارى (1/86 و3/339) ، ومسلم (5/8:6 . نووى) ، وأبو داود (453) ، والنسائى (( الكبرى )) (1/259/781) و(( المجتبى ))(2/39) ، وأبو يعلى (7/193/4180) ، وأبو عوانة (1/331 1177،1178) ، وابن خزيمة (788) ، وابن حبان (2328) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (2/127/1159،1160) ، و(( الحلية ))(3/83) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(5/231) جميعا من طريق عبد الوارث بن سعيد عن أبى التياح عن أنس بن مالك .
(54) صحيح . أخرجه أحمد (3/8 ،89) ، والترمذى (3099) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/257/776) و(( المجتبى ))(2/36) ، والطبرى (( التفسير ))((11/28) ، وابن حبان (1604) ، وابن عبد البر (( التمهيد )) (13/ 268) جميعا من طريق الليث بن سعد عن عمران بن أبى أنس عن عبد الرحمن بن أبى سعيد عن أبيه به .
فى المسجدِ الذى أسس على التقوى ، فقال الخدرى : هو مسجد رسول الله ، وقال العوفى : هو مسجدُ قباءٍ ، فأتيا رسولَ الله فى ذلك ، فقال : هو مسجدى هذا )) .
باب استحباب شدِّ الرحال إلى المسجد النبوى
(55)عن أبى هريرة قال قال رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثة مساجدَ : مسجدى هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى )) .
(56)عن أبى سعيدٍ الخدرى سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول : (( لا تشُدُّوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجدَ : مسجدى هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى )) .
ـــــــــ(1/48)
= قال أبو عيسى : (( هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عمران بن أبي أنس . وقد روي هذا عن أبي سعيد من غير هذا الوجه ، ورواه أنيس بن أبي يحيى عن أبيه عن أبي سعيد )) .
قلت : وهذا الحديث رجال إسناده كلهم ثقات على شرط مسلم .
(55) صحيح . أخرجه الحميدى (943) ، وابن أبى شيبة (3/418 /15543) ، وأحمد (2/234،238،278) ، والبخارى (1/206) ، ومسلم (9/168:167) ، وأبو داود (2033) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/258/779) و(( المجتبى ))(2/37) ، وابن ماجه (1409) ، وابن الجارود (512) ، وابن حبان (1617) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/57/3223،3224) والبيهقى (5/244 و10/82) ، والخطيب (( تاريخ بغداد ))(9/221) ، والمقدسى (( فضائل بيت المقدس ))(2) جميعا من طرق عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة به .
(56) صحيح . أخرجه الحميدى (750) ، وابن أبى شيبة (3/419/15550) ، وأحمد (3/34،51) ، والبخارى (1/206) ، ومسلم (9/106:103) ، والترمذى (326) ، والفاكهى (( أخبار مكة )) (2/97/1202) ، والطحاوى (( مشكل الآثار ))(1/167) ، وأبو يعلى (2/388/1160) ، وابن حبان (1615) ، وأبو الشيخ (( طبقات المحدثين بأصبهان ))(2/220) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (4/12/3112) ، والبيهقى (10/82) ، والخطيب (( تاريخ بغداد ))(11/194) ، والمقدسى (( فضائل بيت المقدس ))(1) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(23/600) جميعا من طريق عبد الملك بن عمير عن قزعة بن يحيى البصرى عن أبى سعيد .(1/49)
(57)عن أبى هريرة قال : خرجتُ إلى الطور ، فلقيتُ كعب الأحبار ، فجلستُ معه ، فحدَّثنى عن التوارة ، وحدَّثتُه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فكان فيما حدَّثته أن قلتُ : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( خيرُ يومٍ طلعتْ عليه الشَّمْسُ يومُ الجمعةِ ، فيه خُلق آدمُ وفيه أهبط من الجنَّة ، وفيه تيبَ عليه ، وفيه مات ، وفيه تقوم السَّاعةُ ، وما من دابَّةٍ إلا وهى مُصيخَةٌ يوم الجمعة من حين تصبحُ حتَّى تطلُعَ الشَّمْسُ ، شفقاً من السَّاعة ، إلا الجنَ والأنسَ ، وفيه ساعةُ لا يُصادفُها عبدٌ مسلمٌ وهو يُصلِّى يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إيَّاه )) .
قال كعبٌ : ذاك فى كلِّ سنَّةٍ يومٌ ، فقلتُ : بل فى كلِّ جمعةٍ ، فقرأ كعبُ التوارةََ، فقال : صدق رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم . قال أبو هريرة : فلقيتُ بصرة بن أبى بصرة الغفارىَّ ، فقال : من أين أقبلتَ ؟ ، قلتُ : من الطورِ، فقال : لو أدركتُك قبل أن تخرجَ إليه ما خرجتَ ، سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : (( لا تُعملُ المطىُّ إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدى هذا ، ومسجد إيلياء أو بيت المقدس )) .
قال أبو هريرة : ثمَّ لقيتُ عبد الله بن سلامٍ فحدَّثته بمجلسى مع كعب الأحبار ، وما حدَّثته به فى يوم الجمعة . فذكر حديثاً فى ساعة يوم الجمعة .
ـــــــ
(57) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1/132:131) ، وأحمد (2/486و6/7) ، وأبو داود (1046) ، والترمذى (491) ، وابن حبان (2761) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/250) و(( شعب الإيمان )) (3/92/2975) و(( الصغرى )) (631) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(9/423/395) و(( فضائل بيت المقدس ))(3) جميعا من طريق مالك بن أنس عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى عن أبى سلمة عن أبى هريرة به .(1/50)
تابعه عن يزيد بن الهاد : بكر بن مضر ، وعبد العزيز الداروردى ، ونافع بن يزيد ثلاثتهم بنحو رواية مالك ، وأربعتهم يرويه (( فلقيت بصرة بن أبى بصرة الغفارى )) .
فقد أخرجه النسائى (( الكبرى ))(1/540/1754) و (( المجتبى ))(3/114) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(9/427/396) عن بكر بن مضر عن يزيد بن الهاد بنحوه .
وأخرجه ابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(2/247/1001) عن عبد العزيز الداروردى عن يزيد بن الهاد به مختصراً .
وأخرجه الطحاوى (( مشكل الآثار ))(1/168) عن نافع بن يزيد عن يزيد بن الهاد وعمارة بن غزية كليهما عن محمد بن إبراهيم به مختصراً .
(58)عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( إنَّ خيرَ ما رُكِبتْ إليه الرواحلُ : مسجدى هذا ، والبيتُ العتيقُ )) .
باب بيان أن الصلاة فى المسجد النبوى
خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام
(59)عن أبى هريرة أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( صلاة فى مسجدى هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام )) .
(60)عن عبد الله بن عمر عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثله .
ـــــــــ
= قلت : وقوله (( بصرة بن أبى بصرة الغفارى )) خطأ ، والوهم فيه من يزيد بن عبد الله بن الهاد ، لاجتماع هؤلاء الأربعة وفيهم مالك على روايته عنه هكذا ، وغيره يرويه من (( حديث أبى سلمة عن أبى هريرة )) فيقول (( فلقيت أبا بصرة الغفارى )) ، وهكذا يرويه عن أبى هريرة : سعيد بن المسيب ، وسعيد المقبرى ، كلهم يرويه (( عن أبى بصرة الغفارى )) .(1/51)
(58) صحيح . أخرجه أحمد (3/350) ، وعبد بن حميد (( المسند ))(1049) ، والنسائى (( الكبرى )) (6/411/11347) والطحاوى (( مشكل الآثار ))(1/341) ، وابن حبان (1614) ، والطبرانى (( الأوسط ))(4/359/4430) ، والرافعى (( التدوين فى أخبار قزوين ))( 3/195) جميعا من طريق الليث بن سعد عن أبى الزبير المكى عن جابر به .
(59) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1/201) ، وأحمد (2/466) ، والبخارى (1/206) ، والترمذى (325) ، وابن ماجه (1404) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(3/126) ، والبيهقى (5/246 و10/83) ، والخطيب (( تالى تلخيص المتشابه ))(1/203/103) جميعا عن مالك عن زيد بن رباح وعبيد الله ابن أبى عبد الله الأغر عن أبى عبد الله الأغرعن أبى هريرة .
تابعه ابن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن قارظ عن أبى هريرة .
وقد بينته بياناً شافياً كافياً فى كتابى (( ترجمان الأفذاذ ببيان الأحاديث الشواذ )) ، وكتابى الآخر (( الأمالى الحسان فى الأحاديث الوحدان )) .
(60) صحيح . أخرجه أحمد (2/16،53،101) ، والدارمى (1419) ، ومسلم (9/165) ، وابن ماجه (1405) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/56/3220) ، والبيهقى (5/246) ، والخطيب (( التاريخ )) (4/162) جميعا من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به .
باب ذكر البيان بأن الصلاة فى المسجد الحرام
أفضل من مائة صلاةٍ فى المسجد النبوى
وأفضل من مائة ألف صلاةٍ فى غيرهما
(61)عن جابر أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( صلاةٌ فى مسجدى أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاةٌ فى المسجد الحرام أفضلُ من مائة ألف صلاةٍ فيما سواه )) .(1/52)
(62)عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( صلاةٌ فى مسجدى هذا خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجدَ الحرامِ ، وصلاة فى المسجد الحرام خير من مائة صلاةٍ فى مسجدى )) . فى رواية البزار (( إلا المسجد الحرام ، فإنه يزيد عليه مائة )) .
ــــــــ
(61) صحيح . أخرجه أحمد (3/343) ، وابن ماجه (1406) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(3/127) و(( مشكل الآثار )) (1/170) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(2/142/1294) ، والذهبى (( سير الأعلام ))(22/255) جميعا من طريق عبيد الله بن عمرو الرقى عن عبد الكريم بن مالك الجزرى عن عطاء بن أبى رباح عن جابر به .
(62) صحيح . أخرجه أحمد (4/5) ، وعبد بن حميد (( المسند ))(521) ، والحارث بن أبى أسامة (1/470/398. بغية الحارث) ، والبزار (6/156/2196) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(2/90/1183) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(3/127) و(( مشكل الآثار ))(1/169) ، والبزار (6/156) ، وابن حبان (1618) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/246) و(( شعب الإيمان )) (3/485/4141) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(9/331/297 ، 298) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(6/25) جميعا من طريق حبيب المعلم عن عطاء عن جابر به .
قلت : كلا الحديثين (( عطاء عن جابر )) و(( عطاء عن عبد الله بن الزبير )) صحيحان لا مطعن يُقبل فيهما .(1/53)
قال الحافظ ابن عبد البر (6/26) : (( أسند حبيب المعلم هذا الحديث وجوده ، ولم يخلط فى لفظه ولا فى معناه ، وقد كان ثقة . وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبى يقول : حبيب المعلم ثقة ؛ ما أصح حديثه . وسئل أبو زرعة عن حبيب المعلم فقال : بصرى ثقة . وقد رُوى فى هذا الباب (( عن عطاء عن جابر )) حديث نقلته ثقات كلهم بمثل حديث حبيب المعلم سواء ، وجائز أن يكون عند عطاء فى ذلك عن جابر وابن الزبير جميعاً فيكونان حديثين . ولم يرو عن النبى من وجهٍ قوىٍّ ولا ضعيفٍ ما يعارض هذا الحديث ، وهو حديث ثابت )) .
( بيان ) قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد )) : (( قال عامة أهل الأثر والفقه أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بمائة صلاة ، وروى يحيى بن يحيى عن ابن نافع أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال : معناه أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف صلاة ، وفي سائر المساجد بألف صلاة .
قال أبو عمر : وأما تأويل ابن نافع فبعيد عند أهل المعرفة باللسان ، ويلزمه أن يقول أن الصلاة في مسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسعمائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفا ، وإذا كان هكذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف على تأويل ابن نافع . وحسبك ضعفا بقول يئول إلى هذا ، فإن حد حدا في ذلك لم يكن لقوله دليل ولا حجة ، وكل قول لا تعضده حجة ساقط . حدثنا محمد بن ابراهيم ثنا أحمد بن مطرف ثنا سعيد بن عثمان ثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي ثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت ابن الزبير قال سمعت عمر يقول : (( صلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم )) .(1/54)
فهذا عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير ، ولا مخالف لهما من الصحابة يقولان بفضل الصلاة في المسجد الحرام على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم )) اهـ .
( بيان ثان ) أكثر أهل الفقه على أن تفضيل الصلاة فى المسجد النبوى بالقدر المذكور ؛ يعم الفرائض والنوافل ، لورود النص بإطلاق الفضيلة دون تقييد بفرضٍ أو نفل . وقال أبو جعفر الطحاوى : إنما تختص بالفضيلة المكتوبات دون ما سواها من النوافل والتطوعات ، فأعظمها أجراً صلاتها فى البيت ، وقوله تؤيده الأحاديث الصحيحة الصريحة بأن (( أفضل صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة )) ، إلا أنها تثبت المزيد من الأفضلية لصلاة البيت ، ولا تنفى ذلك القدر من فضل الصلاة فى المسجد النبوى .
قال فى (( شرح المعانى ))(3/127) : (( معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه )) ؛ إنما ذلك على الصلوات المكتوبات لا على النوافل . ألا ترى إلى قوله في حديث عبد الله بن سعد : (( لأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَلاةً مَكْتُوبَةً )) . ألا ترى إلى قوله في حديث زيد بن ثابت (( خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )) . فلما روى ذلك على ما ذكرنا ، كان تصحيح الآثار يوجب أن الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لها الفضل على الصلاة في البيوت هي الصلاة التي هي خلاف هذه الصلاة وهي المكتوبة فثبت بذلك فساد ما احتج به أبو يوسف )) اهـ .(1/55)
قلت : والذى احتجَّ به فى ذلك كافٍ فى الدلالة على أفضلية النوافل فى البيوت عليها فى المساجد ، ولكنه غير نافٍ لهذا القدر من الفضل لمن صلاها فى المسجد النبوى ، فيكون المعنى بدخول النوافل فى الأفضلية : أنه لو صلى نافلةً فى المسجد النبوى كانت بألف صلاة ، ولو صلاها فى بيته كانت أفضل وأعظم أجراً من ألف صلاة ، وهذا بيِّن الدلالة لمن تدبره .
ولا خلاف أن كلا الحديثين غاية فى الصحة :
فأما الأول ، فقد أخرجه ابن خزيمة (1202) : ثنا بندار ثنا عبد الرحمن بن مهدي نا معاوية بن صالح نا العلاء بن الحارث عن حرام عن عمه عبد الله بن سعد ح وثنا عبد الله بن هاشم نا عبد الرحمن عن معاوية ح وثنا بحر بن نصر الخولاني نا عبد الله بن وهب نا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيتي ، والصلاة في المسجد ؟ ، فقَالَ : (( أَلا تَرَى إِلَى بَيْتِي مَا أَقْرَبَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَلأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَلاةً مَكْتُوبَةً )) .
وأخرجه كذلك أحمد (4/342) ، وابن ماجه (1378) ، والطحاوى (( شرح المعانى )) (1/339) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(2/145/865) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(2/93) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(9/51) ، والبيهقى (2/411) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(1/111،110) ، والضياء (( الأحاديث المختارة )) (9/409/388:385) من طرق عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه به .
قلت : وإسناده رجاله ثقات كلهم ، وحرام بن حكيم هو ابن خالد بن سعد بن الحكم الأنصاري الدمشقي ، وقيل : هو حرام بن معاوية ، وثقه دحيم والعجلى وابن حبان ، وضعَّفه ابن حزم وعبد الحق الأشبيلى بلا حجة معتمدة .(1/56)
وأما الحديث الثانى ، فقد أخرجه البخارى (1/134. سندى ) قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا وهيب قال حدثنا موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ ، فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : (( قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلا الْمَكْتُوبَة )) .
وأول الحديثين بيِّن الدلالة على أن التنفل والتطوع فى البيوت أفضل وأعظم أجراً منه فى المسجد النبوى ، وذلك قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (( أَلا تَرَى إِلَى بَيْتِي مَا أَقْرَبَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ )) أى النبوى ، ثم قوله (( فَلأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي )) يعنى ما عدا المكتوبة ، (( أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ )) يعنى النبوى . ولعل قائلاً يقول : لعل ذلك خاص بالبيت النبوى ، ألا تراه قال (( فى بيتى )) ! ، فنقول : لو كان ذلك مراداً لما حصل الجواب لمن سأل عن الصلاة فى بيته أو المسجد ، سيما وقد وقع التصريح بندب الناس إلى الصلاة فى بيوتهم خلا المكتوبة فى قوله (( فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلا الْمَكْتُوبَة )) .
باب ذكر قول النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
(( ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنَّة ))
(63)عن عبد الله بن زيدٍ المازنى قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( ما بين بَيْتِى ومِنْبرَى رَوْضَةٌ من رياضِ الجنَّة )) .
ــــــــ(1/57)
(63) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى(( الموطأ ))(1/202) ، وأحمد (4/40) ، والبخارى (1/207) ، ومسلم (9/161) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/257/774 و2/489/4289) و(( المجتبى ))(2/35) ، والحارث بن أبى أسامة (1/471/400. بغية الحارث) ، والرويانى (1007) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (4/53/3211) و(( الحلية ))(6/347) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/247) جميعا من طريق مالك عن عبد الله ابن أبى بكر بن محمد بن حزم عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيدٍ المازنى به .
(64)عن أبى هريرة أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( ما بين بَيْتِى ومِنْبرِى رَوْضَةٌ من رياضِ الجنَّةِ ، ومِنْبرِى على حَوضِى )) .
( بيان ) قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (( ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة )) ؛ قال الحافظ ابن عبد البر : (( قال قومٌ : معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضةً فى الجنة وقال آخرون : هذا على المجاز . كأنهم يعنون أنَّه لما كان جلوسُه وجلوسُ النَّاس إليها يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك ، شبَّه ذلك الموضعَ بالروضة لكرم ما يجْتَنى منها ، وأضافها إلى الجنة لأنها تقود إليها ، كما قال صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم (( الجنةُ تحتَ ظلالِ السُّيوف )) ، يعنى أن الجهاد يوصل به إلى الجنَّة ، وكما يقال (( الأمُّ بابٌ من أبوابِ الجنَّة )) يريدون أن برَّها يوصل إلى الجنَّة . وهذا جائزٌ مستعملٌ فى لسان العرب )) اهـ .
قلت : وليس بمستبعدٍ أن يكون المعنى على حقيقته ، فتكون هذه البقعةُ روضةً حقيقةً مقتطعةً من رياضِ الجنَّة ، كما صحَّ عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قوله (( الركنُ والمقامُ ياقوتتان من يواقيتِ الجنَّة ))(**) ، أو أنها تنقل بعينها فى الآخرة إلى الجنة وتصير روضةً من رياضها .
ــــــــ(1/58)
(64) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (6/305/31659) ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى ))(1/253) ، وأحمد (2/376،438) ، والبخارى (1/323 و4/142. سندى) ، ومسلم (9/162) ، وابن أبى عاصم (( كتاب السنة ))(731) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/54/3213) ، والبيهقى (( الكبرى )) (5/246) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(2/287) جميعا من طريق عبيد الله بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة به .
وتابعه محمد بن إسحاق عن خبيب بإسناده نحوه . أخرجه أحمد (2/397) قال : حدثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن إسحاق حدثنى خبيب بن عبد الرحمن الأنصارى بنحوه .
وتابعهما مالك عن خبيب ، إلا أن أغلب الرواة عنه يروونه (( عن أبى هريرة أو أبى سعيد الخدرى )) ، ورواه عبد الرحمن ابن مهدى عن مالك بمثل رواية عبيد الله بن عمر .
أخرجه هكذا أحمد (2/236) ، والبخارى (4/266. سندى) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(2/286) .
(**) صحيح . أخرجه ابن خزيمة (2731) ، والحاكم (1/456) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/75) و(( شعب الإيمان ))(3/449/4030) جميعا عن أيوب بن سويد ثنا يونس بن يزيد عن الزهرى عن مسافع بن شيبة الحجبى عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، طمس الله نورهما ، ولولا ذلك لأضاءت ما بين المشرق والمغرب )) .
( بيان ثانٍ ) قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (( ومنبرى على حوضى )) ، أى يُنقلُ منبرى هذا الَّذى أخطبُ عليه فى الدنيا يوم القيامة ، فيُنْصَبُ على حوضى ، ثمَّ تصيرُ قوائمُه رواتبَ فى الجنَّة كما فى حديث أم سلمة . وقيل : بل هو منبرٌ آخرُ يُوضعُ له هناك على الحوض . والَّذى يُرجِّحُ الأول : أنَّه ليس فى الخبر ما يقتضى هذا التأويل ، وأنَّه قطعٌ للكلام عما قبله بلا ضرورةٍ ؛ قاله الإمام أبو الوليد الباجى .(1/59)
قلت : ويؤيد الأول ما فى حديث أبى هريرة (( منبرى هذا على تُرْعَةٍ من تُرَعِ الجنَّة )) ، فاسم الإشارة (( هذا )) صريح فى إرادة المنبر النبوى الَّذى يخطبُ عليه بالمدينة والله أعلم .
باب ذكر قول النَّبىِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَم
(( قوائم منبرى رواتب فى الجنَّة ))
(65)عن أم سلمة أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( إنَّ قوائمَ منبرى هذا رواتبُ فى الجنَّة )) .
ـــــــ
= قلت : وأيوب بن سويد الرملى ، صدوق يخطئ ، ولم يتفرد .
فقد أخرجه البيهقى (5/75) عن شبيب بن سعيد الحبطى عن يونس عن الزهرى بإسناده نحوه .
وأخرجه أحمد (2/213،214) ، والترمذى(878) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(1/440/960) ، وابن خزيمة (2732) ، وابن حبان (3702) ، والحاكم (1/456) جميعا عن رجاء بن صبيح عن مسافع بن شيبة عن ابن عمرو مرفوعاً بنحوه . راجع كتابنا (( البشائر المأمولة فى آداب العمرة المقبولة )) .
(65) صحيح . أخرجه ابن سعد (( الطبقات ))(1/253) ، وعبد الرزاق (3/182/5242) ، وأحمد (6/292،318) ، وأبو يعلى (12/409/6974)، وابن حبان كما فى (( موارد الظمآن ))(1034) ، والطبرانى (( الكبير ))(23/254/519) ، والبيهقى (5/248) جميعا من طريق سفيان الثورى عن عمار الدهنى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة به .
