المواضع والديار والأمكنة
في شعر
معن بن أوس المزني
جمع وإعداد
فيصل بن سعيد بن محمد الصاعدي
تقديم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فيسر الله لي أن أقف على بعض النصوص الشعرية ، من خلال بحثي عن بعض المواضع الحجازية بشبه جزيرة العرب .
واستوقفتني كثيرا المواضع والأماكن التي وردت في أبيات وشعر معن بن أوس المزني، وعقدت العزم بتوفيق من الله على أن أقوم بجمع شتات تلك المواضع،
وتلك الأشعار المترامية ، في بطون الكتب والمؤلفات.
خاصة أن الشاعر المزني ، تطرق لمواضع كثيرة متفرقة أشار وألمح إليها بين طيات قصائده وأبياته.
وقدم لنا تراثا زاهرا، وغصنا يانعا، يحتاج للمزيد من التنقيح والتمحيص لتلك المواضع المتشعبة والمتفرقة، التي حملها لنا فكره وتراثه الأدبي على مر العصور.
وقد قمت بتقسيم عملي هذا إلي فصلين اثنين :
الفصل الأول :
تحدثت فيه عن نسب الشاعر ونشأته وبعض من حياته وأخباره.
والفصل الثاني:
جعلته للمواضع والديار والأمكنة التي وردت في نصوصه الشعرية
وقد قمت بتعريف المواضع معتمدا على معاجم البلدان ومعاجم اللغة العربية
وبعض مراجع السيرة النبوية والمغازي والتاريخ، وبعض مراجع أدبنا العربي
ولا أدعي الجزم باستيعاب كل المواضع والأماكن التي ذكرها الشاعر ولكن
جمعت ما استطعت جمعه مما وفقت للوقوف عليه .
على أن كثيرا من تلك المواضع غير مشتهرة والبعض منها ليس معروفا اليوم
والبعض منها لازال معروفا مشتهرا بين عامة الناس وخاصتهم.
وقد أسميته (المواضع والديار والأمكنة في شعر معن بن أوس المزني).
فما كان فيه من صواب فبتوفيق من الله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان .
والله اسأل أن ينفع به ويجعله خالصا لوجه الكريم إنه سميع مجيب.
فيصل بن سعيد بن محمد الصاعدي
المدينة النبوية
الفصل الأول
التعريف بالشاعر
معن بن أوس المزني رحمه الله
نسبه ونشأته:(1/1)
هومعن بن أوس بن نصر بن زيادة بن أسعد بن سحيم بن ربيعة بن عداء بن ثعلبة بن ذؤيب بن سعد بن عداء بن عثمان بن عمرو بن أد بن بن طابخة
المزني .
ينتسب الشاعر إلي قبيلة مزينة ، من قبائل المدينة تعود أصولها إلي أوس وعثمان ابنا عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.
نسبوا إلي أمهم مزينة بنت كليب بن وبرة فغلب عليهم مسمى والدتهم.
و تسكن هذه القبيلة بين المدينة ووادي القرى.
ومن ديارهم وقراهم: فيحة، الروحاء، العمق ، الفرع
ومن جبالهم: آرة، ميطان ، ورقان، قدس وآرة ، ونهبان .
ومن اوديتهم: رئم ، شمس، ساية ، لاي، ويدوم
وكان لهم صنم يقال له: نهم، وبه كانت تسمى عبد نهم وكان سادنهم يسمى خراعي ابن عبد نهم من مزينة، ثم من بني عدي، فلما سمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثار إلى الصنم، فكسره.
وقدم وفد من مزينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهم أربعمائة رجل.
وقاتلوا مع رسول الله في غزوة حنين، وعددهم ألف فارس.
ولقبيلة مزينة مكانة كبيرة في المجتمع الجاهلي ، ومكانة كبيرة في صدر الإسلام
جاء في الحديث: مزينةُ وأسلمُ وجهينة وغِفار خيرٌ من بني تميم وأسدٍ وغطفان ومن بني عامر بن صعصعة " .
ومنهم بنو مقرن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويروى أنهم سبعة أخوة لهم فضل ومكانة رضي الله عنهم أجمعين.
ومن مزينة بلال بن الحرث بن عُصْم بن سعيد بن مرة: وهو الذي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم معادن القبلة. أسلم سنة خمس من الهجرة مع وفد مزينة الوافدين على النبي صلى الله عليه وسلم، وسكن موضعا يعرف بالأشعر وراء المدينة، ويكنى أبا عبد الرحمن. وكان أحد من يحمل ألوية مُزينة يوم الفتح. توفي سنة ستين في آخر خلافة معاوية وهو ابن ثمانين سنة.
وشاعرنا أوس بن معن المزني ينتسب لهذه القبيلة العربية التي شرفها الله وأعزها بنصرة دينه ونبيه منذ فجر الإسلام.
حياته الاجتماعية وشعره وبعض أخباره:(1/2)
عاش معن بن أوس المزني، حياة مليئة بالأحداث ، فقد عاش زمنا من عمره في العصر الجاهلي ، وعايش أحداثا متعددة مع قبيلته مزينة ، والمطلع على تراثه
الأدبي يلاحظ مدى أهمية شخصيته البارزة في مجتمعه وذلك من خلال نصوصه الشعرية التي تطرقت لمفاخر قبيلته وأيامها في ذلك الزمان.
ومن الأبيات الرائعة في الفخر بقبيلته :
مزينة قومي إن سالت فأنهم لهم عزة لا تستطيع لها نقلا
ولو سرت حتى مطلع الشمس لم تجد لقوم على قومي وإن كرموا فضلا
أعَفّ وأوْفَى بالصّبَاحِ فَوَارِسَاً إذا الخيل جَالَتْ في أعِنَّتِها قُبْلا
نقول فيُرْضِي قَولُنَا ونُعِينُهُ ونحن أناس نُحْسِنُ القيل والفِعْلا
ونحن نَضَيْنَا عن تُهَامَةَ بالقَنَا وبالجُرْدِ يَمْعَلْنَ الرِّقَاقَ بنا مَعْلا
مدرَّبَةٌ قُبَّ البُطُونِ تَرَى لَهَا مُتُونَاً طِوَالا أدْمِجَت وَشَوىً عبلا
إذا أمتُرِيَتْ بالقَدّ جَاشَتْ وأزْبَدَتْ وإن واضَخَتْ تَعْرِيبَهَا وبَلَت وَبْلا
لكل فتى رخو النِّجَادِ سَمَيْدَعٌ وأشْمَطَ لم يُخْلَقْ جَبَاناً ولا وَغْلا
بأيديهم سُمْرَ المُتُونِ مَوَارِنٌ ومشهورة هندية أخْظَلَتْ صقلا
وهي قصيدة طويلة رواها إسماعيل بن القاسم البغدادي .
وفروسية مزينة وشجاعتها وإقدامها معروفة عند العرب قديما في أيامها وحروبها
وفي صدر الإسلام لهم مواقف خالدة ومشرفة سطرتها لنا كتب السيرة والتاريخ
ورسمت أفضل النماذج والصور للمواقف البطولية الخالدة.
ومن أمثلة ذلك قصة إقبال وهب بن قابوس المزني، ومعه ابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس بغنم لهما من جبل مزينة، فوجدا المدينة خلوفا فسألا:
أين الناس؟ فقالوا: بأحد يقاتل المشركين من قريش.
فقالا: لا نبتغي أثرا بعد عين. فخرجا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم بأحد فيجدان القوم يقتتلون والدولة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأغارا مع المسلمين.(1/3)
وجاءت الخيل من ورائهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل، فاختلطوا، فقاتلا أشد القتال. فا نفرقت فرقة من المشركين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذه الفرقة ؟
فقال وهب بن قابوس أنا يا رسول الله. فقام فرماهم بالنبل حتى انصرفوا ثم رجع.
فا نفرقت فرقة أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذه الكتيبة ؟ فقال المزني: أنا يا رسول الله.
فقام فذبها بالسيف حتى ولوا، ثم رجع المزني. ثم طلعت كتيبة أخرى فقال من يقوم لهؤلاء؟
فقال المزني: أنا يا رسول الله. فقال قم وأبشر بالجنة. فقام المزني مسرورا يقول والله لا أقيل ولا أستقيل. فقام فجعل يدخل فيهم فيضرب بالسيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه والمسلمون حتى خرج من أقصاهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( اللهم ارحمه) ثم يرجع فيهم فما زال كذلك وهم محدقون به حتى اشتملت عليه أسيافهم ورماحهم فقتلوه .
فوجد به يومئذ عشرون طعنة برمح كلها قد خلصت إلى مقتل ومثل به أقبح المثل يومئذ. ثم قام ابن أخيه فقاتل. كنحو قتاله حتى قتل.
فكان عمر بن الخطاب يقول:
إن أحب ميتة أموت عليها لما مات عليها المزني.
وشاركت قبيلة مزينة في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ، وبذلت الأنفس والمال لإعلاء كلمة الله ونصرة لنبيه عليه الصلاة والسلام.
يقول ابن إسحاق:
كان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف. من بني سليم سبعمائة ومن بني غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة ومن مزينة ألف وثلاثة نفر وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد.
فمعن بن أوس المزني ، تربي ونشأ في مهد قبيلة عربية عريقة ، تتميز بالشجاعة والإقدام، ولاشك أن هذه البيئة الخصبة بالفروسية والشجاعة لها أثر كبير في
نشأة معن بن أوس المزني وفي ثقافته الشعرية.
ومما يؤكد ذلك اهتمام الشاعر بالبلدان والمواضع في شعره وهذا الاهتمام(1/4)
لايتأتى إلا لشاعر فارس، يجوب الفيافي والقفار ويذود عن الحمى والدار.
وورد كثير من المواضع والجبال والأودية والمياه والأقطار يعطي لنا دليلا واضحا على فراسة وثقافة الشاعر وجوبه لتلك المحال ومروره بها.
حتى أن شعره أصبح مرجعا علميا ومعجما شافيا للباحثين عن المواضع والمعالم
والبلدان في جزيرة العرب.
وقد استشهد بشعره علماء اللغة في مصنفاتهم، ومن ذلك ما أورده ابن منظور في كتابه لسان العرب، والفيروزبادي في قاموسه المحيط ، والزبيدي في تاج العروس.
وغيرهم من العلماء الذين اهتموا بالأقاليم والمسالك والبلدان، مثل البكري الأندلسي صاحب معجم ما استعجم، وياقوت الحموي صاحب معجم البلدان.
والمتتبع لشعر معن بن أوس المزني ، يجد زخما كبيرا لمفردات لغوية متعددة ومتنوعة، تتحدث عن البيئة وتصفها وتذكر الأزمنة والأمكنة، من خلال نقله
ومحاكاته للواقع الذي كان يعيشه الشاعر.
بأسلوب أدبي بليغ ، ووصف مهذب جميل ، فيه متعة للسامع وللقارئي.
