قال الحسن: إن الفتنة – والله – ما هي إلا إلا عقوبة من الله عز وجل تحل بالناس. (العقوبات 25)
قال مطرف: إن الفتنة ليست تأتي تهدي الناس ولكن إنما تأتي تقارع المؤمن عن دينه؛ ولأَنْ يقولَ الله: لِمَ لا قتلتَ فلاناً؟ أَحَبُّ إليَّ من أن يقولَ: لم قتلت فلاناً. (2/204)
قال مطرف: إن الفتنة إذا أقبلت تشبهت وإذا أدبرت تبينت. (السنن الواردة في الفتن 1/234)
قال سعيد بن جبير: لقيَني راهبٌ فقالَ: يا سعيدُ، في الفتنةِ يتبينُ مَن يعبدُ اللهَ ممَّن يعبدُ الطاغوتَ. (4/280)
قال عاصم الأحول: وقعت الفتنة فقال طلق بن حبيب: اتقوا الفتنة بالتقوى؛ فقال بكر بن عبد الله: أجمل لنا التقوى في يسير، فقال: التقوى العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء رحمة الله؛ والتقوى ترك معاصي الله على نور من الله مخافة عذاب الله. (الزهد الكبير ص351)
الفتن: قال وهب: مر رجلٌ عابدٌ على رجلٍ عابدٍ فقال: ما لك؟ قال: عجبتُ من فلان إنه كان قد بلغ من عبادتِه، ومالت به الدنيا!! فقال بعجل(1) لا تعجب ممن تميل به الدنيا ولكن اعجب ممن استقام. (4/51)
قال الشعبي: ما بكيتُ من زمانٍ إلا بكيت عليه. (4/323)
قال الحسن: ما لقيت أمة من الشح ما لقيت هذه الأمة؛ وما وعظت أمة بمثل ما وعظت به هذه الأمة؛ ثم ذكر أوليهم(2) وتباذلهم وتعاطفهم وتراحمهم؛ والله ما وعظت أمة بمثل ما وعظت هذه الأمة، وما لقيت أمة من الشح ما لقيت هذه الأمة حتى إن أحدهم ليكسر عظام(3) أخيه عظماً عظماً: هات درهماً هات درهماً! وهذا عاض عليه(4)! وهذا مُلِحٌّ عليه! (رك ص231)
__________
(1) كذا في مطبوعة (الحلية)، وفي بعض نسخها الخطية: (تعجل)، ولعل الصواب (تعجب؟!!) وأنه قالها على سبيل الاستفهام الانكاري.
(2) في الأصل (أوليتهم)؛ والمراد الصحابة وكبار التابعين.
(3) في الأصل (عظم).
(4) أي على الدرهم.(2/205)
قال العلاء بن عبد الكريم: ضحكت فقال لي طلحة بن مصرف: إنك لتضحك ضحك رجل لم يشهد الجماجم! فسئل: يا أبا محمد وشهدتها؟ قال: ورميت فيها بأسهم ولوددت أن يدي قطعت إلى ههنا، وأشار إلى مرفقه، وأني لم أشهدها(1). (5/17)
عن أيوب عن أبي قلابة أن مسلم بن يسار صحبه إلى مكة، قال: فقال لي وذكر الفتنة: إني أحمد الله إليك أني لم أرم فيها بسهم ولم أطعن فيها برمح ولم أضرب فيها بسيف قال: قلت له: يا أبا عبد الله فكيف بمن رآك واقفاً في الصف فقال: هذا مسلم بن يسار، والله ما وقف هذا الموقف إلا وهو على الحق فتقدم فقاتل حتى قتل؟ قال: فبكى وبكى حتى تمنيت أني لم أكن قلت له شيئاً. (الطبقات 7/187)
قال عمران بن أبي الرباب: قيل لزبيد [اليامي]: ألا تخرج، يعني مع زيد بن علي؟ قال: لا أخرج إلا مع نفسي. (5/30)
قال شقيقٌ: قال لي شريح: ما أَخْبَرْتُ ولا استخبَرتُ منذ كانت الفتنة(2)، [ولا ظلمت مسلما ولا معاهدا دينارا ولا درهماً](3)؛ قلت(4): لو كنتُ مثلَكَ لسرَّني أن أكونَ قد متُّ! قال: فكيف بما في صدري؟! تلتقي الفئتان إحداهما أحبُّ إلي من الأخرى!. (4/133)
قال أبو حاتم الرازي: دعا مجمع [بن يسار] ربه عز وجل أن يميته قبل الفتنة [فـ]مات من ليلته وخرج زيد بن علي من الغد. (صف3/108)
__________
(1) وهذه رواية أخرى في هذا الشأن:
عن أبي جناب قال: سمعت طلحة يقول: شهدت الجماجم فما رَميت ولا طَعنت ولا ضَربت، ولوددت أن هذه سقطت من ها هنا ولم أكن أشهدها. (5/17)
(2) قال عبدة بن أبي لبابة: كانت فتنة ابن الزبير تسع سنين، فمكث شريح لا يخبر ولا يستخبر. (4/133)
(3) هذه الزيادة من (تهذيب الكمال). (12/442)
(4) بالأصل (قال) وهي صحيحة، ولكن (قلت) أوضح.(2/206)
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: لما وقعت فتنة عثمان بن عفان قال رجل لأهله: قيدوني فإني مجنون، فلما قتل عثمان قال: حلوا عني القيد، الحمد لله الذي عافاني من الجنون ونجاني من فتنة عثمان. (فضيلة الشكر ص46 والرسالة المغنية ص46)
الأتباع
خرج الحسن ذات يوم فاتبعه قوم فالتفت إليهم فقال: هل لكم من حاجة؟! وإلا فما عسى أن يُبقي هذا من قلب المؤمن؟!(1). (التواضع والخمول ص79)
قال غالب: خرج الحسن مرة من المسجد وقد ذُهب بحماره فأتى حماري فركبه وكان حماري يتناول ساق صاحبه فخفته على الحسن فأخذت بلجامه فقال: أحمارك هذا؟ فقلت: نعم، قال: وخلفه رجال يمشون، فقال: لا أبا لك ما يبقي خفق نعال هؤلاء من قلب آدمي ضعيف؟! والله لولا أن يرجع المسلم أو المؤمن(2) إلى نفسه فيعلم أن لا شيء عنده لكان هذا في فساد قلبه سريعاً(3). (الطبقات 7/168)
لم يكن ابن سيرين يترك أحداً يمشي معه. (2/267)
قال عاصم: كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام(4). (صف3/212)
رأى سعيد بن جبير ناساً يتبعونه فنهاهم وقال: إن هذه مذلة للتابع فتنة للمتبوع(5)
__________
(1) ووقع في (الزهد الكبير) (ص148): (مؤمن ضعيف) بدل (قلب المؤمن).
ووردت رواية أخرى لهذا الخبر عن الحسن؛ فعنه قال: إن خفق النعل خلف الرجل قل ما يلبث قلوب الحمقى. (التواضع والخمول ص78 و رك ص13 والطبقات 7/168 والسير 4/574)
(2) شك الراوي.
(3) وتقدم في هذا المعنى أثر مختصر وهو في (الزهد) (ص284) وغيره.
(4) وعن ليث قال: كان أبو العالية إذا جلس إليه أربعة قام. (العلم لأبي خيثمة ص13)
وعن ليث عن أبي العالية أنه كان إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة قام. (التواضع والخمول ص122)
(5) عن شعبة عن الهيثم عن عاصم بن ضمرة أنه رأى أناساً يتبعون سعيد بن جبير فنهاهم وقال: إن صنيعكم هذا مذلة للتابع وفتنة للمتبوع. (العلم لأبي خيثمة ص30)
وعن سليم بن حنظلة قال: بينا نحن حول أبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه بالدِّرَّة فقال: انظر يا أمير المؤمنين ما تصنع؟! فقال: إن هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. (التواضع والخمول ص123)
وعن أبي رجاء قال: رأى طلحة [هو الصحابي المبشر] قوماً يمشون معه أكثر من عشرة فقال: ذِبّان طمع وفَرَاش النار. (التواضع والخمول ص123)(2/207)
. (الزهد الكبير ص148)
قال الأعمش: قال خيثمة: تجلس أنت وإبراهيم في المسجد ويُجتمع عليكم؟! قد رأيت الحارث بن قيس إذا اجتمع عنده رجلان قام وتركهما. (المصنف 7/155 وصف3/73)
قال صفوان بن عمر: كان خالد بن معدان إذا عظمت حلقته قام فانصرف؛ قيل: لصفوان ولمَ كان يقوم؟ قال: كان يكره الشهرة(1). (صف4/214)
قال أبو بكر بن عياش: سألت الأعمش كم رأيت أكثر ما رأيت عند إبراهيم؟ قال: أربعة، خمسة. (التواضع والخمول ص122 وصف3/89)
قال أبو بكر بن عياش: ما رأيت عند حبيب بن أبي ثابت غِلْمَةً ثلاثة قط. (التواضع والخمول ص122)
وجوب عدم اغترار الرجل بكثرة الناس حوله
ولا بثنائهم عليه(2)
__________
(1) عن يحيى بن سعيد [الأنصاري] عن خالد بن معدان أنه كان إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة. (التواضع والخمول ص121-122)
(2) قال ابن حزم في (الأخلاق والسير):
(باب عظيم من أبواب العقل والراحة، وهو اطراح المبالاة بكلام الناس واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل بل هذا باب العقل والراحة كلها.
من قدّر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون.
من حقق النظر وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن آلمتها في أول صدمة كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه؛ لأن مدحهم إياه إن كان بحق وبلغه مدحُهم له أسرى [لعلها أثّر] ذلك فيه العُجْبَ، فأفسد بذلك فضائله؛ وإن كان بباطل، فبلغه فسره، فقد صار مسروراً بالكذب؛ وهذا نقص شديد.
وأما ذم الناس إياه فإن كان بحق، فبلغه، فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه؛ وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا ناقص.
وإن كان بباطل؛ وبلغه فصبر، اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر، وكان مع ذلك غانماً، لأنه يأخذ حسنات من ذمه بالباطل، فيحظى بها في دار الجزاء أحوج ما يكون إلى النجاة بأعمال لم يتعب فيها ولا تكلفها؛ وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا مجنون.
وأما إن لم يبلغه مدح الناس إياه، فكلامهم وسكوتهم سواء.
وليس كذلك ذمهم إياه، لأنه غانم للأجر على كل حال بلغه ذمهم أو لم يبلغه.
ولولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثناء الحسن: (ذلك عاجل بشرى المؤمن)، لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل أكثر من رغبته في المدح بالحق؛ ولكن إذ جاء هذا القول فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل، فإنما تجب البشرى بما في الممدوح لا بنفس المدح). انتهى كلام ابن حزم رحمه الله.
وأضف إلى آثار هذا الباب ما ورد في باب (بغضهم المدح).(2/208)
قال رجل: لما ثقل محمد بن واسع كثر الناس عليه في العيادة، قال: فدخلت فإذا قوم قيام وآخرون قعود! قال: فأقبل علي فقال: أخبرني ما يغني هؤلاء عني إذا أخذ بناصيتي وقدمي غداً وألقيتُ في النار؟! ثم تلا هذه الآية: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ)(1). (2/348 وانظر الورع لأحمد ص164)
قال عطاء السليمي: سمعت جعفر بن زيد العبدي يذكر أن رجلاً مر بمجلس فأُثني عليه خيراً فلما جاوزهم قال: اللهم إن هؤلاء لم يعرفوني وأنت تعرفني. (الصمت ص272)
قيل لسليمان التيمي: أنتَ أنتَ، ومنْ مثلُك؟! قال: لا تقولوا هكذا! لا أدري ما يبدو لي من ربي عز وجل، سمعت الله عز وجل يقول: (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)(2). (3/30)
قال الربيع بن خثيم لبعضِ أصحابِه: لا يغرنَّك كثرةُ ثناءِ الناسِ من نفسِكَ فإنه خالصٌ إليك عملُك. (2/112)
قال مالكٌ بن دينار: منذُ عرفتُ الناسَ لم أفرحْ بمِدْحتِهم ولا أكرهُ مَذَمَّتَهم، قيلَ: ولِمَ ذلك؟ قالَ: لأنَّ مادحَهم مفَرِّطٌ وذامَّهم مفْرِطٌ. (2/372)
قال مطرف: ما مدحني أحد قط إلا تصاغرت عليَّ نفسي. (2/198)
قال مالك بن دينار: من تباعد من زهرة الحياة الدنيا فذلك الغالب لهواه؛ ومن فرح بمدح الباطل فقد أمكن الشيطان من دخول قلبه؛ يا قارىء أنت قارىء؟!! ينبغي للقاىء أن يكون عليه دُرّاعة(3) صوف وعصا راعٍ، يفر من الله إلى الله عز وجل، ويحوش العباد على الله تعالى. (2/364)
قال ابراهيم بن أبي عبلة: كنت جالساً مع أم الدرداء فأتاها آت فقال: يا أم الدرداء إن رجلاً نال منك عند عبد الملك بن مروان فقالت: إن نُؤْبَنْ بما ليس فينا فطالما زُكّينا بما ليس فينا. (روضة العقلاء ص178)
__________
(1) الرحمن (41).
(2) الزمر (47).
(3) بالأصل (دارعة) وهو تصحيف.(2/209)
قال عبد الرحمن بن زيد: قال ابن المنكدرِ لأبي حازمٍ: يا أبا حازمٍ: ما أكثرَ مَن يلقاني فيدعو لي بالخيرِ، ما أعرفُهم وما صنعتُ إليهم خيراً قطّ! قالَ له أبو حازم: لا تظنَّ أنَّ ذلكَ مِنْ عَملِكَ، ولكن انظرْ الذي ذلك مِن قِبَلِهِ(1) فاشكرْه؛ وقرأَ ابنُ زيدٍ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً)(2). (3/233 والشكر ص38)
قال إبراهيم بن أدهم: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال لخالد بن صفوان: عظني وأوجز، فقال خالد: يا أمير المؤمنين إن أقواماً غرَّهم سترُ الله عز وجل، وفتنَهم حسنُ الثناء، فلا يغلبنَّ جهلُ غيرِك بك علمَك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعن ما افترض الله متخلفين مقصّرين، وإلى الأهواء مائلين؛ قال: فبكى ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتباع الهوى. (الزهد الكبير ص187 والحلية 8/18)
قال رجل لمعاوية بن قرة: إني لأحبُّكَ، فقالَ: لِمَ لا تحبُّني ولستُ لك بجار ولا قرابة؟! (2/300)
كان ابنُ محيريزٍ إذا مُدحَ قالَ: وما يُدريكَ؟! وما علمك؟! (5/140)
كان يزيد بن ميسرة يقول: إذا زكّاكَ رجلٌ في وجهِكَ فأَنْكِرْ عليهِ واغضبْ ولا تُقِرَّ بذلكَ، وقلْ: اللهمَّ لا تؤاخذْني بما يقولونَ، واغفرْ لي ما لا يعلمون. (5/240)
قال الحسن: كم من مستدرَج بالاحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه(3)
__________
(1) وهو الله تبارك وتعالى.
(2) مريم (96).
(3) قال الفريابي: حدثنا محمد بن الحسن البلخي أخبرنا عبد الله بن المبارك حدثنا سفيان الثوري قال: كان يقال: إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل فيك. (صفة المنافق ص76)
وأختم هذا االفصل بهذه الفائدة الجليلة التي سطرها ابن القيم في كتاب (الفوائد) (ص149):
(لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقْبِل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة؛ فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص؛ فإن قلت: وما الذي يسهل علي ذبحَ الطمع والزهدَ في الثناء والمدحِ؟! قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقيناً أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه، لا يملكها غيره ولا يؤتي العبدَ منها شيئاً سواه؛ وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحدٌ ينفع مدحُه ويزين ويضر ذمُّه ويشينُ إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: إن مدحي زين وذمي شين فقال: "ذلك الله عز وجل". فازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشنيك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه؛ ولن تقدر على ذلك الا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب، قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) [الروم 60]؛ وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة 24].(2/210)
. (الزهد ص267)
قال أبو الاشهب: سمعت أبا العلاء [يزيد بن عبد الله بن الشخير] يقول: إذا أتى الرجل القوم فرأوه فقالوا: مرحباً، فمرحباً به يوم يلقى ربه عز وجل، وإذا رأوه قالوا له: قحطاً، فقحطاً له يوم يلقى ربه عز وجل. (الزهد ص246)
عن يحيى بن معين حدثني الهيثم بن عبيد الصيد عن أبيه قال: قلت لزيد بن أسلم: الرجل يعمل بشيء من الخير فيسمع الذاكر له فيسره، هل يحبط ذاك شيئاً من عمله؟ قال: ومن ذا الذي يحب أن يكون له لسان سوء حتى إن إبراهيم خليل الرحمن قال: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)(1). (مكارم الأخلاق ص21)
عن مجاهد (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)(2) قال: الثناء الحسن. (مكارم الأخلاق ص22)
عن شيبان عن قتادة (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ)(3) قال: أبقى له ثناءً حسناً. (مكارم الأخلاق ص22)
__________
(1) الشعراء (84).
(2) الشعراء (84).
(3) قال تعالى في حق نوح: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات 78-81]؛ وقال في حق إبراهيم (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات 108-111]؛ وقال في حق موسى وهارون: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات 119-122]؛ وقال في حق إلياس: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات 129-132].(2/211)
عن ابن عيينة أن عكرمة سئل عن قوله تعالى (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا)(1) قال: لقد غصت عليه في بحر عميق فمن أنت؟ قال: سعيد بن جبير؛ قال لقد علمت، ثم قال: أبقى له ثناء حسناً. (مكارم الأخلاق ص22)
شدة غفلة الناس وكثرة تفريطهم واغترارهم(2)
__________
(1) قال تعالى في إبراهيم عليه السلام: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [العنكبوت 27].
(2) قال ابن القيم في (الفوائد) (ص63-63): (يا مغروراً بالأماني لعنَ ابليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أُمر بها، وأُخرج آدم من الجنه بلقمة تناولها، وحُجب القاتل عنها بعد أن رآها عياناً بملء كف من دم، وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحل، وأمر بإيساع الظهر سياطاً بكلمة قذف أو بقطرة من مسكر، وأبان عضواً من أعضائك بثلاثة دراهم! فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه ولا يخاف عقباها؛ دخلت امرأة النار في هرة؛ وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب؛ وإن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة فإذا كان عند الموت جار في الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل النار.
العمر بآخره والعمل بخاتمته؛ من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعاً، ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه.
لو قدمتَ لقمةً وجدتَها، ولكن يؤذيك الشره؛ كم جاء الثواب يسعى إليك فوقف بالباب فرده بواب (سوف) و (لعل) و (عسى).
كيف الفلاح بين إيمان ناقص وأمل زائد ومرض لا طبيب له ولا عائد، وهوى مستيقظ وعقل راقد، ساهياً في غمرته عَمِهاً في سكرته، سابحاً في لجة جهله مستوحشاً من ربه، مستأنساً بخلقه؟! ذكْرُ الناس فاكهتُه وقوْتُه، وذكر الله حبسه وموته؛ لله منه جزء يسير من ظاهره؛ وقلبه ويقينه لغيره
لا كان مَن لسواك فيه بقيةٌ يجد السبيلَ بها إليه العذَّلُ)
انتهى كلام ابن القيم، وما أعظمَ قيمتَه.(2/212)
قال الحسن: إنا لو اتعظنا بما علمنا انتفعنا بما عملنا، ولكنا علمنا علماً لزمتنا فيه الحجة وغفلنا غفلةَ من لا تُخافُ عليه النقمة؛ ووُعِظنا في أنفسنا بالتحول من حالٍ إلى حال، من صِغَرٍ إلى كِبَر، ومن صحةٍ إلى سَقَم، فأبينا إلا المُقام على الغفلةِ بعدَ لزوم الحجةِ إيثاراً لعاجلٍ لا يبقى وإعراضاً عن آجلٍ إليهِ المصير. (البصائر والذخائر 1/13-14)
قال أبو عمران الجوني: لا يغرنَّكم من اللهِ تعالى طولُ النسيئةِ(1) ولا حسنُ الطلبِ فإنَّ أخذَهُ أليمٌ شديد. (2/209)
قال بلال بن سعد: ذكرك حسناتك ونسيانك سيئاتك غرة. (صف4 / 218)
قال سعيد بن جبير: الغرة من(2) الله أن يصر العبد في معصية الله ويتمنى على الله في ذلك والغرة في الدنيا أن يغتر بها وأن تشغله عن الآخرة أن يمهد لها ويعمل لها كقول العبد إذا أفضى إلى الآخرة: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)(3)؛ وأما متاع الغرور فهو ما يلهيك عن طلب الآخرة فهو متاع الغرور؛ وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكنه متاع بلاغ إلى ما هو خير منها. (زوائد نعيم بن حماد في زهد ابن المبارك 140 وذم الدنيا 260)
قال بلال بن سعد: زاهِدُكم راغبٌ ومجتهدُكم مقصِّرٌ وعالمُكم جاهلٌ وجاهلُكم مغترٌّ. (5/225 والعلم لأبي خيثمة ص19)
قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لجلسائهِ: أَخبِروني بِأحمقِ الناسِ؟ قالوا: رجلٌ باعَ آخرتَهُ بدنياه، فقالَ عمرُ: ألا انبئُكم بأحمقَ منه؟! قالوا: بَلى، قالَ: رجلٌ باعَ آخرتَه بدنيا غيرِهِ. (5/325)
اجتمعوا حول محمد بن المنكدر وهو يصلي وكان رجلاً عابداً فانصرف إليهم فقال: أتعبتم الواعظين! إلى متى تساقون سوق البهائم؟! (3/147)
__________
(1) يعني كثرة الإمهال.
(2) لعل الصواب (في) بدل (من).
(3) الفجر (24).(2/213)
وصف شميط بن عجلان في بعض مجالسه أهل الدنيا وما هم فيه من الغفلة فقال: حيارى سكارى، فارسهم يركض ركضاً، وراجلهم(1) يسعى سعياً، عشقوا الدنيا ولزمت بأم رؤوسهم يرتضعونها لا ينفطمون من رضاعها، وإذا أحدث الله تعالى لأحدهم نعمة أحدث رياءً وسمعةً فعلق من بين أصفرَ وأخضرَ وأحمرَ ثم قال للناس: تعالوا فانظروا! فأما المؤمنون فيقولون: لا حسن والله ولا جميل، إن يكن من حلال فقد أسرفت، وإن يكن من حرام فثكلتك أمك! وأما المنافقون فيقولون: يا ويحنا! يا ليت لنا ما [هو] أكثر وأطيب!! ذروهم عباد الله وما اختاروا لأنفسهم من فالوذجهم ورودجهم، فكلْ يوماً بقلاً ويوماً خلاً، ويوماً ملحاً، والموعد الله؛ يطلبون لأولادهم السمْن والعسلَ ثم يخرجونهم على أيتام المساكين فيذهب الصبي إلى أمه فيجاذبها خمارها فيقول: اطلبي لنا سمناً وعسلاً فإني رأيت مع ابن فلان سمناً وعسلاً! فتقول له أمه: إنه كثير لك من حيث أصبت لك الخبز والملح! يشتري أحدهم الأمَةَ العجماءَ قد أخرجت من دار المشركين الى دار المسلمين فلا يفقهها في الدين ولا يعلمها شيئاً من سنن المرسلين، فتلبس الوشي وتحلى بالذهب، ثم تخطر على فساق أهل الأسواق فإن جنَت جنايةً تبعه من ذلك ما ساءه. (3/126-127)
كان شميط بن عجلان يقول: الناس ثلاثة؛ فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا المقرب؛ ورجل ابتكر عمره بالذنوب وطول الغفلة ثم راجع بتوبة، هذا صاحب يمين؛ ورجل ابتكر الشر في حداثته ثم لم يزل فيه حتى خرج من الدنيا، فهو صاحب الشمال. (3/130)
قال أبو حازم: تراءت لهم الدنيا فوثبوا عليها. (3/233)
قال أبو حازم: إن قوماً تجنبوا الكثير من الحلال لكثرة شغله فما ظنكم بهؤلاء الذين تركوا الحلال ليركبوا الحرام. (3/241)
__________
(1) كان محل هذه الكلمة في الأصل (وبيدقهم) فأثبت ما ورد في (صفة الصفوة).(2/214)
ذكَر ميمون بن مهران أن راهباً دخلَ على عمر بن عبد العزيز فقال له عمر: ألم أخبَرْ أنك تُديمُ البكاءَ، فممَّ ذاك؟! قال: إني والله يا أميرَ المؤمنينَ عهدتُ الناسَ وما شيءٌ عندَهم آثرَ من دينِهم، وما شيءٌ اليومَ آثرَ عندَهم من دنياهم، فعلمتُ أنَّ الموتَ اليومَ خيرٌ للبَرِّ والفاجرِ، قال: فلما خرج قال عمر: صدق يا أبا أيوبَ الراهبُ. (4/91)
قال أبو التياح يزيد بن حميد الضبعي: واللهِ إنَّه لينبغي للرجلِ المسلمِ أن يزيدَهُ ما يرى في الناسِ من التهاونِ بأمرِ اللهِ أنْ يزيدَهُ ذلكَ جدًّا واجتهادًا ثم بكى. (3/83)
قال الحسن: يا من يطلب من الدنيا ما لا يلحقه، أترجو أن تلحق من الآخرة ما لا تطلبه؟! (أدب الدنيا والدين ص454)
طبائع الناس
قال مالك بن دينار: الناس أشكال كأجناس الطير، الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبط مع البط، والصعْو مع الصعو(1)، وكل إنسان مع شكله. (روضة العقلاء ص109)
قال الشعبي: إن كرام الناس أسرعهم مودة، وأبطؤهم عداوة، مثل الكوب من الفضة: يُبطئ الانكسار ويُسرع الانجبار، وإن لئام الناس أبطؤهم مودة، وأسرعهم عداوة، مثل الكوب من الفخار: يسرع الانكسار ويبطئ الانجبار. (روضة العقلاء ص174)
الإخوان والأصحاب والأصدقاء والجلساء
قال الحسن: ان المؤمن شعبة من المؤمن، إن به حاجته، إن به علته، إنه يكلفه في أن يفرح لفرحه ويحزن لحزنه، وهو مرآة أخيه، إن رأى منه ما لا يعجبه سدده وقومه ووجهه وحاطه في السر والعلانية؛ إن لك من خليلك نصيباً وإنَّ لك نصيباً من ذكر من أحببت؛ فتنقوا(2) الإخوان والأصحاب والمجالس. (رك ص232 وانظر روضة العقلاء ص195)
__________
(1) الصعو طائر أصغر من العصفور أحمر الرأس.
(2) تصحفت في (الإخوان) (ص107) إلى (فثقوا بِ).(2/215)
قال محمد بن واسع: لم يبق من العيش إلا ثلاث: الصلاة في الجماعة ترزق فضلها وتكفى سهوها؛ وكفاف من معاش ليست لأحد من الناس عليك فيه منة ولا لله عليك فيه تبعة(1)؛ وأخ محسن العشرة [إذا](2) زُغْتَ قَوَّمك. (روضة العقلاء ص86 و صف3/270)
قال أبو أسامة حدثنا اسماعيل بن حماد قال: كنت اذا رأيت زبيداً [اليامي] مقبلاً من السوق وجف قلبي(3). (5/29)
كان الحسن إذا دخل عليه إخوانه أتاهم مما(4) يكون عنده ولربما قال لبعضهم: أخرج السلة من تحت السرير فيخرجها فإذا فيها رطب فيقول: إنما ادخرته لكم. (الكرم والجود ص49 والاخوان ص238 ومكارم الأخلاق ص96 والشعب 7/95)
كان الحسن إذا فقد الرجل من إخوانه أتى منزله فإن كان غائباً وصل أهله وعياله؛ وإن كان شاهداً سأله عن أمره وحاله ثم دعا بعض ولده من الأصاغر فأعطاهم الدراهم ووهب لهم وقال: أبا فلان إن الصبيان يفرحون بهذا. (مكارم الأخلاق ص95)
__________
(1) المراد أنه حلال لا هو محرم ولا إسراف فيه. ولم يكن الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله موفقاً للصواب إذ فسر هذه الجملة في تعليقه على (روضة العقلاء) بقوله: (أي: تبعة كثيرة، وإلا فكل نعمة من نعم الله مهما رأيتها صغيرة فإن الله يحاسب عليها (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة 7-8]) انتهى كلامه؛ ومن المعلوم أنه ثم فرْقٌ بين النعمة والعمل؛ ولا يلزم أن يكون كل تصرف في النعمة خيراً أو شراً.