تابعه عن عمار الدهنى : ابن عيينة ، وشعبة .
أخرجه الحميدى (290) ، وأحمد (6/289) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/257/775) و(( المجتبى )) (2/35) جميعا من طريق سفيان بن عيينة عن عمار الدهنى عن أبى سلمة عن أم سلمة مثله .
وأخرجه الإسماعيلى (( معجم شيوخه ))(2/665/294) ، والطبرانى (( الكبير ))(23/254/520) كلاهما من طريق وكيع عن شعبة عن عمار الدهنى عن أبى سلمة عن أم سلمة مثله .(1/60)
(66)عن أبى هريرة أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( مِنْبَرِى هذا على تُرْعَةٍ من تُرَعِ الجنَّة )) .
( بيان ) قوله (( على تُرْعَةٍ )) الترعة : الروضة على مكانٍ مرتفعٍ ، ولا تكون روضةً إلا إذا كان ثمَّ ماءٌ وعشبٌ .
وقوله (( رواتب )) : هو جمع راتبة ، وهى القائمة المنتصبة .
باب ذكر بدء شأن المنبر بالمسجد النبوى
(67)عن أبى بن كعبٍ قال : كان رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصلِّى إلى جِذْعٍ إذ كان المسجدُ عريشاً ، وكان يخطُبُ إلى ذلك الجِذْعِ ، فقال رجلٌ من أصحابه : هلْ لك أن نجعلَ لك شيئاً تقومُ عليه يوم الجمعة حتَّى يراك النَّاسُ ، وتُسْمِعهم خُطبتك ؟ ، قال : (( نعم )) ، فصنع له ثلاثَ درجاتٍ ، فهى الَّتى أعلى المنبر ، فلما وُضع المنبرُ ؛ وضعوه فى موضعه الَّذى هو فيه ، فلما أراد رسول الله صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم أن يقوم إلى المنبر ، مرَّ بالجذعِ الَّى كان يخطب إليه ، فلما جاوزه ، خارَ حتَّى تصدَّع وانشقَّ .
ــــــــ
(66) صحيح . أخرجه أحمد (2/360) ، والنسائى(( الكبرى ))(2/488/4288) كلاهما عن مكى بن إبراهيم عن عبد الله ابن سعيد بن أبى هند عن عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى سلمة عن أبى هريرة به .
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم غير عبد الله بن سعيد بن أبى هند ، فإنه صدوق ربما وهم ، وقد احتج به الشيخان ، وقد توبع ولم يتفرد . أخرجه أحمد (2/450) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة مرفوعا بنحوه . وأخرجه (2/412،534) من طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة بنحوه .(1/61)
(67) حسن صحيح . أخرجه الشافعي (( الأم ))(1/199) و(( المسند ))(ص65) ، وابن سعد(( الطبقات )) (1/252) ، وأحمد (5/138) ، والدارمى (36) ، وابن ماجه (1414) ، واللألكائى (( أصول الاعتقاد )) (1475) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(3/394/1192) جميعاً من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبى بن كعب عن أبيه به .
قلت : هذا إسناد حسن . وللحديث شواهد تبلغ حدَّ الاستفاضة من أحاديث : ابن عباس ، وأنس ، وجابر بن عبد الله وأبى سعيد الخدرى .
فنزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا سمِع صوتَ الجذعِ ، فمسحه بيده حتَّى سَكَنَ ، ثمَّ رجع إلى المنبر . فكان إذا صلَّى صلَّى إليه . فلما هُدِمَ المسجدُ وغُيِّرَ ، أخذ ذلك الجذعَ أبىُّ بنُ كعبٍ ، فكان عنده فى بيته حتَّى بَلِىَ ، فأكلتُه الأرَضَةُ وعادَ رُفاتاً .
(68)عن سهل بن سعدٍ : ما بقى أحدٌ من النَّاس أعلمُ به منِّى ، هو من أثل الغابة ؛ عمله فلانٌ مولى فلانة لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، وقام عليه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين عُمِلَ ووُضع فاستقبل القبلة كبَّر ، وقام النَّاسُ خلفه ، فقرأ وركع وركع النَّاس خلفه ، ثمَّ رفع رأسه ، ثمَّ رجع القَهْقَرى حتَّى سجد بالأرض .
(69)عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد ، فلما صنع المنبر واستوى عليه ، اضطربت تلك السارية كحنين الناقة ، حتى سمعها أهل المسجد ، حتى نزل إليها رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، فاعتنقها فسكتت .
ــــــــ(1/62)
(68) صحيح . أخرجه الشافعي (( الأم ))( 1/169) و(( المسند )(ص58) ، والحميدى (926) ، وأحمد (5/330) ، والبخارى (1/79) ، ومسلم (5/35) ، وابن ماجه (1416) ، والجندى (( فضائل المدينة ))(54) ، وأبو عوانة ((المسند ))(1/470/1744) ، والطبرانى (( الكبير ))(6/175/5913) ، وأبونعيم (( المسند المستخرج ))(2/144/1198) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/108) جميعا من طريق سفيان ابن عيينة عن أبى حازم المدنى عن سهل بن سعدٍ به .
(69) صحيح . أخرجه الشافعى (( المسند ))(ص64) ، وعبد الرزاق (( المصنف ))(3/186/5254) ، وأحمد (3/295،324) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/530/1710) و(( المجتبى ))(3/102) جميعا عن ابن جريج أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه به .
قلت : هذا إسناد صحيح على رسم مسلم فى (( الصحيح )) .
(70)عن أنس وابن عباس : أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يخطب إلى جذع ، فلما اتخذ المنبر ذهب إلى المنبر ؛ فحَنَّ الجذع ، فأتاه فاحتضنه ، فسكن ، فقال : (( لو لم أحتضنه لحَنَّ إلى يوم القيامة )) .
ـــــــــ
(70) صحيح . أخرجه أحمد (1/266) ، وعبد بن حميد (1336) ، والبخارى (( التاريخ الكبير )) (7/26/108) ، وابن ماجه (1415) ، واللألكائى (( أصول الأعتقاد ))(1471) ، والضياء (( الأحاديث المختارة ))(5/37/1643،1645) جميعا من طريقى حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس وعن ثابت البنانى عن أنس به .
وأخرجه أبو يعلى (6/114/3384) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(5/37/1644) كلاهما من طريق حماد عن ثابت عن أنس به مثله .
قلت : وكلا إسنادي الحديث صحيح على رسم مسلم فى (( الصحيح )) .
أبواب فضل مسجد قباء
(1) باب ذكر البيان بأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يزور مسجد قباء كلَّ سبتٍ ، ويصلِّى فيه ركعتين .(1/63)
(2) باب ذكر البيان بان الصلاة فى مسجد قباء تعدل عمرةً .
(3) باب ذكر من كانت الصلاة فى مسجد قباء أحبَّ إليه من الصلاة فى بيت المقدس .
(4) باب ذكر البيان بان المهاجرين الأولين كانوا يصلون بقباء قبل بناء المسجد النبوى .
(5) باب ذكر صبر أهل قباء على الحمى ودعاء النبى صلَّى الله عليه وسلَّم بأن تكون لهم طهوراً .
أبواب فضل مسجد قباء
باب ذكر البيان بأنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
كان يزور مسجد قباء كلَّ سبتٍ ويصلِّى فيه ركعتين
(71)عن عبد الله بن عمرَ أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يزورُ قُباءً راكباً وماشياً .
(72)عن ابن عمرَ قال : كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأتى مسجد قُباءٍ راكباً وماشياً .
فى رواية : فيصلِّى فيه ركعتين .
(73)عن ابن عمر أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأتى مسجد قُباءٍ كلَّ يوم سبتٍ .
فى رواية : راكباً وماشياً .
ــــــــ
(71) صحيح . أخرجه أحمد (2/4) ، والبخارى (1/206. سندى) ، ومسلم (9/169. نووى ) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/59/3228) جميعا من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر به .
(72) صحيح . أخرجه ابن سعد (( الطبقات ))(1/245) ، وأحمد (2/57،101) ، والبخارى (1/206) ، ومسلم (9/169،170) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/59/3229) ، والبيهقى (( الكبرى )) (5/248) ، و(( شعب الإيمان )) (3/499/4188) جميعا من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
تابعه عن نافع : مالك ، ومحمد بن عجلان ، وعبد الله بن عمر العمرى .
أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1/181) ، وأحمد (2/65) ، ومسلم (9/ 170) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/60/3231) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(2/435) جميعا من طريق مالك عن نافع بنحوه(1/64)
وأخرجه أحمد (2/155) ، ومسلم (9/170) ، وأبو نعيم (( المستخرج ))(4/60/3230) جميعا من طريق ابن عجلان عن نافع بنحوه .
وأخرجه ابن أبى شيبة (6/416/32526) ، والطيالسى (1840) كلاهما من طريق عبد الله بن عمر العمرى عن نافع بنحوه .
وتابعه عن ابن عمر : عبد الله بن دينار ، ورواه عنه : الثورى ، وابن عيينة ، ومالك ، ويحيى بن سعيد الأنصارى ، والحسن ابن صالح ، وإسماعيل بن جعفر ، وسليمان بن بلال ، وعبد العزيز بن مسلم القسملى .
(73) صحيح . أخرجه الحميدى (658) ، ومسلم (9/170) ، والجَنَدِى (( فضائل المدينة ))(58) ، وابن حبان (1627) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/60/3233) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/248) و(( شعب الإيمان ))( 4187) جميعا من طريق سفيان بن عيينة عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر به .
باب بيان أن الصلاة فى مسجد قباءٍ تعدل عمرةً
(74)عن سهلِ بن حُنَيْفٍ قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( من خرج حتَّى يأتى مسجد قُباءٍ ، فصلَّى فيه صلاةً ، كان له كعدل عمرةً )) . وفى رواية (( من تطهَّر فى بيته ثمَّ أتى مسجد قباءٍ )) .
ــــــــــــ
(74) حسن صحيح . أخرجه أحمد (3/487) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(1/96/266) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(1/32/129) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/258/777) و(( المجتبى ))(2/37) ، وابن ماجه (1412) ، والطبرانى (( الكبير ))(6/74/5558،5559) ، والحاكم (3/12) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(3/499/4191) جميعا من طريق محمد ابن سليمان الكرمانى سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف عن سهل بن حنيف به .
قلت : هذا الإسناد رجاله ثقات كلهم . ومحمد بن سليمان الكرمانى من أهل قباء وقد وُثق . ذكره البخارى فى (( التاريخ الكبير ))(1/96/266) ، وابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل ))(7/267/1456) ، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً .(1/65)
وقال ابن أبى حاتم : (( روى عن : أبى أمامة بن سهل بن حنيف. وروى عنه : سعد بن إسحاق ، ومجمع بن يعقوب ، وعبد الرحمن ابن أبى الموال ، وعاصم بن سويد ، وحاتم بن إسماعيل . سمعت أبى يقول ذلك )) .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات )) (7/372/10490) وزاد فى الرواة عنه : عبد العزيز الداروردى ، وعيسى بن يونس .
وقال الذهبى فى (( الكاشف ))(2/176/4885) : (( وُثق )) .
قلت : وقد تابعه عن أبى أمامة : يوسف بن طهمان مولى آل معاوية ، وقد ذكره العقيلى وابن عدى فى (( الضعفاء )) ؛ على أنه ليس له كثير حديثٍ ، بل لا يُعرف إلا بهذا الحديث وحديث آخر ، لا يزيدان شيئاً ! .
وقد أخرجه البخارى (( التاريخ الكبير ))(8/378/389) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة )) (1/133/135) كلاهما عن إسماعيل بن المعلى الأنصارى عن يوسف بن طهمان عن أبى أمامة بن سهل عن أبيه .
وأخرجه ابن أبى شيبة (2/149/7530 و 6/416/32525) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة )) (1/32/130) ، والعقيلى (( الضعفاء الكبير ))(4/449) ، والطبرانى (( الكبير ))(6/75/5560) جميعا عن موسى بن عبيدة الربذى عن يوسف بن طهمان بنحوه .
قلت : وللحديث شواهد من أحاديث أسيد بن ظُهير ، وكعب بن عجرة . والخلاصة ، فالحديث صحيح بالمتابعات والشواهد .
(75)عن أسَيْدِ بن ظُهيرٍ الأنصارى عن النَّبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( صلاةٌ فى مسجد قُباءٍ كعمرةٍ )) .
( بيان ) قال ياقوت الحموى فى (( معجم البلدان )) : (( قُبَا بالضمِّ . وأصله اسم بئرٍ هناك عُرفت القرية بها ، وهى مساكن بنى عمرو بن عوف من الأنصار ، وألفه واوٌ ؛ يُمدُّ ويُقصر ، ويُصرف ولا يُصرف . قال عياض : وأنكر أبو عبيدٍ البكرى القصر ، ولم يحك أبو علىٍّ القالى سوى المدَّ . قال الخليل : هو مقصورٌ .(1/66)
قلت : فمن قصره جعله جمع(( قبوة )) وهو الضم والجمع فى لغة أهل المدينة ، وقد قبوتُ الحرفَ إذا ضممتُه ، وكأن النَّاس انضموا فى هذا الموضع ،وسُمِّى بذلك . و(( قُبَا )) قريةٌ على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة ، بها أثر بنيانٍ كثيرٍ، وبساتين وزروعٍ وأشجار ونخيلٍ )) .
قلت : ومن معالم قباء (( بئر أريس )) أو (( بئر الخاتم )) سمِّيت به ، وهو خاتم الخلافة الذى وقع من عثمان بن عفان ، وبحث عنه ثلاثة أيام فلم يجده ، وكان لرسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، ونقشه (( محمد رسول الله )) . وسمِّيت (( أريس )) برجلٍ يهودىٍّ كان يملكها .
ــــــــــــ
(75) حسن صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (2/149/7529 و 6/416/32524) ، وابن سعد (( الطبقات ))(1/245) ، والبخارى (( التاريخ ))(2/47/1641) ، والترمذى (324) ، وابن ماجه (1411) ، وابن أبىعاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/43/1989) ، وأبو يعلى (13/117) ، والطبرانى (( الكبير ))(1/210/570) ، والحاكم (1/478) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/248) و(( شعب الإيمان )) (3/499/4190) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(4/281،282/1472،1473،1474) والمزى (( تهذيب الكمال ))(9/528) جميعا من طريق أبى أسامة حماد بن أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن أبى الأبرد مولى بنى خطمة أنه سمع أسيد بن ظهير به .
قال أبو عيسى الترمذى : (( حسن غريب . ولانعرف لأسيد بن ظهير شيئاً يصحُّ غير هذا الحديث ، ولا نعرفه إلا من حديث أبى أسامة عن عبد الحميد بن جعفر )) .
قلت : بل تابعه على بن ثابت الجزرى عن عبد الحميد بن جعفر . أخرجه عمر بن شبة (( تاريخ المدينة )) (1/32/132) قال : حدثنا محمد بن حاتم ثنا على بن ثابت ثنا عبد الحميد بن جعفر بنحوه .(1/67)
قلت : وإسناد هذا الحديث رجاله موثقون غير أبى الأبرد الخطمى . ذكره ابن حبان فى (( الثقات )) (5/580/6370) . وقال الذهبى فى (( الكاشف ))(1/413) : (( وثق )) .
باب ذكر من كانت الصلاة فى قباء أحبَّ إليه
من الصلاة فى بيت المقدس
(76)عن سعد بن أبى وقاصٍ قال : (( لأن أصلِّى فى مسجد قُبَاءٍ أحبَّ إلىَّ من أن أصلِّى فى بيتِ المقدسِ )) .
باب بيان أن المهاجرين الأولين كانوا يصلون بقباء قبل بناء المسجد النبوى
(77)عن ابن عمر قال : لمَّا قدم المهاجرون الأوَّلون العَصْبَة ـ موضع بقباء ـ قبل مقدم رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، كان يؤمُّهُم سالمٌ مَوْلَى أبى حذيفة ، وكان أكثرَهُمْ قرآناً . فى رواية : وفيهم عمر بن الخطاب ، وأبو سلمة بن عبد الأسد .
(78)عن ابن عمر قال : كان سالمٌ موْلى أبى حُذيْفة يؤم المهاجرين الأوَّلين ، وأصحابَ النَّبىِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فى مسجد قباءٍ ، فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد بن حارثة وعامر ابن ربيعة .
( بيان ) قوله (( العَصْبَة )) بفتح العين المهملة ، وإسكان الصاد ، بعدها باء موحدة . وقال أبو عبيد البكرى فى (( معجم ما استعجم )) : لم يضبطه الأصيلى ، وإنما هو المُعَصَّب على وزن مُحَمَّد ، وهو موضع بقباء .
ــــــــ
(76) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (2/149/7533) عن أبى خالد الأحمر ، والحاكم (3/12) ، والبيهقى (5/249) كلاهما عن أبى أسامة ، كلاهما عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص عن عامر بن سعد وعائشة بنت سعد عن أبيهما به .
وأخرجه عمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(1/33/133) من طريق صخر بن جويرية عن عائشة بنت سعد عن أبيها بنحوه وزاد (( لو يعلمون ما فى قباء ، لضربوا إليه أكباد الإبل )) .(1/68)
(77) صحيح . أخرجه ابن سعد (( الطبقات ))(2/352) ، البخارى (1/128) ، وأبو داود (588) ، وابن الجارود (3079) والبيهقى (3/89) جميعا من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به .
(78) صحيح . أخرجه عبد الرزاق (2/388/3807) ، والبخارى (4/240) ، والطبرانى (7/59/6371) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/89 ) ، وابن حزم (( المحلى ))(4/208) جميعاً من طريق ابن جريج أخبرنى نافعاً أن ابن عمر به .
(79)عن أنس : (( أن رجلا كان يؤمهم بقباء ، فكان إذا أراد أن يفتتح سورة يقرأ بها ؛ قرأ (( قل هو الله أحد )) ، ثم يقرأ بالسورة يفعل ذلك في صلاته كلها ، فقال له أصحابه : أما تدع هذه السورة أو تقرأ بـ(( قل هو الله أحد )) فتتركها ؟ ، فقال لهم : ما أنا بتاركها ! ، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإلا فلا ! ، وكان من أفضلهم ، وكانوا يكرهون أن يؤمهم غيرُه ، فأتوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فذكروا ذلك له ، فدعاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال : يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ، وما يحملك على لزوم هذه السورة ؟ فقال : أحبها يا رسول الله ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( حبها أدخلك الجنة )) .
باب ذكر صبر أهل قباء على الحمى
ودعاء النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأن تكون لهم طهوراً
(80)عن جابر بن عبد اللَّه قال : جاءت الحمى تستأذن على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقال : من أنت ؟ ، فقالت : أنا أم ملدم ؟ ، قال : تعرفين أهل قُباء ؟ ، قالت : نعم ، قال : فاذهبي إليهم قال : فشكوا إلى النَّبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، فقال : (( إن شئتم دعوت اللَّه تعالى يكشف عنكم ، وإن شئتم كانت لكم طهوراً )) ، قالوا : بل تكون لنا طهوراً .
ـــــــــ(1/69)
(79) صحيح . أخرجه البخارى (1/141. سندى) تعليقاً ، والترمذى (2901) ، وابن خزيمة (537) ، وأبو يعلى (6/83/3335) ، وابن حبان (794) ، والطبرانى (( الأوسط ))(1/275/898) ، والحاكم (1/240) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(2/505/2540) ، والضياء المقدسى (( الأحاديث المختارة )) (5/127،128/1749،1750) ، والخطيب (( التاريخ ))(5/263) جميعاً من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن عبيد الله بن عمر عن ثابت البنانى عن أنس به .
(80) صحيح . أخرجه أحمد (3/316) ، وهناد (( الزهد ))(389) ، وعبد بن حميد (1023) ، وابن أبى الدنيا (( المرض والكفارات ))(245) ، وأبو يعلى (3/408/1892) ، وابن حبان (2935) ، والحاكم (1/497) ، والبيهقى (( الكبرى )) (3/375) و(( شعب الإيمان ))(7/194/9967،9968) من طرق عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر بن عبد الله به .
أبواب فضل البقيع ومقابر المدينة
(1) باب أمر الله تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يستغفر لأهل البقيع .
(2) باب خروج النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلما كانت ليلته من عائشة من
آخر الليل إلى البقيع ودعائه لأهل البقيع .
(3) باب تشييع النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للجنائز بالبقيع ، وإتيانه قبورهم
للموعظة والتذكير بالآخرة .
أبواب فضل البقيع ومقابر المدينة
باب أمر الله تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يستغفر لأهل البقيع(1/70)
(81)عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( بعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من جوف الليل ، فقال : يا أبا مويهبة ! إنِّي قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع ، فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم ، قال : السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس ، لو تعلمون ما نجاكم اللَّه منه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المُظلم ، يتبع أولُها آخرَها ، الآخرة شر من الأولى ، ثم أقبل عليَّ ، فقال: يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عزَّ وجلَّ والجنة ، قلت : بأبي وأمي ! فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنَّة ، قال : لا والله ؛ يا أبا مويهبة ! لقد اخترت لقاء ربي والجنة ، ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف ، فبدئ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في وجعه الذي قبضه الله عزَّ وجلَّ فيه ؛ حين أصبح )) .
ــــــــ
(81) صحيح . أخرجه أحمد (3/489) ، والبخارى (( الكنى ))(1/73/692) ، وحماد بن إسحاق (( تركة النبى ))(1/52) ، والرويانى (2/483/1508) ، والطبرانى (( الكبير ))(22/346/871) ، والحاكم (3/55) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(20/111) جميعا من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق حدثنى عبد اللَّه بن عمر بن على العبلى عن عبيد بن جبير مولى الحكم بن أبى العاص عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن أبى مويهبة .
وتابعه عن ابن إسحاق : جرير بن حازم ، وبكر بن سليمان ، وعلى بن مجاهد ، وسلمة بن الفضل الرازى .
فقد أخرجه الدارمى (78) عن بكر ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(1/343/467) عن جرير ، والطبرى (( تاريخ الأمم والملوك ))(2/226) عن على وسلمة أربعتهم عن ابن إسحاق بهذا الإسناد نحوه .(1/71)
قلت : وقع في رواية بعضهم في هذا الإسناد (( عبيد بن حنين )) بمهملة ونونين ، وبه جزم ابن عبد البر فى (( الاستيعاب )) ، وهو تصحيف ، وإنما هو (( عبيد بن جبير )) بجيم وموحدة تحتية وراء مهملة . ووقع فى إسناد الحاكم (( عبيد الله بن عمر بن حفص )) ، وهو وهم ، وإنما هو (( عبد اللَّه بن عمر بن على بن عدى العبلى )) .
