المهَذَّبُ
في فضائلِ الشَّام
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنَّة
علي بن نايف الشحود
الطبعة الأولى
1430هـ -2009 م
(ماليزيا -(بهانج- دار المعمور ))
((حقوق الطبع لكل مسلم ))(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد المرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن فضائل الشام كثيرة ومتنوعة،قد وردت في القرآن والسنة،وقد كتب فيها العديد من أهل العلم،ومن أهمهم الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق،والربعي،والمقدسي،وكتب فيها بعض العلماء المعاصرين .
وقد كتبت في ذلك كتاباً منذ عشرين عاماً سميته (( خلاصة الكلام في فضائل الشام )) ولكنه بقي مخطوطا....
كتب زين الدّين بن نجيّة الواعظ كتاباً إلى صلاح الدّين( الأيوبي رحمه الله ) يشوّقه إلى مصر ويصف محاسنها،ومواطن أنسها،فكتب إليه السلطان..: ورد كتاب الفقيه زين الدّين: لا ريب أنّ الشام أفضل،وأنّ أجر ساكنه أجزل،وأنّ القلوب إليه أميل،وأنّ زلاله البارد أعلّ وأنهل،وأنّ الهواء في صيفه وشتائه أعدل،وأنّ الجمال فيه أجمل وأكمل،وأنّ القلب به أروح،وأنّ الروح به أقبل. فدمشق عاشقها مستهام،وما على محبّها ملام. وما في ربوتها ريبة،ولكلّ نور فيها شيبة،وساجعاتها على منابر الورق خطباً قطرب،وهزاراتها وبلابلها تعجم وتعرب،وكم فيها من جواري ساقيات،وسواقي جاريات،وأثمار بلا أثمان،وفاكهة ورمّان،وخيرات حسان،وكونه تعالى أقسم به فقال: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} (1) سورة التين ،يدلّ على فضله المكنون. وقال - صلى الله عليه وسلم - :" الشَّامُ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلادِهِ ، يَسُوقُ إِلَيْهَا صَفْوَةَ عِبَادِهِ" (1) . وعامّة الصحابة اختاروا به المقام. وفتح دمشق بكر الإسلام. وما ينكرُ أنّ الله تعالى ذكر مصر،لكنّ ذلك خرج العيب له والذّمّ. ألا ترى أنّ يوسف عليه السلام نقل منها إلى الشام (2) . ثم المقام بالشام أقرب إلى الرّباط،وأوجب للنشاط. وأين قطرب المقطّم
__________
(1) - المستدرك للحاكم (8555) حسن لغيره
(2) - سيمر حديثه في الكتاب(1/1)
من سنا سنين وأين دار آصف لمن ذروة الشرف المنير،وأين لبانة لبنان من الهرمين وهل هما إلاّ مثل السّلعتين،وهل للنّيل مع طول نيله وطول ذيله برد بردى في نقع العليل وما لذلك الكثير طلاوة هذا القليل. وإن فاخرنا بالجامع وفيه النّسر،ظهر بذلك قصر القصر،ولو كان لهم مثل بانياس،لما احتاجوا إلى قياس المقياس،ونحن لا نحقر الوطن كما حقرته،وحبّ الوطن من الإيمان،ونحن لا ننكر فضل مصر،وأنّه إقليم عظيم،ولكن نقول كما قال المجلس الفاضليّ: إنّ دمشق تصلح أن تكون بستاناً لمصر. والسّلام. (1)
وقال الشعراني : " (أُخذَ علينا العهد العام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أن نرغب إخواننا التجار الذين يسافرون إلى الشام أن يجعلوا معظم نيتهم امتثال أمر الشارع في سكنى الشام دون التجارة،فإنَّ التجارة حاصلة تبعا ولو لم ينووها،وذلك ليكونوا في سكناهم الشام تحت امتثال أمر الشارع فيثابوا على ذلك،بخلاف ما إذا جعلوا نيتهم التجارة فقط فلا يحصل لهم أجر عند بعضهم،لحديث: « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى » (2) . ولا ينافي ما ذكرناه قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء: " إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا . وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ " (3) . لأنا نقول إذا أمرنا الشارعُ بشيء فلا نخرج عن العهدة إلا بفعله،فنسكنُ في الشام امتثالا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معوِّلين على فضل الله لا على أرض الشام،وكذلك القول في حق من أقام بمكة والمدينة لأجل فضل الصلوات هناك يقيم لأجل مضاعفة الأجر في الصلوات هناك،ولا يعتمد في نجاته في الآخرة إلا على الله تعالى دون الأعمال الصالحة،فافهم. وكان لفظ أبي الدرداء الذي أرسله إلى سلمان الفارسي: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ : يَا أَخِي , إِنْ كَانَ بَعُدَتِ الدَّارُ مِنَ الدَّارِ فَإِنَّ الرُّوحَ مِنَ الرُّوحِ قَرِيبٌ , وَإِنَّ طَيْرَ السَّمَاءِ تَقَعُ عَلَى إِلْفِهَا مِنَ
__________
(1) - تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع - (40 / 58)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1 / 4) (1 )
(3) - مُوَطَّأُ مَالِكٍ (1469 ) والزُهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (845 ) وحِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (679 ) حسن لغيره(1/2)
الْأَرْضِ " . وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ لَهُ : إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا , وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ " (1) .
فإياك يا أخي أن تسافر للقدس أو دمشق بلا نية صالحة،فإنَّ الدنيا وما فيها كالهباء إلا ما ابتغي به وجه الله. .. (2) .
والقدامى قد ذكروا كل ما ورد من أحاديث وأخبار،وفيها الصحيح والحسن والضعيف والمنكر بل والموضوع .
وأمَّا من كتب عنها من المعاصرين إما أنه سلك مسلك القدامى فأورد كل ما حاء فيها بعجره وبجره،وإما أنه سلك مسلك المتشددين في قبول الأخبار فردَّ بعض الأخبار الثابتة أو تعسَّف في تأويلها بخحة حماية السنَّة النبوية والدفاع عنها،فوقع بخطأ أيضاً .
ومناهج العلماء تختلف جرحا وتعديلاً،كما أنها تدور بين المتشدد والمتساهل والمعتدل .
فلو أخذنا بمنهم المتساهلين لأدخلنا في السنة ما ليس منها .
ولو أخدذنا بمنهج المتشددين لضعَّفنا كثيرا من الأحاديث التي صححها أو حسنها العلماء السابقون .
والحكمُ على الحديث جرحاً وتعديلاً قائمٌ على غلبة الظنِّ،وليس على القطع واليقين،ومن ثمَّ فقد يصحح بعض العلماء حديثاً لما يغلب على ظنه أن رجاله ثقات،فيأتي عالم آخر فيضعِّفه لأنه يرى أن فيه علةَّ قادحةً تمنع من صحته،وهذا كثير جداً ...
هذا وقد اعتدت أن أسير في سائر كتبي وأبحاثي وفق المنهج الوسط،الذي لا يتشدد في قبول الأخبار ولا يتساهل ...
وقد تجد أيها - الأخ الكريم - في كثير من كتبي حديثاً قد صححته أو حسنته،بينما ضعفه عالمٌ آخرُ .
فهذا أمرٌ طبيعيٌّ تبعاً للمنهج الذي سار عليه كلُّ واحدٍٍ منا .
والسبب في ذلك يعود لعدة أمور :
__________
(1) - الْبِدَعُ لِابْنِ وَضَّاحٍ (135) حسن لغيره
(2) - لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية - (2 / 90)(1/3)
فقد يكون الذي ضعفه أخذ بأشدِّ ما قيل في الراوي جرحاً فضعَّف الحديث بسببه .
وقد يكون في السند راو مختلفٍ فيه جرحاً وتعديلاً فرجَّح الجرح فضعَّفه .
وقد يكون السبب أنه لم يطلع إلا على تلك الرواية التي فيها هذا الضعيف ولم يكن له متابعاً ...
وقد يكون السبب اختلاف في فهم القواعد والضوابط التي وضعت في الجرح والتعديل ..كالرفع والوقف والوصل والإرسال،والإدراج أو عدمه ..
وقد يكون السبب الاختلاف في فهم المصطلحات الخاصة في الجرح والتعديل كما في تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر رحمه الله،فقد حصل اختلاف كبير في العديد من مصطلحاته، وقد فصَّلت ذلك في كتابي (( الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب ))
وهناك أسباب أخرى عديدة لا مجال لتفصيلها الآن ...
والذي يصحح حديثاً أو يحسِّنه لا يلزمُ بذلك سوى نفسه كأئمة الاجتهاد،فليس قول مجتهدٍ بحجةٍ على مجتهد آخر .
وكم أتمنَّى أن نسير جميعاً وفق المنهج الوسط الذي سار عليه جمهور السلف والخلف،لا منهج الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - الذي أدخل في كتابيه الموضوعات والواهيات كثيرا من الأحاديث الثابتة؛لأنه كان يأخذ بأشد ما قيل في الراوي المختلف فيه،ولا منهج الإمام السيوطي - رحمه الله - الذي أدخل في كتبه كثيرا من الأحاديث المنكرة والواهية والموضوعة ، فقد كان متساهلاً جدًّا..
وأحاديث الفضائل قد تساهل فيها العلماء،ولكن هذا التساهل له شروطه وضوابطه التي فصَّلتها في كتابي (( الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف ))
وقد نهجت في غالب تخريجاتي الاختصار في الحكم على الحديث مثل صحيح أو صحيح لغيره أو حسن أو حسن لغيره أو ضعيف أو صحيح مرسل أو حسن مرسل ونحو ذلك،ولم أذكر في الغالب علة الحديث .
وعلى ذلك سار أكثرُ أهل العلم من السلف والخلف ..(1/4)
ولم أستقصِ مخرِّجيه إلا إذا كانت هناك حاجةٌ متعبرة فأفصِّلُ في التخريج والحكم على الحديث ...
وعامة الناس لا يلزمهم ذلك،وأمَّا مَن كان من طلاب العلم المهتمين في التخريج وشكٍّ في حكمٍ ماعلى حديث ما أو أحبَّ الاطلاع عليه ، فعليه قبل أن يحوِّلَ شكَّه إلى يقين وقبل المسارعة في الإنكار القيام بالأمور التالية :
الأول - الرجوع لمصدر الحديث نفسه والنظر في سنده ..
والثاني - البحث عن أقوال أهل العلم - القدامى والمحدَثين - حول هذا الحديث بعينه ...
والثالث- البحث عن شواهد وطرق الحديث التي بلفظه أو بمعناه..
فسيصل بعدها -بعون الله تعالى - إلى برِّ الأمان ويزول الشك باليقين .
فنحن لسنا بمعصومين من الوقوع في الخطأ أو الوهم أو قصور النظر { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (76) سورة يوسف .
والواجبُ على طالب العلم إنْ رأى شيخه أو غيره قد وهَم في الحكم على حديث ما أن يلتمس له العذر في ذلك،لا أن يسارع بالإنكار عليه والتحذير منه !!
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه النفيس (( رفع الملام عن الأئمة الأعلام )) عشرة أسباب في إعذار الفقهاء في ترك العمل بحديث ما .
قال في مقدمة كتابه هذا : " وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّتِهِ ؛ دَقِيقٍ وَلَا جَلِيلٍ ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ،وَعَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ .
وَجَمِيعُ الْأَعْذَارِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ :
أَحَدُهَا : عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَهُ .
وَالثَّانِي : عَدَمُ اعْتِقَادِهِ إرَادَةَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ .
وَالثَّالِثُ : اعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ .(1/5)
وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ تَتَفَرَّعُ إلَى أَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ ..." (1)
ثم قال بعد ذكر الأسباب العشرة : " وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالِمِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَيْهَا ؛ فَإِنَّ مَدَارِكَ الْعِلْمِ وَاسِعَةٌ وَلَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي بَوَاطِنِ الْعُلَمَاءِ،وَالْعَالِمُ قَدْ يُبْدِي حُجَّتَهُ وَقَدْ لَا يُبْدِيهَا ،وَإِذَا أَبْدَاهَا فَقَدْ تَبْلُغُنَا وَقَدْ لَا تَبْلُغُ ،وَإِذَا بَلَغَتْنَا فَقَدْ نُدْرِكُ مَوْضِعَ احْتِجَاجِهِ وَقَدْ لَا نُدْرِكُهُ ،سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُجَّةُ صَوَابًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا." (2)
ولكن لا يجوز أن ننسى- ونحن نكتب عن فضائل الشام - ما فعله أعداء الإسلام بالشام حيث مزقوها شرَّ ممزق،وحولوها إلى دويلات أربعة باتفاقية سايكس بيكو،ومكنوا لليهود الملاعين من فلسطين وما حولها،وأشغلوا أهل الشام بمشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية .... كل ذلك حتى لا يجمعوا أنفسهم مرة أخرى ويقودهم صلاح الدين المنتظر لتحرير فلسطين والأقصى من رجس اليهود،وقد وعدنا الله ورسوله بذلك قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (55) سورة النور .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِىُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِىٌّ خَلْفِى فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ». (3)
__________
(1) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (20 / 232) ورفع الملام عن الإئمة الأعلام بتحقيقي - (1 / 173) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 3019) -رقم الفتوى 6787 اختلاف أقوال العلماء في المسائل الفرعية عن فقه وعلم لا عن جهل وهوى وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 967) رقم الفتوى 20876 أعذار الأئمة المعتبرين عند وجود قول جاء الحديث الصحيح بخلافه
(2) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (20 / 250) ورفع الملام عن الإئمة الأعلام بتحقيقي - (1 / 296)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7523 ) وانظر كتابي (( المفصل في عوامل النصر والهزيمة ))(1/6)
هذا وقد قسمت هذا الكتاب إلى تمهيد وثلاثة أبواب :
الباب الأولالفضائل العامة للشام
الباب الثانيفضائل بيت المقدس
الباب الثالثفضائل بعض مدن الشام وجباله
وقد شرحت غريب الحديث،وعلقت على بعض الموضوعات بما يلزم،وفصَّلت القول في بعض المسائل الفقهية التي تنازع فيها أهل العلم .
وذكرت مصدر كل قول بهامشه .
قال تعالى : { وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) } [الأعراف : 127 - 129] (128) سورة الأعراف .
أسأل الله تعالى أن ينفع به كتابه وقارئه والدال عليه وناشره في الدارين .
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 24 رجب 1430هـ الموافق ل 17/7/2009 م
- - - - - - - - - - - - -(1/7)
تمهيد
أول خطبة جمعة بعد فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله
كانت أول جمعة أقيمت في اليوم الرابع من شعبان،بعد يوم الفتح بثمان،فصف المنبر إلى جانب المحراب،وبسطت البسط وعلقت القناديل وتلي التنزيل،وجاء الحق وبطلت الأباطيل،وصفت السجادات وكثرت السجدات وأقيمت الصلوات،وأذن المؤذنون،وخرس القسيسون،وزال البؤس،وطابت النفوس،وأقبلت السعود،وأدبرت النحوس،وعُبِد الله الأحد الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4،3]. وكبره الراكع والساجد،والقائم والقاعد،وامتلأ الجامع،وسالت لرقة القلوب المدامع،ولما أذن المؤذنون للصلاة قبل الزوال كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال،ولم يكن عيَّن خطيب فبرز من السلطان المرسوم الصلاحي وهو في قبة الصخرة أن يكون القاضي محيي الدين بن الزكي اليوم خطيبًا،فلبس الخلعة السوداء وخطب للناس خطبة سنية فصيحة بليغة،وذكر فيها شرف بيت المقدس،وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات،وما فيه من الدلائل والأمارات،وقد أورد الشيخ أبو شامة الخطبة في الروضتين بطولها وكان أول ما قال: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].
ثم أورد تحميدات القرآن كلها،ثم قال: «الحمد لله معز الإسلام بنصره،ومذل الشرك بقهره،ومصرف الأمور بأمره،ومزيد النعم بشكره،ومستدرج الكافرين بمكره،الذي قدر الأيام دولاً بعدله من طله وهطله «الندى والمطر»،الذي أظهر دينه على الدين كله،القاهر فوق عباده فلا يمانع،والظاهر على خليقته فلا ينازع،والآمر بما يشاء فلا يدافع،أحمده على إظفاره وإظهاره،وإعزازه لأوليائه ونصره أنصاره،حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر إجهاره،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد،الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد،شهادة من طهر بالتوحيد قلبه،وأرضى به ربه،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله رافع الشكر وداحض الشرك،ورافض الإفك،الذي أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعرج به منه إلى السموات العلى،إلى سدرة المنتهى(1/8)
{عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}،{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17،15]. وعلى خليفته الصديق السابق إلى الإيمان،وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شعار الصلبان،وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن،وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك،ومكسر الأصنام،وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان».
أيها الناس،أبشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا لما يسره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة،من الأمة الضالة،وردها إلى مقرها من الإسلام،بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريبا من مائة عام،وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه،وإماطة الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه واستقر فيها رسمه،ورفع قواعده بالتوحيد،فإنه بني عليه وشيد بنيانه بالتمجيد،فإنه أسس على التقوى من خلفه ومن بين يديه،فهو موطن أبيكم إبراهيم،ومعراج نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام،وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام،وهو مقر الأنبياء،ومقصد الأولياء،ومدفن الرسل ومهبط الوحي،ومنزل به ينزل الأمر والنهي،وهو في أرض المحشر وصعيد المنشر،وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين،وهو المسجد [الأقصى] الذي صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالملائكة المقربين،وهو البلد الذي بعث الله إليه عبده ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم،وروحه عيسى الذي كرمه برسالته وشرفه بنبوته،ولم يزحزحه عن رتبة عبوديته،فقال تعالى: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون)،كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيدا (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض،سبحان الله عما يصفون)،(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) إلى آخر الآيات من المائدة،وهو أول القبلتين،وثاني المسجدين،وثالث الحرمين،لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه،ولا تعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه،فلولا أنكم ممن اختاره الله من عباده،واصطفاه من سكان بلاده،لما خصكم بهذه الفضيلة التي لا يجاريكم فيها مجار،ولا يباريكم في شرفها مبار،فطوبى لكم من جيش ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية،والواقعات البدرية،والعزمات(1/9)
الصديقية،والفتوحات العمرية،والجيوش العثماني،والفتكات العلوية،جددتم للإسلام أيام القادسية،والملاحم اليرموكية،والمنازلات الخيبرية،والهجمات الخالدية،فجزاكم الله عن نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الجزاء،وشكر لكم ما بذلتموه من مهجكم في مقارعة الأعداء،وتقبل منكم ما تقربتم به إليه من مهراق الدماء،وأثابكم الجنة فهي دار السعداء،فاقدروا رحمكم الله هذه النعمة حق قدرها،وقوموا لله تعالى بواجب شكرها،فله تعالى المنة عليكم بتخصيصكم بهذه النعمة،وترشيحكم لهذه الخدمة،فهذا هو الفتح الذي فتحت له أبواب السناء،وتبلجت بأنواره وجوه الظلماء،وابتهج به الملائكة المقربون،وقر به عينا الأنبياء والمرسلون،فماذا عليكم من النعمة بأن جعلكم الجيش الذي يفتح على يديه البيت المقدس في آخر الزمان،والجند الذي تقوم بسيوفهم بعد فترة من النبوة أعلام الإيمان،فيوشك أن يفتح الله على أيديكم أمثاله،وأن تكون التهاني لأهل الخضراء،أكثر من التهاني لأهل الغبراء،أليس هو البيت الذي ذكره الله في كتابه،ونص عليه في محكم خطابه،فقال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)،أليس هو البيت الذي عظمته الملل،وأثنت عليه الرسل،وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من الله عز وجل أليس هو البيت الذي أمسك الله تعالى لأجله الشمس على يوشع أن تغرب،وباعد بين خطواتها ليتيسر فتحه ويقرب أليس هو البيت الذي أمر الله عز وجل موسى أن يأمر قومه باستنقاذه فلم يجبه إلا رجلان،وغضب الله عليهم لأجله فألقاهم في التيه عقوبة للعصيان فاحمدوا الله الذي أمضى عزائمكم لما نكلت عنه بنو إسرائيل،وقد فضلت على العالمين،ووفقكم لما خذل فيه أمم كانت قبلكم من الأمم الماضين،وجمع لأجله كلمتكم وكانت شتى،وأغناكم بما أمضته كان وقد عن سوف وحتى،فليهنكم أن الله قد ذكركم به فيمن عنده،وجعلكم بعد أن كنتم جنودا لأهويتكم جنده،وشكر لكم الملائكة المنزلون،على ما أهديتم لهذا البيت من طيب التوحيد ونشر التقديس والتمجيد،وما أمطتم عن طرقهم فيه من أذى الشرك والتثليث،والاعتقاد الفاجر الخبيث،فالآن تستغفر لكم أملاك السموات،وتصلي عليكم الصلوات المباركات،فاحفظوا رحمكم الله هذه الموهبة فيكم،واحرسوا هذه النعمة عندكم،بتقوى الله التي من تمسك بها سلم،ومن اعتصم بعروتها(1/10)
نجا وعصم،واحذروا من اتباع الهوى،ومواقعة الردى،ورجوع القهقرى،والنكول عن العدا،وخذوا في انتهاز الفرصة،وإزالة ما بقي من الغصة،وجاهدوا في الله حق جهاده،وبيعوا عباد الله أنفسكم في رضاه إذ جعلكم من خير عباده،وإياكم أن يستزلكم الشيطان،وأن يتداخلكم الطغيان،فيخيل لكم أن هذا النصر بسيوفكم الحداد،وخيولكم الجياد،وبجلادكم في مواطن الجلاد،لا والله ما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم،فاحذروا عباد الله - بعد أن شرفكم بهذا الفتح الجليل،والمنح الجزيل،وخصكم بنصره المبين،وأعلق أيديكم بحبله المتين - أن تقترفوا كبيرا من مناهيه،وأن تأتوا عظيما من معاصيه،فتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا،وكالذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين،والجهاد الجهاد فهو من أفضل عباداتكم،وأشرف عاداتكم،انصروا الله ينصركم،احفظوا الله يحفظكم،اذكروا الله يذكركم،اشكروا الله يزدكم ويشكركم،جدوا في حسم الداء،وقلع شأفة الأعداء،وطهروا بقية الأرض من هذه الأنجاس التي أغضبت الله ورسوله،واقطعوا فروع الكفر واجتثوا أصوله،فقد نادت الأيام يا للثارات الإسلامية والملة المحمدية،الله أكبر،فتح الله ونصر،غلب الله وقهر،أذل الله من كفر،واعلموا رحمكم الله أن هذه فرصة فانتهزوها،وفريسة فناجزوها،وغنيمة فحوزوها،ومهمة فأخرجوا لها هممكم وأبرزوها،وسيروا إليها سرايا عزماتكم وجهزوها،فالأمور بأواخرها،والمكاسب بذخائرها،فقد أظفركم الله بهذا العدو المخذول،وهم مثلكم أو يزيدون،فكيف وقد أضحى قبالة الواحد منهم منكم عشرون،وقد قال الله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين،وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون)،أعاننا الله وإياكم على اتباع أوامره،والازدجار بزواجره،وأيدنا معاشر المسلمين بنصر من عنده (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده)،إن أشرف مقال يقال في مقام،وأنفذ سهام تمرق عن قسي الكلام،وأمضى قول تحل به الأفهام،كلام الواحد الفرد العزيز العلام،قال الله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،بسم الله الرحمن الرحيم)،وقرأ أول الحشر،ثم قال: آمركم وإياي بما أمر به من(1/11)
حسن الطاعة فأطيعوه،وأنهاكم وإياي عما نهاكم عنه من قبح المعصية فلا تعصوه،وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه. (1)
--------------
ماذا فعلنا للأقصى
طغى الجنود وقادتهم وأحرقوا البلاد ودنسوا المساجد وتجبروا في بلاد المسلمين وثغورها وهاجموا إحدى بلدان المسلمين فانتهكوا الأعراض وسبوا الديار, ودنسوا المقدسات وشردوا الأهل, لكن امرأة واحدة ـ نعم امرأة واحدة ـ رأت بارقة أمل في أحد قادة المسلمين فصرخت: وامعتصماه, فلبى صرختها خليفة المسلمين حينذاك المعتصم لبيك أختاه, وحين حاول أصحابه المنجمون والمثقفون والسياسيون أن يثنوه عن عزمه ضرب بكلامهم عرض الحائط فذهب بنفسه إلى تلك البلاد وحرَّرها وأنقذ أهلها, ثم حارب الروم حتى وصل إلى عمورية فأحرقها ونصر المسلمين, فسطر التاريخ نُصرتَه تلك بمداد لا تنسى,وذهبت القوافي تتبارى في تذكر ذلك النصر وحاجة المسلمين إليه فكان قول أبي تمام ردًا مفحمًا للمخذلين:
السيفُ أصدقُ إنباء من الكتب في حده الحدُّ بين الجدِّ واللعب
أين الرواية بل أين النجومُ وما صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب
وخوَّفوا الناس من دهياء مظلمة إذا بدا الكوكبُ الغربي ذو الذيب
يقضون بالأمر عنها وهي غافلةٌ ما دارَ في فلكٍ منها وفي قطب
فتجاوب الشعر مع ذاك الحدث حتى يومنا هذا, وتثور قرائح الشعراء بعد أن نرى خذلان أمة الإسلام عن نصرة بعضها البعض, وكثير من النساء تصرخ ولا مجيب, الأعراض انتهكت, والديار أحرقت, والمقدسات دنست.
أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
__________
(1) - صفحات من التاريخ الإسلامي - الدولة الفاطمية - (1 / 136) و انظر: صلاح الدين بطل حطين، ص (78) ووفيات الأعيان - (4 / 230) وإسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى - (1 / 33)(1/12)
أتلقاك وطرفي مطرقٌ خجلاً من أمْسك المنصرمِ
ويكادُ الدمعُ يهمي عاتبًا ببقايا كبرياءِ الألمِ
ألإسرائيل تعلو رايةٌ في حمى المهد وظلِّ الحرمِ
كيف أغضيت على الذلِّ ولم تنفضي عنك غبار التهم
أو ما كنت إذا البغيُ اعتدى موجة من لَهَبٍ أو من دميِ
اسمعي نوحَ الحزانا واطرَبي وانظريِ دمع اليتامى وابسمي
رُبَّ وامعتصماه انطلقت ملءَ أفواه الصبايا اليتم
لا مست أسماعهم لكنها لم تُلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته لم يكن يحملُ طهر الصنم
لا يلامُ الذئبُ في عدوانه إن يكُ الراعي عدوَّ الغنم
أيها الأخوة المؤمنون: كثيرةٌ هي التساؤلات ونحنُ نرى النكبات التي تتقلب فيها الأمة العربية المسلمة خلال خمسين سنة سيَّما مع اليهود في فلسطين. فلسطين التي يَدْمَى جرُحهَا كلَّ يوم فماذا فعلنا لها؟ فماذا قدّمنا من تضحيات؟ وماذا فعلنا وحققنا بالتنازلات؟! هل بحثنا في أسباب هذه الهزائم والخسائر الفادحة؟ هل أذكاها عَوجٌ خلقي؟ أو خللٌ سياسي أو غش ثقافي؟ أو انحرافٌ عقدي؟ إن من المحتم على كل أصحاب الألسن وحملة الأقلام ألا يقترفوا خيانات قاتلة بتجاهل هذه القضية, هذا التجاهل الذي يُؤخُر يومَ النصر.
وإن قضية فلسطين وغيرها من قضايا المسلمين الدامية يختلطُ فيها الشجو بالرضا, والتهنئة بالتعزية, رضا وتهنئة حينما يستحضر الإنسان مرأى أولئك الأبطال الذين وقفوا في وجه الصهيونية الحاقدة, فسارعوا إلى ملاقاة ربهم, ودماؤهم على ثيابهم وأبدانهم لم تُرفع لتَبْقى وسامًا فوق صدورهم.
وشجوٌ وتعزيةٌ حينما يقعُ ما يقع على مرْأى من أهل القبلة ومسمعٍ فلا يحيرون جوابًا ولا يحركون ساكنًا إلا من رحم الله, تقع أمامهم الحوادث وتدلهم الخطوب فلا يأنون لمتألم, ولا يتوجعون لمستصرخ, ولا يحنُون لبائس.(1/13)
أين أقل النصرة الواجب لإخواننا المسلمين؟ ليست فقط في فلسطين التي تشتد جراحُها هذه الأيام, بل في سائر بقاع المسلمين, الشيشان وكشمير والفلبين.
ليس من معنى لأمةٍ ترى شعوبها تُنتهكُ حرماتها وتُدنَّسُ مقدساتها وتنهبُ باسم السلام والشرعية الدولية ثم ترى كثيرًا من أفرادِ هذه الأمة وهو عاكفٌ على اللهو والعبث, فهذه كرةٌ يتابعونها باسم كأس آسيا,وهذه حفلاتٌ غنائية يقيمونها,وسهوٌ وغفلةٌ وكأنَّ ما يحدث لا يمسُّ أرضهم ولا يقتلُ إخوانهم ولا يؤذي جيرانهم.
إلى الله المشتكى فكيف يستطيع أن يهنأ صاحبُ الترفه بطعامه وشرابهِ, بل كيف يُدلِّل صبيانه ويمازحُ أهله وهو يرى في فلسطين صبيةً مثل عيالهِ برءاءُ ما جنوا ذنبًا, أطهارٌ ما كسَبت أيديهم إثمًا, يبكون من الحيف ويتلمضون من الجوع, ويواجهون مدرعات وجنود صهيون بصدورهم وأحجارهم, يقتلون في حجر آبائهم, أفلا يكون للمسلم السهمُ الراجح في العطف عليهم كفكفة دموعهم ودمعهم بما يستطيع ليواجُهوا هؤلاء الأعداء بدلاً منه, كيف أصبح إخواننا في فلسطين تحت سيطرة يهودٍ الحاقدين وهم يلجئون إلى مكبرات أصوات المساجد يستغيثون بالمسلمين وقد سالت عليهم حِممُ القنابل وأريقت دماؤهم, وإلى المساجد وقد هُدمت, وإلى الحرمات وقد انتهكت, فماذا فعلنا للأقصى؟!
تُرى أين دورُ المثقفين والكُتاب في وصف القضية وتحليلها, والخروج بالدروس والعبر منها, والكتابة عن دور السلام المزعوم أمام قومٍ وصفهم الله بأنهم ينقضون كل عهد وميثاق, أم أنهم أكثرهم سخروا الأقلام لتقويض دعائم الحياة الفاضلة والأخلاق الفاضلة, وأورثوا فوضى فكرية لا معروف فيها ولا منكر, وإنما هي انتهازية وإقليمية وباتوا مرتزقة يستجدون الساسة والأثرياء بكتاباتهم.
أليس الدور المطلوب منهم الآن توضيح أبعاد القضية والمكر الخفي, وألاّ يكونَ كثيرٌ منهم أمعاتٍ يُردِّدون ما يُقال بلا توضيح للحقائق.
ترى هل يكون روبرت فيسك الكاتبُ البريطاني أكثرُ مصداقية من كثير من كتابنا حين يصف اليهود بالخونة وما يُسمى السلام زائفًا والإعتداء من جهة إسرائيل ؟!(1/14)
أين دورُ العلماءِ والفقهاء وهم قادة الناس ومُوجهيهم, ويَنتظر منهم المسلمون النصرة لإخوانهم فإن العلماء الذين سطر التاريخُ أمجادهم كان الناسُ يلجأون إليهم بعد الله عندما تدلهم المصائب وتكثرُ الأزماتُ ليجدُوا عندهم الحلَّ والتوجيه وقيادة الركب, فلا معنى لعالمٍ أو طالب علم يكون في وادٍ أو برج عاجي وأمته وقضاياها في وادٍ آخر.
حينما دخل التتارُ إلى بغداد ودمشق وعاثوا فيهما فسادًا كان الفقهاء حينذاك كما يروي التاريخ يناقشون قضايا فقهية ليس ذاك وقتها, فهل عرفنا التاريخ بأسمائهم, لقد حفظ لنا التاريخ أسماء بارزة من أمثال ابن حنبلٍ ومالك وابن تيمية الذي جاهد التتار وتقدَّم الجيوش فأصبح رجل الناس المحبب إليهم, يصدرون عن رأيه ويرجعون إليه, ويفقدونه إذا غاب أو غُيِّب, إنه ليس من معنى أن ترى بعض المبتدعة أو الرافضة من العلماء وهم في مواقفهم أشدُ قوة وأكثرُ وضوحًا من علماء المنهج الصحيح الذين انشغلوا عن القضية بنقاشات وفلسفات بعيدة عن مُصاب الأمة.
ثم إننا نتساءل عن دور التجار وأصحاب الأموال في دعمهم لقضية فلسطين وكثيرٌ منهم قد تجمعت أموالهم وتراكمت من خلال الأسهم والبنوك, وإخوانهم في أشد حاجة إليها, فأصبح المال الإسلامي طاقة مهدرة تُحركها بنوكُ الغرب ومصارفه, وتجدُ أن أحدهم يضع العراقيل أمام تبرعه إن بذله.
العجب لحال أهل الإسلام حين يرضى بالقعود أولو الطول والمقدرة ممن يملكون وسائل الجهاد والبذل, ولا يذودون عن حرمةٍ, ولا ينتصرون لكرامةٍ, وإن من وراء حب الدعة وإيثار السلامة سقوط الهمة وذلة النفس وانحناء الهمة والتنكصُ عن المواجهة بالمال والنفس, فأين استخدام سلاح الاقتصاد والنفط في مقاطعة أعداء الإسلام وبضائعهم ومن عاونهم وترك الشراء منهم وإبرام الصفقات معهم.
ترى أن دور قنواتنا الإعلامية العربية التي ملأت فضاءنا؟ هل برامجها المعروضة تدلُّ على مصاب الأمة في أبنائها وفاجعتها في مقدساتها, وفي ذات الوقت التي تعبث فيه مروحيات اليهود وطائراتهم في سماء فلسطين وتقصف الآمنين فإن جل هذه القنوات باتت ترقص على جراحات الأمة عبر عروضها الغنائية الفاضحة, والمسابقات الفنية والكروية,(1/15)
ومسابقات الجمال,وترى اليهود يقصفون فلسطين ومقدساتها وتعرض هذه القنوات افتتاح دورة رياضية وغنائها
وتجد أن هذه القنوات في ذات الوقت تُلغي برامجها الترفيهية المحرمة للبكاء وقراءة القرآن أيامًا على بعض الزعماء أو لتغطية حدثٍ مهم, وكأن مقتل المسلمين في فلسطين لا يعنيهم في قليل أو كثير, على أننا نستثنى من تلك التفاهات بعضًا من القنوات التي غطت أخبار المسلمين وبينتها لهم مع ما يصاحب ذلك من ملاحظات كالموسيقى الصاخبة التي لا تناسبُ الحدث, أو إثارة للفتن بلا سبب, بل قد تعود بالضرر لا بالنفع.
أيُها المؤمنون:
وإن نقدنا لهذه التصرفات والأدوار الهزيلة لا يعني أن الأمة خلت, فالخير فيها ممتدٌ إلى قيام الساعة, وأكبر دليل على ذلك ما رأيناه وسمعنا عنه من تلك المظاهر الشعبية في بلدان العالم الإسلامي التي تحترف للقضية, ولمرأى شهداء الأقصى وتلك الجموع البشرية التي تريدُ صادقة التضحية بنفسها في سبيل ال,له وكذلك الدعمُ المالي الذي بدأه قادة هذه البلاد وأهلها وهو ما رأيناه مما يُفرحنا ويسرنا في حملة جمع التبرعات الأيام الماضية, كيف رأينا الشعب بفئاته ومسؤليه وهم يُبادرون إلى التبرع, كلُّ بما يملك صغارًا أو كبارًا, رجالاً أو نساءً, نسأل الله أن يتقبل منهم وأن يُوصل تبرعاتهم للمستحقين من المسلمين المجاهدين الصابرين في أسرع وقت. وإن هذا الشعور لهو شعورٌ أصيل يناسب القضية.
لكننا نستغربُ أخوتي ونحن نرى ذلك الجبن في النفوس والقلوب في المفاوضات على الطاولات لدى المخذلين والتابعين فيما يُسمى غرف العلميات لتطويق وحصار هذه الانتفاضة المباركة, إنها انفعالية في السوء والتصرفات المصلحية الشخصية وغرامٌ بالمتع الرخيصة في أدق الساعات وأحلك الأيام, وافتتان من العامة كذلك بالملاهي والكرة والمعازف, فجمع ذلك لهم حبُ الدنيا وكراهية الموت, فأصبحت كثير من قيادات الأمة ومناضليها المزعومين مظلمة الروح جوفاء القلب, ضعيفة اليقين, قليلة الدين, نافذة الصبر والجلد, فاقدة للخلق والإرادة, تبيع الحق والأمة بمنافع شخصية, جاه موهوم, وعزٌ مصطنع في أهواء مشتتة وأهداف متفرقة, ولئن كانوا زعزعوا في الأمة روح التدين(1/16)
وشريف الخلق فلقد سلكوا في قضية فلسطين وعبر السنين مسالك المنظمات والتجمعات والحزبيات والهيئات التي تتأرجح بين يمينٍ ويسار بشعارات زائفة من العلمانية والوطنية والقومية, اجتماعاتهم وتنظيماتهم وقراراتهم تعدُ ولا تنجز, وتقولُ ولا تفعل, وتشجبُ ولا تقاوم قلوبٌ شتى ووجوهٌ متباينة, فصمُوا العري بعد توثيقها, ونقضُوا الأيمان بعد توكيدها, وفرقوا الكلمة بعد توحيدها, وفي قضيتهم تركوا الدين الذي يحلها, وعلقوا آمالهم على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في المتسبب في القضية وكأنّ حل فلسطين ومقدساتها موقوف على هذه اللجنة.
وفي ذات الوقت الذي يسعى فيه الأعداء إلى هذا القتل لأهلينا في فلسطين والهدم لمقدساتنا فإن يهود جادون في بناء أنفسهم, استمدادًا من تاريخهم واعتمادًا على تراثهم, يجمعون بني قومهم من شتات الأرض شُذَّاذ الآفاق باسم الدين وإسرائيل والتوراة والتلمود.
لقد أشربهم تلمودهم أحقادًا زرقاء ينفخ فيها أحبارُ السوء بوصايا الزيف من التوراة المحرفة ليتنادوا عليها وكأنها حقائق مسلماتٌ إنها طبائع الملعونين من أسلافهم, قسوة في القلب كالحجارة أو أشد, وشرةٌ في النفوس, وأكلُ سحت, وفسادُ معتقد وبغيٌ في الأرض, وتطاول على الخلق وربِّ الخلق, هذا سبيلهم في الزعزعة والهدم, أما سبيلهم في المفاوضات والمحادثات فسبيل المخادعة والتضليل والتلاعب بالأسماء والمصطلحات والالتفات على التوصيات والقرارات وإذا تأزمت الأمور وخيف من إفلات الزمام وأسر ثلاثة من جنودهم أو قليل غيرهم بينما هم يقتلون الأبرياء الذين هم لا يحملون السلاح, إذا حصل كل ذلك كونت لجان وتراسل المندوبون بأسماء وألوان ومبادرات ومهدئات, امتصاصًا للغضب وتهدئة للأوضاع وتحقيقًا لمكاسب يهود.
أيها المسلمون: هذه هي القضية, وذلكم هو وضعها, ولا بد من ردها إلى أصلها في صراع المسلمين مع اليهود حتى تصبح قضية قوية تتأبّى على الوأد والاحتواء, لابد أن تعود القضية إلى امتدادها الإسلامي بكل آفاقه وأعماقه, فهو أمرٌ فصلٌ ليس بالهزل, فهو صراع عقائدي ومعركة مع أشدِّ الناس عداوة للذين آمنوا.(1/17)
على الأمة أن تدرك أن تفوق يهود سيظل خنجرًا هامزًا غامزًا في لحوم الشاردين وجنوبهم حتى يؤبوا إلى القرآن شرعة ومنهاجًا.
إذا عاد الشاردون إلى الحق عاد اليهودُ بإذن الله إلى حجمهم وذلتهم المضروبة عليهم, وينقطع بهم حبلُ الناس ويبطلُ السحر والساحر, ويأتي وعدُ الحق فلا ينفعُ اليهودي شيء ولا يستره اتقاءٌ خلف حصى, ولا يقيه حجر, ولا يحميه سلاحٌ ولا شجر, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهودَ فيقتلهم المسلمون, حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود)) [متفق عليه].
هذا هو النداء يا مسلمُ! يا عبد الله, ولا نداء غيره, فهو محور القضية, وليستيقن الجاهلون أنهم لن يروا نصرًا ولن يحفظوا أرضًا ماداموا مُصرين على الألقاب الضالة, ومناهج الإلحاد الصارخة وسلام الشجعان الهزيل, إن هذا الركام كلَّه نبت الشيطان وغرسُ الكفار, وهذا هو الذي يحجبُ نصرَ الله ويمدُّ في حبالِ اليهود وحمايتهم, وكأنه الغرقد شجرُ اليهود.
إننا يجب أن نفهم طبيعة اليهود وأشياعهم, فهما قرآنيًا وأن نتعامل معهم تعاملاً ليس تقريرًا سياسيًا يتلونُ بالمنافع والمتغيرات, ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
إن الكفاح في الطريق المملوء بالعقابات الكئود لدى ذي الجدِّ والكرامة ألذُّ وأجملُ من القعود والتخلفُ من أجل راحة ذليلة لا يليقُ بهمم الرجال, وإن فرصتنا كبيرة بهذه الانتفاضة المباركة مع عظم مصابها فيمن قُتل أو جرح؛ لأن الأمة إنما تنجح بالجهاد الذي يوحد صفوفها على أعدائها وينصرها بإذن الله.
أما خيارُ السلام الهزيل والمفاوضات وطلب الهيئات واللجان الدولية الكاذبة فهو ترك للتناصر في الإسلام والأخذ بعزائم الأمور أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور.
اللهم ربنا عزَّ جارُك وتقدست أسماؤك, اللهم لا يردُّ أمرك, ولا يُهزم جندك, سبحانك وبحمدك, اللهم انصر جندك وأيدهم في فلسطين وكل مكان, اللهم آمن خوفهم, وفك أسرهم, ووحد صفوفهم, وحقق آمالنا وآمالهم وبارك في حجارتهم, واجعلها حجارة من(1/18)
سجيل على رؤوس اليهود الغاصبين, اللهم اجعل قتلهم لليهود إبادة, واجعل جهادهم عبادة اللهم احفظ دينهم وعقيدتهم ودماءهم, وانصرهم على عدوك وعدوهم, وطهر المقدسات من دنس اليهود المتآمرين والمنافقين والمتخاذلين, اللهم فرج هَمّ المهمومين, وفُكَّ أسر المأسورين والمعتقلين, وكن لليتامى والأرامل والمساكين, واشف مرضاهم ومرضى المسلمين, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
إن الناظر فيما أصاب المسلمين من ابتلاءٍ هذه الأيام يرى اختلافًا في مواقف الناس من صابر ثابت, وجَزعٍ خائف, ظهر في بعض مسالك أقوام تعلق بغير الله واعتمادٌ على أسباب لا تغني عنهم من الله شيئًا, ومنهم آخذ بالأسباب على وجهها, معتمدٌ على ربه فيما وراء ذلك, ومن هنا فحقيقٌ بالأمة أن تعي حالها وتنظر في واقعها لمستقبلها, لقد حقق الأعداء من جراء ذلك التخاذل كثيرًا من مراداتهم, إن الناشئة في كثير من بلاد المسلمين يزودون عن كتاب الله ذودًا, دينهم تعكر منابعه, وتاريخهم تُشوَّه مصادره, لازال في وقت ومال وجهد كثير من شباب الأمة الفراغ لمتابعة الكرة الآسيوية أو العالمية, وإقامة حفلاتها الغنائية البائسة التي ترقص على جراح الأمة, يضحكون ولا يبكون, ينطلقون إلى المنتديات يلعبون ويتجمعون في أماكن اللهو يعبثون.
إن أولى الهزائم هزيمة الإيمان في القلوب والجدب في المُثل والأخلاق, أين هم من نموذج صاحب النجدة والقوة وباذل التضحية أنس بن النضر رضي الله عنه حين قال لرسول الله :((أما والله لئن التقينا بالمشركين ليرين الله ما أصنع)), إنها يمين من ورائها إيمانٌ عميقٌ ليس قوله هذا مزايدة أو في مظاهرة أو خطاب سياسي, ولقد ثبت رضي الله عنه في أحد حتى قتل فما عرفه من جروحه أحدٌ إلا أخته من خلال أصبعه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
أيها المؤمنون بالله ورسوله: إن هذه الأمة أمةٌ جهادٍ ومجاهدة, والجهادُ فيها أرفعُ العبادات أجرًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي : "ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((لا تستطيعونه , قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثًا وهو يقول: لا تستطيعونه: وقال في(1/19)
الثالثة: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفترُ من صيامٍ ولا صلاةٍ حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)) متفق عليه. وإن من الجهاد الجهادُ بالمال بدعم هؤلاء الصابرين.
إن فريضة الجهاد لا تنتظر تكافؤ العدد والعُدة الظاهرة بين المؤمنين وعددهم سيما اليهودُ الجبناء, فيكفي المؤمنين أن يُعدّوا ما استطاعوا من القوى وأن يتقوا الله ويثقوا بنصره ويثبتوا ويصبروا وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا , وإن الانتصار على النفس وشهواتها والخذلان وآفاته انتصارٌ على الشح والغيظ والذنب, والرجوع إلى الله والالتصاق بركنه الركين فيه النصر على الهزائم والنكبات التي طالت في الأمة, وإن الأعداء ما كانوا أعداء إلا لمخالفتهم أمر الله فإذا اشترك الفريقان في المعصية والمخالفة فليس هناك مزية فالمؤمن حين يعادي ويعارُك ويجاهدُ فهو إنما يعادي لله ويعارك لله ويجاهدُ في سبيل الله.
أيها الأخوة المؤمنون: إن المأساة أليمة والخطب جسيمٌ لكنما يحدث هو مسؤولية على كل من رآه أو علم به, وإننا والله مسؤولون عن مناظر القتل التي يمارسها يهود على إخواننا فلسطين, وكثير منا لا يحرك ساكنًا بل لديهم الوقت لمتابعة كرة آسيوية أو حفلات غنائية, والله إننا نخشى أن يصيبنا الله بعقوبة من عنده إن لم نقم بأدنى واجبات النصرة لهم, إن أسلحة المال والدعاء لها أعظم الأثر بإذن الله في دعم إخواننا المسلمين ودحر اليهودِ الغاصبين, وإنه ليس من عذر لأحدٍ منا اليوم يرى مقدساته تنتهك, ويرى أطفالاً أبرياء يقتلون في حجر آبائهم ويهود متسلطون ثم لا يدعم إخوانه هناك ويتأثر لمصابهم, ألم تروا كم من امرأة مسلمة عفيفة محجبة, وجنود صهيون يخلعون حجابها وعلى مرأى من العالم ومسمع, ألم تروا جنائز الشهداء؟! ألم يؤثر بكم بكاء أم طفل خرج إلى الطريق ببراءته ففقدته بجوار الأقصى.
محمدًا أي ذنب جئت تحمله حتى قتلت على عين الملايين
محمدًا أي جرح صُغت في كبدي وما الذي بعد هذا الخطب يبكيني(1/20)
وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًا واجعل لنا من لدنك نصيرًا.
وفي المحيا سؤال حائر قلق أين الفداء وأين الحب في الدين
أين الرجولة والأحداث دامية أين الفتوح على أيدي الميامين
ألا نفوس إلى العلياء نافرةٌ تواقة لجنان الحور والعين
يا غيْرتي أين أنت أين معذرتي ما بال صوت المآسي ليس يشجيني
أين اختفت عزة الإسلام من خلدي ما بالها لم تعد تغذو شراييني
أيها الأخوة المؤمنون لازلنا نستقبل تبرعاتكم لانتفاضة الأقصى المباركة عبر مكتب هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية, والتي وصلت بعض تبرعاتها بأسرع وقت ممكن.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ويجعل بذلكم وجهدكم في ميزان حسناتكم, اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله. (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني - (1 / 1389)-عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي(1/21)
رأيتُ الشامَ في حُلمي (1)
هتفتُ بالشام ِ ما أحْلاكِ يا شامُ ! ... والشامُ تشهدُ أنّ اللهَ رَسّامُ
بريشة ِالحُسْن ِربُّ الكون ِزَخرَفَها ... كالشعرِ زَخرَفهُ مَعْنىً وأنغامُ
يا شامُ يا شامة َالدّنيا وبسمتها ... لولاكِ ما قلتُ : ثغرُ الدهرِ بسّامُ
ولم اُعَيِّدْ فأعيادي رَحَلنَ وما ... تفتحتْ في رياض ِالرّوح ِأكمامُ
ولاعَزَفتُ على قيثارتي نغما ... عَذباً لتدْمُرَ قد نَدّاهُ إحكامُ
ولا شدَوْتُ بأشعارٍ مُعَتَّقّةٍ ... غَنّى بها بَعْدَ عشتاروتَ آرامُ
من " جاسم ٍ" وأبو تمّامٍ اتّسقتْ ... أشعارُه ، وهو للأشعار تمّامُ
وهوَ الذي اعتامَ من شعر الحماسةِ ما ... يَعْتامُهُ الذوقُ ، والأشعارُ تُعْتامُ
" ألسيفُ أصدقُ " لمّا هَلَّ مطلعُها ... قالتْ لهُ : قلتَ قولَ الصِّدق ِ أقلامُ
والكُتْبُ في الدُّرْج ِ قالتْ في سرائرها ... لايعرفُ الصّدقَ في التنجيم ِنَجّامُ
وَ " مَنبج ٍ" ووليدُ الشعْر أرْسَله ... كالغيم يَهْمي لهُ في الحِسّ إرْهامُ
حتى غَدَا كلّ قوس ٍفوقهُ قزَحاً ... مُضَمَّخا تستقي رَياهُ أنسامُ
رَعْياً لحِمْص ٍو"ديكِ الجنِّ " شاعرِها ... فكمْ لهُ في بديع الشعر إسهامُ
أفديهِ من شاعر ٍ والمُجْنُ غَرَّمَهُ ... غُرْماً ثقيلاً ، وأهلُ المُجْن ِ غُرّامُ
قد رقصَ الجنَّ حتى غابَ فانتحبوا ... والجنُّ مُذ ْ غابَ ديكُ الجن ِ أيتامُ
يا شعرُ عَرِّجْ على الشهباءِ شامخة ً ... بما ابتناهُ زكيُّ العِرْق ِمقدامُ
قد كانَ سيفاً وَصَمْصَاماً لدولتِهِ ... ما كلُّ سيفٍ بيومِ الرّوْع ِصَمْصَامُ
وَسَلْ رُباها ورَبَّ الشعرِ ملحمة ً ... تعيدُ مجدَ الألى في مجدها هاموا
للهِ دَرّكَ يا " كِنديُّ " كمْ دُرَرٍ ... لكَ اشتهَى نظمَها في السِلكِ نَظّامُ
أقمْتَ بالشعر مُلكاً لا حُدودَ له ... بمثلهِ أبداً ما همّ هَمّامُ
__________
(1) - للشاعر: سعود الأسدي -saudalasadi@yahoo.com(1/22)
ونلتَ خلداً وذي الأحقابُ شاهدةٌ ... وسائرُ الناس ِأيام ٌوأعوامُ
=================
يا شامُ يا شامُ يا أرضَ المحبينا (1)
يا شامُ يا شامُ يا أرضَ المحبينا هان الوفاءُ وما هان الوفا فينا
نحيا على البعد أشواقاً مؤرقة لا الوصلُ يدنو ولا الأيام تسلينا
إنّا حملناك في الأضلاع عاطفة وصُورةً مِنْ فتون الحسن تسبينا
ماذا أصابكِ من أيدي الطغاة وما أصاب فيكِ ، وقد غبنا ، المؤاخينا
في مخلب الظلم من أكبادنا مزق وفي النيوب بقايا من أمانينا
يا شامُ جرحُكِ في قلبي أكابده دماً سخياً وآلاماً أفانينا
لا عاش فيكِ قرير العين طاغيةٌ ولا رأى الأمن يوماً في مغانينا
وسائلين من الأحباب ما صنعتْ أيدي الخطوب بنا في الغرب نائينا
لقد نكأتم جراحاً في أضالعنا وقد أثرتم دموعاً في مآقينا
نلقى على البعد من أيدي " أصادقنا!" ما لا نلاقيه من أعدى أعادينا
كانوا سيوفاً بأيدي الخصم مرهفة ولم يكونوا سيوفاً في أيادينا
تباً لدنيا على نيران فتنتها ذاب الوفاء فلا تلقى الوفيينا
لكننا وعيونُ الله تلحظنا نمضي على الدرب والإيمان حادينا
نمضي على الدرب لا الكفران يصرفنا عن المسير ولا العدوان يثنينا
نرنو إلى الله أبصاراً وأفئدة الله غايتنا والله راعينا
وما طلبنا ثواباً من سواه وما خفنا عقاباً ولم نشرك به دينا
العيش من أجله - إن كان - بغيتنا والموت من أجله أحلى أمانينا
ما قيد الفكرَ مِنَّا جورُ طاغيةٍ أو أوهن العزمَ بطشُ المستبدّينا
__________
(1) - شعر: عصام العطار - المصدر: موقع رابطة أدباء الشام(1/23)
غرامنا الحق لم نقبل به بدلاً إن غيرت غِيَرُ الدنيا المحبينا
في الخوف والأمن ما زاغت مواقفنا والعسر واليسر قد كنا ميامينا
فما رآنا الهدى إلا كواكبَه وما رآنا الندى إلا عناوينا
وما رآنا العدى إلا جبابرة وما رآنا الفدا إلا قرابينا
نفوسنا السلسل الصافي فإن غضبتْ للحق ثارت على الباغي براكينا
عشنا أبيين أحراراً فإن هلكتْ في الحقّ أنفُسنا متنا أبيّنا
يا شامُ أين لقاءات الصفيينا وأين سامرُنا الماضي ونادينا
وأين يا شام ريعان الشباب وقد أمسى الشباب رماداً بين أيدينا
أيامنا في سبيل الله عاطرة وفي مناجاته طابت ليالينا
لم نعرف الإثم في سر ولا علن سيان ظاهرنا البادي وخافينا
أحلامنا الطهر لا رجس ولا كدر إذا نثاها الصبا رفت رياحينا
وأين يا شام أيام الجهاد وقد زان الجهادَ كريمٌ من مواضينا
وأين إخوتنا الأبرار لا برحوا لله جنداً يصدُّون المغيرينا
مشاعل الحق والظلماء عاكفة تهدي إليه على رغم المضلينا
كنا الشموسَ بأرض الشام مشرقة كنا الغيوثَ ربيعاً في روابينا
كنا الحصونَ بأرض الشام شامخة فيها الحماة إذا عزَّ المحامونا
كنا الرياح إذا نادى الصريخ بنا كنا الرجاء إذا ضيمت أراضينا
كنا الجبال ثباتاً في مواقفنا كنا السماء سمواً في معانينا
فوق المخاوف لا الإرهابُ يرهبنا فوق المطامع لا الإغراء يُغرينا
فوق الدنا أبداً ما حطَّ طائرُنا في أسر فتنتها أو زلَّ ماشينا
فوق الدنا أبداً كانتْ مآملُنا وفوق زخرفها الفاني أمانينا
كنَّا العقيدة قد جلَّت وقد خلُصتْ كنا العدالة قد صحْت موازينا
كنا الشمائل قد طابت وقد عذبت ; فماحكتها الصَّبا طيباً ولا لينا
فأين منَّا وقد بنَّا حواضرنا وأين منَّا وقد غبنا بوادينا(1/24)
وأين منَّا على شحطٍ مرابعُنا وأين منَّا على بُعد مغانينا
هل حنَّت الورق شوقاً عند غيبتنا كما حننَّا وهل هاجت شجيينا
وهل بكى "بردى" أم جف مدمعه لما بكى من تباريح المشوقينا
وهل رأت في دروب الخلد "غوطتُنا" وفي خمائله في الأهل سالينا
وأدمع الأم يا للأم هل تركت لها دموعاً وأجفاناً عوادينا
إن أسعد الدمعُ فاض الدمع منهمراً أو غاض مدمعُها فالقلْبُ يبكينا
جرح من البعد يا أماه قرَّحه مرُّ السنين ولم يلق المداوينا
جرحٌ حملنا كلانا في جوانحنا يكاد في عصفات الشوق يُردينا
لئنْ جزعنا فقد أودى تصبُّرُنا على الفراق وقد أعيا تسلينا
يا أمِّ سوف يعود الشمل مجتمعاً لا خيَّبَ الله في اللقيا أمانينا
فإن قضى الله ألا نلتقي فغداً في ظلّ رحمته يحلوا تلاقينا
يا شامُ هذي تباريح البعيدينا يا شام هذي شجون المُستهامينا
يا شام هيجتِ الذكرى لواعجَنا وأرخصت دمعها الغالي مآقينا
يا شام قد عظُمتْ قدراً مطالبُنا يا شام قد بعُدتْ شأواً مَرامينا
نمضي مع الله لا ندري أتُدنينا أقدارنا منك أم تأبى فتقْصينا
نمضي مع الله لا تدري جوارينا متى وأين ترى نلقي مراسينا
نمضي مع الله قدماً لا تعوقنا عن المضي -وإن جلت- مآسينا
نمضي مع الله والإسلام يهدينا الله يمسكنا والله يزجينا
نمضي مع الله والجلى تنادينا راضين راضين ما يختار راضينا
يا شام لا تجزعي فالله راعينا يا شام لا تيأسي فالله كافينا
تأتي جراحٌ فتثوي في أضالعنا على جراح ولا ننسى فلسطينا
الدين يهتف أن هبوا لنصرتها والقدس تهتف لا تلقى المجيبينا
يُميتنا الحزن تفكيراً بحاضرنا ويبعث الغدَ آمالً فيحيينا
يا كربة النفس للإسلام ما صنعت بكل أرض به أيدي المُعادينا(1/25)
ومحنة العالم المنكوب تنشرنا على فواجعها يوماً وتطوينا
الأرض قد مُلئت شراً وزلزلها جورُ الطغاة ولؤمُ المستغلينا
في الشرق والغرب آلام مؤرقة تبدو أحايين أو تخفى أحايينا
يا للطغاة وما أشقى الأنام بهم عاثوا قوارين أو عاثوا فراعينا
يسقونك الشهد صرفاً في كلامهم وفي فعالهمُ سماً وغِسلينا
إن يبدُ مكرهم أو يبد فتكهمُ كانوا شياطين أو كانوا ثعابينا
أين الطواعين منهم في إبادتهم للخلق قد ظلم الناس الطواعينا
يا ثورة الحق تمشي في أضالعنا نوراً وناراً وتمشي في روابينا
يا ثورة الحق إن الكون مسرحنا فلا حدود تصدُّ الحق والدينا
رسالة الله رب الناس أنزلها للناس طراً فلا تمييز يلوينا
يا ثورة الحق قد طال الظلام بنا وآن للفجر أن يمحو دياجينا
تأله الظلم ألواناً بعالمنا فحطمي الظلم فرعوناً وقارونا
وحرري الأرض بالإسلام والتمسي خير الهداية من خير النبيينا
الله أكبر والدنيا سواسية فيها البرية إنشاء وتكوينا
لم يفترق أحد بالأصل عن أحد أعمالنا هي تعلينا وتدنينا
قودي خطانا على منهاج خالقنا حقاً وعدلاً وتحريراً وتأمينا
قودي خطانا لما يشتاق عالمنا سلماً وحباً وإحساناً وتحسينا
قودي خطانا لما تشدو حضارتنا علماً وفكراً وتشييداً وتمدينا
فهو الخلاص لنا مما يعنينا وهو السَّبيل إلى أعلى مراقينا
يا ثورة الحق ما أحلى مرائينا الغيب يبدو لنا نصراً وتمكينا
وباسمُ الغد عبر الأفق نلمحه يهفو لملقاتنا غاراً ونسرينا
وقادم النصر نحياه ونلمسه الله أكده فالنصر آتينا
وقد يكون بنا والعمر منفسح وقد يكون بأجيال توالينا
فإن ظفرنا فقد نلنا مطالبنا وإن هلكنا فإن الله جازينا(1/26)
الموت في طاعة الرحمن يُسعدنا والعيش في سخط الرحمن يشقينا
لقد رضينا الجهاد الصرف جائزة فضل الجهاد إذا نلناه يكفينا
بئس الحياة إذا الطاغوت عبَّدنا نجرُّ أيامها صغراً مرائينا
أما المنية في عزّ وفي شرفٍ فهي الأثيرة نطريها وتطرينا
يا ثورة الحق هل خاب الرجا فينا؟ كنا على العهد أحراراً أبيّينا
عشنا كراماً لعهد الله راعينا غراً حماة لدين الله وافينا
نَطيرُ للغاية القصوى مجدِّينا ونقحم الموت -لا نخشى- مجلينا
نرجو الشهادة أو نصراً يواتينا نعطي الحياة فنعلي الحق والدينا
الخصم: المخاصم، يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع.
أي في ريعان الشباب.
نثاها: بثّها ونشرها.
عز الشيء: قلَّ فلا يكاد يوجد.
الصريخ هنا: المستغيث.
الدنا: جمع الدُّنيا.
على شحط: على بعد.
الورق: جمع ورقاء وهي الحمامة.
عوادينا: مصائب الدهر النازلة بنا.
تباريح البعيدين: ما يكابدونه من الشدائد ويتوهج في نفوسهم من الشوق.
جوارينا: سفننا.
واختارت أم أيمن أبيات هذا المقطع من القصيدة، وعلّقت عليه بقولها: وهذه الأبيات تعبر عما في نفسي أيضاً كما تعبر عما في نفس عصام، فنحن -والحمد لله- زوجان، وصديقا قلب وفكر، ورفيقا عقيدة جهاد.
اللهم إنا راضون بقضائك وقدرك، وبكل ما يصيبنا في سبيلك، فهل أنت راضٍ عنا يا الله!
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب.(1/27)
"نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بنا غضبك، أو يحل علينا سخطك، لك العتبى(*) حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".
العتبى: الرجوع عن الإساءة إلى ما يرضي العاتب.
===============
ضفاف بردى
سل عن قديم هواي هذا الوادي هل كان يخفق فيه غير فؤادي
عهد الطفولة في الهوى كم ليلة مرت لنا ذهبية الأبراد
إذ نحن أهون أن نحرك ساكناً في حاسد أو غلة في صاد
تتضاحك الزهر النجوم لأدمعي في جيدها، فإخالها حسادي
وأكاد أمتشق الغصون تشفياً لتهامس الأوراق في الأعواد
غران تمرح في الهوى وفتونه وعلى خدود الورد والأجياد
ونحس بالِبين المشت فلا نرى غير العناق على النوى من زاد
نتخاطف القبل الصباح كصبية يتخاطفون هدية الأعياد
متواثبين كطائرين تشابكا وتضارب المنقاد بالمنقاد
أنا مذ أتيت النهر آخر ليلة كانت لنا ، ذكرته إنشادي
وسألته عن ضفتيه : ألم يزل لي فيهما أرجوحتي ووسادي ..
فبكى لي النهر الحنون توجعاً لما رأى هذا الشحوب البادي
ورأى مكان الفاحمات بمفرقي تلك البقية من جذى ورماد
تلك العشية ما تزاول خاطري في سفح دمر والضفاف هوادي
شفافة اللمحات نيرة الرؤى ريا الهوى أزلية الميلاد
أبداً يطوف خيالها بنواظري فأحله بين الكرى وسهادي
وأهم أرشف مقلتيه وثغره فيغوص في أفق من الأبعاد(1/28)
إيه خيال المانعي طيب الكرى أيتاح لي رجعى مع الوراد
لي في قرار الكأس بعد بقية سمحت بها الآلام للعواد
حنت لها خضر الدواني رقة وبكى لها جفن النسيم النادي
هي كنه إحساسي وروح قصائدي ومطاف أحلامي وركن ودادي
للشعر منطلق الجوانح هائماً بين السواقي الخضر والأوراد
متخيراً منهن ما ابتكر الضحى من لؤلؤ غب السحاب الغادي
أندى على جفن يساوره الأسى وأخف من مرح الهزار الشادي
بردى هل الخلد الذي وعدوا به إلاك بين شوادن وشوادي
قالوا : تحب الشآم ؟ قلت : جوانحي مقصوصة فيها وقلت فؤادي (1)
================
ملحمة الشام (2)
يا شام هل يحجز الأشواق قضبان؟ أم يحجب الطيف أسوار وجدران قد استوينا فكل رهن محبسه للظلم من حوله سوط وسجان
لنا إذا هبت الأنسام لاعجة من حرقة الوجد فالأكباد نيران
يغشى الأسى ناظرينا كلما ومضت في الأفق بارقة تخبو وتزدان
إذا تألق في عليائها أملٌ هوى إليه هوىً وانساب ألحان
لا عتب أن فرقتنا للنوى سبل فالدهر ذو دولة والوصل ميان
وهكذا تنضب الأرواح نازفة بكل جرح مرارات وأشطان
لم يبق إلا صبابات نجاذبها لا ترتوي فالجوى باليأس حران نباكر الغَمَّ في الإصباح متقداً وفي العشية آهات وأشجان
تطير أرواحنا شوقاً ولو قدرت طارت إليكم مع الأرواح أبدان
__________
(1) - http://www.arabadab.net/poem.php?class=1&poet=3&poem=456
(2) - الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي(1/29)
أنتم ندامى الهوى ما للهوى بدل منكم إذا سامر المشتاق ندمان
لسنا من الحب في شيء لو انصرفت عنكم صبابتنا أو ضل وجدان
نسلو الحياة ولا نسلو تذكركم وهل تداوى بغير الذكر ولهان
وحسبكم أنكم في القلب مسكنكم حيث الأسى راتع واليأس حيران
عسى تراسلُ أشواقٍ يعللنا وربما خفتت بالشوق أحزان
أواصر الحب كلُّ الحب تجمعنا رغم القيود أما قد قال حسان : إما سألت فإنا معشر نجب الأزد نسبتنا والماء غسان
وكل ناعورة بالشام نادبة عهد الوصال فهل للهيض جبران الله أكبر! هذا الظلم فرقنا وللمقادير إيلاف وإظعان
كأنه لم يكن بالمرج مرتعنا ولم يكن في ربى جيرون جيران ولم يكن في الثغور الغر مرصدنا وفي المضائق حراس وسكان
وفي السواحل نيران وأربطة وفي الجزيرة أحباب وإخوان وفي المدائن أنساب مؤلفة وفي العشائر أصهار وأختان
وأعذب الحب ما كانت موارده بالقدس ، أواه هل للقدس نسيان يا شام يا معقل الإسلام ما ركضت بلق الخيول ومد الظل أفنان إذا تضاءل هذا الحب عن بلد ففي مرابعكم فيء وأكنان
تالله ما الغوطة الغناء منيتنا وفي مسارحها للحسن غزلان ولا رسوم لأجداد بساحتكم إذ كان يملكها أزد وزهران
ولا صبا بردى يسبي مشاعرنا لكنما حبكم دين وإيمان من البراق أصول الحبّ قد بزغت وقد أضاءت لها بصرى وحوران إذا سرى الطيف منكم وانثنى سحراً يهيج بالقلب للإسراء عنوان
لله حبٌ، رسول الله أسسه وهل لنا غيره أس وأركان
وقام من بعده الصديق يورده والشرق والغرب نيران وصلبان بعزمةٍ عقد الرايات مرتقباً بشرى الرسول وأمضى وهو عجلان(1/30)
وقال: إن لم نبادرهم بمعمعة تنسي الحلومَ فلا كنا ولا كانوا
والدهر ما عزم الصديق مرتجف والأرض مائدة والبحر طوفان إذا تحنن فالإعصار مرحمة وإن توعد فالأنسام حسبان
يعطي وليس لمخلوق عليه يد إنفاقه حسبة، والعتق إحسان
دع ليلة الغار فالقرآن خلدها تقاصرت همم عنها وأزمان
والروم قد أثخنت في الفرس عن حنق فالشام قلب وباقي الملك جثمان حلاوة النصر لا زالت تداعبها ونشوة النصر في الطغيان طغيان
لكن قلب هرقل َ واهن وجل تصارعت فيه أنوار وأوثان لديه من سابق الأخبار عن سلفٍ من النبوات آيات وبرهان
شمس الرسالة هذا حين مطلعها فلتبتهج بسنا الرحمن أكوان
"ساعير " و"الطور " للإسلام تقدمةٌ والنور تعلنه في الأرض "فاران " والله يختار مما شاء مرسله والخلق ليس لهم رأي ولا شان
والملك في فرع إسماعيل منتقل حتماً ولو كرهت روم ويونان
ملك الختان بدا في الأفق شاهده فبان أن الملوك القلف قد بانوا
وأخمدت نار كسرى حين مشرقه واهتز بالشرفات الشم إيوان
تلا كتاب رسول الله في أدب وقال للروم والأرصاد حيطان:
هذا الرسول الذي كنا نؤمله فالعين نائمة والقلب يقظان
وهذه الشام للمبعوث عاصمة للسيف ظل وللزيتون أغصان إن اتبعناه فالدنيا لنا تبع وسائر الناس خدام وولدان
وإن أبينا فأمر الله غالبنا وملكنا ضائع والسعي خسران
نعمْ! "هرقل ُ" لقد أسمعتَ ذا صمم لو كان للقوم آذان وإذعان أبت بطارقة الرومان موعظة وغلّ أحلامهم كبر وبهتان
والكبر ما كان في طياته حسد فشر وادٍ تردى فيه إنسان(1/31)
إلا "ضغاطر " إن الله أكرمه وقال: يا قوم إن الحق فرقان محمد نحن في الأسفار نعرفه فكيف يوبقنا في الكفر نكران
تواترت عندنا أنباء بعثته فالخلق ينتظرون الإنس والجان
لولاه ما هاجر الأحبار واصطبروا على لظى يثرب والشام أجنان وللنبوة أعلام إذا نشرت أصغى وأبصرها بكم وعميان
وحي يصدق بعضاً بعضه أبداً توراة موسى وإنجيل وقرآن
والحق أوله مهد لآخره جبريل ناموسه والرُّسْل إخوان
تقدس الله أن يدعى له ولد أو أن يكون له ندٌ وأعوان
وكلكم عارف ما قلت فاتبعوا حكيمة النمل إذ وافى سليمان
فأشعياء حكى أوصاف طلعته كما حكى صورة بالرسم فنان ودانيال فقد جاءت نبوته نصاً كما يبصر الإنسانَ إنسان وفي المزامير يأتي أحمد فإذا كل الجزائر والأنهار خضعان
وسوف تُخدِمه أقيالَها سبأ وسوف تتحفه بالورد لبنان ويهرع الناس نحو البيت عارية أطرافهم ولهم عج وألحان
تهدى إليه قرابين مقلدة تسوقها حسبة مصر ومديان وفي شكيم له جيش ذوو غرر يقتص مما أراقت قبل رومان وأرض بابل يعنو سحرها هلعاً إذا ترنم بالتهليل عربان هم أمة الحمد والتكبير ديدنهم إذا علوا شرفاً أو لاح علوان
وفي النهار ليوث لا يساورها غمر وهم في ظلام الليل رهبان
هذا هو الملكوت الحق قد بزغت أنواره فالدجى المبهور وسنان
كأنني أبصر الأملاك تحمله وهم صفوف لمبداه وفرقان
وذا المبارك باسم الرب مقدمه بنوره محفل الأملاك زهوان
تمت على الحجر المرفوض نعمته فصار تاج الذرى والدين بنيان
أيخفض الله بنياناً ونرفعه؟ ويصطفي الله مختاراً ونختان(1/32)
ويبتلي الله تقوانا فيلبسها من التعصب إغماط وشنآن
فمزقوه وقد كان الإمام لهم لكن تملكهم بغي وأضغان
كانت دمشق ترى هذا وتسمعه كذاك أصغت لقول الحبر جولان وكل مؤتمر في أي محتضر غير السقيفة أسمارٌ وبطلان
بكى هرقل ولكن كان ذا جلد وقال قولة نصح وهو لهفان يا أيها الروم إن لم تسلموا فلنا في الصلح خير وبعض المر حلوان
وملك أحمد حد الشمس مبلغه والترك من جنده والصين أقنان
==================
المقامة الدمشقية (1)
قمر دمشقي يسافر في دمي وسنابل وخمائل وقباب
الحب يبدؤ من دمشق فأهله عشقوا الجمال وذوبوه وذابوا
والماء يبدؤ من دمشق فأينما أسْنَدتَ رأسك جدول ينساب
ودمشق تهدي للعروبة لونها وببابها تتشكلّ الأحزاب
السلامُ عليك يا أرض شيخ الإسلام ، ورحمة الملك العلاَّم ، أيها الحضور الكرام ، في دمشق الشام .
يا دمشق ماذا تكتب الأقلام ، وكيف يرتب الكلام ، وماذا نقول في البداية والختام.
في دمشق الذكريات العلمية ، والوقفات الإسلامية ، والمآثر الأمويّة . وفيها يرقد ابن تيمية ، وابن قيم الجوزية . وفي دمشق حلقات الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية .
يحق لحسان أن ينوح على تلك الأوطان ، ويسكب عليها الأشجان .
لله در عصابة نادمتهم يوماً يحلق في الزمان الأول
أبناء جفنة حول قبر أبيهم قبر ابن مارية الكريم المفضل
__________
(1) - من كتاب المقامات للقرني(1/33)
تذكرك دمشق بمعاوية بن أبي سفيان ، وعبد الملك بن مروان ، وبني غسان ، والشعر والبيان ، والمجالس الحسان . دمشق سماء زرقاء ، وروضة خضراء ، وقصيدة عصماء ، وظل وماء ، وعلو وسناء ، وهمة شماء . ما أبقى لنا الشوق بقية ، لما سمعنا تلك القصيدة الشوقية ، في الروابي الدمشقية .
سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي جلال الرزء عن وصف يدق
دخلتك والأصيل له ائتلاق وملأ رباك أوراق ووُرْق
في دمشق أكباد تخفق ، وأوراق تصفق ، ونهر يتدفق ، ودمع يترقرق ، وزهر يتشقق
دخلنا دمشق فاتحين ، وصعدنا رباها مسبحين . فدمشق في ضمائرنا كل حين . وهي غنية عن مدح المادحين . ولا يضرها قدح القادحين .
آه يا دمشق كم في ثراك من عابد ، كم في جوفك من زاهد ، كم في بطنك من مجاهد ، كم في حشاك من ساجد . أنت يا دمشق سفر خلود ، وبيت جود ، منك تهب الجنود ، وتحمل البنود . يصنع على ثراك الأحرار ، ويسحق على ترابك الاستعمار ، ويحبك يا دمشق الأخيار . فأنت نعم الدار . تقطع إليك من القلوب التذاكر ، من زارك عاد وهو شاكر ، ولأيامك ذاكر ، يكفيك تاريخ ابن عساكر ، صانك الله من كل كافر
ألقيت فوق ثراك الطاهر الهدبا فيا دمشق لماذا نكثر العتبا
دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا
في دمشق روضة العلماء ، وزهد الأولياء ، وسحر الشعراء ، وحكمة أبي الدرداء ، وجفان الكرماء .
في دمشق عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد ، والملك الزاهد ، والولي العابد ، يطارد الظلم والظالمين ، ويحارب الإثم والآثمين ، فيذكر الناس بالخلفاء الراشدين ، ويعيد للإسلام جماله في عيون الناظرين . في دمشق براعة ابن كثير ، وعبقرية ابن الأثير ، وتحقيق النووي ، وفطنة ابن عبد القوي .
لولا دمشق لما كانت بلنسية ولا زهت ببني العباس بغدان(1/34)
أتى يصفق يلقانا بها بردى كما تلقاك دون الخلد رضوان
يكفيك أيها الشام السعيد ، أن فيك القائد الفريد ، والبطل السديد ، خالد بن الوليد . سيف الله الهمام ، كاسر كل حسام ، أغمد في الشام ، السلام عليك يا أبا سليمان ، يا قائد كتيبة الإيمان ، ويا رمز كتيبة الرحمن .
يا ابن الوليد الأسيف تناولنا فإن أسيافنا قد أصبحت خشبا
لا تخبروه رجاءً عن هزائمنا فيمتلئ قبرُه من قومه غضبا
صحح الألباني ، المحدث الرباني ، أحاديث في فضل تلك المغاني .
وأول أبيات في الأغاني ، لأبي الفرج الأصبهاني . في وصف دمشق وتلك المباني .
حيث يقول الشاعر :
القصر والبئر والجماء بينهما أشهى إلى النفس من أبواب جيرون
وقد نسى ابن كثير نفسه ، وملأ بالمدح طرسه ، لما تحدث عن دمشق ، فقلمه بالثناء سبق ، وبالإطراء دفق ، وحار الحكماء في وصف دمشق وطيب هوائها ، وعذوبة مائها ، واعتدال أجوائها ، وذكاء علمائها ، وبلاغة خطبائها ، وتقدم شعرائها ، وعدل أمرائها ، وجمال نسائها ، حتى إن بعض العلماء ذكر أن دمشق أم البلدان ، وأنها في الدنيا جنة الجنان .
دمشق الشام كل حديث ركب يقصر عنك يا نون العيونِ
كأنك جنة عرضت بدنيا أثرت على هوى قلبي شجوني
دخل دمشق الصحابة ، كأنهم وبل سحابة ، أو أسد غابة ، فلقيتهم بالأحضان ، وفرشت لهم الأجفان ، فعاشوا على روابيها كالتيجان . في دمشق فنون وشجون ، وعيون ومتون ، وسهول وحزون ، وتين وزيتون . دمشق جديدة كل يوم ، وهي حسناء في أعين القوم ، وقد بكى من فراقها ملك الروم . إذا دخلت دمشق تتمايل أمامك السنابل ، وتتراقص في ناظريك الخمائل . وتصفق لقدومك الجداول ، وترحب بطلعتك القبائل . دمشق أعيادها يوميّه ، وأعلامها أمويّة ، وأطيافها سماوية ، وبسيوف أهلها محميّة
دمشق في الحسن مفرطة ، وبجواهر الجمال مقرطة ، وفي الطقس متوسطة .(1/35)
فارقتها وطيور القاع تتبعني بكل لحن من الفصحا تغنيني
كأنما الطير يهوى حسن طلعته بانت دمشق فيا أيامنا بيني
الجمال دمشقي : لأنه لا بد له من روضة فيحاء ، وخميلة غناء ، وحبة خضراء ، وظل وماء . والحب دمشقي : لأنه لا بد له من أشواق مسعفة ، وأحاسيس مرهفة ، وألمعية ومعرفة .
كتب ابن عساكر في دمشق تاريخ الرجال ، وسطر المزي في دمشق تهذيب الكمال، وألف الذهبي في دمشق ميزان الاعتدال ، واحتسب ابن تيميه في دمشق الرد على أهل الضلال ، وأرسل لنا المتنبئ من الشام تلك القصائد الطوال ، وذاك السحر الحلال .
قالوا تريد الشام قلت الشام في قلبي بنت في داخلي أعلاما
هي جنة الدنيا فإن أحببتها فالحسن محبوب وقلبي هاما
في دمشق رسائل الياسمين ، ودفاتر اليقطين ، ومؤلفات النسرين ، للحمام بها رنين ، وللعندليب بها حنين ، كأنها تقول : ادخلوها بسلام آمنين .
ليس لدمشق الشام ، دين غير الإسلام . فطرت دمشق على الإيمان ، ولذلك طردت الرومان ، ورحبت بحملة القرآن . ليس بقيصر الروم في دمشق قرار ، ولذلك ولى الأدبار، ولاذ بالفرار ، لأن الدار دار المختار ، والمهاجرين والأنصار .
من مخبر القوم شطت دارهم ونأت أني رجعت إلى أهلي وأوطاني
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني
في الشام يرقد سيف الدولة الملك الهمام ، وابن نباته خطيب الأنام ، وابن قدامة تاج الأعلام ، وأبو فراس الحمداني الشاعر المقدام . وفي دمشق سكن الزهري المحدث الشهير ، والأوزاعي العالم النحرير ، والبرزاني المؤرخ الكبير ، والسبكي القاضي الخطير .
أتانا من دمشق كتاب رياض الصالحين ، وكتاب روضة المحبين ، ونزهة المشتاقين ، وكتاب عمدة الطالبين ، وكتاب مدارج السالكين ، وكتاب أعلام الموقعين .فسلام على دمشق في الآخرين . ...
- - - - - - - - - - -(1/36)
الباب الأول
الفضائل العامة
الإقسام بها
قال تعالى : { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} [التين : 1 - 4]
اخْتَلَفَ المُفْسِّرُونَ حَوْلَ المَقْصُودِ بِالتِّين وَالزِّيْتُونِ فِي هَذِهِ الآيَةِ :
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُمَا التِّينُ وَالزَّيْتُونَ الثَّمَرَانِ المَعْرُوفَانِ ، فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ بَعْضَ الثَّمَارِ كَالعِنَبِ وَالنَّخْلِ وَالفَاكِهَةِ وَالطَّلْحِ وَالسِّدْرِ .
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ التِّينَ إِشَارَةٌ إِلَى عَهْدِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَمَا كَانَ الإِنْسَانُ يَسْتُرُ نَفْسَهُ بِوَرَقِ التِّينِ ( وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ ) .
أَمَّا الزَّيْتُونُ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلى عَهْدِ نُوحٍ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَبَعْدَ أَنِ انْتَهَى الطُّوفَانُ أَرْسَلَ نُوحٌ طَيراً فَعَادَ إِلَيهِ يَحْمِلُ وَرَقَةَ زَيْتُونٍ ، فَعَلِمَ أَنَّ الطُّوفَانَ قَدِ انْتَهَى ، وَأَنَّ الأَرْضَ عَادَتْ تُنْبِتُ
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ التِّينَ وَالزَّيْتُونَ إِشَارَةٌ إِلَى القُدْسِ وَهِيَ مَبْعَثُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، لأَنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ أَشَارَ إِلَى طُورِ سِينَاءَ وَمَكَّةَ . وَطُورُ سِينَاءَ هِيَ المَكَانُ الذِي كَلَّمَ اللهُ فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَعَهِدَ إِلَيْهِ بِأَنْ يَذْهَبَ إِلى فِرْعَوْنَ ، وَإِنَّ مَكَّةَ مَبْعَثُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، فَيَكُونُ تَعَالَى قَدْ أَقْسَمَ بِثَلاَثَةِ مَوَاقِعَ مُشَرَّفَةٍ بِبَعْثِهِ فِيهَا ثَلاَثَةِ مِنَ الرُّسُلِ الكِرَامِ أُوِلِي العَزْمِ . وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التِّينُ والزَّيْتُونُ إِشَارَةً إِلَى أَمَاكِنَ وَذِكْرَيَاتٍ ذَاتِ عِلاَقَةٍ بِالدِّينِ وَالإِيْمَانِ ، أَوْ ذَاتِ عِلاَقَةٍ بِنَشْأَةِ الإِنْسَانِ . (1)
وقال السعدي : "{ التين } هو التين المعروف، وكذلك { الزَّيْتُونَ } أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما، ولأن سلطانهما في أرض الشام، محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5976)(1/37)
{ وَطُورِ سِينِينَ } أي: طور سيناء، محل نبوة موسى صلى الله عليه وسلم.
{ وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ } وهي: مكة المكرمة، محل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فأقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها وابتعث منها أفضل النبوات (1) وأشرفها. (1)
قال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ:
ولا ريب أن لفظ القرآن يدل صريحاً التين والزيتون المأكولين، كما قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما، ولكنه قد يدل على مكانين شريفين وهما الطور والبلد الأمين، وهذه البقاع هي أشرف بقاع الأرض ومنها ظهرت النبوات العظيمة والشرائع المتبعة، فعامة أنبياء بني إسرائيل كانوا من الشام، وهي أرض التين والزيتون، ومنها ظهرت نبوة عيسى عليه السلام، وطور سيناء كلم الله منه موسى عليه السلام، والبلد الأمين فمنه ابتدي الوحي وإنزاله على محمد (، وهذه النبوات الثلاث هي أعظم النبوات والشرائع.
فمن قال من المفسرين أن التين والزيتون هما المأكولان فقوله صحيح باعتبار دلالة التين والزيتون على بقاعهما من الأرض فإن أرض الشام هي أرض التين والزيتون.
ومن قال: التين دمشق، والزيتون بيت المقدس وفلسطين، فقوله صحيح باعتبار دمشق وما حولها هي بلاد التين، وفلسطين وبيت المقدس هي بلاد الزيتون.
ونقل ابن كثير عن بعض الأئمة قولهم (2) :
هذه محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبياً مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار (فالأول) محله التين والزيتون وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام (والثاني) طور سينين وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران (والثالث) مكة وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمناً وهو الذي أرسل فيه محمد صلى الله عليه وسلم
__________
(1) - تفسير السعدي - (1 / 929)
(2) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (8 / 434)(1/38)
وقال السمعاني ـ رحمه الله ـ: وقوله: (وَطُورِ سِينِينَ) أكثر المفسرين أنه الجبل الذي كلم الله عليه موسى، وقد ثبت عن عمر أنه قرأ: ( وطور سَيْناء ) وفي حرف ابن مسعود: (وطور سِيْناء) بكسر السين.
وقال الحسن: الطور هو الجبل، وسينين: المبارك. (1)
وعادة القرآن أنه لا يجمع بين الأقسام إلا إذا كانت بينها علاقة تشابه أو تضادّ ، وهنا لا نجد علاقة واضحة بين هاتين الفاكهتين ، وبين طور سينين والبلد الأمين ، اللهم إلا إذا قلنا : إن طور سيناء ينبت فيه التين والزيتون ، ويطيب ثمره ، فتكون العلاقة بينهما علاقة نسبة إلى المكان ، ويقوّي هذه النسبة أن القرآن الكريم أشار فى موضع آخر إلى منبت شجرة الزيتون ، وأن طور سيناء هو أطيب منبت لها ، إذ يقول سبحانه : « وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ».(20 : المؤمنون). (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى - (1 / 16) وانظر تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (24 / 501)
(2) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (15 / 1614)(1/39)
حث بني إسرائل على دخول الأرض المقدسة
قال تعالى في سورة المائدة: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) [المائدة : 20 - 26] }
وَاذْكُرْ يَِا مُحَمَّدُ لأهْلِ الكِتَابِ ، وَأَنْتَ تُبِلِّغُهُمْ دَعْوَةَ رَبِّهِمِ ، مَا قَالَهُ مُوسَى لِقَوْمِهِ ، وَمَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ مِنْ أَنْعُمِ اللهِ وَأفْضَالِهِ عَلَيهِمْ ، بِمَا جَمَعَهُ لَهُمْ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الهُدَى ، فَقَدْ جَعَلَ الأَنْبِيَاءَ فِيهِمْ ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ قَامَ فِيهِمْ نَبِيٌّ يَدْعُوهُم إلى اللهِ ، وَيُحَذِّرُهُمْ نِقَمَهُ ، وَأنَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَهُمْ مُلُوكاً ( بِمَعْنَى أَنَّ وَاحِدَهُمْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَخَادِمٌ وَدَارٌ سُمِّيَ مَلِكاً ) . وَأنَّهُ تَعَالَى آتَاهُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ العَالَمِينَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ المَنَّ وَالسَّلْوَى ، وَظَلَّلَهُمْ بِالغَمَامِ فِي مَسِيرَتِهِمْ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ .
ثُمَّ أخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أنَّ مُوسَى قَالَ لِقَوْمِهِ مُحَرِّضاً إيَّاهُمْ عَلَى الجِهَادِ لِلاسْتِيلاءِ عَلَى الأرْضِ المُقَدَّسَةِ ( أي المُطَّهَرَةِ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ لِمَا بَعَثَ اللهُ فِيها مِنَ الأَنْبِيَاءِ الدُّعَاةِ إلى التَّوحِيدِ ) ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْم سِيرُوا إلى الأرْضِ المُقَدَّسَةِ التِي وَعَدَ اللهُ أبَاكُمْ إِبْرَاهِيمَ بأنْ يُسْكِنَ فِيها مَنْ آمَنَ مِنْ نَسْلِهِ ، وَلاَ تَرْجِعُوا - بَعْدَ الذِي جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالهُدَى - إلَى(1/40)
الوَثَنِيَّةِ وَالفَسَادِ فِي الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ وَالبَغْي وَاتِّبَاعِ الأهْوَاءِ ، فَإِنَّ فِي هذا الرُّجُوعِ خُسْراناً لَكُمْ .
فَاعْتَذَرُوا عَنْ دُخُولِ البَلَدِ بِأَنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ ذَوي خِلَقٍ هَائِلَةٍ ، وَأَجْسَامٍ ضَخْمَةٍ ، وَقُوى شَدِيدةٍ ، وَأنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى قِتَالِهِمْ ، وَلاَ يُمْكِنُهُمُ الدُّخُولُ إِلَيْهَا ، مَا دَامَ الجَبَّارُونَ فِيهَا ، فَإِنْ خَرَجُوا مِنْهَا ، دَخَلَها قَوْمُ مُوْسَى ، وَإلاَّ فَإِنَّهُمْ لاَ طَاقَةَ لَهُمْ بِقِتَالِ الجَبَّارِينَ .
فَلَمَّا نَكَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَنْ إِطَاعَةِ أمْرِ رَبِّهِمْ ، وَمُتَابَعَةِ مُوسَى ، حَرَّضَهُمْ رَجُلاَنِ ، للهِ عَلَيْهِمَا نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَهُمَا مِمَّنْ يَخَافُ اللهُ وَيَخْشَى عِقَابَهُ ، فَقَالاَ لِقَوْمِهِمَا : إنْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ ، وَتَبِعْتُمْ أمْرَهُ ، وَوَافَقْتُمْ رَسُولَهُ ، نَصَرَكُمْ رَبُّكُمْ عَلى أعْدَائِكُمْ ، وَأيَّدَكُمْ وَأظْفَرَكُمْ بِهِمْ ، وَدَخَلْتُمُ البَلَدَ الذِي كَتَبَ اللهُ لَكُمُ السُّكْنَى فِيها ، فَلَمْ يَنْفَعْ فِيهِمْ هذا القَوْلُ شَيئاً .
وَلَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَصَرُّوا عَلَى النُّكُولِ عَنِ الجِهَادِ ، وَعَلَى مُخَالَفَةِ رَسُولِهِمْ ، فَقَالوُا لَهُ : إنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا البَلَدَ مَا دَامَ الجَبَّارُونَ مُقِيمِينَ فِيهَا ، فَإِذا أصَرَّ مُوسَى عَلَى الجِهَادِ فَلْيَذْهَبْ هُوَ وَرَبُّهُ فَلْيُقَاتِلاَ الجَبَّارِينَ ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ نَتِيجَةَ المَعْرَكَةِ قَاعِدِينَ ، حَيْثُ هُمْ يُقِيمُونَ .
فَلَمَّا نَكَلُوا عَنِ القِتَالِ ، غَضِبَ عَلَيْهِمْ مُوسَى ، وَاتَّجَهَ إلى اللهِ بِالدُّعَاءِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ لَيْسَ بَيْنَ هَؤُلاءِ مَنْ يُطِيعُنِي وَيُجِيبُنِي إلى تَنْفِيذِ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ إلاَّ نَفْسِي وَأَخِي هَارُونَ ، فَاقْضِ يَا رَبِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلاءِ القَوْمِ ، الخَارِجِينَ عَلَى طَاعَتِكَ ( الفَاسِقِينَ ) ، بِقَضَاءِ تَقْضِيهِ بَيْنَنَا ، فَتَحْكُمَ لَنَا بِمَا نَسْتَحِقُّ ، وَتَحْكُمَ لَهُمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ .
أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 696)
فَلَمَّا دَعَا مُوسَى عَلَيهِم ، حِينَ نَكَلُوا عَنِ الجِهَادِ ، قَضَى اللهُ عَلَيْهِمْ بِأنْ حَرَّمَ عَلَيهِمْ دُخُولَها أربعينَ سَنَةً ، يَتِيهُونَ خِلاَلَهَا فِي الأَرْضِ ( أيْ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ ) ، وَيَبْقَوْنَ مُتَحَيِّرِينَ مُتَرَدِّدينَ ، لاَ يَدْرُونَ مَصِيرَهُمْ ، وَلاَ يَهْتَدُونَ إلى الخُرُوجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ ، خِلاَلَ المُدَّةِ التِي قَضَاهَا . اللهُ عَلَيْهِمْ .(1/41)
وَخِلاَلَ وُجُودِهِمْ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ تُوُفِّيَ مُوسَى وَهَارُونُ ، عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ، وَتَوَلَّى قِيَادَةَ بَني إسْرَائِيلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ( وَهُوَ مِنْ نَسْلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ) وَجَعَلَهُ الله نَبِيّاً فِيهِمْ ، وَتُوُفِّيَ أكْثَرُ الجِيلِ القَدِيمِ ، وَنَشَأ فِي الصَّحْرَاءِ وَالحُرِّيَّةِ جِيلٌ جَدِيدٌ . فَلَمَّا انْقَضَتِ المُدَّةُ التِي قَضَاهَا اللهُ عَلَيهِمْ ، خَرَجَ بِهِمْ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ، وَتَوَجَّهَ بِهِمْ إلى إحْدَى المُدُنِ فَحَاصَرَهَا وَفَتَحَها .
ثُمَّ سَلَّى اللهُ نَبِيَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ : لاَ تَأسَفْ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَضَيْتُ عَلَيْهِمْ ، فَإنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ .
وَهَذِهِ القِصَّةُ تَتَضَمَّنُ تَقْرِيعاً لِليَهُودِ ، وَبَياناً لِفَضَائِحِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ أمْرَ رَبِّهِمْ وَأمْرَ رَسُولِهِ ، ونكُولِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِمَا . (1)
قال الطبري : " " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , أَنْ يُقَالَ : هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ , كَمَا قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - . لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهَا أَرْضٌ دُونَ أَرْضٍ , لَا تُدْرَكُ حَقِيقَةُ صِحَّتِهِ إِلَّا بِالْخَبَرِ , وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ يَجُوزُ قَطْعُ الشَّهَادَةِ بِهِ , غَيْرَ أَنَّهَا لَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي بَيْنَ الْفُرَاتِ وَعَرِيشِ مِصْرَ لِإِجْمَاعِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَالسِّيَرِ وَالْعُلَمَاءِ بِالْأَخْبَارِ عَلَى ذَلِكَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ الَّتِي أَثْبَتَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا لَكُمْ مَسَاكِنُ , وَمَنَازِلُ دُونَ الْجَبَابِرَةِ الَّتِي فِيهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَكَيْفَ قَالَ : الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بِقَوْلِهِ : فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ مُثْبَتًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا مَسَاكِنُ لَهُمْ , وَمُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ سُكْنَاهَا ؟ قِيلَ : إِنَّهَا كُتِبَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ دَارًا وَمَسَاكِنَ , وَقَدْ سَكَنُوهَا وَنَزَلُوهَا , وَصَارَتْ لَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ . وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى : ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يَعْنِي بِهَا : كَتَبَهَا اللَّهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ , وَكَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ مُوسَى بِدُخُولِهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ , وَلَمْ يَعْنِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ كَتَبَهَا لِلَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِهَا بِأَعْيَانِهِمْ , وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً لِبَعْضِهِمْ , وَلِخَاصٍّ مِنْهُمْ , فَأَخْرَجَ الْكَلَامَ عَلَى الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 690)(1/42)
الْخَاصُّ , إِذْ كَانَ يُوشَعُ وَكَالِبُ قَدْ دَخَلَا , وَكَانَا مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْقَوْلِ , كَانَ أَيْضًا وَجْهًا صَحِيحًا " (1)
قال ابن رجب الحنبلي: واعلم أن البركة في الشام تشمل البركة في أمور الدين والدنيا، ولهذا سميت الأرض المقدسة. (2)
إنها حلقة من قصة بني إسرائيل التي فصلها القرآن أوسع تفصيل .. ذلك لحكمة متشعبة الجوانب ..