(2) هذه الكلمة سقطت من مطبوعة روضة العقلاء، وضبطت كلمة (قومك) الآتية بإسكان الواو وهو خطأ في ضبطها.
(3) قال سعيد بن جبير: لو خيرت عبداً ألقى الله في مسلاخه اخترت زبيداً الأيامي. (صف3/100 والحلية 5/32)
(4) في بعض الكتب (بما) بدل (مما).(2/216)
قال يونس: كان زياد الأعلم يهدي إلى ثابت البناني وإلى يزيد الرقاشي وإلى يزيد الضبي، قالَ: فيهدي إلى قوم محتاجين لا يقْدرون على مكافأتِهِ فلما ظهر الحسن جعل يُهدي له ويهدي له الحسن، فقال زياد الأعلم: أَتعبَنا الشيخُ(1). (مكارم الأخلاق ص112)
قال مالك بن دينار: كل جليس لا تستفيد منه خيراً فاجتنبه. (2/372)
قال مجاهد: لا تصحبن صاحباً لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له. (ذكر أخبار أصبهان 1/257)
قال أحمد بن حنبل: أخبرت عن مالك بن دينار أنه قال: مررت براهب في صومعته فناديته فأشرف علي فكلمني وكلمته فقال لي فيما يقول: إذا استطعت أن تجعل فيما بينك وبين الدنيا حائطاً فافعل؛ وإياك وكل جليس لا تستفيد منه خيراً فلا تجالسه قريباً كان أو بعيداً. (روضة العقلاء ص124)
قال أبو عمرو بن العلاء: رآني سعيد بن جبير وأنا جالس مع الشباب، قال: ما يجلسك مع الشباب؟! عليك بالشيوخ. (روضة العقلاء ص101)
قال معاوية بن قرة: جالسوا وجوه الناس فإنهم أحلم وأعقل من غيرهم. (العقل وفضله ص31)
قال معاوية بن قرة: مكتوب في الحكمة: لا تجالس بحلمك السفهاء ولا تجالس بسفهك الحلماء. (الحلم ص51)
قال الشعبي: من اجتنبَ مجلسَ حيِّه كثُرَ علمُه وزَكَى عملُه(2). (4/318)
قال مالك بن دينار: لا يصطلحُ المؤمنُ والمنافقُ حتى يصطلحَ الذئبُ والحملُ. (2/376)
قال الربيع بن أنس: مكتوب في الحكمة: من يصحب صاحب السوء لا يسلم؛ ومن يدخل مداخل السوء يتهم؛ ومن لا يملك لسانه يندم. (الصمت ص278 و296)
__________
(1) رواية أخرى: قال يونس: كان زياد الأعلم يهدي إلى ناس سماهم فقراء من أهل البصرة فلا يكافؤنه فلما ظهر الحسن جعل يهدي له فيهدي له الحسن فقال زياد: أتعبنا الشيخ. (البر والصلة ص129)
(2) وقال جبير بن نفير: لا يفقه العبد كل الفقه حتى يترك مجلس قومه. (5/135)(2/217)
قال الحارث بن وجيه: سمعت مالك بن دينار يقول: إنك ان تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الخبيص(1) مع الفجار. (روضة العقلاء ص100)
قال ثابت قال مطرف: لقاء اخواني احب إليَّ من لقاء اهلي، أهلي يقولون: يا أبي يا أبي، واخواني يدعون الله لي بدعوة أرجو فيها الخير. (الزهد ص242)
قال بلالٌ بن سعد: أخٌ لكَ كلما لقيكَ ذكَّرَكَ بحظِّكَ مِنَ اللهِ خيرٌ لكَ مِن أخٍ كلما لقيَكَ وضعَ في كفِّكَ ديناراً. (5/225)
قال الحسن: يلقى أحدهم فيقول: اللهم اغفر لنا وله وأدخلنا وإياه الجنة، وإذا كان عند الدرهم فهيهات. (رك ص231)
قال مكحول: قلت للحسن: إني أريد الخروج إلى مكة، قال: إياك أن تصحب رجلاً يكرم عليك، فيفسد الذي بينك وبينه. (ورع أحمد ص83)
قال جرير بن حازم: كنا عند الحسن وقد انتصف النهار وزاد، فقال ابنه: خفوا عن الشيخ فإنكم قد شققتم عليه، فإنه لم يطعم طعاماً ولا شراباً! قال: مه، وانتهره، دعهم فوالله ما شيء أقر لعيني من رؤيتهم، أو منهم، إن كان الرجل من المسلمين ليزور أخاه فيتحدثان ويذكران ويحمدان ربهما حتى يمنعه قائلته. (الطبقات 7/170 والزهد ص281)
عن حماد بن زيد عن ابن عون قال: كانت له(2) حوانيت يكريها فكان لا يكريها من المسلمين فقيل له في ذلك فقال: إن لهذا إذا جاء رأس الشهر روعة وإني أكره أن أروع المسلم(3). (صف 3/310)
كان لابن سيرين منازل لا يكريها إلا من أهل الذمة فقيل له في ذلك، قال: إذا جاء رأس الشهر رعته وأكره أن أروعَ مسلماً. (2/268)
__________
(1) الخبيص: نوع من الحلوى يصنع من التمر مخلوطاً بالسمْن.
(2) أي لابن عون.
(3) قال أبو بكر المروزي: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وذكر ابن عون فقال: كان لا يكري دوره من المسلمين قلت: لأي علة؟ قال: لئلا يروعهم. (صف3/311)(2/218)
قال مطرف لبعض إخوانه(1): يا أبا فلان إذا كانت لك إلي حاجة فلا تكلمني فيها ولكن اكتبها الي في رقعة ثم ارفعها إليَّ فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال(2). (2/210)
قال بديل: كان مطرف يلقى الرجل من خاصة إخوانه في الجنازة فعسى أن يكون غائباً فما يزيده على التسليم ثم يُعْرض اشتغالاً بما هو فيه. (رك ص83 والحلية)
كان مورق يتجر فيصيب المال فلا يأتى عليه جمعة وعنده منه شيء! يلقى الأخ فيعطيه أربعمئة، خمسمئة، ثلثمئة، فيقول: ضعها عندك حتى نحتاج إليها، ثم يلقاه بعد ذلك فيقول الأخ: لا حاجة لي فيها فيقول إنا والله ما نحن بآخذيها أبداً فشأنك بها(3). (صف3/251)
كان ابن سيرين يقول: لا تكرم أخاك بما يشق عليك. (2/264)
قال أبو قلابة: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعل لأخي عذراً لا أعلمه. (2/285 وروضة العقلاء ص184 والمداراة ص48-49)
قال محمد بن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد له عذراً فقل: لعل له عذراً. (التوبيخ والتنبيه 128)
قال أيوب: سمعت أبا قلابة يقول: ليس من المروءة أن يربح الرجل على صديقه. (روضة العقلاء ص233)
__________
(1) أي في الله.
(2) وقد قال الشاعر:
لا تحسين الموت موت البلى***وإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا*********أشد من ذاك لذل السؤال
وقال الشاعر أيضاً:
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله*عوضاً وإن نال الغنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته* رجح السؤال وخف كل نوال
فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلاً*****فابذله للمتكرم المفضال
(3) قال جميل بن مرة: مستنا حاجة شديدة وكان مورق العجلى يأتينا بالصرة فيقول: أمسكوا هذه لي عندكم ثم يمضى غير بعيد فيقول إن احتجتم إليها فأنفقوها. (صف3/251)(2/219)
قال مسلم بن يسار: ما من شيء من عملي إلا وأنا أخاف أن يكون قد دخله ما أفسده ليس الحب في الله(1). (الطبقات 7/187)
قال أيوب السختياني: يزيدني حرصاً على الحج لقاء إخوان لي لا ألقاهم بغير الموسم. (روضة العقلاء ص88)
قال حماد بن زيد: مرض يونس بن عبيد فقال أيوب السختياني: ما في العيش بعدك من خير. (صف3/307)
قال أيوب السختياني: إنه ليبلغني موت الرجل من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائي. (3/9)
قال يونُس بن عبيد: ما أعلمُ شيئاً أقلَّ من درهمٍ طيبٍ ينفقُهُ صاحبُهُ في حقٍّ، أو أخٍ يُسْكَنُ إليهِ في الاسلامِ، وما يزدادانِ إلا قلةٌ(2). (3/17)
عن ابن المبارك عن سفيان عن يونس بن عبيد أنه أصيب بمصيبة فقيل له: ابن عون(3) لم يأتك؟ فقال: إنا إذا وثقنا بمودة أخينا لم يضرَّه أن لا يأتينا. (روضة العقلاء ص89 والشعب 6/332)
قال يحيى بن أبي كثير: خيرُ الاخوانِ الذي يقولُ لصاحبِهِ: تعالَ نصومُ قبلَ أنْ نموتَ، وشرُّ الإخوانِ الذي يقولُ لأخيهِ: تعالَ نأكل ونشرب قبلَ أن نموتَ. (3/71)
__________
(1) قال مسلم بن يسار: مرضت مرضة فلم أجد شيئاً أوثق في نفسي من قوم كنت أحبهم لا أحبهم إلا لله عز وجل. (الزهد ص249)
وقال سفيان: ليس شيء من عمل أرجو أن [لا] يشوبه شيء كحبي مجمعاً التيمي. (صف 3/108)
وقال سفيان: حلف لنا أبو حيان التيمي ما مر من عمله شيء أوثق في نفسه من حبه مجمعاً التيمي. (صف 3/108)
(2) قال يونس بن عبيد: ليس شيء أعز من شيئين درهم طيب ورجل يعمل على سنة. (الزهد الكبير ص338)
(3) عون) تصحفت في (روضة العقلاء) إلى (عوف).(2/220)
قال أبو اسحاق المقرئ: كان ابن الحنفية يقول: إني واصف لك أخاً لي كان أعظم الناس في عيني، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يضع فيها ما لا يجد، ولا يُكثر إذا وجد، وكان خارجاً من سلطان الجهالة فلا يقدم على الأمر إلا بنية(1). (ذم الدنيا 273)
قال محمد بن علي بن الحسين: أشد الأعمال ثلاثة: ذكر الله على كل حال، وإنصافك من نفسك، ومواساة الأخ في المال. (3/183)
قال محمد بن علي بن الحسين: كان لي أخ في عيني عظيم وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه. (3/186)
قال عبيد الله بن الوليد: قال لنا أبو جعفر محمد بن علي: يدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ ما يريد؟ قال: قلنا: لا، قال: فلستم بإخوان كما تزعمون. (3/187)
قال إبراهيم بن أبي علية: رأيت سالم بن عبد الله وعمر(2) بن عبد العزيز يتسايران بأرض الروم فأبال أحدهما دابته فأمسك عليه الآخر حتى لحقه. (روضة العقلاء ص174)
قال محمد: اعرِفِ المودة لك في قلب أخيك مما له في قلبك. (3/187)
قال أبو حازم: اذا أحببتَ أخاً في الله فأقلَّ مخالطتَه في دنياه(3). (3/244)
قال مجاهد: كان لي صديق من قريش فقلت له: تعال حتى أواضعك الرأي فأنظر أين تقع من رأيي وأين أقع من رأيك! فقال: دع الود كما هو؛ قال مجاهد: فغلبني القرشي. (الصمت ص102)
__________
(1) عن أبي الحسن القرشي قال: قال رجل من الأنصار: صَغُرَ فلان في عيني لِعِظَم الدنيا في عينه، كان يردُّ السائلَ ويَبْخَلُ بالنائل [يعني العطاء]. (ذم الدنيا 478)
(2) تصحفت في الأصل إلى (محمد).
(3) يريد أبو حازم بهذه العبارة المعاملات ونحوها من أمور الدنيا ومصالحها ولا يريد اللقاء في الله تعالى والاجتماع عليه والتزاور فيه.(2/221)
قال مجاهد: إذا لقي المسلم أخاه فصافحه وكَشَرَ(1) في وجهه تحاتت ذنوبه كما تحاتّ العِذق من النخلة، فقال رجل لمجاهد: يا أبا الحجاج إن هذا من العمل اليسير! فقال مجاهد: (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ)(2) أفيسيرٌ هذا؟! (روضة العقلاء ص69-70)
قال مجاهد: إن المسلمَ لو لم يُصِبْ مِن أخيه إلا أن حياءَه منه يمنعه من المعاصي لكفاه. (3/280 ومكارم الأخلاق ص41)
قال عبد الله بن طاووس: قال لي أبي: يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتُنسَب إليهم وإن لم تكن منهم، وأعلم أن لكل شيء غاية، وغاية المرء حسن خلقه. (4/13)
قال ميمون بن مهران: ما بلغني عن أخٍ لي مكروهٌ قط إلا كان إسقاطُ المكروه عنه أحبَّ إليَّ من تحقيقِه عليه، فإن قالَ: لم أقلْ، كان قولُه "لم أقل" أحبَّ إليَّ من ثمانيةٍ تشهدُ عليه، فإن قال: قلت ولم يعتذر، أبغضتُه من حيثُ أحببتُه؛ وقال(3): سمعت ابنَ عباسٍ يقولُ: ما بلغني عن أخٍ لي مكروه قط إلا أنزلتُه إحدى ثلاثِ منازلَ: إن كان فوقي عرفتُ له قدرَه، وإن كان نظيري تفضلتُ عليه، وإنْ كان دوني لم أحفِلْ به(4)؛ هذه سيرتي في نفسي فمن رغب عنها فإنَّ أرضَ الله واسعةٌ. (4/85)
قال المعافى بن عمران: سمعت ميمون يقول: من رضي من خلة الإخوان بلا شيء فليواخِ أهل القبور. (روضة العقلاء ص245)
قال ميمون لجعفر بن برقان: قل لي في وجهي ما أكرهُ، فإنَّ الرجلَ لا ينصحُ أخاه حتى يقولَ لهُ في وجهِهِ ما يكره. (4/86)
قال الحسن: لا تؤدي النصيحة إلى أخيك حتى تأمره بما يعجز عنه. (زهد هناد 2/499 وجامع العلوم والحكم ص81)
__________
(1) أي تبسم وضحك.
(2) الأنفال (62-63).
(3) أي ميمون.
(4) أي لم أبالِ به.(2/222)
قال الأعمش: كان خيثمة يصنع الخبيص والطعام الطيب ثم يدعو إبراهيم يعني النخعي ويدعونا معه فيقول: كلوا، ما أشتهيه، ما أصنعه إلا من أجلكم. (صف3/93)
قال الأعمش: ربما دخلنا على خيثمة فيخرج السلة من تحت السرير فيها الخبيص والفالوذج فيقول: ما أشتهيه، كلوا؛ أما إني ما جعلته إلا لكم وكان موسراً، وكان يصر الدراهم فإذا [رأى] الرجل من أصحابه مخرق القميص أو الرداء أو به خلة تحيّنه فإذا خرج من الباب خرج هو من باب آخر حتى يلقاه فيعطيه فيقول: اشتر قميصاً، اشتر رداءً، اشتر حاجة كذا. (صف3/93)
قال الأعمش: نفست امرأة المسيب بن رافع وهو غائب فاشترى لها خيثمة خادماً بستمئة. (صف3/93)
قال عون بن عبد الله: ما اجتمع رجلان فتفرقا حتى يعقدَ الشيطانُ في قلبِ كلِّ واحدٍ منهما عقدةً، فإن لقيَ أخاه فسلمَ عليهِ حُلَّت العقدةُ، وإلا كانت العقدةُ كما هي. (4/252)
قال عونٌ: صحِبْتُ الأغنياءَ فلم يكنْ أحدٌ أطولَ غمّاً مني، فإنْ رأيتُ رجلاً أحسنَ ثياباً مني وأطيبَ ريحاً مني غمَّني ذلكَ فصحبتُ الفقراءَ فاسترحتُ. (4/242-243)
كان عمر بن عبد العزيز يقول: أحسِنْ بصاحبِك الظنَّ ما لم يغلبْكَ. (5/277)
قال معاوية بن قرة: نظرنا في المودة والإخاء فلم نجد أثبت مودة من ذي أصل. (الإخوان ص108)(2/223)
قال أبو جعفر محمد بن علي: أوصاني أبي قال: لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، قال: قلت: جعلت فداءك يا أبت من هؤلاء الخمسة؟ قال: لا تصحبن فاسقاً فإنه يبيعك بأكلة فما دونها، قال: قلت: يا أبة وما دونها يطمع فيها ثم لا ينالها، قال: قلت: يا أبة ومن الثاني؟ قال: قال: لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه قال قلت يا أبة ومن الثالث؟ قال: لا تصحبن كذاباً فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد؛ قال: قلت: يا أبة ومن الرابع؟ قال: لا تصحبن أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك؛ قال: قلت: يا أبة ومن الخامس؟ قال: لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع. (صف2/101)
قال زين العابدين: فقد الأحبة غربة. (صف2/94)
قال سفيان لمحمد بن المنكدر: ما بقي من لذتك؟ قال: لقاء الإخوان، وإدخال السرور عليهم. (3/149)
قال الأعمش: إني لأحب أن أعافى في إخواني(1) لأنهم إن بلوا بليت معهم، إما بالمواساة وفيها مؤونة، وإما بالخذلان(2) وفيه عار. (صف3/118)
قال قتادة: قال مطرف: إن كان مذعور ليزورنا فيفرح به أهلنا. (صف3/252)
__________
(1) يريد أنه يحب أن يعافي الله إخوانه وأصحابه ويدفع عنهم المصائب وما يكرهون، ثم ذكر علة ذلك.
(2) أي يخذلهم ولا يواسيهم.(2/224)
قال غيلان بن جرير: قال مطرف ما تحاب اثنان في الله إلا كان أشدهما حباً لصاحبه أفضلهما(1) وأنا لمذعور أشد حباً وهو أفضل مني، [قيل]: فكيف [عرفت] هذا؟ قال: لما أمر بالرهط أن يخرجوا إلى الشام أمر مذعور فيهم؛ قال: فلقيني وأخذ بلجام دابتي فجعلت كلما أردت أن أنصرف يحبسني؛ فقلت: إن المكان بعيد! فجعل يحبسني فقلت: أنشدك الله إلا تركتني فلم تحبسني، فلما ناشدته قال كليمة يخفيها جهده مني: اللهم فيك؛ فعرفت أنه أشد حباً لي مني له. (صف3/253)
ذكر ابن أبي الزناد أن زبيداً قدم من سفر فأهدى له طلحة سلال خبيص فجمع عليها إخوانه فأكلوا وكساهم ثوباً ثوباً. (مكارم الأخلاق ص96)
قال الأحنف: المؤمن بين أربع: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يجاهده، وشيطان يفتنه، وأربع ليس أقلُّ منهن: اليقين والعدل ودرهم حلال وأخ في الله. (البيان والتبيين 2/197)
قال محمد بن واسع: ليس لملول صديق ولا لحاسد غنى، وإياك والإشارة على المعجب برأيه فإنه لا يقبل رأيك. (2/345)
قال الأحنف: لا مروءة لكذوب ولا راحة لحسود ولا حيلة لبخيل ولا سودد لسيء الخلق ولا إخاء لملول. (صف3/199 وانظر البيان والتبيين 2/199)
قال الأحنف: إني لأجالس الأحمق الساعةَ فأتبيَّنُ ذلك في عقلي. (الكامل 2/155)
قال حفص بن غياث: دخل سفيان الثوري على مجمع التيمي فإذا في إزار سفيان خرق قال: فأخذ أربعة دراهم فناول سفيان فقال: اشتر به إزاراً؛ فقال سفيان: لا أحتاج إليها؛ قال مجمع: صدقت أنت لا تحتاج، ولكني أحتاج؛ قال: فأخذها فاشترى بها إزاراً فكان سفيان يقول: كساني مجمع جزاه الله خيراً. (صف 3/107-108)
__________
(1) قال غيلان بن جرير: سمعت مطرفاً يقول: ما تحاب قوم قط في الله عز وجل الا كان افضلهما اشدهما حبا لصاحبه فذكرت ذلك للحسن فقال: صدق. (الزهد ص238) وانظر نحو هذه الكلمة في ترجمة عون بن عبد الله.(2/225)
قال الحسن: رب دائب مطيع يملخ في الباطل يدأب لغير ما خلق له، ورب مغرور له أصحاب سوء. (الزهد ص280)
ذكر الحسن عن داود عليه السلام أنه قال: اللهم إني أسألك [مِن] الإخوان والأصحاب والجيران والجلساء من إن نسيت ذكروني وإن ذكرت أعانوني؛ وأعوذ بك من الأصحاب والاخوان والجيران والجلساء من إن نسيت لم يذكروني وأن ذكرت لم يعينوني. (المصنف 7/71)
قال ثابت البناني: كنت عند الحسن رحمه الله فقام إليه سائل ضرير البصر فقال: تصدقوا على من لا قائد له يقوده ولا بصر يهديه؛ فقال الحسن: ذاك(1) صاحب هذه الدار؛ وأشار به إلى جاره خلفه - عبد الله بن زياد - ؛ ما كان من جميع حشمه قائد يقوده إلى خير ولا يشير عليه به؛ ولا كان من قِبل نفسه له بصر يبصر به وينتفع به(2). (الزهد ص263-264)
الأهل والعيال وصلة الرحم
قال أبو قلابة: أي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال له صغار يعفهم الله به ويغنيهم؟! (صف3/238)
قال الحسن: مثل الرحم كمثل الشنة إن صببت عليها ماء لانت وانبسطت وإن تركتها تشنجت. (لسان العرب 2/310)
ولد للحسن غلام فأتاه بعض جلسائه فقال: يا أبا سعيد بلغني أن الله وهب لك غلاماً فبارك الله عز وجل لك في هبته وزادك في أحسن نعمة؛ فقال الحسن: الحمد لله على كل حسنة، ونسأل الله الزيادة في كل نعمة، ولا فرحنا بمن إن كنتُ مقلاً أنصبني، وإن كنتُ غنياً أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعياً ولا بكدي [له] في الحياة كداً، حتى أشفق عليه من الفاقة بعد وفاتي وأنا [حينئذ] في حال لا يصل إلي من همه حزن ولا من فرحه سرور. (العيال ص364)
__________
(1) أي الذي يليق به هذا الوصف.
(2) عن الفضيل قال: أنا في طلب رفيق منذ عشرين سنة إذا غضب لا يكذب علي. (ص108)
عن الفضل بن سهل قال: قال لي بشر بن الحارث: ازهد في الناس فعن معرفة مني بهم زهدت فيهم. (ص108)
عن عبد الله بن خبيق قال: قال مسعر: ما صحبت أحداً إلا طلب عيوبي. (ص109)(2/226)
سأل رجل الحسن: ما البر(1)؟ قال: الحب والبذل، فقال: ما العقوق؟ قال: أن تحرمهما وتهجرهما، ثم قال: ويحك ما شعرت أن نظرك في وجه والديك عبادة فكيف بالبر بهما. (البر والصلة ص9 و60 و62 والزهد ص263)
قال رجل للحسن: إن عندي ابنة لي وقد خُطبت إليَّ، فمن أزوجها؟ قال: زوجها من يخاف الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها. (العيال ص273 ومختصر منهاج القاصدين ص102)
قال داود بن أبي هند: قلت للحسن: الرجل ينفق على أهله النفقة لو شاء اكتفى بدونها؟ فقال: أيها الرجل أوسع على نفسك كما وسع الله عليك. (العيال ص557)
قال رجل للحسن: إني قد حججت وإن أمي قد أذنت لي في الحج؟ فقال له: لقعدة معها تقعدها على مائدتها أحب إلي من حجتك. (البر والصلة ص33)
سأل رجل الحسن: آمر والداي وأنهاهما؟ قال: إن كرها ذلك فلا. (البر والصلة ص105)
قال محمد بن أبي حاضر: كان أول ما ذكر به الحسن أن رجلاً أتى حلقة فيها الحسن فقال: ما تقول في رجل غلبته أمه أيضربها أو يقيدها؟ قال: فأحجم القوم بأن يأمروه في أمه بشيء فقال الحسن: أيها الرجل قيدها فإنك لا تصلها بشيء أفضل من أن تحجزها عن محارم الله؛ قال الناس: قال الحسن كذا وكذا؛ فكان ذلك أول ما ذكر به الحسن. (البر والصلة ص 105)
قالت حفصة بنت سيرين: كان مورق العجلي يأتينا فسألته عن أهله وولده فقال: هم والله متوافرون! فقلت: رحمك الله لم تقول هذا؟! قال: إني والله أخشى أن يحبسوني على هلكة؛ وكان يقول: ما في الأرض نفس في موتها لي أجر إلا وددت أنها قد ماتت(2). (صف3/250)
__________
(1) يعني بر الوالدين.
(2) قال المعلى بن زياد: قال مورق العجلى: ما من أمر يبلغني أحب إلي من موت أحب أهلي إلي. (صف3/250)(2/227)
قال كعب الأحبار لأبي مسلم: كيف تجد لك قومك يا أبا مسلم؟ [قال]: أجدهم يا أبا اسحاق يُجِلوني ويكرموني، فقال له كعب: ما هكذا تقول التوراة يا أبا مسلم، فقال أبو مسلم: وكيف تقول التوراة يا أبا اسحاق؟ فقال كعب: يا أبا مسلم إن التوراة تقول: إن أعدى الناس بالرجل الصالح قومه، يخاصمه الأقرب فالأقرب! قال أبو مسلم: وصدقت التوراة. (2/128)
قال عونٌ: كان يقالُ: أزهدُ الناسِ في عالمٍ أهلُه، وكان يُضربُ مثَلَ ذلك كالسراجِ بينَ أظهرِ القومِ يستصبحُ الناسَ منه ويقولُ أهلُ البيتِ: إنما هو معنا وفينا! فلم يفْجَأْهم إلا وقد طفىء السراج، فأمسكَ الناسُ ما استصبحوا من ذلك(1). (4/245)
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان يقال: أزهد الناس في عالم أهله. (العلم لأبي خيثمة ص23)
قال الحسن: أزهد الناس في عالم جيرانه؛ وشر الناس لميت أهله، يبكون عليه ولا يقضون دينه. (الشعب 6/204)
قال الحسن: شر الناس للميت أهله يبالغون في البكاء عليه والإحداد مع كونه يضره؛ ولا يهون عليهم قضاء دينه ليبردوا مضجعه ويخلصوه من الحبس فاعتقال اللسان بين عسكر الموتى. (فيض القدير 6/280)
قال داود بن أبي هند: قلت للحسن: يا أبا سعيد أرأيت إن اشتريت لامرأتي عطراً بعشرين درهماً أسرفٌ هو؟ قال: لا. (العيال ص564)
__________
(1) هذا الأثر يليق أن يدخل في باب (طلب العلم) أيضاً.(2/228)
قيل للحسن: يا أبا سعيد قول الله عز وجل (هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)(1) أفي الدنيا أم في الآخرة؟ قال: لا، بل في الدنيا، قال: وما ذاك؟ قال: المؤمن يرى زوجته وولده مطيعين الله عز وجل، قال: وأي شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله عز، وجل ذكره. (العيال ص617 وانظر الشعب 6/402 وزاد المسير 6 / 111)(2)
قال الحسن: من كان له واعظ من نفسه كان له من الله حافظ؛ فرحم الله من وعظ نفسه وأهله فقال: يا أهلي صلاتكم صلاتكم زكاتكم زكاتكم جيرانكم جيرانكم مساكينكم مساكينكم لعل الله أن يرحمكم يوم القيامة، فإن الله عز وجل أثنى على عبد كان هذا عمله، فقال: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً)(3). (العيال ص506)
قال معاويةُ بن قرة: إن الله تعالى يرزق العبد رزق شهر في يوم واحد، فإن أصلحه أصلح الله على يديه وعاش هو وعياله بقيةَ شهرِهم بخيرٍ، وإن هو أفسده أفسد الله تعالى على يديه، وعاش هو وعياله بقية شهرهم بشر. (2/299)
قال أبو حازم: اعلموا أنه ليس شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلكم، فآثر نفسك أيها المرء بالنصيحة على ولدك؛ واعلم أنك إنما تخلف مالك في يد رجلين: عامل فيه بمعصية الله فيشقى بما جمعت له، وعامل فيه بطاعة الله فيسعد بما شقيت له؛ فارج لمن قدمت منهم رحمة الله، وبقِّ لمن خلفت منهم رزق الله. (الزهد الكبير ص183)
__________
(1) الفرقان (74).