(82)عن عائشة قالت : (( قام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات ليلة ، فلبس ثيابه ، ثمَّ خرج . قالت : فأمرت بريرة جاريتي تتبعه ، فتبعته حتَّى جاء البقيع ، فوقف في أدناه ما شاء اللَّه أن يقف ، ثمَّ انصرف ، فسبقته بريرة ، فأخبرتني ، فلم أذكر له شيئاً حتَّى أصبحت ، ثمَّ إنِّي ذكرت له ذلك ، فقال : (( إني بعثت لأهل البقيع لأصلي عليهم )) .
(( بيان )) قال العلامة ياقوت الحموى فى (( معجم البلدان ))(1/473) :
(( بقيع الغرقد ـ بالغين المعجمة ـ : أصل البقيع في اللغة ؛ الموضع الذي فيه أروم الشجر من ضروبٍ شتى ، وبه سمِّي بقيع الغرقد ، والغرقد كبار العوسج .
قال الراجز:
ألِفنَ ضالاً ناعماً وغرقدا
ـــــــــ
= قال البخارى فى (( التاريخ الكبير ))(5/445/1447) : (( عبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص عن عبد الله بن عمرو عن أبي مويهبة ؛ قاله محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عمر العبلي . وقال هاشم بن القاسم عن الحكم بن فضيل عن يعلى بن عطاء عن عبيد بن جبير عن أبي مويهبة حديثه في أهل المدينة )) .
قلت : والحديث بهذا الإسناد رجاله كلهم موثقون ، وعبد الله بن عمر بن على العبلى لم يذكره أحدٌ بجرحةٍ ، وقد ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/36/8892) .(1/72)
وقال أبو نعيم الأصبهانى : (( رواه عامة أصحاب ابن إسحاق هكذا ، وخالفهم محمد بن مسلمة فقال (( عن ابن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن عبد الله بن عمرو )) ، فكأن لابن إسحاق فيه شيخين إن كان محفوظا )) .
(82) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1/240:239. تنوير الحوالك ) ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى )) (2/203) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(1/63/286) ، والنسائى (( الكبرى )) (1/656/2165) و(( المجتبى )) (4/93) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان ))(3740) ، والحاكم (1/488) وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة ))(2/586) جميعاً من طريق مالك عن علقمة بن أبى علقمة عن أمه مرجانة عن عائشة به .
وأخرجه أحمد (6/92) من طريق عبد العزيز بن محمد الداروردى عن علقمة بإسناده .
قلت : هذا إسناد رواته كلهم ثقات ، ويكفى تخريج مالك إياه فى (( الموطأ )) ، وفيه أم علقمة مرجانة مولاة عائشة ، لم يرو عنها سوى ابنها علقمة ، وقد وثقها العجلى فقال : مدنية تابعية ثقة ، وذكرها ابن حبان فى (( الثقات ))(5/466/5755) . وقد استشهدت بحديثها هذا مع ستة أحاديث أخرى فى كتابى (( الإكليل ببيان احتجاج أكابر الأئمة بروايات المجاهيل )) .
وقال الخطيم العكلي :
أواعس في برثٍ من الأرض طيبٍ وأودية ينبُتُن سِدَراً وغرقدا
وهو مقبرة أهل المدينة ، وهي داخل المدينة . قال عمرو بن النعمان البيَّاضي يرثي قومه ، وكانوا قد دخلوا حديقة من حدائقهم في بعض حروبهم ، وأغلقوا بابها عليهم ، ثمَّ اقتتلوا ، فلم يُفتح الباب حتَّى قتل بعضهم بعضاً ، فقال في ذلك :
خلت الديارُ فسدتُ غيرَ مُسوَّدِ ومن العناء تفردي بالسؤددِ
أين الذين عهدتهم في غبطةٍ بين العقيقِ إلى بقيعِ الغرقدِ
كانت لهم أنهابُ كلِّ قبيلةٍ وسلاحُ كلِّ مُدربٍ مستنجدِ(1/73)
نفسي الفداءُ لفتيةٍ من عامرٍ شربوا المنيَّة في مقامٍ أنكدِ
قومٌ هم سفكوا دماءَ سراتهم بعـ ضٌ ببعضٍ فعلَ من لم يرشُدِ
يا للرجال لعثرةٍ من دهرهم تُركت منازلُهم كأن لم تعهدِ
وهذا الأبيات الحماسية منسوبة الى رجلٍ من خثعم ، وفي أولها زيادة على هذا .
وقال الزبير : أعلى أودية العقيق البقيع ، وأنشد لأبي قطيفة :
ليت شعري وأين مني ليتُ أعلى العهدِ يلبنٌ فبرامُ
أم كعهدي العقيقُ أم غيَّرتُه بعدُ الحادثاتُ والأيامُ )) اهـ .
وفى (( لسان العرب ))(3/325) لابن منظور : (( الغرقد : شجر عظام ، وهو من العضاه ، واحدته : غرقدة وبها سُمِّي الرجلُ . قال أبو حنيفة الدينورى : إذا عظمت العوسجة فهي الغرقدة . وقال بعض الرواة : الغرقد من نبات القُفِّ . والغرقد : كبار العوسج ، وبه سُمِّي بقيع الغرقد ، لأنَّه كان فيه غرقد .
وقال الشاعر : ألِفنَ ضالاً ناعماً وغرقدا
وفي حديث أشراط الساعة (( إلا الغرقد ، فإنَّه من شجر اليهود )) ، وفي رواية (( إلا الغرقدة )) ، هو ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك ، والغرقدة واحدته ، ومنه قيل لمقبرة أهل المدينة : بقيع الغرقد ، لأنَّه كان فيه غرقد وقطع .
قال ابن سيده : وبقيع الغرقد مقابر بالمدينة . وربما قيل له (( الغرقد )) ، قال زهير :
لمن الديارُ غشيتُها بالغرقد كالوحي في حجر المسيل المخلدِ )) اهـ .
وقال حسان بن ثابت يرثي رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم :
ما بال عيني لا تنام كأنَّها كحلت مآقيها بكحل الأرمدِ
جزعا على المهدي أصبح ثاوياً يا خير من وطىء الحصى لا تبعدِ
جنبي يقيك الترب لهفي ليتني غُيِّبتُ قبلك في بقيع الغرقدِ
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم يا لهف نفسي ليتني لم أولدِ
بأبي وأمي من شهدت وفاته في يوم الاثنين النبي المهتدي(1/74)
فظللت بعد وفاته متلددا يا ليتني أسقيتُ سُمَّ الأسودِ
يا بكر آمنة المبارك ذكرُه ولدتك محصنة بسعدِ الأسعُدِ
نورا أضاء على البرية كلها من يهد للنور المبارك يهتدِ
صلَّى الإلهُ ومن يحفُّ بعرشِه والطيبون على النَّبيِّ محمِّدِ
وقال يرثى عثمان بن عفان بعد مقتله :
أبكي أبا عمرو وحسنَ بلائه أمسى مقيماً في بقيع الغرقدِ
( إيقاظ ) قال أبو بكر بن أبى شيبة (7/264/35917) : حدثنا أبو بكرٍ الحنفي عن كثير بن زيد المدني عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال : لما مات عثمان بن مظعون دفنه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالبقيع ، أول من دفن فيه ، ثم قال لرجلٍ عنده : (( اذهب إلى تلك الصخرة ، فأتني بها حتى أضعها عند قبره ، حتَّى أعرفه بها ، فمن مات من أهلنا دفناه عنده )) .
باب خروج النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلما كانت ليلته من عائشة
من آخر الليل إلى البقيع ودعائه لأهل البقيع
(83)عن عائشة قالت : (( كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ كلما كانت ليلتها من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، يخرج في آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أتاكم ما توعدون ، غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد )) .
ـــــــــ
(83) صحيح . أخرجه مسلم (7/40) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/656/2166و6/268/10931) و(( المجتبى ))(4/93) و(( عمل اليوم والليلة ))(1092) ، وأبو يعلى (8/249،199/4831،4758) ، وابن حبان (3172) ، وأبو نعيم (( المستخرج على الصحيح ))(3/53/2185) ، والبيهقى (( الكبرى )) (4/78و5/249) جميعا من طريق إسماعيل بن جعفر عن شريك بن أبى نمر عن عطاء بن يسار عن عائشة به .
وتابعه عن شريك : زهير بن محمد ، وعبد العزيز الداروردى .(1/75)
أخرجه أحمد (6/180) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(3/1013/1756) كلاهما عن زهير ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى ))(2/203) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة المنورة ))(284) ، وابن حبان (4523) ثلاثتهم عن الداروردى ، كلاهما عن شريك به .
باب تشييع النَّبىِّ صلّى الله عليه وسلَّم للجنائز بالبقيع
(84)عن علي بن أبى طالب قال : (( كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقعد وقعدنا حوله ، ومعه مخصرة فنكس ، فجعل ينكت بمخصرته ، ثم قال : (( ما منكم من أحدٍ ، ما من نفسٍ منفوسةٍ إلاَّ وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة )) ، فقال رجل : يا رسول الله ! أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ؟ ، فقال : (( من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة )) ، فقال : (( اعملوا فكل ميسر ، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، ثم قرأ (( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى )) .
ــــــــــ(1/76)
(84) صحيح . أخرجه الطيالسى (151) ، عبد الرزاق (11/115/20074) ، وأحمد (1/129) ، وعبد ابن حميد (84) ، والبخارى (1/236و3/216. سندى) ، ومسلم (16/196:195. نووى) ، وأبو داود (4694) ، والترمذى (3344) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/516/11678) ، وابن أبى عاصم (( السنة )) (171) ، والطبرى(( التفسير ))(30/223) ، وأبو يعلى(1/306،437/375،582) ، والمحاملى (( الأمالى )) (1/169/138) ، والطبرانى (( الصغير ))(2/157/950) ، وأبو الشيخ (( طبقات المحدثين بأصبهان )) (3/599/514) ، واللالكائى (( أصول الإعتقاد ))(1064،1065) ، والبيهقى (( شعب الإيمان )) ( 1/205/185) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(6/8) جميعا من طريق منصور بن المعتمر عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبى طالب به .
وتابعه الأعمش عن سعد بن عبيدة . أخرجه البخارى (3/216) و (( الأدب المفرد ))(903) ، ومسلم (16/197) ، والنسائى (( الكبرى))(6/517/11679) ، واللالكائى (( أصول الاعتقاد ))(1062،1063) جميعا من طريق الأعمش عن سعد بن عبيدة نحوه .
أبواب فضل العقيق وأودية المدينة
(1) باب العقيق وادٍ مبارك .
(2) باب ذكر بئر رومة ، وهى فى العقيق ، وقول النَّبىَّ صلّى الله عليه وسلَّم
(( من اشترى بئر رومة ، فله مثلها فى الجنَّة )) .
(3) باب ذكر وادى وسيل مهزور .
(4) باب ذكر بطحان .
(5) باب ذكر آبار المدينة .
أبواب فضل العقيق وأودية وآبار المدينة
باب العقيق وادٍ مبارك
(85)عن عمر قال : سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بوادي العقيق يقول : (( أتاني الليلة آتٍ من ربِّي ، فقال : صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة )) . وفى رواية (( وقل عمرة وحجة )) .(1/77)
(86)عن ابن عمر أن النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رُؤى ، وهو فى معرَّسه بذى الحليفة فى بطن الوادى ، فقيل له : (( إنك ببطحاء مباركة )) .
( بيان ) قال العلامة ابن منظور فى (( لسان العرب ))(10/255) : (( وفي بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى العَقِيقَ . قال أَبو منصور: ويقال لِكُلِّ ما شَقَّه ماء السيل في الأَرض فأَنهره ووسَّعه عَقِيق، والجمع أَعِقَّةُ وعَقَائِقَ ، وفي بلاد العرب أَربعةُ أَعِقَّةٍ ، وهي أَودية شقتها السيول: فمنها عَقِيقُ عارضِ اليمامةِ ، وهو وادٍ واسع مما يلي العَرَمة ، تتدفق فيه شِعابُ العارضِ ، وفيه عيون عذبة الماء ، ومنها عَقِيقٌ بناحية المدينة فيه عيون ونخيل . وفي الحديث (( أَيُّكم يحبُ أَن يَغْدُوَ إِلى بُطْحَانِ العَقِيقِ ؟ )) .
ــــــــ
(85) صحيح . أخرجه الحميدى (19) ، وأحمد (1/24) ، وعبد بن حميد(16) ، ويعقوب بن شيبة (( مسند عمر بن الخطاب ))(1/81) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(428،429) ، والبخارى (1/267و2/48و4/267 . سندى) ، وأبو داود (1800) ، وابن ماجه (2976) ، والبزار (1/312/201،202) ، وابن خزيمة (2617) ، وابن حبان (3790) ، والطحاوى (( شرح المعانى )) (2/146) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/13،14) ، وابن حزم (( حجة الوداع ))(470،471،472) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(2/129/1248) ، وابن حجر (( تغليق التعليق ))(5/325) من طرق عن يحيى بن أبى كثير حدثنى عكرمة أنه سمع ابن عباس عن عمر به .(1/78)
(86) صحيح . أخرجه أحمد (2/90،136) ، والبخارى (1/267و2/48و4/267. سندى) ، ومسلم (9/114،115. نووى) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/330/3640) و(( المجتبى ))(5/126) ، وأبو يعلى (9/350/5460) ، وابن خزيمة (6913) ، والطبرانى (( الكبير ))(12/299/13172) ، وأبو نعيم (( المستخرج على الصحيح ))(4/19/3135،3136) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/245) من طرق عن موسى ابن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه به .
قال ابن الأَثير: هو وادٍ من أَودية المدينة مسيل للماء ، وهو الذي ورد ذكره في الحديث (( أَنَّه وادٍ مبارك )) ، ومنها عَقِيقٌ آخر يَدْفُق ماؤُه في غَوْرَي تِهَامَةَ ، وهو الذي ذكره الشافعي ، فقال : ولو أَهَلُّوا من العَقِيقِ كان أَحَبَّ إِليّ . وفي الحديث (( أَن رسول الله وَقَّتَ لأَهل العِراق بطن العَقِيقِ )) ، قال أَبو منصور : أَراد العَقِيقَ الذي بالقرب من ذات عِرْقٍ ، قبلها بمَرْحلة أَو مرحلتين ، وهو الذي ذكره الشافعي في المناسك ، ومنها عَقِيق القَنَانِ تجري إِليه مياه قُلَلِ نجد وجِباله ؛ وأَما قول الفرزدق :
قِفِي ودِّعِينَا ، يا هُنَيْدُ فإِنَّني أَرى الحَيَّ قد شامُوا العَقِيقَ اليمانيا
فإِن بعضهم قال : أَراد شاموا البرق من ناحية اليمن )) اهـ .
وقال أبو عبيد البكرى (( معجم ما استعجم ))(3/953) : (( وإنما سُمِّي عقيق المدينة ، لأنه عقَّ في الحرَّة ، وهما عقيقان : الأكبر والأصغر ، فالأصغر فيه بئر رومة التي اشتراها عثمان رحمه اللَّه ، والأكبر فيه بئر عروة التي قالت فيها الشعراء .(1/79)
روى نافع عن ابن عمر : (( أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقصر الصلاة بالعقيق )) ، وروى سالم عن أبيه : (( أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قيل له ، وهو بالعقيق : إنك ببطحاء مباركة )) ، وروى عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول بوادي العقيق : (( أتاني آتٍ من ربي ، وقال : صلِّ في هذا الوادي المبارك ، وقل حجة في عمرة )) أخرجه البخارى وغيره . وكان النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قد أقطع بلال ابن الحارث العقيق ، فلما كان عمر قال له : إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يقطعك العقيق لتحجره ، فأقطع عمر الناس العقيق . وإنَّما أقطع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بلالاً العقيق ، وهو من المدينة ، وأهل المدينة أسلموا راغبين في الإسلام غير مكرهين ، ومن أسلم على شيء فهو له ، لأن أبا صالح روى عن ابن عباس : (( أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما قدم المدينة ، جعلوا له كل أرضٍ لا يبلغها الماء ، يصنع فيها ما شاء )) ، قال ذلك أبو عبيد . قال : وقال بعض أهل العلم : إنما أقطع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بلالا العقيق ، لأنَّه من أرض مزينة ولم يكن لأهل المدينة ، وهذا نحو ما قاله عمارة . وحدَّث عبد الله بن القاسم الجعفي قال : قلت لجعفر بن محمد : إنِّي أنزل العقيق وهي كثيرة الحيات ، قال : فإذا رجعت من المدينة فاستقبلت الوادي فأذن فإنَّك لا ترى منها شيئاً إن شاء اللَّه ، ففعلت ، فما رأيتُ منها شيئاً . والدوداء : على وزن فعلاء ـ ساكنة العين ـ بدالين مهملتين ؛ مسيل يُدفع في العقيق . وتناضب : شعبة من بعض أثناء الدوداء . والطريق إلى مكة من المدينة على العقيق ، من المدينة إلى ذي الحليفة ستة أميال ، وقيل سبعة ، وهو الميقات للناس ، وهنالك منزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وارداً وصادراً )) اهـ .(1/80)
وفي (( عقيق المدينة )) يقول الشاعر:
إنِّي مررتُ على العقيقِ وأهلِه يشكون من مطر الربيع نزورا
ما ضركم إن كان جعفرُ جارَكم أن لا يكون عقيقُكم ممطورا
وفى (( معجم البلدان ))(4/140) : (( وقال سعيد بن سليمان المساحقي ، يتشوق عقيق المدينة وهو في بغداد ، ويذكر غلاماً له اسمه زاهر ، وأنه ابتلي بمحادثته بعد أحبته ، فقال :
أرى زاهراً لما رآني مُسْهَدا وأن ليس لي من أهلِ بغدادَ زائرُ
أقام يُعاطيني الحديثَ وإنَّ ـنا لمختلفان يوم تُبلى السرائرُ
يحدِّثني مما يُجَمِّعُ عقلُه أحاديثَ منها مستقيمٌ وجائرُ
وما كنتُ أخشى أن أراني راضيا يُعلِّلني بعد الأحبَّةِ زاهرُ
وبعد المصلَّى والعقيقِ وأهلِه وبعد البلاط حيث يحلو التزاورُ
إذا أعشبت قريانه وتزيَّنت عِراضٌ بها نبتٌ أنيقٌ وزاهرُ
وغنَّى بها الذبانُ تغزو نباتها كما واقعت أيدي القيانِ المزاهرُ
وقد أكثر الشعراء من ذكر العقيق ، وذكروه مطلقاً ، ويصعب تمييز كل ما قيل في العقيق ، فنذكر مما قيل فيه مطلقاً .
قال أعرابي :
أيا نخلتي بطن العقيق؛ أمانعي جنى النخل والتين انتظاري جناكما
لقد خفت أن لا تنفعاني بطائلٍ وأن تمنعاني مجتنى ما سواكما
لو أن أمير المؤمنين على الغنى يُحَدَّثُ عن ظليكما لاصطفاكما
وتزوجت أعرابية ممن يسكن عقيق المدينة ، وحملت إلى نجدٍ ، فقالت :
إذا الريح من نحو العقيق تنسَّمتْ تجدَّد لي شوقٌ يضاعفُ من وجدي
إذا رحلوا بي نحو نجدٍ وأهله فحسبي من الدنيا رجوعي إلى نجدي )) اهـ .
باب ذكر بئر رومة ، وهى فى العقيق
وقول النَّبىِّ (( من اشترى بئر رومة ، فله مثلها فى الجنَّة ))(1/81)
(87)عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : (( لما حُصر عثمان ، أشرف عليهم فوق داره ، ثم قال : أذكركم بالله ؛ هل تعلمون أن حراء حين أنتفض ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : (( أثبت حراء ، فليس عليك إلا نبيٌّ أو صديقٌ أو شهيدٌ )) ، قالوا : نعم ، قال : أذكركم بالله ؛ هل تعلمون أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال في جيش العسرة : (( من ينفق نفقة متقبلة )) والناس مجهدون معسرون ، فجهزت ذلك الجيش ، قالوا : نعم ، ثم قال : أذكركم بالله ؛ هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحدٌ إلا بثمنٍ ، فابتعتها ، فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل ، قالوا : اللهم نعم ، وأشياء عدَّدها )) .
(88)عن الأحنف بن قيس : قال قدمنا المدينة ، فجاء عثمان ، فقيل : هذا عثمان ، وعليه مُلاءة له صفراء ، قد قنع بها رأسه ، قال : ها هنا عليٌّ ! قالوا : نعم ، قال : ها هنا طلحة ! ــــــــ
(87) صحيح . أخرجه البخارى (2/133. سندى) ، والترمذى (3699) ، وابن حبان (6877) ، والطبرانى (( الأوسط )) (2/39/1170) ، والدارقطنى (4/199/10،11،12) ، والبيهقى (( الكبرى )) (6/167) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(1/485:482/360:358) من طرق عن أبى إسحاق السبيعى عن أبى عبد الرحمن السلمى به .
قلت : هكذا رواه شعبة ، وزيد بن أبى أنيسة ، وعبد الكبير بن دينار جميعاً عن أبى إسحاق بهذا الإسناد ، وخالفهم يونس بن أبى إسحاق ، وإسرائيل فروياه (( عن أبى إسحاق عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف )) .
قال أبو الحسن الدارقطنى كما فى (( الأحاديث المختارة ))(1/485) : (( وقول شعبة ومن تابعه أشبه بالصواب )) .(1/82)
(88) صحيح . أخرجه الطيالسى (82) ، وابن أبى شيبة (6/359/32023و7/540/37798) ، وأحمد (1/70) ، وعمر بن شبة(( تاريخ المدينة ))(444) ، والنسائى (( المجتبى ))(6/46،233،234) و(( الكبرى )) (3/31/4391و4/95/6433،6434) ، وابن أبى عاصم (( كتاب السنة ))(1303،1304) ، والبزار (2/45/390،391) ، وابن خزيمة (2487) ، وابن حبان (6881) ، والدارقطنى (4/195:194/1) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/167) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(1/476:474/350:348) من طرق عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن جاوان عن الأحنف بن قيس به .