من جوانب هذه الحكمة أن بني إسرائيل هم أول من واجه الدعوة الإسلامية بالعداء والكيد والحرب في المدينة وفي الجزيرة العربية كلها. فقد كانوا حربا على الجماعة المسلمة منذ اليوم الأول. هم الذين احتضنوا النفاق والمنافقين في المدينة وأمدوهم بوسائل الكيد للعقيدة وللمسلمين معا. وهم الذين حرضوا المشركين وواعدوهم وتآمروا معهم على الجماعة المسلمة. وهم الذين تولوا حرب الإشاعات والدس والكيد في الصف المسلم كما تولوا بث الشبهات والشكوك والتحريفات حول العقيدة وحول القيادة. وذلك كله قبل أن يسفروا بوجوههم في الحرب المعلنة الصريحة. فلم يكن بد من كشفهم للجماعة المسلمة ، لتعرف من هم أعداؤها.
ما طبيعتهم؟ وما تاريخهم؟ وما وسائلهم؟ وما حقيقة المعركة التي تخوضها معهم؟
ولقد علم اللّه أنهم هم سيكونون أعداء هذه الأمة في تاريخها كله كما كانوا أعداء هدى اللّه في ماضيهم كله.
فعرض لهذه الأمة أمرهم كله مكشوفا ووسائلهم كلها مكشوفة.
ومن جوانب هذه الحكمة أن بني إسرائيل هم أصحاب آخر دين قبل دين اللّه الأخير. وقد امتد تاريخهم قبل الإسلام فترة من التاريخ طويلة ووقعت الانحرافات في عقيدتهم ووقع منهم النقض المتكرر لميثاق اللّه معهم ووقع في حياتهم آثار هذا النقض وهذا الانحراف ، كما وقع في أخلاقهم وتقاليدهم .. فاقتضى هذا أن تلم الأمة المسلمة - وهي وارثة
__________
(1) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (10588 )
(2) - إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى - (1 / 17)(1/43)
الرسالات كلها وحاضنة العقيدة الربانية بجملتها - بتاريخ القوم ، وتقلبات هذا التاريخ وتعرف مزالق الطريق ، وعواقبها ممثلة في حياة بني إسرائيل وأخلاقهم ، لتضم هذه التجربة في حقل العقيدة والحياة - إلى حصيلة تجاربها وتنتفع بهذا الرصيد وتنفع على مدار القرون. ولتتقي - بصفة خاصة - مزالق الطريق ، ومداخل الشيطان ، وبوادر الانحراف ، على هدى التجارب الأولى.
ومن جوانب هذه الحكمة أن تجربة بني إسرائيل ذات صحائف شتى في المدى الطويل. وقد علم اللّه أن الأمد حين يطول على الأمم تقسو قلوبها وتنحرف أجيال منها وأن الأمة المسلمة التي سيمتد تاريخها حتى تقوم الساعة ، ستصادفها فترات تمثل فيها فترات من حياة بني إسرائيل فجعل أمام أئمة هذه الأمة وقادتها ومجددي الدعوة في أجيالها الكثيرة ، نماذج من العقابيل التي تلم بالأمم يعرفون منها كيف يعالجون الداء بعد معرفة طبيعته. ذلك أن أشد القلوب استعصاء على الهدى والاستقامة هي القلوب التي عرفت ثم انحرفت! فالقلوب الغفل الخامة أقرب إلى الاستجابة ، لأنها تفاجأ من الدعوة بجديد يهزها ، وينفض عنها الركام ، لجدته عليها ، وانبهارها بهذا الجديد الذي يطرق فطرتها لأول مرة. فأما القلوب التي نوديت من قبل ، فالنداء الثاني لا تكون له جدته ، ولا تكون له هزته ولا يقع فيها الإحساس بضخامته وجديته ، ومن ثم تحتاج إلى الجهد المضاعف ، وإلى الصبر الطويل! وجوانب شتى لحكمة اللّه في تفصيل قصة بني إسرائيل ، وعرضها مفصلة على الأمة المسلمة وارثة العقيدة والدين القوامة على البشر أجمعين .. جوانب شتى لا نملك هنا المضي معها أكثر من هذه الإشارات السريعة ..
وإننا لنلمح في كلمات موسى - عليه السلام - إشفاقه من تردد القوم ونكوصهم على الأعقاب. فلقد جربهم من قبل في «مواطن كثيرة» في خط سير الرحلة الطويل .. جربهم وقد أخرجهم من أرض مصر وحررهم من الذل والهوان ، باسم اللّه وبسلطان اللّه الذي فرق لهم البحر ، وأغرق لهم فرعون وجنده. فإذا هم يمرون على قوم يعكفون على أصنام لهم ، فيقولون «يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ» .. وما يكاد يغيب عنهم في ميقاته مع ربه حتى يتخذ السامري من الحلي التي سرقوها معهم من نساء المصريين عجلا ذهبا له(1/44)
خوار ثم إذا هم عاكفون عليه يقولون : إنه إله موسى الذي ذهب لميقاته! .. وجربهم وقد فجر لهم من الصخر ينابيع في جوف الصحراء ، وأنزل عليهم المن والسلوى طعاما سائغا ، فإذا هم يشتهون ما اعتادوا من أطعمة مصر - أرض الذل بالنسبة لهم - فيطلبون بقلها وقثاءها وفومها وعدسها وبصلها ، ولا يصبرون عما ألفوا من طعام وحياة في سبيل العزة والخلاص ، والهدف الأسمى ، الذي يسوقهم موسى إليه وهم يتسكعون! .. وجربهم في قصة البقرة التي أمروا بذبحها فتلكأوا وتسكعوا في الطاعة والتنفيذ .. «فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ»! وجربهم وقد عاد من ميقات ربه ومعه الألواح وفيها ميثاق اللّه عليهم وعهده. فأبوا أن يعطوا الميثاق وأن يمضوا العهد مع ربهم - بعد كل هذه الآلاء وكل هذه المغفرة للخطايا - ولم يعطوا الميثاق حتى وجدوا الجبل منتوقا فوق رؤوسهم ، «وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ»! ..
لقد جربهم في مواطن كثيرة طوال الطريق الطويل .. ثم ها هو ذا معهم على أبواب الأرض المقدسة. أرض الميعاد التي من أجلها خرجوا. الأرض التي وعدهم اللّه أن يكونوا فيها ملوكا ، وأن يبعث من بينهم الأنبياء فيها ليظلوا في رعاية اللّه وقيادته ..
لقد جربهم فحق له أن يشفق ، وهو يدعوهم دعوته الأخيرة ، فيحشد فيها ألمع الذكريات ، وأكبر البشريات ، وأضخم المشجعات وأشد التحذيرات :
«يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ، وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ. يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» ..
نعمة اللّه. ووعده الواقع من أن يجعل فيهم أنبياء ويجعلهم ملوكا. وإيتاءه لهم بهذا وذلك ما لم يؤت أحدا من العالمين حتى ذلك التاريخ. والأرض المقدسة التي هم مقدمون عليها مكتوبة لهم بوعد اللّه. فهي إذن يقين ..
وقد رأوا من قبل كيف صدقهم اللّه وعده. وهذا وعده الذي هم عليه قادمون ... والارتداد على الأدبار هو الخسران المبين ..(1/45)
ولكن إسرائيل. ، هي إسرائيل!!! الجبن. والتمحل. والنكوص على الأعقاب. ونقض الميثاق : «قالُوا : يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها ، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ».
إن جبلة يهود لتبدو هنا على حقيقتها ، مكشوفة بلا حجاب ولو رقيق من التجمل. ذلك أنهم أمام الخطر فلا بقية إذن من تجمل ولا محاولة إذن للتشجع ، ولا مجال كذلك للتمحل. إن الخطر ماثل قريب ومن ثم لا يعصمهم منه حتى وعد اللّه لهم بأنهم أصحاب هذه الأرض ، وأن اللّه قد كتبها لهم - فهم يريدونه نصرا رخيصا ، لا ثمن له ، ولا جهد فيه. نصرا مريحا يتنزل عليهم تنزل المن والسلوى! «إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ .. وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها .. فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ» ..
ولكن تكاليف النصر ليست هكذا كما تريدها يهود! وهي فارغة القلوب من الإيمان! «قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا : ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ. وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».
هنا تبرز قيمة الإيمان باللّه ، والخوف منه .. فهذان رجلان من الذين يخافون اللّه ، ينشىء لهما الخوف من اللّه استهانة بالجبارين! ويرزقهما شجاعة في وجه الخطر الموهوم! وهذان هما يشهدان بقولتهما هذه بقيمة الإيمان في ساعة الشدة وقيمة الخوف من اللّه في مواطن الخوف من الناس. فاللّه سبحانه لا يجمع في قلب واحد بين مخافتين : مخافته - جل جلاله - ومخافة الناس .. والذي يخاف اللّه لا يخاف أحدا بعده ولا يخاف شيئا سواه ..
«ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ. فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ» ..قاعدة في علم القلوب وفي علم الحروب .. أقدموا واقتحموا. فمتى دخلتم على القوم في عقر دارهم انكسرت قلوبهم بقدر ما تقوى قلوبكم وشعروا بالهزيمة في أرواحهم وكتب لكم الغلب عليهم ..
«وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» ..فعلى اللّه - وحده - يتوكل المؤمن. وهذه هي خاصية الإيمان وعلامته وهذا هو منطق الإيمان ومقتضاه ..ولكن لمن يقولان هذا الكلام؟ لبني إسرائيل؟! «قالُوا : يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها. فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا. إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» ..وهكذا يحرج الجبناء فيتوقحون ويفزعون من الخطر أمامهم(1/46)
فيرفسون بأرجلهم كالحمر ولا يقدمون! والجبن والتوقح ليسا متناقضين ولا متباعدين بل إنهما لصنوان في كثير من الأحيان. يدفع الجبان إلى الواجب فيجبن. فيحرج بأنه ناكل عن الواجب ، فيسب هذا الواجب ويتوقح على دعوته التي تكلفه ما لا يريد! «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا. إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» ..
هكذا في وقاحة العاجز ، الذي لا تكلفه وقاحة اللسان إلا مد اللسان! أما النهوض بالواجب فيكلفه وخز السنان! «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ»! ..
فليس بربهم إذا كانت ربوبيته ستكلفهم القتال! «إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» ..
لا نريد ملكا ، ولا نريد عزا ، ولا نريد أرض الميعاد .. ودونها لقاء الجبارين!
هذه هي نهاية المطاف بموسى عليه السلام. نهاية الجهد الجهيد. والسفر الطويل. واحتمال الرذالات والانحرافات والالتواءات من بني إسرائيل! نعم ها هي ذي نهاية المطاف .. نكوصا عن الأرض المقدسة ، وهو معهم على أبوابها. ونكولا عن ميثاق اللّه وهو مرتبط معهم بالميثاق .. فماذا يصنع؟ وبمن يستجير؟
«قالَ : رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي. فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» .. دعوة فيها الألم. وفيها الالتجاء. وفيها الاستسلام. وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم! وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه .. ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول. وفي إيمان النبي الكليم. وفي عزم المؤمن المستقيم ، لا يجد متوجها إلا للّه. يشكو له بثه ونجواه ، ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين. فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق اللّه الوثيق .. ما يربطه بهم نسب.وما يربطه بهم تاريخ. وما يربطه بهم جهد سابق. إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى اللّه ، وهذا الميثاق مع اللّه.وقد فصلوه. فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق. وما عاد يربطه بهم رباط .. إنه مستقيم على عهد اللّه وهم فاسقون .. إنه مستمسك بميثاق اللّه وهم ناكصون ..هذا هو أدب النبي. وهذه هي خطة المؤمن. وهذه هي الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون ..(1/47)
لا جنس. لا نسب. لا قوم. لا لغة. لا تاريخ. لا وشيجة من كل وشائج الأرض إذا انقطعت وشيجة العقيدة وإذا اختلف المنهج والطريق ..
واستجاب اللّه لنبيه. وقضى بالجزاء العدل على الفاسقين.
«قالَ : فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ. فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ».وهكذا أسلمهم اللّه - وهم على أبواب الأرض المقدسة - للتيه وحرم عليهم الأرض التي كتبها لهم ..والأرجح أنه حرمها على هذا الجيل منهم حتى تنبت نابتة جديدة وحتى ينشأ جيل غير هذا الجيل. جيل يعتبر بالدرس ، وينشأ في خشونة الصحراء وحريتها صلب العود .. جيل غير هذا الجيل الذي أفسده الذل والاستعباد والطغيان في مصر ، فلم يعد يصلح لهذا الأمر الجليل! والذل والاستعباد والطغيان يفسد فطرة الأفراد كما يفسد فطرة الشعوب.
ويتركهم السياق هنا - في التيه - لا يزيد على ذلك .. وهو موقف تجتمع فيه العبرة النفسية إلى الجمال الفني ، على طريقة القرآن في التعبير .
ولقد وعى المسلمون هذا الدرس - مما قصه اللّه عليهم من القصص - فحين واجهوا الشدة وهم قلة أمام نفير قريش في غزوة بدر ، قالوا لنبيهم - صلى الله عليه وسلم - إذن لا نقول لك يا رسول اللّه ما قاله بنو إسرائيل لنبيهم. «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» لكن نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا فإننا معكما مقاتلون ..
وكانت هذه بعض آثار المنهج القرآني في التربية بالقصص عامة وبعض جوانب حكمة اللّه في تفصيل قصة بني إسرائيل .. (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (2 / 868)(1/48)
المبوأ الصدق
قال تعالى : {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (93) سورة يونس
عَنْ قَتَادَةَ:" مُبَوَّأَ صِدْقٍ" قَالَ:"بَوَّأَهُمُ اللَّهُ الشَّامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ". (1)
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ النَّعَمِ فِي الدُّنْيا ، فَيَقُولُ تَعَالَى : إِنَّهُ هَيَّأَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مُلْكَ فِلَسْطِينَ ، وَانْتِزَاعِهَا مِنْ أَيْدِي العَمَالِيقِ الجَبَابِرَةِ ، بَعْدَ أَنْ نَكَلُوا عَنْ قِتَالِهِمْ،وَتَاهُوا فِي صَحَرَاءِ التِّيْهِ ( سِينَاءَ ) أَرْبَعِينَ سَنَةً،وَرَزَقُهْمِ فِي هَذِهِ الأَرْضِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، وَهِيَ الرِّزْقُ الحَلاَلُ النَّافِعُ،فَمَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ مِنَ المَسَائِلِ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بِقِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ،وَالوُقُوفِ عَلَى أَحْكَامِهَا،أَنَّ نَبِيّاً مِنْ وِلْدِ إِسَمَاعِيلَ سَيُبْعَثُ . فَقَبْلَ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى نُبُوَّتِهِ ، وَعَلَى الإِقْرَارِ بِهِ وَبِبِعْثَتِهِ . فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللهِ،كَفَرَ بِهِ بَعْضُهُمْ،وَآمَنَ بِهِ آخَرُونَ،وَسَيَقْضِي اللهُ بَيْنَهُمْ،يَوْمَ القِيَامَةِ،فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ،فَيُبَيِّنُ المُحِقَّ مِنَ المُبْطِلَ،لأنَّ هَذا الاخْتِلاَفَ لاَ سَبِيلَ إِلَى إِزَالَتِهِ فِي الدُّنْيَا . (2)
وفي التفسير الميسر : " ولقد أنزلنا بني إسرائيل منزلا صالحًا مختارًا في بلاد "الشام" و"مصر"، ورزقناهم الرزق الحلال الطيب من خيرات الأرض المباركة، فما اختلفوا في أمر دينهم إلا مِن بعد ما جاءهم العلم الموجب لاجتماعهم وائتلافهم، ومن ذلك ما اشتملت عليه التوراة من الإخبار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. إن ربك -أيها الرسول- يقضي بينهم يوم القيامة، ويَفْصِل فيما كانوا يختلفون فيه من أمرك، فيدخل المكذبين النار والمؤمنين الجنة. " (3)
__________
(1) - تفسير ابن أبي حاتم - (8 / 94)(11416) صحيح مقطوع
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1458)
(3) - التفسير الميسر - (3 / 465)(1/49)
والمبوأ : مكان الإقامة الأمين. وإضافته إلى الصدق تزيده أمانا وثباتا واستقرارا كثبات الصدق الذي لا يضطرب ولا يتزعزع اضطراب الكذب وتزعزع الافتراء. ولقد طاب المقام فترة لبني إسرائيل بعد تجارب طويلة،لا يذكرها السياق هنا لأنها ليست من مقاصده ، وتمتعوا بطيبات من الرزق حلال،حتى فسقوا عن أمر اللّه فحرمت عليهم. والسياق لا يذكر هنا إلا اختلافهم بعد وفاق. اختلافهم في دينهم ودنياهم ، لا على جهل ولكن بعد أن جاءهم العلم،وبسبب هذا العلم،واستخدامه في التأويلات الباطلة.
ولما كان المقام هنا مقام نصرة الإيمان وخذلان الطغيان،فإن السياق لا يطيل في عرض ما وقع بعد ذلك من بني إسرائيل،ولا يفصل خلافهم بعد ما جاءهم العلم. ولكن يطوي هذه الصفحة،ويكلها بما فيها للّه في يوم القيامة : «إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» ..
فيبقى للقصة جلالها،ويظل للمشهد الأخير تأثيره ..
وهكذا ندرك لماذا يساق القصص القرآني،وكيف يساق في كل موضع من مواضعه. فليس هو مجرد حكايات تروى،ولكنه لمسات وإيحاءات مقدرة تقديرا. (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1818)(1/50)
الربوة ذات القرار والمعين
قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) } [المؤمنون : 49 - 50]
وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى التَّوْرَاةََ عَلَى مُوسَى ( الكِتَابَ ) ، وَفِيهَا أَحْكَامٌ ، وَأَوَامِرُ ، وَنَواهٍ مِنَ اللهِ ، لِيَسْتَهْدِيَ بَنُو إِسْرِائِيلَ بِمَا جَاءَ فِيهَا مِنَ الحَقِّ ، وَيَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنَ الشَّرائِعِ .
يَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ جَعَلَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمرَان عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، آيةً للنَّاسِ ، وَبُرْهَاناً قَاطِعاً عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى مَا يَشَاءُ ، فَقَدْ أَوْجَدَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أب ، خِلافاً لِمَا جَرَتْ بِهِ العَادَةُ ، وَأَنْطَقَهُ وَهُوَ فِي المَهْدِ ، وَأَبْرأَ عَلَى يَدَيْهِ الأًَكْمَه والأَبْرَصَ ، وَأَحْيَا المَوْتَى بِإِذْنِ رَبِّهِ،وَجَعَلَهُ وأُمَّهُ يَنْزِلاَنِ فِي مَكَانٍ مِنَ الأَرْضِ ( رَبْوَةٍ ) تَطِيبُ فِيهِ الإِقَامَةُ وَيَحْستُ فِيهِ النَّبَاتُ،فِيهِ المَاءُ والخُضْرَةُ . (1)
قال الضحاك، وقتادة: { إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } : هو بيت المقدس. فهذا والله أعلم هو الأظهر؛ لأنه المذكور في الآية الأخرى. والقرآن يفسر بعضه بعضا. وهو أولى ما يفسر به، ثم الأحاديث الصحيحة، ثم الآثار. (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2602)
(2) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (5 / 477)(1/51)
هجرة النبي إبراهيم وابن أخيه لوط عليهما السلام
قال تعالى : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) } [العنكبوت : 26 - 27]
فَآمَنَ لُوطٌ بِدَعْوَةِ إبراهِيمَ،عَلَيهِمَا السَّلامُ،وَقَالَ إِبراهِيم:إِني مُهَاجِرٌ إِلى الجِهَةِ التي أَمَرني اللهُ بالهِجْرَةِ إِليها،لدَعوَةِ النَّاس إِلى الله فيها،وَهُوَ تَعَالى العَزيزُ الجَانِبِ،الذي يَمْنَعُني مِمَّا يُريدُهُ بِي أَعدَائي،وَهُوَ الحَكِيمُ فِي شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ .
وَلَمَّا فَارَقَ إِبراهيمُ قَومَهُ أَقَرَّ اللهُ عَينَهُ بِوِلاَدَةِ ابنِهِ إِسْحَاقَ،وَجَعَلَهُ اللهُ نَبياً ،ثُمَّ وُلِدَ لإِسْحَاقَ يَعْقُوبُ في حَيَاةِ إِبراهِيمَ،وَجَعَلَهُ اللهُ نَبِيّاً،أَيضاً . وَجعَلَ الأنبياءَ مِنْ ذُرِّيتِهِ،فَكَانَ أنبِياءُ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ ذُرِّيَةِ يَعْقُوبَ،وآخِرُهُم عِيسَى،عليه السلام.وَكَانَ آخرُ الأَنبياءِ مُحَمَّدٌ،عليه السَّلام،مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ،عليه السلام.وَجَمَعَ اللهُ لإِبراهِيمَ سَعَادَةَ الدُّنيا والآخِرَةِ،فَكَانَ لهُ في الدُّنيا الرِزْقُ الوَاسِعُ،والمَنْزلُ الرَحْبُ،والمَوْرِدُ العَذْبُ،والزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ،والثَّنَاءُ الجَمِيلُ،والذِّكْرُ الحَسَنُ،والذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ الوَفيرةُ العَدَدِ،وَجَعَلَهُ اللهُ قَائِماً بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَعِبَادَتِهِ،وَجَعَلَهُ اللهُ تَعَالى في الآخِرَةِ مِنْ ذَوي الدَّرَجَاتِ العَلِيَّةِ . (1)
وفي التفسير الميسر :"فصدَّق لوطٌ إبراهيمَ وتبع ملته.وقال إبراهيم: إني تارك دار قومي إلى الأرض المباركة وهي "الشام"،إن الله هو العزيز الذي لا يُغَالَب،الحكيم في تدبيره.
ووهبنا له إسحاق ولدًا،ويعقوب من بعده وَلَدَ وَلَدٍ،وجعلنا في ذريته الأنبياء والكتب، وأعطيناه ثواب بلائه فينا،في الدنيا الذكر الحسن والولد الصالح،وإنه في الآخرة لمن الصالحين." (2)
" ونقف أمام قولة لوط : «إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي» .. لنرى فيم هاجر. إنه لم يهاجر للنجاة.ولم يهاجر إلى أرض أو كسب أو تجارة.إنما هاجر إلى ربه. هاجر متقربا له ملتجئا
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3248)
(2) - التفسير الميسر - (7 / 148)(1/52)
إلى حماه. هاجر إليه بقلبه وعقيدته قبل أن يهاجر بلحمه ودمه. هاجر إليه ليخلص له عبادته ويخلص له قلبه ويخلص له كيانه كله في مهجره،بعيدا عن موطن الكفر والضلال. بعد أن لم يبق رجاء في أن يفيء القوم إلى الهدى والإيمان بحال.
وعوض اللّه إبراهيم عن وطنه وعن قومه وعن أهله - عوضه عن هذا كله ذرية تمضي فيها رسالة اللّه إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.فكل الأنبياء وكل الدعوات بعده كانت في ذريته.وهو عوض ضخم في الدنيا وفي الآخرة : « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ. وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ.وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ».
وهو فيض من العطاء جزيل،يتجلى فيه رضوان اللّه سبحانه على الرجل الذي يتمثل فيه الخلوص للّه بكليته،والذي أجمع الطغيان على حرقه بالنار،فكان كل شيء من حوله بردا وسلاما،وعطفا وإنعاما.جزاء وفاقا." (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2732)(1/53)
الشام أرض مباركة
قال تعالى عن النبي إبراهيم عليه السلام:{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (71) سورة الأنبياء
قال الطبري : " وَنَجَّيْنَا إِبْرَاهِيمَ وَلُوطًا مِنْ أَعْدَائِهِمَا نَمْرُودَ وَقَوْمِهِ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ ، إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ ، فَارَقَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَوْمَهُ وَدِينَهُمْ وَهَاجَرَ إِلَى الشَّامِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ الَّتِي قَصَّ اللَّهُ مِنْ نَبَأِ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ تَذْكِيرٌ مِنْهُ بِهَا قَوْمَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ , أَنَّهُمْ قَدْ سَلَكُوا فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ ، وَأَذَاهُمْ مُحَمَّدًا عَلَى نَهْيِهِ عَنْ عِبَادَتِهَا ، وَدُعَائِهِمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، مَسْلَكَ أَعْدَاءِ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ , وَمُخَالَفَتِهِمْ دِينَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا فِي بَرَاءَتِهِ مِنْ عِبَادَتِهَا , وَإِخْلَاصِهِ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ ، وَفِي دُعَائِهِمْ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَصْنَامِ ، وَفِي الصَّبْرِ عَلَى مَا يَلْقَى مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ سَالِكٌ مِنْهَاجَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَنَّهُ مُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ كَمَا أَخْرَجَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ قَوْمِهِ حِينَ تَمَادَوْا فِي غَيِّهِمْ إِلَى مُهَاجَرِهِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ ، وَمُسَلٍّ بِذَلِكَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَلْقَى مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ وَالْأَذَى ، وَمُعَلِّمُهُ أَنَّهُ مُنَجِّيهِ مِنْهُمْ كَمَا نَجَّى أَبَاهُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ كَفَرَةِ قَوْمِهِ . "
ونجينا إبراهيم ولوطًا الذي آمن به من "العراق"،وأخرجناهما إلى أرض "الشام" التي باركنا فيها بكثرة الخيرات،وفيها أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. (1)
{ وَنَجَّيْنَاهُ... } يعني: كان هناك شرٌّ يصيبه،وأذىً يلحق به،فنجّاه الله منه،وهذه النجاة مستمرة،فبعد أنْ أنجاه الله من النار أنجاه أيضاً مِمَّا تعرَّض له من أَذَاهم.
{ وَلُوطاً... } وكان لوط عليه السلام ابنَ أخ إبراهيم { إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } أي: قلنا لإبراهيم: اترك هذه الأرض - وهي أرض بابل من العراق - واذهب
__________
(1) - التفسير الميسر - (5 / 487)(1/54)
إلى الأرض المقدسة بالشام،وخُذْ معك ابن أخيك،فبعد أنْ نجاهما الله لم يتركهما في هذا المكان،بل اختار لهما هذا المكان المقدس.
والأرض حينما تُوصَف يُراد بها أيضاً مُحدَّدة مخصوصة،فإذا لم تُوصَف فتطلق على الأرض عامة إلا أن يعينها سياق الحال،فمثلاً لما قال أخو يوسف:{ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي... }[يوسف: 80] فالسياق يُوضِّح لنا أنها أرض مصر.
لكن قوله:{ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ... }[الإسراء: 104] فلم تُعيَّن،فدلَّ ذلك على أنها الأرض عامة،اسكنوا كُلَّ الأرض،يعني: تبعثروا فيها،ليس لكم فيها وطن مستقل،كما قال في آية أخرى:{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً... }[الأعراف: 168].
فإذا أراد الله تجمعوا من الشتات{ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ... }[الإسراء: 104] أي: المرة التي سينتصرون فيها{ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً }[الإسراء: 104] وهكذا يتجمَّعون في مكان واحد،فيسْهُلُ القضاء عليهم.
ومعنى { بَارَكْنَا فِيهَا... } [الأنبياء: 71] البركة قد تكون مادية أو معنوية،وهي الزروع والثمار والأنهار والخيرات،أو بركة معنوية،وهي بركة القِيَم في الأرض المقدسة،وهي أرض الأنبياء،ومعالم النبوة والرسالات. (1)
وقال ابن كثير : " يقول تعالى مخبرًا عن إبراهيم، أنه سلمه الله من نار قومه، وأخرجه من بين أظهرهم مهاجرًا إلى بلاد الشام، إلى الأرض المقدسة منها، كما قال الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب في قوله: { إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } قال: الشام، وما من ماء عذب إلا يخرج من تحت الصخرة.
وكذا قال أبو العالية أيضًا. وقال قتادة: كان بأرض العراق، فأنجاه الله إلى الشام، [وكان يقال للشام: عماد دار الهجرة، وما نقص من الأرض زيد في الشام] (1) وما نقص من
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2536)(1/55)
الشام زيد في فلسطين. وكان يقال: هي أرض المحشر والمنشر، وبها ينزل عيسى ابن مريم، عليه السلام، وبها يهلك المسيح الدجال.
وقال كعب الأحبار في قوله: { إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } إلى حران. " (1)
وعَنْ قَتَادَةَ،قَوْلُهُ:وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ كَانَا بِأَرْضِ الْعِرَاقِ،فَأُنْجِيَا إِلَى أَرْضِ الشَّامِ . وَكَانَ يُقَالُ لِلشَّامِ عِمَادُ دَارِ الْهِجْرَةِ،وَمَا نُقِصَ مِنَ الْأَرْضِ زِيدَ فِي الشَّامِ،وَمَا نُقِصَ مِنَ الشَّامِ زِيدَ فِي فِلَسْطِينَ . وَكَانَ يُقَالُ:هِيَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ،وَبِهَا مَجْمَعُ النَّاسِ،وَبِهَا يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ،وَبِهَا يُهْلِكُ اللَّهُ شَيْخَ الضَّلَالَةِ الْكَذَّابَ الدَّجَّالَ " (2)
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "ومعلوم أن إبراهيم إنما أنجاه الله ولوطاً إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والعراق". (3)
وقال الشنقيطي : " وما أشار إليه جل وعلا من أنه بارك العالمين في الأرض المذكورة ، التي هي الشام على قول الجمهور في هذه الآية بقوله : { إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } بينه في غير الموضع . كقوله : { وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا } [ الأنبياء : 81 ] الآية ، وقوله تعالى : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [ الإسراء : 1 ] الآية . ومعنى كونه ( بارك فيها ) . هو ما جعل فيها من الخصب والأشجار والأنهار والثمار . كما قال تعالى : { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض } [ الأعراف : 96 ] ومن ذلك أنه بعث أكثر الأنبياء منها .
وقال بعض أهل العلم : ومن ذلك أن كل ماء عذب أصل منبعه من تحت الصخرة التي عند بيت المقدس . وجاء في ذلك حديث مرفوع ، والظاهر أنه لا يصح . وفي قوله تعالى
__________
(1) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (5 / 353)
(2) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (22549 ) صحيح
(3) - إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى - (1 / 14)(1/56)
: { إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا } [ الأنبياء : 71 ] أقوال أخر تركناها لضعفها في نظرنا .
وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الفرار بالدين من دار الكفر إلى بلد يتمكن فيه الفار بدينه من إقامته دينه واجب . وهذا النوع من الهجرة وجوبه باق بلا خلاف بين العلماء في ذلك . " (1)
---------------
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى فِى الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ » (2) .
قال البيهقي : " فَهَذَا الْحَدِيثُ فِي النَّفْسِ لَا فِي النَّفَسِ . وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، " قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ " . مَعْنَى الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ الْهِجْرَةُ إِلَى الشَّامِ ، يُرَغِّبُ فِي الْمُقَامِ بِهَا وَهِيَ مُهَاجِرُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ تَعَالَى " . تَأْوِيلُهُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ خُرُوجَهُمْ إِلَيْهَا وَمُقَامُهُمْ بِهَا ، فَلَا يُوَفِّقُهُمْ لِذَلِكَ ، فَصَارُوا بِالرَّدِّ وَتَرْكِ الْقَبُولِ فِي مَعْنَى الشَّيْءِ الَّذِي تَقْذُرُهُ نَفْسُ الْإِنْسَانِ ، فَلَا تَقْبَلُهُ . وَذِكْرُ النَّفْسِ هَهُنَا مَجَازٌ وَاتِّسَاعٌ فِي الْكَلَامِ ، وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ " . قُلْتُ : وَالْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِلْمَذْكُورِينَ فِيهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " (3)
__________
(1) - أضواء البيان للشنقيطي - (4 / 239)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (2484 ) والفتح 11/380 حسن
(3) - الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ لِلْبَيْهَقِيِّ (918 )(1/57)
وقال ابن الأثير : " المهاجر : الموضع الذي يهاجر إليه ، ومهاجر إبراهيم خليل الله عليه السلام : هو الشام ، فأراد بالهجرة الثانية في قوله : «ستكون هجرة بعد هجرة» الهجرة إلى الشام ، يرغب في المقام بها.
لفظتهم : الأرض تلفظهم ، أي : تقذفهم كما ترمي اللفاظة من الفم.
تقذرهم نفس الله : معناه أن الله عز وجل يكره خروجهم إليها ومقامهم بها ، فلا يوفقهم لذلك ، فصاروا بالردة وترك القبول كالشيء الذي تقذره النفس فلا تقبله. " (1)
وقال ابن تيمية : "فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إبْرَاهِيمَ ؛ بِخِلَافِ مَنْ يَأْتِي إلَيْهِ أَوْ يَذْهَبُ عَنْهُ وَمُهَاجَرُ إبْرَاهِيمَ هِيَ الشَّامُ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بُشْرَى لِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ حَرَّانَ وَغَيْرِهَا (2) إلَى مُهَاجَرَ إبْرَاهِيمَ وَاتَّبَعُوا مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ وَدِينَ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَبَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْهِجْرَةَ الَّتِي لَهُمْ بَعْدَ هِجْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ،لِأَنَّ الْهِجْرَةَ إلَى حَيْثُ يَكُونُ الرَّسُولُ وَآثَارُهُ وَقَدْ جُعِلَ مُهَاجَرُ إبْرَاهِيمَ يَعْدِلُ لَنَا مُهَاجَرَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ إلَى مُهَاجَرِهِ انْقَطَعَتْ بِفَتْحِ مَكَّةَ ." (3)
--------------
وقال تعالى : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} (137) سورة الأعراف.
أَوْرَثَ اللهُ تَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ( وَهُمْ الذِينَ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ ، يَتَحَكَّمُ فِيهِمْ فِرْعَوْنُ بِجَوْرِهِ وَطُغْيَانِهِ ) مَشَارِقَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ وَمَغارِبِهَا ، وَهِيَ فِلَسْطِينُ ، التِي بَارَكَ اللهُ فِيهَا بِالخَصْبِ وَالخَيْرِ الكَثِيرِ . وَهَكَذا نَفَذَتْ كَلِمَة اللهِ الحُسْنَى تَامةً ، وَجَازَاهُمْ عَلَى صَبْرِهِمْ ،
__________
(1) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (9 / 349)
(2) - أشار ـ رحمه الله ـ لهجرة عائلته وغيرها من حران عندما هاجمها التتار يوم أن كان عمره ست سنوات.
(3) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (27 / 509)(1/58)
وَدَمَّرَ المَبَانِي ، وَخَرَّبَ المَزَارِعَ التِي كَانَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ قَدْ أَقَامُوهَا ، وَاسْتَصْلَحُوها وَعَرَشُوهَا . (1)
وفي التفسير الميسر : " وأررثنا بني إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلُّون للخدمة، مشارق الأرض ومغاربها(وهي بلاد "الشام") التي باركنا فيها، بإخراج الزروع والثمار والأنهار، وتمت كلمة ربك -أيها الرسول- الحسنى على بني إسرائيل بالتمكين لهم في الأرض; بسبب صبرهم على أذى فرعون وقومه، ودمَّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات والمزارع، وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور وغير ذلك." (2)
أي صارت مصر والشام تحت إمرة بني إسرائيل، وهي الأرض التي باركها الله، بالخصب، وبالنماء، بالزروع، بالثمار، بالحيوانات، وبكل شيء من مقومات الحياة، وترف الحياة: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ }.
{ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } أي استمرت عليهم الكلمة وتم وعد الله الصادق بالتمكين لبني إسرائيل في الأرض ونصره إياهم على عدوهم، واكتملت النعمة؛ لأن الله أهلك عدوهم وأورثهم الأرض، وتحققت كلمته سبحانه التي جاءت على لسان موسى:{ ...وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }[الأعراف: 129]
هكذا تمت كلمة الله بقوله سبحانه: { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } [الأعراف: 137]
ونعلم أن كلمة { مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } تقال بالنسبيات؛ فليس هناك مكان اسمه مشرق وآخر اسمه مغرب، لكن هذه اتجاهات نسبية؛ فيقال هذا مشرق بالنسبة لمكان ما، وكذلك يقال له " مغرب " بالنسبة لمكان آخر. وحين ينتقل الإِنسان إلى مكان آخر يوجد مشرق آخر ومغرب آخر. وعلى سبيل المثال نجد من يسكن في الهند واليابان يعلمون أن منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لهم مغرب، ومن يسكنون أوروبا يعرفون أن الشرق الأوسط بالنسبة لهم مشرق.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1092)
(2) - التفسير الميسر - (3 / 98)(1/59)
وقلنا من قبل: إن الحق حين جاء " بالمشرق والمغرب " بصيغة الجمع كما هنا فذلك إنما يدل على أن لكل مكان مشرقاً، ولكل مكان مغرباً؛ فإذا غربت الشمس في مكان فهي تشرق في مكان آخر. وفي رمضان نجد الشمس تغرب في القاهرة قبل الإسكندرية بدقائق.
ونعلم أن سبب هذه الدورة إنما هو ليبقى ذكر الله بكل مطلوبات الله في كل أوقات الله، مثال ذلك حين نصلى نحن صلاة الفجر نجد أناساً يصلون في اللحظة نفسها صلاة الظهر، ونجد آخرين يصلون صلاة العصر، وقوماً غيرهم يصلون صلاة المغرب، وغيرهم يصلي صلاة العشاء. وبذلك تحقق إرادة الله في أن هناك عبادة في كل وقت وفي كل لحظة، فحين يؤذن مسلم قائلاً " الله أكبر " لينادي لصلاة الفجر، هناك مسلم آخر يقول: " الله أكبر " مناديًّا لصلاة الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، وهذا هو الاختلاف في المطالع أراد به سبحانه أن يظل اسمه مذكوراً على كل لسان في كل مكان لتعلو " الله أكبر، الله أكبر " في كل مكان.
وأنت إذا حسبت الزمن بأقل من الثانية تجد أن كون الله لا يخلو من " لا إله إلا الله " أبداً: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى }. ونعلم أن كلمة " الحسنى " وصف للمؤنث، و" كلمة " مؤنثة، والكلمة هي قوله الحق:{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }[القصص: 5]
لقد قال الحق القصة بإيجاز، وهذه هي التي قالها ربنا وهي كلمة " الحسنى " لأنه سبحانه لم يعط لهم نعمة معاصرة لنعمة العدو، بل نعمة على أنقاض العدو، فهي نعمة تضم إهلاك عدوهم، ثم أعطاهم بعد ذلك أن جعلهم أئمة وهداة وورثهم الأرض: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ }. ... ... ...
وهم بالفعل قد صبروا على الإِيذاء الذي نالوه وذكره سبحانه من قبل حين قال:{ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ... }[البقرة: 49]
وجاء عقاب الله لقوم فرعون: }... وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ { [الأعراف: 137](1/60)
والتدمير هو أن تدرك شيئاً وتخربه، وقد ظل ما فعله الله بقوم فرعون باقيًّا في الآثار التي تدلك على عظمة ما فعلوا، وتجد العلماء في كل يوم يكتشفون تحت الأرض آثاراً كثيرة. ومن العجيب أن كل كشوف الآثار تكون تحت الأرض، ولا يوجد كشف أثري جاء من فوق الأرض أبداً.
وكلمة " دمرنا " تدلُّ على أن الأشياء المدمرة كانت عالية الارتفاع ثم جاءت عوامل التعرية لتغطيها، ويبقى الله شواهد منها لتعطينا نوع ما عمّروا؛ كالأهرام مثلاً. وكل يوم نكتشف آثاراً جديدة موجودة تحت الأرض مثلما اكتشفنا مدينة طيبة في وادي الملوك، وكانت مغطاة بالتراب بفعل عوامل التعرية التي تنقل الرمال من مكان إلى مكان. وأنت إن غبت عن بيتك شهراً ومع أنك تغلق الأبواب والشبابيك قبل السفر؛ ثم تعود فتجد التراب يغطي جميع المنزل والأثاث؛ كل ذلك بفعل عوامل التعرية التي تنفذ من أدق الفتحات، ولذلك لو نظرت إلى القرى القديمة قبل أن تنشأ عمليات الرصف التي تثبت الأرض نجد طرقات القرية التي تقود إلى البيوت ترتفع مع الزمن شيئاً فشيئاً وكل بيت تنزل به قليلاً، وكل فترة يردمون أرضية البيوت لتعلو، وكل ذلك من عوامل التعرية التي تزيد من ارتفاع أرضية الشوارع. وكل آثار الدنيا لا تكتشف إلا بالتنقيب، إذن فكلمة " دمرنا " لها سند. والحق يقول عن أبنية فرعون:{ وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ }[الفجر: 10]
ونجد الهرم مثلاً كشاهد على قوة البناء، وإلى الآن لم يكتشف أحد كيف تم بناء الهرم. وكيف تتماسك صخوره دون مادة كالأسمنت مثلاً، بل يقال: إن بناء الهرم قد تم بأسلوب تفريغ الهواء، ولا أحد يعرف كيف نقل المصريون الصخرة التي على قمة الهرم. إذن فقد كانوا على علم واسع. وإذا ما نظرنا إلى هذا العلم عمارة وآثاراً وتحنيطاً لجثث القدماء، إذا نظرت إلى كل هذا وعلمت أن القائمين به كانوا من الكهنة المنسوبين للدين، لتأكدنا أن أسرار هذه المسائل كلها كانت عند رجال الدين، وأصل الدين من السماء، وإن كان قد حُرِّف. وهذا يؤكد لنا أن الحق هو الذي هدى الناس من أول الخلق إلى واسع العلم.(1/61)
و" يعرشون" أي يقيمون جنات معروشات، وقلنا من قبل: إن الزروع مرة تكون على سطح الأرض وليس لها ساق ومرة يكون لها ساق، وثالثة يكون لها ساق لينة فيصنعون له عريشة أو كما نسميه نحن التكعيبة لتحمله وتحمل ثمرهُ." (1)
على أننا نحن البشر - الفانين المقيدين بالزمان - إنما نقول «قبل» و«بعد» لأننا نؤرخ للأحداث بوقت مرورها بنا وإدراكنا لها! لذلك نقول : إن استخلاف القوم الذين كانوا يستضعفون،كان متأخرا عن حادث الإغراق .. ذلك إدراكنا البشري .. فأما الوجود المطلق والعلم المطلق فما «قبل» عنده وما «بعد»؟!
والصفحة كلها معروضة له سواء ، مكشوفة لا يحجبها زمان ولا مكان .. وللّه المثل الأعلى. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ..
وهكذا يسدل الستار على مشهد الهلاك والدمار في جانب وعلى مشهد الاستخلاف والعمار في الجانب الآخر .. وإذا فرعون الطاغية المتجبر وقومه مغرقون ، وإذا كل ما كانوا يصنعون للحياة ، وما كانوا يقيمون من عمائر فخمة قائمة على عمد وأركان ، وما كانوا يعرشون من كروم وثمار .. إذا هذا كله حطام ، في ومضة عين ، أو في بضع كلمات قصار! مثل يضربه اللّه للقلة المؤمنة في مكة ، المطاردة من الشرك وأهله ورؤيا في الأفق لكل عصبة مسلمة تلقى من مثل فرعون وطاغوته ، ما لقيه الذين كانوا يستضعفون في الأرض ، فأورثهم اللّه مشارق الأرض ومغاربها المباركة - بما صبروا - لينظر كيف يعملون! (2)
--------------
وقوله تعالى في سورة الأنبياء: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ(81).
سَخَّرَ اللهُ تَعالى الرِّيحَ تَجْري بأَمْرِ سُلَيمَان حَيثُ يَشَاءُ عَاصِفَةً تَارَةً ، ورُخَاءً لَيِّنةً تَارَةً أُخْرى . وهُنا يَقُولُ تعالى إنَّها تَجْرِي إلى الأرضِ المُقَدَّسَةِ التي بَارَكَ اللهُ فيها . ثمَّ يَقُولُ
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 1079)
(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1360)(1/62)
تعالى إنَّه عَالِمٌ بِكُلِّ شيءٍ ، فَقَدْ آتَى سُليمانَ مَا آتاهُ لِما يَعْلَمُهُ في ذلكَ مِنَ المصْلَحَةِ والحِكْمَةِ . (1)
وسخَّرنا لسليمان الريح شديدة الهبوب تحمله ومَن معه، تجري بأمره إلى أرض "بيت المقدس" بـ "الشام" التي باركنا فيها بالخيرات الكثيرة، وقد أحاط علمنا بجميع الأشياء. (2)
والأرض التي بارك الله فيها هي أرض الشام . وتسخير الريح : تسخيرها لما تصلح له ، وهو سير المراكب في البحر . والمراد أنها تجري إلى الشام راجعة عن الأقطار التي خرجت إليها لمصالح مُلك سليمان من غزو أو تجارة بقرينة أنها مسخرة لسليمان فلا بد أن تكون سائرة لفائدة الأمة التي هُو مَلِكها .
وعلم من أنها تجري إلى الأرض التي بارك الله فيها أنها تخرج من تلك الأرض حاملة الجنود أو مصدّرة البضائع التي تصدرها مملكة سليمان إلى بلاد الأرض وتقفل راجعة بالبضائع والميرة ومواد الصناعة وأسلحة الجند إلى أرض فلسطين ، فوقع في الكلام اكتفاء اعتماداً على القرينة . وقد صرح بما اكتفى عنه هنا في آية سورة سبأ ( 12 ) { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر } ووصفها هنا ب عاصفة } بمعنى قوية . ووصفها في سورة ص ( 36 ) بأنها { رُخاء } في قوله تعالى : { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب } والرخاء : الليلة المناسبة لسير الفُلك . وذلك باختلاف الأحوال فإذا أراد الإسراع في السير سارت عاصفة وإذا أراد اللين سارت رُخاء ، والمقام قرينة على أن المراد المَواتاه لإرادة سليمان كما دل عليه قوله تعالى : تجري بأمره } في الآيتين المشعر باختلاف مقصد سليمان منها كما إذا كان هو راكباً في البحر فإنه يريدها رُخاء لئلا تزعجه وإذا أصدرت مملكتُه بضاعة أو اجتلبتها سارت عاصفة وهذا بيّن بالتأمل .
وعبر { بأمره } عن رغبته وما يلائم أسفار سفائنه وهي رياح مَوْسمية منتظمة سخرها الله له .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2483)
(2) - التفسير الميسر - (5 / 497)(1/63)
وأمر سليمان دعاؤه الله أن يُجري الريحَ كما يريد سليمانُ : إما دعوة عامة كقوله { وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } [ ص : 35 ] فيشمل كل ما به استقامة أمور المُلك وتصاريفه ، وإما دعوة خاصة عند كل سفر لمراكب سليمان فجعل الله الرياح الموسمية في بحار فلسطين مدة ملك سليمان إكراماً له وتأييداً إذا كان همه نشر دين الحقّ في الأرض .
وإنما جعل الله الريح تجري بأمر سليمان ولم يجعلها تجري لسفنه لأن الله سخر الريح لكل السفن التي فيها مصلحة مُلك سليمان فإنه كانت تأتيه سفن ( ترشيش ) يُظن أنها طرطوشة بالأندلس أو قرطجنة بإفريقية وسفن حيرام ملك صور حاملة الذهب والفضة والعاج والقِردة والطواويس وهدَايا الآنية والحلل والسلاح والطيب والخيل والبغال كما في الإصحاح 10 من سفر الملوك الأول ." (1)
وقال الطبري : " يقول تعالى ذكره(وَ) سخرنا(لِسُلَيْمانَ) بن داود( الرِّيحَ عَاصِفَةً ) وعصوفُها: شدة هبوبها؛( تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ) يقول: تجري الريح بأمر سليمان إلى الأرض التي باركنا فيها، يعني: إلى الشام، وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى منزله بالشام، فلذلك قيل:( إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا )." (2)
وقال ابن تيمية : " وَإِنَّمَا كَانَتْ تَجْرِي إلَى أَرْضِ الشَّامِ الَّتِي فِيهَا مَمْلَكَةُ سُلَيْمَانَ " (3)
---------------
وقال تعالى : {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} (18) سورة سبأ
َبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهَ تَعَالى مَا كَانَ لِسَبأٍ مِنْ نَعِيمٍ وَسَعَادَةٍ ، وَوَفْرَةِ رِزْقٍ فِي مَسَاكِنِهِمْ فِي اليَمَنِ ، ذَكَرَ تَعَالى هُنَا مَا كَانَ قَدْ مَنَّ بِهِ عَلَيهِمْ فِي مَسَالِكِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ ، فَكَانُوا يَمُرُّونَ فِي
__________
(1) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (9 / 269)
(2) - تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (18 / 481)
(3) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (27 / 506)(1/64)
أَراضٍ عَامِرَةٍ آمِنةٍ ، فِيها قَرىً ظاهِرَةٌ عَلى مَسَافَاتِ مُتَقَارِبَةِ ( قَدَّرْنَا فِيها السَّيرِ ) ، يَجِدُونَ فِيها المَاءَ والزَّادَ والعَلَفَ ، فَلا يَحْتَاجُونَ إِلى حَمْلِ زَادٍ وَلا مُؤُونَةٍ ، فَيَخْرُجُونَ صَبَاحاً من قَرْيَةٍ ، وَيَبِيتُونَ مَسَاءً فِي قريةٍ أُخْرَى ، إِلى أَنْ يَصِلُوا إِلى قُرَى الشَّامِ ( التي بَارَكْنا فِيها ) .
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالى إٍِنَّهُ قَالَ لَهُمْ : سِيرُوا فِي هذِهِ القُرى التِي تَقَعُ بَيْنَ اليَمَنِ ، وَبَيْنَ بِلادِ الشَّامِ ، لَيَالِيَ وأَيَّاماً لاَ تَخْشَوْنَ شَيْئاً مِنَ الجُوعِ أَوِ العَطَشِ أَوْ بَطْشِ الأَعْدَاءِ . (1)
وجعلنا بين أهل "سبأ" -وهم "باليمن"- والقرى التي باركنا فيها -وهي "الشام"- مُدنًا متصلة يُرى بعضها من بعض، وجعلنا السير فيها سيرًا مقدَّرًا من منزل إلى منزل لا مشقة فيه، وقلنا لهم: سيروا في تلك القرى في أيِّ وقت شئتم من ليل أو نهار، آمنين لا تخافون عدوًّا، ولا جوعًا ولا عطشًا. (2)
وقال الطبري : " يقول تعالى ذكره مخبرًا عن نعمته التي كان أنعمها على هؤلاء القوم الذين ظلموا أنفسهم: وجعلنا بين بلدهم وبين القرى التى باركنا فيها وهي الشام، قرى ظاهرة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (3)
وقال ابن كثير : " يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغِبْطة والنعمة، والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حَمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماء وثمرا، ويَقيل في قرية ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم؛ ولهذا قال تعالى: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } ، قال وهب بن منبه: هي قرى بصنعاء. وكذا قال أبو مالك.
وقال مجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، ومالك عن زيد بن أسلم، وقتادة، والضحاك، والسُّدِّي، وابن زيد وغيرهم : يعني: قرى الشام. يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3505)
(2) - التفسير الميسر - (7 / 394)
(3) - تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (20 / 386)(1/65)
وقال العوفي، عن ابن عباس: القرى التي باركنا فيها : بيت المقدس.
وقال العوفي، عنه أيضا: هي قرى عربية بين المدينة والشام.
{ قُرًى ظَاهِرَةً } أي: بينة واضحة، يعرفها المسافرون، يَقيلون في واحدة، ويبيتون في أخرى؛ ولهذا قال: { وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أي: جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون إليه، { سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ } أي: الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلا ونهارا. " (1)
-----------------
وقال تعالى : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) سورة الإسراء
يمجِّد الله نفسه ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، لا إله غيره، ولا رب سواه، فهو الذي أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم زمنًا من الليل بجسده وروحه، يقظة لا منامًا، من المسجد الحرام بـ "مكة" إلى المسجد الأقصى بـ "بيت المقدس" الذي بارك الله حوله في الزروع والثمار وغير ذلك، وجعله محلا لكثير من الأنبياء؛ ليشاهد عجائب قدرة الله وأدلة وحدانيته. إن الله سبحانه وتعالى هو السميع لجميع الأصوات، البصير بكل مُبْصَر، فيعطي كُلا ما يستحقه في الدنيا والآخرة. (2)
قال ابن تيمية : " فَهَذِهِ خَمْسُ آيَاتٍ نُصُوصٍ.و" الْبَرَكَةُ " تَتَنَاوَلُ الْبَرَكَةَ فِي الدِّينِ وَالْبَرَكَةَ فِي الدُّنْيَا.وَكِلَاهُمَا مَعْلُومٌ لَا رَيْبَ فِيهِ ." (3)
وسنفردها ببحث خاص ..
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (6 / 508)
(2) - التفسير الميسر - (4 / 496)
(3) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (27 / 44)(1/66)
أهل الشام معونة لغيرهم
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ،عَنْ أَبِيهِ الْآهِلِيِّ،فَخْذٌ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:أَوْ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَهُ يَقُولُ:"إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ مُغِيثَةٌ بِالشَّامِ الظَّهْرِ وَالضِّرْعِ كَمَا أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمِصْرَ مُغِيثَةٌ لِآلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ " وَأنْمَارٌ مِنْ كَهْلَانَ وَأنْمَارُ بْنُ أَرَاشِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بْنِ الْفِزْرِ بْنِ بِعْتِ بْنِ كَهْلَانَ " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأُلْهَانِيِّ ثُمَّ الْعَكِّيِّ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ بِالشَّامِ قَدَّمَهُمْ لِأَهْلِ الْيَمَنِ كَمَا قَدِمَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمِصْرَ لِآلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَلْهَانِيِّ،فَخِذٌ مِنَ الْأَشْعَرِيِينَ عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , أَوْ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَهُ قَالَ:"إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ مَغُوثَةً بِالشَّامِ بِالظَّهْرِ وَالضَّرْعِ كَمَا جَعَلَ يُوسُفَ بِمِصْرَ مَغُوثَةً لِأَهْلِهَا " (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ ( 2221 ) حسن لغيره
(2) - الْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ (2488 ) ومُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ(739) و الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ(6355 ) حسن لغيره
(3) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (6355 ) ومَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (3124 ) حسن لغيره(1/67)
الحثُّ على سكنى الشام
عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ،وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ،وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ "،قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ:خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ،فَقَالَ:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ،فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ،يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ،فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ،فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ،وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ،فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (1)
وعَنِ ابْنِ حَوَالَةَ،أَنَّهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً،جُنْدٌ بِالشَّامِ،وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ،وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ "،قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ:خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَاكَ،قَالَ:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ،فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ،يَجْتَبِي إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ،فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ،وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ،فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"سَيَكُونُ جُنْدٌ بِالشَّامِ،وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ "،فَقَالَ رَجُلٌ:فَخِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عَلَيْكَ بِالشَّامِ،عَلَيْكَ بِالشَّامِ - ثَلَاثًا،عَلَيْكَ بِالشَّامِ - فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ،وَلْيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ،فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّكُمْ سَتُجَنَّدُونَ أَجْنَادًا:جُنْدًا بِالشَّامِ،وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ،وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ "،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،خِرْ لِي ؟ قَالَ:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ،فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْقِ مِنْ غُدَرِهِ،فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّكُمْ سَتُجَنَّدُونَ أَجْنَادًا:جُنْدًا بِالشَّامِ،وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ،وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ "،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،خِرْ لِي ؟ قَالَ:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ،فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْقِ مِنْ غُدَرِهِ،فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (5)
__________
(1) - سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ (2165) صحيح
(2) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ( 16748 ) صحيح
(3) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (19949 ) صحيح
(4) - صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (7430 ) صحيح
(5) - صَحِيحُ ابْنِ حبان (7430 ) صحيح(1/68)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:يَكُونُ بِالشَّامِ جُنْدٌ وَبِالْعِرَاقِ جُنْدٌ وَبِالْيَمَنِ جُنْدٌ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ:خَرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (1) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا:جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ " فَقُلْتَ:خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ،وَلْيَسْتَقِ مِنْ غُدُرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (2)
وعن ابْنِ عُمَرَ،قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"تُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا " قَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ خِرْ لِي،قَالَ:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ،بِهَا خِيرَتُهُ مَنْ عِبَادِهِ،فَمَنْ رَغِبَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْتَقِ بِغُدَرِهِ،فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (3)
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ اللَّيْثِيُّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُجَنَّدُ النَّاسُ أَجْنَادًا،جُنْدًا بِالْيَمَنِ،وَجُنْدًا بِالشَّامِ،وَجُنْدًا بِالْمَشْرِقِ،وَجُنْدًا بِالْمَغْرِبِ " قَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنِّي فَتًى شَابٌّ فَلَعَلِّي أُدْرِكُ ذَلِكَ،فَأَيُّ ذَلِكَ تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ،فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ،يَسُوقُ إِلَيْهَا صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ،عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ،فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ،فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ " (4)
وعَنْ وَاثِلَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،وَهُمَا يَسْتَشِيرَانِهِ فِي الْمَنْزِلِ،فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّامِ،ثُمَّ سَأَلَاهُ فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّامِ،ثُمَّ سَأَلَاهُ فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّامِ،قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ،فَإِنَّهَا صَفْوَةُ بِلَادِ اللَّهِ،يُسْكِنُهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ،فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ،وَلْيَسْتَقِ مِنْ غُدُرِهِ،فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (5)
__________
(1) - الْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ ( 2419 ) وجَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (1070) صحيح
(2) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (283 ) صحيح
(3) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (223 ) صحيح
(4) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (3315 ) صحيح
(5) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (3316 ) صحيح(1/69)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ،قَالَ:كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:"وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى تُفْتَحَ لَكُمْ أَرْضُ فَارِسَ وَالرُّومِ،وَأَرْضُ حِمْيَرَ،وَحَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا ثَلَاثَةً:جُنْدًا بِالشَّامِ،وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ،وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ "،فَقُلْتُ:اخْتَرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ،قَالَ:"أَخْتَارُ لَكَ الشَّامَ،فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ،وَإِلَيْهَا يَجْتَبِي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ،فَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ،فَإِنَّ صَفْوَةَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ،وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (1)
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ:وَهُمَا يَسْتَشِيرَانِهِ فِي الْمَنْزِلِ فَأَوْمَى إِلَى الشَّامِ ثُمَّ سَأَلَاهُ،فَأَوْمَى إِلَى الشَّامِ،ثُمَّ سَأَلَاهُ فَأَوْمَى إِلَى الشَّامِ قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ،فَإِنَّهَا صَفْوَةُ بِلَادِ اللَّهِ يَسْكُنُهَا خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ،فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ،وَلْيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ،فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (2)
وعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ:دَخَلْنَا عَلَى وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ،فَقُلْنَا:حَدِّثْنَا حَدِيثًا،سَمِعْتُهُ مِنْ،رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:"سَمِعْتُ مُعَاذًا وَحُذَيْفَةَ يَسْتَشِيرَانِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَنْزِلِ فَأَوْمَى إِلَيْهِمَا بِالشَّامِ،ثُمَّ اسْتَشَارَاهُ فَأَوْمَى إِلَيْهِمَا بِالشَّامِ،ثُمَّ اسْتَشَارَاهُ فَأَوْمَى إِلَيْهِمَا بِالشَّامِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ:"عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ،فَإِنَّهَا صَفْوَةُ بِلَادِ اللَّهِ يَسْكُنُهَا خِيرَتُهُ مِنْ عِبَادِهِ،وَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْقِ بِغُدُرِهِ،فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - السُّنَنُ الْوَارِدَةُ فِي الْفِتَنِ (503 ) صحيح
(2) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ (16897 ) صحيح
(3) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (16898 ) صحيح(1/70)
الملائكة باسطة أجنحتها على الشام
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا حِينَ قَالَ:"طُوبَى لِلشَّامِ،طُوبَى لِلشَّامِ " قُلْتُ:مَا بَالُ الشَّامِ ؟ قَالَ:"الْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَجْنِحَتِهَا عَلَى الشَّامِ " (1)
وعن زَيْدَ بْنِ ثَابِتٍ،قَالَ:بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ إِذْ قَالَ:"طُوبَى لِلشَّامِ " قِيلَ:وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:"إِنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا " (2)
وعَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ،أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَنَحْنُ عِنْدَهُ:"طُوبَى لِلشَّامِ "،قَالَ:"إِنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ لَبَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِ " (3)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:كُنَّا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ،إِذْ قَالَ:"طُوبَى لِلشَّامِ " فَقِيلَ لَهُ:وَلِمَ ؟ قَالَ:"إِنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِمْ " (4)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ،إِذْ قَالَ:"طُوبَى لِلشَّامِ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . فَقُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ:"إِنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا " (5)
وعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ،أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شَمَّاسَةَ الْمَهْرَيَّ،أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ إِذْ قَالَ:طُوبَى لِلشَّامِ،قِيلَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَلِمَاذَا ؟ قَالَ:لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا " (6)
__________
(1) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (21148 ) صحيح لغيره
(2) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (21149 ) صحيح
(3) - صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (7428 ) صحيح
(4) - صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (2853 ) صحيح
(5) - مُسْنَدُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ (139 ) صحيح
(6) - مُصَنَّفُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ (19074 ) صحيح(1/71)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،قَالَ:كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " طُوبَى لِلشَّامِ " قُلْنَا:لِأَيِّ شَيْءٍ ذَلِكَ ؟ قَالَ:"لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِمْ " " (1)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ إِذْ قَالَ:"طُوبَى لِلشَّامِ "،قِيلَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ ذَاكَ وَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ:"إِنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا " (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2227 ) صحيح
(2) - مُصَنَّفُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ (31848 ) صحيح(1/72)
وقوع ستة أشياء قبل الساعة
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ:أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ:"عَوْفٌ ؟ ":فَقُلْتُ:نَعَمْ،فَقَالَ:"ادْخُلْ " قَالَ:قُلْتُ:كُلِّي أَوْ بَعْضِي ؟ قَالَ:"بَلْ كُلُّكَ " قَالَ:"اعْدُدْ يَا عَوْفُ،سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ،أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي " قَالَ:فَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسْكِتُنِي،قَالَ:قُلْتُ:إِحْدَى،" وَالثَّانِيَةُ:فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " قُلْتُ:اثْنَيْنِ،" وَالثَّالِثَةُ:مُوتَانٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي يَأْخُذُهُمْ مِثْلَ قُعَاصِ الْغَنَمِ قَالَ:ثَلَاثًا،وَالرَّابِعَةُ فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي،وَعَظَّمَهَا،قُلْ:أَرْبَعًا،وَالْخَامِسَةُ:يَفِيضُ الْمَالُ فِيكُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى الْمِائَةَ دِينَارٍ فَيَتَسَخَّطُهَا،قُلْ:خَمْسًا،وَالسَّادِسَةُ:هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ،فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً " قُلْتُ:وَمَا الْغَايَةُ ؟ قَالَ:"الرَّايَةُ،تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا،فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا:الْغُوطَةُ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا:دِمَشْقُ " (1)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِي:"عَوْفٌ " ؟ قُلْتُ:نَعَمْ،فَقَالَ:"ادْخُلْ،فَقُلْتُ:كُلِّي أَوْ بَعْضِي ؟ قَالَ:"بَلْ كُلُّكَ "،فَقَالَ لِي:"يَا عَوْفُ،اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ:أَوَّلُهُنَّ مَوْتَى " فَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ يُسْكِتُنِي،ثُمَّ قَالَ:"قُلْ إِحْدَى " قُلْتُ:إِحْدَى،" وَالثَّانِيَةُ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قُلِ:اثْنَتَيْنِ "،قُلْتُ:اثْنَتَيْنِ،" وَالثَّالِثَةُ مَوْتٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي،يَأْخُذَهُمْ مِثْلَ قُعَاصِ الْغَنَمِ،قُلْ:ثَلَاثًا "،قُلْتُ:ثَلَاثًا،" وَالرَّابِعَةُ فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي - يُعَظِّمُهَا - قُلْ:أَرْبَعًا "،قُلْتُ:أَرْبَعًا،" وَالْخَامِسَةُ:يُفِيضُ فِيكُمُ الْمَالُ فَيُعْطَى الرَّجُلُ الْمِائَةَ الدِّينَارِ فَيَسْخَطُهَا،قُلْ:خَمْسًا "،فَقُلْتُ:خَمْسًا،" وَالسَّادِسَةُ:هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ يَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ عَلَى ثَمَانِيَةِ غَايَةٍ،تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا،فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ " (2)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَقَالَ:"عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ؟ " فَقُلْتُ:نَعَمْ،فَقَالَ:"ادْخُلْ " فَقُلْتُ:أَكُلِّي أَوْ بَعْضِي ؟ فَقَالَ:"بَلْ كُلُّكَ " فَقَالَ
__________
(1) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (23442 ) صحيح
(2) - السُّنَنُ الْوَارِدَةُ فِي الْفِتَنِ لِلدَّانِي (430 ) صحيح(1/73)
لِي:"يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ:أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي "،وَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ يُسْكِتُنِي ثُمَّ قَالَ لِي:"قُلْ إِحْدَى " فَقَالَ:"وَالثَّانِيَةُ:فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قُلْ:ثِنْتَانِ " فَقُلْتُ:ثِنْتَانِ فَقَالَ:"وَالثَّالِثَةُ:مُوتَانٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي يَأْخُذَهُمْ مِثْلَ عِقَاصِ الْغَنَمِ قُلْ:ثَلَاثٌ " فَقُلْتُ:ثَلَاثٌ،فَقَالَ:"وَالرَّابِعَةُ:فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي وَعَظَّمَهَا " ثُمَّ قَالَ:"قُلْ:أَرْبَعٌ " فَقُلْتُ:أَرْبَعٌ،فَقَالَ:"وَالْخَامِسَةُ:يَفِيضُ فِيكُمُ الْمَالُ حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى الْمِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا قُلْ:خَمْسٌ " فَقُلْتُ:خَمْسٌ،فَقَالَ:"وَالسَّادِسَةُ:يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ هُدْنَةٌ فَيَسِيرُونَ عَلِيْكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا،فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا:الْغُوطَةُ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا:دِمَشْقُ " (1)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَقَالَ لِي:"يَا عَوْفُ " قُلْتُ:نَعَمْ،فَقَالَ لِي:"ادْخُلْ " فَقُلْتُ:أَكُلِّي أَوْ بَعْضِي ؟ قَالَ:"بَلْ كُلُّكَ " فَقَالَ:"يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي " فَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ يُسْكِتُنِي،ثُمَّ قَالَ لِي:"قُلْ إِحْدَى " فَقُلْتُ:إِحْدَى،قَالَ:"وَالثَّانِيَةُ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قُلْ ثِنْتَانِ " فَقُلْتُ:ثِنْتَانِ،فَقَالَ:"وَالثَّالِثَةُ مَوْتَانٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي تَأْخُذُهُمْ مِثْلَ قُعَاصِ الْغَنَمِ،قُلْ ثَلَاثٌ "،فَقُلْتُ:ثَلَاثٌ،فَقَالَ:"وَالرَّابِعَةُ فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي " وَعَظَّمَهَا ثُمَّ قَالَ:"قُلْ أَرْبَعٌ فَقُلْتُ:أَرْبَعٌ،قَالَ:"وَالْخَامِسَةُ يُفِيضُ فِيكُمُ الْمَالُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى الْمِئَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطُهَا،قُلْ خَمْسٌ " فَقُلْتُ:خَمْسٌ،قَالَ:"وَالسَّادِسَةُ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا،فَفُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ " (2)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَقَالَ:"عَوْفٌ ؟ ":قُلْتُ:نَعَمْ،قُلْتُ:أَدْخُلُ ؟،قَالَ:"نَعَمْ "،قُلْتُ:كُلِّي أَوْ بَعْضِي ؟،قَالَ:"كُلُّكَ "،ثُمَّ قَالَ:"اعْدُدْ يَا عَوْفُ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَوَّلُهُنَّ مَوْتَى "،قَالَ:"فَبَكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسْكِتُنِي وَاحِدَةً،وَالثَّانِيَةُ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ اثْنَتَيْنِ،وَالثَّالِثَةُ مَوَتَانٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي يَأْخُذُهُمْ
__________
(1) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (14013 ) صحيح
(2) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (908 ) صحيح(1/74)
كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ثَلَاثًا،وَالرَّابِعَةُ فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي،أَرْبَعًا قُلْتُ:أَرْبَعًا،وَالْخَامِسَةُ يَفِيضُ الْمَالُ،وَيَكْثُرُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطِي الْمِائَةَ فَيَتَسَخَّطُهَا خَمْسًا،وَالسَّادِسَةُ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ،وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَجْمَعُونَ لَكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً "،قُلْتُ:مَا الْغَايَةُ ؟،قَالَ:"الرَّايَةُ تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا "،فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ بِمَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا:دِمَشْقُ " (1)
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية :
" فقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ست علامات من علامات الساعة الصغرى،وقد وقع منها خمس علامات،وبقيت السادسة،والخمس التي وقعت هي:
1/ موت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
2/ فتح بيت المقدس،وكان ذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة السادسة عشرة من الهجرة النبوية،كما ذهب إلى ذلك أئمة السيرة،وقد ذهب عمر رضي الله عنه بنفسه إلى بيت المقدس وبنى فيها مسجداً في قبلة بيت المقدس،كما روى الإمام أحمد وحسنه أحمد شاكر عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ،وَأَبِي مَرْيَمَ،وَأَبِي شُعَيْبٍ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ بِالْجَابِيَةِ،فَذَكَرَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قَالَ:قَالَ أَبُو سَلَمَةَ:فَحَدَّثَنِي أَبُو سِنَانٍ،عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ،قَالَ:سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِكَعْبٍ:أَيْنَ تُرَى أَنْ أُصَلِّيَ ؟ فَقَالَ:إِنْ أَخَذْتَ عَنِّي صَلَّيْتَ خَلْفَ الصَّخْرَةِ،فَكَانَتِ الْقُدْسُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيْكَ،فَقَالَ عُمَرُ ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ،لاَ،وَلَكِنْ أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ فَكَنَسَ الْكُنَاسَةَ فِي رِدَائِهِ وَكَنَسَ النَّاسُ. (2) .
3/ كثرة الموت،وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : "موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم" وعقاص الغنم هو: داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. قال أبو عبيدة: ومنه أخذ
__________
(1) - الْبَحْرُ الزَّخَّارُ مُسْنَدُ الْبَزَّارِ (2378 ) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 156)(261) حسن(1/75)
الإقعاص وهو القتل مكانه. قال ابن حجر: ويقال إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس (1) .
وقال الشيخ يوسف الوابل في كتابه (أشراط الساعة): ففي سنة ثمان عشرة للهجرة على المشهور الذي عليه الجمهور وقع طاعون في كورة عمواس،ثم انتشر في أرض الشام فمات فيه خلق كثير من الصحابة رضي الله عنهم،ومن غيرهم. قيل: بلغ عدد من مات فيه خمسة وعشرون ألفاً من المسلمين،ومات فيه من المشهورين أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة رضي الله عنه.
4/ استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار،فيظل ساخطاً،وقد تحقق هذا في زمن عمر بن عبد العزيز فقد كثر المال في عهده،وفاض حتى كان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله منه،وسيكثر أيضاً في آخر الزمان حتى يعرض الرجل ماله،فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به،وذلك عند ظهور المهدي،ونزول عيسى عليه السلام،ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان: ... ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ:أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ،وَرُدِّي بَرَكَتَكِ،فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ،وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا،وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ،حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ،وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ،وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ،فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً،فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ،فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ،وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ،يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ،فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ. (2) .
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : تَقِيءُ الأَرْضُ أَفْلاَذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،قَالَ:فَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ:فِي هَذَا قُطِعْتُ،وَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ:فِي هَذَا قُتِلْتُ،وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ:فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي،وَيَدَعُونَهُ لاَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا. (3) .
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (6 / 278)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7560 )
(3) - صحيح ابن حبان - (15 / 90) (6697) وصحيح مسلم- المكنز - (2388)
الأفلاذ : جمع فلذ جمع فلذة وهى القطعة المقطوعة طولا والمراد تخرج كنوزها(1/76)
وروى مسلم وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلاً،فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ،وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ،وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ،وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلاَصُ فَلاَ يُسْعَى عَلَيْهَا وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ،وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلاَ يَقْبَلُهُ أَحَدٌ. (1) .
وهذه الاستفاضة للمال لم تقع بعد،لأنها تكون بعد ظهور المهدي،ونزول عيسى عليه السلام،وهذا ما لم يقع بعد.
5/ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته،وهي كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: والفتنة المشار إليها افتتحت بقتل عثمان،واستمرت الفتنة بعده. (2)
6/ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر،فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً،وهذه لم تقع بعد،وقد نص جماعة من أهل العلم على أنها لم تقع حتى زمنهم،منهم: ابن حجر وابن المنير. وقال: أما قصة الروم فلم تجتمع إلى الآن،ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد،فهي من الأمور التي لم تقع بعد،وفيه بشارة ونذارة،وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش،وفيه بشارة إلى أن عدد جيش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه.
ونحن نقول ما قاله ابن المنير.والله أعلم." (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 227) (6816) وصحيح مسلم- المكنز - (408)
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (6 / 278)
(3) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 4924) -رقم الفتوى 24896 معنى حديث "اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة.."تاريخ الفتوى : 15 رمضان 1423(1/77)
الشام أرض الملاحم الكبرى
عن عَوْفَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ،وَهْوَ فِى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ « اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ،مَوْتِى،ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ،ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا،ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ،ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِى الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ،فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً،تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا » صحيح البخارى (1) .
وعن عَوْفَ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ،قال : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ،وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ،فَقَالَ لِي : يَا عَوْفُ،اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ : مَوْتِي،ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،ثُمَّ مَوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَعُقَاصِ الْغَنَمِ،ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ فِيكُمْ،حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ،فَيَظَلُّ سَاخِطًا،ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ،ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ،فَيَغْدُرونَ،فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةٍ،اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ : فَذَاكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ شَيْخًا مِنْ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ : ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ الشَّيْخُ : أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ بِهَذِهِ السِّتَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَيَقُولُ : بَدَلَ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ : عِمْرَانُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ "المستدرك للحاكم (2)
وقال عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِى خِبَاءٍ مِنْ أَدَمٍ فَجَلَسْتُ بِفِنَاءِ الْخِبَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ادْخُلْ يَا عَوْفُ ». فَقُلْتُ بِكُلِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « بِكُلِّكَ ». ثُمَّ قَالَ « يَا عَوْفُ احْفَظْ خِلاَلاً سِتًّا بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ إِحْدَاهُنَّ مَوْتِى ». قَالَ فَوَجَمْتُ عِنْدَهَا وَجْمَةً شَدِيدَةً. فَقَالَ « قُلْ إِحْدَى ثُمَّ فَتْحُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز (3176 ) -العِقاص : داء يأخذ الدواب -الغاية : الراية
(2) - المستدرك للحاكم (8295) صحيح
-الوجوم : السكوت مع الهَمِّ والكآبة والحزن -القُعاص : داء يأخذ الغَنم لا يُلْبِثُها أن تموت - السخط : الغضب أو كراهية الشيء وعدم الرضا به - الغاية : الراية ، سميت بذلك لأنها غاية المتَّبِع إذا وقفت وقف وإذا مشت مشى(1/78)
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ دَاءٌ يَظْهَرُ فِيكُمْ يَسْتَشْهِدُ اللَّهُ بِهِ ذَرَارِيَّكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ وَيُزَكِّى بِهِ أَمْوَالَكُمْ ثُمَّ تَكُونُ الأَمْوَالُ فِيكُمْ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلَّ سَاخِطًا وَفِتْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ لاَ يَبْقَى بَيْتُ مُسْلِمٍ إِلاَّ دَخَلَتْهُ ثُمَّ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِى الأَصْفَرِ هُدْنَةٌ فَيَغْدِرُونَ بِكُمْ فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ فِى ثَمَانِينَ غَايَةٍ تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا »سنن ابن ماجه. (1)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ،وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ،إِذْ مَرَرْتُ،فَسَمِعَ صَوْتِي،فَقَالَ : يَا عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ،ادْخُلْ،فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَكُلِّي أَمْ بَعْضِي ؟ فَقَالَ : بَلْ كُلُّكَ،قَالَ : فَدَخَلْتُ،فَقَالَ : يَا عَوْفُ،اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ،فَقُلْتُ : مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَوْتُ رَسُولِ اللَّهِ،فَبَكَى عَوْفٌ،ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قُلْ : إِحْدَى،قُلْتُ : إِحْدَى،ثُمَّ قَالَ : وَفَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قُلِ : اثْنَيْنِ،قُلْتُ : اثْنَيْنِ،قَالَ : وَمَوْتٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي كَعُقَاصِ الْغَنَمِ،قُلْ : ثَلاثٌ،قُلْتُ : ثَلاثٌ،قَالَ : وَتُفْتَحُ لَهُمُ الدُّنْيَا حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ الْمِائَةَ،فَيَسْخَطَهَا،قُلْ : أَرْبَعٌ،قُلْتُ : أَرْبَعٌ،وَفِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ بَيْتَهُ،قُلْ : خَمْسٌ،قُلْتُ : خَمْسٌ،وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ،يَأْتُونَكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةٍ،كُلُّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا،ثُمَّ يَغْدِرُونَ بِكُمْ،حَتَّى حَمْلِ امْرَأَةٍ قَالَ : فَلَمَّا كَانَ عَامَ عَمْوَاسَ،زَعَمُوا أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ لِي : اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ،فَقَدْ كَانَ مِنْهُنَّ الثَّلاثُ،وَبَقِيَ الثَّلاثُ،فَقَالَ مُعَاذٌ : إِنَّ لِهَذَا مُدَّةً،وَلَكِنْ خَمْسٌ أَظْلَلْنَكُمْ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُنَّ شَيْئًا،ثُمَّ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ،فَلْيَمُتْ : أَنْ يَظْهَرَ التَّلاعُنُ عَلَى الْمَنَابِرِ،وَيُعْطَى مَالُ اللَّهِ عَلَى الْكَذِبِ،وِالْبُهْتَانِ،وَسَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ،وَتُقْطَعُ الأَرْحَامُ،وَيُصْبِحُ الْعَبْدُ لاَ يَدْرِي أَضَالٌّ هُوَ أَمْ مُهْتِدٍ "المستدرك للحاكم (2)
وعَنْ بُسْرِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ،حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ،حَدَّثَنِي عَوْفُ بن مَالِكٍ،قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي خَيْمَةٍ مِنْ أَدَمٍ،فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا مَكِينًا،فَقَالَ:"يَا عَوْفُ،اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ", قُلْتُ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"مَوْتِي"،قَالَ: فَوَجَمْتُ لَهَا،قَالَ:"قُلْ
__________
(1) - سنن ابن ماجه- المكنز (4178 ) صحيح -الأدم : جمع أديم وهو الجلد المدبوغ -الغاية : الراية
(2) - المستدرك للحاكم (8303) صحيح(1/79)
إِحْدَى", قُلْتُ: إِحْدَى ,"والثَّانِيَةُ: فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،وَالثَّالِثَةُ: مُوتَانٌ فِيكُمْ كَنُعَاسِ الْغَنَمِ،وَالرَّابِعَةُ: إِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلَّ يَسْخَطُهَا،ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتُ مِنَ الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ،وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بني الأَصْفَرِ،ثُمَّ يَغْدِرُونَ،فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً،كُلُّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا"المعجم الكبير للطبراني. (1)
وعَنْ عَوْفِ بن مَالِكٍ،قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بناءٍ لَهُ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَقَالَ:"عَوْفُ بن مَالِكٍ؟", فَقُلْتُ: نَعَمْ،فَقَالَ:"ادْخُلْ"،فَقُلْتُ: أَكُلِّي أَوْ بَعْضِي؟ , فَقَالَ:"بَلْ كُلُّكَ"،فَقَالَ لِي:"يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي"،وَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ يُسْكِتُنِي،ثُمَّ قَالَ لِي:"قُلْ إِحْدَى"،فَقَالَ:"وَالثَّانِيَةُ: فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قُلْ: ثِنْتَانِ"،فَقُلْتُ: ثِنْتَانِ , فَقَالَ:"وَالثَّالِثَةُ: مُوتَانٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي يَأْخُذَهُمْ مِثْلَ عِقَاصِ الْغَنَمِ قُلْ: ثَلاثٌ", فَقُلْتُ: ثَلاثٌ،فَقَالَ:"وَالرَّابِعَةُ: فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي وَعَظَّمَهَا"،ثُمَّ قَالَ:"قُلْ: أَرْبَعٌ", فَقُلْتُ: أَرْبَعٌ،فَقَالَ:"وَالْخَامِسَةُ: يَفِيضُ فِيكُمُ الْمَالُ حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى الْمِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا قُلْ: خَمْسٌ"فَقُلْتُ: خَمْسٌ،فَقَالَ:"وَالسَّادِسَةُ: يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بني الأَصْفَرِ هُدْنَةٌ فَيَسِيرُونَ عَلِيْكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا،فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ،يُقَالُ لَهَا: الْغُوطَةُ فِي مَدِينَةٍ،يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ"المعجم الكبير للطبراني. (2)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ « عَوْفٌ ». فَقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ « ادْخُلْ ». قَالَ قُلْتُ كُلِّى أَوْ بَعْضِى قَالَ « بَلْ كُلُّكَ ». قَالَ « اعْدُدْ يَا عَوْفُ سِتًّا بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَوَّلُهُنَّ مَوْتِى ». قَالَ فَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسْكِتُنِى. قَالَ قُلْتُ إِحْدَى. « وَالثَّانِيَةُ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ». قُلْتُ اثْنَيْنِ. « وَالثَّالِثَةُ مُوتَانٌ يَكُونُ فِى أُمَّتِى يَأْخُذُهُمْ مِثْلَ قُعَاصِ الْغَنَمِ ». قَالَ ثَلاَثاً. « وَالرَّابِعَةُ فِتْنَةٌ تَكُونُ فِى أُمَّتِى - وَعَظَّمَهَا - قُلْ أَرْبَعاً وَالْخَامِسَةُ يَفِيضُ الْمَالُ فِيكُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى الْمِائَةَ دِينَارٍ فَيَتَسَخَّطُهَا قُلْ خَمْساً وَالسَّادِسَةُ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِى الأَصْفَرِ فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ عَلَى
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (12 / 400) (14500 ) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (12 / 402) (14502 ) صحيح(1/80)
ثَمَانِينَ غَايَةً ». قُلْتُ وَمَا الْغَايَةُ قَالَ « الرَّايَةُ تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِى أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ فِى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ » مسند أحمد (1) .
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِى خِدْرٍ لَهُ فَقُلْتُ أَدْخُلُ فَقَالَ « ادْخُلْ ». قُلْتُ أَكُلِّى قَالَ « كُلُّكَ ». فَلَمَّا جَلَسْتُ قَالَ « أَمْسِكْ سِتًّا تَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ أَوَّلُهُنَّ وَفَاةُ نَبِيِّكُمْ - قَالَ فَبَكَيْتُ. قَالَ هُشَيْمٌ وَلاَ أَدْرِى بِأَيِّهَا بَدَأَ - ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِتْنَةٌ تَدْخُلُ بَيْتَ كُلِّ شَعَرٍ وَمَدَرٍ وَأَنْ يَفِيضَ الْمَالُ فِيكُمْ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَتَسَخَّطَهَا وَمُوتَانٌ يَكُونُ فِى النَّاسِ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ - قَالَ - وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِى الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ بِكُمْ فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ فِى ثَمَانِينَ غَايَةً - وَقَالَ يَعْلَى فِى سِتِّينَ غَايَةً - تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً »مسند أحمد (2) .
وقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِى الْعَاتِكَةِ : إِنَّمَا قَالَ كُلِّى مِنْ صِغَرِ الْقُبَّةِ."السنن الكبرى للبيهقي (3)
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "قوله: "غاية"؛ أي: راية،وسميت بذلك لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف". قال: "وجملة العدد المشار إليه تسعمائة ألف وستون ألفا،ولعل أصله ألف ألف،فألغيت كسوره. قال المهلب : فيه أن الغدر من أشراط الساعة،وفيه أشياء
__________
(1) - مسند أحمد - المكنز (24712) صحيح
الغاية : الراية -الفسطاط : الخيمة -القعاص : داء يأخذ الغنم لا يلبثها أن تموت
(2) - مسند أحمد - المكنز (24723) صحيح لغيره
الغاية : الراية -القعاص : داء يأخذ الغنم لا يلبثها أن تموت -الْمدر : القرى والأمصار واحدتها مدرة
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( وَهُوَ فِي قُبَّة ) : أَيْ خَيْمَة صَغِيرَة ( مِنْ أَدَم ) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنْ جِلْد ( فَرَدَّ ) : أَيْ السَّلَام
( وَقَالَ ) : أَيْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ( اُدْخُلْ ) : فِي الْقُبَّة ( فَقُلْت أَكُلِّي يَا رَسُول اللَّه قَالَ كُلُّك ) : قَالَ الطِّيبِيُّ : يَجُوز فِيهِ الرَّفْع وَالنَّصْب ، وَالتَّقْدِير أَيَدْخُلُ كُلِّي فَقَالَ كُلّك يَدْخُل أَوْ أَدْخُل كُلِّي فَقَالَ أَدْخُل كُلّك اِنْتَهَى . وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَجْلِ صِغَر الْقُبَّة كَمَا فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة وَفِيهِ أَنَّهُ كَمَا كَانَ يُمَازِح الصَّحَابَة كَذَلِكَ كَانُوا يُمَازِحُونَهُ . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَابْن مَاجَهْ مُطَوَّلًا وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبُخَارِيّ قِصَّة الدُّخُول .
( إِنَّمَا قَالَ أَدْخُل كُلِّي ): قَالَ الْقَارِي : بِمُتَكَلِّمٍ ثُلَاثِيّ وَفِي نُسْخَة يَعْنِي مِنْ الْمِشْكَاة مِنْ الْمَزِيد ( مِنْ صِغَر الْقُبَّة ) : أَيْ مِنْ أَجْل صِغَرهَا . عون المعبود - (11 / 38)
(3) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (10 / 248) (21703) حسن مقطوع(1/81)
من علامات النبوة قد ظهر أكثرها. وقال ابن المنير : أما قصة الروم فلم تجتمع إلى الآن،ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد؛ فهي من الأمور التي لم تقع بعد. وفيه بشارة ونذارة،وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش،وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه". انتهى (1) .
وقال ابن حجر أيضا: "والسادسة لم تجئ بعد".
قلت: ولم تقع إلى الآن،وستقع بلا شك،والله أعلم متى تكون.
قال المهلب: فى هذا الحديث علامات النبوة،وأن الغدر من أشراط الساعة،وفى الآية دليل أن الرسول معصوم من مكر الخديعة طول أيامه،وليس ذلك لغيره - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن الله قال: {والله يعصمك من الناس} وأجمع المسلمون أنه معصوم فى الرسالة،وقد عصم من مكر الناس وغدرهم له.
وقوله:« كقعاص الغنم »قال صاحب العين: « القعاص » : هو داء يأخذ الدواب،فيسيل من أنوفها شيء،وقد قعصت الدابة.
والغاية هاهنا: الراية؛ لأنها غاية المتبع،إذا وقفت وقف،وإذا مشت تبعها. وهذه العلامات التى أنذر - صلى الله عليه وسلم - بها قد ظهر كثير منها،والفتنة لم تزل من زمن عثمان - عصمنا الله من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن - وقد دعا - صلى الله عليه وسلم - ألا يجعل بأس أمته بينهم فمنعها. فلم يزل الهرج إلى يوم القيامة. (2)
في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية،منها:
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (6 / 278)
(2) - شرح ابن بطال - (9 / 438)
وانظر : فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 2391) رقم الفتوى 22348 بعض علامات الساعة تاريخ الفتوى : 09 رجب 1423
وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 4924) رقم الفتوى 24896 معنى حديث "اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة.." تاريخ الفتوى : 15 رمضان 1423
وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 6439) رقم الفتوى 36791 علامات الساعة الصغرى والكبرى تاريخ الفتوى : 04 رجب 1424(1/82)
أولا: من تاريخ الدعوة: ذكر غزوة تبوك:
ظهر في الحديث ذكر غزة تبوك؛ لقول عوف بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك،وهو في قبة من أدم"،وغزوة تبوك غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السنة التاسعة للهجرة،وقد أمر أصحابه قبل الغزو بالتهيؤ لغزو الروم،وذلك في زمان عسرة من الناس،وشدة من الحر،وجدب من البلاد،وحين طابت الثمار،فالناس يحبون المقام في ثمارهم،ويكرهون مفارقتها،وهذا فيه امتحان وابتلاء،فقد أظهر الله المنافقين لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ،وظهر صدق أهل الإيمان والتقوى،فتخلف خلق كثير من المنافقين،وغزى بشر كثير من المؤمنين،ثم أعز الله أهل الإيمان وكفاهم القتال،وأخزى الله المنافقين وفضحهم،أسأل الله لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة .
ثانيا: من أسباب تحصيل العلم: زيارة العلماء:
دل هذا الحديث على أن من أسباب تحصيل العلم زيارة العلماء،للأخذ عنهم؛ لأن عوف بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: « أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك،وهو في قبة من أدم فقال: "اعدد ستا بين يدي الساعة . . »،ثم عد له النبي - صلى الله عليه وسلم - علامات الساعة المذكورة في هذا الحديث،فلو لم يزر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويذهب إليه ما حصل على هذا العلم،وهذا يؤكد على طالب العلم أن يعتني بزيارة العلماء في الأوقات المناسبة،ويلازمهم للاستفادة من علمهم؛ ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله:
أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء،وحرص،واجتهاد،وبلغة ... وصحبة أستاذ،وطول زمان
ثالثا: من أساليب الدعوة: استخدام العدد إجمالا ثم تفصيلا:
ظهر في هذا الحديث أسلوب ذكر العدد إجمالا ثم تفصيلا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعوف بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « اعدد ستا بين يدي الساعة »،وهذا فيه إجمال يشد الانتباه؛ للتشوق إلى ذكر هذه الست تفصيلا،ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : « موتي ثم فتح بيت المقدس،ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم،ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل(1/83)
ساخطا » . . . " فينبغي العناية بهذا الأسلوب عند الحاجة لذكره في الدعوة إلى الله - صلى الله عليه وسلم - .
رابعا: من موضوعات الدعوة: بيان علامات الساعة:
إن بيان علامات الساعة من الموضوعات التي ينبغي للداعية أن يعتني بها في دعوته إلى الله عز وجل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث لعوف بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « اعدد ستا بين يدي الساعة » فدل ذلك على أهمية بيان علامات الساعة للناس اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - . وعلامات الساعة تدل على اقتراب القيامة،فإذا ذكر الداعية بعض هذه العلامات؛ فإن فيها التحذير من الغفلة والحض على الإقبال علي الله عز وجل؛ قال الله عز وجل: { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } .
وقد قسم العلماء أشراط الساعة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما وقع وانقضى على وفق ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . والقسم الثاني: ما وقعت مباديه ولا يزال يزداد ويتتابع ويكثر. والقسم الثالث: ما لم يظهر إلى الآن وهي العلامات الكبرى،فأما القسمان الأولان فهما من أشراط الساعة الصغرى،ومن ذلك بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وموته،وفتح بيت المقدس،وطاعون عمواس،واستفاضة المال وكثرته،وظهور الفتن،وظهور مدعي النبوة،وظهور نار الحجاز،وقتال الترك والعجم،وضياع الأمانة،وقبض العلم وظهور الجهل،وانتشار الزنا والربا،وظهور المعازف وشرب الخمر،والتطاول في البنيان،وكثرة القتل،وتقارب الزمان،وتقارب الأسواق،وظهور الفحش وقطيعة الرحم وكثرة الشح،وكثرة الزلازل،وأن تكون التحية للمعرفة،وظهور الكاسيات العاريات،وكثرة الكذب،وعدم التثبت في نقل الأخبار،وكلام الجماد والسباع للإنس . . . وغير ذلك من العلامات.
وأما القسم الثالث الذي لم يظهر منها: فالدخان،وخروج المسيح الدجال وخروج الدابة،وطلوع الشمس من مغربها،وظهور المهدي،ونزول عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - ،وخروج يأجوج ومأجوج،وثلاثة خسوفات: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب،وخسف بجزيرة العرب،وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. فينبغي للداعية أن(1/84)
يبين للناس علامات الساعة في الأوقات المناسبة؛ لما في ذلك من الحث على الاستقامة،والتخويف الجالب للمسارعة إلى الخيرات.
خامسا: من معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - : الإخبار بالمغيبات:
دل هذا الحديث على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه أخبر بأمور غيبية وقعت كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - ،قال لعوف بن مالك : « اعدد ستا بين يدي الساعة »،ثم ذكر موته؛ وفتح بيت المقدس،والموتان: وهو طاعون عمواس،واستفاضة المال وفتنة لا يبقى بيت إلا دخلته - وهي ما وقع من قتل عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،وغدر الروم. وقد ذكر ابن حجر رحمه الله: "أن هذه العلامات قد خرجت كلها إلا قصة الروم فلم تقع إلى الآن"،وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "هذا من علامات النبوة؛ فإن هذا كله قد وقع،أما الخمس الأولى فقد وقعت،وأما السادسة،وهي تجمعات الروم فيحتمل أن يكون ما حصل في عهد عمر وعثمان من تجمعات،ويحتمل أن يكون ذلك هو الذي في آخر الزمان"،وهذا كله يؤكد صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدل على معجزاته العظيمة التي جعلها الله من علامات نبوته. .
سادسا: من أساليب الدعوة: الموعظة الحسنة:
ظهر في هذا الحديث ترغيب وترهيب،لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن هدنة تكون بين المسلمين والروم،فيغدر الروم ويأتون تحت ثمانين راية،تحت كل راية اثنا عشر ألفا،فيكون عددهم تسعمائة وستين ألفا،وهذا جيش عظيم،قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: "وفيه بشارة ونذارة،وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش،وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه"،ولا شك أن الموعظة الحسنة: هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب،والقول الحق الذي يلين القلوب،ويؤثر في النفوس،ويكبح جماح النفوس المتمردة،ويزيد النفوس المهذبة إيمانا وهداية. .(1/85)
فينبغي للداعية أن يستخدم هذا الأسلوب النافع مع المدعوين؛ ليحصل النفع التام بإذن الله عز وجل؛ ولأهمية الموعظة الحسنة قال الله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا }،وينبغي للداعية يكون وعظه للناس على نوعين:
وعظ التعليم: ويكون ببيان عقائد التوحيد،وبيان الأحكام الشرعية الخمسة: من الواجب،والحرام،والمسنون،والمكروه،والمباح،ويراعي ذلك كله ما يناسب كل طبقة،ويسوق إلى الناس التعليم مساق الوعظ الذي يلين القلوب،ويبعثها على العمل،ولا يسرد سردا خاليا من وسائل التأثير.
وعظ التأديب: ويكون بتحديد الأخلاق الحسنة: كالحلم،والأناة،والكرم،والصبر،وبيان آثارها ومنافعها في المجتمع،والحث على التخلق بها،والتزامها،وتحديد الأخلاق السيئة: كالغضب،والعجلة،والغدر،والجزع،والبخل . . والتحذير عن الاتصاف بها عن طريق: الترغيب والترهيب،ويتأكد على الداعية أن يستشهد في ذلك كله بما جاء فيه من الكتاب والسنة الثابتة،وآثار الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،والتابعين والأئمة المجتهدين،وأحوالهم في ذلك فإن لهذا شأنا عظيما يوصل إلى الغاية المقصودة متى صدر من قلب سليم متخلق بما يدعو إليه. والله المستعان.
