?بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيمِ?
…
بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيمِ
قال تعالي : ? كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ?
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( أكثروا من ذكر هادم اللذات : الموت ))
وقال بعض الحكماء :
(( ما دخل ذكر الموت بيتاً إلا رضي أهله بما قسم الله لهم , وجدُوا في أمر الآخرة )) .
مقدمة
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين . المبعوث رحمة للعالمين , الذي قال له ربه:? إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ? (1)
فإنه قد صدر في يونيو عام 1963 م كتاب بعنوان(( الموت في الفكر الغربي )) لمؤلفه ((جاك شورون ))
والكتاب عبارة عن : مسح شامل لآراء الفلاسفة الغربيين عن موضوع (( الموت )) .
وقد بذل المؤلف جهداً كبيرا ً فى تتبع أراء الفلاسفة حول موضوع (( الموت)) منذ بداية التفكير الفلسفي في بلاد
اليونان .. حتي الفلاسفة المعاصرة .. لا سيما الفلسفة الوجودية التي اهتمت به اهتاما ً كبيراً .
يبدأ المؤلف بمقدمة يطرح فيها سؤالين :
الأول: متى اكتشف الإنسان الموت ؟ .
الثانى : هل حتمية الموت تعنى الفناء الشامل ؟.
ويجيب عن هذين السؤألين بنقول من أقوال الفلاسفة .
ثم يعرض فى كتابه ـ بعد موضوعه ـ ستة وعشرين فصلاً تحتوى على آراء الفلاسفة الغربيين فيى موضوع الموت .
ومن العرض الذى قدمه يتبين أن دراسة الموت فى الفكر الفلسفي عموماً دراسة نادرة .. تصديقا ً لقول (( اسبينوزا )) : (( إن آخر ما يفكر فيه الرجل الرحل .. هو الموت .. لأن حكمته ليست تأملاُ للموت .. بل تأملاً للحياة )) !! .
1. سورة الزمر الآية :20
ولهذا كان هروب الفلاسفة من دراسة الموت , وفرارهم من مواجهة هذا الموضوع الهام , كما يقول(1/1)
(( بوسويه )) :
(( خوف الناس من الموت : هو الذى حدا بهم إلى تجاهل التفكير فى الموت , والعمل على تناسيه )) .
ولأن الكتابة الفلسفية فى هذا الموضوع نادرة فى المكتبة العربية .. ولأن هذا الكتاب يعد الأول من نوعه فى المكتبة العربية..ولأن هذا الكتاب من نوع المكتبة العربية , إذا ما ترجم إلي اللغة العربية !! .
ولأنه ـ لطرافة موضوعه ـ يسد فراغاً لا شك فيه .. فقد قام الأستاذ كامل يوسف حسين بترجمته إلى اللغة العربية , وقدم له د . إمام عبد الفتاح إمام . وقام بنشر هذا الكتاب فى ترجمته العربية .. المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت , ضمن سلسلة : (( عالم المعرفة )) العدد 76 بتاريخ جمادى الأخرة 1404 ـ أبريل 1984م.
هذا ..
ولأن الكتاب ـ كما هو واضح من عنوانه خاص بنظرة الفلاسفة للموت ـ لم يشف الغليل , أو يبل الصدى فى الكشف عن موضوع الموت !.
ولأن موضوع الموت بهذا الغموض الذى أظهرته أقوال فلاسفة الغرب لم ينقل الغربيين من دائرة التفكير العقل المحدود إلى دائرة الفعل والأستعداد لما بعد الموت .. ولو على الأقل عند من فهم أن هناك بعد الموت شيئا ً ما !! .
ولأن الإسلام ـ بفضل الله تعالي ـ ما ترك موضوع الموت بهذا الغموض الذى تاه أمامه , وحار فيه فلاسفة الغرب, إذ بين ووضح كل ما يتصل به فى نصوص أوحى بها الله تعالى إلى حامل رسالة النور والهجاية إلى البشرية جمعاء .. وهو محمد صلى الله عليه وسلم !! .
ولأن هذه النصوص الدينية الإسلامية : كشفت كل غموض , وأزالت كل لبس حول موضوع الموت وما بعده ..
بل لأن هذه النصوص الدينية الإسلامية جعلت العلم بموضوع الموت , والمعرفة التامة به , والدراية الواعية بما بعده من حياة , والإيمان بذلك أصلا ً من أصول العقيدة الإسلامية !! .
ولأن هذه النصوص الدينية الإسلامية حول موضوع الموت .. تعد أوثق المصادر التى غرفتها مدارس كتابة التاريخ..!!(1/2)
ولأن هذه النصوص ـ من جهة رابعة ـ حول موضوع الموت .. لم يختلف حولها , جماهير المسلمين أو مفكروهم .. بل فلاسفتهم أيضا ً , فقد أحببت فى هذا البحث الوجيز وبه وله :
1. أن أقدم موضوع الموت بالصورة الواضحة , والمعلومات الثابتة اليقينية التى لا مجال فيها لافتراض أو تخمين , فى مواجهة تخرصات فلاسفة الغرب .. بل فى مواجهة ابتعادهم عن دراسته , وخوفهم من الإقدام عليها بل ـ من جهة ثالثة ـ فى مواجهة انخداع الغربيين بصفة عامة بأقوال ونظرات فلاسفتهم ـ الضالة المضلة للموت .
2. أن ينعم الله على بفهم موضوع الموت جيداً , والأنتقال بهذا الفهم من دائرة المعرفة النظرية إلى دائرة الفعل والإستعداد لما بعد الموت . . وكذلك : أن ينعم الله بذلك على كل من يقرأ هذا البحث ..
3. أن ييسر الله لبحثى هذا من يقوم على ترجمته إلى غير اللغة الغربية , لتصل الحجة إلى من اقتصرت معارفهم على أقوال الفلاسفة الغربيين فى هذا الموضوع , ولينفعهم الله ـ بعد المقارنات بين هذا وذاك ـ للإهتداء ببيان السماء لموضوع الموت اهتداء يدفعهم إلى مزيد من دراسة الإسلام .. بل إلى الدخول فى ساحته , والإنتفاع بهديه , والإستعداد كذلك بالعمل الصالح لما بعد الموت .
4. أن يتقبل الله منى هذا البحث , وأن ينفعنى به فى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
القاهرة : 22 من ذى الحجة 1411 هـ
4 من يونيو 1991مـ
………… أبو مصطفى
……… ……د . عبد الحى الفرماوى
* تمهيد .
* فهم الملاحدة للموت .
* فهم معظم الفلاسفة الغربيين .
* فهم المسلمين .
……
تمهيد
شغل موضوع الموت أذهان البشرية كلها , وجذب من الجميع اهتمامهم به , والتفاتهم له .
وقد هرب الكثيرون من محاولة دراسته وفهمه .
وقد حاول ذلك القليلون .
ومن هؤلاء الذين حاولوا : من ضل الطريق , وأساء الفهم !! .
ومنهم كذلك : من أبصر الطريق وأجاد الفهم ..
وترتبعلى ذلك :(1/3)
أن انحرفت الكثرة التى هربت من دراسته عن سواء السبيل , وابتعدت عن الصراك المستقيم .
كما انحرف كذلك : الذين حاولوا دراسته فضلوا الطريق , وأساءوا الفهم .
ولكن بفضل الله تعالى لم ينحرف من حاول , ودرس , فأبصر الطريق , وأحسن الفهم .
وفيما يلى نوضح موقف هؤلاء وهؤلاء .
فهم الملاحدة للموت ..
ذهب بعض الناس : إلى أن الموت يعنى انتهاء مسار رحلة الحياة , وخاتمة مطاف العبد ..فلا رحلة بعده , ولا حياة تليه , ولا بعث منه..وبعبارة واحدة (( الموت عندهم يعنى : الفناء والعدم المحض )) .
وقد أخبر القرآن الكريم عن موقف هذا الفريق , وحكى مفولتهم بقول الله تعالي عنهم :
?وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ? (1) .
ويقول تعالى للمصطفى صلى الله عليه وسلم : ?وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ? (2) .
وهذا الفريق من البشر : ينكر - بناء على ذلك- كل ألوان الثواب والعقاب..البرزخى والأخروى , ويحيا لاهياً .. بل? يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ ? (3) . وينكر-ما بعد الوت - جاهلا
معانداً .
1. سورة الأنعام : 29 .
2. سورة هود : 7 .
3. سورة محمد : 12 .
وغالبية هؤلاء لم يهتموا بدراسة الموت .. بل خافوا منه , وفروا من ذكره فرارهم من الأسد .
يبدو أن خوفهم منه , وعدم فهمهم له : هو الذى حدا بهم إلى تجاهل التفكير فيه .. بل إلى العمل على تناسيه ويمثل هذا الفريق : الملاحدة قديما ً وحديثاً , والصدويقون .. وهم فرقة من اليهود (1) يصور مذهبهم ماجاء فى سفر أشعيا [ 25:28 ] (( يبلغ الموت إلى الأبد ,ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه )) .(1/4)
وما جاء فى سفر الجامعة : [ 9 : 7 , 10 ] (( اذهب كل خبزك بفرح , واشرب خمرك بقلب طيب , لأن الله منذ زمان قد رضى عملك ,لتكن ثيابك فى كل حين بيضاء , ولا يعوز رأسك الدهن , كما تجده يدك لتفعله فافعله بقوتك , لأنه ليس من عمل , ولا اختراع , ولا معرفة , ولا حكمة فى الهاوية التى أنت ذاهب إليها )) .
وكذلك : الشيوعيون ..
وكذلك : بعض فلاسفة القرن الثامن عشر الذى يسمى بـ (( عصر الإنكار المتشدد للخلود ))(2) .
فهم معظم فلاسفة الغرب للموت ..
وذهب فريق آخر إلى أن الموت لا يعنى انتهاء الرحلة ,وخاتمة المطاف , وأن بعد الموت بعثاً .
ولكن بالرغم من هذه المعرفة فإنهم يختلفون حول هذا البعث .. هل هو للنفس أو للجسد ..؟ .
ثم ما كيفية هذا الفريق من الفلاسفة الغربيين المعاصرين , وأتباع الأديان السابقة التى حيل بتحريفها بين أتباعها بين معرفة الصواب فى هذه القضايا الجوهرية !!.
لقد ساهمت الكنيسة فى الهروب من دراسة هذا البعث واليوم الآخر إلى درجة كبيرة .. إذ أصبح العالم الآخر إلى درجة كبيرة .. إذ أصبح العالم الآخر من خلال جهود الكنيسة - كما يقول الراهب نوتكر بالبولوس من سانت جالين - مصدر للإرهاب .. لا للعزاء , فلضمان وجود سعيد فى العالم الآخر , ولتجنب التعرض بصورة أبدية لعذاب لا يمكن تخيله , كان من الضرورى أن يحيا المرء فى هذا العالم حياة تتجاوز طاقة معظم الناس .. اللهم إلا قلة من الزهاد الورعين ( 3 )
1. نسبة إلى [ صادوق ] الكاهن الأعظم فى عهد سليمان عليه السلام وهم ينكرون البعث ,والحياة الآخرى , والحساب , يرون أن جزاء الإنسان يتم فى الدنيا ( انظر الموت فى الفكر الغربى ص90 هامش .
2. أنظر الموت فى الفكر الغربى ص 143 وما بعدها .
3. المرجع السابق .
فهم المسلمين للموت ..(1/5)
وذهب آخرون .. وهم : جماهير المسلمين .. عامتهم , ومفكروهم , وفلاسفتهم .. ذهبوا إلى أن الموت انتقال من عالم من عوالم الله سبحانه وتعالى إلى عالم آخر من عوالمه سبحانه وتعالى أيضا ً .
انتقال من دار الدنيا إلى دار البرزخ , انتظاراً فيها للوصول إلى الدار الآخرة .
انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء .
انتقال من دار الزرع إلى دار الحصاد .
انتقال من دار التكليف والعمل الدنيوى إلى دارالثواب والعقاب الأخروى : ? فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ? (1) .
يقول ابن القيم : جعل سبحانه وتعالي الدور ثلاثاً : دار الدنيا , ودار البرزخ , ودار القرار , وجعل لكل أحكاماً تختص بها (2) .
ومن هنا : فالموت ينقل العبد من دار الدنيا إلى دار البرزخ كما أخبر الحق وهو أصدق المخبرين فى قوله تعالى : ? حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ? (3) .