قالوا : نعم ، قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، أتعلمون أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( من ابتاع مربد بني فلان ؛ غفر الله له )) ، فابتعته بعشرين ألفا أو خمسة وعشرين ألفاً ، فأتيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقلت له : قد ابتعته ، فقال : (( اجعله في مسجدنا ، وأجره لك )) ، فقالوا : اللهم نعم ، فقال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، أتعلمون أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( من يبتاع بئر رومة ؛ غفر الله له )) ، فابتعتها بكذا وكذا ، ثم أتيته ، فقلت : قد ابتعتها ، فقال : (( اجعلها سقايةً للمسلمين ، وأجرها لك )) ، فقالوا : اللهم نعم ، فقال : أنشدكم باللَّه الذي لا إله إلا هو ؛ أتعلمون أن رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم نظر في وجوه القوم ، فقال :(( من جهز هؤلاء ـ يعنى جيش العسرة ـ غفر الله له )) ، فجهزتهم حتَّى لم يفقدوا عقالاً ولا خطاماً ، قالوا : اللهم نعم ، قال : اللهم اشهد ثلاثاً )) .(1/83)
( بيان ) قال أبو عمر بن عبد البر فى (( الاستيعاب ))(3/1039) : (( واشترى عثمان رضى اللَّه عنه بئر رومة ، وكانت ركية ليهودى ، يبيع المسلمين ماءها ، فقال رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلم : (( من يشترى رومة ، فيجعلها للمسلمين ، يضرب بدلوه فى دلائهم ، وله بها مشرب فى الجنة )) ، فأتى عثمان اليهودى ، فساومه بها ، فأبى أن يبيعها كلَّها ، فاشترى نصفها باثنى عشر ألف درهم ، فجعله للمسلمين ، فقال له عثمان رضى الله عنه : إن شئت جعلت على نصيبى قرنين ، وإن شئت فلى يوم ولك يوم ، قال : بل لك يوم ولى يوم فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين ، فلما رأى ذلك اليهودى ، قال : أفسدت على ركيتى ؛ فاشتر النصف الآخر فاشتراه بثمانية آلاف درهم )) اهـ .
ـــــــ
= قلت : هذا إسناد رواته موثقون كلهم ، وعمرو بن جاوان التميمى ؛ ويقال عمر بضم العين لم يذكره أحد بجرحةٍ ، وقد ذكره البخارى فى (( التاريخ الكبير ))(6/146/1977) ، وابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) (6/101/527) ، فلم يذكراه بجرح ولا تعديل . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/168/9501) . وقال الذهبى (( الكاشف ))(2/73/4134) : وثق .
وصححه الحافظ ابن حجر ، فقال فى (( الفتح ))(13/34) : (( أخرج الطبري بسندٍ صحيح عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن جاوان قال : قلت له : أرأيت اعتزال الأحنف ما كان ؟ ، قال : سمعت الأحنف قال : حججنا فإذا الناس مجتمعون في وسط المسجد ـ يعني النبوي ـ وفيهم علي والزبير وطلحة وسعد ، إذ جاء عثمان فذكر قصة مناشدته لهم في ذكر مناقبه )) . وهذا أحد المواضع التى يستدل بها على توثيقه للمقبول ، فقد قال فى (( التقريب ))(1/419/4998) : (( عمرو بن جاوان التميمي البصري ، مقبول من السادسة )) .
باب ذكر وادى وسيل مهزور(1/84)
(89)عن عائشة : (( أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قضى في سيل مهزور ومذينيب ، أن الأعلى يرسل إلى الأسفل ، ويحبس قدر كعبين )) .
ــــــــــ
(89) صحيح لطرقه . أخرجه الحاكم (2/71) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(17/409) كلاهما من طريق إسحاق بن عيسى حدثنا مالك بن أنس عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة .
قال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه )) .
وقال أبو عمر : (( هذا إسناد غريب جداً عن مالك لا أعلمه يروى عن مالك بهذا الإسناد من غير هذا الوجه . وحديث سيل مهزور ومذينيب حديث مدني مشهور عند أهل المدينة مستعمل عندهم معروف معمول به )) .
قلت : وهو كما قال أبو عمر ، هذا حديث يروى من غير وجه عن : عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وثعلبة بن أبى مالك القرظى ، وعبد اللَّه بن أبى بكر بن حزم مرسلاً ، ومحمد بن على بن حسين مرسلاً .
أخرج أبو داود (3639) ، وابن ماجه (2482) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/154) جميعا من طريق المغيرة ابن عبد الرحمن حدثني أبي عبد الرحمن بن الحرث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : (( أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قضى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل )) .
وأخرج أبو داود (3638) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/154) كلاهما من طريق أبى أسامة حماد بن أسامة عن الوليد بن كثير عن أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع كبراءهم يذكرون : (( أن رجلاً من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مهزور ـ السيل الذي يقتسمون ماءه ـ فقضى بينهم رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إن الماء إلى الكعبين ، لا يحبس الأعلى عن الأسفل )) .(1/85)
تابعه محمد بن إسحاق عن أبى مالك بن ثعلبة . أخرجه عمر بن شبة (( تاريخ المدينة )) (501) ، والبلاذرى (( فتوح البلدان ))(1/23) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(1/123/126) ، والطبرانى (( الكبير )) (2/86/1386) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(17/408) من طرق عن ابن إسحاق نا أبو مالك بن ثعلبة عن أبيه بنحوه .
وفى (( الموطأ ))(2/744/1426) : عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنَّه بلغه (( أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال في سيل مهزور ومذينب : يمسك حتى الكعبين ، ثم يرسل الأعلى على الأسفل )) .
( بيان ) قال فى (( معجم البلدان ))(5/234) :
(( مهزورـ بفتح أوله وسكون ثانية ثم زاي وواو ساكنة وراء ـ . قال أبو زيد : يقال هزره يهزره هزراً ، وهو الضرب بالعصا على الظهر والجنب ، وهو مهزور وهزير ، والهزير: المتقحم في البيع والإغلاء ، وقد هزرت له في البيع : أي أغليت .
ومهزور ومذينب : واديان يسيلان بماء المطر خاصة . وقال أبو عبيد : مهزور وادي قريظة . قالوا لما قدمت اليهود إلى المدينة نزلوا السافلة ، فاستوبؤوها فبعثوا رائداً لهم حتى أتى العالية بطحان ومهزوراً ، وهما واديان يهبطان من حرَّة تنصب منها مياه عذبة ، فرجع إليهم فقال : قد وجدت لكم بلداً نزهاً طيباً ، وأودية تنصب إلى حرَّة عذبة ، ومياهاً طيبةً في متأخر الحرَّة ، فتحولوا إليها ، فنزل بنو النضير ومن معهم بُطحان ، ونزلت قريظة وهدل على مهزور ، فكانت لهم تلاعٌ وماءٌ يسقي سمراتٍ .
وفي مهزور اختصم إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ في حديث أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه (( أن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أتاه أهلُ مهزور ، فقضى أن الماء إذا بلغ الكعبين لم يحبس الأعلى )) .(1/86)
وكانت المدينة أشرفت على الغرق في خلافة عثمان رضي اللَّه عنه من سيل مهزور ، حتَّى اتخذ عثمان له ردماً . وجاء أيضا بماءٍ عظيمٍ مخوفٍ في سنة 516، فبعث إليه عبد الصمد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس ، وهو الأمير يومئذ ؛ عبيد الله بن أبي سلمة العمري ، فخرج وخرج الناس بعد صلاة العصر ، وقد ملأ السيل صدقات رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم ، فدلتهم عجوزٌ من أهل العالية على موضعٍ كانت تسمعُ الناسَ يذكرونه ، فحضروه فوجدوا للماء مسيلاً ، ففتحوه فغاض الماء منه إلى وادي بطحان . قال أحمد بن جابر : ومن مهزور إلى مذينب شعبة تصب فيها )) اهـ .
وقال البلاذرى فى (( فتوح البلدان ))(1/23) :
(( وحدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبي مالك ابن ثعلبة عن أبيه : (( أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قضى في وادي مهزور أن يُحبس الماء في الأرض الى الكعبين ، فإذا بلغ الكعبين أرسل الى الأخرى ، لا يمنع الأعلى الأسفل )) . وحدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث : (( أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قضى في سيل مهزور أن الأعلى يمسك على من أسفل منه ؛ حتى يبلغ الكعبين ، ثم يرسله على من أسفل منه )) . وحدثني عمر بن حماد بن أبي حنيفة قال حدثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري عن أبيه قال : (( قضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سيل مهزور ومذينيب أن يحبس الماء حتى يبلغ الكعبين ، ثم يرسل الأعلى على الأسفل )) ، قال مالك : وقضى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في سيل بطحان بمثل ذلك .(1/87)
وحدثني الحسين بن الأسود العجلي قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن محمد بن إسحاق قال حدثنا أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك عن أبيه قال : (( اختصم إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم في مهزورـ وادي بني قريظة ـ فقضى أن الماء إلى الكعبين ، لا يحبسه الأعلى على الأسفل )) . وحدثني الحسين قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : (( قضى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سيل مهزور أن لأهل النخل إلى العقبين ، ولأهل الزرع إلى الشراكين ، ثم يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم )) .
وحدَّثني على بن محمد المدائني أبو الحسن عن ابن جعدبة وغيره قالوا : أشرفت المدينة على الغرق في خلافة عثمان من سيل مهزور ، حتَّى اتَّخذ له عثمان ردماً .
قال أبو الحسن : وجاء أيضا بماء مخوف عظيم في سنة ست وخمسين ومائة ، فبعث إليه عبد الصمد بن علي بن عبد اللَّه بن العباس ، وهو الأمير يومئذ ، عبيد الله بن أبي سلمة العمري ، فخرج ، وخرج النَّاس بعد صلاة العصر ، وقد ملأ السيلُ صدقاتِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فدلتهم عجوزٌ من أهل العالية على موضعٍ كانت تسمعُ الناسَ يذكرونه فحفروه فوجدوا للماء منسرباً ، فغاض منه إلى وادي بطحان .
قال : ومن مهزور إلى مذينيب شعبة يصبُّ فيها )) اهـ .
باب ذكر بُطحان(1/88)
(90) عن عقبة بن عامرٍ قال : خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن في الصُّفَة ، فقال : (( أيُّكم يحبُ أن يغدو كلَّ يومٍ إلى بُطحان أو إلى العقيق ، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثمٍ ولا قطع رحم )) ، فقلنا : يا رسول اللَّه ! نحبُ ذلك ، قال : (( أفلا يغدو أحدُكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ خيرٌ له من ناقتين ، وثلاثٌ خيرٌ له من ثلاثٍ ، وأربعٌ خيرٌ له من أربعٍ ، ومن أعدادهن من الإبل )) .
(91)عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسبُّ كفار قريشٍ ، وقال : يا رسول الله ! ما كدتُ أن أصلَّي حتَّى كادت الشمس تغرب ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( فوالله ما صليتُها )) ، فنزلنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بُطحان ، فتوضأ للصلاة ، وتوضأنا لها ، فصلَّى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثمَّ صلَّى بعدها المغرب )) .
ـــــــــ
(90) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (6/133/30074) ، وأحمد (4/154) ، ومسلم (6/89) ، وأبو داود (1456) ، والرويانى (1/168/206) ، وابن حبان (115) ، والطبرانى (( الكبير ))(17/290/799) و(( الأوسط ))(3/291/3186) ، وأبو نعيم (( المستخرج على الصحيح ))(2/393/1824) و(( الحلية )) (2/8) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(2/325/1943) و(( السنن الصغرى ))(985) من طرق عن موسى بن علىٍّ عن أبيه علىِّ بن رباح اللخمى عن عقبة بن عامر الجهنى به .(1/89)
(91) صحيح . أخرجه البخارى (1/112،118،168و3/33. سندى) ، ومسلم (5/134:133) ، والترمذى (180) ، والنسائى (3/84) ، وابن خزيمة (995) ، وأبو عوانة (( المسند )) (1/298/1053:1051) ، وابن حبان (2878) ، وأبو نعيم (( المستخرج على الصحيح )) (2/229/1405) ، والبيهقى (( الكبرى ))(2/219) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(23/133) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(2/530) من طرق عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله به .
(92)عن ثابت بن قيس بن شمَّاسٍ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخل عليه ، فقال : (( اكشفْ الباسْ ، ربَّ الناسْ ؛ عن ثابت بن قيس بن شمَّاسْ )) ، ثم أخذ تراباً من بُطحان ، فجعله في قدحٍ فيه ماءٌ فصبَّه عليه .
( بيان ) قال شيخ الإسلام أبو زكريا النووى فى (( شرح صحيح مسلم ))(5/132) :
(( بُطْحَان ؛ هو بضم الباء الموحدة وإسكان الطاء وبالحاء المهملتين ، هكذا هو عند جميع المحدثين في رواياتهم ، وفي ضبطهم وتقييدهم . وقال أهل اللغة : هو بفتح الباء وكسر الطاء ، ولم يجيزوا غير هذا ، وكذا نقله صاحب (( كتاب البارع )) ، وأبو عبيد البكري فى (( معجمه )) وهو وادٍ بالمدينة )) اهـ .(1/90)
وقال ياقوت الحموى (( معجم البلدان ))(1/446،447) : (( بُطْحَان ـ بالضم ثم السكون ـ كذا يقوله المحدثون أجمعون ، وحكى أهل اللغة : بَطِحَان ـ بفتح أوله وكسر ثانيه ـ وكذلك قيده أبو علي القالي في (( كتاب البارع )) ، وأبو حاتم ، وأبو عبيد البكري ، وقال : لا يجوز غيره . وقرأت بخط أبي الطيب أحمد ابن أخي محمد الشافعي ، وخطه حجة : بَطْحَان ـ بفتح أوله وسكون ثانيه ـ وهو وادٍ بالمدينة . وهو أحد أوديتها الثلاثة ، وهي العقيق وبطحان وقناة . قال غير واحد من أهل السير : لما قدم اليهود المدينة نزلوا السافلة ، فاستوخموها فأتوا العالية ، فنزل بنو النضير بطحان ، ونزلت بنو قريظة مهزوراً ، وهما واديان يهبطان ـــــــــ
(92) صحيح . أخرجه أبو داود (3885) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/252،258/10856،10879) و(( عمل اليوم والليلة ))(1040،1017) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(1/127/130) ، وابن حبان (6037) ، والطبرانى (( الكبير ))(2/71/1323) و(( الأوسط ))(9/57/9118) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(24/553) جميعاً من طريق عبد الله بن وهب عن داود بن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن يحيى المازنى عن يوسف بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده به .
وقال أبو القاسم الطبرانى : (( لم يرو هذا الحديث عن يوسف بن محمد بن ثابت بن قيس إلا عمرو بن يحيى ، ولم يروه عن عمرو بن يحيى إلا داود العطار ، تفرد به ابن وهب )) .
قلت : هذا إسناد رواته كلهم ثقات ، غير يوسف بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس . وقد ذكره البخارى فى (( التاريخ الكبير ))(8/377/3387) ، وابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) (9/228/958) فلم يذكراه بجرح أو تعديلٍ .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/633/11825) ، وصحح حديثه ، وليس له فى (( صحيحه )) غيره .
وقال ابن حجر(( التقريب ))(1/611/7879) : (( مقبول من السابعة )) .(1/91)
من حرَّة هناك ، تنصب منها مياه عذبة ، فاتخذ بها بنو النضير الحدائق والآطام ، وأقاموا بها ، إلى أن غزاهم النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، وأخرجهم منها .
قال الشاعر ـ وهو يقوِّي رواية من سكَّن الطاء ـ :
أيا سعيدُ لم أزلْ بعدكم في كَرَبٍ للشوق تغشاني
كم مجلسٍ ولى بلذاته لم يهنني إذا غاب ندماني
سُقيا لسلعٍ ولساحاتها والعيشِ في أكناف بُطْحَانِ
أمسيت من شوقي إلى أهلها أدفع أحزاناً بأحزانِ
وقال ابن مقبل ـ في قول من كسر الطاء ـ :
عفى بَطِحَانُ من سُليمى فيَثْربِ
فملقى الرحال من منى فالمحصبِ
وقال أبو زياد : بَطْحَان من مياه الضباب البطحة ـ بالفتح ثم السكون ـ ماء بوادٍ يقال له (( الخنوقة )) اهـ .
باب ذكر آبار المدينة
(93)عن عائشة : (( أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم كان يُستقي له الماء العذب من بيوت السُّقيا )) ، وربما قال (( يُستعذبُ له الماءُ من بئر السُّقيا )) .
( بيان ) قال الحافظ ابن حجر فى (( الإصابة ))(4/572/5697) : (( علي السلمي ، والد سدرة . قال أبو عمر : هو من أهل قباء . وروى الطبراني وابن شاهين من طريق عبد الله ابن كثير بن جعفر عن بديح بن سدرة بن علي السلمي عن أبيه عن جده قال : خرجنا مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم حتى نزلنا القاحة ، فنزل في صدر الوادي ، فبحث بيده في ـــــــــ
(93) صحيح . أخرجه أحمد (6/100،108) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(841،905،1734) ، وابن سعد (( الطبقات ))(1/506) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(462) ، وأبو داود (3735) ، وأبو يعلى (8/82/4613) ، وابن حبان (5332) ، والحاكم (4/138) ، وأبو الشيخ (( أخلاق النَّبى )) (227،228) ، وأبو نعيم (( أخبار أصبهان ))(2/125) جميعا من طريق عبد العزيز بن محمد الداروردى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به .(1/92)
وقال أبو عبد الله الحاكم : (( صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه )) .
البطحاء ، ففحص فانبعث عليه الماء فقال : هذه سقيا سقاكموها الله فسُمِّيت السُّقيا )) .
وفى (( تاريخ المدينة )) لابن شبَّة : أن بئر السُّقيا كانت لذكوان بن عبد قيسٍ الزرقى ، فابتاعها منه سعد بن أبى وقاصٍ ببعيرين ، وكان اسم أرض السقيا (( الفلج )) .
(94)عن أنس قال : (( كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلا ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يدخلُها ، ويشرب من ماءٍ فيها طيِّبٍ ، فلما أنزلت (( لن تنالوا البرَّ حتَّى تنفقوا مما تحبُّون )) ، قام أبو طلحة فقال : يا رسول الله ! إنَّ الله يقول (( لن تنالوا البرَّ حتى تنفقوا مما تحبُّون )) وإنَّ أحبَّ أموالي إلى بَيْرَحَاء ، وإنَّها صدقة للَّه ، أرجو برَّها وذخرها عند اللَّه ، فضعها يا رسول الله حيث أراك اللَّه ، قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : بخٍ ! ذلك مالٌ رابحٌ ، ذلك مالٌ رابحٌ ، وقد سمعتُ ما قلتَ ، وإنِّي أرى أن تجعلَها في الأقربين ، قال أبو طلحة : أفعل يا رسولَ اللَّه ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه ، وبني عمه )) .
( بيان ) قال الحافظ ابن حجر فى (( فتح الباري )) : (( بَيْرَحَاء ـ بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح الراء وبالمهملة والمد ـ ، وجاء في ضبطه أوجهٌ كثيرة ، جمعها ابن الأثير في (( النهاية )) ؛ فقال : يروى بفتح الباء وبكسرها ، وبفتح الراء وضمها ، وبالمد والقصر ، فهذه ثمان لغات . وفي رواية حماد بن سلمة (( بَرِيحا )) ـ بفتح أوله وكسر الراء وتقديمها على التحتانية ـ ، وفي رواية (( بَاريحا )) مثله لكن بزيادة ألف .(1/93)
وقال الباجي : أفصحها بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء مقصور ، وكذا جزم به الصغاني ، وقال : إنه فيعلى من البراح ، قال : ومن ذكره بكسر الموحدة ، وظن أنَّها بئر من آبار المدينة فقد صحَّف )) اهـ .
ــــــــ
(94) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/156) ، وأحمد (3/141) ، والدارمى (1655) ، والبخارى (1/254و2/44،128،129و3/113،324. سندى) ، ومسلم (7/84) ، وعمر بن شبة (460) والنسائى (( الكبرى ))(6/311/11066) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(3/289) ، وابن حبان (3329،7138) ، وأبو نعيم (( المستخرج ))(3/81/2244) ، والبيهقى (( الكبرى )) (6/164،165،275) و(( شعب الإيمان ))(3/248/3450) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة )) (2/691) جميعا من طريق مالك عن إسحاق بن أبى طلحة عن أنس به .
ونقل شيخ الإسلام أبو زكريا النووى فى (( شرح صحيح مسلم ))(7/84) عن القاضى عياض قال : (( وأكثر رواياتهم في هذا الحرف بالقصر ، ورويناه عن بعض شيوخنا بالوجهين ، ووجدته بالمد بخط الأصيلى . وهو حائط ـ يعنى بستان ـ يُسمَّى بهذا الاسم ، وليس اسم بئر ، والحديث يدل عليه )) اهـ .
وذكره أبو عبيد البكرى فى آبار المدينة ، فقال فى (( معجم ما استعجم ))(1/413) : (( حاء بالمدينة ، وهو الذي ينسب إليه بِئْرُ حَاء )) . وقال : (( وبعض الرواة يرويه بَيْرَحا ، جعله اسماً واحداً ، والصحيح ما قدمتُه )) اهـ .(1/94)
(95)عن عائشة قالت : (( سَحَرَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم رجلٌ من يهود بني زريق ، يقال له : لبيد بن الأعصم ، حتَّى كان يُخيَّلُ إليه أنَّه فعل الشيء ، ولم يفعله ، حتَّى إذا كان ذات يوم أو ليلةٍ ، قال : يا عائشة أشعرت أن اللَّه أفتاني فيما استفتيته ، أتاني ملكان ، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ ، فقال الآخر: مطبوب ، فقال : ومن طبه ؟ ، قال : لبيد بن الأعصم ، قال : في أي شيء ؟ ، قال : في مشطٍ ومشاطةٍ ، وجفِّ طلعةِ نخلةِ ذكرٍ ، قال : وأين هو ؟ ، قال : في (( بئر ذروان )) ، قالت : وأتاها نبيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ناسٍ من الصحابة ، فقال : يا عائشة ! ـــــــــ
(95) صحيح . أخرجه الشافعى (( المسند ))(ص382) و(( الأم ))(1/256) ، والحميدى (259) ، وابن أبى شيبة (5/41/23519) ، وأحمد (6/63،96) ، وإسحاق بن راهويه (2/229/737) ، وابن سعد (( الطبقات ))(2/196) ، والبخارى (2/220و4/20،21،60،111) ، ومسلم (14/174،178) ، والنسائى (( الكبرى ))(4/380/7615) ، وابن ماجه (3545) ، وأبو يعلى (8/290/4882) ، وابن حبان (6549،6550) ، والبيهقى (( الكبرى ))(8/135) ، والأصبهانى (( دلائل النبوة ))(ص170) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة ))(2/660) ، وابن حجر(( تغليق التعليق ))(3/512) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به .