سابعا: من أصناف المدعوين: النصارى: إن هذا الحديث دل على أن من أصناف المدعوين النصارى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بقتال المسلمين لهم،ولهم طرق في دعوتهم ينبغي للداعية أن يلتزمها مراعاة لعقيدتهم وأحوالهم . (1)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سِتٌّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ : مَوْتِي،وَفَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،وَمَوْتٌ يَأْخُذُ فِي النَّاسِ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ،وَفِتْنَةٌ يَدْخُلُ حَرْبُهَا بَيْتَ كُلِّ مُسْلِمٍ،وَأَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ أَلْفَ دِينَارٍ فَيَتَسَخَّطَهَا،وَأَنْ تَغْدِرَ الرُّومُ فَيَسِيرُونَ فِي ثَمَانِينَ بَنْدًا،تَحْتَ كُلِّ بَنْدٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا."مسند أحمد (2)
__________
(1) - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - (4 / 89) فما بعد
(2) - مسند أحمد - المكنز - (22640) والصحيحه ( 1883 ) وصحيح الجامع ( 3608) صحيح لغيره
البند : العلم الكبير -القعاص : داء يأخذ الغنم لا يلبثها أن تموت(1/86)
( قعص ) القَعْصُ والقَعَصُ القَتْل المُعَجَّل والقَعْصُ المَوْت الوَحِيّ يقال مات فلان قَعْصاً إِذا أَصابته ضَرْبَةٌ أَو رَمْيَةٌ فمات مكانَه والإِقْعاصُ أَن تضربَ الشيء أَو ترْميَه فيموت مكانَه وضرَبَه فأَقْعَصَه أَي قتَله مكانه وفي الحديث مَنْ خَرَجَ مجاهِداً في سبيل اللّه فقُتل قَعْصاً فقد استوجب المَآبَ قال الأَزهري عَنى بذلك قوله عز وجل وإِن له عندنا لَزُلْفَى وحُسْنَ مآب فاختصر الكلام وقال ابن الأَثير أَرادَ بوُجُوب المآب حُسْنَ المَرْجع بعد الموت يقال قَعَصْته وأَقْعَصْته إِذا قَتَلْتَه قَتْلاً سريعاً أَبو عبيد القَعْصُ أَن يُضْرَب الرجلُ بالسلاح أَو بغيره فيموتَ مكانَه قبل أَن يَرِيمَه ومنه حديث الزبير كان يَقعَصُ الخيل بالرُّمْح قَعْصاً يوم الجمَل قال ومنه حديث ابن سبرين أَقْعَصَ ابْنا عَفْراءَ أَبا جهل وقد أَقْعَصَه الضاربُ إِقْعاصاً وكذلك الصيد وأَقْعَصَ الرجلَ أَجْهَزَ عليه والاسم منها القِعْصة عن ابن الأَعرابي وأَنشد لابن زُنَيم هذا ابنُ فاطِمةَ الذي أَفْناكُمُ ذَبْحاً ومِيتَةَ قِعْصَةٍ لم تُذْبَح وأَقْعَصَه بالرُّمْح وقَعَصَه طعَنَه طَعْناً وَحِيّاً وقيل حَفَزَه وشاة قَعُوصٌ تضرِب حالِبَها وتمنع الدِّرّةَ قال قَعُوصُ شَوِيٍّ دَرُّها غيرُ مُنْزَلِ وما كانت قَعُوصاً ولقد قَعِصَتْ وقُعِصَتْ قَعْصاً والقُعَاصُ داءٌ يأْخذ في الصَّدْر كأَنه يَكْسِر العُنُق والقُعَاصُ داءٌ يأْخذ الدوابّ فيَسِيل من أُنوفِها شيءٌ وقد قُعِصَت والقُعَاصُ داء يأْخذ الغنم لا يُلْبِثُها أَن تموتَ وفي الحديث في أَشراط الساعة ومُوتانٌ يكون في الناس كقُعَاصِِ الغَنَمِ وقد قُعِصَت فهي مَقْعُوصَةٌ قال ومنه أُخِذَ الإِقعاصُ في الصيد فيرمى فيه فيموت مكانه (1) .
وقوله: "حربها": قال ابن الأثير : " (الحرب)؛ بالتحريك: نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له ".. وقال الخطابي : " (الحرب): ذهاب المال والأهل،يقال: حرب الرجل فهو حريب: إذا سلب أهله وماله. و (البند): العلم الكبير،فارسي معرب،قاله الجوهري وغيره من أهل اللغة،وجمعه بنود". قال ابن منظور : " و(البند): كل علم من الأعلام،وفي المحكم من أعلام الروم يكون للقائد تحت كل علم عشرة آلاف رجل أو أقل أو أكثر" (2) .
__________
(1) -
لسان العرب - (7 / 78)
(2) - لسان العرب - (3 / 94) و(3 / 97)(1/87)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهُوَ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا مَكِيثًا،فَرَفَعَ رَأْسَهُ،فَنَظَرَ إِلَىَّ،فَقَالَ: سِتٌّ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الأُمَّةُ،مَوْتُ نَبِيِّكُمْ،عليه السلام،فَكَأَنَّمَا انْتَزَعَ قَلْبِى مِنْ مَكَانِهِ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَاحِدَةٌ [قَالَ]: وَيَفِيضُ الْمَالُ فِيكُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يعطى عَشَرَةَ آلافٍ،فَيَظَلُّ يَتَسَخَّطُهَا،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ثِنْتَيْنِ،قَالَ: وَفِتْنَةٌ تَدْخُلُ بَيْتَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ثَلاَثٌ،قَالَ: وَمَوْتٌ كعقاص الْغَنَمِ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَرْبَعٌ،وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ،وَبَيْنَ بَنِى الأَصْفَرِ فيَجْمَعُونَ لَكُمْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَقَدْرِ حَمْلِ الْمَرْأَةِ،ثُمَّ يَكُونُونَ أَوْلَى بِالْغَدْرِ مِنْكُمْ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَمْسٌ،قَالَ: وَفَتْحُ مَدِينَةٍ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : سِتٌّ،قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَىُّ مَدِينَةٍ؟ قَالَ: قَسْطَنْطِيْنِيَّةُ."مسند أحمد (1)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ : اسْتَأْذَنْت عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : ادْخُلْ،قُلْتُ : فَأَدْخُلُ كُلِّي،أَوْ بَعْضِي،قَالَ : ادْخُلْ كُلَّك،فَدَخَلْت عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا مَكِيثًا،فَقَالَ : يَا عَوْفَ بْنَ مَالِكَ،سِتٌّ قَبْلَ السَّاعَةِ مَوْتُ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - خُذْ إحْدَى،فَكَأَنَّمَا انْتُزِعَ قَلْبِي مِنْ مَكَانِهِ،وَفَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَوْتٌ يَأْخُذُكُمْ تُقْعَصُونَ بِهِ كَمَا تُقْعَصُ الْغَنَمُ،وَأَنْ يَكْثُرَ الْمَالُ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطُهَا،وَفَتْحُ مَدِينَةِ الْكُفْرِ , وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ،فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ،ثَمَانِينَ غَايَةً،تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا , فَيَكُونُونَ أَوْلَى بِالْغَدْرِ مِنْكُمْ."مصنف ابن أبي شيبة (2)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سِتٌّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ : مَوْتِي وَفَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،وَأَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ أَلْفَ دِينَارٍ فَيَسْخَطُهَا , وَفِتْنَةٌ يَدْخُلُ حَزْنُهَا بَيْتَ كُلِّ مُسْلِمٍ , وَمَوْتٌ يَأْخُذُ فِي النَّاسِ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ،وَأَنْ تَغْدِرَ الرُّومُ فَيَسِيرُونَ باثْنَي عَشَرَ أَلْفًا , تَحْتَ كُلِّ بَنْدٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا."مصنف ابن أبي شيبة (3)
__________
(1) - غاية المقصد فى زوائد المسند 2 - (2 / 267) (4469 ) ومسند أحمد - المكنز (6782) حسن لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 104) (38537) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 104) (38538) حسن لغيره(1/88)
وعَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ مَالَ مَكْحُولٌ وَابْنُ أَبِى زَكَرِيَّا إِلَى خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَمِلْتُ مَعَهُمْ فَحَدَّثَنَا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ الْهُدْنَةِ قَالَ قَالَ جُبَيْرٌ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ذِى مِخْبَرٍ - رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - - فَأَتَيْنَاهُ فَسَأَلَهُ جُبَيْرٌ عَنِ الْهُدْنَةِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِى تُلُولٍ فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ غَلَبَ الصَّلِيبُ فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ »سنن أبي داود (1) .
وعَنْ ذِي مِخْمَرٍ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهُوَ ابْنُ أَخِي النَّجَاشِيِّ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ : تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا،حَتَّى تَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ،فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَنْصَرِفُونَ،حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجِ ذِي تُلُولٍ،فَيَقُولُ قَائِلٌ مِنَ الرُّومِ : غَلَبَ الصَّلِيبُ،وَيَقُولُ قَائِلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : بَلِ اللَّهُ غَلَبَ،فَيَتَدَاوَلانِهَا بَيْنَهُمْ،فَيَثُورُ الْمُسْلِمُ إِلَى صَلِيبِهِمْ،وَهُمْ مِنْهُمْ غَيْرُ بَعِيدٍ،فَيَدُقُّهُ،وَيَثُورُ الرُّومُ إِلَى كَاسِرِ صَلِيبِهِمْ،فَيَقْتُلُونَهُ،وَيَثُورُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ،فَيُقْتَلُونَ،فَيُكْرِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الْعِصَابَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّهَادَةِ،فَيَقُولُ الرُّومُ لِصَاحِبِ الرُّومِ : كَفَيْنَاكَ جَدَّ الْعَرَبِ،فَيَغْدِرُونَ،فَيَجْتَمِعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ،فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةٍ،تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا "المستدرك للحاكم (2)
وعَنْ ذِي مِخْبَرِ ابْنِ أَخِي النَّجَاشِيِّ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا حَتَّى تَغْزُوا أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَنْصَرِفُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ،فَيَقُولُ قَائِلٌ مِنَ الرُّومِ : غَلَبَ الصَّلِيبُ،وَيَقُولُ قَائِلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : بَلِ اللَّهُ غَلَبَ فَيَثُورُ الْمُسْلِمُ إِلَى صَلِيبِهِمْ وَهُوَ مِنْهُ غَيْرُ بَعِيدٍ فَيَدُقُّهُ،وَتَثُورُ الرُّومُ إِلَى كَاسِرِ صَلِيبِهِمْ،فَيَضْرِبُونَ عُنُقَهُ،وَيَثُورُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ فَيَقْتَتِلُونَ،فَيُكْرِمُ اللَّهُ تِلْكَ الْعِصَابَةَ
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز (4294 ) صحيح
(2) - المستدرك للحاكم(8298) صحيح
التلول : كل ما اجتمع على الأرض من تراب واحدها تل -يدق : يقتل -المرج : الأرض الواسعة ذات نبات كثير تخلى فيه الدواب تسرح مختلطة كيف شاءت(1/89)
مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّهَادَةِ،فَتَقُولُ الرُّومُ لِصَاحِبِ الرُّومِ : كَفَيْنَاكَ الْعَرَبَ،فَيَجْتَمِعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ،فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.
وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،أَنَّ ذَا مِخْبَرِ ابْنَ أَخِي النَّجَاشِيِّ،حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ : سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا،حَتَّى تَغْزُوا أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ،فَتُنْصَرُونَ وَتَسْلَمُونَ وَتَغْنَمُونَ،حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ،فَيَقُولُ قَائِلٌ مِنَ الرُّومِ : غَلَبَ الصَّلِيبُ،وَيَقُولُ قَائِلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : بَلِ اللَّهُ غَلَبَ،وَيَتَدَاوَلُونَهَا وَصَلِيبُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ بَعِيدٍ فَيَثُورُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ،وَيَثُورُونَ إِلَى كَاسِرِ صَلِيبِهِمْ فَيَضْرِبُونَ عُنُقَهُ،وَيَثُورُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ فَيَقْتَتِلُونَ،فَيُكْرِمُ اللَّهُ تِلْكَ الْعِصَابَةَ بِالشَّهَادَةِ،فَيَأْتُونَ مَلِكَهُمْ فَيَقُولُونَ : كَفَيْنَاكَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ،فَيَجْتَمِعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ،فَيَأْتُونَ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا."صحيح ابن حبان (1)
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الأَشْجَعِيَّ،أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي فَتْحٍ لَهُ،فَسَلَّمَ عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ : هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَدْ أَعَزَّ اللَّهُ نَصْرَكَ،وَأَظْهَرَ دِينَكَ،وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا بِجِرَانِهَا،قَالَ : وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ،فَقَالَ : ادْخُلْ يَا عَوْفُ،فَقَالَ : أَدْخُلُ كُلِّي أَوْ بَعْضِي ؟ فَقَالَ : ادْخُلْ كُلُّكَ،فَقَالَ : إِنَّ الْحَرْبَ لَنْ تَضَعَ أَوْزَارَهَا،حَتَّى تَكُونَ سِتٌّ أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي،فَبَكَى عَوْفٌ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قُلْ : إِحْدَى،وَالثَّانِيَةُ : فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،وَالثَّالِثَةُ : فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي النَّاسِ كَعُقَاصِ الْغَنَمِ،وَالرَّابِعَةُ : فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي النَّاسِ لاَ يَبْقَى أَهْلُ بَيْتٍ،إِلاَّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ نَصِيبُهُمْ مِنْهَا،وَالْخَامِسَةُ : يُولَدُ فِي بَنِي الأَصْفَرِ غُلامٌ مِنْ أَوْلادِ الْمُلُوكِ،يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ كَمَا يَشِبُّ الصَّبِيُّ فِي الْجُمُعَةِ،وَيَشِبُّ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا يَشبُّ الصَّبِيُّ فِي الشَّهْرِ،وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ كَمَا يَشِبُّ الصَّبِيُّ فِي السَّنَةِ،فَمَا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً مَلَّكُوهُ عَلَيْهِمْ،فَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ،فَقَالَ : إِلَى مَتَى يَغْلِبُنَا هَؤُلاءِ الْقَوْمُ عَلَى مَكَارِمٍ أَرْضِنَا،إِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَسِيرَ إِلَيْهِمْ،حَتَّى أُخْرِجَهُمْ مِنْهَا،فَقَامَ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 101) (6708- 6709) صحيح
وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 3962) رقم الفتوى 8295 هل سيؤمن أهل الكتاب بعيسى عليه السلام عند نزوله؟ تاريخ الفتوى : 01 ربيع الأول 1422(1/90)
الْخُطَبَاءُ،فَحَسَّنُوا لَهُ رَأْيَهُ،فَبَعَثَ فِي الْجَزَائِرِ وَالْبَرِّيَّةِ بِصَنْعَةِ السُّفُنِ،ثُمَّ حَمَلَ فِيهَا الْمُقَاتِلَةَ،حَتَّى نَزَلَ بَيْنَ أَنْطَاكِيَّةَ وَالْعَرِيشِ،قَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ : فَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُمُ اثْنَا عَشَرَ غَايَةً،تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا،فَيَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى صَاحِبِهِمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،وَأَجْمَعُوا فِي رَأْيِهِمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى مَدِينَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ،حَتَّى يَكُونَ مَسَالِحُهُمْ بِالسَّرْحِ وَخَيْبَرَ،قَالَ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُخْرِجُوا أُمَّتِي مِنْ مَنَابِتِ الشِّيحِ،قَالَ : أَوْ قَالَ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ : إِنَّهُمْ سَيُقِيمُوا فِيهَا هُنَالِكَ فَيَفِرُّ مِنْهُمُ الثُّلُثُ،وَيُقْتَلُ مِنْهُمُ الثُّلُثُ،فَيَهْزِمُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالثُّلُثِ الصَّابِرِ وَقَالَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ : يَوْمَئِذٍ يَضْرِبُ وَاللَّهِ بِسَيْفِهِ وَيَطْعَنُ بِرُمْحِهِ،وَيَتْبَعُهُ الْمُسْلِمُونَ،حَتَّى يَبْلُغُوا الْمَضِيقَ الَّذِي عِنْدَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ،فَيَجِدُونَهُ قَدْ يَبِسَ مَاؤُهُ،فَيُجِيزُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَنْزِلُوا بِهَا،فَيَهْدِمُ اللَّهُ جُدْرَانَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ،ثُمَّ يَدْخُلُونَهَا،فَيَقْسِمُونَ أَمْوَالَهُمْ بِالأَتْرِسَةِ،وَقَالَ أَبُو قَبِيلٍ الْمَعَافِرِيُّ : فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ،إِذَا جَاءَهُمْ رَاكِبٌ،فَقَالَ : أَنْتُمْ هَاهُنَا،وَالدَّجَّالُ قَدْ خَالَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ،وَإِنَّمَا كَانَتْ كَذِبَةً،فَمَنْ سَمِعَ الْعُلَمَاءَ فِي ذَلِكَ،أَقَامَ عَلَى مَا أَصَابَهُ،وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَانْفَضُّوا،وَيَكُونُ الْمُسْلِمُونَ يَبْنُونَ الْمَسَاجِدَ فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ،وَيَغْزُونَ وَرَاءَ ذَلِكَ،حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ السَّادِسَةَ" المستدرك للحاكم (1)
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : فتح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح فقلت يا رسول الله اليوم ألقى الإِسلام بجرانه،ووضعت الحرب أوزارها،فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن دون أن تضع الحرب أوزارها خلالاً؟ ستاً أولهن موتي ثم فتح بيت المقدس ثم فئتان من أمتي دعواهم واحدة يقتل بعضهم بعضاً ويفيض المال حتى يعطي الرجل المائة دينار فيتسخط وموت يكون كقعاص الغنم،وغلام من بني الأصفر ينبت في اليوم كنبات الشهر وفي الشهر كنبات السنة،فيرغب فيه قومه فيملكونه يقولون نرجو أن يربك علينا ملكنا فيجمع جمعاً عظيماً ثم يسير حتى يكون فيما بين العريش وأنطاكية،وأميركم يومئذ نعم الأمير فيقول
__________
(1) - المستدرك للحاكم (8655) فيه انقطاع
وانظر : فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (7 / 2297) رقم الفتوى 49981 سرد روايات "اعدد ستا بين يدي الساعة" ورتبتها تاريخ الفتوى : 26 ربيع الثاني 1425(1/91)
لأصحابه : ما ترون فيقولون نقاتلهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم فيقول لا أرى ذلك نحرز ذرارينا وعيالنا ونخلي بينهم وبين الأرض ثم نغزوهم وقد أحرزنا ذرارينا فيسيرون فيخلون بينهم وبين أرضهم حتى يأتوا مدينتي هذه فيستهدون أهل الإِسلام فيهدونهم ثم يقول لا ينتدبن معي إلا من يهب نفسه لله حتى نلقاهم فنقاتل حتى يحكم الله بيني وبينهم فينتدب معه سبعون ألفاً ويزيدون على ذلك فيقول حسبي سبعون ألفاً لا تحملهم الأرض وفيهم عين لعدوّهم فيأتيهم فيخبرهم بالذي كان،فيسيرون إليهم حتى إذا التقوا سألوا أن يخلي بينهم وبين من كان بينهم وبينه نسب فيدعونهم فيقولون ما ترون فيما يقولون فيقول : ما أنتم بأحق بقتالهم ولا أبعد منهم،فيقول : فعندكم فأكسروا أغمادكم فيسل الله سيفه عليهم فيقتل منهم الثلثان،ويقر في السفن الثلث،وصاحبهم فيهم،حتى إذا تراءت لهم جبالهم بعث الله عليهم ريحاً فردتهم إلى مراسيهم من الشام فأخِذوا فَذُبِحوا عند أرجل سفنهم عند الساحل،فيومئذ تضع الحرب أوزارها » أخرجه ابن أبي حاتم (1) .
وعَنْ حُذَيْفَةَ ،قَالَ : فُتِحَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتْحٌ لَمْ يُفْتَحْ لَهُ مِثْلُهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى،فَقُلْتُ لَهُ : يَهْنِيكَ الْفَتْحُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا،فَقَالَ : " هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ،وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دُونَهَا يَا حُذَيْفَةُ لَخِصَالًا سِتًّا،أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي " قَالَ : قُلْتُ : إِنَّا لِلَّهِ،وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،" ثُمَّ يُفْتَحُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ،ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ فِتْنَةٌ تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ،يَكْثُرُ فِيهِمَا الْقَتْلُ،وَيَكْثُرُ فِيهِمَا الْهَرْجُ،دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ،ثُمَّ يُسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مَوْتٌ فَيَقْتُلُكُمْ قَعْصًا كَمَا تَمُوتُ الْغَنَمُ،ثُمَّ يَكْثُرُ الْمَالُ فَيَفِيضُ حَتَّى يُدْعَى الرَّجُلُ إِلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَيَسْتَنْكِفَ أَنْ يَأْخُذَهَا،ثُمَّ يَنْشَأُ لِبَنِي الْأَصْفَرِ غُلَامٌ مِنْ أَوْلَادِ مُلُوكِهِمْ "،قُلْتُ : وَمَنْ بَنُو الْأَصْفَرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الرُّومُ،فَيَشِبُّ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ كَمَا يَشِبُّ الصَّبِيُّ فِي الشَّهْرِ،وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ كَمَا يَشِبُّ الصَّبِيُّ فِي السَّنَةِ،فَإِذَا بَلَغَ أَحَبُّوهُ وَاتَّبِعُوهُ،مَا لَمْ يُحِبُّوا مَلِكًا قَبْلَهُ،ثُمَّ يَقُومُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَيَقُولُ : إِلَى مَتَى نَتْرُكُ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنَ الْعَرَبِ ؟ لَا يَزَالُونَ يُصِيبُونَ مِنْكُمْ طَرَفًا،وَنَحْنُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ عَدَدًا وَعُدَّةً فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ،إِلَى مَتَى يَكُونُ هَذَا ؟ فَأَشِيرُوا عَلَيَّ بِمَا
__________
(1) - الدر المنثور للسيوطي - (9 / 166) وإتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - (1 / 393) ولم أعثر عليه لأحكم عليه(1/92)
تَرَوْنَ،فَيَقُومُ أَشْرَافُهُمْ فَيَخْطُبُونَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَيَقُولُونَ : نِعْمَ مَا رَأَيْتَ،وَالْأَمْرُ أَمْرُكَ،فَيَقُولُ : وَالَّذِي نُقْسِمُ بِهِ لَا نَدَعُهُمْ حَتَّى نُهْلِكَهُمْ،فَيَكْتُبُ إِلَى جَزَائِرِ الرُّومِ فَيَرْمُونَهُ بِثَمَانِينَ غَيَايَةً،تَحْتَ كُلِّ غَيَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ،وَالْغَيَايَةُ الرَّايَةُ،فَيَجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ وَسِتُّمِائَةِ مُقَاتِلٍ،وَيَكْتُبُ إِلَى كُلِّ جَزِيرَةٍ فَيَبْعَثُونَ بثَلَاثِمِائَةِ سَفِينَةٍ،فَيَرْكَبُ هُوَ فِي سَفِينَةٍ مِنْهَا،وَمُقَاتِلَتُهُ بِحَدِّهِ وَحَدِيدِهِ،وَمَا كَانَ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا مَا بَيْنَ أَنْطَاكِيَةَ إِلَى الْعَرِيشِ،فَيَبْعَثُ الْخَلِيفَةُ يَوْمَئِذٍ الْخُيُولَ بِالْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ،وَمَا لَا يُحْصَى،فَيَقُومُ فِيهِمْ خَطِيبٌ فَيَقُولُ : كَيْفَ تَرَوْنَ ؟ أَشِيرُوا عَلَيَّ بِرَأْيِكُمْ،فَإِنِّي أَرَى أَمْرًا عَظِيمًا،وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْجِزٌ وَعْدَهُ،وَمُظْهِرٌ دِينَنَا عَلَى كُلِّ دِينٍ،وَلَكِنَّ هَذَا بَلَاءٌ عَظِيمٌ،فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِنَ الرَّأْيِ أَنْ أَخْرُجَ وَمَنْ مَعِي إِلَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأُبْعَثَ إِلَى الْيَمَنِ وَالْعَرَبِ حَيْثُ كَانُوا،وَإِلَى الْأَعَارِيبِ،فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ مَنْ نَصَرَهُ،وَلَا يَضُرُّنَا أَنْ نُخْلِيَ لَهُمْ هَذِهِ الْأَرْضَ حَتَّى تَرَوُا الَّذِي يَتَهَيَّأُ لَكُمْ "،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَيَخْرُجُونَ حَتَّى يَنْزِلُوا مَدِينَتِي هَذِهِ وَاسْمُهَا طَيْبَةُ،وَهِيَ مَسَاكِنُ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْزِلُونَ،ثُمَّ يَكْتُبُونَ إِلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ،حَيْثُ بَلَغَ كِتَابُهُمْ فَيُجِيبُونَهُمْ حَتَّى تَضِيقَ بِهِمُ الْمَدِينَةُ،ثُمَّ يَخْرُجُونَ مُجْتَمِعِينَ مُجَرِّدِينَ،قَدْ بَايَعُوا إِمَامَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ،فَيَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ فَيَكْسِرُونَ أَغْمَادَ سُيُوفِهِمْ،ثُمَّ يَمُرُّونَ مُجَرِّدِينَ،فَيَقُولُ صَاحِبُ الرُّومِ : إِنَّ الْقَوْمَ قَدِ اسْتَمَاتُوا لِهَذِهِ الْأَرْضِ،وَقَدْ أَقْبَلُوا إِلَيْكُمْ وَهُمْ لَا يَرْجُونَ حَيَاةً،فَإِنِّي كَاتِبٌ إِلَيْهِمْ أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيَّ بِمَنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَجَمِ،وَنُخْلِي لَهُمْ أَرْضَهُمْ هَذِهِ،فَإِنَّ لَنَا عَنْهَا غِنًى،فَإِنْ فَعَلُوا فَعَلْنَا،وَإِنْ أَبَوْا قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ،فَإِذَا بَلَغَ أَمْرُهُمْ وَالِي الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ قَالَ : لَهُمْ : مَنْ كَانَ عِنْدَنَا مِنَ الْعَجَمِ أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الرُّومِ فَلْيَفْعَلْ،فَيَقُومُ خَطِيبٌ مِنَ الْمَوَالِي فَيَقُولُ : مُعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَبْتَغِيَ بِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبَدَلًا،فَيُبَايِعُونَ عَلَى الْمَوْتِ،كَمَا بَايَعَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،ثُمَّ يَسِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ،فَإِذَا رَأَوْهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ طَمِعُوا وَأَحْرَدُوا وَجَهِدُوا،ثُمَّ يَسِلُّ الْمُسْلِمُونَ سُيُوفَهُمْ،وَيَكْسِرُوا أَغْمَادَهَا،وَيَغْضَبُ الْجَبَّارُ عَلَى أَعْدَائِهِ،فَيَقْتُلُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الدَّمُ ثُنَنَ الْخَيْلِ،ثُمَّ يَسِيرُ مِنْ بَقِيَ مِنْهُمْ بِرِيحٍ طَيْبَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً،حَتَّى يَظُنُّوا أَنَّهُمْ عَجَزُوا،فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا عَاصِفًا،فَتَرُدُّهُمْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي مِنْهُ خَرَجُوا،فَيَقْتُلُهُمْ بِأَيْدِي الْمُهَاجِرِينَ،فَلَا يَفْلِتُ أَحَدٌ،وَلَا مُخْبِرٌ،فَعِنْدَ ذَلِكَ يَا حُذَيْفَةُ(1/93)
تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا،فَيَعِيشُونَ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ،ثُمَّ يَأْتِيهمْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ خَبَرُ الدَّجَّالِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ فِينَا " الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1)
قوله: « حتى تخوض الخيل في الدم إلى ثننها » : قال ابن الأثير : " (الثنن): شعرات في مؤخر الحافر من اليد والرجل".
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ،قَالَ : أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو،فِي بَيْتِهِ وَحَوْلَهُ سِمَاطَيْنِ مِنَ النَّاسِ وَلَيْسَ عَلَى فِرَاشِهِ أَحَدٌ فَجَلَسْتُ عَلَى فِرَاشِهِ مِمَّا يَلِي رِجْلَيْهِ،فَجَاءَ رَجُلٌ أَحْمَرُ عَظِيمُ الْبَطْنِ فَجَلَسَ،فَقَالَ : مَنِ الرَّجُلُ ؟ قُلْتُ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ،قَالَ : مَنْ أَبُو بَكْرَةَ ؟ قُلْتُ : وَمَا تَذْكُرُ الرَّجُلَ الَّذِي وَثَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سُوَرِ الطَّائِفِ ؟ فَقَالَ : بَلَى،فَرَحَّبَ بِي،ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا فَقَالَ : يُوشِكُ أَنْ يَخْرُجَ ابْنُ حَمَلِ الضَّأْنِ،ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،قُلْتُ : وَمَا حَمَلُ الضَّأْنِ ؟ قَالَ رَجُلٌ : أَحَدُ أَبَوَيْهِ شَيْطَانٌ يَمْلِكُ الرُّومَ يَجِيءُ فِي أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ خَمْسِ مِئَةِ أَلْفٍ فِي الْبَرِّ،وَخَمْسِ مِئَةِ أَلْفٍ فِي الْبَحْرِ،يَنْزِلُونَ أَرْضًا يُقَالُ لَهَا الْعَمِيقُ فَيَقُولُ لأَصْحَابِهِ : إِنَّ لِي فِي سَفِينَتِكُمْ بَقِيَّةً فَتَخَلَّفَ عَلَيْهَا فَيَحْرِقُهَا بِالنَّارِ ثُمَّ يَقُولُ : لاَ رُومِيَّةَ وَلاَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ لَكُمْ مَنْ شَاءَ أَنْ يَفِرَّ فَلْيَفِرَّ،وَيَسْتَمِدُّ الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يُمِدَّهُمْ أَهْلُ عَدَنَ أَبْيَنَ،فَيَقُولُ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ : الْحَقُوا بِهِمْ فَكُونُوا فَاجًّا وَاحِدًا،فَيَقْتَتِلُونَ شَهْرًا حَتَّى أَنَّ الْخَيْلَ لَتَخُوضُ فِي سَنَابِكِهَا الدِّمَاءُ،وَلِلْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ كِفْلاَنِ مِنَ الأَجْرِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ،فَإِذَا كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : الْيَوْمَ أَسُلَّ سَيْفِي وَأَنْصُرُ دِينِي وَأَنْتَقِمُ مِنْ عَدُوِّي فَيُجْعَلُ اللَّهُ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ فَيَهْزِمُهُمُ اللَّهُ حَتَّى تُسْتَفْتَحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ لاَ غُلُولَ الْيَوْمَ،فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ يَقْتَسِمُونَ بِتُرْسَتِهِمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِذْ نُودِيَ فِيهِمْ : أَلاَ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي دِيَارِكُمْ فَيَدَعُونَ مَا بِأَيْدِيهِمْ ويقتلون الدَّجَّالِ."مسند البزار (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،قَالَ : " يَكُونُ عَلَى الرُّومِ مَلِكٌ لَا يَعْصُونَهُ - أَوْ لَا يَكَادُونَ يَعْصُونَهُ -،فَيَجِيءُ حَتَّى يَنْزِلَ بِأَرْضِ كَذَا وَكَذَا "،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " أَنَا مَا نَسَيْتُهَا
__________
(1) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ(1245 ) فيه انقطاع
(2) - كشف الأستار - (4 / 134) (3378) ومسند البزار كاملا (2486) حسن موقوف(1/94)
"،قَالَ : " وَيَسْتَمِدُّ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَمُدَّهُمْ أَهْلُ عَدَنَ أَبْيَنَ عَلَى قَلَصَاتِهِمْ "،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " إِنَّهُ لَفِي الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ : فَيَقْتَتِلُونَ عَشْرًا لَا يَحْجُزُ بَيْنَهُمْ إِلَّا اللَّيْلُ،لَيْسَ لَكُمْ طَعَامٌ إِلَّا مَا فِي إِدَاوِيكُمْ،لَا تَكِلُّ سُيُوفُهُمْ وَيباركهم وَلَا نِسَائِهِمْ،وَأَنْتُمْ أَيْضًا كَذَلِكَ،ثُمَّ يَأْمُرُ مَلِكُهُمْ بِالسُّفُنِ فَيَنْحَرِفُ - يَعْنِي مَلِكَ الرُّومِ - قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ : مَنْ شَاءَ الْآنَ فَلْيَفِرَّ،فيجَعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ،فَيُقْتَلُونَ مَقْتَلَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا - أَوْ لَا يُرَى مِثْلُهَا -،حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِهِمْ فَيَقَعُ مَيِّتًا مِنْ نَتْنِهِمْ،لِلشَّهِيدِ يَوْمَئِذٍ كِفْلَانِ عَلَى مَنْ مَضَى قَبْلَهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ،وَلِلْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ كِفْلَانِ عَلَى مَنْ مَضَى مِنْهُمْ قَبْلَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،قَالَ : وَبَقِيَّتُهُمْ لَا يُزَلْزِلُهُمْ شَيْءٌ أَبَدًا،وَبَقِيَّتُهُمْ يُقَاتِلُ الدَّجَّالَ " قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ يَقُولُ : " إِنْ أَدْرَكَنِي هَذَا الْقِتَالُ وَأَنَا مَرِيضٌ فَاحْمِلُونِي عَلَى سَرِيرِي حَتَّى تَجْعَلُونِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ " جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لاَ وَاللَّهِ لاَ نُخَلِّى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لاَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لاَ يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِى أَهْلِيكُمْ. فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِى الْمَاءِ فَلَوْ تَرَكَهُ لاَنْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِى حَرْبَتِهِ » صحيح مسلم (2) .
__________
(1) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (1433 ) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز (7460 )
خَلَفَكم : خلفت الرجل في أهله : إذا قمت فيهم مقامه ، وخلفهم العدو : إذا طرقهم وهم غائبون عنهم.
وانظر : فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 2526 ) رقم الفتوى 32267 هل تقوم الساعة بعد نهاية بغداد ودمشق؟ تاريخ الفتوى : 18 ربيع الأول 1424 وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (10 / 1628) رقم الفتوى 71842 هل يعود القتال بالسيوف تاريخ الفتوى : 21 محرم 1427(1/95)
قال النووي :" الْأَعْمَاق بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة،وَدَابِق بِكَسْرِ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَفَتْحهَا،وَالْكَسْر هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور،وَلَمْ يَذْكُر الْجُمْهُور غَيْره،وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق الْفَتْح،وَلَمْ يَذْكُر غَيْره،وَهُوَ اِسْم مَوْضِع مَعْرُوف . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْأَغْلَب عَلَيْهِ التَّذْكِير وَالصَّرْف لِأَنَّهُ فِي الْأَصْل اِسْم نَهْر . قَالَ : وَقَدْ يُؤَنَّث،وَلَا يُصْرَف . وَ ( الْأَعْمَاق وَدَابِق ) مَوْضِعَانِ بِالشَّامِ بِقُرْبِ حَلَب .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( قَالَتْ الرُّوم خَلُّوا بَيْننَا وَبَيْن الَّذِينَ سُبُوا مِنَّا )
رُوِيَ ( سُبُوا ) عَلَى وَجْهَيْنِ : فَتْح السِّين وَالْبَاء،وَضَمّهمَا .
قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق : الضَّمّ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ . قَالَ : وَهُوَ الصَّوَاب .
قُلْت : كِلَاهُمَا صَوَاب،لِأَنَّهُمْ سُبُوا أَوَّلًا،ثُمَّ سَبَوْا الْكُفَّار،وَهَذَا مَوْجُود فِي زَمَاننَا،بَلْ مُعْظَم عَسَاكِر الْإِسْلَام فِي بِلَاد الشَّام وَمِصْر سُبُوا،ثُمَّ هُمْ الْيَوْم بِحَمْدِ اللَّه يَسْبُونَ الْكُفَّار،وَقَدْ سَبَوْهُمْ فِي زَمَاننَا مِرَارًا كَثِيرَة،يَسْبُونَ فِي الْمَرَّة الْوَاحِدَة مِنْ الْكُفَّار أُلُوفًا،وَلِلَّهِ الْحَمْد عَلَى إِظْهَار الْإِسْلَام وَإِعْزَازه .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( فَيَنْهَزِم ثُلُث لَا يَتُوب اللَّه عَلَيْهِمْ ) أَيْ لَا يُلْهِمهُمْ التَّوْبَة .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّة ) هِيَ بِضَمِّ الْقَاف وَإِسْكَان السِّين وَضَمّ الطَّاء الْأُولَى وَكَسْر الثَّانِيَة وَبَعْدهَا يَاء سَاكِنَة ثُمَّ نُون،هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ،وَهُوَ الْمَشْهُور،وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق عَنْ الْمُتْقِنِينَ وَالْأَكْثَرِينَ،وَعَنْ بَعْضهمْ زِيَادَة يَاء مُشَدَّدَة بَعْد النُّون،وَهِيَ مَدِينَة مَشْهُورَة مِنْ أَعْظَم مَدَائِن الرُّوم ." (1)
وعَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ،وَضَمْرَةِ بْنِ حَبِيبٍ،قَالَا : " تَجْلِبُ الرُّومُ عَلَيْكُمْ فِي الْبَحْرِ مِنْ رُومِيَّةَ إِلَى رَمَانِيَةَ،فَيَحِلُّونَ عَلَيْكُمْ بِسَاحِلِكُمْ بِعَشَرَةِ آلَافِ قِلْعٍ،فَيَسْكُنُونَ مَا بَيْنَ وَجْهِ الْحِجْرِ إِلَى يَافَا،وَيَنْزِلُ حَدُّهُمْ وَجَمَاعَتُهُمْ بِعَكَّا،فَيَنْفِرُ أَهْلُ الشَّامِ إِلَى مَوَاخِيرِهِمْ فَيُفَلُّوا،فَيَبْعَثُونَ إِلَى أَهْلِ
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (9 / 276)(1/96)
الْيَمَنِ فَيَسْتَمِدُّونَهُمْ فَيُمِدُّونَهُمْ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا،حَمَائِلُ سُيُوفِهِمُ الْمَسَدُ،فَيَسِيرُونَ حَتَّى يَحِلُّوا بِعَكَّا،وَبِهَا حَدُّ الْقَوْمِ وَجَمَاعَتُهُمْ،فَيَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ،وَيَتْبَعُونَهُمْ حَتَّى يَلْحَقَ مَنْ لَحِقَ مِنْهُمْ بِالرُّومِ،وَيَقْتُلُونَ مَنْ سِوَاهُمْ،وَهُمُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الْمَلْحَمَةَ الْكُبْرَى بِالْعَمْقِ،فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّصْرَانِيَّةِ جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا مَدَّ أَهْلَ الْعَمْقِ،وَيَسِيرُ إِلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ حَدُّهُمْ وَجَمَاعَتُهُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ الَّذِينَ قَدِمُوا إِلَى عَكَّا،فَيَقْتَتِلُونَ قِتَالًا شَدِيدًا،وَيُسَلَّطُ الْحَدِيدُ عَلَى الْحَدِيدِ،فَلَا تَجْبُنْ يَوْمَئِذٍ حَدِيدَةٌ،فَيُقْتَلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الثُّلُثُ،وَيُلْحَقُ بِالْعَدُوِّ مِنْهُمْ كَثْرَةٌ،وَتَخْرُجُ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ،فَمَنْ خَرَجَ مِنْ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ تَاهَ،فَلَمْ يَزَلْ تَائِهًا حَتَّى يَمُوتَ،فَمَنْ جَبُنَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَخْرُجَ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى الْأَرْضِ،ثُمَّ لَيَأْمُرْ بِإِكَافِهِ فَلْيُوضَعْ عَلَيْهِ،جَوَالِيقُهُ مِنْ فَوْقِ الْإِكَافِ،ثُمَّ يَتَدَاعَى النَّاسُ إِلَى الصُّلْحِ،فَيَقُولُونَ : يَلْحَقُ أَهْلُ الْيَمَنِ بِيَمَنِهِمْ،وَيَلْحَقُ قَيْسُ بِبَدْوِهِمْ،فَيَقُومُ الْمُحَرَّرُونَ فَيَقُولُونَ : فَنَحْنُ إِلَى مَنْ نَلْحَقُ ؟ أَنَلْحَقُ بِالْكُفْرِ ؟ فَيَقُومُ رَئِيسُ الْمُحَرَّرِينَ ثُمَّ يُحَرِّضُ قَوْمَهُ،فَيَحْمِلُ عَلَى الرُّومِ فَيَضْرِبُ هَامَةَ رَئِيسِهِمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَفْلِقَ هَامَتَهُ،وَيَشْتَعِلُ الْقِتَالُ،وَيُنَزِّلُ اللَّهُ الْفَتْحَ عَلَيْهِمْ فَيَهْزِمُهُمُ اللَّهُ،فَيُقْتَلُونَ فِي كُلِّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ،حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِالحَجَرِ وَالشَّجَرِ،فَيَقُولُ : أَيَا مُؤْمِنُ،هَذَا كَافِرٌ خَلْفِي فَاقْتُلْهُ " الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1)
وعَنْ كَعْبٍ،قَالَ : " إِنَّ أُمَّةً تُدْعَى بِالنَّصْرَانِيَّةِ فِي بَعْضِ جَزَائِرِ الْبَحْرِ تُجَهِّزُ أَلْفَ مَرْكَبٍ فِي كُلِّ عَامٍ،فَيَقُولُونَ : ارْكَبُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ،قَالَ : فَإِذَا وَقَعُوا فِي الْبَحْرِ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ عَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ كُسِرَتْ سُفُنُهُمْ،قَالَ : فَتَصْنَعُ ذَلِكَ مِرَارًا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرًا اتَّخَذَتْ سُفُنًا لَمْ يُوضَعْ عَلَى ظَهْرِ الْبَحْرِ مِثْلُهَا قَطُّ ثُمَّ تَقُولُ : ارْكَبُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ،قَالَ : فَيَرْكَبُونَ فَيَمُرُّونَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ،قَالَ : فَيَفْزَعُونَ لَهُمْ فَيَقُولُونَ : مَا أَنْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ أُمَّةٌ تُدْعَى النَّصْرَانِيَّةُ نُرِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ الَّتِي أَخْرَجْتَنَا عَنْ بِلَادِنَا وَبِلَادِ آبَائِنَا،قَالَ : فَيُمِدُّونَهُمْ سُفُنًا،قَالَ : فَيَنْتَهُونَ إِلَى عَكَّا فَيُخْرِجُونَ سُفُنَهُمْ وَيَحْرِقُونَهَا وَيَقُولُونَ : بِلَادُنَا وَبِلَادُ آبَائِنَا،قَالَ : وَأَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَيَبْعَثُ إِلَى مِصْرَ
__________
(1) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1362 ) فيه ضعف وإرسال(1/97)
فَيَسْتَمِدُّهُمْ،وَيَبْعَثُ إِلَى الْعِرَاقِ فَيَسْتَمِدُّهُمْ،وَيَبْعَثُ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَيَسْتَمِدُّهُمْ،قَالَ : فَيَجِيئُهُ رَسُولُهُ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ مِصْرَ فَيَقُولُونَ : إِنَّا بِحَضْرَةِ بَحْرٍ،وَالْبَحْرُ حَمَّالٌ،فَلَا يُمِدُّونَهُ،وَيَأْتِيهِ رَسُولُهُ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ بِحَضْرَةِ بَحْرٍ،وَالْبَحْرُ حَمَّالٌ،فَلَا يُمِدُّونَهُ،قَالَ : فَيَمُرُّ الرَّسُولُ بِحِمْصَ وَقَدْ غَلَقَهَا أَهْلُهَا مِنَ الْعَجَمِ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ،فَيُخْبِرُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ،قَالَ : وَيُمِدُّهُ أَهْلُ الْيَمَنِ عَلَى قُلْصَانِهِمْ،قَالَ : وَيَكْتُمُ الْخَبَرَ وَيَقُولُ : أَيَّ شَيْءٍ نَنْتَظِرُ ؟ الْآنَ يُغْلِقُ أَهْلُ كُلِّ مَدِينَةٍ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ،قَالَ : فَيَنْهَضُ إِلَيْهِمْ،فَيُقْتَلُ ثُلُثٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَأْخُذُ ثُلُثٌ بِأَذْنَابِ الْإِبِلِ وَيَلْحَقُونَ بِالْبَرَّيَّةِ وَيَهْلِكُونَ فِي مَهْبِلٍ مِنَ الْأَرْضِ،قَالَ : فَلَا إِلَى أَهْلِيهِمْ يَرْجِعُونَ وَلَا الْجَنَّةَ يَرَوْنَهَا قَالَ : وَيَفْتَحُ الثُّلُثُ فَيَتْبَعُونَهُمْ فِي جَبَلِ لُبْنَانَ حَتَّى يَنْتَهِيَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْخَلِيجِ وَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى مَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ،الْوَالِي يَحْمِلُ الرَّايَةَ فَيَرْكُزُ لِوَاءَهُ وَيَأْتِي الْمَاءَ لِيَتَوَضَّأَ مِنْهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ،قَالَ : فَيَتَبَاعَدُ الْمَاءُ مِنْهُ،قَالَ : فَيَتْبَعُهُ فَيَتَبَاعَدُ مِنْهُ،فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ أَخَذَ لِوَاءَهُ وَاتَّبَعَ الْمَاءَ حَتَّى يَجُوزَ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ ثُمَّ يَرْكُزُهُ ثُمَّ يُنَادِي : أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيزُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَقَ لَكُمُ الْبَحْرَ كَمَا فَرَقَهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ،قَالَ : فَيَجُوزُ النَّاسُ،قَالَ : فَيَسْتَقْبِلُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ،قَالَ : فَيُكَبِّرُونَ فَيَهْتَزُّ حَائِطُهَا،ثُمَّ يُكَبِّرُونَ فَيَهْتَزُّ،ثُمَّ يُكَبِّرُونَ فَيَسْقُطُ مِنْهَا مَا بَيْنَ اثْنَىْ عَشَرَ بُرْجًا،قَالَ : فَيَدْخُلُونَهَا فَيَجِدُونَ فِيهَا ثَلَاثَةَ كُنُوزٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَكَنْزٍ مِنْ نُحَاسٍ فَيَقْتَسِمُونَ غَنَائِمَهُمْ عَلَى التُّرْسَةِ " النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ،جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ ؟ " قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ،فَإِذَا جَاؤُهَا نَزَلُوا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ،قَالُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا " قَالَ ثَوْرٌ : لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا . . . السُّنَنُ الْوَارِدَةُ فِي الْفِتَنِ لِلدَّانِي (1)
وعَنْ كَعْبٍ،قَالَ : " يَلِي الرُّومَ امْرَأَةٌ فَتَقُولُ : اعْمَلُوا لِي أَلْفَ سَفِينَةٍ أَفْضَلَ أَلْوَاحٍ عُمِلَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ،ثُمَّ اخْرُجُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَتَلُوا رِجَالَنَا،وَسَبُّوا نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا،فَإِذَا
__________
(1) - السُّنَنُ الْوَارِدَةُ فِي الْفِتَنِ لِلدَّانِي(623 ) حسن مقطوع(1/98)
فَرَغُوا مِنْهَا قَالَتِ : ارْكَبُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ،فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا فَيَقْصِمَهَا بِقَوْلِهَا : وَإِنْ لَمْ يَشَأْ،ثُمَّ يُعْمَلُ لَهَا أَلْفٌ أُخْرَى مِثْلُهَا،ثُمَّ تَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهَا،وَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهَا رِيحًا فَيَقْصِمَهَا،ثُمَّ يُعْمَلُ لَهَا أَلْفٌ أُخْرَى،فَتَقُولُ : ارْكَبُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ،قَالَ : فَيَخْرُجُونَ فَيَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى تَلِّ عَكَّا،فَيَقُولُونَ : هَذِهِ بِلَادُنَا وَبِلَادُ آبَائِنَا،ثُمَّ يُرْسِلُونَ النَّارَ فِي سُفُنِهِمْ فَيَحْرِقُونَهَا،وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَيَكْتُبُ الْوَالِي إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ،وَأَهْلِ مِصْرَ،وَأَهْلِ الْيَمَنِ،فَيَجِيءُ رُسُلُهُ فَيَقُولُونَ : نَتَخَوَّفُ أَنْ يَنْزِلَ بِنَا مِثْلُ مَا نَزَلَ بِكُمْ،وَتَمُرُّ رُسُلُهُ عَلَى حِمْصَ وَقَدْ أَغْلَقَ أَهْلُهَا عَلَى مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ،وَيَقْتُلُونَ فِيهَا امْرَأَةً وَيُلْقُونَهَا مِمَّا يَلِي الْحَائِطَ خَارِجًا،قَالَ : فَيَكْتُمُ الْوَالِي أَمْرَ حِمْصَ،ثُمَّ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِينَ : اخْرُجُوا إِلَى عَدُوِّكُمْ فَمُوتُوا وَأَمِيتُوا،فَيَقْتَتِلُونَ قِتَالًا شَدِيدًا،فَيُقْتَلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُلُثٌ،وَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ،فَيَقَعُونَ فِي مَهِيلٍ مِنَ الْأَرْضِ،وَيُقْبِلُ الثُّلُثُ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا إِلَى الْمُوجِبِ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ،وَالْمُوجِبُ أَرْضٌ فِيهَا عُيُونٌ،وَيَخْرُجُ فِيهِ حَشِيشٌ مِنْ نَبْتِ الْأَرْضِ،فَيَنْزِلُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ،وَيُقْبِلُ أَعْدَاءُ اللَّهِ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،ثُمَّ يَقُولُ : اذْهَبُوا فَقَاتِلُوا بَقِيَّةَ عَبِيدِي الَّذِينَ بَقَوْا،فَيَقُولُ وَالِي الْمُسْلِمِينَ لِمَنْ مَعَهُ : اخْرُجُوا إِلَى عَدُوِّكُمْ،قَالَ : فَيَبْكُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَيَوْمَئِذٍ يَغْضَبُ اللَّهُ لِدِينِهِ فَيَطْعَنُ بِرُمْحِهِ،وَيُضْرَبُ بِسَيْفِهِ،وَيُسَلِّطُ اللَّهُ الْحَدِيدَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ،حَتَّى لَا يُبَالِي الرَّجُلُ صِمْصَامَةٌ كَانَتْ مَعَهُ أَوْ غَيْرُهَا،قَالَ : فَيَقْتُلُونَ فِي الْغَوْرِ،فَيَقْتَتِلُونَ قِتَالًا شَدِيدًا،فَيُقْتَلُ الْعَدُوُّ يَوْمَئِذٍ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ إِلَّا شِرْذِمَةٌ يَسِيرَةٌ يَلْحَقُونَ بِجَبَلِ لُبْنَانَ،وَالْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُمْ يَطْرُدُونَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ،وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ آدَمُ مُعْتَقِلٌ رُمْحَهُ،حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى النَّهَرِ الَّذِي عِنْدَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ نَزَلَ الْوَالِي لِيَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّي،فَيَتَأَخَّرُ الْمَاءُ عَنْهُ،ثُمَّ يَطْلُبُهُ فَيَتَأَخَّرُ،فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ رَكِبَ دَابَّتَهُ،ثُمَّ يَقُولُ : يَا هَؤُلَاءِ،هَذَا أَمْرٌ يُرِيدُهُ اللَّهُ،هَلُمُّوا فَأَجِيزُوا،فَيُجِيزُونَ،حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى حَائِطِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ،ثُمَّ يُكَبِّرُونَ تَكْبِيرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَسْقُطُ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ بُرْجًا،فَيَوْمَئِذٍ تُقْتَلُ رِجَالُهَا،وَتُسْبَى نِسَاؤُهَا،وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهَا،فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ : إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ بِالشَّامِ،فَيَخْرُجُ الْقَوْمُ،فَمَنْ كَانَ أَخَذَ(1/99)
نَدِمَ أَلَّا يَكُونَ اسْتَزَادَ لِسِنِينَ تَكُونُ أَمَامَ الدَّجَّالِ،فَيَجِدُونَهُ لَمْ يَخْرُجْ،فَقَلَّ مَا يَلْبَثُ حَتَّى يَخْرُجَ " الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1)
وعَنْ كَعْبٍ،قَالَ : " يَحْضُرُ الْمَلْحَمَةَ الْكُبْرَى اثْنَا عَشَرَ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ،أَصْغَرُهُمْ مُلْكًا وَأَقَلُّهُمْ جُنُودًا صَاحِبُ الرُّومِ،وَلِلَّهِ تَعَالَى فِي الْيَمَنِ كَنْزَانِ،جَاءَ بِأَحَدِهِمَا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ،كَانَتِ الْأَزْدُ يَوْمَئِذٍ ثُلُثَ النَّاسِ،وَيَجِيءُ بِالْآخَرِ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ الْعُظْمَى،سَبْعُونَ أَلْفًا،حَمَائِلُ سُيُوفِهِمُ الْمَسَدُّ "الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (2)
وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ،أَنَّ كَعْبًا حَدَّثَهُ " أَنَّ بِالْمَغْرِبِ مَلِكَةً تَمْلُكُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ،تُبْتَهَرُ تِلْكَ الْأُمَّةُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ،فَتَصْنَعُ سُفُنًا تُرِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ،حَتَّى إِذَا فَرَغَتْ مِنْ صَنْعَتِهَا،وَجَعَلَتْ فِيهَا شِحْنَتَهَا وَمُقَاتِلَتَهَا،قَالَتْ : لَتَرْكَبُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ،فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهَا قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَدَقَّتْ سُفُنَهَا،فَلَا تَزَالُ تَصْنَعُ كَذَلِكَ وَتَقُولُ كَذَلِكَ،وَيَفْعَلُ اللَّهُ بِهَا كَذَلِكَ،حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْمَسِيرِ قَالَتْ : لَتَرْكَبُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ،فَتَسِيرُ بِسُفُنِهَا وَهِيَ أَلْفُ سَفِينَةٍ،لَمْ تُوضَعْ عَلَى الْبَحْرِ سُفُنٌ مِثْلُهَا قَطُّ،فَيَسِيرُونَ حَتَّى يَمُرُّوا بِأَرْضِ الرُّومِ،فَيَفْزَعُ لَهُمُ الرُّومُ وَيَقُولُونَ : مَا أَنْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ أُمَّةٌ نُدْعَى بِالنَّصْرَانِيَّةِ،نُرِيدُ أُمَّةً حُدِّثْنَا أَنَّهَا قَهَرَتِ الْأُمَمَ،فَإِمَّا أَنْ نَبْتَزَّهُمْ،وَإِمَّا أَنْ يَبْتَزُّونَا،قَالَ : فَتَقُولُ الرُّومُ : فَأُولَئِكَ الَّذِينَ أَخْرَبُوا بِلَادَنَا،وَقَتَلُوا رِجَالَنَا،وَاخْتَدَمُوا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا،فَأَمِدُّونَا عَلَيْهِمْ فَيُمِدُّونَهُمْ بِخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةِ سَفِينَةٍ،فَيَسِيرُونَ حَتَّى يَرْسُوا بِعَكَّا،ثُمَّ يَنْزِلُونَ عَنْ سُفُنِهِمْ فَيَحْرِقُونَهَا،وَيَقُولُونَ : هَذِهِ بِلَادُنَا،فِيهَا نَحْيَا،وَفِيهَا نَمُوتُ،فَيَأْتِي الصَّرِيخُ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ،وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَيَقُولُ : نَزَلَ عَدُوٌّ لَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِمْ،فَيَبْعَثُ بَرِيدًا إِلَى مِصْرَ،وَإِلَى الْعِرَاقِ يَسْتَمِدُّهُمْ،فَيَأْتِي بَرِيدُهُمْ مِنْ مِصْرَ،فَيَقُولُ : قَالَ أَهْلُ مِصْرَ : نَحْنُ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ،وَإِنَّمَا جَاءَكُمْ عَدُوُّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ،وَنَحْنُ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ،فَنُقَاتِلُ عَنْ ذَرَارِيِّكُمْ،وَنُخْلِي ذَرَارِيَّنَا لِلْعَدُوِّ ؟ وَيَقُولُ أَهْلُ الْعِرَاقِ : نَحْنُ بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ فَنُقَاتِلُ عَنْ ذَرَارِيِّكُمْ،وَنُخْلِي ذَرَارِيَّنَا لِلْعَدُوِّ ؟ وَيَمُرُّ الْبَرِيدُ الَّذِي أَتَى مِنَ الْعِرَاقِ بِحِمْصَ،فَيَجِدُونَ مَنْ بِهَا مِنَ الْأَعَاجِمِ
__________
(1) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1406 ) حسن لغيره مقطوع
(2) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1261 ) صحيح مقطوع(1/100)
قَدْ أَغْلَقُوا عَلَى مَنْ بِهَا مِنْ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ،وَجَاءَهُمُ الْخَبَرُ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ هَلَكُوا،فَكَذَّبُوا بِمَا جَاءَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ الْخَبَرُ بِذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،فَيَقُولُ الْوَالِي : هَلْ أَنْتَظِرُ إِلَّا أَنْ تُغْلَقَ كُلُّ مَدِينَةٍ بِالشَّامِ عَلَى مَنْ فِيهَا،فَيَقُومُ فِي النَّاسِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ،فَيَقُولُ : بَعَثْنَا إِلَى إِخْوَانِكُمْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ مِصْرَ يَمُدُّونَكُمْ فَأَبَوْا أَنْ يَمُدُّوكُمْ،وَيَكْتُمُ أَمْرَ حِمْصَ،وَيَقُولُ : لَا مَدَدَ لَكُمْ إِلَّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى،سِيرُوا إِلَى عَدُوِّكُمْ،فَيَلْتَقُونَ بِسَهْلِ عَكَّا،وَالَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ،لَا يَصْبِرُونَ لِأَهْلِ الشَّامِ كَالْتِفَاعِكَ بِثَوْبِكَ حَتَّى يَنْهَزِمُوا،فَيَأْتُونَ السَّاحِلَ فَلَا يَجِدُونَ بِهَا غَوْثًا يُغِيثُهُمْ،فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ يَضْرِبُونَ أَقْفَاءَهُمْ فِي سَهْلِ عَكَّا،حَتَّى يَصِلُوا فِي جَبَلِ لُبْنَانَ،لَا يَفْلِتُ مِنْهُمْ إِلَّا نَحْوُ مِائَتَيْ رَجُلٍ يَصِلُونَ فِي جَبَلِ لُبْنَانَ حَتَّى يَلْحَقُوا بِجِبَالِ أَرْضِ الرُّومِ،فَيَنْصَرِفُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى حِمْصَ فَيُحَاصِرُونَهَا،وَلَيُرْمَيَنَّ إِلَيْكُمْ مِنْهَا بِرُءُوسٍ تَعْرِفُونَهَا،لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ إِلَّا رَأْسًا أَوْ رَأْسَيْنِ،فَلَتُتْرَكَنَّ مُنْذُ يَوْمَئِذٍ خَاوِيَةً،وَلَا تُسْكَنُ،يَقُولُونَ : كَيْفَ نَسْكُنُ بُقْعَةً فُضِحَتْ فِيهَا نِسَاؤُنَا ؟ " قَالَ الشَّيْبَانِيُّ : يَجْتَمِعُ تَحْتَ جُمَّيْزَاتِ يَافَا اثْنَا عَشَرَ مَلِكًا،أَدْنَاهُمْ صَاحِبُ الرُّومِ " الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1)
وعَنْ كَعْبٍ،قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَلْحَمَةَ فَسَمَّى الْمَلْحَمَةَ مِنْ عَدَدِ الْقَوْمِ،وَأَنَا أُفَسِّرُهَا لَكُمْ،" إِنَّهُ " يَحْضُرُهَا اثْنَا عَشَرَ مَلِكًا،مَلِكُ الرُّومِ أَصْغَرُهُمْ وَأَقَلُّهُمْ مَقَاتِلَةً،وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا هُمُ الدُّعَاةُ،وَهُمْ دَعَوْا تِلْكَ الْأُمَمَ وَاسْتَمَدُّوا بِهِمْ،وَحَرَامٌ عَلَى أَحَدٍ يَرَى عَلَيْهِ حَقًّا لِلْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَنْصُرَ الْإِسْلَامَ يَوْمَئِذٍ،وَلَيَبْلُغَنَّ مَدَدُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ صَنْعَاءَ الْجُنْدِ،وَحَرَامٌ عَلَى أَحَدٍ يَرَى عَلَيْهِ حَقًّا لِلنَّصْرَانِيَّةِ أَنْ لَا يَنْصُرَهَا يَوْمَئِذٍ،وَلَتُمِدَّنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ الْجَزِيرَةُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ نَصْرَانِيٍّ،فَيَتْرُكُ الرَّجُلُ فَدَّانَهُ يَقُولُ : أَذْهَبُ أَنْصُرُ النَّصْرَانِيَّةَ،وَيُسَلَّطُ الْحَدِيدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ،فَمَا يَضُرُّ رَجُلًا يَوْمَئِذٍ كَانَ مَعَهُ سَيْفٌ لَا يَجْدَعُ الْأَنْفَ أَلَّا يَكُونَ مَكَانَهُ الصَّمْصَامَةُ،لَا يَضَعُ سَيْفَهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِرْعٍ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا قَطَعَهُ،وَحَرَامٌ عَلَى جَيْشٍ أَنْ يَتْرُكَ النَّصْرَ،وَيُلْقَى الصَّبْرُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَعَلَى هَؤُلَاءِ،وَيُسَلَّطُ الْحَدِيدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ لِيَشْتَدَّ الْبَلَاءُ،فَيُقْتَلُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُلُثٌ،وَيَفِرُّ ثُلُثٌ،فَيَقَعُونَ فِي مَهِيلٍ مِنَ الْأَرْضِ،يَعْنِي هَؤُلَاءِ لَا يَرَوْنَ الْجَنَّةَ وَلَا
__________
(1) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1289 ) حسن مقطوع(1/101)
يَرَوْنَ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا،وَيَصْبِرُ ثُلُثٌ فَيَحْرُسُونَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ،لَا يَفِرُّونَ فَرَّ أَصْحَابِهِمْ،فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ،مَا تَنْتَظِرُونَ ؟ قُومُوا فَادْخُلُوا الْجَنَّةَ كَمَا دَخَلَهَا إِخْوَانُكُمْ،فَيَوْمَئِذٍ يُنَزِّلُ اللَّهُ تَعَالَى نَصْرَهُ،وَيَغْضَبُ لِدِينِهِ،وَيَضْرِبُ بِسَيْفِهِ،وَيَطْعَنُ بِرُمْحِهِ،وَيَرْمِي بِسَهْمِهِ،لَا يَحِلُّ لِنَصْرَانِيٍّ أَنْ يَحْمِلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ سِلَاحًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ،وَيَضْرِبُ الْمُسْلِمُونَ أَقْفَاءَهُمْ مُدْبِرِينَ،لَا يَمُرُّونَ بِحِصْنٍ إِلَّا فُتِحَ،وَلَا مَدِينَةٍ إِلَّا فُتِحَتْ،حَتَّى يَرُدُّوا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ،فَيُكَبِّرُونَ اللَّهَ وَيُقَدِّسُونَهُ وَيَحْمَدُونَهُ،فَيَهْدِمُ اللَّهُ مَا بَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ بُرْجًا،وَيَدْخُلُها الْمُسْلِمُونَ،فَيَوْمَئِذٍ يُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهَا،وَتُفْتَضُّ عِذِارُهَا،وَيَأْمُرُهَا اللَّهُ فَتُظْهِرُ كُنُوزَهَا،فَآخِذٌ وَتَارِكٌ،فَيَنْدَمُ الْآخِذُ،وَيَنْدَمُ التَّارِكُ "،قَالُوا : وَكَيْفَ يَجْتَمِعُ نَدَامَتُهُمَا ؟ قَالَ : " يَنْدَمُ الْآخِذُ أَلَّا يَكُونَ ازْدَادَ،وَيَنْدَمُ التَّارِكُ أَلَّا يَكُونَ أَخَذَ "،قَالُوا : إِنَّكَ لَتُرَغِّبُنَا فِي الدُّنْيَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ ؟ قَالَ : " إِنَّهُ يَكُونُ مَا أَصَابُوا مِنْهَا عَوْنًا لَهُمْ عَلَى سِنِينَ شِدَادٍ،وَسِنِينَ الدَّجَّالِ،" قَالَ : " وَيَأْتِيهِمْ آتٍ وَهُمْ فِيهَا،فَيَقُولُ : خَرَجَ الدَّجَّالُ فِي بِلَادِكُمْ،قَالَ : فَيَنْصَرِفُونَ حَيَارَى فَلَا يَجِدُونَهُ خَرَجَ،فَلَا يَلْبَثُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَخْرُجَ " الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1)
وعَنْ كَعْبٍ،قَالَ : " الْمَلَاحِمُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هِرَقْلَ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ،يُقَالُ لَهُ طَيَّارَةُ "،قَالَ كَعْبٌ : " وَأَمِيرُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ،يَأْتِيَهُ مَدَدُ الْيَمَنِ سَبْعُونَ أَلْفًا،حَمَائِلُ سُيُوفِهِمُ الْمَسَدُ " الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (2)
وعَنْ كَعْبٍ،قَالَ : " إِنَّ " اللَّهَ تَعَالَى يَمُدُّ أَهْلَ الشَّامِ إِذَا قَاتَلَهُمُ الرُّومُ فِي الْمَلَاحِمِ بِقَطِيعَتَيْنِ،دَفْعَةٌ سَبْعُونَ أَلْفًا،وَدَفَعَةٌ ثَمَانُونَ أَلْفًا،مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ،حَمَائِلُ سُيُوفِهِمُ الْمَسَدُ،يَقُولُونَ : نَحْنُ عِبَادُ اللَّهِ حَقًّا حَقًّا،نُقَاتِلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ،رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الطَّاعُونَ وَالْأَوْجَاعَ وَالْأَوْصَابَ،حَتَّى لَا يَكُونَ بَلَدٌ أَبْرَأَ مِنَ الشَّامِ،وَيَكُونُ مَا كَانَ فِي الشَّامِ مِنْ تِلْكَ الْأَوْجَاعِ وَالطَّاعُونِ فِي غَيْرِهَا " قَالَ كَعْبٌ : وَإِنَّ بِالْمَغْرِبِ لِحَمْلِ الضَّأْنِ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِهِمْ،يُعِدُّ لِأَهْلِ الشَّامِ أَلْفَ قِلْعٍ،وَكُلَّمَا أَعَدَّهَا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ حَتَّى
__________
(1) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1342 ) حسن مقطوع
(2) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ(1340 ) صحيح مقطوع(1/102)
يَأْذَنَ اللَّهُ بِخُرُوجِهَا،فَتَرْسُو مَا بَيْنَ عَكَّا وَالنَّهَرِ،فَيَشْغَلُوا كُلَّ جُنْدٍ أَنْ يَمُدَّ جُنْدًا،فَسَأَلْتُهُ : أَيُّ نَهَرٍ هُوَ ؟ قَالَ : مُهْرَاقُ الْأَرْنَطِ،نَهَرُ حِمْصَ،وَمِهْرَاقُهُ مَا بَيْنَ الْأَقْرَعِ إِلَى الْمِصِّيصَةِ " الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1)
وعَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلاَّ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ جَاءَتِ السَّاعَةُ. قَالَ فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى لاَ يُقْسَمَ مِيرَاثٌ وَلاَ يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ. ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا - وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّأْمِ - فَقَالَ عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الإِسْلاَمِ. قُلْتُ الرُّومَ تَعْنِى قَالَ نَعَمْ وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ فَيَفِىءُ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ فَيَفِىءُ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا فَيَفِىءُ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً - إِمَّا قَالَ لاَ يُرَى مِثْلُهَا وَإِمَّا قَالَ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا - حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا فَيَتَعَادُّ بَنُو الأَبِ كَانُوا مِائَةً فَلاَ يَجِدُونَهُ بَقِىَ مِنْهُمْ إِلاَّ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فَبِأَىِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ أَوْ أَىُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِى ذَرَارِيِّهِمْ فَيَرْفُضُونَ مَا فِى أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ » صحيح مسلم (2) .
وعَنْ أَسِيرِ بْنِ جَابِرٍ،قَالَ : هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ،فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،وَلَيْسَ لَهُ هِجِّيرٌ : أَلا يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ،جَاءَتِ السَّاعَةُ،قَالَ : وَكَانَ
__________
(1) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1309 ) صحيح مقطوع
(2) - صحيح مسلم- المكنز (7463 ) -نهد : صمد لعدوه وشرع فى قتاله -الهجيرى : الشأن والدأب(1/103)
عَبْدُ اللَّهِ مُتَّكِئًا،فَقَعَدَ،فَقَالَ : إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى لاَ يُقَسَّمَ مِيرَاثٌ،وَلا يَفْرَحُ بِغَنِيمَةٍ عَدُوٍّ،يَجْمَعُونَ لأَهْلِ الإِسْلامِ،وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الإِسْلامِ،وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ،قُلْتُ : الرُّومَ تَعْنِي ؟ قَالَ : نَعَمْ،وَيَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالُ رِدَّةً شَدِيدَةً،فَيَتَشَرَّطُ الْمُسْلِمُونَ شَرْطَةً لِلْمَوْتِ،لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةٌ،فَيُقَاتِلُونَ حَتَّى يَحْجِزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ،فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ،وَيَفِيءُ هَؤُلاءِ،كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ،وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ،ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شَرْطَةً لِلْمَوْتِ،لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةً،فَيُقَاتِلُونَ حَتَّى يَحْجِزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ،فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ،كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ،وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ،ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شَرْطَةً لِلْمَوْتِ،لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةً،فَيُقَاتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا،فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ،كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ،وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ،فَإِذَا كَانَ الرَّابِعُ،نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الإِسْلامِ،فَجَعَلَ اللَّهُ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ،فَيَقْتَتِلُونَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً،إِمَّا قَالَ : لَمْ يُرَ مِثْلُهَا،وَإِمَّا قَالَ : لَنْ نَرَ مِثْلَهَا،حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ،فَلا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيِّتًا،فَيَتَعَادُّ بَنُو الأَبِ وَكَانُوا مِائَةً،فَلا يَجِدُونَ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلاَّ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ،فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يَفْرَحُ،أَوْ مِيرَاثٍ يُقَسَّمُ،قَالَ : فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ،إِذْ سَمِعُوا بِنَاسٍ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَاكَ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ،أَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَّفَ فِي ذَرَارِيِّهِمْ،فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ،وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشْرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ،وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ،هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ،وَقَالَ : هُمْ خَيْرٌ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ "المستدرك للحاكم (1)
وعَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ،قَالَ : هَاجَتْ رِيحٌ وَنَحْنُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ،فَغَضِبَ ابْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى عَرَفْنَا الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ،فَقَالَ : وَيْحَكَ،إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ،وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ،ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ وَقَالَ : عَدُوٌّ يَجْتَمِعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ هَاهُنَا فَيَلْتَقُونَ،فَتُشْتَرَطُ شُرْطَةُ الْمَوْتِ : لَا تَرْجِعُ إِلَّا وَهِيَ غَالِبَةٌ،فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ،وَكُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ،وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ثُمَّ تُشْتَرَطُ الْغَدَ شُرْطَةُ الْمَوْتِ : لَا تَرْجِعُ إِلَّا وَهِيَ غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ،فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ،وَكُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ،وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ
__________
(1) - المستدرك للحاكم (8471) صحيح(1/104)
ثُمَّ تُشْتَرَطُ الْغَدَ شُرْطَةُ الْمَوْتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ : لَا تَرْجِعُ إِلَّا وَهِيَ غَالِبَةً،فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسَ فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ،وَكُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ وَتُفْنَى الشُّرْطَةُ،ثُمَّ يَلْتَقُونَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ،فَيُقَاتِلُونَهُمْ وَيَهْزِمُونَهُمْ حَتَّى تَبْلُغَ الدِّمَاءُ نَحْرَ الْخَيْلِ،وَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى إِنَّ بَنِي الْأَبِ،كَانُوا يَتَعَادُّونَ عَلَى مِائَةٍ،فَيُقْتَلُونَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ،فَأَيُّ مِيرَاثٍ يُقْسَمُ بَعْدَ هَذَا وَأَيُّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ بِهَا،ثُمَّ يَسْتَفْتِحُونَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ،فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْسِمُونَ الدَّنَانِيرَ بِالتَّرَسَةِ،إِذْ أَتَاهُمْ فَزَعٌ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ : إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ فِي ذَرَارِيِّكُمْ،فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ،وَيَبْعَثُونَ طَلِيعَةَ فَوَارِسَ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْرُ فَوَارِسِ الْأَرْضِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ " صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (1)
هِجِّيري : هجيراه،أي عادته وديدنه.
شرطة : الشرطة : أول طائفة من الجيش يشهد الوقعة،والتشرط : تفعل منه.
نهد الجيش لقتال العدو : إذا نهضوا إليه.
فيتعاد : التعاد : تفاعل من العد،أي يعد بعضهم بعضا.
البأس : الخوف والشدة. (2)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ بِالْكُوفَةِ إِذْ هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ،فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ : قَامَتِ السَّاعَةُ،حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى،يَقُولُ : قَدْ قَامَتِ السَّاعَةُ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ،قَدْ قَامَتِ السَّاعَةُ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ فَاسْتَوَى جَالِسًا وَغَضِبَ،وَكَانَ مُتَّكِئًا،فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ،وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ،وَقَالَ : إِنَّهَا سَتَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ رِدَّةٌ - قَالَ حُمَيْدٌ : فَقُلْتُ لِلرَّجُلِ : الرُّومَ تَعْنِي ؟ قَالَ : نَعَمْ - وَيَسْتَمِدُّ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،فَيُقْتَلُونَ،فَتَشْتَرِطُ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ ألَّا يَرْجِعُوا إِلَّا غَالِبِينَ،فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحُولَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ،فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ،وَكُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ،وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ،ثُمَّ الْيَوْمَ الثَّانِي كَذَلِكَ،ثُمَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ كَذَلِكَ،ثُمَّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ يَنهَدُ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ فَيُقْتَلُونَ مَقْتَلَةً لَمْ
__________
(1) - صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (6912 ) صحيح
(2) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (10 / 380)(1/105)
يُرَ مِثْلُهَا،حَتَّى إِنَّ بَنِي الْأَبِ كَانُوا يَتَعَادَوْنَ عَلَى مِائَةٍ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ "،قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أفَيُقْسَمُ هَاهُنَا مِيرَاثٌ ؟ - قَالَ مَعْمَرٌ : وَكَانَ قَتَادَةُ يَصِلُ هَذَا الْحَدِيثَ - قَالَ : فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى يَدْخُلُوا قُسْطَنْطِينِيَّةَ،فَيَجِدُونَ فِيهَا مِنَ الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ،مَا أَنَّ الرَّجُلَ يَتَحَجَّلُ حَجْلًا،فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ أَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَ فِي دِيَارِكُمْ،فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ،قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أفَيُفْرَحُ هَاهُنَا بِغَنِيمَةٍ ؟ فَيَبْعَثُونَ مِنْهُمْ طَلِيعَةً عَشَرَةَ فَوَارِسَ،أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ،قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنِّي لَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ،وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ،هُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْرُ فَوَارِسَ فِي الْأَرْضِ،فَيُقَاتِلُهُمُ الدَّجَّالُ فَيُسْتَشْهَدُونَ " جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (1)
قوله: (هجيرى)؛ بكسر الهاء والجيم المشددة؛ أي: شأنه ودأبه ذلك.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ رَابِطَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِبُولَانَ،يَا عَلِيُّ "،قَالَ الْمُزَنِيُّ : يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ،قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : " اعْلَمْ أَنَّكُمْ سَتُقَاتِلُونَ بَنِي الْأَصْفَرِ،وَيُقَاتِلُهُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رَوْقَةُ الْمُسْلِمِينَ أَهْلُ الْحِجَازِ الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَرُومِيَّةَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ،فَيَهُدُّوا حِصْنَهُمَا،وَيُصِيبُوا مَالًا عَظِيمًا لَمْ يُصِيبُوا مِثْلَهُ قَطُّ،حَتَّى يَقْتَسِمُوا بِالتِّرْسَةِ . ثُمَّ يَصْرُخُ صَارِخٌ : يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ،قَدْ خَرَجَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ فِي بِلَادِكُمْ وَذَرَارِيِّكُمْ،فَيَنْقَبِضُ النَّاسُ عَنِ الْمَالِ،فَمِنْهُمُ الْآخِذُ،وَمِنْهُمُ التَّارِكُ،فَالْآخِذُ نَادِمٌ،وَالتَّارِكُ نَادِمٌ،ثُمَّ يَقُولُونَ : مَنْ هَذَا الصَّارِخُ ؟ وَلَا يَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ،فَيَقُولُونَ : ابْعَثُوا طَلِيعَةً إِلَى لُدٍّ،فَإِنْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ خَرَجَ فَسَيَأْتِيكُمْ بِعِلْمِهِ،فَيَأْتُونَ فَيُبْصِرُونَ وَلَا يَرَوْنَ شَيْئًا،وَيَرَوْنَ النَّاسَ سَاكِتِينَ،فَيَقُولُونَ : مَا صَرَخَ الصَّارِخُ إِلَّا إِلَيْنَا،فَاعْتَزِمُوا ثُمَّ ارْشُدُوا،فَنَخْرُجُ بِأَجْمَعِنَا إِلَى لُدٍّ،فَإِنْ يَكُنْ بِهَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ نُقَاتِلْهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَهُوَ خَيْرُ
__________
(1) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (1432 ) حسن لغيره(1/106)
الْحَاكِمِينَ،وَإِنْ يَكُنِ الْأُخْرَى فَإِنَّهَا بِلَادُكُمْ،وَعَشَائِرُكُمْ وَعَسَاكِرُكُمْ رَجَعْتُمْ إِلَيْهَا " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (1)
قال ابن الأثير وابن منظور : " "فيخرج إليهم روقة المؤمنين"؛ أي: خيارهم وسراتهم،وهي جمع رائق،من: راق الشيء: إذا صفا وخلص". انتهى.
وقد زعم أبو عبية في تعليقه على هذا الحديث في (صفحة 77) من "النهاية" لابن كثير : أن روقة الإسلام يهزمون أعداءهم بقوة الإيمان وثبات اليقين الذي ينعكس أثره على الألسنة تسبيحا وتكبيرا. انتهى.وهذا واضح في إنكاره أن يكون الفتح بالتسبيح والتكبير الذي يكون للمؤمنين في ذلك الزمان أعظم من الأسلحة الثقلية والفتاكة. (2)
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِى الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِى الْبَحْرِ ». قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِى إِسْحَاقَ فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلاَحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ قَالُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا ». قَالَ ثَوْرٌ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ « الَّذِى فِى الْبَحْرِ ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَيُفَرَّجُ لَهُمْ فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ فَقَالَ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ. فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَىْءٍ وَيَرْجِعُونَ » صحيح مسلم (3) .
ونظير هذا ما يأتي في مبحث قتال اليهود عن أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِىُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِىٌّ خَلْفِى فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ" صحيح مسلم (4)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (11 / 401) (13487) والمستدرك للحاكم (8488) ضعيف
(2) - إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - (1 / 399)
(3) - صحيح مسلم- المكنز (7517 )
(4) - صحيح مسلم- المكنز (7523 )(1/107)
وهذا من كرامات الأولياء وخوارق العادات،ومن أصول أهل السنَّة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات،فمن لم يصدِّق بما ثبتت به الأخبار من ذلك فقد اتبع غير سبيل المؤمنين. والله أعلم. (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِى الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِى الْبَحْرِ ». قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِى إِسْحَاقَ فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلاَحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ قَالُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا ». قَالَ ثَوْرٌ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ « الَّذِى فِى الْبَحْرِ ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَيُفَرَّجُ لَهُمْ فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ فَقَالَ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ. فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَىْءٍ وَيَرْجِعُونَ » صحيح مسلم (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : هَلْ سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبِرِّ،وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ : لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ،حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا،فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلاحٍ،وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ،قَالَ : فَيَقُولُونَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَاللَّهُ أَكْبَرُ،فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا قَالَ ثَوْرٌ : وَلا أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ : جَانِبُهَا الَّذِي يَلِي الْبَرَّ،ثُمَّ يَقُولُونَ الثَّانِيَةَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَاللَّهُ أَكْبَرُ،فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ،ثُمَّ يَقُولُونَ الثَّالِثَةَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَاللَّهُ أَكْبَرُ،فَيُفْرَجُ لَهُمْ،فَيَدْخُلُونَهَا فَيَغْنَمُونَ،فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ،إِذَا جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ : أَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ،فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ يُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْمَدِينَةُ هِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ،قَدْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ أَنَّ فَتْحَهَا مَعَ قِيَامِ السَّاعَةِ "المستدرك للحاكم (3)
قوله: «من بني إسحاق »: قال النووي : "قال القاضي: كذا هو في جميع أصول "صحيح مسلم ": « من بني إسحاق ». قال: قال بعضهم : المعروف المحفوظ: « من بني إسماعيل
__________
(1) - انظر كتابي (( الخلاصة في شرح حديث الولي ))
(2) - صحيح مسلم- المكنز -(7517 )
(3) - المستدرك للحاكم (8469) صحيح(1/108)
»،وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه؛ لأنه إنما أراد العرب،وهذه المدينة هي القسطنطينية ".
قلت: ومما يدلُّ على أنه إنما أراد العرب - وهم بنو إسماعيل - ما تقدم في حديث ذي مخمر رضي الله عنه: أن الروم يقولون لصاحبهم: كفيناك حدَّ العرب،ثم يغدرون ويجتمعون للملحمة (1) . فدلَّ هذا على أن الملحمة تكون بين العرب وبين الروم.
وظواهر أحاديث هذا الباب تدلُّ على ذلك أيضا،والذين يباشرون القتال في الملحمة الكبرى هم الذين يفتحون القسطنطينية.ويدلُّ على ذلك أيضا قوله في حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه: « ثم يخرج إليهم روقة المسلمين أهل الحجاز » (2) ،فدلَّ على أنهم بنو إسماعيل لا بنو إسحاق . والله أعلم (3) .
وفتح القسطنطينية بالقتال قد وقع على يد السلطان محمد الفاتح،وأما فتحها بدون قتال فلم يقع بعد،قال الشيخ أحمد شاكر: فتح القسطنطينية المبشر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله عز وجل،وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه،وأما فتح الترك الذي كان قبل عصرنا هذا فإنه كان تمهيداً للفتح الأعظم،ثم هي خرجت بعد ذلك من أيدي المسلمين منذ أعلنت حكومتهم هناك أنها حكومة غير إسلامية وغير دينية،وعاهدت الكفار أعداء الإسلام،وحكمت أمتها بأحكام القوانين الوثنية الكافرة،وسيعود الفتح الإسلامي لها إن شاء الله كما بشر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . انتهى.
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (4 / 315) (4113) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (11 / 401) (13487) فيه ضعف
(3) - إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - (1 / 401)(1/109)
الدعاء لأهل الشام
عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا،وَفِي يَمَنِنَا " قَالَ:قَالُوا:وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ:قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا " قَالَ:قَالُوا:وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ:قَالَ:"هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ،وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " (1)
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا،اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا " " . قَالُوا:وَفِي نَجْدِنَا . فَقَالَ:" اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا . قَالُوا:وَفِي نَجْدِنَا . قَالَ:" هُنَالِكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ،وَبِهَا،أَوْ قَالَ:مِنْهَا يَخْرُجُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا " مَرَّتَيْنِ . فَقَالَ رَجُلٌ:وَفِي مَشْرِقِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مِنْ هُنَالِكَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ وبهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ " (3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا،اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا "،قَالُوا:وَفِي نَجْدِنَا قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا،اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا "،قَالُوا:وَفِي نَجْدِنَا قَالَ:"هُنَالِكَ الزَّلَازِلُ،وَالْفِتَنُ مِنْهَا أَوْ قَالَ:بِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " (4)
وعن ابْنِ عُمَرَ قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا " (5)
وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا،وَنَظَرَ إِلَى الشَّامِ،فَقَالَ:"اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ "،وَنَظَرَ إِلَى الْعِرَاقِ،فَقَالَ نَحْوَ ذَلِكَ،وَنَظَرَ قِبَلَ كُلِّ أُفُقٍ،فَفَعَلَ ذَلِكَ،وَقَالَ:"اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مِنْ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ،وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا " (6)
__________
(1) - صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ (1037 )
(2) - سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ ـ الْجَامِعُ الصَّحِيحُ (4051 ) صحيح
(3) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (5499 ) صحيح
(4) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (5832 ) صحيح
(5) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (5909 ) صحيح
(6) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (14462 ) حسن(1/110)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا،وَفِي مَكَّتِنَا وَفِي مَدِينَتِنَا،وَفِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا "،فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي الْعِرَاقِ وَمِصْرَ،فَقَالَ:"هُنَاكَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ وَثَمَّ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ " (1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا،اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا " . قَالَ:فَقَالُوا:وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا،اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا " . قَالَ:فَقَالُوا:وَفِي نَجْدِنَا ؟ أَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ:"هُنَالِكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ،وَمِنْهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " (2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ،وَالشَّامِ،وَالْيَمَنِ،فَقَالَ:"اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ عَلَى طَاعَتِكَ،وَحُطَّ مِنْ وَرَائِهِمْ " (3)
وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرَ قِبَلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ،فَقَالَ:"لَا أَدْرِي بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتُمْ قَالَ:اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ إِلَى طَاعَتِكَ،وَحُطَّ مَنْ وَرَائِهِمْ " (4)
وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ قَالَ:لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ إِلَى طَاعَتِكَ وَحُطْ مِنْ وَرَائِهِمْ " (5) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،قَالَ:نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ الْيَمَنِ،فَقَالَ:"اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ "،ثُمَّ نَظَرَ قِبَلَ الشَّامِ قَالَ:"اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ ثُمَّ نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ فَقَالَ:اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا " (6)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ قَالَ:لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمْ بَدَأَ،ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ إِلَى طَاعَتِكَ،وَحُطَّ مَنْ وَرَاءَهُمْ " (7)
__________
(1) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (1287 ) صحيح
(2) - مُعْجَمُ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ (76 ) صحيح
(3) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (3133 ) حسن
(4) - مُعْجَمُ ابْنِ الْمُقْرِئِ (1018 ) حسن
(5) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2491 ) صحيح لغيره
(6) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2492 ) صحيح
(7) - فَوَائِدُ تَمَّامٍ (182) صحيح(1/111)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الْفَجْرِ،ثُمَّ انْفَتَلَ،فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ،فَقَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا،اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا " فَقَالَ رَجُلٌ:وَالْعِرَاقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَسَكَتَ،ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا،اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي حَرَمِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا " فَقَالَ رَجُلٌ:وَالْعِرَاقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:"مِنْ ثَمَّ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ،وَتَهِيجُ الْفِتَنُ " (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:دَعَا نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا،وَمُدِّنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي مَكَّتِنَا وَمَدِينَتِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَيَمَنِنَا "،فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَعِرَاقِنَا،فَقَالَ:"إِنَّ بِهَا قَرْنَ الشَّيْطَانِ،وََنَبْحَ الْفِتَنِ،وَإِنَّ الْجَفَاءَ بِالْمَشْرِقِ " (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ يَدْعُو:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا،وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا "،ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْمَشْرِقَ،فَقَالَ:"مِنْ هَاهُنَا يَخْرُجُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ وَالزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ،وَمِنْ هَاهُنَا الْفَدَّادُونَ " (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ (4248 ) حسن
(2) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (12390 ) صحيح
(3) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (7634 ) حسن لغيره
الفدادين : قال الهروي : قال أبو عمرو : هي الفدادين جمع فدان مشددا وهي البقر التي يحرث بها ، وأهلها أهل جفاء لبعدهم عن الأمصار ، قال : وقال أبو بكر : أراد : في أصحاب الفدادين ، فحذف أصحاب وأقام الفدادين مقامهم ، قال : وقال الأصمعي : الفدادين مشددا وهم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم ، يقال : فد يفد فديدا : إذا اشتد صوته ، قال : وقال أبو عبيدة : الفدادين مشددا : هم المكثرون من الإبل ، وهم جفاة أهل خيلاء ، ويكون معنى فداد في هذا كمعنى بزاز ، وعطار ، أي : أنه منسوب إليه معروف به ، وقال أبو العباس : الفدادون : الجمالون ، والرعيان ، والبقارون ، والحمارون. جامع الأصول في أحاديث الرسول - (9 / 348)(1/112)
الشام كنز الله
عَنْ قَتَادَةَ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،قَالَ لِكَعْبٍ:"أَلَا تَتَحَوَّلُ إِلَى الْمَدِينَةِ ؟ فِيهَا مُهَاجَرُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَبْرُهُ "،قَالَ كَعْبٌ:إِنِّي وَجَدْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ أَنَّ الشَّامَ كَنْزُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ،وَبِهَا كَنْزُهُ مِنْ خَلْقِهِ " (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (1073) فيه انقطاع وهو مقطوع(1/113)
عمود الكتاب بالشام
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ إِلَى الشَّامِ " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي،فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ،أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ فِي الشَّامِ " (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوَبٌ بِهِ فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّامِ " (4)
وقال أَبُو قِلَابَةَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ فَوَضَعَتْهُ بِالشَّامِ،فَأَوَّلْتُهُ أَنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّامِ " وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَةٍ:"إِنَّهُ كَائِنٌ بِالشَّامِ جُنْدٌ،وَبِالْعِرَاقِ جُنْدٌ،وَبِالْيَمَنِ جُنْدٌ " . فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خِرْ لِي فَقَالَ:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ،فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ،فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ،وَلْيَسْقِ بِغُدُرِهِ " (5)
قال الشيخ العز ابن عبد السلام: أخبر ( أن عمود الإسلام الذي هو الإيمان؛ يكون عند وقوع الفتن بالشام،بمعنى أن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام براء من ذلك ثابتين على الإيمان،وإن وقعت في غير الدين كان أهل الشام عاملين بموجب الإيمان،وإي مدح أتم من ذلك.أ.هـ (6)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (299 ) ومُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 2147 ) و حِلْيَةُ (7346 ) صحيح
(2) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (8696 ) صحيح
(3) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (300 ) صحيح
(4) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (301 ) صحيح
(5) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (22550 ) صحيح لغيره
(6) - إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى - (1 / 28)(1/114)
الشام أرض المحشر والمنشر
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ نَحْوِ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ " " قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ:" عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ " " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ:قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ بِحَضْرَمَوْتَ فَتَسُوقُ النَّاسَ " . قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا ؟،قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ " (2)
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ،أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ " . قَالُوا:فَبِمَ تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ " (3)
وعَنْ سَالِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ قِبَلِ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ " . قَالَ:قُلْنَا:فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ " (4)
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ:قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ " قَالُوا:فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ " (5)
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ عَدَدَ أَصَابِعِى هَذِهِ أَنْ لاَ آتِيَكَ - أَرَانَا عَفَّانُ وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ - فَبِالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا الَّذِى بَعَثَكَ بِهِ قَالَ « الإِسْلاَمُ ». قَالَ وَمَا الإِسْلاَمُ قَالَ « أَنْ يُسِْلمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتُصَلِّىَ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّىَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَحَدٍ تَوْبَةً أَشْرَكَ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ ». قُلْتُ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ
__________
(1) - سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ ـ الْجَامِعُ الصَّحِيحُ (2237 ) صحيح
(2) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (4408 ) صحيح
(3) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (5006 ) صحيح
(4) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (5595 ) صحيح
(5) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (5847 ) صحيح(1/115)
قَالَ « تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِى الْبَيْتِ ». قَالَ « تُحْشَرُون هَا هُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ الشَّامِ - مُشَاةً وَرُكْبَاناً وَعَلَى وُجُوهِكُمْ تُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ وَأَوَّلُ مَا يُعْرِبُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ ». وَقَالَ « مَا مَنْ مَوْلًى يَأْتِى مَوْلًى لَهُ فَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلٍ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ إِلاَّ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ شُجَاعاً يَنْهَسُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ ». قَالَ عَفَّانُ يَعْنِى بِالْمَوْلَى ابْنَ عَمِّهِ. قَالَ وَقَالَ « إِنَّ رَجُلاً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَالاً وَوَلَداً حَتَّى ذَهَبَ عَصْرٌ وَجَاءَ آخَرُ فَلَمَّا احْتُضِرَ قَالَ لِوَلَدِهِ أَىُّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ قَالُوا خَيْرَ أَبٍ. فَقَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطِيعِىَّ وَإِلاَّ أَخَذْتُ مَالِى مِنْكُمُ انْظُرُوا إِذَا أَنَا مُتُّ أَنْ تَحْرِقُونِى حَتَّى تَدَعُونِى حُمَماً ثُمَّ اهْرُسُونِى بِالمِهْرَاسِ ». وَأَدَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ حِذَاءَ رُكْبَتَيْهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَفَعَلُوا وَاللَّهِ - وَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ هَكَذَا - ثُمَّ اذْرُونِى فِى يَوْمٍ رَاحٍ لَعَلِّى أَضِلُّ اللَّهَ تَعَالَى ». كَذَا قَالَ عَفَّانُ. قَالَ أَبِى وَقَالَ مُهَنَّا أَبُو شِبْلٍ عَنْ حَمَّادٍ « أَضِلُّ اللَّهَ فَفَعَلُوا وَاللَّهِ ذَاكَ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فِى قَبْضَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَهُ قَالَ مِنْ مَخَافَتِكَ. قَالَ فَتَلاَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا ». (1)
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِى تُحَدِّثُ بِهِ تَقُولُ إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ - أَوْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا - لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا إِنَّمَا قُلْتُ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا يُحَرَّقُ الْبَيْتُ وَيَكُونُ وَيَكُونُ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِى أُمَّتِى فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - لاَ أَدْرِى أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا - فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ فَلاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ
__________
(1) - مسند أحمد - المكنز - (20557) صحيح
رغس : أعطى له وبارك فيه -راح : ذو ريح -الفدام : ما يشد على فم الإناء لتصفية الشراب أى تغلق أفواههم لتتكلم جوارحهم -ينهس : يعض(1/116)
فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلاَّ قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِى كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ ». قَالَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِى خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلاَمِ السِّبَاعِ لاَ يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلاَ تَسْتَجِيبُونَ فَيَقُولُونَ فَمَا تَأْمُرُنَا فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَهُمْ فِى ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا - قَالَ - وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ - قَالَ - فَيَصْعَقُ وَيَصْعَقُ النَّاسُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ - أَوْ قَالَ يُنْزِلُ اللَّهُ - مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ - نُعْمَانُ الشَّاكُّ - فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ - قَالَ - ثُمَّ يُقَالُ أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ فَيُقَالُ مِنْ كَمْ فَيُقَالُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ - قَالَ - فَذَاكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا وَذَلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ » (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7568 )
الليت : صفحة العنق وهما لِيتان والمعنى أمال صفحة عنقه(1/117)
أهل الشام في رباط دائم
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَهْلُ الشَّامِ وَأَزْوَاجُهُمْ وَذَرَارِيُّهِمْ وَعَبِيدُهُمْ وَإِمَاؤُهُمْ إِلَى مُنْتَهَى الْجَزِيرَةِ مُرَابِطُونَ،فَمَنْ نَزَلَ مَدِينَةً مِنَ الشَّامِ،فَهُوَ فِي رِبَاطٍ،أَوْ ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ،فَهُوَ مُجَاهِدٌ " (1) . وعن أبي الدرداء عن النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) قال: سيفتح على أمتي من بعدي الشام وشيكا فإذا فتحها فاحتلها بأهل الشام مرابطون إلى منتهى الجزيرة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم وعبيدهم فمن احتل ساحلا من تلك السواحل فهو في جهاد ومن احتل بيت المقدس وما حوله فهو في رباط " (2)
وعن النعمان بن بشير الأنصاري كتب معي معاوية إلى عائشة بعد قتل عثمان فقالت يا بن عمرة أين ضربت برأسك سنواتك هذه قلت:أتيت الشام أرض الجهاد. (3)
وعن أرطاة بن منذر أن عمر رضي الله عنه قال لجلسائه: أي الناس أعظم أجراً؟ فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة،ويقولون: فلان وفلان بعد أمير المؤمنين. فقال: ألا أخبركم بأعظم الناس أجراً ممّن ذكرتم ومن أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى. قال: رُويجل بالشام آخذ بلجام فرسه يكلأ مِنْ وراء بيضة المسلمين،لا يدري أسبع يفترسه،أم هامَّة تلدغه،أو عدوّ يغشاه؟ فذلك أعظم أجراً ممن ذكرتم ومن أمير المؤمين. (4) ،فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"لَأَنْ أَحْرُسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَاءَ بَيْضَةِ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ،الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " (5)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - فضائل الشام ودمشق - ( 7 ) وتاريخ دمشق - (1 / 282) ومجمع الزوائد - (16661) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَلَمْ يُسَمِّهِ ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ .
(2) - تاريخ دمشق - (1 / 283) وتعزية المسلم - ( 103 ) موصولا وفيه من لم أعرفه
(3) - تاريخ دمشق - (1 / 283) والتاريخ الأوسط 256 - (2 / 820)(575) صحيح
(4) - أخرجه ابن عساكر (1/283) وجامع الأحاديث - (26 / 253)(29013) فيه انقطاع
(5) - التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ (443 ) حسن(1/118)
أهل الشام سوط الله
عن خُرَيْمَ بْنِ فَاتِكٍ الْأَسَدِيِّ،قال:"أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ،يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ،كَيْفَ يَشَاءُ،وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ،وَلَنْ يَمُوتُوا إِلَّا هَمًّا أَوْ غَيْظًا أَوْ حُزْنًا " (1)
عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ ـ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ـ قَالَ:"أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ،يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ،وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ،وَلَا يَمُوتُونَ إِلَّا غَمًّا وَهَمًّا " (2)
وعَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الْأَسَدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ،يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ،وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ،وَلَا يَمُوتُوا إِلَّا غَمًّا وَهَمًّا " (3)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ،سَمِعَ أَبَاهُ،سَمِعَ ابْنَ فَاتِكٍ الْأَسَدِيَّ،يَقُولُ:"أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ،يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ،وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ وَلَا يَمُوتُونَ إِلَّا غَمًّا وَهَمًّا " (4)
وَسُئِلَ - شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ - : مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ ؟ هَلْ تُفَضَّلُ الْإِقَامَةُ فِي الشَّامِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْبِلَادِ ؟ وَهَلْ جَاءَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ فِي الْقُرْآنِ أَوِ الْأَحَادِيثِ أَمْ لَا ؟ أَجِيبُونَا مَأْجُورِينَ .
فَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ نَاصِرُ السُّنَّةِ تَقِيُّ الدِّينِ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ،الْإِقَامَةُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَكُونُ الْأَسْبَابُ فِيهِ أَطْوَعَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَفْعَلَ لِلْحَسَنَاتِ وَالْخَيْرِ بِحَيْثُ يَكُونُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ وَأَقْدَرَ عَلَيْهِ وَأَنْشَطَ لَهُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 514) (16065) 16162- حسن موقوف
(2) - الْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ ( 953 ) صحيح
(3) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (4054 ) صحيح لغيره
(4) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ ( 646 ) صحيح موقوف وهو الصواب(1/119)
حَالُهُ فِيهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ دُونَ ذَلِكَ . هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْجَامِعُ . فَإِنَّ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ . (1) " وَالتَّقْوَى " هِيَ : مَا فَسَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177) سورة البقرة.
وَجِمَاعُهَا فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ . وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْأَصْلَ فَهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِ الْإِنْسَانِ . فَقَدْ يَكُونُ مُقَامُ الرَّجُلِ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ أَفْضَلَ : إذَا كَانَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِيَدِهِ أَوْ لِسَانِهِ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ نَاهِيًا عَنِ الْمُنْكَرِ بِحَيْثُ لَوِ انْتَقَلَ عَنْهَا إلَى أَرْضِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ لَقَلَّتْ حَسَنَاتُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مُجَاهِدًا وَإِنْ كَانَ أَرْوَحَ قَلْبًا . وَكَذَلِكَ إذَا عَدِمَ الْخَيْرَ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ فِي أَمَاكِنِ الْفُجُورِ وَالْبِدَعِ . وَلِهَذَا كَانَ الْمُقَامُ فِي الثُّغُورِ بِنِيَّةِ الْمُرَابَطَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلَ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنَّ جِنْسَ الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ(20)} سورة التوبة .
وعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَ سَمِعَ الْقَوْمَ وَهُمْ يَقُولُونَ : أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ،وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ،وَحَجٌّ مَبْرُورٌ (2) . وَهَكَذَا لَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الْهِجْرَةِ وَالِانْتِقَالِ
__________
(1) - قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات
(2) - صحيح ابن حبان - (10 / 455) (4595) صحيح(1/120)
إلَى الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ الَّتِي لَوِ انْتَقَلَ إلَيْهَا لَكَانَتِ الطَّاعَةُ عَلَيْهِ أَهْوَنَ وَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدَةٌ ؛ لَكِنَّهَا هُنَاكَ أَشَقُّ عَلَيْهِ . فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوَتِ الطَّاعَتَانِ فَأَشَقُّهُمَا أَفْضَلُهُمَا ؛ وَبِهَذَا نَاظَرَ مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ الْمُقِيمُونَ بَيْنَ الْكُفَّارِ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ فَقَالُوا : كُنَّا عِنْدَ الْبَغْضَاءِ الْبُعَدَاءَ وَأَنْتُمْ عِنْدُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْلَمُ جَاهِلَكُمْ وَيُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ دِينُهُ هُنَاكَ أَنْقَصَ فَالِانْتِقَالُ أَفْضَلُ لَهُ وَهَذَا حَالُ غَالِبِ الْخَلْقِ ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُدَافِعُونَ ؛ بَلْ يَكُونُونَ عَلَى دِينِ الْجُمْهُورِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ : فَدِينُ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَشَرَائِعُهُ أَظْهَرُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ . هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَهُوَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ،وَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى ذَلِكَ : مِثْلُ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى فِى الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ » (1) .
وعَنْ شَهْرٍ،قَالَ : أَتَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو عَلَى نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ وَهُوَ يُحَدِّثُ،فَقَالَ : حَدِّثْ،فَإِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ الْحَدِيثِ،قَالَ : مَا كُنْتُ لأُحَدِّثُ وَعِنْدِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ مِنْ قُرَيْشٍ،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ،فَخِيَارُ الأَرْضِ،قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ : لَخِيَارُ الأَرْضِ،إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ،فَيَبْقَى فِي الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا،تَلْفِظُهُمُ الأَرْضُ،وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ،ثُمَّ قَالَ : حَدِّثْ،فَإِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (2484 ) حسن
قوله ستكون هجرة بعد هجرة معنى الهجرة الثانية الهجرة إلى الشام يرغب في المقام بها وهي مهاجر إبراهيم صلوات الله عليه . وقوله تقذرهم نفس الله تأويله أن الله يكره خروجهم إليها ومقامهم بها فلا يوفقهم لذلك فصاروا بالرد وترك القبول في معنى الشيء الذي تقذره نفس الإنسان فلا تقبله . وذكر النفس هاهنا مجاز واتساع في الكلام وهذا شبيه بمعنى قوله {ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين} [التوبة : 46].معالم السنن للخطابي 288 - (2 / 235)(1/121)
الْحَدِيثِ،فَقَالَ : مَا كُنْتُ لأُحَدِّثُ،وَعِنْدِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ مِنْ قُرَيْشٍ،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو،سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ : يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ،يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ،كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ،حَتَّى يَخْرُجَ فِي بَقِيَّتِهِمُ الدَّجَّالُ." (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ،فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ إِلَى مُهَاجَرِ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،وَيَبْقَى فِيهَا شِرَارُهَا،تَلْفِظُهُمُ الأَرْضُ وَتَقْذِرُهُمْ،فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَارًا يَحْشُرُهُمْ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ،تَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا،وَتَرُوحُ إِذَا رَاحُوا،وَتَأْكُلُ مِنْ خَلْفِهَا،وَشَرُّ أَقْوَامٍ بِالْمَشْرِقِ،كُلَّمَا نَشَأَ قَرْنٌ قَطَعَ قَرْنٌ،يَخْرُجُ فِي أَعْرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ. (2)
وَفِي سُنَنِهِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ ». قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ خِرْ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ « عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِى إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِى بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ » (3) .
وفي رواية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّكُمْ سَتُجَنَّدُونَ أَجْنَادًا : جُنْدٌ بِالشَّامِ،وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ،وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ "،فَقَالَ الْحَرَّانِيُّ : خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : " عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ،فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ،وَيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ،فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " فَكَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْتَفَتَ إِلَى ابْنِ عَامِرٍ فَقَالَ : مَنْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِهِ فَلَا ضَيْعَةَ عَلَيْهِ " (4)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 692) (6952) حسن - زيادة مني
(2) - مسند الشاميين 360 - (4 / 72)(2761) حسن - زيادة مني
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (2485 ) صحيح
(4) - نُسْخَةُ أَبِي مِسْهِرٍ وَغَيْرِهِ (2 ) صحيح(1/122)
وعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا جُنْدًا بِالشَّامِ،وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ،وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ "،فَقُلْتُ : خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ:" عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ،وَلْيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ ".فَسَمِعْتُ أَبَا إِدْرِيسَ يَقُولُ : مَنْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِهِ فَلَا ضَيْعَةٌ عَلَيْهِ " (1)
وَهَذَانِ نَصَّانِ فِي تَفْضِيلِ الشَّامِ . وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ » (2) .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد : أَهْلُ الْغْرِبِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ (3) وَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي ذَاكَ الزَّمَانِ كَانُوا يُسَمُّونَ أَهْلَ نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ أَهْلَ الْمَشْرِقِ وَيُسَمُّونَ أَهْلَ الشَّامِ أَهْلَ الْمَغْرِبِ ؛ لِأَنَّ التَّغْرِيبَ وَالتَّشْرِيقَ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ،فَكُلُّ مَكَانٍ لَهُ غَرْبٌ وَشَرْقٌ ؛ فَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فَمَا تَغَرَّبَ عَنْهَا فَهُوَ غُرْبَةٌ وَمَا تَشَرَّقَ عَنْهَا فَهُوَ شرقة . وَمَنْ عَلِمَ حِسَابَ الْبِلَادِ - أَطْوَالَهَا وَعُرُوضَهَا - عَلِمَ أَنَّ الْمَعَاقِلَ الَّتِي بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ - كَالْبِيرَةِ وَنَحْوِهَا - هِيَ مُحَاذِيَةٌ لِلْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ كَمَا أَنَّ مَا شَرَّقَ عَنْهَا بِنَحْوِ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَحَرَّانَ وَمَا سَامَتَهَا مِثْلُ الرَّقَّةِ وسميساط فَإِنَّهُ مُحَاذٍ أُمَّ الْقُرَى مَكَّةَ . شَرَّفَهَا اللَّهُ . وَلِهَذَا كَانَتْ قِبْلَتُهُ هُوَ أَعْدَلَ الْقِبَلِ فَمَا شَرَّقَ عَمَّا حَاذَى الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ فَهُوَ شَرْقُهَا وَمَا يَغْرُبُ ذَلِكَ فَهُوَ غَرْبُهَا . وَفِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا مِثْلُ " مُسْنَدِ أَحْمَد " وَغَيْرِهِ عِدَّةُ آثَارٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْأَصْلِ عن خُرَيْمَ بْنِ فَاتِكٍ الأَسَدِيِّ ،قال: أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللهِ فِي الأَرْضِ،يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ،كَيْفَ يَشَاءُ،وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ،وَلَنْ يَمُوتُوا إِلاَّ هَمًّا،أَوْ غَيْظًا،أَوْ حُزْنًا. (4)
__________
(1) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2594 ) صحيح - زيادة مني
أبى : رفض وامتنع -يسق : المقصود ، ملازمة الرعي- تكفل : ضمن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5067 )
(3) - إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى - (1 / 23)
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 514)(16065) 16162- حسن موقوف(1/123)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي،فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي،فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ،أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ،بِالشَّامِ " (1)
وَعَمُودُ الْكِتَابِ وَالْإِسْلَامِ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَهُمْ حَمَلَتُهُ الْقَائِمُونَ بِهِ .
وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ نُفَيْلٍ،أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : إِنِّي أسَمْتُ الْخَيْلَ،وَأَلْقَيْتُ السِّلاَحَ،وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا،قُلْتُ : لاَ قِتَالَ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ،لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ،يَزْيِغُ اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ،فَيُقَاتِلُونَهُمْ،وَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ،حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ،أَلاَ إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ،وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (2)
وَمِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ » (3) .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ،أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ هَانِئٍ،حَدَّثَهُ،قَالَ : سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ،عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ،أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ.فَقَامَ مَالِكُ بْنُ يَخَامِرٍ السَّكْسَكِيُّ،فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ،يَقُولُ : وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : وَرَفَعَ صَوْتَهُ هَذَا مَالِكٌ،يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا،يَقُولُ : وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ (4) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا تَزَالُ بِدِمَشْقَ عِصَابَةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ " (5)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (8554) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 787)(16965) 17090- حسن
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (7311 ) وصحيح مسلم- المكنز -(5060) وقد ذكر رواية عن معاذ ونسبها للصحيحين ولكني لم أجدها
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 778)(16932) 17056- صحيح
(5) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (2498 ) حسن(1/124)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهُ،وَعَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ،لا يَضُرُّهُمْ خِذْلانُ مَنْ خَذَلَهُمْ،ظَاهِرِينَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ". رواه الطبراني (1) .
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ،لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ،إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ،حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. رواه أحمد (2) .
وعن زَيْدَ بْنِ ثَابِتٍ،قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ إِذْ قَالَ : طُوبَى لِلشَّامِ قِيلَ : وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : إِنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا. (3)
وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مُتَعَاضِدَةٌ ،وَلَكِنَّ الْجَوَابَ - لَيْسَ عَلَى الْبَدِيهَةِ - عَلَى عَجَلٍ . وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا رُوِيَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ مَعَ مَا عُلِمَ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَكُشُوفَاتِ الْعَارِفِينَ : أَنَّ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ ابْتَدَآ مِنْ مَكَّةَ أُمِّ الْقُرَى فَهِيَ أُمُّ الْخَلْقِ وَفِيهَا اُبْتُدِئَتْ الرِّسَالَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ الَّتِي طَبَقَ نُورُهَا الْأَرْضَ وَهِيَ جَعَلَهَا اللَّهُ قِيَامًا لِلنَّاسِ : إلَيْهَا يُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ وَيَقُومُ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ . فَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ ظُهُورُهُ بِالْحِجَازِ أَعْظَمَ وَدَلَّتِ الدَّلَائِلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى أَنَّ " مُلْكَ النُّبُوَّةِ " بِالشَّامِ وَالْحَشْرَ إلَيْهَا . فَإِلَى بَيْت الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ يَعُودُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ . وَهُنَاكَ يُحْشَرُ الْخَلْقُ . وَالْإِسْلَامُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَكُونُ أَظْهَرَ بِالشَّامِ . وَكَمَا أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَوَّلُ الْأُمَّةِ خَيْرٌ مِنْ آخِرِهَا . وَكَمَا أَنَّهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَعُودُ الْأَمْرُ إلَى الشَّامِ كَمَا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى . فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي آخِرِ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 98) (220 ) والْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (4597) ضعيف
(2) -غاية المقصد فى زوائد المسند 2 - (ج 2 / ص 237) (4384 ) ومسند أحمد (22980) صحيح لغيره
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 240)(21607) 21943- صحيح لغيره(1/125)
الزَّمَانِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ بِالشَّامِ . فَالْأَمْرُ مِسَاسُهُ كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ وَالْمَعْلُومُ . وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى بَرَكَةِ الشَّامِ فِي خَمْسِ آيَاتٍ : قَوْلُهُ : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} (137) سورة الأعراف،وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا أَوْرَثَ بَنِي إسْرَائِيلَ أَرْضَ الشَّامِ . وَقَوْلُهُ : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) سورة الإسراء ،وَقَوْلُهُ : {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (71) سورة الأنبياء ،وَقَوْلُهُ : {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (81) سورة الأنبياء،وقَوْله تَعَالَى {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} (18) سورة سبأ . فَهَذِهِ خَمْسُ آيَاتٍ نُصُوصٍ . و" الْبَرَكَةُ " تَتَنَاوَلُ الْبَرَكَةَ فِي الدِّينِ وَالْبَرَكَةَ فِي الدُّنْيَا . وَكِلَاهُمَا مَعْلُومٌ لَا رَيْبَ فِيهِ . فَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَالْغَالِبِ . وَأَمَّا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَقَدْ يَكُونُ مُقَامُهُ فِي غَيْرِ الشَّامِ أَفْضَلَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ . وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لَوْ خَرَجُوا عَنْهَا إلَى مَكَانٍ يَكُونُونَ فِيهِ أَطْوَعَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لَكَانَ أَفْضَلَ لَهُمْ . وَقَدْ كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ لَهُ : كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ أَنْ هَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ إِنَّ الأَرْضَ لاَ تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الإِنْسَانَ عَمَلُهُ (1) . وَهُوَ كَمَا قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ؛ فَإِنَّ مَكَّةَ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى - أَشْرَفُ الْبِقَاعِ وَقَدْ كَانَتْ فِي غُرْبَةِ الْإِسْلَامِ دَارَ كُفْرٍ وَحَرْبٍ يَحْرُمُ الْمُقَامُ بِهَا وَحَرَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا الْمُهَاجِرُونَ فَيُقِيمُوا بِهَا وَقَدْ كَانَتْ الشَّامُ فِي زَمَنِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ خُرُوجِهِ بِبَنِي إسْرَائِيلَ دَارَ الصَّابِئَةِ الْمُشْرِكِينَ الْجَبَابِرَةِ الْفَاسِقِينَ وَفِيهَا قَالَ تَعَالَى لِبَنِي إسْرَائِيلَ : {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ
__________
(1) - موطأ مالك- المكنز - (1464 ) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي - (1379 ) فيه انقطاع(1/126)
وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (145) سورة الأعراف. فَإِنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ " دَارَ كُفْرٍ " أَوْ " دَارَ إسْلَامٍ أَوْ إيمَانٍ " أَوْ " دَارَ سِلْمٍ " أَوْ " حَرْبٍ " أَوْ " دَارَ طَاعَةٍ " أَوْ مَعْصِيَةٍ " أَوْ " دَارَ الْمُؤْمِنِينَ " أَوْ " الْفَاسِقِينَ " أَوْصَافٌ عَارِضَةٌ ؛ لَا لَازِمَةٌ . فَقَدْ تَنْتَقِلُ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ كَمَا يَنْتَقِلُ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ مِنَ الْكُفْرِ إلَى الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ . وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الدَّائِمَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ فَفِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (62) سورة البقرة. وَقَالَ تَعَالَى : { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) } [البقرة : 111،112]. وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (125) سورة النساء . وَإِسْلَامُ الْوَجْهِ لِلَّهِ تَعَالَى هُوَ إخْلَاصُ الْقَصْدِ وَالْعَمَلِ لَهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) سورة الفاتحة ،وَقَالَ : {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (123) سورة هود ،وَقَالَ تَعَالَى : {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) سورة هود. وَمُنْذُ أَقَامَ اللَّهُ حُجَّتَهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بِخَاتَمِ رُسُلِهِ مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ الْإِيمَانُ بِهِ وَطَاعَتُهُ وَاتِّبَاعُ شَرِيعَتِهِ وَمِنْهَاجِهِ . فَأَفْضَلُ الْخَلْقِ أَعْلَمُهُمْ وَأَتْبَعُهُمْ لِمَا جَاءَ بِهِ : عِلْمًا وَحَالًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا وَهُمْ أَتْقَى الْخَلْقِ . وَأَيُّ مَكَانٍ وَعَمَلٍ كَانَ أَعْوَنَ لِلشَّخْصِ عَلَى هَذَا الْمَقْصُودِ كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ ؛ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ شَيْئًا آخَرَ . ثُمَّ إذَا فَعَلَ كُلُّ شَخْصٍ مَا هُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ فَإِنْ تَسَاوَتِ الْحَسَنَاتُ وَالْمَصَالِحُ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ مَعَ مَا حَصَلَ لِلْآخَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ وَإِلَّا فَإِنَّ أَرْجَحَهُمَا فِي ذَلِكَ هُوَ أَفْضَلُهُمَا . وَهَذِهِ الْأَوْقَاتُ يَظْهَرُ فِيهَا مِنَ النَّقْصِ فِي خَرَابِ "(1/127)
الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ " عِلْمًا وَإِيمَانًا مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ فَضْلُ كَثِيرٍ مِمَّنْ بِأَقْصَى الْمَغْرِبِ عَلَى أَكْثَرِهِمْ . فَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى فَضْلِ الْبُقْعَةِ فِي فَضْلِ أَهْلِهَا مُطْلَقًا ؛ بَلْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ،وَلَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِفَضْلِ الْإِنْسَانِ فِي إيمَانِهِ وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ،ثُمَّ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْبِقَاعِ أَعْوَنَ عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَإِعَانَةِ مَكَّةَ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ الْمُضَعَّفَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَقَدْ يَحْصُلُ فِي الْأَفْضَلِ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ يَجْعَلُهُ مَفْضُولًا : مِثْلُ مَنْ يُجَاوِرُ بِمَكَّةَ مَعَ السُّؤَالِ وَالِاسْتِشْرَافِ وَالْبِطَالَةِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ،وَكَذَلِكَ مَنْ يَطْلُبُ الْإِقَامَةَ بِالشَّامِ لِأَجْلِ حِفْظِ مَالِهِ وَحُرْمَةِ نَفْسِهِ لَا لِأَجْلِ عَمَلٍ صَالِحٍ . فَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ . وَهَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ إنَّمَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبَبِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ : { إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ،فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ،وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا،أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا،فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ. } (1)
وعَنْ شَقِيقٍ،قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيْئًا فَهُوَ لَهُ"،قَالَ:"هَاجَرَ رَجُلٌ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ،وَكَانَ يُسَمَّى مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ" (2) .. وَإِذَا فَضَّلْت جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ تَفْضِيلَ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ كَتَفْضِيلِ الْقَرْنِ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ وَتَفْضِيلِ الْعَرَبِ عَلَى مَا سِوَاهُمْ وَتَفْضِيلِ قُرَيْشٍ عَلَى مَا سِوَاهُمْ . فَهَذَا هَذَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1)
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 500)(8462 ) صحيح
(3) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (27 / 39)(1/128)
الإيمان عند وقوع الفتن بالشام
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،قَالَ:سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي،أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي،فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ،أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،قَالَ:سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي،أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي،فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ،أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ " (2)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي،فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ،فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي،فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ،أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ " (3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ:"إِنِّي رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي الْمَنَامِ أَخَذُوا عَمُودَ الْكِتَابِ فَعَمَدُوا بِهِ إِلَيَّ الشَّامِ،فَإِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّامِ " (4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَلَا إِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ " (5)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا عَمُودَ الْكِتَابِ فَعَمَدُوا بِهِ إِلَى الشَّامِ،فَإِذَا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فَالْأَمْنُ بِالشَّامِ " (6)
__________
(1) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (17516 ) صحيح
(2) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (17516 ) صحيح لغيره
(3) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (21267 ) صحيح
(4) - الْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ (697 ) صحيح
(5) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 2148 ) صحيح
(6) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (2792 ) صحيح(1/129)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي " رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي،فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي،فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ،أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنِّي رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي،فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ،أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي،فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلَا إِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ "
وفي رواية " حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ " . وَقَالَ:إِنِّي أَوَّلْتُ أَنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّامِ (3)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي،فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ،فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي،فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ،أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ فِي الشَّامِ "،يَعْنِي فِتَنَ الْمَلَاحِمِ " (4)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي،فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ،فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ،وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتْنَةُ بِالشَّامِ " (5)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (4310 ) صحيح
(2) - فَوَائِدُ تَمَّامٍ (1179 ) صحيح
(3) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2775 ) صحيح
(4) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (1167 ) صحيح
(5) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2774) وقال : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ(1/130)
ابتلاء أهل الشام بالطاعون ليكون لهم شهادة ورحمة
عن مُسْلِمَ بْنِ عُبَيْدٍأبي نُصَيْرَةَ،قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَسِيبٍ،مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالْحُمَّى،وَالطَّاعُونِ،فَأَمْسَكْتُ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ،وَأَرْسَلْتُ الطَّاعُونَ إِلَى الشَّامِ،فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لأُمَّتِي،وَرَحْمَةٌ،وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِ. (1)
وعنه قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَسِيبٍ،مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْحُمَّى وَالطَّاعُونِ،فَأَمْسَكَتِ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ،وَأُرْسِلَتِ الطَّاعُونُ إِلَى الشَّامِ،وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ وَرَحْمَةٌ لِأُمَّتِي،وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِينَ" (2)
الرِّجْس : القَذَر،وقد يُعَبَّرُ به عن الحرام والفعلِ القبيح،والعذاب،والَّلْعنة،والكفر
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ،حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ،لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ،فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ،قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقَالَ عُمَرُ : ادْعُ لِيَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوْلِينَ،فَدَعَوْتُهُمْ،فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا،فَقَالَ بَعْضُهُمْ : خَرَجْتَ لأَمْرٍ فَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ،وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ،فَقَالَ : ارْتَفِعُوا عَنِّي،ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِيَ الأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ،فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ،فَقَالَ : ارْتَفِعُوا عَنِّي،ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ،فَدَعَوْتُهُمْ،فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ،وَقَالُوا : نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ،فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ،فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ،فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ : أَفِرَارًا مِنْ قَدْرِ اللهِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلاَفَهُ نَفِرُ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ،أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خِصِبَةٌ،وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ،أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخِصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ،وَإِنْ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 924)(20767) 21048- ومعرفة الصحابة لأبي نعيم - (1 / 329)(1035) و(5 / 2968) صحيح
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (1 / 329)(1035) و(5 / 2968) صحيح(1/131)
رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ،قَالَ : نَعَمْ. قَالَ : فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ،وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ،فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا،سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدُمُوا عَلَيْهِ،وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَ : فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ انْصَرَفَ. (1)
قوله (( حتى إذا كان بسَرْغَ )) ؛ قال أبو زكريا النووى : (( أما سَرْغُ ـ فبسين مهملة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم غين معجمة ـ وحكى القاضى وغيره أيضا : فتح الراء والمشهور إسكانها،ويجوز صرفه وتركه،وهى قرية فى طرف الشام مما يلى الحجاز . والمراد بالأجناد هنا مدن الشام الخمس وهى : فلسطين،والأردن،ودمشق،وحمص،وقنسرين )) .
وأما الوباء،فطاعون عمواس الذى وقع بالشام سنة ثمان عشرة . ذكر المدائني عن العجلاني عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان قال : مات في طاعون عمواس ستة وعشرون ألفا . ويقال : مات فيه من آل صخر عشرون فتى،ومن آل الوليد بن المغيرة عشرون فتى . وممن مات فيه من الصحابة : أبو عبيدة بن الجراح،ومعاذ بن جبل،والفضل بن العباس بن عبد المطلب،ويزيد بن أبى سفيان،وشرحبيل بن حسنة،والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى،وسهيل بن عمرو،وابنه أبو جندل بن سهيل،وكثير من فضلاء الصحابة .
وقال بعض بنى المغيرة فيمن مات منهم فى طواعين الشام وقتذاك :
من ينزلُ الشامَ ويعرسُ به فالشامُ إن لم يُفننا كاربُ
أفنى بنى ريطة فرسانهم عشرين لم يقصص لهم شاربُ
ومن بنى أعمامهم مثلهم لمثل هذا يعجب العاجبُ
طعنٌ وطاعونٌ مناياهُمُ ذلك ما خطَّ لنا الكاتبُ (2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (7 / 218)(2953) وصحيح البخارى- المكنز - (5729) وصحيح مسلم- المكنز - (5915)
(2) - فضائل الشام لأبي محمد الألفي(1/132)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،أَنَّ الطَّاعُونَ وَقَعَ بِالشَّامِ،فَقَالَ : إِنَّهُ رِجْزٌ،فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ،فَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ،إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَعَمْرٌو أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ - أَوْ جَمَلِ أَهْلِهِ - وَقَالَ : إِنَّهَا رَحْمَةٌ رَبِّكُمْ،وَدَعْوَةٌ نَبِيِّكُمْ،وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ،فَاجْتَمِعُوا لَهُ وَلاَ تَفَرَّقُوا عَنْهُ. فَسَمِعَ ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ : صَدَقَ. (1)
وعَنْ أَبِي مُنِيبٍ الأَحْدَبِ قَالَ : خَطَبَ مُعَاذٌ بِالشَّامِ،فَذَكَرَ الطَّاعُونَ فَقَالَ : إِنَّهَا رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ،وَقَبْضُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ . اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَى آلِ مُعَاذٍ نَصِيبَهُمْ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ . ثُمَّ نَزَلَ مِنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ،فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ : {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}،فَقَالَ مُعَاذٌ : {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. (2)
وعن عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ فِي الْجَيْشِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حِينَ وَقَعَ الْوَبَاءُ،فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَذِهِ رَحْمَةُ رَبُّكُمْ،وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ،وَوَفَاةُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ "،ثُمَّ قَالَ مُعَاذُ وَهُوَ يَخْطُبُ : " اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَى آلِ مُعَاذٍ نَصِيبَهُمُ الْأَوْفَى مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ " فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أُتِيَ فَقِيلَ : طُعِنَ ابْنُكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ،فَلَمَّا أَنْ رَأَى أَبَاهُ مُعَاذًا،قَالَ : يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : يَا أَبَتِ،الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ قَالَ : يَقُولُ مُعَاذٌ : " سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ "،فَمَاتَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ آلُ مُعَاذٍ كُلُّهُمْ ثُمَّ كَانَ هُوَ آخِرَهُمْ " (3)
وقَالَ مَعْمَرٌ : وَبَلَغَنِي أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ،قَالَ حِينَ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِالشَّامِ مَرَّةً،فَأَلَمَّ أَنْ يُفْنِيَهُمْ،حَتَّى قَالَ النَّاسُ : هَذَا الطُّوفَانُ،فَأَذَّنَ مُعَاذٌ بِالنَّاسِ : أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ،فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ،فَقَالَ : " لَا تَجْعَلُوا رَحْمَةَ رَبِّكُمْ،وَدَعْوَةَ نَبِيِّكُمْ كعَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ قَوْمٌ،أَمَا إِنِّي سَأُخْبِرُكُمْ بِحَدِيثٍ لَوْ ظَنَنْتُ أَنِّي أَبْقَى فِيكُمْ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ خَمْسٌ مَنْ أَدْرَكَهُنَّ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (7 / 216)(2951) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 93)(17755) 17907 صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 370)(22085) 22436- صحيح لغيره
(3) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (5184 ) فيه ضعف(1/133)
مِنْكُمْ وَاسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ فَلْيَمُتْ : أَنْ يَكْفُرَ امْرُؤٌ بَعْدَ إِيمَانِهِ،أَوْ يَسْفِكَ دَمًا بِغَيْرِ حَقِّهِ،أَوْ يُعْطَى الْمَرْءُ مَالَ اللَّهِ عَلَى أَنْ يَكْذِبَ وَيَفْجُرَ،وَأَنْ يَظْهَرَ الْمُلَاعِنُ،وَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : لَا أَدْرِي مَا أَنَا إِنْ مِتُّ وَإِنْ أَنَا حَيِيتُ "،يَعْنِي : الْمُلَاعِنَ أَنْ يُلَاعِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ " (1)
وعَنِ الحَارثِ بْنِ عُمَيْرٍ الزُّبَيْديِّ،قَالَ:وَقَعَ الطَّاعُونُ بِالشَّامِ،فَقَامَ مُعَاذٌ بِحِمْصَ،فَخَطَبَهُمْ،فَقَالَ : " إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ " (2)
وقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " سَتُهَاجِرُونَ إِلَى الشَّامِ فَيُفْتَحُ لَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ دَاءٌ كَالدُّمَّلِ أَوْ كَالْحَرَّةِ يَأْخُذُ بِمَرَاقِّ الرَّجُلِ يَسْتَشْهِدُ اللَّهُ بِهِ أَنْفُسَهُمْ،وَيُزَكِّي بِهِ أَعْمَالَهُمْ " اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطِهِ هُوَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنْهُ،فَأَصَابَهُمُ الطَّاعُونُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَطُعِنَ فِي أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ،فَكَانَ يَقُولُ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمْرَ النَّعَمِ " (3)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَنْزِلُونَ مَنْزِلًا يُقَالُ لَهُ الْجَابِيَةُ يُصِيبُكُمْ فِيهِ دَاءٌ مِثْلُ غُدَّةِ الْجَمَلِ , يَسْتَشْهِدُ اللَّهُ فِيهِ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَكُمْ , وَيُزَكِّي بِهِ أَعْمَالَكُمْ " (4)
وفِي هَذا الحَدِيث جَواز رُجُوع مَن أَرادَ دُخُول بَلدَة فَعَلِمَ أَنَّ بِها الطّاعُون،وأَنَّ ذَلِكَ لَيسَ مِنَ الطِّيَرَة،وإِنَّما هِيَ مِن مَنع الإِلقاء إِلَى التَّهلُكَة،أَو سَدّ الذَّرِيعَة لِئَلاَّ يَعتَقِد مَن يَدخُل إِلَى الأَرض الَّتِي وقَعَ بِها أَن لَو دَخَلَها وطُعِنَ العَدوى المَنهِيّ عَنها كَما سَأَذكُرُهُ،وقَد زَعَمَ قَوم أَنَّ النَّهي عَن ذَلِكَ إِنَّما هُو لِلتَّنزِيهِ،وأَنَّهُ يَجُوز الإِقدام عَلَيهِ لِمَن قَوِيَ تَوكُّله وصَحَّ يَقِينه.
وتَمَسَّكُوا بِما جاءَ عَن عُمَر أَنَّهُ نَدِمَ عَلَى رُجُوعه مِن سَرغ كَما أَخرَجَ ابن أَبِي شَيبَة بِسَنَدٍ جَيِّد مِن رِوايَة عُروة بن رُويم عَن القاسِم بن مُحَمَّد عَن ابن عُمَر قالَ : "جِئت عُمَر حِين
__________
(1) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (775 ) قلت : هو معضل
(2) - مُسْنَدُ عَبْدِ بْنِ حُمَيدٍ (131 ) صحيح لغيره
(3) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (21609 ) حسن لغيره
(4) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ(202 ) حسن(1/134)
قَدِمَ فَوجَدته قائِلاً فِي خِبائِهِ،فانتَظَرتهُ فِي ظِلّ الخِباء،فَسَمِعَتهُ يَقُول حِين تَضَوَّرَ : اللَّهُمَّ اغفِر لِي رُجُوعِي مِن سَرغ"
وأَخرَجَهُ إِسحاق بن راهويهِ فِي مُسنَده أَيضًا . وأَجابَ القُرطُبِيّ فِي "المُفهِم " بِأَنَّهُ لا يَصِحّ عَن عُمَر،قالَ : وكَيف يَندَم عَلَى فِعل ما أَمَرَ بِهِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ويَرجِع عَنهُ ويَستَغفِر مِنهُ ؟ وأُجِيبَ بِأَنَّ سَنَده قَوِيّ والأَخبار القَوِيَّة لا تُرَدّ بِمِثلِ هَذا مَعَ إِمكان الجَمع فَيَحتَمِل أَن يَكُون كَما حَكاهُ البَغَوِيُّ فِي شَرح السُّنَّة عَن قَوم أَنَّهُم حَمَلُوا النَّهي عَلَى التَّنزِيه،وأَنَّ القُدُوم عَلَيهِ جائِز لِمَن غَلَبَ عَلَيهِ التَّوكُّل،والانصِراف عَنهُ رُخصَة.
ويَحتَمِل،وهُو أَقوى،أَن يَكُون سَبَب نَدَمه أَنَّهُ خَرَجَ لأَمرٍ مُهِمّ مِن أُمُور المُسلِمِينَ،فَلَمّا وصَلَ إِلَى قُرب البَلَد المَقصُود رَجَعَ،مَعَ أَنَّهُ كانَ يُمكِنهُ أَن يُقِيم بِالقُربِ مِنَ البَلَد المَقصُود إِلَى أَن يَرتَفِع الطّاعُون فَيَدخُل إِلَيها ويَقضِي حاجَة المُسلِمِينَ،ويُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ الطّاعُون ارتَفَعَ عَنها عَن قُرب،فَلَعَلَّهُ كانَ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَنَدِمَ عَلَى رُجُوعه إِلَى المَدِينَة،لا عَلَى مُطلَق رُجُوعه،فَرَأَى أَنَّهُ لَو انتَظَرَ لَكانَ أَولَى لِما فِي رُجُوعه عَلَى العَسكَر الَّذِي كانَ صُحبَته مِنَ المَشَقَّة،والخَبَر لَم يَرِد بِالأَمرِ بِالرُّجُوعِ وإِنَّما ورَدَ بِالنَّهيِ عَن القُدُوم،والله أَعلَم.
وأَخرَجَ الطَّحاوِيّ بِسَنَدٍ صَحِيح " عَن زَيد بن أَسلَمَ عَن أَبِيهِ قالَ قالَ عُمَر : اللَّهُمَّ إِنَّ النّاس قَد نَحَلُونِي ثَلاثًا أَنا أَبرَأ إِلَيك مِنهُنَّ : زَعَمُوا أَنِّي فَرَرت مِنَ الطّاعُون وأَنا أَبرَأ إِلَيك مِن ذَلِكَ " وذَكَرَ الطِّلاء والمَكس،وقَد ورَدَ عَن غَير عُمَر التَّصرِيح بِالعَمَلِ فِي ذَلِكَ بِمَحضِ التَّوكُّل،فَأَخرُج ابن خُزَيمَةَ بِسَنَدٍ صَحِيح " عَن هِشام بن عُروة عَن أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَير بن العَوّام خَرَجَ غازِيًا نَحو مِصر ،فَكَتَبَ إِلَيهِ أُمَراء مِصر أَنَّ الطّاعُون قَد وقَعَ،فَقالَ : إِنَّما خَرَجنا لِلطَّعنِ والطّاعُون،فَدَخَلَها فَلَقِيَ طَعنًا فِي جَبهَته ثُمَّ سَلَّمَ"
وفِي الحَدِيث أَيضًا مَنع مَن وقَعَ الطّاعُون بِبَلَدٍ هُو فِيها مِنَ الخُرُوج مِنها،وقَد اختَلَفَ الصَّحابَة فِي ذَلِكَ كَما تَقَدَّمَ. (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (10 / 187)(1/135)
استقبل بي الشام
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ اسْتَقْبَلَ بِي الشَّامَ وَوَلَّى ظَهْرِي الْيَمَنَ وَقَالَ لِي:"يَا مُحَمَّدُ جَعَلْتُ مَا تُجَاهَكَ غَنِيمَةً وَرِزْقًا وَمَا خَلْفَ ظَهْرِكَ مَدَدًا،وَلَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ يَزِيدُ،وَيَنْقُصُ الشِّرْكُ وَأَهْلُهُ حَتَّى تَسِيرَ الْمَرْأَتَانِ لَا تَخْشَيَانِ جَوْرًا " - ثُمَّ قَالَ -:وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَبْلُغَ هَذَا الدِّينُ مَبْلَغَ هَذَا النَّجْمِ " (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - تاريخ دمشق - (1 / 392) والصحيحة (35) والحلية 6/107 وصحيح الجامع ( 1716) ومُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (834 ) صحيح(1/136)
الشام صفوة الله من بلاده
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"الشَّامُ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ،يَسُوقُ إِلَيْهَا صَفْوَةَ عِبَادِهِ... " (1)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ الشَّامُ،وَفِيهَا صَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ،وَلَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ ثُلَّةٌ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ الْفَقْرَ وَالْعُرْي وَقِلَّةَ الشَّيْءِ فَقَالَ:"أَبْشِرُوا فَوَاللَّهِ لِأَنَّا مِنْ كَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى تُفْتَحَ لَكُمْ أَرْضُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَأَرْضُ حِمْيَرَ حَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا ثَلَاثَةً جُنْدًا بِالشَّامِ،وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ،وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ حَتَّى يُعْطِيَ الرَّجُلُ الْمِائَةَ الدِّينَارَ فَيَتَسَخَّطُهَا " قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهَا الرُّومُ ذَاتُ الْقُرُونِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " وَاللَّهِ لَيَسْتَخْلِفَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا حَتَّى تَكُونَ الْعِصَابَةُ مِنْهُمُ الْبِيضُ قُمُصُهُمُ الْمُحَلَّقَةُ أَقْفَاؤُهُمْ قِيَامًا عَلَى رَأْسِ الرَّجُلِ الْأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ مَا يَأْمُرْهُمْ فَعَلُوا وَإِنَّ بِهَا الْيَوْمَ لَرِجَالًا لَأَنْتُمْ أَحْقَرُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنَ الْقُرْدَانِ فِي أَعْجَازِ الْإِبِلِ " قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:فَقُلْتُ اخْتَرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ:"أَخْتَارُ لَكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بِلَادِهِ فَإِلَيْها يَجْتَبِي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ،يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ فَإِنَّ صَفْوَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْأَرْضِ الشَّامَ فَمَنْ أَبَى فَلْيُسْقَ بِغُدْرِ الْيَمَنِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ:فَعَرَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَعْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي جُزْءِ بْنِ سُهَيْلٍ السَّلَمِيِّ وَكَانَ قَدْ
__________
(1) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (8697 ) الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 7621 ) صحيح لغيره ، وفيه زيادة لم تصح تفرد بها عفير بن معدان وهو واه
(2) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (1309 ) والْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (7701 ) حسن(1/137)
وَلِيَ الْأَعَاجِمَ وَكَانَ أُوَيْدِمًا قَصِيرًا وَكَانُوا يَرَوْنَ تِلْكَ الْأَعَاجِمَ حَوْلَهُ قِيَامًا لَا يَأْمُرْهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا فَعَلُوهُ فَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ (1) .
وعن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ الْعُرْيَ وَالْفَقْرَ وَقِلَّةَ الشَّيْءِ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَبْشِرُوا فَوَاللَّهِ لَأَنَا بِكَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ،وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ أَرْضَ فَارِسَ وَأَرْضَ الرُّومِ وَأَرْضَ حِمْيَرَ،وَحَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا ثَلَاثَةً،جُنْدًا بِالشَّامِ،وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ،وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ،وَحَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ الْمِائَةَ فَيَسْخَطَهَا " . قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ:قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهِ الرُّومُ ذَوَاتُ الْقُرُونِ ؟ قَالَ:"وَاللَّهِ لَيَفْتَحَنَّهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ،وَلَيَسْتَخْلِفَنَّكُمْ فِيهَا،حَتَّى يَظَلَّ الْعِصَابَةُ الْبِيضُ مِنْهُمْ قُمُصُهُمُ،الْمُلْحَمَةُ أَقْفَاؤُهُمْ،قِيَامًا عَلَى الرُّوَيْجِلِ الْأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ مَا أَمَرَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَعَلُوهُ،وَإِنَّ بِهَا رِجَالًا لَأَنْتُمْ أَحْقَرُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنَ الْقِرْدَانِ فِي أَعْجَازِ الْإِبِلِ " . قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ:فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْتَرْ لِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ . قَالَ:"إِنِّي أَخْتَارُ لَكَ الشَّامَ فَإِنَّهُ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ،وَإِلَيْهِ تُجْتَبَى صَفْوَتُهُ مِنْ عِبَادِهِ،يَا أَهْلَ الْيَمَنِ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ،فَإِنَّ مِنْ صَفْوَةِ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ الشَّامَ،أَلَا فَمَنْ أَبَى فَلْيَسْتَبْقِ فِي غُدُرِ الْيَمَنِ،فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " . قَالَ أَبُو عَلْقَمَةَ:فَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ:فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي حُرِّ بْنِ سُهَيْلٍ السُّلَمِيِّ،وَكَانَ عَلَى الْأَعَاجِمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ،فَكَانَ إِذَا رَاحُوا إِلَى مَسْجِدٍ نَظَرُوا إِلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ قِيَامًا حَوْلَهُ فَعَجِبُوا لِنَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ وَفِيهِمْ . قَالَ أَبُو عَلْقَمَةَ:أَقْسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ أَقْسَمَ فِي حَدِيثٍ مِثْلَهُ " (2)
وعن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ:كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَشْكُو الْفَقْرَ وَالْعُرْيَ وَقِلَّةَ الشَّيْءِ،فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَبْشِرُوا فَوَاللَّهِ لَأَنَا بِكَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُ مِنِّي عَلَيْكُمْ مِنْ
__________
(1) - الْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ (2030 ) حسن
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَفِي هَذَا حِرْفَتَيْنِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُومَ الْغُلَامُ عَلَى رَأْسِ الصَّاحِبِ وَأَنْ يَحْلِقَ الصَّاحِبُ رَأْسَهُ "
(2) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلْبَيْهقِيِّ (17071 ) حسن(1/138)
قِلَّتِهِ،وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَكُمْ أَرْضَ فَارِسَ وَالرُّومَ وَأَرْضَ حِمْيَرَ،وَحَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا مُجَنَّدَةً جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ،وَحَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ الْمِائَةَ فَيَتَسَخَّطَهَا " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ:فَقُلْتُ:وَمَتَى نَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهَا الرُّومُ ذَاتُ الْقُرُونِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَيَفْتَحَنَّهَا اللَّهُ لَكُمْ وَلَيَسْتَخْلِفَنَّكُمْ فِيهَا حَتَّى تَظَلَّ الْعِصَابَةُ مِنْهُمْ الْبِيضُ قُمُصُهُمُ الْمُحَلَّقَةُ أَقْفَاؤُهُمْ قِيَامًا عَلَى الرُّوَيْحِلِ الْأُسَيْوِدِ مَا أَمَرُوهُمْ فَعَلُوهُ،وَإِنَّ بِهَا الْيَوْمَ رِجَالًا لَأَنْتُمْ أَحْقَرُ فِي عُيُونِهِمْ مِنَ الْقِرْدَانِ فِي أَعْجَازِ الْإِبِلِ " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ:فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْتَرْ لِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ،فَقَالَ:"إِنِّي أَخْتَارُ لَكَ الشَّامَ،فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ،وَإِلَيْهَا يَجْتَبِي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ،يَا أَهْلَ الْيَمَنِ فَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ،فَإِنَّمَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنَ الْأَرْضِ الشَّامُ،فَمَنْ أَبَى فَلْيَسْتَقِ بَغُدُرِ الْيَمَنِ،فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ،قَالَ:كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ الْفَقْرَ وَالْعُرْيَ وَقِلَّةَ الشَّيْءِ،فَقَالَ:"أَبْشِرُوا،فَوَاللَّهِ لَأَنَا وَكَثْرَةُ الشَّيْءِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ،وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى تُفْتَحَ لَكُمْ أَرْضُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَأَرْضُ حِمْيَرَ،وَحَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا ثَلَاثَةً:جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ،وَحَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ الْمِائَةَ الدِّينَارَ فَيَسْخَطَهَا "،قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ:فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهَا الرُّومُ ذَوَاتُ الْقُرُونِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " وَاللَّهِ لِيَسْتَخْلِفُنَّكُمُ اللَّهُ فِيهَا حَتَّى تَظَلَّ الْعِصَابَةُ مِنْهُمُ الْبِيضُ قُمُصُهُمُ الْمُحَلَّقَةُ أَقْفَاؤُهُمْ قِيَامًا عَلَى الرَّجُلِ الْأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ،وَإِنَّ بِهَا الْيَوْمَ رِجَالًا لَأَنْتُمْ أَحْقَرُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنَ الْقِرْدَانِ فِي أَعْجَازِ الْإِبِلِ "،قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ:فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،خِرْ لِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ،قَالَ:"أَخْتَارُ لَكَ الشَّامَ فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ،وَاللَّهُ يَجْتَبِي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ،فَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ فَإِنَّ صَفْوَةَ اللَّهِ مِنَ الْأَرْضِ الشَّامُ فَمَنْ أَبَى فَيَسْقِي بِغُدُرِ الْيَمَنَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " فَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ:فَعَرَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَعْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي جُزْءِ بْنِ سُهَيْلٍ السُّلَمِيِّ وَكَانَ وَلِيَّ
__________
(1) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 2483) حسن(1/139)
الْأَعَاجِمِ،وَكَانَ أُوَيْدِمًا قَصِيرًا فَكَانُوا يَمُرُّونَ وَتِلْكَ الْأَعَاجِمُ قِيَامٌ لَا يَأْمُرُهُمْ بِالشَّيْءِ إِلَّا فَعَلُوهُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ . (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ (941 ) صحيح(1/140)
تسعة أعشار الخير بالشام
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"قَسَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَيْرَ فَجَعَلَهُ عَشَرَةَ أَعْشَارٍ،فَجَعَلَ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ بِالشَّامِ،وَبَقِيَّتَهُ فِي سَائِرِ الْأَرْضِ،وَقَسَّمَ الشَّرَّ فَجَعَلَهُ عَشَرَةَ أَعْشَارٍ فَجَعَلَ جُزْءًا مِنْهُ بِالشَّامِ وَبَقِيَّتَهُ فِي سَائِرِ الْأَرْضِ " (1)
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"إِنَّ الْخَيْرَ قُسِّمَ عَشَرَةَ أَعْشَارٍ،فَتِسْعَةٌ بِالشَّامِ،وَعَشْرٌ بِهَذِهِ،وَإِنَّ الشَّرَّ قُسِّمَ عَشَرَةَ أَعْشَارٍ،فَتِسْعَةٌ بِهَذِهِ،وَعَشْرٌ بِالشَّامِ " (2) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (8790 ) ضعيف
(2) - فَضَائِلُ الصِّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (1657 ) ضعيف(1/141)
الطائفة المنصورة بالشام
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِىِّ،قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الشَّامِ،حَدَّثَنِى الأَنْصَارِىُّ،قَالَ - قَالَ شُعْبَةُ: يَعْنِى زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ،وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا هُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ.رواه أحمد (1) .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ هَانِئٍ حَدَّثَهُ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ ». فَقَامَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ السَّكْسَكِىُّ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ َهُمْ أَهْلُ الشَّامِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَرَفَعَ صَوْتَهُ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ َهُمْ أَهْلُ الشَّامِ. رواه أحمد (2) .
وفي مسند أبي عوانة قَالَ عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ،: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى الْمِنْبَرِ،يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ،قَالَ الْوَلِيدُ: وَلا مَنْ خَالَفَهُمْ،وَقَالَ عَبَّاسٌ: أَوْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ،لَفْظُ الْوَلِيدِ،وَقَالَ عَبَّاسٌ: أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ،حَدَّثَنَا الْعَسْقَلانِيُّ،قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ،قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ،بِمِثْلِهِ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ،فَقَامَ مَالِكُ بْنُ يَخَامِرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،سَمِعْتُ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّامِ: قَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا مَالِكُ بْنُ يخَامِرَ وَبِهِ النَّسَمَةُ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا،يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّامِ" (3) .
__________
(1) -غاية المقصد فى زوائد المسند 2 - (ج 2 / ص 236) (4381 ) ومسند أحمد (17344) صحيح لغيره
(2) -مسند أحمد(17395) صحيح
(3) - مسند أبي عوانة (6038 ) صحيح(1/143)
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ،لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ،إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ،حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. رواه أحمد (1) .
وعَنْ كُرَيْبٍ السَّحُولِيِّ،قَالَ: حَدَّثَنِي مُرَّةُ الْبَهْزِيُّ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ،وَهُمْ كَالإِنَاءِ بَيْنَ الأَكَلَةِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ،قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ:بِأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قَالَ: أَنَّ " الرَّمْلَةَ هِيَ الرَّبْوةُ،ذَلِكَ أَنَّهَا مُغَرِّبَةٌ وَمُشَرِّقَةٌ " رواه الطبراني (2) .
وعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ،قَالَ مُطَرِّفٌ: فَنَظَرْتُ فِي هَذِهِ الْعِصَابَةِ،فَإِذَا هُمْ أَهْلُ الشَّامِ." أبو عوانة (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهُ،وَعَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ،لا يَضُرُّهُمْ خِذْلانُ مَنْ خَذَلَهُمْ،ظَاهِرِينَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ". رواه الطبراني (4) .
وهو من طريق إسماعيل بن عياش عن الوليد بن عباد عن عامر الأحول عن أبي صالح الخولاني به .
قال الألفي : قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً،الوليد بن عباد أحد شيوخ ابن عياش المجاهيل .."
قلت : لم يتفرد به فقد روي من طرق أخر عن أبي هريرة،فقد رواه الطبراني من طريق مُحَمَّدَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ،ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ الْعَنْسِيُّ،أَنَّهُ سَمِعَ حَيَّانَ بْنَ
__________
(1) -غاية المقصد فى زوائد المسند 2 - (ج 2 / ص 237) (4384 ) ومسند أحمد (22980) صحيح لغيره
(2) -غاية المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 250) (17139 ) و(16534 ) صحيح لغيره
(3) -مسند أبي عوانة ( 6047 ) صحيح
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 98) (220 ) والْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (4597)(1/144)
وَبَرَةَ،يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا تَزَالُ بِدِمَشْقَ عِصَابَةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ " (1)
ورواته معروفون ومترحمون ليس فيهم مطعون به .
وروي في تاريخ داريا من طريق مُحَمَّدَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ،قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الْمُغِيرَةِ عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ الْعَنْسِيُّ،قَالَ : أَتَيْنَا بَيْرُوتَ أَنَا وَعُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ الْعَنْسِيُّ،فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ يَتَعَايَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ،فَإِذَا عَلَيْهِ قَمِيصٌ كَرَابِيسُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ،وَقَلَنْسُوَةٌ صَغِيرَةٌ،وَثِيَابٌ رَثَّةٌ،يُقَالُ لَهُ حَيَّانُ بْنُ وَبَرَةَ الْمُرِّيُّ،فَقُلْتُ لِعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ : أَمِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ ؟ قَالَ : " لَا،وَلَكِنَّهُ صَاحِبٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "،قَالَ عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ : فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " لَا يَزَالُ بِدِمَشْقَ عِصَابَةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ " (2)
ورواه ابن عساكر من طريق محمد بن عايذ نا الهيثم بن حميد نا يزيد الحميري رفعه إلى أبي هريرة قال قال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة " (3)
وكل رجاله معروفون إلا يزيد الحميري التابعي،قال ابن عساكر " يزيد بن شجعة الحميري من أهل دمشق كان في الجيش الذي أمد به معاوية عثمان بن عفان مع حبيب بن مسلمة له ذكر.." (4)
فالصواب أن حديث أبي هريرة صحيح .
__________
(1) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (2498 ) وهو حديث حسن
(2) - تَارِيخُ دَارِّيَّا لِعَبْدِ الْجَبَّارِ الْخَوْلَانِيِّ (99) و تاريخ دمشق - (1 / 256) وتاريخ دمشق - (1 / 257) وهو حديث حسن
(3) - تاريخ دمشق - (1 / 257)
(4) - تاريخ دمشق [65 / 233 ] (8289 )(1/145)
العصابة : الجماعَةُ من الناس من العَشَرَة إلى الأرْبَعين -خذل فلانا : تخلى عن عونه ونصرته
وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهَا،وَعَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ،لَا يَضُرُّهُمُ مَنْ خَذَلَهُمْ،ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ،إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ " الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا تُقَاتِلُ أَعْدَاءَهَا كُلَّمَا ذَهَبَتْ حَرْبٌ نَشَبَتْ حَرْبُ قَوْمٍ آخَرِينَ،يَرْفِعُ اللَّهُ أَقْوَامًا وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " هُمْ أَهْلُ الشَّامِ " الحلية (2)
قال الإمام النووي رحمه الله :
"وَأَمَّا هَذِهِ الطَّائِفَة فَقَالَ الْبُخَارِيّ:هُمْ أَهْل الْعِلْم،وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل:إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْل الْحَدِيث فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ ؟ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض:إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَد أَهْل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة،وَمَنْ يَعْتَقِد مَذْهَب أَهْل الْحَدِيث،قُلْت:وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَة مُفَرَّقَة بَيْن أَنْوَاع الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ شُجْعَان مُقَاتِلُونَ،وَمِنْهُمْ فُقَهَاء،وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ،وَمِنْهُمْ زُهَّاد وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهُونَ عَنِ الْمُنْكَر،وَمِنْهُمْ أَهْل أَنْوَاع أُخْرَى مِنَ الْخَيْر،وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَار الْأَرْض . وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَة ظَاهِرَة ؛ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْف مَا زَالَ بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى مِنْ زَمَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْآن،وَلَا يَزَال حَتَّى يَأْتِي أَمْر اللَّه الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث.وَفِيهِ دَلِيل لِكَوْنِ الْإِجْمَاع حُجَّة،وَهُوَ أَصَحّ مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ لَهُ مِنْ الْحَدِيث،وَأَمَّا حَدِيث " لَا تَجْتَمِع أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَة " فَضَعِيف (3) . وَاللَّهُ أَعْلَم ." (4) .
وفي البدر المنير :
__________
(1) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (4309) حسن لغيره
(2) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (14469) و الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (8177 ) صحيح
(3) - قلت : الصواب أنه صحيح لغيره انظر المقاصد الحسنة للسخاوي - (2 / 104)(1288)
(4) -شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 400)(1/146)
"فامتثلت الصَّحَابَة حينئذٍ - الَّذين هم خير قُرُون هَذِه الْأمة،بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - فحفظوا عَنهُ أَحْوَاله (وأقواله) وأفعاله،امتثالًا لأَمره،وابتغاء ثَوَابه وأَجره .
ثمَّ فعل ذَلِكَ بعدهمْ التابعون وتابعوهم،قبيلًا بعد قبيل،وجِيلًا بعد جيل،تلقوا ذَلِكَ عَنْهُم،واستفادوه مِنْهُم - رَضِيَ اللَّهُ عَنَّا وعنهم .
لَكِن دخل فِي ذَلِكَ قوم لَيْسُوا من أهل هَذَا الشَّأْن،وَلَا جَرْيَ لَهُم فِي هَذَا الميدان،فأخطئوا فِيمَا نقلوا وحَرَّفوا،وَرُبمَا وضعُوا،فَدخلت الآفة من هَذَا الْوَجْه،وَاخْتَلَطَ الصَّحِيح بالسقيم،والمجروح بالسليم،فَحِينَئِذٍ أَقَامَ الله سُبْحَانَهُ - وَله الْحَمد والمِنَّة - طَائِفَة كَبِيرَة من هَذِه الْأمة،هم نُجُوم للدِّين وعَلَمٌ للمسترشدين،فدوَّنوا التصانيف (المبتكرة)،المبسوطة والمختصرة،ونظروا فِي رجالها - جرحا وتعديلًا،وانقطاعًا ووصلًا - بِالنّظرِ التَّام،وبذلوا وسعهم فِي ذَلِكَ،وَقَامُوا بِهِ أحسن قيام،أعظم الله أَجرهم،وَلَا خَيَّب سعينا وسعيهم .
وهم (مستمرون) عَلَى ذَلِكَ مدى الدهور والأعوام،من زَمَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى انْقِضَاء الدُّنْيَا والذهاب،بإخباره عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام حَيْثُ قَالَ:«لَا تَزَالُ طائفةٌ من أُمَّتي ظاهِرينَ عَلَى الحقِّ،لَا يَضُرُّهُم مَنْ خَذَلَهُم،حتَّى تَقُومَ السَّاعةُ» .
فَكَانَت هَذِه الطَّائِفَة كَمَا وَصفهم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْخَبَر الْمَرْوِيّ عَنهُ،(مُرْسلا من جِهَة إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري)،وَمُسْندًا من جِهَة أبي هُرَيْرَة،وَعبد الله بن عَمْرو - كَمَا رَوَاهُمَا الْعقيلِيّ .قَالَ عبد الْحق:وَالْأول أحسن . ونَازَعَه ابْن الْقطَّان،وَفِيه وَقْفَة،فقد سُئل أَحْمد عَنهُ،فَقَالَ صَحِيح:«يَحْمِلُ هَذَا العِلْم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُه،يَنْفُون عَنْه تَحْرِيف الغالين،وانْتِحَالَ المُبْطِلِيْن،وَتَأْوِيل الجاهِلِيْن» .
وَمَنَّ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،وَله الْحَمد والمِنَّة - عَلَى هَذِه الطَّائِفَة بِالْحِفْظِ الوافر،كالبحر الزاخر" (1) .
وقال الحافظ ابن حجر :
__________
(1) - البدر المنير - (ج 1 / ص 257)(1/147)
"وقال ابن المبارك في حديث: "لا تزال طائفة من أمتي على أمر اللَّه... " الحديث1: "هم عندي أصحاب الحديث".
وقد صدق هؤلاء فيما قالوه: إن أصحاب الحديث خير الناس وكيف لا يكونون كذلك،وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم،وجعلوا غذاءهم الكتابة وسحرهم المعارضة،واسترواحهم المذاكرة،وخلوقهم "أي طيبهم الذي يتطيبون به" المداد،ونومهم السهاد يصطلون الضياء،ويتوسدون الحصى،الشدة عندهم مع علو الإسناد رخاء،أولئك هم العلماء الحكماء،كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء." (1)
وقال أيضاً :
" وَأُمَّتُهُ مَعْصُومَةٌ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الضَّلَالَةِ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَشْهُورٍ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ مِنْهَا لِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا "إنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ من ثلاث خلال أن لا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ لِتَهْلَكُوا جَمِيعًا وَأَلَّا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ وأن لا يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ"،وَفِي إسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالٍ أَبَدًا"،وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ شَعْبَانَ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ لَهُ شَوَاهِدَ.
وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال لَهُ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ" أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَثَوْبَانَ فِي مُسْلِمٍ وَعَنْ قُرَّةَ بْنِ إيَاسٍ فِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ابْنِ مَاجَهْ وَعَنْ عِمْرَانَ فِي أَبِي دَاوُد وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ أَحْمَدَ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ أَنَّ بِوُجُودِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْقَائِمَةِ بِالْحَقِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَحْصُلُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الضَّلَالَةِ." (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - التلخيص الحبير - (ج 1 / ص 14)
(2) - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 3 / ص 299)(1/148)
الشيطان مطرود من الشام
عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"دَخَلَ إِبْلِيسُ الْعِرَاقَ،فَقَضَى حَاجَتَهُ،وَدَخَلَ الشَّامَ فَطَرَدُوهُ حَتَّى بَلَغَ،بَيْسَانَ،وَدَخَلَ مِصْرَ فَبَاضَ فِيهَا وَفَرَّخَ وَبَسَطَ عَبْقَرِيَّهُ " " (1)
قلت : رووه من طريق حَرْمَلَةَ بن يَحْيَى , حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ , حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ , وَيَحْيَى بن أَيُّوبَ , عَنْ عُقَيْلٍ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ يَعْقُوبَ بن عَبْدِ اللَّهِ بن الْمُغِيرَةِ بن الأَخْنَسِ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ به
والصواب يعقوب بن عتبة بن عبد الله بن المغيرة وهو لم يسمع من ابن عمر
وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب،فقال :من حديث ابن عمر ولا يصح فيه أحمد ابن أخي ابن وهب كذبه الخطيب ويحيى بن أيوب ليس بالقوى وابن لهيعة مطروح وعقيل بن خالد يروي عن الزهري مناكير .
(تعقب) بأن أحمد ثقة روى له مسلم وقال ابن عدي كل ما أنكروه عليه فمحتمل وإن لم يرو غيره لعل عمه خصه به ولم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه عليه حرملة أخرجه الطبراني ويحيى بن أيوب هو الغافقي عالم أهل مصر ومفتيهم روى له الشيخان وعقيل أحد الأثبات روى له الشيخان وقال يونس بن يزيد الأيلي هو أعلم الناس بحديث الزهري والحديث أخرجه ابن عساكر من طريق حرملة وزاد قال ابن وهب أرى ذلك في فتنة عثمان لأن الناس افتتنوا فيه وسلم أهل الشام فهذا يدل على ثبوت الحديث عند ابن وهب ويكون الحديث من أعلام النبوة فدخل في باب المعجزات (2)
__________
(1) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 6618 ) والْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (13114 ) والْعَظَمَةُ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ (1108 ) و المعرفة والتاريخ - (1 / 77) فيه انقطاع وخولف في رفعه
(2) - اللآلي المصنوعة - (1 / 425) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (2 / 49)(1/149)
قلت : وأعلَّ بالوقف،فعن ابن عمر قال: نزل الشيطان بالمشرق فقضى قضاءه،ثم خرج يريد الأرض المقدسة الشام فمنع،فخرج على بساق حتى جاء المغرب فباض بيضه و بسط بها عبقريه» (1)
قال أبو محمد الألفي حفظه الله : " لعل هذا الموقوف أشبه بالصواب،فرجاله موثقون خلا عباس بن أبى شملة المدني مولى طلحة ابن عمر بن عبيد الله ابن معمر التيمي ؛ ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(8/509) وذكره البخارى (( التاريخ الكبير ))(7/8/32)،وابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل )) (6/217)،فلم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلاً .
قلت : وللمرفوع شاهد مرسل يقويه،ففي تاريخ ابن عساكر.. حدثنا الحسين بن الطيب البلخي ثنا عون بن موسى عن إياس بن معاوية قال قال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) إن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله وأن إبليس أتى العراق فباض فيها وفرخ وإلى مصر فبسط عبقرية واتكأ وقال جبل الشام جبل الأنبياء" هذا مرسل ومع إرساله منقطع بين البلخي وعون بن موسى (2)
قلت : له متابعة ففي أخبار القضاة أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي؛ قال: حدثني أبي؛ قال: حدثنا عون بن موسى؛ قال: سمعت إياس بن معاوية يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تكفل لي بالشام وأهلها،وإن إبليس أتى العراق فباض فيها وفرخ،وأتى مصر فبسط فيها عبقريه واتكى،ثم قطع إياس الحديث فقال: جبل الشام جبل الأنبياء. (3)
قلت : الحارثي فيه كلام،ففي الثقات لابن حبان [8 /383 ]( 13993 ) عبد الرحمن بن محمد بن منصور البصري أبو سعيد يعرف بكيرزان يروى عن معاذ بن معاذ ويحيى القطان ثنا عنه ابنه محمد بن عبد الرحمن بالبصرة
__________
(1) - أخرجه ابن عساكر (1/318) والمعرفةوالتاريخ - (2 / 362)
(2) - تاريخ دمشق - (1 / 99)
(3) - أخبار القضاة - (1 / 86)(1/150)
وفي الجرح والتعديل [5 /283 ] ( 1347 ) عبد الرحمن بن محمد بن منصور البصري نزيل سامرا روى عن يحيى بن سعيد القطان وسالم بن نوح كتبت عنه مع أبى وتكلموا فيه نا عبد الرحمن قال سئل أبى عنه فقال شيخ. (1)
لكن هذه الرواية تقوي رواية ابن عساكر فهي مرسلة قوية
وهذه الرواية تقوي رواية الرفع ،ولا تعله رواية الوقف لو صحت،فقد يروي الراوي الحديث مرفوعاً وموقوفاً فالراجح الرفع .
ويؤيد هذا الحديث من حيث المعنى أحاديث إذا وقعت الفتن فعليكم بالشام،فهو في معناه تماماً .
إذَا تَعَارَضَ الْوَقْفُ وَالرَّفْعُ فما الحكم (2)
" الاختلاف في بَعْض الأحاديث رفعاً ووقفاً أمرٌ طبيعي،وجد في كثيرٍ من الأحاديث،والحَدِيْث الواحد الَّذِي يختلف بِهِ هكذا محل نظر عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ،وَهُوَ أن المُحَدِّثِيْنَ إذا وجدوا حديثاً روي مرفوعاً إلى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ نجد الحَدِيْث عينه قَدْ روي عن الصَّحَابيّ نفسه موقوفاً عَلَيْهِ،فهنا يقف النقاد أزاء ذَلِكَ؛ لاحتمال كون المَرْفُوْع خطأً من بَعْض الرواة و الصَّوَاب الوقف،أو لاحتمال كون الوقف خطأ و الصَّوَاب الرفع ؛ إذ إن الرفع علة للموقوف و الوقف علة للمرفوع . فإذا حصل مِثْل هَذَا في حَدِيث ما،فإنه يَكُون محل نظر وخلاف عِنْدَ العُلَمَاء وخلاصة أقوالهم فِيْمَا يأتي:
إذا كَانَ السَّنَد نظيفاً خالياً من بقية العلل ؛ فإنّ للعلماء فِيهِ الأقوال الآتية :
القَوْل الأول : يحكم للحديث بالرفع ،لأن راويه مثبت وغيره ساكت،وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي ؛ لأَنَّهُ علم ما خفي،وَقَدْ عدوا ذَلِكَ أيضاً من قبيل زيادة
__________
(1) - وانظر تاريخ بغداد[10 -273] (5389) والكامل في الضعفاء4/319(1151)
(2) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 407) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 168) وبحوث في المصطلح للفحل - (ج 1 / ص 193)(1/151)
الثِّقَة،وَهُوَ قَوْل كَثِيْر من المُحَدِّثِيْنَ،وَهُوَ قَوْل أكثر أهل الفقه والأصول (1) ،قَالَ العراقي: (( الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أن الرَّاوِي إذا رَوَى الحَدِيْث مرفوعاً وموقوفاً فالحكم للرفع،لأن مَعَهُ في حالة الرفع زيادة،هَذَا هُوَ المرجح عِنْدَ أهل الحَدِيْث )) (2) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - شرح التبصرة و التذكرة 1/177 ، و 1/233 طبعة الفحل ، ومقدمة جامع الأصول 1/170 ،وفتح المغيث 1/194 ، و المحصول 2/229-230 ، والكفاية (588ت-417هـ )، شرح ألفية السيوطي 29 .
(2) - فتح المغيث 1/168 ط عَبْد الرحمان مُحَمَّد عُثْمَان ، و 1/195 ط عويضة . وانظر كتابي :المفصل في علوم الحديث - (1 / 1229)(1/152)
عقر دار الإسلام بالشام
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عُقْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ " (1)
وعَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عُقْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ،يَسُوقُ اللَّهُ إِلَيْهَا صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ،وَلَا يَنْزِعُ إِلَيْهَا إِلَّا مَرْحُومٌ،وَلَا يَرَغَبُ عَنْهَا إِلَّا مَفْتُونٌ،وَعَلَيْهَا عَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الدَّهْرِ إِلَى آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدَّهْرِ بِالطَّلِّ وَالْمَطَرِ،فَإِنْ أَعْجَزَهُمُ الْمَالُ لَمْ يُعْجِزْهُمُ الْخُبْزُ وَالْمَاءُ " (2)
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْكِنْدِيِّ،قَالَ:كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَذَالَ النَّاسُ الْخَيْلَ،وَوَضَعُوا السِّلَاحَ،وَقَالُوا:لَا جِهَادَ قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا،فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَجْهِهِ،وَقَالَ:"كَذَبُوا الْآنَ،الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ،وَلَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ،وَيُزِيغُ اللَّهُ لَهُمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ،وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ،وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ،وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَهُوَ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَقْبُوضٌ غَيْرَ مُلَبَّثٍ،وَأَنْتُمْ تَتَّبِعُونِي أَفْنَادًا،يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ،وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ " (3)
وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ نُفَيْلٍ،أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:إِنِّي أسَمْتُ الْخَيْلَ،وَأَلْقَيْتُ السِّلَاحَ،وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا،قُلْتُ:لَا قِتَالَ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ،لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ،يَزْيِغُ اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ،فَيُقَاتِلُونَهُمْ،وَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ،حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ،أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ،وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " (4)
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَادَتَا رُكْبَتَاهُ تَمَسَّانِ فَخْذَهُ قَالَ:فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ سُيِّبَتِ الْخَيْلُ وَأُلْقِيَ السِّلَاحُ وَقَالُوا وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا
__________
(1) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (6236 ) حسن
(2) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ ( 701 ) وسنده واه
(3) - السُّنَنُ الصُّغْرَى للنسائي( 3542 ) والسُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي ( 3312 ) صحيح
(4) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ( 16708 ) صحيح(1/153)
وَقَالُوا لَا قِتَالَ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " كَذَبُوا الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ لَا تَزَالُ أُمَّتِي أُمَّةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى النَّاسِ يُزِيغُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ " ثُمَّ قَالَ:"إِنِّي لَأَجِدُ نَفْسَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَا هُنَا " وَهُوَ مُوَلٍّى ظَهْرَهُ إِلَى الْيَمَنِ،وَقَالَ:"إِنَّهُ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَكْفُوتٌ ثُمَّ سَتَخْلُفُونِي أَفْنَادًا،وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ،وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " (1)
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْحَضْرَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتْحًا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،سُيِّبَتِ الْخَيْلُ وَعُطِّلَتِ السِّلَاحُ وَقَالُوا:قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَلَا قِتَالَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَذَبُوا،الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ لَا تَزَالُ أُمَّتِي ظَاهِرَةً عَلَى النَّاسِ يُزِيغُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ أَقْوَامٍ يَجْعَلُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا وَبَلَاغًا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عُقْرَ دَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّامِ وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ " (2)
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ،قَالَ : فُتِحَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتْحًا فَتْحٌ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَدَنَوْتُ مِنْهُ , حَتَّى كَادَتْ ثِيَابِي تَمَسُّ ثِيَابَهُ , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , سُيِّبَتِ الْخَيْلُ , وَعَطَّلُوا السِّلاَحَ , وَقَالُوا قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَذَبُوا , الآنَ حَلَّ الْقِتَالُ , لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَزِيغُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ تُقَاتِلُونَهُمْ , فَقَاتِلُوا بِهِمْ وَيَرْزُقُكُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ , وَحَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , أَلاَ وَعَقْرُ دَارِ الْإِسْلاَمِ بِالشَّامِ " (3)
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ،قَالَ:كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:"يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَقْبُوضٌ غَيْرَ مُلَبَثٍ وَإِنَّكُمْ مُتَّبِعِيَّ أَفْنَادًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ،وَلَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي نَاسٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ وَيُزِيغُ اللَّهُ بِهِمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعَدُ اللَّهِ،وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِالشَّامِ " (4)
__________
(1) - الْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ ( 2178 ) صحيح
(2) - الْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ ( 2314 ) صحيح
(3) - مسند الشاميين 360 - (2 / 320)(1419) صحيح
(4) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 52) صحيح(1/154)
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ،قَالَ:فُتِحَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتْحًا [ فَتْحٌ ] فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَدَنَوْتُ مِنْهُ،حَتَّى كَادَتْ ثِيَابِي تَمَسُّ ثِيَابَهُ،فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،سُيِّبَتِ الْخَيْلُ،وَعَطَّلُوا السِّلَاحَ،وَقَالُوا قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَذَبُوا،الْآنَ حَلَّ الْقِتَالُ،لَا يَزَالُ اللَّهُ يَزِيغُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ تُقَاتِلُونَهُمْ،فَقَاتِلُوا بِهِمْ وَيَرْزُقُكُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ،وَحَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ،أَلَا وَعَقْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ " (1)
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْحَضْرَمِيِّ،قَالَ:فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَتْحًا،فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى كَادَتْ ثِيَابِي تَمَسُّ ثِيَابَهُ،فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،سُيِّبَتِ الْخَيْلُ،وَعَطَّلُوا السِّلَاحَ،وَقَالُوا:قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَذَبُوا،الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ،الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ،لَا يَزَالُ اللَّهُ يُزِيغُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ تُقَاتِلُونَهُمْ،وَيَرْزُقُكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمَرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ،وَعُقْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ " (2)
وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ،قَالَ : فُتِحَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتْحٌ فَأَتَيْتُهُ،فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ،سُيِّبَتِ الْخَيْلُ،وَوَضَعُوا السِّلاَحَ،فَقَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا،وَقَالُوا : لاَ قِتَالَ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :كَذَبُوا،الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ،الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ،إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ يُزِيغُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ يُقَاتِلُونَهُمْ،وَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ عَلَى ذَلِكَ،وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ. (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 1389 ) صحيح
(2) - الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ ( 9279 ) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (16 / 296) (7307) والْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (4596 ) صحيح
ويجوز أن يكون حبير بن نفير رواه عن النواس بن سمعان وعن سلمة(1/155)
هلاك الدجال فى آخر الزمان يكون بالشام
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : الإِيمَانُ يَمَانٍ،وَالْكُفْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ،وَإِنَّ السَّكِينَةَ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ،وَإِنَّ الرِّيَاءَ وَالْفَخْرَ فِي أَهْلِ الْفَدَّادِينَ،أَهْلِ الْوَبَرِ،وَأَهْلِ الْخَيْلِ،وَيَأْتِي الْمَسِيحُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ،وَهِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ،حَتَّى إِذَا جَاءَ دُبُرَ أُحُدٍ تَلَقَّتْهُ الْمَلاَئِكَةُ،فَضَرَبَتْ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ،هُنَالِكَ يُهْلَكُ،هُنَالِكَ يُهْلَكُ. (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْكُفْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَالسَّكِينَةُ لأَهْلِ الْغَنَمِ وَالْفَخْرُ وَالرِّيَاءُ فِى الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْخَيْلِ وَأَهْلِ الْوَبَرِ يَأْتِى الْمَسِيحُ إِذَا جَاءَ دُبُرَ أُحُدٍ صَرَفَتِ الْمَلاَئِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ » (2) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لاَ وَاللَّهِ لاَ نُخَلِّى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لاَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لاَ يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِى أَهْلِيكُمْ. فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِى الْمَاءِ فَلَوْ تَرَكَهُ لاَنْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِى حَرْبَتِهِ ». (3)
وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ « مَا شَأْنُكُمْ ». قُلْنَا يَا
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 601)(9895) 9897- صحيح
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2409) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الفدادون : الفداد الذى يعلو صوته فى حرثه ومواشيه ودوابه -الوبَر : البيت المتخذ من صوف الإبل والمراد أهل البادية
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7460 ) تصاف : قام في مواجهة غيره وجها لوجه - سبوا : أسروا(1/156)
رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ « غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِى عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّى أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِى الأَرْضِ قَالَ « أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ قَالَ « لاَ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِى الأَرْضِ قَالَ « كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِى عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِى الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَىْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِى كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِى الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّى قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِى لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِى إِلَى الطُّورِ. وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ. وَيُحْصَرُ نَبِىُّ اللَّهُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهُمُ النَّغَفَ فِى رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى(1/157)
الأَرْضِ فَلاَ يَجِدُونَ فِى الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ أَنْبِتِى ثَمَرَتَكِ وَرُدِّى بَرَكَتَكِ.
فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِى الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِى الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِى الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِى الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ». (1)
وعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لاَحِقٍ،أَنَّ ذَكْوَانَ أَبَا صَالِحٍ،أَخْبَرَهُ،أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ،قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي،فَقَالَ لِي : مَا يُبْكِيكِ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ،ذَكَرْتُ الدَّجَّالَ فَبَكَيْتُ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ وَأَنَا حَيٌّ كَفَيْتُكُمُوهُ،وَإِنْ يَخْرُجْ بَعْدِي،فَإِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ،وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ،حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ فَيَنْزِلَ نَاحِيَتَهَا،وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكَانِ،فَيَخْرُجَ إِلَيْهِ شِرَارُ أَهْلِهَا حَتَّى الشَّامِ مَدِينَةٍ بِفِلَسْطِينَ بِبَابِ لُدٍّ،وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ مَرَّةً :
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7560 )
البخت : واحدتها البختية وهى الناقة طويلة العنق ذات السنامين -الحدب : الغليظ من الأرض فى ارتفاع -حرز : ضم -خلة : طريق -الذرى : جمع الذروة وهى أعلى الشىء والمراد السنام -الرسل : اللبن -يرغب : يدعو -الزلفة : المكان يحفر ليحبس فيه ماء السماء وقيل المرآة -الزهم : الريح المنتنة -الزهمة : الريح المنتنة -السارحة : الماشية -اليعاسيب : جمع يعسوب وهو ذكر النحل -عاث : أفسد -الفئام : الجماعة الكثيرة -الفخذ : حى الرجل إذا كان من أقرب عشيرته -الفرسى : جمع الفريس وهم القتلى -القحف : القشر -القطط : شديد جعودة شعر الرأس -يكن : يستر -اللقحة : الناقة ذات اللبن قريبة العهد بالولادة -الممحل : المجدب المقحط -الْمدر : القرى والأمصار واحدتها مدرة -ينسلون : يخرجون مسرعين -النغف : جمع النغفة وهو دود يوجد فى أنوف الإبل والغنم فتموت به فى أقرب وقت -يتهارجون : يجامعون النساء بحضرة الناس -المهرودة : الحلة أو الشقة وقيل الثوب المهرود الذى يصبغ بالورس والزعفران -الوبَر : البيت المتخذ من صوف الإبل والمراد أهل البادية(1/158)
حَتَّى يَأْتِيَ فِلَسْطِينَ بَابَ لُدٍّ،فَيَنْزِلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقْتُلَهُ،ثُمَّ يَمْكُثَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِمَامًا عَدْلاً،وَحَكَمًا مُقْسِطًا. (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 111)(24467) 24971- صحيح(1/159)
الأبدال بالشام
عن شريح يعني ابن عبيد قال ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا :العنهم يا أمير المؤمنين قال :لا إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:{ إِنَّ الأَبدالَ بالشَّامِ يَكونونَ وهُمْ أَربعونَ رَجلاً،بِهمْ تُسقونَ الغَيثَ،وبِهمْ تُنصرونَ عَلى أَعدائكمْ،ويُصرَفُ عَنْ أَهلِ الأَرضِ البَلاءُ والغَرقُ } ( ابن عساكر ) (1)
وعن شُرَيْحَ،يَعْنِي ابْنِ عُبَيْدٍ،قَالَ:ذُكِرَ أَهْلُ الشَّامِ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،وَهُوَ بِالْعِرَاقِ،فَقَالُوا:الْعَنْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ:لاَ،إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:الأَبْدَالُ يَكُونُونَ بِالشَّامِ،وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً،كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ رَجُلاً،يُسْقَى بِهِمُ الْغَيْثُ،وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الأَعْدَاءِ،وَيُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ بِهِمِ الْعَذَابُ. (2)
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"لَا يَزَالُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ بِهِمْ تَقُومُ الْأَرْضُ،وَبِهِمْ تُمْطَرُونَ،وَبِهِمْ تُنْصُرُونَ "قَالَ قَتَادَةُ:إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْحَسَنُ مِنْهُمْ . (3)
__________
(1) - تاريخ دمشق - (1 / 289) وموسوعة السنة النبوية - (4 / 95)(4313 ) وحم 1/112 والضياء 2/110و112(484-486) وصحح إسناده ومجمع 10/62و63 من طرق ونوادر الأصول 1/261و3/63 وفضائل الصحابة(1727) والإتحاف 8/386 وعساكر 1/289و292و296و299و300و340 وفيه انقطاع ولكن مجموع الأحاديث الأخرى تقويه
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 326)(896) والإتحاف 8/386 والمجمع 10/62 و 65 والفضائل (1727 و1726) وفيه انقطاع وقال الهيثمي : رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، وَقَدْ سَمِعَ مِنَ الْمِقْدَادِ ، وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ عَلِيٍّ .مجمع الزوائد - (20 / 157) قلت : وهو حسن لغيره
(3) - ابن كثير 1/448 و حم 5/322 و مجمع 10/62 والإتحاف 8/386
وفي مجمع الزوائد - ( 16673) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ ، وَالْبَزَّارُ عَنْ عَنْبَسَةَ الْخَوَاصِّ ، وَكِلَاهُمَا لَمْ أَعْرِفْهُ ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ . قلت : فيه جهالة ، وأعله أبو محمد الألفي بقوله : ومع جهالة رواته عن قتادة ، فقد خولفوا على رفعه . رواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال : لن تخلو الأرض من أربعين ، بهم يغاث الناس ، وبهم تنصرون ، كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلاً " تاريخ دمشق - (1 / 298)
قلت : هذه العلة ليست بشيء ، لأنهما حديثان محتلفان مخرجاً ، فليس هو من الطريق نفسها حتى يعلَّ به ، وحديث قتادة جاء مرفوعاً بسند قوي عن أنس ، ومع هذا فهذا الحديث المرسل صحيح ، لأن مثله لا يقال بالرأي .(1/160)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:الأَبْدَالُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاَثُونَ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ رَجُلاً. (1)
وعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،أو عبد الله بن صفوان،قَالَ:قال رجل يوم صفين:اللهم العن أهل الشام . فقال علي رَضِيَ الله عَنْه:"لَا تَسُبُّوا أَهْلَ الشَّامِ جَمًّا غَفِيرًا،فَإِنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ " . قَالَهَا ثَلَاثًا" (2)
قلت : وإعلاله بالوقف لا يؤثر فيه لأنه مما لا يعرف بالاجتهاد والرأي بيقين . فحكمه حكم المرفوع بلا ريب .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ،قَالَ : قَالَ رَجُلٌ يَوْمَ صِفِّينَ : اللَّهُمَّ الْعَنْ أَهْلَ الشَّامِ،قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ:"لَا تَسُبَّ أَهْلَ الشَّامِ جَمًّا غَفِيرًا،فَإنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ،فَإنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ،فَإنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ " (3)
وعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ صِفِّينَ : اللَّهُمَّ الْعَنْ أَهْلَ الشَّامِ . فَقَالَ عَلِيٌّ : " لَا تَسُبُّوا أَهْلَ الشَّامِ جَمًّا غَفِيرًا،فَإِنَّ فِيهِمْ قَوْمًا كَارِهُونَ لِمَا تَرَوْنَ،وَإِنَّ فِيهِمُ الْأَبْدَالُ " (4)
وعن أبي صادق قال: سمع علي رضي الله عنه رجلاً وهو يلعن أهل الشام،فقال علي: لا تعم فإن فيهم الأبدال. (5)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :لا يَزَالُ أَرْبَعُونَ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ إِبْرَاهِيمَ،يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِمْ عَنْ أَهْلِ الأَرْضِ،يُقَالُ لَهُمُ الأَبْدَالُ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّهُمْ لَمْ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 559)(22751) 23131- والإتحاف 8/386 ومجمع الزوائد - ( 16672 ) رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ قَيْسٍ ، وَقَدْ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَأَبُو زَرْعَةَ ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُمَا ، وفي الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة - (1 / 23) وهو حسن، قلت : هو ضعيف
(2) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (13 / 364)(3197 ) واتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (7 / 126)[7054/1] والإتحاف 8/387 وك 4/553 والفضائل ( 1726) والمجمع 10/65 و 66 ط المعارف صحيح مرفوعاً وموقوفاً ومثله لا يقال بالرأى
(3) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (1069 ) ودَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2777 ) صحيح موقوف ومثله لا يقال بالرأي
(4) - الجهاد لابن المبارك - (190) صحيح موقوف
الجم : الكثير -غفيرا : كثيرا - الأبدال : الأولياء والعُبَّاد ، سُمُّوا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أُبْدِلَ بآخر
(5) - المعرفة والتاريخ - (2 / 305) وتاريخ دمشق - (1 / 341) حسن موقوف(1/161)
يُدْرِكُوهَا بِصَلاةٍ وَلا بِصَوْمٍ وَلا صَدَقَةٍ،قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَبِمَ أَدْرَكُوهَا؟ قَالَ:بِالسَّخَاءِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ. (1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ أَبْدَالَ أُمَّتِي لَمْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِالْأَعْمَالِ،وَلَكِنْ يَدْخُلُوهَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ،وَسَخَاوَةِ النَّفْسِ،وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ،وَالرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ " (2)
وعَنِ الْحَسَنِ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إِنَّ بُدَلَاءَ أُمَّتِي لَمْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِكَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ وَلَا صِيَامِهِمْ،وَلَكِنْ دَخَلُوهَا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ،وَسَخَاوَةِ أَنْفُسِهِمْ " (3)
وعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْأَبْدَالِ،قَالَ : " هُمْ سِتُّونَ رَجُلًا " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،جَلِّهِمْ لِي قَالَ : " لَيْسُوا بِالْمُتَنَطِّعِينَ،وَلَا بِالْمُبْتَدِعِينَ،وَلَا بِالْمُتَنَعِّمِينَ،لَمْ يَنَالُوا مَا نَالُوه بِكَثْرَةِ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ،وَلَكِنْ بِسَخَاءِ الأنَّفْسِ،وَسَلَامَةِ الْقُلُوبِ،وَالنَّصِيحَةِ لِأَئِمَّتِهِمْ،إِنَّهُمْ يَا عَلِيُّ فِي أُمَّتِي أَقَلُّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الْأَحمرِ " (4)
قَالَ الكلاباذي: " إِنَّمَا سُمُّوا أَبْدَالًا ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَلٌ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَالصِّدِّيقِينَ،وَالشُّهَدَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي أَنْ يَصْرِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْعَذَابَ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِعِصْيَانِهِمْ،فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَمَانًا فِي أُمَّتِهِ،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ،ثُمَّ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ،وَأَهْلُ بَيْتِهِ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأُمَّتِي "،وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي،إِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى كَذَلِكَ أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ "،فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ إِلَى رَحْمَتِهِ جَعَلَ مِنْهُمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَحِينٍ بَدَلًا مِنْهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا يَنْبَغِي بِأَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ،فَيَدْفَعُ بِهِمْ عَنْهُمُ الْعَذَابَ . قَوْلُهُ : " لَمْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِالْأَعْمَالِ " يَعْنِي بِالْحَرَكَاتِ الظَّاهِرَةِ،فَإِنَّهُمْ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 26) (10237 ) ومجمع الزوائد - (20 / 158) (16675) والإتحاف 8/386 والحلية 4/173 فيه جهالة ، ويشهد له ما بعده
(2) - مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ لِلطَّبَرَانِيِّ (71 ) وشُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (10468 ) فيه ضعف واضطراب
(3) - شعب الإيمان - (13 / 317)(10393 ) والأولياء - (58 ) فيه ضعف وإرسال
(4) - كِتَابُ الْأَوْلِياءِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(8) وفيه مجاشع بن عمرو متهم ،ويغني عنه ما قبله ، وبنحوه من طريق فيه ضعف وجهالة تاريخ دمشق - (1 / 292) ولكن معناه صحيح .(1/162)
عَسَى أَتَوْا بِأَكْثَرَ صَلَاةً،وَصِيَامًا،وَجِهَادًا،وَنَفَقَةً مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ،وَلَكِنْ دَخَلُوهَا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي تَفَرَّدُوا بِهَا عَنْ غَيْرِهِمْ،فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي عَصْرِهِمْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ عَمَلًا مِنْهُمْ،وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " إِنَّهُ لَمْ يَفْضُلْكُمْ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ،وَلَا صِيَامٍ،وَلَكِنْ بشَيْءٍ وَقَرَ فِي صَدْرِهِ " . وَقَوْلُهُ : " سَخَاوَةُ الْأَنْفُسِ " أَيْ بِسَخَاوَتِهَا بِفَوَاتِ مَا دُونَ اللَّهِ،وَسَلَامَةِ الصُّدُورِ مِنَ السُّكُونِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ،قِيلَ : سَلِيمٌ عَمَّا دُونَ اللَّهِ،وَقَوْلُهُ : " وَرَحْمَةً لِلْمُسْلِمِينَ " بِالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ فِي تَحَمُّلِ أَثْقَالِهِمْ،وَتَخْفِيفِ مُؤَنِهِمْ عَنْهُمْ" (1)
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فِتْنَةٌ تَحْصَلُ النَّاسُ كَمَا يُحْصَلُ الذَّهَبُ فِي الْمَعْدِنِ،فَلَا تَسُبُّوا أَهْلَ الشَّامِ،وَلَكِنِ سُبُّوا شِرَارَهُمْ،فَإِنَّ فِيهِمُ الْأَبْدَالَ،يُوشِكُ أَنْ يُرْسَلَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ سَيْبٌ فَيُفَرِّقُ جَمَاعَتَهُمْ،حَتَّى لَوْ قَاتَلَتْهُمُ الثَّعَالِبُ غَلَبَتْهُمْ،فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ خَارِجٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فِي ثَلَاثِ رَايَاتٍ،الْمُكْثِرُ يَقُولُ:خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا،وَالْمُقِلُّ يَقُولُ:اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا،أَمَارَتُهُمْ أَمُتْ أَمُتْ،يُلْقُونَ سَبْعَ رَايَاتٍ،تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ مِنْهَا رَجُلٌ يَطْلُبُ الْمُلْكَ،فَيَقْتُلُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا وَيَرُدُّ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أُلْفَتَهُمْ وَنِعْمَتَهُمْ وَقَاصِيَهُمْ وَدَانِيَهُمْ " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (2)
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"لَنْ تَخْلُوَ الْأَرْضُ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِثْلَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ،فَبِهِمْ تُسْقَوْنَ،وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ،مَا مَاتَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ آخَرَ " . قَالَ سَعِيدٌ:وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ:لَسْنَا نَشُكُّ أَنَّ الْحَسَنَ مِنْهُمْ (3)
__________
(1) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (25 )
(2) - المعجم الأوسط للطبراني - (296و4052) وروي موقوفاً وهو أصح
(3) - المعجم الأوسط للطبراني - (4251) وتاريخ دمشق - (1 / 298)و مجمع الزوائد - (16674) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ . وهو من طريق إِسْحَاقَ بْنِ زُرَيْقٍ الرَّاسِبِيَّ قَالَ : نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به وقال عقبه : لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا سَعِيدٌ ، وَلَا عَنْ سَعِيدٍ إِلَّا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، تَفَرَّدَ بِهِ إِسْحَاقُ "
قلت : إسحاق روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان فالصحيح أنه ثقة . وذكر الألفي له أربعة طرق في كتابه فضائل الشام ، وأعلها وفاته هذا الطريق القوي ، ولا أدري كيف فاته ذلك ؟!!(1/163)
وعن الْحَارِثَ بْنِ يَزِيدَ،أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيَّ،يَقُولُ:سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،يَقُولُ:"سَتَكُونُ فِتْنَةٌ يُحَصَّلُ النَّاسُ مِنْهَا كَمَا يُحَصَّلُ الذَّهَبُ فِي الْمَعْدِنِ،فَلَا تَسُبُّوا أَهْلَ الشَّامِ،وَسَبُّوا ظَلَمَتَهُمْ،فَإِنَّ فِيهِمُ الْأَبْدَالُ،وَسَيُرْسِلُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ سَيْبًا مِنَ السَّمَاءِ فَيُغْرِقُهُمْ حَتَّى لَوْ قَاتَلَتْهُمُ الثَّعَالِبُ غَلَبَتْهُمْ،ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلًا مِنْ عِتْرَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا إِنْ قَلُّوا،وَخَمْسَةَ عَشْرَ أَلْفًا إِنْ كَثُرُوا،أَمَارَتُهُمْ أَوْ عَلَامَتُهُمْ أَمِتْ أَمِتْ عَلَى ثَلَاثِ رَايَاتٍ يُقَاتِلُهُمْ أَهْلُ سَبْعِ رَايَاتٍ لَيْسَ مِنْ صَاحِبِ رَايَةٍ إِلَّا وَهُوَ يَطْمَعُ بِالْمُلْكِ،فَيَقْتَتِلُونَ وَيُهْزَمُونَ،ثُمَّ يَظْهَرُ الْهَاشِمِيُّ فَيَرُدُّ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ إِلْفَتَهُمْ وَنِعْمَتَهُمْ،فَيَكُونُونَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ " (1)
وعَنْ صَالِحٍ أَبِى الْخَلِيلِ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَكُونُ اخْتِلاَفٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنَ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ فَيَقْسِمُ الْمَالَ وَيَعْمَلُ فِى النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - وَيُلْقِى الإِسْلاَمُ بِجِرَانِهِ إِلَى الأَرْضِ فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ». (2)
قلت : وفيه مبهم وفي علل الحديث لابن أبي خاتم : " وَسَأَلتُ أَبِي عَن حَدِيثٍ ؛ رَواهُ عَبدُ الصَّمَدِ بن عَبدِ الوارِثِ،عَن هِشامٍ،عَن قَتادَةَ،عَن صالِحٍ أَبِي الخَلِيلِ،عَن صاحِبٍ لَهُ،عَن أُمِّ سَلَمَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قالَ : يَكُونُ اختِلافٌ عِندَ مَوتِ خَلِيفَةٍ،فَيَخرُجُ رَجُلٌ مِن أَهلِ المَدِينَةِ ذاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ،فَيَأتِيهِ ناسٌ مِن أَهلِ مَكَّةَ فَيُخرِجُونَهُ وَهُوَ كارِهٌ،فَيُبايِعُونَهُ بَينَ الرُّكنِ
__________
(1) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (8808) وصححه ووافقه الذهبي ، ومثله لا يقال بالرأي
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (4288) وتاريخ دمشق - (1 /292و293و294)(1/164)
والمَقامِ،وَيُبعَثُ إِلَيهِم بَعثُ الشّامِ،فَيُخسَفُ بِهِم بِالبَيداءِ. "فَقُلتُ لأَبِي : مَن صاحِبُهُ هَذا ؟ قالَ : عَبدُ اللهِ بن الحارِثِ (1) .