أى : مهلة يمكثون بها حتى ينتقلوا إلى الدار الأخرة (4 ) .. وهذه المهلة التى يمكث بها الإنسان حتى يوم البعث هى : الحياة البرزخية .
ومعظم هؤلاء - بفضل الله تعالى - اعتنوا بموضوع الموت , واهتموا بدارسته , وجدوا فى الأستعداد له , والعمل لما بعده .
ونتيجة لمعرفتهم به , أنه انتقال من مرحلة إلى مرحلة , ومن حياة الى حياة : لم يتجاهلوه , ولم يهربوا من دراسته , وكان موقفهم منه على النحو التالى :
1.سورة الزلزلة الآيتان : 7 , 8 .
2. الروح لابن القيم ص 8 .
3. سورة المؤمنون : 99, 100.
4. انظر جامع البيان لابن جرير الطبرى (18/ 52).
…………
* تميهد .
* طبيعة الموت .
* حتمية الموت وعموميته .
* وجوب دراسته .
تمهيد(1/6)
الموت : موضوع كريه .. مزعج .. لا يشجع على التفكير , أو الحديث فيه .
وقد وصف القرآن الكريم حدوثه (( بالمصيبة )) , فى قوله تعالى :?فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ? (1) .
وهو كريه مزعج .. لأن الإنسان بطبيعة يخشى الموت , ويجب الحياة .
وفى الحديث الشريف : (( قلب الشيخ شاب على حب اثنتين : طول الحياة , وحب المال )) . (2) .
وفى أحاديث الفتن (( ... ينزع الله المهابة من قلوب عدوكم ,ويجعل فى قلوبكم الوهن , قالوا :
وماالوهن يا رسول الله ؟ قا ل: حب الدنيا وكراهية الموت )) (3) .
ولذلك ينفر الإنسان من سماع الإسم , وينفر كذلك من دراسة هذا الموضوع , ودليل بسيط على
ذلك : أنك تجد من الناس من يشكو مر الشكوى مما فى هذه الحياة الدنيا م ن: ألم ,ومعاناة ,
وبؤس , وشقاء .. إلخ . لكنه رغم ذلك كله يثبت بها بقوة , حتى إنه يستعيذ بالله إذا طرقت أذنه
كلمة الموت ...
بل إن المحتضر نفسه وهو على فراش الموت يكره أن يسمع كلمة الموت.
وهذا الكلام لا يصدق على الإنسان العادى فحسب .. بل إنه يصدق - كذلك - على المفكرين و
والفلاسفة .
1. سورة المائدة الآية : 106 .
2. رواه مسلم :كتاب (( الزكاة)) - باب (( كراهية الحرص على الدنيا )) .
3. مسند أحمد من حديث ثوبان رضى الله عنه .
طبيعة الموت
ومن مجرد النظرة العابرة إلى طبيعة الموت نجد أنه ينطوى على كثير من المفارقات (1) فطبيعة الموت هى :
أولا : الكلية المطلقة .. إذ إن جميع البشر فانون .
والقرآن الكريم يقرر هذه القاعدة فى أكثر من موضع .
للأنبياء : حيث يقول رب العزة لنبيه صلى الله عليه وسلم : ? إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ? (2)
? وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ? (3)(1/7)
وللمؤمنين : حيث يقول سبحانه وتعالي : ? يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ? ( 4) .
ولجميع الناس : حيث يقول عز وجل : ? كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ? (5) .
وفى قاعدة عامة يقول سبحانه وتعالي : ? كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ? (6) .
ولهذا قيل : إن الموت يتبع من الجميع سياسة (( ديمقراطية )) تقوم على المساواة المطلقة - إن صح تعبيرهم - فهو لا يعرف التمييز بين العباقرة والسوقة , أو بين العلماء والجهال , أو بين الشبان والشيوخ , أو بين الخيار و الأشرار .. إلخ (7) .
1. د . إمام عبد الفتاح مقدمة كتاب (( الموت فى الفكر الغربى )) .
2. سورة الزمر الآية : 30 .
3. سورة الأنبياء : الآيتان 34 :35 .
4. سورة العنكبوت الآيتان 56 , 57 .
5. سورة آل عمران الآية :185.
6. سورة الرحمن الآية : 26.
7. انظر : مشكلة الحياة - د زكريا إبراهيم ص 302 .
ثانياً : ووجه المفارق هنا أنه رغم هذا الطابع الكلى المطلق الذى وضح جيدا ً فإن الموت يحمل فى طبيعته - فى نفس - الوقت الجزئية المطلقة (1) .
وبيان ذلك : أن الموت الفردى , وشخصى , وخاص جداً .. فكل منا لا بد أن يموت وحده , ولا بد أن يموت هو نفسه , ولا بد أن يموت نيابة من غيره , أو بدلاً منه.
ويقرر القرآن طبيعته هذه فى قوله تعالى : ?وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ? (2) .
ثالثاً : ومن المفارقات التى تنطوى عليها طبيعة موضوع الموت كذلك أنه يجمع بين (( اليقين )) …و((وعدم اليقين )) (3) .(1/8)
وبيان ذلك : أنى أعرف يقينا ً أننى سأموت : ? كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ? (4) .
ولسنا الوحيدين فى ذلك .. بل الجميع : ? كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ? ( 5) .
وأعرف أيضا ً ويقيناً أن ذلك فى ساعة محددة , ووقت معلوم , لا تقديم فيه , ولا تأخير عنه :
? لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ? (6) . ? وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا ? (7 ) . وكذلك : ? وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ? (8) .
لكننى أجهل يقينا ً : متى , وأين سيكون ذلك؟ .
1. مقدمة كتاب الموت فى الفكرالغربى .
2. سورة الأنعام الآية 94 .
3. مقدمة " الموت فى الفكرالغربى "
4. سورة آل عمران : 185 .
5. سورة القصص الآية : 88 .
6. سورة الرعد : الآية 38 .
7. سورة المنافقون : الآية 11.
8. سورة الإعراف الآية :34 .
رابعاً:بل كان هذا الأمر أحد المغيبات الخمس التى اختص الله سبحانه وتعالي بعلمها دون غيره : ? إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ? (1).
نعم .. ? وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ?.
لكن الله سبحانه وتعالي وحده يدرى بالزمان , والمكان الذى فيه ,وعليه كل نفس تموت ..وغيره أبداً بذلك لا يدرى .. !!.
خامساً:وإن من يحاول أن يدرك لطف الله بالإنسان: يعرف أن السر هو غاية الوضوح واليسر .
ذلك أن الذى يعرف مكان موته , ونهاية أجله سوف لا يذهب إليه .. أعتقد أنه لن يذهب هناك إلا
قليل أن لن يذهب هناك إلا القليل , والقليل حداً .. وهى فئة معينة تذهب للموت ولم تعرف مكانه ..(1/9)
بل إن غالبية البشر لن تذهب إلى هذا المكان أبداً . . أو على الأقل فى اللحظة المعينة المعروفة .. ولو كان هذا الأمر على هذا لحدث بذلك تعارض شديد - حاشا لله - بين علمه بمكان موت الإنسان وقضائه فى إماتته وبين امتنا ع الإنسان عن الذهاب إلى هذا المكان وعدم رغبته فى تسليم نفسه للموت طائعاًمختاراً .
وأيضاً .. فالذى يعرف زمان موته سيكون لهذة اللحظة أسيراً ,وتفكيره فيها كثيراً , فاقد الأمل , عديم
الرغبة للعمل , حتى ولو كانت بعد زمن بعيد .. إذ إن كان إنسان يتصرف وكأنه سيعيش الدهر كله ,وسيمتلك الدنيا بأسرها .. ولولا جهله بيوم موته وما أكل ولا شرب , ولأصبحت الطاعة جبراً , والبعد عن المعاصى قهراً , ولفقد نعمة الاختيار, وفضيلة الترجيح .. ولأصبحت الحياة بلا طعم , ولا لون , ولا رائحة .. الكل يعيش بلا أمل , ويسير نحو موعد ومكان يسلم نفسه فيه للموت.
إنه لون غريب من الحياة .. نجد الناس فيه - لو كان - سكارى .. حيارى .. يرتدون جميعا ً حلل التعاسة واليأس .
سادساً : ثم نصل إلى السر فى هذه الطبيعة التى تبدو متناقضة : ذلك أن من يتأكد يقينا ًمن موته , ويتأكد - فى نفس الوقت - يقينا ً من جهله , وجهل غيره بمكان وزمان موته ويتأكد ثالثاً من أن الله وحده سبحانه وتعالي ? يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ? (2) .
1. سورة لقمان الآية : 34 .
2.سورة الزمر : 42 .
أى لا يعلم - هو ولا غيره - زمان موته ..
ولا يعلم - هو ولا غيره - مكان موته .
ولا يقدر - هو ولا غيره - على إماتته .
بل الذى يعلم كل ذلك , ويقدر على إماتته هو الله وحده دون غيره - سبحانه وتعالي .
لهو الإنسان الذى يؤمن بحتمية الموت وعموميته .
وهو الإنسان الذى يؤمن بحتمية الموت وعموميته .
وهو الإنسان الذى يسعى لدراسته .
وهو الإنسان الذى يصل بهذه الدراسة ومنهاإلى النتيجة المرجوة .
وذلك واضح فى الصفحات التالية .
حتمية الموت وعموميته ..(1/10)
اتضح للمسلمين من علمهم وتلاوتهم لآيات (( القرآن الكريم )) , وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم , التى سبق ذكرها : أن الموت أمر حتمى لا بد منه .
يروى أن هارون الرشيد لما يئس من الشفاء على يد طبيبه قال (1) :
إن الطبيب بطبه ودوائه لا يستطيع دفاع نحب قد أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذى قد كان يبرئ مثله فيما مضى
مات المداوى , والمداوى والذى جلب الدواء وباعه ومن اشترى
بل يصور الإمام الحسن البصرى هذه الحتمية وتلك العمومية للموت بصورة مفزعة .. مخيفة .. ومفيدة إذ يقول : (( مامن يوم إلا وملك الموت يتصفح كل بيت ثلاث مرات .. فمن وجده منهم قد استوفى رزقه , وانقضى أجله قبض روحه .. فإذا قبض روحه أقبل أهله برنة بكاء .. وهنا : يأخذ ملك الموت بضادتى الباب فيقول : والله ما أكلت له رزقاً , ولا أفنيت له عمراً , ولا انتقصت له أجلاً , وإن لى فيكم لعودة بعد عودة حتى لا أبقى منكم أحدا ً )) .
يقول الحسن : فوالله لو يرون مقامه ,ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ,وبكوا على أنفسهم (2).
ومن هنا .. ولهذا وجدوا أن ذكره كثيراً , ودراسته , الحديث عنه طويلاً وعدم الهروب من ذلك يفيديهم غاية الإفادة كما يتضح فى النقطة التالية :
وجوب دارسة الموت ..
ودراسة الموت ومعرفته فى الإسلام أمر واجب .. إذ فى دراسته وتذكره احترام الإنسان لنفسه , وحث على استعداده لما بعد الموت , ودعوة إلى حسن عبادته , وإرشاده له إلى : إسلام وجهه , ونفسه وماله وولده لله سبحانه وتعالي .. فلا يكون لديه إذعان إلا الله تعالى , ولا يكون عنده خوف إلا من الله تعالى..
وهنا يدفعه الإذعان لله تعالى إلى الإخلاص له سبحانه وتعالي فى كل ما يقوم به من عمل , وفى كل ما يؤديه من عبادات , وفى كل ما يكون منه من تعاملات .. وعموماً يدفعه إلى حسن خلافته لله تعالى على هذه الأرض .(1/11)
وكذلك يدفعه الخوف من الله وحده إلى تحرره من كل ألوان الخوف التى تعوقه عن القيام بمهمته الأساسية .. وهى : عبادته لله تعالى ,ودعوته لدين الله تعالى : أمراً بالمعروف , ونهياًً عن المنكر .. فلا يكون لديه خوف من جهة الرزق .. ولا يكون عنده خوف من غير الله سبحانه وتعالي أياً كان مصدر هذا الخوف .
وهنا يدفعه هذا الأمن وهذا التحرر إلى : حسن أدائه لرسالته , وكمال قيامه بمهمته , فإن الله ? هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ? (1) فلا رازق إلا هو , ولا باسط فى الزرق إلا هو ,ولاقابض فى الرزق إلا هو , كما أن الرزق فى السماء : ? وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ? (2) . ولا يملك السماء وما فى السماء وما من فى السماء إلا الله سبحانه وتعالى ? وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ? (3) .