قلت : رواه جماعة من الرفعاء الأثبات عن هشام : أنس بن عياض ، وحماد بن أسامة ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الملك بن جريج ، وعيسى بن يونس ، وعبد الرحمن بن أبى الزناد ، والليث بن سعد ، ومعمر ، ووهيب ابن خالد ؛ فقالوا جميعاً (( ذَرْوَان )) بفتح المعجمة وسكون الراء ، ورواه عبد الله بن نمير كما فى (( صحيح مسلم )) ، فقال (( ذى أروان )) .(1/95)
وقال أبو زكريا النووى : (( وكلاهما صحيح ، و(( ذى أروان )) أجود وأصحُّ ، وادَّعى ابن عتيبة أنه الصواب ، وهو قول الأصمعى )) اهـ .
كأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رأس نخلها رؤوسُ الشياطين ، فقلت : يا رسول الله أفلا استخرجتها ، قال : (( قد عافاني الله ، وكرهت أن أثير على المسلمين منه شراً )) .
( بيان ) قال الحافظ ابن حجر فى (( هدى السارى ))(1/91) : (( قوله (( بئر ذَرْوَان )) هو موضعٌ على ساعةٍ من المدينة . قال الأصمعي : من قالها (( ذَرْوَان )) فقد أخطأ ، وإنما هي (( ذو أروان )) ، وقال غيره : إنَّما قالوا (( ذَرْوَان )) تخفيفاً )) .
وقال الحموى فى (( معجم البلدان ))(1/162) : (( أروان ـ بالفتح ثم السكون وواو وألف ونون ـ اسم بئرٍ بالمدينة ، وقد جاء فيها (( ذَرْوَان )) و (( ذو أروان )) ، كل ذلك قد جاء في الحديث )) .
( إيقاظ وتنبيه ) قال شيخ الإسلام النووى (( شرح مسلم ))(14/174) : (( وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث ، فزعم أنه يحط منصب النبوة ، ويشكك فيها ، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع . وهذا الذى ادَّعاه هؤلاء المبتدعة باطل ، لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وصحته وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ ، والمعجزة شاهدة بذلك ، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل . فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التى لم يُبعث بسببها ، ولا كان مفضلا من أجلها ، وهو مما يعرض للبشر ، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له )) .(1/96)
وقال : (( قال القاضى عياض : وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة : أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه ، لا على عقله وقلبه واعتقاده ، فيكون معنى قوله فى الحديث (( حتى يظن أنه يأتى أهله ولا يأتيهن )) ، ويروى (( يخيل إليه )) أى يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن ، فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر ، فلم يأتيهن ولم يتمكن من ذلك ؛ كما يعترى المسحور . وكل ما جاء فى الروايات من أنه يخيل إليه فعل شىء لم يفعله ، فمحمول على التخيل بالبصر ؛ لا لخلل تطرق إلى العقل ، وليس فى ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة ، ولا طعنا لأهل الضلالة . والله أعلم )) .
(96)عن أبي سعيد الخدري قال : قيل : يا رسول الله ! أتتوضأ من بئر بضاعة ، وهي بئر يطرح فيها لحوم الكلاب والحيض والنتن ، فقال : (( الماء طهور لا ينجسه شيء )) .
( بيان ) قال أبو عبيد البكرى فى (( معجم ما استعجم ))(1/255) : (( بُضَاعَة ـ بضم أوله وبالعين المهملة ـ على وزن فُعَالة ؛ دار لبني ساعدة معروفة . قال أبو أسيد بن ربيعة الساعدي :
نحن حمينا عن بُضَاعةَ كلَّها ونحن بنينا مُعْرِضاً فهو مُشْرَفُ
وبئر بضاعة هي التي ورد فيها حديث أبى سعيد الخدرى (( قيل لرسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أنتوضأ من بئر بضاعة ، وهي يطرح فيها المحيض ولحم الكلاب والنتن ؟ ، فقال : (( الماء طهورلا ينجسه شيء )) . ومُعْرِض : أطم بني ساعدة )) اهـ .
ـــــــــ(1/97)
(96) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (1/131/1505و7/281/36092) ، وأحمد (3/31) ، وأبو داود (66) ، والترمذى (66) ، والنسائى (1/174) ، وابن الجارود (( المنتقى ))(47) ، وابن حبان (( الثقات )) (7/549/11410) ، والدارقطنى (1/29/10) ، والبيهقى (( الكبرى ))(1/4،257) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(19/83) جميعا من طريق أبى أسامة حماد بن أسامة عن الوليد بن كثير ثنا محمد بن كعب القرظى عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن أبى سعيد الخدرى به .
قلت : هذا الإسناد أمثل أسانيد الحديث وأصحها ، وقد صححه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، وابن الجارود ، والحاكم فى جمع من الأئمة . وقال أبو عيسى : (( هذا حديث حسن . وقد جوَّد ه أبو أسامة ، فلم يرو حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة ، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد )) .
(97)عن محمود بن الربيع الأنصاري : (( أنَّه عَقِل رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وعَقِل مجَّةً مَجَّها في وجهِه من بئرٍ كانت في دارهم )) . وفى رواية (( وأنا ابن خمس سنين )) .
ــــــــــ(1/98)
(97) صحيح . أخرجه ابن المبارك (( الزهد ))(920) ، والطيالسى (1242) ، وعبد الرزاق (10/429/19600) ، وأحمد (5/427،429) ، وابن سعد (( الطبقات ))(1/506) ، والبخارى (1/25،152،205و4/117) ، ومسلم (5/116. نووى) ، والنسائى (( الكبرى )) (3/438/5865و6/272/10947) و(( عمل اليوم والليلة ))(1108) ، وابن ماجه (660،754) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/178/2158) ، وابن خزيمة (1709) ، وأبو عوانة (( المسند )) (1/22/18) ، وابن حبان(1289،4517) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/117/1084) ، والطبرانى (( الكبير ))(18/32/54،55) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/96) ، والمقدسى (( فضائل بيت المقدس ))(62) من طرق عن الزهرى عن محمود بن الربيع به .
أبواب فضل جبل أحد وجبال المدينة
(1) باب أحد جبلٌ يحبُّنا ونحبُّه .
(2) باب ذكر جبل ورقان .
أبواب فضل أحد وجبال المدينة
باب أحُدٌ جبلٌ يحبُنا ونحبُّه
(98)عن أنس بن مالك أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طلع له أحُدٌ فقال : (( هذا جبلٌ يحبُّنا ونحبُّه ، اللهم إنَّ إبراهيمَ حرَّم مكَّة ، وإنِّي أحرَّم ما بين لابتيها )) .
باب ذكر جبل ورقان
(99)عن أبى هريرة قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( ضرسُ الكافر يوم القيامة مثل أحُدٍ ، وعرضُ جلده سبعون ذراعاً ، وعضدُه مثلُ البيضاء ، وفخذه مثل وَرْقَان ، ومقعدُه من النَّار ما بيني وبين الرَّبَذة )) .
ــــــــــ(1/99)
(98) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/86. تنوير الحوالك ) ، وأحمد (3/149) ، والبخارى (2/239و3/27و4/266) ، وعمر بن شبة (( تاريخ المدينة ))(262) ، والترمذى (3922) ، وأبو يعلى (6/369/3702) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/193) ، وأبو الشيخ (( العظمة ))(5/1706) ، والجَنَدى (( فضائل المدينة ))(62،9) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/197) جميعاً من طريق مالك عن عمرو بن أبى عمرو مولى المطلب عن أنس .
تابع مالكاً عن عمرو : إسماعيل بن جعفر ، وأخوه محمد بن جعفر بن أبى كثير ، ويعقوب بن عبد الرحمن ، وابن جريج ، وسليمان بن بلال ، وعبد الرحمن بن أبى الزناد .
وأخرجه أحمد (3/140) ، والبخارى (3/27. سندى ) ، ومسلم (9/162. نووى ) ، وعمر بن شبة (265) ، وأبو يعلى (5/325،438/2948،3139) ، وابن حبان (3717) ، وأبو الشيخ (( العظمة )) (5/1707) ، وأبو نعيم (( المستخرج ))(4/54/3215) من طرق عن قرة بن خالد السدوسى عن قتادة عن أنس بنحوه .
(99) حسن . أخرجه أحمد (2/328) عن ربعى بن إبراهيم ، والحاكم (4/637) عن بشر بن المفضل ، كلاهما عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة به .
وقال أبو عبد اللَّه الحاكم : (( صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) .
قلت : بل إسناده حسن ، عبد الرحمن بن إسحاق صدوق رمى بالقدر ، كما فى (( التقريب )) .(1/100)
( بيان ) قال الحموى (( معجم البلدان ))(5/372) : (( ورقان ، قال عرام بن الأصبغ : في أسماء جبال تهامة ، ولمن صدر من المدينة مصعداً ، أول جبل يلقاه من عن يساره (( ورقان )) ، وهو جبل عظيم أسود كأعظم ما يكون من الجبال ، ينقاد من سيالة إلى المتعشى ، بين العرج والرويثة . وفي (( ورقان )) أنواع الشجر المثمر ، وغير المثمر ، وفيه القرظ ، والسماق ، والخزم ، وفيه أوشال وعيون عذاب ، والخزم شجر يشبه ورقه ورق البردي ، وله ساق كساق النخلة ، تتخذ منه الأرشية الجياد ، وسكان ورقان بنو أوس بن مزينة ، وهم أهل عمود . وقال أبو سلمة ، يمدح الزبير :
إن السماح من الزبير محالفٌ ما كان من ورقان ركنٌ يافعُ
فتحالفا لا يغدران بذمةٍ هذا يجود به وهذا شافعُ )) اهـ .
( بيان ثان ) ومن جبال المدينة : شوران ، وميطان ، وعير ، ويتيب .
قال الحموى (( معجم البلدان ))(5/243) : (( ميطان ـ بفتح أوله ثم السكون وطاء مهملة وآخره نون ـ من جبال المدينة ، مقابل الشوران ، به بئر ماء يقال له (( ضفة )) ، وليس به شيء من النبات ، وهو لمزينة وسُليمٍ . وقد روى أهل المغرب غير ذلك وهو خطأ . له ذكر في (( صحيح مسلم )) .
وقال معن بن أوسٍ المزني ، وكان قد طلَّق امرأته ثم ندم :
كأن لم يكنْ يا أم حقة قبل ذا بميطان مصطافٌ لنا ومرابعُ
وإذ نحن في عصر الشباب وقد عسا بنا الآن إلا أنْ يعوَّض جازعُ
فقد أنكرتُه أم حقة حادثاً وأنـ ـكرها ما شئتَ والحبُ جارعُ
ولو آذنتنا أم حقة إذ يبا شرون وإذ لما ترعنا الروائعُ
لقلنا لها بيني كليلي حميدةً كذاك بلا ذمٍ تُرد الودائعُ )) اهـ .
وقال البكرى (( معجم ما استعجم ))(4/1284) :
(( ميطان ـ بكسر أوله وبالطاء ـ موضع ببلاد مزينة من أرض الحجاز . قال معن بن أوس :(1/101)
كأن لم يكن يا أم حقة قبل ذا بميطان مصطافٌ لنا ومرابعُ
قال الشاعر يرثى سعد بن معاذ ويذكر أمر بني قينقاع :
وقد كان ببلدتهم ثقالا كما ثقلت بميطان الصخورُ )) اهـ .
وقال : (( وحذاء شوران جبل يقال له (( ميطان )) ، فيه بئر يقال لها ضفة ، هو لبني سليم لا نبات فيه وحذاء ميطان جبل يقال له شي وجبال شواهق كبار يقال لها الجلاه ، لا تنبت شيئا ، وإنما تقطع منها حجارة الأرحاء والبناء )) اهـ .
وفى (( معجم البلدان ))(3/371) : (( شوران ـ بالفتح ثم السكون والراء وآخره نون ـ ، قال الأديبي : هو موضع لبني يربوع بأود ، قال بعضهم : (( أكلتها أكل من شوران صادمه )) يقال : شرت الدابة شوراً ، إذا عرضتها على البيع ، ولعل هذا الموضع قد كانت تعرض فيه الدواب . قال نصر: (( شوران )) وادٍ في ديار بني سليم ، يفرغ في الغابة ، وهي من المدينة على ثلاثة أميال . وقال أبو الأشعث الكندي : (( شوران )) جبل عن يسارك ، وأنت ببطن عقيق المدينة تريد مكة ، وهو جبل مطل على السد ، مرتفع ، وفيه مياه كثيرة يقال لها البُجيرات ، وعن يمينك حينئذ (( عير )) . قال عرام : ليس في جبال المدينة نبت ولا ماء غير شوران فإن فيه مياه سماء كثيرة ، وفي كلها سمك أسود مقدار الذراع ، وما دون ذلك أطيب سمكٍ يكون . وحذاء شوران جبل يقال له (( ميطان )) ، كانت البغوم صاحبة ريحان الخضري نذرت أن تمشي من (( شوران )) حتى تدخل من أبواب المسجد كلها ، مزمومة بزمامٍ من ذهبٍ ، فقال شاعر :
يا ليتني كنت فيهم يوم صبحهم من نقب شوران ذو قرطين مزمومُ
تمشي على نَجْسٍ تدمى أناملها وحولها القبطريات العياهيمُ
فبات أهل بقيع الدار يفعمهم مسكٌ ذكيٌ وتمشي بينهم ريمُ )) اهـ .(1/102)
وفى (( معجم البلدان ))(5/429) : (( يَتِيب ـ بالفتح ثم الكسر ثم ياء وباء موحدة ـ . في مغازي ابن عقبة بخط أبى نعيم (( خرج أبو سفيان في ثلاثين فارساً أو أكثر ، حتَّى نزل بجبلٍ من جبال المدينة ، يقال له (( يتيب )) ، فبعث رجلا أو رجلين من أصحابه ، فأمرهما أن يحرقا أدنى نخل يأتيانه من نخل المدينة ، فوجدا صوراً من صيران نخل العريض فأحرقا فيها )) اهـ .
أبواب معالم وأحداث تاريخية بالمدينة
(1) باب هجرة النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة المشرفة .
(2) باب تزويج النبى صلَّى الله عليه وسلَّم عائشة وبنائه بها بالمدينة .
(3) باب مبتدأ الأذن بالقتال ونسخ العفو عن المشركين .
(4) باب إجلاء اليهود من المدينة .
( تنبيه ) ولم أذكر هاهنا المغازى ، وإن كانت من أهم الأحداث التاريخية ، لإنها مما ينبغى أن تفرد ويخصص لها مصنف آخر ! .
أبواب معالم وأحداث تاريخية بالمدينة
باب هجرة النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة المشرفة(1/103)
(100)عن عائشة زوج النَّبىِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قالت : (( لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم طرفي النَّهار بكرة وعشية ، فلما ابتلي المسلمون ، خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة ، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة ، وهو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر؟ ، فقال أبو بكر: أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي ، قال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج ، إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ارجع واعبد ربك ببلدك ، فرجع وارتحل معه ابن الدغنة ، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج ، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ، فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة ، وقالوا لابن الدغنة : مُرْ أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فليصل فيها وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا ، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر ، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ، ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ فى غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره ، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن ، فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، وهم يعجبون منه وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلا بكَّاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة ، فقدم عليهم ، فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره ، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره ، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه ، فإن أحب أن يقتصر على أن ـــــــــــ(1/104)
(100) صحيح . أخرجه عبد الرازق (5/384/9743) ، وأحمد (6/198) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(2/323/849) ، والبخارى (2/331. سندى) ، وابن خزيمة (265) ، وابن حبان (6277،6868) ، واللألكائى (( أصول الإعتقاد ))(4/765/1422) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/204) من طرق عن الزهرى عن عروة عن عائشة به .
يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر ، فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترجع إلي ذمتي ،(1/105)
فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له ، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك ، وأرضى بجوار اللَّه عز وجل ، والنَّبيَّ صلَّى اللّه عليه وسلَّم يومئذ بمكة ، فقال النَّبي صلَّى الله عليه وسلم للمسلمين : (( إني أريت دار هجرتكم ، ذات نخل بين لابتين ـ وهما الحرتان ـ )) ، فهاجر من هاجر قبل المدينة ، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة ، وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي ، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت ، قال : نعم ، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه ، وعلف راحلتين كانتا عنده بورق السمر ـ وهو الخبط ـ أربعة أشهر . قالت عائشة : فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة ، قال قائل لأبي بكر : هذا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم متقنعاً في ساعةٍ لم يكن يأتينا فيها ، فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن ، فأذن له ، فدخل ، فقال النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي بكر : أخرج من عندك ، فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله ، قال : فإني قد أذن لي في الخروج ، فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ! ، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : نعم ، قال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين ، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : بالثمن . قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز ، وصنعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها ، فربطت به على فم الجراب ، فبذلك سميت ذات النطاقين . قالت : ثم لحق رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أبو بكر بغارٍ في جبل ثور ، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب ثقف لقن ، فيدلج من(1/106)
عندهما بسحر ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه ، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل ، وهو لبن منحتهما ورضيفهما ، حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث ، واستأجر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل ، وهو من بني عبد بن عديٍّ هادياً خريتاً ـ والخريت الماهر بالهداية ـ ، قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي ، وهو على دين كفار قريش ، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاثٍ ، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل ، فأخذ بهم طريق السواحل . قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي ـ وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم ـ أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول : ثم جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره ، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي ـ بني مدلج ـ أقبل رجل منهم ، حتى قام علينا ونحن جلوس ، فقال : يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل ، أراها محمدا وأصحابه ، قال سراقة : فعرفت أنهم هم ، فقلت له : إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا ، انطلقوا بأعيننا ، ثم لبثت في المجلس ساعة ، ثم قمت فدخلت ، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة ، فتحبسها علي ، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت ، فحططت بزجه الأرض ، وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم ، فعثرت بي فرسي ، فخررت عنها ، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي ، فاستخرجت منها الأزلام ، فاستقسمت بها أضرهم أم لا ، فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام ، تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول(1/107)
الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ، ساخت يدا فرسي في الأرض ، حتى بلغتا الركبتين ، فخررت عنها ، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها ، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عُثانٌ ساطعٌ في السماء مثل الدخان ، فاستقسمت بالأزلام ، فخرج الذي أكره ، فناديتهم بالأمان ، فوقفوا ، فركبت فرسي حتى جئتهم ، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيك الدية ، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم ، وعرضت عليهم الزاد والمتاع ، فلم يرزآني ولم يسألاني ، إلا أن قال : أخف عنا ، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن ، فأمر عامر بن فهيرة ، فكتب في رقعة من أديم ، ثم مضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم . قال ابن شهاب : فأخبرني عروة بن الزبير : ثم إن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم لقي الزبير في ركبٍ من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام ، فكسا الزبير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر ثياب بياض ، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من مكة ، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة ، فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة ، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم ، فلما أووا إلى بيوتهم ، أوفى رجل من زفر على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه ، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيَّضين يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معاشر العرب ! هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلاح ، فتلقوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بظهر الحرة ، فعدل بهم ذات اليمين ، حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف ، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول ، فقام أبو بكر للناس ، وجلس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صامتاً ، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلَّم(1/108)
يحيي أبا بكر ، حتى أصابت الشمس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه ، فعرف الناس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ ذلك ، فلبث رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة ، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى ، وصلَّى فيه رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت ثم مسجد الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بالمدينة ، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين ، وكان مربدا للتمر لسهيل وسهل ـ غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة ـ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حين بركت به راحلته : هذا إن شاء الله المنزل ، ثم دعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الغلامين ، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا ، فقالا : لا ، بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجداً ، وطفق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينقل معهم اللبن في بنيانه ، ويقول وهو ينقل اللبن :
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول : اللهمَّ إن الأجر أجرُ الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة
فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسمَّ لي . قال ابن شهاب : ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تمثل ببيت شعر تام غير هذا البيت )) .(1/109)
(101)عن أبى موسى الأشعرى قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب ، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته بأخرى ، فعاد أحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت فيها بقراً واللهِ خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر )) .
باب تزويج النبى صلَّى الله عليه وسلَّم عائشة وبنائه بها بالمدينة
(102)عن عائشة قالت : (( تزوجني النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا بنت ست سنين ، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج ، فوعكت فتمزق شعري ، فوفى جميمة ، فأتتني أمي أم رومان ، وإني لفي أرجوحة ، ومعي صواحب لي ، فصرخت بي فأتيتها ، لا أدري ما تريد بي ، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار ، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ، ثم أخذت شيئا من ماء ، فمسحت به وجهي ورأسي ، ثم أدخلتني الدار ، فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن : على الخير والبركة وعلى خير طائر ، فأسلمتني إليهن ، فأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ضحى ، فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين )) .
ــــــــ
(101) صحيح . أخرجه الدارمى (2158) ، والبخارى (2/283 و3/27 و4/217. سندى ) ، ومسلم (15/31. نووى ) ، والنسائى (( الكبرى ))(4/389/7650) ، وابن ماجه (3921) ، وأبو يعلى (13/283/7298) ، والرويانى (483) ، وابن حبان (6275،6276) جميعا من طريق حماد بن أسامة عن بريد بن أبى بردة عن أبى موسى به .(1/110)
(102) صحيح . أخرجه بهذا التمام الدارمى (2261) ، والبخارى (2/329. سندى ) ، وابن ماجه (1876) ، وأبو عوانة (( المسند المستخرج ))(3/78/4260) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/148) جميعا من طريق على بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به .