ومعن بن أوس كان يعيش في مكان يسمى العمق من بلاد مزينة بقرب المدينة
يقول الشاعر ثابت :
جاءَتْ مُزَيْنَة من عَمْق لِتُفُزِعَنَا ... نرى مُزَيْن وفي أسْتَاهك الفُتُلُ
وهذا البيت له قصة وحادثة مشهورة أيام العرب ، وقائل البيت ثابت والد حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.
قال يعقوب كان من خبر هذا الشعر: أن الأوس من الأنصار كانوا حلفاء مزينة، فمر رجل من مزينة يقال له حوى ويقال جوى بالجيم على الأوس والخزرج، وهم يقتتلون في حرب بعاث، فدخل مع حلفائه فأصيب، فمر ثابت أبو حسان الشاعر فقال: يا أخا مزينة ما طرحك هذا المطرح؟ إنك لمن قوم ما يحمدونك. فقال حوى وهو يجود بنفسه: أعطى الله عهدا أن يقتل بي منكم خمسون ليس فيهم أعور ولا أعرج، فسارت كلمته حتى أتت عمق، وهي أرض مزينة، فثاروا، فبلغ ثابتا أن مزينة قد أتتهم تطلب بدم حوى، فقال ثابت:(1/5)
جاءَتْ مُزَيْنَة من عَمْق لِتُفُزِعَنَا ... نرى مُزَيْن وفي أسْتَاهك الفُتُلُ
فتلقتهم مزينة ورئيسهم مقرن بن عائذ أبو النعمان بن مقرن فاقتتلوا، فقتل من الأنصار عشرة، وأسر ثابت، فآلى مقرن أن لا يفديه إلا بتيس أجم أسود، فغضبت الأنصار من ذلك وأبوه، فلما رأوا أنه ليس من ذلك بد أتوا ثابتا، فقالوا ما ترى؟ فقال ادفعوا إليهم أخاهم يعني التيس، وخذوا أخاكم يعني نفسه. وقال في ذلك مقرن أبياتا منها:
وعن اعتناقي ثابتا في مشهد ... متنافس فيه الشجاعة للفتى
فشريته بأجم أسود حالك ... وكذاك كان فداؤه فيما مضى
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق:
ومعن شاعر مجيد أدرك عمر بن الخطاب وعاش إلى فتنة ابن الزبير ومروان بن الحكم وكان معاوية يفضله ويقول كان أشعر أهل الجاهلية.
وتحدث أبو الفرج الأصبهاني عنه فقال:
شاعر مجيد فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام.
وفد على عمربن الخطاب - رضي الله عنه - مستعينا به على أمره وخاطبه بقصيدته التي أولها تأوبه طيف بذات الحوائم فنام رفيقاه وليس بنائم
قال وكان معاوية يقول فضل المزنيون الشعراء في الجاهلية والإسلام .
وهو صاحب القصيدة المعروفة بلامية العجم التي أولها ...
لعمرُكَ ما أدري وإنِّي لأوْجَلُ ... علَى أيّنا تغدُو المنيَّةُ أوَّلُ
وإنِّي أخوكَ الدائمُ العهد لم أحُلْ ... إن آذاك خصمٌ أوْ نبا بك منزلُ
أُحاربُ من حاربتَ من ذي قرابةٍ ... وأحبسُ مالي إن غرمتَ فأعقلُ
وإن سُؤتني يوماً صفحتُ إلى غدٍ ... ليُعْقِبَ يوماً منك آخرُ مقبلُ
ستقطعُ في الدُّنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أيَّ كفّ تبدَّلُ
إذا أنت لم تُنصفْ أخاكَ وجدتَهُ ... علَى طرف الهجران إنْ كانَ يعقلُ
ويركبُ حدّ السَّيف من أن تضيمَهُ ... إذا لم يكنْ عن شفرةِ السَّيف مَزْحَلُ
وفي النَّاسِ إن رثَّتْ حبالُكَ واصلٌ ... وفي الأرض عن دار القلى مُتحوّلُ
إذا انصرفتْ نفسي عن الشَّيء لم تكدْ ... إليه بشيءٍ آخرَ الدَّهر تُقبلُ(1/6)
ومن محاسن شعره ماتمثل به
عروة بن الزبير في الليلة التي قطعت فيها رجله حيث تمثل بأبيات معن بن أوس:
لعمري ما أهويت كفي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة ... من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي
ومن شعره أيضا
قال معن بن أوس المزني:
إذا أنتَ لم تنصفْ أخاكَ وجدتَهُ ... علَى طَرَف الهِجران إنْ كانَ يعقلُ
وتركبُ حدَّ السَّيف من أن تضمهُ ... إذا لم يكن عن شفرةِ السَّيف معدلُ
ستُقطع في الدُّنيا إذا ما قطعتني ... يمينُك فانظرْ أيَّ كفٍّ تبدّلُ
وله أيضا
قال معن بن أوس:
دعاني يشب الحرب بيني وبينه ... فقلت له لا بل هلم إلى السلم
وإياك والحرب التي لا أديمها ... صحيح ولا تنفك تأتي على وغم
فلما أبى خليت فضل عنانه ... إليه فلم يرجع بحزم ولا عزم
فكان صريع الخيل أول وهلة ... فبعداً له مختار جهل على علم
وفي خزانة الأدب ذكر قال:
معنٌ شاعر مجيدٌ فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام، أورده ابن حجر في المخضرمين ، ولد مدائح في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر صاحب الأغاني:
أن معن بن أوس كان يحسن صحبة بناته وتربيتهن، فولد لبعض عشيرته بنتٌ فكرهها، وأظهر جزعاً من ذلك، فقال معن:
رأيت رجالاً يكرهون بناتهم ... وفيهن لا تكذب نساءٌ صوالح
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى ... نوادب لا يمللنه ونوائح
وروى أن عبد الملك بن مروان، قال يوماً وعنده عدة من آل بيته وولده: ليقل كل واحدٍ منكم أحسن شعرٍ سمعه. فذكروا لامرئ القيس، والأعشى، وطرفة، فأكثروا حتى أتوا على محاسن ما قالوا، فقال عبد الملك: أشعرهم، والله، الذي يقول: الطويل
وذي رحمٍ قلمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم
إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها تلك السفاهة والظلم
فأسعى لكي أبني ويهدم صالحي ... وليس الذي بيني كمن شأنه الهدم(1/7)
يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يحل به رغم
فما زلت في لينٍ له وتعطفٍ ... عليه كما تحنو على الولد الأم
لأستل منه الضغن حتى سللته ... وإن كان ذا ضغنٍ يضيق به الحلم
قالوا: ومن قائلها يا أمير المؤمنين؟ قال: معن بن أوس المزني
وساق له صاحب منتهى الطلب من أشعار العرب
محمد بن المبارك بن محمد بن ميمون (المتوفى : 597هـ)
قصيدة ميمية طويلة منها:
عفا وخلا ممن عهدتُّ بهِ خمُّ ... وشاقكَ بالمسحاءِ من شرفٍ رسمُ
عفا حقباً من بعدِ ما خفَّ أهلهُ ... وحنت بهِ الأرواحُ والهطلُ السجمُ
يلوحُ وقد عفا منازلهُ البلى ... كما لاحَ فوقَ المعصمِ الخدلِ الوشمُ
مدامنُ حيٍّ صالحين رمت بهم ... نوى الشحطِ إذا ردوا الجمالَ وإذا زموا
بعينيكَ راحوا والحدوجُ كأنها ... سفاينُ أو نخلٌ مدللةٌ زعمُ
وفي الحيِّ نعمٌ قرةُ العينِ والمنى ... وأحسنُ من يمشي على قدمٍ نعمُ
وكانت لهذا القلبِ نعمُ زمانةً ... خبالاً وسقماً لا يعادلهُ سقمُ
منعمةٌ لم تغدَ في رسلِ كلبةٍ ... ولم تتجاوب حولَ كلتها البهمُ
سبتني بعينى جؤذرٍ بخميلةٍ ... وجيدٍ كجيدِ الرئم زينهُ النظمُ
ووحفٍ يثنى في العقاصِ كأنهُ ... عليها إذا دنت غدايرهُ كرمُ
وأقنى كحدِ السيفِ يشرفُ قبلها ... وأشنبَ رفافِ الثنايا لهُ ظلمُ
لها كفلٌ رابٍ وساقٌ عميمةٌ ... وكعبٌ علاهُ النحضُ ليسَ لهُ حجمُ
تصيدُ ألبابَ الرجالِ بأنسها ... ويقتلهم منها التدللُ والنعمُ
لباخيةٌ عجزاءُ جمٌّ عظامها ... نمت في نعيمٍ واتمهلَّ بها الجسمُ
توالدها بيضٌ حرايرُ كالدمى ... نواعمُ لا سودٌ قصارٌ ولا خثمُ
وأجدادُ صدقٍ لا يعابُ فعالهم ... همُ النضدُ السرُّ الغطارفةُ الشمُ
مطاعيمُ في البؤسى لمن يعتريهم ... إذا يشتكى في العامِ ذي السنةِ الأزمُ
مصاليتُ أبطالٌ إذا الحربُ شمرت ... بأمثالهم يومَ الوغى يكشفُ الهمُ
إذا انتسبت مدت يديها إلى العلى ... وصدقها الإسلامُ والحسبُ الضخمُ(1/8)
كأني إذا لم ألقَ نعماً مجاورٌ ... قبائلَ من ياجوج من دونها الردمُ
وذي رحمٍ قلمتُ أظفارَ ضغنهِ ... بحلمي عنهُ وهو ليسَ لهُ حلمُ
يحاولُ رغمي لا يحاولُ غيرهُ ... وكالموتِ عندي أن يعزى بهِ الرغمُ
فإن أعفُ عنهُ أغضِ عيناً على قذىً ... وليسَ لهُ بالصفحِ عن ذنبهِ علمُ
وإن أنتصر منهُ أكنُ مثلَ رائشٍ ... سهامَ عدوِّ يستهاضُ بها العظمُ
صبرتُ على ما كانَ بيني وبينهُ ... وما يستوي حربُ الأقارب والسلمُ
ويشتمُ عرضي في المغيب جاهداً .. . فليسَ لهُ عندي هوانُ ولا شتمُ
إذا سمته وصلَ القرابةِ سامني ... قطيعتها تلكَ السفاهةُ والإثمُ
وإن أدعهُ للنصفِ يأبى ويعصني ... ويدعُ لحكمٍ جائرٍ غيرهُ الحكمُ
وقد كنتُ أكوي الكاشحينَ وأشتفي ... وأقطعُ قطعاً ليسَ ينفعهُ الحذمُ
فلولا اتقاءُ اللهِ والرحمُ التي ... رعايتها حقُّ وتعطيلها ظلمُ
إذن لعلاهُ منصلي أو خطمتهُ ... بوسمٍ شنارٍ لا يشابههُ وسمُ