(2) رواية أخرى: سئل الحسن عن قوله تعالى (هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) [الفرقان 74]: يا أبا سعيد في الدنيا أم في الآخرة؟ قال: في الدنيا، يرى الرجل من ولده وزوجته عملاً صالحاً تقر به عينه. (العيال ص608)
(3) مريم (55).(2/229)
مرَّ أبو حازمٍ بأبي جعفر المديني وهو مكتئبٌ حزينٌ فقالَ: ما لي أراك مكتئباً حزينا؟!ً وإن شئتَ أخبرتُكَ، قالَ: أخبرْني ما وراءك! قالَ: ذكرتَ ولدك مِن بعدِك، قالَ: نَعم، قالَ: فلا تفعلْ، فإنْ كانوا للهِ أولياءَ فلا تَخَفْ عليهم الضيعةَ، وإن كانوا لله أعداءَ فلا تبالِ ما لقوا بعدَك. (3/232)
قال عبيد بن عمير الليثي: كان لرجل ثلاثة أخلاء بعضهم أخص له من بعض فنزلت به نازلة فلقي أخص الثلاثة به فقال: يا فلان إنه نزل بي كذا وكذا وإني أحب أن تعينني، قال: ما أنا بالذي أفعل؛ فانطلقَ إلى الذي يليه في الخاصةِ فقال: يا فلان إنه قد نزل بي كذا وكذا وأنا أحب أن تعينني، قال: فانطلق معك حتى تبلغ المكان الذي تريد، فإذا بلغتَ رجعتُ وتركتُك؛ قال: فانطلق إلى أخص الثلاثة(1) فقال: يا فلان إنه قد نزل بي كذا وكذا فأنا أحب أن تُعينني، قال: أنا أذهب معك حيث ذهبت وأدخل معك حيث دخلت؛ قال: فالأول ماله خلَّفه في أهله ولم يتبعه منه شيء، والثاني أهله وعشيرته ذهبوا معه إلى قبره ثم رجعوا وتركوه؛ والثالث هو عمله وهو معه حيث ما ذهب ويدخل معه حيث ما دخل. (3/269)
قال خالد بن معدان: من حق الولد على والده أن يحسن أدبه وتعليمه، فإذا بلغ اثنتي عشرة سنة فلا حق له عليه، وقد وجب حق الوالد على ولده، فإن هو أرضاه فليتخذه شريكاً، وإن لم يتبع رضاه فليتخذه عدواً. (الشعب 6/403-404)
بلغ عمرَ بن عبد العزيز أن ابناً له اشترى فصاً بألفِ دِرهَم فتختَّم بهِ، فكتب إليه عمرُ: عزيمةٌ مني إليكَ لَمَا بعتَ الفصَّ الذي اشتريتَ بألفِ درهمٍ وتصدقتَ بثمنِه واشتريتَ فصاً بدرهمٍ واحدٍ ونقشتَ عليهِ: رحم اللهُ امرأً عرفَ قدرَه؛ والسلام. (5/306)
__________
(1) كذا في الأصل، ويظهر أنه خطأ وأن الصواب أن يقال: (أقل الثلاثة في الخاصة)، أو نحو هذه العبارة.(2/230)
قالَ عمرُ بن عبد العزيز لبنيهِ: كيفَ أنتم إذا أنا ولَّيتُ كلَّ رجلٍ منكم جنداً؟ فقالَ ابنُه ابنُ الحارثيةِ: لمَ تَعرضُ علينا أمراً لا تريدُ أنْ تفعلَه؟! قالَ: أترَونَ بساطي هذا؟ إنه لصائرٌ إلى بِلى، وإني لأكرهُ أن تدنسوه بخفافِكم! فكيفَ أرضى لنفسي أن تدنسوا عليَّ ديني؟! (5/314)
عن بعض خاصة عمر بن عبد العزيز أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عالياً فسئل عن البكاء فقيل: إن عمر بن عبد العزيز خير جواريه فقال: إنه قد نزل لي(1) أمر قد شغلني عنكن فمن أحب أن أعتقه أعتقته ومن أراد أن أمسكه أمسكته ولم يكن مني إليها شيء فبكين يأساً منه. (صف2/118)
قال هاشم: لما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر [بن عبد العزيز] دخل عليه مسلمة بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين إنك أفقرت أفواه ولدك من هذا المال وتركتهم عيلة لا شيء لهم فلو وصيت بهم إلي وإلى نظرائي من أهل بيتك؛ قال: فقال: أسندوني ثم قال: أما قولك اني أفقرت أفواه ولدي من هذا المال فوالله إني مامنعتهم حقاً هو لهم ولم أعطهم ما ليس لهم؛ وأما قولك: لو أوصيت بهم، فإن وصيي ووليي فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين؛ بنيَّ أحد الرجلين: إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجاً، وإما رجل مكب على المعاصي فإني لم أكن أقويه على معاصي الله؛ ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكراً؛ قال: فنظر إليهم فذرفت عيناه ثم قال: بنفسي الفتية الذين تركتهم عيلة لا شيء لهم؛ فإني بحمد الله قد تركتهم بخير؛ أي بني إن أباكم مثل بين أمرين: بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار أو تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار؛ قوموا عصمكم الله. (صف2/126)
__________
(1) لعلها (بي).(2/231)
قال مسلم: لقيني معاوية بن قرة وأنا جاءٍ من الكلأ فقال لي: ما صنعت؟ فقلت: اشتريت لأهلي كذا وكذا، قال: وأصبت من حلال؟ قلت: نعم، قال: لأن أغدو فيما غدوتَ به أحَبُّ إلي من أن أقوم الليل وأصوم النهار. (صف3/257)
قالَ عبدُ الرحمنِ بنِ زبيد اليامي: كان زبيدٌ قد قسمَ علينا الليلَ أثلاثاً: ثلثاً عليه، وثلثاً عليَّ، وثلثاً على أخي؛ وكان زبيدٌ يبدأُ فيقومُ ثلثَه ثم يضربُني برجلِه، فإذا رأى مني كسلاً قال: نم يا بنيَّ فأنا أقومُ عنك! ثم يجيءُ الى أخي فيضربُه برجلِه فإذا رأى منه كسلاً قالَ: نمْ يا بنيَّ، فأنا أقومُ عنكَ، فيقومُ حتى يصبح(1). (5/32)
قال عمرو الناقد: حدثنا سفيان قال: يقولون ان زبيداً قسم الليل بينه وبين ابنيه، فإذا اعتل أحدهما عمل عنه؛ قال سفيان: وكان زبيد اذا قدم من مكة لم يعلم به أهله حتى يؤذن. (5/32)
عن ميسرة عن شريح أنه افتقد ابناً له فبعث في طلبه فقال لطالبه: أين أصبته؟ فقال: كان يهارش بالكلاب فقال: صليت؟ قال: لا، فقال للرسول: اذهب به إلىالمؤدب وقل(2):
ترك الصلاة لأكلب يسعى لها
طلب الهراش مع الغواة النجس
فإذا أتاك فعضَّه بملامة
وعظَنْهُ موعظة الأديب الكيس
وإذا هممت بضربه فبِدِرة
وإذا ضربت بها ثلاثاً فاحبس
واعلم بأنك ما أتيت فنفسه
مع ما يجرعني أعز الأنفس
(صف3/39-40)
__________
(1) عن ابن شبرمة قال: كان زبيد الإيامي يجعل الليل ثلاثة أثلاث، بينه وبين ابنيه؛ وكان ربما نادى أحدهما فيقول: قم إلى جزئك، فيكسل فيتم جزءه؛ وربما كسل الآخر فيتم ثلثيهما. (التهجد ص182-183)
(2) في الأصل (وقال).(2/232)
قال السري بن يحيى: قال عبد الله بن غالب: لقد ذهب الطاعون الجارف ببَنيَّ وما شبعت من حديثهم، أما النهار فكما ترون؛ قال: وكان يصلي فيما بين الظهر والعصر وما بين المغرب والعشاء يسبح تسبيحاً كثيراً دائماً؛ وأما الليل فأقول: الحقوا بأمكم(1). (الزهد ص247-248)
قال ميمون بن مهران: ثلاث تؤدى إلى البر والفاجر: الرحم توصل برة كانت أو فاجرة، والأمانة تؤدى إلى البر والفاجر، والعهد يوفى للبر والفاجر. (البر والصلة ص69 و ص72)
قال الشعبيُّ: من زوَّجَ كريمتَهُ من فاسقٍ فقد قطعَ رحمَها. (ثقات ابن حبان 8/230 والحلية 4/314)
قال زبيد اليامي: إن أجود الناس من أعطى مالاً لا يريد جزاءه، وإن أحسن الناس عفواً من عفا بعد قدرة، وإن أفضل الناس من وصل من قطعه، وإن أبخل الناس من بخل بالسلام. (روضة العقلاء ص74)
قال مجاهد: لا يرفع ولد يد والده عنه يدعه يصنع به ما شاء. (البر والصلة ص14)
قال سعيد بن جبير: لدغتني عقرب فأقسمتُ على أمي أن أسترقي فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغْ وكرهتُ أن أُحْنِثَها(2). (4/275)
نادت ابنَ عونٍ أمُّه فأجابها فعلا صوتُه صوتَها فأعتق رقبتين. (3/39)
قيل لعلي بن الحسين [زين العابدين]: إنك من أبر الناس! ولستَ تأكل مع أمك في صحفة! فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما قد سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها. (الكامل 2/120)
__________
(1) قال مالك بن دينار: مررنا بعبد الله بن غالب في يوم فطر فاخرج سكراً، فأعطى كل رجل منا سكرة سكرة، فأكلها ثم غدونا. (الزهد ص248)
(2) جاء في (مختار الصحاح) (ص66): (الحِنْثُ: الإثم والذنب؛ وبلغَ الغلامُ الحنثَ: أي بلغ المعصيةَ والطاعةَ بالبلوغ؛ والحنث: الخلف في اليمين، تقولُ: أحْنَثَهُ في يمينه فَحَنِثَ، وتقول منها: حَنِثَ - بالكسر - حِنْثاً، بكسر الحاء؛ وتَحَنَّثَ تعبَّدَ واعتزلَ الأصنام، مثل تحنف، وتحنَّثَ أيضاً من كذا: أي تأثم منه).(2/233)
كان محمد بن المنكدر يضع خده على الأرض ثم يقول لأمه: قومي ضعي قدمك على خدي. (3/150)
قال عبد الله بن المبارك: قال محمد بن المنكدر بات عمر يعني أخاه يصلي وبت أغمز(1) رجل أمي وما أحب أن ليلتي بليلته. (صف2/143)
قال عامر بن عبد الله بن الزبير: ما سألت الله تعالى حاجةً سنةً بعدَ موتِ أبي إلا له. (3/166)
قال الأصمعي: كان كهمس يعمل في الجص كل يوم بدانقين فإذا أمسى اشترى به فاكهة فأتى بها إلى أمه. (صف 3/314)
قال أبو بكر بن عياش: ربما كنت مع منصور في منزله جالساً فتصيح به أمه وكانت فظة غليظة فتقول: يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى عليه؟! وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها. (صف3/110 )
قال ابن محيريز: من مشى بين يدي أبيه فقد عقه إلا أن يمشي فيميط له الأذى عن طريقه؛ ومن دعا أباه باسمه أو بكنيته فقد عقه إلا أن يقول: يا أبة. (صف 4/207)
كانَ عبيدةُ بنُ مهاجرٍ يشتري الرقابَ فيعتقُهم، فاشترى يوماً عجوزاً روميّةً فأعتقَها فقالت: ما أدري أين آوي فبعث بها إلى منزلِه، فلما انصرفَ من المسجدِ أتى بالعشاءِ فدعاها فأكلتْ ثمَّ راطنها فإذا هيَ أمُّه فسألها الإسلامَ فأبتْ، فكانَ يبلغُ مِن برِّها ما يبلغُ، فأتى يوماً بعدَ صلاةِ العصرِ يومَ الجمعةِ فأُخبرَ أنها أسلمتْ(2) فخرَّ ساجداً حتى غابت الشمس. (5/160)
قال الأحنف: ثلاثة لا أناة فيهن عندي؛ قيل: وما هنّ يا أبا بحر؟ قال: المبادرة بالعمل الصالح، وإخراج ميتك، وأن تُنكحَ الكفءَ أيِّمك(3). (البيان والتبيين 2/199)
__________
(1) الغمز: العصر والكبس باليد والتليين؛ ويقال له في اللهجة العراقية الفرك والتدليك.
(2) هذا من مكافأة الله له على إعتاقه الرقاب أن كان ذلك سبباً لإعتاق أمه، ثم إسلامِها.
(3) كان الأحنف يقول: لأفعى تَحَكَّكُ في ناحية بيتي أحب إلي من أيِّم رددت عنها كفئاً. (البيان والتبيين 2/199)(2/234)
غربة المؤمنين وكثرة إيذاء الناس لهم(1)
__________
(1) إذا كان السلف يشكون من الغربة، فغربتنا أشد وأظهر؛ وهذا يقتضي منا مزيداً من الحذر وشديداً من الاجتهاد.
فاليوم تغيرت الأحوال وساءت الأمور وضاقت الصدور، وكبرت الكروب ومرضت القلوب وكثر الزيف وفقدت الأصالة؛ ونُسيت الأخلاق؛ وازدحمت الفتن وتلاطمت أمواجها؛ وعمت المحن وتزاحمت أفواجها، وكثر الإعراض عن الدين بل الاستهزاء به وبأهله، وكذَّبت الأفعالُ الأقوالَ، وحقق الشيطانُ وحزبُه كثيراً مما كان عصياً عليهم.
والمسلمون رغم كل ما هم فيه من بلايا وآفات مختلفون متنازعون غافلون أو متغافلون تاركون لسبب نجاتهم وثباتهم وسعادتهم - بل وحياتهم - وعزهم وألفتهم ونصرهم وقوتهم، أعني دينهم العظيم.
وما أعجب غفلتهم! وما أقبحها! كأنهم لا يرون بأعينهم ما يجري عليهم – ولا أقول: حولهم - كأن المعنيَّ بالأمر غيرهم، وكأنَّ المراد بهذه السهام المسمومة سواهم، يتجاهلون ما هو كائن فكيف يحذرون ما سيكون؟! وإن ما ينتظرهم لأدهى وأمر، فمتى يعتبرون، بل متى يعلمون، بل متى يشعرون؟
لقد أسمعتَ لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
إن القلب ليألم أن يرى أهلَ الباطل في هذه الأعصر – مع كثرتهم لا كثَّرهم الله - أنشطَ من أهل الحق في دعوتهم وأرفع منهم في همتهم وأسرع منهم في سيرهم وأبرع في نشر شرهم منهم في بث خيرهم.
ولقد صور حالنا من قال قديماً: (قد قل المُوالي من الناس وكثر الخَوان، وارتفعت الأسعار وقلت البركات، وتوالت الأكدار وكثرت الآفات، وتقطبت وجوه الآمال وقد كانت مستنيرةً مستبشرة، واكفهرَّت ثغور الأيام وطال ما كانت ضاحكة مسفرة، وتكدرت مشارع الآلاء وقد كانت صافية، وتقلصت سوابغ النعماء بعد ما كانت ضافية، وتظاهر بالمنكرات الفاجر والبر، وظهر الفساد في البر والبحر، وفقد من يُقْصدُ إليه في الحوائج إذا جلَّتْ، وعُدم من يُعَوَّلُ عليه في الجوانح إذا حلَّت، وقل من يعوذ به كل هارب وراهب، وعزَّ من يلوذ به كل طالب وراغب، وكثرت الشحناء بين الأقارب والأجانب، ودارت رحى الحرب الزبون من كل جانب، وعمت الأنامَ الحيرةُ والذلةُ عمومَ المطر، وأحاط بهم الرعبُ والخذلانُ إحاطة الهالة بالقمر، وعم عدوان المارقين وانتشر شرهم، وعِيْلَ صبر المتقين وعال ضرهم، وتقطعت السبل وانسدت المسالك، وترادفت الفتن وكثرت المهالك، فجمحت النفوس إلى كشف هذه الغمة عن الأمة، وجنحت القلوب إلى شعب صدع هذه الصدمة وقلنا: كيف السبيل إلى الخلاص، ولاتَ حين مناص).
ولقد كنا أولى بقول ابن القيم من أهل عصره أو مصره إذ قال: (لما أعرض الناسُ عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرضَ لهم من ذلك فسادٌ في فِطَرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم؛ وعمتهم هذه الأمور، وغلبت عليهم، حتى ربي فيها الصغير وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكراً، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل؛ فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلُها هم المشار إليهم؛ وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم.
فإذا رأيتَ دولةَ هذه الأمورِ قد أقبلتْ، وراياتِها قد نُصِبتْ، وجيوشَها قد رَكِبت، فبطن الأرض، واللهِ، خيرٌ من ظهرها، وقلَلُ الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس.
اقشعرَّت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر، من ظلم الفجرة.
وذهبت البركاتُ وقلت الخيراتُ وهزلتِ الوحوشُ وتكدرت الحياةُ، من فسق الظلمة.
وبكى ضوءُ النهارِ وظلمةُ الليلِ، من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة.
وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم، من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبايح.
وهذا والله منذرٌ بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهَمَّ ظلامه!.
فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح وكأنكم بالباب وقد أغلق وبالرهن وقد غلق وبالجناح وقد علق وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون؛ اشتر نفسك اليوم فإن السوق قائمة والثمن موجود والبضايع رخيصة؛ وسيأتي على تلك السوق والبضايع يوم لا تصل فيها إلى قليل ولا كثير؛ ذلك يوم التغابن يوم يعض الظالم على يديه.
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم تَرْصد كما كان أرصدا)
انتهى.
أفلا ترى معي أنهما يصفان حالنا ويعبران عن بؤسنا وشقائنا.
إن هذا الشأن يقتضي من كل مسلم محب لدينه خائف من ربه أن يخاف على دينه خوفاً شديداً ويكثر الدعاء بالثبات ويأخذ بأسبابه ثم يعين بقدر وسعه وطاقته إخوانه على الثبات في هذه المزالق الخطيرة، يعلِّم جاهلَهم أمرَ دينه، ويحذر غافلهم خطر عدوه، يأخذ بأيدي الحائرين إلى جادة السلامة وصراط الاستقامة، ويجهد نفسه في تحذير اللاهين اللاعبين ما يحيط بهم من شرور ومخاطر تستهدف دينهم قبل دنياهم، وتمرض أخلاقهم قبل أجسادهم، وتستهدف هتك أعراضهم قبل سلب أموالهم؛ وإنها والله لأحوال مرعبة ومصائب موجعة، لو كان في القلوب حياة وفي العقول إدراك.
يا حسرة ما أكاد أحملها آخرها مزعج وأولها
إذا كان هذا حال المسلمين اليوم، فما ظنك بحال طلبة العلم والدعاة؟ ما أصعب وظيفتهم وما أخطر مهمتهم وما أثقل وأبعد ما يطلبون؛ أسأل الله أن يعين ويثبت كل من يريد الحق ويريد أن ينصره.(2/235)
قال أبو العالية: كنا نحدث أنه سيأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من الأَمَةِ، أكيسهم في ذلك الزمان الذي يروغ بدينه روغان الثعلب. (الزهد الكبير ص97)
قال أبو العالية: كنا نحدث أنه سيأتي على الناس زمان خير أهله الذي يرى الحق فيجانبه قريباً. (الزهد الكبير ص97)
قال العلاء بن زياد: إنكم في زمان أقلكم الذي ذهب عشر دينه وسيأتي عليكم زمان أقلكم الذي يبقى عليه عشر دينه(1). (2/246)
قال الحسن: لقد أدركت أقواماً كانوا أأمر الناس بالمعروف وآخذهم به وأنهى الناس عن منكر وأتركهم له؛ ولقد بقينا في أقوام أأمر الناس بالمعروف وأبعدهم منه وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه فكيف الحياة مع هؤلاء؟! (2/155)
ذكر أبو العباس أحمد بن يحيى قال: حدثني محمد بن عبيد بن ميمون حدثني عبد الله بن إسحق الجعفري قال: كان عبد الله بن الحسن يكثر الجلوس إلى ربيعة قال: فتذاكروا يوماً السنن فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا، فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام فهم الحجة على السنة؟ فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء. (إغاثة اللهفان 1/207)
صلى الحسن الجمعة وجلس فبكى فقيل له: ما يبكيك يا أبا سعيد؟! فقال: تلومونني على البكاء ولو أن رجلاً من المهاجرين اطلع من باب مسجدكم ما عرف شيئاً مما كان عليه على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنتم اليوم عليه إلا قبلتكم هذه(2)
__________
(1) ماذا نقول نحن؟!
(2) عن عثمان بن أبي رواد أخي عبد العزيز قال: سمعت الزهري يقول: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة! وهذه الصلاة قد ضيعت!. (صحيح البخاري 1/198)
وفي لفظ آخر: (ما كنت أعرف شيئاً على عهد رسول الله إلا قد أنكرته اليوم).
وذكر البخاري في الصحيح أيضاً عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: (دخل علي أبو الدرداء مغضباً فقلت له: ما لك؟! فقال: والله ما أعرف فيهم شيئاً من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعاً).
وروى مالك في الموطأ عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: ما أعرف شيئاً مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة؛ يعني [بالناس] الصحابة رضي الله عنهم.
وقال الحسن البصري: سأل رجل أبا الدرداء رضي الله عنه فقال: رحمك الله لو أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بين أظهرنا هل كان ينكر شيئاً مما نحن عليه؟ فغضب واشتد غضبه، وقال: وهل كان يعرف شيئاً مما أنتم عليه؟! (إغاثة اللهفان 1/206)
قال ابن القيم عقب ذكره لهذه الآثار: (وهذه هي الفتنة العظمى التي قال فيها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير وينشأ فيها الصغير، تجري على الناس يتخذونها سنة، إذا غيرت قيل: غيرت السنة، أو: هذا منكر.
وهذا مما يدل على أن العمل إذا جرى على خلاف السنة فلا عبرة به ولا التفات إليه؛ فإن العمل قد جرى على خلاف السنة منذ زمن أبي الدرداء وأنس كما تقدم). (إغاثة اللهفان 1/206)(2/236)
. (إغاثة اللهفان 1/206)
قال معاوية بن قرة: أدركتُ سبعين رجلاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لو خرجوا فيكم اليوم ما عرفوا شيئاً مما أنتم عليه اليوم إلا الأذان. (2/299 وصف3/257)
قال ميمون بن مهران: لو أن رجلاً أُنشِر فيكم من السلف ما عرف غير هذه القبلة(1). (الاعتصام ص )
قال الحسن: قال عمران بن حصين: ذهب المطعمون وبقي المستطعمون، وذهب المذكِّرون وبقي المنسّون؛ قال الحسن: أما والله لو كان عمران حياً لكان لها أقول وأقول. (الزهد ص318)
قال الحسن: ذهب الناس و[بقي] النسناس(2)، نسمع صوتاً ولا نرى أنيساً. (الطبقات 7/172)
قال الحسن: أيها الرجل إن أشد الناس عليك فقداً لرجلٌ إذا فزعت إليه وجدت عنده رأياً ووجدت عنده نصيحة، بينا أنت كذلك إذ فقدته فالتمست منه خلفاً فلم تجده(3). (روضة العقلاء ص102)
قال إياسُ بنُ معاويةَ بنِ قرةَ: ما شبهتُ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ إلا برجلٍ صناعٍ حسَنِ الصنعةِ(4) ليست له أداةٌ يعملُ بها، يعني لا يجدُ مَن يُعينُه. (5/274)
__________
(1) روى أبو نعيم في (حلية الأولياء) (9/226) عن أبي عمران الجوني قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما أعرف اليوم شيئاً مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: قلنا: فأين الصلاة؟ قال: أو لم تضعوا [لعلها تصنعوا] في الصلاة ما قد علمتم؟!
(2) انظر (عيون الأخبار) (2/176).
(3) وهذه رواية أخرى: قال الحسن: إن من اعظم الناس مصيبة عليك من إذا رأيته وجدت عنده نصيحة فبينا انت كذلك إذ فقدته. (الإرشاد 2/592)
(4) في (النهاية) لابن الأثير (3/56): (يُقال:ُ رجلٌ صَنَعٌ وامرأةٌ صَناعٌ إذا كان لهما صَنْعة يَعملانِها بأيديهما ويَكْسِبان بها).(2/237)
عن مغيرة عن ابراهيم [النخعي] قال: يسرى على القرآن ليلة فيرفع من أجواف الرجال فيبعث الله ريحاً فتقبض كل نفس مؤمنة ثم يمكث الناس لا يصدقون الحديث ولا يفترشون يتسافدون تسافد الحمر؛ فكان ابن عمر يطوّل ذلك وكان من أشدهم تطويلاً لأمر الساعة يقول: يكون كذلك عشرين ومئة(1). (4/229)
عن الأعمش عن خيثمة قال: كان قوم يؤذونه(2) فقال: إن هؤلاء يؤذونني والله ما طلب أحد منهم حاجة إلا قضيتها ولا دخل على أحد منهم مني أذى ولأنا أبغض فيهم من الكلب الأسود، أتدرون مم ذاك؟ إنه والله ما أحب منافق مؤمناً أبداً. (صفة المنافق ص76 وانظر الحلية 4/116)
قال الحسن: احترسوا من الناس بسوء الظن(3). (الطبقات 7/177)
قال الحسن: إنه ليجالسنا في حلقتنا هذه قوم ما يريدون به إلا الدنيا؛ وقال: رحم الله عبداً لم يتقول علينا ما لم نقل. (الطبقات 7/169)
قال الشعبي: لو أصبتُ تسعاً وتسعينَ وأخطأتُ واحدةً لأخذوا الواحدةَ وتركوا التسع والتسعين(4). (4/320-321)
قال النعمان بن الزبير الصنعاني: سأل رجل طاووساً عن شيء فقال: إن الناس يقولون فيه كذا وكذا، فقال له: قبح الله الناس. (المداراة ص105)
قال ميمون بن مهران: إنما الفاسق بمنزلة السبُع، فإذا كُلِّمت فيه فخليت سبيلَه(5) فقد خليت سبعاً على المسلمين. (4/91)
قال أبو حازم: اشتدتْ مؤنةُ الدنيا والدين! قالوا: يا أبا حازمٍ هذا الدينُ، فكيفَ الدنيا؟ قالَ: لأنكَ لا تمدُّ يديكَ إلى شيءٍ إلا وجدتَ واحداً(6) قد سبقكَ اليه. (3/238)
__________
(1) يظهر أن المراد عشرون ومئة من السنين.
(2) أي يؤذون خيثمة.
(3) هذه الوصية رويت من كلام مطرف أيضاً، أخرجها عنه أحمد في (الزهد) (ص242).
(4) يعني أن الناس يجمعون الزلات والعيوب ويحفظونها وينشرونها وإن كانت قليلة نادرة ويطوون المحاسن ويكتمونها وإن كثرت.
(5) أي ولم يحكمه بما يوجبه القضاء الشرعي.
(6) في بعض نسخ الحلية (فاجراً) بدل (واحداً).(2/238)
قال عبدُ ربِّه بنُ صالحٍ: دُخلَ(1) على مكحول في مرضِه الذي ماتَ فيه فقيل له: أحسَنَ اللهُ عافيتَكَ… أبا عبدِ الله، فقالَ: اللحاقُ(2) بمن يُرجَى عفوُه خيرٌ من البقاءِ مع من لا يؤمَنُ شرُّه؛ وزاد غيرُ عبدِ ربِّه: شياطين الإنس وإبليس وجنوده(3). (5/177)
قال مكحول: ذلَّ من لا سفيه له. (تاريخ اصبهان 2/262)
الخلوة والعزلة(4)
__________
(1) كذا في الأصل، ولعلها (دخلت).
(2) في الأصل (ألا لحاق).
(3) هذا بيان للذين لا يؤمن شرهم.
ومما يدخل في هذا الباب الأثر التالي:
عن لقمان بن عامر أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: المؤمن في الدنيا بين كافر يقتله ومنافق يبغضه ومؤمن يحسده وشيطان قد وكل به. (صفة المنافق ص67)
وقال ابن القيم في (الفوائد) (ص48): (كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه وولد لا يعذره وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه وشريك لا ينصفه وعدو لا ينام عن معاداته ونفس أمارة بالسوء ودنيا متزينة وهوى مرْدٍ وشهوة غالبة له وغضب قاهر وشيطان مزيِّن وضعف مستول عليه؟! فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة).
(4) قال الإمام أبو سليمان الخطابي في (العزلة) : (الفرقة فرقتان: فرقة الآراء والأديان، وفرقة الأشخاص والأبدان؛ والجماعة جماعتان : جماعة هي الأئمة والأمراء، وجماعة هي العامة والدهماء .
فأما الإفتراق في الآراء والأديان فإنه محظور في العقول محرم في قضايا الأصول، لأنه داعية الضلال وسبب التعطيل والإهمال .
ولو ترك الناس متفرقين لتفرقت الآراء والنحل ولكثرت الأديان والملل ،ولم تكن فائدة في بعثة الرسل؛ وهذا هو الذي عابه الله عز وجل من التفرق في كتابه وذمَّه في الآي التي تقدم ذكرها .