باب مبتدأ الأذن بالقتال ونسخ العفو عن المشركين
(103)عن أسامة بن زيد : أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ركب على حمار على قطيفةٍ فدكيةٍ ، وأردف أسامة بن زيد وراءه ، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج ، قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول ، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين ، وفي المجلس عبد اللَّه بن رواحة ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمَّر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ، ثم قال : لا تغبروا علينا ، فسلَّم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليهم ، ثم وقف فنزل فدعاهم إلى اللَّه ، وقرأ عليهم القرآن ، فقال عبد الله بن أبي بن سلول : أيها المرء ! إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا ، فلا تؤذنا به في مجالسنا ، ارجع إلى رحلك ، فمن جاءك فاقصص عليه ، فقال عبد الله بن رواحة : بلى يا رسول الله ! فاغشنا به في مجالسنا ، فإنا نحب ذلك ، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون ، فلم يزل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخفِّضهم حتى سكنوا ، ثم ركب النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم دابته ، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا سعد ! ألم تسمع ما قال أبو حباب ـ يريد عبد اللَّه بن أبي ـ قال : كذا وكذا ، قال سعد بن عبادة : يا رسول الله ! اعف عنه واصفح عنه ، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء اللَّه بالحق الذي أنزل عليك ، ولقد اصطلح أهل هذه البُحيرة على أن يتوجُّوه ، فيعصبوه بالعصابة ، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي(1/111)
أعطاك الله ؛ شرق بذلك ، فذلك فعل به ما رأيت ، فعفا عنه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ، ويصبرون على الأذى ؛ قال الله عزَّ وجلَّ (( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا )) الآية ، وقال الله (( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم )) الآية .
ــــــــــ
(103) صحيح . أخرجه عبد الرزاق (5/490/9783) ، وأحمد (5/203) ، والبخارى (3/114 و4/5،81،90. سندى ) ، ومسلم (12/157. نووى ) ، والنسائى (( الكبرى ))(4/356/7502) ، وأبو عوانة (( المسند المستخرج ))(4/344/6913،6914) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/18 و9/10) من طرق عن الزهرى عن عروة عن أسامة بن زيد به .
وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتأول العفو ما أمره اللَّه به ؛ حتى أذن الله فيهم ، فلما غزا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بدرا ، فقتل الله به صناديد كفار قريش ، قال ابن أبي بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان : هذا أمر قد توجه ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم على الإسلام فأسلموا .
باب إجلاء اليهود من المدينة وقول الله تعالى
(( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ))(1/112)
(104)عن أبي هريرة قال : بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقال : (( انطلقوا إلى يهود )) ، فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس ، فقام النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فناداهم : (( يا معشر يهود أسلموا تسلموا )) فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم ، فقال : (( ذلك أريد )) ، ثم قالها الثانية ، فقالوا ، قد بلغت يا أبا القاسم ، ثم قال الثالثة ، فقال : (( اعلموا أن الأرض للَّه ورسوله وإني أريد أن أجليكم ، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه ، وإلا فاعلموا أن الأرض للَّه ورسوله )) .
(105)عن ابن عمر: أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأجلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلَّم بني النضير، وأقرَّ قريظة ومنَّ عليهم ، حتى حاربت قريظة بعد ذلك ، فقتل رجالهم وقسم نسائهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين ، إلا أن بعضهم لحقوا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلَّم فآمنهم وأسلموا ، وأجلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يهود المدينة كلَّهم بني قينقاع ، وهم قوم عبد اللَّه بن سلام ، ويهود بني حارثة ، وكلَّ يهودى كان بالمدينة .
ـــــــــ
(104) صحيح . أخرجه البخارى (2/202 و4/200،268. سندى ) ، ومسلم (12/90. نووى ) ، وأبو داود (3003) ، وأبو عوانة (( المسند المستخرج ))(4/259/6703) ، والبيهقى (( الكبرى )) (9/208) جميعا من طريق الليث بن سعد عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبيه عن أبى هريرة .
(105) صحيح . أخرجه عبد الرزاق (6/54/9988) ، والبخارى (3/15.سندى ) ، ومسلم (12/91) ، وأبو داود (3005) ، وابن الجارود (1100) ، وأبو عوانة (( المسند المستخرج )) (4/260/6704) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/323 و9/113) ، والخطيب (( التاريخ ))(8/90) جميعا من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر به(1/113)
خاتمة تتعلق بأصول تخريجات أحاديث الأبواب السابقة
ليعلم الناظر فى هذا التصنيف أن وسم أحاديثه بالصحة إنما هو بالنظر إلى عموم مصطلح (( الصحيح )) ، وهو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه وسلم من الشذوذ والعلة . فكل حديث جمع هذه الشروط فهو ثابت محتج به . وثمة أمر آخر وهو ما قرره العلامة أبو عمرو بن الصلاح فى كتابه (( علوم الحديث )) الموسوم بـ (( المقدمة )) ، أن الصحيح أقسام : أعلاها ما اتفق عليه الشيخان ، ثم ما انفرد به البخارى ، ثم ما انفرد به مسلم ، ثم ما كان على شرط البخارى ، ثم شرط مسلم ، ثم الصحيح عند غيرهما . وقد لخصه الحافظ العراقى فى (( التبصرة والتذكرة )) بقوله :
وأرفع الصحيح مرويُّهما ثم البخارى فمسلمٌ ، فما
شرطَهما حوى ، فشرطُ الجعفى فمسلمٌ ، فشرطُ غيرٍ يكفى
ولربما خولفت فى الحكم على بعض أحاديث هذا التصنيف ، فما حكمت له بالصحة قد يقال هو حسن ، فإن يكن ذا فليعلم المخالف أن أكثر أصحاب الصحاح ، لم يكونوا يفرقون بين الصحيح والحسن ، ويخرَّجون كلاًّ منهما فى (( صحاحهم )) ، ورأس هذه الطبقة إمام المحدثين أبو عبد الله البخارى .
وقد بينت ذلك بياناً شافياً كافياً فى كتابى (( المنهج المأمول فى معنى قول ابن حجر مقبول )) ولنكتفى فى هذه العجالة البالغة الاختصار بذكر ثلاثة أمثلة للاستشهاد والبيان .
المثال الأول : أخرج البخارى فى (( الصحيح )) باب : إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (2/214. سندى ) .
حدَّثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن صفوان بن يعلي عن أبيه قال : سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقرأ على المنبر (( ونادوا يا مالك )) ؛ قال سفيان في قراءة عبد الله (( ونادوا يا مال )) .
وأخرجه كذلك فى باب : صفة النار وأنها مخلوقة (2/219. سندى ) .(1/114)
حدَّثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو سمع عطاء يخبر عن صفوان بن يعلى عن أبيه أنه : سمع النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقرأ على المنبر (( ونادوا يا مالك )) .
وأخرجه ثالثاً فى باب : قوله (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ))(3/185. سندى ) .
حدَّثنا حجاج بن منهال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال : سمعت النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقرأ على المنبر (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك )) .
قلت : فهذا حديث صحيح خرَّجه البخارى فى ثلاثة مواضع من (( صحيحه )) ، كلها من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبى رباح عن صفوان بن يعلى عن أبيه به .
وقد قال أبو عبد الله البخارى فى غير (( صحيحه )) : هو حديث حسن .
ففى (( علل الترمذى )) للقاضى أبى طالب (1/88/143) : (( قال أبو عيسى : حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال : سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقرأ على المنبر (( ونادوا يا مالك )) . قال : سألت محمداً ـ يعنى البخارى ـ عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن وهو حديث ابن عيينة الذي ينفرد به )) .
وقد أخرجه الترمذى (508) قال : حدثنا قتيبة ثنا سفيان بن عيبينة بإسناد البخارى ومتنه . وقال : حديث حسن صحيح غريب .
المثال الثانى : أخرج البخارى فى (( الصحيح )) باب : الصلاة على الشهيد (1/232) .
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني ابن شهاب عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله قال : كان النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ، ثم يقول : (( أيهم أكثر أخذا للقرآن )) ؛ فإذا أشير له إلى أحدهما ، قدَّمه في اللحد ، وقال : (( أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة )) ، وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم .(1/115)
وأخرجه كذلك فى خمسة مواضع أخرى من (( صحيحه )) فى :
باب : دفن الرجلين والثلاثة فى قبر (1/232. سندى ) .
باب : من لم ير غسل الشهداء (1/233. سندى ) .
باب : من يقدَّم فى اللحد (1/233. سندى ) .
باب : اللحد والشق فى القبر (1/234. سندى ) .
باب : من قتل من المسلمين يوم أحد (3/26. سندى ) .
قلت : فهذا حديث صحيح خرَّجه البخارى فى ستة مواضع من (( صحيحه )) ؛ كلها من طريق الزهرى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر به . وقد قال فى غير (( صحيحه )) : هو حديث حسن .
ففى (( علل الترمذى )) للقاضى أبى طالب (1/145/251) : (( وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال : حديث عبد الرحمن بن كعب عن جابر بن عبد الله في شهداء أحد هو حديث حسن )) .
وقد أخرجه الترمذى (1036) قال : حدثنا قتيبة ثنا الليث بإسناد البخارى ومتنه . وقال : حسن صحيح .
المثال الثالث : أخرج البخارى فى باب : الصلاة على القبر بعد ما يدفن (1/231. سندى ) .
حدثنا محمد بن الفضل حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال : (( أن أسود رجلا أو امرأة كان يقم المسجد ، فمات ، ولم يعلم النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بموته ، فذكره ذات يوم ، فقال : ما فعل ذلك الإنسان ؟ ، قالوا : مات يا رسول الله ، قال : أفلا آذنتموني ، فقالوا : إنه كان كذا وكذا ـ قصته ـ قال فحقروا شأنه ، قال : فدلوني على قبره ، فأتى قبره فصلى عليه )) .
وأخرجه فى موضعين أخرين :
باب : الخدم للمسجد (1/91. سندى ) .
باب : كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان (1/91. سندى ) .
قلت : فهذا حديث صحيح خرَّجه البخارى فى ثلاثة مواضع من (( صحيحه )) ، كلها من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أبى رافع عن أبى هريرة به . وقد قال فى غير (( صحيحه )) : هو حديث حسن .(1/116)
ففى (( علل الترمذى )) للقاضى أبى طالب (1/146/253) : (( قال أبو عيسى : وسألت محمدا عن حديث أحمد بن حنبل عن غندر عن شعبة عن حبيب بن الشهيد عن ثابت عن أنس أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على قبرٍ بعد ما دفن . فقال : هو حديث حسن . قال محمد : حدثنا أحمد بن واقد حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على قبر . وأما سليمان ـ يعنى ابن حرب ـ وهؤلاء فإنما كان عندهم عن حماد ابن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة .
وحديث أبي هريرة هو حديث حسن )) اهـ .
وبالنظر المتأمل فى الأمثلة الثلاثة المذكورة ، وبمقارنتها بغيرها من أحاديث (( الجامع الصحيح )) من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ، وأبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة ، وابن سيرين عن عبيدة السلمانى عن على بن أبى طالب ، والزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ، وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر ، وأضراب هذه الأسانيد التى هى الغاية فى الصحة ، يظهر بجلاء معنى ما قصدت إليه من اختلاف مراتب ودرجات (( الصحيح )) ، وتزول شبهة التردد فى الحكم على الحديث الواحد بالتصحيح تارةً والتحسين تارةً ، لا سيما عند من له إلمام يسير بدقائق هذا العلم العزيز ، فيُحمل التحسين على أدنى مراتب الصحة ؛ بينما يُحمل التصحيح على أعلاها .
وللحافظ ابن حجر تقسيم لمراتب الصحيح باعتبار الأسانيد ينبغى أن تعقد عليه الخناصر ، فقد قال فى (( نزهة النظر )) (ص20) عند ذكر مراتب الصحيح : (( فما يكون رواته فى الدرجة العليا من العدالة والضبط وسائر الصفات التى توجب الترجيح ؛ كان أصح مما دونه . فمن المرتبة العليا فى ذلك :
الزهرى عن سالم بن عبد اللَّه عن أبيه ابن عمر .
وكمحمد بن سيرين عن عبيدة السلمانى عن على .
وكإبراهيم النخعى عن علقمة عن ابن مسعود .
ودونها فى المرتبة :(1/117)
بُريد بن عبد اللَّه بن أبى بردة عن جده عن أبى موسى .
وكحماد بن سلمة عن ثابت عن أنس .
ودونها فى المرتبة :
سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة .
وكالعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة .
فإن الجميع يشملهم اسم العدالة والضبط ، إلا أن للمرتبة الأولى من الصفات المرجحة ما يقتضى تقديم روايتهم على التى تليها ، وفى التى تليها من قوة الضبط ما يقتضي تقديمها على الثالثة )) اهـ .
فكان بيِّناً فى كلام الحافظ انقسام الصحيح إلى ثلاثة مراتب : صحيح فى الدرجة الأولى ، وصحيح فى الدرجة الثانية ، وصحيح فى الدرجة الثالثة .
وقريبٌ من هذا التفصيل والبيان ، ولكن فيه تخصيصٌ بالـ (( الصحيحين )) ؛ ما أجمله الحافظ الذهبى فى (( الموقظة )) (ص79) بقوله : (( من أخرج لهم الشيخان على قسمين :
أحدهما ما احتجَّا به فى الأصول .
ثانيهما من خرَّجا له متابعة واستشهاداً واعتباراً .
فمن احتجا به أو أحدهما ، ولم يوثق ولا غمز ، فهو ثقة ، وحديثه قوى .
ومن احتجا به أو أحدهما ، وتكلم فيه ، فتارة يكون الكلام فيه تعنتاً ، والجمهور على توثيقه ، فهذا حديثه قوى ، وتارة يكون الكلام فى تليينه وحفظه له اعتبار ، فهذا حديثه لا ينحط عن مرتبة (( الحسن )) التى قد نسميها من (( أدنى درجات الصحيح )) . فما فى الكتابين بحمد الله رجلٌ احتج به البخارى ومسلم فى الأصول ، ورواياته ضعيفة ، بل حسنة أو صحيحة . ومن خرَّجا له أو أحدهما فى الشواهد والمتابعات ، ففيهم من فى حفظه شئٌ ، وفى توثيقه تردد ، فكل من خرَّجا له فى (( الصحيحين )) فقد قفز القنطرة ، فلا معدل عنه إلا ببرهان بيِّن )) اهـ .(1/118)
ولمزيد الإيضاح لهذا التقسيم المعتبر عند المحققين ، فلنضرب لذلك مثالاً بما أخرجه ابن خزيمة (2731) ، والحاكم (1/456) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/75) و(( شعب الإيمان ))(3/449/4030) جميعاً عن أيوب بن سويد الرملى ثنا يونس بن يزيد عن الزهرى عن مسافع بن شيبة الحجبى عن عبد اللَّه بن عمرو قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، طمس اللَّه نورهما ، ولولا ذلك لأضاءا ما بين المشرق والمغرب )) .
فهذا الحديث صحيح على شرط ابن خزيمة ، وقد أخرجه فى (( صحيحه )) ، وإسناده حسن ، لا يرتقى إلى الصحيح عند من يُفرد الحسن من الصحيح ، وعند من لا يفرده ، ومنهم ابن خزيمة وابن حبان والضياء المقدسى ، فهو صحيح من الدرجة الثانية إذا توبع ؛ وهو كذلك ، وصحيح من الدرجة الثالثة إذا لم يتابع .
وبيان ذلك أن رواته إلى يونس بن يزيد الأيلى ثقات مشاهير احتج بهم الشيخان فى (( صحيحهما )) سوى مسافع بن شيبة ، فإنما تفرد مسلم بالتخريج له ، ولم يخرِّج له إلا حديثاً واحداً ، وهو حديثه عن عروة بن الزبير عن عائشة : أن امرأة قالت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلّم : هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء ؟ ، فقال : نعم ، فقالت لها عائشة : تربت يداك وأُلَّت ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :(( دعيها ! وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ، إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه )) . أخرجه مسلم فى (( الحيض ))(3/225. نووى ) قال : حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وسهل بن عثمان وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قال سهل حدثنا و قال الآخران أخبرنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن مصعب بن شيبة عن مسافع بن عبد اللَّه به .(1/119)
وإنما تطرق القصور إلى هذا الإسناد من قبَل أيوب بن سويد الرملى . وقد ترجمه ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) (2/249/891) فقال : (( أيوب بن سويد الرملي السيباني أبو مسعود . روى عن يحيى ابن أبى عمرو السيباني ، ويونس بن يزيد ، وأسامة ابن زيد . روى عنه : دحيم والحسن بن وعشرون وإبراهيم بن زياد سبلان . وسمعت أبى يقول : سئل يحيى بن معين عن أيوب بن سويد فقال : كان يقلب حديث ابن المبارك والذي حدث به عن مشايخه الذين أدركهم فيقلبه على نفسه . أخبرنا يعقوب بن إسحاق الهروي فيما كتب إلى ثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال : سألت يحيى بن معين عن أيوب بن سويد فقال : ليس بشيء . سمعت أبى يقول : أيوب بن سويد هو لين الحديث )) .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(8/125/12549) : (( وكان رديء الحفظ يتقى حديثه من رواية ابنه محمد بن أيوب عنه ، لأن أخباره إذا سبرت من غير رواية ابنه عنه وجد أكثرها مستقيمة )) .
وقال ابن عدى (( الكامل ))(1/359) : (( ولأيوب بن سويد حديث صالح عن شيوخ معروفين منهم يونس بن يزيد الأيلي نسخة الزهري ، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وابن جريج ، والأوزاعي ، والثوري وغيرهم . ويقع في حديثه ما يوافقه الثقات عليه ، ويقع فيه ما لا يوافقوه عليه ، ويكتب حديثه في جملة الضعفاء )) .
وذكره العقيلى فى (( الضعفاء الكبير ))(1/113) ونقل قول ابن المبارك عنه : ارم به ، وقول البخارى : يتكلمون فيه ، وقول النسائى : ليس بثقة . ولخص الحافظ ابن حجر حاله فى (( التقريب ))((1/118/615) بقوله : (( صدوق يخطئ )) اهـ .
قلت : والذى يترجح فى حق أيوب بن سويد أنه صدوق يخطئ ، وأمثل أحاديثه مطلقاً ما رواه منها عن يونس بن يزيد الأيلى نسخة الزهرى ، وفى (( الكتب الستة )) منها حديثان :(1/120)
أولهما : أخرجه الترمذى (2852) قال : حدثنا أبو بكر محمد بن أبان حدثنا أيوب بن سويد الرملي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس : أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر ـ وأراه قال وعثمان ـ كانوا يقرءون (( مالك يوم الدين )) .
قال أبو عيسى : (( هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث الزهري عن أنس بن مالك إلا من حديث أيوب ابن سويد الرملي . وقد روى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث عن الزهري أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر كانوا يقرءون (( مالك يوم الدين )) . وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر كانوا يقرءون (( مالك يوم الدين )) .
ثانيهما : أخرجه ابن ماجه (2872) قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا أيوب بن سويد عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره : أنه جاء هو وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يكلمانه فيما قسم من خمس خيبر لبني هاشم وبني المطلب فقالا : قسمت لإخواننا بني هاشم وبني المطلب وقرابتنا واحدة ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إنما أرى بني هاشم وبني المطلب شيئا واحدا )) .
قلت : هذا حديث صحيح ، وقد أخرجه البخارى (3/53. سندى ) قال : حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن يونس بن يزيد بإسناده مثله .
وجملة المقال : أن أيوب بن سويد الرملى ممن يكتب حديثه وينظر فيه ، فإن توبع فحديثه يُحتج به ويُصحَّح ، وعلى هذا يُحمل تخريج ابن خزيمة وابن حبان لأحاديثه فى (( صحيحهما )) .
وقد احتج البخارى بجماعة ممن قال عنهم ابن حجر (( صدوق يخطئ )) ، وأطلق الذهبى القول فيهم (( صدوق )) ، وجملة من بهذه المثابة فى (( صحيحه )) عشرة ، وهاك بيانهم إجمالاً :
1ـ الحسن بن بشر بن سلم بن المسيب . 6ـ إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمدانى .(1/121)
2ـ خالد بن عبد الرحمن بن بكير السلمى . 7ـ محمد بن زياد بن عبيد الله بن زياد يؤيؤ .
3ـ سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر . 8ـ مسكين بن بكير الحرانى الحذاء .
4ـ عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة . 9ـ ميمون بن سياه البصرى .
5ـ إسماعيل بن زكريا بن مرة الخلقانى . 10ـ ثابت بن محمد الشيبانى الكوفى الزاهد .
فإذا بان أن أيوب بن سويد ممن يحتج بحديثه ، وأنه يرتقى إلى الصحيح عند المتابعة ، فإن الناقد البصير يقضى لحديثه (( الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة )) بالصحة ، فإنه من أمثل أحاديثه ومروياته عن يونس بن يزيد الأيلى ، ولم يتفرد به ، فقد تابعه شبيب ابن سعيد الحبطى عن يونس عند البيهقى (( السنن الكبرى ))(5/75) ، ورواه رجاء بن صبيح عن مسافع عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعا به .
فقد أخرجه أحمد (2/213،214) ، والترمذى (878) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(960) وابن خزيمة (2732) ، وابن حبان (3702) والحاكم (1/456) خمستهم من طريق رجاء بن صبيح أبى يحيى الحرشى عن مسافع بن شيبة عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعاً .
قلت : ورجاء بن صبيح ليس بالقوى ولا ممن يحتج به إذا انفرد ، ولكنه يقوى أمر الحديث ويؤكد أن له أصلاً ، وأما شبيب بن سعيد الحبطى فهو ممن يحتج به فى المتابعات ، فقد احتج به البخارى من رواية ابنه أحمد عنه .(1/122)
قال فى (( تهذيب الكمال )) : (( قال علي بن المديني : ثقة كان من أصحاب يونس بن يزيد كان يختلف في تجارة الى مصر وكتابه كتاب صحيح ، وقد كتبتها عن ابنه أحمد . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : كان عنده كتب يونس بن يزيد وهو صالح الحديث لا بأس به . وقال النسائي : ليس به بأس . وقال أبو احمد بن عدي : ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة ، وحدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير . وذكره بن حبان في (( كتاب الثقات )) . روى له البخاري وأبو داود )) اهـ .
قلت : وجملة القول أن الحديث صحيح ، ولهذا خرجه ابن خزيمة ، وابن حبان فى (( صحيحهما )) .