وعبد الله بن الحارث له رؤية وهو ثقة فيصح أو الحديث أو يحسن .
قلت : وقد ورد عند الطبراني عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُبَايِعُ لِرَجُلٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ،فَيَأْتِيهِ عَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ،وَأَبْدَالُ أَهْلِ الشَّامِ،فَيَغْزُوهُ جَيْشٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ،حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ،فَيَغْزُوهُمْ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ مِنْ كَلْبٍ،فَيَلْتَقُونَ،فَيَهْزِمُهُمُ اللَّهُ،فَالْخَائِبُ مَنْ خَابَ مِنْ غَنِيمَةِ كَلْبٍ " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ (2)
قلت : بل تابعه معمر عند الطبراني نفسه
ورواه الطبراني عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُبَايَعُ لِرَجُلٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ،فَيَأْتِيهِ عَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَبْدَالُ الشَّامِ،فَيَغْزُوَهُمْ جَيْشٌ مِنْ قِبَلِ الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ،ثُمَّ يَغْزُوهُمْ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ،فَيَلْتَقُونَ فَيَهْزِمُهُمُ اللَّهُ " . " فَكَانَ يُقَالُ : الْخَائِبُ،مَنْ خَابَ مِنْ غَنِيمَةِ كَلْبٍ " (3)
وفي صحيح ابن حبان عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ،عَنْ مُجَاهِدٍ،عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَكُونُ اخْتِلاَفٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ،فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ،فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ،فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ،فَيُبَايعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ،فَيَبْعَثُونَ إِلَيْهِ جَيْشًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ،فَإِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ،فَإِذَا بَلَغَ النَّاسَ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ أَهْلِ الشَّامِ وَعِصَابَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايعُونَهُ،وَيَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ،أَخْوَالُهُ مِنْ كَلْبٍ،فَيَبْعَثُ
__________
(1) - علل الحدث ابن ابي حاتم - (6 / 543)(2740)
(2) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ(11516 ) والْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (18338 ) حسن
(3) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (18557 ) حسن صحيح(1/165)
إِلَيْهِمْ جَيْشًا،فَيَهْزِمُونَهُمْ،وَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ،فَيَقْسِمُ بَيْنَ النَّاسِ فَيْأَهُمْ،وَيَعْمَلُ فِيهِمْ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - ،وَيُلْقِي الإِسْلاَمُ بِجِرَانِهِ إِلَى الأَرْضِ،يَمْكُثُ سَبْعَ سِنِينَ. (1)
وصالح أبو الخليل ثقة أدرك مجاهدا وعبد الله بن الحارث .
ورواه الطبراني من طريق عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،عَنْ مَعْمَرٍ،عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ مُجَاهِدٍ،عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ،فَيَأْتِي مَكَّةَ،فَيَسْتَخْرِجُهُ النَّاسُ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ كَارِهٌ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ،فَيُجَهَّزُ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنَ الشَّامِ،حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ،فَيَأْتِيهِ عَصَائِبُ الْعِرَاقِ وَأَبْدَالُ الشَّامِ،وَيَنْشَأُ رَجُلٌ بِالشَّامِ،وَأَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيُجَهَّزُ إِلَيْهِ جَيْشٌ،فَيَهْزِمُهُمُ اللَّهُ،فَتَكُونُ الدَّبْرَةُ عَلَيْهِمْ،فَذَلِكَ يَوْمُ كَلْبٍ،الْخَائِبُ : مَنْ خَابَ مِنْ غَنِيمَةِ كَلْبٍ،فَيَسْتَفْتِحُ الْكُنُوزَ،وَيُقِسِّمُ الْأَمْوَالَ،وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ،فَيَعِيشُ بِذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ " أَوْ قَالَ : " تِسْعَ سِنِينَ " . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : فَحَدَّثْتُ بِهِ لَيْثًا،فَقَالَ : حَدَّثَنِي بِهِ مُجَاهِدٌ،" لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَعْمَرٍ إِلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ " (2)
قلت : هو عبيد الله بن عمرو بن أبى الوليد الرقي وهو ثقة فقيه ربما وهم وقال الذهبي الحافظ .
وروي مرسلاً،عَنْ قَتَادَةَ،يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ،فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ،فَيَأْتِي مَكَّةَ،فَيَسْتَخْرِجُهُ النَّاسُ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ كَارِهٌ،فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ،فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنَ الشَّامِ،حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ،فَيَأْتِيهِ عَصَائِبُ الْعِرَاقِ،وَأَبْدَالُ الشَّامِ فَيُبَايِعُونَهُ،فَيَسْتَخْرِجُ الْكُنُوزَ،وَيَقْسِمُ الْمَالَ،وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ،يَعِيشُ فِي ذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ،أَوْ قَالَ : تِسْعَ سِنِينَ " (3)
__________
(1) - ومسند أبي يعلى الموصلي (6940) وحسنه محققه و صحيح ابن حبان - (15 / 158) (6757) صحيح أو حسن
(2) - المعجم الأوسط للطبراني - ( 1207 ) ومجمع الزوائد - (12399 ) وقال : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ . قلت : وهو حسن صحيح
(3) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (1387 ) صحيح مرسل - وهو حسن صحيح(1/166)
قلت:والراجح عندي رواية الوصل المرفوعة،والحديث رغم هذا الاختلاف حسن صحيح.
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( يَكُون ) : أَيْ يَقَع
( اِخْتِلَاف ) : أَيْ فِي مَا بَيْن أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد
( عِنْد مَوْت خَلِيفَة ) : أَيْ حُكْمِيَّة وَهِيَ الْحُكُومَة السُّلْطَانِيَّة بِالْغَلَبَةِ التَّسْلِيطِيَّة
( فَيَخْرُج رَجُل مِنْ أَهْل الْمَدِينَة ) : أَيْ كَرَاهِيَة لِأَخْذِ مَنْصِب الْإِمَارَة أَوْ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَة الْوَاقِعَة فِيهَا وَهِيَ الْمَدِينَة الْمُعَطَّرَة أَوْ الْمَدِينَة الَّتِي فِيهَا الْخَلِيفَة
( هَارِبًا إِلَى مَكَّة ) : لِأَنَّهَا مَأْمَن كُلّ مَنْ اِلْتَجَأَ إِلَيْهَا وَمَعْبَد كُلّ مَنْ سَكَنَ فِيهَا قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : وَهُوَ الْمَهْدِيّ بِدَلِيلِ إِيرَاد هَذَا الْحَدِيث أَبُو دَاوُدَ،فِي بَاب الْمَهْدِيّ
( فَيَأْتِيه نَاس مِنْ أَهْل مَكَّة ) : أَيْ بَعْد ظُهُور أَمْره وَمَعْرِفَة نُور قَدْره
( فَيُخْرِجُونَهُ ) : أَيْ مِنْ بَيْته
( وَهُوَ كَارِه ) : إِمَّا بَلِيَّة الْإِمَارَة وَإِمَّا خَشْيَة الْفِتْنَة،وَالْجُمْلَة حَالِيَّة مُعْتَرِضَة
( بَيْن الرُّكْن ) : أَيْ الْحَجَر الْأَسْوَد
( وَالْمَقَام ) : أَيْ مَقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
( وَيُبْعَث ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُول أَيْ يُرْسَل إِلَى حَرْبه وَقِتَاله مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَوْلَاد سَيِّد الْأَنَام وَأَقَامَ فِي بَلَد اللَّه الْحَرَام
( بَعْث ) : أَيْ جَيْش
( مِنَ الشَّام ) : وَفِي بَعْض النُّسَخ مِنْ أَهْل الشَّام
( بِهِمْ ) : أَيْ بِالْجَيْشِ
( بِالْبَيْدَاءِ ): بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون التَّحْتِيَّة قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : هِيَ أَرْض مَلْسَاء بَيْن الْحَرَمَيْنِ . وَقَالَ فِي الْمَجْمَع اِسْم مَوْضِع بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة وَهُوَ أَكْثَر مَا يُرَاد بِهَا
( فَإِذَا رَأَى النَّاس ذَلِكَ ) : أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ خَرْق الْعَادَة وَمَا جُعِلَ لِلْمَهْدِيِّ مِنْ الْعَلَامَة(1/167)
( أَتَاهُ أَبْدَال الشَّام ) : جَمْع بَدَل بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَة : هُمُ الْأَوْلِيَاء وَالْعُبَّاد الْوَاحِد بَدَل سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا مَاتَ مِنْهُمْ وَاحِد أُبْدِلَ بِآخَر،قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاة الصُّعُود . لَمْ يَرِد فِي الْكُتُب السِّتَّة ذِكْر الْأَبْدَال إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيث عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك وَصَحَّحَهُ،وَوَرَدَ فِيهِمْ أَحَادِيث كَثِيرَة خَارِج السِّتَّة جَمَعْتهَا فِي مُؤَلَّف اِنْتَهَى .
قُلْت : إِنَّا نَذْكُر هَا هُنَا بَعْض الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي شَأْن الْأَبْدَال تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ،فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِت مَرْفُوعًا الْأَبْدَال فِي هَذِهِ الْأَمَة ثَلَاثُونَ رَجُلًا قُلُوبهمْ عَلَى قَلْب إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن كُلَّمَا مَاتَ رَجُل أَبْدَلَ اللَّه مَكَانه رَجُلًا أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِع الصَّغِير،وَقَالَ الْعَزِيزِيّ وَالْمُنَاوِيّ فِي شَرْحه بِإِسْنَادٍ صَحِيح،وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عبادة بْن الصَّامِت " الْأَبْدَال فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ بِهِمْ تَقُوم الْأَرْض وَبِهِمْ تُمْطَرُونَ وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِير أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْكِتَاب الْمَذْكُور وَقَالَ الْعَزِيزِيّ وَالْمُنَاوِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح،وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عَوْف بْن مَالِك " الْأَبْدَال فِي أَهْل الشَّام وَبِهِمْ يُنْصَرُونَ وَبِهِمْ يُرْزَقُونَ " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِير أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْكِتَاب الْمَذْكُور قَالَ الْعَزِيزِيّ وَالْمُنَاوِيّ إِسْنَاده حَسَن،وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْأَبْدَال بِالشَّامِ وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلَّمَا مَاتَ رَجُل أَبْدَلَ اللَّه مَكَانه رَجُلًا يُسْقَى بِهِمْ الْغَيْث وَيُنْتَصَر بِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاء وَيُصْرَف عَنْ أَهْل الشَّام بِهِمْ الْعَذَاب،أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَقَالَ الْعَزِيزِيّ وَالْمُنَاوِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن قَالَ الْمُنَاوِيُّ زَادَ فِي رِوَايَة الْحَكِيم " لَمْ يَسْبِقُوا النَّاس بِكَثْرَةِ صَلَاة وَلَا صَوْم وَلَا تَسْبِيح وَلَكِنْ بِحُسْنِ الْخُلُق وَصِدْق الْوَرَع وَحُسْن النِّيَّة وَسَلَامَة الصَّدْر أُولَئِكَ حِزْب اللَّه " وَقَالَ : لَا يُنَافِي خَبَر الْأَرْبَعِينَ خَبَر الثَّلَاثِينَ لِأَنَّ الْجُمْلَة أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَثَلَاثُونَ عَلَى قَلْب إِبْرَاهِيم وَعَشَرَة لَيْسُوا كَذَلِكَ ،....
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاء ذَكَرُوا فِي وَجْه تَسْمِيَة الْأَبْدَال وُجُوهًا مُتَعَدِّدَة وَمَا يُفْهَم مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث مِنْ وَجْه التَّسْمِيَة هُوَ الْمُعْتَمَد .
( وَعَصَائِب أَهْل الْعِرَاق ) : أَيْ خِيَارهمْ مِنْ قَوْلهمْ عُصْبَة الْقَوْم خِيَارهمْ قَالَهُ الْقَارِي . وقَالَ فِي النِّهَايَة : جَمْع عِصَابَة وَهُمْ الْجَمَاعَة مِنَ النَّاس مِنَ الْعَشَرَة إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَا وَاحِد(1/168)
لَهَا مِنْ لَفْظهَا،وَمِنْهُ حَدِيث عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْأَبْدَال بِالشَّامِ وَالنُّجَبَاء بِمِصْرَ وَالْعَصَائِب بِالْعِرَاقِ " (1) أَرَادَ أَنَّ التَّجَمُّع لِلْحُرُوبِ يَكُون بِالْعِرَاقِ وَقِيلَ أَرَادَ جَمَاعَة مِنِ الزُّهَّاد وَسَمَّاهُمْ بِالْعَصَائِبِ لِأَنَّهُ قَرَنَهُمْ بِالْأَبْدَالِ وَالنُّجَبَاء اِنْتَهَى . وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَبْدَال وَالْعَصَائِب يَأْتُونَ الْمَهْدِيّ .
( ثُمَّ يَنْشَأ ) : أَيْ يَظْهَر
( رَجُل مِنْ قُرَيْش ) : هَذَا هُوَ الَّذِي يُخَالِف الْمَهْدِيّ
( أَخْوَاله ) : أَيْ أَخْوَال الرَّجُل الْقُرَشِيّ
( كَلْب ) : فَتَكُون أُمّه كَلْبِيَّة قَالَ التُّورْبَشْتِيّ رَحِمَهُ اللَّه : يُرِيد أَنَّ أُمّ الْقُرَشِيّ تَكُون كَلْبِيَّة فَيُنَازِع الْمَهْدِيّ فِي أَمْره وَيَسْتَعِين عَلَيْهِ بِأَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي كَلْب
( فَيَبْعَث ) : أَيْ ذَلِكَ الرَّجُل الْقُرَشِيّ الْكَلْبِيّ
( إِلَيْهِمْ ) : أَيْ الْمُبَايِعِينَ لِلْمَهْدِيِّ
( بَعْثًا ) : أَيْ جَيْشًا
( فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ ) : أَيْ فَيَغْلِب الْمُبَايِعُونَ عَلَى الْبَعْث الَّذِي بَعَثَهُ الرَّجُل الْقُرَشِيّ الْكَلْبِيّ
( وَذَلِكَ ) : أَيْ الْبَعْث
( بَعْث كَلْب ) : أَيْ جَيْش كَلْب بَاعِثه هُوَ نَفْس الْكَلْبِيّ
( وَيَعْمَل ) : أَيْ الْمَهْدِيّ
( فِي النَّاس بِسُنَّةِ نَبِيّهمْ - صلى الله عليه وسلم - ) : فَيَصِير جَمِيع النَّاس عَامِلِينَ بِالْحَدِيثِ وَمُتَّبِعِيهِ
( وَيُلْقِي ) : مِنَ الْإِلْقَاء
( الْإِسْلَام بِجِرَانِهِ ) : بِكَسْرِ الْجِيم ثُمَّ رَاء بَعْدهَا أَلِف ثُمَّ نُون هُوَ مُقَدَّم الْعُنُق قَالَ فِي النِّهَايَة : الْجِرَان بَاطِن الْعُنُق وَمِنْهُ حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا " حَتَّى ضَرَبَ الْحَقّ بِجِرَانِهِ " أَيْ قَرَّ قَرَاره وَاسْتَقَامَ كَمَا أَنَّ الْبَعِير إِذَا بَرَكَ وَاسْتَرَاحَ مَدَّ عُنُقه عَلَى الْأَرْض اِنْتَهَى
__________
(1) - ورد موقوفاً ومقطوعاً من طرق انظر تاريخ دمشق - (1 / 296-300)(1/169)
قَالَ اِبْن خَلْدُون : خَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ،عَنْ أُمّ سَلَمَة مِنْ رِوَايَة صَالِح أَبِي الْخَلِيل عَنْ صَاحِب أَبِي الْخَلِيل عَنْ صَاحِب لَهُ عَنْ أُمّ سَلَمَة ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،مِنْ رِوَايَة أَبِي الْخَلِيل عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث عَنْ أُمّ سَلَمَة : فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ الْمُبْهَم فِي الْإِسْنَاد الْأَوَّل وَرِجَاله رِجَال الصَّحِيحَيْنِ لَا مَطْعَن فِيهِمْ وَلَا مَغْمَز .
وَقَدْ يُقَال إِنَّهُ مِنْ رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيل وَقَتَادَةُ مُدَلِّس وَقَدْ عَنْعَنَة وَالْمُدَلِّس لَا يُقْبَل مِنْ حَدِيثه إِلَّا مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالسَّمَاعِ،مَعَ أَنَّ الْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح لِذِكْرِ الْمَهْدِيّ . نَعَمْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ،فِي أَبْوَابه اِنْتَهَى . قُلْت : لَا شَكّ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ يَعْلَم تَدْلِيس قَتَادَةَ بَلْ هُوَ أَعْرَف بِهَذِهِ الْقَاعِدَة مِنْ اِبْن خَلْدُون وَمَعَ ذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ وَابْن الْقَيِّم لَمْ يَتَكَلَّمُوا عَلَى هَذَا الْحَدِيث،فَعُلِمَ أَنَّ عِنْدهمْ عِلْمًا بِثُبُوتِ سَمَاع قَتَادَةَ مِنْ أَبِي الْخَلِيل لِهَذَا الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم . (1)
وفي ذيل القول المسدد (2) :
" قلت : ذكر الأبدال ورد فِي مُسْند أَحْمد قَالَ حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة ثَنَا صَفْوَان عَن شُرَيْح بن عبيد الله قَالَ ذكر أهل الشَّام عِنْد عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ بالعراق فَقَالُوا العنهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لَا سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - َ يَقُول الأبدال بِالشَّام وهم أَرْبَعُونَ رجلا كلما مَاتَ رجل أبدل الله مَكَانَهُ رجلا يُسْقَى بهم الْغَيْث وينصر بهم عَلَى الْأَعْدَاء وَيصرف عَن أهل الشَّام بهم الْعَذَاب رِجَاله رجال الصَّحِيح غير شُرَيْح وَهُوَ ثِقَة وَقَالَ أَحْمد حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء أخبرنَا الْحسن بن ذكْوَان عَن عبد الْوَهَّاب بن قيس عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - َ قَالَ الأبدال فِي هَذِه الْأمة ثَلَاثُونَ مثل إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن كلما مَاتَ رجل أبدل الله مَكَانَهُ رجلا رِجَاله رجال الصَّحِيح غير
__________
(1) - عون المعبود - (9 / 322)( 3737 )
(2) - ذيل القول المسدد - (ج 1 / ص 84) وانظر حم 1/112 والضياء 2/110و112(484-486) وصحح إسناده ومجمع 10/62و63 من طرق ونوادر الأصول 1/261و3/63 وفضائل الصحابة(1727)والإتحاف 8/386 وعساكر 1/289و292و296و299و300و340 والقول المسدد - (ج 1 / ص 83) الحديث التاسع وانظر عون المعبود - (6 / 467)(2596) فقد نقل تصحيح وتحسين بعضها(1/170)
عبد الْوَاحِد وَقد وَثَّقَهُ الْعجلي وَأَبُو زرْعَة وَأخرج أَحْمد من طَرِيق صَالح بن الْخَلِيل عَن صَاحب لَهُ عَن أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا قَالَ يكون اخْتِلَاف عِنْد موت خَليفَة الحَدِيث وَفِيه فَإِذا رَأَى النَّاس ذَلِك أَتَاهُ أبدال الشَّام وعصائب أهل الْعرَاق الحَدِيث .
قَالَ السُّيُوطِيّ فِي النكت : خبر الأبدال صَحِيح فضلا عَمَّا دون ذَلِك وَإِن شِئْت قلت متواتر وَقد أفردته بتأليف استوعبت فِيهِ طرق الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك وَالْحَاصِل أَنه ورد من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أخرجه ابْن عَسَاكِر من طَرِيقين وَعَلَى أخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَغَيرهم من طرق أَكثر من عشرَة بَعْضهَا عَلَى شَرط الصَّحِيح وَأنس وَله سِتّ طرق مِنْهَا طَرِيق فِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ الْأَوْسَط حسنه الهيثمي فِي مجمع الزَّوَائِد وَعبادَة ابْن الصَّامِت أخرجه أَحْمد بِسَنَد صَحِيح وَابْن عَبَّاس أخرجه أَحْمد فِي الزّهْد بِسَنَد صَحِيح وَابْن عمر وَله ثَلَاث طرق فِي المعجم الْكَبِير للطبراني وكراميات الْأَوْلِيَاء للخلال وَلأبي نعيم وَابْن مَسْعُود وَله طَرِيقَانِ فِي المعجم الْكَبِير والحلية وعَوْف بن مَالك أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن ومعاذ بن جبل أخرجه الديلمي وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَأبي هُرَيْرَة وَله طَرِيق أُخْرَى غير الَّتِي أوردهَا ابْن الْجَوْزِيّ أخرجهَا الْخلال فِي كرامات الْأَوْلِيَاء وَأم سَلمَة أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم وَمن مُرْسل الْحسن أخرجه ابْن أبي الدُّنْيَا فِي السخاء وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَمن مُرْسل عَطاء أخرجه أَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَمن مُرْسل بكر بن خُنَيْس أخرجه ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَوْلِيَاء وَمن مُرْسل شهر بن حَوْشَب أخرجه ابْن جرير فِي تَفْسِيره وَأما الْآثَار عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وخَالِد بن معدان وَأبي الزَّاهِرِيَّة وَابْن شَوْذَب وَعَطَاء وَغَيرهم من التَّابِعين فَمن بعدهمْ فكثيرة جدا وَمثل ذَلِك بَالغ حد التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ لَا محَالة بِحَيْثُ يقطع بِصِحَّة وجود الأبدال ضَرُورَة انْتَهَى"(1/171)
وفي المقاصد الحسنة للسخاوي (1) : حديث: الأبدال،له طرق عن أنس رضي اللَّه عنه مرفوعاً بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة. منها للخلال في كرامات الأولياء بلفظ: الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة كلما مات رجل أبدل اللَّه رجلاً مكانه،وإذا ماتت امرأة أبدل اللَّه مكانها امرأة،ومنها للطبراني في الأوسط بلفظ: لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن عليه السلام،فبهم يسقون،وبهم ينصرون،ما مات منهم أحد إلا أبدل اللَّه مكانه آخر،ومنها لابن عدي في كامله بلفظ: البدلاء أربعون،اثنان وعشرون بالشام،وثمانية عشر بالعراق،كلما مات منهم واحد أبدل اللَّه مكانه آخر،فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم،فعند ذلك تقوم الساعة،وكذا يروى كما عند أحمد في المسند والخلال وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي اللَّه مرفوعاً: لا يزال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن كلما مات واحد منهم أبدل اللَّه عز وجل مكانه رجلاً،وفي لفظ للطبراني في الكبير: بهم تقوم الأرض،وبهم يمطرون،وبهم ينصرون،ولأبي نعيم في الحلية عن ابن عمر رفعه: خيار أمتي في كل قرن خمسمائة والأبدال أربعون،فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل اللَّه مكانه آخر،قالوا: يا رسول اللَّه دلنا على أعمالهم؟ قال: يعفون عمن ظلمهم،ويحسنون إلى من أساء إليهم،ويتواصلون فيما أتاهم اللَّه عز وجل،وفي لفظ للخلال: لا يزال أربعون رجلاً يحفظ [ص 9] اللَّه بهم الأرض كلما مات رجل أبدل اللَّه مكانه آخر وهم في الأرض كلها،وفي الحلية أيضاً عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه رفعه: لا يزال أربعون رجلاً من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم يدفع اللَّه بهم عن أهل الأرض يقال لهم الأبدال،إنهم لم يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة،قالوا: فبم أدركوها يا رسول اللَّه؟ قال: بالسخاء والنصيحة للمسلمين،والجملة الأخيرة تروى كما للطبراني في الأجواد وغيره كأبي بكر ابن لال في مكارم الأخلاق،عن أنس رضي اللَّه عنه رفعه بلفظ: إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا صيام،ولكن
__________
(1) - المقاصد الحسنة للسخاوي - (1 / 32) (8) ومثله في كشف الخفاء من المحدث - (35 ) وتذكرة الموضوعات - (1 / 194) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (2 / 307) (78) والفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي - (1 / 112)78(1/172)
دخلوها بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للمسلمين،وللخرائطي في المكارم من حديث أبي سعيد نحوه،وبعضها أشد في الضعف من بعض،وآخرها جاء عن فضيل بن عياض رحمه اللَّه من قوله بلفظ: لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة،وانما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة،وأحسن مما تقدم ما لأحمد من حديث شريح يعني ابن عبيد قال: ذكر أهل الشام عند علي رضي اللَّه عنه وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين،قال: لا،إني سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: البدلاء يكونون في الشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل اللَّه مكانه رجلاً يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء،ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب،ورجاله من رواة الصحيح،إلا شريحاً وهو ثقة،وقد سمع ممن هو أقدم من علي،ومع ذلك فقال الضياء المقدسي: إن رواية صفوان بن عبد اللَّه عن علي رضي اللَّه عنه من غير رفع: لا تسبوا أهل الشام جماً غفيراً،فإن فيها الأبدال،قالها ثلاثاً. أولى،أخرجها عبد الرزاق ومن طريقه البيهقي في الدلائل ورواها غيرهما،بل أخرجها الحاكم في مستدركه مما صححه من قول علي نحوه،ورأى بعضهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال له: أين بدلاء أمتك؟ فأومأ بيده نحو الشام،وقال: فقلت يا رسول اللَّه؟ أما بالعراق أحد منهم؟ قال: بلى وسمى جماعة،ومما يتقوى به هذا الحديث ويدل لانتشاره بين الأئمة قول إمامنا الشافعي رحمه اللَّه في بعضهم: كنا نعده من الأبدال.
وقول البخاري في غيره: كانوا لا يشكون أنه من الأبدال،وكذا وصف غيرهما من النقاد والحفاظ والأئمة غير واحد بأنهم من الأبدال،ويروى في حديث مرفوع: ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال،الرضا بالقضاء،والصبر عن المحارم،والغضب [ص 10] للَّه،وعن بعضهم قال: أكلهم فاقة وكلامهم ضرورة،وعن معروف الكرخي قال: من قال اللَّهم ارحم أمة محمد في كل يوم كتبه اللَّه من الأبدال،وهو في الحلية بلفظ من قال في كل يوم عشر مرات: اللَّهم أصلح أمة محمد،اللَّهم فرج عن أمة محمد،اللَّهم ارحم أمة محمد،كتب من الأبدال،وعن غيره قال: علامة الأبدال أن لا يولد لهم،بل يروى في مرفوع معضل: علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئاً أبداً،وقال يزيد بن هارون: الأبدال هم أهل العلم،وقال الإمام أحمد: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فمن هم؟ وقال بلال الخواص فيما رويناه في(1/173)
مناقب الشافعي ورسالة القشيري: كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فتعجبت منه وألهمت أنه الخضر،فقلت له: بحق الحق من أنت؟ قال: أنا أخوك الخضر،فقلت له: أريد أن أسألك،قال: سل،قلت: ما تقول في الشافعي،قال: هو من الأبدال،قلت: فما تقول في أحمد،قال: رجل صديق،قلت: فما تقول في بشر بن الحارث،قال: رجل لم يخلق بعده مثله،قلت: فبأي وسيلة رأيتك،قال: ببركة أمك،وروينا في تاريخ بغداد للخطيب عن الكتاني قال: النقباء ثلاثمائة،والنجباء سبعون،والبدلاء أربعون،والأخيار سبعة،والعمد أربعة،والغوث واحد،فمسكن النقباء المغرب. ومسكن النجباء مصر،ومسكن الأبدال الشام،والأخيار سيَّاحون في الأرض،والعُمُدُ في زوايا الأرض،ومسكن الغوث مكة،فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء،ثم النجباء،ثم الأبدال،ثم الأخيار،ثم العمد،فإن أجيبوا وإلا ابتهل الغوث،فلا تتم مسئلته حتى تجاب دعوته،وفي الإحياء: ويقال إنه ما تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال ولا يطلع الفجر من ليلة إلا ويطوف به واحد من الأوتاد،وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض،وذكر أثراً. إلى غير ذلك من الآثار الموقوفة وغيرها،وكذا من المرفوع مما أفردته واضحاً بيناً معللاً في جزء سميته نظم اللآل في الكلام على الأبدال (1) [ص 11]."
فلت:فالحديث على الأقل صحيح لغيره
ولم يصب من ادَّعى وضع هذا الحديث كابن الجوزى،ولا من ضعَّفهُ فهو صحيحٌ على كافَّةِ الشروط التى وضعها العلماء للحديث الصحيح لغيره لكنَّ غَلطَ بعضُ الناسِ فى تفسير هذا الحديث لا يُبطلهُ .
وهؤلاء الأبدال من العلماء والزهاد والفقهاء والمحدثين من المخلصين من هذه الأمة بما فيهم المجاهدين فى سبيل الله وهؤلاء طائعون لله،يحبون الخير للناس لا يحقدون على
__________
(1) - قال الغماري : وللحافظ السيوطي كتاب الخبر الدال على وجود النجباء والأوتاد والأبدال، أثبت فيه تواتر حديث الأبدال، وإن لم يسلم له التواتر فالحديث صحيح جزماً خلافاً للمؤلف. ومن طرقه حديث أم سلمة عند أبي داود بإسناد على شرط الصحيحين، رواه في باب المهدي من كتاب الملاحم.(1/174)
غيرهم،ويقدمون مصلحة الإسلام على مصلحتهم ،ولا يشترط أن يعرف البدل أنه منهم وأما ماورد عن الأوتاد والأقطاب والأغواث فلم يرد فيه شىء صحيح (1)
وقال الحكيم في النوادر عنهم (2) :
" فال أبو الدرداء:إنَّ الأنبياءَ عليهم السلام كانوا أوتادَ الأرضِ فلما انقطعتِ النبوةُ أبدلَ اللهُ تعالى مكانهم قوماً من أمةِ أحمدَ يقالُ لهم الأبدالُ لم يَفضلوا الناسَ بكثرة صومٍ ولا صلاةٍ ولا تسبيحَ ولكنْ بحسنِ الخُلقِ وبصدقِ الورعِ،وحُسْنِ النيةِ وسلامةِ قلوِبهمْ لجميعِ المسلمينَ والنصيحةِ للهِ تعالى ابتغاءَ مرضاتهِ بصبرٍ وحلمٍ ولبٍّ وتواضعٍ في غير مَذلَّةٍ فهمْ خلفاءُ الأنبياءِ قومٌ اصطفاهمُ اللهُ تعالى لنفسهِ واستخلصهُمْ بعلمهِ لنفسهِ وهم أربعونَ صِدِّيقاً منهم ثلاثونَ رجلاً على مِثلِ يقينِ إبراهيمَ خليلِ الرَّحمنِ بهمْ تُدفعُ المكارهُ عن أهلِ الأرضِ والبلايا عنِ الناسِ وبهمْ يمُطَرونَ وبهِم يُرزقونَ لا يموتُ الرجلُ منهمْ أبداً حتى يكونَ اللهُ تعالى قد أنشأّ مَنْ يخْلُفهُ ولا يُعلنونَ شيئاً ولا يُؤذونَ مَنْ تحَتهمْ ولا يتطاولونَ عليهم ولا يحَقِرونهَُمْ ،ولا يحسدونَ مَنْ فَوقهُم ولا يحَرصونَ على الدُّنيا ليسوا بمتماوتينَ ولا متكبرِّينَ ولا متخشِّعينَ أطيبُ الناسِ خبراً وأورعهُم أنفُساً،طبيعتهمُ السَّخاءُ،وصِفتُهمُ السَّلامةُ منْ دعوى الناسِ قِبَلهُم ،لا تتفرقُ صِفتُهُمْ،ليسوا اليومَ في حالِ خَشيةٍ ،و غداً في حالِ غفلةٍ ،ولكنْ مُداومينَ على حالهِم وهمْ فيما بينهمْ وبينَ ربهِّمْ لا تَتدرَّكهُمُ الريحُ العاصفُ ولا الخيلُ المجْراةُ،قلوبهُمْ تصعدٌ في السَّماءِ ارتياحاً إلى اللهِ تعالى ،واشتياقاً إليهِ،قُدماً في اشتياقِ الخيراتَِ،أولئكَ حزبُ اللهِ ،أَلا إنَّ حزبَ اللهِ همُ المفلحونَ،قلتُ :يا أبا الدرداء ما شيءٌ أثقلُ عليَّ منْ هذهِ الصفةِ التي وصفتَها فكيفَ لي بأنْ أُدركَها ؟قال :ليسَ بينكَ و بينَ أنْ تكونَ في أوسطِ ذلكَ إلاَّ أنْ تبغضَ الدُّنيا فإذا أبغضتَ الدُّنيا أقبلَ عليكَ حبُّ الآخرةِ وبقدرِ ماتزهدُ في الدُّنيا تحبُّ الآخرةَ وبقدرِ ما تحبُّ الآخرةَ تُبصرُ ما ينفعُكَ وما يضرُّكَ ،فإذا علمَ اللهُ صدقَ الطلبِ مِن عبدِه أفرغَ عليه السدادَ واكتنفهُ بعصمتهِ ،وتصديقُ ذلكَ
__________
(1) - انظر الإتحاف 8/385-386
(2) - نوادر الأصول فى أحاديث الرسول ـ للترمذى - (1 / 115)(1/175)
في كتابِ اللهِ العزيزِ (إنَّ اللهَ معَ الذينَ اتَّقوا والذينَ همْ محُسنونَ ) فنظرنا في ذلك فما تلذذَ المتلذذونَ بشيءٍ أفضلَ منْ حُبِّ اللهِ تعالى وطلبِ مَرضاتهِ اهـ
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية :
" أحاديث الأبدال قد تباينت فيها أنظار العلماء بين مصحح ومضعف،قال ابن القيم في المنار المنيف: ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وأقرب ما فيها: لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم البدلاء،كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً آخر. ذكره أحمد،ولا يصح أيضاً فإنه منقطع،وقد حكم عليها ابن الجوزي بالوضع،وكذلك ذكر الشيخ الألباني جملة من أحاديث الأبدال في السلسلة الضعيفة وضعفها كلها وحكم على بعضها بالوضع.
وهناك من ذهب إلى أن الحديث له أصل بناء على كثرة طرقه،قال العجلوني في كشف الخفاء: وأقول: لكنه يتقوى بتعدد طرقه الكثيرة.
ونقل المناوي في فتح القدير عن ابن حجر: الأبدال وردت في عدة أخبار منها ما يصح وما لا يصح. وممن ذهب إلى هذا أيضاً السيوطي والسخاوي وغيرهم.
وعلى كلا قولي العلماء في هذه الأحاديث،فالأبدال المذكورون في هذه الأحاديث -على القول بصحة بعضها- هم المتبعون للكتاب والسنة،علماً وعملاً وحالاً. أما تعيينهم فلا سبيل إليه،والخوض في ذلك من التخرص والقول على الله بلا علم،وكذلك حصرهم في عدد معين باطل،قال شيخ الإسلام (1) : والحديث المروي في أن الأبدال أربعون رجلاً حديث ضعيف،فإن أولياء الله المتقين يزيدون وينقصون بحسب كثرة الإيمان والتقوى وبحسب قلة ذلك،كانوا في أول الإسلام أقل من أربعين فلما انتشر الإسلام كانوا أكثر من ذلك.
ولا يجوز لأحد أن يدعي أن فلاناً من الأبدال،أو يظن فيه قدرة على شفاء المرض وقضاء الحاجات أو يصرف إليه استغاثة أو دعاءً نحو ذلك مما هو شرك أكبر،أو يتبعه في خلاف
__________
(1) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (27 / 498)(1/176)
الكتاب والسنة بحجة أنه من الأبدال،فقد حجب الله على الخلق الوصول إليه إلا من جهة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ،قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].
وأوجب على الخلق جميعاً طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ،فقال الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].
وهؤلاء السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم أفضل هذه الأمة كانوا أحرص ما يكون على اتباع كتاب ربهم وسنة نبيهم،فمن تنكب سبيلهم فقد ضل سواء السبيل،والله المسؤول أن يمنَّ علينا باقتفاء سبيلهم،علماً وعملاً وحالاً،ونعوذ بالله أن يكون حظنا من ذلك،مجرد حكايته. " والله أعلم. (1)
قلت:
أولا- الصواب صحة حديث الأبدال،فهو صحيح على كافة الطرق التي وضعت في الجرح والتعديل وعلم المصطلح .
الثاني - كلام ابن القيم بأن كلها موضوع فيه نظر كبير،بل الصواب فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنكر ...
الثالث- تعيينهم بأربعين أو ثلاثين ورد بطرق قوية فلا يجوز القول ببطلان العدد،وإن كنا نرجح أن المقصود قلتهم في هذه الأمة .
الرابع - قد ثبت عن السلف الصالح أنهم كانوا يقولون عن بعض العلماء والصالحين أنهم من الأبدال،أمثلة على ذلك :
ففي الْإِرْشَادُ فِي مَعْرِفَةِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ لِلْخَلِيلِيِّ :
" مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى يُعْرَفُ بِابْنِ هَارُونَ أَبُو جَعْفَرٍ فَارِسِيُّ،نَزَلَ هَمَذَانَ،حَافِظٌ،وَلَهُ بِهَا أَوْقَافٌ،وَآثَارٌ،وَكَانَ لَهُ شَأْنٌ،وَخَطَرٌ،رَوَى عَنْهُ جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،وَإِسْحَاقُ
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 8246) -رقم الفتوى 27981 الأبدال.. تعريفهم.. تعيينهم وعددهم -تاريخ الفتوى : 02 ذو الحجة 1423(1/177)
الْكَيْسَانِيُّ،وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْرَوَيْهِ،وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانُ،وَرَوَى عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ،وَمُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ،وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ،وَأَبِي غَسَّانَ مَالِكَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ،كَتَبَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْبَرْدِيجِيُّ،وَحُفَّاظُ الْعِرَاقِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ،وَكَانَ مِنَ الْأَبْدَالِ "
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (2 / 516) :
" وقال يحيى بن إسحاق ثنا عبد العزيز بن مسلم وكان من الأبدال "
تاريخ دمشق - (5 / 333)
محمد بن القاسم المعدل المديني يقول سمعت أبا بكر ايرويه وكان من الأبدال ..."
تاريخ دمشق - (21 / 330)
"سعيد بن يزيد بن معيوف الدمشقي وكان من الأبدال وكان ثقة "
تاريخ دمشق - (65 / 263)
" أبو عوانة يعقوب بن إسحاق نا أبو إبراهيم الزهري وكان من الأبدال"
وفي سير أعلام النبلاء - (6 / 376)
وَقَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ،وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ،وَقَالَ مرَّةً: وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
سير أعلام النبلاء - (8 / 192)
30 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ القَسْمَلِيُّ * (خَ،م،د،ت،س)
الإِمَامُ،العَابِدُ،الرَّبَّانِيُّ،أَبُو زَيْدٍ القَسْمَلِيُّ،الخُرَاسَانِيُّ،ثُمَّ البَصْرِيُّ،أَحَدُ الثِّقَاتِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِيْنِيُّ: سَمِعْتُ مِنْهُ،وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
سير أعلام النبلاء - (13 / 50)
37 - حَمْدُوْنُ القَصَّارُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَارَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ *شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ،أَبُو صَالِحٍ حَمدُوْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَارَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ. وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
سير أعلام النبلاء - (13 / 117)
57 - أَبُو إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ الإِمَامُ،الرَّبَّانِيُّ،الثِّقَةُ،(1/178)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ،وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ،وَأَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ) فِي موَاضِعَ،فَقَالَ فِي بَعْضِهَا: وَكَانَ مِنَ الأَبْدَال،وكذلك في تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع - (20 / 254)
سير أعلام النبلاء - (21 / 502)
262 - ابْنُ سُكَيْنَةَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ الشَّيْخُ،الإِمَامُ،العَالِمُ،الفَقِيْهُ،المُحَدِّثُ،الثِّقَةُ،المُعَمَّرُ،القُدْوَةُ الكَبِيْرُ،شَيْخُ الإِسْلاَمِ،مَفْخَرُ العِرَاقِ،ضِيَاءُ الدِّيْنِ،أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْن الشَّيْخِ الأَمِيْنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ سُكَيْنَةَ البَغْدَادِيُّ،الصُّوْفِيُّ،الشَّافِعِيُّ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ:وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ ابْنُ سُكَيْنَةَ،وَحضرَهُ أَربَابُ الدَّوْلَةِ،وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً،ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ. وكذلك في تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع - (43 / 256)
تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع - (10 / 328)
(عبد العزيز بن مسلم،القسمليّ،مولاهم،الخراسانيّ وقال يحيى بن إسحاق: ثنا عبد العزيز. وكان من الأبدال.
وفي أخبار مكة للفاكهي - (2 / 230) 654 - حدثنا ميمون بن الأصبغ قال:ثنا سيار قال:ثنا جعفر قال:ثنا إبراهيم بن عيسى اليشكري قال:كنا نراه من الأبدال الذين تقوم بهم الأرض
وفي أخبار مكة للفاكهي - (2 / 480) 877 - حدثنا يحيى بن سعيد بن كثير بن دينار الشامي،وكان يقال:إنه من الأبدال
وفي اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (6 / 115)
[5997/4] قال: وثنا عفان،ثنا موسى بن خلف أبو خلف - وكان يعد من الأبدال- وذكر حديثاً آخر نحوه.
وفي الأحاديث المختارة للضياء - (1 / 415)
أبو الحسن علي بن عبدالحميد بن سليمان الغضائري بحلب وكان يقال إنه من الأبدال(1/179)
أخرجه ابن ماجة (3348 و3556) قال:حدَّثنا يَحيى بن عُثْمَان بن سَعِيد بن كَثِير بن دِينَار الحِمْصِي،وكان يُعَدُّ من الأَبْدَالِ
سنن الدارمى- المكنز - (10 / 376)
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ،وَزَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
شعب الإيمان - (6 / 317)
4255 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ،أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئ،حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ،حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ مَرْزُوقٍ،وَكَانَ،يُعَدُّ مِنَ الْأَبْدَالِ،
شعب الإيمان - (13 / 155)
10101 - قَالَ: وَثَنَا عَبْدُ اللهِ،ثَنَا عِصْمَةُ بْنُ الْفَضْلِ،ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّازِيُّ،وَكَانُوا يَرَوْنَهُ مِنَ الْأَبْدَالِ،
أخبار أصبهان - (4 / 96)
الحسن بن علي بن سعيد أبو علي السنبلاني الجعفي كان يعد من الأبدال،يروي عن أبي مسعود،وسهل بن عبد الله أبي طاهر
أخبار أصبهان - (9 / 391)
محمود بن الفرج بن عبد الله بن بدر أبو بكر الوذنكاباذي جد أبي محمد بن حيان،كان من الأبدال ،
أخبار أصبهان - (10 / 91)
همام بن محمد بن النعمان بن عبد السلام التيمي أبو عمرو قيل إنه كان من الأبدال
الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي - (1 / 138)
أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك المروزي قال سفيان:ما بالمشرق ولا بالمغرب له نظير،وله كرامات ظاهرة،يقال:إنه من الأبدال
الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي - (2 / 66)(1/180)
إبراهيم بن معدان روى عن العباس بن زياد،خرج إلى مكة،وأقام بها روى عنه محمد بن عمران الهمذاني،وقال كتبت عنه بمكة سنة اثنتي عشرة ومائتين،وكان يقال:إنه من الأبدال من أهل همذان
الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي - (2 / 143)
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ أَخَذَ عِلْمَ أَبِيهِ،وَأَبِي زُرْعَةَ،وَكَانَ بَحْرًا فِي الْعُلُومِ وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنَ السَّقِيمِ،وَلَهُ مِنَ التَّصَانِيفِ مَا هُوَ أَشْهُرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ فِي الْفِقْهِ،وَالتَّوَارِيخِ،وَاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ،وَالتَّابِعِينَ،وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ،وَكَانَ زَاهِدًا يُعَدُّ مِنَ الْأَبْدَالِ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي - (2 / 216)
أبو الحسن كثير بن شهاب اليماني عدل،مرضي ثقة،يقال:إنه من الأبدال
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (4 / 453)
أخبرني أبو عمر بن إدريس بن يحيى الخولاني وكنا نقول:إنه من الأبدال بل كان كذلك
السنة لابن أبي عاصم - (3 / 316)
1112 - حدثنا ابن البزار،حدثنا شعيب بن حرب،حدثنا زياد أبو عمر - وكان يقال له إنه من الأبدال
السنة لعبد الله بن أحمد - (2 / 52)
قال ابن المبارك:"إن كان بخراسان أحد من الأبدال فمعدان
الكنى والأسماء للدولابي - (5 / 437)
عن أبي مسعدة الجرشي قال:« كان يزيد بن الأسود يرون أنه من الأبدال
الموسوعة الفقهية الكويتية - (9 / 285)
كان أحمد يقول:إن كان في البلد رجل من الأبدال،فأبو إسحاق النيسابوري
البداية والنهاية لابن كثير - موافقة للمطبوع - (11 / 45)
وفيها توفي من الاعيان أحمد بن منصور الرمادي رواية عبد الرزاق وقد صحب الامام أحمد وكان يعد من الابدال توفي عن ثلاث وستين سنة.(1/181)
مجموع الفتاوى لابن تيمية - (11 / 545)
وَلِهَذَا كَانَ الْمَشَايِخُ الْعَارِفُونَ بِطَرِيقِ اللَّهِ يُحَذِّرُونَ مِنْ ذَلِكَ . كَمَا قَالَ فَتْحِ الموصلي:أَدْرَكْت ثَلَاثِينَ مِنْ الْأَبْدَالِ كَلٌّ يَنْهَانِي عِنْدَ مُفَارَقَتِي إيَّاهُ عَنْ صُحْبَةِ الْأَحْدَاثِ .
وغير ذلك كثير جدا
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَكَانُوا يَقُولُونَ:هُمْ " الْأَبْدَالُ " لِأَنَّهُمْ أَبْدَالُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَائِمُونَ مَقَامَهُمْ حَقِيقَةً لَيْسُوا مِنَ الْمُعْدَمِينَ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَقِيقَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ يَقُومُ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي نَابَ عَنْهُمْ فِيهِ:هَذَا فِي الْعِلْمِ وَالْمَقَالِ وَهَذَا فِي الْعِبَادَةِ وَالْحَالِ وَهَذَا فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا . وَكَانُوا يَقُولُونَ:هُمُ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ الظَّاهِرُونَ عَلَى الْحَقِّ . لِأَنَّ الْهُدَى وَدِينَ الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ مَعَهُمْ . وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ بِظُهُورِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا ." (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (4 / 97)(1/182)
الباب الثاني
فضائل بيت المقدس
ثاني بيت بني لعبادة الله في الأرض
أَوَّل مَسْجِدٍ وُضِعَ عَلَى الأَْرْضِ هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَْقْصَى ,فعَنْ أَبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ:الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ،قَالَ:قُلْتُ:ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ:الْمَسْجِدُ الأَقْصَى،قُلْتُ:كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ:أَرْبَعُونَ سَنَةً،ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ،فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ. (1)
وعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ :« الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ». قَالَ قُلْتُ:ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ :« ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى ». قَالَ قُلْتُ:كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ :« أَرْبَعُونَ سَنَةً،فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2)
وعَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ قَالَ « الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ » . قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ قَالَ « ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى » . قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ « أَرْبَعُونَ » . ثُمَّ قَالَ « حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ،وَالأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ » (3) .
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ،قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصَى،قَالَ: قُلْتُ: وَكَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَامًا،ثُمَّ الأَرْضُ لَكَ فَصَلِّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ." (4)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ ؟ قَالَ:الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ،قَالَ:قُلْتُ:ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ:ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى،قَالَ:قُلْتُ:كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ:أَرْبَعُونَ سَنَةً،ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ." (5)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3366 )
(2) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (2 / 433) (4436) وصحيح مسلم- المكنز - (1189 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3425 )
(4) - مسند أبي عوانة (904 ) صحيح
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 174)(21390) 21718- صحيح(1/183)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ،قَالَ:كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي الْقُرْآنَ فِي السُّدَّةِ،فَإِذَا قَرَأْتُ السَّجْدَةَ سَجَدَ،فَقُلْتُ لَهُ:يَا أَبَتِ أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ ؟ قَالَ:إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ:الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ،قُلْتُ:ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ:الْمَسْجِدُ الأَقْصَى،قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ:أَرْبَعُونَ عَامًا،ثُمَّ الأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ،فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ.". (1)
المسجد الأقصى: هو مسجد بيت المقدس،قيل له الأقصى: لبعد المسافة بينه وبين الكعبة،وقيل: لأنه أبعد المساجد التي تزار ويبتغى بها الأجر من المسجد الحرام.
وسمي بيت المقدس: لأنه قدِّس: أي طُهر من الشرك. وقال المكناسي: أصله من القَدَس،وهي الطهارة والبركة. والقدس: اسم مصدر في معنى الزيادة،لأنه تعالى في غاية الكمال.
ومن هذا المعنى كان من أسماء الله الحسنى أنه القدوس،أي الطاهر المبرأ من كل نقص لا يليق بجلال ربوبيته وإلهيته،وهذا اللفظ من صيغ المبالغة.
يقال لغة: قدس الشيء يقدس قدسا،إذا طهر.
ويقال: قدس العبد لله تقديسا،أي طهر نفسه له،وصلّى له وعظّمه وكبّره.
ويقال: قدّس العبد ربه،إذا نزهه عما لا يليق به،وقدّس الله عز وجل فلانا،إذا طهره وبارك عليه. ويقال: تقدس فهو متقدس،إذا تطهر وتنزه. وقد وُصِف جبريل عليه السلام بأنه روح القدس،أي روح الطهارة. والوادي المقدّس طوى،أي الوادي المطهّر.
وهكذا تدور المادة حول معنى الطهارة والبراءة من الأرجاس والأنجاس والنقائص والعيوب.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1190 ) -السدة : الظلال المسقفة عند باب المسجد وحوله وأصله الباب والظلة تجعل فوقه(1/184)
وقوله:(( أربعون عامًا ))- وقد سُئل عن مدة ما بينهما - فيه إشكال ؛ وذلك أن مسجد مكة بناه إبراهيم بنصّ القرآن ؛ إذ قال:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (127) سورة البقرة.
وَقَدْ أُشْكِل هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ الْجَوْزِيِّ فَقَال:إِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ هُوَ الَّذِي بَنَى الأَْقْصَى كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ،هُوَ ابْنُ الْعَاصِ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ " سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ،لَمَّا بَنَى مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،سَأَلَ اللَّهَ خِلِالًا ثَلَاثَةً:سَأَلَ اللَّهَ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ،وَسَأَلَ اللَّهَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ،وَسَأَلَ اللَّهَ حِينَ فَرَغَ،مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ،أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ". (1)
وَسُلَيْمَانُ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ كَمَا قَال أَهْل التَّارِيخِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ عَامٍ،وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ:بِأَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّمَا كَانَ لَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى تَجْدِيدُهُ لاَ تَأْسِيسُهُ،وَالَّذِي أَسَّسَهُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ الْكَعْبَةَ بِهَذَا الْقَدْرِ (2) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي(762 ) ومُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (325) صحيح
(2) - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (5 / 42) و إعلام الساجد للزركشي ص29 - 30 ، وتحفة الراكع والساجد ص175 . وانظر شرحه مفصلاً في إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى - (1 / 61)(1/185)
الْقِبْلَةُ الأُْولَى لِلْمُسْلِمِينَ
مِنَ الْفَضَائِل الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا الْمَسْجِدُ الأَْقْصَى،أَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُولَى الْقِبْلَتَيْنِ،فَإِلَيْهِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَوَجَّهُونَ فِي صَلاَتِهِمْ قَبْل أَنْ تُحَوَّل الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ .
وَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ شَرَّفَهُ اللَّهُ وَكَرَّمَهُ،فَوَجَّهَ أَنْظَارَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ (1) ،عَنِ الْبَرَاءِ،قَالَ:لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا،أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا،وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ،فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا،فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة] فَمَرَّ رَجُلٌ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ،فَقَالَ:هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّهُ وَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ.فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ،يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أُرِيدُ - يَعْنِي الظِّلَّ - فَسَأَلْتُهُ،فَقُلْتُ:لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ ؟ قَالَ الْغُلاَمُ:لِفُلاَنِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ،فَعَرَفْتُهُ،فَقُلْتُ:هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ ؟ قَالَ:نَعَمْ. قُلْتُ:هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي ؟ قَالَ:نَعَمْ،فَأَمَرْتُهُ،فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ. وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ،ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ،فَقَالَ هَكَذَا،وَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى،فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ،وَقَدْ رَوَيْتُ مَعِي لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ،فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرُدَ أَسْفَلُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ،فَقُلْتُ:اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ،فَشَرِبَ،فَقُلْتُ:قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللهِ،فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا،فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ،فَقُلْتُ:هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:فَبَكَيْتُ،فَقَالَ:لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا. فَلَمَّا دَنَا مِنَّا،وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قِيدُ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ،قُلْتُ:هَذَا الطَّلَبُ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ لَحِقَنَا،فَبَكَيْتُ. قَالَ:مَا يُبْكِيكَ ؟ قُلْتُ:أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي،وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ،فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ. قَالَ:فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا فَوَثَبَ عَنْهَا،ثُمَّ قَالَ:يَا مُحَمَّدُ قَدْ
__________
(1) - تفسير القرطبي 2 / 149 - 150 .(1/186)
عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ،فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّينِي مِمَّا أَنَا فِيهِ،فَوَاللَّهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ،وَهَذِهِ كِنَانَتِي،فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا،فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا،فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ،وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ،وَمَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلاً،فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ،أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ،فَخَرَجَ النَّاسُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي الطُّرُقِ،وَعَلَى الْبُيُوتِ مِنَ الْغِلْمَانِ وَالْخَدَمِ يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ،فَنَزَلَ حَيْثُ أُمِرَ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا،وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} . قَالَ:وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْيَهُودُ:{مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}،قَالَ:وَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ،فَخَرَجَ بَعْدَمَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ:هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ،فَانْحَرَفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. قَالَ الْبَرَاءُ:وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ،فَقُلْنَا لَهُ:مَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ:هُوَ مَكَانَهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي،ثُمَّ أَتَى بَعْدَهُ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى أَخُو بَنِي فِهْرٍ،فَقُلْنَا:مَا فَعَلَ مَنْ وَرَاءَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ ؟ قَالَ:هُمُ الآنَ عَلَى أَثَرِي،ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ،وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ،وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ،وَبِلاَلٌ،ثُمَّ أَتَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ رَاكِبًا،ثُمَّ أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَهُمْ،وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ. قَالَ الْبَرَاءُ:فَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ،ثُمَّ خَرَجْنَا نَلْقَى الْعِيرَ،فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ حَذِرُوا." (1)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (4 / 618) (1716) صحيح(1/187)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:صَلَّى الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ قَدُومِ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ عَشْرًا شَهْرًا وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ سَوَاءً،وَذَلِكَ أَنَّ قُدُومَهُ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ كَانَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ،لاِثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ،وَأَمَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ،لِلْنِصْفِ مِنْ شَعْبَانَ،فَذَلِكَ مَا وَصَفْتُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْتُ. (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا:كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنْ إِخْوَانِنَا وَهُمْ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (143) سورة البقرة. (2)
وعَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ - مِنَ الأَنْصَارِ،وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا،أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا،وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ،وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلاَّهَا صَلاَةَ الْعَصْرِ،وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ،فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ،فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ،وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ مَكَّةَ،فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ،وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،وَأَهْلُ الْكِتَابِ،فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ . قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فِى حَدِيثِهِ هَذَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا،فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (143) سورة البقرة. (3)
__________
(1) -صحيح ابن حبان - (4 / 620)
(2) - صحيح ابن حبان - (4 / 621) (1717) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (40 )(1/188)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا،وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (144) سورة البقرة،فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ،وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ - وَهُمُ الْيَهُودُ - { مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (142) سورة البقرة،فَصَلَّى مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى،فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِى صَلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ . فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ . (1)
وعَنِ الْبَرَاءِ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا،وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ،وَإِنَّهُ صَلَّى - أَوْ صَلاَّهَا - صَلاَةَ الْعَصْرِ،وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ،فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ،فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ مَكَّةَ،فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ،وَكَانَ الَّذِى مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ ({وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (143) سورة البقرة (2)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِى فِى الْبَقَرَةِ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (399 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (4486 )(1/189)
الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (144) سورة البقرة،فَنَزَلَتْ بَعْدَ مَا صَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَحَدَّثَهُمْ فَوَلَّوْا وُجُوهَهُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ. (1)
وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ،قَالَ:"صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا،ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً أَمَرَهُ بِالتَّحَوُّلِ إِلَى الْكَعْبَةِ،فَقَالَ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (144) سورة البقرة (2)
وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ،قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلاةُ ثَلاثَةَ أَحْوَالٍ،وَأُحِيلَ الصَّوْمُ ثَلاثَةَ أَحْوَالٍ،فَأَمَّا أَحْوَالُ الصَّلاةِ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا،ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (144) سورة البقرة،فَتَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْكَعْبَةِ،فَكَانَ هَذَا حَالا،وَكَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِي الصَّلاةِ وَيُؤَذِّنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا،ثُمَّ إِنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بن زَيْدٍ أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،لَوْ حَدَّثْتُكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ نَائِمًا،بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ،رَأَيْتُ شَخْصًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ قَائِمًا فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ،فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الأَذَانِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ،ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ أَذَانِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ،ثُمَّ تُمَهَّلَ شَيْئًا،ثُمَّ قَامَ،فَقَالَ مِثْلَ الَّذِي قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ،فَقَالَ:"عَلِّمْهَا بِلالا"،فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَذَّنَ بِهَا بِلالٌ،وَجَاءَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ،فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَدْ أَطَافَ بِيَ مِثْلُ الَّذِي أَطَافَ بِعَبْدِ اللَّهِ بن زَيْدٍ غَيْرَ أَنَّهُ سَبَقَنِي إِلَيْكَ،فَهَذَانِ حَوْلانِ،وَكَانُوا يَأْتُونَ الصَّلاةَ قَدْ سَبَقَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِبَعْضِ الصَّلاةِ فَيُشِيُرونَ إِلَيْهِمْ كَمْ صَلَّى بِالأَصَابِعِ وَاحِدَةً ثِنْتَيْنِ،فَجَاءَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1204)
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (15 / 24)(16644 ) صحيح لغيره(1/190)
مُعَاذٌ،وَقَدْ سَبَقَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِبَعْضِ الصَّلاةِ،فَدَخَلَ فِي الصَّلاةِ،فَقَالَ: لا أَجِدُهُ فِي حَالٍ إِلا كُنْتُ عَلَيْهَا،ثُمَّ قَضَيْتُ،فَجَاءَ وَقَدْ سَبَقَهُ بِبَعْضِ الصَّلاةِ،فَدَخَلَ فِي الصَّلاةِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ قَامَ مُعَاذٌ يَقْضِي،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ،فَهَكَذَا فَافْعَلُوا"،فَهَذِهِ ثَلاثَةُ أَحْوَالٍ،وَأَمَّا أَحْوَالُ الصِّيَامِ،فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ الْمَدِينَةَ،فَجَعَلَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ،وَصَامَ عَاشُورَاءَ،وَصَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ رَبِيعٍ إِلَى شَهْرِ رَبِيعٍ إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ،ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَيْهِ شَهْرَ رَمَضَانَ،فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ:"كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ"{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) } سورة البقرة
فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ،وَمَنْ شَاءَ طَعِمَ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ،ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَثْبَتَ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ،وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ،وَثَبَّتَ الإِطْعَامَ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ،وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة،وَكَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ،وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا،فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ،ثُمَّ إِنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ: صِرْمَةُ،ظَلَّ يَوْمَهُ صَائِمًا يَعْمَلُ،فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ،فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا،فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ آخِرِ النَّهَارِ قَدْ جَهِدَ جَهْدًا شَدِيدًا،فَقَالَ:"مَا لِي أَرَاكَ قَدْ جَهِدْتَ؟"،فَقَالَ: إِنِّي ظَلَلْتُ أَمْسِ أَعْمَلُ،فَجِئْتُ فَنِمْتُ قَبْلَ أَنْ أُفْطِرَ،وَجَاءَ عُمَرُ وَقَدْ أَصَابَ مِنْ أَهْلِهِ بَعْدَمَا نَامَ،فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ(1/191)
أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (187) سورة البقرة. (1)
وعلى أية حال فقد كان التوجه إلى بيت المقدس - وهو قبلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى - سببا في اتخاذ اليهود إياه ذريعة للاستكبار عن الدخول في الإسلام،إذ أطلقوا في المدينة ألسنتهم بالقول،بأن اتجاه محمد ومن معه إلى قبلتهم في الصلاة دليل على أن دينهم هو الدين،وقبلتهم هي القبلة وأنهم هم الأصل،فأولى بمحمد ومن معه أن يفيئوا إلى دينهم لا أن يدعوهم إلى الدخول في الإسلام!
وفي الوقت ذاته كان الأمر شاقا على المسلمين من العرب،الذين ألفوا في الجاهلية أن يعظموا حرمة البيت الحرام وأن يجعلوه كعبتهم وقبلتهم. وزاد الأمر مشقة ما كانوا يسمعونه من اليهود من التبجح بهذا الأمر،واتخاذه حجة عليهم! وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقلب وجهه في السماء متجها إلى ربه،دون أن ينطق لسانه بشي ء،تأدبا مع اللّه،وانتظار لتوجيهه بما يرضاه ..
ثم نزل القرآن يستجيب لما يعتمل في صدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - :«قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ،فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها،فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» ..
وتقول الروايات:إن هذا كان في الشهر السادس عشر أو السابع عشر أو السابع عشر من الهجرة،وإن المسلمين حينما سمعوا بتحويل القبلة،كان بعضهم في منتصف صلاة،فحولوا وجوههم شطر المسجد الحرام في أثناء صلاتهم،وأكملوا الصلاة تجاه القبلة الجديدة.
عندئذ انطلقت أبواق يهود - وقد عز عليهم أن يتحول محمد - صلى الله عليه وسلم - والجماعة المسلمة عن قبلتهم،وأن يفقدوا حجتهم التي يرتكنون إليها في تعاظمهم وفي تشكيك المسلمين في قيمة دينهم - انطلقت تلقي في صفوف المسلمين وقلوبهم بذور الشك والقلق في قيادتهم وفي أساس عقيدتهم .. قالوا لهم:إن كان التوجه - فيما مضى - إلى بيت المقدس باطلا
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (15 / 46) (16691 ) حسن(1/192)
فقد ضاعت صلاتكم طوال هذه الفترة وإن كانت حقا فالتوجه الجديد إلى المسجد الحرام باطل،وضائعة صلاتكم إليه كلها .. وعلى أية حال فإن هذا النسخ والتغيير للأوامر - أو للآيات - لا يصدر من اللّه،فهو دليل على أن محمدا لا يتلقى الوحي من اللّه!
وتتبين لنا ضخامة ما أحدثته هذه الحملة في نفوس بعض المسلمين وفي الصف الإسلامي من مراجعة ما نزل من القرآن في هذا الموضوع،منذ قوله تعالى:«ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها» - وقد استغرق درسين كاملين في الجزء الأول - ومن مراجعة هذا الدرس في هذا الجزء أيضا. ومن التوكيدات والإيضاحات والتحذيرات التي سندرسها فيما يلي تفصيلا عند استعراض النص القرآني.
أما الآن فنقول كلمة في حكمة تحويل القبلة،واختصاص المسلمين بقبلة خاصة بهم يتجهون إليها. فقد كان هذا حادثا عظيما في تاريخ الجماعة المسلمة،وكانت له آثار ضخمة في حياتها ..
لقد كان تحويل القبلة أولا عن الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية أشارت إليها آية في هذا الدرس:"وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ» .. فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم،ويعدونه عنوان مجدهم القومي .. ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب للّه،وتجريدها من التعلق بغيره،وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط باللّه مباشرة،المجرد من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم .. فقد نزعهم نزعا من الاتجاه إلى البيت الحرام،واختار لهم الاتجاه - فترة - إلى المسجد الأقصى،ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية،ومن كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية،وليظهر من يتبع الرسول اتباعا مجردا من كل إيحاء آخر،اتباع الطاعة الواثقة الراضية المستسلمة،ممن ينقلب على عقبيه اعتزازا بنعرة جاهلية تتعلق بالجنس والقوم والأرض والتاريخ أو تتلبس بها في خفايا المشاعر وحنايا الضمير أي تلبس من قريب أو من بعيد ..(1/193)
حتى إذا استسلم المسلمون،واتجهوا إلى القبلة التي وجههم إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي الوقت ذاته بدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجة لهم،صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام.
ولكنه ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى بشأنه. هي حقيقة الإسلام. حقيقة أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصا للّه،وليكون تراثا للأمة المسلمة التي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربه أن يبعث في بنيه رسولا منهم بالإسلام،الذي كان عليه هو وبنوه وحفدته .. كما مر في درس:«وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» ..في الجزء الماضي.
ولقد كان الحديث عن المسجد الحرام:بنائه وعمارته،وما أحاط بهما من ملابسات والجدل مع أهل الكتاب والمشركين حول إبراهيم وبنيه ودينه وقبلته،وعهده ووصيته .. كان هذا الحديث الذي سلف في هذه السورة خير تمهيد للحديث عن تحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بعد هذه الفترة. فتحويل قبلة المسلمين إلى المسجد الحرام الذي بناه إبراهيم وإسماعيل،ودعوا عنده ذلك الدعاء الطويل ..
يبدو في هذا السياق هو الاتجاه الطبيعي المنطقي مع وراثة المسلمين لدين إبراهيم وعهده مع ربه. فهو الاتجاه الحسي المتساوق مع الاتجاه الشعوري،الذي ينشئه ذلك التاريخ.
لقد عهد اللّه إلى إبراهيم أن يكون من المسلمين وعهد إبراهيم بهذا الإسلام إلى بنيه من بعده،كما عهد به يعقوب - وهو إسرائيل - ولقد علم إبراهيم أن وراثة عهد اللّه وفضله لا تكون للظالمين.
ولقد عهد اللّه إلى إبراهيم وإسماعيل بإقامة قواعد البيت الحرام .. فهو تراث لهما،يرثه من يرثون عهد اللّه إليهما .. والأمة المسلمة هي الوارثة لعهد اللّه مع إبراهيم وإسماعيل ولفضل اللّه عليهما فطبيعي إذن ومنطقي أن ترث بيت اللّه في مكة،وأن تتخذ منه قبلة.
فإذا اتجه المسلمون فترة من الزمان إلى المسجد الأقصى،الذي يتجه إليه اليهود والنصارى،فقد كان هذا التوجه لحكمة خاصة هي التي أشار إليها السياق،وبيناها فيما(1/194)
سبق. فالآن وقد شاء اللّه أن يعهد بالوراثة إلى الأمة المسلمة،وقد أبى أهل الكتاب أن يفيئوا إلى دين أبيهم إبراهيم - وهو الإسلام - فيشاركوا في هذه الوراثة ..
الآن يجيء تحويل القبلة في أوانه. تحويلها إلى بيت اللّه الأول الذي بناه إبراهيم. لتتميز للمسلمين كل خصائص الوراثة. حسيها وشعوريها،وراثة الدين،ووراثة القبلة،ووراثة الفضل من اللّه جميعا.
إن الاختصاص والتميز ضروريان للجماعة المسلمة:الاختصاص والتميز في التصور والاعتقاد والاختصاص والتميز في القبلة والعبادة. وهذه كتلك لا بد من التميز فيها والاختصاص. وقد يكون الأمر واضحا فيما يختص بالتصور والاعتقاد ولكنه قد لا يكون بهذه الدرجة من الوضوح فيما يختص بالقبلة وشعائر العبادة .. هنا تعرض التفاتة إلى قيمة أشكال العبادة.
إن الذي ينظر إلى هذه الأشكال مجردة عن ملابساتها،ومجردة كذلك عن طبيعة النفس البشرية وتأثراتها ..
ربما يبدوله أن في الحرص على هذه الأشكال بذاتها شيئا من التعصب الضيق،أو شيئا من التعبد للشكليات! ولكن نظرة أرحب من هذه النظرة،وإدراكا أعمق لطبيعة الفطرة،يكشفان عن حقيقة أخرى لها كل الاعتبار.
إن في النفس الإنسانية ميلا فطريا - ناشئا من تكوين الإنسان ذاته من جسد ظاهر وروح مغيب - إلى اتخاذ أشكال ظاهرة للتعبير عن المشاعر المضمرة. فهذه المشاعر المضمرة لا تهدأ أولا تستقر حتى تتخذ لها شكلا ظاهرا تدركه الحواس وبذلك يتم التعبير عنها. يتم في الحس كما تم في النفس. فتهدأ حينئذ وتستريح وتفرغ الشحنة الشعورية تفريغا كاملا وتحس بالتناسق بين الظاهر والباطن وتجد تلبية مريحة لجنوحها إلى الأسرار والمجاهيل وجنوحها إلى الظواهر والأشكال في ذات الأوان.
وعلى هذا الأساس الفطري أقام الإسلام شعائره التعبدية كلها. فهي لا تؤدى بمجرد النية،ولا بمجرد التوجه الروحي. ولكن هذا التوجه يتخذ له شكلا ظاهرا:قياما واتجاها إلى(1/195)
القبلة وتكبيرا وقراءة وركوعا وسجودا في الصلاة. وإحراما من مكان معين ولباسا معينا وحركة وسعيا ودعاء وتلبية ونحرا وحلقا في الحج.
ونية وامتناعا عن الطعام والشراب والمباشرة في الصوم .. وهكذا في كل عبادة حركة،وفي كل حركة عبادة،ليؤلف بين ظاهر النفس وباطنها،وينسق بين طاقاتها،ويستجيب للفطرة جملة بطريقة تتفق مع تصوره الخاص.
ولقد علم اللّه أن الرغبة الفطرية في اتخاذ أشكال ظاهرة للقوى المضمرة هي التي حادث بالمنحرفين عن الطريق السليم. فجعلت جماعة من الناس ترمز للقوة الكبرى برموز محسوسة مجسمة من حجر وشجر،ومن نجوم وشمس وقمر،ومن حيوان وطير وشيء .. حين أعوزهم أن يجدوا متصرفا منسقا للتعبير الظاهر عن القوى الخفية .. فجاء الإسلام يلبي دواعي الفطرة بتلك الأشكال المعينة لشعائر العبادة،مع تجريد الذات الإلهية عن كل تصور حسي وكل تحيز لجهة. فيتوجه الفرد إلى قبلة حين يتوجه إلى اللّه بكليته .. بقلبه وحواسه وجوارحه ..
فتتم الوحدة والاتساق بين كل قوى الإنسان في التوجه إلى اللّه الذي لا يتحيز في مكان وإن يكن الإنسان يتخذ له قبلة من مكان! ولم يكن بد من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة وتخصيصه كي يتميز هو ويتخصص بتصوره ومنهجه واتجاهه .. فهذا التميز تلبية للشعور بالامتياز والتفرد كما أنه بدوره ينشىء شعورا بالامتياز والتفرد.
ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم،التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء. ولم يكن هذا تعصبا ولا تمسكا بمجرد شكليات. وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات. كان نظرة إلى البواعث الكامنة وراء الأشكال الظاهرة. وهذه البواعث هي التي تفرق قوما عن قوم،وعقلية عن عقلية،وتصورا عن تصور،وضميرا عن ضمير،وخلقا عن خلق،واتجاها في الحياة كلها عن اتجاه.(1/196)
نهى عن تشبه في مظهر أو لباس. ونهى عن تشبه في حركة أو سلوك. ونهى عن تشبه في قول أو أدب لأن وراء هذا كله ذلك الشعور الباطن الذي يميز تصورا عن تصور،ومنهجا في الحياة عن منهج،وسمة للجماعة عن سمة.
ثم هو نهى عن التلقي من غير اللّه ومنهجه الخاص الذي جاءت هذه الأمة لتحققه في الأرض. نهى عن الهزيمة الداخلية أمام أي قوم آخرين في الأرض. فالهزيمة الداخلية تجاه مجتمع معين هي التي تتدسس في النفس لتقلد هذا المجتمع المعين. والجماعة المسلمة قامت لتكون في مكان القيادة للبشرية فينبغي لها أن تستمد تقاليدها - كما تستمد عقيدتها - من المصدر الذي اختارها للقيادة .. والمسلمون هم الأعلون. وهم الأمة الوسط. وهم خير أمة أخرجت للناس. فمن أين إذن يستمدون تصور هم ومنهجهم؟ ومن أين إذن يستمدون تقاليدهم ونظمهم؟
إلا يستمدوها من اللّه فهم سيستمدونها من الأدنى الذي جاءوا ليرفعوه! ولقد ضمن الإسلام للبشرية أعلى أفق في التصور،وأقوم منهج في الحياة. فهو يدعو البشرية كلها أن تفيء إليه. وما كان تعصبا أن يطلب الإسلام وحدة البشرية على أساسه هو لا على أي أساس آخر وعلى منهجه هو لا على أي منهج آخر وتحت رايته هو لا تحت أية راية أخرى. فالذي يدعوك إلى الوحدة في اللّه،والوحدة في الأرفع من التصور،والوحدة في الأفضل من النظام،ويأبى أن يشتري الوحدة بالحيدة عن منهج اللّه،والتردي في مهاوي الجاهلية .. ليس متعصبا. أو هو متعصب. ولكن للخير والحق والصلاح! والجماعة المسلمة التي تتجه إلى قبلة مميزة يجب أن تدرك معنى هذا الاتجاه. إن القبلة ليست مجرد مكان أو جهة تتجه إليها الجماعة في الصلاة. فالمكان أو الجهة ليس سوى رمز. رمز للتميز والاختصاص. تميز التصور،وتميز الشخصية،وتميز الهدف،وتميز الاهتمامات،وتميز الكيان.
والأمة المسلمة - اليوم - بين شتى التصورات الجاهلية التي تعج بها الأرض جميعا،وبين شتى الأهداف الجاهلية التي تستهدفها الأرض جميعا،وبين شتى الاهتمامات الجاهلية التي تشغل بال الناس جميعا،وبين شتى الرايات الجاهلية التي ترفعها الأقوام جميعا .. الأمة المسلمة اليوم في حاجة إلى التميز بشخصية خاصة لا تتلبس بشخصيات الجاهلية السائدة والتميز بتصور(1/197)
خاص للوجود والحياة لا يتلبس بتصورات الجاهلية السائدة والتميز بأهداف واهتمامات تتفق مع تلك الشخصية وهذا التصور والتميز براية خاصة تحمل اسم اللّه وحده،فتعرف بأنها الأمة الوسط التي أخرجها اللّه للناس لتحمل أمانة العقيدة وتراثها
إن هذه العقيدة منهج حياة كامل. وهذا المنهج هو الذي يميز الأمة المستخلفة الوارثة لتراث العقيدة،الشهيدة على الناس،المكلفة بأن تقود البشرية كلها إلى اللّه .. وتحقيق هذا المنهج في حياة الأمة المسلمة هو الذي يمنحها ذلك التميز في الشخصية والكيان،وفي الأهداف والاهتمامات،وفي الراية والعلامة. وهو الذي يمنحها مكان القيادة الذي خلقت له،وأخرجت للناس من أجله. وهي بغير هذا المنهج ضائعة في الغمار،مبهمة الملامح،مجهولة السمات،مهما اتخذت لها من أزياء ودعوات وأعلام!
وهو يبدأ في علاج آثار هذا التساؤل،والرد عليه بتلقين الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يواجههم به،ويقرّ به الحقيقة في نصابها وفي الوقت نفسه يصحح التصور العام للأمور.
«قُلْ:لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ،يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ..
إن المشرق للّه والمغرب للّه. فكل متجه فهو إليه في أي اتجاه. فالجهات والأماكن لا فضل لها في ذاتها.
إنما يفضلها ويخصصها اختيار اللّه وتوجيهه .. واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فإذا اختار لعباده وجهة،واختار لهم قبلة،فهي إذن المختارة. وعن طريقها يسيرون إلى صراط مستقيم ..
بذلك يقرر حقيقة التصور للأماكن والجهات،وحقيقة المصدر الذي يتلقى منه البشر التوجهات،وحقيقة الاتجاه الصحيح وهو الاتجاه إلى اللّه في كل حال.
ثم يحدث هذه الأمة عن حقيقتها الكبيرة في هذا الكون،وعن وظيفتها الضخمة في هذه الأرض،وعن مكانها العظيم في هذه البشرية،وعن دورها الأساسي في حياة الناس مما يقتضي أن تكون لها قبلتها الخاصة،وشخصيتها الخاصة وألا تسمع لأحد إلا لربها الذي اصطفاها لهذا الأمر العظيم :«وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً،لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ،وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» ..(1/198)
إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعا،فتقيم بينهم العدل والقسط وتضع لهم الموازين والقيم وتبدي فيهم رأيها فيكون هو الرأي المعتمد وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم فتفصل في أمرها،وتقول:هذا حق منها وهذا باطل. لا التي تتلقى من الناس تصوراتها وقيمها وموازينها. وهي شهيدة على الناس،وفي مقام الحكم العدل بينهم .. وبينما هي تشهد على الناس هكذا،فإن الرسول هو الذي يشهد عليها فيقرر لها موازينها وقيمها ويحكم على أعمالها وتقاليدها ويزن ما يصدر عنها،ويقول فيه الكلمة الأخيرة ..
وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها .. لتعرفها،ولتشعر بضخامتها. ولتقدر دورها حق قدره،وتستعد له استعدادا لائقا ..
وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل،أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد،أو من الوسط بمعناه المادي الحسي ..
«أُمَّةً وَسَطاً» .. في التصور والاعتقاد .. لا تغلو في التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي. إنما تتبع الفطرة الممثلة في روح متلبس بجسد،أو جسد تتلبس به روح. وتعطي لهذا الكيان المزدوج الطاقات حقه المتكامل من كل زاد،وتعمل لترقية الحياة ورفعها في الوقت الذي تعمل فيه على حفظ الحياة وامتدادها،وتطلق كل نشاط في عالم الأشواق وعالم النوازع،بلا تفريط ولا إفراط،في قصد وتناسق واعتدال.
«أُمَّةً وَسَطاً» .. في التفكير والشعور .. لا تجمد على ما علمت وتغلق منافذ التجربة والمعرفة ... ولا تتبع كذلك كل ناعق،وتقلد تقليد القردة المضحك .. إنما تستمسك بما لديها من تصورات ومناهج وأصول ثم تنظر في كل نتاج للفكر والتجريب وشعارها الدائم:الحقيقة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها،في تثبت ويقين.
«أُمَّةً وَسَطاً» .. في التنظيم والتنسيق .. لا تدع الحياة كلها للمشاعر،والضمائر،ولا تدعها كذلك للتشريع والتأديب. إنما ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب،وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب وتزاوج بين هذه وتلك،فلا تكل الناس إلى سوط السلطان،ولا تكلهم كذلك إلى وحي الوجدان ..(1/199)
ولكن مزاج من هذا وذاك.
«أُمَّةً وَسَطاً» .. في الارتباطات والعلاقات .. لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته،ولا تلاشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة ولا تطلقه كذلك فردا أثرا جشعا لا هم له إلا ذاته .. إنما تطلق من الدوافع والطاقات ما يؤدي إلى الحركة والنماء وتطلق من النوازع والخصائص ما يحقق شخصية الفرد وكيانه.
ثم تضع من الكوابح ما يقف دون الغلو،ومن المنشطات ما يثير رغبة الفرد في خدمة الجماعة وتقرر من التكاليف والواجبات ما يجعل الفرد خادما للجماعة،والجماعة كافلة للفرد في تناسق واتساق.
«أُمَّةً وَسَطاً» .. في المكان .. في سرة الأرض،وفي أوسط بقاعها. وما تزال هذه الأمة التي غمر أرضها الإسلام إلى هذه اللحظة هي الأمة التي تتوسط أقطار الأرض بين شرق وغرب،وجنوب وشمال،وما تزال بموقعها هذا تشهد الناس جميعا،وتشهد على الناس جميعا وتعطي ما عندها لأهل الأرض قاطبة وعن طريقها تعبر ثمار الطبيعة وثمار الروح والفكر من هنا إلى هناك وتتحكم في هذه الحركة ماديها ومعنويها على السواء.
«أُمَّةً وَسَطاً» .. في الزمان .. تنهي عهد طفولة البشرية من قبلها وتحرس عهد الرشد العقلي من بعدها.
وتقف في الوسط تنفض عن البشرية ما علق بها من أوهام وخرافات من عهد طفولتها وتصدها عن الفتنة بالعقل والهوى وتزاوج بين تراثها الروحي من عهود الرسالات،ورصيدها العقلي المستمر في النماء وتسير بها على الصراط السوي بين هذا وذاك.
وما يعوق هذه الأمة اليوم عن أن تأخذ مكانها هذا الذي وهبه اللّه لها،إلا أنها تخلت عن منهج اللّه الذي اختاره لها،واتخذت لها مناهج مختلفة ليست هي التي اختارها اللّه لها،واصطبغت بصيغات شتى ليست صبغة اللّه واحدة منها! واللّه يريد لها أن تصطبغ بصبغته وحدها.(1/200)
وأمة تلك وظيفتها،وذلك دورها،خليقة بأن تحتمل التبعة وتبذل التضحية،فللقيادة تكاليفها،وللقوامة تبعاتها،ولا بد أن تفتن قبل ذلك وتبتلى،ليتأكد خلوصها للّه وتجردها،واستعدادها للطاعة المطلقة للقيادة الراشدة.
وإذن يكشف لهم عن حكمة اختيار القبلة التي كانوا عليها،بمناسبة تحويلهم الآن عنها:«وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ» ..
ومن هذا النص تتضح خطة التربية الربانية التي يأخذ اللّه بها هذه الجماعة الناشئة،التي يريد لها أن تكون الوارثة للعقيدة،المستخلفة في الأرض تحت راية العقيدة. إنه يريد لها أن تخلص له وأن تتخلص من كل رواسب الجاهلية ووشائجها وأن تتجرد من كل سماتها القديمة ومن كل رغابها الدفينة وأن تتعرى من كل رداء لبسته في الجاهلية،ومن كل شعار اتخذته،وأن ينفرد في حسها شعار الإسلام وحده لا يتلبس به شعار آخر،وأن يتوحد المصدر الذي تتلقى منه لا يشاركه مصدر آخر.
ولما كان الاتجاه إلى البيت الحرام قد تلبست به في نفوس العرب فكرة أخرى غير فكرة العقيدة وشابت عقيدة جدهم إبراهيم شوائب من الشرك،ومن عصبية الجنس،إذ كان البيت يعتبر في ذلك الحين بيت العرب المقدس .. واللّه يريده أن يكون بيت اللّه المقدس،لا يضاف إليه شعار آخر غير شعاره،ولا يتلبس بسمة أخرى غير سمته.
لما كان الاتجاه إلى البيت الحرام قد تلبست به هذه السمة الأخرى،فقد صرف اللّه المسلمين عنه فترة،ووجههم إلى بيت المقدس،ليخلص مشاعرهم من ذلك التلبس القديم أولا ثم ليختبر طاعتهم وتسليمهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - ثانيا،ويفرز الذين يتبعونه لأنه رسول اللّه،والذين يتبعونه لأنه أبقى على البيت الحرام قبلة،فاستراحت نفوسهم إلى هذا الإبقاء تحت تأثير شعورهم بجنسهم وقومهم ومقدساتهم القديمة.
إنها لفتة دقيقة شديدة الدقة .. إن العقيدة الإسلامية لا تطيق لها في القلب شريكا ولا تقبل شعارا غير شعارها المفرد الصريح إنها لا تقبل راسبا من رواسب الجاهلية في أية صورة من الصور. جل أم صغر.(1/201)
وهذا هو إيحاء ذلك النص القرآني:«وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ» .. واللّه - سبحانه - يعلم كل ما يكون قبل أن يكون. ولكنه يريد أن يظهر المكنون من الناس،حتى يحاسبهم عليه،ويأخذهم به. فهو - لرحمته بهم - لا يحاسبهم على ما يعلمه من أمرهم،بل على ما يصدر عنهم ويقع بالفعل منهم.
ولقد علم اللّه أن الانسلاخ من الرواسب الشعورية،والتجرد من كل سمة وكل شعار له بالنفس علقة ..
أمر شاق،ومحاولة عسيرة .. إلا أن يبلغ الإيمان من القلب مبلغ الاستيلاء المطلق،وإلا أن يعين اللّه هذا القلب في محاولته فيصله به ويهديه إليه:«وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ» ..
فإذا كان الهدى فلا مشقة ولا عسر في أن تخلع النفس عنها تلك الشعارات،وأن تنفض عنها تلك الرواسب وأن تتجرد للّه تسمع منه وتطيع،حيثما وجهها اللّه تتجه،وحيثما قادها رسول اللّه تقاد.
ثم يطمئن المسلمين على إيمانهم وعلى صلاتهم. إنهم ليسوا على ضلال،وإن صلاتهم لم تضع،فاللّه سبحانه لا يعنت العباد،ولا يضيع عليهم عبادتهم التي توجهوا بها إليه ولا يشق عليهم في تكليف يجاوز طاقتهم التي يضاعفها الإيمان ويقويها :«وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ،إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ» ..
إنه يعرف طاقتهم المحدودة،فلا يكلفهم فوق طاقتهم وإنه يهدي المؤمنين،ويمدهم بالعون من عنده لاجتياز الامتحان،حين تصدق منهم النية،وتصح العزيمة. وإذا كان البلاء مظهرا لحكمته،فاجتياز البلاء فضل رحمته:«إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ» ..بهذا يسكب في قلوب المسلمين الطمأنينة،ويذهب عنها القلق،ويفيض عليها الرضى والثقة واليقين ..
بعد ذلك يعلن استجابة اللّه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في أمر القبلة ويعلن عن هذه القبلة مع تحذير المسلمين من فتنة يهود،وكشف العوامل الحقيقية الكامنة وراء حملاتهم ودسائسهم .. في صورة تكشف عن مدى الجهد الذي كان يبذل لإعداد تلك الجماعة المسلمة،ووقايتها من البلبلة والفتنة :«قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ،فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها،فَوَلِّ وَجْهَكَ(1/202)
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ،وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ. وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ،وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ،وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ،وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ،وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ،أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً،إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ،وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ،لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ. إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي،وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» ..
وفي مطلع هذه الآيات نجد تعبيرا مصورا لحالة النبي - صلى الله عليه وسلم - :«قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ» ..وهو يشي بتلك الرغبة القوية في أن يوجهه ربه إلى قبلة غير القبلة التي كان عليها. بعد ما كثر لجاج اليهود وحجاجهم ووجدوا في اتجاه الجماعة المسلمة لقبلتهم وسيلة للتمويه والتضليل والبلبلة والتلبيس .. فكان - صلى الله عليه وسلم - يقلب وجهه في السماء،ولا يصرح بدعاء،تأدبا مع ربه،وتحرجا أن يقترح عليه شيئا،أو أن يقدم بين يديه شيئا.
ولقد أجابه ربه إلى ما يرضيه. والتعبير عن هذه الاستجابة يشي بتلك الصلة الرحيمة الحانية الودود:«فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها» ..
ثم يعين له هذه القبلة التي علم - سبحانه - أنه يرضاها :«فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» ..قبلة له ولأمته. من معه منها ومن يأتي من بعده إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها :«وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» ..
من كل اتجاه،في أنحاء الأرض جميعا .. قبلة واحدة تجمع هذه الأمة وتوحد بينها على اختلاف مواطنها،واختلاف مواقعها من هذه القبلة،واختلاف أجناسها وألسنتها وألوانها .. قبلة واحدة،تتجه إليها الأمة الواحدة في مشارق الأرض ومغاربها. فتحس أنها جسم(1/203)
واحد،وكيان واحد،تتجه إلى هدف واحد،وتسعى لتحقيق منهج واحد. منهج ينبثق من كونها جميعا تعبد إلها واحدا،وتؤمن برسول واحد،وتتجه إلى قبلة واحدة.
وهكذا وحد اللّه هذه الأمة. وحدها في إلهها ورسولها ودينها وقبلتها. وحدها على اختلاف المواطن والأجناس والألوان واللغات. ولم يجعل وحدتها تقوم على قاعدة من هذه القواعد كلها ولكن تقوم على عقيدتها وقبلتها ولو تفرقت في مواطنها وأجناسها وألوانها ولغاتها .. إنها الوحدة التي تليق ببني الإنسان فالإنسان يجتمع على عقيدة القلب،وقبلة العبادة،إذا تجمع الحيوان على المرعى والكلا والسياج والحظيرة! ثم .. ما شأن أهل الكتاب وهذه القبلة الجديدة؟
« وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ» ..إنهم ليعلمون أن المسجد الحرام هو بيت اللّه الأول الذي رفع قواعده إبراهيم. جد هذه الأمة الوارثة وجد المسلمين أجمعين. وإنهم ليعلمون أن الأمر بالتوجه إليه حق من عند اللّه لا مرية فيه ..
ولكنهم مع هذا سيفعلون غير ما يوحيه هذا العلم الذي يعلمونه. فلا على المسلمين منهم فاللّه هو الوكيل الكفيل برد مكرهم وكيدهم :«وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ» ..إنهم لن يقتنعوا بدليل،لأن الذي ينقصهم ليس هو الدليل إنما هو الإخلاص والتجرد من الهوى،والاستعداد للتسليم بالحق حين يعلمونه :«وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ» ..
فهم في عناد يقوده الهوى،وتؤرثه المصلحة،ويحدوه الغرض .. وإن كثيرا من طيبي القلوب ليظنون أن الذي يصد اليهود والنصارى عن الإسلام أنهم لا يعرفونه،أو لأنه لم يقدم إليهم في صورة مقنعة .. وهذا وهم .. إنهم لا يريدون الإسلام لأنهم يعرفونه! يعرفونه فهم يخشونه على مصالحهم وعلى سلطانهم ومن ثم يكيدون له ذلك الكيد الناصب الذي لا يفتر،بشتى الطرق وشتى الوسائل. عن طريق مباشر وعن طرق أخرى غير مباشرة. يحاربونه وجها لوجه،ويحاربونه من وراء ستار. ويحاربونه بأنفسهم ويستهوون من أهله من يحاربه لهم تحت أي ستار .. وهم دائما عند قول اللّه تعالى لنبيه الكريم:«وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ» ..(1/204)
وفي مواجهة هذا الإصرار من أهل الكتاب على الإعراض عن قبلة الإسلام ومنهجه الذي ترمز هذه القبلة له،يقرر حقيقة شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وموقفه الطبيعي :«وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ» ..
ليس من شأنك أن تتبع قبلتهم أصلا. واستخدام الجملة الاسمية المنفية هنا أبلغ في بيان الشأن الثابت الدائم للرسول - صلى الله عليه وسلم - تجاه هذا الأمر. وفيه إيحاء قوي للجماعة المسلمة من ورائه. فلن تختار قبلة غير قبلة رسولها التي اختارها له ربه ورضيها له ليرضيه ولن ترفع راية غير رايتها التي تنسبها إلى ربها ولن تتبع منهجا إلا المنهج الإلهي الذي ترمز له هذه القبلة المختارة .. هذا شأنها ما دامت مسلمة فإذا لم تفعل فليست من الإسلام في شيء .. إنما هي دعوى ..
ويستطرد فيكشف عن حقيقة الموقف بين أهل الكتاب بعضهم وبعض فهم ليسوا على وفاق،لأن الأهواء تفرقهم :«وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ» ..
والعداء بين اليهود والنصارى،والعداء بين الفرق اليهودية المختلفة،والعداء بين الفرق النصرانية المختلفة أشد عداء.
وما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا شأنه وهذا شأن أهل الكتاب،وقد علم الحق في الأمر،أن يتبع أهواءهم بعد ما جاءه من العلم :«وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ» ..
ونقف لحظة أمام هذا الجد الصارم،في هذا الخطاب الإلهي من اللّه سبحانه إلى نبيه الكريم الذي حدثه منذ لحظة ذلك الحديث الرفيق الودود ..
إن الأمر هنا يتعلق بالاستقامة على هدي اللّه وتوجيهه ويتعلق بقاعدة التميز والتجرد إلا من طاعة اللّه ونهجه.ومن ثم يجيء الخطاب فيه بهذا الحزم والجزم،وبهذه المواجهة والتحذير .. «إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ» ..
إن الطريق واضح،والصراط مستقيم .. فإما العلم الذي جاء من عند اللّه. وإما الهوى في كل ما عداه.(1/205)
وليس للمسلم أن يتلقى إلا من اللّه. وليس له أن يدع العلم المستيقن إلى الهوى المتقلب. وما ليس من عند اللّه فهو الهوى بلا تردد.
وإلى جانب هذا الإيحاء الدائم نلمح كذلك أنه كانت هناك حالة واقعة من بعض المسلمين،في غمرة الدسائس اليهودية وحملة التضليل الماكرة،تستدعي هذه الشدة في التحذير،وهذا الجزم في التعبير.
وبعد هذه الوقفة العابرة نعود إلى السياق فنجده لا يزال يقرر معرفة أهل الكتاب الجازمة بأن الحق في هذا الشأن وفي غيره هو ما جاء به القرآن،وما أمر به الرسول. ولكنهم يكتمون الحق الذي يعلمونه،للهوى الذي يضمرونه :«الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ،وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» ..ومعرفة الناس بأبنائهم هي قمة المعرفة،وهي مثل يضرب في لغة العرب على اليقين الذي لا شبهة فيه
فإذا كان أهل الكتاب على يقين من الحق الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنه هذا الذي جاء به في شأن القبلة،وكان فريق منهم يكتمون الحق الذي يعلمونه علم اليقين .. فليس سبيل المؤمنين إذن أن يتأثروا بما يلقيه أهل الكتاب هؤلاء من أباطيل وأكاذيب. وليس سبيل المؤمنين أن يأخذوا من هؤلاء الذين يستيقنون الحق ثم يكتمونه شيئا في أمر دينهم،الذي يأتيهم به رسولهم الصادق الأمين.وهنا يوجه الخطاب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا البيان بشأن أهل الكتاب:«الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» ..ورسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ما امترى يوما ولا شك. وحينما قال له ربه في آية أخرى:«فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ» .. قال:«لا أشك ولا أسأل» ..
ولكن توجيه الخطاب هكذا إلى شخصه - صلى الله عليه وسلم - يحمل إيحاء قويا إلى من وراءه من المسلمين.سواء منهم من كان في ذلك الحين يتأثر بأباطيل اليهود وأحابيلهم،ومن يأتي بعدهم ممن تؤثر فيهم أباطيل اليهود وغير اليهود في أمر دينهم.
وما أجدرنا نحن اليوم أن نستمع إلى هذا التحذير ونحن - في بلاهة منقطعة النظير - نروح نستفتي المستشرقين - من اليهود والنصارى والشيوعيين الكفار - في أمر ديننا،ونتلقى عنهم تاريخنا،ونأمنهم على القول في تراثنا،ونسمع لما يدسونه من شكوك في دراساتهم(1/206)
لقرآننا وحديث نبينا،وسيرة أوائلنا ونرسل إليهم بعثات من طلابنا يتلقون عنهم علوم الإسلام،ويتخرجون في جامعاتهم،ثم يعودون إلينا مدخولي العقل والضمير.
إن هذا القرآن قرآننا. قرآن الأمة المسلمة. وهو كتابها الخالد الذي يخاطبها فيه ربها بما تعمله وما تحذره.وأهل الكتاب هم أهل الكتاب،والكفار هم الكفار. والدين هو الدين! ونعود إلى السياق فنراه يصرف المسلمين عن الاستماع لأهل الكتاب والانشغال بتوجيهاتهم،ويوحي إليهم بالاستقامة على طريقهم الخاص ووجهتهم الخاصة. فلكل فريق وجهته،وليستبق المسلمون إلى الخير لا يشغلهم عنه شاغل،ومصيرهم جميعا إلى اللّه القادر على جمعهم وعلى مجازاتهم في نهاية المطاف:لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها،فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ،أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً،إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»..