إذن فلا يملك الرزق بشر .. أياً كان موضعه ؟ وأياً ما كانت صفته !! .
إذن فلا خوف من جهة الرزق .. وكذلك لا خوف من غير الله سبحانه وتعالى .. فلا خوف إلا من الله , ولا إذعان إلا لله , ولا خضوع إلا لله ,ولا تذلل إلا لله .
وعلى ذلك فالموت للمؤمن :أمن لا خوف .. عز لا ذل .. قوة لا ضعف .
ولا يقبل الإسلام من المؤمن خوفا ً , ولا ذلاً ,ولا ضعفا ً , ولا فقراً إلا لله سبحانه وتعالي .. ولا يرضى منه إلا أن يكون : آمناً ,عزيزاً , وقوياً , غنياً .
وقد رآى عمر رضى الله تعالى عنه رجلاً مطأطاً رأسه فقال له:ارفع رأسك ..فإن الإسلام ليس بمريض .
ورآى رجلاً متماوتاً فقال له )) لا تمت علينا ديننا أماتك الله )) (1).
(1, 2): سورة الذاريات الآيات 58 , 22.
3.سورة المنافقون الآية :7. , 4. لسان العرب لابن منظور مادة : موت .(1/12)
وفى حديث عائشة رضى الله تعالى عنها حين نظرت إلى رجل كاد يموت تختافتاً فقالت : ما لهذا ؟ قيل إنه من القرآء ,فقالت (( كان عمر سيد القرآء , وكان إذا مشى أسرع , وإذا قال أسمع , وأذا ضرب أوجع )) .
وهذه دعوة الأمن ,دعوة العز , دعوة القوة .
هذه بالتالى : قمة الحرية التى يرنو إليها كل انسان عاقل , ويتطلع إليها أى نظام عادل نظيف , والتى لم يصل - ولن يصل كذلك - إليها أى نظام من الأنظمة التى صنعها الأنسان , وقيّد بها حرية أخيه الإنسان .
وبهذه الحرية .. وبهذا الأمن .. وبهذه العزة .. وبهذه القوة .. كانت هذه الأمة- بالقوة دائماً , وبالفعل عندما يتحقق لها ذلك - خير أمة أخرجت للناس :? كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ? (1).
وأعود بالقارئ الكريم إلى موضوعنا سائلاً : أليست هذه الحرية وليدة المعرفة الوطيدة بالموت ,والدرسة الجادة له , والعمل الطيب لما بعده ؟ .
بلى .. وألف بلى !!.
ولهذا .. وفى دعوة إلى الحرية .. إلى الأمن .. إلى العزة.. إلى القوة .. يقول الله تعالى :? يَا عِبَادِيَ الَّذِين آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ..فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ..كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ? (3) .
فلا تنمعكم عن العبادة قيود ,ولا يبعدكم عنها ظالم , ولا يشغلكم عنها كسب الرزق , ولا يصدكم عن ذلك خوف من غير الله تعالى .. وذلك لأنه لايملك النفس إلا الله .. هو الذى يحيى ويميت .. بل هو : ? الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ? (3).
فلا أحد يملك إزهاق الروح غيره , ولا أحد يستحق أن يعبده سواه .. ولا عودة فى نهاية الرحلة الدنيوية إلا إليه سبحانه وتعالى .
ومادام الأمركذلك .. هو - يقيناً - كذلك .. فمن من المؤمنين بذلك يساورهم الخوف .. ؟ أو يعيث فى ضميرهم القلق ؟!. بعد هذا اليقين, وهذا التحرر:(1/13)
1. سورة آل عمران الآية :110.
2. سورة العنكبوت الآيتانك 56 : 57 .
3. سورة الملك الآية :2.
اليقين الى يريح النفس , ويثلج الصدر , والتحرر الذى يضع عنهم إصرهم التى تفرض عليهم , وتكبل بها طاقاتهم , وتستعيد - لغير الله - بها أنفسهم .
بهذا اليقين .. وذلك التحرر يكون الأمن , والعزة , القوة .
ومن أحق وأولى بذلك يتأكد ممن أسلم وجهه لله تعالى ؟!.
وأخيرا ً .. فإن من يتأكد من كل ما سبق ذكره ويؤمن به .. بل إن من يفهم طبيعة الموت وهذه .. !!, تنخلع من فؤاده كل أسباب الخوف من غير الله سبحانه وتعالى , وتتلاشى من جوانحه كل ألوان الضعف لغير الله سبحانه وتعالى , وتنتفى من عقله كل صور التسليم والإستسلام إلا الله سبحانه وتعالى .
إن إنسانا ً هذه صفته , وذلك فكره وإيمانه ولهو الإنسان الصالح لأن يكون خليفته لله تعالى فى هذه الأرض :? وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ? (1) .
وهو الإنسان الصالح : لعمارة الكون :? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ? (2).
وهو الإنسان الصالح لقيادة العالم : ? كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ?(3).
فموضوع الموت إذن من الموضوعات الجديرة بالاحترام , والعناية , والدراسة .. كما أنه من الموضوعات التى يحتاج المرء - بعد العلم بها - إلى المسارعة فى الاستعداد لما بعدها .
1. سورة البقرة الآية : 30 .
2. سورة البقر ة الآية : 143 .
3. سورة آل عمران الآية :110 .
* تمهيد .
* عدم الهروب من دراسة الموت .
* إصلاح النفس .
* قيادة الغير .
تمهيد(1/14)
اختلف موقف المسلمين عن مواقف غيرهم من الفلاسفة الغربيين .._ القدماء منهم المعاصرين _ اختلفوا فى فهم الموت , ونظرتهم له , بسبب فهمهم لماهيته وحقيقته, ويقينهم بما بعده مما أدى بهم - دون غيرهم - الى الخروج بفهمهم هذا من دائرة المعرفة النظرية إلى دوائر العمل والإستعداد للموت.. بل لما بعده .
وفى النقاط التالية نعرض لفهمهم له , وإفادتهم منه فى إصلاح أنفسهم ,ونصرة دينهم , وقيادة غيرهم ..
عدم الهروب من دراسة الموت
ونتجة لكل ذلك وفهماً لكل ذلك : كان عدم الهروب من دراسته الموت - الذى لا مهرب منه - أمراً ضرورياً وشيئاً منطقياً من المسلمين أملاً فى الوصول إلى وسائل النجاة من أخطاره , والحد من أهواله الى يقود إليها .
ولذلك نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ((أكثروا من ذكر هادم اللذات .. الموت))(1)
ولذلك قال عمر بن عبد العزيز لصديق له : (( أكثر ذكر الموت ..فإن كنت واسع العيش ضيقه عليك .. إن كنت ضيق العيش .. وسعه عليك )) .
وفى إرشاد الى إعداد العدة وتوجيه الدفة :
(( لما مّر أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه بمقابر الكوفة قال : السلام عليكم أهل الديار الموحشة , والمحال المقفرة .. أنتم لنا سلف .. ونحن لكم تبع .. أما الأزواج :فقد نكحت ..
وأما الأموال : فقد قسمت .. ثم قال :هذا خير ما عندنا .. فما خبر ماعندكم ؟ والتفت إلى أصحابه..
فقال : أما إنهم لو تكلموا لقالوا : وجدنا خير الزاد التقوى )) (2) .
ولذا أنشد بعضهم (3) .
تزود من معاشك للمعاد وقم لله واعمل خيرزاد
ولا تجمع من الدنيا كثيراً فإن المال يجمع للنفاد
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد
1. رواه الترمذى : كتاب (( صفة القيامة )) باب ((26)) وقال : حديث حسن غريب .
2. محاضرات الأدباء الأصفهانى 4/484.
3. التذكرة للقرطبى ص 118.(1/15)
وقيل : (( ما دخل ذكر الموت بيتاً إلا رضى أهله بما قسم الله لهم وجدُوا فى أمر الآخرة ))(1).
وقد أدت بهم هذه الدراسة غلى تحديد موقفهم من الموت على أنه موصل جيد إلى : .
1. إصلاح النفس ونصرة الدين.
2. قيادة العالم.
وبيان ذلك فيما يلى :
إصلاح النفس .. ونصرة الدين
ولفهم المسلمين لطبيعة الموت , ولثقتهم فى عموميته , وتيقنهم من حتميته ,ونتيجة لعدم هروبهم من تذكره ودراسته ,الإفادة من ذلك : فقد حاول المسلمون_ يحاولون دائما ً - إصلاح أنفسهم , ومراقبة ربهم ,والإخلاص له تعالى فى عبادتهم , الصدق والإستقامة فى معاملاتهم , وكانت بيعتهم أنفسهم لله تعالى فى سبيل إصلاح أنفسهم ,ونصرة هذا الدين , تقوم على هذه الأركان العشرة (1) . وفهمهم للموت يرفع شعار (( الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا )).
1. الفهم للإسلام فهماً شاملاً يتناول مظاهر الحياة جميعاً .
2. الإخلاص لله تعالى فى القول ,والعمل , الجهاد .
3. العمل الذى يهدف إلى : إصلاح النفس ,وتكوين البيت المسلم , وإرشاد المجتمع , وتحرير الوطن الإسلامى ,وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية .
4. الجهاد .. وهو الفريضة الباقية إلى يوم القيامة .. ويكون : باللسان ,والقلم , اليد , وكلمة الحق عند سلطان الجائر .
5. التضحية .. بمعنى بذل النفس ,والوقت .. بل الحياة وكل شئ فى سبيل الغاية العليا ,والأجر الجزيل ,والثواب الجميل .
6. الطاعة .. التى تقتضى أمتثال الأمر الشرعى ,وإنفاذه تواً , فى العسر واليسر ,المنشط والمكره .
1.محاضرات الأدباء 4/484.
2.انظر مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ص 356 وما بعدها(( بإختصار شديد )).
الثبات .. فى سبيل تحقيق غايته , عاملاً من أجلها ,مجاهداً لتحقيقها , مهما بعدت المدة , وتطاولت السنوات والأعوام ,حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين .
7. التجرد .. الذى يتم به التخلص للفكرة مما سواها من المبادئ والأشخاص .(1/16)
8. الأخوة .. التى تربط القلوب والأرواح برباط العقيدة التى هى أوثق الروابط وأغلاها .
9. الثقة : وهى الإطمئنان العميق الذى ينتج الحب والتقدير والطاعة ? فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا? (1).
ولفهم المسلمين كذلك _ لطبيعة الموت , ولثقتهم فى عموميته , تيقنهم كذلك من حتميته , ونتيجة لعدم هروبهم من تذكره ودراسته , والإفادة من ذلك ونتيجة لبيعتهم :فقد أدى بهم ذلك إلى انتقال موضوع الموت عندهم من الفكر العقلى المجرد المحدود إلى دائرة الفهم الواعى الذى أدى بهم - ويؤدى -إلى وجوب الإستعداد - دائماً , وقدر الطاقة - لما بعد الموت !!.
وهذه أمثلة -إضافة إلى ماسبق ذكره - لأصحاب هذا الفهم الواعى ,الاستعداد بالعمل .
علماً بأن هذا العمل , وذلك الاستعداد كان فى كل حين وآن قبل الموت .فلما جاء الموت كانوا على استعداد للقائه .. بل كانت الرغبة فى لقاء الله التى توازى - أو تزيد عن - الرهبة مما يخافونه من الموت وما بعد الموت .
ويقول الإمام القشيرى : واعلم أن أحوالهم فى حال النزع مختلفة .. فبعضهم تغلب عليه الهيبة .. وبعضهم يغلب عليه الرجاء.. ومنهم من كشف له فى تلك الحالةما أوجب له السكون ,وجميل الثقة (2).
فمن القسم الأول :
ما ورد من أن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه عنهما لما حضرته الوفاةبكى .. فقيل لله , مايبكيك ؟ فقال :(( أقدم على سيد لم أره ))(1).
وماورد من أن ابن المنكدر لما حضرته الوفاة .. بكى .. فقيل له :مايبكيك ؟ فقال (( والله ما أبكى للذنب أعلم أنى أتيته .. ولكن أخاف أنى أتيت شيئاً حسبته هيناً وهو عند الله عظيم )) (2).
وما ورد من أنه قيل لبشر الحافى وقد احتضر :كأنك تحب الحياة يا أبا نصر ؟فقال : (( القدوم على الله - عز وجل - شديد ))(3).(1/17)
1. سورة النساء الآية :56 .
2. انظر الرسالة القشيرية 2/589 -591.
3. نفس المرجع السابق .
4.إحياء علوم الدين 4/597.