ولنضرب مثالاً آخر بما فى (( السنن )) ، فقد أخرج النسائى (( الكبرى )) (4/296/7224) قال : أخبرنا العباس بن محمد الدوري ثنا يوسف بن منازل ثنا عبد الله ابن إدريس ثنا خالد بن أبي كريمة عن معاوية بن قرة عن أبيه : أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله .
وأخرجه كذلك ابن ماجه (2608) ، والرويانى (943) ، والطحاوى (( شرح المعانى )) (3/150) ، والبيهقى (( الكبرى )) (6/295 و8/208) ، وابن حزم (( المحلى ))(11/253) جميعا من طريق يوسف بن منازل التيمي ثنا عبد الله بن إدريس الأودي ثنا خالد بن أبي كريمة عن معاوية بن قرة عن أبيه أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث أباه جد معاوية ، غير أن ابن ماجه قال (( وأصفى ماله )) .
وأقول : هذا الحديث صحيح ، وإن لم يخرِّجه أحدٌ ممن التزم الصحة . وبيانه : أن رواته ثقات مشاهير سوى خالد بن أبي كريمة أبا عبد الرحمن الإسكاف الكوفى .(1/123)
قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(3/349/1575) : (( أخبرنا عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليَّ قال سمعت أبي يقول : خالد بن أبي كريمة كوفي ثقة . وسئل أبي عنه فقال : شيخ كوفي ليس بالقوي )) . وقال الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(8/156) :
(( قال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه وأبي داود : ثقة . وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : ضعيف . وقال أبو حاتم : ليس بالقوي . وقال النسائي : ليس به بأس . وذكره ابن حبان في (( الثقات ))(6/262) وقال : يخطئ . وقال أبو نعيم الأصبهاني : خالد بن أبي كريمة من أهل أصبهان من محلة سنبلان سكن الكوفة . روى له النسائي وابن ماجة حديثا واحداً )) اهـ . وقال الذهبى (( الكاشف ))(1/368/1350) : (( صدوق ليَّنه ابن معين )) .
وقال ابن حجر (( التقريب ))(1/190/1670) : (( صدوق يخطئ ويرسل )) اهـ .
قلت : والذى رجَّحه الحافظ ابن حجر فى حقه هو الأشبه بالصواب . فمثله ممن يحتج بحديثه ويصحِّح ما لم يخطئ أو يخالف ، وحديثه هذا كذلك ، فإنه وإن تفرد به عن معاوية بن قرة ، فإن له شاهد صحيح من حديث عدى بن ثابت عن يزيد بن البراء عن البراء بن عازب عند أصحاب (( السنن الأربعة )) .
ذكر ما قيل من الشعر فى الشوق والحنين إلى المدينة
قال محمد بن عبد الملك بن حبيب الفقعسى :
نفى النومَ عنِّى فالفؤاد كئيب نوائبُ همٍّ ما تزالُ تنوبُ
وأحراضُ أمراضٍ ببغدادَ جُمَّعتْ علىَّ وأنهارٌ لهن قسيبُ
فظلَّت دموعُ العينِ تمرى غروبَها من الماء درَّاتٌ لهن شعوبُ
وما جَزَعٌ من خشية الموت أخْضَلْتُ دموعى ولكنَّ الغريبَ غريبُ
ألا ليت شعرى هل أبيتنَّ ليلةً بسلعٍ ولم تُغْلقْ علىَّ دروبُ(1/124)
وهَلْ أحدٌ بادٍ لنا وكأنَّه حَصَانٌ أمام المُقرَباتِ جَنيبُ
يَخِبُّ السرابُ الضَّحلُ بينى وبينَه فيبدو لعينى تارةً ويغيبُ
فإن شفائى نظرة إنْ نظرتُها إلى أحدٍ والحرتان قريبُ
وإنِّى لأرعى النَّجمّ حتَّى كأنَّنى على كل نجمٍ فى السماءِ رقيبُ
وأشتاقُ للبرقِ اليَمَانى إن بَدَا وأزداد شوقاً أن تهبَّ جَنوبُ
( بيان ) قوله ( تمرى غروبها ) : تجرى دموعها . قوله ( درَّات ) : جاريات سائلات . ومنه قولهم : دَرّ اللبنُ والدمع ونحوهما يَدِرُّ و يَدُرُّ دَرّاً ودُرُوراً ؛ وكذلك الناقة إِذا حُلِبَتْ فأَقبل منها على الحالب شيء كثير قيل : دَرَّتْ ، وإِذا اجتمع في الضرع من العروق وسائر الجسد قيل : دَرَّ اللبنُ . والدِّرَّةُ ـ بالكسر ـ : كثرة اللبن وسيلانه .
قوله ( أخضلت دموعى ) : بللتها ، وقد خَضِلَ خَضَلاً واخْضَلَّ واخْضَالَّ وأَخْضَلَ الثوب دمعُه : بلَّه ، وكذلك أَخْضَلَتْه السماءُ حتى خَضِلَ خَضَلاً . و أَخْضَلَتْنا السماءُ : بَلَّتْنا بلاًّ شديداً ؛ ونبات خَضِلٌ بالنَّدَى . وأَخْضَلْت الشيءَ فهو مُخْضَل : إِذا بَلَلْته . وشيء خَضِل أَي رَطْب .(1/125)
قوله ( أمام المُقرَبات جنيب ) المُقرَبات : المُقْرَبةُ والمُقْرَب من الخيل : التي تُدْنى ، و تُقَرَّبُ ، وتُكَرَّمُ ؛ قال ابن دريد : إِنما يُفْعَلُ ذلك بالإِناث ، لئلا يَقْرَعَها فَحْلٌ لئيم . وأَقْرَبَتِ الحاملُ ، وهي مُقْرِبٌ : دنا وِلادُها ، وجمعها مَقاريبُ ، فواحدَها على هذا مِقْرَاب . وكذلك الفرس والشاة ، ولا يقال للناقةِ إِلاّ أَدْنَتْ ، فهي مُدْنٍ ؛ قالت أُمُّ تأَبَّطَ شَرّاً ، تُؤَبِّنُه بعد موته : وابْناهُ وابنَ الَّليل ، ليس بزُمَّيْل شَروبٍ للقَيْل ، يَضْرِبُ بالذيْل كمُقْرِبِ الخَيْل .
لأَنها تُضَرِّجُ من دَنا منها ؛ ويُرْوى كمُقْرَب الخيل ، بفتح الراء ، وهو المُكْرَم .
وجنيب ، جَنَبَ الفَرَسَ والأَسيرَ يَجْنُبُه جَنَباً ـ بالتحريك ـ ، فهو مَجْنُوبٌ و جَنِيبٌ : قادَه إِلى جَنْبه . وخَيْلٌ جَنائبُ وجَنَبٌ ، وقيل : مُجَنَّبةٌ : شُدِّدَ للكثرة . وفَرَسٌ طَوعُ الجِنابِ ، بكسر الجيم ، وطَوْعُ الجَنَبِ ، إِذا كان سَلِسَ القِيادِ أَي إِذا جُنِبَ كان سَهْلاً مُنْقاداً .
قوله ( يخبُّ السراب ) : يعدو مسرعاً . والخَبَبُ : ضَرْبٌ من العَدْوِ؛ وقيل : هو مِثْلُ الرَّمَلِ ؛ وقيل : هو أَن يَنْقُل الفَرَسُ أَيامِنَه جميعاً وأَياسِرَه جميعاً ؛ وقيل : هو أَن يُراوِحَ بين يديهِ ورجليهِ ، وكذلك البعيرُ ؛ وقيل الخَبَب : السُّرْعَة ، وقد خَبَّت الدَّابَّةُ تَخُبُّ ـ بالضَّمِّ ـ خَبَّاً وخَبَباً وخَبِيباً .
قوله ( الضحل ) : القريبُ القَعْر . والضَّحْل : الماءُ الرقيق على وجه الأَرض ليس له عَمْقٌ ، وقيل : هو كالضَّحْضاح إِلاَّ أَن الضَّحْضاح أَعمُّ منه لأَنه فيما قَلَّ أَو كثُر، وقيل : الضَّحْل الماء القليل يكون في العين والبئر والجُمَّة ونحوها ، وقيل : هو الماء القليل يكون في الغَدِير ونحوه .(1/126)
وقال أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن أمية ، لما أخرج عبد اللَّه بن الزبير بنى أمية من الحجاز إلى الشام :
إنَّ ردِّى نحو المدينةِ طرفى حين أيقنتُ أنَّه التوديعُ
زادنى ذاك عبرة واشتياقاً نحو قومى والدهر قدماً ولوعُ
كلما أسْهَلتْ بنا العيسُ بيْناً وبدا من أمامهن مليعُ
ذِكَرٌ ما تزال تتبع قومى ففؤادى به لذاك صدوعُ
وقال ، يذكر البقيع ويلبُن وبرام :
لَيْتَ شعري وأين منِّي ليْتُ أعلى العهد يلبُنٌ فبرامُ
أم كعهدي العقيقُ أم غيَّرتُه بعدي الحادثاتُ والأيامُ
مَنْزلٌ كنتُ أشتهى أن أراه ما إليه لمَنْ بحمصَ مرامُ
حال من دون أن أحلَّ به النأ ىُ وصرفُ النَّوى وحربٌ عَقَامُ
وبقومي بُدِّلتُ لخماً وعكَّا وجُذاماً وأينْ منِّي جُذامُ
وتبدَّلتُ من مساكن قومي والقصور التي بها الآطامُ
كلِّ قصرٍ مشيَّدٍ ذي أواسٍ يتغنَّى على ذراه الحَمَامُ
أقطعُ الليلَ كلَّه باكتئابٍ وزفيرٍ، فما أكاد أنامُ
نحو قومي إذا فرقت بيننا الدا ر وحادت عن قصدها الأحلامُ
خشية أن يصيبَهم عنتُ الدهـ ر وحربٌ يشيبُ منها الغلامُ
ولقد حان أن يكون لهذا الدهـ رعنَّا تباعدٌ وانصرامُ
ولحىٌّ بين العريض وسيعٌ حيث أرسى أوتادَه الإسلامُ
كان أشهى إلىَّ قُرب جوارٍ من نصارى فى دورها الأصنامُ(1/127)
يضربُون الناقوسَ فى كلِّ فجرٍ فى بِلادٍ تنتابُها الأسقامُ
ففؤادى من ذكر قومى حزينٌ ودموعى على الذرى سِجَامُ
أقَرِ منِّي السلامَ إنْ جِئْتَ قومي وقليلٌ منِّى لقومى السلامُ
فبلغت هذه الأبيات وغيرها من شعره إلى عبد الله بن الزبير ، فقال : حنَّ أبو قطيفة ، ألا من رآه فليبلغه عني أني قد أمنته فليرجع ، فرجع فمات قبل أن يبلغ المدينة . وقال :
أيُّها الراكبُ المقحمُ فى السَّيْ ـر إذا جئتَ يلبناً فبراما
أبلغيه عنِّى وإن شطَّتْ الدا رُ بنا عن هوى الحبيب السلاما
ما أرى إنْ سألتَ إنَّ إليه يا خليلى لمن بحمصَ مراما
تلك دارُ الحبيب فى سالف الدهـ ـر سقاها الإلهُ ربى الغماما
زانَها اللَّهُ واستهلَّ بها المزْ نُ ولجَّ السحابُ فيها وداما
خُصَّراتٍ من البهاليلِ من عبـ ــــد منافٍ مُعَلِّقاتٍ وساما
وإذا ما ذكرتُ دهراً تولَّى فاض دمعى على ردائى سِجاما
وقال ، يذكر أيام صباه ومقامه بالمدينة :
سقى اللَّهُ أكنافَ المدينةِ مُسْبلاً ثقيلَ التَّوالى مِنْ مَعينِ الأوائلِ
أحسُّ كأنَّ البرقَ فى حُجُزاته سيوفُ ملوكٍ فى أكفِّ الصياقلِ
ويا ليتَ شِعْرى هَلْ تَغيَّر بَعْدنا بقيعُ المصلّى أمْ بُطونُ المَسَابلِ
أمْ الدورُ أَكنافِ البلاطِ كعهدِنا ليالى لاطتْنا بوشْكِ التزايلِ(1/128)
يُجِدُ لى البرقُ اليمانىُّ صبابةً تُذكِّر أيامَ الصبا والخلائلِ
فإن تك دارٌ غرَّبتْ عن دارنا فقد أبقت الأشجانُ صفو الوسائلِ
وقال ، يذكر منازله بالمدينة :
القصر فالنخل فالجمَّاءُ بينهما أشهى إلى القلب من أبواب جيرونِ
إلى البلاط فما حازت قرائنه دورٌ نَزَحْنَ عن الفحشاءِ والهونِ
قد يكتُمُ الناسُ أسراراً وأعلمُها وليس يدرون طولَ الدهرِ مَكنوني
إنِّى مررتُ بما زال منَّا فى شبيبتنا مع الرجاءِ لعلَّ الدهرَ يُدنينى
وقال عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدمشقى :
يا نزولا بين سلعٍ وقُبا جئتكم أسعى على شُقَّةِ بيني
ونعم واللهِ إني زائرٌ لمغانيكم على رأسي وعيني
إن من أمَّ حماكم آملا راح بالمأمول مليء اليدين
فاشفعوا لي قد تشفَّعْتُ بكم لوصالٍ واتصالٍ دائمين
وقال الوليد بن عقبة :
طرب الفؤاد إلى المدينة بعدما نزل المشيبُ محلَ غصنِ شبابِ
ودعى الهوى سدل فداعى ساجعا فانهلَّ دمعى واكفَ الأترابِ
سيلا كما ارفضَّ الجُمانُ أسالَهُ أحزانُه فى إثر حبِ ربابِ
ذكر الفؤادُ مها برملة حرَّةٍ فى مونق جعد الثرى معشابِ
نزحت بيثرب أن تزار ودونها بلدٌ يقلُّ مناطق الأحبابِ
لا يرجع الحزن الممرُّ سفاهه زمنَ العقيق ومسجدَ الأحزابِ
وقال :
إذا البرقُ من نحو الحجاز تعرضتْ مخايلُه هاج الفؤادُ المتيَّما(1/129)
وهيَّج أياماً خلت وملاعباً بأكنافِ سلعٍ فالبلاط المكرَّما
وذكَّر بيضاُ كُن لا أهل ريبةٍ يمرون لا يأتين من كان مُحرما
ويبدين حقَّ الودِ للكفءِ ذى الحجى ويأبين إلا عفةً وتكرَّما
وقال ابن أبي عاصية السُّلمي ، وهو عند معن بن زائدة باليمن يتشوَّق المدينة :
أهلْ ناظرٌ من خلفِ غُمدان مبصرٌ ذرى أحدٍ رُمتَ المدى المتراخيا
فلو أن داءَ إلياس بي وأعانني طبيبٌ بأرواح العقيق شفانيا
وكان إلياس بن مضر قد أصابه السُّل ، فكانت العرب تسمى السُّل (( داء إلياس )) ، وقال :
تطاول ليلى بالعراق ولم يكن علىَّ بأكناف الحجاز يطولُ
فهل لى إلى أرض الحجاز ومن به بعاقبةٍ قبل الفوات سبيلُ
فتُشفى حزازاتٌ وتنقع أنفسٌ ويُشفى جوىً بين الضلوع دخيلُ
إذا لم يكن بينى وبينك مُرسلٌ فريح الصبا منى إليك رسولُ
وقال سعيد بن سليمان المساحقي ، يتشوق عقيق المدينة وهو في بغداد ، ويذكر غلاماً له اسمه زاهر ، وأنه ابتلي بمحادثته بعد أحبته ، فقال :
أرى زاهراً لما رآني مُسْهَدا وأن ليس لي من أهلِ بغدادَ زائرُ
أقام يُعاطيني الحديثَ وإنَّـ ـنا لمختلفان يوم تُبلى السرائرُ
يحدِّثنى مما يُجَمِّعُ عقلُه أحاديثَ منها مستقيمٌ وجائرُ
وما كنتُ أخشى أن أراني راضيا يُعلِّلني بعد الأحبَّةِ زاهرُ
وبعد المصلَّى والعقيقِ وأهلِه وبعد البلاط حيث يحلو التزاورُ
إذا أعشبت قريانه وتزيَّنت عِراضٌ بها نبتٌ أنيقٌ وزاهرُ(1/130)
وغنَّى بها الذبانُ تغزو نباتها كما واقعت أيدي القيانِ المزاهرُ
وتزوجت أعرابية ممن يسكن عقيق المدينة ، وحملت إلى نجدٍ ، فقالت :
إذا الريح من نحو العقيق تنسَّمتْ تجدَّد لي شوقٌ يضاعفُ من وجدي
إذا رحلوا بي نحو نجدٍ وأهله فحسبي من الدنيا رجوعي إلى نجدي
ولله در القائل ـ لا فض فوه ـ :
فسقى المدينةَ والحرار كذا الحمى متواصل الأرهام منفصم العرى
حتى ترى وجه الرياض بعارض أحوى وفود الدوح أزهر نيرا
تلك المنازل لا ملاعب عالج ورمال كاظمة ولا وادي القرى
أرض إذا مرت بها ريح الصبا حملت على الأغصان مسكا أذفرا
ذكر آداب زيارة قبر الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم
وذكر كلماتٍ حُفظت عن زوَّاره
قال حسان بن ثابت :
بطيبة رسمٌ للرسول ومعهدُ منيرٌ وقد تعفو الرسومُ وتهمَدُ
ولا تمتحى الآيات من دار حرمة بها منبر الهادي الذى كان يصعدُ
وواضح آثار وباقي معالم وربع له فيه مصلى ومسجدُ
بها حجرات كان ينزل وسطها من اللَّه نورٌ يُستضاء ويُوقدُ
معارف لم تطمس على العهد آيها أتاها البلى فالآى منها تجددُ
عرفت بها رسم الرسول وعهده وقبرا بها واراه في الترب ملحدُ
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت عيون ومثلاها من الجفن تسعدُ
يذكرن آلاء الرسول وما أرى لها محصيا نفسي فنفسي تبلدُ
مفجعة قد شفها فقد أحمد فظلت لآلاء الرسول تعددُ
وما بلغت من كلِّ أمرٍ عُشيره ولكن لنفسي بعضُ ما قد توجدُ(1/131)
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها على طلل القبر الذى فيه أحمدُ
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت بلادٌ ثوى فيها الرشيدُ المسددُ
وبورك لحدٌ منك ضمَّن طيباً عليه بناءٌ من صفيحٍ منضدُ
تهيل عليه التربَ أيدٍ وأعينٌ عليه وقد غارت بذلك أسعدُ
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم وقد وهنت منهم ظهور وأعضدُ
يبكون من تبكي السمواتُ يومه ومن قد بكتهُ الأرضُ فالناسُ أكمدُ
وهل عدلت يوما رزية هالك رزية يوم مات فيه محمَّدُ
تقطع الوحى عنهم وقد كان ذا نورٍ يغورُ وينجِدُ
يدل على الرحمن من يقتدي به وينقذ من هول الخزايا ويرشدُ
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفوا عن الزلات يقبلُ عذرَهم وإن يحسنوا فاللَّهُ بالخير أجودُ
وإن ناب أمرٌ لم يقوموا بحملِه فمن عنده تيسير ما يتشددُ
فبينا هم في نعمة اللَّه بينهم دليلٌ به نهجُ الطريقة يقصدُ
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى حريصٌ على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثني جناحه إلى كنفٍ يحنو عليهم ويمهدُ
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا إلى نورهم سهمٌ من الموتِ مُقصدُ
فأصبح محمودا إلى الله راجعا يبكيه حتى المرسلات ويحمدُ
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها لغيبة ما كانت من الوحي تعهدُ
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها فقيدٌ يبكينه بلاطٌ وغرقدُ
فبكِّى رسولَ الله يا عينُ عبرةً ولا أعرفنَّكِ الدهرَ دمعُك يجمدُ(1/132)
وما لك لا تبكين ذا النعمة التي على الناس منها سابغ يتغمدُ
فجودى عليه بالدموع وأعولي لفقد الذى لا مثله الدهر يوجدُ
وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقدُ
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة و أقرب منه نائلا لا ينكدُ
وأبذل منه للطريف وتالدٍ إذا ضنَّ معطاءٌ بما كان يتلدُ
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا وعودا غذاه المزن فالعود أغيدُ
تناهت وصاة المسلمين بكفه فلا العلم محبوس ولا الرأي يفندُ
أقول ولا يلقى لقولي عائب من الناس إلا عازب العقل مبعدُ
وليس هواي نازعا عن ثنائه لعلي به في جنة الخلد أخلدُ
وقال يرثى رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم :
ما بال عيني لا تنام كأنَّها كحلت مآقيها بكحل الأرمدِ
جزعا على المهدي أصبح ثاوياً يا خير من وطىء الحصى لا تبعدِ
جنبي يقيك الترب لهفي ليتني غُيِّبتُ قبلك في بقيع الغرقدِ
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم يا لهف نفسي ليتني لم أولدِ
بأبي وأمي من شهدت وفاته في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متلددا يا ليتني أسقيتُ سُمَّ الأسودِ
يا بكر آمنة المبارك ذكرُه ولدتك محصنة بسعدِ الأسعُدِ
نورا أضاء على البرية كلها من يهد للنور المبارك يهتدِ
صلَّى الإلهُ ومن يحفُّ بعرشِه والطيبون على النَّبيِّ محمِّدِ
وقال :(1/133)
آليت حلفة برٍ غيرِ ذي دخل مني ألية حقٍ غير إفناد
بالله ما حملت أنثى ولا وضعت مثل النبي نبي الرحمة الهادي
ولامشى فوق ظهر الأرض من أحد أوفى بذمة جار أو بميعاد
من الذي كان نورا يستضاء به مبارك الأمر ذا حزم وإرشاد
مصدقا للنبيين الألى سلفوا وأبذل الناس للمعروف للجادي
خير البرية إني كنت في نهر جار فأصبحت مثل المفرد الصادي
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما يضربن خلف قفا ستر بأوتاد
مثل الرواهب يلبسن المسوح وقد أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي
وقال :
يا عينُ جودي بدمعٍ منك إسبالِ ولا تملنَ من سحٍ وإعوالِ
لا ينفدنْ لى بعد اليوم دمعُكما إنى مصابٌ وإنِّى لست بالسالى
فإن منعَكما من بعد بذلِكما إيايَّ مثل الذي قد غر بالآلِ
لكن أفيضى على صدري بأربعةٍ إن الجوانحَ فيها هاجسٌ صالى
سح الشعيب وماء الغرب يمنحه ساق يحمله ساق بإزلالِ
حامى الحقيقة نسال الوديقة فكاك العناة كريم ماجد عالِ
على رسولٍ لنا محضٍ ضريبتُه سمحِ الخليقة عفٍ غيرِ مجهالِ
كشافِ مكرمةٍ مطعامِ مسغبةٍ وهابِ عانيةٍ وجناءِ شملالِ
عفٍ مكاسبُه جزلٍ مواهبُه خيرِ البريَّة سمحٍ غيرِ نكالِ(1/134)
واري الزنادِ وقوَّادِ الجياد إلى يومِ الطراد إذا شبتْ بأجذالِ
إني أرى الدهرَ والأيامَ يفجعني بالصالحين وأبقى ناعمَ البالِ
يا عينُ فابكى رسولَ اللَّه إذ ذكرت ذاتُ الإلهِ فنعم القائدُ الوالي
وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب :
أرقت فبات ليلى لا يزولُ وليلُ أخى المصيبة فيه طولُ
وأسعدنى البكاءُ وذاك فيما أصيب المسلمونَ به قليلُ
لقد عظمتْ مصيبتنا وجلتْ عشية قيل قد قبضَ الرسولُ
وأضحت أرضُنا مما عراها تكاد بنا جوانبُها تميلُ
فقدنا الوحى والتنزيلَ فينا يروح به ويغدو جبرئيلُ
وذاك أحق ما سالتْ عليه نفوسُ النَّاس أو كادت تسيلُ
نبيٌ كان يجلو الشكَ عنَّا بما يُوحى إليه وما يقولُ
ويهدينا فلا نخشى ضلالا علينا والرسولُ لنا دليلُ
أفاطمَ إن جزعتِ فذاك عذر وإن لم تجزعى ذاك السبيلُ
فعودى بالعزاء فإنَّ فيه ثوابُ اللَّه والفضلُ الجزيلُ
فقبرُ أبيك سيدُ كل قبرٍ وفيه سيدُ النَّاس الرسولُ
وقال عبد الله بن أنيس يرثي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم :
تطاول ليلي واعترتني القوارعُ وخطبٌ جليلٌ للبليَّة جامعُ
غداة نعى الناعي إلينا محمداً وتلك التي تستكُ منها المسامعُ(1/135)
فلو رد ميتا قتلُ نفسي قتلتها ولكنه لا يدفعُ الموتَ دافعُ
فآليت لا أثني على هلك هالكٍ من الناس ما أوفى ثبيرٌ وفارعُ
ولكنني باكٍ عليه ومتبعٌ مصيبتَه إنِّي إلى اللَّه راجعُ
وقد قبض اللَّهُ النبيين قبله وعادٌ أصيبت بالرزى والتبابعُ
فيا ليت شعري من يقوم بأمرنا وهل في قريشٍ من إمامٍ ينازعُ
ثلاثة رهطٍ من قريشٍ هُمُ هُمُ أزمَّةُ هذا الأمر واللَّه صانعُ
عليٌ أو الصديِّقُ أو عمرٌ لها وليس لها بعد الثلاثة رابعُ
فيا لقريشٍ قلدوا الأمر بعضهم فإن صحيح القول للنَّاس نافعُ
وقال شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهى : ولما حججت وزرته ، تطفلت على جنابه المعظم وامتدحته بأبيات مطولة ، وأنشدتها بين يديه بالحجرة الشريفة ، من جملتها :