وعلى هذه الوتيرة يجري الأمر أيضاً في الافتراق على الأئمة والأمراء، فإن في مفارقتهم مفارقة الألفة وزوال العصمة والخروج من كنف الطاعة وظل الأمنة؛ وهو الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وأراده بقوله صلى الله عليه وسلم ( من فارق الجماعة فمات فميتته جاهلية )، وذلك أن أهل الجاهلية لم يكن لهم إمام يجمعهم على دين ويتألفهم على رأي واحد، بل كانوا طوائف شتى وفرقاً مختلفين، آراؤهم متناقضة، وأديانهم متباينة؛ وذلك الذي دعا كثيراً منهم إلى عبادة الأصنام وطاعة الأزلام، رأياً فاسداً اعتقدوه في أن عندها خيراً، وأنها تملك لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضراً .
وأما عزلة الأبدان ومفارقة الجماعة التي هي العوام فإن من حكمها أن تكون تابعة للحاجة وجارية مع المصلحة؛ وذلك أن عظم الفائدة في اجتماع الناس في المدن وتجاورهم في الأمصار إنما هو أن يتضافروا فيتعاونوا على المصالح ويتآزروا فيها إذ كانت مصالحهم لا تكمل إلا به ومعايشهم لا تزكو إلا عليه .
فعلى الإنسان أن يتأمل حال نفسه فينظر في أية طبقة يقع منهم، وفي أية جنبة ينحاز من جملتهم؟ فإن كانت أحواله تقتضيه المقام بين ظهراني العامة لما يلزمه من إصلاح المهنة التي لا غنية له عنها ولا يجد بداً من الاستعانة بهم فيها، ولا وجه لمفارقتهم في الدار ومباعدتهم في السكن والجوار، فإنه إذا فعل ذلك تضرر بوحدته، وأضر بمن وراءه من أهله وأسرته .
وإن كانت نفسه بكلها مستقلة، وحاله في ذاته وذويه متماسكة، فالاختيار له في هذا الزمان اعتزال الناس ومفارقة عوامهم، فإن السلامة في مجانبتهم والراحة في التباعد منهم .
ولسنا نريد - رحمك الله - بهذه العزلة التي نختارها مفارقة الناس في الجماعات والجمعات، وترك حقوقهم في العبادات، وإفشاء السلام ورد التحيات، وما جرى مجراها من وظائف الحقوق الواجبة لهم، وصنائع السنن والعادات المستحسنة فيما بينهم، فإنها مستثناة بشرائطها، جارية على سبيلها، ما لم يحل دونها حائل شغل ولا يمنع عنها مانع عذر .
إنما نريد بالعزلة ترك فضول الصحبة ونبذ الزيادة منها، وحط العلاوة التي لا حاجة بك إليها، فإن من جرى في صحبة الناس والاستكثار من معرفتهم على ما يدعو إليه شغف النفوس وإلف العادات وترَكَ الاقتصادَ فيها والاقتصارَ الذي تدعوه الحاجة إليه: كان جديرا ألا يحمد غبه، وأن تستوخم عاقبته، وكان سبيله في ذلك سبيل من يتناول الطعام في غير أوان جوعه، ويأخذ منه فوق قدر حاجته، فإن ذلك لا يلبث أن يقع في أمراض مدنفة وأسقام متلفة؛ وليس من علم كمن جهل، ولا من جرّب وامتحن كمن مادَ وخاطر ). انتهى؛ ومعنى (ماد): تحرك واضطرب.
وذكر ابن الجوزي كما في (مختصر منهاج القاصدين) (ص144) بعض فوائد العزلة فقال: (التخلص بالعزلة عن المعاصي التي يتعرض لها الإنسان غالباً بالمخالطة، وهى أربعة :
أحدهما : الغيبة، فإن عادة الناس التمضمض بالأعراض والتفكه بها، فإن خالطتهم ووافقتهم أثمتَ وتعرضت لسخط الله تعالى؛ وإن سكتَّ كنتَ شريكاً، فإن المستمع أحد المغتابين، وإن أنكرت أبغضوك واغتابوك، فازدادوا غيبة إلى الغيبة، وربما خرجوا إلى الشتم .
الثانية : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإن من خالط الناس لم يخل عن مشاهدة المنكرات، فإن سكتَ عصى الله، وإن أنكر تعرض لأنواع من الضرر، في العزلة سلامة من هذا .
الثالثة : الرياء، وهو الداء العضال الذي يعسر الاحتراز منه، وأول ما في مخالطة الناس إظهار التشوق إليهم، ولا يخلو ذلك عن الكذب، إما في الأصل، وإما في الزيادة، وقد كان السلف يحترزون في جواب قول القائل : كيف أصبحت، وكيف أمسيت ؟ كما قال بعضهم وقد قيل له : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا .
واعلم : أنه إذا كان سؤال السائل لأخيه : كيف أصبحت ؟ لا يبعثه عليه شفقة ولا محبة، كان تكلفاً أو رياء، وربما سأله وفي القلب ضغن وحقد يورث؟؟ أن يعلم فساد حاله؛ وفي العزلة الخلاص من هذا، لأنه من لقي الخلق ولم يخالقهم بأخلاقهم، مقتوه واستثقلوه واغتابوه، ويذهب دينهم فيه، ويذهب دينه ودنياه في الانتقام منهم .
الرابعة : مسارقة الطبع من أخلاقهم الرديئة، وهو داء دفين قلما ينتبه له العقلاء فضلاً عن الغافلين، وذلك أنه قل أن يجالس الإنسان فاسقاً مدة، مع كونه منكِراً عليه في باطنه، إلا ولو قاس نفسه إلى ما قبل مجالسته لوجد فارقاً في النفور عن الفساد، لأن الفساد يصير بكثرة المباشرة هيناً على الطبع، ويسقط وقعه واستعظامه، ومهما طالت مشاهدة الإنسان الكبائر من غيره، احتقر الصغائر من نفسه، كما أن الإنسان إذا لاحظ أحوال السلف في الزهد والتعبد، احتقر نفسه، واستصغر عبادته، فيكون ذلك داعية إلى الاجتهاد، وبهذه الدقيقة يعرف سر قول القائل : عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة .
ومما يدل على سقوط وقع الشيء بسبب تكرره ومشاهدته، أن أكثر الناس إذا رأوا مسلماً قد أفطر في رمضان، استعظموا ذلك، حتى يكاد يفضي إلى اعتقادهم فيه الكفر، وقد يشاهدون من يؤخر الصلاة عن أوقاتها، فلا ينفرون عنه نفورهم عن تأخير الصوم، مع أن ترك صلاة واحدة يخرج إلى الكفر، ولا سبب لذلك إلا أن الصلاة تتكرر، والتساهل فيها يكثر، وكذلك لو لبس الفقيه ثوباً [من] حرير، أو خاتماً من ذهب، لاشتد إنكار الناس لذلك، وقد يشاهدونه يغتاب، فلا يستعظمون ذلك، والغيبة أشد من لبس الحرير، ولكن لكثرة سماعها، ومشاهدة المغتابين، سقط عن القلوب وقعها، فافطن لهذه الدقائق واحذر مجالسة الناس، فانك لا تكاد ترى منهم إلا ما يزيد في حرصك على الدنيا، وفي غفلتك عن الآخرة، ويهوّن عليك المعصية، ويضعف رغبتك في الطاعات، فإن وجدت مجلساً يذكر الله فيه، فلا تفارقه فإنه غنيمة المؤمن ).(2/239)
قيل للحسن: ههنا رجل لم نره قط جالساً إلى أحد ولا رأينا أحداً جالساً إليه، إنما هو أبداً خلف سارية وحده! قال الحسن: إذا رأيتموه فأخبروني به، فمروا به ذات يوم ومعهم الحسن فأشاروا إليه فقالوا: ذاك الرجل الذي أخبرناك به فقال: امضوا حتى آتيه، فلما جاءه قال: يا عبد الله أراك قد حُبِّب إليك العزلة فما يمنعك من مخالطة الناس؟ قال: ما أشغلني عن الناس! قال: فتأتي ذا الرجل الذي يقال له الحسن فتجلس إليه؛ قال: ما أشغلني عن الحسن وعن الناس! قال له الحسن: ما الذي يشغلك يرحمك الله عن الناس وعن الحسن؟ قال: إني أصبح وأمسي بين ذنب ونعمة، فرأيت أن أشغل نفسي عن الناس بالاستغفار من الذنب وأشكر الله على النعمة؛ فقال الحسن: أنت عندي يا عبد الله أفقه من الحسن، فالزم ما أنت عليه. (الشكر 192 وانظر عدة الصابرين ص119 وطريق الهجرتين ص170)
قال عبد الواحد بن زيد: كان أصحاب غزوان [بن زيد الرقاشي] يقولون له: ما يمنعك من مجالسة إخوانك؟! فيبكي عند ذلك ويقول: إني أصبت راحة قلبي في مجالسة!! من لديه حاجتي. (صف3/252)
قال الحسن: صوامع المؤمنين بيوتهم. (3/19)
قال ابن الحنفية: رحم الله امرءاً أغنى نفسه وكف يده وأمسك لسانه وجلس في بيته له ما احتسب وهو مع من أحب. (المصنف 30587)
قال سفيان الثوري: كان طاووس يجلسُ في بيتِهِ فقيل له في ذلك فقال: حيفُ الأئمة وفسادُ الناس. (4/4 والمداراة ص105)
قال قتادة: كان حميد بن هلال من العلماء الفقهاء ولم يكن يذاكر ولا يسأل إنما كان يعتزل في مكان. (صف3/259)
قال مكحول: إن لم يكن في مجالسة الناس ومخالطتهم خير فالعزلة أسلم. (العلم ص14)
قال مكحول: إن كان في مخالطة الناس خير فالعزلة أسلم(1)
__________
(1) الرواية الأولى معناها واضح وظاهر، وأما الثانية فدونها في الظهور؛ فإن كانت محفوظة فمعناها أن مخالطة الناس وإن كان فيها خير وفضل فإن العزلة أفضل منها وأسلم.
ولكن من المحتمل أن إحدى هاتبن الروايتين محرفة وأنها قبل التحريف كانت بمعنى الرواية الأخرى، والأقرب أن تكون الثانية هي التي حرفت، وأن ذلك التحريف كان بسقوط أداة النفي منها.(2/240)
. (روضة العقلاء ص85)
قال مكحول: إن كانَ الفضلُ في الجماعةِ فإنَّ السلامةَ في العزلة. (5/181)
قال مسروق: [إن] المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها يتذكرُ ذنوبَه ويستغفر منها. (2/97)
قال أبو سليمان: بينما الربيع بن خثيم جالس على باب داره إذ جاءه حجر فصك وجهه فقال: لقد وعظت يا ربيع فقام ودخل الدار وأغلق الباب وما رئي في ذلك المجلس حتى مات. (صف3/67)
قال بشر بن الحارث: قال الربيع بن خثيم: أنا بعصافير المسجد آنس مني بأهلي. (صف3/66)
عن سفيان عن نُسير قال: كان الربيع بن خثيم إذا أتوه قال: أعوذ بالله من شركم. (العلم لأبي خيثمة ص31)
قال الشعبي: ما جلس الربيع في مجلس منذ تأزر، وقال: أخاف أن يظلم [رجل] رجلاً فلا أنصره، أو يعتدي رجل على رجلٍ فأكلف عليه الشهادةَ؛ ولا أغض البصر؛ ولا أهدي السبيلَ؛ أو يقع الحامل فلا أحمل عليه. (2/116)
قالَ أبو وائلٍ: أتَيْنا الربيعَ بنَ خثيمٍ فقالَ: ما جاء بكم؟! قلنا: جئنا لتحمدَ اللهَ ونحمدَهُ معكَ وتذكرَ اللهَ ونذكرَهُ معكَ؛ قالَ: الحمدُ للهِ إذ لم تأتوني تقولونَ: جئنا لتشربَ فنشربَ معكَ وتَزني فنَزني معك. (2/111)
قال الوليد بن المغيرة: قال لي سعيد بن المسيب: عليك بالعزلة فإنها عبادة. (الزهد الكبير ص94)
قال مطرف: تفقهوا وتعبدوا ثم اعتزلوا. (الزهد ص240)
قال أيوب: نبئت أن مطرفاً كان يقول: لأنا أحوج إلى الجماعة من الأرملة اني إذا كنت في الجماعة عرفت ديني. (الزهد ص245)
قال جعفر بن سليمان: سمعته [يعني مالكاً بن دينار] يقول: يا إخوتاه بحق أقول لكم: لولا البول ما خرجت من المسجد. (صف3/286)
قال مالك بن دينار: كانَ الأبرارُ يتواصَونَ بثلاثٍ: بسجنِ اللسانِ وكثرةِ الاستغفارِ والعزلةِ. (2/377)
كان وهب بن منبه يقول: المؤمنُ يخالطُ ليعلمَ، ويسكتُ ليسلمَ، ويتكلمُ ليفهمَ، ويخلو لينعُمَ. (4/68)(2/241)
عن أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان الثوري عن أبي عبد الله الأغر عن وهب بن منبه قال: في حكمة آل داود: حق على العاقل أن تكون له أربع ساعات: ساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يناجي فيها ربه، وساعة يخلو فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوب نفسه، وساعة يخلي بين نفسه وبين شهواتها التي لا قوام له إلا بها مما يحل ويحسن فإن في هذه الساعة عوناً له على الساعات الأخر؛ وحق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه حافظاً للسانه مقبلاً على شانه(1)؛ وحق على العاقل أن لا يُرى ظاعناً إلا في ثلاث: زاد لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم. (الرسالة المغنية ص38)
قال زياد بن حُدَير: ودِدتُ أني في حَيِّز(2) من حديدٍ، معي فيه ما يُصْلِحُني، لا أكلِّمُ الناسَ ولا يكلّموني، حتى ألقى الله. (4/197 ومسند الإمام أحمد 7984 – شاكر، والمتمنين (134) والمصنف و صف).
قالَ عبدُ اللهِ بنُ الأجلح: كان أبو سنان ضرارُ بنُ مرّةَ يقولُ لنا: لا تَجيئوني جماعةً! ليجيء الرجلُ وحدَه، فإنكم إذا اجتمعتم تحدثتم، وإذا كانَ الرجلُ وحدَه لمْ يخْلُ مِن أن يدرسَ حزبَه أو يذكرَ ربَّه. (5/91)
عن الأعمش قال: أتيت خيثمة فقلت: لقد رأيت مِن إبراهيم [هو النخعي] شيئاً ما أرى مثله أبداً! قال: وما هو؟ قلت: رأيته مع الغرباء جالساً فأتيت إبراهيم فأخبرته فقال: كنت جالساً قريباً منهم فكرهت أن يرى الناس في اعتزالهم لفضل(3) عندي فجلست معهم(4)
__________
(1) في (الصمت) لابن أبي الدنيا (ص60) رواية هذه الجملة فقط.
(2) في مطبوعة الحلية (دين) بدل (حيّز)، وهو تصحيف مطبعي لا معنى له؛ وثبت على الصواب في ، وهو الصحيح.
وفي (مختار الصحاح) (ص68): (والحَيِّزُ بوزن الهيّن: ما انضم إلى الدار من مرافقها، وكل ناحية حَيِّزٌ؛ والحَوْزَةُ بوزن الجوزة: الناحية).
(3) الأولى حذف (في) أو إبدال (لفضل) بـ(فضلاً).
(4) وهذه بضعة آثار من (المداراة) لابن أبي الدنيا:
عن عطاء الخفاف قال: قال لي سفيان الثوري ونحن نطوف بالبيت وضرب حجزتي فقال: يا عطاء احذر الناس، وأنا فاحذرني. ص102-103
عن عطاء بن مسلم الخفاف قال: قال لي سفيان: يا عطاء احذر الناس وأنا فاحذرني، فلو خالفت رجلاً في رمانة فقال: حامضة وقلت: حلوة، أو قال: حلوة وقلت: حامضة، لخشيت أن يشيط بدمي. ص103
عن سعيد بن صدقة أبي المهلهل قال: أخذ بيدي سفيان الثوري فأخرجني إلى الجبان، فاعتزل ناحية عن طريق الناس فبكى ثم قال: يا أبى المهلهل قد كنت قبل اليوم أكره الموت، فقلبي اليوم يتمنى الموت، وإن لم ينطق به لساني؛ قلت: ولم ذاك؟ قال: لتغير الناس وفسادهم؛ ثم قال: والله ما أعلم اليوم بالكوفة أحداً لو فزعتُ إليه في قرض عشرة دراهم أقرضني ثم كتمها حتى يذهب ويجيء ويقول: استقرضني سفيان فأقرضته. ص103-104
عن بكر بن محمد قال: قال لي داود الطائي: فرَّ من الناس كما تفر من الأسد. ص104
عن ابن سيرين قال: قال عمر بن الخطاب: اتقوا الله واتقوا الناس. ص104
عن مالك بن أنس عن رجل عن ابن عباس قال: لولا مخافة الوسواس لدخلت إلى بلاد لا أنيس بها؛ وهل يفسد الناس إلا الناس. ص104
قال ابن أبي الدنيا: حدثني علي بن الجعد أخبرني الهيثم بن جماز قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام فقال: يا داود أتخاف أحداً غيري؟ قال: نعم يا رب، أخاف من لا يخافك. ص105
وعن أبي عبد الله السمرقندي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: إلهي أدعوك بلسان نعمك فأجبني بلسان كرمك، إلهي إذا شهد لي الإيمان بتوحيدك ونطق لساني بتحميدك ودلني القرآن على فواضل جودك ويشفع لي محمد خير عبيدك فكيف لا يبتهج رجائي بحسن موعودك؟! وكان يحيى كثيراً يطلب الخلوة والتفرد من الناس فدخل عليه أخوه ذات يوم فقال له: يا أخي كم تترك من الناس؟! إن كنت من الناس فلا بد من الناس؟! قال فنظر إليه يحيى ثم قال: إن كنتُ من الناس فلا بد من الله، ثم أنشأ يحيى يقول:
دعوا بالله تعذالي********فما إن تفهموا حالي
دعوني واخرجوا عني*****رجالَ القيل والقال
فيا شوقي إلى شخص******إلى الرحمن ميال
وفي سر من الأسرار حطاط ورحال
الرسالة المغنية ص46-47
عن عبد الصمد بن يزيد الصائغ قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: في آخر الزمان عليكم بالصوامع، قلنا: وما الصوامع؟ قال: البيوت فإنه ليس ينجو من شر ذلك الزمان إلا صفوته من خلقه؛ وكان يقول: ليس هذا زمان الكلام، هذا زمان السكوت ولزم البيوت؛ وقال أيضاً: ليكن شغلك في نفسك ولا يكن شغلك في غيرك، فمن كان شغله في غيره فقد مكر به. (الرسالة المغنية ص37-38)(2/242)
. (التواضع والخمول ص113-114)
إيثار الخمول وكتمان الطاعات، إلا لمصلحة دينية
وكراهةُ الشهرة واجتناب أسبابها
قال مطرف: انظروا قوماً إذا ذُكِروا ذُكروا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وقوماً إذا ذُكِروا ذُكِروا بالفجور فلا تكونوا منهم، كونوا بين هؤلاء وهؤلاء. (عيون الأخبار 2/358)
قال رجاء بن أبي سلمة: مات القاسم بن محمد [بن أبي بكر] بين مكة والمدينة حاجاً أو معتمراً فقال لابنه: سنَّ عليَّ التراب سنّاً، وسوِّ عليَّ قبري والحقْ بأهلك، وإياك أن تقول: كان وكان!. (2/184 و صف2/90)
قال مورق العجلي: ما أحب أن يعْرفني بطاعته غيرُه. (التواضع والخمول ص113)
قال اسحاق بن خلف: كان عمرو بن قيس إذا بكى حوَّل وجهه إلى الحائط ويقول لأصحابه: إن هذا زكام. (5/103)
قال مغيرة: اشتكى ابن أخي الأحنف إلى الأحنف بن قيس وجع ضرسه، فقال له الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتُها لأحد. (صف3/200)
قال أبو حازم: اكتم حسناتِك أشدَّ مما تكتم سيئاتك. (3/240)(2/243)
قال وهب بن منبه: يا بُنيَّ أخلِص طاعةَ اللهِ بسريرةٍ ناصحة يصدق الله فيها فعلَكَ في العلانية، فإنَّ من فعل خيراً ثم أسرَّه إلى الله فقد أصاب موضعَه وأبلغه قراره، وإنَّ مَن أسرَّ عملاً صالحاً لم يُطلع عليه أحداً إلا الله فقد أطْلعَ عليه من هو حسبُه واستودعه حفيظاً لا يضيع أجرَه، فلا تخافنَّ على عملٍ صالحٍ أسررتَه إلى الله عز وجل ضَياعاً، ولا تخافنَّ مِن ظلمه ولا هضمه، ولا تظنن أن العلانيةَ هي أنجح من السريرة، فإنَّ مثلَ العلانيةِ مع السريرةِ كمثلِ ورق الشجرِ مع عرقها، العلانيةُ ورقُها والسريرة عرقُها، إن نخر العرقُ هلكت الشجرةُ كلُّها ورقُها وعودُها، وإن صلحت صلحت الشجرةُ كلُّها ثمرُها وورقُها، فلا يزال ما ظهر من الشجرة في خير ما كان عرقُها مستخفياً لا يُرى منه شيء، كذلك الدينُ لا يزالُ صالحاً ما كان له سريرةٌ صالحةٌ يصدِّقُ اللهُ بها علانيتَه، فإن العلانية تنفعُ مع السريرة الصالحةِ كما ينفع عرقُ الشجرةِ صلاحَ فرعِها؛ وإن كان حياتُها من قبل عرقها، فإنَّ فرعَها زينتُها وجمالُها؛ وإن كانت السريرةُ هي ملاكَ الدينِ فإنَّ العلانيةَ معها تزينُ الدينَ وتجمّلُهُ، إذا عملها مؤمن لا يريد بها إلا رضاءَ ربه عز وجل. (4/69-70)
قال معاوية بن قرة: من يدلني على بكّاء بالليل بسام بالنهار؟! (صف3/257)(2/244)
قال عاصم: كان أبو وائل [شقيق بن سلمة] إذا خلا بكى، فسمعته يقول إذا سجد: ربِّ ارحمني، ربِّ اعفُ عني، ربِّ إن تعفُ عني تعفُ طَولاً مِن قِبلك؛ وإن تعذبْني تعذبني غيرَ ظالمٍ لي ولا مسبوق(1)، قال: ثم ينشج كأشدِّ نشيج الثكلى، ولو جُعلت له الدنيا على أن يبكي وأحدٌ يراه لم يفعل. (الاخلاص والنية 32 والحلية 4/101 وانظر مصنف ابن أبي شيبة 7/153 و صف3/29)
قال ابن أبي عدي: صام داود [بن أبي هند] أربعين سنة لا يعلم به أهله(2)، وكان خرازاً، يحمل معه غداه من عندهم فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشياً فيفطر معهم. (3/94)
كان حسان بن أبي سنان يفتح باب حانوته فيضع الدواة وينشر حسابه ويرخي ستره ثم يصلي فإذا أحس بإنسان قد جاء يقبل على الحساب يريه أنه كان في الحساب. (3/115)
قالت امرأة حسان: كان [حسان] يجيء فيدخل معي في فراشي ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها فاذا علم أني نمت سل نفسه فخرج ثم يقوم فيصلي، قالت: فقلت له: يا أبا عبد الله كم تعذب نفسك؟! ارفق بنفسك! فقال: اسكتي ويحك فيوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منها زماناً. (3/117)
قال شيبة بن نعامة: كان علي بن الحسين [بن علي] يُبَخَّلُ فلما مات وجدوه يقوت مئة أهل بيت بالمدينة(3). (صف2/96)
__________
(1) أظن معناها هنا أي غير عاجز عني. فليس يفلت أحد من عذاب الله إن أراده؛ قال تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [العنكبوت 4].
(2) أي في الجملة، وربما علموا بصومه لبعض الأيام.
(3) قال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لايدرون من أين كان معاشهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل. (صف2/96)(2/245)
قال أبو حمزة الثمالي: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: إن صدقة السر تطفىء غضب الرب عز وجل(1). (صف2/96)
قال أبو بكر بن عياش: دخلت على الأعمش في مرضه الذي توفي فيه فقلت: أدعو لك طبيباً؟ فقال: ما أصنع به؟! فوالله لو كانت نفسي في يدي لطرحتها في الحش؛ إذا أنا مت فلا تؤذنن بي أحداً واذهب بي فاطرحني في لحدي. (صف3/118)
قال ابن عيينة: كان هارون بن رئاب يخفي الزهد وكان يلبس الصوف تحت ثيابه. (صف3/288)
ذكر الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه كان يصلي فإذا دخل الداخل أتى فراشه فاتكأ عليه. (الشعب 3/161)
قالت سرية الربيع: كان عمل الربيع كله سراً، إن كان ليجيءُ الرجلُ وقد نشرَ(2) المصحفَ، فيغطيه بثوبه. (2/107)
قال احمد بن حنبل: حدثنا وكيع عن الأعمش قال: كنت عند إبراهيم وهو يقرأ في المصحف فاستأذن عليه رجل فغطى المصحف وقال: لا يرى هذا أني أقرأ فيه كل ساعة. (4/220 و صف 3/87)
قال تميم بن مالك: كان منصور بن المعتمر إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم ولعله إنما بات قائماً على أطرافه كل ذلك ليخفي عنهم العمل. (التهجد ص214)
قال خالدٌ بنُ دريكٍ: كانت في ابنِ محيريزٍ خصلتانِ ما كانتا في أحدٍ ممن أدركتُ من هذهِ الأمةِ: كانَ أبعدَ الناسِ أن يسكتَ عن حقٍّ بعدَ أن يتبينَ له حتى يتكلمَ فيه، غضِبَ مَن غضبَ ورضيَ مَن رضِي؛ وكانَ مِن أحرصِ الناسِ أن يكتُمَ مِن نفسِه أحسنَ ما عنده. (5/145)
__________
(1) قال ابن عائشة: قال أبي: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين. (صف2/96)
(2) أي الربيع(2/246)
قال عبد الحميد بن بيان: سمعت أبي يقول: خرج سيار [أبو الحكم] (1) إلى البصرة فقام يصلي إلى سارية في المسجد الجامع وكان حسن الصلاة عليه ثياب جياد فرآه مالك بن دينار فجلس إليه فسلم سيار فقال له مالك: هذه الصلاة وهذه الثياب؟!(2) فقال سيار: هذه [يعني الثياب] ترفعني عندك أو تضعني؟ فقال: تضعك! قال: هذا أردت؛ ثم قال له: يا مالك إني لأحسب ثوبيك هذين قد أنزلاك من نفسك ما لم ينزلك من(3) الله؛ فبكى مالك وقال له: أنت سيار؟ قال: نعم؛ فعانقه(4). (صف 3/14)
قال أيوب السختياني: واللهِ ما صدقَ عبدٌ إلا سَرَّه أنْ لا يُشْعَرَ بمكانِهِ(5). (3/6)
قال الجريري: قال لي أيوب: يا أبا مسعود إني أخاف ألا تكون المعرفة أبقت عند الله حسنةً، إني لأمر بالمجلس فأسلم عليهم وما أرى أن فيهم أحداً يعرفني فيردون علي ويسألوني مسألة كأنَّ كلهم قد عرفوني. (التواضع والخمول ص125)
عن عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد قال أيوب: إني لأمر بالمجلس فأسلم عليهم فيردون علي، يعني في ردهم أنهم قد عرفوني، فأي خير مع هذا؟. (التواضع والخمول ص125)
__________
(1) جاء في (صفة الصفوة): (قال المصنف [يعني أبا نعيم مصنف الحلية]: يسند سيار عن طارق بن شهاب، ويقال: إن طارقاً من أصحابه؛ وروى عن الشعبى وأبي وائل وأبي حازم في نظرائهم)؛ وجاء في (تقريب التقريب): (سيار أبو الحكم العنزي – بنون وزاي – وأبوه يكنى أبا سيار، واسمه وردان، وقيل: ورد، وقيل غير ذلك، وهو أخو مساور الوراق لأمه، ثقة، وليس هو الذي يروي عن طارق بن شهاب، من السادسة، مات سنة اثنتين وعشرين. ع)؛ انتهى فليحقق أمره.
(2) أي كيف اجتمع ذلك؟!
(3) لعل (من) هذه زيدت خطأ.
(4) وفي رواية أخرى فجاء مالك فقعد بين يديه.