5.رسالة القشيرية ( الموضع السابق ).
ومن القسم الثانى :
ماورد من أن المأمون عند موته : افترش رماداً ,واضطجع عليه , وأخذ يقول : (( يا من لا يزول ملكه .. ارحم من قد زال ملكه )) (1).
وما ورد من أن هارون الرشيد انتقى أكفانه بيده عند الموت , وكان ينظر إليها , ويقول (2) ? مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ? (3.
وما ورد من أن الحجاج بن يوسف الثقفى قال عند موته (( اللهم اغفر لى .. فإن الناس يقولون :إنك لن تغفر لى )) .
وكان عمر بن عبد العزيز : تعجبه هذه الكلمة من الحجاج ويغبطه عليها (4.
وما ورد من أن مكحول الشامى - الذى كان يغلب عليه الحزن - لما دخل عليه أصحابه وهوفى مرض الموت وجدوه يضحك .. فقالوا له : لم تضحك؟فقال لهم : ولم لا أضحك وقد دنا ما كنت أحذره , واقترب ما كنت أرجوه وآمله (5.
ومن القسم الثالث :
ما ورد من أن معاذا ً رضى الله عنه لما حضرته الوفاة قال : (( اللهم إنى قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك .. اللهم إنك تعلم أنى لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجرى الأنهار ولا لغرس الأشجار .. ولكن لظماً الهواجر ,ومكابدة الساعات ,ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر )), ولما اشتد به النزع - كان كلما أفاق من غمرة يقول : (( اللهم إنك تعلم أن قلبى يحبك )) (6).
وما ورد أن (بلالاً ) رضى الله عنه لما حضرته الوفاة قالت امرأته : واحزناه ..فقال : بل واطرباه ..غداً نلقى الأحبة .. محمدا ً وحزبه .
وما ورد من أن عبد الله بن المبارك فتح عينيه عند الوفاة وقال:? لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ? ( 7) .
1.الإحياء : (4/597 ) 4.الإحياء (4/579). 7.الرسالة القشيرية 2/589 سورة الصافات.61
2.نفس المرجع . 5.الرسالة القشيرية (2/589).(1/18)
3.سورة الحاقة الأية 28,29 6.الإحياء - الموضع السابق .
وما ورد من أن بعضهم وجد امرأته تبكى وهو يحتضر .. فقال له : ما يبكيك؟فقالت : عليك أبكى ..فقال لها : إن كنت باكية فابكى على نفسك .. فلقد بكيت لهذا اليوم أربعين سنة .(1).
قيادة العالم ..
ولفهم المسلمين لطبيعة الموت ولثقتهم فى عموميته , وتيقنهم من حتميته , ونتيجة لعدم هروب من تذكره ودراسته والإفادة من ذلك .. انتشروا فى ربوع الدينا كلها - دون خوف من غربة , أو تهيب من موت -لرفع راية الإسلام فوق جنباتها .
كما خاضوا غمار الحروب - دون وجل من لهيب نيرانها , أو رعب من الموت على شفار سيوفها -دفاعا ً عن الإسلام ,وديار المسلمين .
كما واجهوا الطغاة , وبلغوهم - بكل قوة وشجاعة وحكمة وموعظة حسنة -رسالة الإسلام , وقد اهتدى بذلك كثير منهم !!.
كما تحملوا كل صنوف الظلم - الذى لا حيلة لهم فى دفعها - بكل قوة وثبات , وعدم اهتزاز لإيمانهم ويقينهم .
وكثيراً ما حدث , ويحدث ,وكلما كان الفهم , وتلك الثقة ,وذلك اليقين , وحسن الاتباع كانت سيادة الإنسان على نفسه وهواه .. وكانت : سيادة المسلمين على غيرهم من أمم الأرض .
وكلما فقد ذلك : ضاعت سيادة الإنسان على نفسه ,وعلى غيره .
ولهذا .. وبكل هذا ..انتشر الإسلام , وأصبح المسلمون -كثيرا ًًً - قوة عالمية تخشاها أمم الأرض , وتتعاون على الإعتداء عيهاوالنيل منها ,رهبة مما تملك من سلاح : الفهم للموت , الثقة بما بعده , الإستعداد لذلك بالالتزام بتعاليم الإسلام , وحيلولة منهم دون امتلاك المسلمين لأسباب ومقومات السيادة والزعامة العالمية . وإبعاداً منهم للإسلام وأهله عن حل المشاكل والأزمات التى تئن منها شعوب الأرض !!.
1. نفس المرجع .
* تعريف .
* سكرات الموت فى القرآن .
* سكرات الموت فى نظر الطب .
* الآم سكرات الموت.
تعريف
والسكرات : جمع سكرة , وهى مأخوذة من السُكر .
والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله .(1/19)
وأكثر ما يستعمل : فى الشراب المسكر .
ويطلق فى : الغضب ,والعشق , والألم , والنعاس , والغشىالناشئ عن الألم .
والأخير :هو المراد هنا (1).
وأكثر شئ فى الموت ,إفزاعاً وتفزيعاً,وألماً وإيلاماُ :هو سكرة الموت .
سكرات الموت فى القرآن الكريم
وقد أسماها القرآن الكريم :سكرة .
فى قوله تعالى ? وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ*إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ *مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ? (1).
كما أسماها : بالغمرات فى قوله تعالى :? وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ ? (2).
ما شبه القرآن الكريم الخائف خوفاً شديداً بمن هو فى سكرات الموت .
حيث قال تعالى :? فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ? (3).
وذلك : لذهاب عقولهم , حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة محددة (4).
وحيث يقال تعالى :? وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ? ( 5).
أى كمن يشخص بصره عند الموت , وذلك لجبنهم وخوفهم (6).
1. سورة ق الأيات (16:19). 4. الجامع لأحكام القرآن :14/153.
2. سورة الأنعام :93. 5.سورة محمد :20.
3. سورة الأحزاب :19. 6.الجامع لأحكام القرآن :16/243.
سكرات الموت فى الطب(1/20)
وهى فى نظر الطب :عبارة عن توقف الأعمال الحيوية فى الجسم , نتيجة لتوقف أجهزة وضعها البارى سبحانه وتعالى فى البدن .
وهذه الأجهزة هى : الجهاز الدورانى , الجهاز العصبى , الجهاز التنفسى .
وبهذا التوقف : يكون الشخص غير قابل للإنعاش , ثم تحدث تغيرات بالجسم تمنعه من العودة إلى الحياة , وسنعرض لها بعد قليل .
وهنا يقال : إن الشخص قد مات (1).
لأ يا أيها المغرورمالك تعلب …
وتعلم أن الحرص بحر مبعد سفينته الدنيا فإياك تعطب
وتعلم أن الموت ينقض مسرعاً … عليك يقنا ًطعمه ليس يعذب
كأنك توصى واليتامى تراهم وأمهم الثكلى تنو ح وتندب
تغص بحزن ثم تلطم وجهها يراها رجال بعد ما هى تحجب
وأقبل بالأكفان نحوك قاصداً … ويخشى عليك التراب والعين تسكب(2).
1. انظر أسرار الموت بين العلم والدين :د . مؤنس محمود غانم ( المجلة العربية عدد مارس 1984).
2 .انظر التذكرة للقرطبى ص 33.
الآم سكرات الموت ..
وعملية الموت هذه تستغرق من الزمن حوالى عشر دقائق .
نعم : عشر دقائق فقط !!.
إنه لأمر هين ,يسير , بمقياسنا للزمن !!.
لكنه صعب , شديد ,طويل , بمقياس الله تعالى :
? وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ? (1).
لكنه صعب , شديد , طويل , بمقياس الألم .
الألم الذى يهون بجواره كل ألم !!.
الألم الذى جعل عائشة رضى الله عنها تقول :
(( ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذى رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ))(2).
الألم الذى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعين عليه بالله تعالى ,فيما روى عن عائشة أنها قالت : (( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وهو بالموت , وعنده قدح من ماء ,وهو يدخل يده فى القدح , ثم يمسح وجهه بالماء ,ثم يقول:(( اللهم أعنى على غمرات الموت - أو سكرات الموت -)(3).(1/21)
الألم الذى قال عنه شداد بن أوس : الموت أفظع هول من الدنيا والآخرة على المؤمن , هو أشد من نشر بالمناشير ,وقرض بالمقاريض , وغلى فى القدور , ولو أن الميت نشر , فأخبر أهل الدنيا بالموت , ما انتفعوا بعيش , ولالذوا بنوم (4).
الألم الذى استعمله الإمام على رضى الله عنه فى الحض على القتال ,وهو يقول : إن لم تقتلوا , والذى نفسى بيده : لألف ضربة بالسيف أهون علىّ من موت على فراش (5).
وروى أن نفراً من بنى إسرائيل مروا بمقبرة فقال بعضهم لبعض : لو دعوتم الله أن يخرج لكم من هذه المقبرة ميتاً تسألونه ؟.
فدعوا الله تعالى ..!!.
فإذا هم برجل قد قام , وبيّن عينيه أثر السجود قد خرج من قبر من القبور .
فقال : (( يا قوم ..!!ما أردتم منى ؟ لقد ذقت الموت منذ خمسين سنة , ما سكنت مرارته من قلبى حتى الآن , فادعوا الله أن يعيدنى كما كنت )(6).!!.
1. سورة الحج : 47. 4. إحياء علوم الدين 4/574.
2. رواه الترمذى كتاب الجنائز باب ماجاء فى التشديد عند الموت . 5.نفس المرجع .
3. رواه الترمذى ـ نفس الكتاب ونفس الباب ـ وقال حديث غريب . 6.نفس المرجع والموضع.
ألم أقل : إن سكرة الموت أكثر شئ فيه إفزاعاً ,وإيلاماً !!؟.
وجد مكتوباً علىأحد القبور (1):
يا أيها الإنسان كان لى أمل …… قصر عن بلوغه الأجل
فليتق الله ربه رجل أمكنه فى حياته العمل
ما أنا وحدى نقلت حيث ترى …… كل إلى مثله سنتقل
1. إحياء علوم الدين 4/606 .
……………
* تميهد .
* علامات الموتى.
* تكريم الموتى .
* دفن ألموتى أحياء .
* طرق الوقاية من دفن الموتى أحياء .
تمهيد(1/22)
ولم يكتف المسلمون بالاهتمام بالموت فى ذاته ,وما يستتبعه من نعيم أو عذاب , وما يلزم - لنول هذا والنجاة من ذاك - من إستعداد دائم بالعمل الصالح فقط .. بل انتقل اهتمامهم هذا إلى دراسة الجسد البشرى , وما يحدث له عند الموت , وما يطرأ عليه من تحولات بعد الموت , وكذلك ما يلزم لهذا الجسد من ألوان التكريم والاحترام والرعاية , الصيانة للأحياء من بقائه بينهم , وإفساده لحياتهم وصحتهم .
وكانت دراستهم واهتمامهم بهذا الجسد على النحو الذى سنرى - قريباً - من أقوى وسائل التأثير , الدفع لقوة الامتثال عندهم , والصد عن الفساد والإفساد منهم .
ويتضح ذلك جلياً فيما يلى :
علامات الموت
وللموت علامات , منها (1):
1. برودة الجسم , انخفاض حرارة البدن , حيث تهبط درجة مئوية واحدة فى الساعة .
2. نقص وزن الجثة , بسبب نقص مائها .
3. اتساع حدقتى العينين ,وعدم تأثرهما بالضوء .
وهذا هو شخوص البصر الوراد فى الحديث الشريف الذى يرويه أبو هريرة رضىالله عنه حيث يقول :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره ؟ )) قالوا : بلى !!قال (( فذلك حين يتبع بصره نفسه ))(2).
ثم تغور العينان , وتفقدان بريقهما .
4. فقدان كل من : مرونة الجلد , والحسن .
5. توقف القلب .
ويعرف ذلك : بانعدام النبض فى معصم اليد (3).
6. توقف النفس .
ويعرف ذلك بانعدام الحركات فى الصدر , والبطن , وبمكن التأكد من وقوفه إذا وضعنا سطح مرآة
أمام الأنف والفم , ولم تتشكل عليه طبقة ضباضبية .
1. د.مؤنس محمود غانم أسرار الموت بين العلم والدين (مصدر سابق).
2. رواه مسلم كتاب الجنائز باب فى شخوص بصر الميت ..إلخ .
3. د.مؤنس محمود غانم البحث السابق .
وفى المغنى لابن قدامة : ومن علامات الموت :
* استرخاء رجليه .
* وانفصال كفيه .