ويسعى إذا أبني ليهدمَ صالحي ... وليسَ الذي يبني كمن شأنهُ الهدمُ
يودُّ لو أني معدمٌ ذو خصاصةٍ ... وأكرهُ جهدي أن يخالطهُ عدمُ
ويعتدُّ غنماً للحوادثِ نكبتي ... وما إن لهُ فيها سناءٌ ولا غنمُ
أكونُ لهُ إن ينكب الدهرُ مدرهاً ... أكالبُ عنهُ الخصمَ إذا عضهُ الخصمُ
وألجمُ عنهُ كلَّ أبلخَ طامحٍ ... ألدَّ شديدِ الشغبِ غايتهُ الغشمُ
ويشركهُ في مالهِ بعدَ ودهِ ... على الوجدِ والإعدامِ قسمٌ هو القسمُ
بكفِّ مفيدٍ يكسبُ الحمدَ بالندى ... ويعلمُ أنَّ البخلَ يعقبهُ الذمُ
نجيبٌ يجيبُ المستغيثَ إذا دعا ... ويسمو إلى كسبِ العلاءِ إذا يسم
فتىً لا يبيتُ الهمُّ يقدعُ قلبهُ ... كذي الهمِّ والهيابُ يفزعهُ الهمُ
إذا همَّ أمضى همهُ غيرَ متعبٍ ... ويفرجُ عنهُ الشكُّ في أمرهِ العزمُ
أخو ثقةٍ جلدُ القوى ذو مخارجٍ ... مخالط حزمٍ حينَ يلتمسُ الحزمُ
يكونُ لهُ عندَ النوائبِ جنةً ... ومعقلَ عزَّ حيثُ تمتنعُ العصمُ(1/9)
فما زلتُ في ليني لهُ وتعطفي ... عليهِ كما تحنو على الولدِ الأمُ
وقولي إذا أخشى عليهِ مصيبةً ... ألا اسلم فذاكَ الخالُ ذو العقدِ والعمُ
وصبري على أشياءَ منهُ تريبني ... وكظمي على غيظي وقد ينفعُ الكظمُ
لأستلَّ منهُ الضغنَ حتى سللته ... وقد كانَ ذا حقدٍ يضيقُ بهِ الجرمُ
دفنتُ انثلاماً بيننا فرقعتهُ ... برفقي وتأليفي وقد يرقعُ الثلمُ
وأبرأتُ غلَّ الصدرِ منهُ توسعاً ... بحلمي كما يشفى بالآدويةِ الكلمُ
وأطفأتُ نارَ الحربِ بيني وبينهُ ... فأصبحَ بعدَ الحرب وهو لنا سلمُ
ومر عبيد الله بن العباس بمعن، وقد كف بصره، فقال: يا معن كيف حالك؟ فقال: ضعف بصري وكثر عيالي وغلبني الدين. فقال: وكم دينك؟ قال: عشرة آلاف درهم. فبعث بها إليه.فمر به من الغد، فقال: كيف أصبحت يا معن؟ فقال:
أخذت بعين المال حتى نهكته ... وبالدين حتى ما أكاد أدان
وحتى سألت القرض عند ذوي الغنى ... فرد فلان حاجتي وفلان
فقال له عبيد الله: الله المستعان. إنا بعثنا إليك بالأمس لقمةً. فما لكتها حتى انتزعت من يدك. فأي شيء الأهل والقرابة والجيروان؟ وبعث إليه بعشرة آلاف درهم أخرى. فقال:
إنك فرع من قريش وإنما ... يمج الندى منها البحور القوارع
ثو وإقادةً للناس بطحاء مكة ... لهم وسقايات الحجيح الدوافع
فلما دعوا للموت لم تبك منهم ... على حادث الدهر العيون الدوامع
وله أشعار وأخبار وقصص ورحلات للشام والعراق والحجاز لا يتسع المقام لذكرها
بسطها المؤرخون والأدباء في مصنفاتهم بتوسع ومن ذلك قصته مع زوجته ليلى وزوجته
أم حقة وقد ذكرتها عند حديثنا عن موضع ميطان وفيها طرائف وأبيات جميلة.
وله أبيات احتوت على مواعظ وحكم وأمثال ونصائح منها:
وفي النَّاس إن رثَّت حبالك واصلٌ ... وفي الأرض عن دار القلى متحوَّل
وقال:
وذي رحم قلّمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم
وقال معن بن أوس المزني:
فلا وأبي حبيبٌ ما نفاه ... هوازنُ من بلاد بني يمانِ(1/10)
وكان هوى الغنيِّ إلى غناه ... وكان من العشيرة في مكانِ
تكنّفَهُ الوشاةُ فأزعجوهُ ... ودسُّوا من قضاعة غيرَوانِ
ولولا أنَّ أمَّ أبيه أُمِّي ... وأنّي من هجاه فقد هجاني
إذاً لأصابه منِّي هجاءٌ ... تناقله الرواة على لِساني
أعلِّمه الرماية كل يوم ... فلمَّا اشتدَّ ساعدهُ رماني
ومن الفخر قوله:
لعمرك ما أهديت كفي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي!
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي!
وله:
إذا تقاعسَ صعبٌ في حزامته ... وإنْ تعرّض في خيشومه صيَدُ
رُضْناهُ حتَّى يُذِلَّ القَسرُ هامتَهُ ... كما استمرَّ بكفّ الفاتل المسَدُ
فلا تكونوا كمن تغذو بدرّتها ... أولادَ أخرى ولا يُغذى لها ولَدُ
إنْ تُصلِحوا أمرَكم تصلُحْ جماعتُكم ... وفي الجماعة ما يستمسك العمَدُ
ومن الطرائف
قدم معن بن أوسٍ مكة على ابن الزبير فأنزله دير الضيفان، وكان ينزلها الغرباء وأبناء السبيل والضيفان، فأقام يومه لم يطعم شيئاً؛ حتى إذا كان الليل جاءهم ابن الزبير بتيسٍ هرمٍ هزيلٍ فقال: كلوا من هذا، وهم نيف وسبعون رجلاً؛ فغضب معن وخرج من عنده، فأتى عبيد الله بن العباس، فقراه وحمله وكساه، ثم أتى عبد الله بن جعفر وحدثه حديثه، فأعطاه حتى أرضاه، وأقام عنده ثلاثاً ثم رحل . فقال يهجو ابن الزبير ويمدح ابن جعفر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أجمعين
ظللنا بمستن الرياح غديةً ... إلى أن تعلى اليوم في شر محضر
لدى ابن الزبير حابسين بمنزلٍ ... من الخير والمعروف والرفد مقفر
رمانا أبو بكرٍ وقد طال يومنا ... بتيسٍ من الشاء الحجازي أعفر
وقال اطعموا منه ونحن ثلاثة ... وسبعون إنساناً فيالؤم مخبر
فقلت له لا تقرنا فأمامنا ... جفان ابن عباس العلا وابن جعفر
وكن آمناً وانعق بتيسك إنه ... له أعنز ينزو عليها وأبشر
مع الفرزدق
قدم معن بن أوس المزني البصرة، فقعد ينشد في المربد، فوقف عليه الفرزدق فقال: يا معن من الذي يقول:(1/11)
لعمرك ما مزينة رهط معنٍ ... بأخفاف يطأن ولا سنام
فقال معن: أتعرف يا فرزدق الذي يقول:
لعمرك ما تميم أهل فلجٍ ... بأرداف الملوك ولا كرام
فقال الفرزدق: حسبك إنما جربتك . قال: قد جربت وأنت أعلم. فانصرف وتركه .
عاش معن بن أوس المزني وعاصر الجاهلية والإسلام وعده البعض من المخضرمين
فقد بصره آخر حياته توفي بالمدينة ولايعرف تاريخ
وفاته على التحديد وذكر أنه توفي قريبا من عام
64 من الهجرة وخلف ديوانا صغيرا لشعره رحمه الله رحمة واسعة.
الفصل الثاني
المواضع والديار والاثآر والبلدان
التي وردت في شعره
يعد شعر معن بن أوس المزني مرجعا غنيا بالمواضع والآثار للباحثين خاصة تلك
المواضع التي عاش الشاعر فيها مع قبيلته في المدينة المنورة أو التي انتقل اليها.
من الحجاز وأرض الحرمين الي شمال جزيرة العرب إلي الشام والعراق وغيرها.
فقد نقل لنا الشاعر مواطن كثيرة ومتعددة ومن ذلك بعض المواضع والجبال
والأودية التي كانت لقبيلتة مثل
بطن أحوس وحوساء موضعان مشهوران لمزينة بالقرب من المدينة
وكان الشاعر له فيها نخل وأملاك وزروع.
ومن ديار مزينة ومساكنها فيف وفيحة وأكاحل وأيد وثور وهي مواضع ذكرها الشاعر
وتغنى بها في شعره وتفاخر بها وتلك المواضع في زمن الشاعر تحت سيطرة
قبيلته بحسب المعنى الذي أورده الشاعر في أبياته.
ولم يستوعب الشاعر جميع ديار مزينة القديمة، حيث كانت قبيلة مزينة تتمركز في
في المدينة المنورة وبالأخص مناطق غرب المدينة وشمالها وجنوبها حيث كانت
تعيش مزينة داخل المدينة المنورة ، والبعض منها يسكن شمال غرب المدينة مابين جبلي الأشعر والاجرد وكانت على مقربة من قبائل غفار وبني ضمرة
وجهينة والأوس والخزرج وبني سليم.
وتمتد مساكن قبيلة مزينة القديمة إلي جنوب المدينة حيث وادي ملل والقاحة وريم وجبل ورقان وقدس الأبيض وقدس الأسود وغيرها من المواضع القبلية للمدينة المنورة وضفاف وادي العقيق.(1/12)
وكانت تجاور قبيلة بني سليم من جنوب المدينة حيث كان النقيع مشتركا مابين
مزينة وبني سليم .
على أن قبيلة مزينة اتجهت شرقا في سنوات متأخرة إلي نجد وكونت لها وجود
هناك وتخلت عن بعض مناطقها وديارها القديمة جنوب وغرب المدينة .
ودخلت مزينة ضمن قبيلة حرب وكونت معها حلفا في فترات زمنية غيرمحددة
وصارت قبيلة مزينة ضمن قبائل حرب وشكل حلفها مع قبيلة حرب قوة إضافية لقوة حرب والتي سيطرت على مناطق الحجاز في ذلك الوقت .
وتعد قبيلة مزينة في عصرنا الحالي أحد رموز قبيلة حرب من خلال مواقفها
ومفاخرها التي سجلتها من خلال مشائخها وزعمائها وفرسانها الذين هم اليوم
من أكابر مشايخ وأمراء حرب .
وهناك أثار ومواضع لقبائل أخرى غير مزينة مثل قبيلة تميم وبني سليم وقريش
تطرق الشاعر لذكرها في قصائده وهي قبائل عدنانية متجاورة
في المدينة والحجاز ومن تلك المواضع برام وبيضان لبني سليم وسواج جبل لبني سليم أيضا وبطاح مكة لقريش وغيرها.