(5) قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق اللهَ عبدٌ أحب الشهرة. (8/31 و19-20)(2/247)
عن حماد بن زيد قال: كنا إذا مررنا بالمجلس ومعنا أيوب فسلم ردوا رداً شديداً قال: فكأن ذلك نقمة، قال أبو داود: كراهة الشهرة. (التواضع والخمول ص126)
عن النضر بن شميل عن رجل قد سماه قال: خرج أيوب في سفر فتبعه ناس كثير [فقال]: لولا أني أعلم أن الله عز وجل يعلم من قلبي [أني] لهذا كاره لخشيت المقت من الله عز وجل. (التواضع والخمول ص126)
عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال: دفع إلي أيوب ثوباً فقال: اقطعه لي قميصاً واجعل فم كمه شبراً واجعله يقع على ظهر القدم. (التواضع والخمول ص126)
عن عبد الرزاق عن معمر قال: عاتبت أيوب على طول قميصه فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في طوله وهي اليوم في تشميره(1). (التواضع والخمول ص126-127)(2)
عن عدي بن الفضل قال: قال لي أيوب: أُحذُ نعلين على نحو حذوِ نعلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ففعلت فلبسها أياما ثم تركها فقلت له في ذلك فقال: لم أر الناس يلبسونها. (التواضع والخمول ص127)
عن منصور عن إبراهيم قال: لا تلبس من الثياب ما يشتهرك الفقهاء ولا يزدريك السفهاء(3). (التواضع والخمول ص127)
عن أبي خشينة صاحب الزيادي قال: كنا مع أبي قلابة إذ دخل رجل عليه أكسية فقال: إياكم وهذا الحمار النهاق. (التواضع والخمول ص128)
__________
(1) يعني التشمير المبالغ فيه.
(2) قال معمر: كان في قميص أيوب بعض التذييل فقيل له، فقال: الشهرة اليوم في التشمير!!. (3/7)
(3) عن غسان بن عبيد عن سفيان الثوري قال: كانوا يكرهون الشهرتين: الثياب الجياد التي يشتهر فيها، ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم؛ والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستذل دينه. (التواضع والخمول ص127-128)
عن سليمان الشيباني حدثنا رجل قال: رأى ابن عمر على ابنه ثوباً قبيحاً دوناً فقال: لا تلبس هذا فإن هذا ثوب شهرة. (التواضع والخمول ص128-129)(2/248)
قال الحسن: لقد صحبت أقواماً إن كان أحدهم لتعرض له الحكمة لو نطق بها نفعته ونفعت أصحابه فما يمنعه منها إلا مخافة الشهرة وإن كان أحدهم ليمر فيرى الأذى على الطريق فما يمنعه أن ينحيه إلا مخافة الشهرة. (رك ص45)
قال وهب: الويل لكم إذا سماكم الناس صالحين. (4/69)
كتب وهب إلى مكحول: إنكَ قد أصبتَ بما ظهَرَ مِن عِلم الإسلامِ عندَ الناسِ محبةً وشرفاً، فاطلبْ بما بطنَ منْ علمِ الاسلامِ عند الله تعالى محبةً وزلفى واعلمْ أنَّ احدى المحبتينِ سوفَ تمنعُكَ منَ الأخرى. (4/54)
عن فضالة بن صيفي قال: كتب أبان بن عثمان إلى بعض إخوانه: إن أحببت أن يسلم لك دينُك فأقل من المعارف. (التواضع والخمول ص121)
عن أبي حمزة عن ابراهيم [التيمي] والحسن قالا: كفى بالمرءِ شراً أن يشارَ إليهِ بالأصابع في دينٍ أو دنيا إلا من عصم الله، التقوى ههنا، يومىء إلى صدره، ثلاث مرات. (4/232)
عن مبارك بن فضاله قلنا للحسن(1): يا أبا سعيد إن الناس إذا رأوك أشاروا إليك بالأصابع! قال: إنه لم يعن بهذا هذا إنما عني به المبتدع في دينه والفاسق في دنياه. (التواضع والخمول ص118)
عن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن توطأ أعقابهم. (العلم لأبي خيثمة ص36)
قيل لعلقمةَ بن قيس النخعي: ألا تدخل المسجد فيُجتمع إليك وتُسأل فنجلس معك فإنه يسأل من هو دونك؟! قال: إني أكره أن يوطأ عقبي فيقال: هذا علقمة. (2/100 والعلم لأبي خيثمة ص10)
قالوا للزهري: لو أنك الآن في آخر عمرك أقمت في المدينة فغدوتَ إلى مسجدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورحْتَ وجلستَ إلى عمود من أعمدته فذكَّرتَ الناسَ وعلّمتهم! فقال: لو أني فعلتُ ذلكَ لوُطِىء عقبي، ولا ينبغي ذلك حتى أزهدَ في الدنيا وأرغب في الآخرة(2). (3/371)
__________
(1) أي عقب روايته لحديث (حسب المرء من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دينه في دنياه).
(2) فإن ذلك حينئذ لا يضره إن شاء الله.(2/249)
عن سفيان عن الاعمش قال: جهدنا بإبراهيم [النخعي] أن يستند إلى سارية فأبى علينا. (صف3/88)
قال ابراهيم: من جلس مجلساً ليُجلَسَ إليه فلا تجلسوا إليه. (4/226)
عن هارون بن معروف عن ضمرة قال: سمعت رجلاً يقول قدم حماد بن أبي سليمان البصرة فجاءه فرقد السبخي وعليه ثوب صوف فقال له حماد: ضع عنك نصرانيتك هذه فلقد رأيتنا ننتظر ابراهيم يخرج علينا وعليه معصفرة ونحن نرى أن الميتة قد حلت له(1). (4/221-222)
عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يلبس الثوب المصبوغ بالزعفران أو بالعصفر وكان من يراه لا يدري أمن القراء هو أم من الفتيان. (صف3/87)
شُهِرَ طلحةُ بن مصرف بالقراءةِ فقرأَ على الأعمشِ ليسلخَ ذلكَ عنه. (5/18)
كان طلحة قارىء أهل الكوفة يقرؤون عليه القرآن فلما رأى كثرتهم عليه كره ذلك فمشى إلى الأعمش وقرأ عليه فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحة. (صف 3/96)
قالَ ابنُ محيريزٍ: كلُّكم يلقى الله غداً ولعةً كذبةً(2)، وذلكَ أنَّ أحدَكم لو كانت اصبعُه منْ ذهبٍ يشيرُ بها؛ وإن كانَ بها شللٌ لجعل يواريها. (5/140 وتاريخ ابن عساكر 33/19)
__________
(1) قال الأعمش: رأيت على إبراهيم النخعي قباء محشواً وملحفة حمراء. (4/221)
قال منصور: رأيت على إبراهيم طيلساناً فيه زرياب، وكان يلبس الملحفة الحمراء. (4/221)
(2) وقع في (الحلية) (ولقبه كذبته) والتصحيح من (تاريخ ابن عساكر).(2/250)
عن عمير بن عبد الملك الكناني أن رجلاً صحب ابن محيريز في سفر فلما أراد أن يفارقه قال: أوصني، قال: إن استطعت أن لا تعرِف(1) ولا تُعرف وتمشي ولا يُمشَى إليك وتسأل ولا تُسأل فافعل(2). (التواضع والخمول ص125)
قال عمر بن عبدِ الملكِ الكناني: صحبَ ابنُ محيريزٍ رجلاً في الساقةِ في أرضِ الرومِ فلما أردنا أن نفارقَه قال له ابن محيريزٍ: أوصني، قالَ: إنِ استطعتَ أن تَعْرِفَ ولا تُعْرَفَ فافعلْ، وإن استطعتَ أن تمشي ولا يُمشَى إليكَ فافعلْ، وإنِ استطعتَ أن تَسْأَلَ ولا تُسألَ(3) فافعلْ(4). (5/141)
قال عبد الواحد بن موسى: سمعت ابن محيريز يقول: اللهم إني أسألك ذكراً خاملاً(5). (صف4/207)
قال رجاء بن حيوة: كان ابن محيريز صموتاً معتزلاً في بيته. (السير4/495)
__________
(1) كذا وردت هذه الرواية في الأصل بنفي الفعل بخلاف الرواية التالية، ولكل منهما وجه، على افتراض أنهما محفوظتان جميعاً.
(2) عن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل يقول: بلغني أن الله تعالى يقول للعبد في بعض منته التي منَّ بها عليه: ألم أنعم عليك؟ ألم أعطك ألم أسترك؟ ألم ألم؟ ألم أخمل ذكرك؟ قال: وسمعته يقول: إن قدرت أن لا تُعرف فافعل وما عليك ألا تعرف وما عليك ألا يثنى عليك؟ وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس إذا كنت محموداً عند الله عز وجل؟. (التواضع والخمول ص110)
(3) أي في الدين لا في أموال الدنيا ومتاعها ونحو ذلك.
(4) وفي رواية أخرى: قال ابن محيريز: صحبت فضالة ابن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أوصني رحمك الله، قال: احفظ عني ثلاث خصال ينفعك الله بهن: إن استطعت أن تعرف ولا تعرف فافعل، وإن استطعت أن تسمع ولا تتكلم فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يجلس إليك فافعل. (5/141)
(5) عن مؤمل عن سفيان [الثوري] قال: كان رجل من الأنصار يقول: اللهم ذكراً خاملاً لي ولبني ولا ينقصنا ذاك عندك شيئاً. (التواضع والخمول ص111-112)(2/251)
قال عبد الله بن عوف القاري: لقد رأيتنا برودس وما في الجيش أحد أكثر صلاة من ابن محيريز في العلانية، ثم أقصر عن ذلك حين شهر وعرف. (صف4/207)
قال قتادة: لم يخز أحد يومئذ فيخفى خزيه على أحد(1)
__________
(1) وهذه جملة آثار عن غير التابعين نقلتها من (لتواضع والخمول) لابن أبي الدنيا:
عن أحمد بن إبراهيم حدثني سلمة بن عقار أو غيره قال: لما قدم ابن المبارك المصيصة سأل عن محمد بن يوسف الأصبهاني؛ فقال: مِن فضلك لا تعرفُ. (ص113)
وعن أحمد بن سهل الأردني حدثني سلم وكان فاضلاً قال: قال لي إبراهيم بن أدهم: ما فزت في الدنيا قط إلا مرة بت ليلة في بعض مساجد قرى الشام وكان فيَّ البطن فجر المؤذن رجلي حتى أخرجني من المسجد. (ص115)
وعن خلف البرزاني قال: سمعت سفيان الثوري يقول: أقلَّ معروفَ الناس يقل عيبك. (ص115)
عن شيخ من أحنف قال: سمعت علياً يقول: تبذَّل لا تُشهر ولا ترفع شخصك لتذكر وتُعلم، وأكثر الصمت تسلم، تسر الأبرار وتغيظ الفجار. (ص118)
وعن سعيد بن عبد الغفار قال: كنت أنا ومحمد بن يوسف الأصبهاني فجاء كتاب محمد بن العلاء بن المسيب من البصرة إلى محمد بن يوسف فقرأه فقال لي محمد بن يوسف: ألا ترى إلى ما كتب به محمد بن العلاء وإذا فيه: يا أخي من أحب الله أحب [أن] لا يعرفه الناس. (ص119)
وعن سفيان بن عيينة قال: قال لي بشر بن منصور: أقل من معرفة الناس فإنه أقل لفضيحتك في القيامة. (ص119)
وعن إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان [بن عيينة] قال: رأيت الثوري في النوم فقلت له: أوصني فقال: أقل من معرفة الناس. (ص120)
وعن جرير عن مغيرة قال: قال سماك بن سلمة: يا قلب إياك وكثرة الأخلاء. (ص120)
وعن شيخ من النخع عن أشياخ له من أصحاب عبد الله بن مسعود: كفى به دليلاً على امتحان دين الرجل كثرة صديقه. (ص120)
وعن قبيصة قال: سمعت سفيان [هو الثوري] يقول: كثرة الإخوان من سخافة الدين. (ص120)
وعن سالم بن ميمون قال: سمعت عثمان بن زائدة يقول: كان يقال: إذا رأيت الرجل كثير الأخلاء فاعلم أنه مخلط. (ص121)
وعن الحسن بن رشيد قال: سمعت الثوري يقول: يا حسن لا تَعَرَّفَنَّ إلى من لا يعرفك وأنكر معرفة من يعرفك. (ص121)
عن الحسن قال: خرج ابن مسعود ذات يوم من منزله فاتبعه الناس فالتفت إليهم فقال: علام تتبعوني؟! والله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ما اتبعني منكم رجلان. (ص124)
عن محمد بن يزيد بن خُنيس قال: قال رجل: مررت ذات يوم بفضيل بن عياض وهو خلف سارية وحده وكان لي صديقاً فجئته فسلمت عليه وجلست إليه، فقال: يا أخي ما أجلسك إلي؟! فقلت: وجدتك وحدك فاغتنمت وحدتك، فقال: أما إنك لو لم تجلس إلي لكان خيراً لك وخيراً لي، فاختر إما أن أقوم عنك فهو والله خير لك وخير لي، وإما أن تقوم عني، فقلت: بل أنا أقوم عنك فأوصني بوصية ينفعني الله عز وجل بها، قال: يا عبد الله أَخْفِ مكانك واحفظ لسانك واستغفر الله عز وجل لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات كما أمرك. (ص129)
قال رجل لبشر بن الحارث: أوصني، قال: أخمل ذكرك وطيب مطعمك. (ص129-130)
عن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: كان حوشب [بن عقيل] يبكي ويقول: بلغ اسمي مسجد الجامع. (ص130)
قال ابن أبي الدنيا: بلغني عن عبيد بن جناد عن عطاء بن مسلم أحسبه قال: كنت وأبو إسحاق ذات ليلة عند سفيان وهو مضطجع فرفع رأسه إلي أبي إسحاق فقال: إياك والشهرة. (ص130)
قال أبو مُسْهِر: [ما] بينك وبين أن تكون من الهالكين إلا أن تكون من المعروفين. (ص130)
قال ابن أبي الدنيا: حدثني الحسن بن عبد الرحمن قال: قال بشر بن الحارث: لا أعلم رجلاً أحب أن يعرف إلا ذهب دينه وافتضح؛ قال: وقال بشر بن الحارث: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس. (ص130)
عن عبد الله بن مرزوق قال: استشرت سفيان الثوري فقلت: أين تراني أنزل؟ قال: بمر الظهران حيث لا يعرفك إنسان. (ص131)
انتهى ما أردت نقله هنا من كتاب (التواضع والخمول) لابن أبي الدنيا.
وقال ابن الجوزي في (منهاج القاصدين) كما في (مختصر منهاج القاصدين) لابن قدامة (ص478) وهو في صدد بيان مجارى الفكر وثمراته:
(واعلم أن الفكر قد يجرى فى أمر يتعلق بالدين، وقد يجرى فى أمر يتعلق بغيره، وإنما عرضنا ما يتعلق بالدين، وشرح ذلك يطول؛ فلينظر الإنسان فى أربعة أنواع : الطاعات، والمعاصي، والصفات المهلكات، والصفات المنجيات، فلا تغفل عن نفسك، ولا عن صفاتك المباعدة عن الله، والمقربة إليه .
وينبغى لكل مريد أن تكون له جريدة يثبت فيها جملة الصفات المهلكات، وجملة الصفات المنجيات، وجملة المعاصي والطاعات، ويعرض ذلك على نفسه كل يوم .
ويكفيه من المهلكات النظر فى عشرة، فإنه إن سلم منها سلم من غيرها، وهى :
البخل، والكبر، والعجب، والرياء، والحسد، وشدة الغضب، وشره الطعام، وشره الوقاع، وحب المال، وحب الجاه .
ومن المنجيات عشرة : الندم على الذنوب، والصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، والشكر على النعماء، واعتدال الخوف والرجاء، والزهد فى الدنيا، والإخلاص فى الأعمال، وحسن الخلق مع الخلق، وحب الله تعالى، والخشوع .
فهذه عشرون خصلة : عشرة مذمومة، وعشرة محمودة، فمتى كفى من المذمومات واحدة خط عليها فى جريدته، وترك الفكر فيها، وشكر الله تعالى على كفايته إياها .
وليعلم أن ذلك لم يتم إلا بتوفيق الله تعالى وعونه، ثم يقبل على التسعة الباقية، وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع .
وكذلك يطالب نفسه بالاتصاف بالصفات المنجيات، فإذا اتصف بواحدة منها، كالتوبة والندم مثلاً، خط عليها واشتغل بالباقي، وهذا يحتاج إليه المريد المشمر .
فأما أكثر الناس من المعدودين فى الصالحين، فينبغي أن يثبتوا فى جرائدهم المعاصي الظاهرة، كأكل الشبهات، وإطلاق اللسان بالغيبة والنميمة، والمراء، والثناء على النفس، والإفراط فى موالاة الأولياء، ومعاداة الأعداء، والمداهنة فى ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ فإن أكثر من يعد نفسه من جوه الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي فى جوارحه.
ومالم تطهر الجوارح من الآثام، لا يمكن الاشتغال بعمارة القلب وتظهيره .
وكل فريق من الناس يغلب عليهم نوع من هذه الأمور، فينبغي أن يكون تفقدهم لها وتفكيرهم فيها .
مثاله: العالم الورع؛ فإنه لا يخلو فى غالب الأمر من إظهار نفسه بالعلم، وطلب الشهرة، وانتشار الصيت، إما بالتدريس، أو بالوعظ .؛ ومن فعل ذلك، فقد تصدى لفتنة عظيمة لا ينجو منها إلا الصديقون ؛ وربما ينتهي العلم بأهل العلم إلى أن يتغايروا كما تتغاير النساء، وكل ذلك من رسوخ الصفات المهلكات فى سر القلب التي يظن العالم النجاة منها، وهو مغرور فيها .
ومن أحسَّ من نفسه هذه الصفات، فالواجب عليه الانفراد والعزلة، وطلب الخمول والمدافعة للفتاوى، فقد كان الصحابة يتدافعون الفتاوى، وكل منهم يود لو أن أخاه كفاه ؛ وعند هذا ينبغي أن يتقي شياطين الإنس، فإنهم قد يقولون : هذا سبب لاندراس العلم، فليقل لهم : دين الإسلام مستغنٍ عنّي، ولو مت لم ينهدم الإسلام، وأنا غير مستغن عن إصلاح قلبي، فليكن فكر العالم فى التفطن لخفايا هذه الصفات من قلبه، نسأل الله أن يصلح فساد قلوبنا وأن يوفقنا لما يرضيه عنا ).(2/252)
. (التواضع والخمول ص119)
الثبات على الحق وأخذ الدين بقوة
وعدم المبالاة بالناس في الحق
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل له: أما بعدُ فالزمِ الحقَّ يُنزِلْك الحقُّ منازلَ أهلِ الحقِّ يومَ لا يُقضَى بين الناسِ إلا بالحقِّ وهم لا يُظلمون. (5/307)
قال إبراهيم: كانوا يكرهون التلون في الدين. (الصمت ص293)
قال سفيان: لما أراد الحجاج أن يقتل فضيل بن بزوان قال: ألم استعملك؟ قال: بل استعبدتني؛ قال: ألم أكرمك؟ قال: بل أهنتني؛ قال: لأقتلنك! قال: بغير ذنب ولا فساد؛ قال: لأقتلنك، قال: إذاً أخاصمك؛ قال: إذاً أخصمك، قال: الحَكَم يومئذ غيرك؛ قال: لا تذوق الماء أبداً، قال: إذاً أسبقك إليه. (رك ص235)(2/253)
قال العلاء بن كريز: بينما سليمان بن عبد الملك جالس إذ مر به رجل عليه ثياب يخيل في مشيته فقال: هذا ينبغي أن يكون عراقياً وينبغي أن يكون كوفياً، وينبغي أن يكون من همدان؛ ثم قال: علي بالرجل فأتى به فقال: ممن الرجل؟ فقال: ويلك دعني حتى ترجع إلي نفسي، قال: فتركه هنيهة ثم سأله ممن الرجل؟ فقال: من أهل العراق، قال: من أيهم؟ قال: من أهل الكوفة، قال: أي أهل الكوفة؟ قال: من همدان، فازداد عجباً، فقال: ما تقول في أبي بكر؟ قال: والله ما أدركت دهره ولا أدرك دهري، ولقد قال الناس فيه فأحسنوا وهو إن شاء الله كذلك، قال: فما تقول في عمر؟ فقال مثل ذلك، قال: فما تقول في عثمان؟ قال: والله ما أدركت دهره ولا أدرك دهري ولقد قال فيه ناس فأحسنوا وقال فيه ناس فأساؤا وعند الله علمه(1)، قال: فما تقول في علي؟ قال: هو والله مثل ذلك؛ قال: سُبَّ علياً قال: لا أسبه، قال: والله لتسبنه! قال: والله لا أسبه، قال: والله لتسبنه أو لأضربن عنقك!! قال: والله لا أسبه؛ قال: فأمر بضرب عنقه فقام رجل في يده سيف فهزه حتى أضاء في يده كأنه خوصة فقال: والله لتسبنه أو لأضربن عنقك؛ قال: والله لا أسبه ثم نادى: ويلك يا سليمان ادنني منك، فدعا به فقال: يا سليمان أما ترضى مني بما رضي به من هو خير منك ممن هو خير مني فيمن هو شر من علي؟! قال: وما ذاك؟! قال: الله رضي من عيسى وهو خير مني إذ قال في بني اسرائيل وهم شر من علي: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(2)؛ قال: فنظرت الى الغضب ينحدر من وجهه حتى صار في طرف أرنبته ثم قال: خليا سبيله فعاد إلى مشيته فما رأيت رجلاً قط خيراً من ألف رجل غيره، وإذا هو طلحة بن مصرف. (5/16)
__________
(1) عن موسى الجهني قال: سمعت طلحة بن مصرف يقول: قد قلت في عثمان ويأبى قلبي إلا أن يحبه. (5/19)
(2) المائدة (118).(2/254)
قال أبو مسلم الخولاني: ما عملت عملاً أبالي من رآه إلا أن يخلو الرجل بأهله أو يقضي حاجة غائط(1). (صف4/209)
قال مالك بن دينار: استُعْمِلَ هرم بن حيان فظن أن قومَه سيأتونَه(2)، فأمر بنارٍ فأوقدت بينه وبين من يأتيه من القوم، فجاءه قومُه يسلمونَ عليه من بعيد، فقال: مرحباً بقومي، ادنوا! قالوا: والله ما نستطيع أن ندنو منك! لقد حالت النار بينا وبينك! قال: وأنتم تريدون أن تُلْقوني في نار أعظم منها، في نار جهنم! قال: فرجعوا. (2/120)
قال عبيد بن عمير الليثي: آثروا الحياء من الله على الحياء من الناس. (3/268)
الحرص على الدين
قال شميط بن عجلان: رأس مال المؤمن دينه حيث ما زال زال معه دينه، لا يخلفه في الرحال ولا يأمن عليه الرجال. (3/127)
قال وهْب بن منبه: قرأتُ في بعضِ الكتبِ: ابنَ آدمَ احتلْ لدينِك(3) فإنَّ رزْقَك سيأتيك. (4/72)
قال أبو خالد الأحمر: كان عمرو يقول: إذا سمعت بالخير فاعمل به ولو مرة واحدة. (5/102)
قال الأوزاعي: ربما سمعتُ بلالاً [بن سعد] يقولُ: لكأنّا قومٌ لا يعقلونَ، ولكأنّا قومٌ لا يوقنون! (5/227)
وعظ أبو حازم سليمانَ بنَ هشام بن عبدِ الملك(4)، فقالَ في بعضِ قولِهِ: ما رأيتُ يقيناً لا شكَّ فيهِ أشبَهَ بشكٍّ لا يقينَ فيهِ من شيءٍ نحنُ فيه(5). (3/232)
__________
(1) وذلك لحسن معرفته بالله تعالى وكمال تعظيمه لشرعه، ولمعرفته بحقيقة الناس وعدم مبالاته بأحكامهم عليه إذا كانت مخالفة للشرع؛ وهذه رتبة من لا تأخذه في الله لومة لائم.
(2) أي طلباً للهدايا والاستعمال ونحوهما من المصالح الدنيوية.
(3) لا لرزقك.
(4) في الأصل: (سليمان بن عبد الملك بن هشام)، وليس بمستقيم؛ والصواب (سليمان بن عبد الملك بن مروان)، أو ما أثبتُّه، وهو الأرجح.
(5) يعني أن الموت والقيامة والبعث والحساب والجنة والنار ونحو ذلك حقٌ لا ريب فيه ولكن من نظر إلى أعمال الناس ظنَّ أنَّ تلك الحقائق عندهم شكٌّ لا يقين فيه.(2/255)
قال الحسن البصري: ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه، من أمر نحن فيه(1). (البيان والتبيين 3/163)
حب الله تعالى والحب فيه
قال الحسن: من عرف ربه أحبه ومن أبصر الدنيا زهد فيها والمؤمن لا يلهو حتى يغفل وإذا تفكر حزن. (الهم والحزن ص69)
قال عبد الله بن المبارك: حدثنا سفيان قال: كتب إلي الحجاج بن فرافصة قال: قال بديل: من عرف ربه أحبه، ومن أحبه ترك الدنيا وزهد فيها، والمؤمن لا يلهو حتى يغفل وإن تفكر حزن. (3/108)
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عبد الله بن أبي زكريا كان يقول: لو خيرت بين أن أعمر مئة سنة في طاعة الله أو أن أقبض في يومي هذا أو في ساعتي هذه لاخترت أن أقبض شوقاً إلى الله عزوجل وإلى رسوله وإلى الصالحين من عباده. (صف4/216-217)
قال حبيب بن عبيد: كان دليجة إذا مشى طاشت قدماه من العبادة فقيل له: ما شأنك؟ فقال: الشوق؛ فقيل له: أبشر فإن الأمير قد بعث إلى سرح المسلمين ليأذن لهم؛ فيقول دليجة: ليس شوقي إلى ذلك؛ إن شوقي إلى من يحثها (6/102)
صفة الجنة والترغيب فيها(2)
قال الحسن: ما حليت الجنة لأمة ما حليت لهذه الأمة، ثم لا ترى لها عاشقاً! (السير 4/578)
قال الحسن في قول الله تعالى (حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)(3) قال: محبوسات ليس بالطوافات في الطرق؛ والخيام: الدر المجوف. (رك ص511)
__________
(1) وقد ورد هذا الأثر في أدب الدنيا والدين منسوباً إلى عمر بن عبد العزيز.
(2) جاء في (مختصر منهاج القاصدين) (ص359):
(أما الغاية فهي سعادة الآخرة، ويرجع حاصلها إلى أربعة أمور: بقاء لا فناء له، وسرور لا غم فيه، وعلم لا جهل معه، وغنى لا فقر بعده [وعزٌّ لا ذُل يصحبه وأمن لا خوف يعقبه] وهي السعادة الحقيقية)؛ انتهى وقد زدت مابين الحاصرتين.
(3) الرحمن (72).(2/256)
ذكر الحسن هذه الآية (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) فقال: علموا والله أن كل نعيم بعده الموت أنه يقطعه فقالوا: (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)(1)؟ قيل: لا، قالوا: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(2). (رك ص78)
قال الحسن في قوله تعالى (مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ)(3): هي أبواب تُكَلَّم فتَكَلَّم: انفتحي انغلقي. (زاد المسير 7/148)
قال الحسن في قوله تعالى: (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً)(4): النضرة في الوجوه، والسرور في القلوب. (زاد المسير 8/435)
قال الحسن: إن الله عز وجل ليتجلى لأهل الجنة؛ فإذا رآه أهل الجنة نسوا نعيم الجنة. (التصديق بالنظر ص30 وشرح حديث لبيك ص88)
قال الحسن: لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم عز وجل في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا. (السنة لعبد الله 1/263 و2/471 و ص494 والتصديق بالنظر ص30 وشرح حديث لبيك ص89 والاستقامة 2/100 والصواعق المرسلة 4/1454)
قال الحسن في قوله عز وجل (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)(5): الناضرة الحسنة، حسنها الله بالنظر إلى ربها عز وجل، وحقَّ لها أن تنضر وهي تنظر إلى ربها جل جلاله. (السنة لعبد الله 1/261 و 2/456 و ص497)
كان هرم بن حيان يقول: ما رأيت مثلَ الجنة نام طالبها، ولا مثلَ النارِ نام هاربها، وكان يقول: أخرجوا من قلوبكم حب الدنيا وأَدخلوا قلوبكم حب الآخرة. (2/119)
قال محمد بن الحنفية: إنَّ اللهَ تعالى جعلَ الجنةَ ثمناً لأنفسِكم فلا تبيعوها بغيرِها. (3/177 وجامع العلوم والحكم ص221)
__________
(1) الصافات (58-59).
(2) الصافات (60).
(3) سورة ص (50).
(4) الإنسان (11).