* وميل أنفه .
* وامتداد جلد وجهه - أى ترهلها .
* وانخساف صدغيه (1).(1/23)
وكل هذه علامات تتوافر فى كل من يذوق طعم الموت .
تكريم الميت
قال الفقهاء : يستحب المسارعة إلىتجهيز الميت إذا تيقن موته , لأنه أصوب له ,أحفظ من أن يتغير وتصعب معالجته (1).
والمراد بتجهيز الميت : غسله وتكفينه , والصلاة عليه , استعداد ً لدفنه .
وكرامة الميت :تعجيله , كما يقول الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه (2).
ولذا : يجب الإسراع بدفنه .
ومنذ فعل الغراب الذى بعثه الله ليوارى سوأة أخيه . كما هو مذكور فى قوله تعالى:
? فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ? أى : ليرى قابيل ? َيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ?
هابيل , قال قابيل : ? وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي ? (3).
صار فعل الغراب - و هو الدفن - سنة باقية فى الخلق , وفرضا ً على جميع الناس على الكفاية إلى يوم
الدين .
وأخص الناس به : الأقربون , الذين يلونه , ثم الجيرة , ثم سائر المسلمين (4).
وروى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قا ل: ((إنى لا أرى طلحة قد حدث فيه الموت , فآذنونى به وعجلوا , فإنه لا ينبغى لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهرانى أهله ))(1).
وعلى ذلك فجسد الميت لا بد وأن يوراى التراب , وبقدر المستطاع من المسارعة فى ذلك , مهما عظم
قدر الميت - فى الدنيا , أو بين أهله - أو حقر صغر أو كبر , خامل الذكر كان , أو نابه الشأن (2).
1, 2 : نفس المرجع .
3.سورة المائدة : 31.
4. الجامع لأحكام القرآن 6/143.
وصدق القائل (3):
الموت فى كل حين ينشر الكفنا ونحن فى غفلة عما يراد بنا
لا تطمئن على الدينا وبهجتها …… وإن توشحت من أثوابها الحسنا
سقاهم الموت كأساً غير صافية فصيرهم لأطباق الثرى رهنا ُ
ويتضح ذلك من دراسة التحولات التى يمر بها , أو التى تحدث لجسد الميت بعد وفاته .
وهى كما وضحها العلماء , على نحو ما سنراه قريباً .(1/24)
* إذ لولاه لملئت دنيا الأحياء , بالجيف , العفونات - كما سنرى بعد - مما يساعد على انتشار الأمراض والمهلكات .
* كما أن عدم الدفن - لو كان - امتهانا ً لهذا الإنسان , الذى كرمه الله تعالى , وجعله خليفته له فى الأرض .
دفن الموتى أحياء
ومما يجدر ذكره والتنبيه عليه والتنبه له : التأكد من توافر العلامات سابقة الذكر فيمن يموت , حتى لا يدفن بعض الناس وهم أحياء , نتيجة أنهم راحوا فى غيبوبة طويلة تلتبس فى بعض الأحيان - عند الكثيرين - مع غيبوبة الموت الحقيقى .
وليس ما نقوله هذا : من باب الخيال , أو التسلية أو المزاح .. بل هو شدة تحفظ فى أمر حيوى هام وخطير , وهو دفن المرء فور وفاته , ودون التأكد الجاد العلمى من توافر علامات الموت عنده .
وندلل على ما نقول بما فى كتاب للحافظ أبى الدنيا - وهو من علماء القرن التاسع الهجرى - بعنوان
(( من عاش بعد الموت )) (1). إذ يفيض الكتاب بذكر كثير من الحالات التى تؤكد وعى السابقين لهذا الموت الهام , تسجيلهم لبعض وقائعه .
كما أن هناك :دراسة علمية حديثة ,قام بها علماء محققون مدققون أفادت :
* أنه فى الولايات المتحدة الأمريكية , يدفن خطأ شخص واحد حى , فى كل أربع وعشرين ساعة .
* ما أن (( جمعية لندن الخيرية )) بينت أنها قد أعادت للحياة خلال اثنتين وعشرين سنة 2175 شخصاً
دفنوا أحياء , أى أن موتهم كان ظاهرياً .
* وأن جمعية مماثلة فى أمستردام أنقذت حياة 990 شخصاً فى خمس وعشرين سنة .
1.من تحقيق د .مصطفى عاشور ونشر مكتبة القرآن بالقاهرة .
* وأن جمعية مماثلة كذلك فى همبورج أنقذت 107 أشخاص فى أقل من خمس سنوات .(1/25)
وقد وردت هذه الإحصائيات فى كتاب (( الموت .. أسبابه وظواهره ))لمؤلفيه الدكتورين : كارنجتون وميدر . (( اللذين يقولان فى كتابها : أنهما شخصياً يعرفان عدة حالات من هذا القبيل , أن الأرقام التى يوردانها , رغم فداحتها , لا تمثل بطبيعة الحال جميع الحالات .. بل التى لم تكتشف فلا يعملها إلا علام الغيوب (1).
هذا من جهة الدراسات العلمية التى تبين خطورة عدم التأكد من الموت الحقيقى .
أما من جهة الحالات الواقعية التى تؤكد أن بعض الموتى شرع فى دفنهم , بل دفن بعضهم وهم أحياء نتيجة أنهم راحوا فى غيبوبة طويلة التبست - عند من شخصها - مع غيبوبة الموت الحقيقى .
فمن المشاهير مثلاً (2).
* العلامة [ ونسلو] أستاذ التشريح الشهير.
* الكاردينال الفرنسى :دوتيه .
* ريئس الوزراء البريطانى : دزرائيلى .
ومن الأربيين مثلاً (3)
ما حدث للشاب (( البلجيكى )) : [ ميشيل دولين] 33 عاماً إذ يتحدث البلجيكيون بدهشة عن حكايته .
فقد كان سيدفن فى الأسبوع الماضى - الأسبوع الأول من شهر أبريل 1988 م - نتيجة خطأ غير مقصود من الأطباء .
والغريب : أن الذى أنقذه من هذا المصير هو الحانوتى العجوز , الذى جاء ليدفنه .
فقد أصيب (( ميشيل )) هذا من حوالى عشر سنوات بورم فى النبكرياس , وأكد الأطباء أنه لا يمكن
استئصاله بالجراحة .
وهكذا : يعيش (( ميشيل )) طوال هذه السنوات , أخذ وزنه ينخفض بدرجة ملحوظة , وأصيب
باكتئاب , انزوى فى منزل والديه بعيداً عن أى حياة اجتماعية .
وفى صباح أحد أيام الأسبوع الماضى مات (( ميشيل )) فقد دخلت أمه حجرته لتجد جثته ملقاة فى
الأرض ,فأسرعت باستدعاء الطبيب الذى فحص جثة ميشيل وأكد لها أنه توفى , ثم قام الطبيب :
بكتابة شهادة الوفاة المطلوبة لاتخاذ إجراءات الجنازات , ثم الدفن .
1.جريدة الأخبار القاهرية بتاريخ 9/8/1985م.
2.نفس المرجع .
3.أخبار اليوم (( القاهرية )) بتاريخ 9/4/1985م.(1/26)
واتصل والد (( ميشيل )) بالحانوتى مسيو ديلكروا الذى حضر بعد نصف ساعة مع مساعديه ,
لإعداد الجثة للدفن .
ولكن الحانوتى العجوز , رفع رأسه فجأة , وهو يفحص الجثة , وصرخ : هذا الشاب لم يمت بعد , ومازال على قيد الحياة .
ورغم حزن الأم والأب , وبكائهما : إلا أنها ردا فى دهشة , كيف والطبيب قد أكد أنه لم يمت بعد , وما زال على قيد الحياة .
وقا ل الحانوتى العجوز بإصرار : كلا لم يمت , صدقونى , فأنا أعمل فى هذا المجال منذ 38 سنة , أعرف كيف يبدو الشخص الميت ؟ وجثة هذا الشاب لم تتصلب بعد , كما يحدث بعد دقائق مع أى إنسان
يموت !!.
اندفع الحانوتى : يضغط على صدر جثة ميشيل ليجرى له التنفس الصناعى .
بينما أسرع الأبوان باستدعاء الطبيب مرة أخرى .
لكن الطبيب أكد لهما : بأن ولدهما قد مات .
وفى نفس الوقت : أصر الحانوتى العجوز على أن الشاب ما يزال حياً !!.
وحضر طبيب ثان وثالث .
وأجمع الأطباء على وفاة ميشيل .
بينما وقف الحانوت يؤكد فى إصرار , مع مساعديه أن الجثة ما زالت على قيد الحياة ..!!.
وتشبث الأبوان بالأمل الذى أعطاه لهما الحانوتى ..إذ أسرعا بنقل الجثة إلى المستشفى ..!!.
وهناك أخذ أحد الأطباء يجرون عليها الصدمات الكهربائية ,والتنفس الصناعى .
فجأة !!.
ووسط ذهول الجميع ..!!
ورغم أن الجثة كانت باردة مثل : لوح ثلج ..فقد بدأت : ترتعش , ثم تتحرك ..!!؟
وعاد ميشيل إلى الحياة مرة أخرى ..!!
بل إنه فى هذه اللحظة : ربما يكون فى فراشه يتناول - فى سعادة - ألذ المشروبات ,وأطيب المأكولات .
يتذكر - بسخرية - أنه : ما يزال يعيش , ورغم أن الأطباء قرروا وأكدوا - ذات يوم - أنه مات ,
يجب أن يدفن (1)
1. نفس المرجع
وكذلك : الطفل الإيطالى :
فقد حدث فى إيطاليا : أن اندفعت إحدى العاملات بالمشرحة , تجرى , وكأنها أصيبت بمس من الجنون ,
عندما سمعت جثة طفل مات قبل يومين , وهو يصرخ فجأة , ليعلن أنه ما يزال على قيد الحياة (1).(1/27)
وفى روما أيضاً : لقى عجوز - فى السابعة والستين - مصرعه ,فى حادث تصادم .
وبعد خمسة أيام من وضع جثته فى المشرحة : انتظار لحضور أحد أقاربه !!.
ورغم أن الجثة كانت موضوعة فى درجة حرارة 7 تحت الصفر .!!
إلا أن العجوز : عاد فجأة إلى الحياة , أخرجوه نم المشرحة , ليعيش بعدها سنوات طويلة !!(2).
ومن المصريين كذلك (3):
قصة الفتاة المنتحرة , التى شاهدها [عم الهادى ]إحدى العاملين بمشرحة زينهم , الذى يعمل بها منذ عام 1938 م.
هذه الفتاة التى وضعت جثتها , بعد وفاتها منتحرة حرقا ً على منضدة تشريح الموتى , وذهبوا لاستدعاء الطبيب الشرعى ,ليقوم بتشريحها .
ثم ..
ثم بدأت فجأة تتحرك من رقدتها .
ثم رفعت رأسها الذى احترق شعره.
ثم صرخت : [عطشانة .. أنا عطشانة ].
وسرعان ما نقلت إلى المستشفى لإنقاذها (4).
ويقول العميد سراج الدين الروبى , مفتش مباحث بوزاة الداخلية : أنه حضر - ذات مرة - فى حادث تصادم قطارين راح ضحيته عشرات من القتلى والمصابين .
وأخذت سيارت الإسعاف تنقل المصابين إلى المستشفى .
بينما بدأت سيارت نقل الموتى تنقل الجثث إلى المشرحة .
وتولى (( عم محمد )) سائق سيارة نقل الموتى مهمة نقل إحدى جثث الضحايا ..!!
ومضى السائق -60 سنة - منطلقاً بالسيارة فى شوارع القاهرة نحو المشرحة .
وفجأة : كاد أن يصاب بالشلل , عندما شعر بمن يهزه من الخلف - رغم عدم وجوده أحد فى السيارة -والتفت , وكاد يصعق به , هو يشاهد (( الجثة)) تمد يدها نحو قفاه ,وتحاول الإستغاثة به .
1. المرجع السابق .
2. , 3. , 4 نفس المرجع .
وأفاق عم محمد من الصدمة ليستدير عائداً بسرعةجنونية إلى أقرب مستشفى , لينقذ الأطباء الجثة بعد أن
قرر الطبيب الذى كان فى الموقع الحادث : أنها ماتت .(1/28)
أما العقيد عبد الله الوتيدى : فيروى أنه وقت أن كان رئيساً لمباحث قسم شرطة السيدة زينب : قد انتقل إلى مشرحة زينهم , ليراقب المواقف بعد حادث انهيار منزل قديم ,راح ضحيتها عدد كبير من سكانه ,
وأعلنت حالة الطوارئ بين أطباء المشرحة , لتشريح العدد الكبير من جثث الضحايا..!!