وبعض المواضع ذكرها متفرقة لجهينة وتميم وغيرها من القبائل العربية تطرقنا إليها
في مواضعها من الكتاب ومعها بعض الأماكن من العراق لأن معن بن أوس
تنقل مابين الحجاز والبصرة والعراق والشام وعاش فترة بالعراق وتزوج بها .
ونسوق إليك أخي الكريم ما استطعت جمعه من هذه المواضع والمسالك
مقرونة مع الأبيات التي وردت فيها وعقبتها بكلام أصحاب المعاجم
أحوس
قال معن بن أوس:
رأت نخلها من بطن أحوس حفها ... حجاب يماشيها ومن دونها لِصبُ
يشنُ عليها الماء جوؤن مذزب ... ومحتجر يدعو إذا ظهر الغَربُ
تكلفني أدماً لدى ابن مُغفل ... حواها له الجد المدافع والكسبُ
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان:
بوزن أفعل بالسين المهملة. موضع في بلاد مُزينة فيه نخل كثير. وفي كتاب نصر أخوص معجم الخاء. موضع بالمدينة به زرع.
وقال ابن منظور في لسان العرب:
حوساء وأحوس موضعان وساق شعر معن بن أوس:(1/13)
وقد عَلِمَتْ نَخْلِي بأَحْوَس أَنني أَقَلُّ وإِن كانت بلادِي اطِّلاعَها
فيف وأكاحل
قال معن بن أوس:
أعاذل مَن يحتل فيفاَ وفَيحَةَ ... وثوراً ومن يحمي أكاحل بعدنا
ذكر الزبيدي في تاج العروس أن فيف منزل لمزينة وقال أكاحل موضع لمزينة وساق البيت السابق.
الأكاحِلُ:
أعاذل مَن يحتل فيفاَ وفَيحَةَ ... وثوراً ومن يحمي أكاحل بعدنا
قال ياقوت الأكاحل جمع كحل موضع في بلاد مُزَينة.
أيد
قال مَعن بن أوس المُزني:
فذلك من أوطانها فإذا شتت ... تضمنها من بطن أيد غياطله
له مورد بالقرنتين ومصدر ... لفوت فلاةِ لا تزال تنازله
أيد :بالفتح ودال مهملة. موضع في بلاد مزينة.
بَرَام
وإني لأهوَى من هوَى بعض أهله ... براماً وأجزاعاً بهنْ برامُ
هذا البيت لابن أخت الشاعر معن بن أوس
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان:
برام يروى بكسر أوله وفتحه والفتح أكثر. قال نصر. جبل في بلاد بني سُلَيم عند الحَرة من ناحية النقيع، وقيل هو على عشرين فرسخاً من المدينة .
وذكر الزبير أودية العقيق فقال:
ثم قلعة برام. وفيها يقول المحرًق المُزني وهو ابن أخت مَعن بن أوس المزني(1):
وإني لأهوَى من هوَى بعض أهله ... براماً وأجزاعاً بهنْ برامُ
قال الحازمي في كتابه الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة
برام :
بفتح الباء: - جبل في بلاد سليم، عند الحرة، من ناحية النقيع.
وقيل: هو على عشرين فرسخا من المدينة، قال أبو قطيفة: -
ليت شعري وأين مني ليت ... أعلى العهد يلبن فبرام؟
وذكر السمهودي برام : بفتح أوله وقد يكسر جبل كأنه فسطاط من أعلام النقيع في المغرب ويقابله عسيب في المشرق.
ــــــــــــــــ
(1) المحرق المزني واسمه عمارة بن عبد أحد بني وائل بن خلاوة ابن كعب بن عبد بن ثور شاعر خاله معن بن أوس.(1/14)
وقال أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن أمية ، لما أخرج عبد اللَّه بن الزبير بنى أمية من الحجاز إلى الشام يذكر برام:
لَيْتَ شعري وأين منِّي ليْتُ أعلى العهد يلبُنٌ فبرامُ
أم كعهدي العقيقُ أم غيَّرتُه بعدي الحادثاتُ والأيامُ
مَنْزلٌ كنتُ أشتهى أن أراه ما إليه لمَنْ بحمصَ مرامُ
حال من دون أن أحلَّ به النأ ىُ وصرفُ النَّوى وحربٌ عَقَامُ
وبقومي بُدِّلتُ لخماً وعكَّا وجُذاماً وأينْ منِّي جُذامُ
وتبدَّلتُ من مساكن قومي والقصور التي بها الآطامُ
كلِّ قصرٍ مشيَّدٍ ذي أواسٍ يتغنَّى على ذراه الحَمَامُ
أقطعُ الليلَ كلَّه باكتئابٍ وزفيرٍ، فما أكاد أنامُ
نحو قومي إذا فرقت بيننا الدا ر وحادت عن قصدها الأحلامُ
خشية أن يصيبَهم عنتُ الدهـ ر وحربٌ يشيبُ منها الغلامُ
ولقد حان أن يكون لهذا الدهـ رعنَّا تباعدٌ وانصرامُ
ولحىٌّ بين العريض وسيعٌ حيث أرسى أوتادَه الإسلامُ
كان أشهى إلىَّ قُرب جوارٍ من نصارى فى دورها الأصنامُ
يضربُون الناقوسَ فى كلِّ فجرٍ فى بِلادٍ تنتابُها الأسقامُ
ففؤادى من ذكر قومى حزينٌ ودموعى على الذرى سِجَام
أقَرِ منِّي السلامَ إنْ جِئْتَ قومي وقليلٌ منِّى لقومى السلامُ
فبلغت هذه الأبيات وغيرها من شعره إلى عبد الله بن الزبير ، فقال : حنَّ أبو قطيفة ، ألا من رآه فليبلغه عني أني قد أمنته فليرجع ، فرجع فمات قبل أن يبلغ المدينة . وقال :
أيُّها الراكبُ المقحمُ فى السَّيْ ـر إذا جئتَ يلبناً فبراما
أبلغيه عنِّى وإن شطَّتْ الدا رُ بنا عن هوى الحبيب السلاما
ما أرى إنْ سألتَ إنَّ إليه يا خليلى لمن بحمصَ مراما
تلك دارُ الحبيب فى سالف الدهـ ـر سقاها الإلهُ ربى الغماما
زانَها اللَّهُ واستهلَّ بها المزْ نُ ولجَّ السحابُ فيها وداما
خُصَّراتٍ من البهاليلِ من عبـ ــــد منافٍ مُعَلِّقاتٍ وساما
وإذا ما ذكرتُ دهراً تولَّى فاض دمعى على ردائى سِجاما(1/15)
وكان أوس بن حارثة بن لام الطائي قد أغار على هوازن في بلادهم فسبى منهم سبياً فقصده أبو براءٍ عامر بن مالك فيهم فأطلقهم له وكساهم. فقال أبو براءٍ:
ألم ترَني رحلتُ العِيسَ يوماً ... الى أوس بن حارثة بن لاَمِ
إلى ضخم الدسيعة مَذحِجي ... نماه من جديلَة خيرُ نامِ
وفي أسرَى هوازن أدركتهم ... فوارسُ طيىءٍ بلِوى برامِ
تَقرب ما استطاع أبو بُجير ... وفَك القومَ من قبل الكلامِ
فما أوس بن حارثة بن لام ... بغمر في الحروب ولا كَهامِ
ألا من رآه فليبلغه عني أني قد أمنتهُ فليرجع فرجع فمات قبل أن يبلغ المدينة.
بون
قال مَعنُ بن أوس:
سَرَت من بُوَانات فبون فأصبَحَت ... بقورانَ قورَانِ الرصافِ تواكلُه
قال ياقوت الحموي:
بون مدينة باليمن. زعموا أنها ذات البئر المعطلة والقصر المشيد المذكورين في القرآن العظيم بليدة بين هراة وبَغشُور وهي قصبة ناحية باذغيس بينها وبين هراة مرحلتان رأيتُها وسمعتهم يسمونها بَبنَة. ينسب إليها أبو عبد الله محمد بن بشر بن بكر الفقيه البَوني يروي عن أبي جعفر بن طريف البوني وأبي العباس الأصَم وغيرهما.
وذكر با مخرمة الحميري في كتابه النسبة إلى المواضع والبلدان:
بون بالفتح موضع ببلاد مزينة، وموضع باليمن وقريةٌ بهراة.
وذكر الزبيدي في تاج العروس:
بون موضع في اليمن وموضع لمزينة وقرية بهراة
والنسبة للقرية بون بهراة بوني ومن هؤلاء أبو عبد الله محمد بن بشر بن بكر البونى الهروي.
وأبو نصر السعدى الموثق القاينى البعقوبى الحنفي البونى سمع عن أبو القاسم بن عساكر ببلده بون.
بَيضَان
قال معنُ بن أوس المَزَني يثني على بني الشرَيد من بني سليم:
وليلَى حبيب في بَغِيضٍ مجانب ... فلا أنت نائيه ولاً أنت نائلُه
فدَع عنك ليلى قد تَولت بنفعها ... ومن أين معروف لمن أنت قائله
لآل الشريد إذ أصابوا لِقَاحَنا ... بِبَيضَانَ والمعروفُ يحمَدُ فاعله
قال أبو على الهجري في التعليقات والنوادر:(1/16)
أنشدني أبو محمد لمحمد بن جيم الثقفي: من الطويل
ألا بأنا الرِيمُ الذي أنا الالُفه ومَن هو عَنَّي ذاهل القلب عَارفُه
وَمَن ذِكْرُهُ في كُلِّ حينٍ وَحَزَّةٍ ... حليفُ لقِلبي لا يزالُ يُحالفِهُ
وَمَن بالحَشا من حُبّه مَالوانّه ... ببيضان طاحت من ذُراه شناطفهُ
بيضان: مَوضعان، أحدهما جبل عامر وهو المَشهور عند العَربَ. والآخر موضعُ بناحِيَةِ السُوارِقيّةِ، لا أدرِي ظاهرة أو بلدٌ.
وذكر ياقوت في معجمه بيضان: بالنون جبل لبني سلَيم بالحجاز.
ووردت بيضان الزروب مضافة للزروب في شعر هذيل بيضان الزروب ولا أدري أهي الأولى أم غيرها. قال أبو سَهم الهُذَلي:
فَلَست بِمُقسِم لَوَددتُ أني ... غدا تئذٍ ببيضان الزرُوبِ
أسُوقُ ظعائناً في كل فَج ... تَبدُ مآبه الأجدُ الجنوبِ
قلت:
وبيضان اليوم وادي وموضع معروف قرب المهد بالقرب منه هجر ومساكن لقبيلة مطير ويوجد اليوم به سد يعرف باسم سد بيضان غرب مهد الذهب وقريبا منه صفينة.