(5) القيامة (22-23).(2/257)
قيل لمحمد بن الحنفية: من أعظم الناس قدراً؟ قال: من لم يَرَ الدنيا كلَّها لنفسهِ خطراً، إنه ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها(1). (ذم الدنيا 318 و محاسبة النفس ص104 وانظر الحلية 3/177 ومحاسبة النفس ص69 وأدب الدنيا والدين ص233 وجامع العلوم والحكم ص221)
قالَ بلالٌ بن سعد: عبادَ الرحمنِ هل جاءكم مخبرٌ يخبرُكم أنَّ شيئاً من أعمالِكم تُقُبِّلَ منكم أو شيئاً من خطاياكم غُفِرَ لكم؟! (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)(2)؛ واللهِ لو عُجِّلَ لكم الثوابُ في الدنيا لاستقللتم كلَّكم ما افتُرِضَ عليكم! أفترغبون في طاعةِ الله بتعجيلِ دنيا تفنى عن قريبٍ ولا ترغبونَ ولا تَنَافَسونَ في جنةٍ (أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ)(3). (5/231-232)
مر الربيع بن أبي راشد برجلٍ به زمانةٌ فجلسَ يحمدُ اللهَ ويبكي! فمرَّ بهِ رجلٌ فقالَ: ما يُبكيكَ رحمكَ الله؟! قالَ: ذكرتُ أهلَ الجنةِ وأهلَ النارِ، فشبهتُ أهلَ الجنةِ بأهلِ العافيةِ وأهلَ النارِ بأهلِ البلاء؛ فذلك الذي أبكاني. (الشكر ص33 والحلية 5/78)
قال حميد بن هلال: ذكر لنا أن الرجل إذا دخل الجنة فصور صورة أهل الجنة وألبس لباسهم وحلي حلاهم ورأى أزواجه وخدمه ومساكنه في الجنة يأخذه سوار فرح لو كان ينبغي أن يموت لمات فرحاً فيقال له: أرأيت سوار فرحتك هذه فإنها قائمة لك أبداً. (صف3/259)
__________
(1) قال ابن رجب في كتابه القيم النفيس (جامع العلوم والحكم) (ص221): (من كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قدر؛ --- وأنشد بعض المتقدمين:
أثامن بالنفس النفيسة ربها-------وليس لها في الخلق كلهم ثمن
بها تملك الأخرى فإن أنا بعتها---بشيء من الدنيا فذاك هو الغبن
لئن ذهبت نفسي بدنيا أصيبها-- لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن).
(2) المؤمنون (115).
(3) الرعد (35).(2/258)
النار وأهوالها
قال الحسن وقتادة في قوله (لا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ)(1): لا بارد المدخل ولا كريم المنظر. (التخويف من النار ص82)
قال الحسن في قوله تعالى (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا)(2): تُنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. (رك ص95 والمصنف 7/52، وانظر الزهد ص269 والتخويف من النار ص127 والشعب 1/352 والبعث).
قال الحسن: لو أن دلواً من صديد جهنم دُلّي من السماء فوجد أهلُ الأرضِ ريحَه لأفسد عليهم الدنيا. (المصنف 7/52)
قال الحسن: إن النار ترميهم(3) بلهبها، حتى إذا كانوا في أعلاها ضُربوا بمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفير لهبها، فلا يستقرون ساعة. (زاد المسير 5/417)
قال الحسن في قوله تعالى (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً)(4): علموا إن كل غريم مفارق غريمه إلا غريم جهنم. (المصنف 7/188)
قال موسى بن عبيدة: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: إن الله يسأل أهل النار عن النعمة فلم يردوا إليه منها شيئاً فأدخلهم النار فقال: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً)(5). (فضيلة الشكر ص60)
قال الحسن في قوله تعالى: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً)(6): عطاشاً(7). (زهد هناد 1/185)
__________
(1) الواقعة (44).
(2) النساء (56).
(3) لعلها محرفة عن (ترفعهم) أو هي محفوظة ولكنها بمعنى (ترفعهم).
(4) الفرقان (65).
(5) الفرقان (65).
(6) مريم (86).
(7) قال ابن الجوزي في (زاد المسير) (9/96):
(قوله تعالى (تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً) [الغاشية 4]، قرأ أهل البصرة وعاصم إلا حفصاً (تُصْلَى) بضم التاء، والباقون بفتحها؛ قال ابن عباس: قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله؛ (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) [الغاشية 5]، أي متناهية في الحرارة؛ قال الحسن: وقد أوقدت عليها جهنم منذ خلقت، فدُفعوا إليها ورداً، عطاشاً).(2/259)
قال الحسن: لما ذكر الله تعالى العذاب الذي يكون في الدنيا قال: (وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ)(1) أي وآخر لم ير في الدنيا. (زاد المسير 7/151)
قال الحسن: كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حره حتى لا يكون شيء أحر منه: قد آن حره، فقال الله عز وجل: (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ)(2) يقول: قد أوقد الله عليها جهنم منذ خلقت وآن حرها(3). (التخويف من النار ص110-111)
قال الحسن: نفسك يا ابن آدم فكايس عنها، فإنك إن وقعت في النار لم تنجبر أبداً. (رك ص545 و محاسبة النفس 74)
قال الحسن: إنما تقوم الساعة في غضبة يغضبها الرب. (السنن الواردة في الفتن 6/1288)
قال الحسن في هذه الآية (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً)(4) قال: أما الاحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار، ولكن قد ذكروا أن الحقب الواحد سبعون ألف سنة في كل يوم من ذلك السبعين، ألف سنة مما تعدون. (الزهد ص288)
قال أيوب عن الحسن: ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى انقطعت أعناقهم عطشاً واحترقت أجوافهم جوعاً ثم انصرف بهم إلى النار فيسقون من عين آنية قد آن حرها واشتد نضجها؟! (التخويف من النار ص145)
قال الحسن: إن جهنم ليغلي عليها من الدهر إلى يوم القيامة يحمي طعامها وشرابها وأغلالها؛ ولو أن غلاً منها وضع على الجبال لقصمها إلى الماء الأسود؛ ولو أن ذراعاً من السلسلة وضع على جبل لرضه؛ ولو أن جبلاً كان بينه وبين عذاب الله عز وجل مسيرة خمسمئة عام لذاب ذلك الجبل؛ وإنهم ليجمعون في السلسلة من آخرهم فتأكلهم النار وتبقى الأرواح. (التخويف من النار ص95)
__________
(1) سورة ص (58).
(2) الغاشية (5).
(3) وعن الحسن قال: إن طبخها منذ خلق السماوات والأرض. (التخويف من النار ص111)
(4) النبأ (23).(2/260)
قال الحسن في موعظته: أذكرك الله ما رحمت نفسك فإنك قد حذرت ناراً لا تطفأ، يهوي فيها من صار إليها، ويتردد بين أطباقها، قرين شيطان ولزيق حجر، يتلهب في وجهه شعلها (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا)(1). (التخويف من النار ص100)
قال الحسن في قوله عز وجل (ِإِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ)(2): أُنبئنا أن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار أنهم أعجزوا الرب تبارك وتعالى؛ ولكن كلما طفا بهم اللهب ارسبتهم النار(3)---. (الزهد ص270 وانظر المصنف 7/55 والتخويف من النار ص93)
قال الحسن: إن من أعظمِ نعم الله على خلقه أن خلق لهم النار تحُوشُهم إلى الجنة. (البصائر والذخائر 1/241)
قال الأوزاعي: سمعتُ بلالَ بنَ سعدٍ يقولُ - وذكرَ الغساقَ – فقالَ: لو أنَّ قطعةً منه وقعت إلى الأرضِ لأنتنتْ ما فيها(4). (5/225)
قال سويد بن غفلة: إذا أراد الله أن ينسى أهل النار جعل لكل واحد منهما تابوتاً من نار على قدره ثم أقفل عليهم بأقفال من نار فلا يضرب فيهم عرق إلا وفيه مسمار من نار ثم يجعل ذلك التابوت في تابوت آخر من نار ثم يقفل عليه بأقفال من نار ثم تضرم بينهما نار ثم يجعل ذلك في تابوت آخر من نار ثم يقفل بأقفال من نار ثم تضرم نار فلا يرى أحد منهم أن في النار غيره. (صف3/22)
الزهد بالنساء
قال شميط بن عجلان: رحمَ الله رجلاً تبَلَّغَ بامرأةٍ وان كانت نصفاً وكان في وجهها رداءة، إن كان موقناً بنساء أهل الجنة. (3/130)
__________
(1) فاطر (36).
(2) غافر (71).
(3) جاء في (لسان العرب) (1/418): (قال الحسن يصف أهل النار: إذا طفت بهم النار أرسبتهم الأغلال أي إذا رفعتهم وأظهرتهم حطتهم الأغلال بثقلها إلى أسفلها).
(4) وقال في رواية أخرى عنه: لو أن دلواً من الغساق وضع على الأرض لمات من عليها. (5/225)(2/261)
قال عبد الملك بن هانىء: خطب زبيد إلى طلحة ابنته فقال له: إنها قبيحة! فقال: قد رضيت؛ قال: إن بعينيها أثراً! قال: قد رضيت. (5/17-18)
قيل لمالك بن دينار: ألا تتزوج؟ فقال: لو استطعت لطلقت نفسي(1). (2/365)
قال محمد بن واسع: أربع يُمتْنَ القلبَ: الذنب على الذنب؛ وكثرة مثافنة النساء وحديثهن؛ وملاحاة الأحمق، تقول له ويقول لك؛ ومجالسة الموتى؛ قيل: وما مجالسة الموتى؟ قال: مجالسة كل غني مترف وسلطان جائر. (2/351)
طاعة النساء
قال الحسن: والله ما أصبح اليوم رجل يطيع إمرأته إلا كبه الله في النار على وجهه. (الزهد ص280 والكبائر ص134-135)
قال مالك بن دينار: ينطلق أحدكم فيتزوج ديباجة الحرم يعني أجمل الناس أو ينطلق إلى جارية قد سمنها أبوها كأنها زبدة فيتزوجها فتأخذ بقلبه فيقول لها: أي شيء تريدين؟ فتقول: خمار خز، وأي شيء تريدين؟ فتقول: كذا وكذا؛ قال مالك: فتمرط والله دين ذلك القارىء؛ ويدع أن يتزوجها يتيمة ضعيفة فيكسوها فيؤجر ويدهنها فيؤجر. (صف3/275)
فتنة النساء
قال علي بن زيد: قال سعيدٌ بن المسيب: ما أيِسَ الشيطانُ من شيءٍ إلا أتاه مِن قِبَلِ النساء! وقال: أخبرنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: ما شيء أخوف عندي من النساء(2). (2/166)
قال سعيد بن جبير: لأَنْ أؤتَمَنَ على بيتٍٍ من الدرِّ أحبُّ إليَّ منْ أنْ أؤتمنَ على امرأةٍ حسناء. (4/276)
قال ميمون بن مهران: لأن أؤتمنَ على بيتِ المالِ أحبُّ إليَّ من أنْ أؤتمنَ على امرأة. (4/85)
__________
(1) يظهر أن هذا كان بعد وفاة زوجِهِ أم يحيى.
(2) قال سعيد: قد بلغت ثمانين سنة، وما شيء أخوف عندي من النساء؛ وكان بصره قد ذهب. (2/166)(2/262)
عن أبي بكر بن عياش وذكر مسلم بن يسار وقال: حدثني العذري عنه قال: حج مسلم فوالله إنه قاعد في بيته يعالج شيئاً يعني من طعامه إذ جاءته امرأة فقالت له شيئاً فتناول شيئاً فأعطاها(1) فقالت: ليس هذا طلبت إنما طلبت ما تطلب المرأة من زوجها! فقال بكل شيء في يده فطرحه ثم خرج يشتد فلما خرج قال: يا رب ليس لهذا جئت أنا ها هنا. (2/293)
قال مالك بن دينار: مكتوبٌ في التوراة: مَثلُ امرأةٍ حسناءَ لا تُحْصِن فرجَها كمثل خنزيرة على رأسها تاج وفي عنقها طوق من ذهب، يقول القائل: ما أحسنَ هذا الحلي وأقبح هذه الدابة. (2/376)
النظر إلى النساء
قال الحسن: كانوا يقولون: ابن ادم النظرة الاولى تعذر فيها فما بال الاخرة؟! (الزهد ص283)
قال العلاء بن زياد: لا تتبع بصرك رداء المرأة فان النظر يجعل في القلب شهوة. (2/244)
قال الحسن: إن استطعت أن لا تنظر إلى شعر أحد من أهلك إلا أن يكون أهلك أو صبية فافعل. (الأدب المفرد ص134)
خرج حسان بن أبي سنان الى العيد فقيل له لما رجع: يا أبا عبد الله ما رأينا عيداً أكثرَ نساءً منه!! قال: ما تلقتني امرأة حتى رجعت. (3/115)
قال عمرو بن مرة: ما أحب أني بصير إني أذكر أني نظرت نظرة وأنا شاب(2). )صف3/106 والورع 62)
__________
(1) كان مسلم لا يرد سائلاً. (الزهد ص248)
(2) قال عمرو بن مرة: نظرت إلى امرأة فأعجبتني فكف بصري فأرجو أن يكون ذلك كفارة. (صف3/106)(2/263)
قال أبو عبيدة: كان عبد الله يقول للربيع: ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين وكان الربيع إذا أتى عبد الله لم يكن عليه إذن حتى يفرغ كل واحد منهما من صاحبه وكان الربيع إذا جاء إلى باب عبد الله يقول للجارية: من بالباب؟ فتقول الجارية: ذاك الشيخ الأعمى(1). (صف3/59-60)
قال حميد بن هلال: كان منا رجل يقال له الأسود بن كلثوم، وكان إذا مشى لا يجاوز بصره قدميه فكان يمر بالنسوة وفي الجُدُر(2) يومئذ قصر ولعل إحداهن أن تكون واضعة ثوبها أو خمارها؛ فإذا رأينه راعهن، ثم يقلن: كلا، إنه الأسود بن كلثوم! فلما قرب غازياً قال: إن نفسى هذه تزعم في الرخاء أنها تحب لقاءك فإن كانت صادقة فارزقها ذلك، وإن كانت كارهة فاحملها عليه وإن كرهت، وأطعم لحمي سباعاً وطيراً، فانطلق في خيل فدخلوا حائطاً فنذر بهم العدو فجاءوا فأخذوا بثلمة الحائط فنزل الأسود عن فرسه فضربها حتى عادت(3) فخرج وأتى الماء فتوضأ ثم صلى، قال: يقول العجم: هكذا استسلام العرب إذا استسلموا؛ ثم تقدم فقاتل حتى قتل؛ قال: فمر الجيش بعد ذلك بذلك الحائط فقيل لأخيه: لو دخلت فنظرت ما بقي من عظم أخيك ولحمه؟! قال: لا، دعا أخي بدعاء فاستجيب له فلست أعرض في شيء من ذلك. (صف3/291 ومحاسبة النفس ص70)
__________
(1) عن حماد بن أبي سليمان قال: كان عبد الله بن مسعود إذا نظر إلى الربيع بن خثيم قال: مرحباً، قال: أبا يزيد لو رآك رسول الله لأحبك ولأوسع لك إلى جنبه ثم يقول: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) [الحج 34]. (صف3/60)
(2) جمع جدار.
(3) أي رجعت وحدها.(2/264)
الرؤيا(1)
__________
(1) قال البخاري في صحيحه (6/2574): (باب القيد في المنام: 6614- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ عَوْفًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ؛ وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ؛ وَمَا كَانَ مِنْ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْذِبُ)؛ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: الرُّؤْيَا ثَلاثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنْ اللَّهِ؛ فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ؛ وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ؛ قَالَ: وَكَانَ يُكْرَهُ الْغُلُّ فِي النَّوْمِ؛ وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ الْقَيْدُ؛ وَيُقَالُ: الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ.
وَرَوَى قَتَادَةُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَأَبُو هِلَالٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّهُ فِي الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ؛ وَقَالَ يُونُسُ: لا أَحْسِبُهُ إِلا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْقَيْدِ؛ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: لا تَكُونُ الأغْلالُ إِلا فِي الأَعْنَاقِ).
قال ابن حجر في (فتح الباري) شارحاً هذا الباب:
(قوله " باب القيد في المنام"، أي من رأى في المنام أنه مقيد ما يكون تعبيره ؟ وظاهر إطلاق الخبر أنه يعبر بالثبات في الدين في جميع وجوهه؛ لكن أهل التعبير خصوا ذلك بما إذا لم يكن هناك قرينة أخرى كما لو كان مسافراً أو مريضاً فإنه يدل على أن سفره أو مرضه يطول.
وكذا لو رأى في القيد صفة زائدة كمن رأى في رجله قيداً من فضة فإنه يدل على أنه يتزوج.
وإن كان من ذهب فإنه لأمر يكون بسبب مال يتطلبه.
وإن كان من صفر فإنه لأمر مكروه أو مال فات.
وإن كان من رصاص فإنه لأمر فيه وهن.
وإن كان من حبل فلأمر في الدين.
وإن كان من خشب فلأمر فيه نفاق.
وإن كان من حطب فلتهمة.
وإن كان من خرقة أو خيط فلأمر لا يدوم ).
ثم شرح الحديث فقال:
قوله ( حدثنا عبد الله بن صباح ) بفتح المهملة وتشديد الموحدة هو العطار بالبصري، وتقدم في الصلاة في " باب السمر بعد العشاء " حدثنا عبد الله بن الصباح، ولبعضهم عبد الله بن صباح كما هنا، ولأبي نعيم هنا من رواية محمد بن يحيى بن منده حدثنا عبد الله بن الصباح، وفي شيوخ البخاري ابن الصباح ثلاثة : عبد الله هذا ومحمد والحسن، وليس واحد منهم أخا الآخر .
قوله ( حدثنا معتمر ) هو ابن سليمان التيمي، وعوف هو الأعرابي .
قوله ( إذا اقترب الزمان لم يكد رؤيا المؤمن تكذب ) كذا للأكثر، ووقع في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بتقديم تكذب على رؤيا المؤمن، وكذا في رواية محمد بن يحيى، وكذا في رواية عيسى بن يونس عن عوف عند الإسماعيلي.
قال الخطابي في "المعالم " : في قوله "إذا اقترب الزمان " قولان :
أحدهما أن يكون معناه تقارب زمان الليل وزمان النهار، وهو وقت استوائهما أيام الربيع، وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع غالباً، وكذلك هو في الحديث، والمعبرون يقولون : أصدق الرؤيا ما كان وقت اعتدال الليل والنهار، وإدراك الثمار، ونقله في "غريب الحديث " عن أبي داود السجستاني؛ ثم قال : والمعبرون يزعمون أن أصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انفتاق الأزهار وإدراك الثمار، وهما الوقتان اللذان يعتدل فيهما الليل والنهار.
والقول الآخر: أن اقتراب الزمان انتهاء مدته إذا دنا قيام الساعة .
قلت : يبعد الأول التقييد بالمؤمن، فإن الوقت الذي تعتدل فيه الطبائع لا يختص به؛ وقد جزم ابن بطال بأن الأول [كذا، والصواب الثاني] هو الصواب، واستند إلى ما أخرجه الترمذي من طريق معمر عن أيوب في هذا الحديث بلفظ " في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً " ؛ قال: فعلى هذا فالمعنى: إذا اقتربت الساعة وقبض أكثر العلم ودرست معالم الديانة بالهرج والفتنة فكان الناس على مثل الفترة محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين كما كانت الأمم تذكر بالأنبياء، لكن لما كان نبينا خاتم الأنبياء وصار الزمان المذكور يشبه زمان الفترة عوضوا بما منعوا من النبوة بعده بالرؤيا الصادقة التي هي جزء من النبوة الآتية بالتبشير والإنذار؛ انتهى .
ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه من طريق الأوزاعي عن محمد ابن سيرين بلفظ "إذا قرب الزمان ".
وأخرج البزار من طريق يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين بلفظ "إذا تقارب الزمان ".
وسيأتي في كتاب الفتن من وجه آخر عن أبي هريرة "يتقارب الزمان ويرفع العلم " الحديث، والمراد به اقتراب الساعة قطعا ً.
[قلت: هذه الأحاديث إذا لم تكن ثابتة فإنها لا تصلح لتأييد أحد القولين].
وقال الداودي : المراد بتقارب الزمان نقص الساعات والأيام والليالي انتهى .
ومراده بالنقص سرعة مرورها، وذلك قرب قيام الساعة كما ثبت في الحديث الآخر عند مسلم وغيره "يتقارب الزمان، حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة ".
وقيل: إن المراد بالزمان المذكور زمان المهدي عند بسط العدل وكثرة الأمن وبسط الخير والرزق، فإن ذلك الزمان يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه.
وأما قوله "لم تكد إلخ " فيه إشارة إلى غلبة الصدق على الرؤيا، وإن أمكن أن شيئاً منها لا يصدق، والراجح أن المراد نفي الكذب عنها أصلاً لأن حرف النفي الداخل على "كاد " ينفي قرب حصوله، والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه؛ ذكره الطيبي .
وقال القرطبي في "المفهم " : والمراد والله أعلم بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث زمان الطائفة الباقية مع عيسى بن مريم بعد قتله الدجال، فقد ذكر مسلم في حديث عبد الله بن عمر ما نصه "فيبعث الله عيسى بن مريم فيمكث في الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضه " الحديث، قال : فكان أهل هذا الزمان أحسن هذه الأمة حالاً بعد الصدر الأول وأصدقهم أقوالاً، فكانت رؤياهم لا تكذب، ومن ثم قال عقب هذا: "وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً "؛ وإنما كان كذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فانتقشت فيه المعاني على وجه الصحة، وكذلك من كان غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه فلا يرى إلا صدقاً؛ وهذا بخلاف الكاذب والمخلط، فإنه يفسد قلبه ويظلم فلا يرى إلا تخليطاً وأضغاثاً، وقد يندر المنام أحياناً فيرى الصادق ما لا يصح ويرى الكاذب ما يصح، ولكن الأغلب الأكثر ما تقدم والله أعلم .
وهذا يؤيد ما تقدم أن الرؤيا لا تكون إلا من أجزاء النبوة إن صدرت من مسلم صادق صالح؛ ومن ثم قيد بذلك في حديث "رؤيا المسلم جزء " فإنه جاء مطلقاً مقتصراً على المسلم فأخرج الكافر، وجاء مقيداً بالصالح تارة، وبالصالحة وبالحسنة وبالصادقة، كما تقدم بيانه، فيحمل المطلق على المقيد، وهو الذي يناسب حاله حال النبي صلى الله عليه وسلم، فيكرم بما أكرم به النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو الاطلاع على شيء من الغيب.
فأما الكافر والمنافق والكاذب والمخلط وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات فإنها لا تكون من الوحي ولا من النبوة، إذ ليس كل من صدق ما يكون خبره ذلك نبوة، فقد يقول الكاهن كلمة حق، وقد يحدث المنجم فيصيب، لكن كل ذلك على الندور والقلة؛ والله أعلم .
وقال ابن أبي جمرة : معنى كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تكذب أنها تقع غالباً على الوجه الذي لا يحتاج إلى تعبير، فلا يدخلها الكذب، بخلاف ما قبل ذلك فإنها قد يخفى تأويلها فيعبرها العابر فلا تقع كما قال فيصدق دخول الكذب فيها بهذا الاعتبار.
قال : والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريباً كما في الحديث "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً " أخرجه مسلم، فيقل أنيس المؤمن ومعينه في ذلك الوقت فيكرم بالرؤيا الصادقة .
قال : ويمكن أن يؤخذ من هذا سبب اختلاف الأحاديث في عدد أجزاء النبوة بالنسبة لرؤيا المؤمن فيقال : كلما قرب الأمر وكانت الرؤيا أصدق حمل على أقل عدد ورد، وعكسه وما بين ذلك .
قلت : وتنبغي الإشارة إلى هذه المناسبة فيما تقدم من المناسبات.
وحاصل ما اجتمع من كلامهم في معنى قوله " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب " إذا كان المراد آخر الزمان ثلاثة أقوال :
أحدها: أن العلم بأمور الديانة لما يذهب غالبه بذهاب غالب أهله وتعذرت النبوة في هذه الأمة عوضوا بالرؤى الصادقة ليجدد لهم ما قد درس من العلم.
والثاني: أن المؤمنين لما يقل عددهم ويغلب الكفر والجهل والفسق على الموجودين يؤنس المؤمن ويعان بالرؤيا الصادقة إكراماً له وتسلية.
وعلى هذين القولين لا يختص ذلك بزمان معين بل كلما قرب فراغ الدنيا وأخذ أمر الدين في الاضمحلال تكون رؤيا المؤمن الصادق أصدق.
والثالث: أن ذلك خاص بزمان عيسى بن مريم.
وأولها أولاها، والله أعلم ).
ثم قال ابن حجر:
(قوله ( قال: وكان يقال: الرؤيا ثلاث إلخ ) قائل "قال " هو محمد بن سيرين، وأبهم القائل في هذه الرواية وهو أبو هريرة، وقد رفعه بعض الرواة ووقفه بعضهم----.
قوله ( حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله )----.
قلت : وليس الحصر مراداً من قوله "ثلاث " لثبوت نوع رابع في حديث أبي هريرة في الباب وهو حديث النفس، وليس في حديث أبي قتادة وأبي سعيد الماضيين سوى ذكر وصف الرؤيا بأنها مكروهة ومحبوبة أو حسنة وسيئة.
وبقي نوع خامس، وهو تلاعب الشيطان، وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر قال: "جاء أعرابي فقال : يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع فأنا أتبعه"؛ وفي لفظ " فقد خرج فاشتددت في أثره، فقال : لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام "؛ وفي رواية له "إذا تلاعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يخبر به الناس " .
ونوع سادس، وهو رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة، كمن كانت عادته أن يأكل في وقت فنام فيه فرأى أنه يأكل؛ أو بات طافحاً من أكل أو شرب، فرأى أنه يتقيأ، وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص .
وسابع وهو الأضغاث .
قوله ( فمن رأى شيئاً يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليصل )؛ زاد في رواية هوذة " فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها لمن يشاء، وإذا رأى شيئاً يكرهه " فذكر مثله .
ووقع في رواية أيوب عن محمد بن سيرين "فيصل ولا يحدث بها الناس " ؛ وزاد في رواية سعيد بن أبي عروبة عن ابن سيرين عند الترمذي "وكان يقول لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح " ؛ وهذا ورد معناه مرفوعاً في حديث أبي رزين عند أبي داود والترمذي وابن ماجه "ولا يقصها إلا على وادٍّ، أو ذي رأي "؛ وقد تقدم شرح هذه الزيادة في " باب الرؤيا من الله تعالى " .
قوله ( قال: وكان يكره الغل في النوم، ويعجبهم القيد؛ وقال : القيد ثبات في الدين ) كذا ثبت هنا بلفظ الجمع في "يعجبهم " والإفراد في "يكره ويقول " قال الطيبي : ضمير الجمع لأهل التعبير، وكذا قوله "وكان يقال " قال المهلب : الغل يعبر بالمكروه لأن الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى ( إذ الأغلال في أعناقهم ) الآية، وقد يدل على الكفر، وقد يعبَّر بامرأة تؤذي .
وقال ابن العربي : إنما أحبوا القيد لذكر النبي صلى الله عليه وسلم له في قسم المحمود فقال: "قيد الإيمان الفتك " .
وأما الغل فقد كره شرعاً في المفهوم كقوله ( خذوه فغلوه)؛ (وإذ الأغلال في أعناقهم)، (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك)، (وغلت أيديهم ) .
وإنما جعل القيد ثباتاً في الدين لأن المقيد لا يستطيع المشي فضرب مثلاً للإيمان الذي يمنع عن المشي إلى الباطل .
وقال النووي : قال العلماء إنما أحب القيد لأن محله الرجل وهو كف عن المعاصي والشر والباطل، وأبغض الغل لأن محله العنق وهو صفة أهل النار .
وأما أهل التعبير فقالوا: إن القيد ثبات في الأمر الذي يراه الرائي بحسب من يرى ذلك له .
وقالوا: إن انضم الغل إلى القيد دل على زيادة المكروه، وإذا جعل الغل في اليدين حُمد لأنه كف لهما عن الشر، وقد يدل على البخل بحسب الحال .
وقالوا أيضا ً: إن رأى أن يديه مغلولتان فهو يخيل، وإن رأى أنه قيد وغل فإنه يقع في سجن أو شدة .
قلت : وقد يكون الغل في بعض المرائي محموداً كما وقع لأبي بكر الصديق؛ فأخرج أبو بكر بن أبي شيبة بسند صحيح عن مسروق قال: "مر صهيب بأبي بكر فأعرض عنه، فسأله فقال : رأيت يدك مغلولة على باب أبي الحشر، رجل من الأنصار، فقال أبو بكر : جمع لي ديني إلى يوم الحشر .