وفجأة أسرع نحوه عم رفاعى العامل بالمشرحة , وهو يصرخ فى هلع , بعد أن اكتشفت أن جثة أحد الأطفال , بدأت تتحرك , وتصرخ .
وأسرع الأطباء : ليكتشفوا أن الطفل ما يزال على قيد الحياة ..!!
ويؤكد العقيد علاء مقلد مفتش المباحث هذه القصة ويقول :إنها حدثت أمام عينيه .
وقد كتب الدكتور [أدوام فولوم ] فى موضوع (( الدفن المعجل وأخطاره )) مبيناً فيه :
مجموعة من الحوادث.. مستشهداً بما جاء فى قاموس [كوين الطبى ] من أن :
مدة الغيبوبة : قد تمتد من بضع ساعات , وأيام , إلى عدة أسابيع أوشهور.
ثم قال : لقد نشرت المجلات الطبية البريطانية الصادرة فى الخمسين سنة الأخيرة لغاية 1910 م حالات استرد فيها الميتون ظاهرياً , حياتهم , من مجرد إدراكهم لما يجرى حولهم من استعدادات لغلق التوابيت عليهم (1).
وما هذا وذاك إلا خطأ بشع من طبيب لم يعرف جيداً علامات الموت , ثم قرر الدفن ..!!
1. الأخبار مرجع سابق .
طرق الوقاية من دفن الموتى أحياء !!
ولكن .!!
ما الحل لتلافى مثل هذه الأمور والحوداث الخطيرة ..؟
يقترح بعض المتشائمين لدرء خطر دفن الميت حياً : طرقاً عجيبة (1).
مثل :
* قطع شريان , أو وريد , فى جسم ميت , قبل الدفن بيوم أ وقبيل الدفن رأساً .
* أوحقن الميت بكمية قليلة من مادة مثل : محلول (( الفورمالين )) لأن من شأنه أن يجعل عودة الحياة إلى الجثة , أمراً محالاً عند افتراض الخطأ فى تشخيص الوفاة .
ويقترح أصحاب الملايين والبلايين فى أمريكا لدرء خطر هذا الخطأ المحتمل حدوثه .. بل أوصى عدد منهم فعلاً بهذا الإقتراح .. وهو :(1/29)
* تركيب جهازتليفون خاص ,أو جهاز دكتافون متصل بأسرته ,وأقاربه , أطبائه , والمستشفى الذى يعالج به , أو بسكرتيرته الخاصة .!!
على أن يوضع هذا التليفون , أو الدكتافون فى التابون - الذى سيرقد فيه - عقب وفاته حتى إذا ما استيقظ فجأة فى المقبرة : أمكنه الاتصال بالعالم الخارجى ليسرعوا بإنقاذه ..!!
ولأننا نميل غلى اقتراحات المشائمين , ولا إلى ما أوصى به بعض أصحاب الملاين والبلايين .. فإننا نتوجه إلىبهذا السؤال إلى المتخصصين من علماء الطب الشرعى لنعرف : ماذا يقولون ؟(2)
يقول الدكتور سامى الجندى طبيب مشرحة زينهم بالقاهرة :
إن كلمة ((وفاة )) تعنى : توقف تنفس الإنسان , وتوقف القلب والدورة الدموية عن العمل .
وهناك أشياء أساسية لا بد للطبيب الممارس العام أن يتأكد منها , قبل أن وفاة الإنسان .
أولاً : لا بد أن يتأكد من توقف نبض القلب .. ويتم ذلك بأن يقيس الطبيب نبض الشخص باليد , ثم بسماعة الطبيب , ليتأكد من عدم وجود نبض .
هذا : إذا حدثت الوفاة بالمنزل .
أما إذاكانت المستشفى : فلا بد من فحص الجثة بجهاز رسم القلب , وجهاز نبضات المخ .
ثانياً : لا بد من أن يتأكد من توقف التنفس .
يتم ذلك بوضع سطح مرآة بالقرب من أنف الشخص .. وحتى إذا كان التنفس ضعيفاً فلا بد أن يعثر الطبيب على رذاذ سطح المرآة , وإذا لم يترك أثراً فيعنى ذلك :توقف التنفس .
1. المرجع السابق .
2. أخبار اليوم مرجع سابق .
ثالثاً : لا بد من أن يتأكد من انخفاض درجة حرارة الجسم .. والمعروف أن حرارة الإنسان , هو على قيد الحياة تتراوح عادة بين 35/ 37 درجة .. ولكنها فى حالة الوفاة تنخفض تدريجياً حتى تصل إلى درجة البرودة .
رابعاً : لا بد من وجود فترة زمنية بين الوفاة ظاهرياً , الوفاة الحقيقية .(1/30)
وهذه الفترة : تختلف من إنسان لآخر .. وهى : فترة الموت الفعلى التى تتوقف فيها الخلايا البشرية عن العمل تماما ً , والتى يبدأ معها الموت الفعلى .. هذه الفترة : قد تستغرق ثوانى عند شخص , ودقائق عند شخص آخر .. وقد حددت لها وزارة الصحة : أقصى حد , وهو ساعتان .
ولهذا فإنه فى حالة وفاة أى إنسان بمستشفى لا يمكن للإطباء نقل جثته إلى المشرحة , أو تشريحها بالفعل إلا بعد مرور ساعتين .
وبعد كل هذا : فإن حدث موت ثم حياة .. فلذلك نارللغاية , وسبحان الله الذى يحيى ويميت ..!!
وأخيراً :
فلقد كان الإمام ابن قدامة المتفى 620 هـ 1223مـ موفقاً فى إصابة المعنى , دقيقاً فى عباراته حريصاً فى اشتراطاته , وهو يتحدث فى كتابه العظيم المغنى فى تجهيز الميت .
حينما قال :
ويستحب المسارعة إلى تجهيزه إذا تيقن موته .
ثم يقول :
وإن اشتبه أمر الميت .. اعتبر بظهور علامات الموت من :
* اسرتخاء قدميه.
* انفصال كفيه .
* ميل أنفه .
* امتداد جلدة وجهه .
* انخساف صدغيه .
ثم يقول : (( وإن مات فجأة كالمصعوق , أو خائفاً من حرب , أو سبع , أو تردى من جبل انتتظر به هذه العلامات : حتى يتيقن موته ))(1).
وقال الحسن فى المصعوق : (( ينتظر به ثلاثاً )) ..!!
1. المغنى : 2/ 337.
……………
…………
…………
……
……
* أجساد عموم الناس.
* أجساد الأنبياء .
* أجساد الشهداء .
* أجساد الصالحين .
* نومة لا عمل بعدها .
أجساد عموم الناس
تبدأ الوفاة مباشرة للجسد البشرى بصفة عامة عدة تبدلات : فيزيائية , وكميائية , وجوثومية (1).
وهذه التبدلات هى :
1. التلون الرملى :
وهو ظهور بقع زرقاء كبيرة أو صغيرة , فى بعض مناطق الجسم المنخفضة .
والسبب فى ذلك هو انحدار الدم - بتأثير الجاذبية الأرضية - إلى هذه المناطق المنخفضة مثل :
الظهر , الإليتين , الوجه الخلفى للأطراف .
وهذا التلون يظهر بعد ساعتين من الوفاة .(1/31)
وهذا التبدل يساعد فى كثير من الحالات فى تحديد وضع الميت وهيئته ساعة الوفاة .
2. التيبس الرمى :
وهو :انقباض عضلات الجسم , الإرادية واللاإرادية .
والسبب فى ذلك : تحول السكر المختزن فى العضل إلى حمض اللبن , مع خسارة الطاقة المختزنة فى جزتئات [ الفليكوجين ] .
وهذا يفقد الخيوط العضلية خاصية المرونة والتقلص ,
هذا التيبس : يبدأ بعد ساعتين من الوفاة , ويزداد تدريجياً , حتى يعم الجسم كله بعد اثنتى عشرة ساعة .
ويبدأ التيبس أولاً : فى عضلات الفك السفلى , ثم الوجه , ثم الجذع , والطرفين العلويين ..وهكذا .
ويدوم انقباض العضلات بهذا الشكل لمدة يومين بعد الوفاة , ثم يزول بسبب تأثير التفسخ الذى يقلب التفاعل الكيماوى للأنسجة الميتة فى التفاعل الحمضى إلى التفاعل القلوى .
1 . د .مؤنس محمود غانم .. مرجع سابق .
3. التعفن الرمى :
وهو : تعفن جسد الميت , انطلاق الغازات العفنة والكريهه منه .
والسبب فى ذلك :
أولاً : تأثير الجراثيم : الهوائية , الاهوائية التى كانت عاطلة فى الأمعاء قبل أن تجتاز الأغشية المخاطية للجسم عن طريق الدم .
هذا التأثير : يفسد المواد العضوية فى الحثة , ومنها - وبسببها - تنتشر الغازات العفنة الكريهة .
ثانياً : تحول الأنسجة الشحمية فى الجثة إلى مادة شمعية لبنية , ذات أحماض شمعية مشبعة , كريهة الرائحة بشكل لا يوصف .
وتبعاً لهذا وذاك : يتشهوه منظر الجثة , حيث ينتفخ البطن , وكيس الصفن ,وثم يتبعه : الوجه , والمقلتان , حيث تجحظان , ثم اللسان , حيث يبرز من الفم ,
وبعفل انطلاق الغازات يخرج ما بالأحشاء من جيع الفتحات وهو على هذا الشكل القبيح , والرائحة المنفرة .
وهذا التغفن : يبدأ بعد يومين من الوفاة , ويستمر حتى أسبوع (1).(1/32)
قال عمر بن عبد العزيز لبعض جلسائه : إنك لو رأيت الميت بعد ثلاثة فى قبرة لاستوجشت من قربه بعد طول الأنس منك به , ولرأيت بيتاً تجول فيه الهوام , ويجرى فيه الصديد , وتخترقه الديدان مع تغير الريح , بعد حسن الهئية والطيب الريح ونقاء الثوب .. ثم شهق شهقة خر مغشياُ عليه بعدها (2).
وقال مالك بن دينار : مررت بالمقابر , فأنشأت أقول (1).
أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر ؟
وأين المذل بسلطانه ؟ وأين المزكى إذا ما افتخر ؟
قا ل: فنوديت من بينها , اسمع صوتاً ولا أرى شخصاً , وهو يقول:
تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى فتمحوا محاسن تلك الصور
فيا سائلى عن أناس مضوا أمالك فيمامضى معتبر ؟
…
1.نفس المرجع .
2. إحياء علوم الدين4/ 603-605.
4.التفسخ الرمى :
وهو :تحلل الجسم ,وتفسخه , وتحوله تتدريجياً إلى : سوائل , ثم غازات , ثم يتبخر فى الهواء .
وذلك يتم بقدرة الله سبحانه وتعالى ,وفقاً لعمليات كيماوية , كثيرة ,ومعقدة .
ويساعد على هذا التفسخ عوامل ,أهمها :
(أ)…درجة الحرارة الوسط المدفون به الجثة .
فهو بالصيف أكثر وأسرع منه بالشتاء , يتوقف نهائياً فى درجة الصفر .. لذا : عند وضع الجثث
فى المبردات (( الثلاجات )) لظروف أو لأخرى , توقف عملية التفسخ وقتياً .
(ب) درجة الرطوبة .
ولذلك نجد أن الأنسجة قليلة الماء - كالعظام والأسنان - لا تتفسخ ,وفى نفس الوقت :
سرعان ما تتفسخ جثث الغرقى .
وعملية التفسخ هذه : تبدأ بعد أسبوع من الوفاة ,وتتكامل خلال شهر .
وإلى هنا يكون تراباً وعظماً رميماً(2)!!.
وصدق الله العظيم ? مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى? (1).
5. العظام النخرة :
وهى : الحالةالتى يظل عيها ما بقى من الجثة , لا يعتريه التحول - ما دامت لم تتعرض لعوامل غير
طبيعية - إلى ما شاء الله تعالى .(1/33)
وهى فى هذه الحالة :تسمى بالعظام النخرة (2).
قال تعالى على لسان منكرى البعث الكفرة .
? يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ *تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ *قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ *أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ? (3).
كما تسمى : بالعظام الناخرة , كما فى قراءة : حمزة , وعاصم فى رواية أبى بكر فى الآية السابقة
{ أئذا كنا عظاماً ناخرة } (4).