ثور
قال معنُ بن أوس:
أعاذل من يحتل فيفاً وفيحةَ ... وثوراً ومن يَحمي الأكاحل بعدنا
ثور اسم لعدة مواضع متفرقة منها جبل ثور المشهور بمكة ، وورد ثور في حديث المدينة أنه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين عَير إلى ثور.
وثور أيضاً واد ببلاد مُزَينة وهو ماعناه الشاعر وقصده .
قلت
جبل ثور
جبل صغير، يقع خلف جبل أحد من جهة الشمال، وهو الحد الذي يبدأ منه حرم المدينة شمالاً، ويمتد جنوباً إلى جبل عير.
فائدة
أشكل على البعض حديث (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله.... ) الحديث رواه البخاري ومسلم من خطبة طويلة عن على بن ابي طالب - رضي الله عنه - .
وقد تطرق الحافظ ابن حجر في فتح الباري لهذه المسألة بالتوضيح وجمع فيها أقوال العلماء وهذا نص كلامه سقته للفائدة
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:(1/17)
أكثر رواة البخاري ذكروا عيرا، وأما ثور فمنهم من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا، والأصل في هذا التوقف
قول مصعب الزبيري: ليس بالمدينة عير ولا ثور. وأثبت غيره عيرا ووافقه على إنكار ثور، قال أبو عبيد: قوله: ما بين عير إلى ثور.هذه رواية أهل العراق، وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلا عندهم يقال له ثور وإنما ثور بمكة، ونرى أن أصل الحديث: ما بين عير إلى أحد".
قلت: وقد وقع ذلك في حديث عبد الله بن سلام عند أحمد والطبراني. وقال عياض: لا معنى لإنكار عير بالمدينة فإنه معروف، وقد جاء ذكره في أشعارهم، وأنشد أبو عبيد البكري في ذلك عدة شواهد، منها قول الأحوص المدني الشاعر المشهور:
فقلت لعمرو تلك يا عمرو ناره ... تشب قفا عير فهل أنت ناظر
وقال ابن السيد في المثلث :
عير اسم جبل بقرب المدينة معروف. وروى الزبير في أخبار المدينة
عن عيسى بن موسى قال: قال سعيد بن عمرو لبشر بن السائب أتدري لم سكنا العقبة؟ قال: لا. قال: لأنا قتلنا منكم قتيلا في الجاهلية فأخرجنا إليها. فقال:
وددت لو أنكم قتلتم منا آخر وسكنتم وراء عير، يعني جبلا. كذا في نفس الخبر. وقد سلك العلماء في إنكار مصعب الزبيري لعير وثور
مسالك: ما منها تقدم، ومنها قول ابن قدامة يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عير وثور لا أنهما بعينهما في المدينة، أو سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرا وثورا ارتجالا. وحكى ابن الأثير كلام أبي عبيد مختصرا ثم قال: وقيل إن عيرا جبل بمكة، فيكون المراد أحرم من المدينة مقدار ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف. وقال النووي: يحتمل أن يكون ثور كان اسم جبل هناك إما أحد وإما غيره.(1/18)
وقال المحب الطبري في الأحكام بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه: قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب - أي العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال - فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، وتواردوا على ذلك. قال فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه. قال وهذه فائدة جليلة.
وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي في شرحه:
حكى لنا شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري أنه خرج رسولا إلى العراق فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل وكان يذكر له الأماكن والجبال، قال: فلما وصلنا إلى أحد إذا بقربه جبل صغير، فسألته عنه فقال: هذا يسمى ثورا. قال فعلمت صحة الرواية. قلت: وكأن هذا كان مبدأ سؤاله عن ذلك. وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لأخبار المدينة أن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورا، قال وقد تحققته بالمشاهدة. وأما قول ابن التين أن البخاري أبهم اسم الجبل عمدا لأنه غلط فهو غلط منه، بل إبهامه من بعض رواته، فقد أخرجه في الجزية فسماه، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ ابن حجر.
وبهذا يتضح صحة رواية ثور في الحديث وانه جبل صغير بالمدينة بجوار جبل أحد كما قرره غير واحد من أهل العلم.
خم
قال معنُ بن أوس المُزني.
عفا وخلاممن عهدتُ به خُم ... وشاقَك بالمسحاءِ من شرفٍ رسمُ
عفا حِقَباً من بعدما خف أهله ... وحنت به الأرواح والهطل السجم
قال ياقوتالحموي :(1/19)
وخُم. موضع تصب فيه عين، الغدير والعين وبينهما مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .وقال عرام ودون الجحفة على ميل غدير خم وواديه يصب في البحر لا نبت فيه غير المرخ والثمام والإراك والعُشَر.. وغديرخم هذا من نحومطلع الشمس لايفارقه ماءُ المطر أبداً وبه أناس من خزاعة وكنانة غير كثير.
وقال الحازمي خمُ واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير عنده خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الوادي موصوف بكثرة الوَخامة. وخُم أيضاً ورم بئران حفرهما عبد بن عبد مناف وقال:
حفرتُ خما وحفرتُ رما ... حتى ترى المجدَ لنا قد تما
وهما بمكة.. وقال محمد بن إسحاق الفاكهي فى كتاب مكة بئر خم قريبة من الميثَب حفرها مرة بن كعب بن لُؤي قال وكان الناس يأتون خما في الجاهلية والإسلام في الدهر الأول يتنزهون به ويكونون فيه.. حدثنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن عمروبن دينار قال سمعت عبد الله بن عمر وهو بخم يقول بكاءُ الحي على الميت عذاب للميت وقال:
لا نستقي إلا بخُم والحفر
قال السمهودي:
خم بالضم اسم رجل شجاع أضيف إليه الغدير الذي بقرب الجحفة أو اسم واد هناك وقال النووي اسم غيضة على ثلاثة أميال من الجحفة عندها غدير مشهور يضاف إليها قال الحافظ المنذري لا يولد بهذه الغيضة أحد فيعيش إلى أن يحتلم إلا أن يرحل عنها لشدة ما بها من الوباء والحمى بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم في نقل حمى المدينة إليها وقال عرام دون الجحفة على ميل من غدير خم من نحو نطلع الشمس لا يفارقه ماء من ماء المطر يصب واديه في البحر.
دهماء مرْضوض
قال معنُ بن أوس المزني:
تأبدَ لأي منهمِ فعتائده ... فذو سَلم أنشاجُهُ فسواعده
فذات الحماط خَرجُها فطلولُها ... فبطنُ البقيع قاعُهُ فمرابدُهْ
فدهماءُ مرضوض كأنّ عراضها ... بها نضو محذوف جميل محافدُه
دهماءُ مرْضوض: موضع في بلاد مزينة من نواحي المدينة.
وقال الفيروز آبادي في المغانم المطابة في معالم طابة:(1/20)
دهماء مرضوض موضع لمزينة بنواحي المدينة
رَوضَة الأشاءة
قال معن بن أوس:
تجرُ بروضات الأشاءَة أرحلاً ... رَمَتها أنابيش السفا ونواصلة
قال ياقوت في معجم البلدان
رَوضَة الأشاءة:
الشين معجمة وبعد الألف همزة وهاءٌ وهو صغار النخل.موضع باليمامة فيما أحسب.
ويروى عن مكحول أنه قال أربع من مدن الجنة مكة والمدينة وإيليا ودمشق وأربع من مدن النار أنطاكية والطوانة وقسطنطينبة وصنعاء، وقال أبو عبيد وكان زياد بن منقذ العدوي نزل صنعاء فاستوبأها وكان منزله بنجد فى وادي أشَىّ فقال يتشوق بلاده:
لاحبذا أنت يا صنعاءُ من بلد ... ولا شعوبُ هوىً مني ولا نقُمُ
وحبذا حين تمسي الريح باردة ... وادي أشي وفتيان به هضم
مخدمون كرامٌ في مجالسهم ... وفي الرحال إذا صحبتَهم خدَمَ
الواسعون إذا ماجر غيرُهم ... على العشيرة والكافون ما جرموا
ليست عليهم إذا يغمون أردية ... إلا جِيادُ قِسي النبع واللُجم
لم ألق بعدهم قوماً فأخبرهم ... إلا يزيدهم حبا إلي هُمُ
يا ليت شعري عن جَنَبي مكَشَحَة ... وحيث تُبنى من الحناءة الأطُمُ
عن الاشاءة هل زالت مخارمها ... وهل تغيرَ من آرامها إرم
يا ليت شعري متى أغدو تعارضني ... جرعاءُ سابحة أم سابخ قدمُ
نحو الأميلح أو سَمنانَ مبتكراً ... في فتية فيهم المرَارُ والحكَمُ
من غير عدم ولكن من تبذلهم ... للصيد حين يصيح الصائد اللحِمُ
فيفزعون إلى جُرد مُسحجة ... أفنى دوا بِرَهن الركض والأكَمُ
يرضخنَ صم الحصا في كل هاجرة ... كما تطايحَ عن مِرضاخه العجم
وهي أكثر من هذا وإنما ذكرت ما ذكرت منها وإن لم يكن فيها من ذكر صنعاءَ إلا البيت الأول استحساناً لها وإيفاءً بما شرط من ذكر ما يتضمن الحنين إلى الوطن ولكونها اشتملَت على ذكر عدة أماكن. انتهى كلامه
سواج
قال معن بن أوس المُزني:
وما كنتُ أخْشَى أن تكون منيتي ... ببطن سواج والنوائح غُيبُ
متى تأتهم تَزفع بناتي برنةِ ... وتَصدح بنَوح يَفْزَع النوح أرنبُ(1/21)
سُوَاج: بضم أوله واخره جيم قال ابن الأعرابي ساج يسوج سوجاً وسواجا وسَوَجانا إذا سار سيراً رُوَيداً هو جبل فيه تأوي الجن. قال بعضهم:
أقبلنَ من نيرٍ ومن سُوَاج ... بالقوم قد ملوا من الإدلاج
وقيل هو جبل لغني قال أبو زياد سواج من جبال غني وهو خيال من أخيلة حمى ضرية والخيال ثنية تكون كالحد بين الحمى وغير الحمى، وقال ابن المُعلى الأزدي في قول تميم بن مقبل:
وحلَت سواجاً حِلةً فكأنما ... بحزم سواج وَشمُ كف مقرح
سواج جبل كانت تنزله بنو عميرة بن خُفَاف بن امرىء القيس بن بُهثة بن سليم بن منصور ثم نزلته بنو عُصَية بن خفات،
وقال الأصمعي سواج النتاءة حدالضباب وهو جبل لغَني إلى النميرة، وفي كتاب نصر سواج جبل أسود من أخيلة حمى ضرية وهو سواج طخفة، وقيل النائعان جبلان بين أبان وبين سواح طخفة ليس بسُوَاج المردمة وهو سواج اللعباء لبني زِنبَاع بن قُرَيط من بني كلاب.