وبهذا يصرف اللّه المسلمين عن الانشغال بما يبثه أهل الكتاب من دسائس وفتن وتأويلات وأقاويل .. يصرفهم إلى العمل والاستباق إلى الخيرات. مع تذكر أن مرجعهم إلى اللّه،وأن اللّه قدير على كل شي ء،لا يعجزه أمر،ولا يفوته شيء.إنه الجدالذي تصغر إلى جواره الأقاويل والأباطيل ..ثم يعود فيؤكد الأمر بالاتجاه إلى القبلة الجديدة المختارة مع تنويع التعقيب :«وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ،وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ..
والأمر في هذه المرة يخلو من الحديث عن أهل الكتاب وموقفهم،ويتضمن الاتجاه إلى المسجد الحرام حيثما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وحيثما كان،مع توكيد أنه الحق من ربه. ومع التحذير الخفي من الميل عن هذا الحق. التحذير الذي يتضمنه قوله:«وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» .. وهو الذي يشي بأنه كانت هناك حالة واقعة وراءه في قلوب بعض المسلمين تقتضي هذا التوكيد وهذا التحذير الشديد.ثم توكيد للمرة الثالثة بمناسبة غرض آخر جديد،وهو إبطال حجة أهل الكتاب،وحجة غيرهم ممن كانوا يرون المسلمين يتوجهون إلى قبلة اليهود،فيميلون إلى الاقتناع بما يذيعه اليهود من فضل دينهم على دين محمد،وأصالة قبلتهم ومن ثم منهجهم. أو من مشركي العرب الذين كانوا يجدون في هذا التوجيه وسيلة لصد العرب الذين يقدسون مسجدهم وتنفيرهم من الإسلام الذي يتجه(1/207)
أهله شطر قبلة بني إسرائيل! «وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ،وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ،لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ،إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي،وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ،وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» ..
وهو أمر للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يولي وجهه شطر المسجد من حيث خرج،وإلى المسلمين أن يولوا وجوههم شطره حيثما كانوا. وبيان لعلة هذا التوجيه :«لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ» ..وتهوين لما بعد ذلك من أقاويل الظالمين الذين لا يقفون عند الحجة والمنطق،إنما ينساقون مع العناد واللجاج.فهؤلاء لا سبيل إلى إسكاتهم،فسيظلون إذن في لجاجهم. فلا على المسلمين منهم :«فَلا تَخْشَوْهُمْ .. وَاخْشَوْنِي» ..فلا سلطان لهم عليكم،ولا يملكون شيئا من أمركم،ولا ينبغي أن تحفلوهم فتميلوا عما جاء كم من عندي،فأنا الذي أستحق الخشية بما أملك من أمركم في الدنيا والآخرة .. ومع التهوين من شأن الذين ظلموا،والتحذير من بأس اللّه،يجيء التذكير بنعمة اللّه،والإطماع في إتمامها على الأمة المسلمة،حين تستجيب وتستقيم :«وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» ...
وهو تذكير موح،وإطماع دافع،وتلويح بفضل عظيم بعد فضل عظيم ..
ولقد كانت النعمة التي يذكرهم بها حاضرة بين أيديهم،يدركونها في أنفسهم،ويدركونها في حياتهم،ويدركونها في مجتمعهم وموقفهم في الأرض ومكانهم في الوجود كانوا هم أنفسهم الذين عاشوا في الجاهلية بظلامها ورجسها وجهالتها،ثم انتقلوا هم أنفسهم إلى نور الإيمان وطهارته ومعرفته. فهم يجدون في أنفسهم أثر النعمة جديدا واضحا عميقا.
وكانوا هم أنفسهم الذين عاشوا في الجاهلية قبائل متناحرة،ذات أهداف صغيرة واهتمامات محدودة.ثم انتقلوا هم أنفسهم إلى الوحدة تحت راية العقيدة،وإلى القوة والمنعة،وإلى الغايات الرفيعة والاهتمامات الكبيرة التي تتعلق بشأن البشرية كلها لا بشأن ثأر في قبيلة! فهم يجدون أثر النعمة من حولهم كما وجدوه في أنفسهم.وكانوا هم أنفسهم الذين عاشوا في الجاهلية في مجتمع هابط دنس مشوش التصورات مضطرب القيم
ثم انتقلوا هم أنفسهم إلى مجتمع الإسلام النظيف الرفيع،الواضح التصور والاعتقاد،المستقيم القيم والموازين ..فهم يجدون أثر النعمة في حياتهم العامة كما وجدوه في قلوبهم وفي(1/208)
مكانهم من الأمم حولهم.فإذا قال اللّه لهم:«وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ» .. كان في هذا القول تذكير موح،وإطماع دافع وتلويح بفضل عظيم بعد فضل عظيم ..
ونجد في تكرار الأمر بشأن القبلة الجديدة معنى جديدا في كل مرة .. في المرة الأولى كان الأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام استجابة لرغبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد تقلب وجهه في السماء وضراعته الصامتة إلى ربه .. وفي الثانية كان لإثبات أنه الحق من ربه يوافق الرغبة والضراعة .. وفي الثالثة كان لقطع حجة الناس،والتهوين من شأن من لا يقف عند الحق والحجة ..ولكننا - مع هذا - نلمح وراء التكرار أنه كانت هناك حالة واقعة في الصف الإسلامي تستدعي هذا التكرار،وهذا التوكيد،وهذا البيان،وهذا التعليل،مما يشي بضخامة حملة الأضاليل والأباطيل،وأثرها في بعض القلوب والنفوس. هذا الأثر الذي كان يعالجه القرآن الكريم ثم تبقى النصوص بعد ذلك على مدى الزمان تعالج مثل هذه الحالة في شتى صورها في المعركة الدائبة التي لا تهدأ ولا تفتر ولا تلين! (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 125)(1/209)
أرض الإسراء والمعراج
الإسراء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حقيقته وأدلته
تعريف الإسراء لغة وشرعا :
الإسراء في اللغة:من السرى وهو:سير الليل أو عامته . وقيل:سير الليل كله .
ويقال:سريت،وأسريت . ومنه قول حسان :
أسرت إليك ولم تكن تسري ...
والإسراء إذا أطلق في الشرع يراد به:الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس بإيليا ورجوعه من ليلته .
حقيقة الإسراء وأدلته :
والإسراء آية عظيمة أيَّد الله بها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة حيث أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكبا على البراق بصحبة جبريل عليه السلام حتى وصل بيت المقدس،فربط البراق بحلقة باب المسجد،ثم دخل المسجد وصلى فيه بالأنبياء إماما،ثم جاءه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاختار اللبن على الخمر فقال له جبريل:هديت للفطرة . وقد دلَّ على الإسراء الكتاب والسنَّة .
قال تعالى:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (الإسراء:1) .
يُمَجِّدُ اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ الكَرِيمَةُ،وَيُنَزِهُهَا عَنْ شِرْكِ مَنْ أَشْرَكَ،وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ،فَقَدْ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلاً مِنْ مَكَّةَ ( المَسْجِدِ الحَرَامِ )،إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ ( المَسْجِدِ الأَقْصَى )،وَهُوَ المَسْجِدُ الذِي بَارَكَ اللهُ مَا حَوْلَهُ،مِنْ زُرُوعٍ وَثِمَارٍ وَنَبَاتٍ . . لِيُرِيَ عَبْدَهُ مُحَمَّداً،مِنْ آيَاتِهِ العِظَامِ،مَا فِيهِ الدَّلِيلُ القَاطِعُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ،وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ،وَهُوَ السَّمِيعُ لأَقْوَالِ العِبَادِ،البَصِيرُ بِأَحْوَالِهِمْ .(1/210)
وَمَنْ آمَنَ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى التِي لاَ حُدُودَ لَهَا،لاَ يَسْتَعْظِمُ أَنْ يُسْرِيَ اللهُ بِرَسُولِهِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى بِجَسَدِهِ،لأنَّ الإِسْرَاءَ بِالنَّبِيِّ بِجَسَدِهِ هُوَ أَمَامَ قُدْرَةِ اللهِ فِي مِثْلِ السُّهُولَةِ التِي يُسْرَى بِهِ بِرُوحِهِ،وَلِذَلِكَ فَلاَ يَسْتَغْرِبْ مُؤْمِنٌ بِاللهِ وُقُوعَ هَذا الحَادِثِ ) .
وَقَدْ جَاءَ فِي كُتُبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَبُوءَتَانِ لِنَبِيَّيْنِ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ تُشِيرَ أُولاَهُمَا إِلَى أَنَّ سَيِّدَ الرُّسُلِ أُوْ رَسُولَ اللهِ سَيَزُورُ بَيْتَ المَقْدِسِ فَجْأَةً . وَتَقُولُ الأٌخْرَى إِنَّهُ سَيُعْرَجُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ لِيَمْثُلَ فِي حَضْرَةْ الرَّبِّ العَظِيمِ لِيَمْنَحَهُ المَجْدَ وَالسُّلْطَانَ لإِبَادَةِ الشِّرْكِ مِنَ الأَرْضِ . وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - هَذا الشَّرَفَ العَظِيمَ،فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ هُوَ المَقْصُودُ بِالنَّبُوءَتَيْنِ . (1)
تبدأ السورة بتسبيح اللّه،أليق حركة نفسية تتسق مع جو الإسراء اللطيف،وأليق صلة بين العبد والرب في ذلك الأفق الوضيء.
وتذكر صفة العبودية:«أَسْرى بِعَبْدِهِ،لتقريرها وتوكيدها في مقام الإسراء والعروج إلى الدرجات التي لم يبلغها بشر وذلك كي لا تنسى هذه الصفة،ولا يلتبس مقام العبودية،بمقام الألوهية،كما التبسا في العقائد المسيحية بعد عيسى عليه السلام،بسبب ما لابس مولده ووفاته،وبسبب الآيات التي أعطيت له،فاتخذها بعضهم سببا للخلط بين مقام العبودية ومقام الألوهية .. وبذلك تبقى للعقيدة الإسلامية بساطتها ونصاعتها وتنزيهها للذات الإلهية عن كل شبهة من شرك أو مشابهة،من قريب أو من بعيد.
والإسراء من السرى:السير ليلا. فكلمة «أَسْرى » تحمل معها زمانها. ولا تحتاج إلى ذكره. ولكن السياق ينص على الليل «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا» للتظليل والتصوير - على طريقة القرآن الكريم - فيلقي ظل الليل الساكن،ويخيم جوه الساجي على النفس،وهي تتملى حركة الإسراء اللطيفة وتتابعها.
والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير،تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام،إلى محمد خاتم النبيين -
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2030)(1/211)
- صلى الله عليه وسلم - وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا. وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله،واشتمال رسالته على هذه المقدسات،وارتباط رسالته بها جميعا. فهي رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من الزمان والمكان وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشف عنها للنظرة الأولى.
ووصف المسجد الأقصى بأنه «الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ» وصف يرسم البركة حافة بالمسجد،فائضة عليه. وهو ظل لم يكن ليلقيه تعبير مباشر مثل:باركناه. أو باركنا فيه. وذلك من دقائق التعبير القرآني العجيب.
والإسراء آية صاحبتها آيات:«لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا» والنقلة العجيبة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في البرهة الوجيزة التي لم يبرد فيها فراش الرسول - صلى الله عليه وسلم - أيا كانت صورتها وكيفيتها .. آية من آيات اللّه،تفتح القلب على آفاق عجيبة في هذا الوجود وتكشف عن الطاقات المخبوءة في كيان هذا المخلوق البشري،والاستعدادات اللدنية التي يتهيأ بها لاستقبال فيض القدرة في أشخاص المختارين من هذا الجنس،الذي كرمه اللّه وفضله على كثير من خلقه،وأودع فيه هذه الأسرار اللطيفة .. «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» .. يسمع ويرى كل ما لطف ودق،وخفي على الأسماع والأبصار من اللطائف والأسرار.
والسياق يتنقل في آية الافتتاح من صيغة التسبيح للّه:«سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا» إلى صيغة التقرير من اللّه:«لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا» إلى صيغة الوصف للّه:«إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» وفقا لدقائق الدلالات التعبيرية بميزان دقيق حساس. فالتسبيح يرتفع موجها إلى ذات اللّه سبحانه. وتقرير القصد من الإسراء يجيء منه تعالى نصا.
والوصف بالسمع والبصر يجيء في صورة الخبر الثابت لذاته الإلهية. وتجتمع هذه الصيغ المختلفة في الآية الواحدة لتؤدي دلالاتها بدقة كاملة.(1/212)
هذا الإسراء آية من آيات اللّه. وهو نقلة عجيبة بالقياس إلى مألوف البشر. والمسجد الأقصى هو طرف الرحلة. (1)
ومن السنة حديث أنس بن مالك الذي أخرجه مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ - وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ - قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ - قَالَ - فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِى يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ - قَالَ - ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِى جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِى وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَىِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ.
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِىَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ.
قَالَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ.
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2211)(1/213)
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ - صلى الله عليه وسلم - فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِى إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ - قَالَ - فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِىَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلاَةً. قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّى قَدْ بَلَوْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ. قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّى فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِى. فَحَطَّ عَنِّى خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّى خَمْسًا. قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. - قَالَ - فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً - قَالَ - فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّى حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ». (1)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (429 )(1/214)
وعروجه إلى السماء . وقد دلَّ على الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدة أحاديث منها ما جاء في الصحيحين ومنها ما جاء في السنن وغيرها وقد رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،جمعٌ من الصحابة نحو الثلاثين رجلا ثم تناقلها عنهم مالا يحصي عدهم إلا الله من رواة السنَّة وأئمة الدين .
وقد اتفقت كلمةُ علماء المسلمين سلفا وخلفا وانعقد إجماعُهم على صحة الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه حقٌّ . نقل الإجماع على ذلك القاضي عياض في (الشفاء) والسفاريني في (لوامع الأنوار) .
والإسراءُ كان بروح النبي - صلى الله عليه وسلم - وجسدِه،يقظةً لا مناماً . فهذا هو الذي دلت عليه النصوصُ الصحيحة وعليه عامة الصحابة وأئمة أهل السنَّة والمحققين من أهل العلم .
قال ابن أبي العز الحنفي:(وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ فِي الْيَقَظَةِ،عَلَى الصَّحِيحِ،مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (1) . وقال القاضي عياض مقررا أنَّ هذا هو الذي عليه عامة أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم:(وَذَهَبَ مُعْظَمُ السَّلَفِ،وَالْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنَّهُ إِسْرَاءٌ بِالْجَسَدِ،وَفِي الْيَقَظَةِ،وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ،وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَجَابِرٍ،وَأَنَسٍ،وَحُذَيْفَةَ،وَعُمَرَ،وَأَبِي هُرَيْرَةَ،وَمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ،وَأَبِي حَبَّةَ الْبَدْرِيِّ،وَابْنِ مَسْعُودٍ،وَالضَّحَّاكِ،وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،وَقَتَادَةَ،وَابْنِ الْمُسَيَّبِ،وَابْنِ شِهَابٍ،وَابْنِ زَيْدٍ،وَالْحَسَنِ،وَإِبْرَاهِيمَ،وَمَسْرُوقٍ،وَمُجَاهِدٍ،وَعِكْرِمَةَ،وَابْنِ جُرَيْجٍ،وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ عَائِشَةَ،وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ،وَالْمُحَدِّثِينَ،وَالْمُتَكَلِّمِينَ،وَالْمُفَسِّرِينَ .) (2) .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:"وَالصّوَابُ الّذِي عَلَيْهِ أَئِمّةُ النّقْلِ أَنّ الْإِسْرَاءِ كَانَ مَرّةً وَاحِدَةً بِمَكّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ . وَيَا عَجَبًا لِهَؤُلَاءِ الّذِينَ زَعَمُوا أَنّهُ مِرَارًا كَيْفَ سَاغَ لَهُمْ أَنْ يَظُنّوا أَنّهُ فِي كُلّ مَرّةٍ تُفْرَضُ عَلَيْهِ الصّلَاةُ خَمْسِينَ ثُمّ يَتَرَدّدُ بَيْنَ رَبّهِ وَبَيْنَ مُوسَى حَتّى تَصِيرَ
__________
(1) - أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة - (1 / 256) وشرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية - (1 / 197) وشرح الطحاوية - ط دار السلام - (1 / 224)
(2) - الشفا بتعريف حقوق المصطفى [ ص: 231 ](1/215)
خَمْسًا ثُمّ يَقُولُ " أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفّفْتُ عَنْ عِبَادِي " ثُمّ يُعِيدُهَا فِي الْمَرّةِ الثّانِيَةِ إلَى خَمْسِينَ ثُمّ يَحُطّهَا عَشْرًا عَشْرًا .." (1)
المعراج وحقيقته :
الحديثُ عن المعراج هو قرينُ الحديث عن الإسراء في النصوص وكلام أهل العلم ولذا كان من المناسب التعريف به تتميما للفائدة .
والمعراج:مفعال من العروج . أي الآلة التي يعرج فيها،أي يصعد . وهو منزلة السلم لكن لا نعلم كيفيته . والمقصودُ بالمعراج عند الإطلاق في الشرع:هو صعود النبي - صلى الله عليه وسلم - بصحبة جبريل عليه السلام من بيت المقدس إلى السماء الدنيا ثم باقي السماوات إلى السماء السابعة ورؤية الأنبياء في السماوات على منازلهم وتسليمه عليهم وترحيبهم به،ثم صعوده إلى سدرة المنتهى،ورؤيته جبريل عندها على الصورة التي خلقه الله عليها،ثم فرض الله عليه الصلوات الخمس تلك الليلة وتكليم الله له بذلك ثم نزوله إلى الأرض . وكان المعراج ليلة الإسراء على الصحيح .
وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنَّة على المعراج . أما الكتاب فقد جاء فيه ذكر بعض الآيات العظيمة التي حصلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج كقوله تعالى:{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) [النجم:1 - 18] .
__________
(1) - شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية - (1 / 196) وشرح الطحاوية - ط دار السلام - (1 / 224) وزاد المعاد في هدي خير العباد - (3 / 42)(1/216)
أقسم الله تعالى بالنجوم إذا غابت،ما حاد محمد - صلى الله عليه وسلم - عن طريق الهداية والحق،وما خرج عن الرشاد،بل هو في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد،وليس نطقه صادرًا عن هوى نفسه. ما القرآن وما السنة إلا وحي من الله إلى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - .
علَّم محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مَلَك شديد القوة،ذو منظر حسن،وهو جبريل عليه السلام،الذي ظهر واستوى على صورته الحقيقية للرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأفق الأعلى،وهو أفق الشمس عند مطلعها،ثم دنا جبريل من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،فزاد في القرب،فكان دنوُّه مقدار قوسين أو أقرب من ذلك. فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - ما أوحى بواسطة جبريل عليه السلام. ما كذب قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما رآه بصره.
أتُكذِّبون محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ،فتجادلونه على ما يراه ويشاهده من آيات ربه؟ ولقد رأى محمد - صلى الله عليه وسلم - جبريل على صورته الحقيقية مرة أخرى عند سدرة المنتهى- شجرة نَبْق- وهي في السماء السابعة،ينتهي إليها ما يُعْرَج به من الأرض،وينتهي إليها ما يُهْبَط به من فوقها،عندها جنة المأوى التي وُعِد بها المتقون. إذ يغشى السدرة من أمر الله شيء عظيم،لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - على صفة عظيمة من الثبات والطاعة،فما مال بصره يمينًا ولا شمالا ولا جاوز ما أُمِر برؤيته. لقد رأى محمد - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج من آيات ربه الكبرى الدالة على قدرة الله وعظمته من الجنة والنار وغير ذلك. (1)
فذكر الله تعالى في هذا السياق الآيات العظيمة التي أكرم بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج كرؤيته جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى،ورؤيته سدرة المنتهى وقد غشاها ما غشاها من أمر الله . فعَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اُنْتُهِيَ بِهِ إلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ،وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُخْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ،فَيُقْبَضُ مِنْهَا،وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا،فَيُقْبَضُ مِنْهَا {إذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}،قَالَ:فَرَاشٌ بِهِ مِنْ ذَهَبٍ،قَالَ:فَأُعْطِيَ ثَلاَثًا:أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ،وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ،وَغُفِرَ لِمَنْ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ. (2) .
__________
(1) - التفسير الميسر - (9 / 350)
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (11 / 460)(32355) صحيح(1/217)
وقد جاء في السنة خبر المعراج مفصلا في أكثر من حديث فعَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ - رضى الله عنهما - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ « بَيْنَمَا أَنَا فِى الْحَطِيمِ - وَرُبَّمَا قَالَ فِى الْحِجْرِ - مُضْطَجِعًا،إِذْ أَتَانِى آتٍ فَقَدَّ - قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَشَقَّ - مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهْوَ إِلَى جَنْبِى مَا يَعْنِى بِهِ قَالَ مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ،وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِى،ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا،فَغُسِلَ قَلْبِى ثُمَّ حُشِىَ،ثُمَّ أُوتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ » . - فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ أَنَسٌ نَعَمْ،يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ - « فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ،فَانْطَلَقَ بِى جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ،فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ،فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ فَفَتَحَ،فَلَمَّا خَلَصْتُ،فَإِذَا فِيهَا آدَمُ،فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلاَمَ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ،قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ . فَفَتَحَ،فَلَمَّا خَلَصْتُ،إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى،وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ قَالَ هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا . فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا،ثُمَّ قَالاَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ صَعِدَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ،فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ،فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ . فَفُتِحَ،فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ . قَالَ هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ،ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ،ثُمَّ صَعِدَ بِى حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ،فَاسْتَفْتَحَ،قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ،فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ . فَفُتِحَ،فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ صَعِدَ بِى حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ،فَاسْتَفْتَحَ،قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ،فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ . فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ قَالَ هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ(1/218)
الصَّالِحِ . ثُمَّ صَعِدَ بِى حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ،فَاسْتَفْتَحَ،قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قَالَ مَرْحَبًا بِهِ،فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ،فَلَمَّا خَلَصْتُ،فَإِذَا مُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى،قِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ أَبْكِى لأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِى،يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِى . ثُمَّ صَعِدَ بِى إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ،فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ،قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ . قَالَ نَعَمْ . قَالَ مَرْحَبًا بِهِ،فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ،فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ رُفِعَتْ لِى سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى،فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ،وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى،وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ،وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ . فَقُلْتُ مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ،فَنَهَرَانِ فِى الْجَنَّةِ،وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ . ثُمَّ رُفِعَ لِى الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ،ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ،وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ،فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ،فَقَالَ هِىَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ . ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَىَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ . فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى،فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ،وَإِنِّى وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ،وَعَالَجْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ،فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ . فَرَجَعْتُ،فَوَضَعَ عَنِّى عَشْرًا،فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ،فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّى عَشْرًا،فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ،فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّى عَشْرًا،فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ،فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ،فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ،فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ،فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى،فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ،وَإِنِّى قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ،وَعَالَجْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ،فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ . قَالَ سَأَلْتُ رَبِّى حَتَّى(1/219)
اسْتَحْيَيْتُ،وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ - قَالَ - فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِى وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِى » (1) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ - وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ - قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ - قَالَ - فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِى يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ - قَالَ - ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِى جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِى وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَىِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ.
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِىَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ.
قَالَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3887 )(1/220)
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ - صلى الله عليه وسلم - فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِى إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ - قَالَ - فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِىَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلاَةً. قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّى قَدْ بَلَوْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ. قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّى فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِى. فَحَطَّ عَنِّى خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّى خَمْسًا. قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. - قَالَ - فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً - قَالَ - فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّى حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ». (1)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (429 )(1/221)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِى وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - فَفَرَجَ صَدْرِى ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِى صَدْرِى ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى فَعَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ. قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ. قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ نَعَمْ مَعِىَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ فَأُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحَ - قَالَ - فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ - قَالَ - فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى - قَالَ - فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ - قَالَ - قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَمُ - صلى الله عليه وسلم - وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالأَسْوِدَةُ الَّتِى عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى - قَالَ - ثُمَّ عَرَجَ بِى جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ . فَقَالَ لِخَازِنِهَا افْتَحْ - قَالَ - فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ خَازِنُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَفَتَحَ ». فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِى السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيمَ فِى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ « فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِدْرِيسَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - قَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ - قَالَ - ثُمَّ مَرَّ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا إِدْرِيسُ - قَالَ - ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ - قَالَ - قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا مُوسَى - قَالَ - ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - قَالَ - ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ - قَالَ - قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيمُ ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِىَّ كَانَا يَقُولاَنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ثُمَّ عَرَجَ بِى حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ ». قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِى خَمْسِينَ صَلاَةً - قَالَ - فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى فَقَالَ(1/222)
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ - قَالَ - قُلْتُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلاَةً. قَالَ لِى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَرَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ - قَالَ - فَرَاجَعْتُ رَبِّى فَوَضَعَ شَطْرَهَا - قَالَ - فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ - قَالَ - فَرَاجَعْتُ رَبِّى فَقَالَ هِىَ خَمْسٌ وَهْىَ خَمْسُونَ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ - قَالَ - فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّى - قَالَ - ثُمَّ انْطَلَقَ بِى جِبْرِيلُ حَتَّى نَأْتِىَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِى مَا هِىَ - قَالَ - ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ ». (1)
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ،فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ قَالَ جِبْرِيلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ،لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ . (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي،انْتَهَيْتُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَخَرَقَ جِبْرِيلُ الصَّخْرَةَ بِإِصْبَعِهِ وَشَدَّ بِهَا الْبُرَاقَ. (3)
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،قَالَ:سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ،يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ،قُمْتُ فِي الْحِجْرِ،فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ،فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ. (4)
أما ثبوت تعيين تاريخ الإسراء والمعراج فلم يثبت عَلَى الإطلاق أي دليل صحيح صريح في تحديد وقت الإسراء والمعراج،وكل ما نعرفه من خلال السيرة هو أن الإسراء والمعراج كَانَ قبل الهجرة،هذا هو القول الراجح،والمشهور والمستفيض أن الإسراء والمعراج كَانَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (433)
الجنابذ : جمع الجنبذة وهى القبة الأسودة : جمع سواد وهو الشخص الصريف : صوت جريانها بما تكتبه من أقضية الله تعالى ووحيه ظهرت : علوت النسم : جمع نسمة وهى النفس والروح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (4709)
(3) - صحيح ابن حبان - (47) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (1 / 251) (55) صحيح(1/223)
بعد موت أبي طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وبعد موت خديجة،وبعد أن ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الطائف ورده أهلها،وهو العام الذي يسمى عام الحزن،لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقى فيه الأذى الشديد والألم والتعب،فمنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليه بهذه الآيات العظيمة،وهذه المشاهد وهذا المقام الرفيع الذي لم يصل إليه بشر،تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ،وكانت آيات عظيمة قال الله تعالى: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:18] فأراه الله عَزَّ وَجَلَّ آياتٍ عظيمة ففُرج عنه - صلى الله عليه وسلم - الهمَّ وسُرِّي عنه،وعاد وقد استيقن بربه وبلقائه،وأن ما يوحى إليه هو الحق أكثر من ذي قبل،وعاد - صلى الله عليه وسلم - وقد شد العزم عَلَى أن يبلغ دعوة ربه،وأن لا يبالي بالنَّاس مهما صدوه،بعدما رأى ما رأى من الأَنْبِيَاء ومن الكرامة التي نالها،فوقوعه في ذلك التاريخ فيه حكم عظيمة،لكن لا ندري بالضبط متى كان؟ فقد اختلف في أي يوم كان؟ وفي أي شهر؟ وفي أي سنة؟ (1)
إن الربط بين المسجد الأقصى،والمسجد الحرام وراءه حكم ودلالات وفوائد منها:
* أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين،إذ أصبح مسرى رسولهم - صلى الله عليه وسلم - ،ومعراجه إلى السماوات العلا،وكان لا يزال قبلتهم الأولى طيلة الفترة المكية،وهذا توجيه وإرشاد للمسلمين بأن يحبوا المسجد الأقصى وفلسطين؛ لأنها مباركة ومقدسة.
* فيها ربط قضية المسجد الأقصى وما حوله - فلسطين- بقضية العالم الإسلامي إذ أصبحت مكة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم مركز تجمع العالم الإسلامي ووحدة أهدافه، وأن الدفاع عن فلسطين دفاع عن الإسلام نفسه، يجب أن يقوم به كل مسلم في شتى أنحاء الأرض، والتفريط في الدفاع عنها وتحريرها، تفريط في جنب الإسلام، وجناية يعاقب الله عليها كل مؤمن بالله ورسوله. (2)
* الربط يشعر المسلمين بمسؤوليتهم نحو المسجد الأقصى بمسئولية تحرير المسجد الأقصى من أوضار الشرك وعقيدة التثليث،كما هي أيضًا مسئوليتهم تحرير المسجد الحرام من أوضار الشرك وعبادة الأصنام.
__________
(1) - شروح الطحاوية - (4 / 1811) وفتح الباري 7/203 وفتح الباري لابن رجب - (3 / 51)
(2) - السيرة النبوية السباعي - (1 / 36)(1/224)
* الربط يشعر بأن التهديد للمسجد الأقصى،هو تهديد للمسجد الحرام وأهله،وأن النيل من المسجد الأقصى توطئة للنيل من المسجد الحرام،فالمسجد الأقصى بوابة الطريق إلى المسجد الحرام،وزوال المسجد الأقصى من أيدي المسلمين،ووقوعه في أيدي اليهود يعني أن المسجد الحرام،والحجاز قد تهدد الأمن فيهما واتجهت أنظار الأعداء إليهما لاحتلالهما.
والتاريخ قديمًا وحديثًا يؤكد هذا،فإن تاريخ الحروب الصليبية يخبرنا أن (أرناط) الصليبي صاحب مملكة الكرك أرسل بعثة للحجاز للاعتداء على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى جثمانه في المسجد النبوي،وحاول البرتغاليون (النصارى الكاثوليك) في بداية العصور الحديثة الوصول إلى الحرمين الشريفين لتنفيذ ما عجز عنه أسلافهم الصليبيون،ولكن المقاومة الشديدة التي أبداها المماليك وكذا العثمانيون حالت دون إتمام مشروعهم الجهنمي وبعد حرب 1967م التي احتل اليهود فيها بيت المقدس صرخ زعماؤهم بأن الهدف بعد ذلك احتلال الحجاز وفي مقدمة ذلك مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخيبر.
لقد وقف دافيد بن غوريون زعيم اليهود بعد دخول الجيش اليهودي القدس يستعرض جنودًا وشبانًا من اليهود بالقرب من المسجد الأقصى ويلقي فيهم خطابًا ناريًا يختتمه بقوله: (لقد استولينا على القدس ونحن في طريقنا إلى يثرب) (1) .
ووقفت غولدا مائير،رئيسة وزراء اليهود،بعد احتلال بيت المقدس،وعلى خليج إيلات العقبة،تقول: «إنني أشم رائحة أجدادي في المدينة والحجاز،وهي بلادنا التي سوف نسترجعها» (2) .
وبعد ذلك نشر اليهود خريطة لدولتهم المنتظرة التي شملت المنطقة من الفرات إلى النيل،بما في ذلك الجزيرة العربية والأردن وسوريا والعراق ومصر واليمن والكويت والخليج العربي كله،ووزعوا خريطة دولتهم هذه بعيد انتصارهم في حرب (1967م)في أوروبا (3) .
--------------
__________
(1) - انظر: السيرة النبوية لأبي فارس، ص314.
(2) - جريدة الدستور الأردنية العدد (4613) بقلم أميل الغوري، نقلا عن السيرة النبوية لأبي فارس، ص314.
(3) - انظر: السيرة النبوية لأبي فارس ص215. (4) تفسير ابن كثير (3/23).(1/225)
معركتنا مع اليهود
قال تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } (82) سورة المائدة
ما تزال الأمة المسلمة تعاني من دسائس اليهود ومكرهم ما عاناه أسلافها من هذا المكر ومن تلك الدسائس غير أن الأمة المسلمة لا تنتفع - مع الأسف - بتلك التوجيهات القرآنية وبهذا الهدى الإلهي : ((أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) [البقرة : 75،77])) أتنتفع الأمة المسلمة بما انتفع به أسلافها فغلبوا كيد اليهود ومكرهم في المدينة والدين ناشئ،والجماعة المسلمة وليدة . وما يزال اليهود - بلؤمهم ومكرهم - يضللون هذه الأمة عن دينها ويصرفونها عن قرآنها كي لا تأخذ منه أسلحتها الماضية،وعدتها الوافية،وهم آمنون ما انصرفت هذه الأمة عن موارد قوتها الحقيقية وينابيع معرفتها الصافية . وكل من يصرف هذه الأمة عن دينها وعن قرآنها فإنما هو من عملاء اليهود،سواء عرف أم لم يعرف أراد أم لم يرد،فسيظل اليهود في مأمن من هذه الأمة ما دامت مصروفة عن الحقيقة الواحدة المفردة التي تستمد منها وجودها وقوتها وغلبتها - حقيقة العقيدة الإيمانية والمنهج الإيماني والشريعة الإيمانية،فهذا هو الطرق . وهذه هي معالم الطريق . كان لليهود في المدينة مكانتهم وارتباطاتهم الاقتصادية والتعهدية مع أهلها،ولم يتبين عداؤهم سافرا . ولم ينضج في نفوس المسلمين كذلك الشعور بأن عقيدتهم وحدها هي العهد وهي الوطن وهي أصل التعامل والتعاقد،وأنه لا بقاء لصلة ولا وشيجة إذا هي تعارضت مع هذه العقيدة !! ومن ثم كانت لليهود فرصة للتوجيه والتشكيك والبلبلة،وكان هناك من يسمع لقولهم في الجماعة المسلمة ويتأثر به،وكان هناك من يدافع عنهم ما يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل بهم من إجراءات لدفع كيدهم عن الصف المسلم (( كما حدث في شفاعة عبد الله بن أبي(1/226)
من بني قينقاع،وإغلاظه في هذا للرسول - صلى الله عليه وسلم - )) (1) . إن أعداء الجماعة المسلمة لم يكونوا يحاربونها في الميدان بالسيف والرمح فحسب ولم يكونوا يؤلبون عليها الأعداء ليحاربونها بالسيف والرمح فحسب،إنما كانوا يحاربونها أولا في عقيدتها !! كانوا يحاربونها بالدس والتشكيك،ونثر الشبهات وتدبير المناورات !
كانوا يعمدون أولا إلى عقيدتها الإيمانية التي منها انبثق كيانها ومنها قام وجودها فيعملون فيها معاول الهدم والتوصية ذلك أنهم كانوا يدركون - كما يدركون اليوم تماما (2) - أن هذه الأمة لا تؤتى إلا من هذا المدخل ولاتهن إلا إذا وهنت عقيدتها ولا تهزم إلا إذا هزمت روحها،ولا يبلغ أعداؤها منها شيئا وهي ممسكة بعروة الإيمان مرتكزة إلى ركنه سائرة على نهجه حاملة لرايته ممثلة لحزبه منتسبة إليه،معتزة بهذا النسب وحده .
من هنا يبدو أن أعدى أعداء الأمة هو الذي يلهيها عن عقيدتها الإيمانية،و يحيد بها عن منهج الله وطريقه ويخدعها عن حقيقة أعدائها وحقيقة أهدافهم البعيدة .إن المعركة بين الأمة المسلمة وبين أعدائها هي قبل كل شيء معركة هذه العقيدة وحتى حين يريد أعداؤها أن يغلبوها على الأرض والمحصولات والاقتصاد والخامات فإنهم يحاولون أولا أن يغلبوها على العقيدة لأنهم يعلمون بالتجارب الطويلة أنهم لا يبلغون مما يريدون شيئا والأمة المسلمة مستمسكة بعقيدتها،ملتزمة بمنهجها،مدركة لكيد أعدائها . . ومن ثم يبذل هؤلاء الأعداء وعملاؤهم جهد الجبارين من خداع هذه الأمة عن حقيقة المعركة ليفوزوا
__________
(1) - ففي دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (1039 ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، أَنَّ بَنِيَ قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوَّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَارَبُوا مِنْهَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ . فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ - وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ - فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَرْسِلْنِي " ، وَغَضِبَ حَتَّى رُئِيَ لِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ظِلَالٌ ، فَقَالَ لَهُ : " وَيْحَكَ أَرْسِلْنِي " . فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أُرْسِلُكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي مَوَالِيَّ أَرْبَعُمِائَةِ حَاسِرٍ ، وَثَلَاثُمِائَةِ دَارِعٍ ، مَنْ مَنَعُونِي مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ ، إِي وَاللَّهِ إِنِّي لَامْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هُمْ لَكَ " وهو صحيح مرسل وانظر تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (2 / 148)
(2) - تأمل حملة التشكيك في العقيدة ، والتعبئة الإلحادية في جيش عربي ضد الإيمان بالله قبيل هزيمة 1967 بأسابيع !!! ثم الإصرار الطويل النفس على إبعاد الإسلام عن قضية فلسطين مثلا .(1/227)
منها بعد ذلك بكل ما يريدون من استعمار واستغلال آمنون من عزمة هذه العقيدة في الصدور .وكلما ارتقت وسائل الكيد لهذه العقيدة والتشكيك فيها والتوهين من عراها استخدم أعداؤها هذه الوسائل المترقية الجديدة . ولكن لنفس الغاية القديمة : ((وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) [آل عمران : 69] )) .لهذا كان القرآن يدفع هذا السلاح المسموم أولا . . . كان يأخذ الجماعة المسلكة بالتثبيت على الحق الذي هو عليه وينفي الشبهات والشكوك التي يلقيها أهل الكتاب،ويجلو الحقيقة الكبيرة التي يتضمنها هذا الدين ويقنع الجماعة المسلمة بحقيقتها وقيمتها في هذه الأرض ودورها ودور العقيدة التي تحملها في تاريخ البشرية .وكان يأخذها بالتحذير من كيد الكائدين ويكشف لها نواياهم المستترة ووسائلهم القذرة وأهدافهم الخطرة وأحقادهم على الإسلام والمسلمين لاختصاصهم بهذا الفضل العظيم .وكان يأخذها بتقرير حقيقة القوى وموازينها في هذا الوجود فبين لها هزال أعدائها وهوانهم على الله،وضلالهم وكفرهم بما أنزل الله إليهم من قبل وقتلهم الأنبياء،كما يبين لها أن الله معها وهو مالك الملك المعز المذل وحده بلا شريك وأنه سيأخذ الكفار اليهود بالعذاب والنكال كما أخذ المشركين من قبل . وعانت أمتنا التلبيس والدس من يهود .(( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) [آل عمران : 71])) وهذه خصلة أهل الكتاب يجب أن يبصرها المسلمون ويأخذوا حذرهم منها .خصلة التلبيس والدس .وهذا الذي ندد الله به - سبحانه - من أعمال أهل الكتاب حينذاك . هو الأمر الذين درجوا عليه من وقتها حتى اللحظة الحاضرة . . . فهذا طريقهم على مدار التاريخ .
اليهود بدءوا منذ اللحظة الأولى . . ثم تبعهم الصليبيون .وفي خلال القرون المتطاولة دسوا - مع الأسف - في التراث الإسلامي ما لا سبيل إلى كشفه إلا بجهد القرون !!
ولبسوا الحق بالباطل في هذا التراث كله - اللهم إلا هذا الكتاب الذي تكفل الله بحفظه أبد الآبدين والحمد لله على فضله العظيم .دسوا ولبسوا في التاريخ الإسلامي وأحداثه ورجاله ودسوا في الحديث النبوي حتى قيض الله له رجاله الذين حققوه وحرروه إلا ما ند(1/228)
عن الجهد الإنساني المحدود .ودسوا ولبسوا في التفسير القرآني .وهناك دس جد خطير .لقد دسوا رجالا وزعامات للكيد لهذه الأمة . فالمئات والألوف كانوا دسيسة في العالم الإسلامي - وما يزالون في صورة مستشرقين وتلاميذ مستشرقين الذين يشغلون مناصب الحياة الفكرية اليوم في البلاد التي يقول أهلها : أنهم مسلمون !!
والعشرات من الشخصيات المدسوسة على الأمة المسلمة في صورة (( أبطال )) مصنوعين على عين الصهيونية (1) ليؤدوا لأعداء الإسلام من الخدمات ما لا يملك هؤلاء الأعداء أن يؤدوه ظاهرين .
وما يزال هذا الكيد قائما مطردا،وما تزال (فرصة) الأمان والنجاة منه هي اللياذ بهذا الكتاب المحفوظ،والعودة إليه لاستشارته في المعركة الناشبة طوال هذه القرون . وتستمر حملة التشكيك من اليهود في هذه الأمة المسلمة :
((وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) [آل عمران : 72 - 74])) وهي طريقة ماكرة لئيمة،فإن إظهار هم الإسلام ثم الرجوع عنه يوقع بعض النفوس والعقول وغير المتثبتين من حقيقة دينهم وطبيعته . . يوقعهم في بلبلة واضطراب . . . فإذا رأوا اليهود يؤمنون ثم يرتدون حسبوا أنهم إنما ارتدوا بسبب اطلاعهم على خبيئة ونقص من هذا الدين وتأرجحوا بين اتجاهين فلم يكن لهم ثبات على حال .وما تزال هذه الخدعة تتخذ حتى اليوم . في شتى الصور التي تناسب تطور الملابسات والناس في كل جيل . ولقد يئس أعداء المسلمين أن تنطلي اليوم هذه الخدعة
__________
(1) - وفي المستقبل القريب سنجعل الرئيس شخصا مسئولا ويومئذ لن نكون حائرين في أن ننفذ بجسارة خططنا التي سيكون (( دميتنا )) مسئولا عنها ، لكي نصل إلى هذه النتائج سندبر انتخاب أمثال هؤلاء الرؤساء ممن تكون صحائفهم السابقة مسودة بفضيحة ما أو صفقة أخرى مريبة .. إن رئيسا من هذا النوع سيكون منفذا وافيا لأغراضنا لأنه سيخشى التشهير وسيبقى خاضعا لسلطان الخوف .... البروتوكول العاشر من بروتوكولات صهيون .(1/229)
فلجأت القوى المناهضة للإسلام في العالم إلى طرق شتى كلها تقوم على تلك الخدعة القديمة .إن لهذه القوى اليوم في العالم الإسلامي جيشا جرارا من العملاء في صورة أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين - وأحيانا كتاب وشعراء وفنانين وصحفيين - يحملون أسماء المسلمين لأنهم انحدروا من سلالة مسلمة !! وبعضهم من (( علماء )) المسلمين !!هذا الجيش من العلماء موجه لخلخلة (1) العقيدة في النفوس بشتى الأساليب بصورة بحث وعلم وأدب وفن وصحافة . . وتوهين قواعدها من الأساس . . والتوهين من شأن العقيدة والشريعة سواء .وتأويلها وتحميلها ما لاتطيق والدق المتصل على (( رجعيتها )) ! والدعوة للتفلت منها وأبعادها عن مجال الحياة إشفاقا عليها من الحياة أو إشفاقا على الحياة منها !! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومثلها . . وتزيين تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية . . وإطلاق الشهوات من عقالها وسحق القاعدة الخلقية التي تستوي عليها العقيدة النظيفة لتخرج من الوحل الذي ينثرونه في الأرض نثرا . ويشوهون التاريخ كله ويحرفونه كما يحرفون النصوص !! وهم بعد مسلمون !! اليسوا يحملون أسماء إسلامية ؟ وهم بهذه الأسماء المسلمة يعلنون الإسلام وجه النهار !! وبهذه المحاولات يكفرون آخره !! (( ويؤدون بهذه وتلك دور اليهود القديم )) ولا يتغير إلا الشكل والإطار في ذلك الدور القديم ! تظاهروا بالإسلام - ومعكم دليل إسمي - أول النهار واكفروا آخره لعل المسلمين يرجعون عن دينهم .(( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم )) .وعملاء الصهيوينة اليوم كذلك . . إنهم متفاهمون فيما ينهم على أمر . . هو الإجهاز على العقيدة في الفرصة السانحة التي قد لا تعود . . وقد لا يكون هذا التفاهم في معاهدة أو مؤامرة،ولكنه تفاهم العميل مع العميل على المهمة المطلوبة (2) .
__________
(1) - لن نبيح قيام أي دين غير ديننا . ولهذا يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان وستكون النتيجة المؤقتة لهذا هي إثمار ملحدين .. البروتوكول الرابع عشر .
(2) - ولا أحد من الأعضاء سيفشي بالسر للغير ، والسبب هو أنه لا أحد يؤذن له بالدخول في عالمنا ما لم يكن يحمل سمات بعض الأعمال المخزية في حياته .. البروتوكول الثالث عشر .(1/230)
ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إلى بعض . . ثم يتظاهرون - بعضهم على الأقل - بغير ما يريدون وما يبيتون . . والجو من حولهم مهيأ . . والأجهزة من حولهم معبأة . . والذين يدركون حقيقة هذا الدين في الأرض كلهم مغيبون أو مشردون !! لقد تحدث القرآن كثيراً عن يهوده وشرح نفسياتهم الشريرة وليس مصادفة أن يفصل القرآن هذا فإن تاريخ أمة من الأمم لم يشهد ما شهده تاريخ بني إسرائيل من قسوة وجحود وتنكر للهداة فقد قتلوا وذبحوا ونشروا بالمناشير عدداً من أنبيائهم - وهي أشنع فعلة تصدر من أمة مع دعاة الحق المخلصين - وقد كفروا أشنع كفر واعتدوا . . أشنع الاعتداء وعصوا أبشع معصية وكان لهم في كل ميدان من هذه الميادين أفاعيل ليست مثلها أفاعيل ! ! ومخاليق تقتل الأنبياء وتذبحهم وتنشرهم بالمناشير لا ينتظر منها إلا استباحة دماء البشر واستباحة كل وسيلة قذرة تنفس عن أحقادهم وفسقهم . والقرآن الكريم يقص علينا العجب من سلوك يهود العجيب : (( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) [البقرة : 97،98])) . في قصة هذا التحدي نطلع على سمة أخرى من سمات اليهود . . . سمة عجيبة حقاً . . لقد بلغ هؤلاء القوم من الحنق والغيظ من أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده مبلغاً يتجاوز كل حد . . وقادهم هذا إلى تناقض لا يستقيم في عقل . . لقد سمعوا أن جبريل ينزل بالوصي من عند الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - ولما كان عداؤهم لمحمد قد بلغ مرتبة الحقد والحنق فقد لج بهم الضغن أن يخترعوا قصة واهية وحجة فارغة فيزعموا أن جبريل عدوهم لأنه ينزل بالهلاك والدمار والعذاب،وأن هذا هو الذي يمنعهم من الإيمان بمحمد من جراء صاحبه جبريل،ولو كان الذي ينزل بالوحي هو ميكائيل لآمنوا فميكائيل يتنزل بالرخاء والمطر والخصب . إنها الحماقة المضحكة . . . ولكن الغيظ والحقد يسوقانه إلى كل حماقة وإلا فخاب لهم يعادون جبريل ؟ وجبريل لم يكن بشراً يعمل معهم أو ضدهم ولم يكن يعمل بتصميم من عنده وتدبير ؟ إنما عبد الله يفعل بأمره ولا يعصي الله ما أمره ! ويمتد حقد اليهود الأسود من جبريل عليه السلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وكان الذي حملهم على هذا كله هو(1/231)
حسدهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يختاره الله للرسالة التي انتظروها فيهم وحقدهم لأن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده . . وهذه الطبيعة التي تبدو هنا في اليهود هي الطبيعة الكنود . طبيعة الأثرة الضيقة التي تحيا في نطاق من التعصب شديد،وتحس أن كل خير يصيب سواها كأنما هو متقطع منها ولا تشعر بالوشيجة الإنسانية الكبرى التي تربط البشرية جمعاء .وهكذا عاش اليهود في عزلة .يحسون أنهم فرع مقطوع من شجرة الحياة ويتربصون بالبشرية الدوائر ويكنون للناس البغضاء،ويعانون عذاب الأحقاد والضغائن ويذيقون البشرية رجع هذه الأحقاد فتنا يوقدونها بين بعض الشعوب وبعض،وحروبا يثيرونها ليجروا من ورائها الغنائم،ويروون بها أحقادهم التي لا تنطفء،وهلاكا يسلطونه على الناس،ويسلطه عليهم الناس . . . وهذا الشر كله إنما نشأ من تلك الأثرة البغيضة : ((وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) [البقرة : 89 - 90])) .
وحقد اليهود الأسود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى القرآن وعلى الإسلام جعلهم يؤثرون الشرك - وهم أهل كتاب - على الإسلام .وهم اليوم يؤثرون الشيوعية .. أي صلة أخرى فاسدة على هذا الدين بل أنهم ينشئون هذه المذاهب الإلحادية (1) لمحاربة الإسلام !
وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَاب مِنْ قُرَيْش وَغَطَفَان وَبَنِي قُرَيْظَة حُيَيّ بْن أَخْطَب وَسَلَام بْن أَبِي الْحُقَيْق وَأَبُو رَافِع وَالرَّبِيع بْن أَبِي الْحُقَيْق وَأَبُو عَامِر وَوَحْوَح بْن عَامِر وَهَوْدَة بْن قَيْس .فَأَمَّا وَحْوَح وَأَبُو عَامِر وَهَوْدَة فَمِنْ بَنِي وَائِل وَكَانَ سَائِرهمْ مِنْ بَنِي النَّضِير فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْش قَالُوا : هَؤُلَاءِ أَحْبَار يَهُود وَأَهْل الْعِلْم بِالْكُتُبِ الْأُوَل
__________
(1) - لا تتصوروا أن تصريحاتنا جوفاء ، ولا حظوا هنا أن نجاح ماركس قد رتبناه من قبل . . . ونحن على الدوام نتبنى الشيوعية ونحتضنها متظاهرين بأننا نساعد العمال طوعا لمبدأ الأخوة والمصلحة الإنسانية . وهذا ما تبشر به الماسونية .. البروتوكول الثاني والثالث .(1/232)
فَاسْأَلُوهُمْ أَدِينكُمْ خَيْر أَمْ دِين مُحَمَّد ؟ فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا دِينكُمْ خَيْر مِنْ دِينه وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمَّنْ اِتَّبَعَهُ .
فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) [النساء : 51-54] " وَهَذَا لَعْن لَهُمْ وَإِخْبَار بِأَنَّهُمْ لَا نَاصِر لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا ذَهَبُوا يَسْتَنْصِرُونَ بِالْمُشْرِكِينَ وَإِنَّمَا قَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ لِيَسْتَمِيلُوهُمْ إِلَى نُصْرَتهمْ وَقَدْ أَجَابُوهُمْ وَجَاءُوا مَعَهُمْ يَوْم الْأَحْزَاب حَتَّى حَفَرَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابه حَوْل الْمَدِينَة الْخَنْدَق فَكَفَى اللَّه شَرّهمْ " وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَزِيزًا " (1) .
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستعدوا له . وصدق الله العظيم : ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة : 82] . . ))
إن صيغة العبارة تحتمل أن تكون خطابا للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن تكون كذلك خطابا عاما خرج مخرج العموم لأنه يتضمن أمرا ظاهرا مكشوفا يجده كل إنسان .فإذا تقرر هذا فإن الأمر الذي يلفت النظر في صياغة العبارة هو تقديم اليهود على الذين أشركوا في صدد أنهم أشد عداوة للذين آمنوا،وإن شدة عداوتهم ظاهرة مكشوفة وأمر مقرر يراه كل من يرى ويجده كل من يتأمل !!نعم إن العطف بالواو في التعبير العربي يفيد الجمع بين أمرين ولا يفيد تعقيبا ولا ترتيبا . . ولكن تقديم اليهود هنا حيث يقوم الظن بأنهم أقل عداوة للذين آمنوا من المشركين - بما أنهم أهل كتاب - يجعل لهذا التقديم شأنا خاصا غير المألوف من العطف بالواو في التعبير العربي !!
__________
(1) - تفسير ابن كثير - (2 / 332)(1/233)
إنه - على الأقل - يوجه النظر إلى أن كونهم أهل كتاب لم يغير من الحقيقة الواقعة وهي أنهم كالذين أشركوا أشد عداوة للذين آمنوا !!
ونقول : إن هذا (( على الأقل )) ولا ينفي هذا احتمال أن يكون المقصود هو تقديمهم في شدة العداء على الذين أشركوا .وحين يستأنس الإنسان في هذا التقرير الرباني بالواقع التاريخي المشهود منذ مولد الإسلام حتى اللحظة الحاضرة فإنه لا يتردد في تقرير أن عداء اليهود للذين آمنوا كان دائما أشد وأقسى وأعمق إصرارا وأطول أمدا من عداء الذين أشركوا .لقد واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها دولة الإسلام بالمدينة،وكادوا للأمة المسلمة منذ اليوم الأول الذي أصبحت فيه أمة،وتضمن القرآن من التقريرات والإشارات عن هذا العداء وهذا الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الحرب المريرة التي شنها اليهود على الإسلام وعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى الآمة المسلمة في تاريخها الطويل والتي لم تخب لحظة واحدة قرابة أربعة عشر قرنا وما تزال حتى اللحظة يتسعر أوارها في أرجاء الأرض جميعا .لقد عقد الرسول صلى الله عليه (1) وسلم أول مقدمه إلى المدينة،معاهدة تعايش مع اليهود،ودعاهم إلى الإسلام الذي يصدق ما بين أيديهم من التوراة،ولكنهم لم يفوا بهذا العهد،شأنهم في هذا كشأنهم مع كل عهد قطعوه مع ربهم أو مع أنبيائهم من قبل حتى قال الله فيهم : ((وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) [البقرة : 99 - 101])) .
ولقد أضمروا العداء للإسلام والمسلمين منذ اليوم الأول الذي جمع الله فيه الأوس والخزرج على الإسلام فلم يعد لليهود في صفوفهم مدخل ولا مخرج،ومنذ اليوم الذي تحددت فيه قيادة الأمة المسلمة وأمسك بزمامها محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تعد لليهود فرصة للتسلط .ولقد استخدموا كل الأسلحة والوسائل التي تفتقت عنها عبقرية المكر اليهودية
__________
(1) - صرخ جنود اليهود وهم يدخلون القدس في يونيو 1967 (( محمد مات ، وخلف بنات )) .(1/234)
وأفادتها منذ قرون السبي (( في بابل )) والعبودية في مصر . . والذل في الدولة الرومانية . . ومع أن الإسلام قد وسعهم بعد ما ضاقت بهم الملل والنحل على مدار التاريخ فإنهم ردوا للإسلام جميله عليهم أقبح الكيد وألأم المكر منذ اليوم الأول .ولقد ألبوا على الإسلام والمسلمين كل قوى الجزيرة العربية المشركة وراحوا يجمعون القبائل المتفرقة لحرب الجماعة المسلمة : ((وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء : 51])) (1)
ولما غلبهم الإسلام بقوة الحق استداروا يكيدون له بدس المفتريات في كتبه - لم يسلم إلا كتاب الله الذي تكفل الله بحفظه سبحانه - ويكيدون بالدس بين صفوف المسلمين . . وإثارة الفتن عن طريق استخدام حديثي العهد بالإسلام ومن ليس لهم فيه فقه من مسلمة الأقطار . . ويكيدون له بتأليب خصومه عليه في أنحاء الأرض . . حتى انتهى بهم المطاف أن يكونوا في العصر الأخير هم الذين يستخدمون الصليبية والوثنية في هذه الحرب الشاملة . . وهم يقيمون الأوضاع ويصنعون الأبطال الذين يتسمون بأسماء المسلمين . .ويشنوها حربا صليبية صهيونية على كل جذر من جذور هذا الدين !!
وصدق الله العظيم : ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة : 82])).
إن الذي ألب الأحزاب على الدولة المسلمة الناشئة في المدينة،وجمع بين اليهود من بني قريظة وغيرهم وبين قريش من مكة وبين القبائل الأخرى في الجزيرة . . . يهودي .والذي
__________
(1) - وَمَعْنَى الْآيَةِ : أَلَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ أَوْ لَمْ تَنْظُرْ إِلَى حَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ كَيْفَ حُرِمُوا هِدَايَتَهُ ؟ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَنْصُرُونَ أَهْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ ، وَحَقِّيَّةِ أَصْلِ كُتُبِهِمْ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينِ كَفَرُوا أَيْ : لِأَجْلِهِمْ وَفِي شَأْنِهِمْ وَالْحِكَايَةِ عَنْهُمْ : هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ، أَيْ يَقُولُونَ : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَهْدَى وَأَرْشَدُ طَرِيقًا فِي الدِّينِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مُحَمَّدًا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ اللهَ وَصَفَ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ بِتَعْظِيمِهِمْ غَيْرَ اللهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ فِي الْكُفْرِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَعْصِيَتِهِمَا وَأَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ بِاللهِ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ ، وَإِنَّ دِينَ أَهْلِ التَّكْذِيبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَعْدَلُ وَأَصْوَبُ مِنْ دِينِ أَهْلِ التَّصْدِيقِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ اهـ . تفسير المنار - (5 / 128)(1/235)
ألب العوام،وجمع الشراذم،وأطلق لشائعات في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وما تلاها من النكبات . . . يهودي .والذي قاد حملة الوضع والكذب في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي الروايات والسير . . . يهودي .ثم إن الذي كان وراء إثارة النعرات القومية في دولة الخلافة الأخيرة ووراء الانقلابات التي ابتدأت بعزل الشريعة عن الحكم واستبدال (( الدستور )) بها في عهد السلطان عبد الحميد ثم انتهت بإلغاء الخلافة جملة على يدي (( البطل )) أتاتورك . . . يهودي .وسائر ما تلا ذلك من الحرب المعلنة على طلائع البعث الإسلامي في كل مكان على وجه الأرض وراءه يهود !!ثم لقد كان وراء النزعة المادية الإلحادية (( يهودي )) ووراء النزعة الحيوانية يهودي . . .
ووراء هدم الأسرة والروابط المقدسة في المجتمع . . . يهودي (1) . .
ولقد كانت الحرب التي شنها اليهود على الإسلام أطول أمد،وأعرض مجالا من تلك التي شنها عليه المشركون والوثنيون - على ضراوتها - قديما وحديثا،إن المعركة مع مشركي العرب لم تمتد إلى أكثر من عشرين عاما في جملتها،وكذلك المعركة مع فارس في العهد الأول . . .
أما في العصر الحديث فإن ضراوة المعركة بين الوثنية الهندية والإسلام ضراوة ظاهرة ولكنها لا تبلغ ضراوة الصهيونية العالمية (( التي تعد ماركس مجرد فرع لها )) .
إن لقصة بني إسرائيل التي فصلها القرآن أوسع تفصيل حكمة متشعبة الجوانب.. من جوانب هذه الحكمة أن بني إسرائيل هم أول من واجه الدعوة الإسلامية بالعداء والكيد والحرب في المدينة وفي الجزيرة العربية كلها . فقد كانوا حربا على الجماعة المسلمة منذ اليوم الأول،وهم الذين احتضنوا النفاق والمنافقين في المدينة وأمدوهم بوسائل الكيد للعقيدة وللمسلمين جميعا . . وهم الذين حرضوا المشركين وواعدوهم وتآمروا معهم على الجماعة المسلمة . . كما تولوا بث الشبهات والشكوك والتحريفات حول العقيدة وحول القيادة . . وذلك كله قبل أن يسفروا بوجوههم في الحرب المعلنة الصريحة،فلم يكن بد
__________
(1) - هؤلاء بالترتيب هم ماركس .. فرويد .. دركايم .(1/236)
من كشفهم للجماعة المسلمة لتعرف من هم أعداؤها ؟ وما طبيعتهم ؟ وما وسائلهم،وما حقيقة المعركة التي تخوضها معهم ؟ ولقد علم الله سبحانه أنهم هم سيكونون أعداء هذه الأمة في تاريخها كله،كما كانوا أعداء هدي الله في ماضيهم كله،فعرض لهذه الأمة أمرهم كله مكشوفا. . ووسائلهم كلها مكشوفة. ومن جوانب هذه الحكمة أن بني إسرائيل هم أصحاب آخر دين قبل دين الله الأخير وقد امتد تاريخهم قبل الإسلام فترة من التاريخ طويلة . . ووقعت الانحرافات في عقيدتهم ووقع منهم النقض المتكرر لميثاق الله معهم ووقع في حياتهم آثار هذا النقض وهذا الانحراف . . كما وقع في أخلاقهم وتقاليدهم فاقتضى هذا أن تلم الأمة المسلمة - وهي وارثة الرسالات كلها وحاضنة العقيدة الربانية بجملتها - بتاريخ القوم . .وتقلبات التاريخ،وتعرف مزالق الطريق وعواقبها ممثله في حياة بني إسرائيل وأخلاقهم،لتضم هذه التجربة - في حقل العقيدة والحياة - إلى حصيلة تجاربها وتنتفع بهذا الرصيد وتنفع على مدار القرون ولتتقي - بصفة خاصة - مزالق الطريق ومداخل الشيطان،وبوادر الانحراف،على هدي التجارب الأولى .. ومن جوانب هذه الحكمة أن تجربة بني إسرائيل ذات صحائف شتى في المدى الطويل،وقد علم الله أن الأمة حين يطول عليها الأمد تقسو قلوبها وتنحرف أجيال منها،وأن الأمة المسلمة التي سيمتد تاريخها حتى تقوم الساعة . . ستصادفها فترات تمثل فيها فترات من حياة بني إسرائيل،فجعل الله أمام أئمة الأمة وقادتها ومجددي الدعوة في أجيالها الكثيرة نماذج حية من العراقيل التي تلم بالأمم،يعرفون منها كيف يعالجون الداء بعد معرفة طبيعته . وبعد فإن المعركة بين الإسلام ويهود لا تزال دائرة وستظل كذلك لأن اليهود لا يرضون إلا بتدمير هذا الدين .كانوا - بعد أن غلبهم الإسلام - يحاربون هذا الدين بالمؤامرات والدسائس وتحريك عملائهم في الظلام .أما اليوم فقد ازدادت المعركة ضراوة وسفورا و تركيزا بعد أن جاءوا من كل فج وأعلنوا أنهم أقاموا إسرائيل .كانت أطماعهم ترف من بعيد إلى بيت المقدس،أما اليوم فهم منه على بعد خطوات . . ولا يكف أطماعهم إلا أن يغلبهم الإسلام .. . فقد أفسد اليهود في الأرض المقدسة فبعث الله عليهم عبادا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولا .لكن على المسلمين - وهم يتأهبون(1/237)
للمعركة - أن يفهموا قرآنهم،لقد كانت رحلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير،تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى محمد خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - ،وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا،وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير - صلى الله عليه وسلم - لمقدسات الرسل قبله،واشتمال رسالته على هذه المقدسات،وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من الزمان والمكان،وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تنكشف عنها للنظرة الأولى .وسوف ينازع بنو إسرائيل المسلمين في وراثة المسجد الأقصى .
وسوف تدور المعركة .(( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا [الإسراء : 5])) .فهذه هي الأولى : يعلون في الأرض المقدسة،ويصبح لهم فيها قوة وسلطان،فيفسدون فيها فيبعث الله عليهم عبادا من عباده أولي بأس شديد،وأولي بطش وقوة . . يستبيحون الديار . . ويروحون فيها ويغدون باستهتار . . ويطؤون ما فيها ومن فيها بلا تهيب . .
(( وكان وعد الله مفعولا )) لا يخلف ولا يكذب .وتتكرر قصة الإفساد . . ويتكرر الإذلال والطرد .وكلما عاد بنو إسرائيل إلى الإفساد في الأرض فالجزاء من جنس حاضر والسنة ماضية (( وإن عدتم عدنا )) .
ولقد عادوا إلى الإفساد فسلط الله عليهم المسلمين فأخرجوهم من الجزيرة العربية كلها . . ثم عادوا إلى الإفساد فسلط الله عليهم عبادا آخرين،حتى كان العصر الحديث فسلط الله عليهم (( هتلر )) ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة (( إسرائيل )) التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب،تصديقا لوعد الله القاطع (( وإن عدتم عدنا )) ووفاقا لسنته التي لا تختلف وإن غدا لناظره قريب !! ولا يهولن المسلم ما يراه من قوة وتهديد فإنهم ((لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ [الحشر : 14])) . والمظاهر قد تخدع فنرى تضامن الذين كفروا من أهل الكتاب فيما بينهم وترى عصبيتهم بعضهم لبعض،كما نرى تجمع المنافقين أحيانا في(1/238)
معسكر واحد . . ولكن الخبر الصادق من السماء يأتينا بأنهم ليسوا كذلك في حقيقتهم،إنما هو مظهر خارجي خادع . وبين الحين والحين ينكشف هذا الستار الخداع،فيبدو من ورائه صدق الخبر في دنيا الواقع المنظور . .
وما صدق المؤمنون مرة وتجمعت قلوبهم على الله حقا إلا وانكشف المعسكر الآخر أمامهم عن هذه الاختلافات وهذا التضارب وهذا الرياء الذي لا يمثل حقيقة الحال . وما صبر المؤمنون وثبتوا إلا وشهدوا التماسك بين أهل الباطل يتفسخ وينهار . وما تزال الأيام تكشف حقيقة الإعجاز في (( تشخيص )) حالة الكافرين حيثما التقى المؤمنون بهم في أي زمان زفي أي مكان بشكل واضح للعيان . ولقد شهدت الاشتباكات الأخيرة في الأرض المقدسة بين المؤمنين الفدائيين وبين اليهود مصداق هذا الخبر بصورة عجيبة فما كانوا يقاتلونهم إلا في المستعمرات المحصنة في أرض فلسطين . . فإذا انكشفوا لحظة واحدة ولو الأدبار كالجرذان حتى لكأن هذه الآية نزلت فيهم ابتداء وسبحان العليم الخبير !! (1)
------------------
أسباب النصر الحقيقية وصفات من ينصرهم الله
لقد نصرَ الله المؤمنينَ في مَواطنَ كثيرةٍ في بدرٍ،والأحزابِ،والفتحِ،وحُنينٍ،وغيرها:
1- نصرَهُمُ اللهُ وفاءً بِوَعدِه: {... وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(الروم: من الآية47)} [سورة الروم].)إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر:52)
2- نَصرَهُمُ اللهُ لأنهم قائمونَ بدينِه وهو الظَّاهرُ على الأديانِ كلِّها: فمن تمسك به فهو ظاهرٌ على الأممِ كلِّها: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[33]} [سورة التوبة].
3- نصَرَهم اللهُ لأنهم قاموا بأسبابِ النصرِ الحقيقيَّةِ المادَيةِ منها والمَعْنَويةِ: فكان عندهم من العَزْمِ ما بَرَزُوا به على أعْدائهم أخذاً بتوجيه اللهِ لَهُم،وتَمشِّياً مع هديهِ وتثبيتِه إياهم: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاَْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [139] إِن يَمْسَسْكُمْ
__________
(1) - نقلا عن كتيب " معركتنا مع اليهود " طبع دار الشروق - لبنان - للسيد قطب عليه الرحمة(1/239)
قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّلِمِينَ[140]} [سورة آل عمران]. {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَآءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً[104]} [سورة النساء]. {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ[35]}[سورة محمد]. فَكانوا بهذِه التَّقْويَةِ والتثبيتِ يَسِيرونَ بِقُوةٍ وعزْمٍ وجِدٍّ.
وأخَذُوا بكِلَّ نصيبٍ من القُوة امتثالاً لقولِ ربِّهم: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيء فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ[60]} [سورة الأنفال] من القُوَّةِ النفسيةِ الباطنةِ،والقوةِ العسكريةِ الظاهرة.
4- نصرهم الله - تعالى -لأنهم قامُوا بنصر دينِه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[40]الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[41]}[سورة الحج]. فوعدَ اللهُ بالنصر من ينصرُه وعداً مؤكداً بمؤكدات لفظية ومَعنوية: أما المؤكدات اللفظية: فهي القسمُ المقدَّرُ؛ لأنَّ التقديرَ: واللهِ لينصرنَّ اللهُ مَنْ ينصرُهُ. وكذلك اللامُ والنونُ في: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} كلاهُما يفيدُ التوكيدَ.
وأمَّا التوكيدُ المعنويُّ: ففي قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ} فهو - سبحانه - قَويٌّ لا يضْعُفُ،وعزيزٌ لا يذِلُّ،وكلُّ قوةٍ وعزةٍ تُضَادُّهُ ستكونُ ذُلاً وضعفاً. وفي قولِه: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} تثبيتٌ للمؤمِنِ عندما يسْتَبعِدُ النصر في نَظَره لِبُعد أسبابِه عندَه،فإنَّ عواقبَ الأمورِ لله وحْدَهُ يغَيِّر - سبحانه - ما شاءَ حَسْبَ ما تَقْتَضِيه حكمَتُه.
أوصاف من يستحقون النصر:
وفي هاتين الآيتين: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[40]الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[41]}[سورة الحج]. بيانُ الأوْصافِ التي يُستحقُّ بها النصرُ،وهي أوصافٌ يَتَحَلَّى(1/240)
بها المؤمنُ بعدَ التمكين في الأرضِ،فلا يُغْرِيه هذا التمكينُ بالأشَرِ والْبَطرِ والعلوِّ والفسادِ،وإنما يَزيدُه قوةً في دين الله وتَمسُّكاً به.
الوصفُ الأول: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[41]}[سورة الحج]. والتمكينُ في الأرض لا يكونُ إلاّ بعْدَ تحقيق عبادةِ الله وحْدَه كما قال - تعالى -: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[55]}[سورة النور]. فإذا قام العبدُ بعبادَةِ الله مخلصاً له في أقْوَالِه،وأفعالِه،وإرادَتِه لا يريدُ بها إلا وجه الله والدار الآخرة،ولا يريد بها جاهاً،ولا ثناءً من الناسِ،ولا مالاً،ولا شيئاً من الدُّنيا،واستمَرَّ على هذِه العبادة المخْلصة في السَّراء والضَراءِ والشِّدةِ والرَّخاءِ؛ مكَّنَ الله له في الأرض.
إذَنْ فالتمكينُ في الأرضَ يستلزمُ وصفاً سابقاً عليه وهو عبادةُ اللهِ وحْدَه لا شريكَ له،وبعد التمكين والإِخلاص يَكُونُ:
الوصفُ الثاني: وهو إقامةُ الصلاةِ: بأن يؤدِّيَ الصلاة على الوجهِ المطلوب منه،قائماً بشروطِها وأركانِها وواجباتِها،وتمامُ ذلك القيامُ بمُسْتَحَبَّاتِها،فيحسنُ الطُّهورَ،ويقيمُ الركوعَ والسجودَ والقيامَ والقعودَ،ويحافَظُ على الوقتِ وعلى الجمعةِ والجماعاتِ،ويحافظُ على الخشوعِ وهو حضورُ القلبِ وسكونُ الجوارح،فإِنَّ الخشوعَ رُوحُ الصلاةِ ولُبُّها،والصلاةُ بدونِ خشوعٍ كالجسمِ بدون روحٍ،وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: [إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا،رواه أبو داود وأحمد.
الوصفُ الثالث: إيتاءُ الزكاةِ: {... وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ[43]}[سورة البقرة]. بأن يعْطوُهَا إلى مستحقِّيها طِّيبةً بها نفوسُهم،كاملةً بدونِ نقصٍ يبتغُون بذلك فضلاً من الله ورضواناً،فيُزكُّون بذلك أنفسَهُم،ويطهِّرون أموالَهم،وينفعونَ إخوانهم من الفقراءِ والمساكينِ وغيرهم من ذوي الحاجات.(1/241)
الوصفُ الرابعُ: الأمر بالمعروفِ: {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} والمعروفُ: كلُّ ما أمرَ اللهُ به ورسولُه من واجباتٍ ومستحبات،يأمرون بذلك إحياءً لشريعةِ اللهِ،وإصلاحاً لعباده،واستجلاباً لرحمتِهِ ورضوانِهِ،فالمؤمنُ للمؤمنِ كالبنيِان يشدُ بعضُه بعضاً،فكما أنَّ المؤمنَ يحبُّ لنفسِهِ أَنْ يكونَ قائماً بطاعَةِ ربِّه،فكذلك يجبُ أن يحبَّ لإِخوانِه من القيام بِطاعةَ الله ما يحبُّ لنفسه.
والأمرُ بالمعروفِ عن إيمانٍ وتصديقٍ يستلزمُ أن يكونَ الآمر قائماً بما يأمرُ به؛ لأنه يأمرُ به عن إيمانٍ واقتناعٍ بفائدتِهِ وثمراتِهِ العاجلة والآجلةِ.
الوصفُ الخامسُ: النَّهيُ عن المنكرِ: {وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} والمُنْكَرُ: كلُّ ما نهى اللهُ عنه ورسولُه من كبائر الذنوبِ وصغائِرِها،مما يتعلقُ بالعبادةِ،أو الأخلاقِ،أو المعاملةِ؛ ينْهونَ عن ذلك كلِّه صِيانةً لدينِ الله،وحمايةً لِعباده،واتقاءً لأسْبابِ الفسادِ والعقوبةِ.
فالأمرُ بالمعروفِ والنَهْيُ عن المنكر دعَامَتَانِ قَوِيَّتانِ لبقاءِ الأمَّةِ وعزتِها ووحْدَتِها حتى لا تتفرَّق بها الأهواءُ،وتَشَتَّتَ بها المسالكُ؛ ولذلك كانَ الأمرُ بالمعروف،والنهيُ عن المنكر من فرائِضِ الدين على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ مع القدرةِ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[104]وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[105]}[سورة آل عمران].
فَلَوْلا الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر لتَفَرَّق الناسُ شِيعاً،وتمزَّقوا كل ممزَّق كلُّ حزبٍ بما لَدَيْهِمْ فرحون.
وبه فُضِّلت هذه الأمةُ على غيرها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ[110]}[سورة آل عمران].
وبتَركه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[78]كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[79]}[سورة المائدة].(1/242)
فهذه الأوصافُ الخمسةُ متى تحقَّقتْ مع القيامِ بما أرشدَ الله إليه من الْحَزمِ،والعزيِمَةِ،وإعْدادِ القُوَّةِ الحسيَّة؛ حصل النصرُ بإذنِ الله: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[6]يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ[7]}[سورة الروم]. فيَحْصَلُ للأمَّةِ من نصْر الله ما لَمْ يخْطُرْ لهم على بالٍ.
وإن المؤمنَ الواثقَ بوعدِ الله ليَعْلمُ أنَّ الأسباب المادِّيةَ مَهْما قويَتْ فليستْ بشيء بالنسبةِ إلى قُوةِ الله الذي خلقها وأوْجَدَها:
افْتَخَرَتْ عادٌ بقوَّتِها وقالُوا منْ أشدُّ منا قوةً،فقال الله - تعالى -: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) [فصلت : 15 - 16]].
وافْتَخر فرعونُ بمُلكِ مصْرَ وأنْهَاره التي تْجري مِنْ تحته فأغرقَه الله بالماءِ الَّذِي كان يفْتَخرُ بِمثْلِهِ،وأوْرث مُلْكهُ مُوسى وقومَه،وهو الَّذِي في نظر فرعونَ مَهِيْن ولاَ يكادُ يُبِين،وافتَخرت قريشٌ بعظَمتها وَجَبروتِها،فخرجوا من ديَارِهم برؤسائِهم وزعمائِهم بطراً ورِئاءَ الناس يقولون: 'لا نَرْجعُ حتى نقدمَ بَدْراً،فننحرَ فيها الجزور،ونَسْقِيَ الخمورَ،وتعزفَ الْقِيانُ،وتسمعَ بنا العربُ فلا يزالُون يهابوننَا أبداً'. فَهُزمُوا على يد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه شرَّ هزيمةٍ،وسُحبت جثثُهم جِيفاً في قليبِ بدرٍ،وصاروا حديثَ الناس في الذُّلِّ والهوانِ إلى يوم القيامةِ.
ونحنُ المسَلمين في هذا العصرِ لو أخَذْنَا بأسباب النصر،وقُمْنَا بواجبِ دينِنا،وكنَّا قدوةً لا مُقْتَدين،ومتبوعِين لا أتباعاً لِغَيرنا،وأخَذْنَا بوسائِل الحرب الْعَصْريَّةِ بصدقٍ وإخلاصٍ؛ لنصَرنَا الله على أعدائنا كما نصر أسلافَنا. صدقَ الله وعْدَه،ونصر عَبْدَه،وهزَمَ الأحزابَ(1/243)
وحْدَه. {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[23]}[سورة الفتح]. (1)
-----------
الطريق إلى خلاص المسجد الأقصى
1. كل المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها يتطلعون إلى خلاص المسجد الأقصى وفلسطين من أيدي أعداء الله اليهود الغاصبين،ولكن هذه الأمنية تحتاج لتحقيقها واقعاً إلى تغيير في نفوسنا،يخلصنا أولاً من العبودية لغير الله في أي صورة من صور الشرك وعبادة غير الله. فلا بدّ من تغيير عميق للجذور, نبني به رجل العقيدة المسلم, الذي يحقق العبودية لله تعالى في نفسه ويعبِّد الآخرين لخالقهم, وبهذا الأساس الصلب سينفذ جيل النصر القادم لا محالة إلى اليهود القابعين في بيت المقدس, وبذلك الوصف سينادي الحجر والشجر جند الله المؤمنين الذين سينازلون اليهود: (يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي وارئي تعال فاقتله)،وسبيل ذلك التربية المتوازنة على العقيدة الصافية التي لا تكدرها شائبة, من خرافة ومحدثة وشبهة،العقدية التي يريدها القرآن الكريم،وتريدها السنة الصحيحة أن نعتقدها بشمولها عبادة ونكساً،وولاءً وبراءً،شريعة وحكماً،دون تجزئة , أونسيان حظ مما ذكرنا به،كما قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) .
2. السعي الدؤوب لوحدة المسلمين على كلمة سواء من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والاعتصام بهما (واعتصموا بحل الله جميعاً ولا تفرقوا)،وأثبت الواقع أنه لم ولن تكون القومية العربية إطاراً يحقق الوحدة لأنها بناء قائم على جرفٍ هارٍ ودعوة مالها من الله من برهان ولا نصير،في حين اثبت الإسلام صلاحيته لتوحيد شعوب مترامية المسكن, مختلفة الأجناس, صهرهم في بوتقة واحدة, وصقلهم وهذب أخلاقهم وطباعهم،وأبدع بهم
__________
(1) - ابن عثيمين - 21 شعبان 1425هـ - 5 أكتوبر 2004 م- tp://links.islammemo.cc(1/244)
حضارة حكمت الشرق والغرب،وحقق لها شعور الانتماء الواحد , أكثر من الذي يشعر به أبناء البلد الواحد, واعتبر الإسلام هذه الرابطة أقوى وشيجة بقوله تعالى : (إنما المؤمنون إخوة) وقوله تعالى : (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) , وبمثل قوله عليه الصلاة والسلام: (أن آل أبى فلان ليسوا بأوليائي أن وليّ الله وصالح المؤمنين ولكن لهم رحم أبلها ببلالها) .
إن رابطة البنوّة فَصَمَتْ بين نوح عليه السلام وابنه عندما انعدمت رابطة الإيمان (إنه ليس من أهلك أنه عملٌ غيُر صالح) , كذلك رابطة الأبوة بين إبراهيم عليه السلام وأبيه فصمت لما انعدمت رابطة العقيدة (فلما تبين له أنه عدوٌ لله تبرأ منه أن إبراهيم لأواه حليم) . كذلك لم ينفع أبا لهب وهو العربي القرشي رابطةُ النسب والقوم،وكان من الهالكين لكفره, لكنّ بلالاً الحبشي, وصهيباً الرومي, وسلمان الفارسي كانوا من خير أبناء هذه الأمة, وهكذا ضمّت دائرة الإسلام العرب والفرس والأكراد والترك والبربر والهنود والصين والأفارقة وغيرهم, وجعلت منهم أمة واحدة من دون الناس كما قال عليه الصلاة والسلام, فكان لهم التاريخ الواحد, والمآثر الواحدة, والأفراح والأعياد الواحدة, ولغة الدين الواحدة،وسل التاريخ ينبئك!! فها هم أولئك المماليك الذين حموْا هذه البقعة من بلاد الشام وبيت المقدس لم يكونوا من جنس العرب،وإنما كانوا من جنس التتار،ولكنهم قاتلوا حميّة للإسلام،وحمى صلاح الدين هذه البلاد من اندثار العروبة والعرب واللغة العربية،وهو كردي لا عربي, ولكن حفظ لها عروبتها ولغتها حين حفظ لها إسلامها من غارة الصليبيين, وكان الإسلام في ضميره هو الذي كافح الصليبيين كما كان الإسلام في ضمير بيبرس والمظفر قطز .
لقد آن الأوان لننبذ كل تلك الطروح القومية والوطنية والاشتراكية والشيوعية والعلمانية وسواها من رايات الفشل والشقاق , ونتخذ راية الإسلام شعاراً لتوحيد الجهد والجهاد في سبيل الله (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) .
3. ما أشبه الليلة بالبارحة! فكما رزء المسلمون في القرن الخامس الهجري قبل فتح بيت المقدس بالحركات الباطنية كالعبيديين, والحشاشين, والنصيريين والدروز, فإننا اليوم(1/245)
مبتلون بهذه الحركات وغيرها مما لم يكن في الماضي كالقاديانية والبهائية, وإذا كان الإمامان نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي قد وفقا لإدراك خطر الدولة العبيدية على وحدة المسلمين ولم شعثهم،فإننا اليوم ينبغي أن نتصدى لهؤلاء بكل الوسائل الممكنة, ويجب أن نحذر من اعتبارهم في أي وحدة لانهم كالسوس ينخر من الداخل.
4. إن السبيل الأوحد في إدارة الصراع مع اليهود, لإخراجهم من بيت المقدس وفلسطين هو قتالهم في سبيل الله،وإن من أعظم صور الجهاد،وأروع ضروب الاستشهاد،ما يقوم به شباب الجهاد في فلسطين من عمليات فدائية،أفزعت اخوان القردة والخنازير،وأقضّت مضاجعهم،حتى أبلغت قلوبهم حناجرهم. ولما كانت هذه العميات الجهادية تستوجب وجود عنصر بشري لإحداث التفجير،بسبب إحكم العدو للتدابير الأمنية،سواءً بتدريع جسم المجاهد بالمتفجرات،أو باقتحام الثكنات بعربة ملغّمة،أو بالسقوط عليها بطائرة مفخخة. فإن جماهير العلماء في عصرنا الحاضر قد نصوا على جواز ومشروعية هذه العمليات الفدائية،لعموم نصوص الكتاب والسنة المحرّضة على قتال الكافرين،بُغية الإثخان في أعداء الله،والانتصار للدين،ومن ذلك قول الله تعالى : (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)،وقوله تعالى : (يقاتلون في سبيل الله فيَقتُلون ويُقتلون) وقرأ حمزة والكسائي وخلف بتقديم المفعول على الفاعل (فيُقتلون ويَقتُلون)،وقوله سبحانه: (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون)،وقوله عز وجل: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك)،ومن الأحاديث قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ثلاثة يُحبهم الله -ذكر منهم- الرجلُ يلقى العدو في فئةٍ فينصُبُ لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه)،وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (من خير معاش الناس لهم،رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله،يطير على متنه كلما سمع هيْعَةً أو فزعة طار عليه يبتغي القتلَ والموتَ مظانَّهُ)،ولحديث الغلام في قصة أصحاب الأخدود،وذلك أنَّه علَّم ملك نجران كيف يقتله،وأنه لا سبيل لهم إلى قتله إلا بالطريقة التي دلهم عليها،فكان متسبباً في قتل نفسه،من أجل دخول دخول أهل تلك البلاد في دين الله،وكان ما أراد،حيث قالوا جميعاً: آمنا بالله رب الغلام. ومن المعلوم بداهة أن قتل الأعداء من أعظم(1/246)
المخاطرة،لما في ذلك من تعريض النفس للتلف..
الجود بالمال جود فيه مكرمة *** والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وإذا كان أكثر أهل العلم قديماً قد ذهبوا إلى مشروعية الاقتحام على العدو،والانغماس في صفوفه،مع تحقُّق الهلاك،وضعف العدة،وقلة العدد،بقصد النكاية بالعدو،وكسر عنفوانه،وفلِّ شوكته،وتوهين قناته،فإن الصورة العصرية أيضاً مشروعة لذات المقصد والغاية. قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني ـ تلميذ الإمام أبي حنيفة ـ رحمهما الله: "لو حمل رجل واحد على ألف من المشركين وهو وحده فلا بأس بذلك،إذا كان يطمع في النجاة،أو نكاية في العدو. وإن كان قصده إرهاب العدو،وليعلم صلابة المسلمين في الدين،فلا يبعد جوازه. وإن كان فيه نفع للمسلمين فتَلِفتْ نفسه لإعزاز الدين،وتوهين الكفر،فهو المقام الشريف الذي مدح الله تعالى به المؤمنين بقوله تعالى : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)" .
وصحح أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم؛ لأربعة وجوهٍ: طلب الشهادة،ووجود النكاية،وتجرئة المسلمين عليهم،وضعف نفوسهم ليروا أن هذا صنع واحد فما ظنك بالجمع. ومن شواهد ذلك في السيرة: حمل سلمة بن الأكوع والأخرم الأسدي وأبي قتادة وحدهم رضي الله عنهم على عيينة بن حصن ومن معه،وقد أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (خير رَجّالتنا سلمة) . قال ابن النحاس: "وفي الحديث الصحيح الثابت أول دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده،وإن غلب علىظنه أنه يُقتل إذا كان مخلصاً في طب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي"،ومن المشهور أيضاً فعل البراء بن مالك في معركة اليمامة،فإنه احتُمِل في ترس على الرماح،وألقوه على العدو فقاتل حتى فتح الباب،ولم ينكر عليه أحد من الصحابة،ومن ذلك أيضاً قصة أنس بن النضر رضي الله عنه في وقعة أحد،فقد قال: "واهاً لريح الجنة"،ثم انغمس في المشركين حتى قُتل .
ولا ريب أن البون شاسع بين من قتل نفسه جزعاً من الحياة و تخلصاً من آلامها كما في قصة قُزمان الذي نحر نفسه فاستعجل الموت،أو ما يقع من حوادث انتحارية جراء المعيشة(1/247)
الضنك،وبين صورة ذلك الشاب المجاهد،الذي يقتل نفسه ليحيي أنفس الأجيال المسلمة من بعد ذلك (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) فحاشا لمثل هذه الصورة الفدائية المشرقة أن تكون مجرد حماسة فائرة،أو عزمة مفردة،أو تغريراً بأنفس متهورة في باطل فضلاً عن أن تكون انتحاراً أو قتلاً للنفس بغير حق. قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله: "إن التغرير في النفوس إنما جاز لما فيه من مصلحة إعزاز الدين بالنكاية في المشركين"،ونقل النووي الاتفاق على التغرير بالنفس في الجهاد .
وما دامت الجيوش الباسلة في بلاد المسلمين (مدجَّنةً) لا تحرك ساكناً إزاء غطرسة اليهود ومجازرهم،وحالها أنها (ملجّمة) من قِبل المخذِّلين والمنافقين،فلا سبيل إلى زعزعة هذا الكيان الجرثومي إلا بهاتيك العمليات الجهادية الفدائية،حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
أما مفاوضات الاستسلام, فإنها تزيد اليهود غطرسة وعدواناً, ولا تورثنا إلاّ ذلاً وهواناً, لأن مشكلة فلسطين والمسجد الأقصى, قضية إسلامية بحتة, وماهي بمشكلة العرب وحدهم.. أو الفلسطينيين وحدهم.. فليس من حق كائن من كان أن يساوم عليها*, فهي من شمالها إلى جنوبها بقدسها الشريف أرض إسلامية تنتظر المخلص الإسلامي المجاهد, وهذا واجب كل مسلم وهو في حق مسلمي فلسطين ومن جاورهم أوجب, وإن أخشى ما يخشى اليهود اليوم أن تستيقظ روح الإسلام في النفوس , وتنتشر روح الجهاد وحب الاستشهاد،كما صرخ طائرهم بن غوريون قائلاً: "نحن لا نخشى الاشتراكيات, ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة نحن نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلاً, وبدأ يتململ من جديد".
5. يجب أن ننزع من قلوبنا حب الدنيا والتهالك عليها, ونتعلق بالآخرة التي نعيمها هو النعيم السرمدي الباقي (ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزينّ الذي صبروا أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون) , وها هو ذا صلاح الدين في الماضي قد شمر عن ساعد الجد وترك اللهو, وتقمص بلباس الدين, وحفظ ناموس الشرع, فحمل هموم الإسلام والمسلمين, ولم يهدأله بال, ولم يذق طعم الراحة حتى لقي ربه, يصف صاحب كتاب(1/248)
(الروضتين في أخبار الدولتين) صلاح الدين وهو ينقل الحجارة بنفسه لعمارة سور القدس فيقول: (ولو رأيته وهو يحمل حجراً في حجره, لعلمت أن له قلباً قد حمل جبلاً في فكره)
سيُدرك النصر إن يأذن به صمد *** بعد امتحان بخير المال والولد
ودولة الظلم لن تبقى إلى أمد *** وهل تدوم ومادامت إلى أحد
ستشرق الشمس لا تجزع لغيبتها *** ويبزغ الفجر فوق السهل والنجد
وترجع القدس تزهو في مآذنها *** وعد الإله الكريم المنعم الصمد (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - المفصل في عوامل النصر والهزيمة - (1 / 1340)(1/249)
الذهاب للصلاة فيه وإسراجه
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ،قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ،قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو،سَمِعْتُهُ يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ ثَلَاثًا فَأَعْطَاهُ اثْنَيْنِ،وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَعْطَاهُ الثَّلَاثَ،سَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ،وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ،وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ،يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ " (1)
وعَنْ مَيْمُونَةَ،مَوْلَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهَا قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ:"ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ " وَكَانَتِ الْبِلَادُ إِذْ ذَاكَ حَرْبًا،" فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ،فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ " (2)
وعَنْ مَيْمُونَةَ،مَوْلَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ:"أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ،فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ " قُلْتُ:أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ:"فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ،فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ " (3)
وعَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ:أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ،ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ،فَإِنَّ صَلاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاةٍ،قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَأْتِيَهُ،أَوْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ:فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ،فَإِنَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ زَيْتًا،كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ " (4)
__________
(1) - شعب الإيمان - (6 / 59) (3877 ) صحيح
(2) - سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ (403 ) حسن
(3) - سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ (1410 ) حسن
(4) - الآحاد والمثاني - (5 / 592)(3448) حسن(1/250)
وعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ،عَنْ أَخِيهِ،أَنَّ مَيْمُونَةَ،مَوْلَاةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ:"أَرْضُ الْمَنْشَرِ،وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ " قَالَتْ:أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ:"فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ،فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ " (1)
وعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ،عَنْ أَخِيهِ،أَنَّ مَيْمُونَةَ - مَوْلَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ،ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ "،وَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يُطِقْ أَحَدُنَا أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ،قَالَ:"فَمَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ،فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ،فَإِنَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ " (2)
وعَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ:"هُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَأَرْضُ الْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ،فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ "،قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ:"مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَأْتِيَهُ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ،فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ زَيْتًا كَانَ كَمَنْ قَدْ أَتَاهُ " (3)
وعَنْ مَيْمُونَةَ،مَوْلَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ:"ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ " فَقَالَتْ:كَيْفَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُ الرُّومُ ؟ قَالَ:"فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ " (4)
وعَنْ مَيْمُونَةَ وَلَيْسَتْ مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهَا قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ،ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ،فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ " قَالَتْ:أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ أَوْ يَأْتِيَهُ،قَالَ:"فَإِنْ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ،فَمَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ " (5)
__________
(1) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (26997 ) ومسند الشاميين(471) حسن
(2) - مسْنَدُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (1983 ) حسن
(3) - مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ (6931 ) حسن
(4) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (335 ) حسن
(5) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (1920 ) والْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 19772 )حسن(1/251)
وعَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"مَنْ لَمْ يَأْتِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ يَصَلَّى فِيهِ فَلْيَبْعَثْ بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِيهِ " (1)
قلت:هو من طريق زياد بن أبي سودة وهو ثقة
ففي تقريب التهذيب(2082) زياد بن أبي سودة المقدسي أخو عثمان ثقة من الثالثة د ق
وفي الكاشف( 1693) زياد بن أبي سودة المقدسي عن عبادة بن الصامت وأبي هريرة وعنه معاوية بن صالح وسعيد بن عبد العزيز ذكره بن حبان في الثقات د ق
وهو يرويه عن أخيه عثمان بن أبى سودة وهو ثقة
وفي تقريب التهذيب( 4477 ) عثمان بن أبي سودة المقدسي ثقة من الثالثة بخ د ت ق
وفي الكاشف(3702 ) عثمان بن أبي سودة المقدسي عن أبي الدرداء وأبي هريرة وعنه أخوه زياد وثور بن يزيد والأوزاعي وقال أدرك عبادة وهو مولاه د ت ق
وفي الثقات لابن حبان(4338 ) عثمان بن أبى سودة أخو زياد بن أبي سودة سمع عبادة بن الصامت أبوهما مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص وأمهما مولاة لعبادة بن الصامت عداده في أهل بيت المقدس روى عنه زيد بن واقد وأهل الشام
فالحديث - على الأقل - حسن ولا حجة لمن ضعفه
وفي الموسوعة الفقهية :
" َيُسْتَحَبُّ فَرْشُ الْمَسَاجِدِ وَتَعْلِيقُ الْقَنَادِيل وَالْمَصَابِيحِ (2) ،وَيُقَال:أَوَّل مَنْ فَعَل ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ فِي صَلاَةِ التَّرَاوِيحِ،وَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتِمَاعَ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الصَّلاَةِ وَالْقَنَادِيل تُزْهِرُ وَكِتَابُ اللَّهِ يُتْلَى:قَال:نَوَّرْتَ مَسَاجِدَنَا،نَوَّرَ اللَّهُ قَبْرَكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ .. (3)
__________
(1) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ ( 4017 ) حسن
(2) - إعلام الساجد بأحكام المساجد ص340 .
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (37 / 205)(1/252)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:مِنْ عَلَامَةِ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ خَيْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَصِحَّةِ إِيمَانِهِمْ مَحَبَّتُهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - . (1)
- وقال -رحمه الله- بعد أن ساق آثاراً في اتباع علي بن أبي طالب في خلافته لسنن أبي بكر وعمر رضي الله عن الجميع:
"قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:هَذَا رَدٌّ عَلَى الرَّافِضَةِ الَّذِينَ خُطِئَ بِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ،وَأَسْخَنَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْيُنَهُمْ،وَنَسَبُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مَا قَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا يَنْحِلُونَهُ إِلَيْهِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَوْ عَلِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ لَرَدَّهُ،وَلَمْ يَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ،وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ،فَأَجْرَاهُ عَلَى مَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،وَكَذَا فَعَلَ عُمَرُ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ،وَكَذَا لَمَّا سَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ،وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهِ،أَحْيَا بِذَلِكَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّاهَا الصَّحَابَةُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ،وَصَلَّاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمَّا أَفَضْتِ الْخِلَافَةُ إِلَيْهِ،صَلَّاهَا وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ،وَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ:"نَوَّرَ اللَّهُ قَبْرَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ،كَمَا نَوَّرْتَ مَسَاجِدَنَا وَقَالَ:أَنَا أَشَرْتُ عَلَى عُمَرَ بِذَلِكَ "،وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الرَّافِضَةِ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ صَلَاتَهَا،خِلَافًا عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ " (2)
إن الله سبحانه وتعالى قد قرر في كتابه الكريم في صدر سورة الإسراء قراراً ربانياً بإسلامية بيت المقدس بصفة خاصة وفلسطين بصفة عامة،هذا القرار الرباني لا يقبل النقض ولا الاستئناف ولا التحريف ولا التبديل،وسيبقى هذا القرار نافذاً إن شاء الله إلى قيام الساعة،ونحن في هذه الأيام في هذه البلاد وما نرى ونشاهد من اعتداءات يومية على المقدسات الإسلامية في فلسطين لواجب أن نذكر ونتذاكر معاً ارتباط المسلمين الوثيق بهذه البلاد.
__________
(1) - الشريعة (3/21).
(2) - الشريعة (3/27)(1212) وموسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية - (5 / 233)(1/253)
من هذه الارتباطات الارتباط العقدي،ويتمثل ذلك جلياً في أمرين: الأول حادثة الإسراء والمعراج حيث إن الإسراء معجزة من المعجزات،والمعجزات في الشرع جزء من العقيدة الإسلامية فارتباط المسلمين بهذه البلاد هو ارتباط عقدي.