1.سورة طه : 55. 3.سورة النازعات 6-12.
2.إحياء علوم الدين4/603 -605. 4.السبعة فى القراءات لابن مجاهد ص 670.
وجد مكتوباً على قبر :
أيا غانم ثراك فواسع وقبرك معمور الجوانب محكم
وما ينفع المقبور عمران قبره إذا كان فيه جسمه يتهدم
وقيل : المجوفة . وقيل الناخرة : هى التى أكلت أطرافها وبقيت أوساطها , والنخرة : التى فسدت كلها (1). وكلها معان متقاربة .
وهذه العظام :مهما فسدت أو بليت , فإنه يبقى منها جزء لا يعتريه : البلى , أو التفتت , أو الفساد
وهو عجب الذنب - بفتح العين وإسكان الجيم - .
جيث يقول النبى صلى الله عليه وسلم : (( كل ابن آدم يأكله التراب , إلا عجب الذنب , منه خلق , وفيه يركب )) .
وفى رواية أخرى : (( إن فى الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً , فيه يركب الخلق يوم القيامة )) قالوا : أى عظم يا رسول الله ؟ قا ل: عجب الذنب )) (2).
والعجب - بالسكون - هو العظم الذى فى أسفله الصلب عند العجز , وهو العسيب من الدواب (3).
أما لماذا لا يبلى (( عجب الذنب )) بينما يبلى كل شئ ؟.
فى فتح البارى : لله فى هذا سر لا يعلمه إلا الله , لأن من أظهر الوجود من عدم لا يحتاج إلى شئ يبنى عليه .(1/34)
ويحتمل : أن يكون ذلك جعل علامة للملائكة على إحياء كل إنسان مرة إخرى بجوهرة , ولا يحصل العلم للملائكة إلا بذلك , إلا بإبقاء عظم كل شخص , ليعلم أنه : إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلىتلك الأعيان التى هى جزء منها ولولا إبقاء شئ منها لجوزت الملائكة أن الإعادة إلى أمثال الأجساد لا نفس الأجساد (4). وهذه هى المرحلة الأخيرة لتحولات الجسم البشرى بعد الوفاة .
1. الجامع لأحكام القرآن 19 / 197.
2.رواه البخارى , كتاب التفسير ,باب تفسير سورة الزمر ورواه مسلم كتاب الفتن .وباب : ما بين النفختين واللفظ لمسلم .
3. النهاية فى غريب الحديث والأثر لابن الأثير باب (( باب من الجيم )) .
4. فتح البارى 8/552.
أجساد الأنبياء ..
أما أجساد الأنبياء : فإنها لا تبلى , ولا تأكلها الأرض.
أخرج أبو داود وابن ماجه فى سننهما عن أوس , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن من أفضل أيمامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم , وفيه قبض , وفيه النفخة , وفيه الصعقة , فأكثروا على من الصلاة فيه , فإن صلاتكم معروضة على )) قالوا : يا رسول الله .. وكيف تعرض صلاتنا عليك .وقد أرمت ..؟ [ يقولون : بليت ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ))(1).
واللفظ لأبى داود وقال ابن العربى حديث حسن (2).
وأخرج ابن ماجة فى سننه عن زيد بن أيمن , عن عبادة بن نسي, عن أبى الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة , فإنه مشهود تشهده الملائكة ,وإن أحداً لن يصلى على إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها )).
قال : قلت : وبعد الموت..؟ .
قال : (( وبعد الموت : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبى الله حى يرزق )) (3).
ورواه كذلك عن شداد بن أوس (4).
1. رواه أبو داود (( كتاب الصلاة )) باب فضل يوم الجمعة ..إلخ ,ورواه النسائى (( كتاب الجمعة ))(1/35)
باب إكثار الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم .
2.انظر التذكرة 1/201 ومابعدها .
3.رواه ابن ماجة (( كتاب الجنائز )) باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم وفى الزوائد : هذا الحديث صحيح , إلا أنه منقطع من موضعين , لأن عبادة -كما قال العلاء - روايته عن ابى الدرداء مرسلة , وزيد بن أيمن _ كما قال البخارى - روايته عن عبادة مرسلة .
4.رواه ابن ماجة ,كتاب إقامة الصلاة باب فى فضل الجمعة .
فى فتح البارى :
الأنبياء أحياء عند الله , إن كانوا فى صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدينا , وقد ثبت ذلك للشهداء .
ولا شك أن الأنبياء أرفع رتبة من الشهداء (1).
وروى كافة أهل المدينة : أن جدار قبر النبى صلى الله عليه وسلم لما انهدم أيام خلافة الوليد بن عبد الملك
مروان وولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة , بدت لهم : قدم ..!!.
فخافوا أن تكون قدم النبى صلى الله عليه وسلم .. فجزع الناس حتى جاء سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فعرف أنها قدم جده عمر رضى الله عنه . وكان رحمه الله قتل شهيداً (2).
ومن المعقول : أن الناس لا يخافون , ولا يجزعون من أن تكون هذه القدم الشريفة الحية قدم النبى صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان عندهم علم يقينى , وقناعة كافية أن أجساد الانبياء لا يصيبها التحول ,ولا ياكلها التراب .
وهذا الحكم ينطبق على الأنبياء السابقين (3).. فقد روى : أن يوسف عليه السلام أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج , ويلقى فى بئر ,مخافة أنن يعبد .
وبقى كذلك إلى زمن موسى عليه السلام . فدلته عليه عجوز ,فرفعه , ووضعه فى حظيرة إسحقى (4 ) على نبينا وعليهم جميعاً الصلاة والسلام .
1. التذكرة 1/201.
2. التذكرة 1/201.
3. الجامع لأحكام القرآن 10/381.
أجساد الشهداء(1/36)
وكذلك أجساد الشهداء لا تبلى , ولا تأكلها الأرضى .. قال تعالى :? وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ? (1).
وقال تعالى :
?وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ? (2) .
قال الإمام القرطبى :
هم أحياء .. لأن الشهيد لا يبلى فى القبر , ولا تأكله الأرض (3).
ولذلك : لا يغسلون , ولا يصلى عليهم , كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة فى شهداء أحد وغيرهم (4).
وقد أخرج البخارى فى صحيحه عن جابر رضى الله تعالى عنه قال : (( لما حضر أحد دعانى أبى من الليل, فقال : ما أرانى إلا مقتولاً فى أول من يقتل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم , إنى لا أترك
بعدى أعز على منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ,إن على ديناً فأقض , واستوص بأخوتك خيراً .
فأصبحنا . فكان أول قتيل ,ودفن معه آخر فى قبر ,ثم لم تطب نفسى أن أتركه مع الآخر , فاستخرجه بعد ستة أشهر .فإذا هو كيوم وضعته غير هنية فى أذنه ))(5).
وفى رواية :((فإذا هو كيوم وضعته,غير هنية فى أذنه )) - يعنى غير شئ يسير فى أذنه , وهو الصواب (6).
1.سورة البقرة : 154. 4. التذكرة 1/ 201 وما بعدها .
2. سورة آل عمران : 169, 171. 5. كتاب الجنائز باب هل يخرج الميت من القبر .
3 . الجامع لأحكام القرآن 4/ 270. 6. فتح البارى 3/ 216 .
يقول ابن حجر : وفى الحديث كرامة لعبد الله ,بكون الأرض لم تبل جسده , مع لبثه فيها (1)(1/37)
كما أخرج الإمام مالك فى الموطأ ((عن عبد الرحمن بن أبى صعصعة, أنه بلغه أن عمرو بن الجموح (2).
,وعبد الله بن عمرو الأنصاريين , ثم السلميين , كانا قد حفر السيل قبرها , وكان قبرها مما يلى السيل,
وكانا فى قبر واحد ,وهما ممن استشهد يوم أحد , فحفر عنهما , ليغير من مكانهما , فوجدا لم يتغير , كأنهما ماتا بالأمس ..!! وكان أحدهما قد جرح , فوضع يده على جرحه , فدفن وهو كذلك , فأميطت يده عن جرحه , وثم أرسلت فرجعت كما كنت ..!!.
وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة )) (3).
ويلاحظ (4): أن الذى فى حديث جابر - وأخرجه البخارى فى صحيحه - أن جابراً دفن أباه فى قبر وحده , بعد ستة أشهر , الذى فى حديث عبد الرحمن بن أبى صعصعة - وأخرجه مالك فى الموطأ - أنهما وجدا فى قبر واحد بعد ست وأربعين سنة , وظاهر هاتين الروايتين : التعارض بينهما (5)وقد حاول العلماء إزالة هذا التعارض على النحو الآتى :
قال ابن عبد الله يجمع بين الحديثين بتعدد القصص ..وفى هذه المحاولة :نظر (6) .
وقال الإمام بن حجر (7): إما أن يكون المراد بكونهما فى قبر واحد : قرب المجاورة .. وحينئذ : فلا تعارض . وإما يكون السيل خرق أحد القبرين : فصار القبر واحداً ..وحينئذ أيضاً : فلا تعارض .
ويؤيد ما ذهب إليه ابن : فى محاولته إزالة هذا التعارض .
(أ) أن ابن إسحاق ذكر هذه القصة فى المغازى ,وقال : حدثنى أبى عن أشياخ من الأنصار قالوا :
(( لما ضرب معاويةعينه - أى حفر بئراً انفجرت منها عين ماء - التى مرت على قبور الشهداء , انفجرت العين عليهم , فجئنا , فأخرجناهما - يعنى : عمراً وعبد الله - وعليهما بردتان ,قد غطى بهما وجوههما , وعلى أقدامهما شئ من نبات الأرض بتثنيان ,كأنهما دفنا بالأمس )) (8).
1. نفس المرجع السابق . 4. انظر فتح البارى .(5, 6 ) : نفس المرجع السابق .(1/38)
2. وكان صديقا ً لوالد جابر , وزوجاً لأخته ,هند بن عمرو :( انظر نيل الأوطار 4/113). 7. فتح البارى 3/216.(بتصرف يسير ).
3.المؤطأ كتاب الجهاد باب الدفن فى قبر واحد ..إلخ . 8. فتح البارى 3/216,نيل الأوطار .
ومن المعلوم : أن معاوية قد أقد أجرى هذه العين فى أيام خلافته , أى بعد أحد بنحو خمسين سنة(1).
(ب) ما ذكره ابن سعد فى طبقاته - بإسناد صحيح يؤيد ذلك - من طريق أبى الزبير , عن جابر (2).
وروى نقلة الأخبار : أن معاوية - رحمة الله - لما جرى العين التى استنبطها فى المدينة فى وسط المقبرة ,
وأمر الناس بتحويل موتاهم ..!! وذلك فى أيام خلافته ,وبعد أحُد بخمسين عاماً : وجدوا على حالهم .
حتى إن الكل رأوا المسحاة وقد أصابت قدم حمزة بن عبد المطلب , فسال من الدم (3).
وأن جابر بن عبد الله : أخرج أباه عبد الله بن حرام , كأنه دفنه بالأمس (4).
وهذا الحكم ينطبق على من قتل شهيداً فى سبيل الله أو قتل على الحق من الأمم التى تقدمتنا كذلك (5).
ففى الترمذى فى قصة أصحاب الأخدود (6):
فأما الغلام الذى قتله الملك - فإنه دفن , ثم قال : فيذكر أنه أخرج فى زمن عمر بن الخطاب , ,وأصبعه على صدغه حين قتل أى : استشهد (7) .
وقال الترمذى : هذا حديث حسن غريب .
ومعلوم أن أصحاب الأخدون كانوا بنجران , فى الفترة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم (8) .
1. التذكرة 1/201ومابعدها .
2.فتح البارى 3/ 216,نيل الأوطار 4/13.
3. التذكرة 1/202.
4.نفس المرجع .
5. التذكرة 1/201.
6. وقصة أصحاب الأخدود مبسوطة _لمن أراد _فى مصاردى عديدة.
7. سنن الترمذى ,كتاب تفسير القرآن العظيم باب من سورة البروج .
8. التذكرة 1/201.
أجساد الصالحين
ويقول القرطبى : أجساد الصالحين , العلماء , المؤذنين المحتسبين ,وحملة القرآن (1) لا تبلى , ولا تأكلها الأرض .(1/39)
( أ ) يقول تعالى : عن أصحاب الكهف ? وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا? (2)
وهى مدة : لا يستطيعها الأحياء إلا بقدرة الله تعالى وحده .. بل هى مدة كافية لأن يعتور الجسم
البشرى ما يعتور جسد الميت سواء بسواء , إلا من حفظ الله .