وسواج موضع على طريق الحاج من البصرة بين فَلْجة والزجَيْج وقيل واد باليمامة، وقال السكَري سواج جبل بالعالية. قال جرير:
إن العدُو إذا رَمَوْك رميتهم ... بذُرَى عَمَايَةَ أو بهَضْب سواج
وأنشد ابن الأعرابي في نوادره لجهم بن سَبَل الكلابي:
حلفتُ لأنتجن نساءَ سلمى ... نتاجا كان غايته الخدَاج
برائحة ترى السُفَراءَ فيها ... كأن وجوههم عصب نضاج
وفتيان من البرزى كرام ... كأنْ زُهاءهم جبل سواج
البَرزى لقب أبي بكر بن كلاب أبي القبيلة.
صَائف
قال معن بن أوس:
تأبدَ لأي منهمُ فعُتائده ... فذو سلم انشاجُه فسواعده
ففدفَدُ عبود فخبراءُ صائف ... فذو الجفر أقْوى منهم ففدافده
قال ياقوت في معجمه:
صائف من نواحي المدينة. وقال نصر صائف موضع حجازي قريب من في طُوىً.
وقال أميَة بن أبي عائذ الهذلي:
لمن الديار بعَليَ فالأحراص ... فالسُودتين فمجمم الأبواص
فضهاءِ أظلَم فالنطوف فصائف ... فالنُمر فالبرَقات فالأنحاص
وذكر السمهودي صائف وقال : بين مكة والمدينة.(1/22)
عبود
قال معن بن أوس المُزني:
تأبدَ لأي منهمُ فعُتائده ... فذو سلم انشاجُه فسواعده
ففدفَدُ عبود فخبراءُ صائف ... فذو الجفر أقْوى منهم ففدافده
قال الزمخشري في كتابه الجبال والأمكنة
عبود: جبل معروف، قال السيد علي: عبود و صفر جبلان بين المدينة و السَيَّالة ينظر أحدهما الى الأخر، و الطريق يجيء بينهما، طريق المدينة.
وذكر البكري في معجم ما استعجم :
قال عروة بن أذينة:
انكرت منزله الخليط بضاحك ... فعفا وأقفز منهم عبود
وعبود بين الفريش وصدرملل وبطرق عبود عين الحسن بن زيد منقطعة.
قال السمهودي:
عابد بكسر الموحدة ودال مهملة وعبود بالفتح وتشديد الموحدة وعبيد بالضم مصغرا ثلاثة أجبل عبود وهو الأكبر بوسطها بفرش ملل بين مدفع مريين وبين ملل مما يلي السيالة على مرحلة من المدينة.
وقال أبو ذُؤيب الهذليُّ:
كأنَّني خاضبٌ طرَّتْ عقيقتهُ أَخْلى له الشَّرْيُ من أطرافِ عبُّودِ
العُصيب
قال مَعْن بن أوس المزني:
أَعاذِلَ هل يأتى القبائل حظها ... من الموت أم أخلَىِ لنا الموتُ وَحدَنا
أعاذل من يحتل فَيْفاً وفيْحَةً ... وثَوْراً ومن يحمي الأكاحل بعدنا
أعاذل خف الحيُ من أكمُ القرى ... وجزع العصيب أهله قد تَظعَنا
العصيب:بلفظ تصغير عَصَب. موضع في بلاد بني مُزَينة.
العليب
قال معن بن أوس:
إذا هي حلت كربلاء فلعلعاً ... فجو العلَيْب دونها فالنوائحا
العلْيبُ: بلفظ التصغير. موضع بين الكوفة والبصرة.
ونص معن بن أوس مع مجموعة من المواضع :
تَوَهمتُ ربعاً بالمعبر واضحاً ... أبت قرتاه اليوم إلأ تَراوُحا
أربَتْ عليه رادةٌ حضرمية ... ومرتجز كأن فيه المصابحا
إذا هي حلّتْ كربلاءَ فلعلعاً ... فجوزَ العُلَيب دونها فالنوائحا
فبانت نَواها من نواك وطاوَعت ... مع الشامتين الشامتات الكواشحا
غراب
قال معن بن أوس:
تأبدَ لأي منهم فعقائدهْ ... فذر سلَم أنشاجه فسواعدُه
فمندفَعُ الغُلآن من جنب مُنشدٍ ... فنعفُ الغراب خطبة فأساودُه(1/23)
قال ياقوت:
غراب أيضاً جبل قرب المدينة. قال ابن هشام في غزاة النبي صلى الله عليه وسلم لبني لِحيان: خرج من المدينة فسلك على غراب جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام وإياه أراد مَعن بن أوس المزني لأنها منازل مُزَينَةَ:
تأبدَ لأي منهم فعقائدهْ ... فذر سلَم أنشاجه فسواعدُه
فمندفَعُ الغُلآن من جنب مُنشدٍ ... فنعفُ الغراب خطبة فأساودُه
وعن غزوة بني لحيان يذكر ابن هشام وغيره من أصحاب السير والمغازي
خروج الرسول إلى بني لحيان:
قال ابن اسحاق:
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه وأظهر أنه يريد الشام، ليصيب من القوم غرة. فخرج من المدينة صلى الله عليه وسلم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق:
فسلك على غراب، جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام، ثم على محيص، ثم على البتراء، ثم صفق ذات اليسار فخرج على بين ثم على صخيرات اليمام، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة، فأغذ السير سريعا، حتى نزل على غران، وهي منازل بني لحيان، وغران واد بين آمج وعسفان، إلى بلد يقال له ساية، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال. فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد قال:
لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة"
فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم، ثم كر وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا.
مقالة الرسول في رجوعه:
فكان جابر بن عبد الله يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا: (آيبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال) والله اعلم.(1)
ــــــــــــــ
((1/24)
1) الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام جزء 6-293
أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (المتوفى : 581)
فَيحَة
قال مَعنُ بن أوس:
أعاذِلَ هل تأتي القبائلُ حظها ... من الموت أم أخلى لنا الموتُ وحدَنا
أعاذِلَ من يحتل فيفاً وفيحَةً ... وثَوراً ومن يحمي الأكاحلَ بعدَنا
فَيحَةُ: بالحاء المهملة. من ديار مُزَينة.
القريتان
قال مَعنُ بن أوس:
لها موردْ بالقريتين ومصدر ... لفوتَ فلات لا تزال تنازله
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان
القَريتان: بالفتح تثنية القرية وأصله من قروتُ الأرضَ إذا تبعتَ ناساَ بعد ناس، وقال بعضهم، ما زلت استقري هذه الأرض قرية قرية، ويجوز أن يكون من قولهم قريت الماء في الحوض أي جبيتُه وجمعته
والقريتان: مكة والطائف
وإياها أراد معن بن أوس بقوله:
لها موردْ بالقريتين ومصدر ... لفوتَ فلات لا تزال تنازله
والقريتان قريبة من النباج في طريق مكة من البصرة.
قال السكوني: هما قرية عبد الله بن عامر بن كرَيز، وأخرى بناها جعفربن سليمان وبماحصن يقال له العسكر، وهو بلد نخل بين أضعافه عيون في مائها غلَظ، وأهلها يستعذبون من ماءِ عنيزة وهي منها على ميلين قال جرير:
تغشى النباجَ بنو قيس بن حنظلة ... والقريتين بسراق ونزال
ويقال: لقران وملهَمَ قريتان لبني سحيم باليمامة، والقريتان أيضاَ قرية كبيرة من أعمال حمص، في طريق البرية بينها وبين سُخنة وأرك أهلها كلهم نصارى، وقال أبو حذيفة في فتوح الشام: وسار خالد بن الوليد رضي اللهَ عنه من تدمُر إلى القريتين، وهي التي تدعى حوارين، وبينها وبين تدمر مرحلتان وإياها عَنَى ابن قيس الرُقيات بقوله:
وسَرَت بغلتي إليك من الشا ... م وحورانُ دونها والعويرُ
وسواء وقريتان وعبنُ ال ... تمر خرق يكل فيه البعيرُ
فاستقَت من سِجاله بسجال ... ليس فيه مَن ولاتكدير(1/25)
وقد نسب إليها خالد بن سعيد أبو سعيد الكلبي من أهل القريتين حدث عن عبد الله بن الوليد العذري روى عنه محمد بن عنبسة الحديثي قاله في تاريخ دمشق ، ثم قال في ترجمة عبد الله بن دينار: أبو الوليد العذري الدمشقي حدث عن الأوزاعي روى عنه خالد بن سعيد أبو سعيد من أهل القريتين، ويقال خلف بن سعيد فيما يراه فاختلف وخالد أصح.
قورَان
وقال معن بن أوس المزني:
أبت إبلي ماء الحياض بأرضها ... وما شنها من جار سوءٍ تُزَايله
سَرَت من بُوانات فبُون فأصبحت ... بقورَانَ قوران الرَصاف تواكله
وقوران الرصاف في بلاد بني سليم من أرض الحجاز.
جاء في معجم البلدان
قورَانُ: بالفتح ثم السكون والراء وآخره نون من القارة، والقور، وهو أصاغر الجبال، أو من قولهم دار قوراءُ أي واسعة، وهو واد بينه وبين السوارقية مقدار فراسخ يصب من الحرَة فيه مياه آبار كثيرة عذبة طيبة، ونخل، وشجر، وفيه قرية يقال لها: الملحاءُ وغدير في مجر.
ويسترسل البكري في معجم ماستعجم بذكر بعض منازل بني سليم وذكر موضع قوران فيها بقوله
وقرية الملحاء، سميت بالملحاء، بطن من حيدان، وهي في بطن واد يقال له قوران، يصب من الحرة فيه ثلاث آبار عذاب، ونخل وشجر، وحواليها هضاب ذي مجر، قال الشاعر:
بذي مجر أسقيت صوب غوادي
وذو مجر: غدير بينهن كبير في بطن قوران، وبأعلاه ماء يقاله ليث، آبار كثيرة عذبة، ليس لها مزارع، لغط موضعها، وخشونته.
وفوق ذلك ماء يقال له شيس، آبار كثيرة ايضا، وفوق ذلك بئر يقال لها ذات الغاز، أغزرها ماء وأكثرها، تسقى بها بواديهم، قال أبن قطاب السلمي:
لقد رُعتموني يومَ ذي الغارِ روعةً ... بأخبار سوء دونهنً مشيبي
نعيتم فتى قيس بن عيلان عنوة ... وفارسها تنعونه لحبيبي(1/26)
وحذاء هذا الجبل جبل يقال له أقراح، شامخ لا ينبت شيئا، كثير النمور والاروى، ثم تمضي من الملحاء، فتنتهي إلى جبل يقال له مُعان، في جوفه أحساء ماء، منها حسى يقال لها الهدار، يفور بماء كثير، بحذائه حامتان سودان، في جوف إحدهما مياه ملحة، يقال لها الرفدة، حواليها نخلات وآجام يستظل بها المار، شبيهة بالقصور، وهي لبنى سليم، وبإزائها شواحط، وهو مذكرو في موضعه.