والثاني: أن بيت المقدس سيكون إن شاء الله أرض المحشر والمنشر للحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن ميمونة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس قال: ((أرض المحشر والمنشر،ائتوه فصلوا فيه)) هذا هو الارتباط العقدي لمليار ونصف مليار مسلم على وجه الكرة الأرضية لمسرى نبيهم وقبلتهم الأولى بالمسجد الأقصى المبارك الذي بارك الله حوله.
وأما الارتباط الثاني فهو الارتباط التعبدي،ويتجلى ذلك في أمور منها:
أولاً: أن المسجد الأقصى المبارك كان قبلة للمسلمين،استقبلوه في عهد النبي ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً على اختلاف الروايتين،واستقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة.
والأمر الثاني أن الركعة في المسجد الأقصى،وعندما نقول المسجد الأقصى المبارك لا نقصد المكان الذي نصلي فيه،بل يشمل هذا المكان والأقصى القديم والمرواني وقبة الصخرة وجميع الساحات والمحاريب والمصاطب،هذه المساحة التي تبلغ 144 دونماً،الركعة فيها بخمسمائة ركعة كما جاء في الحديث الصحيح.
ثالثاً: أن المسجد الأقصى المبارك هو أحد المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال كما أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن النبي أنه قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا)).
وأما الارتباط السياسي فقد كان الفتح الروحي بحادثة الإسراء والمعراج ثم كان الفتح السياسي في العام الخامس عشر للهجرة على يد أمير المؤمنين عمر حين استلم مفاتيحها من بطريرك الروم صفرونيوس،فعم الأمن والأمان والسلامة والإسلام هذه البلاد المباركة الطيبة.
وهناك الارتباط التاريخي حيث إن العرب سكنوا هذه البلاد منذ قرون طويلة.(1/254)
والارتباط الحضاري،فكل عمارة ومسجد تدل دلالة واضحة على صنع المسلمين من أقواس ومن محاريب للصلاة وغير ذلك في هذه البلاد المباركة. (1)
أيها المرابطون في بيت المقدس وأكنافها،لقد اختصكم الله بهذا الشرف العظيم،وحباكم الفضل الجزيل،بالرباط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس،لتكونوا طليعة أمتكم الإسلامية في المحافظة عليها أرضاً إسلامية عامرة بالإسلام والمسلمين،تقوم فيها منارات الهدى والهداية التي تشع من رحاب مسجدها الطاهر وأرضها المباركة.
هذا المسجد العظيم وبيت الله الكريم الذي تشد إليه الرحال وتشرئب إلى رؤياه أعناق الرجال،وقفت أمام عظمته وقدسيته مواكب الأبطال من الفاتحين والمحررين من أبناء أمتكم الذين أكرمهم الله بالجهاد والرباط في هذه الديار المباركة على امتداد التاريخ الإسلامي المشرق بالعز والنصر لإعلاء كلمة الله ورفع راية الحق التي بعثكم الله لإعلائها يوم اختار أمتكم خيرَ أمة أخرجت للناس،واصطفى نبيكم عليه الصلاة والسلام خاتماً للرسل والرسالات،فصلاة الله وسلامه على الهادي البشير والرحمة المهداة من الحق للخلق وَمَا أَرْسَلْنَـ?كَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـ?لَمِينَ [الأنبياء:107].
يا أبناء ديار الإسراء والمعراج،إنها القدس،القدس رمز عقيدتكم وعنوان عزتكم ومسرى ومعراج نبيكم عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلا،فهي بوابة الأرض إلى السماء ودرة الشام وقلب فلسطين،ومسجدها الأقصى المبارك،مقر الأنبياء واجتماعهم في الصلاة خلف نبيكم عليه وعليهم أفضل الصلاة والتسليم ليلة إسرائه إيذاناً بقيادته للبشرية،وقيامكم على هذا الإرث إلى يوم الدين،فماذا أنتم فاعلون؟
ومسجدكم المبارك ثاني مسجد في الأرض بعد بيت الله الحرام،وهو أولى القبلتين وثالث مسجد تشد إليه الرحال ويضاعف الله فيه ثواب الأعمال،
__________
(1) - موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني - (1 / 2434)-ارتباط المسلمين بالقدس-يوسف جمعة سلامة(1/255)
إنها القدس الطيبة المباركة،فهنيئاً لأهلها ومن نزل مرابطاً في أكنافها وتمسك بإعمارها وحافظ على عقاراتها وأرضها،ومنع تسريبها إلى السماسرة والمتاجرين بعزة الأمة وكرامة الوطن لقاء عرض زائل ومتاع قليل وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ?لْغُرُورِ [الحديد:20].
وأنتم يا أبناء أرض الإسراء والمعراج،يا من اختصكم الله أن تكونوا حلقة في سلسلة الرباط الممتدة في هذه الديار،كونوا على مستوى المسؤولية لتحمل الأمانة في المحافظة على القدس وأكنافها،وتخلقوا بأخلاق سلفكم الصالح من الفاتحين والمحررين الذين سكنوا في هذه الديار وجاوروا مسجدها الأقصى،وضم رفاتهم ترابها الطهور على أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً،وكما قال القائل:
كونوا بني قومي جميعاً إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
واعلموا أن النصر مع الصبر،وأن الفرج مع الكرب،وأن مع العسر يسراً،ولن يغلب عسر يسرين. (1)
لقد وصَف القرآنُ الكريم في كثيرٍ من آياتِه بيتَ المقدس ومسجدَه بالبَرَكة،وهي النّمَاء والزيادةُ في الخيرات،حيث قال سبحانه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1]،وقال تَعَالى: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:71]،وقال تَعالى: وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأعراف:137]. وفي قصّة سليمان عليه السّلام يقول سبحانَه وتعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأنبياء:81]،وقال تعالى على لسانِ موسى: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة:21]. وعند حديثِ القرآن عن رغَد عيشِ أهلِ سبَأ يقول سبحانه: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً [سبأ:18]،وهي قُرى بيتِ المقدس.
__________
(1) - موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني - (1 / 2743) -قبل أن يهدم الأقصى-محمد أحمد حسين(1/256)
وصَف القرآن أرضَها بالرَّبوَة ذاتِ الخصوبَةِ،وهي أحسن ما يكون فيه النَّبات،وماءَها بالمعين الجاري،قال تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون:50]،قال الضحاك وقتادة: "هو بيتُ المقدس".
وفي قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا [البقرة:114] قال كثير من المفسرين: "هو مسجد بيتِ المقدس". وقال تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا [الإسراء:7]،أجمَع المفسِّرون على أنَّ المسجدَ المذكورَ هنا هو المسجدُ الأقصى.
المسجد الأقصى هو ثاني مسجِدٍ بنِيَ في الأرض،...
بيت المقدس لا يدخُلُه الدجّال...
تُشَدّ الرحال إلى المسجِدِ الأقصى...
فقد بيّن النبيّ الارتباطَ الوثيق بين هذه المساجدِ،وهو مشروعيّة شدِّ الرحال إليها لقصدِ التعبُّد فيها؛ لأنها كلَّها مساجد الإسلامِ والمسلمين مهما اختلَفَت ديارهم،وتبايَنت ألوانهم،أو تباعدَت عصورهم،فأيّ مسلمٍ أراد أن يشدَّ رحلَه إلى أحدِ هذه المساجد كان ذلك حقًّا له.
وحديث شدِّ الرحال يدلّ على الاهتمام الذي أولاه الرسولُ للأقصى المبارك،وربَطَ قيمتَه وبركته مع قيمةِ وبركةِ هذين المسجدَين الشريفين،ودلَّ أنه جعل هذه الثلاثةَ مساجد متقارِبةً في الفضل متنافِسَة في الأجر...
إتيانُ المسجد الأقصى بقصدِ الصلاة فيه يكفِّر الذنوب ويحُطّ الخطايا...
بشَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بفتحِ بيت المقدس،ومِن مؤيِّداتِ هذه البشارةِ حديثُ عوفِ بنِ مالك عن النبيِّ قال: ((اعدُد ستًّا بين يدي الساعة: موتِي ثمّ فتح بيت المقدِس)) رواه البخاري
القدسُ حاضِرَة الخلافة الإسلاميّة في آخر الزمان....
إنَّ شأنَ القدس شأنُ المسلمين كلِّهم بنصِّ كتابِ الله وسنّة رسولِه،لِكلِّ مسلمٍ حقّ في تلك الأرض المباركة،يقابِلُه واجبُ النُّصرة بكلِّ صوَرِه،فالحجّة تبقى قائمةً مع الحقِّ وأهله،وعلى الظلمِ وأهلِه إلى يوم الدين.(1/257)
جمَع الله تعالى لنبيِّنا الأنبياءَ عامّة،وأنبياء بني إسرائيلَ خاصّة؛ حتى يسلِّموا له بالنبوّة،وفاءً لما عاهدوا الله تعالى عليه،كما أشار إلى ذلك قولُه سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81].
اقتَرَن المسجد الأقصى بالمسجدِ الحرام في قِبلَةِ التعبُّد للرحمن،وذلك في مسألةِ التوجُّه شطرَه في الصلاة،فقد كان المسجدُ الأقصى قبلةَ الأنبياء السابقين،فما مِن نبيٍّ إلاّ وأعلَنَ أنَّ دينَه الإسلام وإن اختَلَفتِ الشرائع بينهم،وقد كان على سَنَن الأنبياءِ قَبلَه: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90].
وكان من اقتدائه بهم أن يتوجَّهَ إلى البيتِ المقدس في صلاتِه اتِّباعًا لشرعِ الله. ظلَّ على ذلك مدَّةَ نبوَّتِه في مكّة،وهو يرَى الكعبةَ أمامَه،ويطمع في التوجُّه إليها،ولا يسَعُه ذلك لعدمِ شرعِ الله تعالى له،حتّى نزل قوله تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ [البقرة:144]. ولعلَّ في استقبالِ بيتِ المقدس أوّلاً ثمّ تحويله إلى بَيتِ الله الحَرَام تنبِيهَ المسلمِين إلى ما يجِبُ عليهم القِيامُ به نحوَ بيت المقدِس مِنَ الحِفاظِ عليه من أن يُدَنَّسَ برجسِ الوثنيّة أو المعاصِي السيّئة،ولِتبقَى القدس خالدةً في أذهان المسلمين حتى لا تنسَى ما بقِي فيهم القرآن الكريم وما بقيت قلوبهم عامرةً بالإيمان،وليبقَى هذا الحديثُ في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا مِن خلفِه.
لقد مكَّن الله تعالى للمسلمين فتحَ بيت المقدس في الصَّدرِ الأوّل من الإسلام،أقاموا فيه الصلاةَ،وأمروا بالمعروف،ونهوا عن المنكر،وثبَت دين الله تعالى في الأرض،وما زال والحمدُ لله تعالى كذلك وإن قام الطغيان فيه وصال وجال ردحًا من الزمن،فإنّه لا بدَ زائل كما أذِن الله تعالى بذَلك في قوله: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا [الإسراء:5،6].(1/258)
هذا البيتُ المقدَّس الأقصى بقِي وسيبقى على الرّغم من المِحَن التي عصَفَت وتعصِف بالمسلمين حصنَ الإسلامِ معقِلَ الإيمان إلى قيامِ الساعة،..... (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني - (1 / 3989)-فضل بيت المقدس-عبد الباري بن عوض الثبيتي و موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني - (1 / 5066) -القدس أمانة-عبد الباري بن عوض الثبيتي(1/259)
نزول الخلافة ببيت المقدس
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْكَلْبِيِّ،عَنْ شَيْخٍ،حَدَّثَهُمْ زَمَنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ،أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ عَلَّامَةٌ،قَالَ:"تَنْزِلُ الْخِلَافَةُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ،تَكُونُ بَيْعَةَ هُدًى،يَحِلُّ لِمَنْ بَايَعَهُ بِهَا نِسَاؤُهُمْ،يَقُولُ:لَا يَأْخُذُ عَلَيْهِمْ بِطَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ " (1)
وعن يُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ بنِ حَلْبَسٍ الجُبْلاَنِيِّ قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمِيرَة الْمُزَنِيَّ يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَيْعَةُ هُدًى " (2)
قلت:سيكون هذا بزمن المهدي
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1044 ) فيه جهالة
(2) - الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ (9254 ) وأخرجه ابن عساكر (35/231) فيه جهالة(1/260)
بيتُ المقدس لا يدخُلُه الدجّال
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:كُنَّا سِتَّ سِنِينَ عَلَيْنَا جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَامَ فَخَطَبَنَا فَقَالَ:أَتَيْنَا رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا:حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَلاَ تُحَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّاسِ،فَشَدَّدْنَا عَلَيْهِ،فَقَالَ:قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِينَا فَقَالَ:أَنْذَرْتُكُمُ الْمَسِيحَ وَهُوَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ،قَالَ:أَحْسِبُهُ قَالَ الْيُسْرَى،يَسِيرُ مَعَهُ جِبَالُ الْخُبْزِ وَأَنْهَارُ الْمَاءِ،عَلاَمَتُهُ يَمْكُثُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا،يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ كُلَّ مَنْهَلٍ،لاَ يَأْتِي أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ:الْكَعْبَةَ،وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ،وَالْمَسْجِدَ الأَقْصَى،وَالطُّورَ،وَمَهْمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ،قَالَ ابْنُ عَوْنٍ وَأَحْسِبُهُ قَدْ قَالَ،يُسَلَّطُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ،ثُمَّ يُحْيِيهِ،وَلاَ يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهِ." (1)
هذا الحديث لا يتعارض ولا إشكال مع ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في أن الدجال لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة ...الحديث.
ففي هذا الحديث ـ زيادة ـ تخصيص للمساجد التي لا يدخلها الدجال،فالدجال أعاذنا الله منه ووقانا فتنته،وإن دخل طور سيناء وبيت المقدس فإنه لا يدخل مسجديهما،وكونه أنه لا يطأ مكة والمدينة يعني من باب أولى انه لا يدخل مسجديهما. (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 653)(23090) 23478- صحيح
(2) - إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى - (1 / 123)(1/261)
الصلاة حيث صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ،وَأَبِي مَرْيَمَ،وَأَبِي شُعَيْبٍ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ بِالْجَابِيَةِ،فَذَكَرَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قَالَ:قَالَ أَبُو سَلَمَةَ:فَحَدَّثَنِي أَبُو سِنَانٍ،عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ،قَالَ:سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِكَعْبٍ:أَيْنَ تُرَى أَنْ أُصَلِّيَ ؟ فَقَالَ:إِنْ أَخَذْتَ عَنِّي صَلَّيْتَ خَلْفَ الصَّخْرَةِ،فَكَانَتِ الْقُدْسُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيْكَ،فَقَالَ عُمَرُ ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ،لَا،وَلَكِنْ " أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَصَلَّى " ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ فَكَنَسَ الْكُنَاسَةَ فِي رِدَائِهِ وَكَنَسَ النَّاسُ " (1)
وعَنِ الْهَيْثَمِ،أَنَّ عِمْرَانَ الْعَبْسِيَّ قَالَ:سَمِعْتُ جَدِّيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ،يَقُولُ:لَمَّا وَلِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ زَارَ أَهْلَ الشَّامِ،فَنَزَلَ الْجَابِيَةَ وَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ جَدِيلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَافْتَتَحَهَا صُلْحًا،ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ وَمَعَهُ كَعْبٌ فَقَالَ:يَا أَبَا إِسْحَاقَ أَتَعْرِفُ مَوْضِعَ الصَّخْرَةِ ؟ فَقَالَ:أَذْرُعٍ مِنَ الْحَائِطِ الَّذِي يَلِي وَادِي جَهَنَّمَ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا،ثُمَّ احْفِرْ فَإِنَّكَ تَجِدُهَا قَالَ:وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مَزْبَلَةٌ قَالَ:فَحَفَرُوا فَظَهَرَتْ لَهُمْ فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ:"أَيْنَ تَرَى أَنْ نَجْعَلَ الْمَسْجِدَ "،أَوْ قَالَ:"الْقِبْلَةَ ؟ " فَقَالَ:"اجْعَلْهُ خَلْفَ الصَّخْرَةِ،فَتَجْمَعَ الْقِبْلَتَيْنِ،قِبْلَةَ مُوسَى،وَقِبْلَةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - " فَقَالَ:"ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ،خَيْرُ الْمَسَاجِدِ مُقَدَّمُهَا " قَالَ:فَبَنَاهَا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ " (2)
وقال ابن تيمية: " إِنَّ " الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى " اسْمٌ لِجَمِيعِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ يُسَمِّي الْأَقْصَى الْمُصَلَّى الَّذِي بَنَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُقَدِّمِهِ وَالصَّلَاةُ فِي هَذَا الْمُصَلَّى الَّذِي بَنَاهُ عُمَرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسْجِدِ ؛ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا رفَتَحَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَكَانَ عَلَى الصَّخْرَةِ زُبَالَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ النَّصَارَى كَانُوا يَقْصِدُونَ إهَانَتَهَا مُقَابَلَةً لِلْيَهُودِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ إلَيْهَا فَأَمَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْهَا ،وَقَالَ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ:أَيْنَ تَرَى أَنْ نَبْنِيَ مُصَلَّى
__________
(1) - الأحاديث المختارة للضياء - (1 / 158)(241) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 156)(261) حسن
(2) - الْأَمْوَالُ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (384 ) والْأَمْوَالُ لِابْنِ زَنْجُوَيْهِ (507 ) فيه جهالة(1/262)
الْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ:خَلْفَ الصَّخْرَةِ فَقَالَ:يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ خَالَطَتْك يَهُودِيَّةٌ بَلْ أَبْنِيهِ أَمَامَهَا . فَإِنَّ لَنَا صُدُورَ الْمَسَاجِدِ " .
وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْأُمَّةِ إذَا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ قَصَدُوا الصَّلَاةَ فِي الْمُصَلَّى الَّذِي بَنَاهُ عُمَرُ ،وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى فِي مِحْرَابِ دَاوُد . وَأَمَّا " الصَّخْرَةُ " فَلَمْ يُصَلِّ عِنْدَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا الصَّحَابَةُ وَلَا كَانَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَلَيْهَا قُبَّةٌ بَلْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَمَرْوَانَ ؛ وَلَكِنْ لَمَّا تَوَلَّى ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الشَّامَ وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْفِتْنَةُ كَانَ النَّاسُ يَحُجُّونَ فَيَجْتَمِعُونَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَأَرَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يَصْرِفَ النَّاسَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَبَنَى الْقُبَّةَ عَلَى الصَّخْرَةِ وَكَسَاهَا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لِيُرَغِّبَ النَّاسَ فِي " زِيَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " وَيَشْتَغِلُوا بِذَلِكَ عَنْ اجْتِمَاعِهِمْ بِابْنِ الزُّبَيْرِ ,وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ مَنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ فَلَمْ يَكُونُوا يُعَظِّمُونَ الصَّخْرَةَ فَإِنَّهَا قِبْلَةٌ مَنْسُوخَةٌ كَمَا أَنَّ يَوْمَ السَّبْتِ كَانَ عِيدًا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ نُسِخَ فِي شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِيَوْمِ الْجُمْعَةِ فَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَخُصُّوا يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ بِعِبَادَةِ كَمَا تَفْعَلُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَكَذَلِكَ الصَّخْرَةُ إنَّمَا يُعَظِّمُهَا الْيَهُودُ وَبَعْضُ النَّصَارَى ." (1)
وهذا موقف آخر جليل وعظيم من مواقف أمير المؤمنين التي لا تحصى،والتي برهن فيها عملياً على أن الإسلام يحترم جميع الرسالات السماوية ويجعل كل المقدسات محترمة ولا يختصر شيئاً منها،إن هذه الصخرة التي أزال عنها عمر التراب والأوساخ بيده وحملها في قبائه لينفيها عنها هي قبلة اليهود والصخرة المعظمة عندهم التي كلم الله عليها يعقوب عليه السلام كما يعتقدون،فكما كان موقف عمر من النصارى رائعاً وجليلاً حين منحهم حرية الاعتقاد وأمنهم على صلبانهم وكنائسهم لم يضن على اليهود مع ما ارتكبوه في حق المسلمين من الجرائم بمثل هذا الموقف الرائع الجليل،حيث رفع التراب عن الصخرة،وأظهر عنايته بها وحرصه على احترامها." (2)
__________
(1) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (27 / 11)
(2) - أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - (1 / 488)(1/263)
وقد ذكر ابن كثير وغيره أن أول من بناه يعقوب عليه السلام،ثم جُدِّد بناؤه في زمن سليمان عليه السلام،وقد بناه سليمان على قاعدة سداسية الشكل،ويقال إن هذا هو أصل اتخاذ اليهود للنجمة السداسية شعاراً لهم.
والمعروف تاريخياً أن ذلك المعبد قد دمر مرتين،المرة الأولى على يد الملك البابلي "بختنصر" عام (587 قبل الميلاد)،والمرة الثانية عام (70ميلادي) على يد الإمبراطور الروماني "طيطس"،حيث دمره تدميراً كاملاً،ولم يبق منه إلا جزء من السور في الجهة الجنوبية الغربية لساحة المعبد،وقد جاء ذكر التدميرين (الأول والثاني) في القرآن الكريم في أول سورة الإسراء.
وظل مكان الهيكل فضاءً خالياً من أي بناء بقية عهد الرومان النصاري.
وقد حدث الإسراء والمعراج بالنبي صلى -الله عليه وسلم- في عهد الحاكم الروماني "هرقل" عام (621ميلادي) وكان المكان ما زال خالياً من أي بناء،إلا أنه محاط بسور،وهو الذي رُبط فيه (البراق) في ليلة الإسراء والمعراج،وهو نفسه السور الذي تسميه اليهود اليوم بـ (حائط المبكى)،وفيه أبواب داخله ساحات واسعة هي المقصودة بالمسجد الأقصى في قوله -تعالى-: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" [الإسراء:1]. وقد ظل المكان معروفاً مقدساً في داخله الصخرة رغم زوال الآثار.
ثم جاء الفتح الإسلامي لبيت المقدس صلحاً في عهد عمر -رضي الله عنه- سنة (16هـ/ 637)،وطلب عمر -رضي الله عنه- من أحد بطريرك القدس أن يدله على مسجد داود (يعني المسجد الأقصى)،فانطلق به حتى انتهى إلى مكان الباب،وقد انحدر الزبل على درج الباب،فتجشم عمر -رضي الله عنه- حتى دخل ونظر،فقال: الله أكبر،هذا والذي نفسي بيده مسجد داود الذي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أسري به إليه،ثم أخذ عمر -رضي الله عنه- والمسلمون يكنسون الزبل عن الصخرة حتى ظهرت كلها... ففي مسند الأمام أحمد (261) بسند حسن عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ،وَأَبِي مَرْيَمَ،وَأَبِي شُعَيْبٍ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ بِالْجَابِيَةِ،فَذَكَرَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قَالَ:قَالَ أَبُو سَلَمَةَ:فَحَدَّثَنِي أَبُو سِنَانٍ،عَنْ عُبَيْدِ بْنِ(1/264)
آدَمَ،قَالَ:سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِكَعْبٍ:أَيْنَ تُرَى أَنْ أُصَلِّيَ ؟ فَقَالَ:إِنْ أَخَذْتَ عَنِّي صَلَّيْتَ خَلْفَ الصَّخْرَةِ،فَكَانَتِ الْقُدْسُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيْكَ،فَقَالَ عُمَرُ ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ،لاَ،وَلَكِنْ أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ فَكَنَسَ الْكُنَاسَةَ فِي رِدَائِهِ وَكَنَسَ النَّاسُ.
وبقي المسجد الأقصى على حالته بعد الفتح الإسلامي،إلى أن جاء الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان فبدأ بناء المسجد الأقصى سنة (66هـ) على صورته القائمة اليوم.
وأما الصخرة فأول من بنى فوقها مسجداً في العصر الإسلامي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/684-705م)،حيث بدأ العمل في بنائها سنة (66هـ/ 685م)،وتم الفراغ منها سنة (72هـ/691م)،وصرف على بنائها خراج مصر لسبع سنين،وهذه القبة مبنية على الصخرة المشرفة التي عرج عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة الإسراء والمعراج،وهذا المسجد معروف بمسجد الصخرة،والمشهور بقبته الذهبية على المبنى المثمن.
وتعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية.
والمسجد الأقصى كما هو معلوم له فضائل،فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال،وهو الذي أُسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - منه... (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (13 / 480) -أيهما بُني أولاً: المسجد الأقصى أم قبة الصخرة؟ -المجيب د. محمد بن عبد الله القناص(1/265)
العمرة أفضل أم زيارة بيت المقدس ؟
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:إِنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِتْيَانِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ:"اذْهَبْ فَتَجَهَّزْ،فَإِذَا فَرَغْتَ فَآذِنِّي "،فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ فَآذَنَهُ،فَقَالَ:"اجْعَلْهَا عُمْرَةً " (1)
وعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:بَيْنَا عُمَرُ فِي نَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ مَرَّ بِهِ رَجُلَانِ،فَقَالَ:"مِنْ أَيْنَ جِئْتُمَا ؟ " قَالَا:مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَعَلَاهُمَا ضَرْبًا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ:"حَجٌّ كَحَجِّ الْبَيْتِ ؟ " قَالَا:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،إِنَّا جِئْنَا مِنْ أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَمَرَرْنَا بِهِ،فَصَلَّيْنَا فِيهِ،فَقَالَ:"كَذَلِكَ إِذًا فَتَرَكَهُمَا " (2)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،قَالَ:اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِتْيَانِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ لَهُ:"اذْهَبْ فَتَجَهَّزْ،فَإِذَا تَجَهَّزْتَ فَأَعْلِمْنِي "،فَلَمَّا تَجَهَّزَ جَاءَهُ،فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:"اجْعَلْهَا عُمْرَةً "،قَالَ:وَمَرَّ بِهِ رَجُلَانِ وَهُوَ يَعْرِضُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ،فَقَالَ لَهُمَا:مِنْ أَيْنَ جِئْتُمَا ؟ فَقَالَ:مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،قَالَ:فَعَلَاهُمَا بِالدِّرَّةِ،وَقَالَ:"أَحَجٌّ كَحَجِّ الْبَيْتِ ؟ " قَالَا:إِنَّمَا كُنَّا مُجْتَازَيْنِ (3)
وعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:بَيْنَا عُمَرُ فِي نَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ مَرَّ بِهِ رَجُلَانِ،فَقَالَ:"مِنْ أَيْنَ جِئْتُمَا ؟ " قَالَا:مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَعَلَاهُمَا ضَرْبًا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ:"حَجٌّ كَحَجِّ الْبَيْتِ ؟ " قَالَا:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،إِنَّا جِئْنَا مِنْ أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَمَرَرْنَا بِهِ،فَصَلَّيْنَا فِيهِ،فَقَالَ:"كَذَلِكَ إِذًا فَتَرَكَهُمَا " (4)
قَال الْقَرَافِيُّ:وَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَيْفَ صَحَّ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ إِذَا كَانَ
__________
(1) - أَخْبَارُ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ (1150 ) صحيح
(2) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (8898 ) صحيح
(3) - أَخْبَارُ مَكَّةَ لِلْأَزْرَقِيِّ (660 ) وأَخْبَارُ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ ( 1153)صحيح
(4) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (8898 ) صحيح(1/266)
مُقِيمًا بِهِمَا وَلاَ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ،وَغَايَتُهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَفْضُول لِفِعْل الْفَاضِل وَالْقَاعِدَةُ مَنْعُ ذَلِكَ،فَكَيْفَ سَاغَ ذَلِكَ هُنَا ؟
قَال الْقَرَافِيُّ:ظَاهِرُ كَلاَمِ الأَْصْحَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالْحَرَمَيْنِ إِذَا كَانَ مُقِيمًا بِهِمَا حَالَةَ النَّذْرِ ؛ لأَِنَّهُ حِينَئِذٍ نَذَرَ الْخُرُوجَ وَتَرَكَ الصَّلاَةَ فِي الْحَرَمَيْنِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَدْ نَذَرَ الْمَرْجُوحَ،وَالنَّذْرُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَرْجُوحِ،بَل فِي الْمَنْدُوبِ الرَّاجِحِ،أَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ الْمَوَاضِعِ الثَّلاَثَةِ مِنْ أَقْطَارِ الدُّنْيَا وَنَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ وَجْهًا آخَرَ فَقَال :
أَوْ يُقَال:الصَّلاَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلاَةٌ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ،فَالْعُدُول فِيهَا عَنِ الصِّفَةِ الدُّنْيَا إِلَى الصِّفَةِ الْعُلْيَا لاَ يَقْدَحُ فِي مُوجِبِ النَّذْرِ،أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ خَلِقٍ أَوْ غَلِيظٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لاَ تَتَضَمَّنُ مَصْلَحَةً بَل هِيَ مَرْجُوحَةٌ فِي الثِّيَابِ،فَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ جَدِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ بِالصِّفَاتِ الْجَيِّدَةِ،فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ . . . فَإِنَّ النَّذْرَ لَمَّا وَرَدَ عَلَى الثَّوْبِ الْخَلِقِ وَرَدَ عَلَى شَيْئَيْنِ:أَحَدُهُمَا:أَصْل الثَّوْبِ،وَالآْخَرُ صِفَتُهُ،فَأَمَّا التَّصَدُّقُ فِي أَصْل الثَّوْبِ فَقُرْبَةٌ فَتَجِبُ،وَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِوَصْفِ الْخَلِقِ فَلَيْسَ فِيهِ نَدْبٌ شَرْعِيٌّ،فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ النَّذْرُ،فَيُجْزِئُ ضِدُّهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا نَذَرَ الصَّلاَةَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَدْ نَذَرَ الصَّلاَةَ مَوْصُوفَةً بِخَمْسِمِائَةِ صَلاَةٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ،وَهَذِهِ الْخَمْسُمِائَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا فِي الْحَرَمَيْنِ مَعَ زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى لِلْحَدِيثِ فَكُل مَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْل الصَّلاَةِ وَزِيَادَةِ أَجْرِهَا،وَلَمْ يَفْتَرِقَا إِلاَّ فِي زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى تَحْصُل لَهُ فِي الْحَرَمَيْنِ،وَتَرْكُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ،فَلاَ جَرَمَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا نَذْرٌ،وَيَكُونُ وِزَانُ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ فَتَصَدَّقَ بِثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ إِجْمَاعًا،وَلاَ يَكُونُ وِزَانُهُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَصَلَّى؛لأَِنَّ خُصُوصَ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ،وَلَمْ يَحْصُل هَذَا الْخُصُوصُ فِي الصَّلاَةِ كَمَا حَصَل خُصُوصُ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الأَْلْفِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ الْبَتَّةَ (1) .
__________
(1) - الْفُرُوق 3 / 89 - 91 .(1/267)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إِذَا قُدِّرَ بِشَيْءٍ فَعَدَل إِلَى مَا فَوْقَهُ فَهَل يُجْزِئُ ؟ فَقَالُوا:إِنَّهُ إِنْ كَانَ مِمَّا يَجْمَعُهُمَا نَوْعٌ وَاحِدٌ أَجْزَأَ،وَإِلاَّ فَلاَ،وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ :
أَحَدُهَا:مَا يُجْزِئُ قَطْعًا كَمَا لَوْ وَجَبَتْ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنَ الإِْبِل فَدَفَعَ بَعِيرًا مَعَ أَنَّ وَاجِبَهَا شَاةٌ،وَإِذَا ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً بَدَل الشَّاةِ،وَإِذَا مَسَحَ الْمُتَوَضِّئُ جَمِيعَ الرَّأْسِ،وَإِذَا أَطَال السُّجُودَ وَالرُّكُوعَ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَل يَقَعُ الزَّائِدُ كُلُّهُ فَرْضًا أَمْ يَقَعُ الزَّائِدُ نَفْلاً ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ،فَصَحَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَا لاَ يُمْكِنُ فِيهِ التَّمْيِيزُ كَبَعِيرِ الزَّكَاةِ أَنَّ الْكُل يَقَعُ فَرْضًا . وَمَا أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ فِيهِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ يَقَعُ الْبَعْضُ فَرْضًا وَالزَّائِدُ عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ نَفْلاً (1) .
وَمِنْهُ:قِيَامُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَقَامَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالأَْقْصَى عِنْدَ نَذْرِهِمَا لِلاِعْتِكَافِ ؛ لأَِنَّهُ أَفْضَل مِنْهُمَا وَلاَ عَكْسَ ؛ لأَِنَّهُمَا مَفْضُولاَنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ .
وَقِيَامُ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الأَْقْصَى .
الثَّانِي:مَا يُجْزِئُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ كَمَا إِذَا وَجَبَ فِي الْفِطْرَةِ قُوتُ نَفْسِهِ أَوْ قُوتُ الْبَلَدِ فَعَدَل إِلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَ فِي الأَْصَحِّ ؛ لأَِنَّهُ زَادَ خَيْرًا (2) .
وَمِنْهَا لَوِ اغْتَسَل الْمُحْدِثُ نَاوِيًا رَفْعَ الْجَنَابَةِ سَوَاءٌ أَنَوَى الْوُضُوءَ مَعَهُ أَمْ لاَ ؟ لاِنْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْل،وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ لاَ يَكْفِي وَإِنْ نَوَى مَعَهُ الْوُضُوءَ (3) .
وَمِنْهَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ مُدَّةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَجْزَأَ التَّتَابُعُ فِي الأَْصَحِّ ؛ لأَِنَّهُ أَفْضَل .
الثَّالِثُ:مَا لاَ يُجْزِئُ قَطْعًا،كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ بِدِينَارٍ،وَكَذَا مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ،فَأَخْرَجَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً لَمْ يُجْزِئْهُ ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الصُّورَةِ (4) .
__________
(1) - مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 370 ، المنثور لِلزَّرْكَشِيّ 3 / 318 .
(2) - مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 406 ، والمنثور 3 / 318 .
(3) - مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 72 .
(4) - الْمَنْثُور 3 / 319 ، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 525 .(1/268)
الرَّابِعُ:مَا لاَ يُجْزِئُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ حِينِ الإِْحْرَامِ،وَإِنْ قُلْنَا:إِنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَل فِي الْحَجِّ ؛ لأَِنَّ الْمَشْيَ وَالرُّكُوبَ نَوْعَانِ فَلاَ يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الآْخَرِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الأَْفْضَل .
كَمَا لاَ تُجْزِئُ الصَّدَقَةُ بِالذَّهَبِ عَنِ الْفِضَّةِ،وَمِثْلُهُ لَوْ نَذَرَ الإِْحْرَامَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَزِمَهُ فِي الأَْصَحِّ وَإِنْ قُلْنَا:الإِْحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَل (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْمَنْثُور 3 / 319 - 320 والموسوعة الفقهية الكويتية - (42 / 338)(1/269)
فضل السكنى ببيت المقدس
عَنْ ذِي الْأَصَابِعِ قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنْ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ أَيْنَ تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ:"عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ " (1)
وعَنْ ذِي الْأَصَابِعِ،أَنَّهُ قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِ ابْتُلِينَا بِالْبَقَاءِ بَعْدَكَ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَقَالَ:"عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكَ ذُرِّيَّةً تَغْدُو إِلَيْهِ وَتَرُوحُ " (2)
وعَنْ ذِي الْأَصَابِعِ،قَالَ:قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ أَيْنَ تَأْمُرُنَا ؟،قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكُمْ ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ،وَيَرُوحُونَ " (3)
وعَنْ ذِي الْأَصَابِعِ قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنِ ابْتُلِينَا بِالْبَقَاءِ بَعْدَكَ،فَأَيْنَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَنْزِلَ ؟ قَالَ:"انْزِلْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكَ ذُرِّيَّةً يَعْمُرُونَ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ،يَغْدُونَ إِلَيْهِ وَيَرُوحُونَ " (4)
وعَنْ ذِي الْأَصَابِعِ،قَالَ:قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنِ ابْتُلِينَا بِالْبَقَاءِ بَعْدَكَ فَأَيْنَ تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ:فَعَلَيْكُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَعَلَّهُ يُولَدُ لَكَ بِهَا ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ " (5)
وعَنْ ذِي الْأَصَابِعِ،أَنَّهُ قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَرَأَيْتَ إِنِ ابْتُلِينَا بِالْبَقَاءِ بَعْدَكَ فَأَيْنَ تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ:"عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكَ ذُرِّيَّةً تَغْدُو إِلَيْهِ وَتَرُوحُ " (6)
وعَنْ ذِي الْأَصَابِعِ،رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَرَأَيْتَ إِنِ ابْتُلِينَا بِالْبَقَاءِ بَعْدَكَ،أَيْنَ تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ:"عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَعَلَّهُ أَنْ تَنْشَأَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ " (7)
__________
(1) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ( 16385 ) والإصابة في معرفة الصحابة - (1 / 335) فيه ضعف
(2) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (4118 ) فيه ضعف
(3) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (4119 ) فيه ضعف
(4) - الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سعد (9271 ) فيه ضعف
(5) - مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (2331 ) فيه ضعف
(6) - مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ ( 2330 ) فيه ضعف
(7) - الْمُنْتَقَى مِنْ كِتَابِ الطَّبَقَاتِ لِأَبِي عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيِّ (5 ) فيه ضعف(1/270)
الابتلاء:الاختبار والامتخان بالخير أو الشر - الذُّرِّية:اسمٌ يَجْمعُ نَسل الإنسان من ذَكَرٍ وأنَثَى وقد تطلق على الزوجة - الغدو:السير والذهاب والتبكير أول النهار
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّهُمَا أَفْضَلُ:مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ،وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى،وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ لَا يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا - أَوْ قَالَ:خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا - " (1)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:تَذَاكَرْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّمَا أَفْضَلُ:مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ،وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى،وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ سِيَةِ قَوْسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرًا لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " (2)
وعَنْ مَيْمُونَةَ،وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَفْتِنَا عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ،ائْتُوهُ وَصَلُّوا فِيهِ،فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ " قَالَتْ:أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ أَنْ يَأْتِيَهُ ؟ قَالَ:"فَإِنْ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ،فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ،فَمَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ " (3)
نقل ابن حجر في الفتح (3-68) عن الطحاوي وغيره: أن تضعيف الصلاة مختص بالفرائض لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أفضل صلاة المرء في بيته إلاَّ المكتوبة ). ثم إن التضعيف المذكور يرجع الى الثواب ولا يتعدى الإجزاء باتفاق العلماء كما نقله النووي وغيره،فلو كان عليه صلاتان فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تجزه إلا عن واحدة والله أعلم.
وهذا الحديث من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - ،أن يتمنى المرء المسلم أن يكون له من الأرض هذا القدر الصغير حتى يرى منه بيت المقدس.
__________
(1) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ ( 8695 ) صحيح
(2) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (8465 ) صحيح
(3) - مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ ( 7191 ) حسن(1/271)
قال الدكتور محمد طاهر مالك في تحقيقه مشيخة ابن طهمان: ومن المؤسف أن وقائع الأحداث تشير إلى أننا في طريق تحقيق هذا الحديث الذي هو من دلائل النبوة،وأن مؤامرات الأعداء على المسجد الأقصى وبيت المقدس ستستمر وتتصاعد وتشتد لدرجة أن يتمنى المسلم أن يكون له موضع صغير يطل منه على بيت المقدس أو يراه منه،ويكون ذلك عنده أحب إليه من الدنيا جميعا،ولا شك أن يكون بعد ذلك الفرج والنصر إن شاء الله،ولله الأمر من قبل ومن بعد والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.أ.هـ (1)
فعلى أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس أن يشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى وأن يحرص كل من يستطيع منهم الوصول إلى المسجد الأقصى أن يصلي فيه دائماً الصلوات الخمس وصلاة الجمعة إن استطاع إلى ذلك سبيلاً ،وأما ما يفعله بعض الناس في أيام الجمعة كما ذكر السائل حيث إنهم يقصدون مسجداً من مساجد ضواحي بيت المقدس فيصلون الجمعة فيه وحجتهم في ذلك أنهم يأخذون علماً من خطيب ذلك المسجد فهذا كما قال الله تعالى: { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } سورة البقرة الآية 61،وخاصة إن فعله من هم بجوار المسجد الأقصى فيتركون الصلاة في المسجد الأقصى ويصلون في غيره لتلك الحجة الواهية وكأنهم يأخذون العلم من إمام من أئمة المسلمين كأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل ؟؟!!!
وينبغي أن أذكر الذين لا يستطيعون الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك يوم الجمعة فيقيمون عدة صلوات جمعة عند أبواب البلدة القديمة بأن هذا الفعل يؤدي إلى تعدد صلاة الجمعة في أماكن متقاربة مثل باب العمود وباب الساهرة،فأرى لهؤلاء أن يصلوا ظهراً ولا يصلوا جمعة. لأن تعدد الجمعة لا يشرع في مثل هذه الحالة. كما وأنبه إلى أنه لا يصح لهم أن يصلوا جمعة مع الإمام في المسجد الأقصى وإن سمعوا صوته لأن هنالك انقطاعاً كبيراً
__________
(1) - إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى - (1 / 68)(1/272)
جداً في الصفوف ولا تصح الجماعة مع هذا الانقطاع الكبير كما هو قول المحققين من العلماء.
َسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية:عَنِ الْحَوَانِيتِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْجَامِعِ مِنْ أَرْبَابِ الْأَسْوَاقِ،إذَا اتَّصَلَتْ بِهِمِ الصُّفُوفُ فَهَلْ تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِي حَوَانِيتِهِمْ ؟ .
فَأَجَابَ :" أَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى النَّاسِ أَنْ يَسُدُّوا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ كَمَا فِي الصَّحِيحَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ رَافِعِى أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا فِى الصَّلاَةِ ». قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقًا فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ عِزِينَ ». قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ « أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ « يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِى الصَّفِّ » (1) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،قَالَ:دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجِدَ فَقَالَ:أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ؟ قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ؟ قَالَ:يُتِمُّونَ الصُّفُوفُ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ. (2)
فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَسُدَّ الصُّفُوفَ الْمُؤَخَّرَةَ مَعَ خُلُوِّ الْمُقَدِّمَةِ ،وَلَا يُصَفُّ فِي الطُّرُقَاتِ وَالْحَوَانِيتِ مَعَ خُلُوِّ الْمَسْجِدِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ التَّأْدِيبَ ،وَلِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ تَخَطِّيهِ وَيَدْخُلُ لِتَكْمِيلِ الصُّفُوفِ الْمُقَدَّمَةِ ،فَإِنَّ هَذَا لَا حُرْمَةَ لَهُ . كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُقَدِّمَ مَا يُفْرَشُ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَتَأَخَّرَ هُوَ وَمَا فُرِشَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ بَلْ يُزَالُ وَيُصَلِّي مَكَانَهُ عَلَى الصَّحِيحِ،بَلْ إذَا امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ بِالصُّفُوفِ صَفُّوا خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ حِينَئِذٍ فِي الطُّرُقَاتِ وَالْأَسْوَاقِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ . وَأَمَّا إذَا صَفُّوا وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الصَّفِّ الْآخَرِ طَرِيقٌ يَمْشِي النَّاسُ فِيهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَلِكَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (996 )
الحلق : جمع حلقة -الشمس : جمع شموس وهى النَّفور التى لا تستقر ولا تسكن لشغبها وحدتها -العزين : جمع عزة وهى الحلقة المجتمعة من الناس
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 528) (2154) صحيح - زيادة مني(1/273)
إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الصُّفُوفِ حَائِطٌ بِحَيْثُ لَا يَرَوْنَ الصُّفُوفَ وَلَكِنْ يَسْمَعُونَ التَّكْبِيرَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ،فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى فِي حَانُوتِهِ وَالطَّرِيقُ خَالٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الْحَانُوتِ وَيَنْتَظِرَ اتِّصَالَ الصُّفُوفِ بِهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ فَيَسُدَّ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (1)
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْأَسْوَاقِ وَفِي الدَّكَاكِينِ وَالطُّرُقَاتِ اخْتِيَارًا هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ ؟ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ:إنِ اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ لِمَنْ تَأَخَّرَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا ذَلِكَ . وَأَمَّا إذَا تَعَمَّدَ الرَّجُلُ أَنْ يَقْعُدَ هُنَاكَ . وَيَتْرُكَ الدُّخُولَ إلَى الْمَسْجِدِ كَاَلَّذِينَ يَقْعُدُونَ فِي الْحَوَانِيتِ فَهَؤُلَاءِ مُخْطِئُونَ مُخَالِفُونَ لِلسُّنَّةِ . فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ قَالَ:قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ،وَكَيْفَ يَصُفُّونَ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ؟ قَالَ:يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُقَدِّمَةَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ. (2) . وَقَالَ:« خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا ». (3) . وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَّصِلِ الصُّفُوفُ بَلْ كَانَ بَيْنَ الصُّفُوفِ طَرِيقٌ فَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد.
أَحَدُهُمَا:لَا تَصِحُّ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَالثَّانِي:تَصِحُّ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ:عَنْ جَامِعٍ بِجَانِبِ السُّوقِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ التَّكْبِيرُ مِنْهُ:هَلْ تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِي السُّوقِ ؟ أَوْ عَلَى سَطْحِ السُّوقِ ؟ أَوْ فِي الدَّكَاكِينِ ؟ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ،إذَا امْتَلَأَ الْجَامِعُ جَازَ أَنْ يُصَلَّى فِي الطُّرُقَاتِ . فَإِذَا امْتَلَأَتْ صَلَّوْا فِيمَا بَيْنَهَا مِنَ الْحَوَانِيتِ وَغَيْرِهَا . وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَّصِلِ الصُّفُوفُ فَلَا . وَكَذَلِكَ فَوْقَ الأسطحة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (4)
__________
(1) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (23 / 409)
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 535) (2162) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (1013 )
(4) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (23 / 411)(1/274)
وخلاصة الأمر أن من استطاع الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك في صلاة الجمعة وفي غيرها من الصلوات فعليه أن يصلي فيه ولا يلتفت إلى من يدعوه إلى الصلاة في غير المسجد الأقصى المبارك من مساجد أحياء بيت المقدس بحجج واهية. (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - فتاوى يسألونك لعفانة1-12 - (9 / 22) وانظر فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 4489) سؤال رقم 45611- حكم الاقتداء بالإمام من خارج المسجد أو الصلاة خلف المذياع وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (9 / 5815) رقم الفتوى 66926 حكم صلاة الجمعة في الطرق المتصلة بالمسجد(1/275)
عمران بيت المقدس خراب المدينة
عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ،وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ،وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ،وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ خُرُوجُ الدَّجَّالِ". ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِى حَدَّثَ - أَوْ مَنْكِبِهِ - ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ. يَعْنِى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ." (1)
وعَنْ مُعَاذٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ،وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ،وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ،وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ . ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ،أَوْ مَنْكِبِهِ،ثُمَّ قَالَ : إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا،أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ،يَعْنِي : مُعَاذًا. (2)
( عُمْرَان بَيْت الْمَقْدِس ) : بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد وَعُمْرَانه بِضَمِّ الْعَيْن وَسُكُون الْمِيم أَيْ عِمَارَته بِكَثْرَةِ الرِّجَال وَالْعَقَار وَالْمَال
( خَرَاب يَثْرِب ) : بِفَتْحِ تَحْتِيَّة وَسُكُون مُثَلَّثَة وَكَسْر رَاء اِسْم الْمَدِينَة الْمُشَرَّفَة أَيْ سَبَب خَرَاب الْمَدِينَة .
وَقَالَ الْقَارِي : أَيْ وَقْت خَرَاب الْمَدِينَة . قِيلَ لِأَنَّ عُمْرَانه بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّار .
وَقَالَ الْأَرْدَبِيلِيّ فِي الْأَزْهَار : قَالَ بَعْض الشَّارِحِينَ الْمُرَاد بِعُمْرَانِ بَيْت الْمَقْدِس عُمْرَانه بَعْد خَرَابه فَإِنَّهُ يُخَرَّب فِي آخِر الزَّمَان ثُمَّ يُعَمِّرهُ الْكُفَّار،وَالْأَصَحّ أَنَّ الْمُرَاد بِالْعُمْرَانِ الْكَمَال فِي الْعِمَارَة أَيْ عُمْرَان بَيْت الْمَقْدِس كَامِلًا مُجَاوِزًا عَنْ الْحَدّ وَقْت خَرَاب يَثْرِب،فَإِنَّ بَيْت الْمَقْدِس لَا يُخَرَّب
( وَخَرَاب يَثْرِب خُرُوج الْمَلْحَمَة ) : أَيْ ظُهُور الْحَرْب الْعَظِيم .
قَالَ اِبْن الْمَلَك : بَيْن أَهْل الشَّام وَالرُّوم،وَالظَّاهِر أَنَّهُ يَكُون بَيْن تَاتَار وَالشَّام . قَالَ الْقَارِي : الْأَظْهَر هُوَ الْأَوَّل
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (4296 ) والمعجم الكبير للطبراني - (15 / 20) (16638) صحيح لغيره
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 380) (22121) 22472- صحيح لغيره(1/276)
( وَخُرُوج الْمَلْحَمَة إِلَخْ ) : قَالَ الْقَارِي نَقْلًا عَنْ الْأَشْرَف : لَمَّا كَانَ بَيْت الْمَقْدِس بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّار عَلَيْهِ وَكَثْرَة عِمَارَتهمْ فِيهَا أَمَارَة مُسْتَعْقَبَة بِخَرَابِ يَثْرِب وَهُوَ أَمَارَة مُسْتَعْقَبَة بِخُرُوجِ الْمَلْحَمَة وَهُوَ أَمَارَة مُسْتَعْقَبَة بِفَتْحِ قُسْطَنْطِينِيَّة،وَهُوَ أَمَارَة مُسْتَعْقَبَة بِخُرُوجِ الدَّجَّال،جَعَلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كُلّ وَاحِد عَيْن مَا بَعْده وَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ .
قَالَ : وَخُلَاصَته أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأُمُور أَمَارَة لِوُقُوعِ مَا بَعْده وَإِنْ وَقَعَ هُنَاكَ مُهْمَلَة اِنْتَهَى
( ثُمَّ ضَرَبَ ) : أَيْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -
( عَلَى فَخِذ الَّذِي حَدَّثَهُ ) : هُوَ مُعَاذ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ( أَوْ مَنْكِبه ) : شَكّ مِنْ الرَّاوِي
( ثُمَّ قَالَ ) : - صلى الله عليه وسلم -
( إِنَّ هَذَا ) : أَيْ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيث مِنْ أَخْبَار عُمَر أَنَّ بَيْت الْمَقْدِس سَبَب خَرَاب الْمَدِينَة إِلَخْ
( لَحَقّ ) أَيْ يَقِينِيّ لَا شَكّ فِي وُقُوعه وَتَحَقُّقه
( كَمَا أَنَّك ) : يَا مُعَاذ
( هَا هُنَا أَوْ كَمَا أَنَّك قَاعِد ): شَكّ مِنْ الرَّاوِي،وَالْمَعْنَى تَحَقُّق الْإِخْبَار الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث قَطْعِيّ يَقِينِيّ كَمَا أَنَّ جُلُوسك هَا هُنَا قَطْعِيّ وَيَقِينِيّ
( يَعْنِي مُعَاذ بْن جَبَل ) : يَعْنِي الْخِطَاب لِمُعَاذِ بْن جَبَل . (1)
يعني بفتح القسطنطينية مرة أخرى وسيكون على يد المهدي عليه السلام .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - عون المعبود - (9 / 330)(1/277)
استحباب شد الرحل للمساجد الثلاث
جَعَل الإِْسْلاَمُ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدَ ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ تُشَدُّ إِلَيْهَا الرِّحَال،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسْجِدِ الأَقْصَى » . (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ : أَتَيْتُ الطُّورَ فَوَجَدْتُ ثَمَّ كَعْبًا فَمَكَثْتُ أَنَا،وَهُوَ يَوْمًا أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَيُحَدِّثُنِي عَنِ التَّوْرَاةِ فَقُلْتُ لَهُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ،وَفِيهِ أُهْبِطَ،وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ،وَفِيهِ قُبِضَ،وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُصِيخَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلَّا ابْنَ آدَمَ،وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا مُؤْمِنٌ،وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ " فَقَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ يَوْمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ ؟،قُلْتُ : بَلْ هِيَ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَقَرَأَ كَعْبٌ قَالَ : صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ،فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ جِئْتَ ؟ قُلْتُ : مِنَ الطُّورِ،قَالَ : لَوْ لَقِيتُكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَهُ لَمْ تَأْتِهِ،قُلْتُ لَهُ : لِمَ ؟،قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَمَسْجِدِي،وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقُلْتُ لَهُ : لَوْ رَأَيْتَنِي خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبًا فَمَكَثْتُ أَنَا وَهُوَ يَوْمًا أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيُحَدِّثُنِي عَنِ التَّوْرَاةِ،فَقُلْتُ لَهُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ،وَفِيهِ أُهْبِطَ،وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ،وَفِيهِ قُبِضَ،وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُصِيخَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلَّا ابْنَ آدَمَ،وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ،وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ " فَقَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ يَوْمُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ؟،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : كَذَبَ كَعْبٌ قُلْتُ : قَرَأَ كَعْبٌ فَقَالَ : صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهُوَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ،قَالَ عَبْدُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1189) وصحيح مسلم- المكنز -(3450 )(1/278)
اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : صَدَقَ كَعْبٌ إِنِّي لَأَعْلَمُ تِلْكَ السَّاعَةَ،قُلْتُ : يَا أَخِي حَدِّثْنِي بِهَا قَالَ : هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَقُلْتُ : أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَا يُصَادِفُهَا مُؤْمِنٌ،وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ صَلَاةً "،قَالَ : أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ صَلَّى وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلَاةٍ حَتَّى تَأْتِيَهُ الصَّلَاةُ الَّتِي تَلِيهَا ؟ "،قُلْتُ : بَلَى،قَالَ : فَهُوَ كَذَلِكَ" (1)
وفي مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يشدُّ إليها الرحل
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ بَصْرَةَ بْنِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:"لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ:الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَمَسْجِدِي،وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ "
وعَنْ أَبِي سَلَمَةَ،وَابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ،كَانَ يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا الرِّحْلَةُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ " ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
وعَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ،ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الرِّحَالَ لَا تُشَدُّ إلَّا إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدَ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ،فَاحْتَجْنَا أَنْ نَعْلَمَ فَضْلَ الصَّلَوَاتِ فِيهَا عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ،وَأَنْ نَعْلَمَ هَلْ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ مُتَسَاوِيَةٌ فِيهَا أَوْ مُتَفَاضِلَةٌ ؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامِ "
وعن سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ:سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ:"صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ " قَالَ سُفْيَانُ فَنَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إلَّا مَسْجِدَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ،فَإِنَّمَا فَضْلُهُ عَلَيْهِ مِائَةُ صَلَاةٍ
__________
(1) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (1731) صحيح(1/279)
وعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا "
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:"صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ،وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ كَأَنَّهُ يَعْنِي مَسْجِدَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:"صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ "
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ:"صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " قَالَ مُوسَى:وَحَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ،عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:إنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَى،فَقَالَتْ:لَئِنْ شَفَانِي اللَّهُ لَأَخْرُجَنَّ فَلَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَبَرِئَتْ ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ فَجَاءَتْ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ تُسَلِّمُ عَلَيْهَا،فَأَخْبَرَتْهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ:اجْلِسِي وَكُلِي مَا صَنَعْتِ،وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَإِنِّي سَمِعْتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ:"صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ " وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ أَنَّهُ قَالَ:جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ لِي:"أَيْنَ تُرِيدُ ؟ " قُلْتُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ:"أَفِي تِجَارَةٍ ؟ " قُلْتُ:لَا،وَلَكِنْ أَرَدْتُ لَأَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ،فَقَالَ:"صَلَاةٌ هَاهُنَا يُرِيدُ الْمَدِينَةَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ هَاهُنَا يُرِيدُ إيلْيَاءَ "
فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ أَفْضَلَهَا فِي الصَّلَاةِ فِيهَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ كَمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ اللَّائِي سِوَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ،ثُمَّ طَلَبْنَا الْوُقُوفَ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَلَى مَا سِوَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ،فَوَجَدْنَا ظَاهِرَ مَا رَوَيْنَاهُ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ سِوَى الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ،ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا سِوَاهَا مِنَ الْآثَارِ هَلْ نَجِدُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:سَأَلْتُ(1/280)
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ:الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِكَ أَفْضَلُ أَمِ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ فَقَالَ:"الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي مِثْلُ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ،وَأَرْضُ الْمَنْشَرِ "
ثُمَّ طَلَبْنَا الْوُقُوفَ عَلَى مِقْدَارِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ فِي الرِّوَايَةِ فَوَجَدْنَا أَبَا زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ:حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ:سَمِعْتُ بَقِيَّةَ يَقُولُ:سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ فَقَالَ:إنَّ ذَاكَ لَصَدُوقٌ،قَالَ لَنَا أَبُو زُرْعَةَ:وَسَأَلْتُ أَنَا عَنْهُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَقَالَ:ثِقَةٌ قَدْ رَوَى عَنْهُ شُيُوخُنَا وَكِيعٌ،وَابْنُ مَهْدِيٍّ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَمِائَتَيْ صَلَاةٍ وَخَمْسِينَ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ:"فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ أَلْفِ صَلَاةٍ،وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ،وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُ مِائَةِ صَلَاةٍ " فَفِي هَذَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَصَلَاتَيْنِ يَعْنِي فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ
وعَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ،عَنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا سَأَلَتْهُ فَقَالَتْ:أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ:"أَرْضُ الْمَحْشَرِ،وَالْمَنْشَرِ،وَائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ،فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ " قَالَتْ:أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ " فَلْتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ،فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ "
وعَنْ مَيْمُونَةَ وَلَيْسَتْ بِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , ثُمَّ ذَكَرَا مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا:"فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ " وَلَمْ يَقُولَا " فِي غَيْرِهِ " فَكَانَ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ فَضْلَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَفَضْلِهَا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَدْ نَسَخَ بَعْضُهَا بَعْضًا،ثُمَّ طَلَبْنَا تَصْحِيحَهَا،وَمَا النَّاسِخُ فِيهَا مِنَ الْمَنْسُوخِ،وَكَانَ مَذْهَبُنَا فِي النَّسْخِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةٌ لِعِبَادِهِ وَزِيَادَةٌ مِنْهُ إيَّاهُمْ فِي فَضْلِهِ عِنْدَهُمْ،وَفِي رَحْمَتِهِ لَهُمْ فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْأَحْكَامِ كَانَتْ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ سِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَأَنَّهُ كَالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ سِوَى الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ،ثُمَّ(1/281)
زَادَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَتَاهُ فَصَلَّى فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ،ثُمَّ زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَنْ جَعَلَهُ كَخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ،ثُمَّ زَادَهُ اللَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ صَلَاتَهُ فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ،وَجَعَلَهَا كَالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ فِي ذَلِكَ " (1)
إذن فمِنْ خَصَائِصِ الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى وَفَضْلِهِ،مُضَاعَفَةُ الصَّلاَةِ فِيهِ،وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الأَْحَادِيثُ فِي مِقْدَارِهَا،قَال الْجُرَاعِيُّ:وَرَدَ أَنَّ الصَّلاَةَ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةٍ،وَقَال الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ:إِنَّهُ الصَّوَابُ " (2)
وقال ابن بطال : " قال المؤلف: هذا الحديث فى النهى عن إعمال المطى،إنما هو عند العلماء فيمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة المذكورة،قال مالك: من نذر صلاة في مسجد لا يصل إليه إلا براحلة،فإنه يصلي فى بلده،إلا أن ينذر ذلك في مسجد مكة أو المدينة أو بيت المقدس،فعليه السير إليها.
وقال المؤلف: وأما من أراد الصلاة في مساجد الصالحين والتبرك بها متطوعًا بذلك،فمباح له قصدها بإعمال المطي وغيره،ولا يتوجه إليه النهي في هذا الحديث.
فإن قيل: فإن أبا هريرة أعمل المطي إلى الطور،فلما انصرف لقيه بَصْرة بن أبى بَصْرة،فأنكر عليه خروجه،وقال له: لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت،سمعت الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: « لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد » . فدلَّ أن مذهب بَصْرة حمل الحديث على العموم في النهي عن إعمال المطي إلى غير الثلاثة المساجد على كل حال،فدخل فيه الناذر والمتطوع.
قيل له: ليس كما ظننت،وإنما أنكر بَصْرة على أبي هريرة خروجه إلى الطور،لأن أبا هريرة كان من أهل المدينة التي فيها أحد المساجد الثلاثة التي أُمر بإعمال المطي إليها،ومن كان كذلك فمسجده أولى بالإتيان،وليس في الحديث أن أبا هريرة نذر السير إلى الطور،وإنما
__________
(1) - مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يشدُّ إليها الرحل (490 -502)
(2) - تحفة الراكع والساجد للجراعي ص178 - 179 ، 180 ، وإعلام الساجد للزركشي ص289 .(1/282)
ظاهره أنه خرج متطوعًا إليه،وكان مسجده بالمدينة أولى بالفضل من الطور،لأن مسجد المدينة،ومسجد بيت المقدس أفضل من الطور.
وقد اختلف العلماء فيمن كان بالمدينة،فنذر المشي إلى بيت المقدس،فقال مالك: يمشي ويركب. وقال الأوزاعي: يمشي ويركب ويتصدق. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يصلي فى مسجد المدينة أو مكة. واحتج أبو يوسف في ذلك بأن الصلاة في مكة والمدينة أفضل من الصلاة في بيت المقدس،فلذلك أجزأُه.
وقال سعيد بن المسيب: من نَذَر أن يعتكف فى مسجد إيلياء،فاعتكف فى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أجزأ عنه،ومن نذر أن يعتكف فى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعتكف في المسجد الحرام أجزأ عنه،وقال الشافعى: يمشي إلى مسجد المدينة،ومسجد بيت المقدس،إذا نذر ذلك،ولا يتبين لي وجوبه عليه،لأن البر بإتيان بيت الله،عز وجل،فرضٌ،والبر بإتيان هذين نافلة.
وقال ابن المنذر: من نذر المشي إلى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،والمسجد الحرام،وجب عليه ذلك،لأن الوفاء به طاعة،ومن نذر المشي إلى بيت المقدس كان بالخيار إن شاء مشى إليه،وإن شاء مشى إلى المسجد الحرام،لحديث جابر: أن رجلاً قال للنبى، - صلى الله عليه وسلم - : إنى نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي فى بيت المقدس،قال: « صلي هاهنا ثلاثًا » .
وقال أبو يوسف: إن نذر أن يصلي في المسجد الحرام،فصلَّى في بيت المقدس لم يجزئه،لأنه صلَّى في مكان ليس له من الفضل ما للمكان الذى أوجب على نفسه فيه الصلاة.
وحكى الطحاوى عن أبي حنيفة،ومحمد أنه من جعل الله عليه أن يصلي في مكان،فصلى في غيره أجزأه. واحتج لهم الطحاوى بأن معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : « صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام » . أن المراد به الفريضة لا النافلة،لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « خير صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة »،فثبت فساد ما احتج به أبو يوسف،وثبت أن من أوجب على نفسه صلاة فى مكان،وصلى فى غيره أجزأه. " (1)
__________
(1) - شرح ابن بطال - (5 / 194)(1/283)
وقال الزرقاني : " لا تعمل المطي) أي لا تسير ويسافر عليها. وفي الصحيحين من وجه آخر عن أبي هريرة وأبي سعيد لا تشدّ الرحال (إلا إلى ثلاثة مساجد) استثناء مفرغ أي إلى موضع للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة وليس المراد أنه لا يسافر أصلاً إلا لها. قال ابن عبد البر: وإن كان أبو بصرة رآه عاماً فلم يره أبو هريرة إلا في الواجب من النذر،وأما في التبرر كالمواضع التي يتبرك بشهودها والمباح فكزيارة الأخ في الله وليس بداخل في النهي،ويجوز أن خروج أبي هريرة إلى الطور لحاجة عنت له. وقال السبكي: ليس في الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى يسافر إليها لذلك الفضل غير هذه الثلاثة،وأما غيرها فلا يسافر إليها لذاتها بل لمعنى فيها من علم أو جهادا أونحو ذلك،فلم تقع المسافرة إلى المكان بل إلى من في ذلك المكان.." (1)
وقال النووي : " وَفِي هَذَا الْحَدِيث : فَضِيلَة هَذِهِ الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة،وَفَضِيلَة شَدّ الرِّحَال إِلَيْهَا،لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْد جُمْهُور الْعُلَمَاء : لَا فَضِيلَة فِي شَدّ الرِّحَال إِلَى مَسْجِد غَيْرهَا . وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ مِنْ أَصْحَابنَا : يَحْرُم شَدّ الرِّحَال إِلَى غَيْرهَا وَهُوَ غَلَط" (2)
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : " مَعْنَاهُ: لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ ابْتِغَاءَ الأَجْرِ سِوَى المَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ،فَإِنَّ لَهَا فَضْلاً خَاصّاً.
فَمَنْ قَالَ: لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ شَدُّ الرَّحْلِ إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ،وَقَفَ مَعَ ظَاهِر النَّصِّ،وَأَنَّ الأَمْرَ بِذَلِكَ وَالنَّهْيَ خَاصٌّ بِالمَسَاجِدِ.
وَمَنْ قَالَ بِقِيَاسِ الأُوْلَى،قَالَ: إِذَا كَانَ أَفْضَلَ بِقَاعِ الأَرْضِ مَسَاجِدُهَا،وَالنَّهْيُ وَرَدَ فِيْهَا،فَمَا دُوْنَهَا فِي الفَضْلِ - كَقُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ - أَوْلَى بِالنَّهْيِ.
أَمَّا مَنْ سَارَ إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ فَاضِلٍ مِنْ غَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ،فَقُربَةٌ بِالإِجْمَاعِ بِلاَ تَرَدُّدٍ،سِوَى مَا شَذَّ بِهِ الشَّعْبِيُّ،وَنَحْوُهُ،فَكَانَ بَلَغَهُمُ النَّهْيُ عَنْ زِيَارَةِ القُبُوْرِ،وَمَا عَلِمُوا بِأَنَّهُ نُسِخَ ذَلِكَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. (3)
__________
(1) - شرح الزرقاني على موطأ مالك - (1 / 491)
(2) - شرح النووي على مسلم - (5 / 59)
(3) - سير أعلام النبلاء - (9 / 368)(1/284)
وقال أيضاً : " عَنْ حَسَنِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ:أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً وَقَفَ عَلَى البَيْتِ الَّذِي فِيْهِ قَبْرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو لَهُ،وَيُصَلِّي عَلَيْهِ،فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لاَ تَفْعَلْ،فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لاَ تَتَّخِذُوا بَيْتِيَ عِيْداً،وَلاَ تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُم قُبُوْراً،وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ مَا كُنْتُم،فَإِنَّ صَلاَتَكُم تَبْلُغُنِي).
هَذَا مُرْسَلٌ،وَمَا اسْتَدَلَّ حَسَنٌ فِي فَتْوَاهُ بِطَائِلٍ مِنَ الدَّلاَلَةِ،فَمَنْ وَقَفَ عِنْدَ الحُجْرَةِ المُقَدَّسَةِ ذَلِيْلاً،مُسْلِماً،مُصَلِيّاً عَلَى نَبِيِّهِ،فَيَا طُوْبَى لَهُ،فَقَدْ أَحْسَنَ الزِّيَارَةَ،وَأَجْمَلَ فِي التَّذَلُّلِ وَالحُبِّ،وَقَدْ أَتَى بِعِبَادَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فِي أَرْضِهِ،أَوْ فِي صَلاَتِهِ،إِذِ الزَّائِرُ لَهُ أَجْرُ الزِّيَارَةِ،وَأَجْرُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ،وَالمُصَلِّي عَلَيْهِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ لَهُ أَجْرُ الصَّلاَةِ فَقَطْ،فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً،صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْراً،وَلَكِنْ مَنْ زَارَهُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - وَأَسَاءَ أَدَبَ الزِّيَارَةِ،أَوْ سَجَدَ لِلْقَبْرِ،أَوْ فَعَلَ مَا لاَ يُشْرَعُ،فَهَذَا فَعَلَ حَسَناً وَسَيِّئاً،فَيُعَلَّمُ بِرفْقٍ،وَاللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ.
فَوَاللهِ مَا يَحْصَلُ الانْزِعَاجُ لِمُسْلِمٍ،وَالصِّيَاحُ وَتَقْبِيْلُ الجُدْرَانِ،وَكَثْرَةِ البُكَاءِ،إِلاَّ وَهُوَ مُحِبٌّ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ،فَحُبُّهُ المِعْيَارُ وَالفَارِقُ بَيْنَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ،فَزِيَارَةُ قَبْرِهِ مِنْ أَفَضْلِ القُرَبِ،وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ،لَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُوْنٍ فِيْهِ لِعُمُوْمِ قَوْلِهِ - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ -: (لاَ تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ) .
فَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَلْزِمٌ لِشَدِّ الرَّحْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ،وَذَلِكَ مَشْرُوْعٌ بِلاَ نِزَاعٍ،إِذْ لاَ وُصُوْلَ إِلَى حُجْرَتِهِ إِلاَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ،فَلْيَبْدَأْ بِتَحِيَّةِ المَسْجِدِ،ثُمَّ بِتَحِيَّةِ صَاحِبِ المَسْجِدِ - رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ذَلِكَ آمِيْنَ -." (1)
وقالَ بَعض المُحَقِّقِينَ : قَوله : "إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَساجِدَ " المُستَثنَى مِنهُ مَحذُوف،فَإِمّا أَن يُقَدِّرَ عامًّا فَيَصِيرَ : لا تُشَدّ الرِّحال إِلَى مَكانٍ فِي أَيِّ أَمرٍ كانَ إِلاَّ إِلَى الثَّلاثَةِ،أَو أَخَصّ مِن ذَلِكَ. لا سَبِيلَ إِلَى الأَوَّل لإِفضائِهِ إِلَى سَدِّ بابِ السَّفَرِ لِلتِّجارَةِ وصِلَةِ الرَّحِمِ وطَلَبِ العِلمِ وغَيرها فَتَعَيَّنَ الثّانِي،والأَولَى أَن يُقَدَّرَ ما هُو أَكثَرُ مُناسَبَة وهُو : لا تُشَدّ الرِّحال إِلَى
__________
(1) - سير أعلام النبلاء - (4 / 483)(1/285)
مَسجِدٍ لِلصَّلاةِ فِيهِ إِلاَّ إِلَى الثَّلاثَةِ،فَيَبطُلُ بِذَلِكَ قَول مَن مَنَعَ شَدَّ الرِّحال إِلَى زِيارَةِ القَبرِ الشَّرِيفِ وغَيره مِن قُبُورِ الصّالِحِينَ والله أَعلَمُ. وقالَ السُّبكِيّ الكَبِير : لَيسَ فِي الأَرضِ بُقعَةٌ لَها فَضل لِذاتها حَتَّى تُشَدَّ الرِّحال إِلَيها غَير البِلادِ الثَّلاثَةِ،ومُرادِي بِالفَضلِ ما شَهِدَ الشَّرع بِاعتِبارِهِ ورَتَّبَ عَلَيهِ حُكمًا شَرعِيًّا،وأَمّا غَيرُها مِن البِلادِ فَلا تُشَدُّ إِلَيها لِذاتها بَل لِزِيارَةٍ أَو جِهاد أَو عِلم أَو نَحو ذَلِكَ مِن المَندُوباتِ أَو المُباحات،قالَ : وقَد التَبَسَ ذَلِكَ عَلَى بَعضِهِم فَزَعَمَ أَنَّ شَدَّ الرِّحالِ إِلَى الزِّيارَةِ لِمَن فِي غَيرِ الثَّلاثَةِ داخِل فِي المَنعِ،وهُو خَطَأٌ لأَنَّ الاستِثناءَ إِنَّما يَكُونُ مِن جِنس المُستَثنَى مِنهُ،فَمَعنَى الحَدِيثِ : لا تُشَدّ الرِّحال إِلَى مَسجِدٍ مِن المَساجِدِ أَو إِلَى مَكانٍ مِن الأَمكِنَةِ لأَجلِ ذَلِكَ المَكانِ إِلاَّ إِلَى الثَّلاثَةِ المَذكُورَةِ،وشَدّ الرِّحال إِلَى زِيارَةٍ أَو طَلَبِ عِلمٍ لَيسَ إِلَى المَكانِ بَل إِلَى مَن فِي ذَلِكَ المَكانِ والله أَعلَمُ." (1)
وفي نيل الأوطار : " قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شَدِّ الرَّحْلِ لِغَيْرِ الثَّلَاثَةِ كَالذَّهَابِ إلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَإِلَى الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ،فَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ إلَى حُرْمَتِهِ،وَأَشَارَ عِيَاضٌ إلَى اخْتِيَارِهِ،وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ قَالُوا : وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ الثَّابِتَةَ إنَّمَا هِيَ شَدُّ الرَّحْلِ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً انْتَهَى .
وَقَدْ أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ حَدِيثِ شَدِّ الرَّحْلِ بِأَنَّ الْقَصْرَ فِيهِ إضَافِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْمَسَاجِدِ لَا حَقِيقِيٌّ قَالُوا : وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ { لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ يُشَدَّ رِحَالُهَا إلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرِ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } فَالزِّيَارَةُ وَغَيْرُهَا خَارِجَةٌ عَنْ النَّهْيِ وَأَجَابُوا ثَانِيًا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ شَدِّ الرِّحَالِ لِلتِّجَارَةِ وَسَائِرِ مَطَالِبِ الدُّنْيَا .
وَعَلَى وُجُوبِهِ إلَى عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ وَإِلَى مِنًى لِلْمَنَاسِكِ الَّتِي فِيهَا،وَإِلَى مُزْدَلِفَةَ،وَإِلَى الْجِهَادِ،وَالْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ،وَعَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ { لَا
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (3 / 66)(1/286)
تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا } بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَثِّ عَلَى كَثْرَةِ الزِّيَارَةِ لَا عَلَى مَنْعِهَا،وَأَنَّهُ لَا يُهْمَلُ حَتَّى لَا يُزَارَ إلَّا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَالْعِيدَيْنِ .
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ : { لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا } أَيْ : لَا تَتْرُكُوا الصَّلَاةَ فِيهَا كَذَا قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَتَّخِذُوا لَهَا وَقْتًا مَخْصُوصًا لَا تَكُونُ الزِّيَارَةُ إلَّا فِيهِ،أَوْ لَا تَتَّخِذُوهُ كَالْعِيدِ فِي الْعُكُوفِ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِ الزِّينَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لِلَّهْوِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْأَعْيَادِ بَلْ لَا يُؤْتَى إلَّا لِلزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ وَالسَّلَامِ وَالصَّلَاةِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْهُ وَأُجِيبَ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِكَرَاهَةِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ وَقِيلَ : إنَّمَا كَرِهَ إطْلَاقَ لَفْظِ الزِّيَارَةِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَنْ شَاءَ فَعَلَهَا وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهَا،وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ السُّنَنِ الْوَاجِبَةِ،كَذَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ .
وَاحْتَجَّ أَيْضًا مَنْ قَالَ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ دَأْبُ الْمُسْلِمِينَ الْقَاصِدِينَ لِلْحَجِّ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ عَلَى تَبَايُنِ الدِّيَارِ وَاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ الْوُصُولَ إلَى الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ لِقَصْدِ زِيَارَتِهِ،وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَكَانَ إجْمَاعًا . " (1)
وفي الموسوعة الفقهية :
" ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ شَدُّ الرَّحْل لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ،لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ،وَخُصُوصًا قُبُورُ الأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ .
وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ،وَابْنُ تَيْمِيَّةَ - مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا،وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى،وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ قَال : لَقِيَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ،وَهُوَ جَاءٍ مِنَ الطُّورِ فَقَال : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ ؟ قَال : مِنَ الطُّورِ،صَلَّيْتُ فِيهِ . قَال : أَمَا لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْل أَنْ تَرْحَل إِلَيْهِ مَا رَحَلْتَ،إِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول : لاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَمَسْجِدِي هَذَا،وَالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى .
__________
(1) - نيل الأوطار - (8 / 70)(1/287)
وَنَقَل ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .وَحَمَل الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَسَاجِدِ،فَلاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ لِثَلاَثَةٍ مِنْهَا . بِدَلِيل جَوَازِ شَدِّ الرِّحَال لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَلِلتِّجَارَةِ،وَفِي رِوَايَةٍ لاَ يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إِلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِي فِيهِ الصَّلاَةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا . (1)
بعض أحكام المسجد الأقصى
تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى أَحْكَامٌ سَبَقَ ذِكْرُ بَعْضِهَا كَمُضَاعَفَةِ أَجْرِ الصَّلاَةِ فِيهِ،وَاسْتِحْبَابِ شَدِّ الرِّحَال إِلَيْهِ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ كَمَا تَقَدَّمَ (2)
الأَْوَّل:اسْتِحْبَابُ خَتْمِ الْقُرْآنِ فعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ،قَالَ:كَانَ يُحَبُّ،أَوْ يَسْتَحِبُّ إذَا قَدِمَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ،أَنْ لاَ يَخْرُجَ حَتَّى يَقْرَأَ الْقُرْآنَ،بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ،وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (3) ..
كَمَا رُوِيَ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ كَانَ يَخْتِمُ بِهِ الْقُرْآنَ (4) .
الثَّانِي:اسْتِحْبَابُ الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْهُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَال:فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ». أَوْ « وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ». شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيَّتَهُمَا قَالَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَرْحَمُ اللَّهُ وَكِيعًا أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَعْنِى إِلَى مَكَّةَ. (5) .
وَأَحْرَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُ،كَابْنِ عُمَرَ وَمُعَاذٍ وَكَعْبِ الأَْحْبَارِ وَغَيْرِهِمْ (6)
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (24 / 89) وابن عابدين 1 / 604 ، فتح الباري 3 / 65 ، سبل السلام 4 / 213 ، مطالب أولي النهى 2 / 931 ، شرح البهجة 2 / 120 . وفتاوى الأزهر - (9 / 14) -شَدُّ الرحال
(2) - إعلام الساجد ص 288 .
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 9) (15422) صحيح
(4) - إعلام الساجد للزركشي ص288 ، وتحفة الراكع والساجد للجراعي ص187
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (1743 ) حسن
(6) - السنن الكبرى 5 / 3 ، وإعلام الساجد للزركشي ص289 .(1/288)
قال الخطابي:"قلت: في هذا جواز تقديم الإحرام على الميقات من المكان البعيد مع الترغيب فيه ,وقد فعله غير واحد من الصحابة, وكره ذلك جماعة أنكر عمر بن الخطاب على عمران بن الحصين إحرامه من البصرة،وكرهه الحسن البصرى وعطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس . وقال أحمد بن حنبل: وجه العمل المواقيت وكذلك قال إسحاق, قلت: يشبه أن يكون عمر إنما كره ذلك شفقا أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته آفة تفسد إحرامه ورأى أن ذلك في قصير المسافة أسلم ." (1)
الثَّالِثُ:حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ فِي الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ كَعْبِ الأَْحْبَارِ،وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ نَافِعٍ قَال:قَال لِي ابْنُ عُمَرَ:اخْرُجْ بِنَا مِنْ هَذَا الْمَسْجِدِ فَإِنَّ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ فِيهِ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ .
وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ كَعْبِ الأَْحْبَارِ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي مِنْ حِمْصَ لِلصَّلاَةِ فِيهِ فَإِذَا صَارَ مِنْهُ قَدْرُ مِيلٍ اشْتَغَل بِالذِّكْرِ وَالتِّلاَوَةِ وَالْعِبَادَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهُ بِقَدْرِ مِيلٍ أَيْضًا وَيَقُول:السَّيِّئَاتُ تُضَاعَفُ فِيهِ،( أَيْ تَزْدَادُ قُبْحًا وَفُحْشًا لأَِنَّ الْمَعَاصِيَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ شَرِيفٍ أَشَدُّ جُرْأَةً وَأَقَل خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ) (2) .
الرَّابِعُ:أَنَّهُ يُحَذَّرُ مِنَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ فِيهِ وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدَيْنِ فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا عَاجِلَةٌ (3)
الْخَامِسُ:يُكْرَهُ اسْتِقْبَال بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارُهُ بِالْبَوْل وَالْغَائِطِ وَلاَ يَحْرُمُ ،قَالَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ،وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الأَْصْحَابِ .وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ ( قَضَاءُ الْحَاجَةِ ف 5 ) .
السَّادِسُ:ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ إِقَامَةَ صَلاَةِ الْعِيدِ فِي الْمُصَلَّى أَوْلَى مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ،قَال الرَّافِعِيُّ:وَأَلْحَقَ الصَّيْدَلاَنِيُّ بِهِ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (4) .
السَّابِعُ:اسْتِحْبَابُ الصِّيَامِ فِيهِ فَقَدْ رُوِيَ:صَوْمُ يَوْمٍ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ (5) .
__________
(1) - معالم السنن للخطابي 288 - (2 / 149)
(2) - إعلام الساجد للزركشي ص290 ، وتحفة الراكع والساجد ص188 .
(3) - تحفة الراكع والساجد ص189 ، 190 ، وإعلام الساجد ص290 - 291 ، 295 .
(4) - إعلام الساجد للزركشي ص297 ، وتحفة الراكع والساجد ص 191 .
(5) - إعلام الساجد ص289 . قلت : لا أدري ما دليل ذلك(1/289)
الثَّامِنُ:قَال الزَّرْكَشِيُّ،قَال الدَّارِمِيُّ:لاَ يَجُوزُ الاِجْتِهَادُ بِمِحْرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَمْنَةً وَلاَ يَسْرَةً إِلْحَاقًا لَهُ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - إعلام الساجد ص297 وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (37 / 232) فما بعدها(1/290)
الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،غُفِرَ لَهُ." (1)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً،لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ.قَالَتْ:فَخَرَجَتْ أُمِّي مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ. (2)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:مَنْ أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى بِعُمْرَةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ،قَالَ:فَرَكِبَتْ أُمُّ حَكِيمٍ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى أَهَلَّتْ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ. (3)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ » (4) .
وعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْأَخْنَسِ،عَنْ جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ،أَنَّهَا سَمِعَتْ أُمَّ سَلَمَةَ،تَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ،وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ " (5) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ إِيلِيَاءَ عَامَ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ. (6)
قلت:في المرفوع فيه أم حكيم حكيمة بنت أمية بن الأخنس روى عنها ثلاثة ووثقها ابن حبان التهذيب 12/411 وروى لها في صحيحه (3701) وقال الذهبي في الكاشف 3/424 وثقت،فالصواب أنه حديث حسن.
__________
(1) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (4 / 209) (3001) وصحح إسناده المنذري في الترغيب (1752)
(2) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (4 / 209) (3002) حسن
(3) - صحيح ابن حبان - (9 / 14) (3701) حسن
(4) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (5 / 30) (9192) حسن
(5) - شعب الإيمان - (5 / 473)(3738 ) حسن
(6) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (5 / 30) (9193) صحيح(1/291)
وفي البدر المنير:"وأعل هَذَا الحَدِيث (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم فَإِنَّهُ ذكره فِي «محلاه» من طَرِيق أبي دَاوُد وَمن طَرِيق ابْن مَاجَه الأولَى،ثمَّ قَالَ:(هَذَانِ) الأثران لَا يشْتَغل بهما من لَهُ أدنَى علم بِالْحَدِيثِ (لِأَن) يَحْيَى بن [ أبي ] سُفْيَان الأخنسي،وجدته حكيمة،وَأم حَكِيم بنت أُميَّة لَا يُدْرى من هم من النَّاس،وَلَا يجوز مُخَالفَة مَا صَحَّ بِيَقِين بِمثل هَذِه المجهولات الَّتِي لم تصح قطّ . هَذَا آخر كَلَامه ومقتضاهُ أنَّ أم حَكِيم غير حكيمة وَهِي هِيَ ؛ فَإِنَّهَا أم حَكِيم حكيمة بنت أُميَّة بن الْأَخْنَس بن عبيد جدة يَحْيَى بن أبي سُفْيَان،وَقيل:أمه،وَقيل:خَالَته،رَوَى عَنْهَا (يَحْيَى) بن أبي سُفْيَان،(وَسليمَان) بن سحيم ذكرهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَيَحْيَى بن أبي سُفْيَان الأخنسي رَوَى عَنهُ جمَاعَة،وَقَالَ أَبُو حَاتِم:شيخ من شُيُوخ الْمَدِينَة لَيْسَ بالمشهور . وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته»،رَوَى عَن أم حَكِيم فارتفعت (عَنْهَا) الْجَهَالَة العينية والحالية،لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيق سُلَيْمَان بن سُحيم [ عَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان الأخنسي ] عَن أمه أم حَكِيم،عَن أم سَلمَة سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (يَقُول):«من أهل من الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِعُمْرَة غُفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه . (قَالَ):(فركبَتْ) أمُّ حَكِيم إِلَى بَيت الْمُقَدّس (حَتَّى) (أَهَلَّتْ) بِعُمْرَة» . وأعلَّه عبد الْحق بِمَا ناقشهُ فِيهِ ابْن الْقطَّان فَإِن (عبد الْحق) قَالَ:فِي إِسْنَاده يَحْيَى الأخنسي،قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ:إِنَّه شيخ من شُيُوخ الْمَدِينَة،لَيْسَ بالمشهور مِمَّن يحْتَج بِهِ . قَالَ ابْن الْقطَّان:كَذَا ذكر عَن أبي حَاتِم،وَلَيْسَ عِنْده فِي كِتَابه لَفْظَة:«مِمَّن يحْتَج بِهِ» . وَهُوَ كَمَا قَالَ . وَلَعَلَّ الإشبيلي ظَفَر بِهَذِهِ اللَّفْظَة فِي غير «الْجرْح وَالتَّعْدِيل»،وأَعَلَّه غَيرهمَا بأمرٍ آخر،ذكر الدارقطني فِي «علله» أَنه اختُلِف فِي إِسْنَاده،وَهُوَ كَمَا قَالَ كَمَا شاهدته،وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ:اخْتلفت (الروَاة) فِي مَتنه وَإِسْنَاده اخْتِلَافا كثيرا . وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب»:إِنَّه حَدِيث غَرِيب . وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب»:إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ .." (1)
قلت:قد صحح المنذري حديث حكيمة في الترغيب .
__________
(1) - البدر المنير - (6 / 94)(1/292)
التَّقَدُّمُ بِالإِْحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ جَائِزٌ بِالإِْجْمَاعِ،وَإِنَّمَا حُدِّدَتْ لِمَنْعِ مُجَاوَزَتِهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ .
لَكِنِ اخْتُلِفَ هَل الأَْفْضَل التَّقَدُّمُ عَلَيْهَا،أَوِ الإِْحْرَامُ مِنْهَا:فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الإِْحْرَامُ قَبْل الْمِيقَاتِ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الإِْحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَفْضَل،إِذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مُخَالَفَةَ أَحْكَامِ الإِْحْرَامِ . اسْتَدَل الأَْوَّلُونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ أَحْرَمُوا مِنَ الْمِيقَاتِ،وَلاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ الأَْفْضَل . وَبِأَنَّهُ يُشْبِهُ الإِْحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْل أَشْهُرِهِ،فَيَكُونُ مِثْلَهُ فِي الْكَرَاهَةِ . وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال:مَنْ أَهَل مِنَ الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ (1) .
وعَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ:أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَمَامِ الْحَجُّ فَقَالَ:تَمَامُ الْحَجِّ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلِمَةَ ؛ أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} قَالَ:أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك. (3)
وعَنِ الْحَسَنِ ؛ أَنَّ ابْنَ عَامِرٍ أَحْرَمَ مِنْ خُرَاسَانَ.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،قَالَ:حجَجْتُ مَرَّةً،فَوَافَقْتُ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ،فَأَحْرَمَ مِنَ الْمَنْجَشانية،وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْبَصْرَةِ.
وعَنْ مُحَمَّدٍ،قَالَ:خَرَجْنَا إلَى مَكَّةَ وَمَعَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،فَأَحْرَمْنَا مِنَ الدَّارَاتِ.
وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ ؛ أَنْ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ أَحْرَمَ مِنَ الضَّرِيَّة.
وعَنِ الْحَسَنِ ؛ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ،أَحْرَمَ مِن الْبَصْرَةِ.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وعَنِ ابْنِ سُوقَةَ،عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ ؛ أَنَّ أبَا مَسْعُودٍ أَحْرَمَ مِنَ السِّيْلِحِينَ.
__________
(1) - مر تخريجه
(2) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (4 / 341)(8967) حسن
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (3 / 480) (12834) حسن(1/293)
وعَنْ إبْرَاهِيمَ،قَالَ:كَانُوا يُحِبُّونَ لِلرَّجُلِ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ أَنْ يُهِلَّ مِنْ بَيْتِهِ.
وعَنْ حَمْزَةَ الْقُرَشِيِّ،عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَحْرَمَ مِنَ الشَّامِ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ.
وعَنْ هِلاَلِ بْنِ خَبَّابٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:خَرَجْت مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُحْرِمًا مِنَ الْكُوفَةِ.
وعَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ،قَالَ:خَرَجْت فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ نُرِيدُ مَكَّةَ،فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْبُيُوتِ حَضَرَتِ الصَّلاَةُ،فَصَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ أَهَلُّوا فَأَهْلَلْتُ مَعَهُمْ،وَلَمْ أََكُنْ أُرِيدُ،وَلَكِنِّي كَرِهْتُ الْخِلاَفَ.
وعَنْ إبْرَاهِيمَ،قَالَ:كَانَ الأَسْوَدُ يُحْرِمُ مِنْ بَيْتِهِ.
وعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَطِيَّةَ،قَالَ:أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى قَيْسَ بْنَ عُبَادٍ أَحْرَمَ مِنْ مِرْبَدِ الْبَصْرَةِ.
وعَنْ إبْرَاهِيمَ،قَالَ:كَانَ عَلْقَمَةُ إذَا خَرَجَ حَاجًّا،أَحْرَمَ مِنَ النَّجَفِ وَقَصَرَ،وَكَانَ الأَسْوَدُ يُحْرِمُ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ.
وعَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ،قَالَ:رَأَيْتُ الأَسْوَدَ أَحْرَمَ مِنْ بَاجُمَيْرَى،قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى السَّوَادِ.
وعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،قَالَ:رَأَيْتُ الأَسْوَدَ أَحْرَمَ مِنَ الْكُوفَةِ.
وعَنْ مَكْحُولٍ الأَزْدِيِّ،قَالَ:قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ:الرَّجُلُ يُحْرِمُ مِنْ سَمَرْقَنْدَ،وَمِنَ الْبَصْرَةِ،وَمِنَ الْكُوفَةِ،فَقَالَ:يَا لَيْتَنَا نَنْفَلِتُ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي وُقِّتَ لَنَا.
وعَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ،قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ الْقَاسِمِ،فَأَحْرَمَ مِنَ الرَّبَذَةِ.
وعَنِ ابن أَبِي لَيْلَى ؛ أَنَّ عَلِيًّا أحْرَمَ مِنَ الْمَدِينَةِ.
وعَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ،قَالَ:رَأَيْتُ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد التَّيْمِيَّ،وَعَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ أَحْرَمَا مِنَ الْكُوفَةِ.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلِمَةَ ؛ أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} قَالَ:أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك.
وعَنْ طَاوُوسٍ،قَالَ:إِتْمَامُهُمَا إفْرَادُهُمَا،مُؤْتَنِفَتَانِ مِنْ أَهْلِك.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنَ الشَّامِ فِي شِتَاءٍ شَدِيدٍ. (1)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (3 / 477) (12814-12836) وغالبها صحيح وحسن(1/294)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) قَالَ:مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ. (1)
وَاسْتَدَلُّوا مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ بِأَنَّ " الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَكْثَرُ،وَالتَّعْظِيمَ أَوْفَرُ " فَيَكُونُ أَفْضَل . (2)
وفي فتاوى واستشارات الإسلام اليوم :
" لا حرج على المسلم أن يحرم قبل الميقات،لكن الأكمل والأفضل أن يكون الإحرام من الميقات نفسه؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم - ،وفي حجه - صلى الله عليه وسلم - وجميع عُمَرِه الأربع أحرم من الميقات،وهذا فعل صحابته -رضي الله عنهم- من بعده،لكن لو أحرم الحاج أو المعتمر قبل الميقات من منزله أو المنزل الذي سكن فيه مؤقتاً فلا حرج عليه،والفقهاء -رحمهم الله- يقولون: (ويكره الإحرام قبل الميقات)،ولكن هذه الكراهة لا دليل عليها،فلو قيل: إن الإحرام قبل الميقات خلاف الأولى لكان أدق،والله أعلم (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (5 / 30) (9195) ضعيف
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (2 / 148) و موطأ محمد بشرح اللكنوي - (1 / 445)
(3) - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (15 / 288) -الإحرام قبل الميقات -المجيب أ.د. عبد الله بن محمد الطيار(1/295)
هل يلبي عند دخول بيت المقدس ؟
عَنْ عَبَّادٍ،يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،قَالَ:"حُدِّثْتُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ:لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ " (1)
وعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ،قَالَ:حُدِّثْتُ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،لَمَّا دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ:لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ " (2)
قال البيهقي:"باب مَنْ لَبَّى لاَ يُرِيدُ إِحْرَامًا لَمْ يُصِرْ مُحْرِمًا. {ت} قَالَ الشَّافِعِىُّ رَحِمَهُ اللَّهِ:رُوِىَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَقِىَ رُكْبَانا بِالسَّالِحِينَ مُحْرِمِينَ فَلَبَّوْا وَلَبَّى ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ دَاخِلٌ الْكُوفَةَ. وَقَدْ مَضَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ». (3)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:"وَإِنْ لِمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَلَيْسَ بِشَيْءٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:وَهَذَا صَحِيحٌ . لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا إِحْرَامًا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِفَقْدِ مَا انْعَقَدَ بِهِ الْإِحْرَامُ وَهُوَ النِّيَّةُ،وَحَتَّى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّلْبِيَةَ لِلْإِحْلَالِ:لِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْإِحْرَامِ ،كَرَمْيِ الْجِمَارِ ،وَلَمْ يَكْرَهِ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ،لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ،فَلَمْ يَضِقْ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ . رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَقِيَ رُكْبَانًا لِسَالِحِينَ مُحْرِمِينَ فَلَبَّوْا فَلَبَّى ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ دَاخِلُ الْكُوفَةِ . (4)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلْبَيْهقِيِّ (8466 ) فيه جهالة
(2) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (1316 ) فيه جهالة
(3) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (5 / 40) باب 66
(4) - الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي - (4 / 83)(1/296)
من نذر أن يصلي في المسجد الأقصى
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ رَجُلاً قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى نَذَرْتُ لِلَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّىَ فِى بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ : « صَلِّ هَا هُنَا » ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ : « صَلِّ هَا هُنَا » ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ : « شَأْنَكَ إِذًا » (1) .
وعَنْ جَابِرٍ،أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ : يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَقَالَ : صَلِّ هَاهُنَا،فَسَأَلَهُ،فَقَالَ : صَلِّ هَاهُنَا،فَسَأَلَهُ،فَقَالَ : شَأْنَكَ إِذًا. (2)
وقال الشوكاني : " قَوْلُهُ : ( صَلِّ هَهُنَا ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ بِصَلَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نَحْوَهَا فِي مَكَانٍ لَيْسَ بِأَفْضَلَ مِنْ مَكَانِ النَّاذِرِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِإِيقَاعِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ،بَلْ يَكُونُ الْوَفَاءُ بِالْفِعْلِ فِي مَكَانِ النَّاذِرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ النَّاذِرَ بِأَنْ يَنْحَرَ بِبُوَانَةَ يَفِي بِنَذْرِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ : هَلْ كَانَتْ كَذَا هَلْ كَانَتْ كَذَا ؟ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ النَّذْرِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً .
وَلَعَلَّ الْجَمْعَ بَيْن مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ أَنَّ الْمَكَانَ لَا يَتَعَيَّنُ حَتْمًا،بَلْ يَجُوزُ فِعْلُ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي غَيْرِهِ فَيَكُونَ مَا هُنَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ .
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ النَّذْرِ إذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ النَّاذِرُ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ،لَا إذَا كَانَ الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ النَّاذِرُ فَوْقَهُ فِي الْفَضِيلَةِ،وَيُشْعِرُ بِهَذَا مَا فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مِنْ تَعْلِيلِ مَا أَفْتَتْ بِهِ بِبَيَانِ أَفْضَلِيَّةِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ النَّاذِرَةُ فِي الشَّيْءِ الْمَنْذُورِ بِهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ " (3)
وفي الفتح : " وَاخْتُلِفَ فِي شَدِّ اَلرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا كَالذَّهَابِ إِلَى زِيَارَةِ اَلصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَإِلَى اَلْمَوَاضِعِ اَلْفَاضِلَةِ لِقَصْد اَلتَّبَرُّك بِهَا وَالصَّلَاة فِيهَا فَقَالَ اَلشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّد
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (3307 ) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 186)(14919) 14981- صحيح
(3) - نيل الأوطار - (13 / 283)(1/297)
اَلْجُوَيْنِيّ : يَحْرُمُ شَدّ اَلرِّحَال إِلَى غَيْرِهَا عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا اَلْحَدِيثِ،وَأَشَارَ اَلْقَاضِي حُسَيْن إِلَى اِخْتِيَارِهِ وَبِهِ قَالَ عِيَاض وَطَائِفَة،وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ اَلسُّنَنِ مِنْ إِنْكَار بَصْرَة اَلْغِفَارِيّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَة خُرُوجه إِلَى اَلطُّورِ وَقَالَ لَهُ " لَوْ أَدْرَكْتُك قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مَا خَرَجْت " وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى حَمْلَ اَلْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ،وَوَافَقَهُ أَبُو هُرَيْرَة . وَالصَّحِيحُ عِنْدَ إِمَامِ اَلْحَرَمَيْنِ وَغَيْره مِنْ اَلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ،وَأَجَابُوا عَنْ اَلْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ اَلْمُرَادَ أَنَّ اَلْفَضِيلَةَ اَلتَّامَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدّ اَلرِّحَالُ إِلَى هَذِهِ اَلْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ جَائِز،وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ سَيَأْتِي ذِكْرهَا بِلَفْظ " لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تَعْمَلَ " وَهُوَ لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ اَلتَّحْرِيمِ وَمِنْهَا أَنَّ اَلنَّهْيَ مَخْصُوص بِمَنْ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ اَلصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ سَائِرِ اَلْمَسَاجِدِ غَيْر اَلثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ اَلْوَفَاء بِهِ قَالَهُ ابْن بَطَّال،وَقَالَ اَلْخَطَّابِيّ : اَللَّفْظُ لَفْظ اَلْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ اَلْإِيجَاب فِيمَا يَنْذِرُهُ اَلْإِنْسَانُ مِنْ اَلصَّلَاةِ فِي اَلْبِقَاعِ اَلَّتِي يُتَبَرَّكُ بِهَا أَيْ لَا يَلْزَمُ اَلْوَفَاء بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْر هَذِهِ اَلْمَسَاجِدِ اَلثَّلَاثَةِ،وَمِنْهَا أَنَّ اَلْمُرَادَ حُكْم اَلْمَسَاجِدِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا تُشَدُّ اَلرِّحَال إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ اَلْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ غَيْر هَذِهِ اَلثَّلَاثَةِ ؛ وَأَمَّا قَصْدُ غَيْر اَلْمَسَاجِدِ لِزِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ صَاحِبٍ أَوْ طَلَب عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي اَلنَّهْيِ،وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَحْمَد مِنْ طَرِيق شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيد وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ اَلصَّلَاةُ فِي اَلطُّورِ فَقَالَ : قَالَ رَسُول اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَشُدَّ رِحَالَهُ إِلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ اَلصَّلَاة غَيْر اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَام وَالْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى وَمَسْجِدِي " وَشَهْرٌ حَسَنُ اَلْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْض اَلضَّعْفِ . وَمِنْهَا أَنَّ اَلْمُرَادَ قَصْدهَا بِالِاعْتِكَافِ فِيمَا حَكَاهُ اَلْخَطَّابِيّ عَنْ بَعْضِ اَلسَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ : لَا يُعْتَكَفُ فِي غَيْرِهَا،وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ اَلَّذِي قَبْلَهُ،وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ دَلِيلًا،وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ أَحَدِ هَذِهِ اَلْمَسَاجِد لَزِمَهُ ذَلِكَ،وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيّ وَالْبُوَيْطِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاق اَلْمَرْوَزِيّ،وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة لَا يَجِبُ مُطْلَقًا،وَقَالَ اَلشَّافِعِيّ فِي " اَلْأُمِّ " يَجِبُ فِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَام لِتَعَلُّق اَلنُّسُك بِهِ بِخِلَاف اَلْمَسْجِدَيْنِ اَلْأَخِيرَيْنِ،وَهَذَا هُوَ اَلْمَنْصُورُ لِأَصْحَابِ اَلشَّافِعِيِّ،وَقَالَ اِبْن اَلْمُنْذِر : يَجِبُ إِلَى اَلْحَرَمَيْنِ،وَأَمَّا اَلْأَقْصَى فَلَا،وَاسْتَأْنَسَ بِحَدِيثِ جَابِر " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْك مَكَّة أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ،قَالَ :(1/298)
صَلِّ هَاهُنَا " وَقَالَ اِبْن اَلتِّينِ : اَلْحُجَّةُ عَلَى اَلشَّافِعِيِّ أَنَّ إِعْمَال اَلْمَطِيّ إِلَى مَسْجِدِ اَلْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى وَالصَّلَاةِ فِيهِمَا قُرْبَة فَوَجَبَ أَنْ يُلْزَمَ بِالنَّذْرِ كَالْمَسْجِدِ اَلْحَرَام اِنْتَهَى ." (1)
وقال العيني : " واستدل قوم بهذا الحديث أعني حديث الباب على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك وبه قال مالك وأحمد والشافعي في البويطي واختاره أبو إسحق المروزي وقال أبو حنيفة لا يجب مطلقا وقال الشافعي في الأم يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به بخلاف المسجدين الآخرين وقال ابن المنذر يجب إلى الحرمين وأما الأقصى فلا واستأنس بحديث جابر أن رجلا قال للنبي إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال صل ههنا وقال ابن التين الحجة على الشافعي إن أعمال المطي إلى مسجد المدينة والمسجد الأقصى والصلاة فيهما قربة فوجب أن يلزم بالنذر كالمسجد الحرام وقال الغزالي عند ذكر إتيان المساجد فلو قال آتي مسجد الخيف فهو كمسجد الحرام لأنه من الحرم وكذلك أجزاء سائر الحرم قال ولو قال آتي مكة لم يلزمه شيء إلا إذا قصد الحج وقال شيخنا زين الدين لا وجه لتفرقته بين مكة وسائر أجزاء الحرم فإنها من أجزاء الحرم لا جرم أن الرافعي تعقبه فقال ولو قال أمشي إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام أو إلى مكة أو ذكر بقعة أخرى من بقاع الحرم كالصفا والمروة ومسجد الخيف ومنى والمزدلفة ومقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقبة زمزم وغيرها فهو كما لو قال إلى بيت الله الحرام حتى لو قال آتي دار أبي جهل أو دار الخيزران كان الحكم كذلك لشمول حرمة الحرم له بتنفير الصيد وغيره وعن أبي حنيفة أنه لا يلزم المشي إلا أن يقول إلى بيت الله الحرام أو قال مكة أو إلى الكعبة أو إلى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وحكى الرافعي عن القاضي ابن كج أنه قال إذا نذر أن يزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فعندي أنه يلزمه الوفاء وجها واحدا قال ولو نذر أن يزور قبر غيره ففيه وجهان عندي وقال القاضي عياض وأبو محمد الجويني من الشافعية أنه يحرم شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة لمقتضى النهي وقال
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (4 / 190)(1/299)
النووي وهو غلط والصحيح عند أصحابنا وهو الذي اختاره إمام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم ولا يكره وقال الخطابي لا تشد لفظه خبر ومعناه الإيجاب فيما نذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك حتى يشد الرحل له ويقطع المسافة إليه غير هذه الثلاثة التي هي مساجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فأما إذا نذر الصلاة في غيرها من البقاع فإن له الخيار في أن يأتيها أو يصليها في موضعه لا يرحل إليها قال والشد إلى المسجد الحرام فرض للحج والعمرة وكان تشد الرحال إلى مسجد رسول الله في حياته للهجرة وكانت واجبة على الكفاية وأما إلى بيت المقدس فإنما هو فضيلة واستحباب وأول بعضهم معنى الحديث على وجه آخر وهو أن لا يرحل في الاعتكاف إلا إلى هذه الثلاثة فقد ذهب بعض السلف إلى أن الاعتكاف لا يصح إلا فيها دون سائر المساجد وقال شيخنا زين الدين من أحسن محامل هذا الحديث أن المراد منه حكم المساجد فقط وأنه لا يشد الرحل إلى مسجد من المساجد غير هذه الثلاثة فأما قصد غير المساجد من الرحلة في طلب العلم وفي التجارة والتنزه وزيارة الصالحين والمشاهد وزيارة الإخوان ونحو ذلك فليس داخلا في النهي وقد ورد ذلك مصرحا به في بعض طرق الحديث في مسند أحمد حدثنا هاشم حدثنا عبد الحميد حدثني شهر سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وذكر عنده صلاة في الطور فقال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينبغي للمطي أن يشد رحاله إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا وإسناده حسن وشهر بن حوشب وثقه جماعة من الأئمة وفيه المذكور المسجد الحرام " (1)
وقال العراقي : " ( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَزِمَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقَاصِدِ الَّتِي يُؤْتَى لَهَا ذَلِكَ الْمَحَلُّ بَلْ هُوَ أَعْظَمُهَا،وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ : عِنْدِي إذَا نَذَرَ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ وَلِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ
__________
(1) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (8 / 556)(1/300)
بْنِ تَيْمِيَّةَ هُنَا كَلَامٌ بَشِعٌ عَجِيبٌ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ شَدِّ الرَّحْلِ لِلزِّيَارَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْبِ بَلْ بِضِدِّ ذَلِكَ،وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي شِفَاءِ السَّقَامِ فَشَفَى صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ،وَكَانَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْكِي أَنَّهُ كَانَ مُعَادِلًا لِلشَّيْخِ زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ فِي التَّوَجُّهِ إلَى بَلَدِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْبَلَدِ قَالَ نَوَيْتُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْخَلِيلِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ شَدِّ الرَّحْلِ لِزِيَارَتِهِ عَلَى طَرِيقَةِ شَيْخِ الْحَنَابِلَةِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ قَالَ فَقُلْت نَوَيْت زِيَارَةَ قَبْرِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ قُلْت لَهُ أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ خَالَفْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ لِأَنَّهُ قَالَ { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ }،وَقَدْ شَدَدْتَ الرَّحْلَ إلَى مَسْجِدٍ رَابِعٍ وَأَمَّا أَنَا فَاتَّبَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ لِأَنَّهُ قَالَ { زُورُوا الْقُبُورَ } .
أَفَقَالَ إلَّا قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ ؟ قَالَ فَبُهِتَ ( قُلْت ) وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا اخْتِصَاصَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ بِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ فِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ { لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ كَذَا ،وَكَذَا } فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ شَدُّ الرَّحْلِ إلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ لَا كُلُّ سَفَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (1)
قلت : وقال ابن كثير رحمه الله عن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فَإِنَّ جَوَابَهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِيهِ مَنْعُ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ،وَإِنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ قَوْلَيْنِ فِي شَدِّ الرِّحَالِ وَالسَّفَرِ إِلَى مُجَرَّدِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ،وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ مِنْ غَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ إِلَيْهَا مَسْأَلَةٌ،وَشَدُّ الرَّحْلِ لِمُجَرَّدِ الزِّيَارَةِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى،وَالشَّيْخُ لَمْ يَمْنَعِ الزِّيَارَةَ الْخَالِيَةَ عَنْ شَدِّ رَحْلٍ،بَلْ يَسْتَحِبُّهَا وَيَنْدُبُ إِلَيْهَا،وَكُتُبُهُ وَمَنَاسِكُهُ تَشْهَدُ بِذَلِكَ،وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إِلَى هَذِهِ الزِّيَارَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْفُتْيَا،وَلَا قَالَ: إِنَّهَا مَعْصِيَةٌ،وَلَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهَا،وَلَا هُوَ جَاهِلٌ بِقَوْلِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - {زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ}.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ،وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (227) سورة الشعراء. (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - طرح التثريب - (6 / 201)
(2) - البداية والنهاية لابن كثير محقق - موافق للمطبوع - (14 / 143)(1/301)
نقل رفاة النبي يوسف عليه السلام إلى الأرض المقدسة
عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْرَابِيًّا فَأَكْرَمَهُ ، فقَالَ لَهُ : ائْتِنَا ، فَأَتَاهُ ، فقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَلْ حَاجَتَكَ ، قَالَ : نَاقَةٌ نَرْكَبُهَا ، وَأَعْنُزٌ يَحْلِبُهَا أَهْلِي ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ،قَالَ : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا سَارَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ ، ضَلُّوا الطَّرِيقَ ، فقَالَ : مَا هَذَا ؟ فقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ : إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنَ اللهِ أَنْ لاَ نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا ، قَالَ : فَمَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ ؟ قَالَ : عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ ، فقَالَ : دُلِّينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ ، قَالَتْ : حَتَّى تُعْطِيَنِي حُكْمِي ، قَالَ : وَمَا حُكْمُكِ ؟ قَالَتْ : أَكُونُ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ ، فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَلِكَ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنْ أَعْطِهَا حُكْمَهَا ، فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَةٍ مَوْضِعِ مُسْتَنْقَعِ مَاءٍ ، فَقَالَتْ : أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاءَ،فَأَنْضَبُوهُ ، فَقَالَتْ : احْتَفِرُوا ، فَاحْتَفَرُوا ، فَاسْتَخْرَجُوا عِظَامَ يُوسُفَ،فَلَمَّا أَقَلُّوهَا إِلَى الأَرْضِ،وَإِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ." (1)
وعن يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ ، أَنَّهُ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ الْآيَاتُ . فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَعْرَابِيٍّ فَأَكْرَمَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَعَهَّدْنَا ائْتِنَا " فَأَتَاهُ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا حَاجَتُكَ ؟ " فَقَالَ : نَاقَةٌ بِرَحْلِهَا وَيَحْلِبُ لَبَنَهَا أَهْلِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عَجَزَ هَذَا أَنْ يَكُونَ كَعَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : مَا عَجُوزُ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 500) (723) والصحيحة (313) ومسند أبي يعلى الموصلي (7254 ) واتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (2 / 153)[2001 ] والآحاد والمثاني - (433) والمستدرك للحاكم (3523و4088)وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي والمطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (14 / 249)(3452) وقال صححه ابن حبان وهو حديث صحيح على شرط مسلم ، وصححه الشيخ ناصر رحمه الله في الصحيحة وهو حديث صحيح(1/302)
بَنِي إِسْرَائِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : " إِنَّ مُوسَى حِينَ أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ضَلَّ عَنْهُ الطَّرِيقُ فَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَا هَذَا ؟ قَالَ : فَقَالَ لَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ : إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا نُخْرِجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى تُنْقَلَ عِظَامُهُ مَعَنَا . فَقَالَ مُوسَى : أَيُّكُمْ يَدْرِي أَيْنَ قَبْرُ يُوسُفَ ؟ فَقَالَ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَكَانَ قَبْرِهِ إِلَّا عَجُوزٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مُوسَى فَقَالَ : دُلِّينَا عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ قَالَتْ : لَا وَاللَّهِ حَتَّى تُعْطِيَنِي حُكْمِي . فَقَالَ لَهَا : مَا حُكْمُكِ ؟ قَالَتْ : حُكْمِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ . فَكَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ قَالَ : فَقِيلَ لَهُ أَعْطِهَا حُكْمَهَا ، فَأَعْطَاهَا حُكْمَهَا فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَةٍ مُسْتَنْقِعَةٍ مَاءً ، فَقَالَتْ لَهُمُ أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاءَ . فَلَمَّا أَنْضَبُوا قَالَتْ لَهُمُ : احْفِرُوا فَحَفَرُوا فَاسْتَخْرَجُوا عِظَامَ يُوسُفَ فَلَمَّا أَنْ أَقَلُّوهُ مِنَ الْأَرْضِ إِذِ الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ " (1)
وقال الإمام ابن كثير عقبه:هذا حديث غريب جدًا، والأقرب أنه موقوف، والله أعلم. (2)
قلت : لا يجوز ردُّ السنَّة لهذا السبب ، فالمرفوع صحيح ، وقد ذكر الحديث الفخر الرازي في تفسيره ولم يستنكره (3)
وكذلك الإمام القرطبي في تفسيره (4)
ولعل سبب استغراب الإمام ابن كثير هو ذكر عظام يوسف عليه السلام .
قال الشيخ ناصر رحمه الله : " كنت استشكلت قديما قوله في هذا الحديث " عظام يوسف " لأنه يتعارض بظاهره مع الحديث الصحيح :" إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ ، فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ
__________
(1) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (3482 ) صحيح
(2) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (6 / 143)
(3) - تفسير الفخر الرازى ـ موافق للمطبوع - (1 / 3082)
(4) - تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع - (13 / 107) و الدر المنثور للسيوطي -موافق للمطبوع - (11 / 263)(1/303)
مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ ؟ - يَعْنِى بَلِيتَ - فَقَالَ : إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ. " (1)
حتى وقفت على حديث ابْنِ عُمَرَ ؛أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَدُنَ قَالَ لَهُ تَمِيمٌ الدَّارِىُّ أَلاَ أَتَّخِذُ لَكَ مِنْبَرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَجْمَعُ أَوْ يَحْمِلُ عِظَامَكَ قَالَ بَلَى فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا مِرْقَاتَيْنِ..أخرجه أبو داود ( 1081 ) بإسناد جيد على شرط مسلم .
فعلمت منه أنهم كانوا يطلقون "العظام "،و يريدون البدن كله،من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل،كقوله تعالى {أ.. وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (78) سورة الإسراءأي : صلاة الفجر .
فزال الإشكال والحمد لله،فكتبت هذا لبيانه (2) .
نقل الميت من مكان موته إلى مكان آخر
جاء في الموسوعة الفقهية :
__________
(1) - انظر تخريجه في المسند الجامع - (3 / 163)(1680) وهو حديث صحيح
الصعقة : الغشي والموت.
أرم البيت : ورم :إذا بلي ،والرمة : العظيم الباليه ، والفعل الماضي منه للمتكلم : أرممت بإظهار التضعيف، وكذلك كل فعل مضعف ، فإنه يظهر فيه التضعيف ، تقول في شد : شددت ، وفي أعد : أعددت ،والذي جاء فلي حديث في هذه اللفظة بترك إظهار التضعيف ، هكذا يرويه المحدثون ، وهكذا قرأناه ، وإنما ظهر التضعيف، لأن تاء المتكلم متحركة ، فلا يكون إلا ساكن ، فإذا سكن ما قبلها - وهو أحد الميمين ها هنا - التقى ساكنان ،فإن الميم الأولى ساكنة لأجل التضعيف والإدغام ،ولا يمكن الجمع بين ساكنين ،ولا يجوز تحريك الثاني ،لأنه وجب سكونه لأجل تاء المتكلم ، فحرك الأول ، وحديث حرك ظهر التضعيف ، إذ يظهر التضعيف - على ما رواه المحدثون - احتاجوا أن يضعفوا التاء ، ليمكن النطق بها ، وليكون ما قبلها ساكنا ، على أن في لغة بعض العرض شيئا من هذا النوع ،قال الخطابي : أصل هذه الكلمة: أرممت ، فحذف إحدى الميمين ،كقولهم في ظللت : ظلت ، وفي أحسست أحست ، فهذا يدل على أنه قد روى اللفظة أرمت مخففة ، بوزن أكلت ، وحينئذ استراح من هذا التعسف ، قال: فيجوز أن يكون معناه : أرمت - بضم الهمرة- بوزن أرمت ، من قولهم : أرمت الإبل تأرم : إذا تناولت العلف وقلعته من الأرض.جامع الأصول في أحاديث الرسول - (9 / 265)
(2) - الصحيحة (313) وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (6 / 5204) -رقم الفتوى 46657 يطلقون العظام ويريدون البدن كله(1/304)
" ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نَقْل الْمَيِّتِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ بَعْدَ الدَّفْنِ مُطْلَقًا . وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِجَوَازِهِ إِلاَّ أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ رَدَّهُ فَقَال نَقْلاً عَنِ الْفَتْحِ : اتِّفَاقُ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ ، وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَسَعُهَا ذَلِكَ ، فَتَجْوِيزُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ .
وَأَمَّا نَقْل يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ ؛ لِيَكُونَا مَعَ آبَائِهِمَا الْكِرَامِ فَهُوَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ، وَلَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا .
وَأَمَّا قَبْل دَفْنِهِ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِنَقْلِهِ مُطْلَقًا ، وَقِيل إِلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ ، وَقَيَّدَهُ مُحَمَّدٌ بِقَدْرِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نَقْل الْمَيِّتِ قَبْل الدَّفْنِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ إِلاَّ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ . وَبِهِ قَال الأَْوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
فعبد الله بن أبي مليكة - رضي الله عنه - قال : «لما توفيَ عبد الرحمنُ بنُ أبي بكر بالحُبْشِي - وهو موضع - فَحُمِل إلى مكة ، فدفن بها ، فلما قَدِمتْ عائشة ، أتَتْ قبر عبد الرحمن بن أبي بكر ،فقالت :
وكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذيِمَةَ حِقْبَة من الدّهْرِ ، حتى قيل : لن يَتَصَدّعَا
فلما تفرَّقْنا كأنِّي ومالِكا لطولِ اجتماع لم نَبِتْ لَيْلة معا
ثم قالت : واللَّه لو حضرتُك ما دُفنْتَ إلا حيثُ مُتَّ ، ولو شهدتُكَ مازُرْتك».
أخرجه الترمذي. (1)
وَلأَِنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ لِمُؤْنَتِهِ ، وَأَسْلَمُ لَهُ مِنَ التَّغْيِيرِ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ جَازَ .
قَال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لاَ أُحِبُّهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ ، أَوِ الْمَدِينَةِ ، أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ . فَيُخْتَارُ أَنْ يُنْقَل إِلَيْهَا لِفَضْل الدَّفْنِ فِيهَا ، وَقَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : يُكْرَهُ نَقْلُهُ ، وَقَال صَاحِبُ " التَّتِمَّةِ " وَآخَرُونَ : يَحْرُمُ نَقْلُهُ (2) .
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (1075) وإرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - (3 / 234) وصححه ابن الملقن في تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج - (2 / 34) (895 )
(2) - ابن عابدين 1 / 602 ، وروضة الطالبين 2 / 143 ، والمغني 2 / 509 .(1/305)
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ نَقْل الْمَيِّتِ قَبْل الدَّفْنِ وَكَذَا بَعْدَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ بِشُرُوطٍ هِيَ :
- أَنْ لاَ يَنْفَجِرَ حَال نَقْلِهِ
- أَنْ لاَ تُنْتَهَكَ حُرْمَتُهُ
- وَأَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةٍ : كَأَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْبَحْرُ ، أَوْ تُرْجَى بَرَكَةُ الْمَوْضِعِ الْمَنْقُول إِلَيْهِ ، أَوْ لِيُدْفَنَ بَيْنَ أَهْلِهِ ، أَوْ لأَِجْل قُرْبِ زِيَارَةِ أَهْلِهِ ، أَوْ دَفْنِ مَنْ أَسْلَمَ بِمَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ ، فَيُتَدَارَكُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا ، وَدَفْنِهِ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلاَثَةِ كَانَ النَّقْل حَرَامًا (1) .
وَاتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ يُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ حَيْثُ قُتِل . عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى مَصَارِعِهِمْ وَكَانُوا قَدْ نُقِلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ (2) .. وَأَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ الْحَدِيدُ وَالسِّلاَحُ ، وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ خُفَّاهُ ، وَقَلَنْسُوَتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ ، وَأَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمْ بِدِمَائِهِمْ.. (3)
وَدَفْنُ الشَّهِيدِ بِثِيَابِهِ حَتْمٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَمَلاً بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، وَأَوْلَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ . فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَنْزِعَ عَنْهُ ثِيَابَهُ ، وَيُكَفِّنَهُ بِغَيْرِهَا (4) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْكَافِرَ إِنْ مَاتَ فِي الْحِجَازِ ، وَشَقَّ نَقْلُهُ مِنْهُ لِتَقَطُّعِهِ ، أَوْ بُعْدِ الْمَسَافَةِ مِنْ غَيْرِ الْحِجَازِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دُفِنَ ثَمَّ ، أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلاَ يَجِبُ دَفْنُهُ ، وَفِي وَجْهٍ لاَ يَجُوزُ ، فَإِنْ دُفِنَ فَيُتْرَكُ .
__________
(1) - شرح الزرقاني 2 / 102 ط دار الفكر ، وجواهر الإكليل 1 / 111 ، وحاشية الدسوقي 1 / 421
(2) - سنن النسائي- المكنز - (2016 ) صحيح
(3) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (2 / 477) (1515) والبدر المنير - (5 / 253) والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (852) - (2 / 240) وخلاصة البدر المنير - (1 / 262)( 913 ) وفيه ضعف
(4) - البدائع 1 / 344 ، وابن عابدين 1 / 610 ، وجواهر الإكليل 1 / 111 ، والقليوبي 1 / 339 ، وروضة الطالبين 2 / 120 ، 131 ، والمغني 2 / 509 ، 531 ، 532 .(1/306)
وَأَمَّا فِي حَرَمِ مَكَّةَ فَيُنْقَل مِنْهُ وَلَوْ دُفِنَ ؛ لأَِنَّ الْمَحَل غَيْرُ قَابِلٍ لِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ مِنَ الإِْمَامِ ؛ لأَِنَّ إِذْنَ الإِْمَامِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ . وَلأَِنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا إِلاَّ إِذَا تَهَرَّى وَتَقَطَّعَ بَعْدَ دَفْنِهِ تُرِكَ . وَلَيْسَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ كَحَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ ؛ لاِخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ (1) .
--------------
نَبْشُ الْقَبْرِ مِنْ أَجْل نَقْل الْمَيِّتِ إِلَى مَكَانٍ آخَر (2)
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نَبْشُ الْقَبْرِ مِنْ أَجْل نَقْل الْمَيِّتِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ ، قَال ابْنُ الْهُمَامِ : اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ - مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ - فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ : أَنَّهُ لاَ يَسَعُهَا ذَلِكَ . فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلاَفٌ بَيْنِ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّهُ لاَ يُنْبَشُ ، وَأَمَّا نَقْل يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا السَّلاَمُ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ لِيَكُونَا مَعَ آبَائِهِمَا الْكِرَامِ فَهُوَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ، وَلَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا (3) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَبْشُ الْقَبْرِ لِنَقْل الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ فِي بُقْعَةٍ خَيْرٍ مِنْ بُقْعَتِهِ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا ، كَمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ لِتَعُودَ عَلَيْهِ بَرَكَتُهُ ، أَوْ لإِِفْرَادِهِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ عَمَّنْ دُفِنَ مَعَهُ ، فَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِذَلِكَ (4) ، فعَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِى أَبِى مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ مَا أُرَانِى إِلاَّ مَقْتُولاً فِى أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَإِنِّى لاَ أَتْرُكُ بَعْدِى أَعَزَّ عَلَىَّ مِنْكَ ، غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِنَّ عَلَىَّ دَيْنًا فَاقْضِ ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا . فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِى قَبْرٍ ، ثُمَّ لَمْ
__________
(1) - حاشية الجمل 5 / 215 ، 216 ، وأسنى المطالب 4 / 214 ، 215 والموسوعة الفقهية الكويتية - (21 / 9) فما بعد
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (40 / 32)
(3) - فتح القدير 2 / 101 - 102 ، وحاشية ابن عابدين 1 / 602 ، ومغني المحتاج 1 / 366 .
(4) - كشاف القناع 2 / 86 ، 142 .(1/307)
تَطِبْ نَفْسِى أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ . (1)
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ نَبْشِ الْقَبْرِ لِنَقْل الْمَيِّتِ إِلَى بُقْعَةٍ خَيْرٍ مِنْ بُقْعَتِهِ الشَّهِيدَ إِذَا دُفِنَ بِمَصْرَعِهِ ، فَلاَ يُنْبَشُ قَبْرُهُ لِنَقْلِهِ إِلَى غَيْرِ مَصْرَعِهِ ، حَتَّى لَوْ نُقِل مِنْهُ رُدَّ إِلَيْهِ ؛ لأََنَّ دَفْنَ الشَّهِيدِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قُتِل فِيهِ سُنَّةٌ (2) ، فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « ادْفِنُوا الْقَتْلَى فِى مَصَارِعِهِمْ ». (3)
وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَقَدْ قَال ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي : وَلَمْ يَزَل الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَقْبُرُونَ فِي الصَّحَارِي (4)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1351 )
(2) - كشاف القناع 2 / 86 ، 142 .
(3) - سنن النسائي- المكنز - (2017 ) صحيح
(4) - المغني لابن قدامة ( 3 / 441 - ط هجر ) وانظر الأوسط لابن المنذر - (9 / 451) والفقه الإسلامي وأدلته - (2 / 670) والفقه على المذاهب الأربعة - (1 / 825) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 6433) سؤال رقم 8852- نقل الميت إلى بلده وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 1692) رقم الفتوى 4003 من الأمور التي تبيح نقل الميت وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 3013) رقم الفتوى 6779 تحويل الميت عن قبره لغرض يتعلق بالقبر القديم وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 3929) رقم الفتوى 8248 نبش قبر الميت لنقله لمكان آخر وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (3 / 3552) رقم الفتوى 16343 يجوز نبش القبر لغرض صحيح وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 1967) رقم الفتوى 21883 الأحوال التي يجوز فيها نقل قبر الميت وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (15 / 225) نقل الميت إلى مقبرة أخرى وفتاوى يسألونك لعفانة1-12 - (1 / 71) نقل الميت من دولة إلى أخرى(1/308)
طلب موسى عليه السلام من ربه تقريبه عند موته من الأرض المقدسة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَلَطَمَهُ مُوسَى فَفَقَأَ عَيْنَهُ. قَالَ : فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ : إِنْ شِئْتَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَلَكَ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ يَدُكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ : فَقَالَ لَهُ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ : فَالآنَ يَا رَبِّ. قَالَ : فَسَأَلَ اللَّهُ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةَ حَجَرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ كُنْتُ ثَمَّتَ لَأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ قَبْرِهِ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى لِيَقْبِضَ رُوحَهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَجِبْ رَبَّكَ ، فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ، فَرَجَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى رَبِّهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ ، فَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ إِلَيْهِ ، فَقُلْ لَهُ : الْحَيَاةَ تُرِيدُ ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ وَارَتْ يَدُكَ سَنَةً. قَالَ : ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : الْمَوْتُ. قَالَ : فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ ، ثُمَّ قَالَ : رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ. (2)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ بَعَثَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُعَلِّمًا لِخَلْقِهِ فَأَنْزَلَهُ مَوْضِعَ الإِبَانَةِ عَنْ مُرَادِهِ ، فَبَلَّغَ - صلى الله عليه وسلم - رِسَالَتَهُ ، وَبَيَّنَ عَنْ آيَاتِهِ بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَمُفَسَّرَةٍ عَقَلَهَا عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَوْ بَعْضُهُمْ ، وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ الْأخْبَارِ الَّتِي يُدْرِكُ مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَحْرُمِ التَّوْفِيقَ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ. وَذَاكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ أَرْسَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى رِسَالَةَ ابْتِلاَءٍ وَاخْتِبَارٍ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ : أَجِبْ رَبَّكَ ، أَمْرَ اخْتِبَارٍ وَابْتِلاَءٍ لاَ أَمْرًا يُرِيدُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ إِمْضَاءَهْ كَمَا أَمَرَ خَلِيلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ بِذِبْحِ ابْنِهِ أَمْرَ اخْتِبَارٍ وَابْتِلاَءٍ ، دُونَ الأَمْرِ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (14 / 112) (6223) وصحيح البخارى- المكنز - (1339و3407 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6297)
(2) - صحيح ابن حبان - (14 / 116) (6224) صحيح(1/309)
جَلَّ وَعَلاَ إِمْضَاءَهُ ، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى ذَبْحِ ابْنِهِ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ فَدَاهُ بِالذَّبْحِ الْعَظِيمِ. وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ الْمَلاَئِكَةَ إِلَى رُسُلِهِ فِي صُوَرٍ لاَ يَعْرِفُونَهَا كَدُخُولِ الْمَلاَئِكَةِ عَلَى رَسُولِهِ إِبْرَاهِيمَ ، وَلَمْ يَعْرِفْهُمْ حَتَّى أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ، وَكَمَجِيءِ جِبْرِيلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسُؤَالِهِ إِيَّاهُ عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلاَمِ ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى وَلَّى. فَكَانَ مَجِيءُ مَلَكِ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَى غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَيْهَا ، وَكَانَ مُوسَى غَيُورًا فَرَأَى فِي دَارِهِ رَجُلاً لَمْ يَعْرِفْهُ ، فَشَالَ يَدَهُ فَلَطَمَهُ فَأَتَتْ لَطْمَتُهُ عَلَى فَقْءِ عَيْنِهِ الَّتِي فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَتَصَوَّرُ بِهَا لاَ الصُّورَةِ الَّتِي خَلْقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا ، وَلَمَّا كَانَ الْمُصَرَّحُ عَنْ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، حَيْثُ قَالَ : أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ ، فَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ : هَذَا وَقْتُكَ وَوَقْتُ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ : كَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ بَعْضَ شَرَائِعِنَا قَدْ تَتَّفِقُ بِبَعْضِ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْأُمَمِ ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرِيعَتِنَا أَنَّ مَنْ فَقَأَ عَيْنَ الدَّاخِلِ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوِ النَّاظِرِ إِلَى بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جُنَاحٌ عَلَى فَاعِلِهِ ، وَلاَ حَرَجٍ عَلَى مُرْتَكِبِهِ ، لِلأَخْبَارِ الْجَمَّةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ الَّتِي أَمْلَيْنَاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا : كَانَ جَائِزًا اتِّفَاقُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِشَرِيعَةِ مُوسَى ، بِإِسْقَاطِ الْحَرَجِ عَمَّنْ فَقَأَ عَيْنَ الدَّاخِلِ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ،فَكَانَ اسْتِعْمَالُ مُوسَى هَذَا الْفِعْلِ مُبَاحًا لَهُ وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى رَبِّهِ ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ مُوسَى فِيهِ ، أَمَرَهُ ثَانِيًا بِأَمْرِ آخَرَ أَمْرَ اخْتِبَارٍ وَابْتِلاَءٍ. كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ، إِذْ قَالَ اللَّهُ لَهُ : قُلْ لَهُ : إِنْ شِئْتَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَكَ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ يَدُكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ ، فَلَمَّا عَلِمَ مُوسَى كَلِيمُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ جَاءَهُ بِالرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، طَابَتْ نَفْسُهُ بِالْمَوْتِ ، وَلَمْ يَسْتَمْهِلْ ، وَقَالَ : فَالآنَ. فَلَوْ كَانَتِ الْمَرَّةُ الْأُولَى عَرَفَهُ مُوسَى أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، لاَسْتَعْمَلَ مَا اسْتَعْمَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُخْرَى عِنْدَ تَيَقُّنِهِ وَعِلْمِهِ بِهِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ ، وَرُعَاةُ اللَّيْلِ يَجْمَعُونَ مَا لاَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ ، وَيَرْوُونَ مَا لاَ(1/310)
يُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ ، وَيَقُولُونَ بِمَا يُبْطِلُهُ الإِسْلاَمُ جَهْلاً مِنْهُ لِمَعَانِي الأَخْبَارِ ، وَتَرْكَ التَّفَقُّهِ فِي الآثَارِ مُعْتَمِدًا مِنْهُ عَلَى رَأْيِهِ الْمَنْكُوسِ وَقِيَاسِهِ الْمَعْكُوسِ. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : " أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ : أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ . قَالَ : فَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَيْنَهُ فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهِ ، فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَلَهُ مَا غَطَّى يَدَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : ثُمَّ الْمَوْتُ . قَالَ : فَالْآنَ . قَالَ : فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ بِجَنْبِ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ " .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ : " هَذَا حَدِيثٌ يَطْعَنُ فِيهِ الْمُلْحِدُونَ وَأَهْلُ الْبِدَعِ ، وَيَغْمِزُونَ بِهِ فِي رُوَاتِهِ وَنَقَلَتِهِ ، وَيَقُولُونَ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى هَذَا الصَّنِيعَ بِمَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ ، جَاءَهُ بِأَمْرٍ مِنْ أَمَرِهِ فَيَسْتَعْصِي عَلَيْهِ وَلَا يَأْتَمِرُ لَهُ ؟ وَكَيْفَ تَصِلُ يَدُهُ إِلَى الْمَلَكِ ، وَيَخْلُصُ إِلَيْهِ صَكَّهُ وَلَطَمَهُ ؟ وَكَيْفَ يُنَهْنِهُ الْمَلَكُ الْمَأْمُورُ بِقَبْضِ رُوحِهِ فَلَا يَمْضِي أَمَرُ اللَّهِ فِيهِ ؟ هَذِهِ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمَعْقُولِ ، سَالِكَةٌ طَرِيقَ الِاسْتِحَالَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنِ اعْتَبَرَ هَذِهِ الْأُمُورَ بِمَا جَرَى بِهِ عُرْفُ الْبَشَرِ ، وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ عَادَاتُ طِبَاعِهِمْ ، فَإِنَّهُ يُسْرِعُ إِلَى اسْتِنْكَارِهَا وَالِارْتِيَابِ بِهَا ، لِخُرُوجِهَا عَنْ سَوْمِ طِبَاعِ الْبَشَرِ ، وَعَنْ سُنَنِ عَادَاتِهِمْ ، إِلَّا أَنَّهُ أَمَرٌ مَصْدَرُهُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَمْرٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَاوَلَةٌ بَيْنَ مَلَكٍ كَرِيمٍ وَبَيْنَ كَلِيمٍ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَخْصُوصٌ بِصِفَةٍ خَرَجَ بِهَا عَنْ حُكْمِ عَوَامِ الْبَشَرِ ، وَمَجَارِي عَادَاتِهِمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خُصَّ بِهِ مَنْ آثَرَهِ اللَّهُ بِاخْتِصَاصِهِ إِيَّاهُ ، فَالْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُمْ فِيمَا تَنَازَعَاهُ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى أَحْكَامِ طِبَاعِ الْآدَمَيِّينَ وَقِيَاسِ أَحْوَالِهِمْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي حَقِّ النَّظَرِ ، وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَطَائِفُ وَخَصَائِصُ يَخُصُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ ، وَيُفْرِدُهُمْ بِحُكْمِهَا دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ ، وَقَدْ أَعْطَى مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ النُّبُوَّةَ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (14 / 113)(1/311)
، وَاصْطَفَاهُ بِمُنَاجَاتِهِ وَكَلَامِهِ ، وَأَمَدَّهُ حِينَ أَرْسَلَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ ، كَالْعَصَا وَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ وَسَخَّرَ لَهُ الْبَحْرَ فَصَارَ طَرِيقًا يَبَسًا ، جَازَ عَلَيْهِ هُوَ وَقَوْمُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ ، وَغَرَقَ فِيهِ خَصْمُهُ وَأَعْدَاؤُهُ ، وَهَذِهِ أُمُورٌ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهَا ، وَأَفْرَدَهُ بِالِاخْتِصَاصِ فِيهَا ، أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَمُدَّةَ بَقَائِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا دَنَا حِينَ وَفَاتُهُ ، وَهُوَ بَشَرٌ يَكْرَهُ الْمَوْتَ طَبْعًا ، وَيَجِدُ أَلَمَهُ حِسًّا ، لَطَفَ لَهُ بِأَنْ لَمْ يُفَاجِئْهُ بِهِ بَغْتَةً ، وَلَمْ يَأْمُرِ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ قَهْرًا وَقَسْرًا ، لَكِنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ مُنْذِرًا بِالْمَوْتِ ، وَأَمَرَهُ بِالتَّعَرُّضِ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ فِي صُورَةِ بَشَرٍ ، فَلَمَّا رَآهُ مُوسَى اسْتَنْكَرَ شَأْنَهُ ، وَاسْتَوْعَرَ مَكَانَهُ ، فَاحْتَجَرَ مِنْهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ بِمَا كَانَ مِنْ صَكِّهِ إِيَّاهُ ، فَأَتَى ذَلِكَ عَلَى عَيْنِهِ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي الصُّورَةِ الْبَشَرِّيَّةِ الَّتِي جَاءَهُ فِيهَا دُونَ الصُّورَةِ الْمَلَكِيَّةِ الَّتِي هُوَ مَجْبُولُ الْخِلْقَةِ عَلَيْهَا ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ مِمَّا يُعَلِّلُ بِهِ طِبَاعَ الْبَشَرِ ، وَتَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُمْ فِي الْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ أَشْفَى لِلنَّفَسِ مِنَ الِانْتِقَامِ مِمَّنْ يَكِيدُهَا وَيُرِيدُهَا بِسُوءٍ ، وَقَدْ كَانَ مِنْ طَبْعِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ آيٌ مِنَ الْقُرْآنِ حِمًى وَحِدَّةٌ ، وَقَدْ قَصَّ عَلَيْنَا الْكِتَابُ مَا كَانَ مِنْ وَكْزِهِ الْقِبْطِيِّ الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ ، وَمَا كَانَ عِنْدَ غَضَبِهِ مِنْ إِلْقَائِهِ الْأَلْوَاحَ ، وَأَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَضِبَ اشْتَعَلَتْ قَلَنْسُوَتُهُ نَارًا ، وَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ الدِّينِ بِحِفْظِ النَّفْسِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَالضَّيْمِ عَنْهَا ، وَمَنْ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - مَا سَنَّهُ فِيمَنِ اطَّلَعَ عَلَى مَحْرَمِ قَوْمٍ مِنْ عُقُوبَتِهِ فِي عَيْنِهِ ، فَقَالَ : " مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَأُوا عَيْنَهُ " . وَلَمَّا نَظَرَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى صُورَةٍ بَشَرِيَّةٍ هَجَمَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ تُرِيدُ نَفْسَهُ ، وَتَقْصُدُ هَلَاكَهُ ، وَهُوَ لَا يُثْبِتُهُ مَعْرِفَةً ، وَلَا يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، وَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فِيمَا يُرَاوِدُهُ مِنْهُ ، عَمَدَ إِلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِيَدِهِ وَبَطْشِهِ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ ذَهَابُ عَيْنِهِ . وَقَدِ امْتُحِنَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صُلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِدُخُولِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ ، كَدُخُولِ الْمَلَكَيْنِ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَةِ الْخَصْمَيْنِ ، لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ تَقْرِيعِهِ إِيَّاهُ بِذَنْبِهِ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى مَا لَمْ يَرْضَهُ مِنْ فِعْلِهِ ، وَكُدُخُولِهِمْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أَرَادُوا إِهْلَاكَ قَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَ : قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ، وَقَالَ : فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ(1/312)
وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وَكَانَ نَبِيُّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِالْوَحْيِ يَأْتِيهِ الْمَلَكُ فَيَلْتَبِسُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ ، وَلَمَّا جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ لَمْ يَتَبَيَّنْهُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ تَبَيَّنَ أَمَرَهُ فَقَالَ : " هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ " . وَكَذَلِكَ كَانَ أَمَرُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا جَرَى مِنْ مُنَاوَشَتِهِ مَلَكَ الْمَوْتِ وَهُوَ يَرَاهُ بَشَرًا ، فَلَمَّا عَادَ الْمَلَكُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَثْبِتًا أَمْرَهُ فِيمَا جَرَى عَلَيْهِ ، رَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَأَعَادَهُ رَسُولًا إِلَيْهِ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ ، لِيَعْلَمَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِذَا رَأَى صِحَّةَ عَيْنِهِ الْمَفْقُوءَةِ ، وَعَوْدِ بَصَرِهِ الذَّاهِبِ ، أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَهُ لَقَبْضِ رُوحِهِ ، فَاسْتَسْلَمَ حِينَئِذٍ لَأَمْرِهِ وَطَابَ نَفْسًا بِقَضَائِهِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ رِفْقٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ ، وَلُطْفٌ بِهِ فِي تَسْهِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ لِقَائِهِ ، وَالِانْقِيَادِ لِمَوْرِدِ قَضَائِهِ . قَالَ : وَمَا أَشْبَهَ مَعْنَى قَوْلِهِ : " مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ " بِتَرْدِيدِ رَسُولِهِ مَلَكِ الْمَوْتِ إِلَى نَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فِيمَا كَرِهَهُ مِنْ نُزُولِ الْمَوْتِ بِهِ لُطْفًا مِنْهُ بِصَفِيِّهِ ، وَعَطْفًا عَلَيْهِ . وَالتَّرَدُّدُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ يُقَرِّبُ بِهِ مَعْنَى مَا أَرَادَهُ إِلَى فَهْمِ السَّامِعِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ تَرْدِيدُ الْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِطِ مِنْ رَسُولٍ أَوْ شَيْءٍ غَيْرِهِ ، كَمَا شَاءَ سُبْحَانَهُ ، تَنَزَّهَ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَعَالَى عَنْ نُعُوتِ الْمَرْبُوبِينَ ، الَّذِينَ يَعْتَرِيهِمْ فِي أُمُورِهِمُ النَّدَمُ وَالْبَدَاءُ ، وَتَخْتَلِفُ بِهِمُ الْعَزَائِمُ وَالْآرَاءُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (1)
وفي فتح الباري : " "باب مَن أَحَبَّ الدَّفن فِي الأَرض المُقَدَّسَة أَو نَحوها"قالَ الزَّين بن المُنِير : المُراد بِقَوله : "أَو نَحوها " بَقِيَّة ما تُشَدّ إِلَيهِ الرِّحال مِنَ الحَرَمَينِ وكَذَلِكَ ما يُمكِن مِن مَدافِن الأَنبِياء وقُبُور الشُّهَداء والأَولِياء تَيَمُّنًا بِالجِوارِ وتَعَرُّضًا لِلرَّحمَةِ النّازِلَة عَلَيهِم اقتِداء بِمُوسَى عَلَيهِ السَّلام ، انتَهَى. وهَذا بِناء عَلَى أَنَّ المَطلُوب القُرب مِنَ الأَنبِياء الَّذِينَ دُفِنُوا بِبَيتِ المَقدِس ، وهُو الَّذِي رَجَّحَهُ عِياض.
__________
(1) - الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ لِلْبَيْهَقِيِّ (975) صحيح(1/313)
وقالَ المُهَلَّب : إِنَّما طَلَبَ ذَلِكَ لِيَقرُبَ عَلَيهِ المَشي إِلَى المَحشَر وتَسقُط عَنهُ المَشَقَّة الحاصِلَة لِمَن بَعُدَ عَنهُ.
ثُمَّ أَورَدَ المُصَنِّف حَدِيث أَبِي هُرَيرَة " أَرسَلَ مَلَك المَوت إِلَى مُوسَى " الحَدِيث أَورَدَهُ المُصَنِّف بِطُولِهِ مِن طَرِيق مَعمَر ، عَن ابن طاوُوسٍ عَن أَبِيهِ عَنهُ ولَم يَذكُر فِيهِ الرَّفع ، وقَد ساقَهُ فِي أَحادِيث الأَنبِياء مِن هَذا الوجه ثُمَّ قالَ : وعَن مَعمَر ، عَن هَمّام بن مُنَبِّه عَن أَبِي هُرَيرَة عَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نَحوه.
وقَد ساقَهُ مُسلِم مِن طَرِيق مَعمَر بِالسَّنَدَينِ كَذَلِكَ. وقَوله فِيهِ " رَميَة بِحَجَرٍ" أَي قَدر رَميَة حَجَر ، أَي أَدنِنِي مِن مَكان إِلَى الأَرض المُقَدَّسَة هَذا القَدر ، أَو أَدنِنِي إِلَيها حَتَّى يَكُون بَينِي وبَينها هَذا القَدر ، وهَذا الثّانِي أَظهَر ، وعَلَيهِ شَرَحَ ابن بَطّال وغَيره.
وأَمّا الأَوَّل فَهُو وإِن رَجَّحَهُ بَعضهم فَلَيسَ بِجَيِّدٍ إِذ لَو كانَ كَذَلِكَ لَطَلَبَ الدُّنُوّ أَكثَر مِن ذَلِكَ ، ويَحتَمِل أَن يَكُون القَدر الَّذِي كانَ بَينه وبَين أَوَّل الأَرض المُقَدَّسَة كانَ قَدر رَميَة فَلِذَلِكَ طَلَبَها ، لَكِن حَكَى ابن بَطّال عَن غَيره أَنَّ الحِكمَة فِي أَنَّهُ لَم يَطلُب دُخُولها لِيُعمِيَ مَوضِع قَبره لِئَلاَّ تَعبُدهُ الجُهّال مِن مِلَّته انتَهَى.
ويَحتَمِل أَن يَكُون سِرّ ذَلِكَ أَنَّ الله لَمّا مَنَعَ بَنِي إِسرائِيل مِن دُخُول بَيت المَقدِس وتَرَكَهُم فِي التِّيه أَربَعِينَ سَنَة إِلَى أَن أَفناهُم المَوت فَلَم يَدخُل الأَرض المُقَدَّسَة مَعَ يُوشَع إِلاَّ أَولادهم ، ولَم يَدخُلها مَعَهُ أَحَد مِمَّن امتَنَعَ أَوَّلاً أَن يَدخُلها كَما سَيَأتِي شَرح ذَلِكَ فِي أَحادِيث الأَنبِياء وماتَ هارُون ثُمَّ مُوسَى عَلَيهِما السَّلام قَبل فَتح الأَرض المُقَدَّسَة عَلَى الصَّحِيح كَما سَيَأتِي واضِحًا أَيضًا ، فَكَأَنَّ مُوسَى لَمّا لَم يَتَهَيَّأ لَهُ دُخُولها لِغَلَبَةِ الجَبّارِينَ عَلَيها ولا يُمكِن نَبشه بَعد ذَلِكَ لِيُنقَلَ إِلَيها طَلَبَ القُرب مِنها لأَنَّ ما قارَبَ الشَّيء يُعطَى حُكمه ، وقِيلَ إِنَّما طَلَبَ مُوسَى الدُّنُوّ لأَنَّ النَّبِيّ يُدفَن حَيثُ يَمُوت ولا يُنقَل ، وفِيهِ نَظَر لأَنَّ مُوسَى قَد نَقَلَ يُوسُف عَلَيهِما السَّلام مَعَهُ لَمّا خَرَجَ مِن مِصر كَما سَيَأتِي ذَلِكَ فِي تَرجَمَته إِن شاءَ الله تَعالَى ، وهَذا كُلّه بِناء عَلَى الاحتِمال الثّانِي والله أَعلَم.
واختُلِفَ فِي جَواز نَقل المَيِّت مِن بَلَد إِلَى بَلَد ، فَقِيلَ : يُكرَه لِما فِيهِ مِن تَأخِير دَفنه وتَعرِيضه لِهَتكِ حُرمَته ، وقِيلَ يُستَحَبّ ، والأَولَى تَنزِيل ذَلِكَ عَلَى حالَتَينِ : فالمَنع حَيثُ(1/314)
لَم يَكُن هُناكَ غَرَض راجِح كالدَّفنِ فِي البِقاع الفاضِلَة ، وتَختَلِف الكَراهَة فِي ذَلِكَ فَقَد تَبلُغ التَّحرِيم ، والاستِحباب حَيثُ يَكُون ذَلِكَ بِقُربِ مَكان فاضِل كَما نَصَّ الشّافِعِيّ عَلَى استِحباب نَقل المَيِّت إِلَى الأَرض الفاضِلَة كَمَكَّة وغَيرها. والله أَعلَم. (1)
قالَ ابنُ خُزَيمَةَ : أَنكَرَ بَعضُ المُبتَدَعَةِ هَذا الحَدِيثَ وقالُوا إِن كانَ مُوسَى عَرَفَهُ فَقَد استَخَفَّ بِهِ ، وإِن كانَ لَم يَعرِفهُ فَكَيفَ لَم يُقتَصَّ لَهُ مِن فَقءِ عَينِهِ ؟
والجَوابُ أَنَّ الله لَم يَبعَث مَلَكَ المَوتِ لِمُوسَى وهُو يُرِيدُ قَبضَ رُوحِهِ حِينَئِذٍ ، وإِنَّما بَعَثَهُ إِلَيهِ اختِبارًا وإِنَّما لَطَمَ مُوسَى مَلَكَ المَوتِ لأَنَّهُ رَأَى آدَمِيًّا دَخَلَ دارَهُ بِغَيرِ إِذنِهِ ولَم يَعلَم أَنَّهُ مَلَكُ المَوتِ ، وقَد أَباحَ الشّارِعُ فَقءَ عَينِ النّاظِرِ فِي دارِ المُسلِمِ بِغَيرِ إِذنٍ.
وقَد جاءَت المَلائِكَةُ إِلَى إِبراهِيم وإِلَى لُوطٍ فِي صُورَةِ آدَمِيِّينَ فَلَم يَعرِفاهُم ابتِداءً ، ولَو عَرَفَهُم إِبراهِيمُ لَما قَدَّمَ لَهُم المَأكُولَ ، ولَو عَرَفَهُم لُوطٌ لَما خافَ عَلَيهِم مِن قَومِهِ . وعَلَى تَقدِيرِ أَن يَكُونَ عَرَفَهُ فَمِن أَينَ لِهَذا المُبتَدِعِ مَشرُوعِيَّةُ القِصاصِ بَينَ المَلائِكَةِ والبَشَرِ ؟ ثُمَّ مِن أَينَ لَهُ أَنَّ مَلَكَ المَوتِ طَلَبَ القِصاصَ مِن مُوسَى فَلَم يَقتَصَّ لَهُ ؟
ولَخَّصَ الخَطّابِيُّ كَلامَ ابنِ خُزَيمَةَ وزادَ فِيهِ أَنَّ مُوسَى دَفَعَهُ عَن نَفسِهِ لِما رُكِّبَ فِيهِ مِنَ الحِدَّةِ ، وأَنَّ الله رَدَّ عَينَ مَلَكِ المَوتِ لِيَعلَمَ مُوسَى أَنَّهُ جاءَهُ مِن عِندِ اللهِ فَلِهَذا استَسلَمَ حِينَئِذٍ.
وقالَ النَّووِيُّ لا يَمتَنِعُ أَن يَأذَنَ اللَّهُ لِمُوسَى فِي هَذِهِ اللَّطمَةِ امتِحانًا لِلمَلطُومِ.
وقالَ غَيرُهُ إِنَّما لَطَمَهُ لأَنَّهُ جاءَ لِقَبضِ رُوحِهِ مِن قَبلِ أَن يُخَيِّرَهُ ، لِما ثَبَتَ أَنَّهُ لَم يُقبَض نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ ، فَلِهَذا لَمّا خَيَّرَهُ فِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ أَذعَنَ.
قِيلَ : وهَذا أَولَى الأَقوالِ بِالصَّوابِ ، وفِيهِ نَظَرٌ لأَنَّهُ يَعُودُ أَصلُ السُّؤالِ فَيُقالُ : لِمَ أَقدَمَ مَلَكُ المَوتِ عَلَى قَبضِ نَبِيِّ اللهِ وأَخَلَّ بِالشَّرطِ ؟ فَيَعُودُ الجَوابُ أَنَّ ذَلِكَ وقَعَ امتِحانًا . وزَعَمَ بَعضُهُم أَنَّ مَعنَى قَولِهِ : "فَقَأَ عَينَهُ" أَي أَبطَلَ حُجَّتَهُ ، وهُو مَردُودٌ بِقَولِهِ فِي نَفسِ الحَدِيثِ " فَرَدَّ اللَّهُ عَينَهُ " وبِقَولِهِ : "لَطَمَهُ وصَكَّهُ " وغَيرِ ذَلِكَ مِن قَرائِنِ السِّياقِ .
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (3 / 207)(1/315)
وقالَ ابنُ قُتَيبَةَ : إِنَّما فَقَأَ مُوسَى العَينَ الَّتِي هِيَ تَخيِيلٌ وتَمثِيلٌ ولَيسَت عَينًا حَقِيقَةً ، ومَعنَى رَدَّ اللَّهُ عَينَهُ أَي أَعادَهُ إِلَى خِلقَتِهِ الحَقِيقِيَّةِ.
وقِيلَ عَلَى ظاهِرِهِ ، ورَدَّ اللَّهُ إِلَى مَلَكِ المَوتِ عَينَهُ البَشَرِيَّةَ لِيَرجِعَ إِلَى مُوسَى عَلَى كَمالِ الصُّورَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقوى فِي اعتِبارِهِ ، وهَذا هُو المُعتَمَدُ . وجَوَّزَ ابنُ عَقِيلٍ أَن يَكُونَ مُوسَى أُذِنَ لَهُ أَن يَفعَلَ ذَلِكَ بِمَلَكِ المَوتِ وأُمِرَ مَلَكُ المَوتِ بِالصَّبرِ عَلَى ذَلِكَ كَما أُمِرَ مُوسَى بِالصَّبرِ عَلَى ما يَصنَعُ الخَضِرُ.
وفِيهِ أَنَّ المَلَكَ يَتَمَثَّلُ بِصُورَةِ الإِنسانِ ، وقَد جاءَ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ أَحادِيثَ.
وفِيهِ فَضلُ الدَّفنِ فِي الأَرضِ المُقَدَّسَةِ ، وقَد تَقَدَّمَ شَرحُ ذَلِكَ فِي الجَنائِزِ . واستَدَلَّ بِقَولِهِ : "فَلَك بِكُلِّ شَعرَةٍ سَنَةٌ " عَلَى أَنَّ الَّذِي بَقِيَ مِنَ الدُّنيا كَثِيرٌ جِدًّا لأَنَّ عَدَدَ الشَّعرِ الَّذِي تُوارِيهِ اليَدُ قَدرَ المُدَّةِ الَّتِي بَينَ مُوسَى وبَعثَةِ نَبِيِّنا - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتَينِ وأَكثَر.
واستُدِلَّ لَهُ عَلَى جَوازِ الزِّيادَةِ فِي العُمُرِ وقَد قالَ بِهِ قَومٌ فِي قَولِهِ تَعالَى : {وما يُعَمَّرُ مِن مُعَمَّرٍ ولا يُنقَصُ مِن عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ " أَنَّهُ زِيادَةٌ ونَقصٌ فِي الحَقِيقَةِ.
وقالَ الجُمهُورُ : والضَّمِيرُ فِي قَولِهِ : "مِن عُمُرِهِ " لِلجِنسِ لا لِلعَينِ ، أَي ولا يُنقَصُ مِن عُمُرِ آخَرَ ، وهَذا كَقَولِهِم عِندِي ثَوبٌ ونِصفُهُ أَي ونِصفُ ثَوبٍ آخَرَ.
وقِيلَ المُرادُ بِقَولِهِ ولا يُنقَصُ مِن عُمُرِهِ أَي وما يَذهَبُ مِن عُمرِهِ ، فالجَمِيعُ مَعلُومٌ عِندَ اللهِ تَعالَى.
والجَوابُ عَن قِصَّةِ مُوسَى أَنَّ أَجَلَهُ قَد كانَ قَرُبَ حُضُورُهُ ولَم يَبقَ مِنهُ إِلاَّ مِقدارُ ما دارَ بَينَهُ وبَينَ مَلَكِ المَوتِ مِنَ المُراجَعَتَينِ ، فَأُمِرَ بِقَبضِ رُوحِهِ أَوَّلاً مَعَ سَبقِ عِلمِ اللهِ أَنَّ ذَلِكَ لا يَقَعُ إِلاَّ بَعدَ المُراجَعَةِ وإِن لَم يَطَّلِع مَلَكُ المَوتِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلاً . والله أَعلَمُ. (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (6 / 442)(1/316)
الباب الثالث
فضائل بعض مدن الشام وجباله
يأجوج ومأجوج وجبل بيت المقدس
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ،قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ،فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ،حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ،فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا،فَقَالَ:"مَا شَأْنُكُمْ ؟ " قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً،فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ،حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ،فَقَالَ:"غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ،إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ،فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ،وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ،فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ،إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ،عَيْنُهُ طَافِئَةٌ،كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ،فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ،فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ،إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ،فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا،يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا " قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ ؟ قَالَ:"أَرْبَعُونَ يَوْمًا،يَوْمٌ كَسَنَةٍ،وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ،وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ،وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ " قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ،أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ:"لَا،اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ " قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ ؟ قَالَ:"كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ،فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ،فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ،فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ،وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ،فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ،أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا،وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا،وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ،ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ،فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ،فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ،فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ،وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ،فَيَقُولُ لَهَا:أَخْرِجِي كُنُوزَكِ،فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ،ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا،فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ،ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ،يَضْحَكُ،فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ،فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ،بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ،وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ،إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ،وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ،فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ،وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ،فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ،فَيَقْتُلُهُ،ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ،فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي(1/317)
الْجَنَّةِ،فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى:إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي،لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ،فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ،وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ،فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا،وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ:لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ،وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ،حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ،فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ،فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ،فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ،ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ،فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ،فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ،فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ،ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ،فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ،ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ:أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ،وَرُدِّي بَرَكَتَكِ،فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ،وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا،وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ،حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ،وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ،فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً،فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ،فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ،وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ،يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ،فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ " (1)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7560 )
البخت : واحدتها البختية وهى الناقة طويلة العنق ذات السنامين -الحدب : الغليظ من الأرض فى ارتفاع - حرز : ضم -خلة : طريق -الذرى : جمع الذروة وهى أعلى الشىء والمراد السنام -الرسل : اللبن -يرغب : يدعو -الزلفة : المكان يحفر ليحبس فيه ماء السماء وقيل المرآة -الزهم : الريح المنتنة -الزهمة : الريح المنتنة -السارحة : الماشية -اليعاسيب : جمع يعسوب وهو ذكر النحل -عاث : أفسد -الفئام : الجماعة الكثيرة -الفخذ : حى الرجل إذا كان من أقرب عشيرته -الفرسى : جمع الفريس وهم القتلى -القحف : القشر -القطط : شديد جعودة شعر الرأس -يكن : يستر -اللقحة : الناقة ذات اللبن قريبة العهد بالولادة -الممحل : المجدب المقحط -الْمدر : القرى والأمصار واحدتها مدرة -ينسلون : يخرجون مسرعين -النغف : جمع النغفة وهو دود يوجد فى أنوف الإبل والغنم فتموت به فى أقرب وقت -يتهارجون : يجامعون النساء بحضرة الناس
المهرودة : الحلة أو الشقة وقيل الثوب المهرود الذى يصبغ بالورس والزعفران -الوبَر : البيت المتخذ من صوف الإبل والمراد أهل البادية(1/318)
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ:ثني أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ يَقُولُ:"ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ،وَذَكَرَ أَمْرَهُ،وَأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَقْتُلُهُ،ثُمَّ قَالَ:"فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ،أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:يَا عِيسَى،إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي،لَا يَدَ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ،فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ فَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ،وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ،فَيَمُرُّ أَحَدُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ،فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا،ثُمَّ يَنْزِلُ آخِرُهُمْ،ثُمَّ يَقُولُ:لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَاءٌ مَرَّةً . فَيُحَاصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ،حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ يَوْمَئِذٍ خَيْرًا لِأَحَدِهِمْ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ،فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ،فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ،فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى مَوْتَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ،فَيَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ،فَلَا يَجِدُونَ مَوْضِعًا إِلَّا قَدْ مَلَأَهُ زُهْمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ وَدِمَاؤُهُمْ،فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ،فَيُرْسِلُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ،فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ،ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يُكَنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ،فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ " (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (22676 ) صحيح(1/319)
فضائل حمص
عَنْ حُمْرَةَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ،قَالَ:سَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ بَعْدَ مَسِيرِهِ الْأَوَّلِ كَانَ إِلَيْهَا،حَتَّى إِذَا شَارَفَهَا،بَلَغَهُ وَمَنْ مَعَهُ أَنَّ الطَّاعُونَ فَاشٍ فِيهَا،فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ:ارْجِعْ وَلا تَقَحَّمْ عَلَيْهِ،فَلَوْ نَزَلْتَهَا وَهُوَ بِهَا لَمْ نَرَ لَكَ الشُّخُوصَ عَنْهَا،فَانْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ،فَعَرَّسَ مِنْ لَيْلَتِهِ تِلْكَ،وَأَنَا أَقْرَبُ الْقَوْمِ مِنْهُ،فَلَمَّا انْبَعَثَ،انْبَعَثْتُ مَعَهُ فِي أَثَرِهِ،فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:رَدُّونِي عَنِ الشَّامِ بَعْدَ أَنْ شَارَفْتُ عَلَيْهِ،لِأَنَّ الطَّاعُونَ فِيهِ،أَلَا وَمَا مُنْصَرَفِي عَنْهُ بمُؤَخِّرٍّ فِي أَجَلِي،وَمَا كَانَ قُدُومِي مِنْهُ بمُعَجِّلِي عَنْ أَجَلِي،أَلا وَلَوْ قَدْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَفَرَغْتُ مِنْ حَاجَاتٍ لَا بُدَّ لِي مِنْهَا،لَقَدْ سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الشَّامَ،ثُمَّ أَنْزِلَ حِمْصَ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ عَلَيْهِمْ،مَبْعَثُهُمْ فِيمَا بَيْنَ الزَّيْتُونِ وَحَائِطِهَا فِي الْبَرْثِ الْأَحْمَرِ مِنْهَا " (1)
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:سَافَرْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ آخِرَ سَفَرِهِ إِلَى الشَّامِ،فَلَمَّا شَارَفَهَا أُخْبِرَ أَنَّ الطَّاعُونَ فِيهَا،فَقِيلَ لَهُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَهْجِمَ عَلَيْهِ،كَمَا أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَأَنْتَ بِهَا مَا كَانَ لَكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا،فَرَجَعَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ،قَالَ:فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ بِاللَّيْلِ إِذْ قَالَ لِي:أَعْرِضْ عَنِ الطَّرِيقِ،فَعَرَضَ،وَعَرَضْتُ،فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ،ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى ذِرَاعِ جَمَلِهِ،فَنَامَ وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنَامُ،ثُمَّ ذَهَبَ يَقُولُ لِي:مَا لِي وَلَهُمْ،رُدُّونِي عَنِ الشَّامِ،ثُمَّ رَكِبَ فَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا ظَنَنْتُ أَنَا مُخَالِطُوا النَّاسَ،قُلْتُ لَهُ:لِمَ قُلْتَ مَا قُلْتَ حِينَ انْتَبَهْتَ مِنْ نَوْمِكَ ؟ قَالَ:إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"لَيُبْعَثَنَّ مِنْ بَيْنِ حَائِطِ حِمْصَ وَالزَّيْتُونِ فِي التُّرَابِ الْأَحْمَرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ "،لَئِنْ أَرْجَعَنِي اللَّهُ مِنْ سَفَرِي هَذَا،لَأَحْتَمِلَنَّ عِيَالِي وَأَهْلِي وَمَالِي حَتَّى أَنْزَلَ حِمْصَ،فَرَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَقُتِلَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ " (2)
__________
(1) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (120 ) حسن لغيره
(2) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (4479 ) ومُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 1830 ) حسن لغيره(1/320)
ووهم الذهبي في التلخيص حيث أعله بإسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي المعروف بابن زبريق ،كذبه محمد بن عوف الطائي،وقال ابو داود ،ليس بشيء وقال النسائي ليس بثقة ا هـ
أقول: قال عنه في التهذيب - روى عنه البخاري في الأدب وأبو حاتم والذهلي ويعقوب الفسوي وعثمان بن سعيد الدارمي والترمذي ويحيى بن عمرو بن المصري وجماعة قال أبو حاتم: شيخ لا بأس به لكنهم يحسدونه سمعت ييى بن معين أثنى عليه خيراً وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي : ليس بثقة وقال محمد بن عوف ما أشك أن إسحاق بن زبريق يكذب ا هـ التهذيب 1/215 و 216
أقول:
توثيقه أرجح لأن البخاري وكبار الأئمة رووا عنه ووثقه أبو حاتم وابن معين ومسلمة وابن حبان وروى له ثمانية أحاديث في صحيحه ولعل من ضعفه لرأي وليس لرواية فهو حسن الحديث
البرث الأحمر: الأرض اللينه يريد بها أرضاً قريبةً من حمص
وعَنِ ابْنِ عَبْدِ كُلَالٍ،قَالَ:سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مِنْ مَدِينَةٍ بِالشَّامِ يُقَالُ لَهَا:حِمْصٌ سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ،مَا بَيْنَ الزَّيْتُونِ،وَالْحَائِطِ،وَالْبَرَثِ الْأَحْمَرِ " (1)
وعَنْ حُمْرَةَ بْنِ عَبْدِ كُلَالِ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،دَخَلَ حِمْصَ فَقَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مِنْهَا سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ لَهُمْ وَلَا عَذَابَ " (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْبَحْرُ الزَّخَّارُ مُسْنَدُ الْبَزَّارِ ( 314 ) حسن لغيره
(2) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 1424 ) حسن لغيره وانظر تاريخ دمشق - (15 / 182)(1/321)
فضائل الغوطة
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"فُسْطَاطُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَلْحَمَةِ،الْغُوطَةُ مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ هِيَ خَيْرُ مَدَائِنِ الشَّامِ " (1)
وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ،قَالَ:حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمُ الشَّامُ،فَإِذَا خُيِّرْتُمُ الْمَنَازِلَ فِيهَا،فَعَلَيْكُمْ بِمَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا:دِمَشْقُ،فَإِنَّهَا مَعْقِلُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَلَاحِمِ،وَفُسْطَاطُهَا مِنْهَا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا:الْغُوطَةُ " (2)
وعَنْ مَكْحُولٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"مَوْضِعُ فُسْطَاطِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَلَاحِمِ أَرْضٌ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ " (3) - الفسطاط : الخيمة
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ،إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا:دِمَشْقُ،مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ " (4)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْكُبْرَى بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا : الْغُوطَةُ , فِيهَا مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا : دِمَشْقُ , فَهِيَ خَيْرُ مَسَاكِنِ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ. (5)
قوله (( فسطاط المسلمين )) ـ بضم الفاء وسكون السين المهملة وطائين مهملتين بينهما ألف ـ أي حصن المسلمين الذي يتحصنون به،وأصله الخيمة . (( يوم الملحمة )) أي المقتلة العظمى في الفتن الكائنة قرب قيام الساعة . (( بالغوطة )) ـ بضم الغين المعجمة ـ موضع بالشام كثير الماء والشجر كائن إلى جانب مدينة دمشق بالشام .
__________
(1) - فَضَائِلُ الصِّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (1660 ) صحيح مرسل وحسن لغيره
(2) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ( 17210 )حسن لغيره
(3) - سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ ( 4085 ) صحيح مرسل
(4) - سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ ( 3806 ) صحيح لغيره
(5) - مسند الشاميين 360 - (2 / 267)(1313) هذا حديث ثابت صحيح مشهور ، بل أصح أحاديث الشاميين فى الملاحم . قال إبراهيم بن الجنيد : سمعت يحيى بن معين ـ وقد ذكروا عنده أحاديث ملاحم الروم ـ فقال : ليس من أحاديث الشاميين شئٌ أصح من حديث صدقة بن خالد عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (( معقل المسلمين أيام الملاحم دمشق )) .(1/322)
وعَنْ مَكْحُولٍ،قَالَ:" لَتَمْخُرَنَّ الرُّومُ الشَّامَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا إِلَّا دِمَشْقَ وَعَمَّانَ " (1)
وعَنْ مَكْحُولٍ،قَالَ : " لَيَمْخَرَنَّ الرُّومُ الشَّامَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا،لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا إِلَّا دِمَشْقُ وَأَعَالِي الْبَلْقَاءِ " (2)
المخر : شق السفينة الماء وجريها فيه،فنقل إلى كل من فعل مثل ذلك في الماء والأرض وغيرهما،أراد : أن الروم تدخل الشام وتجوس خلاله وتطوفه. (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ >> كِتَاب السُّنَّةِ (4083 ) صحيح مرسل
(2) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1248) صحيح مرسل
(3) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (9 / 352)(1/323)
فضائل عسقلان
عن ابْنِ الْحَمِقِ،قال:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَكُونُ فِتْنَةٌ أَسْلَمُ النَّاسِ فِيهَا - أَوْ قَالَ:خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا - الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ " قَالَ ابْنُ الْحَمِقِ:فَلِذَلِكَ قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِصْرَ . (1)
وعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ،قَالَ:بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"رَحِمَ اللَّهُ أَهْلَ الْمَقْبَرَةِ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ،فَقَالَ:تِلْكَ مَقْبَرَةٌ تَكُونُ بِعَسْقَلَانَ " فَكَانَ عَطَاءٌ يُرَابِطُ بِهَا كُلَّ عَامٍ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى مَاتَ " (2)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بَحِينَةَ،عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ:"صَلَّى اللَّهُ عَلَى تِلْكَ الْمَقْبَرَةِ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،قَالَ:فَلَمْ نَدْرِ أَيَّ مَقْبَرَةٍ،وَلَمْ يُسَمِّ لَهُمْ شَيْئًا،قَالَ:فَدَخَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ـ قَالَ عَطَّافٌ:فَحُدِّثْتُ أَنَّهَا عَائِشَةَ ـ فَقَالَ لَهَا:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ أَهْلَ مَقْبَرَةٍ فَصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُخْبِرْنَا أَيَّ مَقْبَرَةٍ هِيَ ؟ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهَا فَسَأَلَتْهُ عَنْهَا فَقَالَ لَهَا:"أَهْلُ مَقْبَرَةٍ بِعَسْقَلَانَ " (3)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا،بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ،إِذْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : " صَلَّى اللَّهُ عَلَى تِلْكَ الْمَقْبَرَةِ " - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَلَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ أَيُّ مَقْبَرَةٍ هِيَ ؟ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُمْ شَيْئًا،فَدَخَلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ كَأَنَّهَا عَائِشَةُ،فَقَالَ لَهَا:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ أَهْلَ مَقْبَرَةٍ فَصَلَّى عَلَيْهِمْ،وَلَمْ يُخْبِرْنَا أَيُّ مَقْبَرَةٍ هِيَ ؟ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا،فَقَالَ:"هِيَ مَقْبَرَةٌ بِعَسْقَلَانَ " (4)
__________
(1) - الْبَحْرُ الزَّخَّارُ مُسْنَدُ الْبَزَّارِ (2027 ) و والإصابة 2/533 ومعجم الصحابة لابن قانع - (1087) والمعرفة والتاريخ - (1 / 266) والمعرفةوالتاريخ - (3 / 2) وتاريخ دمشق - (45 / 492) وتاريخ دمشق - (45 / 493) حسن لغيره
(2) - سُنَنُ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ( 2239 ) حسن مرسل
(3) - تاريخ ابن أبي خيثمة - (1 / 221)(1231) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم - (4 / 1777)(4510) ومسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (6 / 291)(2312) ومسند أبي يعلى الموصلي( 913) فيه جهالة
(4) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ ( 4301 ) فيه جهالة(1/324)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ،عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ،أَنَّهُ قَالَ:بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ،إِذْ قَالَ:"صَلَّى اللَّهُ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْمَقْبَرَةِ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،قَالَ:فَلَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ أَيُّ مَقْبَرَةٍ هِيَ ؟ وَلَمْ يُسَمِّ لَنَا شَيْئًا،حَتَّى تَفَرَّقُوا،فَدَخَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ عَطَّافٌ:حُدِّثْتُ أَنَّهَا عَائِشَةُ،فَقَالَ لَهَا:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ أَهْلَ مَقْبَرَةٍ،فَصَلَّى عَلَيْهِمْ،وَلَمْ يُخْبِرْنَا أَيُّ مَقْبَرَةٍ هِيَ،فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَسَأَلَتْهُ،فَقَالَ لَهَا:"أَهْلُ مَقْبَرَةِ بِعَسْقَلَانَ " (1)
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ:أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ:بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"يَرْحَمُ اللَّهُ أَهْلَ الْمَقْبَرَةِ " قَالَتْ عَائِشَةُ:أَهْلُ الْبَقِيعِ قَالَ:"يَرْحَمُ اللَّهُ أَهْلَ الْمَقْبَرَةِ " قَالَتْ عَائِشَةُ:أَهْلُ الْبَقِيعِ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا قَالَ:"مَقْبَرَةُ عَسْقَلَانَ " (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا رَسُولُ اللَّهِ،إِنِّي أُرِيدُ الْغَزْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،فَقَالَ:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ،ثُمَّ الزَمْ مِنَ الشَّامِ عَسْقَلَانَ ؛ فَإِنَّهَا إِذَا دَارَتِ الرَّحَى فِي أُمَّتِي كَانَ أَهْلُهَا فِي رَخَاءٍ وَعَافِيَةٍ " (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي أُرِيدُ الْغَزْوَ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عَلَيْكَ بِالشَّامِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَلَ لِي بِالشَّامِ،ثُمَّ الْزَمِ الشَّامَ ؛ فَإِنَّهُ إِذَا دَارَتِ الرَّحَا بَيْنَ أُمَّتِي كَانَ أَهْلُ عَسْقَلَانَ فِي رَاحَةٍ وَعَافِيَةٍ " (4)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (4017 ) فيه جهالة
(2) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ ( 9344 ) فيه ضعف
(3) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (6868 ) والمعرفةوالتاريخ - (2 / 356) وتاريخ دمشق - (1 / 96) حسن لغيره
(4) - مُعْجَمُ أَسَامِي شُيُوخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ( 196 ) والْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 10988 ) حسن لغيره(1/325)
الحثُّ على السكنى في دمشق
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمُ الشَّامُ،فَإِذَا خُيِّرْتُمُ الْمَنَازِلَ فِيهَا،فَعَلَيْكُمْ بِمَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا:دِمَشْقُ،فَإِنَّهَا مَعْقِلُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَلَاحِمِ،وَفُسْطَاطُهَا مِنْهَا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا:الْغُوطَةُ " (1)
وعن زَيْدَ بْنِ أَرْطَأَةَ الْفَزَارِيَّ،أنهُ سَمِعَ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيَّ،يَقُولُ:سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،يَقُولُ:إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:"يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ الْكُبْرَى فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ،بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ،فِيهَا مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ،خَيْرُ مَنَازِلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ " " (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنَيْدٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، - صلى الله عليه وسلم - ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"مَعْقِلُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَلَاحِمِ مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ،أَرْضٌ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ " (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ( 17210 ) حسن لغيره
(2) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ ( 8633 ) حسن
(3) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ ( 709 ) حسن لغيره(1/326)
فضل نهر الفرات
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ». (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ:الْفُرَاتُ،وَالنِّيلُ،وَسَيْحَانُ،وَجَيْحَانُ (2) .
اِعْلَمْ أَنَّ سَيْحَان وَجَيْحَان غَيْر سَيْحُون وَجَيْحُون،فَأَمَّا سَيْحَان وَجَيْحَان الْمَذْكُورَانِ فِي هَذَا الْحَدِيث اللَّذَانِ هُمَا مِنْ أَنْهَار الْجَنَّة فِي بِلَاد الْأَرْمَن،فَجَيْحَان نَهَر الْمُصَيِّصَة،وَسَيْحَان نَهَر إِذْنَة،وَهُمَا نَهْرَان عَظِيمَانِ جِدًّا أَكْبَرهمَا جَيْحَان،فَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَوْضِعهمَا،وَأَمَّا قَوْل الْجَوْهَرِيّ فِي صِحَاحه جَيْحَان نَهْر الشَّام،فَغَلَط أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَجَاز مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بِبِلَادِ الْأَرْمَن،وَهِيَ مُجَاوِرَة لِلشَّامِ،قَالَ الْحَازِمِيّ:سَيْحَان نَهْر عِنْد الْمُصَيِّصَة،قَالَ:وَهُوَ غَيْر سَيْحُون،وَقَالَ صَاحِب نِهَايَة الْغَرِيب:سَيْحَان وَجَيْحَان نَهْرَان بِالْعَوَاصِمِ عِنْد الْمُصَيِّصَة وَطُرْسُوس،وَاتَّفَقُوا كُلّهمْ عَلَى أَنَّ جَيْحُون بِالْوَاوِ نَهْر وَرَاء خُرَاسَان عِنْد بَلْخ،وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ غَيْر جَيْحَان،وَكَذَلِكَ سَيْحُون غَيْر سَيْحَان،وَأَمَّا قَوْل الْقَاضِي عِيَاض:هَذِهِ الْأَنْهَار الْأَرْبَعَة أَكْبَر أَنْهَار بِلَاد الْإِسْلَام فَالنِّيل بِمِصْرَ،وَالْفُرَات:بِالْعِرَاقِ،وَسَيْحَان وَجَيْحَان،وَيُقَال:سَيْحُون وَجَيْحُون بِبِلَادِ خُرَاسَان،فَفِي كَلَامه إِنْكَار مِنْ أَوْجُه أَحَدهَا:قَوْله:الْفُرَات:بِالْعِرَاقِ،وَلَيْسَ بِالْعِرَاقِ بَلْ هُوَ فَاصِل بَيْن الشَّام وَالْجَزِيرَة . وَالثَّانِي:قَوْله سَيْحَان وَجَيْحَان،وَيُقَال:سَيْحُون وَجَيْحُون فَجَعَلَ الْأَسْمَاء مُتَرَادِفَة،وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ سَيْحَان غَيْر سَيْحُون،وَجَيْحَان غَيْر جَيْحُون،بِاتِّفَاقِ النَّاس كَمَا سَبَقَ . وَالثَّالِث:أَنَّهُ بِبِلَادِ خُرَاسَان،وَأَمَّا سَيْحَان وَجَيْحَان بِبِلَادِ الْأَرْمَن بِقُرْبِ الشَّام . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَأَمَّا كَوْن هَذِهِ الْأَنْهَار مِنْ مَاء الْجَنَّة فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي عِيَاض:أَحَدهمَا:أَنَّ الْإِيمَان عَمَّ بِلَادهَا،أَوْ الْأَجْسَام الْمُتَغَذِّيَة بِمَائِهَا صَائِرَة إِلَى الْجَنَّة . وَالثَّانِي:وَهُوَ الْأَصَحّ أَنَّهَا
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7340 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 91) (7544) 7535- صحيح(1/327)
عَلَى ظَاهِرهَا،وَأَنَّ لَهَا مَادَّة مِنْ الْجَنَّة،وَالْجَنَّة مَخْلُوقَة مَوْجُودَة الْيَوْم عِنْد أَهْل السُّنَّة،وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث الْإِسْرَاء أَنَّ الْفُرَات وَالنِّيل يَخْرُجَانِ مِنْ الْجَنَّة،وَفِي الْبُخَارِيّ ( مِنْ أَصْل سِدْرَة الْمُنْتَهَى ) . (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (9 / 222)(1/328)
أهم المراجع
1. أضواء البيان للشنقيطي
2. أيسر التفاسير لأسعد حومد
3. التحرير والتنوير لابن عاشور
4. التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع
5. التفسير الميسر
6. الدر المنثور للسيوطي - موقع التفاسير
7. تفسير ابن أبي حاتم
8. تفسير ابن كثير - دار طيبة
9. تفسير السعدي
10. تفسير الشعراوي
11. تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة
12. تفسير الفخر الرازى ـ موافق للمطبوع
13. تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع
14. فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع
15. أخبار مكة للفاكهي
16. إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى
17. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة
18. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم
19. الأدب المفرد للبخاري
20. الترغيب والترهيب للمنري
21. التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان
22. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة
23. السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد
24. الفوائد لتمام 414
25. المجالسة وجواهر العلم (333)
26.(1/329)
المستدرك للحاكم مشكلا
27. المسند الجامع
28. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (852)
29. المعجم الأوسط للطبراني
30. المعجم الصغير للطبراني
31. المعجم الكبير للطبراني
32. جامع الأحاديث
33. جامع الأصول في أحاديث الرسول
34. دلائل النبوة للبيهقي
35. سنن أبي داود - المكنز
36. سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة
37. سنن الترمذى- المكنز
38. سنن الدارقطنى- المكنز
39. سنن الدارمى- المكنز
40. سنن النسائي- المكنز
41. شرح مشكل الآثار (321)
42. شرح معاني الآثار (321)
43. شعب الإيمان (458)
44. صحيح ابن حبان
45. صحيح البخاري
46. صحيح مسلم- المكنز
47. عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة
48. غاية المقصد فى زوائد المسند 1
49. غاية المقصد فى زوائد المسند 2
50. كشف الأستار
51. مجمع الزوائد
52. مسند أبي عوانة مشكلا
53.(1/330)
مسند أبي يعلى الموصلي مشكل
54. مسند أحمد (عالم الكتب)
55. مسند احمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط)
56. مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار
57. مسند الحميدي - المكنز
58. مسند الشاشي 335
59. مسند الشاميين 360
60. مسند الطيالسي
61. مسند عبد بن حميد
62. مصنف ابن أبي شيبة
63. مصنف عبد الرزاق مشكل
64. معرفة الصحابة لأبي نعيم (430)
65. موسوعة السنة النبوية
66. موطأ مالك- المكنز
67. إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي
68. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل
69. البدر المنير في ترخيج الرافعي الكبير لابن الملقنار الهجرة
70. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير
71. الدراية في تخريج أحاديث الهداية
72. العلل المتناهية
73. الفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي
74. اللآلي المصنوعة
75. المقاصد الحسنة للسخاوي
76. المنار المنيف لابن القيم
77. تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج
78. تنزيه الشريعة المرفوعة
79. خلاصة البدر المنير
80.(1/331)
كشف الخفاء ومزيل الإلباس
81. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية
82. السلسلة الصحيحة للألباني
83. السلسلة الضعيفة للألباني
84. صحيح وضعيف الجامع الصغير
85. فضائل الشام ودمشق للربعي ت الألباني
86. علل الحدث ابن ابي حاتم
87. الفقه الإسلامي وأدلته
88. الفقه على المذاهب الأربعة
89. الموسوعة الفقهية الكويتية
90. فتاوى الإسلام سؤال وجواب
91. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
92. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
93. فتاوى يسألونك لعفانة1-12
94. مجموع الفتاوى لابن تيمية
95. سبل السلام للصنعاني - موقع الإسلام
96. نيل الأوطار للشوكاني - موقع الإسلام
97. الآداب الشرعية
98. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية
99. حلية الأولياء
100. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية
101. موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني
102. الخلاصة في علم الجرح والتعديل
103. المفصل في علوم الحديث
104. فتح المغيث في التعليق على تيسير مصطلح الحديث
105. السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث
106. حياة الصحابة للكاندهلوى
107.(1/332)
زاد المعاد في هدي خير العباد
108. الإصابة في تمييز الصحابة
109. التاريخ الأوسط 256
110. الطبقات الكبرى لابن سعد
111. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة
112. المعرفةوالتاريخ
113. تعجيل المنفعة
114. تقريب التهذيب
115. تهذيب التهذيب
116. تهذيب الكمال للمزي
117. ثقات ابن حبان
118. سير أعلام النبلاء (748)
119. لسان الميزان للحافظ ابن حجر
120. ميزان الاعتدال في نقد الرجال
121. البداية والنهاية لابن كثير - موافقة للمطبوع
122. تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع
123. مقدمة ابن خلدون
124. الزُهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
125. الْبِدَعُ لِابْنِ وَضَّاحٍ
126. رفع الملام عن الإئمة الأعلام بتحقيقي
127. المفصل في عوامل النصر والهزيمة
128. صفحات من التاريخ الإسلامي - الدولة الفاطمية
129. صلاح الدين بطل حطين،
130. وفيات الأعيان
131. سعود الأسدي -saudalasadi@yahoo.com
132. عصام العطار - المصدر: موقع رابطة أدباء الشام
133.(1/333)
http://www.arabadab.net/poem.php?class=1&poet=3&poem=456
134. ملحمة الشام الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
135. المقامات للقرني
136. الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ لِلْبَيْهَقِيِّ
137. جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ
138. السُّنَنُ الْوَارِدَةُ فِي الْفِتَنِ
139. فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر -
140. عون المعبود
141. شرح ابن بطال
142. فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري
143. لسان العرب
144. الدر المنثور للسيوطي
145. إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة
146. الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ
147. شرح النووي على مسلم
148. الخلاصة في شرح حديث الولي
149. مُعْجَمُ ابْنِ الْمُقْرِئِ
150. تاريخ دمشق لابن عساكر
151. تعزية المسلم
152. التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ
153. معالم السنن للخطابي
154. نُسْخَةُ أَبِي مِسْهِرٍ وَغَيْرِهِ
155. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي
156. فضائل الشام لأبي محمد الألفي
157. تَارِيخُ دَارِّيَّا لِعَبْدِ الْجَبَّارِ الْخَوْلَانِيِّ
158. الْعَظَمَةُ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ
159.(1/334)
تنزيه الشريعة المرفوعة
160. أخبار القضاة
161. تاريخ بغداد
162. الكامل في الضعفاء
163. البحر المحيط للزركشي
164. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث
165. بحوث في المصطلح للفحل
166. شرح التبصرة والتذكرة طبعة الفحل
167. مقدمة جامع الأصول
168. شرح ألفية السيوطي
169. موسوعة السنة النبوية للمؤلف
170. نوادر الأصول للحكيم الترمذي
171. فضائل الصحابة لأحمد
172. إتحاف السادة المتقين للزبيدي
173. الجهاد لابن المبارك
174. مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ لِلطَّبَرَانِيِّ
175. الْأَوْلِياءِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا
176. بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ
177. عون المعبود
178. ذيل القول المسدد
179. القول المسدد الحديث التاسع
180. وتذكرة الموضوعات
181. الفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي
182. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم
183. إعلام الساجد للزركشي
184. تحفة الراكع والساجد
185. أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
186.(1/335)
شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية
187. شرح الطحاوية - ط دار السلام -
188. الشفا بتعريف حقوق المصطفى
189. فتح الباري لابن رجب
190. السيرة النبوية لأبي فارس
191. جريدة الدستور الأردنية العدد (4613) بقلم أميل الغوري
192. تفسير المنار
193. معركتنا مع اليهود " طبع دار الشروق - لبنان – للسيد tp://links.islammemo.cc
194. المفصل في عوامل النصر والهزيمة
195. مسْنَدُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ
196. الموسوعة الفقهية الكويتية
197. الشريعة للآجري
198. موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية
199. الْأَمْوَالُ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ
200. الْأَمْوَالُ لِابْنِ زَنْجُوَيْهِ
201. أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
202. أَخْبَارُ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ
203. أَخْبَارُ مَكَّةَ لِلْأَزْرَقِيِّ
204. الْفُرُوق للقرافي
205. مُغْنِي الْمُحْتَاج
206. المنثور لِلزَّرْكَشِيّ
207. الإصابة في معرفة الصحابة
208. الْمُنْتَقَى مِنْ كِتَابِ الطَّبَقَاتِ لِأَبِي عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيِّ
209. شرح الزرقاني على موطأ مالك
210. مطالب أولي النهى
211. شرح البهجة
212. فتاوى الأزهر
213.(1/336)
الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي -
214. عمدة القاري شرح صحيح البخاري
215. طرح التثريب للعراقي
216. روضة الطالبين
217. المغني لابن قدامة
218. شرح الزرقاني ط دار الفكر
219. جواهر الإكليل
220. حاشية الدسوقي
221. حاشية الجمل
222. أسنى المطالب
223. فتح القدير لابن الهمام
224. حاشية ابن عابدين
225. كشاف القناع
226. الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ لِلْبَيْهَقِيِّ
227. سُنَنُ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ
228. تاريخ ابن أبي خيثمة
229. مُعْجَمُ أَسَامِي شُيُوخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
230. السيرة النبوية للسباعي
231. الشاملة 3
232. برنامج قالون(1/337)
الفهرس العام
تمهيد ... 8
أول خطبة جمعة بعد فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ... 8
ماذا فعلنا للأقصى ... 12
رأيتُ الشامَ في حُلمي ... 22
يا شامُ يا شامُ يا أرضَ المحبينا ... 23
ضفاف بردى ... 28
ملحمة الشام ... 29
المقامة الدمشقية ... 33
الفضائل العامة ... 37
الإقسام بها ... 37
حث بني إسرائل على دخول الأرض المقدسة ... 40
المبوأ الصدق ... 49
الربوة ذات القرار والمعين ... 51
هجرة النبي إبراهيم وابن أخيه لوط عليهما السلام ... 52
الشام أرض مباركة ... 54
أهل الشام معونة لغيرهم ... 67
الحثُّ على سكنى الشام ... 68
الملائكة باسطة أجنحتها على الشام ... 71
وقوع ستة أشياء قبل الساعة ... 73
الشام أرض الملاحم الكبرى ... 78
الدعاء لأهل الشام ... 110
الشام كنز الله ... 113
عمود الكتاب الشام ... 114
أهل الشام في رباط دائم ... 118(1/338)
أهل الشام سوط الله ... 119
الإيمان عند وقوع الفتن بالشام ... 129
ابتلاء أهل الشام بالطاعون ليكون لهم شهادة ورحمة ... 131
استقبل بي الشام ... 136
الشام صفوة الله من بلاده ... 137
تسعة أعشار الخير بالشام ... 141
الطائفة المنصورة بالشام ... 143
الشيطان مطرود من الشام ... 149
إذَا تَعَارَضَ الْوَقْفُ وَالرَّفْعُ فما الحكم ... 151
عقر دار الإسلام بالشام ... 153
هلاك الدجال فى آخر الزمان يكون بالشام ... 156
الأبدال بالشام ... 160
الباب الثاني ... 183
فضائل بيت المقدس ... 183
ثاني بيت بني لعبادة الله في الأرض ... 183
الْقِبْلَةُ الأُْولَى لِلْمُسْلِمِينَ ... 186
أرض الإسراء والمعراج ... 210
الإسراء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حقيقته وأدلته ... 210
تعريف الإسراء لغة وشرعا : ... 210
حقيقة الإسراء وأدلته : ... 210
المعراج وحقيقته : ... 216
معركتنا مع اليهود ... 226
أسباب النصر الحقيقية وصفات من ينصرهم الله ... 239
الطريق إلى خلاص المسجد الأقصى ... 244
الذهاب للصلاة فيه وإسراجه ... 250
نزول الخلافة ببيت المقدس ... 260(1/339)
بيتُ المقدس لا يدخُلُه الدجّال ... 261
الصلاة حيث صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... 262
العمرة أفضل أم زيارة بيت المقدس ؟ ... 266
فضل السكنى ببيت المقدس ... 270
عمران بيت المقدس خراب المدينة ... 276
استحباب شد الرحل للمساجد الثلاث ... 278
بعض أحكام المسجد الأقصى ... 288
الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى ... 291
هل يلبي عند دخول بيت المقدس ؟ ... 296
من نذر أن يصلي في المسجد الأقصى ... 297
نقل رفاة النبي يوسف عليه السلام إلى الأرض المقدسة ... 302
نقل الميت من مكان موته إلى مكان آخر ... 304
نَبْشُ الْقَبْرِ مِنْ أَجْل نَقْل الْمَيِّتِ إِلَى مَكَانٍ آخَر ... 307
طلب موسى عليه السلام من ربه تقريبه عند موته من الأرض المقدسة ... 309
الباب الثالث ... 317
فضائل بعض مدن الشام وجباله ... 317
يأجوج ومأجوج وجبل بيت المقدس ... 317
فضائل حمص ... 320
فضائل الغوطة ... 322
فضائل عسقلان ... 324
فضل نهر الفرات ... 327(1/340)