وقال الكرماني : اختلف في قوله وكان يقال: هل هو مرفوع أو لا؟ فقال بعضهم: من قوله "وكان يقال " إلى قوله " في الدين " مرفوع كله .
وقال بعضهم: هو كله كلام ابن سيرين، وفاعل " كان يكره " أبو هريرة .
قلت : أخذه من كلام الطيبي فإنه قال : يحتمل أن يكون مقولاً للراوي عن ابن سيرين، فيكون اسم كان ضميراً لابن سيرين، وأن يكون مقولاً لابن سيرين، واسم كان ضمير أبي هريرة أو النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن سيرين، وقال في آخره : لا أدري هو في الحديث أو قاله ابن سيرين ).
ثم قال:
قوله ( قال أبو عبد الله ) هو المصنف .
قوله ( لا تكون الأغلال إلا في الأعناق ) كأنه يشير إلى الرد على من قال : قد يكون الغل في غير العنق كاليد والرجل، والغل بضم المعجمة وتشديد اللام واحد الأغلال، قال : وقد أطلق بعضهم الغل على ما تربط به اليد، وممن ذكره أبو علي القالي وصاحب المحكم وغيرهما، قالوا : الغل جامعة تجعل في العنق أو اليد والجمع أغلال، ويد مغلولة جعلت في الغل، ويؤيده قوله تعالى ( غلت أيديهم ) كذا استشهد به الكرماني، وفيه نظر لأن اليد تغل في العنق وهو عند أهل التعبير عبارة عن كفهما عن الشر، ويؤيده منام صهيب في حق أبي بكر الصديق كما تقدم قريباً).
ثم قال: (قال القرطبي : هذا الحديث [يعني حديث القيد] وإن اختلف في رفعه ووقفه فإن معناه صحيح، لأن القيد في الرجلين تثبيت للمقيد في مكانه، فإذا رآه من هو على حالة كان ذلك دليلاً على ثبوته على تلك الحالة، وأما كراهة الغل فلأن محله الأعناق نكالاً وعقوبة وقهراً وإذلالاً، وقد يسحب على وجهه ويخر على قفاه فهو مذموم شرعاً وعادة، فرؤيته في العنق دليل على وقوع حال سيئة للرائي تلازمه ولا ينفك عنها، وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاص ارتكبها أو حقوق لازمة له لم يوفها أهلها مع قدرته، وقد تكون في دنياه كشدة تعتريه أو تلازمه ).
انتهى ما أردت نقله من كلام الحافظ ابن حجر في (الفتح).
وقال الطحاوي في (شرح معاني الآثار) (4/270): (وكانت الرؤيا إنما تعبَّر بالظن والتحري، وقد روى ذلك عن محمد بن سيرين، واحتج بقول الله عز وجل: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما)---).(2/265)
قال محمدُ بنُ سيرينَ: إذا اتقى اللهَ العبدُ في اليقظةِ لا يضرُّه ما رُئِيَ له في النوم. (2/273)
قال البخاري في صحيحه (باب الرؤيا بالنهار): وقال ابن عون عن ابن سيرين: رؤيا النهار مثل رؤيا الليل. (صحيح البخاري 6/2750)
قال ابن أبي شيبة: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الله بن عون عن إبراهيم قال: كانوا إذا رأى أحدهم ما يكره قال: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسوله من شر ما رأيت في منامي، أن يصيبني منه شيء أكرهه، في الدنيا والأخرة. (المصنف 30528)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)(1) قال: عبارة الرؤيا(2). (المصنف 30524)
قال إبراهيم التيمي: إنما حملني على مجلسي هذا أني رأيت كأني أشم ريحاناً بين الناس فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: إن الريحان له منظر وطعمه مر. (المصنف 30523)
__________
(1) قال تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف 101]؛ وقال القرطبي في التفسير (9/129): (وكان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها [يعني الرؤى] وكان رؤاه صلى الله عليه وسلم نحو ذلك؛ وكان الصديق رضى الله عنه من أعبر الناس لها؛ وحصل لابن سيرين فيها التقدم العظيم والطبع والإحسان؛ ونحوه أو قريب منه كان سعيد بن المسيب فيما ذكروا).
(2) عن أبي سنان عن عبد الله بن شداد أنه سمع قوماً يذكرون رؤيا وهو يصلي فلما انصرف سألهم عنها فكتموه فقال: أما إنه جاء تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين يعني سنة. (المصنف 30525)
وعن أبي عثمان عن سلمان قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة. (المصنف 30527)(2/266)
أتى رجل محمد بن سيرين فقال له: رأيت رجلاً عرياناً واقفاً على مزبلة وبيده طنبور يضرب به؟ فقال له ابن سيرين: لا تصلح هذه الرؤيا في زماننا هذا إلا للحسن البصري؛ فقال(1): الحسن؟!(2) هو والله الذي رأيت! فقال(3): نعم لأن المزبلة الدنيا، وقد جعلها تحت رجليه؛ وعريه تجرده عنها؛ والطنبور يضرب به هي المواعظ التي يقرع بها آذان الناس. (البداية والنهاية 9/275)
قال معمر: جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيت في المنام كأن حمامة التقمت لؤلؤة فقذفتها سواء(4)؛ فقال: ذاك قتادة؛ ما رأيت أحفظ من قتادة. (2/334)
قال أيوب: سأل رجل محمد بن سيرين] قال: رأيت كأني آكل خبيصاً في الصلاة؛ [فقال]: الخبيص حلال، ولا يحل لك الأكل في الصلاة! فقال له: أتقبل امرأتك وأنت صائم؟ قال: نعم، قال: فلا تفعل. (المصنف 30526)
قال بكير بن أبي السميط: سمعت محمد بن سيرين سئل عن رجل رأى في المنام كأن معه سيفاً مخترطة فقال: ولد ذكر؛ قال: اندق السيف، قال: يموت؛ قال: وسئل ابن سيرين عن الحجارة في النوم؟ فقال: قسوة؛ وسئل عن الخشب في النوم؟ فقال: نفاق. (المصنف 30529)
عن أيوب عن أبي قلابة أن رجلاً قال لأبي بكر [محمد بن سيرين]: رأيت كأني أبول دماً؟ قال: تأتي امرأتك وهي حائض؟ قال: نعم؛ قال: اتق الله ولا تَعُد. (2/277)
عن أبي جعفر عن ابن سيرين أن رجلاً رأى في المنام كأن في حجره صبياً يصيح، فقص رؤياه على ابن سيرين فقال: اتق الله ولا تضرب العود. (2/277)
عن سليمان عن حبيب أن امرأة رأت في المنام أنها تحلب حية فقصت على ابن سيرين فقال ابن سيرين: اللبن فطرة، والحية عدو وليست من الفطرة في شيء؛ هذه امرأة يدخل عليها أهل الأهواء. (2/277)
__________
(1) أي الرجل.
(2) كلمة (الحسن) تحتمل أن تكون في تقدير جملة استفهامية، فالرائي سأل لدهشته من شدة معرفة ابن سيرين بالرؤيا، ويحتمل أن (الحسن) مبتدأ و(هو) ضمير فصل و (الذي) مع صلتها خبر.
(3) أي ابن سيرين.
(4) أي كما هي.(2/267)
قال مغيرة بن حفص: رأى الحجاج بن يوسف في منامه رؤيا كأن حوراوين أتتاه فأخذ إحداهما وفاتته الاخرى فكتب بذلك إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك هنيئاً يا أبا محمد فبلغ ذلك ابن سيرين فقال: أخطأت أسته الحفرة، هذه فتنتان يدرك إحداهما وتفوته الأخرى؛ قال: فأدرك الجماجم وفاتته الأخرى. (2/277)
قال مغيرة: رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في وصيته؛ قال: يموت الحسن وأموت بعده، هو أشرف مني. (2/277)
قال الحارث بن مشقف: قال رجل لابن سيرين: إني رأيت كأني ألعق عسلاً من جام من جوهر، فقال: اتق الله وعاود القرآن فإنك رجل قرأت القرآن ثم نسيته؛ قال: وقال رجل لابن سيرين: رأيت كأني أحرث أرضاً لا تنبت؛ قال: أنت رجل تعزل عن امرأتك. (2/278)
قال مبارك بن يزيد البصري: قال رجل لابن سيرين: رأيت في المنام كأني أغسل ثوبي وهو لا ينقى؛ قال: أنت رجل مصارم لأخيك؛ قال: وقال رجل لابن سيرين: رأيت كأني أطير بين السماء والأرض؛ قال: أنت رجل تكثر المنى (2/278)
قال هشام بن حسان: جاء رجل إلى ابن سيرين وأنا عنده فقال: إني رأيت كأني على رأسي تاج من ذهب؛ فقال له ابن سيرين: اتق الله فإن أباك في أرض غربة وقد ذهب بصره وهو يريد أن تأتيه قال فما راده الرجل الكلام حتى أدخل يده في حجزته، فأخرج كتاباً من أبيه يذكر فيه ذهاب بصره وأنه في أرض غربة ويأمر بالإتيان إليه. (2/278)
قال ابن قتيبة: حدثني سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي عن أبي المقدام أو قرة بن خالد قال: كنت أحضر ابن سيرين يُسأل عن الرؤيا، فكنت أحزره يعبر مِن كل أربعين واحدة؛ أو قال: أحزوه. (تأويل مختلف الحديث ص349)
قال ابن شبرمة: دخلت على ابن سيرين بواسط، فما رأيت رجلاً أجرأ على الرؤيا ولا أجبن في الفتيا منه. (تاريخ قزوين 1/474)(2/268)
قال ابن قتيبة: وكان سعيد [بن المسيب] أفقه أهل الحجاز وأعبر الناس للرؤيا؛ قال له رجل: رأيت كأن عبد الملك بن مروان يبول في قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات! فقال: إن صدقت رؤياك قام من صلبه أربعة خلفاء؛ وقال له آخر: رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان فأضجعته إلى الأرض ثم بطحته فأوتدت في ظهره أربعة أوتاد؛ فقال: ما أنت رأيتها! ولكن رآها ابن الزبير؛ ولئن صدقت رؤياه ليقتلنه عبد الملك بن مروان ويخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة؛ وقال له آخر: رأيتني أبول في يدي فقال: تحتك ذات محرم، فنظر فإذا امرأته بينها وبينه رضاع. (المعارف ص193)
عن مغيرة عن إبراهيم قال: سئل(1) عن رجل رأى ضبعاً في جوف الليل؛ فقال: لو كان هذا خيراً نظر فيه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. (المصنف 30530)
اليمين
قال بكار بن محمد: صحبت ابن عون دهراً من الدهر حتى مات وأوصى إلى أبي فما سمعته حالفاً على يمين برة ولا فاجرة حتى فرق بيننا الموت. (صف3/309)
قال القاسم بن مخيمرة: لأن أحلف بالصليب أحب إلي من أن أحلف بحياة رجل. (الصمت ص196)
عن خناس بن سحيم قال: أقبلت مع زياد بن حدير من الكناسة فقلت في كلامي: لا والأمانة، فجعل زياد يبكي ويبكي فظننت أني أتيت أمراً عظيماً فقلت له: أكان يكره ما قلت؟ قال: نعم كان عمر رضي الله عنه ينهانا عن الحلف بالأمانة أشد النهي. (الصمت ص282)
أخبار وآثار التابعي الزاهد الفاضل
__________
(1) أي ابراهيم.(2/269)
عامر بن عبد قيس(1)
قال أبو معاوية الغلابي حدثني رجل من قوم عامر أن عامراً أتى امرأة من بلعنبر يعزيها على أخ لها كان آخر من بقي من أهلها فقال لها: تعزي بالقرآن فإنه من لم يتعز بالقران تقطعت نفسه على الدنيا. (الزهد ص228)
ذكر عن هشام أن عجوزاً كانت مولاة لعامر وكانت تكون معه في بيته قالت: ما كان يخلو باحد دوني الا انه دخل عليه قوم مرة فكلموه بشيء لم أدر ما قالوا غير اني سمعت عامراً وهو يقول لهم: أذكركم الله، أنشدكم الله أن تكونوا عاراً على أهل القرآن. (الزهد ص228)
قال الحسن: قال عامر بن عبد قيس لقوم ذكروا الدنيا: وإنكم لتهتمون؟!! أما والله لئن استطعت لأجعلنهما هماً واحداً، قال: ففعل والله ذلك حتى لحق بالله. (رك ص294)
ذكر للحسن قول عامر بن عبد قيس: لأن تختلف في الأسنة أحب الي من ان أجد ما يذكرون، يعني حديث النفس في الصلاة، فقال الحسن: ما اصطنع الله ذلك عندنا. (الشعب 3/150 وانظر الحلية 2/92)
__________
(1) لقد استحسنت أن أختم هذا الكتاب بجمع طائفة من أخبار هذا التابعي العابد الجليل وإن كان قد تقدم بعضها في أثناء أبواب الكتاب وبذلك يحصل بعض التكرار ولكني لا أرى فيه ضيراً وإن كان على خلاف شرط الكتاب؛ وأما المترجم فهو عامر بن عبد الله بن عبد القيس العنبري أحد تلامذة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري؛ وكان خيراً فاضلاً؛ سكن البصرة ثم سيّره عبد الله بن عامر والي البصرة إلى الشام، فمات هناك. له ترجمة في جملة من المصادر؛ وانظر قصته في (صور من حياة التابعين) لعبد الرحمن رأفت الباشا.(2/270)
عن الحسن قال: بعث معاوية إلى عبد الله بن عامر أن أنظر عامر بن عبد قيس فأحسن إذنه وأكرمه ومرْه أن يخطب إلى من شاء وأمهر عنه من بيت المال؛ فأرسل إليه: إن أمير المؤمنين قد كتب إلي أن أحسن إذنك وأكرمك؛ قال: يقول عامر: فلان أحوج إلى ذلك مني، يعني رجلاً كان أطال الاختلاف إليهم لا يؤذن له؛ [قال]: وأمرني أن آمرك أن تخطب إلى من شئت وأمهر عنك من بيت المال، فال: أنا في الخطبة دائب، قال: إلى من؟ قال: إلى من يقبل مني الفلقة والتمرة؛ قال: ثم أقبل على جلسائه فقال: إني سائلكم فأخبروني: هل منكم من أحد إلا لأهله من قلبه شعبة؟ قالوا: اللهم لا، أي بلى؛ قال: فهل منكم من أحد إلا لولده من قلبه شعبة؟ قالوا: اللهم لا، أي بلى؛ قال: والذي نفسي بيده لأن تختلف الأسنة في جوانحي أحب إلي من أن أكون هكذا؛ أما والله لأجعلن الهم هماً واحداً؛ قال الحسن: وفعل. (2/90)
كان عامر يقول: لذات الدنيا أربعة: المال والنساء والنوم والطعام، فأما المال والنساء فلا حاجة لي فيهما، وأما النوم والطعام فلا بد لي منهما، فوالله لأضرنَّ بهما جهدي. (2/88 وانظر 2/90-91)
قال مالك بن دينار: بلغنا أن كعباً رأى عامر بن عبد قيس فقال: من هذا؟ فقالوا: هذا عامر فقال هذا راهب هذه الأمة. (صف 3/201؟)(2/271)
قال المعلى بن زياد القُردوسي: كان عامر بن عبد الله --- وكان إذا صلى العصر جلس وقد انتفخت ساقاه من طول القيام فيقول: يا نفس بهذا أمرت ولهذا خلقت يوشك أن يذهب العناء؛ وكان يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوء فوعزة ربك لأزحفن بك زحف البعير ولئن استطعت أن لا يمس الأرض من زهمك لأفعلن؛ ثم يتلوى كما تتلوى الحبة على المقلى ثم يقوم فينادي: اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي(1)
__________
(1) قال ابن وهب وغيره - يزيد بعضهم على بعض في الحديث: إن عامر بن عبد قيس كان من أفضل العابدين، ففرض على نفسه كل يوم ألف ركعة، يقوم عند طلوع الشمس، فلا يزال قائماً إلى العصر ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه وقدماه، فيقول: يا نفس إنما خلقت للعبادة يا أمارة بالسوء والله لأعملن بك عملاً لا يأخذ الفراش منك نصيباً. (صف3/203)
قلت: هذا العدد المذكور من الركعات عدد مبالغ فيه بلا شك، فيبعد على عابد من أفاضل التابعين وكبارهم أن تكون صلاته نقراً، أو أن يُعْنَى بتكثير الركعات قبل العناية بالخشوع في الصلاة، وبإقامتها كما ينبغي لها؛ فلو فرضنا جدلاً أنه يخصص من كل يوم ثماني ساعات يوزعها بين أوقات نومه وطعامه وشرابه وأوقات استراحته العامة أو المتخللة لصلاته، وأوقات لما لا بد له منه من شؤون الدين والدنيا، وأوقات لحقوق أهله وأقاربه وجيرانه والمسلمين؛ فمعنى هذا أنه سيكون متفرغاً للصلاة تفرغاً تاماً لمدة سبعة عشر ساعة من كل يوم، أي (1020) دقيقة، فهذه الألف دقيقة كيف يصلي فيها ألف ركعة؟ هذا مما لا يعقل؛ فإنها إذا صلاها ركعتين ركعتين سيكون فيها خمسمئة تشهد، فلو استغرق التشهد الواحد نصف دقيقة، فهذه مئتان وخمسون دقيقة، فكم يبقى لألف قيام وألف ركوع وألف اعتدال وألف هُوِيّ إلى السجود وألفي سجدة وألف اعتدال بين سجدتين؟ يبقى لكل ذلك – ومجموعه سبعة آلاف مرحلة من مراحل الصلاة - : سبعمئة وخمسون دقيقة، أي سيكون لكل واحدة من تلك المراحل نحو ست ثوان؛ هذا ما لا يصدَّق، ولا سيما في حق رجل قليل أمثاله كعامر التميمي.
وأما كونه مجتهداً في العبادة اجتهاداً عجيباً وأنه على درجة عظيمة من القوة على الطاعات، وأنه كثير الصلاة جداً وفي غاية الورع بين أقرانه، فهذا كله مما لا ينبغي أن يتردد في قبوله العارف المطلع على بعض سيرته؛ والله أعلم.(2/272)
. (صف3 / 203 ومحاسبة النفس 99 والتهجد ص228 و446 والشعب 3/153)
عن سهيل أخي حزم قال: بلغني عن عامر بن عبد قيس أنه كان يقول: أحببت الله عز وجل حباً سهل علي كل مصيبة ورضاني كل قضية، فما أبالي مع حبي إياه ما أصبحت عليه وما أمسيت. (صف3/205)
قال ابن قتيبة وهو يترجم عامر بن عبد قيس: وسيره عبد الله بن عامر [والي البصرة] إلى الشام بأمر عثمان، فمات هناك--- وكان سبب تسييره أن حمران بن أبان كتب فيه أنه لا يأكل اللحم ولا يغشى النساء ولا يقبل الأعمال؛ فعرَّض بأنه خارجي؛ فكتب عثمان إلى ابن عامر أن ادع عامراً فإن كانت فيه الخصال فسيرْه؛ فسأله فقال: أما اللحم فإني مررت بقصاب يذبح ولا يذكر اسم الله؛ فإذا اشتهيت اللحم اشتريت شاة فذبحتها؛ وأما النساء فإن لي عنهن شغلاً؛ وأما الأعمال فما أكثر من تجدونه سواي؛ فقال له حمران: لا أكثر الله فينا أمثالك؛ فقال له عامر: بل أكثر الله فينا من أمثالك كساحين وحجامين. (المعارف ص194)
عن عبد الله بن عياش مولى بني جشم عن أبيه عن شيخ قد سماه - وكان قد أدرك سبب تسيير عامر بن عبد الله - قال: مر برجل من أعوان السلطان وهو يجر ذمياً والذمي يستغيث فأقبل على الذمي فقال: أديت جزيتك؟ قال: نعم، فأقبل عليه فقال: ما تريد منه؟ قال: أذهب به يكسح دار الأمير! قال: فأقبل على الذمي فقال: تطيب نفسك له بهذا؟ قال: يشغلني عن صنعتي، قال: دعه، قال: لا أدعه، قال له: دعه قال: لا أدعه، قال: فوضع كساءه فقال: لا تخفر ذمة محمد وأنا حي، قال: ثم خلصه منه، قال: فتراقى ذلك حتى كان سبب تسييره. (صف3/206-207)
عن مالك بن دينار قال: قالت المرأة التي نزل عليها عامر بن عبد الله ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟! قال: إن ذكر جهنم لا يدعني أن أنام. (صف3/207)(2/273)
عن المعلى بن زياد القردوسي عن عامر بن عبد قيس أنه مر بقافلة قد حبسهم الأسد من بين أيديهم على طريقهم فلما جاء عامر نزل عن دابته فقالوا: يا أبا عبد الله إنا نخاف عليك من الأسد؛ فقال: إنما هو كلب من كلاب الله عز وجل إن شاء أن يسلطه سلطه؛ وإن شاء أن يكفه كفه؛ فمشى إليه حتى أخذ بيديه أذني الأسد فنحاه عن الطريق وجازت القافلة وقال: إني لأستحي من ربي تبارك وتعالى أن يرى في قلبي أني أخاف من غيره. (صف3/204)
عن المعلى قال قال عامر بن عبد قيس أربع آيات في كتاب الله تعالى إذا ذكرتهن لا أبالي على ما أصبحت أو أمسيت؛ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده؛ وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو؛ و سيجعل الله بعد عسر يسراً؛ و ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. (صف3/207)
عن مالك بن دينار عن عامر بن عبد قيس أنه كان يقول: إن أشد أهل الجنة فرحاً في الجنة أطولهم حزناً في الدنيا. (صف3/208)
قال أبو مسكين الفداني: قال عامر بن عبد قيس: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء. (صف3/208)
عن أبي المتوكل الناجي قال: قال عامر بن عبد قيس: يا أبا المتوكل، قلت: لبيك، قال: عليك بما يرغبك في الآخرة ويزهدك في الدنيا ويقربك إلى الله عز وجل، قلت: ما هو؟ فقال: تقصر عن الدنيا همك وتشحذ إلى الآخرة نيتك وتصدق ذلك بفعلك، فإذا كنت كذلك لم يكن شيء أحب إليك من الموت ولا شيء أبغض إليك من الحياة، فقلت: يا أبا عبد الله كنت لا أحسبك تحسن مثل هذا، فقال: كم من شيء كنت أحسنه وددت أني لا أحسنه، وما يغني عني ما أحسن من الخير إذا لم أعمل به؟! (صف3/208)
عن بلال بن سعد أن عامراً كان يشترط على رفقائه أن ينفق عليهم بقدر طاقته. (صف3/208)(2/274)
عن يزيد بن نعامة قال: كان عامر بن عبد قيس إذا أصبح قال: اللهم غدا الناس إلى أسواقهم وأصبح لكل امرىء منهم حاجة وحاجتي إليك يا رب أن تغفر لي. (صف3/209)
قال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو الوليد خلف بن الوليد حدثنا عباد بن عباد عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: كان عامر بن عبد قيس إذا صلى الصبح تنحى في ناحية المسجد فقال: من اقرئه؟ قال: فيأتي قوم فيقرئهم حتى اذا طلعت الشمس وأمكنت الصلاة قام يصلي إلى أن ينتصف النهار، ثم يرجع إلى منزله فيقيل ثم يرجع إلى المسجد اذا زالت الشمس، فيصلي حتى يصلي الظهر ثم يصلي حتى يصلي العصر؛ فإذا صلى العصر تنحى في ناحية المسجد ثم يقول: من اقرئه؟ قال: فيأتيه قوم فيقرئهم حتى اذا غربت الشمس صلى المغرب ثم يصلي حتى يصلي العشاء الاخرة ثم يرجع الى منزله فيتناول أحد رغيفيه فيأكل ثم يضطجع هجعة خفيفة ثم يقوم فاذا كان السحر تناول رغيفه الآخر فيأكله، ثم يشرب عليه شربة من ماء، ثم يخرج إلى المسجد؛ قال خلف: وحدثني بعض اصحابنا قال: كان منصور بن زاذان يفعل هذا كله ويفضل بخاصة، لا يبيت كل ليلة حتى يبل عمامته بدموعه ثم يضعها(1). (الزهد ص224 و صف3/210 وانظر السير 4/16)
عن سحيم مولى بني تميم قال: جلست إلى عامر بن عبد الله وهو يصلي فتجوز في صلاته ثم أقبل علي فقال: أرحني بحاجتك فإني أبادر، قلت: وما تبادر؟ قال: ملك الموت رحمك الله، قال: فقمت عنه وقام إلى صلاته. (صف3/211)
__________
(1) عن العلاء بن سالم قال: حدثني من صحب عامر بن عبد قيس أربعة أشهر، قال: فما رأيته نام بليل ولا نهار حتى فارقته، وكان له رغيفان قد جعل عليهما ودكاً فيتسحر بواحد ويفطر بآخر؛ وكان إذا أصبح علمنا القرآن، حتى إذا أمكنته الصلاة قام يصلي، فلا يزال يصلي حتى يصلي العصر؛ قال: ثم يعلمنا القرآن حتى يمسي، فإذا صلى المغرب فهي ليلته حتى يصبح. (صف3/209 وانظر التهجد ص164 والزهد ص219-220)(2/275)
عن أبي عبدة العنبري قال: لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فمال الذين معه ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه، فقالوا له: هل أخذت منه شيئاً؟ فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به فعرفوا أن للرجل شأناً، فقالوا: من أنت؟ فقال: لا والله لا أخبركم لتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه، فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس. (صف3/211)
قال عمارة بن عبد الله العنبري وابنه وثابت أبو الفضل: ما رأينا عامر بن عبد قيس متطوعاً في مسجدهم قط، وكان آخر من يدخل المسجد وأول من يخرج منه. (الزهد ص223 و صف3/210)
قال يزيد بن عبد الله بن الشخير: كنا نأتي عامر بن عبد الله وهو يصلي في مسجده فاذا رآنا تجوز في صلاته ثم انصرف فقال لنا: ما تريدون؟! وكان يكره أن يرونه يصلي. (الزهد ص223)
قيل لعامر بن عبد قيس: أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال: أحدثها بالوقوف بين يدي الله ومنصرفي. (السير 4/17)
قيل لامرأة عامر بن عبد قيس يعني خادمه: كيف كانت عبادة عامر؟ قالت: ما صنعت له طعاماً قط بالنهار أكله إلا بالليل، ولا فرشت له فراشاً بالليل فاضطجع عليه. (التهجد ص162 و صف3/205)
قال الفضيل بن غزوان: كان عامر بن عبد قيس يقول: ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها؛ قال: فكان إذا جاء الليل قال: أذهب حر النار النوم، فما ينام حتى يصبح؛ وإذا جاء النهار قال: أذهب حر النار النوم، فما ينام حتى يمسي؛ فإذا جاء الليل قال: من خاف أدلج، بعد الصباح يحمد القوم السرى. (الزهد الكبير ص162-163 و صف3/205)(2/276)
كان عامر لا يزال يصلي من طلوع الشمس إلى العصر فينصرف وقد انفتحت ساقاه فيقول: يا أمارة بالسوء إنما خلقت للعبادة. وهبط وادياً به عابد حبشي فانفرد يصلي في ناحية والحبشي في ناحية أربعين يوماً، لا يجتمعان إلا في فريضة. (السير 4/18)
ذكر هشام بن حسان أن جارية بن قدامة جاء إلى عامر وهو يصلي فاستأذن على باب البيت فسبح عامر ودخل جارية فجلس فلم ير في البيت إلا قلة من ماء وعامر عليه برنس وهو قائم يصلي فقضى عامر الصلاة فقال له جارية: يا عامر أرضيت من الدنيا بما أرى؟! لقد رضيت فيها بالقليل؟! فقال: أنت والله وأصحابك الذين رضيتم منها بالقليل، ثم نهض إلى صلاته. (الزهد ص228)
قيل لعامر: إن الجنة لتدرك بدون ما تصنع وإن النار لتتقى بدون ما تصنع! فقال: والله لأجتهدن، ثم والله لأجتهدن، فإن نجوت فبرحمة الله وإن دخلت النار فبعد جهدي، فلما احتضر بكى فقيل له: أتجزع من الموت وتبكي؟ فقال: ما لي لا أبكي ومن أحق بذلك مني؟! والله ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على دنياكم، ولكني أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء. (صف3/202 وانظر الزهد ص225)
قال عامر: الدنيا والدة للموت وناقضة للمبْرَم ومرتجعة(1) للعطية وكل من فيها يجري إلى ما لا يدري(2)، وكل مستقر فيها غير راضٍ بها، وذلك شهيد على أنها ليست بدار قرار. (ذم الدنيا 277)
قال أبو عبيدة: استقبل عامرَ بنَ عبد قيس رجلٌ في يوم حلْبةٍ(3)، فقال: من سبق يا شيخ؟ قال: المقربون. (البيان والتبيين 3/160 وعيون الأخبار 2/370)
__________
(1) تصحفت هذه الكلمة في الأصل إلى (ومن تجعله).