قال السمهودي في خلاصة الوفا:
( قوران ) واد يصب في الحرة ببطنه الملحاء قرب السوارقية.
وبأعلاه " لقف " بالكسر وسكون القاف ثم فاء آبار عذبه بأعلى قوران واد بناحية الوارقية وفي لقف ولفت وقع الخلاف في حديث الهجرة ويرجح الأول إن ناحية الوارقية ليست في سفر الهجرة
لأي
قال معن بن أوس:
تَغَيرَ لأي بعد فعُتائدُهْ ... فذو سَلَم أنشاجه فسواعدُة
هكذا أورده ياقوت في معجمه ، وقال لأي بفتح أوله، وإسكان ثانيه، وياء
وهو موضع في عقيق المدينة .
وورد البيت عند البكري في معجم ما استعجم
تابد لاى منهم فعتائده ... فذو سلم انشاجه فسواعده
وقال البكري:
لاْى : بفتح أوله، وإسكان ثانيه، بعده الياء اخت الواو: موضع ببلاد مزينة، قال معن بن اوس:
تابد لاى منهم فعتائده ... فذو سلم انشاجه فسواعده
فذات الحماط خرجها فطلولها ... فبطن البقيع قاعة فمرائدة
فمندفع الغلان غلان منشد ... فنعف الغراب خطبه فاساوده
ففدفد عبود فخبراء صائف ... فذو الجفر اقوى منهم ففدافده
هذه كلها مواضع هناك. و الانشاج: مجاري الماء، واحدها: نشج.
السواعد، واحدها ساعد. و المرائد: حيث ترود: تجئ وتذهب، واحدها مراد. وفيه نظر. ومنشد: واد هناك. وغلانه: منابت الطلح منه. و النعف: ما انحدر عن غلظ الجبل، وارتفع عن مسيل الوادي.
والغراب: جبل. والاخطب من الطير: ما ضرب لونه إلى الخضرة، قال معن أيضاً:
واخطب في فنواء ينتف ريشة ... وطير جرت يوم العقيق حوائم
يعني الصرد. وذو الجفر: موضع بئر، وعبود: جبل.
المرابد(1/27)
قال معن بن أوس:
فذات الحَمَاط خرجُها وطلوعهُا ... فبطنُ البقيع قاعه فمرابده
قال ياقوت : ثَم مواضع يقال لها مرابد يغادر فيها السيل.
قلت : وفي لغة العرب المربد موضع يجفف فيه التمر وثعلبه : ثقبه الذي يسيل منه ماء المطر
وورد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى يوما ودعا فقام أبو لبابة فقال : يا رسول الله إن التمر في المرابد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره أو ردائه فمطرنا حتى قام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره ".
مُعبر
قال معن بن أوس المزني:
تَوَهمتُ ربعاً بالمعبر واضحاً ... أبت قرتاه اليوم إلأ تَراوُحا
أربَتْ عليه رادةٌ حضرمية ... ومرتجز كأن فيه المصابحا
إذا هي حلّتْ كربلاءَ فلعلعاً ... فجوزَ العُلَيب دونها فالنوائحا
فبانت نَواها من نواك وطاوَعت ... مع الشامتين الشامتات الكواشحا
قال الزمخشري في الجبال والامكنة والمياه:
مُعَبِّر: جبل من الدهناء يعبر بمن يسلكه و يشق عليه.
وقال ياقوت:
مُعبرٌ : بالضم ثم الفتح وباء موحدة مشددة مكسورة وراء اسم الفاعل من عبرتُ أعبر إذا أجزتَ أو من عبرت الرؤيا: جبل من جبال الدهنا
ممروخ
قال معن بن أوس المُزَ ني:
وردتُ طريق الجَفر ثم أضلّها ... هواه وقالوا بطنُ ذي البئر أيسَرُ
وأصبحَ سعد حيث أمسَتْ كأنه ... برابغة الممروخ زق مُقيرُ
فما نوَمَتْ حتى ارتمى بثقالها ... من الليل قصوى لابةَ والمُكَسرُ
ممرُوخ: كأنه مفعول من المرخ الشجر الذي يضرب المثل بناره: موضع ببلاد مُزَينة يضاف إليه ذو.
منشِد
قال معن بن أوس:
تَعَفتْ مغانيها وخف أنيسُها ... من أدهم محروس قديم معاهدُه
فمندفع الغُلآن من جنب منشد ... فنعفُ الغرابُ خطْبهُ وأساوده
منشِد: بالضم ثم السكون وكسر الشين وقال مهملة بلفظ أنشد يُنشد(1/28)
فهو منشد: موضع بين رَضوَى جبل بني جُهينة وبين الساحل. وجبل من حمراء المدينة على ثمانية أميال من طريق الفُرع، وإياه أراد معن بن أوس المُزني بقوله بعد ذكر منازل وغيرها:
فمندفع الغُلآن من جنب منشد ... فنعفُ الغرابُ خطْبهُ وأساوده
ومنشد بلد لبني سعد بن زيد مناة بن تميم ومنشد في بلاد طيىء. قال زيد الخيل وكان يتشوقه وقد حضرَته الوفاة:
سقى اللهَ ما بين القفيل فطابةٍ ... فما دون أزمام فما فوق منشد
قلت : وبني سعد هؤلاء بطن من قبيلة تميم العدنانية التي تنتسب الي
تميم بن مر بن أد ابن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان.
وكانت منازلهم بنجد واليمامة ويتصلون إلي البحرين والبصرة .
ميطان
قال معن بن أوس المزني وكان قد طلق امرأته ثم ندم:
كأن لم يكن يا أم حقة قبل ذا ... بميطان مصطاف لنا ومرابع
وإذ نحن في عصر الشباب وقد عسا ... بنا الآن إلا أن يعوض جازع
فقد أنكرته أم حقة حادثاً ... وأنكرها ما شئت والحب جارع
ولو آذنتنا أم حقة إذا نبا ... شرون وإذ لما ترعنا الروائع
لقلنا لها بيني كليلى حميدة ... كذاك بلا ذم ترد الودائع
قال ياقوت الحموي:
ميطان: بفتح أوله ثم السكون وطاء مهملة وآخره نون من جبال المدينة مقابل الشوران به بئر ماء يقال له ضفة وليس به شيء من النبات وهو لمزينة وسليم .
وذكر السمهودي ميطان وقال:
حرة ميطان وهو جبل شرقيّ قريظة
وبحذائه شوران وهو جبل تضاف إليه حرة شوران صدر مهزور لعله المعروف اليوم بشوطان وللزبير عن محمد بن عبد الرحمن قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إبلا في السوق فأعجبه سمنها فقال أين كانت ترعى هذه قالوا بحرّة شوران فقال بارك الله في شوران .
وذكر البلادي في المعالم الجغرافية الواردة في السيرة
ميطان : لابة سوداء من وجه حرة المدينة الشرقية الشرقي ، تفيء على العقيق الشرقي ، وهي اليوم من ديار عوف من حرب .
قلت:(1/29)
وقصة تلك الأبيات على وجه الإيجاز هي أن معن بن أوس المزني، ذهب البصرة
في احد أسفاره وتزوج بامرأة اسمها ليلى ومكث عندها مدة من الزمن، ثم طلب
منها أن يرحل لاهله بالمدينة بموضع يسمى العمق ولما وصل إليه طال مكثه فيه
واستبطأته زوجته ليلى وذهبت اليه ومعها ابن اخيها وبعض الموالي لها.
ولقيته بالعمق فلما رأته قالت: أهذا العيش الذي نزعت إليه يا معن ؟
قال: إي والله يا بنة عم! أما إنك لو أقمت إلى أيام الربيع حتى ينبت البلد الخزامى والرخامى والسخبر والكمأة، لأصبت عيشاً طيباً. فغسلت رأسه وجسده، وألبسته ثياباً لينة، وطيبته، وأقام معها ليلته أجمع يهرجها ، ثم غدا إلى عمقٍ حتى أعد لها طعاماً ونحر ناقةٍ وغنماً . وقدمت على الحي، فلم تبق فيهم امرأة إلا أتتها وسلمت عليها، فلم تدع منهن امرأة حتى وصلتها. وكانت لمعنٍ امرأة بعمقٍ يقال لها أم حقة. فقالت لمعن: هذه والله خير لك مني، فطلقني، وكانت قد حملت فدخله من ذلك وقام.