واللَّه يا خير الخلائق إن لى قلباً مشوقاً لا يرومُ سواكا
أنت الذي من نورِك البدرُ اكتسى والشمسُ مشرقة بنورِ بهاكا
أنت الذي لما رُفعتَ إلى السما بك قد سمتْ وتزيَّنتْ لسراكا
أنت الذي ناداك ربُّك مرحبا ولقد دعاك لقربهِ وحباكا
أنت الذي فينا سألت شفاعةً ناداك ربُّك : لم تكن لسواكا
والأنبياءُ وكلُّ خلقٍ في الورى والرسلُ والأملاكُ تحت لواكا
لك معجزاتٌ أعجزت كلَّ الورى وفضائلٌ جلت فليس تحاكى(1/136)
نطق الذراع بسمه لك معلنا والضب قد لبَّاك حين أتاكا
والذئب جاءك والغزالة قد أتتْ بك تستجير وتحتمي بحماكا
وكذا الوحوش أتت إليك وسلمت وشكا البعير إليك حين رآكا
ودعوت أشجارا أتتك مطيعة وسعت إليك مجيبة لنداكا
والماء فاض براحتيك وسبحت صمُّ الحصى بالفضل في يمناكا
وعليك ظللت الغمامة في الورى والجذع حنَّ إلي كريم لقاكا
وكذاك لا أثر لمشيك في الثرى والصخر قد غاصت به قدماكا
وشفيتَ ذا العاهات من أمراضه وملأت كل الارض من جدواكا
ورددتَ عينَ قتادة بعد العمى وابن الحصين شفيته بشفاكا
وكذا حبيبٌ وابنُ عفرا عندما جُرحا شفيتهما بلمس يداكا
وعليُّ من رمدٍ به داويته في خيبر فشفي بطيب لماكا
ومسستَ شاةً لأم معبد بعدما نشفتْ فدرَّتْ من شفا رقياكا
ودعوتَ عامَ المحل ربَّك معلنا فانهلَّ قطرُ السُّحبِ عند دُعاكا
ودعوتَ كل الخلق فانقادوا إلى دعواك طوعا سامعين نداكا
وخفضتَ دينَ الكفر يا علمَ الهدى ورفعتَ دينك فاستقم هناكا
أعداك عادوا في القليب بجهلِهم صرعى وقد حُرموا الرضا بجفاكا
في يوم بدرٍ قد أتتك ملائكٌ من عند ربِّك قاتلتْ أعداكا
والفتحُ جاءك يومَ فتحِك مكَّة والنصرُ في الأحزابِ قد وافاكا(1/137)
هودٌ ويونسُ من بهاك تجمَّلا وجمالُ يوسفَ من ضياءِ سناكا
قد فقتَ يا طه جميعَ الأنبيا نوراً فسبحانَ الذي سواكا
إنجيل عيسى قد أتى بك مخبرا وأتى الكتابُ لنا بمدحِ حلاكا
ماذا يقولُ المادحون وما عسى أن يجمعَ الكتَّاب من معناكا
واللَّه لو أن البحارَ مدادُهم والعشبَ أقلامٌ جُعلن لذاكا
لم تقدر الثقلان تجمع ذره أبدا وما اسطَّاعوا له إدراكا
لى فيك قلبٌ مغرمٌ يا سيدى وحشاشةٌ محشوةٌ بهواكا
فإذا سكتُ ففيك صمتي كلُّه وإذا نطقتُ فمادحٌ علياكا
وإذا سمعتُ فعنك قولاً طيبا وإذا نظرتُ فلا أرى إلاكا
ولأنتَ أكرمُ شافعٍ ومشفَّعٍ ومن التجا لحماك نال وفاكا
فاجعل قراي شفاعةً لي في غدٍ فعسى أرى فى الحشر تحت لواكا
صلَّى عليك اللَّهُ يا خيرَ الورى ما حنَّ مشتاقٌ إلى مثواكا
وعلى صحابتك الكرام جميعهم والتابعين وكل من والاكا
وقال الشمس بن جابر الهوارى :
هناؤكم يا أهلَ طيبة قد حقَّا فبالقرب من خير الورى حزتم السبقا
فلا يتحرك ساكن منكم إلى سواها وإن جار الزمانُ وإن شقَّا
فكم ملكٍ رام الوصولَ لمثل ما وصلتم فلم يقدر ولو مَلَكَ الخلقا(1/138)
فبشراكم نلتم عناية ربِّكم فها أنتم في بحر نعمته غرقى
ترون رسول اللَّه في كل ساعةٍ ومن يره فهو السعيد به حقا
بطيبة مثواكم وأكرم مرسل يجاوركم فالدهر يجري لكم وفقا
فكم نعمة للَّه فيها عليكم فشكرا وشكر اللَّه بالشكر يستبقى
أمنتم من الدجال فيها فحولها ملائكة يحمون من دونها الطرقا
كذاك من الطاعون أنتم بمأمنٍ فوجه الليالي لا يزال بكم طلقا
فلا تنظروا إلا لوجه حبيبكم وإن جاءت الدنيا ومرَّت فلا فرقا
حياة وموتا تحت رحماه أنتم وحشرا فستر الجاه فوقكم ملقى
فيا راحلا عنها لدنيا يريدها أتطلب ما يفنى وتترك ما يبقى
هو الرزق مقسوم فليس بزائل ولو سرت حتى كدت تخترق الأفقا
فكم قاعدٍ قد وسع اللَّه رزقَه ومرتحلٍ قد ضاق بين الورى رزقا
إذا قمت فيما بين قبر ومنبر بطيبة فاعرف أين منزلك الأرقى
لقد أسعد الرحمن جارَ محمَّدٍ ومن جار في ترحاله فهو الأشقى
ولنختم بهذا التسديس المذكور في كتاب (( درر الدرر )) للشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر العطار الجزائري :
صلُّوا على المسكِ الفتيقِ الأطيبِ صلُّوا على الورد المعين الأعذبِ
صلُّوا على نورٍ ثوى في يثربِ صلُّوا عليه بمشرقٍ وبمغربِ
ما زال في الرسلِ الكرامِ كريما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***(1/139)
صلُّوا على زهرِ الكمالِ النابتِ صلُّوا على طود البهاء الثابتِ
صلُّوا على من فاق نعتَ الناعتِ خيرِ الورى من ناطقٍ أو صامتِ
وأعزِّهم نفسا وأطهر خيما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على طيبٍ يفوح ويمكثُ صلُّوا على من عهده لا ينكثُ
صلُّوا على من بالهدى يتحدَّثُ عنه المعارف والحقائق تورثُ
أضحى يعلمنا الهدى تعليما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على من نورُه يتبلجُ صلُّوا على من عَرْفُه يتأرجُ
للحضرة العلياء ليلاً يعرجُ صلُّوا على من حاز مجداً يبهجُ
وبها على العرشِ المجيد مقيما صلُّوا عليه وسلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على البدر المنير اللائحِ صلُّوا على صبح الرشاد الواضحِ
صلُّوا على المسك الذكي الفائحِ صلُّوا على الهادي النبي الناصحِ
الرشدَ فهَّمَ والهدى تفهيما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على من شرعه لا يُنسخُ صلُّوا على من عهده لا يفسخُ
صلُّوا على من بالثناءِ يُضمخُ علياؤه عليا الكمال تؤرخُ
نال المفاخرَ والكمالَ قديما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على الهادي لأعذب موردِ صلوا على خير الأنام الأوحدِ
صلُّوا على بدر التمام الأسعدِ بمحمَّدٍ فزنا ومن كمحمَّدِ(1/140)
اللَّهُ عظَّم قدرَه تعظيما صلُّوا عليه وسلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على البدرِ المنيرِ الزاهرِ صلُّوا على الروضِ البهي الناضرِ
صلُّوا على بحرِ العلومِ الزاخرِ صلُّوا على المسكِ الفتيقِ العاطرِ
وتنعموا بصلاتكم تنعيما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على نورٍ يلوح ويبرزُ صلُّوا على مسكٍ يفوحُ ويحرزُ
بمحمَّدٍ حُللُ الكمال تُطرَّزُ ولمجدِه دررُ السيادة تُفرزُ
قد نظمت لكماله تنظيما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على من قدرُه لا يدركُ صلُّوا على من باسمه يتبركُ
صلُّوا على من حبُّه لا يُتركُ صلُّوا على من للهدى يتحركُ
وبه تحلَّى ظاعناً ومقيما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على زهرٍ أنيقٍ باسمِ صلُّوا على عَرْفٍ ذكي ناسمِ
صلُّوا عليه فهو بدرُ مواسمِ من جودِه نلنا بخيرِ مقاسمِ
أنوارُه قد تممت تتميما صلوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على من بالنبوَّة زُيِّنا صلُّوا على من بالكمال تمكنا
صلُّوا على هادٍ أبَانَ وبيَّنا بمحمَّد فزنا بإدراك المنى
للخلق أرسل رحمةً ورحيما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***(1/141)
صلُّوا على صبحٍ تبلَّج بالرضى وقضى على ليلِ الضلالةِ فانقضى
صلُّوا على من بالنجاة تعرَّضا صبحٌ تذهَّبَ نُورُه وتفضضا
وعلا وخيَّم ضوءُه تخييما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على النورِ الأعمِّ السابغِ صلُّوا على البدر الأتم البازغِ
صلُّوا على المسك الذكي البالغِ صلُّوا على الوردِ المعينِ السائغِ
للواردين به غَدَا تتميما صلُّوا عليه وسلُّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على الدرِ النفيسِ الأنفسِ صلُّوا عليه فهو روضُ الأنفسِ
صلُّوا عليه فهو زينُ المجلسِ ومُنى الجليسِ ونزهةُ المتأنسِ
راق النفوسَ شذا وطابَ شميما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على نورٍ بطيبة قد ثوى فعلا وفاض على البسيطة واحتوى
صلُّوا عليه فليس ينطق عن هوى صلُّوا عليه فهو ينجي من هوى
في موقفٍ يذرُّ السليمَ سليما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما
*** ***
صلُّوا على من نال مجدا عاليا وسما وحاز مفاخرا ومعاليا
صلُّوا على نورٍ تبدى حاليا وبمدحِه الرحمنُ زيَّن حاليا
وإذا سما المخدومُ زانَ خديما صلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما(1/142)
فالحمد لله اللطيف الخبير . العزيز الحكيم الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . أحمده حمد عبدٍ معترفٍ بالعجز والتقصير. وأشكره على ما أعان من قصدٍ ويسَّر من عسير . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مشير ولا ظهير ولا وزير . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير . المبعوث إلى كافة الخلق من غني وفقير ومأمور وأمير . صلَّى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه صلاةً تنجى قائلها في الآخرة من عذاب السعير .
وبعد .. فقد أينعت ثمرات هذا الروض وأصبحت دانية القطوف . وتجلت عرائسُ أبكاره واكتمل بدرُه بلا كسوف . وانجابت ظلماتُ الهموم بسماع موصول مقاطعه التي هي في الحقيقة لأذن الجوزاء شنوف . ونطقت جواهرُ حروفه بالتهليل والتسبيح والتحميد . وخفقت أعلامُ آياتِه بالنصر والتأييد . فأكرم به من كتابٍ ما الروض أبهى من وسيمه . ولا الريحان بأعطر من شميمه . ولا نسائم الأسحار بأرق من هبوب نسيمه . إذا تدبره الأريب أغنته تلك الأفانين عن نغمات الأوتار . وإذا تأمله الحكيم نزه طرفه في رياض هاتيك الديار . فهو في اللطافة كالماء في إروائه . وكالهواء المعتدل في ملاءمة الأرواح بجوهر صفائه . وكالعقد النضيد قد بولغ في تهذيبه وانتقائه .
كلم نوابغ نحو آفاق المطالع صاعده
لو رامها قسٌ لما ألفى أباه ساعده
أبدى نتائجَ عيِّه في ذي المعاني الشارده
فالحمد لله على إكمالِه وإتمامِه . وأزكى صلَّواتِه على نبيِّه ورسولِه وسلامِه .
فهرس الموضوعات
المقدمة وسبب تصنيف هذا الكتاب ..............................................
أبواب فضل المدينة :
(1) باب بيان فضل المدينة وعلوها بالإسلام ......................................
(2) باب بيان أن الله تعالى سمَّى المدينة طابة ....................................(1/143)
(3) باب بيان أن من أسماء المدينة طَيْبَة ...........................................
(4) باب ذكر دعاء النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للمدينة بتضعيف البركة .......
(5) باب بيان أن النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا دعا لأهل المدينة توضأ وضوءه للصلاة واستقبل القبلة ثمَّ دعا ...................................................
(6) باب بيان بأن صاع المدينة أصغر الصيعان وأنه المعتبر فى مكيلة الزكاة دون ما أحدث من الصيعان ..........................................................
(7) باب بيان أن المدينة تنفى خبثها وشرارها كما ينفى الكيرُ خبث الحديد ......
(8) باب دعاء النَّبىِّ ربَّه أن يحبِّب إلينا المدينة كحبنا مكَّة أو أشد وأن يصحِّحها من الحمى والوباء ..................................................................
(9) باب ذكر ما ورد فى إثم من كادَ أهلَ المدينة .................................
(10) باب بيان أنه لا يدخل المدينة رعب الدجال ولا الطاعون ..................
(11) باب بيان أن الإيمان فى آخر الزمان يأرز إلى المدينة ......................
(12) باب بيان أن تمر المدينة شفاءٌ من السحر والسم ...........................
(13) باب ذكر إثبات الشفاعة لمن صبر على جهد المدينة ، ومن يموت بها من أمَّة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم ...................................................
أبواب تحريم المدينة :
(1) باب ذكر البيان بأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حرَّم المدينة...............
(2) باب ذكر الأخبار المفسِّرة للتحريم بألا يهراق فيها دمٌّ ، ولا يُحمل فيها سلاحٌ ، ولا يصاد صيدها ، ولا يختلى خلاها .............................................
(3) باب ذكر بيان حدود حرم المدينة .........................................(1/144)
(4) باب ذكر إثم من أحدث فى المدينة حدثاً أو آوى محدثاً ........................
(5) باب ذكر بيان ما ورد فى سلب من قطع من شجر المدينة أو أصاب فيها صيداً .
أبواب فضل المسجد النبوى :
(1) باب ذكر أصل المسجد وكيفية بنائه ....................................
(2) باب بيان أن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجد المدينة ............
(3) باب استحباب شدِّ الرحال إلى المسجد النبوى ...............................
(4) باب بيان أن الصلاة فى المسجد النبوى أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام .......................................................
(5) باب بيان أن الصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة صلاةٍ فى المسجد النبوى .
(6) باب ذكر قول النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (( ما بين بيتى ومنبرى روضةٌ من رياض الجنَّة )) ..................................................................
(7) باب ذكر قول النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (( قوائم منبرى رواتب فى الجنَّة )) ......................................................................
(8) باب ذكر بدء شأن المنبر بالمسجد النبوى ....................................
أبواب فضل مسجد قباء :
(1) باب ذكر البيان بأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يزور مسجد قباء كلَّ سبتٍ ، ويصلِّى فيه ركعتين ...................................................
(2) باب ذكر البيان بان الصلاة فى مسجد قباء تعدل عمرةً .....................
(3) باب ذكر من كانت الصلاة فى مسجد قباء أحبَّ إليه من الصلاة فى بيت المقدس .........................................................................(1/145)
(4) باب ذكر البيان بان المهاجرين الأولين كانوا يصلون بقباء قبل بناء المسجد النبوى .......................................................................
(5) باب ذكر صبر أهل قباء على الحمى ودعاء النبى صلَّى الله عليه وسلَّم بأن تكون لهم طهوراً ................................................................
أبواب فضل البقيع ومقابر المدينة :
(1) باب أمر الله تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يستغفر لأهل البقيع ...........
(2) باب خروج النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلما كانت ليلته من عائشة من آخر الليل إلى البقيع ودعائه لأهل البقيع .......................................
(3) باب تشييع النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للجنائز بالبقيع ، وإتيانه قبورهم للموعظة والتذكير بالآخرة ....................................................
أبواب فضل العقيق وأودية المدينة :
(1) باب العقيق وادٍ مبارك .................................................
(2) باب ذكر بئر رومة ، وهى فى العقيق ، وقول النَّبىَّ صلّى الله عليه وسلَّم (( من اشترى بئر رومة ، فله مثلها فى الجنَّة )) ..............................
(3) باب ذكر وادى وسيل مهزور ............................................
(4) باب ذكر بطحان ......................................................
(5) باب ذكر آبار المدينة .....................................................
أبواب جبل أحد وجبال المدينة :
(1) باب أحد جبلٌ يحبُّنا ونحبُّه ..........................................
(2) باب ذكر جبل ورقان ...............................................
أبواب معالم وأحداث تاريخية بالمدينة :
(1) باب هجرة النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة المشرفة ....................(1/146)
(2) باب تزويج النبى صلَّى الله عليه وسلَّم عائشة وبنائه بها بالمدينة ..............
(3) باب مبتدأ الأذن بالقتال ونسخ العفو عن المشركين .......................
(4) باب إجلاء اليهود من المدينة ..............................................
خاتمة تتعلق بتخريج أحاديث الكتاب :
بيان أن أصحاب الصحاح لم يفرقوا بين الصحيح والحسن ، وخرجوا كلاً فى صحاحهم ، ورأس هؤلاء إمام المحدثين : البخارى ................................
الملحق الأول :
ذكر ما قيل من الأشعار فى الشوق والحنين إلى المدينة
شعر محمد بن عبد الملك بن حبيب الفقعسى .....................................
شعر أبى قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن أمية ، لما أخرج عبد الله بن الزبير بنى أمية من الحجاز إلى الشام ........................
شعره يذكر أيام صباه ومقامه بالمدينة .............................................
شعر عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدمشقى ......................
شعر الوليد بن عقبة .............................................................
شعر ابن أبى العاصية السلمى يتشوق المدينة .....................................
شعر إلياس بن مضر هو بالعراق يتشوق الحجاز ..................................
شعر سعيد بن سليمان المساحقي ، يتشوق عقيق المدينة وهو في بغداد ..............
شعر أعرابية ممن كانت تسكن عقيق المدينة وقد حملت إلى نجد .....................
الملحق الثانى :
ذكر آداب زيارة قبر الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم
وذكر كلماتٍ حُفظت عن زوَّاره
جملة من مراثى حسان بن ثابت للنبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ........................
مرثية أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب للنبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .............(1/147)
مرثية عبد الله بن أنيس للنبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ................................
ما أنشد شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهى عند زيارته المدينة ...................
ما أنشد الشمس بن جابر الهوارى عند زيارته المدينة ..............................
تسديس للشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر العطار الجزائري ........................................................
الخاتمة .......................................................................
فهرس الموضوعات ...................................................
5
9
10
11
12
13
14
15
16
17
19
21
23
24
28
35
36
37
39
41
41
45
46
46
47
49
50
53
55
56
59
60
61
63
63
64
65
66
70
71
73
74
77
79
82
84
91
92
92
95
96
100
101
102
103
104
113
114
115
118
119
119
120
120
120
121
123
124
129
129
130
130
134
140
141
??
??
??
??
ـ 24 ـ
ـ 23 ـ(1/148)