(2) تصحفت هذه الجملة في الأصل إلى (يجري على ما لا يريد) وأصلحتها من حفظي لهذه العبارة فقد كنت قرأتها في كتاب أدبي لا يحضرني الآن أي كتاب هو؛ ثم وقفت، عند المراجعة الأخيرة للكتاب، على هذا الأثر في (شرح نهج البلاغة) منسوباً إلى عامر نفسه وكما أثبتُّه.
(3) أي في يوم سباق على الخيل.(2/277)
خرج عثمان رضي الله عنه من داره فرأى في دهليزه أعرابياً في بَتٍّ أشغى، غائر العينين مشرف الحاجبين، فقال: يا أعرابي أين ربك؟ قال: بالمرصاد، وكان الأعرابي عامر بن عبد قيس، وكان ابن عامر(1) سيَّره إليه. (البيان والتبيين 3/142-143 وانظر عيون الأخبار 2/370 والمعارف ص194)
وبهذا الأثر ينتهي هذا الكتاب، وقد تم تأليفه بعون الله وتوفيقه، في السابع والعشرين من شهر شوال من عام 1424 هجرية، في شمس العراق: الموصل الحدباء، حفظها الله من كيد الأعداء وحرسها من كل سوء وداء؛ آمين؛ والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من أحسن اتَّباعهم من التابعين وأتْباعهم.
__________
(1) عبد الله بن عامر، والي عثمان على البصرة.(2/278)
فهارس الكتاب
أبواب المجلد الأول
مرتبة بحسب تسلسل ورودها فيه
خطبة الكتاب (ص1)
التنبيه الأول: في بيان من هم الذين نقلت آثارهم في المتن (ص7)
التنبيه الثاني: في شرح طريقة تخريجي أو عزوي للآثار الواردة في متن هذا الكتاب (ص8)
خصائص السلف من الصحابة وكبار التابعين (ص11)
الإخلاص والنيات والمقاصد (ص33)
الصدق (ص46)
التوبة (ص47)
التقوى والحذر وشدة الخوف من الله (ص52)
الرقة والبكاء (ص92)
التوكل (ص102)
الرجاء (ص109)
حسن الظن بالله والإيمان بسعة رحمته وعِظم مغفرته (ص113)
شُكْرُ النعمة (ص132)
الصبر (ص156)
الرضا بالله تعالى وبقدره (ص170)
اليقين (ص174)
المراقبة (ص175)
التواضع (ص176)
سوء الظن بالنفس (ص188)
رحمة الخلق (ص191)
الحياء (ص192)
الوفاء بالوعدِ، وأداءُ الأمانة، الخيانة و إفشاء السر (ص193)
مشاورة أهل الدينِ والنصحِ والعقلِ الرجيح (ص195)
الحلم والعفو وسلامة الصدر والصبرُ على أذى الناس ومداراتُهم (ص196)
الرفق (ص214)
النظافة (ص217)
آداب الاعتذار ومعانيه (ص218)
الأدب ومكارم الأخلاق (ص219)
الكرم والجود (ص221)
المروءة والبعد عن الدناءة (ص225)
نصيحة المسلمين والفرق بين النصيحة والتعيير (ص226)
الدعوة والتعليم والنصح والإرشاد (ص228)
الوعظ القصص (ص234)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص267)
الرد على أهل الأهواء والبدع والتحذير منهم (ص273)
الابتلاء بالمرض وغيره من المصائب (ص290)
مبادرة الموت والاعتبار به (ص296)
الحذر والمبادرة والمداومة على العبادة، وأخذ الدين بقوة (ص299)
العمر وسرعة انقضائه، والدنيا وزوالها (ص327)
كراهةُ الموتِ وحبُّه (ص346)
قصر الأمل ، وكثرة ذكر الموت (349)
أحوال التابعين ووصاياهم عند الموت (ص356)
التعزية (ص364)
العقل والتفكر (ص376)
فضل العلم النافع (381)
بيان أن العلم لا ينفع حتى يعمل به حامله (ص382)
فضل العلماء العاملين (ص414)
فضل علم السلف على علم الخلف (ص417)(3/1)
أخلاق العلماء (ص419)
طلب العلم: شروطه وآدابه (ص420)
تقييد العلم (ص432)
حفظ العلم (ص433)
سعة العلم وصعوبة التبحر فيه، إلا بتوفيق من الله تعالى (ص435)
الفتوى والاستفتاء (ص437)
أبواب المجلد الثاني
مرتبة بحسب تسلسل ورودها فيه
الكلام في الدين بالرأي (ص1)
الجدال والخصومة في الدين أو في غيره (ص3)
الإصلاح بين الناس (ص5)
القضاء (ص6)
العدل، والظلم والتجبر (ص8)
الشيطان (ص14)
النفس والهوى (ص18)
القلوب (ص29)
الهم والحزن (ص36)
الكذب (ص43)
ما يرخص فيه من الكذب ونحوه (ص45)
بغضهم المدحَ وأهلَه (ص46)
الكِبْر (ص48)
العُجْب (ص53)
الحسد (ص54)
التجسس على المسلمين (ص55)
التكلف (ص56)
التشبه بالكفار وبأهل الباطل (ص57)
صفات المؤمنين (ص61)
صفات المنافقين والفساق (ص65)
اختلاف القول والفعل، وفضل الفعال على المقال (ص72)
تعظيم حق الله (ص74)
تعظيم قدر الصلاة (ص76)
تعظيمهم الصوم، واجتهادهم فيه (ص106)
أحوالهم في الحج، وتعظيمهم له (ص107)
تعظيم القرآن (ص112)
المعاصي وعقوباتها في الدنيا (ص129)
التوفيق والخذلان، وهوان العبد على الله (ص139)
الطاعات وثمراتها في الدنيا (ص140)
حلاوة الايمان (ص144)
الدعاء (ص148)
حلاوة الذكر وأخبار بعض الذاكرين (ص161)
الذكر وفضله (ص164)
كثرة الذكر وقلته ومعناهما (ص166)
فضل الصمت وقلة الكلام (ص168)
فضل الكلم الطيب (ص170)
فضل حفظ اللسان والورع في الكلام (ص171)
المناهي اللفظية والتثبّت في الألفاظ والتحرّي فيها (ص175)
آفات اللسان (ص181)
كلام المرء في ما لا يعنيه (ص184)
كثرة الكلام (ص186)
الغيبة (ص189)
كفارة الغيبة (ص194)
النميمة (ص195)
السب واللعن والبذاءة والفحش (ص196)
آداب الحديث واستماعِه (ص198)
صفات المَجالس (ص199)
استماع الباطل (ص201)
المزاح والنوادر والضحك (ص202)
تعظيم قدْر الصدقة (ص207)
فتنة المال واللباس والطعام (ص213)
السوق والاكتساب والبيع والشراء (ص225)
حقوق المسلمين (ص230)(3/2)
عيادة المريض (ص231)
سَتْرُ المسلم (ص232)
حقوق الجار (ص233)
اصطناع المعروف وقضاء حوائج المسلمين (ص235)
الزهد والورع (ص238)
القناعة والتعفف والرضا بالرزق (ص250)
كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز (ص253)
السلطان وأعوانه (ص256)
الخروج على السلطان (ص260)
الدخول على السلطان (ص263)
الفتن وتغير أحوال الناس (ص279)
الأتباع (ص288)
وجوب عدم اغترار الرجل بكثرة الناس حوله ولا بثنائهم عليه (ص290)
شدة غفلة الناس وكثرة تفريطهم واغترارهم (ص296)
طبائع الناس (ص300)
الإخوان والأصحاب والأصدقاء والجلساء (ص301)
الأهل والعيال وصلة الرحم (ص313)
غربة المؤمنين وكثرة إيذاء الناس لهم (ص323)
الخلوة والعزلة (ص331)
إيثار الخمول وكتمان الطاعات، إلا لمصلحة دينية وكراهةُ الشهرة واجتناب أسبابها (339)
الثبات على الحق وأخذ الدين بقوة وعدم المبالاة بالناس في الحق (ص352)
الحرص على الدين (ص354)
حب الله تعالى والحب فيه (ص355)
صفة الجنة والترغيب فيها (ص356)
النار وأهوالها (ص359)
الزهد بالنساء (ص363)
طاعة النساء (ص364)
فتنة النساء (ص365)
النظر إلى النساء (ص366)
الرؤيا(ص368)
اليمين (ص380)
أخبار وآثار التابعي الزاهد الفاضل عامر بن عبد قيس (ص381)
معجم أبواب الكتاب
(وفيه سرد أبواب الكتاب مرتبة بحسب حروفها الأوائل)
[[ تنبيه: إذا كان تحت اسم الباب خط فمعنى ذلك أنه في المجلد الثاني من الكتاب، وإلا فهو في الأول]].
- أ -
آفات اللسان (ص181)
آداب الاعتذار ومعانيه (ص218)
آداب الحديث واستماعِه (ص198)
الابتلاء بالمرض وغيره من المصائب (ص290)
الأتْباع (ص288)
أحوال التابعين ووصاياهم عند الموت (ص356)
أحوالهم في الحج، وتعظيمهم له (ص107)
أخبار وآثار التابعي الزاهد الفاضل عامر بن عبد قيس (ص381)
اختلاف القول والفعل، وفضل الفعال على المقال (ص72)
الإخلاص والنيات والمقاصد (ص33)
أخلاق العلماء (ص419)(3/3)
الإخوان والأصحاب والأصدقاء والجلساء (ص301)
الأدب ومكارم الأخلاق (ص219)
استماع الباطل (ص201)
اصطناع المعروف وقضاء حوائج المسلمين (ص235)
الإصلاح بين الناس (ص5)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص267)
الأهل والعيال وصلة الرحم (ص313)
إيثار الخمول وكتمان الطاعات، إلا لمصلحة دينية وكراهةُ الشهرة واجتناب أسبابها (339)
- ب -
بغضهم المدحَ وأهلَه (ص46)
بيان أن العلم لا ينفع حتى يعمل به حامله (ص382)
- ت –
التجسس على المسلمين (ص55)
التشبه بالكفار وبأهل الباطل (ص57)
التعزية (ص364)
تعظيم حق الله (ص74)
تعظيمهم الصوم، واجتهادهم فيه (ص106)
تعظيم قدر الصلاة (ص76)
تعظيم قدْر الصدقة (ص207)
تعظيم القرآن (ص112)
التقوى والحذر وشدة الخوف من الله (ص52)
تقييد العلم (ص432)
التكلف (ص56)
التواضع (ص176)
التوبة (ص47)
التوفيق والخذلان، وهوان العبد على الله (ص139)
التوكل (ص102)
- ث –
الثبات على الحق وأخذ الدين بقوة وعدم المبالاة بالناس في الحق (ص352)
- ج –
الجدال والخصومة في الدين أو في غيره (ص3)
- ح -
حب الله تعالى والحب فيه (ص355)
الحذر والمبادرة والمداومة على العبادة، وأخذ الدين بقوة (ص299)
الحرص على الدين (ص354)
الحسد (ص54)
حسن الظن بالله والإيمان بسعة رحمته وعِظم مغفرته (ص113)
حفظ العلم (ص433)
حقوق المسلمين (ص230)
حقوق الجار (ص233)
حلاوة الايمان (ص144)
حلاوة الذكر وأخبار بعض الذاكرين (ص161)
الحلم والعفو وسلامة الصدر والصبرُ على أذى الناس ومداراتُهم (ص196)
الحياء (ص192)
خ –
الخروج على السلطان (ص260)
خصائص السلف من الصحابة وكبار التابعين (ص11)
الخلوة والعزلة (ص331)
د –
الدخول على السلطان (ص263)
الدعاء (ص148)
الدعوة والتعليم والنصح والإرشاد (ص228)
- ذ –
الذكر وفضله (ص164)
ر –
الرجاء (ص109)
رحمة الخلق (ص191)
الرد على أهل الأهواء والبدع والتحذير منهم (ص273)
الرضا بالله تعالى وبقدره (ص170)
الرفق (ص214)(3/4)
الرقة والبكاء (ص92)
الرؤيا(ص368)
ز –
الزهد بالنساء (ص363)
الزهد والورع (ص238)
- س –
السب واللعن والبذاءة والفحش (ص196)
سَتْرُ المسلم (ص232)
سعة العلم وصعوبة التبحر فيه، إلا بتوفيق من الله تعالى (ص435)
السلطان وأعوانه (ص256)
سوء الظن بالنفس (ص188)
السوق والاكتساب والبيع والشراء (ص225)
- ش –
شدة غفلة الناس وكثرة تفريطهم واغترارهم (ص296)
شُكْرُ النعمة (ص132)
الشيطان (ص14)
- ص -
الصبر (ص156)
الصدق (ص46)
صفات المَجالس (ص199)
صفات المنافقين والفساق (ص65)
صفات المؤمنين (ص61)
صفة الجنة والترغيب فيها (ص356)
- ط -
الطاعات وثمراتها في الدنيا (ص140)
طاعة النساء (ص364)
طبائع الناس (ص300)
طلب العلم: شروطه وآدابه (ص420)
- ع -
العُجْب (ص53)
العدل، والظلم والتجبر (ص8)
العقل والتفكر (ص376)
العمر وسرعة انقضائه، والدنيا وزوالها (ص327)
عيادة المريض (ص231)
- غ -
غربة المؤمنين وكثرة إيذاء الناس لهم (ص323)
الغيبة (ص189)
- ف -
فتنة المال واللباس والطعام (ص213)
فتنة النساء (ص365)
الفتوى والاستفتاء (ص437)
الفتن وتغير أحوال الناس (ص279)
فضل حفظ اللسان والورع في الكلام (ص171)
فضل الصمت وقلة الكلام (ص168)
فضل العلماء العاملين (ص414)
فضل علم السلف على علم الخلف (ص417)
فضل العلم النافع (381)
فضل الكلم الطيب (ص170)
- ق -
قصر الأمل ، وكثرة ذكر الموت (349)
القضاء (ص6)
القلوب (ص29)
القناعة والتعفف والرضا بالرزق (ص250)
- ك -
الكِبْر (ص48)
كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز (ص253)
كثرة الذكر وقلته ومعناهما (ص166)
كثرة الكلام (ص186)
الكذب (ص43)
كراهةُ الموتِ وحبُّه (ص346)
الكرم والجود (ص221)
كفارة الغيبة (ص194)
الكلام في الدين بالرأي (ص1)
كلام المرء في ما لا يعنيه (ص184)
- م -
ما يرخص فيه من الكذب ونحوه (ص45)
مبادرة الموت والاعتبار به (ص296)
المراقبة (ص175)
المروءة، والبعد عن الدناءة (ص225)(3/5)
المزاح والنوادر والضحك (ص202)
مشاورة أهل الدينِ والنصحِ والعقلِ الرجيح (ص195)
المعاصي وعقوباتها في الدنيا (ص129)
المناهي اللفظية والتثبّت في الألفاظ والتحرّي فيها (ص175)
- ن -
النار وأهوالها (ص359)
نصيحة المسلمين، والفرق بين النصيحة والتعيير (ص226)
النظافة (ص217)
النظر إلى النساء (ص366)
النفس والهوى (ص18)
النميمة (ص195)
- هـ -
الهم والحزن (ص36)
- و –
وجوب عدم اغترار الرجل بكثرة الناس حوله ولا بثنائهم عليه (ص290)
الوعظ القصص (ص234)
الوفاء بالوعدِ، وأداءُ الأمانة، والخيانةُ وإفشاء السر (ص193)
- ي -
اليقين (ص174)
اليمين (ص380)
مصادر الكتاب ومراجعه
الإبانة - ابن بطة العكبري
إحياء علوم الدين - أبو حامد الغزالي
الإخلاص والنية - ابن أبي الدنيا
أخلاق العلماء - محمد بن الحسين الآجري
أخلاق حملة القرآن - محمد بن الحسين الآجري
الأخلاق والسير (في مداواة النفوس) - ابن حزم الأندلسي
الإخوان - ابن أبي الدنيا
أدب الدنيا والدين - علي بن محمد البصري الماوردي (ت 450) – دار الكتب العلمية 1398 هـ؛ واسمه الصحيح (البغية العليا من أدب الدين والدنيا)
الأدب المفرد – محمد بن إسماعيل البخاري
الإرشاد لمعرفة علماء البلاد – أبو يعلى الخليلي
الاستقامة – ابن تيمية – المدينة المنورة – سنة 1403
الإشراف على منازل الأشراف – ابن أبي الدنيا
الإصابة في تمييز الصحابة - ابن حجر العسقلاني
اصطناع المعروف – ابن أبي الدنيا – تحقيق محمد خير رمضان
أصول أهل السنة للالكائي
الإعتصام للشاطبي
الأعلام - الزركلي
إغاثة اللهفان - ابن القيم
اقتضاء العلم العمل – الخطيب البغدادي – تحقيق محمد ناصر الدين الألباني
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الخلال
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي - تحقيق فالح الصغير - الطبعة الأولى
أمراض القلوب وشفاؤها – ابن تيمية(3/6)
الأنس الجليل بتأريخ القدس والخليل - مجير الدين الحنبلي
الأولياء - ابن أبي الدنيا
الايمان - ابن أبي شيبة
الإيمان - ابن تيمية
الباعث على إنكار البدع والحوادث - أبو شامة
البداية والنهاية - ابن كثير - مكتبة المعارف – بيروت
البدع والنهي عنها – ابن وضاح
البر والصلة - الحسين بن الحسن المروزي – الرياض 1419
البصائر والذخائر – أبو حيان التوحيدي
البيان والتبيين - الجاحظ (150 –255 هـ) – تحقيق وشرح عبد السلام هارون – نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة – 1405 هـ
تاريخ الاسلام - الذهبي ، طبعة مؤسسة الرسالة – الطبقة الثانية والستون
تاريخ أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني ؟؟
تاريخ بغداد - الخطيب
تاريخ دمشق
تاريخ واسط - بحشل
تأويل مختلف الحديث – ابن قتيبة – دار الجيل - بيروت
التبيان في أقسام القرآن – ابن القيم
تخريج إحياء علوم الدين – الحافظ العراقي
التخويف من النار - ابن رجب
التدوين في أخبار قزوين – عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني – دار الكتب العلمية 1987
تذكرة الحفاظ – الذهبي - تحقيق المعلمي اليماني
التذكرة في أحوال الموتى والآخرة - القرطبي
تسلية أهل المصائب - المنبجي
تصحيح التصحيف وتحريف التحريف – خليل بن أيبك الصفدي
التصديق بالنظر – الآجري
تعظيم قدر الصلاة – محمد بن نصر – المدينة المنورة - 1406
تفسير الطبري؛ وهو جامع البيان
تفسير القرآن العظيم - إسماعيل بن عمر بن كثير - دار الفكر 1401
تفسير القرطبي
تقريب التهذيب - ابن حجر العسقلاني (ت 852) – مطبوع مع تحرير التقريب - مؤسسة الرسالة
تلبيس ابليس – ابن الجوزي
التنكيل - المعلمي اليماني
التهجد وقيام الليل - ابن أبي الدنيا – الرياض ط1 – 1998م
تهذيب الأسماء واللغات - النووي
تهذيب التهذيب - ابن حجر العسقلاني
تهذيب الكمال في أسماء الرجال - المزي – مؤسسة الرسالة ط1 1400
التواضع والخمول – ابن أبي الدنيا
التوبيخ والتنبيه – أبو الشيخ(3/7)
التوكل على الله – ابن أبي الدنيا
ثقات العجلي ، تحقيق عبد العليم البستوي
الثقات - ابن حبان
جامع بيان العلم وفضله - يوسف بن عبد البر (ت 463) – دار الكتب العلمية - بيروت
جامع البيان = تفسير الطبري
جامع معمر
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع – الخطيب البغدادي
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم – ابن رجب الحنبلي
جزء أشيب
جمال القراء وكمال الإقراء – علم الدين السخاوي
الجواهر المجموعة والنوادر المسموعة – أبو الخير السخاوي
جلاء الأفهام
الجهاد –ابن المبارك، ويقال إنه منسوب إليه.
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي – ابن القيم
الحجة على تارك المحجة - الأصبهاني
حسن الظن بالله – ابن أبي الدنيا – الرياض - 1408
الحلم – ابن أبي الدنيا – مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت - 1413
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء – أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني – دار الكتاب العربي – بيروت – 1405 ، وأحياناً دار الكتب العليمة بيروت ، 1409هـ .
الحوادث والبدع – أبو بكر الطرطوشي
الدر المنثور – جلال الدين السيوطي
دقائق التفسير – ابن تيمية
ذكر أخبار أصبهان – أبو نعيم الأصبهاني – طبعة ليدن
ذم الدنيا – ابن أبي الدنيا – تحقيق مجدي السيد إبراهيم
الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت – ابن البنّاء
رسائل الجاحظ
الرضا عن الله بقضائه – ابن أبي الدنيا – بومباي – الأولى - 1410
الرقة والبكاء – ابن أبي الدنيا
روضة المحبين ونزهة المشتاقين – ابن القيم
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء - أبو حاتم محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) – تحقيق وتصحيح محمد حامد الفقي – مطبعة السنة المحمدية
رياض الصالحين - النووي
زاد المسير في علم التفسير - جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، إشراف زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق، الطبعة الثالثة، 1404هـ، 1984م.(3/8)
زاد المعاد في هدي خير العباد، للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية الدمشقي، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبدالقادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية، الطبعة السابعة، 1405هـ.
الزهد الكبير – البيهقي – تحقيق عامر أحمد حيدر - بيروت 1996
الزهد وصفة الزاهدين – ابن الأعرابي
الزهد - أحمد بن حنبل
الزهد - ابن المبارك
الزهد - الحسن البصري
الزهد - هناد بن السري
الزهد – وكيع بن الجراح
زهر الآداب - القيرواني
زوائد نعيم بن حماد في زهد ابن المبارك، وهي زيادات مطبوعة بذيل كتاب (الزهد) لابن المبارك
زوائد الحسين المروزي على زهد ابن المبارك، وهي زيادات في أثناء مرويات كتاب (الزهد) لابن المبارك
زوائد عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه؛ وهي زيادات له في أثناء كتاب أبيه؛ وأعبر عنها بلفظة (زوائد الزهد) .
سير أعلام النبلاء - الذهبي – مؤسسة الرسالة ط9
سنن الترمذي ، بتحقيق أحمد محمد شاكر وغيره
سنن الدارمي
السنن الواردة في الفتن - أبو عمرو الداني – ط1 – الرياض - 1416
السنة - عبد الله بن أحمد بن حنبل
سنن سعيد بن منصور
شرح حديث لبيك – ابن رجب – مكة - 1417
شرح السنة - البغوي
شرح الصدور بذكر أحوال الموتى وأهل القبور – السيوطي - طبعة بغداد
الشريعة - الآجري
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل – ابن القيم
الشكر - ابن أبي الدنيا – الكويت – 1400 ؛ واعتمدت أحياناً على طبعة السواس .
صحيح البخاري – محمد بن إسماعيل البخاري
صحيح مسلم – مسلم بن الحجاج النيسابوري
صفة الصفوة – أبو الفرج ابن الجوزي – تحقيق محمود فاخوري و د. محمد رواس قلعه جي – 1399
صفة المنافق – جعفر بن محمد الفريابي – الكويت - 1405
الصمت وآداب اللسان – ابن أبي الدنيا – دار الكتاب العربي – ط1 – 1410 ، أو طبعة مؤسسة الكتب الثقافية
صيد الخاطر – ابن الجوزي(3/9)
الطبقات الكبرى – محمد بن سعد – دار صادر - بيروت
طبقات الحفاظ - السيوطي
طبقات الحنابلة – ابن أبي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي، مطبعة السنة المحمدية
طبقات المحدثين بأصبهان – أبو الشيخ
طبقات المفسرين - الداوودي
عجائب الآثار - الجبرتي
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين - ابن القيم
العزلة - الخطابي
العظمة ـ أبو الشيخ
العقد الفريد – أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي – دار المسيرة – بيروت وبعض الطبعات الأخرى؟؟
عقلاء المجانين - أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب
المتوفي سنة 406هجرية
العقل وفضله – ابن أبي الدنيا – الرياض – ط1 – 1409
العقوبات – ابن أبي الدنيا ت تحقيق محمد خير رمضان – دار ابن حزم – 1416هـ
العلم - أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي تحقيق الألباني
العمر والشيب – ابن أبي الدنيا – الرياض 1412
العيال – ابن أبي الدنيا – الدمام - 1990
عيون الأخبار – تأليف عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِيّ (213-276 هـ) _ نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب – مصر
الغرباء – الآجري – الكويت – ط1 – 1403
غريب الحديث - الخطابي
غريب الحديث - أبو عبيد القاسم بن سلام
غريب الحديث - ابن قتيبة
الفتاوى الكبرى – ابن تيمية
فتح الباري – ابن حجر العسقلاني
الفتوحات الربانية - ابن علان
الفرق بين النصيحة والتعيير – ابن رجب الحنبلي
فضائل القرآن - أبو عبيد القاسم بن سلام
فضائل القرآن - الفريابي
فضل علم السلف على علم الخلف – ابن رجب
فضيلة الشكر - أبو بكر السامري – دمشق –1402
الفوائد – ابن القيم – دار الكتب العلمية – بيروت – 1393؛ واعتمدت أحياناً على غير هذه الطبعة
فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي
القدر – عبد الله بن وهب – مكة المكرمة – ط1
القدر – جعفر بن محمد الفريابي – الرياض - 1997
قصر الأمل – ابن أبي الدنيا – دار ابن حزم
قضاء الحوائج – ابن أبي الدنيا – مكتبة القرآن - القاهرة(3/10)
القناعة – ابن السني – الرياض – 1409
الكامل في اللغة والتاريخ - المبرد
الكبائر – الذهبي – دار الندوة الجديدة – بيروت – 1409
كرامات الأولياء ، لابن الملقن؟؟
الكرم والجود – محمد بن الحسين البرجلاني – دار ابن حزم - 1412
كلمة الإخلاص وتحقيق معناها - ابن رجب.
لسان العرب - ابن منظور
المتحابين في الله – ابن قدامة المقدسي
المتمنين – ابن أبي الدنيا – بيروت – 1997
المجالسة – الدينوري – تحقيق مشهور حسن
مجمع الأمثال - الميداني
مجموع فتاوى ابن تيمية
محاسبة النفس والإزراء عليها – ابن أبي الدنيا – دار الكتب العلمية – بيروت – 1406
المحلى - ابن حزم الأندلسي
مختار الصحاح - الرازي
مختصر زاد المعاد – محمد بن عبد الوهاب – المكتب الاسلامي ط1
مختصر شعب الايمان للبيهقي – القزويني – دمشق - 1405
مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر ، للزركشي
مختصر منهاج القاصدين - أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي - مكتبة الشرق الجديد - بغداد
مدارج السالكين شرح منازل السائرين بين إياك نعبد وإياك نستعين – ابن قيم الجوزية – دار الكتاب العربي سنة 1393
المدخل إلى السنن الكبرى - البيهقي
المرض والكفارات – ابن أبي الدنيا – ط1 – بومباي
المروءة - ابن المرزبان
المستجاد من فعلات الأجواد - الدارقطني
مسند الإمام أحمد بن حنبل – تحقيق أحمد محمد شاكر
مسند علي بن الجعد للبغوي، وهو المعروف باسم (الجعديات).
مصنف ابن أبي شيبة – أبو بكر بن أبي شيبة
مصنف عبد الرزاق – عبد الرزاق بن همام الصنعاني
المعارف - ابن قتيبة
المعجم الاقتصادي الاسلامي - أحمد الشرباصي
مفتاح دار السعادة - ابن القيم
مكارم الأخلاق – ابن أبي الدنيا - القاهرة – 1411 ، وهو المراد عند الإطلاق .
مكارم الأخلاق - الخرائطي
المنتقى من مكارم الأخلاق - السلفي
النهاية في غريب الحديث والأثر – ابن الأثير
الهم والحزن – ابن أبي الدنيا – القاهرة – 1412(3/11)
الوجل والتوثق بالعمل – ابن أبي الدنيا - الرياض – 1418
الورع – ابن أبي الدنيا – الكويت 1408؛ وهو المراد عند الإطلاق، وأما الذي بعده فإنه يقيد بنسبته إلى مؤلفه.
الورع – أحمد بن حنبل – بيروت - 1403
وصايا العلماء عند حضور الموت – ابن زبر الربعي – ط1 – 1406(3/12)