ثم إن ليلى رحلت إلى مكة حاجّةً ومعن معها. فلما فرغا من حجهما انصرفا، فلما حاذيا منعرج الطريق إلى عمقٍ قال معن: يا ليلى، كأن فؤادي ينعرج إلى ما ها هنا. فلو أقمت سنتنا هذه حتى نحج من قابلٍ ثم نرحل إلى البصرة! فقالت: ما أنا ببارحةً مكاني حتى ترحل معي إلى البصرة أو تطلقني. فقال: أما إذ ذكرت الطلاق فأنت طالق. فمضت إلى البصرة ، ومضى إلى عمقٍ، فلما فارقته وتبعتها نفسه، فقال في ذلك:
توهمت ربعاً بالمعبر واضحاً ... أبت قرتاه اليوم إلا تراوحا
أربت عليه رادة حضرمية ... ومرتجز كأن فيه المصابحا
إذا هي حلت كربلاء فلعلعاً ... فجوز العذيب دونها فالنوابحا
وبانت نواها من نواك وطاوعت ... مع الشانئين الشامتات الكواشحا
فقولا لليلى هل تعوض نادماً ... له رجعة قال الطلاق ممازحا
فإن هي قالت لا فقولا لها بلى ... ألا تتقين الجاريات الذوابحا(1/30)
وهي قصيدة طويلة. فلما انصرف وليست ليلى معه قالت له امرأته أم حقة: ما فعلت ليلى؟
قال: طلقتها. قالت والله لو كان فيك خير ما فعلت ذلك، فطلقني أنا أيضاً. فقال لها معن:
أعاذل أقصري ودعي بياتي ... فإنك ذات لوماتٍ حمات
فإن الصبح منتظر قريب ... وإنك بالملامة لن تفاتي
نأت ليلى فليلى لا تواتي ... وضنت بالمودة والبتات
وحلت دارها سفوان بعدي ... فذا قارٍ فنخرق الفرات
تراعى الريف دائبةً عليها ... ظلال ألف مختلط النبات
فدعها أو تناولها بعنسٍ ... من العيدي في قلص شخات
وهي قصيدة طويلة. قال: وقال لأم حقة في مطالبتها إياه بالطلاق:
كأن لم يكن يا أم حقة قبل ذا ... بميطان مصطاف لنا ومرابع
وإذ نحن في غصن الشباب وقد عسا ... بنا الآن أن يعوض جازع
فقد أنكرته أم حقة حادثاً ... وأنكرها ما شئت والود خادع
ولو آذنتنا أم حقة إذ بنا ... شباب وإذ لما ترعنا الروائع
لقلنا لها بيني بليلٍ حميدةً ... كذاك بلا ذم تؤدي الودائع
وقد ورد ذكر ميطان في أبيات الأسود بن عمارة:
كان محمد بن عبيد الله بن كثير بن الصلت على شرطة المدينة، ثم ولى القضاء، ثم ولاه أبو جعفر المدينة وعزل عبد الصمد بن علي، فقال الأسود بن عمارة:
ذكرتك شرطياً فأصبحت قاضيا ... فصرت أميراً أبشري قحطان
أرى نزواتٍ بينهن تفاوتٌ ... وللدهر أحداث وذا حدثان
أرى حدثاً ميطان منقطعٌ له ... ومنقطع من بعده ورقان
أقيمي بني عمرو بن عوف أو اربعي ... لكل أناس دولةٌ وزمان
هل لدهر قد مضى من معاد ... أو لهم داخلٍ من نفاد
أذكرتني عيشةً قد تولت ... هاتفاتٌ نحن في بطن وادي
هجن لي شوقاً وألهبن ناراً ... للهوى في مستقر الفؤاد
وذكر السمهودي بخلاصة الوفا
أن بني شطبة حين قدموا من الشام نزلوا ميطان فلم يوافقهم فتحولوا قريبا من حدمان ثم نزلوا براتج فهم أحد قبائله الثلاثة. والله اعلم
قال الشاعر يرثى سعد بن معاذ ويذكر أمر بني قينقاع :(1/31)
وقد كان ببلدتهم ثقالا كما ثقلت بميطان الصخورُ
النوائح
موضع في قول معن بن أوس المزني:
إذا هي حلت كربلاء فلعلعا ... فجوز العذيب دونها فالنوائحا
فبانت نواها من نواك فطاوعت ... مع الشانئين الشانئات الكواشحا
بُحْرَة
قال معن بن أوس:
تساقط أولاد التنوط بالضحى ... بحيث يناصي صدر بحرة مخبر
قال البكري الأندلسي في معجمه:
بُحْرَة :بضم أوله، وسكون ثانيه، وفتح الراء المهملة، على وزن فعلة: موضع ببلاد مزينة،
قال السكري: مخبر: قرية بين علاف ومر، وهنالك قتل حجذيفة بن أنس الهذلي نفراً من بني سعد بن ليث: وقال غير السكري مخبر: واد هنالك.
وقال أبو أسحاق الحربي: البحرة دون الوادي، وأعظم من التلعة. وروى من طريق محمد بن عمير، عن أبن أبي سبرة، عن سليمان بن سحيم، قال: كان بمكة يهودي يقال له يوسف، فلما ولد النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولد نبي هذه الامة في بحرتكم اليوم.
وبحرة الرغاء موضع به مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم .
والبحرة والبحيرة من أسماء المدينة المنورة .
العُذَيْب
قال معن بن أوس:
إذا هَىِ حلَّتْ َكْربَلَاء فَلَعلَعاً ... فجَوزْ العُذَيبْ دُونهاَ فالنَّواشحاً
قال البكري في معجم ما استعجم العُذَيْب:
بضم أوله، وتصغير عَذْب: واد بظاهر الكوفة،
وهذه كلها مواضع متقاربة هنالك. قال إبراهيم بن محمد في شرحه لشعر أبي الطيب عند قوله:
تّذَكَّرتْ ما بين العُذَيبْ وبَارِقِ
العُذّيبْ: ماء لبنى تميم، كذلك بارق، وديار تمتم إنما هي باليمامة. وقال الشماخ:
فَمّرتْ على عَيْن العُذيَبْ وعَيْنُها ... كوَقْبِ الصَّفا جَلسيها قد تَغَوَّرا
العُذيْبةَ تأنيث الذي قبله: موضع في طريق مكة، بين الجار وينبع، قال كثير:
خلٍيلَّى إن أمَّ الحكيم تحمَّلتْ ... وأخلَتْ لخَيمْاتِ العُذيَبْ ظِلالُها(1/32)
يريد العذيبة بإسقاط الهاء. وكذلك قال أبو الفتح في قول أبي الطيب المتقدم ذكره: أنه أراد العذيبة، فأسقط الهاءؤ. قال الوحيد: لوأراد العذيبة لما صلح أن يقرن بها بارقا، لعبد ما بينها، وانما اراد العذيب الذي بظهر الكوفة وبارق هناك ايضا، بالكوفة منشؤة.
قلت:
ويعرف العذيب اليوم من هجر محافظة العلا باسم العذيب وبه مركز تابع لأمارة العلا.
غول
قال معن بن أوس:
عِرَاقيةٌ تَحْتَل غَوْلاً فعَسْعَسَا ... نَحَلُّ العراق دارُها ما تباعده
غَوْل : بفتح أوله، وإسكان ثانيه، موضع في شق العراق .
قلت:
وفي الاردن موضع معروف باسم بطن الغول وبه يمر قطار سكة الحديد الحجازية.
ممروخ والمكسر
قال معن بن اوس:
واصبَحَ سعد حيثُ أمستْ كأنه ... بِرائغةِ الممرُوخ زق مُقيرُ
فما مومتْ حتى ارتمى بنقالها ... من الليل قُصوى لابةِ والمكسَّرُ
" الممرُوخ " بفتح أوله، مفعولا من مرخت الشىء، موضع ببلاد مزينة.
والمكسر أيضاً: موضع في بلاد مزينة. ذكرهما البكري في معجمه.
ومن المواضع أيضا
ما أشار اليه الشاعر معن بن أوس في أبياته التالية :
تابد لاى منهم فعتائده ... فذو سلم انشاجه فسواعده
فذات الحماط خرجها فطلولها ... فبطن البقيع قاعة فمرائدة
فمندفع الغلان غلان منشد ... فنعف الغراب خطبه فاساوده
ففدفد عبود فخبراء صائف ... فذو الجفر اقوى منهم ففدافده
قال البكري في معجمه
هذه كلها مواضع هناك. و الانشاج: مجاري الماء، واحدها: نشج، وكذلك السواعد، واحدها ساعد. و المرائد: حيث ترود: تجئ وتذهب، واحدها مراد. وفيه نظر. ومنشد: واد هناك. وغلانه: منابت الطلح منه. و النعف: ما انحدر عن غلظ الجبل، وارتفع عن مسيل الوادي.
والغراب: جبل. والاخطب من الطير: ما ضرب لونه إلى الخضرة، قال معن أيضاً:
واخطب في فنواء ينتف ريشة ... وطير جرت يوم العقيق حوائم
يعني الصرد. وذو الجفر: موضع بئر، وعبود: جبل.
المسحاء وسرف
قال معن بن أوس:(1/33)
عفا وخلا ممن عهدتُ به خمُ ... وشاقك بالمسحاءِ من سرف رسمُ
المسحاءُ: موضع في شعر معن قرب سرف بين مكة والمدينة
وسرف بفتح أوله وكسر ثانيه وآخره فاء، موضع على ستة أميال من مكة وقيل: سبعة وتسعة واثني عشر تزوج به رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث وهناك بنى بها وهناك توفيت.
وورد في السير:
عن محرش الكعبي، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجعرانة، فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله، ثم احرم، ثم استوى على راحلته، فاستقبل بطن سرف حتى لقي طريق مكة فأصبح بالجعرانة كبائت.
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
حتى نزل بطن سرف فأقام بها وخلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمسي فأقام حتى قدمت ميمونة ومن معها وقد لقوا أذى وعناء من سفهاء المشركين وصبيانهم فبنى بها
بسرف ثم أدلج وسار حتى قدم المدينة وقدر الله أن يكون قبر ميمونة بسرف حيث بنى بها .
قلت:
وتبعد سرف عن مكة ستة أميال وبالقرب من بطن سرف التنعيم بمكة.
بطحاء مكة
قال معن بن أوس:
وقد علمت بطحاء مكة أنه له العزمنها القديم الموثل
بَطْحاء مَكة : هي ما حاز السيل، من الردم إلى الحناطين يميناً مع البيت
وقال حذافة العدوى يمدح بني هاشم:
هم ملئوا البطحاء مجدا وسوددا ... وهم تركوا رأى السفاهة والهجر
قال البلادي في المعالم الجغرافية:
وكانت قريش تقسم إلى : قريش البطاح ، وهم سكان مكة ، والبطاح : مسايل أوديتها . وقريش الظواهر ، سكان ظاهر مكة كمنى وعرفات والمغمس .
وكانت البطحاء علما على جزء من وادي مكة ، هو : بين الحجون إلى المسجد الحرام ، ومنها الغزة وسوق الليل .
أما في عصرنا فقد عبدت فذهبت البطحاء . فإذا ذكرت بطحاء مكة فهي هذا الموضع ، أما بطحاء قريش فهي غير هذه ، إنما هي مكان قرب جبل ثور .
يَثقُبُ
قال معن بن اوس:
سرت من قرى الغراء حتى اهتدت لنا ودوني حزابي الطوى فيثقب(1/34)
يَثقُبُ: بفتح أوله وسكون ثانيه ورُوي في القاف الضم والفتح والباءُ موحدة يفعل من الثقب: موضع بالبادية.
قال النابغة:
أرسماً جديداً من سُعادَ تجنب ... عفَت روضةُ الأجداد منها فيثقُبُ
والغراء موضع ،وقيل مكان لبني أسد بنجد.
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
كان الفراغ منه في نهاية صفر من عام 1429 هـ.
فيصل سعيد محمد الصاعدي
المدينة النبوية
المراجع
1- ديوان معن بن أوس رواية البغدادي
2- لسان العرب لابن منظور
3- تاج العروس للزبيدي
4- القاموس المحيط للفيروزابادي
5- سيرة ابن هشام
6- الروض الأنف للسهيلي
7- معجم البلدان لياقوت الحموي
8- معجم ما استعجم للبكري الأندلسي
9- الأزمنة والأمكنة لأبي على الأصفهاني
10- المسالك والممالك لابن خردذابه
11- المسالك والممالك لأبي إسحاق الكرخي
12- الجبال والمياه للزمخشري
13- تاريخ المدينة لابن شبة
14- وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى نور الدين السمهودي
15- خلاصة الوفا للسمهودي
16- المغانم المطابة في معالم طابة مجد الدين الفيروز آبادي
17- عمدة الأخبار في مدينة المختار احمد العباسي
18- المعالم الجغرافية في السيرة النبوية لعاتق البلادي
19- معالم الحجاز عاتق البلادي
20- تاريخ معالم المدينةالمنورةقديماً وحديثاً عبدالله كردي
الفهرس
مقدمة
الفصل الاول 4
نسب الشاعر معن بن أوس
قبيلته ونشأته 6
حياته الاجتماعية 15
شعره واخباره 19
الفصل الثاني 23
المواضع والديار(1/35)