ولذلك : أخبرت الآية الكريمة : أن الله تعالى حفظ أجسادهم , من أن يصيبها ما يصيب أجساد
الموتى , من التحول والتبدل , أكل الأرض لها .
إذ كما يقول تعالى :? وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ? (3).
يقول الإمام القرطبى : والمقصود بيان حفظهم من تطرق البلاء , وتغير الأبدان والألوان إليهم (4).
كما يقول تعالى : ?وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ?(5).
قال ان عباس : لئلا تأكل الأرض لحومهم (6) .
ويقول الإمام ابن جرير : لوأنهم لا يقلبون لأكلتهم الأرض (7).
(ب) وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم (( المؤذن المحتسب كالمتشحط فى دمه قتيلاً وإن مات لم يدود
فى قبره ))(8).
(ج) وروى ابن كثير فى تفسيره :
أن أبا موسى الأشعرى لما افتتح أصبهان , وجد حائطاً من حيطان المدينة قد سقط , فبناه , فسقط ,
ثم بناه فسقط , فقيل له : إن تحته رجلاً صالحاً . فحفر الاساس ,فوجد رجلاً قائماً معه سيف فيه
مكتوب : ( أنا الحارث بن مضاض ) نقمت على أصحاب الأخدود .
فاستخرجه أبو موسى ,وبنى الحائط ,فثبت (9).
1. الجامع لآحكام القرآن 4/270.
2, 3 = سورة الكهف الآيات 25 : 17 .
4. الجامع لأحكام القرآن 10 / 369 وما بعدها .
5. سورة الكهف الآية 18 .
6. الجامع لآحكام القرآن 10 / 369وما بعدها .
7. جامع البيان : 15/214.
8.التذكرة 1/201وما بعدها .
9.تفسير القرآن العظيم 4/495.
نومة لا عمل بعدها
وبوقفة قصيرة متأنية فى نهاية هذا الفصل ..!
نرى :(1/40)
(أ )أن سنة الدفن عامة فى كل الموتى .. سواء أكانوا من عامة الناس , أم من أنبيائهم وشهدائهم وصالحيهم ,وأنه : كما هى تكريم لهم ..!! فهى إنقاذ الأحياء بدورهم .
(ب) أن التحولات التى تصيب الجسد البشرى عقيب الموت , وهى أمر طبيعى لا تنطبق - بقدرة الله تعالى وحكمته - على أجساد الأنبياء والشهداء والصالحين كما رأينا ... وما ذلك : إلا زيادة فى تكريمهم , والإنعام عليهم .
( ج ) أن الإنسان مهما حافظ فى العناية بمظهره , وفى الأناقة بمنظرة , وفى الإهتمام بصحته ,وفى الرعاية لقوته : فإن كل ذلك لن يكتمل له طول عمره , ولن يستمر طول الدهر , وما دام الأمر كذلك - وكل منا متأكد من أنه كذلك - فعلى العاقل : أن لا يجعل المحافظة فى هذه الأمور هدفاً فى ذاتها , ولا هدفاً لغرض دينوى موقوت ضئيل .. بل عليه أن يكون كل ذلك , ,وأقل من ذلك ,وأكثر من ذلك : طاعة لله تعالى .
(د ) أن كل شئ من الإنسان : يعتريه التحول بعد وفاته حتى حزن أهله وأحبابه عليه : يعتريه النسيان .
قال ابن السماك : مررت على المقابر , , فإذا قبر مكتوب عليه :
يمر أقاربى جنبات قبرى كأن أقاربى لم يعرفونى
ذووا الميراث يتقتسمون مالى وما يألون أن جحدوا ديونى
وهذا ماله كذلك : يعتريه التقسيم والتفرق .
ذكراه , صيته , أمجاده : يعتريها النسيان .
وهذا جسده : تعتريه التحولات الخسمة التى ذكرت .
وهكذا .. وهكذا .
كل شئ يعتريه التحول بعد الوفاة .. إما : إلى النقصان , أو التلاشى .. سوى الأعمال الصالحة : فهى لا
يعتريها التحول , إلا إن كان إلى الثواب , الأجر , المضاعفة فى ذلك .
وصدق الله تعالى إذ يقول : ? مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ?(1/41)
(هـ ) أن على العاقل أن يبادر فى تصور جسده وهو يمر بالتحولات التى سبق ذكرها ولا أنيس له ولا جليس له , ولا محامى له , ولا مدافع عنه فى ظلمات القبر سوى الله سبحانه وتعالى , والذى نقدر الآن - بإذنه - على القبر ولا بعد القبر - الهروب من عذابه , إلا بالهروب الآن _وفى الدينا - إلى شريعته ودينه , وفى القبر , وفى الحشر :إلى رحمته وعفوه ومغفرته ,
وكان الربيع بن خيثم : قد حفر قبراً فى داره , وكان ينام فيه كل يوم مرات يستديم بذلك ذكر الموت ,وتصور نفسه فى هذا الحال ثم يقول :
? قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ?(2).
يرددها , ثم يرد على نفسه : يا ربيع .. قد رجعت فاعمل فإن لك نومة لا عمل بعدها (3).
(و)أن الموت : نهاية رجلة الحياة الدنيا فقط , وليس نهاية الحياة عامة فى الفكر الإسلامى .
إذ بعد الموت تكون الحياة البرزخية (4), التى تكون نعيماً أو جحيماً على صاحبها - بحسب علمه-
إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنما القبر من رياض الجنة , أو حفرة من حفر النار )) (5)
كما أن بعد الحياة البرزخية : تكون الحياة الأبدية , بما فيها من : نشر ,وحشر , وحساب ,وثواب ,وعقاب ,وخلود فى الجنة والنار .
جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة ,ونجانا وإياكم من عذاب النار .
1. سورة النمل : 89 .
2. سورة المؤمنون : 99/100 .
3.إحياء علوم الدين 4/560, 604.
4. انظر بتوسع (( مبحث الحياة البرزخية )) فى كتابنا : (( زاد الدعاة )) 2/95.
5.رواه الترمذى كتاب صفة القيامة باب 6 , وقال : حديث حسن غريب .
بعد هذا العرض السريع لموضوع [ الموت فى الفكر الإسلامى] , بصورته الواضحة الواعية فى مواجهة الصورة الباهتة الغامضة له عند فلاسفة الغرب : القدماء منهم , والمعاصرين كذلك .
نؤكد على أن غموض صورة الموت لدى فلاسفة الغرب بناء على قصور العقل الغربى وبناء على ما تم(1/42)
تحريف للأديان للأديان قبل الإسلام .. بل بناء على نفور هؤلاء الفلاسفة من اضطهاد الكنيسة بتفسيراتها الخاطئة للموت وما بعدالموت : أدى هذا الغموض إلى الهروب من دراسة الموت , والدعوة إلى أن تعاش الحياة بكامل امتلائها رغم الموت . (1)
كما أن الغموض بالنسبة لقضية البعث : إلى عدم انتقال الموضوع عندهم من الفكر العقلى المجرد إلى دائرة الفهم الواعى المؤدى إلى وجوب الإنتقال إلى العمل والاستعداد - قدر الطاقة - لما بعد الموت .
كما نؤكد على أن وضوح صورة الموت لدى المسلمين , بناءً على وضوح نصوص الوحى الإلهى لديهم,
وعدم تحريفها لحفظ الله تعالى من ذلك : أدت إلى الفهم الجيد للموت , والإيمان الواثق بالبعث بعده ,
ودعت إلى الاستعداد - قدر الطاقة - لهذا اليوم وما بعده كذلك .
وبعد :
فهذا عرض سريع للموت فى الفكر الإسلامى .
وبيان موجز لموقف من فهم لغز الموت , وآمن بما بعده , واستعد له , وعمل بما يرضى الله تعالى .
وقد انتشر بعلمهم وعملهم الإسلام , واطمأنت لعدلهم النفوس , واستضاءت بهم الدنيا , وساد بهديهم فى ربوع الدنيا السلام .
1. أنظر : الموت فى الفكر الغربى صـ197.
نقدمة فى مواجهة (( الموت فى الفكر الإسلامى )) .
هذا الفكر الذى وقف صاحبه بسببه : حائراً أمام لغز الموت , فاختل تفكيره , وانحرف سلوكه . وهرب من دراسته , ودعا إلى التمتع بالحياة الدنيا , وتمتع بها بالفعل ولا يزال معظم أصحابه تمتع الأنعام , دون إيمان بما بعده , أو معرفة به , مما أدى إلى عدم الاستعداد له , والعمل لما بعده ,فساد الخوف , وانتشر الرعب ,وعمت الحروب , وخيم الدمار على ربوع الدنيا ,وغدا هلاك سكانها - من قسوة هؤلاء -قاب قوسين أو أدنى .
راجين بما قدمنا : أن يجعلنا الله من ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ? (1) .(1/43)
وأن ينفعنا به فى يوم لا ينفع فيه : ? يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ? (2).
آمين .. آمين .. آمين ..
1. سورة الزمر : 18 .
2. سورة الشعراء : 88 , 89 .
الفهارس :
* مصادر البحث :
1. القرآن الكريم .
2. إحياء علوم الدين .
للإمام الغزالى ت : 505هـ
3. التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة
القرطبى ت : 671هـ
4. تفسير القرآن العظيم .
للإمام ابن كثير ت : 474هـ
5. الجامع لأحكام القرآن .
للإمام القرطبى 671هـ
6. جامع البيان عن تأويل آى القرآن
للإمام ابن جرير الطبرى 310 هـ
7. جريدة الأخبار ( القاهرية ) .
8. جريدة أخبار اليوم (القاهرية ).
9. الرسالة القشيرية
للإمام القشيرى ت: 465هـ
10. السبعة
للإمام مجاهد ابن مجاهد ت: 324هـ
11. سنن ابن ماجة
للإمام ابن ماجة ت : 275هـ
12. سنن الترمذى
للإمام الترمذى ت :279هـ
13. صحيح النسائى
للإمام النسائى ت : 303 هـ
14.صحيح الإمام البخارى
للإمام البخارى ت : 256 هـ
15. صحيح مسلم
للإمام مسلم ت : 261هـ
16. فتح البارى
للإمام ابن حجر ت: 852هـ
17. لسان العرب
لابن منظور ت : 771هـ
18. محاضرات الأدباء
للراغب الأصفهانى ت:502هـ
19.مشكلة الحياة
د.زكريا إبراهيم
20 . المغنى
للإمام لابن قدامة ت : 620 هـ
21. الموت فىالفكر الغربى
لجاك شورون
22. الموطأ
للإمام مالك ت : 179هـ
23.النهاية فى غريب الحديث والأثر
لابن الأثير ت : 606 هـ
كتب للمؤلف
1. الإستقامة .. فلاح الدنيا .. ونجاة فى الآخرة . (سلسلة: نحو جيل مسلم )
2. البداية فى التفسير الموضوعى .
3.تدوين القرآن الكريم .
4.حرب الخليج فى ميزان الإسلام (( أسباب .. وأحكام )) .
5.جراحة التجميل .. بين التشريع الإسلامى والواقع المعاصر . (سلسلة نحو جيل مسلم )
6.الخلافات الزوجية : (صورها - أسبابها - علاجها : من القرآن الكريم )
7 . رسم المصحف بين المؤيدين والمعاصرين .(1/44)
8. زاد الدعاة من هدى القرآن الكريم جـ1.
9. زاد الدعاة من هدى القرآن الكريم جـ2.
10. زاد الدعاة من هدى القرآن الكريم ج3.
11. زينة المرأة .. بين التشرعي الإسلامى والواقع الأنسانى .
12. صحوة فى عالم المرآة (( رد على د.زكى نجيب محمود )) .
13. صناعة السلام فى الإسلام .
14. قصص الأنبياء .. للإمام ابن كثير ت :774 هـ (( تحقيق )).
15. قصة النقط والشكل فى المصحف الشريف .
16. كتابة القرآن الكريم بالرسم الإملائىأو الحروف اللاتينية .[اقتراحان مرفوضان ][سلسلة نحو النور]
17 . ليلة القدر .. فى الكتاب والسنة .
18 . مقدمة فىالتفسير الموضوعى .
19. المسلمون .. بين الأزمة والنهضة .
20.منجد المقرئين ومرشد الطالبين . للإمام ابن الجزرى ت:833هـ "تحقيق"
21. وصايا سورة الإسراء .(1/45)